المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌اعْتِلَالُ الْقُلُوبِ لِلْخَرَائِطِيِّ بسم الله الرحمن الرحيم أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ - اعتلال القلوب - الخرائطي - جـ ١

[الخرائطي]

فهرس الكتاب

‌اعْتِلَالُ الْقُلُوبِ لِلْخَرَائِطِيِّ

بسم الله الرحمن الرحيم

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَلِيٍّ الْغَزْنَوِيُّ أَيَّدَهُ اللَّهُ، قَالَ شَيْخُنَا الْغَزْنَوِيُّ: وَأَخْبَرَنِي أَيْضًا بِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاصِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السَّلَامِيُّ، وَأَبُو مَنْصُورٍ مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَضِرُ الْجَوَالِيقِيُّ

، وَالْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خُمَيسٍ الْمَوْصِلِيُّ الْجَمِيعُ إِجَازَةً قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، قَالَ الشَّيْخُ: وَأَخْبَرَنِي بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ إِجَازَةً بِالْقَاهِرَةِ فِي شُهُورِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْكَرَمِ الْمُبَارَكُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّهْرُزُورِيُّ فِي شُهُورِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالُوا: أَنْبَأَنَا الْحَاجِبُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَّافُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ بِبَغْدَادَ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنْدِيُّ بِمَكَّةَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَرِيمِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ فِي عُلُوِّ ذِكْرِهِ وَفَهْمِهِ وَفِقْهِهِ وَمُحَمَّد بْن سِيرينَ فِي وَرَعِهِ وَصَفَاءِ فَهْمِهِ وَإِسْحَاق الْأزْرَق فِي سَتْرِهِ وَجَمِيلِ مَذْهَبِهِ فِيمَا حَكُوهُ عَنِ الشُّعَرَاءِ حَرَجٌ أَوْ قَالُوا مَا لَا يَسَعْهُمْ وَيُسَوِّغُهُمُ الْمَنْطِقَ بِهِ، كَلَّا

ص: 13

وَبِارِئِ النَّسَمِ قَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ فَنَحْنُ حَاجَجْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنِ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ لِآثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ وَلِمِنْهَاجِهِمْ مُتَّبِعُونَ إِذَا كَانُوا أَئِمَةً مُهْتَدِينَ وَبِاللَّهِ عِصْمَتُنَا وَتَوْفِيقُنَا وَإِلَيْهِ مَرْجِعُنَا وَمَآبُنَا، وَهُو حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَوْ ذَهَبْنَا نَتَتَبَّعُ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَنَسْتَقْصِيهِ لَطَالَ ذَلِكَ وَلَقَطَعْنَا عَمَّا لَهُ قَصَدْنَا وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ تَوْفِيقًا لِمَا قَرُبَ مِنْ رِضَاهُ، وَبَاعَدَ مِنْ سَخَطِهِ وَإِرْشَادًا لِلصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ

ص: 14

‌بَابُ الرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ عز وجل بِإِصْلَاحِ مَا فَسَدَ مِنَ الْقُلُوبِ

ص: 15

1 -

حَدَّثَنَا عَلِّيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ ثَنَا يَعَلَى بْنُ عُبَيْدِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنْبَأَ مَعْمَرُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الإِنْسانِ بُضْعَةٍ إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ سَائِرُ جَسَدِهِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ جَسَدِهِ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»

ص: 15

2 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاودَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، أَنَّ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو دُبُرَ الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلَبٍ لَا يَخْشَعُ، وَنَفَسٍ لَا تَشْبَعُ، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ»

ص: 15

3 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ، عَنْ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ أَبِيهِ، شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ: أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَوْذَةً أَتَعَوَّذُ بِهَا قَالَ: " قُلِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَبَصَرِي وَشَرِّ لِسَانِي وَقَلْبِي»

ص: 16

4 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَمِّهِ، دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ كُرْدُوسٍ: أَنَّهُ قَالَ: «دُومُوا عَلَى صَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، وَالْقُوا اللَّهَ بِقُلُوبٍ سَلِيمَةٍ وَأَعْمَالٍ صَادِقَةٍ»

ص: 16

5 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يَقْبَلُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»

ص: 16

6 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ الْأَحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا نَزَلَ فِي الْفِضَّةِ مَا نَزَلَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيُّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ قَالَ:«لِسَانًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا شَاكِرًا، وَزَوْجَةً مُؤَاتِيَةً»

ص: 17

7 -

حَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ»

ص: 17

8 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ:«إِنَّ الْقَلْبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُزْنٌ خَرِبَ»

ص: 18

9 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تبارك وتعالى فِي الْأَرْضِ آنِيَةً، فَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ مَا صَفَا مِنْهَا وَرَقَّ، وَإِنَّ آنِيَةَ اللَّهِ عز وجل فِي الْأَرْضِ قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ»

ص: 18

10 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَعْرُوفًا الْكَرْخِيَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ قُلُوبُنَا وَنَوَاصِينَا بِيَدِكَ، لَمْ تُمَلِّكْنَا مِنْهُمَا شَيْئًا، فَإِذْ قَدْ فَعَلْتَ بِهِمَا ذَلِكَ فَكُنْ أَنْتَ وَلِيُّهُمَا، وَاهْدِهِمَا إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ»

ص: 18

11 -

حَدَّثَنَا ابْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ رَدِيعٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: " كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ تَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِمَا أَدْبَرَ مِنْ قَلْبِي، وَافْتَحْ مَا أُقْفِلَ عَنْهُ حَتَّى تَجْعَلَهُ هَنِيئًا مَرِيئًا بِالذِّكْرِ لَكَ»

ص: 18

12 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. وَحَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:«يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُكْثِرُ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذَا

⦗ص: 19⦘

الدُّعَاءِ، هَلْ تَخْشَى؟ قَالَ:«وَمَا يُؤَمِّنُنِي يَا عَائِشَةُ، وَقُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ تبارك وتعالى، إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَلِّبَ قَلْبَ عَبْدٍ لَهُ قَلَّبَهُ، وَقَلَّبَ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ» اللَّفْظُ لِسَعْدَانَ

ص: 18

13 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا، وَمُصَرِّفِ الْقُلُوبِ»

ص: 19

14 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى، يَعْنِي الرَّبَذِيَّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ»

ص: 19

15 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدٍ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ هَانِي، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهَا حَيْثُ يَشَاءَ» . ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قَلْبِي إِلَى طَاعَتِكَ»

ص: 20

16 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ ، وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ هَذَا فِعْلِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ»

⦗ص: 21⦘

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُرِيدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُطَبِّقُ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ وَالْقِسْمَةِ بَيْنَهُنَّ، وَلَا يُطَبِّقُ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَحَبَّةِ

ص: 20

17 -

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ عَبِيدَةُ، يَعْنِي الْحُبَّ وَالْجِمَاعَ "

ص: 21

18 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ:«لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ فِي الشَّهْوَةِ وَلَوْ حَرَصْتَ»

ص: 21

19 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ، إِمَامُ مَسْجِدِ حَرَّانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:«أَوَّلُ حُبٍّ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ رضي الله عنها»

ص: 21

20 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، بَعَثَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ: سَلْهَا، أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ أَهْلَهُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ فَإِنْ قَالَتْ: لَا، فَقُلْ لَهَا: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ: لَا، فَأَخْبَرَهَا

⦗ص: 22⦘

بِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى عَائِشَةَ لَا يَتَمَالَكُ عَنْهَا، أَمَّا أَنَا فَلَا "

ص: 21

21 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:" أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: كُلُّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أُحِبُّ إِلَّا عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ خَالَفْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَتْ أُحِبَّهُنَّ إِلَى قَلْبِهِ "

ص: 22

22 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَيْشٍ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهم، فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ:«وَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟» قُلْتُ: أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَ. قَالَ: «عَائِشَةُ» ، قُلْتُ: إِنَّمَا أَعِنِّي مِنَ الرِّجَالِ قَالَ: «أَبُوهَا»

ص: 22

23 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها " أَنَّ فَاطِمَةَ، عليها السلام ذَكَرَتْ عَائِشَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا:«يَا بُنَيَّةِ، إِنَّهَا حَبِيبَةُ أَبِيكِ»

ص: 23

24 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهَا السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي مِرْطِهَا، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ. قَالَتْ: وَأَنَا سَاكِتَةٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» . قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: «فَأَحِبِّي هَذِهِ»

ص: 23

25 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بُدَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:" فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَشْرَةَ آلَافٍ عَشْرَةَ آلَافٍ، وَزَادَ عَائِشَةَ أَلْفَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّهَا حَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِلَّا جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ، فَإِنَّهُ فَرَضَ لَهُمَا سِتَّةَ آلَافٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ "

ص: 23

‌بَابُ التَّعَوُّذِ بِاللَّهِ عز وجل مِنْ شَرِّ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ

ص: 24

26 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَافِرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي حَصِينٍ: «إِنْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ يَنْفَعَانِكَ» . فَلَمَّا أَسْلَمْتُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْكَلِمَتَانِ؟ قَالَ:«قُلِ اللَّهُمَّ أَلْبِسْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي»

ص: 24

27 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، خَطَأِي وَعَمْدِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ لِأَرْشَدِ أَمْرِي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي»

ص: 24

28 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى

⦗ص: 25⦘

: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ: فَغَمَزَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَقَالَ: وَلَا حِينَ هَمَمْتَ. قَالَ: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ "

ص: 24

29 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" لَمَّا جُمِعَ النِّسْوَةُ قَالَ لَهُنَّ فِرْعَوْنُ مِصْرَ: أَيَّتُكُنَّ رَاوَدَتْ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ لِمَنَ الصَّادِقِينَ. قَالَ يُوسُفُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] فَغَمَزَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَقَالَ: وَلَا حِينَ هَمَمْتَ. قَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] "

ص: 25

30 -

حَدَّثَنِي أَخِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَدَقَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" خَلَقَ اللَّهُ عز وجل الْمُؤْمِنَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْفَسٍ: فَنَفْسٌ سَرِيعَةُ الْعَقْلِ، بَطِيئَةُ النِّسْيَانِ فَهِيَ طَيِّبَةٌ صَالِحَةٌ، وَهِيَ خَيْرُ الْأَنْفُسِ، وَنَفَسٌ سَرِيعَةُ الْعَقْلِ سَرِيعَةُ النِّسْيَانِ فَهِيَ صَالِحَةٌ، وَهِيَ دُونَهَا، وَنَفَسٌ بَطِيئَةُ الْعَقْلِ بَطِيئَةُ النِّسْيَانِ، وَهِيَ دُونَهَا، وَنَفَسٌ بَطِيئَةُ الْعَقْلِ سَرِيعَةُ النِّسْيَانِ، فَهِيَ خَبِيثَةٌ، وَهِيَ شَرُّ الْأَنْفُسِ "

ص: 25

31 -

أَنْشَدَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو الْوَلِيدِ رَبَاحُ بْنُ الْوَلِيدِ

⦗ص: 26⦘

:

الْمَرْءُ وَدُنْيَاهُ لَهُ غَرَّارَةْ

وَالنَّفْسُ بِالسُّوءِ لَهُ أَمَّارَةْ

يَا رُبَّ حُلْو غِبُّهُ مَرَارَةْ

ص: 25

32 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَكِينٍ، وَحَدَّثَنَا الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ عَدُوُّكَ الَّذِي إِذَا قَتَلَكَ أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ، وَإِذَا قَتَلْتَهُ كَانَ لَكَ نُورًا، أَعْدَى عَدُوٍّ لَكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ» أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَبْدِيُّ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ:

[البحر السريع]

قَلْبِي إِلَى مَا ضَرَّنِي دَاعِي

يُكْثِرُ أَحْزَانِي وَأَوْجَاعِي

لَقَلَّ مَا أَبْقَى عَلَى مَا أَرَى

يُوشِكُ أَنْ يَنْعَانِيَ النَّاعِي

كَيْفَ احْتِرَاسِي مِنْ عَدُوِّي إِذَا

كَانَ عَدُوِّي بَيْنَ أَضْلَاعِي

ص: 26

‌بَابُ إِلْزَامِ الْقُلُوبِ مَا يَشْغَلُهَا عَنْ فَسَادِ الْفِكْرِ

ص: 27

34 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ رَابِعَةُ: «شَغَلُوا قُلُوبُهُمْ بِحُبِّ الدُّنْيَا عَنِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَلَوْ تَرَكُوهَا لَجَالَتْ فِي الْمَلَكُوتِ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِمْ بِرَائِقِ الْفَوَائِدِ»

ص: 27

35 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: قَالَ مُسْلِمٌ الْخَوَّاصُ: «تَرَكْتُمُوهُ وَأَقْبَلَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ أَقْبَلْتُمْ عَلَيْهِ لَرَأَيْتُمُ الْعَجَائِبَ»

ص: 27

36 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: " اسْتَلْقَفْتُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَوْثَقَ الْعُرَى كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَخَيْرَ الْعَمَلِ مَا نَفَعَ، وَخَيْرَ الْهُدَى مَا اتُّبِعَ، وَشَرَّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ، وَأَعْظَمَ الْخَطَايَا اللِّسَانُ الْكَذُوبُ، وَخَيْرَ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ»

ص: 27

37 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي

⦗ص: 28⦘

الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي السَّمَّاكُ، عَنِ امْرَأَةٍ، كَانَتْ تَسْكُنُ بِالْبَادِيَةِ، سَمِعْتُهَا تَقُولُ:«لَوْ تَطَالَعَتْ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ بِفِكْرِهَا إِلَى مَا ذُخِرَ لَهَا فِي حُجُبِ الْغُيُوبِ مِنْ خَيْرِ الْآخِرَةِ، لَمْ يَصْفَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَيْشٌ، وَلَمْ تَقَرَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَيْنٌ»

ص: 27

38 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظُفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ:" رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ لِنَفْسِهِ: أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ ثُمَّ ذَمَّهَا، ثُمَّ خَطَمَهَا، ثُمَّ أَلْزَمَهَا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ لَهَا قَائِدًا "

ص: 28

39 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ:" أَنَّ رَجُلًا، تَعَبَّدَ زَمَانًا، ثُمَّ بَدَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ تبارك وتعالى حَاجَةٌ، فَصَامَ تِسْعِينَ سَبْتًا، يَأْكُلُ كُلَّ سَبْتٍ إِحْدَى عَشْرَةَ تَمْرَةً، ثُمَّ سَأَلَ حَاجَتَهُ فَلَمْ يُعْطَهَا، فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: مِنْكِ أُوتِيتُ، لَوْ كَانَ فِيكِ خَيْرٌ أُعْطِيتِ حَاجَتَكِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ مَلَكٌ، فَقَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ سَاعَتُكَ هَذِهِ الَّتِي أَزْرَيْتَ فِيهَا عَلَى نَفْسِكَ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَتِكَ الَّتِي قَدْ مَضَتْ، وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَاجَتَكَ "

ص: 28

40 -

حَدَّثَنَا ابْنُ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُغَازِلِيُّ قَالَ: " مَرَّ رَجُلٌ بِرَاهِبٍ، فَنَادَاهُ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّاهِبُ، مَتَى تَخْلُو الْقُلُوبُ مِنْ

⦗ص: 29⦘

حُبِّ الدُّنْيَا؟ قَالَ: فَصَرَخَ الرَّاهِبُ صَرْخَةً انْحَطَّ مِنْهَا مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَلَمْ يَزَلِ الرَّجُلُ يُرَاعِيهِ حَتَّى أَحَسَّ بِإِفَاقَتِهِ، فَنَادَاهُ: أَنَا مُنْذُ الْيَوْمِ مُنْتَظِرُكَ أَيُّهَا الرَّاهِبُ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا هَذَا، مَا تُرِيدُ مِنِّي، وَاللَّهِ لَا يَخْلُو الْقَلْبُ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا وَالْعَيْنُ تَنْظُرُ إِلَى أَهْلِهَا، وَالْأُذُنُ تَسْمَعُ إِلَى كَلَامِهِمْ، هُوَ وَاللَّهِ مَا أَقُولُ لَكَ حَتَّى يَأْوِيَ مُرِيدُ اللَّهِ عز وجل إِلَى أَكْهَافِ الْجِبَالِ وَبُطُونِ الْغِيرَانِ، يَظَلُّ مَعَ الْوحُوشِ نَوَازِلَهَا، وَيَأْكُلُ مِنْ أَجَنَّةِ الشَّجَرِ فِي أَظِلَّتِهَا، وَلَا يَرَى فِي ذَلِكَ أَنَّ النِّعْمَةَ أَتَمُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهَا عَلَيْهِ "

ص: 28

41 -

حَدَّثَنَا الْجُنَيْدُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ ضَيْغَمٌ لِكِلَابٍ: " إِنَّ حُبَّهُ تَعَالَى شَغَلَ قُلُوبَ مُحِبِّيهِ عَنِ التَّلَذُّذِ بِمَحَبَّةِ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ حُبِّهِ لَذَّةٌ تُدَانِي مَحَبَّتَهُ، وَلَا يَأْمُلُونَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ كَرَامَةِ الثَّوَابِ أَكْبَرَ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ مَحْبُوبِهِمْ. قَالَ: فَسَقَطَ كِلَابٌ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ "

ص: 29

‌بَابُ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ قَلْبِهِ وَاعِظًا

ص: 30

42 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" ضَرَبَ اللَّهُ عز وجل مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ بِسَوْءَةٍ، يَعْنِي سُورًا، فِيهِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تَتَعَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ فَتْحَ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ فَتَحْتَهُ تَلِجْهُ، فَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّتُورُ حُدُودُ اللَّهِ عز وجل، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ "

ص: 30

43 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ عَيْنَانِ فِي وَجْهِهِ يُبْصِرُ بِهِمَا أَمْرَ الدُّنْيَا، وَعَيْنَانِ فِي قَلْبِهِ يُبْصِرُ بِهِمَا أَمْرَ الْآخِرَةِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتَحَ عَيْنَيْهِ اللَّتَيْنِ فِي قَلْبِهِ فَأَبْصَرَ بِهِمَا مَا وَعَدَ اللَّهُ بِالْغَيْبِ، فَأَمِنَ الْغَيْبَ

⦗ص: 31⦘

بِالْغَيْبِ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ تَرَكَهُ عَلَى مَا فِيهِ. ثُمَّ قَرَأَ:{أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] "

ص: 30

44 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ لِسَانَ الْحَكِيمِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا رَجَعَ إِلَى قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَمْسَكَ، وَإِنَّ الْجَاهِلَ قَلْبُهُ فِي طَرَفِ لِسَانِهِ، لَا يَرْجِعُ إِلَى قَلْبِهِ، مَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ "

ص: 31

45 -

حَدَّثَنَا الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ قَلْبٍ وَسْوَاسٌ، فَإِذَا فَتَقَ الْوَسْوَاسُ حِجَابَ الْقَلْبِ نَطَقَ بِهِ اللِّسَانُ، وَأَخَذَ بِهِ الْعَبْدُ، وَإِذَا لَمْ يُفْتَقِ الْقَلْبُ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ اللِّسَانُ فَلَا حَرَجَ»

ص: 31

46 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«يُولَدُ الْإِنْسَانُ وَالْوَسْوَاسُ عَلَى قَلْبِهِ، فَإِذَا عَقَلَ وَذَكَرَ اللَّهَ عز وجل خَنَسَ، وَإِذَا سَكَتَ وَسْوَسَ، فَذَلِكَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ»

ص: 31

47 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الدَّوْرَقِيِّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ زِيَادَ بْنَ عُثْمَانَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ

⦗ص: 32⦘

وَاعِظٌ مِنْ قَلْبِهِ زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَالذُّلُّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل أَقْرَبُ مِنَ التَّعَزُّزِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ»

ص: 31

48 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: " لَقِيتُ أَبَا نَوَّاسٍ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، فَعَذَلْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ: أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَرْعَوِيَ، أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَزْدَجِرَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ يَقُولُ:

[البحر الرمل]

أَتُرَانِي يَا عَتَاهِيُّ

تَارِكًا تِلْكَ الْمَلَاهِي

أَتُرَانِي مُفْسِدًا بِالنُسْكِ

عِنْدَ الْقَوْمِ جَاهِي

قَالَ: فَلَمَّا أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ فِي الْعَذَلِ أَنْشَدَ يَقُولُ:

[البحر السريع]

لَنْ تَرْجِعَ الْأَنْفُسُ مِنْ غَيِّهَا

مَا لَمْ يَكُنْ مِنَّا لَهَا زَاجِرُ

فَوَدِدْتُ أَنِّي قُلْتُ هَذَا الْبَيْتَ بِكُلِّ شَيْءٍ قُلْتُهُ "

ص: 32

49 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعِجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «مَنْ يَنْصِفُ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ يُعْطَى الظَّفَرَ فِي أَمْرِهِ، وَالذُّلُّ فِي طَاعَةٍ أَقْرَبُ إِلَى الْبِرِّ مِنَ التَّعَزُّزِ فِي الْمَعْصِيَةِ»

ص: 32

‌بَابُ مَا يَنْفِي عَنِ الْقُلُوبِ صَدَاهَا

ص: 33

50 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُخَرِّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ هَارُونَ قَالَ: قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا جَلَاؤُهَا؟ قَالَ:«تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ» وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ إِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ غَشِيَهُ الصَّدَأُ حَتَّى يُهْلِكَهُ، كَذَلِكَ الْقَلْبُ إِذَا عُطِّلَ مِنَ الْحِكْمَةِ غَلَبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ حَتَّى يُمِيتَهُ

ص: 33

52 -

وَيُرْوَى عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَجُلًا، شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ قَالَ:«إِنْ سَرَّكَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ، وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ»

ص: 33

53 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ قَالَ:" قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي. قَالَ: أَدْنِهِ مِنَ الذِّكْرِ "

ص: 34

54 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ حَاتِمٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ فَهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهَا قَالَتْ:" يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ. قَالَ: " قُولِي: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ "

ص: 34

55 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قَالَ: إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ تَابَ صُقِلَ مِنْهَا، فَإِنْ عَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْظُمَ، كَذَلِكَ الرَّانُ "

ص: 34

56 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: " سَأَلَ رَجُلٌ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ: مَا يَحْجُبُ التَّوْبَةَ فَلَا تُقْبَلُ؟ قَالَ: " لَمَّا أُمِرَ إِبْلِيسُ أَنْ يَسْجُدَ فَأَبَى ارْتَجَّتِ السَّمَاوَاتُ تَخْضَعُ، فَلُعِنَ وَأُهْبِطَ، فَسَأَلَ النَّظْرَةَ فَأَعْطَاهُ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أُفَارِقُ قَلْبَ ابْنِ آدَمَ حَتَّى يُغَرْغِرَ: قَالَ: وَعِزَّتِي لَا أَحْجُبُ التَّوْبَةَ عَنْ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ حَتَّى يُغَرْغِرَ "

ص: 35

57 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»

ص: 35

58 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَيَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى يَقَعُ الْحِجَابُ؟ قَالَ:«أَنْ تَمُوتَ النَّفْسُ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ»

ص: 36

59 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: " سَأَلْتُ الْفُضَيْلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {مِنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33] قَالَ: «الْمُنِيبُ الَّذِي يَذْكُرُ ذَنْبَهُ فِي الْخَلْوَةِ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ»

ص: 36

60 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيُّ، قَالَ: الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ الْعُرَنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي إِلْيَاسَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ:" أَنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ، عَذَلَتْ نَفْسَهَا وَنَدِمَتْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهَا وَتَابَتْ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا وَقَالَتْ: فَتًى مِنَ الْفِتْيَانِ حَدِيثُ السِّن كَانَ أَمْلَكَ لِنَفْسِهِ، وَأَشَحَّ عَلَى دِينِهِ، وَأَخْوَفَ لِمَعَادِهِ مِنِّي، وَأَنَا الَّتِي قَدِ احْتَنَكْتُ قَبْلَهُ، وَعَقَلْتُ وَجَرَّبْتُ قَبْلَهُ، مَالِي مِنْ عُذْرٍ وَلَا حُجَّةٍ، يَا سَوْءَتَاهُ لَئِنْ لَمْ يَغْفِرْ لِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهَا عَلَى أَنْ تُقِرَّهُ فِي السِّجْنِ مَخَافَةَ أَنْ تَرَاهُ فَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا، وَكَرِهَتْ قُرْبَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَرَأَتْ إِقْرَارَهُ فِي السِّجْنِ أَقْطَعَ لِلْقَالَةِ وَأَبَيْنَ لِلْعُذْرِ "

ص: 36

‌بَابُ مَنْعِ النَّفْسِ هَوَاهَا وَقَدْعِهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا

ص: 37

61 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ النُّكْرِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ» وَزَادَ سَعْدَانُ: «وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ»

ص: 37

62 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، غَيْرَ أَنَّ سَعْدَانَ قَالَ: عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الدَّوْرَقِيِّ: التُّجِيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْجُنَيْدِ: الْجَنْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ: " جَلَسْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ: خَصَفَةُ أَوِ ابْنُ خَصَفَةَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى رَجُلٍ سَمِينٍ، فَقُلْتُ: مِمَّا تَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: «هَلْ تَدْرُونَ

⦗ص: 38⦘

مَنِ الشَّدِيدُ؟» . قُلْنَا: الرَّجُلُ يَصْرَعُ الرَّجُلَ. قَالَ: «إِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»

ص: 37

63 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ النَّاسَ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ»

ص: 38

64 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الدَّوْرَقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:«كَلَّمَ رَجُلٌ امْرَأَةً، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهَا، فَانْطَلَقَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى النَّارِ حَتَّى نَشَتْ»

ص: 38

ص: 38

66 -

حَدَّثَنَا ابْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:" كَانَ عَابِدٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَأَشْرَفَ يَوْمًا فَرَأَى امْرَأَةً فَفُتِنَ بِهَا، فَأَخْرَجَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ مِنَ الصَّوْمَعَةِ يُرِيدُ النُّزُولَ إِلَيْهَا ثُمَّ فَكَّرَ وَادَّكَرَ وَأَنَابَ، فَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ رِجْلَهُ إِلَى الصَّوْمَعَةِ، ثُمَّ قَالَ: لَا أُدْخِلُ رِجْلًا خَرَجَتْ تُرِيدُ أَنْ تَعْصِيَ اللَّهَ فِي صَوْمَعَتِي أَبَدًا، فَتَرَكَهَا خَارِجَةً مِنَ الصَّوْمَعَةِ، فَأَصَابَهَا الثَّلْجُ وَالْبَرْدُ وَالرِّيَاحُ فَتَقَطَّعَتْ "

ص: 39

67 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ: أَيُّهَا الشَّابُّ التَّارِكُ شَهْوَتَهُ لِي، الْمُبْتَذِلُ شَبَابَهُ مِنْ أَجْلِي، أَنْتَ عِنْدِي كَبَعْضِ مَلَائِكَتِي ". وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ وُسِمَ بِالْفَضْلِ، وَشَهِدَ لَهُ أَهْلُ الْحِكْمَةِ بِالْعِلْمِ ثُمَّ اطَّلَعَ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى تَقْصِيرٍ، ثَلَمَ ذَلِكَ فِي نَعْتِهِ، وَهَدَمَ مِنْ مَجْدِهِ، فَلْيُلْزِمْهَا بِحُسْنِ نَظَرِهِ، وَلَائِمَةِ نَفْسِهِ، فَلَا يَجِدُ أَحَدٌ عَلَيْهِ طَعْنًا، وَإِنْ أُسِيءَ بِهِ الظَّنُّ

ص: 39

69 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ: " بَلَغَنَا أَنَّ إِبْلِيسَ ظَهَرَ لِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، فَرَأَى عَلَيْهِ مَعَالِيقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الَّتِي أَرَاهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّهَوَاتُ، أَصِيدُ بِهَا بَنِي آدَمَ. قَالَ لَهُ: لِي فِيهَا شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تُصِيبُ مِنِّي مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: رُبَّمَا شَبِعْتَ فَثَقُلْتَ عَنِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ

⦗ص: 40⦘

. قَالَ: غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لَا جَرَمَ لَا أَشْبَعُ أَبَدًا "

ص: 39

70 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ رَاشِدٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بْنُ عُمَارَةَ الدَّارِمِيُّ قَالَ: " بَيْنَا نَحْنُ نَدُورُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الشَّامِ إِذْ أَتَيْنَا عَلَى رَاهِبٍ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا لَهُ: " مَا رَأَيْنَا أَعْجَبَ أَمْرًا مِنْكُمْ أَيُّهَا الرُّهْبَانُ أَصْبَرَ عَلَى وَحْدَةٍ وَخَلْوَةٍ وَظَلَفِ نَفْسٍ. فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: الْعَجَبُ وَالْفَضْلُ فِي غَيْرِنَا، أَنْتُمْ. قُلْنَا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ الرَّاهِبَ قَدْ أَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ أَبْوَابَ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا، وَانْقَطَعَ رَجَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ، فَاسْتَوْطَنَ قَلْبَهُ الْإِيَاسُ مِنْ ذَلِكَ، فَسَكَنَ وَهَدَأَ، وَأَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بَيْنَ نَعِيمِهَا وَزَهْرَتِهَا، فَالزَّاهِدُ الْمُقِيمُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمُتَخَلِّي عَنْهَا، وَإِنْ زَهَدَ فِيهَا "

ص: 40

71 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»

ص: 40

72 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ

⦗ص: 41⦘

عَدِيٍّ قَالَ: كَانَتْ لِفَاطِمَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ زَوْجَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَارِيَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ فَائِقٍ، وَكَانَ عُمَرُ رحمه الله مُعْجَبًا بِهَا قَبْلَ أَنْ تُقْضَى إِلَيْهِ الْخِلَافَةُ، فَطَلَبَهَا مِنْهَا وَحَرَصَ فَأَبَتْ دَفْعَهَا إِلَيْهِ، وَغَارَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ أَمَرَتْ فَاطِمَةُ بِالْجَارِيَةِ فَأُصْلِحَتْ ثُمَّ حُلِّيَتْ، فَكَانَتْ حَدِيثًا فِي حُسْنِهَا وَجَمَالِهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَتْ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ كُنْتَ بِفُلَانَةَ جَارِيَتِي مُعْجَبًا وَسَأَلْتَنِيهَا فَأَبَيْتُ ذَلِكَ عَلَيْكَ، وَإِنَّ نَفْسِي قَدْ طَابَتْ لَكَ بِهَا الْيَوْمَ، فَدُونَكَهَا، فَلَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ اسْتَبَانَ الْفَرَحُ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ: ابْعَثِي بِهَا إِلَيَّ، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ أَعْجَبَهُ، فَازْدَادَ بِهَا عَجَبًا، فَقَالَ لَهَا: أَلْقِي ثَوْبَكِ، فَلَمَّا هَمَّتْ أَنْ تَفْعَلَ قَالَ: عَلَى رِسْلِكِ، اقْعُدِي، أَخْبِرِينِي لِمَنْ كُنْتِ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَنْتِ لِفَاطِمَةَ؟ قَالَتْ: كَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ أَغْرَمَ عَامِلًا كَانَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَالًا، وَكُنْتُ فِي رَقِيقِ ذَلِكَ الْعَامِلِ، فَاسْتَصْفَانِي عَنْهُ مَعَ رَقِيقٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ، فَبَعَثَ بِي إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ صَبِيَّةٌ، فَوَهَبَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ. قَالَ: وَمَا فَعَلَ الْعَامِلُ؟ قَالَتْ: هَلَكَ. قَالَ: وَمَا تَرَكَ وَلَدًا؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: وَمَا حَالُهُمْ؟ قَالَتْ: سَيِّئَةٌ. قَالَ: شُدِّي عَلَيْكِ ثَوْبَكِ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ عَامِلِهِ أَنْ شَرِّحْ إِلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ عَلَى الْبَرِيدِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ لَهُ: ارْفَعْ إِلَيَّ جَمِيعَ مَا أَغْرَمَ الْحَجَّاجُ إِيَّاكَ. فَلَمْ يَرْفَعْ إِلَيْهِ شَيْئًا إِلَّا دَفَعَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْجَارِيَةِ فَدُفِعَتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَخَذَ بِيَدِهَا قَالَ: إِيَّاكَ وَإِيَّاهَا فَإِنَّكَ حَدِيثُ السِّنِّ، وَلَعَلَّ أَبَاكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا. فَقَالَ الْغُلَامُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هِيَ لَكَ. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا. قَالَ: فَابْتَعْهَا مِنِّي. قَالَ: لَسْتُ إِذًا مِمَّنْ يَنْهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَمَضَى بِهَا الْفَتَى، فَقَالَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ: فَأَيْنَ مَوْجِدَتُكَ بِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَعَلَى حَالِهَا

⦗ص: 42⦘

، وَلَقَدِ ازْدَادَتْ، فَلَمْ تَزَلِ الْجَارِيَةُ فِي نَفْسِ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ "

ص: 40

73 -

أَنْشَدَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ:

[البحر الطويل]

وَإِنِّي وَصَبْرِي عَنْكَ وَالشَّوْقُ نَارُهُ

تَوَقَّدَ فِي الْأَحْشَاءِ أَيَّ تَوَقُّدِ

لَكَالْحَائِمِ الْمَمْنُوعِ بَرْدَ شَرَابِهِ

وَمُصْطَبِرٍ لِلْقَتْلِ مِنْ كَفِّ مَعْقَدِ

وَفِي الْقَلْبِ هَوْلٌ وَهْوَ يَعْلَمُ مَا الَّذِي

يَحْيَى بِهِ فِي عَقِبِهِ الْيَوْمَ أَوْ غَدِ

وَهَلْ هُوَ إِلَّا أَنْ أَمُوتَ صَبَابَةً

وَشَوْقًا وَلَمْ يَغْلِبْ هَوَاكَ تَجَلُّدِي

ص: 42

74 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ لِعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ الْمُعَذِّلِ:

[البحر الطويل]

إِنَّ الْعُيُونَ إِذَا مُكِّنَّ مِنْ رَجُلٍ

يَفْعَلْنَ بِالْقَلْبِ مَا لَا تَفْعَلُ الْأَسَلُ

وَلَيْسَ بِالْبَطَلِ الْمَاشِي إِلَى بَطَلٍ

فِي الْحَرْبِ تُخْمَدُ أَحْيَانًا وَتَشْتَعِلُ

لَكِنَّهُ مِنْ لَوَى قَلْبٍ إِذَا رُشِقَتْ

فِيهِ الْعُيُونُ فَذَاكَ الْفَارِسُ الْبَطَلُ

ص: 42

75 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ نَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْنَا»

ص: 42

76 -

أَنْشَدَنِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْأَكْفَانِيِّ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاشِئُ لِنَفْسِهِ:

[البحر الطويل]

إِذَا الْمَرْءُ أَحْمَى نَفْسَهُ جُلَّ شَهْوَةٍ

لِصِحَّةِ أَيَّامٍ تَبِيدُ وَتَنْفَدُ

فَمَا بَالُهُ لَا يَحْتَمِي مِنْ حَرَامِهَا

لِصِحَّةِ مَا يَبْقَى لَهُ وَيُخَلَّدُ

ص: 43

77 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مَيْمُونٍ السِّبَاعِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْبِقَ الدَّائِبَ الْمُجْتَهِدَ فَلْيَكُفَّ عَنِ الذُّنُوبِ»

ص: 43

وَأَنْشَدْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ:

[البحر الخفيف]

أَقْنِعِ النَّفْسَ بِالْكَفَافِ وَإِلَّا

طَلَبَتْ مِنْكَ فَوْقَ مَا يَكْفِيهَا

إِنَّمَا أَنْتَ طُولَ عُمُرِكَ مَا

عَمَّرْتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا

ص: 43

79 -

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْيَزِيدِيُّ: " دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدِ، فَوَجَدْتُهُ مُكِبًّا يَنْظُرُ فِي وَرَقَةٍ فِيهَا مَكْتُوبٌ بِالذَّهَبِ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ، فَقُلْتُ: فَائِدَةٌ، أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: نَعَمْ، وَجَدْتُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي بَعْضِ خَزَائِنِ بَنِي أُمَيَّةَ اسْتَحْسَنْتُهُمَا، وَقَدْ أَضَفْتُ إِلَيْهِمَا ثَالِثًا، فَأَنْشَدَنِي:

[البحر الطويل]

⦗ص: 44⦘

إِذَا سُدَّ بَابٌ عَنْكَ مِنْ دُونِ حَاجَةٍ

فَدَعْهُ لِأُخْرَى يَنْفَتَحْ لَكَ بَابُهَا

فَإِنَّ قِرَابَ الْبَطْنِ يَكْفِيكَ مَلْؤُهُ

وَيَكْفِيكَ سَوْءَاتِ الْأُمُورِ اجْتِنَابُهَا

فَلَا تَكُ مِبْذَالًا لِعِرْضِكَ وَاجْتَنِبْ

رُكُوبَ الْمَعَاصِي يَجْتَنِبْكَ عِقَابُهَا

"

ص: 43

80 -

سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الْوَزَّانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: «أَتَتْ عَلَيَّ نَيِّفٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً مَا حَلَلْتُ سَرَاوِيلِي عَلَى حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ»

ص: 44

81 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ يَوْمًا زِيَادٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " يَا عَبْدَ اللَّهِ، قُلْتُ: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ: مَا هِيَ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ. قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ. فَقَالَ: وَمَا بَيْنَهُمَا مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ الْعِبَادُ؟ قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّ نَفْسِي لِنَفْسٌ أَضِنُّ بِهَا عَنِ النَّارِ، وَالصَّبْرُ الْيَوْمَ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الْأَغْلَالِ "

ص: 44

82 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ:" قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ لِيُوسُفَ: الْقَيْطُونَ، فَادْخُلْ مَعِي. قَالَ: إِنَّ الْقَيْطُونَ لَا يَسْتُرُنِي مِنْ رَبِّي "

ص: 44

83 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ

⦗ص: 45⦘

: سَمِعْتُ شَيْخًا يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُتْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَعْرَابِيٍّ قَالَ: " خَرَجْتُ فِي بَعْضِ لَيَالِي الظَّلَامِ، فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ كَأَنَّهَا عَلَمٌ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: وَيْلَكَ أَمَا كَانَ لَكَ زَاجِرٌ مِنْ عَقْلٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَكَ نَاهٍ مِنْ دِينٍ؟ فَقُلْتُ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا يَرَانَا إِلَّا الْكَوَاكِبُ. قَالَتْ: فَأَيْنَ مُكَوْكِبُهَا؟ "

ص: 44

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ أَبِي أَسْمَاءَ:" أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ غَيْضَةً فَقَالَ: لَوْ خَلَوْتُ هَاهُنَا بِمَعْصِيَةٍ، مَنْ كَانَ يَرَانِي؟ فَسَمِعَ صَوْتًا مَلَأَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْغَيْضَةِ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] "

ص: 45

85 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: " إِنَّ رَجُلًا أَرَادَ امْرَأَةً عَنْ نَفْسَهَا فَقَالَتْ لَهُ: أَنْتَ قَدْ سَمِعْتَ الْحَدِيثَ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَقَالَ لَهَا: فَأَغْلِقِي أَبْوَابَ الْقَصْرِ، فَأَغْلَقَتْهَا، فَدَنَا مِنْهَا، فَقَالَتْ: بَقِيَ بَابٌ لَمْ أُغْلِقْهُ قَالَ: أَيُّ بَابٍ؟ قَالَتْ: الْبَابُ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ تبارك وتعالى. قَالَ: فَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا "

ص: 45

86 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ:" خَلَا رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ بِامْرَأَةٍ، فَهَمَّ بِالدَّنِيئَةِ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْهَا، ثُمَّ تَنَحَّى سَلِيمًا وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنَّ امْرَءًا بَاعَ جَنَّةً عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِقُتْرِ مَا بَيْنَ رِجْلَيْكِ لَقَلِيلُ الْبَصَرِ بِالْمِسَاحَةِ "

ص: 45

‌بَابُ ذَمِّ الْهَوَى وَأَتْبَاعِهِ

ص: 46

87 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ عَبَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الصَّفَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ خَصِيبِ بْنِ جَحْدَرٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ بَصِيرٌ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ»

ص: 46

88 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ الْأَعْرَجُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ: شَهَوَاتُ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ، وَمُضِلَّاتُ الْهَوَى "

ص: 46

89 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي: حَكَمٌ جَائِرٌ، وَزَلَّةُ عَالِمٍ، وَهَوَى مُتَّبِعٍ "

ص: 46

90 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَزِيدَ الْبَلْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ وَاصِلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ:" لَقِيَ عَالِمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَاهِبًا مِنَ الرُّهْبَانِ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَرَى الدَّهْرَ؟ فَقَالَ: يُخْلِقُ الْأَبْدَانَ، وَيُجَدِّدُ الْآمَالَ، وَيُبْعِدُ الْأُمْنِيَّةَ، وَيُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ. قَالَ لَهُ: فَأَيُّ الْأَصْحَابِ أَبَرُّ؟ قَالَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ. قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ أَضَرُّ؟ قَالَ: النَّفْسُ وَالْهَوَى "

ص: 47

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَيُقَالُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ غَيْرَهُ:

[البحر الطويل]

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَعْصِ الْهَوَى قَادَكَ الْهَوَى

إِلَى بَعْضِ مَا فِيهِ عَلَيْكَ مَقَالُ

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ أَمْرَانِ، فَانْظُرْ أَقْرَبَهُمَا مِنْ هَوَاكَ فَاجْتَنِبْهُ

"

ص: 47

92 -

أَنْشَدَنِي سَلَامَةُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: أَنْشَدَنِي نِفْطَوَيْهِ:

[البحر الكامل]

إِنَّ الْمِرَاةَ لَا تُرِيـ

كَ خُدُوشَ وَجْهِكَ مَعْ صَدَاهَا

وَكَذَاكَ نَفْسُكَ لَا تُرِيـ

ـكَ عُيُوبَ نَفْسِكَ مَعْ هَوَاهَا

ص: 47

وَقَالَ حَاتِمُ طَيِّئٍ:

[البحر الطويل]

وَإِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ

وَفَرْجَكَ نَالَا مُنْتَهَى الذَّمِّ أَجْمَعَا

ص: 48

94 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَوْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: «أَتَدْرُونَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟» . قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " الْأَجْوَفَانِ: الْفَرَجُ وَالْفَمُ " وَقَالَ بَعْضُ مُلُوكِ الْعَجَمِ لِأَسِيرٍ أُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ، كَانَ عَظِيمَ الْجُرْمِ بَعِيدَ الرَّحِمِ

⦗ص: 49⦘

: لَوْ كَانَ هَوَايَ فِي الْعَفْوِ عَنْكَ لَخَالَفْتُ الْهَوَى إِلَى قَتْلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ هَوَايَ فِي قَتْلِكَ خَالَفْتُهُ إِلَى الْعَفْوِ عَنْكَ

ص: 48

95 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كُلَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَيْهَمَ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: " إِنَّ لِلشَّيْطَانِ فُخُوخًا وَمَصَالِيَ، وَإِنَّ مِنْ مَصَالِيَ الشَّيْطَانِ وَفُخُوخِهِ: الْبَطَرَ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، وَالْفَخْرَ بِإِعْطَاءِ اللَّهِ، وَالْكِبْرِيَاءَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعَ الْهَوَى فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ "

ص: 49

96 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ بَكْرٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبِعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ "

ص: 49

97 -

حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ الْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدٌ الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ بَخِلَ وَاخْتَالَ، وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ، بِئْسَ الْعَبْدُ

⦗ص: 50⦘

عَبْدٌ سَهَا وَلَهَى، وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ بَغَى وَعَتَا، وَنَسِيَ الْمُبْتَدَى وَالْمُنْتَهَى، بِئْسَ الْعَبْدُ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ، بِئْسَ الْعَبْدُ طَمَعٌ يَقُودُهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ هَوًى يُضِلُّهُ»

ص: 49

وَقَالَ أَبُو دُلَفَ الْعِجْلِيُّ:

[البحر الطويل]

يَا سَوْءَتَا لِفَتًى لَهُ أَدَبٌ

يَضْحَى هَوَاهُ قَاهِرًا أَدَبَهُ

يَأْتِي الدَّنِيَّةَ وَهْوَ يَعْرِفُهَا

فَيَشِينُ عِرْضًا صَائِنًا أَدَبَهُ

فَإِذَا ارْعَوَى عَادَتْ بَصِيرَتُهُ

فَبَكَى عَلَى الْحَزْمِ الَّذِي سُلِبَهُ

ص: 50

وَقَالَ الْمُوَفَّقِ الْهُذَلِيُّ:

[البحر الوافر]

ابِنْ لِي مَا تَرَى وَالْمُرْءُ تَأْبَى

عَزِيمَتَهُ وَيَغْلِبُهُ هَوَاهُ

فَيَعْمَى مَا يَرَى فِيهِ عَلَيْهِ

وَيَحْسَبُ مَنْ يَرَاهُ لَا يَرَاهُ

ص: 50

وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:

[البحر الوافر]

وَأَجْتَنِبُ الْمَقَادِعَ حَيْثُ كَانَتْ

وَأَتْرُكُ مَا هَوَيْتُ لِمَا خَشِيتُ

ص: 51

101 -

سَمِعْتُ جُنَيْشَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيَّ يَقُولُ: لَامَ رَجُلٌ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْهَوَى فَقَالَ: «لَوْ صَحَّ لِذِي هَوًى اخْتِيَارُ، لَاخْتَارَ أَلَّا يَهْوَى»

ص: 51

‌بَابُ مَنْ عَفَّ فِي عِشْقِهِ عَنْ مُوَاقَعَةِ الْحَرَامِ وَرَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى الْتِمَاسَ جَزِيلِ الثَّوَابِ

ص: 52

102 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَاضِي الْيَمَامَةِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ بَكْرٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَشْيَةُ اللَّهِ عز وجل فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ "

ص: 52

103 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْهِقْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الصَّدَفِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، يَعْنِي الْبَقَّالَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

⦗ص: 53⦘

. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " بَيْنَمَا نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ يَمْشُونَ، إِذْ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ فِي غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الْغَارِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ عز وجل صَالِحَةً، فَادْعُوهُ بِهَا، فَدَعَوُا اللَّهَ عز وجل، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ، وَكُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ إِلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَأَنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رَأْسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، فَجَعَلُوا يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ، وَكَانَ دَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ فُرْجَةً. وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ، فَأَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ عَلَيَّ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرِجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً، وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَأَعْرَضْتُ عَنْهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ

⦗ص: 54⦘

عَنْهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ بِهِ بَقَرًا وَرَعَيْتُهَا لَهُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَظْلِمْنِي، وَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَخُذْهُ فَهُوَ لَكَ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَخُذْ تِلْكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيهَا، فَأَخَذَهَا وَذَهَبَ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ لَنَا مَا بَقِيَ، فَفَرَجَهَا اللَّهُ عَنْهُمْ " وَهَذَا لَفْظُ نَصْرِ بْنِ دَاوُدَ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَانِشُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ

ص: 52

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَلِيٍّ الْغَزْنَوِيُّ أَيَّدَهُ اللَّهُ، بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ فِي شُهُورِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْكَرَمِ الْمُبَارَكُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّهْرُزُورِيُّ فِي شُهُورِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ شَيْخُنَا الْغَزْنَوِيُّ: وَأَخْبَرَنِي أَيْضًا بِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السَّلَامِيُّ، وَأَبُو مَنْصُورٍ مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ الْخَضِرِ الْجَوَالِيقِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خُمَيسٍ الْمَوْصِلِيُّ الْجَمِيعُ إِجَازَةً قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، قَالَ الشَّيْخُ: وَأَخْبَرَنِي بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ إِجَازَةً قَالُوا: حَدَّثَنَا الْحَاجِبُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَّافُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ بِبَغْدَادَ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنْدِيُّ بِمَكَّةَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ قَالَ

104 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ مَنْصُورٍ الضَّرِيرُ بِبَغْدَادَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَحَدَّثَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا جَمِيعًا: عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، مَا حَدَّثْتُ بِهِ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ

⦗ص: 58⦘

: " كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ ارْتَعَدَتْ وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ أَأَكْرَهْتُكِ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنَّ هَذَا عَمَلٌ لَمْ أَعْمَلْهُ قَطُّ. قَالَ: فَتَفْعَلِينَ هَذَا وَلَمْ تَفْعَلِيهِ قَطُّ قَالَتْ: حَمَلَنِي عَلَيْهِ الْحَاجَةُ. قَالَ: فَتَرَكَ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبِي بِالدَّنَانِيرِ لَكِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَعْصِي اللَّهَ الْكِفْلُ أَبَدًا، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ: غَفَرَ اللَّهُ لِلْكِفْلِ "

ص: 57

105 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ عَنِ ابْنِ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ عَمْرٍو النَّخَعِيِّ قَالَ: " كَانَ بِالْكُوفَةِ فَتًى جَمِيلَ الْوَجْهِ شَدِيدَ الِاجْتِهَادِ، وَكَانَ أَحَدَ الزُّهَّادِ فَنَزَلَ فِي جِوَارِ قَوْمٍ مِنَ النَّخَعِ، فَنَظَرَ إِلَى جَارِيَةٍ مِنْهُنَّ جَمِيلَةٍ فَهَوِيَهَا، وَهَامَ بِهِ عَقْلُهُ، وَنَزَلَ بِهَا مِثْلَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، فَأَرْسَلَ يَخْطُبُهَا مِنْ أَبِيهَا، فَأَخْبَرَهُ أَبُوهَا أَنَّهَا مُسَمَّاةٌ لِابْنِ عَمٍّ لَهَا، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمَا مَا يُقَاسِيَانِ مِنْ أَلَمِ الْهَوَى أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ: قَدْ بَلَغَنِي شِدَّةُ مَحَبَّتِكَ لِي، وَقَدِ اشْتَدَّ بَلَائِي بِكَ لِذَلِكَ مَعَ وَجْدِي بِكَ، فَإِنْ شِئْتَ زُرْتُكَ، وَإِنْ شِئْتَ تَسَهَّلْتُ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: وَلَا وَاحِدَةٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْخَلَّتَيْنِ، إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، أَخَافُ نَارًا لَا يَخْبُو سَعِيرُهَا، وَلَا يَخْمُدُ لَهَبُهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ الرَّسُولُ إِلَيْهَا فَأَبْلَغَهَا مَا قَالَ

⦗ص: 59⦘

قَالَتْ: وَأُرَاهُ مَعَ هَذَا زَاهِدًا يَخَافُ اللَّهَ، وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ أَحَدٍ، وَإِنَّ الْعِبَادِ فِيهِ لَمُشْتَرِكُونَ، ثُمَّ انْخَلَعَتْ مِنَ الدُّنْيَا وَأَلْقَتْ عَلَائِقَهَا خَلْفَ ظَهْرِهَا، وَلَبِسَتِ الْمُسُوحَ، وَجَعَلَتْ تَتَعَبَّدُ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَذُوبُ وَتَنْحَلُ حُبًّا لِلْفَتَى وَأَسَفًا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ شَوْقًا إِلَيْهِ فَدُفِنَتْ، فَكَانَ الْفَتَى يَأْتِي قَبْرَهَا فَيَبْكِي عِنْدَهَا، وَيَدْعُو لَهَا، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى قَبْرِهَا فَرَآهَا فِي مَنَامِهِ وَكَأَنَّهَا فِي أَحْسَنِ مَنْظَرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ، وَمَا لَقِيتِ بَعْدِي؟ فَقَالَتْ: نِعْمَ الْمَحَبَّةُ يَا حَبِيبِي، أُحِبُّكَ حُبًّا يَقُودُ إِلَى خَيْرٍ وَإِحْسَانٍ، فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ إِلَامَ صِرْتِ؟ فَقَالَتْ: إِلَى نَعِيمٍ وَعَيْشٍ لَا زَوَالَ لَهُ، فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ، مُلْكٌ لَيْسَ بِالْفَانِي، فَقَالَ لَهَا: اذْكُرِينِي هُنَاكَ، فَإِنِّي لَسْتُ أَنْسَاكِ، فَقَالَتْ: وَلَا أَنَا وَاللَّهِ أَنْسَاكَ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ قُرْبَكَ مَوْلَايَ وَمَوْلَاكَ، فَأَعِنِّي عَلَى ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ وَلَّتْ مُدْبِرَةً، فَقَالَ لَهَا: مَتَى أَرَاكِ؟ قَالَتْ: سَتَأْتِينَا عَنْ قَرِيبٍ فَتَرَانَا، فَلَمْ يَعِشِ الْفَتَى بَعْدَ الرُّؤْيَا إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى مَاتَ "

ص: 58

106 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ»

ص: 59

107 -

حَدَّثَنِي أَخِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ زُفَرَ قَالَ

⦗ص: 60⦘

: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عِفُّوا تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ»

ص: 59

108 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: " كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ مِنْ بَنِي حَسَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَنْزِلُ بِمَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِهَا، فَسُمِّيَ الْقَسَّ مِنْ عِبَادَتِهِ، فَمَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِسَلَّامَةَ وَهِيَ تُغَنِّي فَوَقَفَ فَسَمِعَ غِنَاءَهَا، فَرَآهُ مَوْلَاهَا، فَدَعَاهُ إِلَى أَنْ يُدْخِلَهُ عَلَيْهَا فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: " فَاقْعُدْ لِي فِي مَكَانٍ تَسْمَعُ غِنَاءَهَا وَلَا تَرَاهَا، فَفَعَلَ، فَغَنَّتْ فَأَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهَا: هَلْ لَكَ أَنْ أُحَوِّلُهَا إِلَيْكَ؟ فَامْتَنَعَ بَعْضَ الِامْتِنَاعِ، ثُمَّ أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَشَغَفَ بِهَا، وَشَغَفَتْ بِهِ، وَكَانَ ظَرِيفًا، فَقَالَ فِيهَا:

[البحر الخفيف]

أُمَّ سَلَّامٍ لَوْ وَجَدْتِ مِنَ الْوَجْـ

دِ عُشَيْرَ الَّذِي بِكُمْ أَنَا لَاقِي

أُمَّ سَلَّامٍ أَنْتِ هَمِّي وَشُغْلِي

وَالْعَزِيزِ الْمُهَيْمِنِ الْخَلَّاقِ

أُمَّ سَلَّامٍ مَا ذَكَرْتُكِ إِلَّا

شَرِقَتْ بِالدُّمُوعِ مِنِّي الْمَآقِي

قَالَ: وَعَلِمَ بِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ فَسَمُّوهَا سَلَامَةَ الْقَسِّ، فَقَالَتْ لَهُ يَوْمًا: أَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، فَقَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكِ، فَقَالَتْ: أَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّ أَنْ أَضَعَ فَمِي عَلَى فَمِكَ قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّ ذَلِكَ قَالَتْ: فَمَا يَمْنَعُكَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ

⦗ص: 61⦘

الْمَوْضِعَ لَخَالٍ، فَقَالَ لَهَا: وَيْحَكِ، إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] ، وَأَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ خُلَّةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكِ فِي الدُّنْيَا عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ نَهَضَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ مِنْ حُبِّهَا، وَعَادَ إِلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنَ النُّسُكِ وَالْعِبَادَةِ، فَكَانَ يَمُرُّ بَيْنَ الْأَيَّامِ بِبَابِهَا فَيُرْسِلُ بِالسَّلَامِ إِلَيْهَا، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلْ فَيَأْبَى، وَمِمَّا قَالَ فِيهَا:

إِنَّ سَلَّامَةَ الَّتِي

أَفْقَدَتْنِي تَجَلُّدِي

لَوْ تَرَاهَا وَالْعَوْدُ فِي

حِجْرِهَا حِينَ تَبْتَدِي

السِّرُ يَجِي وَالْغَرِيـ

ضُ وَلِلْقَوْمِ مَعَبْدِي

خِلْتُهُمْ تَحْتَ عُودِهَا

حِينَ تَدَعُوهُ بِالْيَدِ

ص: 60

109 -

أَنْشَدَنِي أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبِي وَعَمِّي لِجَدِّي:

[البحر الخفيف]

قَالَ عُثْمَانُ زُرْ حَبَابَةَ بِالْعَرْ

صَةِ تُحْدِثْ تَحِيَّةً وَسَلَامَا

ثُمَّ تَلْهُو إِلَى الصَّبَاحِ وَلَا تَقْـ

رَبْ فِي اللَّهْوِ وَالْحَدِيثِ حَرَامَا

وَصَفُوهَا فَلَمْ أَزَلْ عَلِمَ اللَّـ

ـهُ كَئِيبًا مُسْتَوْلِهًا مُسْتَهَامَا

هَلْ عَلَيْهَا فِي نَظْرَةٍ مِنْ جُنَاحٍ

مِنْ فَتًى لَا يَزُورُ إِلَّا لَمَامَا

حَالَ فِيهَا الْإِسْلَامُ دُونَ هَوَاهُ

فَهْوَ يَهْوَى وَيْرُقُبُ الْإِسْلَامَا

وَيَمِيلُ الْهَوَى بِهِ ثُمَّ يَخْشَى

أَنْ يُطِيعَ الْهَوَى فَيَلْقَى أَثَامَا

ص: 61

110 -

أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ لِلْحُسَيْنِ بْنِ مَطِيرٍ:

[البحر الطويل]

أُحِبُّكِ يَا سَلْمَى عَلَى غَيْرِ رِيبَةٍ

وَلَا بَأْسَ فِي حُبٍّ تَعِفُّ سَرَائِرُهْ

أُحِبُّكِ حُبًّا لَا أُعَنِّفُ بَعْدَهُ

مُحِبًّا وَلَكِنِّي إِذَا لِيمَ عَاذِرُهْ

وَقَدْ مَاتَ قَلْبِي أَوَّلَ الْحُبِّ مَرَّةً

وَلَوْ مِتُّ أَضْحَى الْحُبُّ قَدْ مَاتَ آخِرُهْ

ص: 62

111 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: " قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ حَدِّثْنِي عَنْ لَيْلَتِكَ مَعَ فُلَانَةَ قَالَ: نَعَمْ، خَلَوْتُ بِهَا وَالْقَمَرُ يُرِينِيهَا، فَلَمَّا غَابَ أَرَتْنِيهِ، قُلْتُ: فَمَا كَانَ بَيْنَكُمَا؟ قَالَ: أَقْرَبُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِمَّا حَرَّمَ، الْإِشَارَةُ لِغَيْرِ مَا بَاسٍ، وَالدُّنُوُّ لِغَيْرِ إِمْسَاسٍ، وَلَعَمْرِي، لَا كَانَتِ الْأَيَّامُ طَالَتْ بَعْدَهَا لَقَدْ كَانَتْ قَصِيرَةً مَعَهَا، وَحَسْبُكَ بِالْحُبِّ "

ص: 62

112 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْإِسْكَافِيُّ:

[البحر المنسرح]

مَا إِنْ دَعَانِي الْهَوَى لِفَاحِشَةٍ

إِلَّا نَهَانِي الْحَيَاءُ وَالْكَرَمُ

فَلَا إِلَى فَاحِشٍ مَدَدْتُ يَدِي

وَلَا مَشَتْ بِي لِرِيبَةٍ قَدَمُ

ص: 62

113 -

أَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرَانِيُّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ:

[البحر الخفيف]

إِنَّ حَظِّي مِمَّنْ أُحِبُّ كَفَافٌ

لَا صُدُودٌ مُقْصٍ وَلَا إِنْصَافُ

كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ أَنَابِتْ إِلَى الْوَصْـ

لِ ثَنَاهَا عَمَّا أُرِيدُ الْعَفَافُ

فَكَأَنِّي بَيْنَ الصُّدُودِ وَبَيْنَ الْوَصْـ

لِ مِمَّنْ مَقَامُهُ الْأَعْرَافُ

فِي مَحَلٍّ بَيْنَ الْجِنَانِ وَبَيْنَ النَّـ

ارِ أَرْجُو طَوْرًا، وَطَوْرًا أَخَافُ

ص: 62

وَيُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الضَّحَّاكِ الْحَرَامِيِّ قَالَ: " خَرَجْتُ أُرِيدُ الْحَجَّ

ص: 62

، فَنَزَلْتُ بِخَيْمَةٍ بِالْأَبْوَاءِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ عَلَى بَابِ خَيْمَةٍ فَأَعْجَبَنِي حُسْنُهَا، فَتَمَثَّلْتُ قَوْلَ نَصِيبٍ:

[البحر الطويل]

بِزَيْنَبَ أَلْمِمْ قَبْلَ أَنْ يَرْحَلَ الرَّكْبُ

وَقَبْلَ أَنْ تَمَلِّينَا فَمَا مَلَّكِ الْقَلْبُ

قَالَتْ: يَا هَذَا، أَتَعْرِفُ قَائِلَ هَذَا الشَّعْرِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، ذَلِكَ نَصِيبٌ قَالَتْ: فَتَعْرِفُ زَيْنَبَهُ؟ قُلْتُ: لَا قَالَتْ: فَأَنَا زَيْنَبُهُ، قُلْتُ: حَيَّاكِ اللَّهُ قَالَتْ: أَمَا إِنَّ الْيَوْمَ مَوْعِدَهُ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، خَرَجَ إِلَيْهِ عَامَ أَوَّلَ، فَوَعَدَنِي هَذَا الْيَوْمَ، لَعَلَّكَ لَا تَبْرَحُ حَتَّى تَرَاهُ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ أَنَا بِرَاكِبٍ قَالَتْ: تَرَى ذَلِكَ الرَّاكِبَ؟ إِنِّي لَأَحْسَبُهُ إِيَّاهُ، وَأَقْبَلَ فَإِذَا هُوَ نَصِيبٌ، فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَرِيبًا مِنْهَا يُسَائِلُهَا أَنْ يُنْشِدَهَا مَا أَحْدَثَ، فَأَنْشَدَهَا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مُحِبَّانِ طَالَ التَّنَائِي بَيْنَهُمَا، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا إِلَى صَاحِبِهِ حَاجَةٌ، فَقُمْتُ إِلَى بَعِيرِي لِأَشُدَّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ، إِنِّي مَعَكَ، فَجَلَسْتُ حَتَّى نَهَضَ مَعِي، فَتَسَايَرْنَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: أَقُلْتَ فِي نَفْسِكَ: مُحِبَّانِ الْتَقَيَا بَعْدَ طُولِ تَنَاءٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا إِلَى صَاحِبِهِ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ ذَلِكَ قَالَ: وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ، مَا جَلَسْتُ مِنْهَا مَجْلِسًا أَقْرَبَ مِنْ هَذَا "

ص: 63

116 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْخَيَّاطُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:" كَانُوا يَعْشَقُونَ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ، كَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَتَحَدَّثُ عِنْدَهُمْ، لَا يُسْتَنْكَرُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ: لَكِنِ الْيَوْمَ لَا يَرْضُونَ إِلَّا بِالْمُوَاقَعَةِ "

ص: 64

117 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ:" قُلْتُ لِأَعْرَابِيَّةٍ: " مَا تَعُدُّونَ الْعِشْقَ فِيكُمْ؟ قَالَتْ: الْقُبْلَةُ وَالضَّمُّ وَالْغَمْزَةُ، ثُمَّ أَنْشَدَتْ تَقُولُ:

[البحر الرجز]

مَا الْحُبُّ إِلَّا قُبْلَةٌ

وَغَمْزُ كَفٍّ وَعَضُدْ

مَا الْحُبُّ إِلَّا هَكَذَا

إِنْ نُكِحَ الْحُبُّ فَسَدْ

ثُمَّ قَالَتْ: فَكَيْفَ تَعُدُّونَ الْعِشْقَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: يَقْعُدُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، ثُمَّ يَجْهَدُ

⦗ص: 65⦘

نَفْسَهُ قَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، مَا هَذَا عَاشِقًا، هَذَا طَالِبُ وَلَدٍ "

ص: 64

118 -

سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيُّ يُحِبُّ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: مَلَكٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهَا:

[البحر السريع]

يَا مَلَكُ قَدْ صِرْتُ إِلَى حِظَّةٍ

رَضِيتُ فِيهَا مِنْكِ بِالضَّيْمِ

مَا الْتَحَفَتْ عَيْنِي عَلَى رَقْدَةٍ

مُذْ غِبْتِ عَنْ عَيْنِي إِلَى الْيَوْمِ

فَبِتُّ مَفْتُوقَ مَجَارِي الْبُكَا

مُعَطَّلَ الْعَيْنِ مِنَ النَّوْمِ

وَوَجْدِي الدَّهْرَ بِكُمْ عِلَّةً

فَالْمَوْتُ مِنْ نَفْسِي عَلَى سَوْمِ

يَلُومُنِي النَّاسُ عَلَى حُبِّكُمْ

وَالنَّاسُ أَوْلَى فِيكِ بِاللَّوْمِ

قَالَ: فَكَتَبَتْ إِلَيْهِ:

[البحر السريع]

إِنْ تَكُنِ الْغِلْمَةُ هَاجَتْ بِكُمْ

فَعَالِجِ الْغِلْمَةَ بِالصَّوْمِ

لَيْسَ بِكَ الْحُبُّ وَلَكِنَّمَا

تَدُورُ مِنْ هَذَا عَلَى كَوْمِ

يُقَالُ: كَامَ الْفَرَسُ يَكُومُ كَوْمًا إِذَا ثَرَى عَلَى الْحَجَرِ "

ص: 65

119 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عَلَيْكُمْ بِالْبَاءَةِ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: «لَهُ وِجَاءٌ» ، يَعْنِي بِهِ: يَقْطَعُ النِّكَاحَ، لِأَنَّ الْمَوْجُوءَ لَا يَضْرِبُ، وَهُوَ الْفَحْلُ، إِذَا رُضَّتْ أُنْثَيَاهُ، يُقَالُ: قَدْ وُجِئَ وِجَاءً فَهُوَ مَوْجُوءٌ

ص: 66

120 -

حَدَّثَنَا حُبَيْشُ بْنُ مُوسَى الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: " هَوِيَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ جَارِيَةً بِمَكَّةَ فَأَرَادَهَا فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَأَنْشَدَهَا:

[البحر الطويل]

سَأَلْتُ عَطَا الْمَكِّيَّ هَلْ فِي تَعَانُقٍ

وَقُبْلَةِ مُشْتَاقِ الْفُؤَادِ جُنَاحُ

فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُذْهِبَ التُّقَى

تَلَاصُقُ أَكْبَادٍ بِهِنَّ جِرَاحُ

⦗ص: 67⦘

فَقَالَتْ: أَأَللَّهِ إِنَّكَ سَمِعْتَهُ يَقُولُ هَذَا؟ وَسَأَلْتَهُ عَنْهُ فَأَجَابَكَ بِهَذَا الْجَوَّابِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، فَزَارَتْهُ وَجَعَلَتْ تَقُولُ: إِيَّاكَ أَنْ تَتَعَدَّى مَا أَمَرَكَ بِهِ عَطَاءٌ "

ص: 66

121 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ يُوسُفَ الْمَاجِشُونِ قَالَ: " أَنْشَدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَوْلَ وَضَّاحِ الْيَمَنِ:

[البحر الطويل]

فَمَا نَوَّلَتْ حَتَّى تَضَرَّعْتُ حَوْلَهَا

وَأَقْرَأْتُهَا مَا رَخَّصَ اللَّهُ فِي اللَّمَمِ

فَضَحِكَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ: «إِنْ كَانَ وَضَّاحٌ لَمُفْتِيًا فِي نَفْسِهِ»

ص: 67

122 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ:" سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32] قَالَ: هِيَ النَّظْرَةُ وَالْغَمْزَةُ وَالْقُبْلَةُ "

ص: 67

123 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ:" {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32] قَالَ: " هُوَ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ: الْحَدِّ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ فِيهِ النَّارَ، وَالْحَدِّ الَّذِي فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ الَّذِي يَرْجُو أَنْ يُغْفَرَ "

ص: 67

124 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ: " {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32] قَالَ: «لَمَّةٌ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ»

ص: 68

125 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ:" {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32] قَالَ: " هُوَ الرَّجُلُ يُلْمِمُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ يَتُوبُ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الكامل]

إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا

وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا

ص: 68

126 -

حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: " {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا»

ص: 68

127 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ

⦗ص: 69⦘

بَكَّارٍ قَالَ: أُنْشِدَ عَطَاءٌ قَوْلَ الْعَرْجِيِّ:

[البحر السريع]

إِنِّي أُتِيحَتْ لِي يَمَانِيَّةٌ

إِحْدَى بَنِي الْحَارِثِ مِنْ مَذْحِجِ

نَمْكُثُ حَوْلًا كَامِلًا كُلَّهُ

مَا نَلْتَقِي إِلَّا عَلَى مُتَهَّجِ

فِي الْحَجِّ إِنْ حَجَّتْ وَمَاذَا مِنًى

وَأَهْلُهُ إِنْ هِيَ لَمْ تَحْجُجِ

فَقَالَ عَطَاءٌ: يَمَنِيٌّ وَاللَّهِ، وَأَهْلُهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ إِذْ غَيَّبَهَا وَإِيَّاهُ عَنْ مَشَاعِرِهِ "

ص: 68

128 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: وَحَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سِمَاكٍ، وَالْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أَخَذْتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ فَأَصَبْتُ مِنْهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَنْكَحْهَا، فَاصْنَعْ بِي مَا شِئْتَ، فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا ذَهَبَ دَعَاهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ {وَأَقِمِ

⦗ص: 70⦘

الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] "

ص: 69

129 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تُبَايِعُنِي فَأَدْخَلْتُهَا الدَّوْلَجَ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَيْهَا، فَصَنَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَعَلَّ لَهَا مُغَيَّبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: أَجَلْ، ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهُمَا، فَقَالَ:«وَيْحَكَ، لَعَلَّ لَهَا مُغَيَّبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَيَّ خَاصَّةً، أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَضَرَبَ عُمَرُ صَدْرَهُ وَقَالَ: وَلَا نِعْمَةَ عَيْنٍ، وَلَكِنْ لِلنَّاسِ عَامَّةً. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:«صَدَقَ عُمَرُ»

ص: 70

130 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ:" قِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا كُنْتَ صَانِعًا لَوْ ظَفَرْتَ بِمَنْ تَهْوَى؟ قَالَ: كُنْتُ أُمَتِّعُ عَيْنَيَّ مِنْ وَجْهِهَا، وَقَلْبِي مِنْ حَدِيثِهَا، وَأَسْتُرُ مِنْهَا مَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَلَا يَرْضَى كَشْفَهُ إِلَّا عِنْدَ حِلِّهِ، قِيلَ: فَإِنْ خِفْتَ أَلَّا تَجْتَمِعَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُحِلُّ قَلْبِي إِلَى حُبِّهَا، وَلَا أَصْبِرُ بِقَبِيحِ ذَلِكَ الْفِعْلِ إِلَى نَقْضِ عَهْدِهَا. قَالَ: وَقِيلَ لِآخَرَ وَقَدْ زُوِّجَتْ عَشِيقَتُهُ مِنِ ابْنِ عَمٍّ لَهَا، وَأَهْلُهَا عَلَى إِهْدَائِهَا إِلَيْهِ: أَيَسُرُّكَ أَنْ تَظْفَرَ بِهَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي أَمْتَعَنِي بِحُبِّهَا وَأَشْقَانِي بِطَلَبِهَا، قِيلَ: فَمَا كُنْتَ صَانِعًا بِهَا؟ قَالَ: كُنْتُ أُطِيعُ الْحُبَّ فِي لِثَامِهَا، وَأَعْصِي الشَّيْطَانَ فِي إِثْمِهَا، وَلَا أُفْسِدُ عِشْقَ سِنِينَ بِمَا يَبْقَى ذَمِيمًا عَارُهُ، وَيُنْشَرُ قَبِيحُ أَخْبَارِهِ فِي سَاعَةٍ تَنْفَدُ لَذَّتُهَا، وَتَبْقَى تَبِعَتُهَا، إِنِّي إِذًا لَئِيمٌ لَمْ يَغْدُنِي أَصْلٌ كَرِيمٌ "

ص: 71

131 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كَثِيرًا يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:

[البحر البسيط]

تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا

مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْوِزْرُ وَالْعَارُ

تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا

لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدَهَا النَّارُ

ص: 71

132 -

أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ لِحُسَيْنِ بْنِ مَطِيرٍ:

[البحر الطويل]

وَنَفْسَكَ أَكْرِمْ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ

فَمَا لَكَ نَفْسٌ بَعْدَهَا تَسْتَعِيرُهَا

وَلَا تَقْرَبِ الْأَمْرَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ

حَلَاوَتُهُ تَفْنَى وَيَبْقَى مَرِيرُهَا

ص: 71

133 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: " بَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ، بِالْبَيْتِ فَإِذَا بِجُوَيْرِيَةٍ مُتَعَبِّدَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ

⦗ص: 72⦘

وَهِيَ تَقُولُ: " يَا رَبِّ، كَمْ مِنْ شَهْوَةٍ ذَهَبَتْ لَذَّتُهَا، وَبَقِيَتْ تَبِعَتُهَا، يَا رَبِّ، أَمَا كَانَ لَكَ أَدَبٌ إِلَّا بِالنَّارِ، وَتَبْكِي، فَمَا زَالَتْ مُقَامَهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِي صَارِخًا أَقُولُ: ثَكِلَتْ مَالِكًا أُمُّهُ، وَعَدِمَتْهُ جُوَيْرِيَةٌ مِنَ اللَّيْلَةِ قَدْ تَطْلُبُهُ "

ص: 71

134 -

أَنْشَدَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:

[البحر الطويل]

وَطَائِفَةٌ بِالْبَيْتِ وَاللَّيْلُ مُظْلِمٌ

تَقُولُ وَمِنْهَا دَمْعُهَا يَتَجَسَّمُ

أَيَا رَبِّ كَمْ مِنْ شَهْوَةٍ قَدْ رُزِئْتُهَا

وَلَذَّةٍ عَيْشٍ حَبْلُهَا مُتَصَرِّمُ

أَمَا كَانَ رَبِّي لِلْعِبَادِ عُقُوبَةٌ

وَلَا أَدَبٌ إِلَّا الْجَحِيمُ الْمُصَرِّمُ

فَمَا زَالَ ذَاكَ الْقَوْلُ مِنْهَا تَضَرُّعًا

إِلَى أَنْ بَدَا فَجْرُ الصَّبَاحِ الْمُقَدَّمُ

فَشَبَّكْتُ مِنِّي الْكَفَّ أَهْتِفُ صَارِخًا

عَلَى الرَّأْسِ أُبْدِي بَعْضَ مَا كُنْتُ أَكْتُمُ

وَقُلْتُ لِنَفْسِي إِنْ تَطَاوَلَ مَا بِهَا

وَأَعِي عَلَيْهَا وِرْدُهَا الْمُتَغَنَّمُ

أَلَا ثَكِلَتْكَ الْيَوْمَ أُمُّكَ مَالِكًا

جُوَيْرِيَةٌ أَلْهَاكَ مِنْهَا التَّكَلُّمُ

فَمَا زِلْتَ بَطَّالًا بِهَا طُولَ لَيْلَةٍ

تَنَالُ بِهَا حَظًّا جَسِيمًا وَتَغْنَمُ

ص: 72

135 -

حَدَّثَنِي أَخِي قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ الْخَنْدَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] قَالَ: حَلَّ سَرَاوِيلَهُ، وَقَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَإِذَا بِكَفٍّ قَدْ بَدَتْ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِيهَا عَضُدٌ وَلَا مِعْصَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 11] قَالَ: فَقَامَ هَارِبًا، وَقَامَتْ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَ وَعَادَتْ، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا

⦗ص: 73⦘

بِكَفٍّ قَدْ بَدَتْ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِيهَا عَضُدٌ وَلَا مِعْصَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 281] فَقَامَ هَارِبًا وَقَامَتْ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَ وَعَادَتْ، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: يَا جِبْرِيلُ، أَدْرِكْ عَبْدِي يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الْخَطِيئَةَ، فَانْحَطَّ جِبْرِيلُ عليه السلام عَاضًّا عَلَى أُصْبُعِهِ أَوْ عَاضًّا عَلَى كَفِّهِ، فَقَالَ: يَا يُوسُفُ، تَعْمَلُ عَمَلَ الْفُجَّارِ، وَأَنْتَ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْأَنْبِيَاءِ؟ فَقَامَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} [يوسف: 24] "

ص: 72

136 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ أَبُو حَفْصٍ الْقَاصُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعُتْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ الْعُرَنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي إِلْيَاسَ، عَنْ وَهْبٍ قَالَ: " لَمْ تَزَلْ تُرَاوِدُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ تَزَلْ تُؤْذِيهِ وَتَخْدَعُهُ حَتَّى هَمَّ بِهَا، فَلَمَّا حَلَّ سَرَاوِيلَهُ وَرَدَّ يَدَهُ إِلَى جَيْبِ قَمِيصِهِ لِيَخْلَعَهُ وَيَدْخُلَ مَعَهَا فِي فِرَاشِهَا مَثَّلَ اللَّهُ لَهُ أَبَاهُ يَعْقُوبَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي عَهِدَهُ فِيهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ غَضْبَانَ عَاضًّا عَلَى أَنَامِلِهِ يَتَوَعَّدُهُ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ كَفَّ وَهَرَبَ مُوَلِّيًا نَحْوَ الْبَابِ، فَاتَّبَعَتْهُ سَيَّدَتُهُ فَتَدَارَكَا عِنْدَ الْبَابِ فَوَافَقَا سَيَّدَهُمَا الْعَزِيزَ لِيَدْخُلَ، فَلَمَّا سَمِعَ تَحَاوُرَهُمَا قَالَ: مَا شَأْنُكُمَا تَتَنَازَعَانِ عَلَى الْبَابِ؟ قَالَتْ: أَدْخَلْتَ بَيْتَكَ لِصَّا عَادِيًا، وَائْتَمَنْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، فَأَغْلَقَ عَلَيَّ الْبَابَ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَهُوَ يَحِلُّ ثِيَابَهُ، وَيَدْخُلُ مَعِي فِي فِرَاشِي، فَثُرْتُ إِلَيْهِ مِنْ نَوْمِي لِآخُذَهُ، فَبَادَرَنِيَ الْبَابَ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَّقِيَ مِنْكَ مِنْ أَجْلِ مَا فَعَلَ، فَلَا تَرَاهُ أَبَدًا، فَقَالَ الْعَزِيزُ: خُنْتَنِي يَا يُوسُفُ وَغَدَرْتَ بِي؟ قَالَ: بَلْ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ

⦗ص: 74⦘

نَفْسِي، وَغَلَبَتْنِي وَعَذَّبَتْنِي، وَهَذَا قَمِيصِي مَشْقُوقٌ مِنْ دُبُرِي حِينَ وَلَّيْتُ عَنْهَا هَارِبًا، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا وَهُوَ أَخُوهَا وَكَاتِبُ سَيِّدِهَا، وَكَانَ عَدْلًا أَمِينًا: إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ إِنَّهُ لَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَارِهًا هَارِبًا مِنْهَا، وَلَئِنْ كَانَ الْقَمِيصُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ إِنَّهُ لَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَى الْقَمِيصَ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ عَرَفَ كَذِبَهَا، فَقَالَ أَخُوهَا:{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28] "

ص: 73

137 -

حَدَّثَنِي رَجُلٌ ذَهَبَ عَلَيَّ اسْمُهُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَبَالَةَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: " نُبِّئْتُ أَنَّ فَتًى، مِنَ الْعُبَّادِ أَحَبَّ جَارِيَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَبَعَثَ يَخْطُبُهَا فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنْ أَرَدْتَ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلْتُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا هَذِهِ، أَدْعُوكِ إِلَى الْأَمْرِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ، وَتَدْعِينِي إِلَى مَا لَا يَصْلُحُ، وَلَا لَكِ فِيهِ عُذْرٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِالَّذِي عِنْدِي، فَإِنْ أَرَدْتَ فَتَقَدَّمْ، وَإِنْ كَرِهْتَ تَأَخَّرْ، فَأَنْشَدَ يَقُولُ:

[البحر الوافر]

أُسَائِلُهَا الْهَوَى أَوْ تَدْعُ قَلْبِي

إِلَى مَا لَا أُرِيدُ مِنَ الْحَرَامِ

كَدَاعِي آلِ فِرْعَوْنٍ إِلَيْهِ

وَهُمْ يَدَعُونَهُ نَحْوَ الْغَرَامِ

فَظَلَّ مُنَعَّمًا فِي الْخُلْدِ يَسْعَى

وَظَلُّوا فِي الْجَحِيمِ وَفِي السِّقَامِ

فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ قَدِ امْتَنَعَ مِنَ الْفَاحِشَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: هَا أَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ عَلَى

⦗ص: 75⦘

الَّذِي تُحِبُّ، فَكَتَبَ إِلَيْهَا: هَيْهَاتَ، لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَنْ دَعَانَا إِلَى الْمَعْصِيَةِ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ إِلَى الطَّاعَةِ، لَا خَيْرَ فِي نَفْسٍ لَا تَدُومُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الكامل]

لَا خَيْرَ فِي مَنْ لَا يُرَاقِبُ رَبَّهُ

عِنْدَ الْهَوَى وَيَخَافُهُ أَحْيَانَا

حَجَبَ التُّقَى بَابَ الْهَوَى فَأَخُو الْهَوَى

عَفُّ الْخَلِيقَةِ زَائِدٌ إِيمَانَا

ص: 74

138 -

حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِخَنَاصِرَةِ الشَّامِ يَخْطُبُ فَقَالَ:«أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ»

ص: 75

139 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عز وجل، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ "

ص: 75

‌بَابُ الِافْتِخَارِ بِالْعَفَافِ

ص: 76

140 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيُّ قَالَ: " خَرَجْتُ إِلَى الْمِرْبَدِ فَإِذَا أَنَا بِأَعْرَابِيٍّ غَزِلٍ، فَمِلْتُ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ عِنْدَهُ النِّسَاءَ فَتَنَفَّسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَإِنَّ مِنْ كَلَامِهِنَّ لَمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ فَيَشْفِي مِنَ الظَّمَأِ، فَقُلْتُ: يَا أَعْرَابِيُّ، صِفْ لِي نِسَاءَكُمْ، فَقَالَ: نِسَاءَ الْحَيِّ تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الكامل]

رُجُحٌ وَلَيْسَ مِنَ اللَّوَاتِي بِالضُّحَى

لِذِيُولِهِنَّ عَلَى الطَّرِيقِ غُبَارُ

وَإِذَا خَرَجْنَ يَرِدْنَ أَهْلَ مُصَابَةٍ

كَانَ الْخُطَا لِسِرَاعِهَا الْإِبْشَارُ

يَأْنَسْنَ عِنْدَ بُعُولِهِنَّ إِذَا خَلَوْا

وَإِذَا هُمُ خَرَجُوا فَهُنَّ خِفَارُ

قَالَ الْعُتْبِيُّ: فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الْأَعْرَابِيُّ قَوْلَهُ: وَإِنَّ مِنْ كَلَامِهِنَّ لَمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ فَيَشْفِي الظَّمَأَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ الْقُطَامِيِّ:

[البحر البسيط]

يَقْتُلْنَنَا بِحَدِيثٍ لَيْسَ يَعْلَمُهُ

مَنْ يَتَّقِينَ وَلَا مَكْنُونُهُ بَادِي

فَهُنَّ يَنْبِذْنَ مِنْ قَوْلٍ يُصِبْنَ بِهِ

مَوَاقِعَ الْمَاءِ مِنْ ذِي الْغُلَّةِ الصَّادِي

ص: 76

141 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ الْمَرْوَزِيُّ، عَنِ ابْنِ أَحْمَدَ النَّحْوِيِّ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ بَصُرْتُ بِامْرَأَةٍ مُتَبَرْقِعَةٍ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَتَقُولُ:

[البحر البسيط]

لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مَعْشُوقَةٍ عَمَلًا

يَوْمًا وَعَاشِقُهَا غَضْبَانُ مَهْجُورُ

لَيْسَتْ بِمَأْجُورَةٍ فِي قَتْلِ عَاشِقِهَا

وَلَكِنَّ عَاشِقَهَا فِي ذَاكَ مَأْجُورُ

فَقُلْتُ لَهَا: فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، رَحِمَكَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، لَا يُعَلِّقُكَ الْحُبُّ، قُلْتُ: وَمَا الْحُبُّ؟ قَالَتْ: جَلَّ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَخْفَى، وَخَفِيَ عَنْ أَنْ يُرْمَى، فَهُوَ كَالنَّارِ فِي أَحْجَارِهَا، إِذَا حَرَّكْتَهُ أَوْرَى، وَإِنْ تَرَكْتَهُ تَوَارَى، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الكامل]

غِيدٌ غَرَائِرُ مَا هَمَمْنَ بِرِيبَةٍ

كَظِبَاءِ مَكَّةَ صَيْدُهُنَّ حَرَامُ

يَحْسِبْنَ مِنْ لِينِ الْحَدِيثِ زَمَائِنًا

وَيَصُدُّهُنَّ عَنِ الْخَنَا الْإِسْلَامُ

ص: 77

142 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ يَوْمًا: " هَلْ تَعْرِفُونَ بَيْتًا شَرِيفًا فِي امْرَأَةٍ خَفِرَةٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، بَيْتٌ لِحَاتِمٍ فِي زَوْجَتِهِ مَاوِيَّةَ ابْنَةِ عَفْذَرٍ:

[البحر الطويل]

يُضِيءُ لَهَا الْبَيْتُ الظَّلِيلُ خَصَاصَةً

إِذَا هِيَ يَوْمًا حَاوَلَتْ أَنْ تَبَسَّمَا

قَالَ: مَا صَنَعْتُمْ شَيْئًا، قُلْنَا: فَبَيْتُ الْأَعْشَى:

[البحر البسيط]

⦗ص: 78⦘

كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا

مَرُّ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجِلُ

قَالَ: قَدْ جَعَلَهَا تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ، قُلْنَا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، فَأَيُّ بَيْتٍ هُوَ؟ قَالَ: قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ:

[البحر الطويل]

وَيُكْرِمْنَهَا جَارَاتُهَا فَيَزُرْنَهَا

وَتَعْتَلُّ عَنْ إِتْيَانِهِنَّ فَتُعْذَرُ

ص: 77

143 -

وَأَنْشَدَنَا مُحَمَّدٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نِفْطَوَيْهِ:

[البحر الطويل]

وَخَبَّرَهَا الْوَاشُونَ أَنَّ خَيَالَهَا

إِذَا نِمْتُ يَغْشَى مَضْجَعِي وَوِسَادِي

فَخَفَّرَهَا فَرْطُ الْحَيَاءِ فَأَرْسَلَتْ

تُعَيِّرُنِي غَضْبَى بِطُولِ رُقَادِي

ص: 78

144 -

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الزَّيْنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِلَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ: " بِاللَّهِ، هَلْ كَانَ بَيْنَكِ وَبَيْنَ تَوْبَةَ سُوءٌ قَطُّ؟ قَالَتْ: وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَهَابِ نَفْسِي، مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سُوءٌ قَطُّ، إِلَّا أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَصَافَحْتُهُ فَغَمَزَ يَدِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَخْنَعُ لِبَعْضِ الْأَمْرِ قَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 79⦘

وَذِي حَاجَةٍ قُلْنَا لَهُ لَا تَبُحْ بِهَا

فَلَيْسَ إِلَيْهَا مَا حَيِيتُ سَبِيلُ

لَنَا صَاحِبٌ لَا نَبْتَغِي أَنْ نَخُونَهُ

وَأَنْتَ لِأُخْرَى فَاعْلَمَنَّ خَلِيلُ

قَالَتْ: لَا وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِهِ، مَا كَلَّمَنِي بِسُوءٍ قَطُّ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ "

ص: 78

145 -

أَنْشَدَنِي الْعَلَاءُ بْنُ دَاوُدَ الْحَذَّاءُ:

[البحر البسيط]

يَا أَحْسَنَ النَّاسِ إِلَّا أَنَّ نَائِلَهَا

قَدْمًا لِمَنْ يَبْتَغِي مَعْرُوفَهَا عَسِرُ

وَإِنَّمَا ذُلُّهَا سِحْرٌ لِطَالِبِهَا

وَإِنَّمَا قَلْبُهَا لِلْمُشْتَكِي حَجَرُ

يَا لَيْتَ أَنِّي وَأَثْوَابِي وَرَاحِلَتِي

عَبْدٌ لِأَهْلِكَ هَذَا الشَّهْرَ مُتَّجَرُ

إِنْ كَانَ ذَا قَدَرًا أَيُعْطِيكَ نَائِلَهُ

مِنَّا وَيَمْنَعُنَا؟ مَا أَنْصَفَ الْقَدَرُ

ص: 79

146 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُلَاعِبِ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا دَخَلَتِ الْجَنَّةَ»

ص: 79

147 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ

⦗ص: 80⦘

اتَّقَتْ رَبَّهَا، وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ادْخُلِي مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ "

ص: 79

148 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: " أَنَّ امْرَأَةً لَقِيَتْ كُثَيِّرَ عَزَّةَ، وَكَانَ قَلِيلًا ذَمِيمًا، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: كُثَيِّرُ عَزَّةَ قَالَتْ: " تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ. قَالَ: مَهْ، رَحِمَكِ اللَّهُ، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي أَقُولُ:

[البحر الطويل]

فَإِنْ أَكُ مَعْرُوقَ الْعِظَامِ فَإِنَّنِي

إِذَا مَا وَزَنْتَ الْقَوْمَ بِالْقَوْمِ وَازِنُ

قَالَتْ: وَكَيْفَ تَكُونُ بِالْقَوْمِ وَازِنًا وَأَنْتَ لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِعِزَّةَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قُلْتِ ذَلِكَ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ قَدْرِي، وَزَيَّنَ بِهَا شِعْرِي، وَإِنَّهَا لَكَمَا قُلْتُ:

مَا رَوْضَةٌ بِالْحَزْنِ ظَاهِرَةُ الثَّرَى

يَمُجُّ النَّدَى جَثْجَاثُهَا وَعَرَارُهَا

بِأَطْيَبَ مِنْ أَرْدَانِ عَزَّةَ مَوْهِنًا

وَقَدْ وُقِدَتْ بِالْمَنْدَلِ الرَّطْبِ نَارُهَا

مِنَ الْخَفِرَاتِ الْبِيضِ لَمْ تَلْقَ شِقْوَةً

وَبِالْحَسَبِ الْمَكْنُونِ صَافٍ فِخَارُهَا

فَإِنْ بَرَزَتْ كَانَتْ لِعَيْنِكَ قُرَّةً

وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ يُعْمِمْكَ عَارُهَا

قَالَتْ: أَرَأَيْتَ حِينَ تَذْكُرُ طِيبَهَا فَلَوْ أَنَّ زِنْجِيَّةً اسْتَجْمَرَتْ بِالْمَنْدَلِ الرَّطْبِ لَطَابَ

⦗ص: 81⦘

رِيحُهَا، أَلَا قُلْتَ كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

[البحر الطويل]

خَلِيلِيَّ مُرَّا عَلَى أُمِّ جُنْدُبٍ

نَقْضِ لَبَانَاتِ الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ

أَلَمْ تَرَ أَنِّي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا

وَجَدْتُ لَهَا طِيبًا وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ

قَالَ: الْحَقُّ وَاللَّهِ خَيْرُ مَا قِيلَ، هُوَ وَاللَّهِ أَنْعَتُ لِصَاحِبَتِهِ مِنِّي "

ص: 80

149 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: " بَلَغَنِي أَنَّهُ يُقَالُ: «خَيْرُ فَائِدَةٍ أَفَادَهَا الْمُسْلِمُ زَوْجَةٌ صَالِحَةٌ، إِنْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا»

ص: 81

150 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ: أَيْنَ الْعُذَّابُ؟ ادْنُوا مِنِّي، فَقُولُوا: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي امْرَأَةً إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا

⦗ص: 82⦘

سَرَّتْنِي، وَإِذَا أَمَرْتُهَا أَطَاعَتْنِي، وَإِذَا غِبْتُ عَنْهَا تَحْفَظُ غَيْبَتِي فِي نَفْسِهَا وَمَالِي»

ص: 81

151 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ غَمْرُوسٍ قَالَ: " دَخَلَتْ عَزَّةُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا تَرْفَعُ مَظْلُمَةً لَهَا، فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامَهَا تَعَجَّبَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: هَذِهِ عَزَّةُ كُثَيِّرٍ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: إِنْ أَرَدْتِ أَنْ أَرْدُدَ عَلَيْكِ مَظْلُمَتَكِ فَأَنْشِدِينِي مِمَّا قَالَ فِيكِ كُثَيِّرٌ، فَاسْتَحْيَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ كُثَيِّرًا، لَكِنِّي سَمِعْتُهُمْ يَحْكُونَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيَّ:

[البحر الطويل]

قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ عَلِمْتُ غَرِيمَهُ

وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنًّى غَرِيمُهَا

فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكِ، وَلَكِنْ أَنْشِدِينِي مِنْ قَوْلِهِ:

وَقَدْ زَعَمَتْ أَنِّي تَغَيَّرْتُ بَعْدَهَا

وَمَنْ ذَا الَّذِي يَا عَزُّ لَا يَتَغَيَّرُ

تَغَيَّرَ جَسْمِي وَالْخَلِيقَةُ كَالَّذِي

عَهِدْتُ وَلَمْ يُخْبِرْ بِسِرِّكِ مُخْبِرُ

قَالَتْ: قَدْ سَمِعْتُ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَحْكُونَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيَّ:

كَأَنِّي أُنَادِي صَخْرَةً حِينَ أَعْرَضَتْ

مِنَ الصُّمِّ لَوْ يَمْشِي بِهَا الْعُصْمِ زِلَّتِ

صَفُوحٌ فَمَا تَلْقَاكَ إِلَّا بَخِيلَةً

فَمَنْ مَلَّ مِنْهَا ذَلِكَ الْوَصْلَ مَلَّتِ

فَقَضَى حَاجَتَهَا وَرَدَّ مَظْلُمَتَهَا، وَقَالَ: أَدْخِلُوهَا عَلَى الْجَوَارِي يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِهَا "

ص: 82

152 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ

⦗ص: 83⦘

قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مَوْلَى ابْنِ مُكْمِلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فُضِّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي الشَّهْوَةِ عَلَى الرَّجُلِ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ ضِعْفًا إِلَّا أَنَّ الْحَيَاءَ غَلَبَ عَلَيْهِنَّ»

ص: 82

153 -

أَنْشَدَنِي أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ لِعُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ:

[البحر الكامل]

وَلَهُنَّ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ لَبَانَةٌ

وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُنَّ لَوْ يَتَكَلَّمُ

نَزَلُوا ثُلُثَ مِنًى بِمَنْزِلِ غِبْطَةٍ

وَهُمُ عَلَى عَرَضٍ لَعَمْرُكَ مَا هُمُ

مُتَجَاوِرِينَ لِغَيْرِ دَارِ إِقَامَةٍ

لَوْ قَدْ أَجَدَّ رَحِيلُهُمْ لَمْ يَنْدَمُوا

لَوْ كَانَ حَيٌّ قَبْلَهُنَّ ظَعَائِنًا

حَيُّ الْحَطِيمِ وُجُوهُهُنَّ وَزَمْزَمُ

ص: 83

154 -

أَنْشَدَنِي أَبُو مُوسَى عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ:

[البحر الطويل]

وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى كُلِّ غَايَةٍ

مِنَ الْمَجْدِ يَكْبُو دُونَهَا الْمُتَطَاوِلُ

بَذُولٌ لِمَالِي حِينَ يَبْخَلُ ذُو النُّهَى

عَفِيفٌ عَنِ الْعَوْرَاءِ قَرْمٌ حُلَاحِلُ

ص: 83

155 -

أَنْشَدَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِبْرٍ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 84⦘

وَمَا نِلْتُ مِنْهَا مُحَرَّمًا غَيْرَ أَنَّنِي

أُقَبِّلُ بَسَّامًا مِنَ الثَّغْرِ أَفْلَجَا

وَأَلْثَمُ فَاهَا تَارَةً ثُمَّ تَارَةً

وَأَتْرُكُ حَاجَاتِ النُّفُوسِ تَحَرُّجَا

ص: 83

156 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:" بَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ، إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَقَالَ لِي: هَلْ لَكَ فِي جَمِيلٍ فَإِنَّهُ ثَقِيلٌ تَعُودُهُ؟ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، وَمَا يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ الْمَوْتَ يَكْرُبُهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ سَهْلٍ، مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَمْ يَشْرَبِ الْخَمْرَ قَطُّ، وَلَمْ يَزِنِ، وَلَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قُلْتُ: أَظُنُّهُ قَدْ نَجَا، وَأَرْجُو لَهُ الْجَنَّةَ، فَمَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: أَنَا. قُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ مَا أَحْسِبُكَ سَلِمْتَ وَأَنْتَ تُشَبِّبُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً بِبُثَيْنَةَ، فَقَالَ: لَا نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنِّي فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَآخَرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، إِنْ كُنْتُ وَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهَا لِرِيبَةٍ، فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى مَاتَ "

ص: 84

157 -

أَنْشَدَنِي أَبُو مُوسَى عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ:

[البحر المنسرح]

وَتُبْهِرُ الْعَيْنَ مِنْ مَحَاسِنِهَا

حَوْرَاءُ عِنْدَ النُّجُومِ مَثْوَاهَا

أَحْبَبْتُهَا لِلْإِلَهِ، لَيْسَ لِمَا

يُسْخِطُ رَبَّ الْعِبَادِ أَهْوَاهَا

ص: 84

158 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْبٍ الْأَصْمَعِيِّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ: " بَصُرَتِ الثُّرَيَّا بِعُمَرَ بْنِ أَبي رَبِيعَةَ وَهُوَ يَطُوفُ حَوْلَ الْبَيْتِ، فَتَنَكَّرَتْ وَفِي كَفِّهَا خَلُوقٌ

⦗ص: 85⦘

فَرَجِمَتْهُ، فَأَثَّرَ الْخَلُوقُ فِي ثَوْبِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: يَا أَبَا الْخَطَّابِ، مَا هَذَا زِيُّ الْمُحْرِمِ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الخفيف]

أَدْخَلَ اللَّهُ رَبُّ مُوسَى وَعِيسَى

جَنَّةَ الْخُلْدِ مَنْ مَلَانِي خَلُوقَا

مَسَحَتْ كَفَّهَا بِجَيْبِ قَمِيصِي

حِينَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ مَسْحًا رَفِيقَا

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ تَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ سَمِعْتَ مِنِّي مَا سَمِعْتَ، فَوَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ مَا حَلَلْتُ إِزَارِي عَلَى حَرَامٍ قَطُّ "

ص: 84

159 -

أَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي نِفْطَوَيْهِ قَالَ: أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:

[البحر الكامل]

وَقَصِيرَةُ الْأَيَّامِ وَدَّ جَلِيسُهَا

لَوْ نَالَ مَجْلِسَهَا بِفَقْدِ حَمِيمِ

صَفْرَاءُ مِنْ بَقَرِ الْجِوَاءِ كَأَنَّمَا

قَطَعَ الْحَيَاءَ بِهَا رُدَاغُ سَقِيمِ

مِنْ مُجْزِيَاتِ أَخِي الْهَوَى قَطْعُ الْجَوَى

بِدَلَالِ عَائِنِهِ وَمُقْلَةِ رِيمِ

ص: 85

160 -

أَنْشَدَنِي أَبُو مُوسَى عِمْرَانُ الْمُؤَدِّبُ النُّمَيْرِيُّ:

[البحر الطويل]

يُغَطِّينَ أَطْرَافَ الْبَنَانِ مِنَ التُّقَى

وَيَخْرُجْنَ بِالْأَسْحَارِ مُعْتَجِرَاتِ

تَضَوَّعُ مِسْكًا بَطْنُ نَعْمَانَ إِنْ مَشَتْ

بِهِ زَيْنَبٌ فِي نِسْوَةٍ عَطِرَاتِ

⦗ص: 86⦘

فَلَمَّا رَأَتْ رَبَّ النُّمَيْرِيِّ أَعْرَضَتْ

وَقَدْ كُنَّ أَنْ يَلْقَيْنَهُ خَدِرَاتِ

فَهُنَّ اللَّوَاتِي إِنْ بَرَزْنَ قَتَلْنَنَا

وَإِنْ مِسْنَ قَطَّعْنَ الْحَشَا حَسَرَاتِ

وَقِيلَ لِلَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ: هَلْ كَانَ بَيْنَكِ وَبَيْنَ تَوْبَةَ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ تَعَالَى؟ قَالَتْ: إِذًا أَكُونُ مُنْسَلِخَةً مِنْ دِينِي، إِنْ كُنْتُ ارْتَكَبْتُ عَظِيمًا ثُمَّ أُتْبِعُهُ الْكَذِبَ "

ص: 85

161 -

أَنْشَدَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ لِلْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي أَحْنَفَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

أَمَا وَالَّذِي نَادَى مِنَ الطُّورِ عَبْدَهُ

وَأَنْزَلَ فُرْقَانًا وَأَوْحَى إِلَى النَّحْلِ

لَقَدْ وَلَدَتْ حَوَّاءُ مِنْكِ بَلِيَّةً

عَلَى أَقَاسِيِّهَا وَخَبْلًا مِنَ الْخَبْلِ

وَإِنِّي وَإِيَّاكُمْ وَإِنْ شَفَّنِي الْهَوَى

لَأَهْلُ عَفَافٍ لَا يُدَنَّسْنَ بِالْجَهْلِ

ص: 86

‌بَابُ ذَمِّ الزِّنَا وَأَلِيمِ عِقَابِهِ

ص: 87

162 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَلَاعِبٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ شَدَّادٍ أَبُو طَالُوتَ، عَنْ غَزْوَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ:" أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْفَوَاحِشَ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ تَدْرُونَ أَيُّ الزِّنَا عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعْظَمُ؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُلَّهُ عَظِيمٌ قَالَ: وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكُمْ بِأَعْظَمِ الزِّنَا عِنْدَ اللَّهِ تبارك وتعالى، هُوَ أَنْ يَزْنِيَ الْعَبْدُ بِزَوْجَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ فَيَصِيرُ زَانِيًا، وَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ النَّاسَ يُرْسَلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ حَتَّى يَتَأَذَّى مِنْهَا كُلُّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَأَلَمَّتْ أَنْ تُمْسِكَ بِأَنْفَاسِ النَّاسِ كُلِّهِمْ نَادَاهُمْ مُنَادٍ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتَ، وَيَقُولُ لَهُمْ: هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي قَدْ آذَنْتُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا نَدْرِي وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مِنَّا كُلَّ مَبْلَغٍ، فَيُقَالُ: أَلَا إِنَّهَا رِيحُ فُرُوجِ الزُّنَاةِ الَّذِينَ لَقُوا اللَّهَ بِزِنَاهُمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا مِنْهُ، ثُمَّ يُنْصَرَفُ بِهِمْ، فَلَمْ يُذْكَرْ عِنْدَ الصَّرْفِ بِهِمْ جَنَّةٌ وَلَا نَارٌ "

ص: 87

163 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عُلَيٍّ الْخُشَنِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِيَّاكُمْ وَالزِّنَا، فَإِنَّ فِيهِ سِتَّ خِصَالٍ: ثَلَاثًا فِي الدُّنْيَا وَثَلَاثًا فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا اللَّوَاتِي فِي الدُّنْيَا فَذَهَابُ الْبَهَاءِ، وَدَوَامُ الْفَقْرِ، وَقِصَرُ الْعُمُرِ، وَأَمَّا اللَّوَاتِي فِي الْآخِرَةِ: فَسَخَطُ اللَّهِ، وَسُوءُ الْحِسَابِ، وَالْخُلُودُ فِي النَّارِ ". ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

⦗ص: 88⦘

{أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 80] "

ص: 87

164 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُقِيمُ عَلَى الزِّنَا كَعَابِدِ وَثَنٍ»

ص: 88

165 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ فَأَخْرَجَانِي، فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا وَقَالَا لِيَ: اصْعَدْ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أُطِيقُهُ، فَقَالَا: سَنُسَهِّلُهُ لَكَ قَالَ: فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟ فَقَالَا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطَلَقَا بِي، وَإِذَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ

⦗ص: 89⦘

تَسِيلُ دَمًا، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ مَحِلَّةِ إِفْطَارِهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَا بِي فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا، وَأَنْتَنَهُ رِيحًا، وَأَسْوَأَهُ مَنْظَرًا، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ قَتْلَى الْكُفَّارِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا، وَأَنْتَنَهُ رِيحًا، كَأَنَّ رِيحَهُمُ الْمَرَاحِيضُ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الزَّانُونَ وَالزَّوَانِي "

ص: 88

166 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُبْغِضُ ثَلَاثَةً: الشَّيْخَ الزَّانِي، وَالْمُقِلَّ الْمُخْتَالَ، وَالْبَخِيلَ الْمَنَّانَ "

ص: 89

167 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ أَبُو حَفْصٍ الْقَاصُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي انْطَلَقَ بِي إِلَى خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَثِيرٍ، نِسَاءٍ مُعَلَّقَاتٍ بِثَدْيِهِنَّ وَمِنْهُنَّ بِأَرْجُلِهِنَّ مُنَكَّسَاتٍ، وَلَهُنَّ صُرَاخٌ وَجُوَارٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ اللَّوَاتِي يَزْنِينَ

⦗ص: 90⦘

، وَيَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ، وَيَجْعَلْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَرَثَةً مِنْ غَيْرِهِمْ "

ص: 89

168 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى امْرَأَةٍ تُدْخِلُ فِي قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، يَشْرَكُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَيَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ»

ص: 90

169 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ قَالَ غَيْرِي: أَيُّ الذُّنُوبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» . قَالَ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68]

⦗ص: 91⦘

" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهِ وَاصِلٍ حَسَنٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهِ الْأَعْمَشِ، وَوَاصِلٌ وَاصِلٌ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، وَسُلَيْمَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذُّنُوبِ أَعْظَمُ؟ فَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ

ص: 90

172 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ أَبُو حَفْصٍ الْقَاصُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ النَّعَمِ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْجَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الزَّانِي بِحَلِيلَةِ جَارِهِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ

⦗ص: 92⦘

يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِ، وَيَقُولُ لَهُ: ادْخُلِ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ "

ص: 91

173 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يَعْمَلْ سِتًّا دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَمْ يُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَسْرِقْ، وَلَمْ يَزِنِ، وَلَمْ يَرْمِ مُحْصَنَةً، وَلَمْ يَعْصِ ذَا أَمْرٍ، وَقَالَ بِالْحَقِّ أَوْ سَكَتَ "

ص: 92

174 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَطَرٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَامِعٍ، يَعْنِي ابْنَ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«إِذَا نَجِسَ الْمِكْيَالُ حُبِسَ الْقَطْرُ» - قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي إِذَا تَظَالَمَ النَّاسُ - وَإِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَقَعَ الطَّاعُونُ، وَإِذَا كَثُرَ الْكَذِبُ كَثُرَ الْهَرْجُ "

ص: 92

175 -

حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بَنَانُ بْنُ سَلْمَانَ الدَّقَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خُثَيْمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَثَلُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِ الْمُغِيبَةِ مَثَلُ الَّذِي تَنْهَشُهُ الْأَسَاوِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

ص: 92

176 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ:«أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ»

ص: 93

177 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ صُبَيْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أُمِّهِ قَالَ:" كُنْتُ مَعَ أُمِّي رَايْطَةَ ابْنَةِ سُفْيَانَ، امْرَأَةٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُهُنَّ وَهُوَ يَقُولُ: «أُبَايِعُكُنَّ عَلَى أَلَا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقْنَ، وَلَا تَزْنِينَ، وَلَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ، وَلَا تَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُنَّ وَأَرْجُلِكُنَّ، وَلَا تَعْصِينَنِي فِي مَعْرُوفٍ» فَأَطْرَقْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " قُلْنَ

⦗ص: 94⦘

: نَعَمْ فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّهُ ". فَقُلْنَا: نَعَمْ، فِيمَ اسْتَطَعْنَا، فَكُنْتُ أَقُولُ بِقَوْلٍ، وَأُمِّي تَقُولُ لِي: قُولِي: نَعَمْ، فَأَقُولُ: نَعَمْ "

ص: 93

178 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بُدَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ "

ص: 94

179 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ: «إِنَّ الْعَيْنَيْنِ تَزْنِيَانِ، وَالْقَلْبَ يَزْنِي، وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْفَمَ، وَإِنَّمَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ الْفَرَجُ»

ص: 94

180 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَا عِنْدَهُ: رَجُلٌ قَبَّلَ أَمَةً لِغَيْرِهِ؟ قَالَ: «زَنَى فُوهُ»

ص: 94

181 -

حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، أَنَّ ابْنَ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا

⦗ص: 95⦘

حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ:«زَنَتْ قِرَدَةٌ بِالْيَمَنِ فَرَجَمَهَا الْقُرُودُ، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ» قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ: لَوْ غَيْرُ حُصَيْنٍ حَدَّثَنِي مَا صَدَّقْتُ

ص: 94

182 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: " ذُكِرَ الزِّنَا عِنْدَ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بُرْمُكٍ فَقَالَ: " الزِّنَا يَجْمَعُ الْخِلَالَ كُلَّهَا مِنَ الشَّرِّ، لَا تَجِدُ زَانِيًا مَعَهُ وَرَعٌ، وَلَا وَفَاءٌ بِعَهْدٍ، وَلَا مُحَافَظَةٌ عَلَى صَدِيقٍ، وَهُوَ فِعْلٌ الْغَدْرُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ، وَالْخِيَانَةُ فَنٌّ مِنْ فُنُونِهِ، وَقِلَّةُ الْمُرَاقَبَةِ عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِهِ، وَتَرْكُ الِامْتُعَاصِ لِلْأَحْرَارِ وَالْأَنَفَةِ لِلْحُرُمِ خَلَّةٌ مِنْ خِلَالِهِ، وَسَفْكُ الدَّمِ الْحَرَامِ جِنَايَةٌ مِنْ جُنَايَاتِهِ. قَالَ: وَهَجَا الْفَرَزْدَقُ فَزَارِيًّا فَقَالَ:

[البحر المتقارب]

فَأَوْصِلْ وَأَشْدِدْهَا بِأَيْسَارِ

وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ الْخَطَفِيِّ فِي ذَمِّ الزِّنَا:

[البحر الوافر]

وَكُنْتَ إِذَا حَلَلْتَ بِدَارِ قَوْمٍ

رَحَلْتَ بِخِزْيَةٍ وَتَرَكْتَ عَارَا

ص: 95

‌بَابُ التَّخَطِّي إِلَى ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ

ص: 96

183 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ»

ص: 96

184 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ، وَالَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، وَالَّذِي يَأْتِي كُلَّ ذَاتِ مَحْرَمٍ»

ص: 96

185 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ

⦗ص: 97⦘

بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رِفْدَةُ بْنُ قُضَاعَةَ الْغَسَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ رَاشِدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: " أُتِيَ الْحَجَّاجُ بِرَجُلٍ قَدِ اغْتَصَبَ أُخْتَهُ نَفْسَهَا، فَقَالَ: احْبِسُوهُ، وَاسْأَلُوا مَنْ هَاهُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُطَرِّفٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَخَطَّى الْحُرْمَتَيْنِ تَخَطُّوا وَسَطَهُ بِالسَّيْفِ» وَكَتَبُوا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ بِمِثْلِ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُطَرِّفٍ

ص: 96

186 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ النَّمَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أُتِيَ الْحَجَّاجُ بِرَجُلٍ زَنَى بِأُخْتِهِ فَسَأَلَ عَنْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُطَرِّفٍ فَقَالَ: «يُضْرَبُ بِالسَّيْفِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ»

ص: 97

187 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَرَاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، " أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ خَالَتَهُ، فَرُفِعَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، فَقَالَ: لَا جَهَالَةَ فِي الْإِسْلَامِ "

ص: 97

188 -

حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَ عَمْدًا يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ يُفَرَّقُ

⦗ص: 98⦘

بَيْنَهُمَا، وَأَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ "

ص: 97

189 -

حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَقِيتُ خَالِي وَمَعَهُ الرَّايَةُ فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ؛ أَضْرِبُ عُنُقَهُ ، وَآخُذُ مَالَهُ»

ص: 98

190 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:" رَأَيْتُ أُنَاسًا يَنْطَلِقُونَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ قَالُوا: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ يَأْتِي امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ نَقْتُلَهُ "

ص: 98

‌ذِكْرُ مَنْ رَامَ الْحَرَامَ فَقُتِلَ دُونَهُ

ص: 98

191 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: " أَنَّ رَجُلًا، أَضَافَ إِنْسَانًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَذَهَبَتْ

⦗ص: 99⦘

جَارِيَةٌ لَهُمْ تَحْتَطِبُ فَأَرَادَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِفِهْرٍ فَقَتَلَتْهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ:«ذَلِكَ قَتِيلُ اللَّهِ، لَا يُودَى أَبَدًا»

ص: 98

192 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْبَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ:" أَنَّ أَبَا السَّيَّارَةِ، أُولِعَ بِامْرَأَةِ أَبِي جُنْدُبٍ فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَقَالَتْ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ أَبَا جُنْدُبٍ إِنْ يَعْلَمْ بِهَذَا يَقْتُلْكَ، فَأَبَى أَنْ يَنْزِعَ، فَكَلَّمَتْ أَخَا أَبِي جُنْدُبٍ فَكَلَّمَهُ فَأَبَي أَنْ يَنْزِعَ، فَأَخْبَرَتْ بِذَلَكَ أَبَا جُنْدُبٍ، فَقَالَ: إِنِّي مُخْبِرُ الْقَوْمِ أَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الْإِبِلِ، فَإِذَا أَظْلَمَتْ جِئْتُ فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ، فَإِنْ جَاءَكِ فَأَدْخِلِيهِ عَلَيَّ، فَوَدَّعَ أَبُو جُنْدُبٍ الْقَوْمَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى الْإِبِلِ، فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ جَاءَ فَأَكْمَنَ فِي الْبَيْتِ، وَجَاءَ أَبُو السَّيَّارَةِ وَهِيَ تَطْحَنُ فِي طَلَبِهَا، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا:، فَقَالَتْ: وَيْحَكَ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي تَدْعُونِي إِلَيْهِ، هَلْ دَعَوْتُكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ قَطُّ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا أَصْبِرُ عَنْكِ، فَقَالَتِ: ادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى أَتَهَيَّأَ لَكَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ أَغْلَقَ أَبُو جُنْدُبٍ الْبَابَ وَأَخَذَهُ فَدَقَّ مِنْ عُنُقِهِ إِلَى عَجْبِ ذَنَبِهِ، فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى أَخِي أَبِي جُنْدُبٍ فَقَالَتْ: أَدْرِكِ الرَّجُلَ، فَإِنَّ أَبَا جُنْدُبٍ قَاتِلُهُ. فَجَعَلَ أَخُوهُ يُنَاشِدُهُ اللَّهَ فَتَرَكَهُ، وَحَمَلَهُ أَبُو جُنْدُبٍ إِلَى مَدْرَجَةِ الْإِبِلِ فَأَلْقَاهُ، فَكَانَ كُلَّ مَا مَرَّ بِهِ إِنْسَانٌ قَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَيَقُولُ: وَقَعْتُ عَنْ بِكْرٍ فَحَطَّمَنِي، فَأَنْشَأَ مَحْدُوبًا، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَأَخْبَرَهُ، فَبَعَثَ عُمَرُ إِلَى أَبِي جُنْدُبٍ فَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْمَاءِ فَصَدَّقُوهُ، فَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا السَّيَّارَةِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَأَبْطَلَ دِيَتَهُ "

ص: 99

193 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَمْرَوَ بْنَ حُمَمَةَ الدَّوْسِيَّ: " أَتَى مَكَّةَ حَاجًّا، وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ الْعَرَبِ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: لَا أَدْرِي أَوَجْهُهُ أَجْسَرُ، أَمْ جُمَّتُهُ، أَمْ فَرْمُهُ، وَكَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ لِيَتِيمِ الزُّبُنَةِ، كَانَ إِذَا وَرَدَ مَايَلَهَا ثُمَّ عَقَصَهَا، فَإِذَا جَلَسَ مَعَ أَصْحَابِهِ نَشَرَهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: نَجْدٌ، فَقَالَتْ: مَا أَنْتَ بِنَجْدِيٍّ، وَلَا تِهَامِيٍّ، فَاصْدُقْنِي، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السُّرَاةِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهَا أَنِ ارْتَدِي خَلْفِي، فَفَعَلَتْ، فَمَضَى بِهَا إِلَى السُّرَاةِ، وَتَبِعَهَا زَوْجُهَا فَلَمْ يَلْحَقْهَا فَرَجَعَ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ قَطَعَ عُرُوقَهَا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا تَتَبَّعِينَ بَعْدِي رَجُلًا أَبَدًا، ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ "

ص: 100

‌ذِكْرُ مَنْ تَرَكَ الزِّنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا مِنَ الْعُقُوبَةِ

ص: 100

194 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَالَ: " كَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيُّ إِذَا أَعْجَبَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ قَيْسٍ بَعَثَ إِلَيْهَا فَاغْتَصَبَهَا نَفْسَهَا، فَبَعَثَ إِلَى الزَّاهِرِيَّةِ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كِلَابٍ فَاغْتَصَبَهَا، فَأَتَاهُ أَبُوهَا فَقَالَ فِي ذَلِكَ:

[البحر الرجز]

يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمَخُوفُ أَمَا تَرَى

لَيْلًا وَصُبْحًا كَيْفَ يَخْتَلِفَانْ

هَلْ تَسْتَطِيعُ الشَّمْسُ أَنْ تَأْتِي بِهَا

لَيْلًا وَهَلْ لَكَ بِالْمَلِيكِ يَدَانْ

وَاعْلَمْ وَأَيْقِنْ أَنَّ مَلَّكَكَ زَائِلٌ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ كَمَا تَدِينُ تُدَانْ

⦗ص: 101⦘

فَقَالَ الْحَارِثُ: " مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْكِلَابِيُّ، الْمُغْتَصِبُ ابْنَتَهُ، فَتَذَمَّمَ وَخَافَ الْعُقُوبَةَ فَرَدَّهَا، وَأَعْطَاهُ ثَلَاثَمِائَةِ بَعِيرٍ "

ص: 100

195 -

حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِشْدِينَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الْفَهْمِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: " لَقَدِ اخْتَبَأْتُ عِنْدَ رَبِّي عَشْرًا: إِنِّي لَرَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَقَدْ جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، وَلَقَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدِ ائْتَمَنَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَتِهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ فَأَنْكَحَنِي الْأُخْرَى، وَمَا تَغَنَّيْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ وَلَا وَضَعْتُ يَمِينِي عَلَى فَرْجِي مُذْ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا مَرَّتْ سَنَةٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا وَأَنَا أَعْتِقُ فِيهَا رَقَبَةً إِلَّا أَلَا تَكُونَ عِنْدِي فَأَعْتِقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا زَنَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا الْإِسْلَامِ "

ص: 101

‌ذِكْرٌ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظِيمِ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ

ص: 101

196 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَاهِبٌ يَعْبُدُ اللَّهَ زَمَانًا مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى كَانَ يُؤْتَى بِالْمَجَانِينَ يُعَوِّذُهُمْ فَيَبْرَءُوا عَلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ فِي شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا قَدْ جُنَّتْ وَكَانَ لَهَا إِخْوَةٌ فَأَتَوْهُ بِهَا، فَلَمْ يَزَلِ الشَّيْطَانُ يُزَيِّنُ لَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا لَمْ يَزَلْ يُخَوِّفُهُ وَيُزَيِّنُ لَهُ قَتْلَهَا حَتَّى قَتَلَهَا

⦗ص: 102⦘

وَدَفَنَهَا، فَذَهَبَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ حَتَّى أَتَى بَعْضَ إِخْوَتِهَا فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي فَعَلَ الرَّاهِبُ، ثُمَّ أَتَى بَقِيَّةَ إِخْوَتِهَا رَجُلًا رَجُلًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي أَخَاهُ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَتَانِي آتٍ فَذَكَرَ لِي شَيْئًا كَبُرَ عَلَيَّ ذِكْرُهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ حَتَّى رَفَعُوا ذَلِكَ إِلَى مَلِكِهِمْ، فَسَارَ النَّاسُ حَتَّى اسْتَنْزَلُوهُ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَأَقَرَّ لَهُمْ بِالَّذِي فَعَلَ فَأُمِرَ بِهِ فَصُلِبَ، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى خَشَبَةٍ تَمَثَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي زَيَّنْتُ لَكَ هَذَا، وَأَلْقَيْتُكَ فِيهِ، فَهَلْ أَنْتَ مُطِيعِي فِيمَا أَقُولُ لَكَ، وَأُخَلِّصُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: تَسْجُدُ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً، فَسَجَدَ لَهُ، وَقُتِلَ الرَّجُلُ. فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16] "

ص: 101

197 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ، عَنْ وَاصِلٍ، مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ قَالَ:" دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، فَقَالَ لِي: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ: قِلَّةُ الشَّيْءِ، قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فَرَزَقَهُ اللَّهُ قَالَ: ثُمَّ حَدَّثَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهَا: مَيْسَنُونَةُ خَاصَمَتْ إِلَى حَبْرَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَعُلِّقَاهَا، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكْتُمُ صَاحِبَهُ مَا يَجِدُ بِهَا قَالَ: فَأُخْبِرَا بِهَا أَنَّهَا فِي حَائِطٍ تَغْتَسِلُ قَالَ: فَجَاءَا فَسَوَّرَا عَلَيْهَا الْحَائِطَ، فَلَمَّا رَأَتْهُمَا دَخَلَتْ غَمْرًا مِنَ الْمَاءِ فَوَارَتْ نَفْسَهَا، فَقَالَا لَهَا: إِنَّكِ إِنْ لَمْ تَفْعَلِي غَدَوْنَا فَشَهِدْنَا عَلَيْكِ، فَتَابَتْ فَغَدَوْا فَشَهِدُوا عَلَيْهَا، فَلَمَّا قُرِّبَتْ لِيُقَامَ عَلَيْهَا الْحَدُّ نَزَلَ الْوَحْي عَلَى دَانْيَالَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ بِتَكْذِيبِهِمَا "

ص: 102

198 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَدَنِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَالنِّسَاءُ حِبَالَةُ الشَّيْطَانِ»

ص: 103

199 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الْخَلَنْجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ:" فِي قَوْلِهِ تبارك وتعالى: "{وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] قَالَ: إِذَا نَظَرَ إِلَى النِّسَاءِ لَمْ يَصْبِرْ "

ص: 103

200 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: " كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ وَيَذْكُرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»

ص: 103

201 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: " اسْتَعْمَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ

⦗ص: 104⦘

سَعِيدَ بْنَ سَلْمٍ عَلَى قَضَاءِ قَنْدَابِيلَ وَكَرْمَانَ فَقَدِمَهَا، وَكَانَ بِكَرْمَانَ عِلْجَةٌ يُقَالُ لَهَا: أَرْذَلُ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ، وَكَانَتْ بَغِيَّةً يَبِيتُ عِنْدَهَا الرَّجُلُ بِجُمْلَةٍ مِنَ الْمَالِ، فَبَلَغَ سَعِيدًا خَبَرُهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجِيءَ بِهَا، وَكَانَ أَبُوهُ يُلَقَّبُ بِقَتِيلِ الْعَنْزِ، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ: يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ، أَفَتَنْتِ فَتَيَانَ الْبَلَدِ وَأَفْسَدْتِهِمْ؟ ثُمَّ قَالَ: اكْشِفِي عَنْ رَأْسِكِ، فَكَشَفَتْ عَنْ شَعَرٍ حَسَنٍ جَثْلٍ، يَضْرِبُ إِلَى عَجِيزَتِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَلْقِي دِرْعَكِ، فَأَلْقَتْهُ، وَقَامَتْ عُرْيَانَةً فِي إِزَارٍ فَرَأَى مَا حَيَّرَهُ وَذَهَبَ بِعَقْلِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ حَتَّى جَعَلَ يَقُولُ بِأُصْبُعِهِ فِي عُكُنِهَا، فَإِذَا عُكَنٌ وَطِيدٌ وَثَدْيٌ صَغِيرٌ قَائِمٌ وَمَنَاكِبُ عَالِيَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ، أَدْبِرِي، فَأَدْبَرَتْ، فَنَظَرَ إِلَى ظَهْرٍ فِيهِ كَالْجَدْوَلِ، وَبَكَفَلٍ كَأَرِيكَةِ خَزٍّ حَشْوُهَا قَزٌّ، ثُمَّ قَالَ: أَقْبِلِي، فَأَقْبَلَتْ بَصَدْرٍ نَقِيٍّ، وَبَطْنٍ مُعَكَّنٍ، وَأَحْشَاءٍ لَطِيفَةٍ، وَكَعْثَبٍ كَالْقَعْبِ الْمَكْبُوبِ يَشْرُقُ بَيَاضُهُ وَحُسْنُهُ، فَافْتُتِنَ بِهَا لِمَا رَأَى مِنْ جَمَالِهَا وَكَمَالِهَا، فَوَثَبَ إِلَيْهَا فَمَا فَارَقَهَا حَتَّى أَوْلَجَهُ فِيهَا، فَقَالَ عَرْفَجَةُ بْنُ شَرِيكٍ فِي ذَلِكَ:

[البحر البسيط]

مَا بَالُ أَرْذَلُ إِذْ تَمْشِي مُوَزَّرَةً

فِي الْبَيْتِ بِابْنِ قَتِيلِ الْعَنْزِ ذَا الْعَلَقِ

أَخَوْيَةٌ يَبْتَغِي مِنْهَا فَيُعَلِّمُهَا

أَوْ بَعْضُ مَا يَعْتَرِي الْجَانِي مِنَ الشَّبَقِ

⦗ص: 105⦘

قَالَ: فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ قَوْلُهُ وَفِعْلُ سَعِيدٍ بِأَرْذَلَ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: بَعْضُ مَا يَعْتَرِي وَاللَّهِ الْجَانِي مِنَ الشَّبَقِ، وَصَرَفَ سَعِيدًا "

ص: 103

202 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: " قَالَتُ عَجُوزٌ لَنَا: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَلْمِ الشُّيُوخِ»

ص: 105

203 -

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ:" فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قَالَ: الْغُلْمَةُ "

ص: 105

204 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:«يَا مَعْشَرَ خَوْلَانَ، زَوِّجُوا شَبَابَكُمْ وَأَيَامَكُمْ، فَإِنَّ النَّعْظَ أَمْرٌ عَارِمٌ، فَأَعِدُّوا لَهُ عُدْتَهُ وَاعْلَمُوا أَنْ لَيْسَ لِمُنْعِظٍ إِذْنٌ»

ص: 105

205 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ قَالَ:«بِئْسَ الْعَوْنُ عَلَى الدِّينِ قَلْبٌ يَخِيبُ، وَبَطْنٌ رَغِيبٌ، وَنَعْظٌ شَدِيدٌ»

ص: 105

206 -

حَدَّثَنِي أَخِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ

⦗ص: 106⦘

عُبَيْدٍ الصَّدَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: " كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِذَا أَرَادَ الْجِمَاعَ خَلَا فِي مَنْزِلٍ فِي دَارِهِ، وَدَعَا بِثَوْبٍ يُقَالُ لَهُ: الْبُرْكَانُ، وَكَانَ يُلْبَسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَكَانَ إِذَا خَلَا فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ عُلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَمْرًا قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ شُدَّ لِي أَصْلَهُ، وَارْفَعْ لِي صَدْرَهُ، وَسَهِّلْ عَلَيَّ مُدْخَلَهُ وَمَخْرَجَهُ، وَارْزُقْنِي لَذَّتَهُ، وَهَبْ لِي ذُرِّيَّةً صَالِحَةً تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِكَ، وَقَالَ: وَكَانَ لَيْثٌ جَهُورِيًّا، فَكَانَ يُسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ جُمْجُمَةُ كَجُمْجُمَةِ الْفَرَسِ "

ص: 105

207 -

حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ خِيَارِ قُرَيْشٍ صَلَاحًا وَعِفَّةً، وَكَانَ ذَكَرُهُ قَائِمًا لَا يَنَامُ، فَلَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ لِقُرَيْشٍ خَيْرًا وَلَا شَرًّا، وَكَانَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَا تَمْكُثُ مَعَهُ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى تَهْرُبَ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ:" مَا لَهُنَّ يَهْرُبْنَ مِنَ ابْنِ عَمِّهِنَّ؟ قِيلَ لَهَا: إِنَّهُنَّ لَا يُطِقْنَهُ قَالَتْ: فَمَا يَمْنَعُهُ مِنِّي؟ فَأَنَا وَاللَّهِ الْعَظِيمَةُ الْخَلْقِ، الْكَبِيرَةُ الْعَجُزِ، الْمُفَخَّمَةُ الْفَرَجِ قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا فَصَبَرْتَ عَلَيْهِ، وَوَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً مِنَ الْوَلَدِ "

ص: 106

208 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: " أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ قَوِّ لِي ذَكَرِي، فَإِنَّ فِيهِ صَلَاحًا لِأَهْلِي»

ص: 106

209 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: " كَانَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ غُلَامٌ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، وَكَانَ يَعْمَلُ عَلَى الزَّرْنُوقِ رَافَعَتْهُ امْرَأَتُهُ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَتْ: لَا أُطِيقُ قَالَ

⦗ص: 107⦘

: فَفَرَضَ لَهُ عَلَيْهَا سِتَّةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ "

ص: 106

210 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ السُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ:" لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جل جلاله آدَمَ عليه السلام وَخَلَقَ حَوَّاءَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا آدَمُ، اسْكُنْ إِلَى زَوْجَتِكَ، فَلَمَّا وَاقَعَهَا قَالَتْ لَهُ حَوَّاءُ: يَا آدَمُ مَا أَطْيَبَ هَذَا، زِدْنَا مِنْهُ "

ص: 107

211 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ غَضْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ:«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فِيهِ نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ حَالِيَاتٌ عَطِرَاتٌ تَفِلَاتٌ، لَهُنَّ عُقُصٌ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، مَائِلَاتٌ مُقَتَّبَاتٌ هَارِبَاتٌ إِلَى النَّارِ»

ص: 107

212 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، أَنَّهُ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ كُفْرُ مَنْ مَضَى إِلَّا مِنْ قِبَلِ

⦗ص: 108⦘

النِّسَاءِ، وَهُوَ كَائِنٌ كُفْرٌ بِمَنْ بَقِيَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ»

ص: 107

213 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكْتُ عَلَى أُمَّتِي بَعْدِي أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»

ص: 108

214 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، قَاضِي عُكْبَرَا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي النِّسَاءُ وَالْخَمْرُ»

ص: 108

215 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:" مَا أَيِسَ الشَّيْطَانُ مِنْ نَبِيٍّ قَطُّ إِلَّا أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَقَدْ ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَعْشُو بِالْأُخْرَى: وَمَا شَيْءٌ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنَ النِّسَاءِ "

ص: 108

216 -

حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ

⦗ص: 109⦘

مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" قِيلَ لِآدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ: " مَا حَمَلَكَ عَلَى أَكْلِ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: رَبِّ، زَيَّنَتْ لِي حَوَّاءُ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ عَاقَبْتُهَا، لَا تَحْمِلُ إِلَّا كُرْهًا وَلَا تَضَعُ إِلَّا كُرْهًا، وَأَدْمَيْتُهَا فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ "

ص: 108

217 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: " قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: يَا آدَمُ اخْرُجْ مِنْ جَوَارِي، وَعِزَّتِي لَا يُجَاوِرُنِي فِي دَارِي مَنْ عَصَانِي، يَا جِبْرِيلُ، أَخْرِجْهُ إِخْرَاجًا غَيْرَ عَنِيفٍ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ يُخْرِجُهُ، فَتَعَلَّقَ شَعْرُهُ بِبَعْضِ أَغْصَانِ شَجَرِ الْجَنَّةِ، فَظَنَّ آدَمُ أَنَّهُ قَدْ بُطِشَ بِهِ، فَقَالَ:«إِنَّا كُنَّا مِنْ نَسْلِ الْجَنَّةِ فَسَبَانَا إِبْلِيسُ بِالْخَطِيئَةِ إِلَى الدُّنْيَا، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُنَا أَوْ نَرْجِعَ إِلَى الدَّارِ الَّتِي سُبِينَا مِنْهَا»

ص: 109

218 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ أَبُو حَفْصٍ الْقَاصُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَلِيٍّ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" لَمَّا أَصَابَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ خَرَجَ هَارِبًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَتَعَلَّقَ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ بِشَعَرِهِ، فَنَادَاهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَى أَيْنَ يَا آدَمُ، أَفِرَارًا مِنِّي قَالَ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ حَيَاءً مِنْكَ "

ص: 109

219 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْجَوْفِيُّ، وَحَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ

⦗ص: 110⦘

قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:«ابْتُلِينَا بِفِتْنَةِ الضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، وَابْتُلِينَا بِفِتْنَةِ السَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ، وَإِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، إِذَا تَسَوَّرْنَ الذَّهَبَ، وَلَبِسْنَ وَبَاطَ الشَّامِ، وَعُصُبَ الْيَمَنِ فَأَتْعَبْنَ الْغَنِيَّ، وَكَلَّفْنَ الْفَقِيرَ مَا لَا يَجِدُ»

ص: 109

220 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُضَرُ بْنُ عِيسَى الْخَلَاعِيُّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَفْخَاذَ النِّسَاءِ لَمْ يُفْلِحْ»

ص: 110

221 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَا:" لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ، مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يَسْتَطِيعُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتِ يُوسُفَ» . قَالَ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " هَذَا لَفْظُ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ

ص: 110

222 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

⦗ص: 111⦘

، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُمَا قَالَا:" لَمَّا كَثُرَ بَنُو آدَمَ وَعَصَوْا دَعَتْ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ: رَبَّنَا أَهْلِكْهُمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَى الْمَلَائِكَةِ: أَنِّي لَوْ أَنْزَلْتُ الشَّهْوَةَ وَالشَّيْطَانَ مِنْكُمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِي آدَمَ لَفَعَلْتُمْ مِثْلَ مَا يَفْعَلُونَ، فَحَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ: أَنَّهُمْ لَوِ ابْتُلُوا اعْتَصَمُوا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ أَنِ اخْتَارُوا مِنْ أَفَاضِلِكُمْ مَلَكَيْنِ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ، فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ حَكَمَيْنِ، وَأُهْبِطَتِ الزَّهْرَةُ إِلَيْهِمَا فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ، وَكَانَ أَهْلُ فَارِسَ يُسَمُّونَهَا بِيذُخْتَ، فَوَاقَعَا الْخَطِئيَةَ، وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا: رَبَّنَا وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، فَلَمَّا وَاقَعَا الْخَطِيئَةَ اسْتَغْفَرَا لِمَنْ فِي الْأَرْضِ "

ص: 110

223 -

وَرُوِيَ عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا رَفَعَ إِدْرِيسَ مَكَانًا عَلِيًّا قَالَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَقُبِرَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا رُفِعَ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا بَالُ هَذَا الْخَاطِئِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَمْ يُخَالِطُوا الْأَدْنَاسَ وَالذُّنُوبَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنَّكُمْ عَيَّرْتُمْ بَنِي آدَمَ بِالذُّنُوبِ وَزَعَمْتُمْ: مَا بَالُ هَذَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ فَانْتَخِبُوا عَشَرَةً مِنْ أَفَاضِلِكُمْ، فَفَعَلُوا، ثُمَّ قَالَ: انْتَخِبُوا ثَلَاثَةً مِنْ أَفَاضِلِكُمْ، فَفَعَلُوا، فَانْتَخَبُوا عِزًّا وَعُزَيًّا وَعِزْرَائِيلُ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: إِنِّي أُهْبِطُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ فَتَكُونُونَ حُكَّامًا، فَتَقْضُونَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، وَتُخَالِطُونَهُمْ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ، وَأَجْعَلُ فِيكُمُ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ

⦗ص: 112⦘

وَأُوصِيكُمْ بِوَصَايَا، قَالُوا: نَفْعَلُ قَالَ: أُوصِيكُمْ أَنْ تَعَبُدُونِي، وَتُقِيمُوا الْحَقَّ، وَتَعْدِلُوا بَيْنَ النَّاسِ، وَأَنْهَاكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَإِيَّاكُمْ وَقَتْلَ النَّفْسِ الْحَرَامِ وَالزِّنَا وَشُرْبَ الْخَمْرِ، ثُمَّ أُهْبِطُوا إِلَى الْأَرْضِ فَخَالَطُوا النَّاسَ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَاللِّبَاسِ، وَجَعَلَ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ مَذَاكِيرُ، وَجَعَلَ فِيهِمْ شَهْوَةً كَشَهْوَةِ بَنِي آدَمَ، فَكَانُوا يَقْضُونَ بِالنَّهَارِ وَيَرْتَفِعُونَ بِاللَّيْلِ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا رُفِعُوا إِلَى السَّمَاءِ كَانُوا فِي حَدِّ الْمَلَائِكَةِ وَمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا هَبَطُوا إِلَى الْأَرْضِ كَانُوا فِي حَدِّ بَنِي آدَمَ وَطَبَائِعِهِمْ، فَلَمَّا رَأَى عِزًّا ذَلِكَ وَعَرَفَ أَنَّهَا الْفِتْنَةُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِذَلِكَ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، وَاسْتَقَالَهُ فَأَقَالَهُ، وَبَقِيَ عُزَيًّا وَعِزْرَائِيلُ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ الْأَمْرِ وَالْآخَرُ صَاحِبَ الْقَضَاءِ، يَقْضِيَانِ فِي الْأَرْضِ بِالنَّهَارِ، وَيَرْتَفِعَانِ بِاللَّيْلِ، حَتَّى جَاءَتْ إِلَيْهِمَا امْرَأَةٌ مِنْ أَجْمَلِ أَهْلِ زَمَانِهَا، وَكَانَتْ تُسَمَّى بِالْعَرَبِيَّةِ الزَّهْرَةَ، وَبِالْفَارِسِيَّةِ بِهَذَاخْتَ، فَجَاءَتْ وَعَلَيْهَا قَبَاءٌ حَرِيرٌ، وَقَدْ شَدَّتْ وَسَطَهَا بِمَنْطَقٍ مِنْ قَزْوٍ، لَهَا ذَوَائِبُ تَبْلُغُ عَجِيزَتَهَا، قَدْ جَاءَتْ تَشْكُو زَوْجَهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِمَا وَرَأَيَاهَا وَسَمِعَا نَغَمَتَهَا فَتَنَتْهُمَا لِسَاعَتِهَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَأْنُهَا، وَكَتَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَا لَهَا: أَيْنَ مَنْزِلُكِ؟ قَالَتْ: فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا قَالَا لَهَا: ارْجِعِي يَوْمَكِ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِكِ، فَلَمَّا قَامَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا مِنْ يَوْمِهِمَا ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دُونِ صَاحِبِهِ إِلَى مَنْزِلِهَا، فَاتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى الْبَابِ، فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالَّذِي وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْهَا، فَاسْتَأْذَنَا عَلَيْهَا فَأَذِنَتْ لَهُمَا، ثُمَّ أَرَادَاهَا، فَقَالَتْ: لَا يَسْتَقِيمُ فِي دِينِنَا هَذَا، وَأَنْتُمَا عَلَى غَيْرِ دِينِي وَمِلَّتِي، فَإِنْ أَرَدْتُمَا ذَلِكَ فَادْخُلَا فِي دِينِي، وَاسْجُدَا لِصَنَمِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ

⦗ص: 113⦘

هَذَا الشِّرْكُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ قَالَتْ: فَإِنْ أَبَيْتُمَا ذَلِكَ فَعِنْدِي جَارِيَتِي أُزَيِّنُهَا بِزِينَتِي، وَأُطَيِّبُهَا بِطِيبِي، وَأُحَلِّيهَا بِحِلْيَتِي، وَأُلْبِسُهَا ثِيَابِي، فَشَأْنَكُمَا بِهَا قَالَا: إِيَّاكِ أَرَدْنَا قَالَتْ: أَمَّا إِذَا أَبَيْتُمَا ذَلِكَ فَاشْرَبَا لِي خَمْرًا قَالَا: هَذَا أَهْوَنُ، فَقَالَتْ لِجَارِيَتِهَا: ائْتِينِي بِخَمْرَةٍ حَمْرَاءَ وَخُمْرَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا أُطْعِمَا فَأَمَرْتُكِ أَنْ تَسْقِيَهُمَا فَأَخْرِجِي الْخَمْرَةَ الْحَمْرَاءَ فَامْزُجِيهَا بِالْخُمْرَةِ الْبَيْضَاءِ فَاسْقِيهِمَا، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا شَرِبَا طَابَتْ لَهُمَا قَالَا لَهَا: زِيدِينَا، فَزَادَتْهُمَا، ثُمَّ اسْتَزَادَا، فَزَادَتْهُمَا، ثُمَّ اسْتَزَادَا، فَزَادَتْهُمَا فَسَكِرَا، فَلَمَّا سَكِرَا رَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَقَالَتْ: لَا، دُونَ أَنْ تَسْجُدَا لِصَنَمِي، فَسَجَدَا لِصَنَمِهَا، وَقَالَا لَهَا: أَمْكِنِينَا الْآنَ مِنْ نَفْسِكِ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا سَائِلٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا السَّائِلَ سَيُذِيعُ عَلَيْنَا، قُومَا فَاقْتُلَاهُ فَقَامَا فَقَتَلَاهُ، وَقَالَا: أَمْكِنِينَا مِنْ نَفْسِكِ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ عَلِّمَانِيَ الِاسْمَ الَّذِي تَصْعَدَانِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَعَلَّمَاهَا، فَتَكَلَّمَتْ فَارْتَفَعَتْ فِي الْهَوَاءِ، فَلَمْ تَبْلُغْ حَتَّى مَسَخَهَا اللَّهُ كَوْكَبًا "

ص: 111

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَلِيٍّ الْغَزْنَوِيُّ بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَخَمْسِمَائِةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْكَرَمِ الْمُبَارَكُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الشَّهْرُزَورِيُّ بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شُهُورِ سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِبَغْدَادَ وَالشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السَّلَامِيُّ، وَالشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خُمَيْسٍ الْمَوْصِلِيُّ إِجَازَةً قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الْغَزْنَوِيُّ وَفَّقَهُ اللَّهُ، وَأَخْبَرَنِي أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَّافُ سَمَاعًا وَبَعْضُهُمْ بِقَرَاءَتِهِ عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ قال:

224 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: " كَانَ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ مَلِكٌ عَظِيمُ السُّلْطَانِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ يَدْعُوهُ إِلَى مَا قِبَلَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ لَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالرِّيحِ فَنَسَفَتْهُ الرِّيحُ وَمُلْكَهُ وَجَمِيعَ مَا قِبَلِهِ حَتَّى وَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ لِذَلِكَ الْمَلِكِ ابْنَةٌ تُدْعَى أَبْرَهَةُ، فَأُعْجِبَ سُلَيْمَانُ بِهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَكَرِهَتْهُ، فَخَوَّفَهَا بِالْقَتْلِ فَأَصَرَّتْ، فَخَوَّفَهَا بِقَتْلِ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: إِنْ قَتَلْتَهُ قَتَلْتُ نَفْسِي، فَخَافَ سُلَيْمَانُ إِنْ أَكْرَهَهَا فَتَقْتُلَ نَفْسَهَا، وَأَحَبُّهَا حُبًّا شَدِيدًا، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِهَا

⦗ص: 118⦘

، وَتَرَكَهَا، فَلَمَّا غَلَبَتْهُ فَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَتْ تَعْتَكِفُ عَلَى صَنَمٍ مِنْ يَاقُوتٍ، وَكَانَ الصَّنَمُ مِنَ الْفَيْءِ الَّذِي نَسَفَتْهُ الرِّيحُ، فَسَأَلَتْهُ سُلَيْمَانَ فَوَهَبَهُ لَهَا، وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا، وَكَانَ يَرْفُقُ بِهَا وَيَتَوَدَّدُهَا رَجَاءَ أَنْ تُسْلِمَ، فَظَلَّ مَعَهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ وَثَبَتْ عَلَيْهِ فَاعْتَنَقَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: أَسْأَلُكَ بِحَيَاتِي وَبِحُبِّي وَبِحَقِّي إِلَّا مَا جَزَرْتَ لِإِلَهِي قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي، وَمَا زِيَارَتِي إِيَّاكِ وَأَنْتِ مُعْتَكِفَةٌ عَلَى الشِّرْكِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ تُسْلِمِي، ثُمَّ قَالَتْ: لَئِنْ لَمْ تَجْزُرْ لَأَقْتُلَنَّ نَفْسِي، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيمِ أَبِيهَا، فَلَمَّا سَمِعَ سُلَيْمَانُ قَوْلَهَا خَافَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَخَدَعَهَا، وَقَالَ: إِنِّي إِنْ أَجْزَرْتُ لِصَنَمِكِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ خَلَعْتُ مُلْكِي، وَانَخَلَعْتُ مِنْ دِينِي قَالَتْ: فَإِنِّي قَدْ حَلَفْتُ بِإِلَهِي: لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَأَقْتُلَنَّ نَفْسِي، وَأُبْرِزَ يَمِينِي، فَدَعَى سُلَيْمَانُ بِجَرَادَةٍ وَسِكِّينٍ، فَذَبَحَهَا، فَسَاعَةَ قَطَعَ رَأْسَهَا أَنْكَرَ نَفْسَهُ وَأَنْكَرَتْهُ هِيَ، وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ هَيْبَةُ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَوَجَدَ خَدَمًا لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ قُعُودًا عَلَى مِنْبَرِهِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُرَامُ، وَوَجَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَشْبَهَ النَّاسِ صُورَةً بِهِ. فَيُقَالُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ:{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34] قَالَ: ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ خَادِمٌ مِنَ الْجِنِّ فَاسْتَلَّ خَاتَمَهُ مِنْ أُصْبُعِهِ وَأَبَقَ بِهِ، وَكَانَتِ الْجِنُّ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَرِمُونَهُ، فَلَمَّا أَخَذَ الْجِنِّيُّ الْخَاتَمَ وَكَانَ عِفْرِيتًا مَارِدًا رَأَى فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: مَا أَخَذْتُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ وَلَا وَصَلْتُ إِلَيْهِ إِلَّا بِذَنْبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل، وَمَا آمَنُ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مُلْكَهُ، فَلَأَطْرَحَنَّ هَذَا الْخَاتَمَ طَرْحًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَبَدًا، ثُمَّ انْطَلَقَ سَرِيعًا بِالْخَاتَمِ فَأَلْقَاهُ فِي اللُّجَّةِ الْخَضْرَاءِ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليه السلام: لِمَ ذَبَحْتَ الْجَرَادَةَ الَّتِي قَرَّبْتَهَا؟ إِلَيَّ أَمْ لِامْرَأَتِكَ؟ فَلَئِنْ كُنْتَ ذَبَحْتَهَا لِي فَقَدْ صَغُرَتْ، وَأَمْرِي مَا سَبَقَكَ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يُذْبَحُ إِلَّا ذَاتُ رُغَاءٍ أَوْ خُوَارٍ أَوْ ثُغَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ ذَبَحْتَهَا لِصَنَمِ امْرَأَتِكَ فَلَا قَلِيلَ مِنَ الْعِزَّةِ بِي، أَمَا كَفَاكَ أَنَّكَ تَزَوَّجْتَهَا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَلَمْ أُعَاتِبْكَ فِيهَا

⦗ص: 119⦘

، فَلَمَّا فَرَغَ إِلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ شَذَّ مِنْ أَهْلِهِ مَرْعُوبًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، يُغَيِّرُ كَمَا تُغَيِّرُ الدَّابَّةَ، يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ، وَيُعَدِّدُ عَلَى خَطِيئَتِهِ، وَيَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ، فَلَمَّا أُخْبِرَتِ امْرَأَتُهُ بِالَّذِي أَصَابَهُ فِي سَبَبِهَا أَحْزَنَهَا ذَلِكَ وَأَبْكَاهَا، فَأَسْلَمَتْ رَجَاءَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ مُلْكَهُ، فَلَمَّا مَضَتْ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَغَفَرَ لَهُ وَانْصَرَفَ وَقَدْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ، فَمَرَّ بِسَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ، وَإِذَا بِحُوتٍ يَضْطَرِبُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْحُوتِ فَأَخَذَهُ لِيَأْكُلَهُ، فَلَمَّا فَرَى بَطْنَهُ وَجَدَ فِيهِ خَاتَمَهُ فَازْدَادَ بِذَلِكَ خَوْفًا وَعَجَبًا وَوَجَلًا، فَلَبِسَ خَاتَمَهُ فَأَعَادَ اللَّهُ مُلْكَهُ "

ص: 117

225 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ:«الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ مَثَلُهَا فِي النِّسَاءِ كَمَثَلِ الْغُرَابِ الْأَبْيَضِ فِي أَلْفِ غُرَابٍ»

ص: 119

226 -

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بِرُّ الْمَرْأَةِ الْمُؤْمِنَةِ كَعَمَلِ سَبْعِينَ صِدِّيقًا، وَفُجُورُ الْمَرْأَةِ الْفَاجِرَةِ كَفُجُورِ أَلْفِ فَاجِرٍ»

ص: 119

227 -

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ

⦗ص: 120⦘

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ثَلَاثٌ قَاصِمَاتُ الظَّهْرِ: فَقْرٌ لَا يَجِدُ الرَّجُلُ مُتَلَذَّذًا، وَزَوْجَةٌ يَأْمَنُهَا زَوْجُهَا فَتَخُونُهُ، وَإِمَامٌ يُسْخِطُ اللَّهَ وَيُرْضِي النَّاسَ "

ص: 119

228 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعْدَى عَدُوٍّ لَكَ زَوْجَتُكَ الَّتِي تُضَاجِعُكَ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»

ص: 120

‌ذِكْرُ ضَعْفِ حِيلَةِ النِّسَاءِ، وَقِلَّةِ عُقُولِهِنَّ، وَغَلَبَتِهِنَّ عَلَى عُقُولِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنَ الرِّجَالِ

ص: 120

229 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَوَاقِصِ عُقُولٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِعُقُولِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْكُنَّ»

ص: 120

230 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، مَا رَأَيْتُ مِنَ نَوَاقِصِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ بِعُقُولِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْكُنَّ» قَالَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَرَأَيْتَ مَا سَمِعْتُ مِنْكَ حِينَ وَقَفْتَ عَلَيْنَا فَقُلْتَ: «مَا رَأَيْتُ مِنَ نَوَاقِصِ عُقُولٍ قَطُّ وَدِينٍ أَذْهَبَ بِعُقُولِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْكُنَّ» ، فَمَا نُقْصَانُ عُقُولِنَا وَدِينِنَا؟ فَقَالَ:«أَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنْ نُقْصَانِ دِينِكُنَّ، فَالْحَيْضَةُ الَّتِي تُصِيبُكُنَّ، تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ» . قَالَتْ فَمَا قَوْلُكَ: «مِنْ نُقْصَانِ دِينِكُنَّ» فَقَالَ «وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنْ نُقْصَانِ عُقُولِكُنَّ فَشَاهَدَتُكُنَّ؛ إِنَّمَا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ شَهَادَةِ»

ص: 121

231 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي الْوَلِيدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ:«مَنْ يَقْتَنِي الرَّقِيقَ يُخْبِرْ عَنْهُ الرَّفِيقُ»

ص: 121

232 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْإِسْكَافِيُّ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 122⦘

كُنْ فِي بَنِي الرُّومِ مِنْ أُحْدُوثَةٍ مَثَلًا

تَبْقَى وَفِي الْعُرْبِ مِنْ ذِي نَجْدَةٍ بَطَلِ

إِنَّا بِأَسْيَافِنَا نَعْلُو أَكَابِرَهُمْ

قَسْرًا وَيَقْتُلُنَا الْوِلْدَانُ بِالْمُقَلِ

إِذَا انْصَرَفْنَا بِقَتْلَى فِي سَرَاتِهِمُ

نَالُوا التُّرَابَ بِلَحْظِ الْأَعْيُنِ النُّجَلِ

ص: 121

233 -

وَأَنْشَدَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ:

[البحر الطويل]

أَلَا قَاتَلَ اللَّهُ الْهَوَى كَيْفَ يَقْتُلُ

وَكَيْفَ بِأَرْوَاحِ الْمُحِبِّينَ يَفْعَلُ

فَلَا تَعْذِلُونِي فِي هَوَاهُ فَإِنَّنِي

أَرَى شِدَّةَ الْأَبْطَالِ فِي الْحُبِّ تَعْطَلُ

ص: 122

234 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَنَسٍ، وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَوَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَادٍ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ»

ص: 122

235 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَصَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ

⦗ص: 123⦘

رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَهِيَ تَسْتَمْتِعُ بِهَا»

ص: 122

236 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الدُّولَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِيِّ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ الْمَرْأَةُ عَلَى خَلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، إِنَّمَا هِيَ كَالضِّلَعِ، إِنْ تُقِمْهَا تَكْسِرْهَا، وَإِنْ تَتْرُكْهَا تَسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ»

ص: 123

237 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ الرَّحَبِيُّ:

[البحر الطويل]

هِيَ الضِّلْعُ الْعَوْجَاءُ لَيْسَتْ تُقِيمُهَا

أَلَا إِنَّ تَقْوِيمَ الضُّلُوعِ انْكِسَارُهَا

إِنْ يَجْمَعْنَ ضَعْفًا وَاقْتِدَارًا عَلَى الْفَتَى

أَلَيْسَ عَجِيبًا ضَعْفُهَا وَاقْتِدَارُهَا

ص: 123

238 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الرُّخَامِيُّ:

[البحر الطويل]

تَعَرَّضْنَ مَرْمَى الصَّيْدِ ثُمَّ رَمَيْنَنَا

مِنَ النَّبْلِ لَا بِالطَّائِشَاتِ الْخَوَاطِفِ

ضَعَائِفُ يُقْتَلْنَ الرِّجَالَ بِلَا دَمٍ

فَيَا عَجَبًا لِلْقَاتِلَاتِ الضَّعَائِفِ

ص: 123

‌بَابُ صَرْفِ مَا يَقَعُ بِالْقَلْبِ مِنْ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ

ص: 124

239 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا أَعْجَبَتْ أَحَدَكُمُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ فَلْيَقُمْ إِلَى امْرَأَتَهِ فَلْيُوَاقِعْهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مِنْ نَفْسِهِ» حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ

ص: 124

‌بَابُ التَّحَرُّزِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْخَلْوَةِ مَعَهُنَّ خِيفَةَ الْفِتْنَةِ بِهِنَّ

ص: 125

241 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْفَاضِرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَامَ فِينَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى بَابِ الْجَابِيَةِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا كَمُقَامِي فِيكُمْ، ثُمَّ قَالَ:«أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ؛ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ

ص: 125

243 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ، وَكَانَ أَصْدَقَ مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ

⦗ص: 126⦘

عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا»

ص: 125

244 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّعِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَعْمِلُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَتَّخِذُ النَّعْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ تُحَاذِي بِهَا الْمَرْأَةَ الطَّوِيلَةَ» وَاللَّفْظُ لِلْكُدَيْمِيِّ

ص: 126

245 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

⦗ص: 127⦘

الْجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَسَارِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، مَوْلَى بَنِي عَامِرٍ أَنَّ عَائِشَةَ الْعُذْرِيَّةَ، أَتَتِ الْحَسَنَ فَرَحَّبَ بِهَا وَأَدْنَى مَجْلِسَهَا، وَقَالَ:«لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُصَافَحَةِ النِّسَاءِ لَصَافَحْتُكِ»

ص: 126

246 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ قَالَتْ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تُصَافِحُنَا؟ قَالَ:«إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ»

ص: 127

247 -

حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عليه السلام قَالَ:«نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُكَلِّمَ النِّسَاءَ إِلَّا بِإِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ»

ص: 127

248 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى بَيْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي حَاجَةٍ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فَرَجَعَ، ثُمَّ عَادَ

⦗ص: 128⦘

فَلَمْ يَجِدْهُ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَاءَ عَلِيٌّ عليه السلام، فَقَالَ لَهُ: أَمَا اسْتَطَعْتَ إِذَا كَانَتْ حَاجَتُكَ إِلَيْهَا أَنْ تَدْخُلَ. قَالَ: «نُهِينَا أَنْ نَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ إِلَّا بِإِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ»

ص: 127

249 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الطَّبَّاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الطُّمَأْنِينَةُ مَقْرُونَةٌ بِالْمَصَائِبِ، وَالْحَذَرُ مَقْرُونٌ بِالنَّجَاةِ

ص: 128

250 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، يَعْنِي ابْنَ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:" كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْخَيْرِ وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، فَقِيلَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ مَنِ اعْتَزَلَ الشَّرَّ وَقَعَ فِي الْخَيْرِ " وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْحَكِيمُ مَنْ تَحَرَّزَ مَنْ لَائِمَةِ الْعَاقِلِ بِالتَّوَقِّي مِنْ غِيبَةِ الْجَاهِلِ. وَقَالَ آخَرُ: مَنْ تَحَرَّزَ لَمْ يَكَدْ يَعْطَبُ، وَمَنْ عَزَرَ لَمْ يَكَدْ يَسْلَمُ

ص: 128

‌بَابُ الْفِتْنَةِ بِالْمُرْدِ، وَالتَّحَرُّزِ مِنْ إِدَامَةِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ وَالْخَلْوَةِ مَعَهُمْ

ص: 129

251 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ:«أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحِدَّ الرَّجُلُ النَّظَرَ إِلَى الْغُلَامِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ»

ص: 129

252 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، عَنِ النَّجِيبِ بْنِ السَّرِيِّ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «لَا يَبِيتُ الرَّجُلُ فِي الْبَيْتِ مَعَ الْمُرْدِ»

ص: 129

253 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَثَ بِغُلَامٍ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رِجْلِهِ يُرِيدُ الشَّهْوَةَ كَانَ لُوَاطًا»

ص: 129

254 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الشَّمَّاسِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ الرَّيَّانِ، صَاحِبَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْغُلَامِ، إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَفْضَحُوهُ قَالَ: يَمْتَنِعُ وَيَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: " أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَجِّيهِ إِلَّا بِالْقَتْلِ؟ قَالَ: أَيَقْتُلُ حَتَّى يَنْجُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ "

ص: 129

255 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ قَالَ: «مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ الْمُرْدِ، وَلَوْ عَلِمَ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُمْ لَأَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ عَلَى صِفَتِهِمْ»

ص: 130

256 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ الرَّوَّادِ أَبُو عَوَّامٍ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ»

ص: 130

257 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بُلْبُلٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ وَقَارٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مَوْصِلُ بْنُ إِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ غُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ جَمِيلًا، فَحَدِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام: لِمَ حَدِقْتَ بِنَظَرِكَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ جَمَالَ وَجْهِهِ فَسَبَّحْتُ اللَّهَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ»

ص: 130

258 -

حَدَّثَنِي أَخِي، أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا كُرْدُوسٌ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ

⦗ص: 131⦘

إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " كَانُوا يَكْرَهُونَ مُجَالَسَةَ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، وَقَالَ: مُجَالَسَتُهُمْ فِتْنَةٌ، وَإِنَّمَا هُمْ بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ "

ص: 130

259 -

حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ قَالَ: " مَضَيْتُ أَنَا وَدَاوُدُ الْأَصْفَهَانِيُّ، إِلَى يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَمَعَنَا عَشْرٌ مَسَائِلَ، فَدَخَلْنَا إِلَى دَارِهِ فَإِذَا هُوَ فِي الْحَمَّامِ، فَانْتَظَرْنَاهُ حَتَّى خَرَجَ، فَأَلْقَى دَاوُدُ عَلَيْهِ خَمْسَ مَسَائِلَ فَأَجَابَ فِيهَا أَحْسَنَ جَوَّابٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ دَخَلَ عَلَيْهِ غُلَامٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، فَلَمَّا رَآهُ اضْطَرَبَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَقْدِرْ يَجِيءُ وَلَا يَذْهَبُ، فَقَالَ لِي دَاوُدُ: قُمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدِ اخْتَلَطَ "

ص: 131

260 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْهَادِي قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي مَنْزِلِهِ، فَخَرَجَ يُرِيدُ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَيَدِي فِي يَدِهِ، فَمَرَّ ابْنُ الْبَرْنِيِّ، وَكَانَ غُلَامًا جَمِيلًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ وَهُوَ يَمْشِي إِلَى الْمَسْجِدِ:

[البحر الكامل]

لَوْلَا الْحَيَاءُ وَأَنَّنِي مَسْتُورُ

وَالْعَيْبُ يَعْلُقُ بِالْكَبِيرِ كَثِيرُ

لَحَلَلْتُ مَنْزِلَهَا الَّذِي تَحْتَلُّهُ

وَلَكَانَ مَنْزِلُنَا هُوَ الْمَهْجُورُ

وَانْتَهَى إِلَى مَسْجِدٍ عَلَى بَابِ دَارِهِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ مَرَّ فِي أَذَانِهِ " الشَّعْرُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ

ص: 131

261 -

أَنْشَدَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْمُخَرِّمِيُّ:

[البحر الطويل]

وَلَوْلَا التُّقَى ثُمَّ النُّهَى خَشْيَةَ الرَّدَى

لَعَاصَبْتُ فِي حُبِّ الصِّبَا كُلَّ زَاجِرِ

قَضَى مَا قَضَى فِيمَا مَضَى ثُمَّ لَا تَرَى

لَهُ سَقْطَةٌ أُخْرَى اللَّيَالِي الْغَوَابِرِ

ص: 131

262 -

حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَاضِي نَهَاوَنْدَ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ بَكْرٍ ابْنِ أُخْتِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ الْبَصْرِيِّ، فَمَرَّ بِهِ غُلَامٌ مِنْ ثَقِيفٍ حَسَنُ الْوَجْهِ، فَحَدِقَ إِلَيْهِ بِبَصَرِهِ، ثُمَّ قَالَ:«تَرَانَا لَا نَشْتَهِي الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَشُرْبَ الْخُمُورِ مَعَ الْمُجَّانِ فِي الْبَسَاتِينَ، بَلَى، وَلَكِنَّ خَوْفَ اللَّهِ يَمْنَعُنَا مِنْ ذَلِكَ»

ص: 132

أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْمَعْنَى:

[البحر الوافر]

لِحُبِّ الْكَأْسِ مِنْ غَيْرِ الْمُدَامِ

وَلُوهًا بِالْحِسَانِ بِلَا حَرَامِ

وَإِيثَارِ الْحَدَاثَةِ وَالتَّصَابِي

وَتَقْدِيمِ الصَّبَاحِ عَلَى الْأَنَامِ

وَمَا حُبِّي لِفَاحِشَةٍ وَلَكِنْ

رَأَيْتُ الْحُبَّ أَخْلَاقَ الْكِرَامِ

ص: 132

264 -

حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عِيسَى الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ أَبُو عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ قَالَ: " رُفِعَ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ الْقَاسِمِ وَالِي الْبَصْرَةِ، وَكَانَ هَاشِمِيَّ الْأَبِ، فَاطِمِيَّ الْأُمِّ، رَجُلٌ وُجِدَ مَعَ غُلَامٍ، فَأَمَرَ بِالرَّجُلِ فَأُدِّبَ، ثُمَّ أُدْخِلَ إِلَيْهِ الْغُلَامُ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهٍ حَسَنٍ، فَأَطْرَقَ مَلِيًّا، وَقَالَ: يَا غُلَامُ، خُذْ بِيَدِهِ فَأَخْرِجْهُ، وَنَادَى عَلَيْهِ هَذَا تَوَسَّمَ فِيهِ الْأَمِيرُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ زَلَّاتِهِمْ»

ص: 132

265 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى

⦗ص: 133⦘

قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الرِّجَالِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ ضَرَبَ مَوْلًى لَهُ سَلَّامٌ الْبَرْبَرِيُّ حَتَّى جَرَحَهُ، فَاسْتَعْدَى عَلَى الْمَوْلَى ابْنَ حَزْمٍ، وَهُوَ عَامِلُ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: سَمِعْتُ خَالَتِيَ عَمْرَةَ تُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» وَأَنْتَ ذُو هَيْئَةٍ وَقَدْ أَقَلْتُكَ

ص: 132

266 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الضَّرِيرُ الْوَاسِطِيُّ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: " قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ: " إِنَّكُمْ قَدْ قُلْتُمْ فِي النِّسَاءِ فَأَكْثَرْتُمْ، فَهَلْ تَعْرِفُ أَحَدًا وَصَفَ غُلَامًا؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي وَقَدْ نَظَرَ إِلَى غُلَامٍ فَافْتُتِنَ بِهِ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

يَا سَالِبَ الْأَلْبَابِ بِاللَّحِظَاتِ

وَيَا مُوقِدَ الشَّهَوَاتِ بِالنَّغَمَاتِ

أَلَا يَا نَسِيمَ الْوَرْدِ بِالْغُدُوَاتِ

وَبَدْرَ الدُّجَى يَجْلُو دُجَى الظُّلُمَاتِ

وَيَا مَعْمَلَ الْبُهْتَانِ فِي حُرِّ وَجْهِهِ

إِذَا مَا أَمَاتَ السَّقَمَ بِالشُّبُهَاتِ

وَيَا مَنْ رَأَيْنَا فِي مَحَاسِنِ وَجْهِهِ

سُكُونَ الصَّبِيِّ يُثْنَى بِالْحَرَكَاتِ

وَيَا غَايَةَ الدُّنْيَا أَمَا مِنْكَ حِيلَةٌ

قَزَعْتَ قُلُوبَ النَّاسِ بِالْحَسَرَاتِ

شَغَلْتَ الَّذِي بِالسَّيِّئَاتِ مُوَكَّلٌ

وَفَرَغْتَ كَفَّيْ صَاحِبِ الْحَسَنَاتِ

أَقُولُ لِعُذَّالِي وَهُمْ يَعْذِلُونَنِي

وَغَرْبُ دُمُوعِي دَائِمُ الْعَبَرَاتِ

بِذِكْرٍ مِنِّي نَفْسِي فَبُلُّوا إِذَا دَنَا

خُرُوجِي مِنَ الدُّنْيَا جُفُوفَ لَهَاتِ

ص: 133

267 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَوِيِّ:

[البحر السريع]

أَحْوَرُ فِي أَجْفَانِهِ فَتَرُ

يُسْحَرُ مِنْ مُقْلَتِهِ السِّحْرُ

مَا نَكَحَتْ حُسْنًا لَهُ نَظْرَةٌ

فَحُسْنُهُ مُبْتَدَعٌ بِكْرُ

يَكَادُ إِنْ أَخْجَلَهُ مَازِحٌ

يَقْطُرُ مِنْ وَجْنَتِهِ الْخَمْرُ

مَا لِفَتًى لَمْ يُصَبْ مِنْ حُبِّهِ

وَقَدْ رَأَى صُورَتَهُ عُذْرُ

ص: 134

268 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ النَّظَّامِ:

[البحر الطويل]

يَرُوعُ مُنَاجِيهِ بِهَارُوتِ لَحْظِهِ

وَيُؤْنِسُهُ مِنْهُ بِصُورَةِ آدَمِ

تَرَى فِيهِ لَامًا فَرْدَةً فَوْقَ وَرْدَةٍ

وَفَصًّا مِنَ الْيَاقُوتِ مِنْ فَوْقِ خَاتَمِ

ص: 134

269 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّافِقِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ هِلَالَ بْنَ الْعَلَاءِ الرَّقِّيَّ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ: لَمْ تَقُلِ الْعَرَبُ بَيْتًا هُوَ أَغْزَلُ مِنْ بَيْتِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ يَقُولُ:

[البحر الخفيف]

⦗ص: 135⦘

لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النَّهَارِ بِشَيْءٍ

غَيْرَ أَنَّ الشَّبَابَ لَيْسَ يَدُومُ

قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ أَبَا عُثْمَانَ الْمَازِنِيَّ، فَقَالَ: لَكِنَّ جَرِيرًا أَغْزَلَ مِنْهُ حَيْثُ يَقُولُ:

[البحر البسيط]

إِنَّ الْعُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا مَرَضٌ

قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِنَ قَتْلَانَا

يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لَا حِرَاكَ بِهِ

وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ أَرْكَانَا

قَالَ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ: لَكِنَّ الْمَأْمُونَ قَضَى لِأَبِي نُوَاسٍ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِهِ:

[البحر الكامل]

يَا نَاظِرًا مَا أَقْلَعَتْ لَحَظَاتُهُ

حَتَّى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيلُ

ص: 134

270 -

أَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ لِعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ الْمُعَذِّلِ:

[البحر الكامل]

بَرَعَتْ مَحَاسِنُهُ فَجَلَّ بِهَا

عَنْ أَنْ يَقُومَ بِوَصْفِهَا لَفْظُ

نَطَقَ الْجَمَالُ بِعُذْرِ عَاشِقِهِ

لِلْعَاذِلَاتِ فَأُخْرِسَ الْوَعْظُ

لَمْ تَبْتَذِلْ مِنْهُ الْعُيُونُ سِوَى

مَا نَالَ مِنْ وَجَنَاتِهِ اللَّحْظُ

⦗ص: 136⦘

مَا لِلْقُلُوبِ إِذَا الْتَبَسْنَ بِهِ

مِنْهُ سِوَى حَسَرَاتِهَا حَظُّ

مَا ضَرَّ مَنْ رَقَّتْ مَحَاسِنُهُ

لَوْ كَانَ رَقَّ فُؤَادُهُ الْفَظُّ

ص: 135

271 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّقِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ هِلَالَ بْنَ الْعَلَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ: " قَرَأْتُ مُقَطَّعَاتِ الْعَرَبِ، فَمَا سَمِعْتُ أَغْزَلَ، وَلَا أَرَقَّ مِنَ الَّذِي يَقُولُ:

[البحر الطويل]

شَبِيهُكَ بَدْرٌ فِي السَّمَاءِ مَحِلَّهُ

فَكُنْتُ إِذَا مَا غِبْتَ آنَسُ بِالْبَدْرِ

فَغَطَّتْ عَلَى بَدْرِ السَّمَاءِ غَمَامَةٌ

فَجَادَ عَلَى الْغَيْمِ أَيْضًا مَعَ الدَّهْرِ

ص: 136

وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلْعُتْبِيِّ:

[البحر الكامل]

أُصِبْتُ بِحُبِّ مُتَيَّمٍ صَبِّ

حُبَّيْهِ فَوْقَ نِهَايَةِ الْحُبِّ

أَدْمَيْتُ بِاللَّحِظَاتِ وَجْنَتَهُ

فَاقْتَصَّ نَاظِرَهُ مِنَ الْقَلْبِ

أَشْكُو إِلَيْهِ صَنِيعَ مُقْلَتِهِ

فَيَقُولُ: مِتْ، فَبِأَيْسَرِ الْخَطْبِ

وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى مَحَاسِنِهِ

أَخْرَجْتُهُ عَطِلًا مِنَ الذَّنْبِ

ص: 136

‌بَابُ غَضِّ الْبَصَرِ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ

ص: 137

273 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «النَّظَرُ إِلَى الْمَرْأَةِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، فَمَنْ تَرَكَهُ خَوْفَ اللَّهِ عز وجل أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ»

ص: 137

274 -

حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَظَرُ الرَّجُلِ فِي مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ السَّهْمِ أَعْقَبَهُ اللَّهُ عِبَادَةً تَسُرُّهُ»

ص: 137

275 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَنْبَسَةَ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ الْعَنَزِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو طَارِقٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ»

ص: 137

276 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: " رَأَيْتُ جَارِيَةً بِالطَّوَافِ كَأَنَّهَا مَهَاةُ رَمْلٍ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَأَمْلَأُ عَيْنِي مِنْ مَحَاسِنِهَا، فَقَالَتْ لِي: يَا هَذَا، مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: وَمَا عَلَيْكِ مِنَ النَّظَرِ؟ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا

لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَسْلَمَتْكَ الْمَحَاجِرُ

رَأَيْتَ الَّذِيَ لَا كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ

عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ

ص: 138

277 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَنْبَسَةَ الْوَرَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ الْعَنَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: " قَالَ دَاوُدُ عليه السلام: «يَا مَعْشَرَ الْأَبْنَاءِ، تَعَالَوْا حَتَّى أُعَلِّمَكُمْ خَشْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى، أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْكُمْ أَحَبَّ أَنْ يَحْيَى وَيَرَى الْأَيَّامَ الصَّالِحَةَ فَلْيَحْفَظْ عَيْنَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ أَسْوَاءً، وَلِسَانَهُ أَنْ يَنْطِقَ بِالْإِفْكِ»

ص: 138

278 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِي النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْفَرْجُ يَزْنِي»

ص: 138

279 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَطْرُوشُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو

⦗ص: 139⦘

الْمُنْكَدِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: " أَسْلَمَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيُخِفُّ لَهُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ لَهُ فِي حَاجَةٍ، فَمَرَّ بِبَابِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَأَى امْرَأَةَ الْأَنْصَارِيِّ تَغْتَسِلُ، وَخَافَ أَنْ يَنْزِلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا صَنَعَ، فَخَرَجَ هَارِبًا عَلَى وَجْهِهِ، فَيَأْتِي جِبَالًا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَوَلَجَهَا، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِكَ بَيْنَ هَذِهِ الْجِبَالِ يَتَعَوَّذُ بِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا عُمَرُ وَيَا سَلْمَانُ، انْطَلِقَا فَأْتِيَانِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ» . فَخَرَجَا مِنْ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ فَلَقِيَا رَاعِيًا مِنْ رُعَاةِ الْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهُ: ذُفَافَةُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رحمه الله: هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِشَابٍّ بَيْنَ هَذِهِ الْجِبَالِ يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ الْهَارِبَ مِنْ جَهَنَّمَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَا عِلْمُكَ أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ جَهَنَّمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ خَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْجِبَالِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، وَهُوَ يُنَادِي: يَا لَيْتَكَ قَبَضْتَ رُوحِي فِي الْأَرْوَاحِ، وَجَسَدِي فِي الْأَجْسَادِ، وَلَمْ تُجَرِّدْنِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِيَّاهُ نُرِيدُ، فَانْطَلَقَ بِهِمَا، فَلَمَّا كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْجِبَالِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ وَهُوَ يُنَادِي: يَا لَيْتَكَ قَبَضْتَ رُوحِي فِي الْأَرْوَاحِ، وَجَسَدِي فِي الْأَجْسَادِ قَالَ: فَعَدَى عَلَيْهِ عُمَرُ فَاحْتَضَنَهُ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ، هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَنْبِي؟ قَالَ: لَا عِلْمَ لِي، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَكَ بِالْأَمْسِ فَأَرْسَلَنِي وَسَلْمَانُ فِي طَلَبِكَ قَالَ: يَا عُمَرُ، لَا تُدْخِلْنِي عَلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَابْتَدَرَ عُمَرُ وَسَلْمَانُ الصَّفَّ، فَلَمَّا سَمِعَ ثَعْلَبَةُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا عُمَرُ، يَا سَلْمَانُ، مَا فَعَلَ ثَعْلَبَةُ؟» قَالَا: هَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَرَّكَهُ فَأَنْبَهَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا غَيَّبَكَ عَنِّي؟» . قَالَ: ذَنْبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَفَلَا

⦗ص: 140⦘

أَدُلُّكَ عَلَى آيَةٍ لِمَحْوِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا؟» . قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " قُلِ: اللَّهُمَّ {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] فَقَالَ: ذَنْبِي أَعْظَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بَلْ كَلَامُ اللَّهِ أَعْظَمُ» . ثُمَّ أَمَرَهُ بِالِانْصِرَافِ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَمَرِضَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ إِنَّ سَلْمَانَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي ثَعْلَبَةَ؛ فَإِنَّهُ لِمَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ» . قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ رَأْسَهُ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، فَأَزَالَ رَأْسَهُ عَنْ حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ:«لِمَ أَزَلْتَ رَأْسَكَ عَنْ حِجْرِي؟» . قَالَ: لِأَنَّهُ مَلْآنُ مِنَ الذُّنُوبِ. قَالَ: «مَا تَشْتَكِي؟» . قَالَ: مِثْلَ دَبِيبِ النَّمْلِ بَيْنَ عَظْمِي وَلَحْمِي وَجِلْدِي قَالَ: «فَمَا تَشْتَهِي؟» . قَالَ: مَغْفِرَةَ رَبِّي قَالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ عز وجل يُقْرِأُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: لَوْ أَنَّ عَبْدِيَ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَقِيتُهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً قَالَ: فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ قَالَ: فَصَاحَ صَيْحَةً فَمَاتَ قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغُسْلِهِ، وَكَفَّنَهُ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهِ جَعَلَ يَمْشِي عَلَى أَطْرَافِ أَنَامِلِهِ، فَلَمَّا دَفَنَهُ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَمْشِي عَلَى أَطْرَافِ أَنَامِلِكَ قَالَ:«وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، مَا قَدَرْتُ أَنْ أَضَعَ قَدَمَيَّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِتَشْيِيعِهِ»

ص: 138

280 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، قَاضِي عُكْبَرَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُبَادَةَ قَالَ: " انْطَلَقْتُ تِلْقَاءَ الْبَابِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِعِلَّةِ الْبَصَرِ»

ص: 140

281 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ نَذِيرٍ قَالَ: " اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى حُذَيْفَةَ بَعْدَ مَا دَخَلَ، فَقَالَ:«أَمَّا عَيْنَاكَ فَقَدْ دَخَلَتَا، وَأَمَّا اسْتُكَ فَلَا»

ص: 141

282 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: " حَجَجْتُ فِي سَنَةٍ مِنَ السِّنِينَ، فَإِنِّي لَبِالرَّبَذَةِ، إِذْ وَقَفَتْ عَلَيْنَا جَارِيَةٌ عَلَى وَجْهِهَا بُرْقُعٌ، فَقَالَتْ: يَا مَعْشَرَ الْحَجِيجِ، نَفَرٌ مِنْ هُذَيْلٍ ذَهَبَ بِنَعَمِهِمُ السَّيْلُ، وَتَمَرَّسَتْ بِهِمُ الْأَيَّامُ، حَتَّى مَا بِهِمْ نَجْعَةٌ، وَلَا لَهُمْ قَعْدَةٌ، فَمَنْ يُرَاقِبْ فِيهِمُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَيَعْرِفْ لَهُمْ حَقَّ الْإِصْرَةِ جُزِيَ خَيْرًا قَالَ: قَالَ: فَرَضَخْنَا لَهَا، فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ قُلْتِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الكامل]

كَفُّ الزَّمَانِ تَوَسَّدَتْنَا عَنْوَةً

شَلَّتْ أَنَامِلُهَا عَنِ الْأَعْرَابِ

قَوْمٌ إِذَا حَلَّ الْعُفَاةُ بِبَابِهِمْ

أَلْقَوْا نَوَافِلَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابِ

فَقُلْتُ: لَوْ أَمْتَعْتِينَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكِ قَالَ: فَكَشَفَتِ الْبُرْقُعَ عَنْ وَجْهٍ لَا تَهْتَدِي الْعُقُولُ لِوَصْفِهِ، فَلَمَّا رَأَتْنَا قَدْ بُهِتْنَا نَنْظُرُ إِلَيْهَا، أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

الضُّرُّ أَبْدَى صَفْحَةً قَدْ صَانَهَا

أَبَوَايَ قَبْلَ تَمَرُّسِ الْأَيَّامِ

فَتَمَتَّعُوا بِعُيُونِكُمْ فِي حُسْنِهَا

وَانْهَوْا جَوَارِحَكُمْ عَنِ الْآثَامِ

ثُمَّ وَلَّتْ مُنْصَرَفَةً "

ص: 141

283 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عليه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا عَلِيُّ، إِنَّ لَكَ كَنْزًا فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا، فَلَا

⦗ص: 142⦘

تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ»

ص: 141

284 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ، فَقَالَ:«اصْرِفْ وَجْهَكَ»

ص: 142

285 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، عَنِ ابْنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

⦗ص: 143⦘

: «زِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزْنَا الْيَدَيْنِ الْبَطْشُ، وَزْنَا الرِّجْلَيْنِ الْمَشْيُ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ»

ص: 142

286 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: جَاءَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِلَى عَلْقَمَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَكَانَ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ مِنَ النِّسَاءِ فَجَعَلْنَ يَمْرُرْنَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَغَضَّ بَصَرَهُ، فَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا "

ص: 143

287 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ الْوَزَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادَةَ، عَنْ مَوْلَى أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ:«اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَفَرْجِي مِنَ الزِّنَا، وَلِسَانِي مِنَ الْكَذِبِ، وَعَيْنِي مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»

ص: 143

288 -

حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا أَوْعَدْتُمْ

⦗ص: 144⦘

، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ "

ص: 143

289 -

أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي وَرِيزَةُ لِحَاتِمِ طَيِّئٍ:

[البحر الكامل]

مَا ضَرَّ جَارًا لِي أُجَاوِرُهُ

أَلَّا يَكُونَ لِبَابِهِ سِتْرُ

أُغْضِي إِذَا مَا جَارَتِي بَرَزَتْ

حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي الْخِدْرُ

ص: 144

290 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي ابْنُ طَخْشَى:

[البحر الخفيف]

أَمَّنْتُ جَارَتِي خِيَانَةَ لَحْظِي

أَبَدًا أَوْ يُجِنُّهَا مَأْوَاهَا

قُلْتُ لِلْعَيْنِ احْبِسِي مِنْكِ لَحْظًا

إِنَّ لَحْظِي مُحَرَّمٌ أَنْ يَرَاهَا

إِنَّ يَوْمًا أُسَارِقُ اللَّحْظَ مِنْهَا

ذَاكَ يَوْمٌ يَكُونُ فِيهِ عَمَاهَا

ص: 144

‌بَابُ مَنْ مُنِعَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى حُسْنِ وَجْهِهِ خَوْفَ الِافْتِتَانِ بِهِ

ص: 145

291 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرُوسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ:" كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ رِجَالٌ مُتَعَمِّمُونَ مِنْ جَمَالِهِمْ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَتَنَ بِهِمْ، مِنْهُمْ: عَمْرٌو الظِّهْرِيُّ، وَأُعَيْضِرٌ الْيَرْبُوعِيُّ، وَسُبَيْعٌ الطُّهَوِيُّ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ مِرْثَلٍ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَكَانَ يُقَالُ إِنَّهُ بُرْجِدَ مِنْ حُسْنِهِ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ حُمَمَةَ الدَّوْسِيُّ، وَأَبُو حُمَمَةَ بْنُ رَافِعٍ، وَزَيْدُ الْخَيْلِ بْنُ مُهَلْهَلٍ الطَّائِيُّ، وَقَيْسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْجَعْفَرِيُّ، وَذُو الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ، وَامْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ الْكِنْدِيُّ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ "

ص: 145

‌بَابُ قِلَّةِ الصَّبْرِ عِنْدَ إِدَامَةِ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ

ص: 146

292 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ سَابِقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ وَلِابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ حُلْوَةٌ، لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِتَسْتَعِينَهُ عَلَى كِتَابَتِهَا قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتَهَا عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ فَكَرِهْتُهَا، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَرَى فِيهَا مَا رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ سَيِّدِ قَوْمِهٍ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَوَقَعْتُ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، أَوْ قَالَتْ: لِابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْتَعِينُهُ قَالَ: «فَهَلْ لَكِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ؟» . قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «أَقْضِي كِتَابَكَ وَأَتَزَوَّجُكِ» . قَالَتْ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ فَعَلْتُ، وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ، فَقَالَ النَّاسُ: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ، قُلْتُ: فَلَقَدْ أَعْتَقَ بِتَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا "

ص: 146

293 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَدَنِيُّ قَالَ

⦗ص: 147⦘

: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " دَخَلَ سُبَيْعُ بْنُ عَوْفِ بْنِ السَّبَّاقِ عَلَى طُلَيْمَةَ ابْنَةِ إِيمَاءَ بْنِ رَحَضَةَ، وَهِيَ فِي مِظَلَّتِهَا بِمِنًى، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، فَلَمْ يَتَمَالَكْ إِذْ نَظَرَ إِلَيْهَا أَنْ قَبَّلَهَا، وَعِنْدَهَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي رَحَضَةَ فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ فَهَتَمَ فَاهُ، فَنَادَى سُبَيْعُ بْنُ عَوْفٍ: يِا لَقُرَيْشٍ، وَتَدَاعَى النَّاسُ، وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ وَبَنُو غِفَارٍ فَوَجَدُوا فِيهَا رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ: غُزَيَّ بْنَ عَبْدِ شَمْسٍ وَخَلَفَ بْنَ صَدَّادٍ مُغْتَرِبَيْنِ لَمْ يَبْلُغْهُمَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَقَتَلُوهُمَا، فَجَاءَ الصَّرِيخُ قُرَيْشًا بِقَتْلِهِمَا، فَرَكِبَ نَفِيرُهُمْ حَتَّى أَدْرَكُوا مِنْهُمْ ثَمَانِيَةً بِالْغَمِيمِ، فَلَاذَ الرَّهْطُ بِالتَّنَاضِبِ فَجَعَلَ حُذَيْفَةُ بْنُ مَشْهَمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ فَرَسَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّنَاضِبِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: أَنْعَمْتِ، إِنَّكِ لَكُوَيْرِهَةٌ، ثُمَّ جَعَلَ يُكْرِهُهَا حَتَّى قَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ قَالَ شَاعِرُهُمْ حِينَ قَتَلَ مِنْ قُرَيْشٍ مَا قَتَلَ:

[البحر الطويل]

هَذَا وَإِنَّ النَّفْسَ طَابَتْ بِصُلْحِهِمُ

بَنِي عَمِّنَا أَوْ تُوغِلُونَ وَنُوغِلُ

فَلَمَّا دَنَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالْحَرْبِ فَرَّتْ بَنُو غِفَارٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمُوا "

ص: 146

294 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عُمَيْرٍ التُّجِيبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ الْأُرْسُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْدَتٍ قَالَ:" دَخَلَتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ عَلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، يَنْبَغِي لِلرِّجَالِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا عَلَى النِّسَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: وَعَلَى مِثْلِي؟ قَالَ: ثُمَّ أَسْفَرَتْ عَنْ وَجْهٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ حَسَنًا، وَقَالَتْ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، لَا تُفْتُوا الرِّجَالَ بِهَذَا، ثُمَّ وَلَّتْ، فَقَالَ الْحَسَنُ: مَا عَلَى الرَّجُلِ كَانَتْ هَذِهِ فِي زَاوِيَةِ بَيْتِهِ مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا "

ص: 147

295 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، كُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ اللَّخْمِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«خَرَجَ سَهْمِي يَوْمَ جَلُولَاءَ جَارِيَةٌ كَأَنَّ عُنُقَهَا إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ قُمْتُ إِلَيْهَا فَقَبَّلْتُهَا»

ص: 148

296 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْخُنَيْسِ قَالَ: خَرَجَ أَبُو حَازِمٍ يَرْمِي الْجِمَارَ وَمَعَهُ قَوْمٌ مُتَعَبِّدُونَ وَهُوَ يُكَلِّمُهُمْ وَيُحَدِّثُهُمْ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي وَأُولَئِكَ مَعَهُ إِذْ نَظَرُوا إِلَى فَتَاةٍ مُسْتَتِرَةٍ بِخِمَارِهَا، وَهِيَ الَّتِي لَيْسَ عَلَى نَحْرِهَا مِنْهُ شَيْءٌ تَرْمِي النَّاسَ بِطَرْفِهَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً، وَقَدْ شَغَلَتِ النَّاسَ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا مَبْهُوتِينَ، وَقَدْ خَبَطَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الطَّرِيقِ، فَرَآهَا أَبُو حَازِمٍ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ، اتَّقِي اللَّهَ، إِنَّكِ فِي مَشْعَرٍ مِنْ مَشَاعِرِ اللَّهِ عَظِيمٍ، وَقَدْ فَتَنْتِ النَّاسَ، فَاضْرِبِي بِخَمَارِكِ عَلَى جَيْبِكِ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] ، فَأَقْبَلَتْ تَضْحَكُ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ يَا فَذْرُ مِنَ اللَّائِي لَمْ يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حَجَّةً، وَلَكِنْ لِيَقْتُلْنَ الْبَرِيءَ الْمُغَفَّلَا، فَأَقْبَلَ أَبُو حَازِمٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، تَعَالَوْا نَدْعُ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذَّبُ هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَسْنَاءِ بِالنَّارِ، فَجَعَلَ يُدْعُو وَأَصْحَابُهُ يُؤَمِّنُونَ "

ص: 148

297 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَجَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَحَجَّ مَعَهُ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ

⦗ص: 149⦘

مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مِنْ رِجَالَاتِ قُرَيْشٍ الْمَعْدُودِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، وَكَانَ عَظِيمَ الْقَدْرِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَبَيْنَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ بَصُرَ بِرَمْلَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَعَشِقَهَا عِشْقًا شَدِيدًا، وَوَقَعَتْ بِقَلْبِهِ وُقُوعًا مُتَمَكِّنًا، فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْقُفُولَ هَمَّ خَالِدٌ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ، فَوَقَعَ بِقَلْبِ عَبْدِ الْمَلِكِ تُهْمَةٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رَمْلَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ رَأَيْتُهَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ قَدْ أَذْهَلَتْ عَقْلِي، وَاللَّهِ مَا أَبْدَيْتُ إِلَيْكَ مَا بِي حَتَّى عِيلَ صَبْرِي، وَلَقَدْ عَرَضْتُ النَّوْمَ عَلَى عَيْنِي فَلَمْ تَقْبَلْهُ، وَالسَّلْوَى عَلَى قَلْبِي فَامْتَنَعَ، فَأَطَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ التَّعَجُّبَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا كُنْتُ أَقُولُ إِنَّ الْهَوَى يَسْتَأْسِرُ مِثْلَكَ، فَقَالَ: وَإِنِّي لَأَشُدُّ تَعَجُّبًا مِنْ تَعَجُّبِكَ مِنِّي، وَلَقَدْ كُنْتُ أَقُولُ: إِنَّ الْهَوَى لَا يَتَمَكَّنُ إِلَّا مِنْ صِنْفَيْنِ مِنَ النَّاسِ: الشُّعَرَاءِ وَالْأَعْرَابِ، فَأَمَّا الشُّعَرَاءُ فَإِنَّهُمْ أَلْزَمُوا قُلُوبَهُمُ الْفِكْرَ فِي النِّسَاءِ وَالْغَزَلِ، فَمَالَ طَمَعُهُمْ إِلَى النِّسَاءِ، فَضَعُفَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ دَفْعِ الْهَوَى، فَاسْتَسْلَمُوا إِلَيْهِ مُنْقَادِينَ، وَأَمَّا الْأَعْرَابُ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يَخْلُو بِامْرَأَتِهِ فَلَا يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ غَيْرَ حُبِّهِ لَهَا، وَلَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْهُ، فَضَعُفُوا عَنْ دَفْعِ الْهَوَى فَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ، وَجُمْلَةُ أَمْرِي فَمَا رَأَيْتُ نَظْرَةً حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَزْمِ وَحَسَّنَتْ عِنْدِي رُكُوبَ الْإِثْمِ مِثْلَ نَظْرَتِي هَذِهِ، فَتَبَسَّمَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ

⦗ص: 150⦘

: أَوَكُلُّ هَذَا قَدْ بَلَغَ بِكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عَرَفَتْنِي هَذِهِ الْبَلِيَّةُ قَبْلَ وَقْتِي هَذَا، فَوَجَّهَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى آلِ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ رَمْلَةَ عَلَى خَالِدٍ، فَذَكَرُوا لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، أَوْ يُطَلِّقُ نِسَاءَهُ، فَطَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ، إِحْدَاهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأُخْرَى مِنَ الْأَزْدِ، فَظَعَنَ بِهَا إِلَى الشَّامِ وَفِيهَا يَقُولُ:

[البحر الطويل]

أَلَيْسَ يَزِيدُ الشَّوْقُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ

وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ حَبِيبَتِنَا قُرْبَا

خَلِيلِيَّ مَا مِنْ سَاعَةٍ تَذْكُرَانِهَا

مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا فَرَّجْتَ عَنِّيَ الْكَرْبَا

أُحِبُّ بَنِي الْعَوَّامِ طُرًّا لِحُبِّهَا

وَمِنْ أَجْلِهَا أَحْبَبْتُ أَخْوَالَهَا كَلْبَا

تَجُولُ خَلَاخِيلُ النِّسَاءِ وَلَا أَرَى

لِرَمْلَةَ خَلْخَالًا يَجُولُ وَلَا قَلْبَا

ص: 148

298 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ:

[البحر الطويل]

رَمَتْنِي بِعَيْنَيْهَا كَرِيمَةُ مَعْشَرٍ

فَصَادَفَ سَهْمَاهَا الْمَقَاتِلَ مِنْ صَدْرِي

وَحَيَّتْ بِتَسْلِيمٍ فَهَاجَتْ صَبَابَتِي

وَأَلْهَبَتِ النِّيرَانُ لَهَبًا بِلَا جَمْرِي

إِذَا هَاجَ دَاءُ الْحُبِّ وَاشْتَدَّ أَمْرُهُ

وَهَاجَتْ لَهُ عَيْنَايَ سَكْبًا عَلَى النَّحْرِ

فَسُكِّنَ قَلْبِي حِينَ تَهْطِلُ دَمْعَتِي

وَيُظْهِرُ دَمْعِي مَا أُجِنُّ مِنَ الْفِكْرِ

فَلَوْلَا انْحِدَارُ الدَّمْعِ أَفْضَحَنِي الْهَوَى

وَلَوْلَا الْهَوَى مَا جَادَتِ الْعَيْنُ بِالْحَدْرِ

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ:

[البحر الطويل]

وَمُخْتَلِسًا بِالطَّرْفِ مَا لَا يَنَالُهُ

قَرِيبٌ بِحَالِ النَّازِحِ الْمُتَبَاعِدِ

وَفِي النَّظَرِ الصَّادِي إِلَى الْمَاءِ حَسْرَةٌ

إِذَا كَانَ مَمْنُوعًا بِسَيْلِ الْمَوَارِدِ

ص: 150

300 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعُتْبِيِّ:

[البحر الطويل]

رَأَيْنَ الْغَوَانِي الشَّيْبَ لَاحَ بِعَارِضِي

فَأَعْرَضْنَ عَنِّي بِالْخُدُودِ النَّوَاضِرِ

وَكُنَّ إِذَا أَبْصَرْنَنِي أَوْ سَمِعْنَ بِي

سَعَيْنَ فَرَقَّعْنَ الْكُوَى بِالْمَحَاجِرِ

ص: 151

301 -

وَأَنْشَدَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:

[البحر الطويل]

رَمَانِي بِهَا طَرْفِي فَلَمْ يُخْطَ مَقْتَلِي

وَمَا كُلُّ مَنْ يُرْمَى تُصَابُ مَقَاتِلُهُ

إِذَا مِتُّ فَابْكُونِي قَتِيلًا لِطَرْفَةٍ

قَتِيلَ عَدُوٍّ حَاضِرٍ مَا يُزَايِلُهُ

ص: 151

302 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر الطويل]

نَظَرْتُ إِلَيْهَا فَاسْتَحَلَّتْ بِهَا دَمِي

وَكَانَ دَمِي غَالٍّ فَأَرْخَصَهُ الْحُبُّ

وَغَالَيْتُ فِي حُبِّي لَهَا فَرَأَتْ دَمِي

حَلَالًا فَمِنْ هَذَاكَ دَاخَلَهَا الْعُجْبُ

ص: 151

303 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر البسيط]

قَلْبِي يَقُولُ لِطَرْفِي هَجْتَ لِي سَقَمًا

وَالْعَيْنُ تَزْعُمُ أَنَّ الْقَلْبَ أَبْكَاهَا

وَالْجِسْمُ يَشْهَدُ أَنَّ الْعَيْنَ كَاذِبَةٌ

هِيَ الَّتِي هَيَّجَتْ لِلْقَلْبِ بَلْوَاهَا

لَوْلَا الْعُيُونُ وَمَا يَجْنِينَ مِنْ سَقَمٍ

مَا كُنْتُ مُطَّرِحًا فِي سِرِّ مِنْ رَاهَا

⦗ص: 152⦘

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

يَقُولُ قَلْبِي لِطَرْفِي إِذْ بَكَى جَزَعًا

تَبْكِي وَأَنْتَ الَّذِي حَمَّلْتَنِي الْوَجَعَا

فَقَالَ طَرْفِي لَهُ فِيمَا يُعَاتِبُهُ

بَلْ أَنْتَ حَمَّلْتَنِي الْآمَالَ وَالطَّمَعَا

حَتَّى إِذَا مَا خَلَا كُلٌّ بِصَاحِبِهِ

كِلَاهُمَا بِطَوِيلِ السَّقَمِ قَدْ قَنِعَا

نَادَاهُمَا كَبِدِي لَا تَتْلَفَا فَلَقَدْ

قَطَّعْتَمَانِي بِمَا لَاقَيْتُمَا قِطَعَا

ص: 151

305 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنُ عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي صَدِيقٌ لِي قَالَ: " خَرَجْتُ أَنَا وَصَدِيقٌ لِي فِي الْبَادِيَةِ نَسِيرُ إِذَ جَهَدَنَا الْعَطَشُ، فَمِلْنَا إِلَى خِبْأٍ فَاسْتَسْقَيْنَا، فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ طَالِعَةً، مَعَهَا سِقَاءٌ فِيِهِ لَبَنٍ قَالَ: فَبُهِتْنَا وَاللَّهِ لَنَنْظُرَ إِلَيْهَا وَإِلَى حُسْنِهَا، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

أَرَاحَى رَفِيقَيَّ مَعْشَرٌ قَدْ أَرَاهُمَا

أَقَامَا بِنَا أَنْ يَعْرِفَا مُبْتَغَاهُمَا

هُمَا اسْتَسْقَيَا مَاءً عَلَى غَيْرِ ظَمْأَةٍ

لِيَسْتَشْفِيَا بِاللَّحْظِ مِمَّنْ سَقَاهُمَا

ص: 152

306 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ: أَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ: خَطَبَ الْخَنْسَاءَ بِنْتَ عَمْرٍو إِلَى أَخَوَيْهَا صَخْرٍ وَمُعَاوِيَةَ فَوَافَقَهَا وَهِيَ تُهْنِئُ إِبِلًا لَهَا، فَاسْتَأْمَرَاهَا أَخَوَاهَا فِيهِ، فَقَالَتْ: أَتُرَوْنِي تَارِكَةً بَنِي عَمِّي كَأَنَّهُمْ عَوَالِي الرَّمَاحِ وَمُرْتَثَةَ شَيْخٍ مِنْ بَنِي جُشَمٍ قَالَ: فَانْصَرَفَ دُرَيْدٌ وَهُوَ يَقُولُ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 153⦘

مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِهِ

كَالْيَوْمِ هَانِئٍ أَنْيَقٍ صَهْبِ

مُتَبَذِّلًا تَبْدُو مَحَاسِنُهُ

يَضَعُ الْهَنَاءَ مَوَاضِعَ النَّقْبِ

" قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ: يُقَالُ: ارْتَثَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مُرْتَثٌ إِذَا حُمِلَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ رَمَقٌ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ فَحُمِلَ مَيِّتًا فَلَيْسَ بِمُرْتَثٍ، فَشَبَّهَتِ الْخَنْسَاءُ دُرَيْدًا لِهِرَمِهِ وَكِبَرِ سِنِّهِ بِالْمَجْرُوحِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الرَّمَقُ

ص: 152

307 -

أَنْشَدَنِي سُفْيَانُ بْنُ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ:

[البحر البسيط]

كَفَاكَ بِالشَّيْبِ ذَنْبًا عِنْدَ غَانِيَةٍ

وَبِالشَّبَابِ شَفِيعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ

ص: 153

308 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْمَخْزُومِيُّ:

[البحر الكامل]

قَالَتْ: أُحِبُّكَ، قُلْتُ: كَاذِبَةٌ

غُرِّي بِذَا مَنْ لَيْسَ يَنْتَقِدُ

لَوْ قُلْتِ لِي: أَشْنَاكَ قُلْتُ: نَعَمْ

الشَّيْبُ لَيْسَ يُحِبُّهُ أَحَدُ

ص: 153

309 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ النَّحْوِيُّ:

[البحر البسيط]

مَا قَابِلَ الشَّيْبُ مِنْ عَيْنٍ وَإِنْ رَمِضَتْ

إِلَّا لَهَا نَبْوَةٌ عَنْهُ وَمُرْتَدَعُ

ص: 153

310 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ: دَخَلَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِهِ، وَكَانَ عِمْرَانُ قَبِيحًا ذَمِيمًا قَصِيرًا، وَقَدْ تَزَيَّنَتْ وَكَانَتِ امْرَأَةً حَسْنَاءَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا ازْدَادَتْ فِي عَيْنِهِ حُسْنًا، فَلَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ يُدِيمَ النَّظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: لَقَدْ أَصْبَحْتِ وَاللَّهِ جَمِيلَةً، فَقَالَتْ: أُبَشِّرُكَ

⦗ص: 154⦘

، فَإِنِّي وَإِيَّاكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتِ ذَاكَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّكَ أُعْطِيتَ مِثْلِي فَشَكَرْتَ، وَابْتُلِيتُ بِمِثْلِكَ فَصَبَرْتُ، وَالصَّابِرُ وَالشَّاكِرُ فِي الْجَنَّةِ "

ص: 153

311 -

سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: " كَانَتْ جَمْرَةُ امْرَأَةُ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ جَمِيلَةً، وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا خَجِلًا: لَا، بَلْ مَثَلِي وَمَثَلُكِ كَمَا قَالَ الْأَحْوَصُ:

[البحر البسيط]

إِنَّ الْحُسَامَ وَإِنْ رَثَّتْ مَضَارِبُهُ

إِذَا ضَرَبْتَ بِهِ مَكْرُوهَةً قَتَلَا

فَإِيَّاكِ وَالْعَوْدَةَ إِلَى مِثْلِ مَا قُلْتِ مَرَّةً أُخْرَى "

ص: 154

312 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الزُّبَيْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْبٍ قَالَ: " كُنْتُ فِي بَعْضِ مِيَاهِ الْعَرَبِ فَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَتْ، قَدْ جَاءَتْ، فَتَحَوَّلَ النَّاسُ، فَقُمْتُ مَعَهُمْ لِلنَّظَرِ، فَإِذَا جَارِيَةٌ قَدْ وَرَدَتِ الْمَاءَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا قَطُّ حُسْنَ وَجْهٍ وَتَمَامَ خَلْقٍ، فَلَمَّا رَأَتْ تَشَوُّقَ النَّاسِ إِلَيْهَا وَإِلْحَاحَهُمْ عَلَيْهَا أَرْسَلَتْ بُرْقُعَهَا فَكَأَنَّهُ غَمَامَةٌ غَطَّتْ شَمْسًا، فَقُلْتُ: لِمَ تَمْنَعِينَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِكِ هَذَا الْحَسَنِ؟ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا

لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَسْلَمَتْكَ الْمَحَاجِرُ

رَأَيْتَ الَّذِيَ لَا كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ

عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ

⦗ص: 155⦘

قَالَ: وَنَظَرَ إِلَيْهَا أَعْرَابِيُّ، فَقَالَ: وَاللَّهِ أَنَا مِمَّنْ قَلَّ صَبْرُهُ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَوَحْشِيَّةَ الْعَيْنَيْنِ أَيْنَ لَكِ الْأَهْلُ

أَبِالْحَزْنِ حَلُّوا أَمْ مَحِلَّهُمُ السَّهْلُ

وَأَيَّةُ أَرْضٍ أَخْرَجَتْكِ فَإِنَّنِي

أَرَاكِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ إِنْ فُتِّشَ الْأَصْلُ

قِفِي خَبِّرِينَا مَا طَعِمْتِ وَمَا الَّذِي

شَرِبْتِ، وَمِنْ أَيْنَ اسْتَقَلَّ بِكِ الرَّحْلُ

لِأَنَّ عَلَامَاتِ الْجِنَانِ مُبِينَةٌ

عَلَيْكِ وَإِنَّ الشَّكْلَ يُشْبِهُهُ الشَّكْلُ

أَمِ الْبَدْرُ أَنْشَأَكِ الْمُنِيرُ فَإِنْ يَكُنْ

لِبَدْرِ الدُّجَى نَسْلٌ فَأَنْتِ لَهُ نَسْلُ

حَسُنْتِ، فَأَمَّا الْوَجْهُ مِنْكِ فَمُشْرِقٌ

وَعَيْنَانِ كَحْلَاوَانِ زَانَهُمَا الْكُحْلُ

ص: 154

313 -

أَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي حَمْدَانَ بْنُ حُيَيٍّ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو نُوَاسٍ:

[البحر السريع]

مَا مُنْسِيَ الْمَأْتَمَ أَشْجَانُهُ

لَمَّا أَتَتْهُ فِي الْمُعَزِّينَا

اسْتَقْبَلَتْهُنَّ بِتِمْثَالِهَا

فَقُمْنَ يَضْحَكْنَ وَيَبْكِينَا

حُقَّ لِهَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَزْدَهِي

عَنْ حُزْنِهِ مَنْ كَانَ مَحْزُونَا

ص: 155

وَأَنْشَدَنَا لِبَشَّارِ بْنِ بُرْدٍ الضَّرِيرِ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 156⦘

تُلْقَى بِتَسْبِيحَةٍ مِنْ حُسْنِ مَا خُلِقَتْ

وَتَسْتَفِزُّ حَشَى الرَّائِي بِإِرْعَادِ

كَأَنَّمَا خُلِقَتْ مِنْ قِشْرِ لُؤْلُؤَةٍ

فَكُلُّ أَكْنَافِهَا وَجْهٌ لِمِرْصَادِ

ص: 155

315 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ ضِرَارٍ الْعَوْفِيُّ:

[البحر الطويل]

أَنِيرِي مَكَانَ الْبَدْرِ إِنْ أَفَلَ الْبَدْرُ

وَقَوْمِي مَقَامَ الشَّمْسِ مَا اسْتَأْخَرَ الْفَجْرُ

فَفِيكِ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُورُهَا

وَلَيْسَ لَهَا مِنْكِ التَّبَسُّمُ وَالثَّغْرُ

ص: 156

316 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنْ كِنْدَةَ، قَالَ: خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ السَّلِيلِ الْأَزْدِيُّ زَائِرًا لِعَلْقَمَةَ بْنِ جَرِيرٍ الطَّائِيِّ، وَكَانَ حَلِيفًا لَهُ، فَنَظَرَ إِلَى ابْنَةٍ لَهُ تُدْعَى الرَّبَابُ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ فَأُعْجِبَ بِهَا، وَعَشِقَهَا عِشْقًا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِانْصِرَافِ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: أَتَيْتُ خَاطِبًا، وَقَدْ يُنْكَحُ الْخَاطِبُ، وَيُدْرَكُ الطَّالِبُ، وَيُمْنَعُ الرَّاغِبُ قَالَ: " أَنْتَ امْرُؤٌ كُفُؤٌ كَرِيمٌ، فَأَقِمْ نَنْظُرْ فِي أَمْرِكَ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى أُمِّ الْجَارِيَةِ فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الْحَارِثَ سَيِّدَ قَوْمِهِ حَسَبًا وَمَنْصِبًا وَبَيْتًا، فَلَا يَنْصَرِفَنَّ مِنْ عِنْدِنَا إِلَّا بِحَاجَتِهِ، فَأَرِيدِي ابْنَتَكِ عَنْ نَفْسِهَا فِي أَمْرِهِ، فَقَالَتْ لَهَا: أَيْ بُنَيَّةُ، أَيُّ الرِّجَالِ أَعْجَبُ إِلَيْكِ؟ الْكَهْلُ الْحَجْحَاجُ الْفَاضِلُ الْمَيَّاحُ أَمِ الْفَتَى الْوَضَّاحُ الْمَلُولُ الطَّمَّاحُ؟ قَالَتْ: الْفَتَى الْوَضَّاحُ، فَقَالَتْ: إِنَّ الْفَتَى الْوَضَّاحَ يُغَيِّرُكِ، وَإِنَّ الشَّيْخَ يُمِيرُكِ، وَلَيْسَ الْكَهْلُ الْفَاضِلُ الْكَثِيرُ النَّائِلُ كَالْحَدَثِ السِّنِّ الْكَثِيرِ الْمَنِّ. قَالَتْ: يَا أُمَّتَاهُ، أُحِبُّ الْفَتَى

⦗ص: 157⦘

كَحُبِّ الرِّعَاءِ أَنْيَقَ الْكَلَأَ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، إِنَّ الْفَتَى شَدِيدُ الْحِجَابِ كَثِيرُ الْعِتَابِ قَالَتْ: يَا أُمَّتَاهُ، أَخْشَى مِنَ الشَّيْخِ أَنْ يُدَنِّسَ أَثْوَابِي وَيَبْلِيَ شَبَابِي، وَيُشْمِتَ بِي أَتْرَابِي، فَلَمْ تَزَلْ بِهَا أُمُّهَا حَتَّى غَلَبَتْهَا عَلَى رَأْيِهَا، فَتَزَوَّجَهَا الْحَارِثُ عَلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ وَخَادِمٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَنَى بِهَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ كَأَحَبِّ مَا كَانَ إِلَيْهِ، فَارْتَحَلَ بِهَا إِلَى أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ لَجَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ بِفِنَاءِ مِظَلَّتِهِ، وَهِيَ إِلَى جَانِبِهِ، إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ يَعْتَلِجُونَ الصِّرَاعَ، فَتَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ عَيْنَيْهَا بِالْبُكَاءِ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: مَا لِي وَلِلشُّيُوخِ النَّاهِضِينَ كَالْفُرُوخِ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ، قَدْ تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا، فَصَارَتْ مَثَلًا، أَيْ لَا تَكُونُ ظِئْرًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَطَقَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَأَبِيكِ، لَرُبَّ غَارَةٍ شَهِدْتُهَا، وَسَبِيَّةٍ أَرْدَفْتُهَا، وَخَمْرًا شَرِبْتُهَا، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِيكِ ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ:

[البحر البسيط]

تَهَزَّأَتْ إِذْ رَأَتْنِي لَابِسًا كِبَرًا

وَغَايَةُ النَّفْسِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْكِبَرِ

فَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ الشَّيْبَ رَاغِمَهُ

وَفِي التَّعَرُّفِ مَا يَمْضِي مِنَ الْغِيَرِ

وَإِنْ يَكُنْ قَدْ عَلَا رَأْسِي وَغَيَّرَهُ

صَرْفُ الزَّمَانِ وَتَفْنِينٌ مِنَ الشَّعَرِ

فَقَدْ أَرْوَحُ لِلَذَّاتِ الْفَتَى جَذِلًا

وَقَدْ أُصِيبُ بِهَا عَيْنًا مِنَ الْبَقَرِ

ص: 156

317 -

حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

⦗ص: 158⦘

الطُّوسِيُّ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ وَاضِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الْقُرْقُسَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ:

[البحر الرجز]

لَا خَيْرَ فِي الشَّيْخِ إِذَا مَا اخْوَخَّا

وَاحْدَوْدَبَ الظَّهْرُ وَصَارَ فَخَّا

وَصَارَ عِنْدَهُ الْغَانِيَاتُ كُخَّا

ص: 157

318 -

حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: " أَنَّ شَيْخًا بَدَوِيًّا تَزَوَّجَ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَكَانَتْ إِذَا رَأَتْهُ يَنْتَعِلُ قَاعِدًا قَالَتْ: يَا حَبَّذَا الْمُنْتَعِلُونَ قِيَامًا، قَالَ: فَذَهَبَ الشَّيْخُ يَنْتَعِلُ قَائِمًا فَضَرَطَ، فَقَالَتِ الْفَتَاةُ: لَمَّا رُمْتَ الْبَاطِلَ كَانَ هَذَا مِنْكَ الْحَاصِلَ "

ص: 158

319 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ النَّاقِدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا»

ص: 158

320 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عِيسَى الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي مَهْدِيٍّ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ

⦗ص: 159⦘

بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ:«إِنَّمَا كَرِهَ الشَّيْخُ أَنْ يَنْتَعِلَ قَائِمًا مَخَافَةَ أَنْ يَضْرِطَ»

ص: 158

321 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِكْرِمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّبِّيِّ قَالَ: " حَجَجْتُ فَلَمَّا صَدَرْتُ مِنَ الْحَجِّ تَيَمَّمْتُ مَنْهَلًا مِنَ الْمَنَاهِلِ، فَإِذَا بِبَيْتٍ نَاحِيَةٍ عَنِ الطَّرِيقِ فَأَنَخْتُ بِفِنَائِهِ، فَقُلْتُ: أَنْزِلُ؟ فَقَالَتْ رَبَّةُ الْبَيْتِ: انْزِلْ، فَقُلْتُ: أَدْخُلُ؟ فَقَالَتِ: ادْخُلْ، فَإِذَا جَارِيَةٌ أَحْسَنُ مِنَ الشَّمْسِ، فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُهَا وَكَأَنَّ الدُّرَّ يَنْتَثِرُ مِنْ فِيهَا، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَتْ عَجُوزٌ مُؤْتَزِرَةً بِعَبَاءَةٍ مُشْتَمِلَةً بِأُخْرَى، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا جُلُوسُكَ هَاهُنَا عِنْدَ هَذَا الْغَزَّالِ النَّجْدِي الَّذِي لَا تَأْمَنُ خَبَالَهُ وَلَا تَرْجُو نَوَالَهُ؟ فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: أَيْ جَدَّةُ، دَعِيهِ يَتَعَلَّلُ كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

[البحر الطويل]

فَإِنْ لَا يَكُنْ إِلَّا تَعَلُّلُ سَاعَةٍ

قَلِيلٍ فَإِنِّي نَافِعٌ لِي قَلِيلُهَا

قَالَ: فَأَقَمْتُ يَوْمِي وَانْصَرَفْتُ وَفِي قَلْبِي كَجَمْرِ الْغَضَى مِنْ حُبِّهَا "

ص: 159

‌بَابُ ذِكْرِ فَضِيلَةِ الْجَمَالِ ، وَمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَهْلَهُ وَأَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ، وَإِشَارَتِهِمْ بِطَلَبِ الْحَوَائِجِ وَإِغْرَاءِ الشُّعَرَاءِ فِي نَعْتِهِ

ص: 160

322 -

حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي حِلَابُ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ امْرُؤٌ قَدْ حَسَّنَ اللَّهُ خِلْقَتَكَ فَأَحْسِنْ خُلُقَكَ»

ص: 160

323 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُوسُفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ»

ص: 160

324 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْكُدَيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«الْحُورُ سُودُ الْحِدَقِ»

ص: 160

325 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ عَمُّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ فِي حَاجَةٍ فَقُلْتُ: " إِنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْخُلُوا إِلَيْكِ فَيَنْظُرُوا إِلَى حُسْنِكِ قَالَتْ: «أَفَلَا قُلْتَ لِي فَأَلْبَسُ ثِيَابِي، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فِي زَمَنِهَا»

ص: 160

326 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعْدٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ غَمْصٌ، يَعْنِي رَمْصًا، فَحَطَّ عَصَاهُ، وَقَالَ:«مَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَنْ يَتَعَاهَدَ أَدِيمَ وَجْهِهِ؟»

ص: 161

327 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّعِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا، وَرَأْسِي دَهِينًا، وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيدًا، وَذَكَرَ شَيْئًا حَتَّى ذَكَرَ عِلَاقَةَ سَوْطِهِ، أَفَمِنَ الْكِبْرِ هَذَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا، هَذَا مِنَ الْجَمَالِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَظَلَمَ النَّاسَ»

ص: 161

328 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لِعَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْكِ إِلَّا مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ:«وَاللَّهِ لَأَنَا أَحْسَنُ مِنَ النَّارِ فِي عَيْنِيِ الْمَقْرُورِ فِي اللَّيْلَةِ الْقَارَّةِ»

ص: 161

329 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا

⦗ص: 162⦘

إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَزْهَرَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " فِي قَوْلِهِ: {كَوَاعِبَ} [النبأ: 33] قَالَ: «الَّتِي يُجَافِي ثَدْيَاهَا قَمِيصَهَا»

ص: 161

330 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:

[البحر الكامل]

أَبَتِ الرَّوَادِفُ وَالثَّدِيُّ لِقُمْصِهَا

مَسَّ الْبُطُونِ وَأَنْ تَمَسَّ ظُهُورًا

وَإِذَا الرِّيَاحُ مَعَ الْعَشِيِّ تَنَاوَحَتْ

نَبَّهْنَ حَاسِدَةً وَهِجْنَ غَيُورَا

ص: 162

331 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ لِعَلِيِّ بْنِ الْجَهْمِ:

[البحر الكامل]

غَنَّتْ فَقَالَ النَّاظِرُونَ إِلَى

تَصْوِيرِهَا مَا أَلْطَفَ اللَّهَ

وَبَدَتْ فَلَمَّا سَلَّمَتْ خَجِلَتْ

وَالْتَفَّ بِالتُّفَّاحِ خَدَّاهَا

وَكَأَنَّ دِعْصَ الرَّمَلِ أَسْفَلِهَا

وَكَأَنَّ غُصْنَ الْبَانِ أَعْلَاهَا

حَتَّى إِذَا شَرِبَتْ ثَلَاثَتَهَا

قَرَأَتْ كِتَابَ الْبَاهِ عَيْنَاهَا

ص: 162

332 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: كَانَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحْسَدُ النَّاسَ عَلَى الْجَمَالِ، فَإِنَّهُ لَيَخْطُبُ النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ، إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ جُودَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَزْدِ فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ عَنْ تِلْكِ النَّاحِيَةِ إِلَى نَاحِيَةِ بَنِي تَمِيمٍ، وَأَقْبَلَ ابْنُ جُودَانَ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَأَعْرَضَ بَصَرَهُ عَنْهَا، وَرَمْي

⦗ص: 163⦘

بِبَصَرِهِ إِلَى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فَأَنِفَ مُصْعَبٌ وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ "

ص: 162

333 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَالِدٍ الْجَمَّالُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمٌ الْخَشَّابُ، عَنْ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ وَجْهًا حَسَنًا، وَاسْمًا حَسَنًا، وَخُلُقًا حَسَنًا، وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ شَانٍ لَهُ فَهُوَ مِنْ صَفْوَةِ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ»

ص: 163

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ الشَّاعِرُ: «

[البحر الخفيف]

أَنْتَ وَصْفُ النَّبِيِّ إِذْ قَالَ يَوْمًا

اطْلُبُوا الْخَيْرَ فِي حِسَانِ الْوُجُوهِ

»

ص: 163

335 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: " خَرَجَ نِسْوَةٌ يَوْمَ الْعِيدِ يَنْظُرْنَ إِلَى النَّاسِ فَقِيلَ: مَنْ أَحْسَنُ مَنْ مَرَّ بِكُنَّ؟ قُلْنَ: شَيْخٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، يَعْنِينَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ "

ص: 163

336 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ:«مَا رَأَيْتُ قَطَّ امْرَءًا أَحْسَنَ مِنْ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ»

ص: 163

337 -

حَدَّثَنَا 45878 عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: أَخَذَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، مَا أَقْبَحَ بِي أَنْ أَقُومَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى صُورَتِكَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ وَوَجْهِكَ هَذَا الَّذِي يُسْتَضَاءُ بِهِ، فَأَتَعَلَّقُ بِأَطْرَافِكَ، وَأَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ مُصْعَبًا فِيمَ قَتَلَنِي؟ فَقَالَ مُصْعَبٌ: " أَطْلِقُوهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، اجْعَلْ مَا وَهَبْتَ لِي مِنْ حَيَاتِي فِي خَفْضٍ، فَقَالَ مُصْعَبٌ: أَعْطُوهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّ لعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ خَمْسِينَ أَلْفًا قَالَ مُصْعَبٌ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِقَوْلِهِ:

[البحر الخفيف]

إِنَّمَا مُصْعَبٌ شِهَابٌ مِنَ اللَّـ

ـهِ تَجَلَّتْ عَنْ وَجْهِهِ الظَّلْمَاءُ

قَالَ: فَضَحِكَ مُصْعَبٌ وَقَالَ: إِنَّ فِيكَ لَمَوْضِعًا لِلضَّيْعَةِ، وَأَمَرَهُ بِلِزُومِهِ "

ص: 164

338 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ الْجُرْجَانِيُّ:

[البحر الطويل]

هِلَالٌ عَلَى غُصْنٍ مِنَ الْبَانِ زَاهِرِ

أَوَائِلُهُ مُهْتَزَّةٌ بِالْأَوَاخِرِ

يُؤَمِّنُ الْعُشَّاقَ حَتَّى كَأَنَّمَا

مَحَاسِنُهُ يَخْطُبْنَ فَوْقَ الْمَنَابِرِ

سَمِيُّ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنُ خَلِيلِهِ

لَوَاحِظُهُ يُبْدِينَ مَا فِي الضَّمَائِرِ

يَسُوقُ الْمَنَايَا طَرْفُهُ فَكَأَنَّمَا

بِرَاحَةِ كَفَّيْهِ زِمَامُ الْمَقَادِرِ

ص: 164

339 -

حَدَّثَنَا طَاهَرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نِزَارٍ الْأَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ الْكُوفِيِّ قَالَ: إِنِّي أَظُنُّهُ ابْنَ يُونُسَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ قَالَ:«قُسِمَ الْحُسْنُ نِصْفَيْنِ، فَبَيْنَ سَارَةَ وَيُوسُفَ نِصْفُ الْحُسْنِ، وَنِصْفُ الْحُسْنِ بَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ»

ص: 165

340 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ الْمُخَرِّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ: اثْنَتَيْنِ فِي اللَّهِ، وَوَاحِدَةً فِي نَفْسِهِ " قَالَ: " كَسَرَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام آلِهَتَهُمْ وَتَرَكَ كَبِيرَهُمْ لَمْ يَكْسِرْهُ، قَالُوا: أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ، هُوَ الَّذِي لَمْ يَكْسِرْهُ، فَاسْأَلُوا هَؤُلَاءِ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِهِمْ، وَقَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ، هَاتَانِ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام يَسِيرُ إِذْ دَخَلَ بِلَادَ جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَرَأَى حَاجِبُهُ فِي السُّوقِ إِبْرَاهِيمَ وَمَعَهُ سَارَةُ فَأَتَى الْجَبَّارَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِيَ السُّوقِ رَجُلًا وَمَعَهُ امْرَأَةٌ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالَ: فَاذْهَبْ فَادْعُ إِلَيَّ الرَّجُلَ، فَذَهَبَ فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام قَالَ: هِيَ أُخْتِي قَالَ: فَاذْهَبْ، فَابْعَثْ بِهَا إِلَيَّ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ: يَا سَارَةُ، إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ سَأَلَنِي عَنْكِ فَخِفْتُهُ، فَقُلْتُ: هِيَ أُخْتِي، وَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرِي وَغَيْرُكُ، فَلَا تُكَذِّبِينِي عِنْدَهُ قَالَ: وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فَذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا فَأُخِذَ، وَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام يُصَلِّي، فَقَالَ لَهَا: ادْعِي لِي وَلَا أُهِيجُكِ، فَدَعَتْ لَهُ فَخُلِّيَ عَنْهُ، فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ أَنْ عَادَ، فَأُخِذَ أَشَدَّ مِنْهَا، فَقَالَ: ادْعِي لِي وَلَا أُهِيجُكِ، فَدَعَتْ لَهُ، فَخُلِّيَ عَنْهُ، فَدَعَى حَاجِبَهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ؛ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ، أَخْرِجْهَا عَنِّي وَأَعْطِهَا هَاجَرَ خَادِمًا قَالَ: فَأَخْرَجَهَا وَأَعْطَاهَا هَاجَرَ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ رَآهَا إِبْرَاهِيمُ

⦗ص: 166⦘

فَانْفَتَلَ إِلَيْهَا فَقَالَ: مَهْيَمْ؟ قَالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيَدَ الْكَافِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَنِي خَادِمًا "

ص: 165

341 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: " فِي قَوْلِهِ عز وجل: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ قَطُّ إِلَّا صَبِيحَ الْوَجْهِ كَرِيمَ الْحَسَبِ، حَسَنَ الصَّوْتِ»

ص: 166

342 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، وَنَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ جَبْرَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ»

ص: 166

343 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كُرَازٍ الْعُقَيْلِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ

⦗ص: 167⦘

صُهْبَانَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ»

ص: 166

344 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: قَالَ الشَّاعِرُ فِي جَبْرَةَ هَذِهِ:

[البحر الكامل]

عُوجِي عَلَيَّ فَسَلِّمِي جَبْرُ

قَبُحَ الصُّدُودُ وَأَنْتُمُ سَفْرُ

مَا نَلْتَقِي إِلَّا غَدَاةَ مِنًى

حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَنَا النَّفْرُ

ص: 167

345 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ لِأَمِيرِهِمْ: «إِذَا بَعَثْتَ إِلَيَّ بَرِيدًا فَاجْعَلْهُ جَسِيمًا وَسِيمًا حَسَنَ الْوَجْهِ»

ص: 167

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبِرَكِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ

⦗ص: 168⦘

، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثٌ يُجَلِّينَ الْبَصَرَ: الْمَاءُ وَالْخُضْرَةُ وَالْوَجْهُ الْحَسَنُ "

ص: 167

346 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عْنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِيٍ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْجِبُهُ النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ»

ص: 168

348 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْفُوظُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: " قَالَ دَاوُدُ عليه السلام: " أَيْ رَبِّ، أَيُّ عِبَادِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ حَسَنُ الصُّورَةِ قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَبْغَضُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: كَافِرٌ حَسَنُ الصُّورَةِ، شَكَرَ هَذَا، وَكَفَرَ هَذَا " وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَنْظُرَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى وَجْهِهِ فِي الْمَرْآةِ، فَإِنْ كَانَ حَسَنًا لَمْ يَشِنْهُ بِفِعْلٍ قَبِيحٍ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ قَبِيحَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: كَفَاكَ مِنَ الْحُسْنِ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَسَنَةِ

ص: 168

349 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: فِي قَوْلِهِ عز وجل

⦗ص: 169⦘

: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72] قَالَ: " الْحُورُ: الْبِيضُ، وَالْمَقْصُورَاتُ: مَقْصُورَاتٌ أَنْفُسَهُنَّ وَعُيُونَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لَا يَبْغِينَ غَيْرَهُمْ فِي خِيَامِ اللُّؤْلُؤِ "

ص: 168

350 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ زِيَادٍ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عُمَرَ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«الْبَيَاضُ نِصْفُ الْحُسْنِ»

ص: 169

351 -

سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى ثَعْلَبَ يُنْشِدُ:

[البحر الطويل]

خُزَاعِيَّةُ الْأَطْرَافِ مُرِّيَةُ الْحَشَى

فَزَارِيَّةُ الْعَيْنَيْنِ طَائِيَّةُ الْفَمِ

وَمَكِّيَّةٌ فِي الطِّيبِ وَالْعِطْرِ كُلِّهِ

تَبَدَّتْ لَنَا بَيْنَ الْمَقَامِ وَزَمْزَمِ

لَهَا خُلُقُ لُقْمَانٍ وَصُورَةُ يُوسُفٍ

وَنِعْمَةُ دَاوُدٍ وَعِفَّةُ مَرْيَمِ

ثُمَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مَا قَالَ، وَصَفَهَا بِهَا بِمَا اسْتَحْسَنَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ "

ص: 169

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكِيمِ، عَنْ

⦗ص: 170⦘

خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أُخْتَ نَائِلَةَ بِنْتِ الْفُرَافِصَةِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً، فَأَخْبِرْنِي عَنْ حَسَبِهَا وَجَمَالِهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا حَسَبُهَا فَإِنَّهَا ابْنَةُ الْفُرَافِصَةِ، وَأَمَّا جَمَالُهَا فَإِنَّهَا بَيْضَاءُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنْ كَانَتْ لَهَا أُخْتٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَدَعَا الْفُرَافِصَةَ، فَقَالَ لَهُ: زَوِّجْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الْفُرَافِصَةُ لِابْنِهِ ضَبٍّ وَكَانَ مُسْلِمًا، وَالْفُرَافِصَةُ نَصْرَانِيٌّ: زَوِّجْ أُخْتَكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَزَوَّجَهُ نَائِلَةَ وَحَمَلَهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَى عُثْمَانَ وَضَعَ الْقَلَنْسُوَةَ عَنْ رَأْسِهِ، وَبَدَا الصَّلَعُ، فَقَالَ: " لَا يَغُمَّنَّكِ مَا تَرَيْنَ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ مَا تُحِبِّينَ، قَالَتْ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صَلَعِكَ فَإِنِّي مِنْ نِسْوَةٍ أَحَبُّ أَزْوَاجِهِنَّ السَّادَّةُ الصُّلْعُ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِمَّا أَنْ تَتَحَوَّلِي إِلَيَّ أَوْ أَتَحَوَّلَ إِلَيْكِ، قَالَتْ: فَمَا قُطِعَتْ مِنْ جَنَبَاتِ السَّمَاوَاتِ أَبْعَدُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. فَتَحَوَّلَتْ إِلَيْهِ فَكَانَتْ مِنْ أَحْظَى نِسَائِهِ عِنْدَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ قَالَتْ فِيهِ:

[البحر الطويل]

أَلَا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ

قَتِيلُ النَّجِيبِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنْ مِصْرِ

وَمَالِيَ لَا أَبْكِي وَأَبْكِي وَإِنَّنِي

وَقَدْ غُيِّبَتْ عَنِّي فُضُولُ أَبِي عَمْرِو

ص: 169

352 -

حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بَنَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ الدَّقَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ النَّخَعِيُّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " كَانَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَهُ عَلَى الْبَابِ فَخَرَجَ يُرِيدُهُمْ، وَفِي الدَّارِ رَكْوَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي الْمَاءِ وَيَسْرِي شَعْرَهُ وَلِحْيَتَهُ

⦗ص: 171⦘

، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى إِخْوَانِهِ فَلْيُهَيِّئْ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»

ص: 170

353 -

حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الرَّفَّا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ السَّلَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْعَلَوِيِّينَ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ هَانِئٍ وَهُوَ يُنْشِدُ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ وَأَبُو نُوَاسٍ يُنْشِدُ:

[البحر الكامل]

وَيْلِي عَلَى نُجْلِ الْعُيُو

نِ النَّهْدِ وَالْقَلْبِ الْبُطُونِ

النَّاطِقَاتِ عَنِ الضَّمِيـ

ـرِ لَنَا بِأَلْسِنَةِ الْجُفُونِ

فَقَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ: أَعِدْ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَامَ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَيْلَكَ، أَنْتَ وَحْدَكَ مِنْ هَذَا، بَلْ وَيْلِي أَنَا وَأَنْتَ، وَوَيْلُ ابْنِي هَذَا، وَوَيْلُ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، وَوَيْلُ جِيرَانِنَا كُلِّهِمْ "

ص: 171

354 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ قَالَ لِأَيُّوبَ بْنِ سَلَمَةَ: أَكَانَتِ الثُّرَيَّا كَمَا يَصِفُ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ؟ قَالَ: وَفَوْقَ الصِّفَةِ، كَانَتْ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:

[البحر الخفيف]

حَذَا الْحَجُّ وَالثُّرَيَّا وَمَنْ

بِالْخَيْفِ مِنْ أَجَلِهَا وَمَلْقَى الرِّجَالِ

يَا سُلَيْمَانَ إِنْ تُلَاقِ الثُّرَيَّا

تَلْقَ عَيْشَ الْخُلُودِ قَبْلَ الْهِلَالِ

دُرَّةٌ مِنْ عَقَائِلِ الْبَحْرِ بِكْرٌ

لَمْ تَشِنْهَا مَثَاقِبُ اللِّآلِ

⦗ص: 172⦘

يُضْعُفُ الْمِيزَرُ السِّحَامُ مِنَ الْخَزِّ

عَلَى حَقْوٍ بِأُذْنِ مِكْسَالِ

ص: 171

355 -

حَدَّثَنِي يَمُوتُ بْنُ الْمُزَرِّعِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ شَجَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: " أَتَيْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْمُطَّلِبِ أَسْأَلُهُ عَنْ بَيْعَةِ الْجِنِّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَسْجِدِ الْأَحْزَابِ، مَا كَانَ بُدُوُّهَا؟ فَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِيًا، وَقَدْ رَجَلَ رِجْلَيْهِ يُرَادِفُ بِإِصْبَعَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَتَغَنَّى:

[البحر الطويل]

فَمَا رَوْضَةٌ بِالْحَزْنِ طَيِّبَةِ الثَّرَى

يَمُجُّ النَّدَى حَثْحَاثُهَا وَعَرَارُهَا

بِأَطْيَبَ مِنْ أَرْدَانِ عَزَّةَ مَوْهِنًا

وَقَدْ وُقِدَتْ بِالْمَنْدَلِ الرَّطْبِ نَارُهَا

مِنَ الْخَفِرَاتِ الْبِيضِ لَمْ تَلْقَ شِقْوَةً

وَبِالْحَسَبِ الْمَكْنُونِ ضَافٍ فِخَارُهَا

فَإِنْ بَرَزَتْ كَانَتْ لِعَيْنَيْكَ قُرَّةً

وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ يَهِمْكَ عَارُهَا

فَقُلْتُ: أَتُغَنِّي أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ وَأَنْتَ فِي جَلَالِكَ وَشَرَفِكَ أَمَا وَاللَّهِ لَأَحْدُوَنَّ بِهَا رُكْبَانِ نَجْدٍ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَكْثَرْتَ بِي، وَعَاوَدَ يَتَغَنَّى:

[البحر الطويل]

⦗ص: 173⦘

فَمَا ظَبْيَةٌ أدَمًا خَفَّافَةُ الْحَشَى

تَجُوبُ بِظِلْفَيْهَا مُتُونَ الْحَمَائِلِ

بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ تَقُولُ تَدَلُّلًا

وَأَدْمُعُهَا يَذْرِينَ حَشْوَ الْمَكَاحِلِ

تَمَتَّعْ بِذَا الْيَوْمِ الْقَصِيرِ فَإِنَّهُ

رَهِينٌ بِأَيَّامِ الشُّهُورِ الْأَطَاوِلِ

قَالَ: نَعَمْ، فَنَدِمْتُ عَلَى قُولِي، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، أَتُحَدِّثُنِي فِي هَذَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَشْعَبُ يُغَنِّيهِ:

مُغيرِيَةٌ كَالْبَدْرِ سِنَةٌ وَجْهُهَا

مُطَهَّرَةُ الْأَثْوَابِ وَالْعِرْضُ وَافِرُ

لَهَا حَسَبٌ زَاكٍ وَعِرْضٌ مُهَذَّبٌ

وَعَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ مِنَ الْأَمْرِ زَاجِرُ

مِنَ الْخَفِرَاتِ الْبِيضِ لَمْ تَلْقَ رِيبَةً

وَلَمْ يَسْتَمِلْهَا عَنْ تُقَى اللَّهِ شَاعِرُ

فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: زِدْنِي، فَغَنَّاهُ:

أَلَمَّتْ بِنَا وَاللَّيْلُ دَاجٍ كَأَنَّهُ

جَنَاحُ غُرَابٍ عَنْهُ قَدْ نَفَّضَ الْقَطْرَا

فَقُلْتُ: أَعَطَّارٌ ثَوَى فِي رِحَالِنَا

وَمَا احْتَمَلَتْ لَيْلَى سِوَى طِيبِهَا عِطْرَا

فَقَالَ سَالِمٌ: وَاللَّهِ لَوْلَا تَدَاوَلَهُ الرُّوَاةُ لَأَجْزَلْتُ جَائِزَتَكَ، فَإِنَّكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ بِمَكَانٍ "

ص: 172

356 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه:«أَنَّ رَجُلًا، وَشَمَ غُلَامًا لَهُ فِي وَجْهِهِ فَأَعْتَقَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام»

ص: 174

357 -

حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ:«كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ عَيْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ الشِّرَاكِ مِنَ الدُّمُوعِ»

ص: 174

‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ تَغْيِيرِ الْوَجْهِ وَإِشَانَتِهِ إِلَّا مَا أَثَّرَهُ الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عز وجل

ص: 177

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْأَجَلُّ الْإِمَامُ الْعَالِمُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَلِيٍّ الْغَزْنَوِيُّ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بِجَامِعِ الْقَاهِرَةِ، فِي مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْكَرَمِ الْمُبَارَكُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الشَّهْرَزُورِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شُهُورِ سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرِ بْنِ خَمِيسٍ الْمَوْصِلِيُّ رضي الله عنه إِذنًا قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَتَا الْحَاجِبُ الْجَلِيلُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَّافُ قَالَ: ابْنُ خَمِيسٍ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَالْمُبَارَكُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ قَالَ:

358 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيَّ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ رَجُلًا قَدْ أَثَّرَ بِجَبْهَتِهِ السُّجُودُ فَقَالَ لَهُ: لَا تُقَلِّبْ صُورَتَكَ "

ص: 177

359 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ

⦗ص: 178⦘

بْنُ عُمَرَ: «صُورَةُ الرَّجُلِ وَجْهُهُ، فَلَا يَشِينَنَّ أَحَدُكُمْ صُورَتَهُ»

ص: 177

360 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ»

ص: 178

361 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَرْبِ الصُّورَةِ»

ص: 178

362 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَشْمِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ»

ص: 178

363 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيْوَةَ شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: بَلَغَنِي عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَطْمِ خُدُودِ النِّسَاءِ وَعَنْ جَزْعِ الْأَنْفِ»

ص: 179

364 -

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْخَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ:«رَأَيْتُ بِعَيْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ أَثَرَيْنِ أَسْوَدَيْنِ مِنَ الْبُكَاءِ»

ص: 179

365 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُكْنَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَابِدُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْغَنَوِيُّ قَالَ: " سَجَدَ مُرَّةُ الْهَمَذَانِيُّ حَتَّى أَكَلَ التُّرَابُ جَبْهَتَهُ، فَلَمَّا مَاتَ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ مَوْضِعَ سُجُودِهِ كَهَيْئَةِ الْكَوْكَبِ الَّذِي يَلْمَعُ قَالَ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى بِوَجْهِكَ؟ قَالَ: كُسِيَ مَوْضِعُ السُّجُودِ مَا أَكَلَ التُّرَابُ نُورًا، قُلْتُ: فَمَا مَنْزِلَتُكَ فِي الْآخِرَةِ؟ قَالَ: خَيْرُ مَنْزِلٍ، دَارٌ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا أَهْلَهَا وَلَا يَمُوتُونَ "

ص: 179

‌بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الِاقْتِصَادِ فِي الْحُبِّ وَيُكْرَهُ مِنَ الْإِفْرَاطِ فِيهِ

ص: 180

366 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الْأَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحِبَّ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا»

ص: 180

368 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ عَبَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مِنْهَالُ بْنُ جَرَادٍ السَّرَّاجُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: «عَلَيْكَ بِإِخْوَانِ الصِّدْقِ فَكُنْ فِي اكْتِسَابِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ زَيْنٌ فِي الرَّخَاءِ وَعِزَّةٌ عِنْدَ الْبَلَاءِ»

ص: 180

369 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ عَبَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ الْأَعْرَجُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ»

ص: 181

370 -

حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ:«لَا يَكُنُ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ صَلَفًا»

ص: 181

371 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الْوَزَّانُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحِبَّ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا»

ص: 181

372 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ

⦗ص: 182⦘

عَنْهُ قَالَ: " يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ: مُحِبٌّ مُطْرٍ، وَمُبْغِضٌ مُفْتَرٍ "

ص: 181

373 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ انْقِلَابًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلْيًا»

ص: 182

374 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَنْبَسَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَلَمْ يُدْخِلْ بَيْنَهُمَا غُنَيْمُ بْنُ قَيْسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ رِيشَةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ»

ص: 182

‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّفَاقِ وَالتَّصَنُّعِ بِالْوُدِّ

ص: 183

375 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا»

ص: 183

376 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ ذَا لِسَانَيْنِ فِي الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ لِسَانَيْنِ مِنْ نَارٍ»

ص: 183

377 -

حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو قَالَ:" سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رضي الله عنه: أَبَقِيَ نِفَاقٌ؟ قَالَ: لَوْلَاهُمْ لَاسْتَوْحَشْتُمْ "

ص: 183

378 -

أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 184⦘

وَلَيْسَ أَخِي مَنْ وَدَّنِي بِلِسَانِهِ

وَفِي الصَّدْرِ ضِدٌّ لِلَّذِي أَظْهَرَ اللَّفْظُ

فَإِنْ تَكُ ضَيَّعْتَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا

بِلَا زَلَّةٍ كَانَتْ، فَعِنْدِي لَهَا حِفْظُ

ص: 183

379 -

أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ أَيْضًا:

[البحر المتقارب]

أَيَا مَنْ تَصَنَّعَ لِي بِاللِّسَانِ

وَأَظْهَرَ عَطْفًا وَبِرَّا وَلِينَا

أَمَا وَالَّذِي أَنَا عَبْدٌ لَهُ

يَمِينًا وَمَا لَكَ أُبْدِي الْيَمِينَا

لَئِنْ كُنْتَ أَوْطَأْتَنِي عَشْوَةً

لَقَدْ كُنْتُ أَوْطَأْتُكَ الصِّدْقَ حِينَا

وَمَا كُنْتُ إِلَّا كَذِي شَهْوَةٍ

تَنَاوَلَ غَثًّا وَأَعْطَى سَمِينَا

فَعِشْ مَا بُدَّ لَكَ حَتَّى تَرَى

لَكَ الدَّهْرَ مِثْلِي أَخًا أَوْحَدِينَا

ص: 184

380 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر الطويل]

أَيَا رُبَّ مَنْ يُخْفِي الْعَدَاوَةَ صَدْرُهُ

وَتُظْهِرُ عَيْنَاهُ الَّذِي كَانَ يَكْتُمُ

إِذَا مَا رَآنِي مُقْبِلًا قَالَ: مَرْحَبًا

وَفِي عَيْنِهِ وَالصَّدْرِ صَابٍ وَعَلْقَمُ

ص: 184

381 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " لَا يَكُونَنَّ أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً، قَالُوا: وَمَا الْإِمَّعَةُ؟ قَالَ: يَجْرِي مَعَ كُلِّ رِيحٍ "

ص: 184

382 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ أَبِي حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ

⦗ص: 185⦘

بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: «النِّفَاقُ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا يُخْفُونَهُ، وَهَؤُلَاءِ يُظْهِرُونَهُ»

ص: 184

383 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ:

[البحر الكامل]

ذَهَبَ الْوَفَاءُ ذَهَابَ أَمْسِ الذَّاهِبِ

فَالنَّاسُ بَيْنَ مُخَاتِلٍ وَمُؤَارِبِ

يُفْشُونَ بَيْنَهُمُ الْمَوَدَّةَ وَالصَّفَا

وَقُلُوبُهُمْ مَحْشُوَّةٌ بِعَقَارِبِ

ص: 185

384 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ وَهَوَى جَارِيَةً فَكَتَبَ إِلَيْهَا: " إِنَّكِ إِنْ جَفَوْتِنِي آثَرْتُ بِقَلْبِي غَيْرَكِ، وَإِنْ طَاوَعْتِنِي كَانَ قَلْبِي لَكِ سَكَنًا، فَكَتَبَتْ إِلَيْهِ: إِنَّ الْحُبَّ إِذَا رَسَخَ فِي الْقَلْبِ لَمْ يُزِلْهُ الْخَيَالُ، وَلَكِنَّكَ مُتَصَنِّعٌ، فَطَالِبْ نَفْسَكَ بِصِدْقِ الْمُحِبِّ تَبْلُغْ مِنِّي الْأَمَلَ، وَتَعِشْ حَمِيدًا وَتَمُتْ شَهِيدًا "

ص: 185

385 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر الطويل]

تُكَاشِرُنِي كَرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ

وَعَيْنُكَ تُبْدِي أَنَّ قَلْبَكَ لِي دَوِي

لِسَانُكَ لِي حُلْوٌ وَعَيْنُكَ عَلْقَمٌ

وَشَرُّكَ مَبْسُوطٌ وَخَيْرِي مُلْتَوِي

ص: 185

386 -

وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ، يُنْشِدُ:

[البحر الطويل]

إِذَا خُنْتُمْ بِالْغَيْبِ وُدِّي فَمَا لَكُمْ

تُدِلُّونَ إِدْلَالَ الْمُقِيمِ عَلَى الْعَهْدِ

صِلُوا وَافْعَلُوا فِعْلَ الْمُدِلِّ بِوَصْلِهِ

وَإِلَّا فَصُدُّوا وَافْعَلُوا فِعْلَ ذِي الصَّدِّ

ص: 185

387 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ قَالَ: قَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَإِذَا لَقِيتَ الْمُؤْمِنَ فَخَالِصْهُ، وَإِذَا لَقِيتَ الْفَاجِرَ فَخَالِفْهُ»

ص: 186

388 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ لِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ:

[البحر الكامل]

النَّاسُ يَخْدَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضَا

مَحَضُوا التَّخَادُعَ بَيْنَهُمْ مَحْضَا

فَلَقَلَّ مَا تَلْقَى بِهَا أَحَدًا

مُتَنَزِّهًا يَحْمِي لَهُ عِرْضَا

أَلْبِسْ جَمِيعَ النَّاسِ مُحْتَمِلًا

لِلْعَالَمِينَ وَكُنْ لَهُمْ أَرْضَا

فَلَئِنْ غَضِبْتَ لِكُلِّ حَادِثَةٍ

تُرْمَى بِهَا فَلَقَلَّ مَا تَرْضَا

ص: 186

389 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

ص: 186

390 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ، عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ وَجِيهًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

ص: 187

391 -

حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُضَاءٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ فُرَافِصَةَ، عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ظَهَرَ الْقَوْلُ، وَخُزِنَ الْعَمَلُ، وَائْتُلِفَتِ الْأَلْسُنُ، وَتَبَاغَضَتِ الْقُلُوبُ، وَقَطَعَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ رَحِمَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ»

ص: 187

392 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ حَاتِمٍ الْعَنَزِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَمْرٍو الصَّنْعَانِيُّ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَيُبْغِضُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الْبَغْضَاءَ لِإِخْوَانِهِمْ فِي صُدُورِهِمْ، فَإِذَا لَقُوهُمْ تَخَلَّقُوا لَهُمْ»

ص: 187

‌بَابُ ذِكْرِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوُدِّ

ص: 188

393 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْفِلَسْطِينِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَوَفَاءِ الْعَهْدِ، وَبَذْلِ السَّلَامِ»

ص: 188

394 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَضَى أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُقْسَمَ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ قَالَ: فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ كَذَا وَكَذَا إِلَّا عَمْرَو بْنَ سُعْدَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ كَانَ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالْوَفَاءِ، وَيَنْهَى عَنِ الْغَدْرِ، فَلِذَلِكَ نَجَا»

ص: 188

395 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، سَمِعَ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ يَقُولُ:" ثَلَاثٌ تُؤَدَّى إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ: الرَّحِمُ تَصِلُهَا بَرَّةً كَانَتْ أَوْ فَاجِرَةً، وَالْعَهْدُ تَفِي بِهِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْأَمَانَةُ تُؤَدِّيهَا إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ "

ص: 188

396 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو مُوسَى عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ

⦗ص: 189⦘

مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَكَفِّي فِي كَفِّهِ، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ يَحْمِلُ امْرَأَةً كَأَنَّهَا مَهَاةٌ يَطُوفُ بِهَا يَقُولُ:

[البحر الرجز]

صِرْتُ لِهَذِي جَمَلًا ذَلُولَا

مُوَطَّأً أَتْبَعُ السُّهُولَا

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: " مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، امْرَأَتِي قَالَ: وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ لَقَدْ جَازَيْتَهَا، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ لَحَمْقَاءُ مُرْعَامَةُ، أَكُولُ قُمَامَةٍ، مَشُومَةُ الْهَامَةِ، مَا تُبْقِي لَهَا حَامَةً قَالَ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا يَا أَعْرَابِيُّ؟ قَالَ: حَسَنًا فَلَا تُفْرَكْ وَأُمُّ عِيَالٍ فَلَا تُتْرَكْ، فَقَالَ: شَأْنَكَ بِهَا " وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُعَاقِبَ وَادَّا وَإِنْ أَغْضَبَتْهُ ذُنُوبُهُ وَاضْطَرَّتْهُ إِلَى الْمَوْجِدَةِ أَجْرَامُهُ، فَإِنَّ خَلِقَ الْوَادِّ خَيْرٌ مِنْ جَدِيدِ غَيْرِهِ

ص: 188

397 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيُّ قَالَ: " خَرَجْتُ إِلَى الْمِرْبَدِ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا أَنَا بِأَعْرَابِيٍّ عَالِمٍ، فَمِلْتُ إِلَيْهِ لِأَقْتَبِسَ مِنْ عِلْمِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَعْرَابِيُّ، حَدِّثْنِي بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ضَلَّتْ إِبِلِي مِنْ أَرْنَبَ خَرَجَ فِي وَجْهِهَا لَيْلًا إِلَى بِلَادِ عُذْرَةَ، فَإِذَا بَيْتٌ مُنْتَبَذٌ عَنِ الْأَخْبِيَةِ، لَيْسَ فِيهِ رُؤْيَةُ أَنِيسٍ، وَإِذَا عَلَى بَابِهِ جُوَيْرِيَةٌ كَاشِفَةٌ وَجْهَهَا، كَأَنَّ وَجْهَهَا سَيْفٌ صَقِيلٌ، فَلَمَّا رَأَتْنِي مُتَأَمِّلًا لَهَا أَرْخَتِ الْبُرْقُعَ

⦗ص: 190⦘

وَقَالَتْ: يَا عَمُّ، انْزِلْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ قُدَّامِي لَبَنًا أَوْ مَاءً قَالَ: فَأَنَخْتُ وَنَزَلْتُ قَالَتْ: مَا تَشَاءُ؟ قُلْتُ: لَبَنًا، فَوَلَّتْ كَأَنَّهَا قَضِيبٌ يَنْثَنِي، فَأَخْرَجَتْ عُلْبَةً مَمْلُوءَةً لَبَنًا فَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ ثُمَّ اسْتَلْقَيْتُ، وَأَتَتْ فِي اسْتِلْقَائِي، فَقَالَتْ: يَا عَمُّ، إِنِّي لَأَرَاكَ تَعِبًا، فَمَا الَّذِي أَتْعَبَكَ؟ فَقُلْتُ: يَا حَبِيبَتِي، ضَلَّتْ إِبِلِي مِنْ ثَلَاثٍ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهَا، فَقَالَتْ: يَا عَمُّ، هَلْ لَكَ فِي أَنْ أَدُلَّكَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهَا؟ فَقُلْتُ: إِي وَاللَّهِ، وَتَتَّخِذِي بِذَلِكَ عِنْدِي يَدًا، فَقَالَتْ: سَلِ الَّذِي أَعْطَاكَ سُؤَالَ يَقِينٍ لَا سُؤَالَ اخْتِبَارٍ، فَقُلْتُ: يَا حَبِيبَةُ، هَلْ لَكِ مِنْ بَعْلٍ؟ قَالَتْ: قَدْ كَانَ فَدُعِيَ إِلَى مَا مِنْهُ خُلِقَ، فَقُلْتُ: فَهَلْ لَكِ فِي بَعْلٍ لَا تُذَمُّ خَلَائِقُهُ، وَيَأْمَنُ الْمُعِدُّ بَوَائِقَهُ؟ فَاسْتَعْبَرَتْ بَاكِيَةً، ثُمَّ قَالَتْ:

[البحر الطويل]

كُنَّا كَغُصْنَيْنِ فِي عُودٍ غِذَاؤُهُمَا

مَاءُ الْجَدَاوِلِ فِي رَوْضَاتِ جَنَّاتِ

فَاجْتَثَّ خَيْرَهُمَا مِنْ جَنْبِ صَاحِبِهِ

دَهْرٌ يَكِرُّ بِرَوْعَاتٍ وَبَرْحَاتِ

وَكَانَ عَاهَدَنِي إِنْ خَانَنِي زَمَنٌ

أَلَّا يُضَاجِعَ أُنْثَى بَعْدَ مَثْوَاتِ

وَكُنْتُ عَاهَدْتُهُ أَيْضًا فَعَاجَلَهُ

رَيْبُ الْمَنُونِ قَرِيبًا مُذْ سِنِيَّاتِ

فَاصْرِفْ عَنَانَكَ عَنْ مَنْ لَيْسَ يَصْرِفُهَا

عَنِ الْوَفَاءِ خِلَابٌ فِي التَّحِيَّاتِ

قَالَ: ثُمَّ جَهِدْتُ بِهَا أَنْ تُرِيَنِي الطَّرِيقَ أَوْ تُكَلِّمَنِي فَأَبَتْ "

ص: 189

398 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: أَنْشُدُ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ قَوْلَ قَيْسِ بْنِ ذُرَيْحٍ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 191⦘

تَعَلَّقَ رُوحِي رُوحَهَا قَبْلَ خَلْقِنَا

وَمِنْ بَعْدِ مَا كُنَّا نِطَافًا وَفِي الْمَهْدِ

فَزَادَ كَمَا زِدْنَا فَأَصْبَحَ نَامِيًا

فَلَيْسَ وَإِنْ مِتْنَا بِمُنْفَصِمِ الْعَهْدِ

وَلَكِنَّهُ باقٍ عَلَى كُلِّ حَادِثٍ

وَزَائِرُنَا فِي ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ

يَكَادُ بَصِيصُ الْمَاءِ يَخْدِشُ جِلْدَهَا

إِذَا اغْتَسَلَتْ بِالْمَاءِ مِنْ رِقَّةِ الْجِلْدِ

فَحَلَفَ أَبُو السَّائِبِ بِاللَّهِ لَا يَزَالُ وَيَقُومُ وَيَقْعُدُ حَتَّى يَحْفَظَ الْأَبْيَاتِ "

ص: 190

399 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَرَّ لَيْلَةً وَهُوَ يَحْرُسُ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ:

[البحر الطويل]

تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاخْضَلَّ جَانِبُهْ

وَأَرَّقَنِي إِذْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهْ

وَأُقْسِمُ لَوْلَا اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرَهُ

لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ

أُرَاقِبُ رَبِّي وَالْحَيَاءُ يَكُفُّنِي

وَأُكْرِمُ زَوْجِي أَنْ تُرَامَ مَرَاكِبُهْ

ثُمَّ تَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاءَ، ثُمَّ قَالَتْ: لَأَهْوَنُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَا لَقِيتُ

⦗ص: 192⦘

اللَّيْلَةَ. فَسَأَلَ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ مُغِيبَةٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ ثُمَّ أَذِنَ لِزَوْجِهَا فَقَدِمَ عَلَيْهَا "

ص: 191

400 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه إِذَا أَمْسَى أَخَذَ دِرَّتَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ أَنْكَرَهُ، فَخَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا بِامْرَأَةٍ عَلَى سَطْحٍ وَهِيَ تُغَنِّي. قَالَ جَرِيرٌ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ غَيْرِ يَعْلَى:

[البحر الطويل]

تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاخْضَلَّ جَانِبُهْ

وَأَرَّقَنِي أَلَّا خَلِيلَ أُلَاعِبُهْ

فَلَوْلَا إِلَهِي وَالتُّقَى خَشْيَةَ الرَّدَى

لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ

قَالَ: ثُمَّ عَادَ إِلَى حَدِيثِ يَعْلَى: فَضَرَبَ بَابَ الدَّارِ، فَقَالَتْ: وَمَنْ هَذَا الَّذِي يَأْتِي بَابَ امْرَأَةٍ مَغِيبَةٍ هَذِهِ السَّاعَةَ يَسْتَفْتِحُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: افْتَحِي، فَجَعَلَتْ تَأْبَى، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهَا قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَبَرُكَ لَعَاقَبَكَ، فَلَمَّا رَأَى عَفَافَهَا قَالَ: افْتَحِي؛ فَأَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَذَبْتَ، مَا أَنْتَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ وَجَاهَرَهَا، فَعَرَفَتْ أَنَّهُ هُوَ، فَفَتَحَتْ لَهُ، فَقَالَ: هِيهِ، كَيْفَ قُلْتِ؟ فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ مَا قَالَتْ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكِ بَدَأْتِ بِالْإِلَهِ وَثَنَّيْتِ بِهِ وَثَلَّثْتِ بِهِ لَأَوْجَعْتُكِ ضَرْبًا، أَيْنَ زَوْجُكِ؟ قَالَتْ: فِي بَعْثِ كَذَا كَذَا، فَبَعَثَ إِلَى عَامَلِ ذَلِكَ الْجُنْدِ أَنْ سَرِّحْ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: يَقُولُونَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ أُمُّ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ "

ص: 192

401 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَرَجِ الرِّيَاشِيُّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ: " خَرَجْتُ فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ لِي، فَبَيْنَمَا أَنَا أَدُورُ فِي أَرْضِ بَنِي عُذْرَةَ أَنْشُدُ

⦗ص: 193⦘

ضَالَّتِي إِذْ أَتَيْتُ مُعْتَزَلًا مُعْتَزِلًا عَنِ الْبُيُوتِ، وَإِذَا فِي كِسْرِ الْبَيْتِ فَتًى شَابٌّ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ عَجُوزٌ لَهَا بَقِيَّةٌ مِنْ جَمَالٍ شَاهِيَةٌ تَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّتِ السَّلَامَ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ ضَالَّتِي فَلَمْ يَكُ عِنْدَهَا مِنْهَا عِلْمٌ، فَقُلْتُ لَهَا: أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ، مَنْ هَذَا الْفَتَى؟ قَالَتِ: ابْنِي، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ لَكَ فِي أَجْرٍ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ الْأَجْرَ وَإِنْ رَزِيتُ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنِي هَذَا يَهْوَى ابْنَةَ عَمٍّ لَهُ، وَكَانَ عَلِقَهَا وَهُمَا صَغِيرَانِ، فَلَمَّا كَبِرَتْ حُجِبَتْ عَنْهُ فَأَخَذَهُ شَبِيهٌ بِالْجُنُونِ، ثُمَّ خَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا فَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهِ، وَخَطَبَهَا غَيْرُهُ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، فَنَحِلَ جِسْمُ وَلَدِي وَاصْفَرَّ لَوْنُهُ وَذَهِلَ عَقْلُهُ، فَلَمَّا كَانَ مُذْ خَمْسٍ زُفَّتْ إِلَى زَوْجِهَا، فَهُوَ كَمَا تَرَى، لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، مُغْمًى عَلَيْهِ، فَلَوْ نَزَلْتَ إِلَيْهِ فَوَعَظْتَهُ قَالَ: فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ، فَلَمْ أَدَعْ شَيْئًا مِنَ الْمَوَاعِظِ إِلَّا وَعَظْتُهُ حَتَّى إِنِّي قُلْتُ فِيمَا أَقُولُ: إِنَّهُنَّ الْغَوَانِي صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ، النَّاقِضَاتُ الْعَهْدِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِنَّ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:

[البحر الطويل]

هَلْ وَصْلُ عَزَّةَ إِلَّا وَصْلُ غَانِيَةٍ

فِي وَصْلِ غَانِيَةٍ عَنْ وَصْلِهَا خُلْفُ

⦗ص: 194⦘

قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ كَالْمُغْضَبِ، وَهُوَ يَقُولُ: كُثَيِّرُ عَزَّةَ إِنَّ كُثَيِّرَ رَجُلٌ مَايِقٌ، وَأَنَا رَجُلٌ مَايِقٌ، وَلَكِنِّي كَأَخِي تَمِيمٍ حَيْثُ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

أَلَا لَا يَضُرُّ الْحُبَّ مَا كَانَ ظَاهِرًا

وَلَكِنَّ مَا احْتَافَ الْفُؤَادُ يَضِيرُ

أَلَا قَاتَلَ اللَّهُ الْهَوَى كَيْفَ قَادَنِي

كَمَا قِيدِ مَغْلُولُ الْيَدَيْنِ أَسِيرُ

فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أُصِيبِ مِنْكُمْ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَذْكُرْ مُصَابَهُ بِي» . فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الوافر]

أَلَا مَا لِلْمَلِيحَةِ لَمْ تَعُدْنِي

أَبُخْلٌ بِالْمَلِيحَةِ أَمْ صُدُودُ؟

مَرِضْتُ فَعَادَنِي أَهْلِي جَمِيعًا

فَمَالَكِ لَمْ تُرَ فِيمَنْ يَعُودُ؟

فَقَدْتُكِ بَيْنَهُمْ فَبَلِيتُ شَوْقًا

وَفَقْدُ الْإِلْفِ يَا أَمَلِي شَدِيدُ

وَمَا اسْتَبْطَأْتُ غَيْرَكِ فَاعْلَمِيهِ

وَحَوْلِي مِنْ ذَوِي رَحِمِي عَدِيدُ

وَلَوْ كُنْتِ الْمَرِيضَ لَكُنْتُ أَسْعَى

إِلَيْكِ وَمَا يُهَدِّدُنِي الْوَعِيدُ

قَالَ: ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً وَخَفَتَ فَمَاتَ، فَبَكَتِ الْعَجُوزُ، وَقَالَتْ: فَاضَتْ وَاللَّهِ نَفْسُهُ، فَدَخَلَنِي أَمْرٌ لَمْ يَدْخُلْنِي مِثْلُهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْعَجُوزُ مَا حَلَّ بِي قَالَتْ: يَا فَتًى، لَا تَرْتَاعْ، مَاتَ وَاللَّهِ وَلَدِي بِأَجَلِهِ وَاسْتَرَاحَ مِنْ تَبَارِيحِهِ وَغُصَصِهِ، ثُمَّ

⦗ص: 195⦘

قَالَتْ: هَلْ لَكَ فِي اسْتِكْمَالِ الضَّيْعَةِ، قُلْتُ: قُولِي مَا أَحْبَبْتِ قَالَتْ: تَأْتِي الْبُيُوتَ فَتَنْعَاهُ إِلَيْهِمْ لِيُعَاوِنُونِي عَلَى رَمْسِهِ، فَإِنِّي وَحِيدَةٌ. قَالَ: فَرَكِبْتُ نَحْوَ الْبُيُوتِ فَرَسِي، فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ أَجْمَلِ مَا رَأَيْتُ مِنَ النِّسَاءِ نَاشِرَةٍ شَعْرَهَا حَدِيثَةِ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَقَالَتْ: بِفِيكِ الْحَجَرُ الْمُصْلَتُ، مَنْ تَنْعِي؟ قُلْتُ: أَنْعَى فُلَانًا قَالَتْ: أَوَقَدْ مَاتَ؟ قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ قَدْ مَاتَ قَالَتْ: فَهَلْ سَمِعْتَ لَهُ قَوْلًا؟ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا، إِلَّا شِعْرًا قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ فَأَنْشَدْتُهَا قَوْلَهُ:

أَلَا مَا لِلْمَلِيحَةِ لَمْ تَعُدْنِي

أَبُخْلٌ بِالْمَلِيحَةِ أَمْ صُدُودُ؟

فَاسْتَعْبَرَتْ بَاكِيَةً، وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

عَدَانِي أَنْ أَزُورَكَ يَا مُنَايَا مَعَاشِرُ كُلُّهُمْ بَاغٍ حُسُودُ

أَشَاعُوا مَا عَلِمْتَ مِنَ الدَّوَاهِي

وَعَابُونَا وَمَا فِيهِمْ رَشِيدُ

فَلَّمَا أَنْ ثَوِيتَ الْيَوْمَ لَحْدًا

وَكُلُّ النَّاسِ دُونَهُمُ لُحُودُ

فَلَا طَابَتْ لِيَ الدُّنْيَا فُوَاقًا

وَلَا لَهُمُ وَلَا أَثْرَى الْعَدِيدُ

ثُمَّ شَهِقَتْ شَهْقَةً خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، وَخَرَجَ النِّسَاءُ إِلَيْهَا مِنَ الْبُيُوتِ، وَاضْطَرَبَتْ سَاعَةً وَمَاتَتْ، فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ الْحَيَّ حَتَّى دَفَنْتُهُمَا جَمِيعًا "

ص: 192

402 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرُوسٍ، أَنَّ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ دَخَلَ يَوْمًا بَعْدَ مَوْتِ حَبَابَةَ، وَكَانَ لَهَا عَاشِقًا إِلَى خَزَائِنِهَا وَمَقَاصِيرِهَا، وَطَافَ فِيهَا وَمَعَهُ جَارِيَةٌ مِنْ جَوَارِيهَا، فَتَمَثَّلَتِ الْجَارِيَةُ:

[البحر الطويل]

كَفَى حَزَنًا بِالْوَالِهِ الصَّبِّ أَنْ يَرَىَ

مَنَازِلَ مَنْ يَهْوَى مُعَطَّلَةً صِفْرَا

⦗ص: 196⦘

فَصَاحَ صَيْحَةً وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفِقْ إِلَى أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ هَوَسٌ، فَلَمْ يَزَلْ بَقِيَّةَ لَيْلِهِ بَاكِيًا وَمَنْ عِنْدَهُ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي وَقَدِ انْفَرَدَ فِي بَيْتٍ يَبْكِي عَلَيْهَا جَاءُوا إِلَيْهِ فَوَجَدُوهُ مَيِّتًا "

ص: 195

403 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ دَاوُدَ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: " مَرَرْتُ بِجَارِيَةٍ تَبْكِي عَلَى قَبْرٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ قَوْلِهَا:

[البحر الطويل]

وَإِنِّي لَأَسْتَحْيِيكَ وَالتُّرْبُ بَيْنَنَا

كَمَا كُنْتُ أَسْتَحْيِي وَأَنْتَ تَرَانِي

ص: 196

404 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عُمَرَ، رحمه الله:" مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللَّهِ، لَا تُؤْذِي النَّاسَ وَاجْلِسِي فِي بَيْتِكِ، فَجَلَسَتْ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي نَهَاكِ قَدْ مَاتَ، فَطُوفِي بِالْبَيْتِ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيِّتًا "

ص: 196

405 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: قَالَ الضَّبِّيُّ: " عَشِقَ كَامِلُ بْنُ الْوَضِينِ أَسْمَاءَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ ابْنَةَ عَمِّهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ الْعِشْقُ حَتَّى صَارَ كَالشَّيْءِ الْبَالِي، فَشَكَا أَبُوهُ إِلَى أَبِيهَا مَا نَزَلَ بِهِ لِيُزَوِّجَهَا مِنْهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ كَامِلُ بْنُ الْوَضِينِ، قَالَ: وَإِذَا سَمَّى لَتَسْمَعُ كَلَامِي؟ قِيلَ: نَعَمْ، فَشَهِقَ شَهْقَةً وَقُضِيَ مَكَانَهُ، فَقِيلَ لَهَا: مَاتَ بِغُصَّةِ شَجَنِهِ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَأَمُوتَنَّ بِمِثْلِهَا، وَلَقَدْ كُنْتُ عَلَى زِيَارَتِهِ قَادِرَةً، فَمَنَعَنِي مِنْهَا قُبْحُ ذِكْرِ الرِّيبَةِ، وَمَرِضَتْ، فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهَا الْمَرَضُ قَالَتْ لِأَشْفَقِ نِسَائِهَا عَلَيْهَا: صَوِّرِي لِي مِثَالَهُ؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزُورَهُ قَبْلَ مَوْتِي، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا وَصَلَّتِ الصُّورَةُ اعْتَنَقَتْهَا وَشَهِقَتْ فَقُضِيَتْ، فَطَلَبَ أَبُو الْفَتَى إِلَى أَبِيهَا أَنْ يَدْفِنَهَا بِالْقُرْبِ مِنْ قَبْرِ ابْنِهِ فَفَعَلَ، وَكَتَبَ عَلَى قَبْرَيْهِمَا:

[البحر الطويل]

⦗ص: 197⦘

بِنَفْسِي هُمَا لَمْ يُمَتَّعَا بِهَوَاهِمَا

عَلَى الدَّهْرِ حَتَّى غُيِّبَا فِي الْمَقَابِرِ

أَقَامَا عَلَى غَيْرِ التَّزَاوُرِ بُرْهَةً

فَلَمَّا أُصِيبَا قَرَّبَا بِالتَّزَاوُرِ

فَيَا حُسْنَ قَبْرٍ زَارَ قَبْرًا يُحِبُّهُ

وَيَا زَوْرَةً جَاءَتْ بِرَيْبِ الْمَقَادِرِ

ص: 196

406 -

أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبَّاسٍ الصَّائِغُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ عُذْرَةَ قَالَ: " كَانَ فِينَا فَتًى ظَرِيفٌ غَزِلٌ، وَكَانَ كَثِيرًا يَتَحَدَّثُ إِلَى النِّسَاءِ، فَهَوَى جَارِيَةً مِنَ الْحَيِّ فَرَاسَلَهَا فَأَظْهَرَتْ لَهُ جَفْوَةً، فَوَقَعَ مُضْنًى مُدْنِفًا، وَظَهَرَ أَمْرُهُ وَبِينَتْ دَنَفُهُ، فَلَمْ تَزَلِ النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا يُكَلِّمُونَهَا حَتَّى إِجَابَتْهُ فَصَارَتْ إِلَيْهِ عَائِدَةً وَمُسَلِّمَةً، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا تَحَدَّرَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

أُرِيتُكِ إِنْ مَرَّتْ عَلَيْكِ جَنَازَتِي

تَلُوحُ بِهَا أَيْدٍ طُوَالٍ وَشُرَّعِ

أَمَا تَبْتَغِينَ النَّعْشَ حَتَّى تُسَلِّمِي

عَلَى رَمْسِ مَيْتٍ فِي الْحُفَيْرَةِ مُودَعِ

قَالَ: فَبَكَتْ رَحْمَةً لَهُ وَقَالَتْ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ بَلَغَ بِكَ كُلَّ هَذَا، فَوَاللَّهِ لَأُسَاعِدَنَّكَ، لَأُدَاوِمَنَّ عَلَى وَصْلِكَ، فَهَمِلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

دَنَتْ وَظِلَالُ الْمَوْتِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا

وَمَنَّتْ بِوَصْلٍ حِينَ لَا يَنْفَعُ الْوَصْلُ

ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً خَرَجَتْ نَفْسُهُ، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ تِلْثِمُهُ وَتَبْكِي، فَرُفِعَتْ عَنْهُ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا مَكَثَتْ بَعْدَهُ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَتْ "

ص: 197

407 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ صَخْرٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: " كَانَ بِالْبَصْرَةِ أَخَوَانِ، فَغَدَا

⦗ص: 198⦘

أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَخِيهِ، فَأَرَادَتْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَأُخْبِرَنَّ أَخَاكَ إِذَا قَدِمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى ذَلِكَ، فَدَامَ عَلَى امْتِنَاعِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَخُوهُ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، فَهَجَرَ أَخَاهُ زَمَانًا حَتَّى مَاتَ الْأَخُ، وَنَدِمَتِ الْمَرْأَةُ فَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِالْخَبَرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَكَانَ يَأْتِي قَبْرَ أَخِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيَبْكِي عِنْدَهُ وَيَقُولُ:

[البحر الطويل]

هَجَرْتُكَ فِي طُولِ الْحَيَاةِ وَأَبْتَغِي

وِصَالَكَ لَمَّا صِرْتَ رَمْسًا وَأَعْظُمَا

أَجِدْكَ تَطْوِي الدَّوْمَ لَيْلًا وَلَا تَرَى

عَلَيْكَ لِأَهْلِ الدَّوْمِ أَنْ تَتَكَلَّمَا

وَبِالدَّوْمِ ثَاوٍ لَوْ حَلَلْتَ مَكَانَهُ

فَمُرَّ بِوَادِي الدَّوْمِ حَيًّا وَسَلِّمَا

ص: 197

408 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ الْأَرْمِينِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: " كَانَ أَخَوَانِ مِنْ ثَقِيفٍ مِنْ بَنِي كُنَّةَ بَيْنَهُمَا مِنَ التَّحَابُبِ وَالْإِيثَارِ شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخُوهُ عِنْدَهُ عَدْلُ نَفْسِهِ، وَإِنَّ الْأَكْبَرَ خَرَجَ إِلَى سَفَرٍ لَهُ، وَلَهُ امْرَأَةٌ فَأَوْصَى أَخَاهُ بِحَاجَةِ أَهْلِهِ، بَيْنَمَا الْمُقِيمُ فِي دَارِ الظَّاعِنِ، إِذْ مَرَّتِ امْرَأَةُ أَخِيهِ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ الْبَشَرِ فِي دِرْعٍ تَجُوزُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ قَالَ: فَرَآهَا، فَرَأَى شَيْئًا حَيَّرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ وَلْوَلَتْ، وَوضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَدَخَلَتْ بَيْتًا، وَوَقَعَ حُبُّهَا فِي قَلْبِهِ، فَجَعَلَ يَذُوبُ فَنَحِلَ جِسْمُهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَقَدِمَ أَخُوهُ فَقَالَ: يِا أَخِي، مَالِي أَرَاكَ مُتَغَيِّرًا؟ مَا وَجَعُكَ؟ قَالَ: مِا بِي وَجَعٌ، فَدَعَا

⦗ص: 199⦘

لَهُ الْأَطِبَّاءَ فَلَمْ يَقَعْ أَحَدٌ عَلَى دَائِهِ غَيْرُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، وَكَانَ طَبِيبًا، فَقَالَ: أَرَى عَيْنَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ، وَمَا أَدْرِي مَا هَذَا الْوَجَعُ، وَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا عَاشِقًا قَالَ أَخُوهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَسْأَلُكَ عَنْ وَجَعِ أَخِي وَأَنْتَ تَسْتَهْزِئُ قَالَ: فَمَا فَعَلْتُ، وَسَأَسْقِيهِ شَرَابًا عِنْدِي، فَإِنْ يَكُنْ عَاشِقًا فَسَيَتَبَيَّنُ لَكُمْ، فَأَتَاهُ يَشْرَبُ، فَجَعَلَ يَسْقِيهُ قَلِيلًا قَلِيلًا، فَلَمَّا أَخَذَ الشَّرَابَ مِنْهُ تَهَيَّجَ وَتَكَلَّمَ، وَقَالَ:

[البحر الهزج]

تَهَيَّجَ وَتَهَيَّجَ وَ

حَزِينًا مَا أَكُونَنَّهْ

أَلَمَّا بِي عَلَى الْأَبْيَا

تِ مَنْ خِيفَ نَذْرُهُنَّهْ

غَزَالٌ مَا رَأَيْتُ الْيَوْ

مَ فِي دُورِ بَنِي كُنُّهْ

أَسِيلُ الْخَدِّ مَرْبُوبٌ

وَفِي مَنْطِقِهِ غُنَّهْ

فَقَالَ: أَنْتَ أَطَبُّ الْعَرَبِ، ثُمَّ قَالَ: سَأُعِيدُ لَهُ الشَّرَابَ فَلَعَلَّهُ يُسَمِّي، فأَعَادَ لَهُ الشَّرَابَ، فَقَالَ:

[البحر الخفيف]

أَيُّهَا الْحَيُّ سَلِّمُوا

وَأْرِبُعوا كَيْ تَكَلَّمُوا

خَرَجَتْ مُزْنَةٌ مِنَ الْـ

بَحْرِ رِيًّا تُحَمْحِمُ

وَتُفْضُوا لَبَانَهُ

وَتَحْيَوْا وَتَغْنَمُوا

هِيَ مَا كُنَّتِي وَتَزْ

عُمُ أَنِّي لَهَا حَمُ

قَالَ: فَطَلَّقَ أَخُوهُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ الْمَرِيضُ: عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا إِنْ تَزَوَّجْتُهَا، فَمَاتَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا "

ص: 198

409 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ رُكَيْنٍ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَرَضَ الْحَجَّاجُ سِجْنَهُ يَوْمًا: " فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ: مَا كَانَ جُرْمُكَ؟ فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، أَخَذَنِي عَسَسُ الْأَمِيرِ، وَأَنَا مُخْبِرٌ بِخَبَرِي، فَإِنْ يَكُنِ الْكَذِبُ يُنَجِّي فِالصِّدْقُ أَوْلَى بِالنَّجَاةِ، فَقَالَ: وَمَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَخًا لِفُلَانٍ فَضَرَبَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِ الْبَعْثَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَهْوَانِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولًا أَنْ قَدْ جَاءَنَا كِتَابُ صَاحِبِكَ فَهَلُمَّ لِتَقْرَأَهُ، فَمَضَيْتُ إِلَيْهَا فَجَعَلَتْ تَشْغَلُنِي بِالْحَدِيثِ حَتَّى صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَظْهَرَتْ لِي مَا فِي نَفْسِهَا مِنِّي، وَدَعَتْنِي إِلَى الشَّرِّ فَأَبَيْتُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَأَصِيحَنَّ وَلَأَقُولَنَّ: إِنَّكَ لِصٌّ، فَخِفْتُهَا وَاللَّهِ أَيُّهَا الْأَمِيرُ عَلَى نَفْسِي، فَقُلْتُ: أَمْهِلِي حَتَّى اللَّيْلِ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ وَثِقْتُ بِشِدَّةِ حَرَسِ الْأَمِيرِ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا هَارِبًا، وَكَانَ الْقَتْلُ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ خِيَانَةِ أَخِي، فَلَقِيَنِي عَسَسُ الْأَمِيرِ فَأَخَذُونِي، وَقَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:

[البحر الخفيف]

رُبَّ بَيْضَاءَ بَضَّةٍ ذَاتِ دَلٍّ

قَدْ دَعَتْنِي لِوَصْلِهَا فَأَبَيْتُ

لَمْ يَكُنْ شَأْنِيَ الْعَفَافَ ، وَلَكِنْ

كُنْتُ نَدْمَانَ زَوْجِهَا فَاسْتَحَيْتُ

ص: 200

410 -

وَسَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدَ، يُنْشِدُ:

[البحر الكامل]

وَإِنَّ خَلِيلًا لَمْ يَخُنْكَ وَلَمْ يَزَلْ

عَلَى صَالِحٍ مِنْ وُدِّهِ لَكَرِيمُ

وَإِنَّ خَلِيلًا أَحْدَثَ النَّاسُ سَلْوَةً

لَهُ عَنْ خَلِيلٍ وَامِقٍ لَلَئِيمُ

⦗ص: 201⦘

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ

ص: 200

412 -

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ نَعْلَسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَمِيمٍ، رَجُلٌ مِنْ عُكْلٍ قَالَ: " مَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى قَبْرٍ فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ:

[البحر الخفيف]

يَا قَرِيبَ الْفَنَى بَعِيدَ الْمَآبِ

بِأَبِي أَنْتَ يَا سَلِيبَ الشَّبَابِ

لَمْ تَدَعْ وَجْهَكَ الْمَنِيَّةُ حَتَّى

وَهَبَتْ حُسْنَهُ لِقُبْحِ التُّرَابِ

قَالَ: فَسَأَلْتُهَا عَنْ صَاحِبِ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ: فَتًى سُمِّيتُ لَهُ، فَاخْتَلَسَتْهُ الْأَيَّامُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ أَمْرَنَا، وَوَاللَّهِ لَأَعْقِدَنَّ مَوْتِي بِمَوْتِهِ "

ص: 201

413 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ الزِّيَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمُزَنِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ امْرَأَةً، عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

كَفَى حَزَنًا أَنِّي أَرْوَحُ بِحَدِّهِ

وَأَغْدُو عَلَى قَبْرٍ وَمَنْ فِيهِ لَا يَدْرِي

فَيَا نَفْسُ شُقِّي جَيْبَ عُمْرِكَ عِنْدَهُ

وَلَا تَبْخَلِي بِاللَّهِ يَا نَفْسُ بِالْعُمْرِ

فَمَا كَانَ يَأْبَى أَنْ يَجُودَ بِنَفْسِهِ

لِيُنْقِذَنِي لَوْ كُنْتُ صَاحِبَةَ الْقَبْرِ

فَمَا زَالَتْ تَزُورُ قَبْرَهُ وَتَبْكِيهِ بِهَذَا الشِّعْرِ حَتَّى مَاتَتْ "

ص: 201

414 -

حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُخَرِّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ حُذَافَةَ قَالَ: " رَأَيْتُ بِصَحَارٍ جَارِيَةً قَدْ أَلْصَقَتْ خَدَّهَا بِقَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 202⦘

خَدِّي يَقِيكَ خُشُونَةَ اللَّحْدِ

وَقَلِيلَةٌ لَكَ سَيِّدِي خَدِّي

يَا سَاكِنَ التُّرْبِ الَّذِي بِوَفَاتِهِ

عَمِيَتْ عَلَيَّ مَسَالِكُ الرَّشَدِ

اسْمَعْ فَدَيْتُكَ غَلَّتِي فَلَعَلَّنِي

أَشْفِي بِذَلِكَ غَلَّةَ الْوَجْدِ

قَالَ: فَسَأَلْتُهَا عَنْ صَاحِبِ الْقَبْرِ فَقَالَتْ: فَتًى رَافَقْتُهُ فِي الصِّبَا، وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

كُنَّا كَرُوحِ حَمَامَةٍ فِي أَيْكَةٍ

مُتَنَعِّمِينَ بِصِحَّةٍ وَشَبَابِ

فَعَدَا الزَّمَانُ مُشَتِّتًا بِفِرَاقِهِ

تَعِسَ الزَّمَانُ بِفُرْقَةِ الْأَحْبَابِ

قَالَ: فَبَكَيْتُ لِرِقَّةِ شِعْرِهَا، فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

تَبْكِي عَلَيْهِ وَلَسْتَ تَعْرِفُ أَمْرَهُ

فَلَأُعْلِمَنَّكَ مَالَهُ بِبَيَانِ

مَا كَانَ لِلْعَافِينَ غَيْرَ نَوَالِهِ

فَإِذَا اسْتُجِيرَ فَفَارِسُ الْفُرْسَانِ

لَا يُتْبِعُ الْجِيرَانَ رِيبَةَ طَرْفِهِ

وَيُتَابِعُ الْإِحْسَانَ لِلْجِيرَانِ

عَفُّ السَّرِيرَةِ وَالْجَهِيرَةِ مِثْلُهَا

فَإِذَا اسْتُضِيمَ أَرَاكَ سَبْقَ طِعَانِ

فَقُلْتُ: أَعْلِمِينِي مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: سِنَانُ بْنُ وَبَرَةَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِرُ:

يَا رَايِدًا غَيْثًا لِنَجْعَةِ قَوْمِهِ

يَكْفِيكَ مِنْ غَيْثٍ نَوَالُ سِنَانِ

ثُمَّ قَالَتْ: يَا هَذَا، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ غَرِيبٌ مَا مَتَّعْتُكَ مِنْ حَدِيثِي، مَا كَانَ يُجِلُّ عَنِ السَّامِعِينَ، قُلْتُ: فَكَيْفَ كَانَ حُبُّهُ لَكِ؟ قَالَتْ: آلَى أَلَّا يُوَسِّدَنِي إِلَّا يَدَهُ عُمْرَهُ وَعُمُرِي، فَبَقِيتُ مَعَهُ أَرْبَعِينَ أَحْوَالًا، مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي تَوَسَّدْتُ غَيْرَهَا إِلَّا فِي حَالٍ يَمْنَعُهُ مِنِّي مَانِعٌ، وَكَانَ قَلِيلَ الْإِفَاقَةِ مِنْ ذَلِكَ "

ص: 201

415 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيُّ، عَمَّنْ

⦗ص: 203⦘

حَدَّثَهُ قَالَ: " رَأَيْتُ بِالْأُقْحُوَانَةَ امْرَأَةً مُنْحَطَّةً عَلَى قَبْرٍ وَهِيَ تَقُولُ: "

[البحر الطويل]

فَيَا قَبْرُ لَوْ شَفَّعْتَنِي فِيهِ مَرَّةً

وَأَخْرَجْتَهُ مِنْ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ

فَكُنْتُ أَرَى هَلْ غَيَّرَ التُّرْبُ وَجْهَهُ

وَهَلْ غَاثَ دُودُ اللَّحْدِ فِي ذَلِكَ الْخَدِّ

فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ صَاحِبُ الْقَبْرِ مِنْكِ؟ قَالَتْ: ابْنُ عَمٍّ لِي، تَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ غِدَادٌ بِمَاءِ الْحَدَاثَةِ جَذْلَانَ، فَطَفِقَ لَا يَرْوِي مِنِّي وَلَا أَنْهَلُ مِنْهُ، حَتَّى كَانَ الْعَامُ الْمَاضِي، وَغَزَتْنَا سُلَيْمٌ وَلَيْسَ فِي الْحَيِّ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، فَخَرَجَ يَحْمِي وَهُوَ يَقُولُ:

نَعَتْنِي زُبَيْدٌ أَنْ شَكَوْتُ خَلِيلَتِي

طِعَانِي وَكَرِّي مَا إِذَا الْخَيْلُ خَلَّتِي

فَإِنْ مِتُّ فَأَغْرِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ

بِذِكْرِي وَلَا تَنْسَيْ أُمَيْمَةُ خَلَّتِي

فَوَاللَّهِ مَا بَرِحَ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ، قُلْتُ: فَكَمْ سَنَةٌ كَانَتْ لَهُ؟ قَالَتْ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْهُ بِسَنَةٍ، وَلِي بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَاللَّهِ لَا شَمِمْتُ رُوحَ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمِي هَذَا، فَظَنَنْتُهَا هَاذِيَةً، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ جَنَازَةً فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقِيلَ لِي: هَذِهِ الْجَارِيَةُ الَّتِي كَانَتْ تُحَدِّثُكَ بِالْأَمْسِ عِنْدَ الْقَبْرِ عَنْ بَعْلِهَا، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَتْ لِبَعْلِهَا، صَدَقَتْ فِي نَفْسِهَا "

ص: 202

416 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي كَرِيمُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَدَّتِهِ، سَلْمَى ابْنَةِ جَابِرٍ: أَنَّ زَوْجَهَا، اسْتُشْهِدَ فَأَتَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَتْ: اسْتُشْهِدَ زَوْجِي، فَخَطَبَنِي الرِّجَالُ فَأَبَيْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ حَتَّى أَلْقَاهُ، أَفَتَرْجُو أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا وَلَّتْ قِيلَ لَهُ: مَا رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ هَذَا بِامْرَأَةٍ غَيْرِ هَذِهِ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ أُمَّتِي لُحُوقًا بِيَ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْمَسَ»

ص: 203

417 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بِسْطَامٍ الْأَصْفَرُ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الْأَسْوَدِ ابْنَةُ زَيْدٍ الْعَدَوِيَّةُ، وَكَانَتْ، قَدْ أَرْضَعَتْهَا مُعَاذَةُ قَالَتْ: قَالَتْ لِي مُعَاذَةُ: " لَمَّا قُتِلَ أَبُو الصَّهْبَاءِ وَقُتِلَ مَعَهُ وَلَدُهَا قَالَتْ: وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مَحَبَّتِي لِلْبَقَاءِ لِلَذَّةِ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا لِرَوحِ نَسِيمٍ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ أُحِبُّ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ أَبِي الصَّهْبَاءِ لِأَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِالْوَسَائِلِ لِعَلِي يُجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي الصَّهْبَاءِ وَوَلَدِهِ "

ص: 204

418 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ الْعُمَرِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: " رَأَيْتُ جَارِيَةً عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

بِنَفْسِي فَتًى أَوْ بِالْبَرِيَّةِ كُلِّهَا

وَأَقْوَاهُمْ فِي الْمَوْتِ صَبْرًا عَلَى الْحُبِّ

فَقُلْتُ: بِمِرْصَادٍ أَقْوَاهُمْ وَأَوْفَاهُمْ قَالَتْ: هُوَيْنَى، فَكَانَ أَهْلِي إِذَا جَاهَرَ بِحُبِّي لَامُوهُ، وَإِذَا كَتَمَهُ عَنَّفُوهُ، فَلَمَّا أَخَذَهُ الْأَمِيرُ قَالَ بَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ وَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُمَا إِلَى أَنْ مَاتَ. قُلْتُ: مَا هُمَا؟ قَالَتْ: قَوْلُهُ:

يَقُولُونَ إِنْ جَاهَرْتُ: قَدْ عَضَّكَ الْهَوَى

وَإِنْ لَمْ أَبُحْ بِالْحُبِّ قَالُوا: تَصَبَّرَا

فَمَا لِلَّذِي يَهْوَى وَيَكْتُمُ حُبَّهُ

مِنَ الْأَمْرِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ فَيُعْذَرَا

وَاللَّهِ يَا هَذَا، لَا أَبْرَحُ أَوْ يَتَّصِلَ قَبْرَانَا، ثُمَّ شَهِقَتْ شَهْقَةً فَصَاحَ النِّسَاءُ وَقُلْنَ: قَضَتْ وَالَّذِي اخْتَارَ لَهَا الْوَفَاةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَسْرَعَ وَلَا أَوْحَى مِنْ أَمْرِهَا "

ص: 204

419 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام الرَّبَابَ ابْنَةَ

⦗ص: 205⦘

امْرِئِ الْقَيْسِ فَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا كَانَ لَهَا أَشَدَّ حُبًّا قَالَتْ سَكِينَةُ: فَكُنْتُ أَرَى أَبِي يَنْظُرُ فِي وَجْهِهَا مَلِيًّا ثُمَّ يَبْتَسِمُ وَيُقَبِّلُهَا، فَقَالَ فِيهَا ذَاتَ يَوْمٍ:

[البحر الوافر]

لَعَمْرِي إِنَّنِي لَأُحِبُّ دَارًا

تَحِلُّ بِهَا سَكِينَةُ وَالرَّبَابُ

أُحِبُّهُمَا وَأَبْذُلُ فَوْقَ جُهْدِي

وَلَيْسَ لِعَاذِلٍ عِنْدِي عِتَابُ

وَكَانَتْ مَعَهُ يَوْمَ الطَّفِّ فَرَجَعَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ مُصَابَةً مَعَ مَنْ رَجَعَ، فَخَطَبَهَا الْأَشْرَافُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا يَكُونُ لِي حَمْوٌ آخَرَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَاشَتْ بَعْدَهُ سَنَةً لَمْ يُظِلُّهَا سَقْفُ بَيْتٍ حَتَّى بَلِيَتَ وَمَاتَتْ كَمَدًا "

ص: 204

420 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ: " لَمَّا أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ أَهْدَى إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ مِنْ خُرَاسَانَ جَوَارٍ، وَكَانَتْ فِيهِنَّ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: مَحْبُوبَةُ، وَكَانَتْ قَدْ نَشَأَتْ بِالطَّائِفِ، وَكَانَ لَهَا مَوْلًى مُغْرًى بِالْأَدَبِ، فَكَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ عَنْهُ وَرَوَتِ الْأَشْعَارَ، وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ مُعْجَبًا فَغَضِبَ عَلَيْهَا، وَمَنَعَ جَوَارِي الْقَصْرِ مِنْ كَلَامِهَا، فَكَانَتْ فِي حُجْرَتِهَا لَا يُكَلِّمُهَا أَحَدٌ أَيَّامًا فَرَأَتْهُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ قَدْ

⦗ص: 206⦘

صَالَحَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَشَعَرْتَ أَنِّي رَأَيْتُ مَحْبُوبَةَ فِي مَنَامِي قَدْ صَالَحْتُهَا وَصَالَحَتْنِي. فَقُلْتُ: خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذًا يُقِرُّ اللَّهُ عَيْنَكَ وَيَسُرُّكَ، فَوَاللَّهِ، إِنَّا لَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَدِيثِهَا إِذْ جَاءَتْ وَصِيفَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: يَا سَيِّدِي، سَمِعْتُ صَوْتَ عُودٍ مِنْ حُجْرَةِ مَحْبُوبَةَ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: قُمْ بِنَا يَا عَلِيُّ نَنْظُرْ مَا هَذَا الْأَمْرُ، فَنَهَضْنَا حَتَّى أَتَيْنَا حُجْرَتَهَا فَإِذَا هِيَ تَضْرِبُ بِالْعُودِ وَتَقُولُ:

[البحر المنسرح]

أَدُورُ فِي الْقَصْرِ لَا أَرَى أَحَدًا

أَشْكُو إِلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُنِي

حَتَّى كَأَنِّي أَتَيْتُ مَعْصِيَةً

لَيْسَتْ لَهَا تَوْبَةٌ تُخَلِّصُنِي

فَهَلْ شَفِيعٌ لَنَا إِلَى مَلِكٍ

قَدْ زَارَنِي فِي الْكَرَى فَصَالَحَنِي

حَتَّى إِذَا مَا الصَّبَاحُ لَاحَ لَنَا

عَادَ إِلَى هَجْرِهِ فَصَارَمَنِي

قَالَ: فَصَاحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَصِحْتُ مَعَهُ، فَسَمِعَتْ فَتَلَقَّتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَى رِجْلِهِ تُقَبِّلُهَا، فَقَالَتْ: يَا سَيِّدِي، رَأَيْتُكَ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ كَأَنَّكَ قَدْ صَالَحْتَنِي قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ رَأَيْتُكِ، فَرَدَّهَا إِلَى مَرْتَبَتِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْمُتَوَكِّلِ مَا كَانَ تَفَرَّقْنَ وَصِرْنَ إِلَى الْعَوَّادِ وَنَسِينَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَارَتْ مَحْبُوبَةُ إِلَى وَصِيفٍ الْكَبِيرِ، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ لِبَاسُهَا إِلَّا الْبَيَاضَ، وَكَانَتْ تَنْتَحِبُ وَتَشْهَقُ إِلَى أَنْ جَلَسَ وَصِيفٌ يَوْمًا لِلشُّرْبِ وَجَلَسَ الْجَوَارِي اللَّاتِي كُنَّ لِلْمُتَوَكِّلِ يُغَنِّينَهُ، فَمَا تَغَنَّتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ إِلَّا تَغَنَّتْ غَيْرُهَا، وَأَوْمَأَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنْ رَأَى الْأَمِيرُ أَنْ يَعْفِيَنِي، فَأَبَى، فَقَالَ لَهَا الْجَوَارِي: لَوْ كَانَ فِي الْحُزْنِ فَرَجٌ لَحَزِنَّا مَعَكِ، وَجِيءَ بِالْعُودِ فَوُضِعَ فِي حِجْرِهَا فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الخفيف]

أَيُّ عَيْشٍ يَطِيبُ لِي

لَا أَرَى فِيهِ جَعْفَرَا

⦗ص: 207⦘

مَلِكٌ قَدْ رَأَتْهُ عَيْنِي

جَرِيحًا مُعَفَّرَا

كُلُّ مَنْ كَانَ ذَا هُيَامٍ

وَسَقَمٍ فَقَدْ بَرَا

غَيْرَ مَحْبُوبَةَ الَّتِي

لَوْ تَرَى الْمَوْتَ يُشْتَرَى

لَاشْتَرَتْهُ بِمَا حَوَتْـ

ـهُ جَمِيعًا لِتُقْبَرَا

فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى وَصِيفٍ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهَا، فَصَارَتْ إِلَى حَالَةٍ قَبِيحَةٍ وَلَبِسَتِ الصُّوفَ، وَأَخَذَتْ تَرْثِيهِ وَتَبْكِيهِ حَتَّى مَاتَتْ "

ص: 205

421 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ الْمُتَوَكِّلِ يَوْمًا وَالْفَتْحُ جَالِسٌ إِذْ قِيلَ لَهُ: فُلَانٌ النَّخَّاسُ بِالْبَابِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ وَمَعَهُ وَصِيفَةٌ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: " مَا صِنَاعَةُ هَذِهِ؟ قَالَ: تَقْرَأُ بِأَلْحَانٍ. فَقَالَ الْفَتْحُ: اقْرَأِي لَنَا خَمْسَ آيَاتٍ. فَانْدَفَعَتْ تَقُولُ:

[البحر السريع]

قَدْ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ

وَشَقَّ عَنَّا الظُّلْمَةَ الصُّبْحُ

خَدِينُ مُلْكٍ وَرَحَى دَوْلَةٍ

وَهَمُّهُ الْإِشْفَاقُ وَالنُّصْحُ

اللَّيْثُ إِلَّا أَنَّهُ مَاجِدٌ

وَالْغَيْثُ إِلَّا أَنَّهُ سَمْحُ

وَكُلُّ بَابٍ لِلنَّدَى مُغْلَقٌ

فَإِنَّمَا مِفْتَاحُهُ الْفَتْحُ

قَالَ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ دَخَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السُّرُورِ مَا قَامَ إِلَى الْفَتْحِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ، وَوَثَبَ الْفَتْحُ فَقَبَّلَ رِجْلَهُ، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِشِرَائِهَا، وَأَمَرَ بِهَا بِجَائِزَةٍ وَكِسْوَةٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْفَتْحِ، فَكَانَتْ أَحَظَّ جَوَارِيهِ عِنْدَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ الْفَتْحُ رَثَتْهُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:

[البحر المنسرح]

⦗ص: 208⦘

قَدْ قُلْتُ لِلْمَوْتِ حِينَ نَازَلَهُ

وَالْمَوْتُ مِقْدَامُهُ عَلَى الْبَهْمِ

لَوْ قَدْ تَبَيَّنْتَ مَا فَعَلْتَ إِذًا

فَزِعْتَ شَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ نَدَمِ

فَاذْهَبْ بِمَنْ شَنِيتَ إِذْ ذَهَبْتَ بِهِ

مَا بَعْدَ فَتْحٍ لِلْمَوْتِ مِنْ أَلَمِ

وَلَمْ تَزَلْ تَبْكِي وَتَنُوحُ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ " وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَمْ يَرِبِ الْمَوَدَّةُ وَيَزْرَعُ الْمَحَبَّةُ بِمِثْلِ سُكُونِ النَّفْسِ إِلَى النِّعْمَةِ وَالْوَفَاءِ لِأَهْلِ الثِّقَةِ، وَالْمَزِيدِ بِتَعَاهُدِ النِّعْمَةِ وَالشُّكْرِ عَلَيْهَا

ص: 207

422 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:

[البحر البسيط]

لَا وَالَّذِي إِنْ بَكَيْتُ الْيَوْمَ عَاقَبَنِي

وَإِنْ صَدَقْتُ تَلَقَّانِي بِغُفْرَانِي

مَا قَرَّتِ الْعَيْنُ بِالْأَبْدَالِ بَعْدَكُمُ

وَلَا وَجَدْتُ لَذِيذَ النَّوْمِ يَغْشَانِي

إِنِّي وَجَدْتُ بِكُمْ مَا لَمْ يَجِدْ أَحَدٌ

جِنٌّ بِجِنٍّ وَلَا إِنْسٌ بِإِنْسَانِ

ص: 208

423 -

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الرَّقِّيُّ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ حُمَيْدٍ الطُّوسِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ

⦗ص: 209⦘

يَهْوَى جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: ظَلُومٌ، وَكَانَ شَدِيدَ الشَّغَفِ بِهَا، وَكَانَتْ تَجِدُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَجْلِسِهِ وَقَدْ فُرِشَ بِالدِّيبَاجِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْجَوَارِي وَالْمُغَنُّونَ، وَلَيْسَ ظَلُومٌ حَاضِرَةً إِذْ وَجَّهَ بَعْضُ جَوَارِيهِ بِأُتْرُجَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ، فَلَمَّا وُضِعَتْ فِي يَدِهِ شَمَّهَا وَشَرِبَ رِطْلًا وَذَكَرَ ظَلُومًا، فَدَعَا بِوَصِيفٍ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْأُتْرُجَّةَ، وَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِهَذِهِ إِلَى ظَلُومٍ، فَلَمَّا دَفَعَ إِلَيْهَا الْأُتْرُجَّةَ وَأَدَّى الرِّسَالَةَ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى رَحِمَهَا جَمِيعُ مَنْ حَضَرَهَا، وَقَالُوا: إِنَّنَا مَا رَأَيْنَا أَعْجَبَ مِنْكِ، يُوَجِّهُ إِلَيْكِ بِتَحِيَّةٍ فَتَبْكِينَ فَقَالَتْ: أَنَا أَتَغَنَّى بِصَوْتٍ تَعْلَمُونَ مِمَّ بُكَايَ، فَانْدَفَعَتْ تُغَنِّي:

[البحر الكامل]

أَهْدَى لَهُ أَحْبَابُهُ أُتْرُجَّةً

فَبَكَى وَأَشْفَقَ مِنْ عَيَافَةِ زَاجِرِ

خَافَ التَّلَوُّنَ وَالْفِرَاقِ لِأَنَّهَا

لَوْنَانِ بَاطِنُهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ

فَلَمَّا جَاءَ الْغُلَامُ قَالَ: مَا بَطَّأَ بِكَ؟ فَأَعْلَمَهُ أَنَّهَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ مَنْزِلِهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَوْضِعِهَا، فَغَاظَهُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهَا:

[البحر الكامل]

ضَيِّعْتِ عَهْدَ فَتًى لِغَيْبِكِ حَافَظٌ

فِي حِفْظِهِ عَجَبٌ وَفِي تَضْيِيعِكِ

فَصِدْتِ عَنْهُ فَمَا لَهُ مِنْ حِيلَةٍ

إِلَّا الْوُقُوفُ إِلَى أَوَانِ رُجُوعِكِ

إِنْ تَقْتُلِيهِ وَتَذْهَبِي بِحَيَاتِهِ

فَبِحُسْنِ وَجْهِكِ لَا بِحُسْنِ صَنِيعِكِ

وَوَجَّهَ إِلَيْهَا بِالرُّقْعَةِ مَعَ الْغُلَامِ وَأَمَرَهُ أَلَّا يَأْخُذَ لَهَا جَوَابًا، فَلَمَّا دَفَعَ إِلَيْهَا الرُّقْعَةَ قَرَأَتْهَا ثُمَّ بَكَتْ حَتَّى رَحِمَهَا جَمِيعُ مَنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قَالَتْ لِلْغُلَامِ: اسْمَعْ مِنِّي صَوْتًا وَاحْفَظْهُ، وَانْدَفَعَتْ تُغَنِّي:

[البحر الخفيف]

⦗ص: 210⦘

هَلْ لِعَيْنَيَّ إِلَى الرُّقَادِ شَفِيعُ

إِنَّ قَلْبِي مِنَ السِّقَامِ مَرُوعُ

لَا تَرَانِي بَخَلْتَ عَنْكَ بِدَمْعٍ

لَا وَرَوحِ الْحَبِيبِ مَا لِي دُمُوعُ

إِنَّ قَلْبِي إِلَيْكَ صَبٌّ حَزِينٌ

فَاسْتَرَاحَتْ إِلَى الْأَنِينِ الضُّلُوعُ

لَيْسَ فِي الْعَطْفِ يَا مُحَمَّدُ بِدَعٌ

إِنَّمَا كُلُّ مَا أُقَاسِي بَدِيعُ

وَلَمْ تَزَلْ تُرَدِّدُهَا عَلَيْهِ حَتَّى حَفِظَهَا الْغُلَامُ، فَانْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: أَخْبِرْنِي بِجَمِيعِ مَا رَأَيْتَ مِنْهَا، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا، وَغَنَّاهُ الْأَبْيَاتَ فَبَكَا، وَقَالَ: صَدَقَتْ وَاللَّهِ، لَيْسَ فِي الْعَطْفِ عَلَى مِثْلِهَا بِدَعٌ، وَدَعَا بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ وَكَتَبَ إِلَيْهَا أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ، وَكَتَبَ فِي أَسْفَلِ الرُّقْعَةِ:

[البحر البسيط]

أَنْزَلْتِ بِالْقَلْبِ هَمًّا قَدْ أَضَرَّ بِهِ

صَبْرًا عَلَى الْهَمِّ حَتَّى يَنْزِلَ الْفَرَجُ

إِنْ كُنْتِ فِي الشَّكِّ مِمَّا بِي وَقَدْ خَفِيَتْ

بَيْنَ الْجَوَانِحِ بَادِ الْحُبِّ مُذْحِجَجُ

ظَلُومُ فَاسْتَخْبِرِي عَنْ حُبِّكُمْ جَسَدِي

يُخْبِرْكِ أَنِّي نَحِيلٌ هَائِمٌ كَهِجُ

قَالَ: فَلَمَّا قَرَأْتِ الرُّقْعَةَ وَثَبَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا حَتَّى وَافَتْ مَنْزِلَهُ وَقَالَتْ: أَنَا مَمْلُوكَةٌ، وَلَا أَمْلِكُ نَفْسِي، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ فِيَّ حَاجَةٌ فَمُرْ بِشِرَائِي لِأَكُونَ طَوْعَ يَدِكَ، فَاشْتُرِيَتْ لَهُ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ فَكَانَتْ أَعَزَّ جَوَارِيهِ عَلَيْهِ وَأَعْلَاهُنَّ مَرْتَبَةً لَدَيْهِ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ فِي وَقْعَةِ بَابِكٍ فَقُتِلَ، فَلَمَّا بَلَغَهَا قَتْلُهُ جَزَعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا وَجَعَلَتْ تَرْثِيهِ، فَكَانَ مِمَّا قَالَتْ:

[البحر البسيط]

مُحَمَّدُ بْنَ حُمَيْدٍ أُخْلِقَتْ دِمَمُهْ

أُرِيقَ مَاءُ الْمَعَالِي مُذْ أُرِيقَ دَمُهْ

رَأَيْتُهُ بِنِجَادِ السَّيْفِ مُخْتَبِيًا

فِي النَّوْمِ بَدْرًا جَلَّتْ عَنْ وَجْهِهِ ظُلَمُهْ

فِي رَوْضَةٍ قَدْ عَلَا حَافَاتِهَا زَهْرٌ

عَلِمْتُ بَعْدَ انْتِبَاهِي أَنَّهَا نِعَمُهْ

فَقُلْتُ وَالدَّمْعُ مِنْ حُزْنٍ وَمِنْ كَمَدٍ

يَجْرِي انْسِكَابًا عَلَى الْخَدَّيْنِ مُنْسَجَمُهْ

أَلَمْ تَمُتْ يَا شَقِيقَ النَّفْسِ مُذْ زَمَنٍ

فَقَالَ لِي: لَمْ يَمُتْ مَنْ لَمْ يَمُتْ كَرَمُهْ

⦗ص: 211⦘

فَلَمْ تَزَلْ تَرْثِيهِ وَتَبْكِي عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ " قَالَ الْخَرَائِطِيُّ: الشِّعْرُ لِأَبِي تَمَامٍ

ص: 208

‌بَابُ ذِكْرِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَلَى أَحْبَابِهِ

ص: 212

424 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ تَمِيمٍ الْخُزَاعِيُّ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: كَانَ الْحَارِثُ بْنُ الشَّرِيدِ مَفْتُونًا بِعَفْرَاءَ بِنْتِ أَحْمَرَ، فَبَقِيَ سَقِيمًا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّهُ، فَلَمَّا أَجْهَدَهُ الْأَمْرُ كَتَبَ إِلَيْهَا:

[البحر الطويل]

صَبَرْتُ عَلَى كِتْمَانِ حُبِّكِ بُرْهَةً

وَبِي مِنْكِ فِي الْأَحْشَاءِ أَصْدَقُ شَاهِدِ

هُوَ الْمَوْتُ إِنْ لَمْ تَأْتِنِي مِنْكِ رُقْعَةٌ

تَقُومُ لِقَلْبِي فِي مَقَامِ الْعَوَائِدِ

فَكَتَبَتْ إِلَيْهِ:

[البحر الطويل]

كُفِيتَ الَّذِي نَخْشَى وَصِرْتَ إِلَى الْمُنَى

وَنِلْتَ الَّذِي تَهْوَى بِرَغْمِ الْحَوَاسِدِ

وَوَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ يُقَالَ تَظَنُّنًا

بِيَ السُّوءَ مَا جَانَبْتُ فِعْلَ الْعَوَائِدِ

فَلَمَّا وَصَلَّتِ الرُّقْعَةُ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمَّا شَمَّ رَائِحَةَ يَدِهَا وَكَانَتْ مِنْ أَعْطَرِ النِّسَاءِ فِي زَمَانِهَا شَهِقَ شَهْقَةً قَضَى نَحْبَهُ، فَقِيلَ لِعَفْرَاءَ: مَا كَانَ يَضُرُّكِ لَوْ رَوَّحْتِ عَنْ قَلْبِهِ وَأَجَبْتِيهِ بِزَوْرَةٍ؟ قَالَتْ: مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ قَوْلُكُمْ: عَفْرَاءُ قَدْ صَبَتْ إِلَى الْحَارِثِ، وَوَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ نَفْسِي عَلَى أَثَرِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ بِي إِلَّا اللَّهُ عز وجل. فَفَعَلَتْ ذَلِكَ "

ص: 212

425 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ قَالَ: " ضَلَّتْ نَاقَةٌ لِفَتًى مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجَ بَنِي شَيْبَانَ يَنْشُدُهَا فَإِنَّهُ لَكَذَلِكَ بَصُرَ بِجَارِيَةٍ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ حُسْنًا وَجَمَالًا فَعَشِقَهَا عِشْقًا مُبَرِّحًا، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَدْ أَذْهَبَتْ عَقْلُهُ، فَمَا تَمَالَكَ أَنْ رَجَعَ إِلَى حَيِّهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَ اللَّيْلُ قَالَ: لَعَلِّي أُسْكِنُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا بَعْضَ مَا بِي. فَأَتَاهَا وَهِيَ جَالِسَةٌ وَإِخْوَتُهَا نِيَامٌ حَوْلَهَا، فَقَالَ لَهَا: يَا قُرَّةَ عَيْنِي، قَدْ وَاللَّهِ أَذْهَبَ الشَّوْقُ عَقْلِي

⦗ص: 213⦘

وَكَدَّرَ عَلَيَّ عَيْشِي. فَقَالَتْ: امْضِ إِلَى مَالِكَ، وَإِلَّا أَنْبَهْتُ إِخْوَتِي فَقَتَلُوكَ. فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الْقَتْلَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنَ الَّذِي أَنَا فِيهِ. قَالَتْ: وَهَلْ يَكُونُ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا أَنَا فِيهِ مِنْ حُبِّكِ. قَالَتْ لَهُ: فَمَا تَشَاءُ؟ قَالَ: أَمْكِنِينِي مِنْ يَدَيْكِ حَتَّى أَضَعَهَا عَلَى قَلْبِي، وَلَكِ عَهْدُ اللَّهِ أَنِّي أَرْجِعُ. فَفَعَلَتْ. فَرَجَعَ، فَلَمَّا كَانَتْ لِلْقَابِلَةِ عَاوَدَ فَوَجَدَهَا عَلَى مِثْلِ حَالِهَا، فَقَالَتْ لَهُ كَقَوْلِهَا الْأَوَّلِ، فَقَالَ: أَمْكِنِينِي مِنْ شَفَتَيْكِ حَتَّى أَرْشِفَهَا وَأَنْصَرِفَ. فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَقَعَ فِي قَلْبِهَا مِنْهُ كَهَيْئَةِ النَّارِ، فَأَقْبَلَتْ تَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَنَدَرَ بِهِ حَيُّهَا وَإِخْوَتُهَا، فَقَالُوا: مَا لِهَذَا الْكَلْبِ قَدْ أَطَالَ الْمُكْثَ فِي الْخَيْلِ وَهُوَ يَتَخَطَّانَا؟ فَقَعَدُوا لِطَلَبِهِ فِي لَيْلَتِهِمْ تِلْكَ. وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَكَ فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ، وَإِيَّاكَ وَالْغَفْلَةَ. فَجَاءَتِ السَّمَاءُ بِمَطَرٍ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ طَلَبِهِ، ثُمَّ انْجَلَتِ السَّحَابُ وَطَلَعَ الْقَمَرُ فَتَطَيَّبَتِ الْجَارِيَةُ وَنَشَرَتْ شَعْرَهَا، وَأُعْجِبَتْ بِنَفْسِهَا، وَاشْتَهَتْ أَنْ يَرَاهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَتْ لِتِرْبٍ لَهَا قَدْ كَانَتْ أَطْلَعَتْهَا عَلَى شَأْنِهَا: يَا فُلَانَةُ، أَسْعِدِينِي عَلَى الْمُضِيِّ إِلَيْهِ، فَخَرَجَتَا يُرِيدَانِهِ وَهُوَ عَلَى الْخَيْلِ خَائِفٌ مِنَ الطَّلَبِ لَمَّا حَذَّرَتْهُ. فَبَصُرَ شَخْصَيْنِ يَسِيرَانِ فِي الْقَمَرِ، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهُمَا مِنَ الْمُطَالِبِينَ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا فَمَا أَخْطَأَ قَلْبَ صَاحَبْتِهِ، فَسَقَطَتْ لِوَجْهِهَا مُضَرَّجَةً بِدَمِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تَضْطَرِبُ حَتَّى مَاتَتْ، فَبُهِتَ شَاخِصًا يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الكامل]

نَعَبَ الْغُرَابُ بِمَا كَرِهْـ

ـتُ وَلَا إِزَالَةٌ لِلْقَدَرْ

تَبْكِي وَأَنْتَ قَتَلْتَهَا

فَاصْبِرْ وَإِلَّا فَانْتَحِرْ

ثُمَّ جَمَعَ نَبْلَهُ فَجَعَلَ يُجَابِهَا أَوْدَاجَهُ حَتَّى قَتَلَ نَفْسَهُ "

ص: 212

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْأَجَلُّ الْإِمَامُ الْعَالِمُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَلِيٍّ الْغَزْنَوِيُّ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْقَاهِرَةِ، ثَامِنَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْكَرَمِ الْمُبَارَكُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الشَّهْرَزُورِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شُهُورِ سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَاجِبُ الْجَلِيلُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَّافُ قِرَاءَةُ عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخَرَائِطِيُّ قَالَ:

426 -

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُخَرِّمِيُّ قَالَ: " اشْتَرَيْتُ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ جَارِيَةً مَدِينِيَّةً، فَأُعْجِبَ بِهَا، فَأَمَرَ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ أَنْ يَبْعَثَ فِي حَمْلِ أَهْلِهَا وَمَوَالِيهَا لِيَنْصَرِفُوا بِجَوَائِزِهَا، وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَشْرِيفَهَا، فَوَفَدَ إِلَى مَدِينَةِ السَّلَامِ ثَمَانُونَ رَجُلًا، وَوَفَدَ مَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَاسْتَوْطَنَ الْمَدِينَةَ، كَانَ يَهْوَى الْجَارِيَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الرَّشِيدَ خَبَرُهُمْ أَمَرَ الْفَضْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لِيَكْتَتِبَ اسْمَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَحَاجَتَهُ، فَفَعَلَ حَتَّى بَلَغَ إِلَى الْعِرَاقِيِّ فَقَالَ لَهُ: حَاجَتُكُ؟ فَقَالَ: إِنْ أَنْتَ كَتَبْتَهَا وَضَمِنْتَ لِي عَرْضَهَا مَعَ مَا تَعْرِضُ أَنْبَأْتُكَ بِهَا، فَقَالَ: أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ أَجْلِسَ مَعَ فُلَانَةَ حَتَّى تُغَنِّينِي ثَلَاثَةَ أَصْوَاتٍ، وَأَشْرَبُ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ، وَأُخْبِرُهَا بِمَا تُجِنُّهُ ضُلُوعِي مِنْ حُبِّهَا. فَقَالَ الْفَضْلُ: أَنْتَ مَوْسُوسٌ مَدْخُولٌ عَلَيْكَ فِي عَقْلِكِ قَالَ: يَا هَذَا، قَدْ أُمِرْتَ أَنْ تَكْتُبَ مَا يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا، فَاكْتُبْ مَا أَقُولُ

⦗ص: 218⦘

وَاعْرِضْهُ، فَإِنْ أُجِبْتُ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي أَوْسَعِ الْعُذْرِ، فَدَخَلَ الْفَضْلُ مُغْضَبًا، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّشِيدِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ مَا كَتَبَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فِيهِمْ وَاحِدٌ مَجْنُونٌ سَأَلَ مَا أُجِلُّ مَجْلِسَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ التَّفَوُّهِ بِهِ، فَقَالَ: قُلْ وَلَا تَجْزَعَنَّ. فَقَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: اخْرُجْ إِلَيْهِ وَقُلْ لَهُ: إِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَاحْضُرْ لِيُنْجَزَ لَكَ مَا سَأَلْتَ، وَكُنْ أَنْتَ تَتَوَلَّى الِاسْتِئْذَانَ لَهُ، وَدَعَا بِخَادِمٍ، وَقَالَ: امْضِ إِلَى فُلَانَةَ وَقُلْ لَهَا: قَدْ حَضَرَ رَجُلٌ قَالَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ أَجَبْنَاهُ إِلَى مَا سَأَلَ فَكُونِي عَلَى أُهْبَةٍ. ثُمَّ خَرَجَ الْفَضْلُ إِلَى الْفَتَى فَأَدَّى إِلَيْهِ كَمَا قَالَ الرَّشِيدُ، فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَضَرَ وَعَرَفَ الرَّشِيدُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: يُلْقَى لَهُ بِحَيْثُ أَرَى كُرْسِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَلِلْجَارِيَةِ كُرْسِيًّا مِنْ ذَهَبٍ، وَلْتَخْرُجْ إِلَيْهِ وَتُحْضِرْ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ. فَجَلَسَ الْمُغَنِّي عَلَى كُرْسِيٍّ، وَجَلَسَتِ الْجَارِيَةُ بِإِزَائِهِ، فَحَدَّثَهَا وَالرَّشِيدُ يَرَاهُمَا فَقَالَ الْخَادِمُ: لَمْ تَدْخُلْ لِتَشْتَبِقَ وَتُضِيفَ. فَأَخَذَ رِطْلًا وَخَرَّ سَاجِدًا، وَقَالَ: إِذَا شِئْتَ أَنْ تُغَنِّي فَغَنِّي:

[البحر الطويل]

خَلِيلِيَّ عُوجَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِنْدٌ بِأَرْضِكُمَا قَصْدَا

وَقُولَا لَهَا: لَيْسَ الضَّلَالُ أَجَازَنَا

وَلَكِنَّمَا جُزْنَا لِنَلْقَاكُمَا عَمْدَا

غَدًا يَكْثُرُ الْبَاكُونَ مِنَّا وَمِنْكُمُ

وَتْزَدادُ دَارِي مِنْ دِيَارَكُمُ بُعْدَا

فَغَنَّتْ، ثُمَّ شَرِبَ الرِّطْلَ وَحَادَثَهَا سَاعَةً، فَاسْتَحَثَّهُ الْخَادِمُ فَأَخَذَ الرِّطْلَ بِيَدِهِ وَقَالَ: غَنِّي، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكِ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 219⦘

تَكَلَّمَ مِنَّا فِي الْوُجُوهِ عُيُونُنَا

فَنَحْنُ سُكُوتٌ وَالْهَوَى يَتَكَلَّمُ

وَنْغَضُبُ أَحْيَانًا وَنَرْضَى بِطَرْفِنَا

وَذَلِكَ بِمَا بَيْنَنَا لَيْسَ يُعْلَمُ

فَغَنَّتْهُ، وَشَرِبَ الرِّطْلَ الْبَاقِيَ، وَحَادَثَتْهُ سَاعَةً، فَاسْتَعْجَلَهُ الْخَادِمُ فَخَرَّ سَاجِدًا يَبْكِي، وَأَخَذَ الرِّطْلَ بِيَدِهِ وَاسْتَوْدَعَهَا اللَّهَ، وَقَامَ عَلَى رِجْلِهِ وَدُمُوعُهُ تَسْتَبِقُ اسْتِبَاقَ الْمَطَرِ وَقَالَ: إِذَا شِئْتِ أَنْ تُغَنِّي فَغَنِّي:

[البحر السريع]

أَحْسَنَ مَا كُنَّا تَفَرَّقْنَا

وَخَانَنَا الدَّهْرُ وَمَا خُنَّا

فَلَيْتَ ذَا الدَّهْرَ لَنَا مَرَّةً

عَادَ لَنَا يَوْمًا كَمَا كُنَّا

فَغَنَّتْهُ الصَّوْتَ، فَقَلَبَ الْفَتَى طَرْفَهُ فَبَصُرَ فِي الصَّحْنِ فَأَمَّهَا، وَأَتْبَعَهُ الْخَدَمُ لِيُهْدُوهُ الطَّرِيقَ، فَفَاتَهُمْ وَصَعِدَ الدَّرَجَةَ فَأَلْقَى نَفْسَهُ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى رَأْسِهِ فَخَرَّ مَيِّتًا، فَقَالَ الرَّشِيدُ: عَجَّلَ الْفَتَى، وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ لَوَهَبْتُهَا لَهُ "

ص: 217

427 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: " انْحَدَرْتُ قَالَ: مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى، مَعَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: الْعَلْثُ دَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلْنَا، وَحَوْلَ مِنَ الْحِرَاقَةِ الَّتِي فِيهَا الْخَدَمُ جَارِيَتَيْنِ عَوَّادَةٌ وَطُنْبُورِيَّةٌ، وَمُدَّتْ سِتَارَةٌ فَغَنَّتِ الطُّنْبُورِيَّةُ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 220⦘

يَا رَحْمَتِي لِلْعَاشِقِينَا

مَا إِنْ أرَى لَهُمْ مُعِينَا

كَمْ يُهْجَرُونَ وَيْبُعَدُو

نَ وَيُضْرَبُونَ وَيَصْبِرُونَا

فَقَالَتْ لَهَا الْعَوَّادَةُ: فَيَصْنَعُونَ مَاذَا إِذَا لَمْ يَصْبِرُوا؟ فَهَتَكَتِ السِّتَارَةُ وَقَالَتْ: يَصْنَعُونَ هَكَذَا، وَأَلْقَتْ نَفْسَهَا فِي دِجْلَةَ فَغَرِقَتْ، وَكَانَ عَلَى رَأْسِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ غُلَامٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، فَلَمَّا رَأَى مَا صَنَعْتِ الْجَارِيَةُ قَالَ:

[البحر الكامل]

أَنْتِ الَّتِي غَرَّقْتِنِي

بَعْدَ الْقَضَا لَوْ تَعْلَمِينَا

لَا خَيْرَ بَعْدَكِ إِنْ بَقِينَا

وَالْمَوْتُ زَيْنُ الْعَاشِقِينَا

وَأَلْقَى نَفْسَهُ خَلْفَهَا فَغَرَقَ، وَأُنْشِدَ ذَلِكَ عَلَى إِسْحَاقَ فَرَفَعَ النَّبِيذَ وَأَمَرَ بِطَلَبِهِمَا وَإِخْرَاجِهِمَا، فَأُخْرِجَا مِنَ الْمَاءِ فَدَفَنَّاهُمَا "

ص: 219

428 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْسِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ:" قُلْتُ لِامْرَأَةٍ مِنْ عُذْرَةَ وَرَأَيْتُ بِهَا هَوًى غَالِبًا حَتَّى خِفْتُ عَلَيْهَا الْمَوْتَ: مَا بَالُ الْعِشْقِ يَقْتُلُكُمْ مَعَاشِرَ عُذْرَةَ مِنْ بَيْنِ أَجْيَالِ الْعَرَبِ؟ قَالَتْ: فِينَا جَمَالٌ وَتَعَفُّفٌ، فَالْجَمَالُ يُجَمِّلُنَا عَلَى الْعَفَافِ، وَالْعَفَافُ يُوَرِّثُنَا رِقَّةَ الْقُلُوبِ، وَالْعِشْقُ يُفْنِي آجَالَنَا، وَإِنَّا نَرَى مَحَاجِرًا لَا تَرَوْنَهَا "

ص: 220

‌بَابُ ذِكْرِ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَلَجَأَ إِلَى الْغَرَرِ

ص: 221

429 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّازُ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ رَفَعَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ "

ص: 221

430 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ: قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ»

ص: 221

431 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خِطْبَةٍ خَطَبَهَا: «أَلَا إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً

⦗ص: 222⦘

بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

ص: 221

432 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْفِلَسْطِينِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَوَفَاءِ الْعَهْدِ»

ص: 222

433 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ قَالَ:" سُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ رَجُلٍ، سَبَتْهُ الدَّيْلَمُ، فَأَخَذُوا عَلَيْهِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا عَلَى أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ قَدْ سَمَّوْهُ وَإِلَّا رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَجِدِ الَّذِي سَمَّوْهُ لَهُ، فَقَالَ لِعَطَاءٍ: أَيَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ قَالَ: إِنَّهُمْ أَهْلُ شِرْكٍ قَالَ: تَفِي بِالْعَهْدِ. قَالَ: فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَأَبَى عَطَاءٌ أَلَّا يَفِيَ بِالْعَهْدِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَفِي لِلْعَهْدِ "

ص: 222

434 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ الْوَزَّانُ قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِوَاءُ الْغَادِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ»

ص: 222

435 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّبَّاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، يُخْبِرُهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ مَاتَ نَاكِثًا عَهْدَهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ»

ص: 223

436 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ السُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا أَظْهَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ»

ص: 223

437 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، سَمِعَ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ يَقُولُ:" ثَلَاثٌ تُؤَدِّي إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ: الرَّحِمُ تَصِلُهَا بَرَّةً كَانَتْ أَوْ فَاجِرَةً، وَالْأَمَانَةُ تُؤَدِّيهَا إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْعَهْدُ تَفِي بِهِ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ "

ص: 223

438 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصْمَتَ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ

⦗ص: 224⦘

رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْفَيْضِ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ: " كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَقَوْمٍ مِنَ الرُّومِ عَهْدٌ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسِيرُ فِي أَرْضِهِمْ حَتَّى يَنْقَضِيَ فَيُغِيرَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ نَاحِيَةٍ: وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَشُدُّ عُقْدَةً وَلَا يَحُلُّهَا حَتَّى يَمْضِيَ أَمْرُهَا أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» فَإِذَا الرَّجُلُ عَمْرُو بْنُ عَنْبَسَةَ

ص: 223

439 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا حَتَّى كَادَتْ تَغْلِبُهُ عَلَى عَقْلِهِ، وَتَشْغَلُهُ عَنْ شَوْقِهِ

⦗ص: 225⦘

، فَأَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بِفِرَاقِهَا فَقَالَ:

[البحر الطويل]

وَإِنَّ فِرَاقِي أَهْلَ بَيْتٍ أُحِبُّهُمْ

عَلَى كِبْرٍ مِنِّي لِإِحْدَى الْعَظَائِمِ

ثُمَّ عَزَمَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَفَارَقَهَا، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ:

فَلَمْ أَرَ مَثَلِي طَلَّقَ الْيَوْمَ مِثْلَهَا

وَلَا مِثْلَهَا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلَّقُ

لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَحِلْمٌ وَمَنْصِبٌ

وَخَلْقٌ يُسَوَّى فِي الْحَيَاةِ وَمُصْدَقُ

فَرَّقَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَرَاجَعَهَا، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ تَرْثِيهِ:

[البحر الطويل]

آلَيْتُ لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي سَخِينَةً

عَلَيْكَ وَلَا يَنْفَكُّ جِلْدِي أَغْبَرَا

فَلِلَّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى مِثْلَهُ فَتًى

أَعَفَّ وَأَمْضَى فِي الْهَيَاجِ وَأَصْبَرَا

إِذَا شُرِعَتْ فِيهِ الْأَسِنَّةُ خَاضَهَا

إِلَى الْمَوْتِ حَتَّى يَتْرُكَ الرُّمْحَ أَحْمَرَا

فَلَمَّا خَلَتْ بِزَوْجِهَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَأَوْلَمَ عَلَيْهَا مَتَى دَخَلَ بِهَا، وَدَعَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَخَلُوا قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَتَأْذَنُ لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُدْخِلُ رَأْسِي إِلَى عَاتِكَةَ أُكَلِّمُهَا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَدْخَلَ عَلِيُّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، وَقَالَ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا

آلَيْتُ لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي قَرِيرَةً

عَلَيْكَ وَلَا يَنْفَكُّ جِلْدِي أَصْفَرَا

فَبَكَتْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا دَعَاكَ إِلَى هَذَا يَا أَبَا الْحَسَنِ، كُلُّ النِّسَاءِ يَفْعَلْنَ هَذَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَتْ تَرْثِيهِ:

[البحر الخفيف]

عَيْنُ جُودِي بِعَبْرَةٍ وَنَحِيبِ

لَا تَمَلِّي عَلَى الْجَوَادِ النَّجِيبِ

فَجَعَتْنِي الْمَنُونُ بِالْفَارِسِ الْمُعْـ

ـلَمِ يَوْمَ الْهَيَاجِ وَالتَّثْوِيبِ

قُلْ لِأَهْلِ الضَّرَّاءِ وَالْبُؤْسِ مُوتُوا

قَدْ سَقَتْهُ الْمَنُونُ كَأْسَ شَعُوبِ

⦗ص: 226⦘

فَلَمَّا خَلَتْ بِزَوْجِهَا الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَاسْتَأْذَنَتْ لَيْلَةً أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَرِهَ أَنْ يَمْنَعَهَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» . فَأَذِنَ لَهَا ثُمَّ انْكَمَأَ لَهَا فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ مِنَ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا مَرَّتْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى بَعْضِ جَسَدِهَا، فَكَرَّتْ رَاجِعَةً تُسَبِّحُ. فَسَبَقَهَا الزُّبَيْرُ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: مَا رَدَّكِ عَنْ وَجْهِكِ؟ قَالَتْ: كُنَّا نَخْرُجُ وَالنَّاسُ تُسَاسُ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا، وَتَرَكَتْ طَلَبَ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا قُتِلَ الزُّبَيْرُ قَالَتْ تَرْثِيهِ:

[البحر الكامل]

غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِفَارِسِ بَهْمَةٍ

يَوْمَ اللِّقَاءِ فَكَانَ غَيْرَ مُعَدِّدِ

يَا عَمْرُو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهُ

لَا طَايِشًا رَعِشَ الْجَنَانِ وَلَا الْيَدِ

ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ظَفَرْتَ بِمِثْلِهِ

فِيمَا مَضَى صُبْحًا تَرُوحُ وَتَغْتَدِي

كَمْ غَمْرَةٍ قَدْ خَاضَهَا لَمْ يُثْنِهِ

عَنْهَا طِرَادَكَ يَا ابْنَ أُمِّ الْفَرْقَدِ

إِنَّ الزُّبَيْرَ لَذُو جَلَاءٍ صَادِقٍ

سَمْحٍ سَجِيَّتُهُ كَرِيمُ الْمَشْهَدِ

فَلَمَّا خَلَتْ، خَطَبَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَتْ: إِنِّي لَأَضِنُّ بِكَ عَنِ الْقَتْلِ "

ص: 224

440 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحُسَيْنِ اللَّهَبِيُّ قَالَ: " كَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ تَحْتَ الْحَسَنِ بْنِ

⦗ص: 227⦘

الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهَا: إِنَّكِ مَرْغُوبٌ فِيكِ، مُتَشَرَّفٌ بِكِ، لَا تُتْرَكِينَ، إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَتْرُكُ فِي قَلْبِكِ حَسْرَةً سِوَاكِ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَنْتَهِي إِلَى مَا أَمَرْتَ بِهِ، فَقَالَ: كَأَنِّي بِكِ لَوْ قُدِّمْتُ فَأُخْرِجَتْ جَنَازَتِي قَدْ جَاءَكِ عَلَى فَرَسٍ ذَنُوبٍ لَابِسًا حُلَّتَهُ، يَسِيرُ فِي جَانِبِ النَّاسِ مُتَعَرِّضًا لَكِ. وَلَسْتُ أَدَعُ مِنَ الدُّنْيَا هَمًّا غَيْرَكِ. فَلَمْ يَدَعْهَا حَتَّى تَوَثَّقَ مِنْهَا بِالْأَيْمَانِ فِي ذَلِكَ، وَمَاتَ الْحَسَنُ وَأُخْرِجَتْ جَنَازَتُهُ، فَوَافَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَقَدْ كَانَ يَجِدُ بِفَاطِمَةَ وَجْدًا شَدِيدًا، وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا وَنَظَرَ إِلَى فَاطِمَةَ وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ، وَكَانَتْ تَلْطِمُ وَجْهَهَا عَلَى الْحَسَنِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مَعَ جَارِيَتِهِ أَنَّ لَنَا فِي وَجْهِكِ فَارْفُقِي بِهِ. قَالَ: فَخَمَّرَتْ وَجْهَهَا وَأَرْسَلَتْ يَدَهَا حَتَّى عَرَفَ ذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَهَا، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا فَقَالَتْ: كَيْفَ أَعْمَلُ بِأَيْمَانِي؟ فَقَالَ: لَكِ بِكُلِّ مَالٍ مَالَانِ، وَبِكُلِّ مَمْلُوكٍ مَمْلُوكَانِ، فَوَفَّى لَهَا، فَتَزَوَّجَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدًا وَسُمِّيَ مِنْ حُسْنِهِ: الدِّيبَاجُ، وَالْقَاسِمَ وَرُقَيَّةَ وَمُحَمَّدًا، وَهَذَا الَّذِي قَالَ جَمِيلٌ: إِنِّي لَأَرَاهُ يَخْطِرُ عَلَى الصَّفَا فَأَغَارُ عَلَى بُثَيْنَةَ مِنْ أَجَلِهِ

ص: 226

441 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ الْجُرْجَانِيُّ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 228⦘

لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي عَنِ الْمَرْءِ مَالُهُ

إِذَا وَلْوَلَتْ يَوْمًا عَلَيْهِ الْحَبَايِبُ

وَمَا هُوَ إِلَّا ذَاكَ ثُمَّ تَرَكْتُهُ

بِغَبْرَاءَ مَلْفُوفًا عَلَيْهِ الشَّبَايِبُ

فَيَضْحَكُ بَاكِيهِ وَيَرْفُضُ ذِكْرَهُ

وَإِنْ قِيلَ لَا أَنْسَاكَ مَا عِشْتُ: كَاذِبُ

وَتَكْتَحِلُ الْعِرْسُ الطَّوِيلُ نَحِيبَهَا

وَتَخْضِبُ كَفَّيْهَا إِذَا قِيلَ: خَاطِبُ

ص: 227

442 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ الْكُوفِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ: " احْتُضِرَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ يَدِبُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأُمُّ الصَّبِيِّ عَنْ رَأْسِهِ جَالِسَةٌ، وَاسْمُ الصَّبِيِّ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ:

[البحر الطويل]

وَإِنِّي لَأَخْشَى أَنْ أَمُوتَ وَتُنْكَحِي

وَيُعْرَفُ فِي أَيْدِي الْمَرَاضِيعِ مُحَمَّدُ

وَتُرْضَى سُتُورٌ دُونَهُ وَقَلَائِدُ

وَيَشْغَلُكُمْ عَنْهُ خَلُوقٌ وَمُجْمَدُ

قَالَ: فَمَا لَبِثَ أَنْ مَاتَ فَتَزَوَّجَتْ وَصَارَ مُحَمَّدٌ إِلَى مَا ذَكَرَ "

ص: 228

443 -

أَنْشَدَنِي أَبُو يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ:

[البحر الطويل]

وَإِنْ هِيَ أَعْطَتْكَ اللَّيَانَ فَإِنَّهَا

لِآخَرَ مِنْ خِلَّانِهَا تَسْتَلِينُ

وَإِنْ حَلَفَتْ لَا يَنْقُضُ النَّأْيُ عَهْدَهَا

فَلَيْسَ لِمَخْضُوبِ الْبَنَانِ يَمِينُ

ص: 228

444 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: " قَرَأْتُ عَلَى دِرْهَمٍ مَكْتُوبٌ: «سُوءَةٌ لِمُحِبٍّ أَحَبُّ ثُمَّ عُذْرٌ»

ص: 228

445 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ أَيُّوبَ الْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: " كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَهَوِيَتْ دَاوُدَ بْنَ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ وَهَوِيَ بِهَا، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَتْ لَأَخِيهَا مَسْلَمَةُ: إِنِّي قَدِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجِدَ رَابِحَةَ الْوَلَدِ

⦗ص: 229⦘

. قَالَ: وَيْحَكِ بَعْدَ عُمَرَ؟ قَالَتْ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: لَا جَرَمَ، لَأَتَشَوَّرَنَّ بِكِ الْأَزْوَاجَ. قَالَتْ: قَدْ شَوَّرْتُ مِنْهُمْ دَاوُدَ، وَكَانَ أَعْوَرَ قَبِيحَ الْمَنْظَرِ. فَقَالَ فِي ذَلِكَ الْأَحْوَصُ:

[البحر المتقارب]

أَبَعْدَ الْأَغَرِّ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

قَرِيعُ قُرَيْشٍ إِذَا يُذْكَرُ

تَبَدَّلْتِ دَاوُدَ مُخْتَارَةً

أَلَا ذَلِكَ الْخُلْفُ الْأَعْوَرُ

ص: 228

446 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ: " كَانَتْ ضُبَاعَةُ بِنْتُ الْحَرْثِ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ زَمَانًا لَا تَلِدُ لَهُ، فَقَالَ لَهَا هِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ يَوْمًا فِي الطَّوَافِ: مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ؟ قُولِي لَهُ فَلْيُطَلِّقُكِ. فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ ذَلِكَ، وَبَلَغَ الشَّيْخَ مَقَالَةُ هِشَامٍ فَقَالَ لَهَا: إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَتَزَوَّجِي بِهِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَتْ: فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَيَّ أَلَّا أَفْعَلَ. فَقَالَ لَهَا: فَإِنْ فَعَلْتِ فَإِنَّ عَلَيْكِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ تَنْحَرِينَهَا بِالْحَزْوَرَةِ وَتَنْسُجِينَ لِي ثَوْبًا يَقْطَعُ مَا بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ وَتَطُوفِينَ بِالْكَعْبَةِ عُرْيَانَةً قَالَتْ: لَا أُطِيقُ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى هِشَامٍ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: مَا أَيْسَرَ مَا سَأَلَكِ، أَنَا أَيْسَرُ قُرَيْشٍ فِي الْمَالِ، وَنِسَائِي أَكْثَرُ نِسَاءٍ بِالْبَطْحَاءِ، وَأَنْتِ أَجْمَلُ النَّاسِ، فَلَا تُعَابِينَ فِي عُرْيِكِ، فَلَا تَأْبَيْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ لِابْنِ جُدْعَانَ: طَلِّقْنِي

⦗ص: 230⦘

، فَإِنْ تَزَوَّجْتُ هِشَامًا فَعَلَيَّ مَا قُلْتَ. فَطَلَّقَهَا بَعْدَ اسْتِيثَاقِهِ مِنْهَا، فَتَزَوَّجَهَا هِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَنَحَرَ عَنْهَا مِائَةَ جَزُورٍ بِالْحَزْوَرَةِ، وَأَمَرَ نِسَاءَهُ فَنَسَجْنَ لَهَا ثَوْبًا يَمْلَأُ مَا بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ، ثُمَّ طَافَتْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَةً أُتْبِعُهَا بَصَرِي. فَقَالَ الْمُطَّلِبُ: أَبْصَرْتُهَا وَأَنَا غُلَامٌ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَةً، أَتْبَعْتُهَا بَصَرِي إِذَا أَدْبَرَتْ، وَأَسْتَقْبِلُهَا إِذَا أَقْبَلَتْ، فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ أَحْسَنَ مِنْهَا وَهِيَ وَاضِعَةٌ يَدَيْهَا عَلَى فَخِذَيْهَا، وَقُرَيْشٌ قَدْ أَحْدَقَتْ بِهَا وَهِيَ تَقُولُ:

[البحر الرجز]

الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهْ

وَمَا بَدَا مِنْهُ فَمَا أُحِلُّهْ

ص: 229

447 -

حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " عَاهَدَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَعَاهَدَتْهُ أَلَّا يَتَزَوَّجَ الْبَاقِي مِنْهُمَا، فَهَلَكَ الرَّجُلُ فَلَمْ تَلْبَثِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَزَوَّجَتْ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْبِنَاءِ بِهَا نَامَتْ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَأَتَاهَا آتٍ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ:

[البحر البسيط]

حَيَّيْتُ سَاكِنَ هَذَا الْبَيْتِ كُلَّهُمُ

إِلَّا الرَّبَابَ فَإِنِّي لَا أُحَيِّيهَا

قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُهَا لِلْعَهْدِ حَافِظَةً

حَتَّى تَهُونَ وَمَا جَفَّتْ مَآقِيهَا

اسْتَبْدَلَتْ بَدَلًا غَيْرِي وَقَدْ عَلِمَتْ

أَنَّ الْقُبُورَ تُوَارِي مَنْ ثَوَى فِيهَا

أَمْسَتْ عَرُوسًا وَأَمْسَى مَنْزِلِي جَدَثًا

تَحْتَ التُّرَابِ وَإِنِّي لَا أُلَاقِيهَا

فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَزْعَةً فَقَالَتْ: لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُ هَذَا أَبَدًا، فَاخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَدَفَعَتْ إِلَيْهِ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهَا "

ص: 230

448 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَرْبَعُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ

⦗ص: 231⦘

. مَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ "

ص: 230

449 -

أَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ أَوْ لِغَيْرِهِ:

[البحر الطويل]

لَحَى اللَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُ الْوُدُّ عِنْدَهُ

وَمَنْ حَبْلُهُ إِنْ مُدَّ غَيْرُ مَتِينِ

وَمَنْ هُوَ ذُو لَوْنَيْنِ لَيْسَ بِدَائِمٍ

عَلَى عَهْدِهِ خَوَّانُ كُلَّ أَمِينِ

ص: 231

450 -

وَأَنْشَدَنِي ابْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ:

[البحر الطويل]

يَا سَوءَتَا لِلْغُدَّةِ الْمُتَكَشِّفَهْ

تَبَارَكَ رَبِّي كَيْفَ جَلَّتْ عَنِ الصِّفَهْ

نَسِيتِ وَأَنْكَرْتِ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَكِ مَعْرِفَهْ

ص: 232

451 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرِمَةَ: " دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ هِشَامٍ أَعُودُهُ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي وَاللَّهِ لِلْمَوْتِ، وَمَا مَوْتِي بِأَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ أُمِّ هِشَامٍ، أَخَافُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدِي، فَحَلَفَتْ لَهُ أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ بَعْدَهُ، فَغَشِيَ وَجْهَهُ نُورٌ، ثُمَّ قَالَ: الْآنَ، فَلْيَنْزِلَنَّ الْمَوْتُ مَتَى شَاءَ. ثُمَّ مَاتَ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا تَزَوَّجَتْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقُلْتُ:

[البحر الطويل]

فَإِنْ لَقِيَتْ خَيْرًا فَلَا يَهْنَيَنَّهَا

وَإِنْ تَعِسَتْ فَلِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ

قَالَ: فَبَلَغَهَا ذَلِكَ، فَكَتَبَتْ إِلَيَّ: قَدْ بَلَغَنِي مَا

تَمَثَّلْتَ بِي، وَمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أَخِيكَ إِلَّا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الطويل]

وَهَلْ كُنْتَ إِلَّا وَالِهًا ذَاتَ تَرْحَةٍ

قَضَتْ نَحْبَهَا بَعْدَ الْحَنِينِ الْمُرَجِّعِ

فَدَعْ ذِكْرَ مَنْ قَدْ وَارَتِ الْأَرْضُ شَخْصَهُ

فَفِي غَيْرِ مَنْ قَدْ وَارَتِ الْأَرْضُ مَقْنَعُ

قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنِّي كُلَّ غَيْظٍ، فَحَسِبْتُ حِسَابَهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ عَجَّلَتْ وَبَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ عِدَّتِهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، فَدَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ فَأَعْلَمْتُهُ فَانْتَقَضَ النِّكَاحُ وَعُزِلَ عُمَرُ عَنِ الْمَدِينَةِ "

ص: 232

452 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ

⦗ص: 233⦘

: " كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا، فَكَانَتْ تَجِدُ بِهِ وَيَجِدُ بِهَا وَجْدًا شَدِيدًا، فَتَحَالَفَا وَتَعَاقَدَا أَلَّا يَتَزَوَّجَ الْبَاقِي مِنْهُمَا، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ تَزَوَّجَتْ، فَلَامَهَا أَهْلُهَا عَلَى نَقْضِ عَهْدِهَا، فَقَالَتْ:

[البحر الطويل]

قَدْ كَانَ حُبِّي ذَاكَ حُبًّا مُبَرِّحًا

وَحُبِّي لِذَا إِذْ مَاتَ ذَاكَ شَدِيدُ

وَكَانَتْ حَيَاتِي عِنْدَ ذَاكَ حَيَاتَهُ

وَحُبِّي لَدَى طُولِ الْحَيَاةِ يَزِيدُ

فَلَمَّا مَضَى عَادَتْ لِهَذَا مَوَدَّتِي

كَذَلِكَ الْهَوَى بَعْدَ الذَّهَابِ يَعُودُ

ص: 232

وَأَنْشَدَ أَبُو الْعَبَّاسِ:

[البحر الطويل]

وَإِنَّ مِنَ الْخِلَّانِ مَنْ شَحَطَ النَّوَى

بِهِ وَهْوَ مَحْمُودُ الْأَخِ أَمِينُ

وَمِنْهُمْ صَدِيقُ الْعَيْنِ أَمَّا لِقَاؤُهُ

فَحُلْوٌ وَأَمَّا غَيْبُهُ فَظَنِينُ

تَمَتَّعْ بِهَا مَا سَاعَفَتْكَ وَلَا تَكُنْ

عَلَيْكَ شَجًا تُؤْذِيكَ حِينَ تَبِينُ

ص: 233

‌بَابُ الْعَجْزِ عَنْ حَمْلِ الْهَوَى وَطَلَبِ الْحِيلَةِ فِي الْمَخْلَصِ مِنْهُ

ص: 234

454 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَيُّوبَ الْعُكْبَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَسْبَاطٍ قَالَ: حَدَّثَنِي دِعْبِلٌ قَالَ: " كُنْتُ بِالثَّغْرِ فَنُودِيَ بِالنَّفِيرِ فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى يَجِدُ رُمْحَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، فَالْتَفَتُّ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: أَنْتَ دِعْبِلٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: اسْمَعْ مِنِّي بَيْتَيْنِ، فَأَنْشَدَنِي:

[البحر الرمل]

أَنَا فِي أَمْرَيْ رَشَادِ

بَيْنَ غَزْو وَجِهَادِ

بَدَنِي يَغْزُو عَدُوِّي

وَالْهَوَى يَغْزُو فُؤَادِي

ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى؟ قُلْتُ: جَيِّدٌ قَالَ: وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ إِلَّا هَارِبًا مِنَ الْحُبِّ. ثُمَّ الْتَقَيْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ "

ص: 234

455 -

أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَبْدِيُّ:

[البحر الطويل]

إِنِ اللَّهُ نَجَّانِي مِنَ الْحُبِّ لَمْ أَعُدْ

إِلَيْهِ وَلَمْ أَقْبَلْ مَقَالَةَ عَاذِلِ

وَمَنْ لِي بِمَنْجَاةٍ مِنَ الْحُبِّ بَعْدَمَا

رَمَتْنِي دَوَاعِي الْحُبِّ بَيْنَ الْحَبَائِلِ

⦗ص: 235⦘

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: الْحَبَائِلُ: الْمَوْتُ: قَالَ: قَالَ لَبِيدٌ:

[البحر الطويل]

حَبَائِلُهُ مَبْثُوثَةٌ لِسَبِيلِهِ

وَيَفْنَى إِذَا مَا أَخْطَأَتْهُ الْحَبَائِلُ

يَقُولُ: وَإِذَا أَخْطَأَهُ الْمَوْتُ فَإِنَّهُ يَفْنَى: يَعْنِي الْهِرَمَ "

ص: 234

456 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الدُّولَابِيِّ:

[البحر البسيط]

دَعَوْتُ رَبِّي دُعَاءً فَاسْتُجِيبَ لَنَا

كَمَا دَعَا رَبَّهُ نُوحٌ وَأَيُّوبُ

أَنْ يَنْزِعَ الدَّاءَ مِنْ صَدْرِي وَيَجْعَلَهُ

فِي صَدْرِ سَلْمَى وَحَمْلُ الدَّاءِ تَقْطِيبُ

أَوْ يَشْفِ قَلْبِي سَرِيعًا مِنْ صَبَابَتِهِ

فَلَا أَحِنُّ إِذَا حَنَّ الْمَطَارِيبُ

ص: 235

‌بَابُ دَلَالَةِ الْمَحَبَّةِ وَشَوَاهِدِهَا

ص: 236

457 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَحَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْقُلُوبُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ»

ص: 236

458 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمِصْرِيُّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ بِمَكَّةَ تَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ تُضْحِكُهُنَّ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَسَّعَ اللَّهُ دَخَلَتِ الْمَدِينَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَدَخَلَتْ عَلَيَّ فَقُلْتُ لَهَا: فُلَانَةُ، مَا أَقْدَمَكِ؟ قَالَتْ: إِلَيْكُنَّ. قُلْتُ: فَأَيْنَ نَزَلْتِ؟ قَالَتْ: عَلَى فُلَانَةَ، امْرَأَةٍ كَانَتْ تُضْحِكُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «فُلَانَةُ» . فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «عَلَى مَنْ نَزَلْتِ؟» . قَالَتْ: عَلَى فُلَانَةَ

⦗ص: 237⦘

الْمُضْحِكَةِ. قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ إِنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ»

ص: 236

459 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حُبَيْبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عليه السلام قَالَ:«الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَا تَسْأَلَنَّ امْرَءًا عَنْ وُدِّهِ، وَانْظُرْ، مَا لَهُ فِي قَلْبِكَ، فَإِنَّ لَكَ فِي قَلْبِهِ مِثْلَ ذَلِكَ»

ص: 237

461 -

حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُضَاءٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُلَاثَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الْفُرَافِصَةِ، عَنْ أَبِي عُمَرَ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْقُلُوبُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ»

ص: 237

462 -

أَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 238⦘

إِنَّ الْعَيْنَ تُبْدِي الَّذِي فِي نَفْسِ صَاحِبِهَا

مِنَ الشَّنَاءَةِ أَوْ وُدٍّ إِذَا كَانَا

إِنَّ الْبَغِيضَ لَهُ عَيْنٌ يُقَلِّبُهَا

لَا يَسْتَطِيعُ لِمَا فِي الصَّدْرِ كِتْمَانَا

وَعَيْنُ ذِي الْوُدِّ مَا تَنْفَكُّ مُقْبِلَةً

تَرَى لَهَا مِحْجَرًا بِشًّا وَإِنْسَانَا

ص: 237

463 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ:

[البحر الوافر]

وَمَا تَخْفَى الضَّغِينَةُ حَيْثُ كَانَتْ

وَلَا النَّظَرُ الصَّحِيحُ وَلَا السَّقِيمُ

أَنَامِلُهَا وَإِنْ ذَهَبَتْ غِلَاظٌ

وَأَوْجُهُهَا بِهَا أَبَدًا كُلُومُ

ص: 238

464 -

حَدَّثَنِي 75050 أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَرْمَكِيُّ: " لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِبِّينَ شَهِيدٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَ مِنَ الْمَحَبَّةِ إِلَّا مُلَاحَظَةُ أَبْصَارِهِمْ فِي اسْتِدْرَاكِ مَوَاجِدِهِمْ لَكَفَاهُمْ، وَأَنْشَدَنِي:

[البحر الوافر]

يُلَاحِظُنِي فَيَعْلَمُ مَا بِقَلْبِي

وَأَلْحَظُهُ فَيَعْلَمُ مَا أُرِيدُ

ص: 238

465 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَبْدِيُّ صَاحِبُ الْفِرَاقِ:

[البحر الطويل]

إِذَا جَعَلَ الطَّرْفَ الْخَفِيَّ لِسَانَهُ

جَعَلْتُ لَهُ عَيْنِي لِأَفْهَمَهُ أُذْنَا

كَفَتْنَا بَلَاغَاتُ الْحَدِيثِ عُيُونَنَا

وَقُمْنَ بِحَاجَاتِ النُّفُوسِ لَنَا عَنَّا

ص: 238

466 -

وَأَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيُّ:

[البحر الطويل]

إِذَا نَحْنُ خِفْنَا الْكَاشِحِينَ فَلَمْ نُطِقْ

كَلَامًا تَكَلَّمْنَا بِأَعْيُنِنَا شَزْرَا

نُصَدُّ إِذَا مَا كَاشِحٌ مَالَ طَرْفُهُ

إِلَيْنَا وَنُبْدِي ظَاهِرًا بَيْنَنَا هَجْرَا

⦗ص: 239⦘

فَإِنْ غَفَلُوا عَنَّا رَأَيْتَ خُدُودَنَا

تَصَافَحُ أَوْ ثَغْرًا قَرَعْنَا بِهِ ثَغْرَا

وَلَوْ قُذِفَتْ أَجْسَادُنَا مَا تَضَمَّنَتْ

مِنَ الضُّرِّ وَالْبَلْوَى إِذَا قُذِفَتْ جَمْرَا

ص: 238

467 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر الكامل]

وَمُرَاقَبَيْنِ يُكَاتِمَانِ هَوَاهُمَا

جَعَلَا الصُّدُورَ لِمَا تَحِنُّ قُبُورَا

يَتَلَاحَظَانِ تَلَاحُظًا فَكَأَنَّمَا

يَتَنَاسَخَانِ مِنَ الْجُفُونِ سُطُورَا

ص: 239

468 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ الضَّبِّيِّ قَالَ: " رَأَيْتُ رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

فَيَا حَبَّذَا سَعْيِي إِلَيْهَا مُكَاتِمًا

عَلَى خُفْيَةٍ مِنْ حَاسِدٍ وَمُرَاقِبِ

وَاللَّهِ لَا أَنْسَى تَكَاتُمَنَا الْهَوَى

إِذَا مَا جَلَسْنَا بَيْنَ لَاحٍ وَخَاذِبِ

يُخَاطِبُهَا طَرْفِي فَيَفْهَمُ طَرْفُهَا

وَلَيْسَ لَنَا لَفْظٌ بِغَيْرِ الْحَوَاجِبِ

فَقُلْتُ: يَا هَذَا، وَمَا لِلَّهِ حَجَجْتَ قَالَ: وَهَلِ الْحَجُّ إِلَّا لَهُ، وَلَكِنَّهَا فَيْضَةُ صَدْرٍ، بَحْرٌ مِنَ الْحُبِّ مَا رَكِبَ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا غَرِقَ، فَاعْذِرْ مَنْ لَوِ ابْتُلِيتَ بِدَائِهِ عَذَرَكَ، وَاللَّهِ يَا هَذَا، لَقَدْ وَصَلَ إِلَى قَلْبِي مِنْ ذِكْرِ لَذَّةِ مَنْ أُحِبُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا لَمْ يُوصِلُهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ النَّعِيمِ، وَلَوْ خُلِّدْتُ فِي نَعِيمِ الدُّنْيَا كُلِّهَا إِلَى انْقِضَائِهَا. ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقُلْتُ: مَا أَحَلَّ بِكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: تَوَهَّمْتُهَا جَالِسَةً مَعِي كَعَادَتِهَا، ثُمَّ ذَكَرْتُ بُعْدَ النَّوَى فَأَصَابَنِي مَا رَأَيْتَ هَذَا لِذِكْرِهَا عَلَى الْبُعْدِ، فَكَيْفَ تَظُنُّنِي وَالشَّعْبُ مُلْتَئِمٌ؟ قُلْتُ: أَظُنُّ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ بِمَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا الرَّبُّ تبارك وتعالى، قُلْتُ: وَمَا يُبْكِيكَ؟ وَهَذَا فَرَحُكَ قَالَ: أَخَافُ انْقِطَاعَ الْمُنَى قَبْلَ اللِّقَاءِ، فَعَذَرْتُهُ عَلَى الْأَمْرِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ وَأَنَا لَهُ رَاحِمٌ "

ص: 239

وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا

[البحر الطويل]

وَلِي سَكَنٌ إِنْ غَابَ أَوْ غِبْتُ لَمْ نَجِدْ

لِذِي الْبَأْسِ عِنْدَ الْبَأْسِ أُنْسًا نُؤَانِسُهْ

كِلَانَا يُنَاجِي فِي الضَّمِيرِ حَبِيبَهُ

بِالسِّنِّ عِشْقٌ لِفْظُهُنَّ وَسَاوِسُهْ

وَمَهْمَا الْتَقَيْنَا وَالْوُشَاةُ فَطَرْفُهُ

يُخَالِسُ نَحْوِي بِالْهَوَى وَأُخَالِسُهْ

لِعَيْنَيَّ مِنْ عَيْنَيْهِ عَيْنٌ تَفَرَّدَتْ

بِلَحْظِي وَأُخْرَى لِلرَّقِيبِ تُحَارِسُهْ

ص: 240

470 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاشِئُ لِنَفْسِهِ:

[البحر الطويل]

وَلَمَّا رَأَيْنَ الْبَيْنَ قَدْ جَدَّ جَدُّهُ

وَأَيْقَنَ مِنَّا بِانْقِطَاعِ الْمَطَالِبِ

طَلَبْنَ عَلَى الرَّكْبِ الْمُحِثِّينَ عِلَّةً

فَعُجْنَ عَلَيْنَا مِنْ صُدُورِ الرَّكَائِبِ

فَلَمَّا تَوَافَقْنَا كَتَبْنَ بِأَعْيُنٍ لَنَا

كُتُبًا أَعْجَمْنَهَا بِالْحَوَاجِبِ

فَلَمَّا قَرَأْنَاهُنَّ سِرًّا طَوَيْنَهَا

حَذَارِ الْأَعَادِي بِازْوِرَارِ الْمَنَاكِبِ

ص: 240

‌بَابُ إِعْلَامِ الْمَحْبُوبِ بِمَا تُجِنُّهُ الْقُلُوبُ

ص: 241

471 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ؛ فَإِنَّهُ يَجِدُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ» حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي مِلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ الْحَجَبِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ غَلَطٌ مِنِّي

ص: 241

473 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ»

ص: 241

474 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْكُدَيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْكِلَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى أَبُو سَلْمَانَ الْأَعْرَجُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ، " أَنَّ رَجُلًا قَالَ

⦗ص: 242⦘

: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ أَبَا ذَرٍّ. قَالَ:«فَأَعْلِمْهُ، وَإِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ»

ص: 241

475 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَزْرَقُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:" كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ رَجُلٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّنِي لَأُحِبُّ فُلَانًا فِي اللَّهِ. فَقَالَ: «هَلْ أَعْلَمْتَ أَخَاكَ؟» . قُلْتُ: لَا. قَالَ: «قُمْ فَأَعْلِمْهُ» قَالَ: فَقُمْتُ فَلَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. قَالَ: وَأَنَا أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، وَقُلْتُ: لَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي أَنْ أُعْلِمَكَ مَا أَعْلَمْتُكَ "

ص: 242

476 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: أَتَى أَبُو مُسْلِمٍ الْجَيْشَانِيُّ إِلَى أَبِي أُمَيَّةَ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَأْتِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» وَقَدْ جِئْتُكَ فِي مَنْزِلِكَ

ص: 242

477 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو حَفْصٍ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي

⦗ص: 243⦘

الْحَوَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ نَصْرُ بْنُ شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ: " لَقِيَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ يَعْنِي الْفَضْلَ بْنَ غَزُولٍ فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَلَوْلَا الْحَيَاءُ لَقَبَّلْتُكَ»

ص: 242

478 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ لِأَبِي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:

[البحر السريع]

بِيَدِي الَّذِي شَغَفَ الْفُؤَادَ بِكُمْ

بَدْءُ الَّذِي أَلْقَى مِنَ السَّقَمِ

وَاسْتَيْقِنِي أَنْ قَدْ كَلِفْتُ بِكُمْ ثُمَّ

افْعَلِي مَا شِئْتِ عَنْ عِلْمِ

قَدْ كَانَ صُرْمٌ فِي الْمَمَاتِ لَنَا

فَعَجِلْتُ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالصُّرْمِ

ص: 243

479 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ:

[البحر الطويل]

أَلَا يَكُونُ الصَّدُ فِي كُلِّ حَالِهِ

وَكَمْ لَا تَمَلِّينَ الْقَطِيعَةَ وَالْهَجْرَا

رُوَيْدَكِ إِنَّ الدَّهْرَ فِيهِ كِفَايَةٌ

لِتَفْرِيقِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَانْتَظِرِي الدَّهْرَا

وَلَا تَأْمَنِينَ الدَّهْرَ عِنْدَ عَطَائِهِ

فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَاكِ يَأْخُذُهُ قَهْرَا

ص: 243

480 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الزُّبَيْدِيُّ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ:

[البحر الطويل]

خَلِيلِيَّ إِنْ لَا تَبْكِيَا لِي أَسْتَعِرْ

خَلِيلًا إِذَا أَنْزَفْتُ دَمْعًا بَكَى لِيَا

إِذَا عَلِمَتْ وَجْدِي بِهَا وَصَبَابَتِي

فَشَأْنُ الْمَنَايَا الْقَاضِيَاتِ وَشَانِيَا

ص: 243

‌بَابُ فَضِيلَةِ مَنْ سَبَقَ بِوُدِّهِ وَمَا يَجِبُ مِنَ التَّمَسُّكِ بِعَهْدِهِ

ص: 244

481 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، صَاحِبٌ لَنَا، عَنْ أَبِي الْوَرْقَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حِجَازٍ، عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:«مَنْ سَبَقَكَ بِالْوُدِّ فَقَدِ اسْتَرَقَّكَ بِالشُّكْرِ»

ص: 244

482 -

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ بِرَازٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ التَّوَدُّدُ لِلنَّاسِ»

ص: 244

483 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «إِذَا أَرْزَقَكَ اللَّهُ وُدَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَتَمَسَّكْ بِهِ»

ص: 244

484 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:«إِذَا أَحْبَبْتَ رَجُلًا فَلَا تُشَارِهِ، وَلَا تُمَارِهِ، وَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ، فَلَعَلَّكَ أَنْ تَلْقَى عَدُوًّا لَهُ فَيُخْبِرَكَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَيَقْطَعَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ»

ص: 244

‌بَابُ تَمَلُّقِ الْأَحْبَابِ وَاسْتِعْطَافِهِمْ وَاسْتِقَالَةِ الرَّأْيِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ

ص: 245

485 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رضي الله عنه قَالَ: " صَنَعَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام قُبَّةً مِنْ ذَهَبٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَرَكَّبَ فِيهَا مِنْ صُنُوفِ الْجَوْهَرِ، فَبَيْنَمَا سُلَيْمَانُ عليه السلام جَالِسًا فِيهَا إِذْ سَقَطَ فِيهَا خُطَّافَانِ فَرَاوَدَ الذَّكَرُ الْأُنْثَى فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: لِمَ تَمْنَعِينِي نَفْسَكِ؟ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفْتِينِي حَمْلَ هَذِهِ الْقُبَّةِ لَحَمَلْتُهَا، فَسَمِعَ سُلَيْمَانُ عليه السلام قَوْلَهُ فَأَمَرَ فَأُتِيَ بِهِمَا، فَقَالَ: مَنِ الْقَائِلُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ الذَّكَرُ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنَا مُحِبٌّ وَالْمُحِبُّ لَا يُلَامُ "

ص: 245

486 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي يَاسِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:" كَانَتْ صَفِيَّةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَهَا، فَأَبْطَأَتْ فِي الْمَسِيرِ فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ: حَمَلْتَنِي عَلَى جَمَلٍ بَطِيءٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَيْنَيْهَا وَيُسَكِّنُهَا "

ص: 245

487 -

حَدَّثَنَا 45878 عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: " كَانَتْ عَزَّةُ كُثَيِّرٍ وَبُثَيْنَةُ يَوْمًا يَتَحَدَّثَانِ، فَأَقْبَلَ كُثَيِّرٌ نَحْوَهُمَا فَقَالَتْ بُثَيْنَةُ لِعَزَّةَ: اسْتَخْفِي حَتَّى أُولِعَ بِكُثَيِّرٍ، فَتَوَارَتْ فَأَتَى فَسَلَّمَ، فَرَدَّتْ بُثَيْنَةُ عليه السلام وَقَالَتْ لَهُ: مَا آنَ لَكَ أَنْ تُشَبِّبَ بِنَا؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

رَمَتْنِي عَلَى فُوقٍ بُثَيْنَةُ بَعْدَمَا

تَوَلَّى شَبَابِي وَأَرْجَحَنَّ شَبَابُهَا

بِعَيْنَيْنِ نَجْلَاوَيْنِ لَوْ رَقْرَقَتْهُمَا

لِنَوِّ الثُّرَيَّا لَاسْتَحَلَّ سَحَابَهَا

⦗ص: 246⦘

قَالَ: فَأَطْلَعَتْ عَزَّةُ رَأْسَهَا فَقَالَ:

وَلَكِنَّمَا تَرِمِينَ نَفْسًا مَرِيضَةً

لِعَزٍّ مِنْهَا وُدُّهَا وَلَبَانُهَا

ص: 245

488 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: أَرْسَلَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى عَزَّةَ كُثَيِّرٍ فَلَمَّا جَاءَتْ أَدْخَلَهَا بَيْتًا وَأَسْبَلَ عَلَيْهَا سِتْرًا، ثُمَّ دَعَا كُثَيِّرًا فَقَالَ لَهُ: حَاجَتُكَ يَا كُثَيِّرُ قَالَ: أَرْضُكَ الَّتِي بِمَكَانِ كَذَا وَمِائَةُ نَاقَةٍ بِرُعَاتِهَا. فَقَالَ: لَكَ ذَلِكَ، أَفَتَبْغِي غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ: لَا قَالَ: يَا غُلَامُ، ارْفَعِ السِّتْرَ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا أَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

عَجِبْتُ لِتَرْكِي حِطَّةَ الرُّشْدِ بَعْدَمَا

بَدَا لِي مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَبُولُهَا

حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إِلَى مِنًى

بِغُولِ الْبِلَادِ نَصُّهَا وَذَمِيلُهَا

لَئِنْ عَادَ لِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بِمِثْلِهَا

وَأَمْكَنَنِي مِنْهَا إِذًا لَا أُقِيلُهَا

فَهَلْ أَنَا إِنْ رَاجَعْتُكِ الْقَوْلَ مَرَّةً

بِأَحْسَنَ مِنْهَا عَائِدًا فَتُقِيلُهَا

فَأَصْبَحْتُ كَالْمَجْفُوِّ مِنْ غَيْرِ جَفْوَةٍ

وَمَا بَقِيَتْ مِنْ حَاجَةٍ أَسْتَقِيلُهَا

ص: 246

489 -

وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ، يُنْشِدُ: «

[البحر الطويل]

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَزْرَعْ وَأَبْصَرْتَ حَاصِدًا

نَدِمْتَ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي زَمَنِ الْبَذْرِ

»

ص: 246

490 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ الْجُرْجَانِيُّ:

[البحر الكامل]

مَاذَا يَضُرُّكِ لَوْ رَدَدْتِ سَلَامِي

وَكَشَفْتِ عَنِّي كُرْبَتِي بِكَلَامِي

وَمَنَحْتِنِي صَفْوًا أَعِيشُ بِظِلِّهِ

عَمَّا عَدَدْتِ عَلَيَّ مِنْ إِجْرَامِي

نَفْسِي فِدَاؤُكِ قَدْ أَطَلْتِ بَلِيَّتِي

وَأَذَقْتِنِي بِالصَّدِّ طَعْمَ حِمَامِي

⦗ص: 247⦘

وَتَرَكْتَنِي مُتَحَيِّرًا مُتَلَدِّدًا

أَنَّى نَظَرْتُ فَمِيتَةٌ قُدَّامِي

ص: 246

491 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر الطويل]

رُقَادُكَ يَا طَرْفِي عَلَيْكَ حَرَامُ

فَخَلِّ دُمُوعًا فَيْضُهُنَّ سِجَامُ

فَفِي الدَّمْعِ أَخْطَأَ النَّارَ صَبَابَةٌ

لَهَا بَيْنَ إِحْنَاءِ الضُّلُوعِ ضِرَامُ

وَيَا كَبِدِي الْحَرِي الَّتِي قَدْ تَصَدَّعَتْ

مِنَ الْوَجْدِ دُومِي مَا عَلَيْكِ مَلَامُ

يَا وَجْهَ مَنْ ذَلَّتْ وُجُوهٌ أَعِزَّةٌ

لَهُ وَزَهَا عِزًّا فَلَيْسَ يُرَامُ

أَجِرْ مُسْتَجِيرًا فِي الْهَوَى بِكَ بَاسِطًا

إِلَيْكَ يَدَيْهِ وَالْعُيُونُ نِيَامُ

ص: 247

‌بَابُ حُسْنِ الِاعْتِذَارِ عِنْدَ الزَّلَلِ وَالْعِثَارِ

ص: 248

492 -

حَدَّثَنَا سَعْدانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ يَزِيدَ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: مَلَّكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا وَهُمَا عَلَى سَرِيرٍ لَهُمَا، فَقَالَ:" إِنْ نَزَلْتِ عَنْ هَذَا السَّرِيرِ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَامَتْ فَاحْتَجَزَتْ فَأَخَذَ بِسَاقِهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَعُودُ لِشَيْءٍ كَرِهْتِيهِ قَالَتْ: مَا فِيكَ خَيْرٌ وَلَا فِي صُحْبَتِكَ، فَخَوَّفَتْهُ بِذَلِكَ لَيْلَةً ثُمَّ قَالَتْ: رَدَدْنَا إِلَيْكَ الَّذِي جَعَلْتَ إِلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَرَهُ النَّاسُ شَيْئًا "

ص: 248

493 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ: " كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ وَامْرَأَةٌ، وَكَانَ يَكْتُمُ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ يَطَأَهَا، فَاتَّهَمَتْهُ يَوْمًا فَقَالَتْ: إِنِّي لَأَرَاكَ جُنُبًا مِنْ جَارِيَتَكَ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ؟ قَالَتْ: اقْرَأْ عَلَيَّ إِذًا. فَقَالَ:

[البحر الطويل]

شَهِدْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا

رَسُولُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ مِنْ عَلُ

وَأَنَّ أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلَيْهِمَا

لَهُ عَمَلٌ فِي دِينِهِمْ مُتَقَبَّلُ

فَقَالَتْ: لَوْلَا أَنَّكَ قَرَأْتَ "

ص: 248

494 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ: " كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ وَكُنْتُ شَدِيدَ الْوَجْدِ بِهَا وَأَهَابُ ابْنَةَ عَمِّي فِيهَا، فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً مَعَ ابْنَةِ عَمِّي عَلَى سَرِيرٍ إِذْ عَرَضَ لِي ذَلِكَ الْجَارِيَةُ، فَنَزَلْتُ أُرِيدُهَا، فَضَرَبَتْنِي عَقْرَبٌ فَرَجَعْتُ إِلَى السَّرِيرِ أَصِيحُ، فَانْتَبَهَتِ ابْنَةُ عَمِّي فَقَالَتْ: مَا قَضِيَّتُكَ بِأَبِي وَأُمِّي؟ قُلْتُ: قَدْ لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ. قَالَتْ: عَلَى السَّرِيرِ؟ قُلْتُ: لَا

⦗ص: 249⦘

قَالَتْ: فَاصْدُقْنِي، فَأَخْبَرْتُهَا فَضَحِكَتْ ضَحِكًا شَدِيدًا شَامِتَةً وَقَالَتْ:

[البحر المتقارب]

وَدَارِي إِذَا نَامَ سُكَّانُهَا

تُقِيمُ الْحُدُودَ بِهَا الْعَقْرَبُ

إِذَا غَفَلَ النَّاسُ عَنْ دِينِهِمْ

فَإِنَّ عَقَارِبَنَا تَضْرِبُ

فَلَا تَأْمَنَنْ شَذَا عَقْرَبٍ

بِلَيْلٍ إِذَا أَذْنَبَ الْمُذْنِبُ

ثُمَّ دَعَتْ جَوَارِيهَا وَقَالَتْ: عَزَمْتُ عَلَيْكُنَّ إِنْ قَتَلْتُنَّ عَقْرَبًا فِي دَارِي بَقِيَّةَ هَذِهِ السَّنَةِ "

ص: 248

495 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْإِسْحَاقِيُّ: "

[البحر الطويل]

أَإِنْ سِمْتِنِي ذُلًّا فَعِفْتُ احْتِمَالَهُ

سَخِطْتِ وَمَنْ يَأْبَى الْمَذَلَّةَ يُعْذَرُ

فَهَا أَنَا أَسْتَرْضِيكِ لَا مِنْ جِنَايَةٍ

جَنَيْتُ وَلَكِنْ مِنْ تَجَنِّيكِ أَغْفِرُ

ص: 249

وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ الْمُعَذِّلِ:

[البحر البسيط]

إِذَا ذَكَرْتُ أَيَادِيكَ الَّتِي سَلَفَتْ

مَعَ سُوءِ فِعْلِي وَبَلْوَايَ وَمُجْتَرَمِي

أَكَادُ أُقْتَلُ نَفْسِي ثُمَّ يُدْرِكُنِي

عِلْمِي بِأَنَّكَ مَجْبُولٌ عَلَى الْكَرَمِ

ص: 249

497 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ لِأَبِي نَوَاسٍ وَغَيْرِهِ:

[البحر المنسرح]

⦗ص: 250⦘

لَمْ أَجْنِ ذَنْبًا، فَإِنْ زَعَمْتَ بِأَنْ

أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَغَيْرُ مُعْتَمَدِ

قَدْ طَرَفَ الْعَيْنَ كَفُّ صَاحِبِهَا

فَلَا يَرَى قَطْعَهَا مِنَ السَّدَدِ

ص: 249

498 -

سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى عِمْرَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: كَتَبَ أَبُو نَوَاسٍ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ الْحَسَنِ: «

[البحر الكامل]

مَا مِنْ يَدٍ فِي النَّاسِ وَاحِدَةٍ

إِلَّا أَبُو الْعَبَّاسِ مَوْلَاهَا

نَامَ الثِّقَاتُ عَلَى مَضَاجِعِهِمْ

وَسَرَى إِلَى نَفْسِي فَأَحْيَاهَا

قَدْ كُنْتُ خِفْتُكَ ثُمَّ أَمَّنَنِي

مِنْ أَنْ أَخَافَكَ خَوْفُكَ اللَّهَ

»

ص: 250

499 -

سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: " وَلِيَ عِيسَى بْنُ خُرَيْمٍ وِلَايَةً فَكَسَرَ مَالًا مِنْ خَرَاجِ عَمَلِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ مَنْ يُطَالِبُهُ وَيَسْتَخْرِجُ الْمَالَ مِنْهُ، وَكَتَبَ إِلَى الْمَنْصُورِ مَعَ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:

[البحر الطويل]

أَغِثْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَظْرَةٍ

يَزُولُ بِهَا عَنِّي الْمَخَافَةُ وَالْأَزْلُ

فَفَضْلَكَ أَرْجُو لَا الْبَرَاءَةَ إِنَّهُ

أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَكَ الْفَضْلُ

ص: 250

500 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ:

[البحر المتقارب]

ظُلِمْتُ فَإِنْ قُلْتَ: لَا، بَلْ ظَلَمْتَ

فَإِنِّي أَنَا الْقَاطِعُ الظَّالِمُ

وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَلَّتِي

فَإِنِّي مِنْ قَرْفِهَا وَاجِمُ

يَزِلُّ الْحَلِيمُ وَيَكْبُو الْجَوَادُ

وَيَنْبُو عَنِ الضَّرْبَةِ الصَّارِمُ

عَصَيْتُ وَتُبْتُ كَمَا قَدْ عَصَى

وَتَابَ إِلَى رَبِّهِ آدَمُ

ص: 250

‌بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرْكِ قَبُولِ الْعُذْرِ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ

ص: 251

501 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ مِينَا، عَنْ جُودَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنِ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ كَخَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ»

ص: 251

502 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَنْبَسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الرُّصَافِيِّ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَمْشِي إِلَى أَخِيهِ فَيَعْتَذِرُ إِلَيْهِ بِمَعْذِرَةٍ فَلَا يَقْبَلُهَا مِنْهُ إِلَّا تَحَمَّلَ مِنْهُ كَخَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ» يَعْنِي الْعَشَّارَ

ص: 251

503 -

أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ:

[البحر الطويل]

إِذَا اعْتَذَرَ الْجَانِي مَحَا الْعُذْرُ ذَنْبَهُ

وَكُلُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْعُذْرَ جَانِيَا

ص: 251

504 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ: «

[البحر المديد]

إِنَّ لِلِاعْتِذَارِ حَظًّا مِنَ الْعَفْـ

ـوِ يَرَاهُ الْمُقِرُّ بِالْإِنْصَافِ

وَلَعَمْرِي لَقَدْ أَجَلَّكَ مَنْ جَا

ء مُقِرًّا بِذِلَّةِ الِاعْتِرَافِ

»

ص: 251

‌بَابُ التَّحَفُّظِ مِنْ سَبَبٍ يُوجِبُ الْعُذْرَ

ص: 252

505 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى السَّنُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِظْنِي وَأَوْجَزْ. قَالَ:«إِذَا صَلَّيْتَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدَّعٍ، وَلَا تَتَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا، وَاجْمَعِ الْإِيَاسَ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ»

ص: 252

506 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْفَهَانِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دَخَلَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَلَيَّ وَأَنَا أَكْتُبُ، فَقَالَ:«لَا تُكْثِرِ الْكُتُبَ، فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ كَتَبَ إِلَّا كَذَبَ، وَقَلَّ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَّا كَذَبَ»

ص: 252

507 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ ابْنِ عَوْفٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشُعَيْبُ بْنُ الْحِجَابِ، عَلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَاعْتَذَرْتُ أَنَا أَوْ أَحَدُنَا فَقَالَ:«عَذِرْتُكَ غَيْرَ مُعْتَذِرٍ، إِنَّ الِاعْتِذَارَ يَشُوبُهُ الْكَذِبُ»

ص: 252