المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ حَمْلِ الْوُشَاةِ بِالنَّمَائِمِ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَحْبَابِ - اعتلال القلوب - الخرائطي - جـ ٢

[الخرائطي]

فهرس الكتاب

‌بَابُ حَمْلِ الْوُشَاةِ بِالنَّمَائِمِ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَحْبَابِ

ص: 253

508 -

حَدَّثَنَا ابْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ شَهْرٍ ، عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:«الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ ، وَإِنَّ شِرَارَ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمَائِمِ ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ ، الْبَاغُونَ الْبِرَاءَ الْعَنَتَ» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْمُعَدِّلُ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنِي هُبَيْرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ

ص: 253

510 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ ، وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ»

ص: 253

511 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيٍّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَّامٍ ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ أَبِي إِدْرِيسَ قَالَ:" مَنْ يَتَّبِعِ الْأَحَادِيثَ لَيُحَدِّثَ بِهَا النَّاسَ لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ قَالَ: يَعْنِي النَّمَّامَ "

ص: 254

512 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحِ بْنِ وَكِيعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ الْيَمَامِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الْبَاهِلِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ:«أَنَمُّ النَّاسِ وَلَدُ الزِّنَا»

ص: 254

513 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ:«مَنْ لَمْ يُبَالِ مَا قَالَ وَلَا مَا قِيلَ فَهُوَ لَوَلَدُ شَيْطَانٍ ، أَوْ وَلَدُ بَغِيَّةٍ»

ص: 254

514 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارُ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ لَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ. قَالَ: فَوَجَّهَ الزَّغَبَ وَكَانَ عَلَى شُرَطِهِ فَسَأَلَ عَمَّا قَالَ فَأَبْطَلَ قَوْلَهُ ، فَكَبَّرَ بِلَالٌ ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ جَدِّي أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَبْغِي عَلَى النَّاسِ إِلَّا وَلَدُ بَغِيَّةٍ أَوْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ»

ص: 254

515 -

أَنْشَدَنِي عَليُّ بْنُ هَاشِمٍ لِيَزِيدَ بْنِ مُدْرِكٍ:

[البحر الطويل]

فَمَا لَوُشَاةِ النَّاسِ لَا دَرَّ دَرُّهُمُ

وَلَا بَرِحَتْ أَكْبَادُهُمْ بِغَلِيلِ

إِذَا عَلِمُوا بِاثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا هَوًى

وَبَعْضُ الْهَوَى لِلْعَاشِقِينَ قَلِيلُ

وَشَوْا وَأَحْمُوا الْقِيلَ حَتَّى كَأَنَّمَا

عَلَيْهِمْ بِبَعْضِ الْوَامِقِينَ كَفِيلُ

ص: 255

516 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِي لِعُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ:

[البحر الطويل]

تَكَنَّفَنِي الْوَاشُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

وَلَوْ كَانَ وَاشٍ وَاحِدٌ لَكَفَانِيَا

إِذَا مَا قَعَدْنَا مَقْعَدًا نَسْتَلِذُّهُ

تَوَشَّوْا بِنَا حَتَّى أَمَلَّ مَكَانِيَا

ص: 255

‌بَابُ الرَّحْمَةِ لِأَهْلِ الْهَوَى وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمْ

ص: 256

517 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَاتَ عَاشِقٌ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ زَيْدَانُ ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ:«إِنِّي رَحِمْتُهُ»

ص: 256

518 -

أَنْشَدَنِي مُحْرِزُ بْنُ الْفَضْلِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعْتَزِّ:

[البحر الطويل]

مَرَرْتُ بِقَبْرٍ زَاهِرٍ وَسْطَ رَوْضَةٍ

عَلَيْهِ مِنَ الْأَنْوَارِ مِثْلُ النَّمَارِقِ

فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَكَلِّمْنِي الثَّرَى

تَرَحَّمْ عَلَيْهِ إِنَّهُ قَبْرُ عَاشِقِ

ص: 256

519 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ أَبُو حَفْصٍ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ يَقُولُ: «إِنَّمَا الْغَضَبُ عَلَى

⦗ص: 257⦘

أَهْلِ الْمَعَاصِي لِجُرْأَتِهِمْ عَلَيْهَا ، فَإِذَا تَذَكَّرْتُ مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عُقُوبَةِ الْآخِرَةِ دَخَلَتِ الْقُلُوبَ الرَّحْمَةُ لَهُمْ»

ص: 256

520 -

حَدَّثَنِي أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ الرَّازِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: " لَوْ كَانَ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا عَذَّبْتُ الْعُشَّاقَ ، لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ ذُنُوبُ اضْطِرَارٍ لَا ذُنُوبُ اخْتِيَارٍ

ص: 257

521 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْنَّهْدِيُّ قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فِي خِلَافَتِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَارِيَةٌ تَطْحَنُ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

وَهَوِيتُهُ مِنْ قَبْلِ قَطْعِ تَمَائِمِي

فَتَمَاشَيْنَا مِثْلَ الْقَضِيبِ النَّاعِمِ

وَكَأَنَّ نُورَ الْبَدْرِ سِنَةُ وَجْهِهِ

يَنْمِي وَيَصْعَدُ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمِ

فَدَقَّ عَلَيْهَا الْبَابَ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَيْلَكِ ، أَحُرَّةٌ أَمْ مَمْلُوكَةٌ؟ قَالَتْ: مَمْلُوكَةٌ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: فَمَنْ هَوِيتِ؟ قَالَ: فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ، بِحَقِّ الْقَبْرِ إِلَّا انْصَرَفْتَ عَنِّي قَالَ: وَحَقِّهِ لَا أُدِيمُ أَوْ تُعْلِمِينِي قَالَتْ:

[البحر الكامل]

وَأَنَا الَّتِي لَعِبَ الْغَرَامُ بِقَلْبِهَا

فَبَكَتْ لِحُبِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ

فَقَالَ لَهَا: وَيْلَكِ ، إِيَّايَ أَرَدْتِ قَالَتْ: وَمَتَى صِرْتَ هَاشِمِيًّا قَالَ: صَدَقْتِ وَاللَّهِ. فَصَارَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَبَعَثَ إِلَى مَوْلَاهَا فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَعَثَ بِهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبَى طَالِبٍ ، وَقَالَ مَوْلَايَ: وَاللَّهِ فُتِنَ الرِّجَالُ ، وَكَمْ وَاللَّهِ قَدْ مَاتَ بِهِنَّ مِنْ كَرِيمٍ ، وَعَطَبَ عَلَيْهِنَّ مِنْ سَلِيمٍ

ص: 257

522 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ

⦗ص: 258⦘

: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: دَخَلَتْ عَزَّةُ عَلَى أُمِّ الْبَنِينَ أُخْتِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَتْ لَهَا: " يَا عَزَّةُ ، مَا قَوْلُ كُثَيِّرٍ:

[البحر الطويل]

قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ عَلِمْتُ غَرِيمَهُ

وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنًّى غَرِيمُهَا

مَا كَانَ هَذَا الدَّيْنُ؟ " قَالَتْ: كُنْتُ وَعَدْتُهُ قُبْلَةً ، ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ مِنْهَا، فَقَالَتْ:«أَنْجِزِيهَا لَهُ وَعَلَيَّ إِثْمُهَا»

ص: 257

523 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي مُخَنَّثٍ قَالَ: رُفِعَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بِالْكُوفَةِ غُلَامٌ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ أُخِذَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ: «مَا قِصَّتُكَ؟» ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، لَسْتُ بِلِصٍّ وَلَا سَارِقٍ وَلَكِنْ أَصْدُقُكَ قَالَ: هَاتِ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

تَعَلَّقْتُ فِي دَارِ الرِّيَاحِيِّ خَوْدَةً

يَذِلُّ لَهَا مِنْ حُسْنِهَا الْقَمَرُ الْبَدْرُ

لَهَا مِنْ بَيَاتِ الرُّومِ حُسْنٌ وَمَنْصِبُ

إِذَا افْتَخَرُوا بِالْحُسْنِ جَانَبَهَا الْفَخْرُ

فَلَمَّا طَرَقْتُ الدَّارَ مِنْ حَرِّ مُهْجَةٍ

أَبِيتُ وَفِيهَا مِنْ تَوَّقُدِهَا جَمْرُ

تَنَادَرَ أَهْلُ الدَّارِ بِي ثُمَّ صَيَّحُوا

هُوَ اللِّصُّ مَحْتُومًا لَهُ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ عَلِيٌّ شِعْرَهُ رَقَّ لَهُ وَقَالَ لِلرِّيَاحِيِّ ، وَهُوَ الْمُلَهَّبُ بْنُ رِيَاحٍ

⦗ص: 259⦘

الْيَرْبُوعِيُّ: اسْمَحْ لَهُ بِهَا وَنُعَوِّضُكَ مِنْهَا قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، سَلْهُ مَنْ هُوَ؟ قَالَ الْغُلَامُ: النَّهَّاسُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْعِجْلِيُّ قَالَ الرِّيَاحِيُّ: خُذْ بِيَدِهَا ، هِيَ لَكَ

ص: 258

524 -

حَدَّثَنَا أَخِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ آدَمَ بْنِ أَبِي اللَّيْثِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَاضِي مِصْرَ وَجَارِيَةٌ تُغْنِي:

[البحر المتقارب]

تَرَى فِي الْحُكُومَةِ يَا سَيِّدِي

عَلَى مَنْ تَعَشَّقَ أَنْ يُقْتَلَا

وَكَانَ فِي يَدِهِ قَلَمٌ فَرَمَى بِهِ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: لَا لَا

ص: 259

وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَاتِبُ: أَنَّ غُلَامًا وَجَارِيَةً كَانَا فِي كُتَّابٍ فَهَوِيَهَا الْغُلَامُ فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُ بِمُعَلِّمِهِ حَتَّى صَيَّرَهُ قَرِينًا لَهَا ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ عِنْدَ غَفْلَةٍ مِنَ الْغِلْمَانِ وَقَّعَ فِي لَوْحِ الْجَارِيَةِ:

[البحر البسيط]

مَاذَا تَقُولِينَ فِيمَنْ شَفَّهُ أَرَقٌ

مِنْ جُهْدِ حُبِّكِ صَارَ حَيْرَانَا

فَلَمَّا نَظَرْتِ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهَا بِالدُّمُوعِ رَحْمَةً لَهُ ، وَوَقَّعَتْ فِي أَسْفَلِهِ:

إِذَا رَأَيْنَا مُحِبًّا قَدْ أَضَرَّ بِهِ

طُولُ الصَّبَابَةِ أَوْلَيْنَاهُ إِحْسَانَا

ص: 259

525 -

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي صَيْفِيُّ بْنُ أَبِي صَيْفِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَتْ عَاتِكَةُ ابْنَةُ زَيْدٍ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَكَانَتْ قَدْ غَلَبَتْهُ عَلَى رَأْيِهِ ، وَشَغَلَتْهُ عَنْ سُوقِهِ ، فَأَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً فَفَعَلَ ، فَوَجَدَ عَلَيْهَا فَفَعَلَ لِأَبِيهِ عَلَى طَرِيقِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ ، فَلَمَّا بَصُرَ بِأَبِي بَكْرٍ أَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

فَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ الْيَوْمَ مِثْلَهَا

وَلَا مِثْلَهَا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلَّقُ

⦗ص: 260⦘

قَالَ: فَرَّقَ لَهُ وَأَمَرَهُ بِمُرَاجَعَتِهَا

ص: 259

526 -

حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ الْمَهْدِيَّ ، خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ حَتَّى إِذَا كَانَ بِزُبَالَةَ جَلَسَ يَتَغَدَّى حَتَّى أَتَى بَدَوِيٌّ فَوَقَفَ بِالْبَابِ فَنَادَى: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، إِنِّي عَاشِقٌ ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ ، فَقَالَ لِلْحَاجِبِ: وَيْحَكَ ، مَا هَذَا؟ قَالَ: إِنْسَانٌ بِالْبَابِ يَصِيحُ: إِنِّي عَاشِقٌ قَالَ: أَدْخِلُوهُ ، فَأَدْخَلُوهُ عَلَيْهِ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَقَعَدَ يَأْكُلُ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ عَشِيقَتُكَ؟ قَالَ: ابْنَةُ عَمِّي قَالَ: أَوَ لَهَا أَبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَمَا لَهُ لَا يُزَوِّجَكَهَا؟ قَالَ: هَاهُنَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَأَخْبَرَنِي مَا هُوَ؟ قَالَ: ادْنُ مِنِّي أُذُنَكَ قَالَ: فَأَدْنَى مِنْهُ أُذُنَهُ فَقَالَ: إِنِّي هَجِينٌ ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: فَمَا يَكُونُ قَالَ: إِنَّهُ عِنْدَنَا عَيْبٌ. فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِ أَبِيهَا فَأُتِيَ بِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَقَعَدَ يَأْكُلُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَلِمَ لَا تَزَوِّجُهُ كَرِيمَتَكَ؟ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَةِ ابْنِ أَخِيهِ ، وَكَانَ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ عِنْدَهُ عَلَى الْمَائِدَةِ جَمَاعَةٌ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بَنُو الْعَبَّاسِ ، وَهُمْ هَجَنٌ ، مَا الَّذِي يَضُرُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: هُوَ عِنْدَنَا عَيْبٌ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ طَعَامِهِمْ وَغَسَلُوا أَيْدِيَهُمْ قَالَ الْمَهْدِيُّ: زَوِّجْهُ إِيَّاهَا عَلَى عِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، عَشَرَةِ آلَافِ دَرْهَمٍ لِلْعَيْبِ ، وَعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ مَهْرُهَا. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا ، فَأُتِيَ بِبَدْرَتَيْنِ فَدُفِعَتَا إِلَى الشَّيْخِ فَأَنْشَأَ الشَّابُّ يَقُولُ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 261⦘

ابْتَعْتُ طَيِّبَةَ بِالْغَلَاءِ وَإِنَّمَا

يُعْطِي الْغَلَاءَ بِمِثْلِهَا أَمْثَالِي

وَتَرَكْتُ أَسْوَاقَ الْقِبَاحِ لِأَهْلِهَا

إِنَّ الْقِبَاحَ وَإِنْ رَخُصْنَ غَوَالِي

ص: 260

527 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، كَانَ قَدْ تَرَكَ الشِّعْرَ وَرَغِبَ عَنْهُ ، وَنَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ لِكُلِّ بَيْتٍ يَقُولُهُ هَدْي بَدَنَةٍ ، فَمَكَثَ بِذَلِكَ حِينًا ثُمَّ خَرَجَ لَيْلَةً يُرِيدُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ، إِذْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ ذَاتِ جَمَالٍ تَطُوفُ ، وَإِذَا رَجُلٌ يَتْلُوهَا ، كُلَّمَا رَفَعَتْ رِجْلَهَا وَضَعَ رِجْلَهُ مَوْضِعَ رِجْلِهَا ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمَا ، فَلَمَّا فَرَغْتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَوَافِهَا تَبِعَهَا الرَّجُلُ هُنَيْهَةً ، ثُمَّ رَجَعَ وَفِي قَلْبِ عُمَرَ مَا فِيهِ ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ وَثَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: لَتُخْبِرَنِّي عَنْ أَمْرِكَ قَالَ: نَعَمْ ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَيْتَ ابْنَةُ عَمِّي ، وَأَنَا لَهَا عَاشِقٌ ، وَلَيْسَ لِي مَالٌ فَخَطَبْتُهَا إِلَى عَمِّي فَرَغِبَ عَنِّي وَسَأَلَنِي عَنِ الْمَهْرِ مَا لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَالَّذِي رَأَيْتَ هُوَ حَظِّي مِنْهَا وَمَا لِي مِنَ الدُّنْيَا أُمْنِيَةٌ غَيْرُهَا ، وَإِنَّمَا أَلْقَاهَا عِنْدَ الطَّوَافِ ، وَحَظِّي مَا رَأَيْتَ مِنَ فِعْلِي. قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَنْ عَمُّكَ؟ قَالَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ قَالَ: انْطَلَقَ مَعِي إِلَيْهِ ، فَانْطَلَقْنَا فَاسْتَخْرَجَهُ عُمَرُ فَخَرَجَ مُبَادِرًا فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ يَا أَبَا الْخَطَّابِ؟ قَالَ: تُزَوِّجُ ابْنَتَكَ فُلَانَةَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ فُلَانٍ ، وَهَذَا الْمَهْرُ الَّذِي تَسْأَلُهُ مُسَاقٌ إِلَيْكَ مِنْ مَالِي. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أُحِبُّ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَجْتَمِعَا. قَالَ: وَذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ: فَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى جَمَعَهُمَا وَأَتَى مَنْزِلَهُ فَاسْتَلْقَى عَلَى فِرَاشِهِ فَجَعَلَ النَّوْمُ لَا يَأْخُذُهُ ، وَجَعَلَ جَوْفُهُ يَجِيشُ بِالشِّعْرِ ، فَأَنْكَرَتْ جَارِيَتُهُ ذَلِكَ فَجَعَلَتْ تَسْأَلُهُ عَنْ أَمْرِهِ وَتَقُولُ: وَيْحَكَ ، مَا الَّذِي دَهَاكَ ، فَلَمَّا أَكْثَرَتْ عَلَيْهِ جَلَسَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الوافر]

⦗ص: 262⦘

تَقُولُ وَلِيدَتِي لَمَّا رَأَتْنِي

طَرِبْتُ وَكُنْتُ قَدْ أَقَصَرْتُ حِينَا

أُرَاكَ الْيَوْمَ قَدْ أَحْدَثْتَ شَوْقًا

وَهَاجَ لَكَ الْهَوَى دَاءً دَفِينَا

بِرَبِّكَ هَلْ أَتَاكَ لَهَا رَسُولٌ

فَشَاقَكَ أَمْ رَأَيْتَ لَهَا خَدِينَا

فَقُلْتُ: شَكَا إِلَيَّ أَخٌ مُحِبٌّ

لِبَعْضِ زَمَانِنَا إِذْ تَعْلَمِينَا

تَعُدُّ عَلَيَّ مَا يَلْقَى بِهِنْدٍ

فَوَافَقَ بَعْضَ مَا كُنَّا لَقِينَا

وَذُو الْقَلْبِ الْمُصَابِ وَإِنْ تَغَنَّى

يُهَيَّجُ حِينَ يَلْقَى الْعَاشِقِينَا

وَكَمْ مِنْ خَلَّةٍ أَعْرَضْتُ عَنْهَا

لِغَيْرِ قِلًى وَكُنْتُ بِهَا ضَنِينَا

رَأَيْتُ صُدُودَهَا فَصَدَدْتُ عَنْهَا

وَلَوْ جُنَّ الْفُؤَادُ بِهَا جَنِينَا

ص: 261

528 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بِنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ ، حَدَّثَنِي صَدِيقٌ لِي كَانَ ضَيْفًا لِلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ يَهْوَى جَارِيَةً لِابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ الْمُبَرِّدُ: قَالَ لِيَ صَدِيقٌ لِي: لَا وَاللَّهِ مَا عَايَنْتُ أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْهَا قَطُّ ، وَكَانَتْ مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ لِسَانًا ، وَمَعَ ذَلِكَ شَاعِرَةٌ نَاقِدَةٌ ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ مَعَ الْحُسَيْنِ إِلَيْهَا إِلَى الْخَلْدِ ، فَكَانَتْ تَرْقُبُ وَقْتَهُ فَتَنْتَظِرَهُ فِيهِ فَتُحَدِّثُهُ مَلِيًّا ، فَقَالَتْ لَهُ يَوْمًا: هَلْ قُلْتَ فِينَا شَيْئًا؟ فَأَنْشَدَهَا: "

[البحر الطويل]

رَمَتْكَ غَدَاةَ السَّبْتِ شَمْسٌ مِنَ الْخَلْدِ

بِسَهْمِ الْهَوَى عَمْدًا وَمَرْتُكَ فِي الْعَمْدِ

مُخَضَّبَةُ الْأَطْرَافِ رَوْدٌ شَبَابُهَا

مُعَقْرَبَةُ الصَّدْغَيْنِ كَاذِبَةُ الْوَعْدِ

مُزَرَّرَةُ السِّرْبَالِ مُكَوَّرَةُ الْحَشَا

غُلَامِيَّةُ التَّقْطِيعِ شَاطِرَةُ الْقَدِّ

⦗ص: 263⦘

أَقُولُ وَقَلْبِي بَيْنَ شَوْقٍ وَزَفْرَةٍ

وَقَدْ شَخِصَتْ عَيْنِي وَدَمْعِي عَلَى خَدِّي

أَجِيزِي عَلَى مَنْ قَدْ تَرَكْتِ فُؤَادَهُ

بِلَحْظَتِهِ بَيْنَ التَّأَسُّفِ وَالْجَهْدِ

فَقَالَتْ: عَذَابٌ بِالْهَوَى قَبْلَ مَنِيَّةٍ

وَمَوْتٌ أَنَا أَقْرَحْتُ قَلْبَكَ مِنْ بُعْدِ

سَأَشْكُوكِ فِي الْأَشْعَارِ غَيْرَ مُقَصِّرٍ

إِلَى عَاصِمٍ ذِي الْمَكْرُمَاتِ وَذِي الْحَمْدِ

لَعَلَّ فَتَى غَسَّانَ يَجْمَعُ بَيْنَنَا

فَتَأْمَنُ نَفْسِي مِنْكُمُ لَوْعَةَ الصَّدِّ

فَبَعَثَ بِهَذَا الشِّعْرِ إِلَى عَاصِمٍ الْغَسَّانِيِّ ، فَرَامَ شِرَاءَهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَقَالَ: هَذِهِ عِوَضٌ مِنْهَا ، فَأَنْفَقَهَا الْحُسَيْنُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ كَتَبَ بِشَعْرٍ آخَرَ إِلَى دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ ، وَكَانَ الشَّعْرُ:

[البحر السريع]

أَمَتُّ بِالْهِجْرَانِ مَوْعِودِي

وَجُرْتُ فِي غَايَةٍ مَجْهُودِ

فَإِنْ تَأَنَّيْتُ بِإِتْيَانِكُمْ

كُنْتُ فَتًى أَهْوَنَ مَفْقُودِ

وَكُنْتُ إِنْ جِئْتُكُمْ زَائِرًا

أَبِتْ بِرَغْمٍ غَيْرَ مَحْمُودِ

فَكَيْفَ أَحْتَالُ لَكُمْ خُلَّتِي

هَاتِ فَقَدْ ضَلَّتْ مَقَالِيدِي

بَلَى سَأَشْكُوكِ وَأَشْكُو الْهَوَى

إِلَى فَتَى قَحْطَانَ دَاوُدَ

لَعَلَّهُ يَكْشِفُ إِنْ جِئْتُهُ

أَشْكِيكُمُ كُرْبَةَ مَعْمُودِ

فَأَمَرَ لَهُ بِجَارِيَةٍ وَقَالَ: لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يُعْدَى عَلَيْهَا لَأَعْدَيْنَاكُ بِشَكْوَاكِ "

ص: 262

529 -

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: كَانَ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ أَحَدَ الْقُرَّاءِ فَرَأَوْهُ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْعَاشِقِينَ ، وَوفِّقْ قُلُوبَهُمْ ، وَاعْطِفْ قُلُوبَ الْمَعْشُوقِينَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 264⦘

يَا هَجْرُ كُفَّ عَنِ الْهَوَى وَدَعِ الْهَوَى

لِلْعَاشِقِينَ يَطِيبُ يَا هَجْرُ

مَاذَا تُرِيدُ مِنَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ

قَدْحَى وَحَشْوُ ضَمِيرِهِمْ جَمْرُ

مُتَلَذِذِينَ مِنَ الْهَوَى أَلْوَانُهُمْ

مِمَّا تُجِنُّ قُلُوبُهُمْ صِفْرُ

وَسَوَابِقُ الْعَبَرَاتِ فَوْقَ خُدُودِهِمْ

دُرَرٌ تُفِيضُ كَأَنَّهَا الْعِطْرُ

فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا السَّائِبِ ، أَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِفِ وَأَنْتَ فِي الْفَضْلِ أَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: وَمَا قُلْتُ؟ وَاللَّهِ لَلدُّعَاءُ لَهُمْ أَفْضَلُ لَهُمْ مِنْ عُمْرَةٍ فِي رَجَبٍ مِنَ الْجِعْرَانَةِ

ص: 263

530 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا السَّائِبِ الْمَخْزُومِيَّ ، وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ ، سَمِعَ فَتًى يَتَغَنَّى:

[البحر المنسرح]

قَلْبِي عَلَيْكِ حَبِيسٌ مَوْقُوفُ

وَالْعَيْنُ عَبْرَى وَالدَّمْعُ مَذْرُوفُ

إِنْ كُنْتِ بِالْحُسْنِ قَدْ وُصِفْتِ لَنَا

فَإِنَّنِي بِالْهَوَى لَمَوْصُوفُ

يَا حَسْرَتَا حَسْرَةً أَمُوتُ بِهَا

إِنْ لَمْ تَكُنْ لِي لَدَيْكِ مَعْرُوفُ

فَقَالَ: فَصَاحَ أَبُو السَّائِبِ صَيْحَةً وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ اللَّهَ إِنْ لَمْ أَعْرِفْ لَكَ حَقَّكَ ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ رِدَاءَهُ

ص: 264

531 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: عَرَضَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ

⦗ص: 265⦘

سِجْنَهُ ، فَكَانَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ فُلَانٍ الْبَجَلِيِّ ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ:«فِي أَيِّ شَيْءٍ حُبِسْتَ يَا يَزِيدُ؟» قَالَ: فِي تُهْمَةٍ ، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ قَالَ: تَعُودُ إِنْ أَطْلَقْتُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، وَكَرِهَ أَنْ يُصَرِّحَ بِالْقَصَّةِ أَوْ يَوْمِئَ إِلَيْهَا فَيَفْضَحَ مَعْشُوقَتَهُ لِكَيْ لَا يَنَالَهَا أَهْلُهَا بِبَعْضِ الْمَكْرُوهِ ، فَقَالَ خَالِدٌ لِأَوْلِيَاءِ الْجَارِيَةِ: أَحْضِرُوا رِجَالَ الْحَيِّ حَتَّى نَقْطَعَ كَفَّهُ بِحَضْرَتِهِمْ ، وَكَانَ ابْنُ رَزَاحٍ فَكَتَبَ شِعْرًا وَوَجَّهَهُ إِلَى خَالِدٍ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

أَخَالِدُ قَدْ وَاللَّهِ أُعْطِيتَ عَشْوَةٌ

وَمَا الْعَاشِقُ الْمِسْكِينُ فِينَا بِسَارِقِ

أَقَرَّ بِمَا لَمْ يَأْتِهِ الْمَرْءُ أَنَّهُ رَأَى

الْقَطْعَ خَيْرًا مِنْ فَضِيحَةِ عَاتِقِ

وَلَوْلَا الَّذِي قَدْ خِفْتُ مِنْ قَطْعِ كَفِّهِ

لَأَلْقَيْتُ فِي أَمْرِ الْهَوَى غَيْرَ نَاطِقِ

إِذَا بَدَتِ الرَّايَاتُ فِي السَّبْقِ لِلْعُلَى

فَأَنْتَ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَوَّلُ سَابِقِ

فَلَمَّا قَرَأَ خَالِدٌ الْأَبْيَاتِ عَلِمَ صِدْقَ قَوْلِهِ ، فَأَحْضَرَ أَوْلِيَاءَ الْجَارِيَةِ فَقَالَ: زَوِّجُوا يَزِيدَ فَتَاتَكُمْ ، فَقَالُوا: أَمَا قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ فَلَا ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهُ طَائِعِينَ لَتُزَوِّجُنَّهُ كَارِهِينَ ، فَزَوِّجُوهُ ، وَنَقَلَ خَالِدٌ الْمَهْرَ مِنْ عِنْدِهِ "

ص: 264

532 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ بِالْكُوفَةِ يُدْعَى لَيْثَ بْنَ زِيَادٍ قَدْ رَبَّى جَارِيَةً وَأَدَّبَهَا فَخَرَجَتْ بَارِعَةً فِي كُلِّ فَنٍّ مَعَ كَمَالِ الْجَمَالِ ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهَا مُدَّةً حَتَّى تَبَيَّنَتْ مِنْهُ الِاخْتِلَالَ ، فَقَالَتْ: يَا مَوْلَايَ ، لَوْ بِعْتَنِي كَانَ أَصْلَحَ لَكَ مِمَّا أَرَاكَ بِهِ ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَظُنُّ أَنَّى أَصْبِرُ عَنْكَ ، فَقَصَدَ رَجُلًا مِنَ النُّهَيْكِيِّينَ يَعْرِفُهَا وَيَعْرِفُ فَضْلَهَا فَبَاعَهَا مِنْهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلَمَّا قَبَضَ الْمَالَ

⦗ص: 266⦘

وَجَّهَ بِهَا إِلَى مَوْلَاهَا النُّهَيْكِيِّ وَجَزِعَ عَلَيْهَا جَزَعًا شَدِيدًا ، فَلَمَّا صَارَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى النُّهَيْكِيِّ نَزَلَ بِهَا الْوَحْشَةُ لِمَوْلَاهَا مَا لَمْ تَسْتَطِعْ دَفْعَهُ وَلَا كِتْمَانَهُ ، فَبَاحَتْ بِهِ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

أَتَانِي الْبَلَا حَقًّا فَمَا أَنَا صَانِعُ

أَمُصَطَبِرٌ لِلْبَيْنِ أَمْ أَنَا جَازِعُ

كَفَى حُزْنًا أَنَّى عَلَى مِثْلِ جَمْرَةٍ

أُقَاسِي نُجُومَ اللَّيْلِ وَالْقَلْبُ نَازِعُ

فَإِنْ تَمْنَعُونِي أَنْ أَمُوتَ بِحُبِّهِ

فَإِنِّي قَتِيلٌ وَالْعُيُونُ دَوَامِعُ

فَبَلَغَ النُّهَيْكِيَّ شِعْرُهَا فَدَعَا بِهَا فَأَرَادَهَا فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ لَهُ: يَا سَيِّدِي ، إِنَّكَ لَا تَنْتَفِعُ بِي قَالَ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لِمَا بِي قَالَ: وَمَا بِكِ ، صِفِيهِ لِي قَالَتْ: أَجِدُ فِي أَحْشَائِي نِيرَانًا تَتَوَقَّدُ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى إِطْفَائِهَا أَحَدٌ ، فَلَا تَسَلْ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَرَحِمَهَا وَرَقَّ لَهَا ، وَبَعَثَ إِلَى مَوْلَاهَا ، فَسَأَلَ عَنْ خَبَرِهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُ مِثْلَ الَّذِي عِنْدَهَا فَأَحْضَرَهُ ، فَرَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَيْهِ ، وَوَهْبَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا خَمْسِينَ أَلْفًا ، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً ، وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ خَبَرُهَا وَهُوَ بِخُرَاسَانَ فَكَتَبَ إِلَى أَبِي السَّوْدَاءِ خَلِيفَتِهِ بِالْكُوفَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْظُرَ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ لِي مِنْ قِبَلِ الْجَارِيَةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لَهُ بِمَا مَلَكَتْهُ يَمِينُهُ ، فَرَكِبَ أَبُو السَّوْدَاءِ إِلَى مَوْلَى الْجَارِيَةِ فَخَبَّرَهُ بِمَا كَتَبَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ فَلَمْ يَجِدْ لَيْثٌ بُدًّا مِنْ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ لِذَلِكَ كَارِهٌ ، فَأَرَادَ أَبُو السَّوْدَاءِ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ الْجَارِيَةِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر البسيط]

بَدِيعُ صَدٍّ قَرِيبُ هَجْرٍ

جَعَلْتُهُ مِنْهُ لِي مَلَاذَا

فَأَجَابَتْهُ الْجَارِيَةُ:

فَعَاتَبُوهُ فَزَادَ شَوْقًا

فَمَاتَ عِشْقًا فَكَانَ مَاذَا

فَعَلِمَ أَبُو السَّوْدَاءٍ أَنَّهَا تَصْلُحُ ، فَاشْتَرَاهَا بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَخَرَجَ بِهَا وَحَمَلَهَا

⦗ص: 267⦘

إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ إِلَى خُرَاسَانَ ، فَلَمَّا صَارَتْ إِلَيْهِ اخْتَبَرَهَا فَوَجَدَهَا عَلَى مَا أَرَادَ فَغَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ ، وَيُقَالُ إِنَّهَا أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ طَاهِرٍ ، وَلَمْ يَزَلْ إِلْطَافُهَا وَجَوَائِزُهَا تَأْتِي مَوْلَاهَا الْأَوَّلَ حَتَّى مَاتَتْ

ص: 265

533 -

حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ نُعَيْمٍ الْغِفَارِيُّ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ امْرَأَتَهُ ابْنَةَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَدِيعَةُ جَوْهَرٍ اسْتَوْدَعَهَا إِيَّاهُ فَتَزَوَّجَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، ثُمَّ أَرَادَ ابْنُ عَامِرٌ الْحَجَّ ، فَأَتَى الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ الْحَسَنَ عليه السلام ، فَقَالَ: حَدِّثْنَا يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ لِي إِلَى ابْنَةِ سُهَيْلٍ حَاجَةً ، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهَا الْحَسَنُ: الْبَسِي ثِيَابَكِ ، فَهَذَا ابْنُ عَامِرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَسَأَلَهَا وَدِيعَتَهُ ، فَجَاءَتْهُ بِهَا عَلَيْهَا خَاتَمُهُ ، فَقَالَ: خُذِي ثُلُثَهَا ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ عَلَى أَمَانَةٍ اؤُتُمِنْتُ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَامِرٍ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَتِي قَدْ بَلَغَتْ ، وَأُحِبُّ أَنْ تُخَلِّي بَيْنِي وَبَيْنَهَا ، فَبَكَتْ وَبَكَتِ ابْنَتُهَا ، وَرَقَّ ابْنُ عَامِرٍ فَقَالَ الْحَسَنُ: فَهَلْ لَكُمَا ، فَوَاللَّهِ مَا مِنْ مُحَلِّلٍ خَيْرٍ مِنِّي قَالَ: أَجَلْ ، فَوَاللَّهِ لَا أُخْرِجُهَا مِنْ عِنْدِكَ أَبَدًا قَالَ: فَكَفَلَهَا حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

ص: 267

534 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ «يَا عَبَّاسُ ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ ، وَشِدَّةِ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا» . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَوْ رَاجَعْتِهِ ، فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَأْمُرُنِي فَأَفْعَلُ؟ قَالَ:«لَا ، إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ»

ص: 267

535 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنِّي أُوتَى وَيُطْلَبُ مِنِّي الْحَاجَةُ وَأَنْتُمْ عِنْدِي ، فَاشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ»

ص: 268

536 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ الْجُرْجَانِيُّ:

[البحر الكامل]

شَكَوْتُ بَلَاءً لَا أُطِيقُ احْتِمَالَهُ

وَقَلْبِي مُطِيعٌ لِلْهَوَى غَيْرُ دَافِعِ

فَأُقْسِمُ مَا تَرْكِي عِتَابَكِ عَنْ قِلًى

وَلَكِنْ لِعِلْمِي أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعِ

وَإِنِّي مَتَى لَمْ أَلْزَمِ الصَّبْرَ طَائِعًا

فَلَا بُدَّ مِنْهُ مُكْرَهًا غَيْرَ طَائِعِ

إِذَا أَنْتِ لَمْ تُعْطِفْكِ إِلَّا شَفَاعَةٌ

فَلَا خَيْرَ فِي رَدٍّ يَكُونُ بِشَافِعِ

ص: 268

‌بَابُ التَّعَجُّبِ مِمَّنْ قَلْبُهُ سَلِمَ مِنَ الصَّبْوَةِ

ص: 269

537 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ ، وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي عُشَانَةَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَجِبَ رَبُّكَ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ»

ص: 269

538 -

حَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:«كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّابِّ صَبْوَةً» قَالَ الْأَعْمَشُ: «يَذْكُرُهَا وَيَجْتَهِدُ»

ص: 269

539 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ فَقَالَتْ لَهُ: أَنْتَ عُرْوَةُ بْنُ أُذَيْنَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: أَلَسْتَ الْقَائِلَ:

[البحر البسيط]

قَالَتْ وَأَبْثَثَتُهَا وَجْدِي فَبُحْتُ بِهِ:

قَدْ كُنْتَ عِنْدِي تُحِبُّ السِّتْرَ فَاسْتَتِرِ

أَلَسْتَ تُبْصِرُ مَنْ حَوْلِي؟ فَقُلْتُ لَهَا:

غَطَّى هَوَاكِ وَمَا أَبْقَى عَلَى بَصَرِي

وَاللَّهِ مَا خَرَجَ هَذَا الشِّعْرُ مِنْ قَلْبٍ سَلِيمٍ لَمْ يَعْشَقْ

ص: 269

‌بَابُ اللَّجَاجِ عِنْدَ اللَّوْمِ وَالْعَذَلِ

ص: 270

540 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ قَالَ: لَمَّا أَكْثَرَ جَمِيلٌ فِي التَّشْبِيبِ بِبُثَيْنَةَ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا ، فَأَلَحَّ أَهْلُهُ عَلَى لَائِمَتِهِ وَعَزْلِهِ ، فَلَمَّا أَلَحُّوا عَلَيْهِ تَحَمَّلَ هَارِبًا إِلَى وَادِي الْقُرَى ، فَطُلِبَ فَهَرَبَ مِنْهُ ، فَلَحِقَ بِشَيْخٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَبِي بَنَاتٍ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: الْبِسْنَ خَيْرَ ثِيَابِكُنَّ وَأَحْسَنَ حُلِيِّكُنَّ وَتَشَوَّفْنَ لَهُ ، عَسَى أَنْ تَقَعَ عَيْنُهُ عَلَى بَعْضِكُنَّ فَأُزَوِّجَهَا مِنْهُ فَيَنْقَطِعَ هَذَا الْأَمْرُ عَنَّا ، فَفَعَلْنَ وَتَعَرَّضْنَ لَهُ ، فَلَمَّا أَكْثَرْنَ قَالَ لَهُنَّ بِحَيْثُ يَسْمَعْنَ:

[البحر الطويل]

حَلَفْتُ لِكَيْمَا تَعْلَمُونِي صَادِقًا

وَلَلصِّدْقُ خَيْرٌ فِي الْأُمُورِ وَأَنْجَحُ

لَتَكْلِيمُ يَوْمٍ مِنْ بُثَيْنَةَ وَاحِدٍ

وَرُؤْيَتُهَا عِنْدِي أَلَذُّ وَأُمْلَحُ

مِنَ الدَّهْرِ لَوْ أَخْلُو بِكُنَّ وَإِنَّمَا

أُعَالِجُ قَلْبًا غَارِمًا حَيْثُ يَطْمَحُ

قَالَ: فَذَكَرْنَ ذَلِكَ لِأَبِيهِنَّ ، فَقَالَ: خَلِّينَ عَنْ هَذَا ، فَإِنَّهُ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا "

ص: 270

541 -

أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 271⦘

أَحْرَقْتُمَا كَبِدِي بِاللَّوْمِ فَاحْتَرَقَتْ

يَا صَاحِبَيَّ وَهَذَا مِنْكُمَا شَرَفُ

لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيمَنْ كَانَ يُخْبِرُنِي

أَنَّ الْمُحِبَّ إِذَا مَا شَاءَ يَنْصَرِفُ

وَجْدُ الْمُحِبِّ إِذَا مَا بَانَ صَاحِبُهُ

وَجْدُ الصَّبِيِّ لِثَدْيَيْ أُمِّهِ الْكَلِفُ

قَدْ تَمْكُثُ النَّاسُ حِينًا لَيْسَ بَيْنَهُمُ

وُدٌّ فَيَزْرَعُهُ التَّسْلِيمُ وَاللُّطَفُ

ص: 270

542 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَطَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: عَشِقَتْ جُوَيْرِيَةُ أَعْرَابِيَّةٌ فَتًى مِنْ عَشِيرَتِهَا فَعَزَلَتْهَا أُمُّهَا فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الرجز]

يَا أُمِّ مَهْلًا لَا يَكُونُ الْحُبَّا

وَلَا لَقِيتُ لَوْعَةً وَكَرْبَا

عَيْنَاهُ قَادَتْنِي إِلَيْهِ غَصْبَا

رَأَيْتُ طَرَفًا فَاسْتَحَرَّ الْقَلْبَا

وَمُقْلَةٌ أَحْسَبُ فِيهَا الشُّهْبَا

إِنْ لُمْتِنِي فَرُبَّمَا وَرُبَّا

تَرَكَتْ ذَا اللُّبِّ لِسَيْرٍ أَصَبَّا

إِذَا رَآنِي طَرْفُهُ أَكَبَّا

تَبًّا لِهَذَا الْحُبِّ تَبًّا تَبَّا

يَا رَبِّ أَوْرِدْهُ الْمَحِلَّ الْجَدْبَا

ص: 271

543 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ لِأَبِي الشِّيصِ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 272⦘

وَقَفَ الْهَوَى بِي حَيْثُ أَنْتِ فَلَيْسَ لِي

مُتَأَخَّرٌ عَنْهُ وَلَا مُتَقَدَّمُ

أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاكِ لَذِيذَةً

حُبًّا لِذِكْرِكِ فَلْتَلُمْنِي اللُّوَّمُ

أَشْبَهْتِ أَعْدَائِي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ

إِذْ كَانَ حَظِّي مِنْكِ حَظِّيَ مِنْهُمُ

وَأَهَنْتِنِي فَأَهَنْتُ نَفْسِيَ صَاغِرًا

مَا مَنْ يَهُونُ عَلَيْكِ مِمَّنْ أُكْرِمُ

"

ص: 271

544 -

سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ النَّحْوِيَّ ، يَذْكُرُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ اللَّهَبِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي رِيَابٌ:

[البحر الرمل]

أُمَّتِي لَا تَعْذِلُونِي

إِنَّ فِي ثَوْبِي بَرَاتِي

خَاتَمُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ

وَبِهِ أَرْجُو نَجَاتِي

بِنْتُ عَشْرٍ تَأْمُرِينِي

بِاتِّبَاعِ الْقَارِيَاتِ

أَنْظِرِينِي عَشْرَا أُخْرَى

أَشْتَفِي قَبْلَ الْمَمَاتِ

قَالَ: لَقَدْ عَجَّلْتَ عَلَيْهَا ، وَلَقَدْ سَأَلْتَهَا يَسِيرًا ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهَا ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ كُثَيِّرِ عَزَّةَ:

[البحر الطويل]

تَلُومُ امْرَءًا فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ

وَتَتْرُكُ أَشْيَاخَ الصَّبَابَةِ حِينُ

وَمَا شَعَرَتْ أَنَّ الصِّبَا إِذْ بَلْوَتَنِي

عَلَى عَهْدِ عَادٍ لِلشَّبَابِ خَدِينُ

ص: 272

545 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ لِخَالِدٍ الْكَاتِبِ:

[البحر المنسرح]

⦗ص: 273⦘

مَا يَسْتَرِيحُ الْمُحِبُّ مِنْ خَبْلِهِ

وَلَا يُفِيقُ الْعَذُولُ مِنْ عَذْلِهْ

هَذَا امْرُؤٌ فِي الْعِتَابِ مُجْتَهِدٌ

وَذَاكَ فِي هَمِّهِ وَفِي شُغْلِهْ

مَا لِلْعَذُولِ الَّذِي بُلِيتُ بِهِ

أَدْنَاهُ رَبُّ السَّمَاءِ مِنْ أَجَلِهْ

ص: 272

546 -

سَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيِّ بَنُونَ أَدَّبَهُمْ ، أَصْغَرُهُمْ يُسَمَّى عُبَيْدُ اللَّهِ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ أَبُوهُ فِي شَيْءٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْعِشْقِ ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ دَارِهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:

[البحر الطويل]

تَبَدَّلْتَ مِنْ قَلْبِي الْمَوَدَّةَ بِالْبُغْضِ

وَصُيِّرَتُ بَعْدَ الْقِرَبِ مِنْكَ إِلَى الرَّفْضِ

وَكَانَ الْهَوَى غَضًّا فَلَمَّا مَلَكْتُهُ

تَقَصَّفَ غُصْنَاهُ وَحَالَ عَنِ الْغَضِّ

فَإِنْ أَكُ قَدْ أُخْرِجْتُ مِنْ دَارِ بُغْضَةٍ

فَلَيْسَ بِكَفَّيْ مُخْرِجِي سَعَةُ الْأَرْضِ

فَرَقَّ لَهُ أَبُوهُ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: " إِنْ كُنْتَ تَائِبًا مِنْ جُرْمِكَ ، مُقْلِعًا عَنْ فِعْلِكَ ، فَعِنْدِي يَا بُنَيَّ قَبُولُكَ ، فَقَلَبَ الرُّقْعَةَ وَكَتَبَ فِي ظَهْرِهَا:

[البحر الهزج]

تَرَانِي تَارِكًا للَّـ

ـهِ مَا أَهْوَى لِمَا تَهْوَى

أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ الْحُـ

ـبَّ فِي قَلْبِي إِذَنْ دَعْوَى

وَقَالَ آخَرُ:

[البحر الكامل]

أَتُرِيدُ أَتْرُكَ بَهْجَتِي تَبْلَا

وَأُطِيعُ مِثْلَكَ فِي الْهَوَى عَقْلَا

ص: 273

547 -

أَنْشَدَنِي أَبُو يَعْقُوبَ التَّمَّارُ لِنَفْسِهِ:

[البحر المجتث]

الْعَذْلُ يَا فَضْلُ فَضْلٌ

وَاللَّوْمُ فِي الْحُبِّ جَهْلُ

وَالْهَزْلُ فِي الْحُبِّ جَدٌّ

وَالْجَدُّ فِي الْحُبِّ قَتْلُ

وَمَا لِمَنْ لَامَ صَبًّا

وَإِنْ تَعَاقَلَ عَقْلُ

ص: 273

548 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ ، أَخُو إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَارَةَ وَهُوَ فَقِيهُ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَى نَخَّاسٍ يَعْتَرِضُ قِيَانًا ، فَعَلِقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَاشْتُهِرَ بِهَا حَتَّى عَذَلَهُ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:

[البحر البسيط]

يَلُومُنِي فِيكِ أَقْوَامٌ أُجَالِسُهُمْ

فَمَا أُبَالِي أَطَارَ اللَّوْمُ أَوْ وَقَعَا

ص: 274

549 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ لَكُثَيِّرِ عَزَّةَ:

[البحر الطويل]

فَمَا أَحْدَثَ النَّأْيُ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا

سَلْوًا وَلَا طُولُ اجْتِمَاعٍ تَقَالِيَا

وَمَا زَادَنِي الْوَاشُونَ إِلَّا صَبَابَةً

وَلَا كَثْرَةُ النَّاهِينَ إِلَّا تَمَادِيَا

"

ص: 274

550 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبَى الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ: إِنَّ أَهْلَ بُثَيْنَةَ مَشَوْا إِلَى جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ وَأَهْلِهِ وَاسْتَوْهَبُوهُمْ مِنْ جَمِيلٍ ، وَكَانَ الصَّوْتُ قَدِ ارْتَفَعَ بِهِ وَعَلَا ، وَلَامُوا جَمِيلًا وَنَهَوْهُ وَعَذَلُوهُ فِي إِتْيَانِهَا ، فَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ قَائِلٍ مِنْهُمْ ، فَأَعَزُّوهُ بِحُبِّهَا ، فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ:

[البحر البسيط]

وَعَاذِلُونَ رَجَوْنِي فِي مَحَبَّتِهَا

يَا لَيْتَهُمْ وَجَدُوا مِثْلَ الَّذِي أَجِدُ

لَمَّا أَطَالُوا عِتَابِي مِنْكِ قُلْتُ لَهُمْ

لَا تُكْثِرُوا كُلَّ هَذَا اللَّوْمِ وَاقْتَصِدُوا

قَدْ مَاتَ قَلْبَيْ أَخُو هِنْدَ وَصَاحِبِهِ

مُرَقِّشِيٍّ وَاشْتَفَى مِنْ عَدُوِّهِ الْكَمَدُ

فَكُلُّهُمْ كَانَ فِي عِشْقٍ مَنِيَّتُهُ

فَقَدْ وَجَدْتُ بِهِمْ فَوْقَ الَّذِي وَجَدُوا

إِنِّي لَأَرْهَبُ بَلْ قَدْ كِدْتُ أَعْلَمُهُ

أَنْ سَوْفَ يُورِدُنِي الْحَوْضَ الَّذِي وَرَدُوا

إِنْ لَمْ تَنَلْنِي بِمَعْرُوفٍ تَجُودُ بِهِ

أَوْ يَدْفَعِ اللَّهُ عَنِّي الْوَاحِدُ الصَّمَدُ

ص: 274

551 -

وَأَنْشَدَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِجَمِيلٍ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 275⦘

خَلِيلَيَّ فِيمَا عِشْتُمَا هَلْ رَأَيْتُمَا

قَتِيلًا بَكَا مِنْ حُبِّ قَاتِلِهِ قَبْلِي

أَفِي أُمِّ عَمْرٍو تَعْذِلَانِي هُدِيتُمَا

وَقَدْ تَيَّمَتْ قَلْبِي وَهَامَ بِهَا عَقْلِي

ص: 274

552 -

وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ:

[البحر الخفيف]

لَائِمٌ لَامَنِي فِيكِ وَهْوَ غَدٌ

طَامِعٌ عِنْدَ نَفْسِهِ فِي اعْتِذَارِي

قُلْتُ بِالْعَدْلِ مَرَّةً ثُمَّ لَمَّا

لَجَّ فِي اللَّوْمِ قُلْتُ بِالْإِجْبَارِي

وَتَجَاهَلْتُ حِينَ لَمْ يَنْفَعِ الْعِلْـ

ـمُ اعْتِمَادًا بِهِ عَلَى الْأَقْدَارِ

قُلْتُ: جَاءَ الْقَضَاءُ فِيهِ بِشَيْءٍ

عَجَزَتْ عَنْهُ حِيلَتِي وَاصْطِبَارِي

فَإِنِ اسْطَعْتَ بِاحْتِيَالِكَ دَفْعًا

لِقَضَاءِ الْمُهَيْمِنِ الْجَبَّارِ

فَعَلَيَّ السُّلُوُّ وَالصَّبْرُ عَنْهَا

وَعَلَيْكِ الْمَجِيءُ بِالْأَقْدَارِ

ص: 275

‌بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْعِيِّ وَالْحَصْرِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْأَحْبَابِ

ص: 281

553 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ صَخْرٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ حَاجًّا ، فَلَمَّا نَزَلْتُ إِمْرَةً وَإِذَا بِجَارِيَتَيْنِ كَأَنَّهُمَا سُرَيْحَتَا قَزٍّ ، فَقَصَّرَتَا عَلَيَّ تُومِئُ بِحَدِيثٍ وَشِعْرٍ فَوَصَلْتُهُمَا ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ قَابِلٍ حَجَجْتُ فَأَصَابَتْنِي فِي الطَّرِيقِ عِلَّةٌ فَنَصَلَ عَنِّي الْخِضَابُ ، فَلَمَّا نَزَلْتُ إِمْرَةً إِذَا أَنَا بِإِحْدَاهُمَا ، فَقُلْتُ لَهَا: أَتَعْرِفِينِي؟ قَالَتْ: مَا أُنْكِرُكَ مِنْ سُوءٍ قَالَ: لَقَدْ أَنْكَرْتِينِي وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَاكَ عَامَ أَوَّلَ مَمْلُوكًا ، وَأَرَاكَ الْيَوْمَ شَيْخًا مَلِكًا ، وَفَى دُونِ هَذَا مَا تُنْكِرُ الْفَتَاةُ. فَقُلْتُ: أَنَا الْحَكَمُ بْنُ صَخْرٍ الثَّقَفِيُّ ، مَا فَعَلَتْ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: قَدِمَ عَلَيْهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا ، فَتَزَوَّجَهَا فَأَخَذَ بِهَا ، فَقُلْتُ: لَوْ أَدْرَكْتُهَا لَتَزَوَّجْتُهَا قَالَتْ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ شَقِيقَتِهَا فِي حُسْنِهَا ، وَنَظِيرَتِهَا فِي حَسَبِهَا؟ قُلْتُ: مَا قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قُلْتُ: قَالَ:

[البحر الطويل]

إِذَا وَصَلَتْنَا خَلَّةٌ كَيْ تُزِيلَهَا

أَبَيْنَا وَقُلْنَا: الْحَاجِبِيَّةُ أَوَّلُ

قَالَتْ: فَكُثَيِّرٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، فَقُلْتُ: وَمَا قَالَ كُثَيِّرٌ؟ قَالَتْ: قَالَ:

[البحر البسيط]

هَلْ وَصْلُ عَزَّةَ إِلَّا وَصْلُ غَانِيَةٍ

فِي وَصْلِ غَانِيَةٍ مِنْ وَصْلِهَا خَلَفُ

ثُمَّ أَسْفَرَتْ عَنْ وَجْهٍ كَأَنَّهُ فَلْقَةُ قَمَرٍ ، فَبُهِتُّ نَحْوَهَا ، فَمَا مَنَعَنِي مِنْ جَوَابِهَا إِلَّا الْعِيُّ

ص: 281

554 -

أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 282⦘

وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ لَوْعَةٌ

لَهَا بَيْنَ جِلْدِي وَالْعِظَامِ دَبِيبُ

وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً

فَأُبْهَتُ حَتَّى مَا أَكَادُ أُجِيبُ

فَأَرْجِعُ عَنْ رَأْيِي الَّذِي كُنْتُ أَرْتَأِي

وَأَذْكُرُ مَا أَعْدَدْتُ حِينَ تَغِيبُ

ص: 281

555 -

وَأَنْشَدَنِي الْمُبَرِّدُ:

[البحر الطويل]

وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً

فَأُبْهَتُ لَا عُذْرٌ لَدَيَّ وَلَا نُكْرُ

وَلَا أَتَلَافَى هَفْوَتِي بِصَرِيمَةٍ

مِنَ الْأَمْرِ حَتَّى تَرْجِعَ الْأَعْيُنُ الْخُدْرُ

ص: 282

556 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ:

[البحر الطويل]

تَمَنَّيْتُ مَنْ أَهْوَى فَلَمَّا لَقِيتُهُ

بُهِتُّ فَلَمْ أَمْلِكْ لِسَانًا وَلَا طَرْفَا

وَأَطْرَقْتُ إِجْلَالًا لَهُ وَمَهَابَةً

أُحَاوِلُ أَنْ يَخْفَى الَّذِي بِي فَمَا يَخْفَى

وَإِنِّي لَمَمْلُوكٌ لَهُمْ غَيْرُ جَاحِدٍ

إِذَا مَا دَعُونِي قُلْتُ: لَبَّيْكُمُ أَلْفَا

ص: 282

557 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِي لِأَبِي الشِّيصِ:

[البحر الكامل]

مُتَظَلِّمٌ مِنِّي وَمَا ظُلِمَا

لِيَرَى اعْتِذَارِي بِئْسَ مَا زَعَمَا

يَسْطُو عَلَيَّ وَلَسْتُ أَظْلِمُهُ

مَنْ كَانَ حَاكِمَ نَفْسِهِ ظُلِمَا

لَوْ كُنْتُ أَقْدِرُ أَنْ أُنَازِلَهُ

فِي الْحُكْمِ لَمْ أُمْضِ الَّذِي حَكَمَا

لَكِنَّ ذُلَّ الْحُبِّ يَمْنَعُنِي

مِنْ أَنْ أُحَرِّكَ بِالْجَوَابِ فَمَا

ص: 282

‌بَابُ مَنْ فَزِعَ مِنْ مَحَبَّتِهِ إِلَى إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ

ص: 283

558 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ هُذَيْلٍ ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِلَيةٌ فَخَطَبَهَا النَّاسُ ، وَكَادَتْ تَذْهَبُ بِعُقُولِ أَكْثَرِهِمْ ، فَقَالَ فِيهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: "

[البحر الطويل]

أُحِبُّكِ حُبًّا لَوْ عَلِمْتِ بِبَعْضِهِ

لَجُدْتِ وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَيْكِ شَدِيدُ

أُحِبُّكِ حُبًّا لَا يُحِبُّكِ مِثْلَهُ

قَرِيبٌ وَلَا فِي الْعَاشِقِينَ بَعِيدُ

وَحُبُّكِ يَا أُمَّ الصَّبِيِّ مُدَلَّهِي

شَهِيدِي أَبُو بَكْرٍ فَذَاكَ شَهِيدُ

وَيَعْلَمُ وَجْدِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ

وَعُرْوَةُ مَا أَلْقَى بِكُمْ وَسَعِيدُ

وَيَعْلَمُ مَا عِنْدِي سُلَيْمَانُ عَلِمَهُ

وَخَارِجَةٌ يُبْدِي بِنَا وَيُعِيدُ

مَتَى تَسْأَلِي عَمَّا أَقُولُ فَتُخْبَرِي

فَلِلَّهِ عِنْدِي طَارِفٌ وَتَلِيدُ

فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: " أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ أَمِنْتَ أَنْ تَسْأَلَنَا ، وَلَوْ سَأَلْتِنَا مَا طَمِعْتَ أَنْ نَشْهَدَ لَكِ بِزُورٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَشْهَدَ

بِهِمْ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزَنٍ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُنْشِدْنَا لِبَعْضِهِمْ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 284⦘

إِنْ كُنْتَ تُنْكِرُ مَا بُلِيتُ بِهِ

وَتَشُكُّ فِي وَجْدِي وَفِي كَمَدِي

فَسَلِ الْكَوَاكِبَ قَدْ رَضِيتُ بِهَا

يُنْبِئْنَ عَنْ سَهَرِي وَعَنْ سُهْدِي

وَانْظُرْ إِلَيَّ فَغَيْرُ مُجْتَمِعٍ

بَرُّ الْفُؤَادِ وَعِلَّةُ الْجَسَدِ

ص: 283

560 -

وَأَنْشَدَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيُّ: «

[البحر الطويل]

سَلِ اللَّيْلَ عَنِّي هَلْ أُحِسُّ رُقَادَهُ

وَهَلْ لِضُلُوعِي مُسْتَقَرٌّ عَلَى الْفَرْشِ

وَإِنِّي لَأُحْيِي الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا

بِدَمْعِي إِذَا لَمْ يُحْيِهَا مَطَرُ الْعَرْشِ

»

ص: 284

561 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الشَّافِعِي:

[البحر الطويل]

بُكَائِي عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ دَلِيلُ

وَشَوْقِي عَلَى أَنْ لَا أَنَامَ كَفِيلُ

وَمَا نِلْتُ فِي دَهْرٍ مَضَى مِنْكِ طَائِلًا

سِوَى وَحْيِ طَرْفٍ يَوْمَ جَدَّ رَحِيلُ

ص: 284

562 -

حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: جَاءَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ أَتَى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ وَالِي الْمَدِينَةِ شَاهَدًا ، فَتَمَثَّلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ:

[البحر المتقارب]

شَهِيدِي جُوَانٌ عَلَى حُبِّهَا

أَلَيْسَ بِعَدْلٍ عَلَيْهَا جُوَانُ

فَأَجَازَ شَهَادَةَ جُوَانٍ وَقَالَ: قَدْ أَجَزْنَا شَهَادَةً مَنْ أَجَازَهَا عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ

ص: 284

563 -

أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر الكامل]

تَبْدُو فَأَجْهَدُ أَنْ أُكَاتِمَ حُبَّهَا

فَيَكُونَ فِيهِ فَضِيحَةُ الْكِتْمَانِ

خَفَقَانُ قَلْبِيَ وَارْتِعَاشُ مَفَاصِلِي

وَشُحُوبُ لَوْنِي وَاعْتِقَالُ لِسَانِي

فَمَتَى تُكَذِّبُ لِي شُهُودًا أَرْبَعًا

وَشُهُودُ كُلِّ قَضِيَّةٍ اثْنَانِ

ص: 285

564 -

وَأَنْشَدَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الزُّبَيْدِيُّ:

[البحر الكامل]

إِنْ لَمْ أَكُنْ مُذْنِبًا كَمَا زَعَمَا

فَلِمَ بَكَتْ مُقْلَتِي عَلَيْهِ دَمَا

أَسْتَشْهِدُ الشَّوْقَ وَالدُّمُوعَ عَلَى

مَا بِيَ مِنْهُ وَالْحُزْنَ وَالسَّقَمَا

مِنْ أَيِّ شَيْءٍ بَرَى الْهَوَى بَدَنِي

وَصِرْتُ مِمَّا لَقِيتُهُ عَلَمَا

وَحُبُّهُ مَا سَلَوْتُهُ قَسَمًا

بِالْحُبِّ إِنْ كَانَ يَقْبَلُ الْقَسَمَا

ص: 285

‌بَابُ إِعْرَاضِ الْمَحْبُوبِ عَنْ حُبِّهِ وَصَبْرِهِ عَنِ الْأَمْرِ جَهْدَهُ

ص: 286

565 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَهُوَ خَلْفَهَا ، وَدُمُوعُهُ تَجْرِي عَلَى خَدِّهِ ، وَهِيَ لَا تُكَلِّمُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ «أَلَا تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ ، وَبُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟» فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ رَاجَعْتِيهِ ، فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَأْمُرُنِي؟ قَالَ:«لَا ، وَإِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ»

ص: 286

566 -

حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَمٍّ ، لِمُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ يَقُولُ: كَانَتْ لِيَ امْرَأَةٌ ، وَكُنْتُ أُحِبُّهَا ، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهَا أَقُولُ:

[البحر الكامل]

وَمِنَ الْبَلِيَّةِ أَنْ تُحِـ

ـبَّ وَلَا يُحِبُّكَ مَنْ تُحِبُّهْ

فَتَقُولُ تُجِيبُهُ لِي:

وَيَصُدُّ عَنْكَ بِوَجْهِهِ

وَتُلِحُّ أَنْتَ فَلَا تُغِبُّهْ

ص: 286

567 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِي لِجَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ:

أَرَيْتُكِ إِنْ أَعْطَيْتُكِ الْوُدَّ مِنْ قَلْبِي

وَلَمْ يَكُ عِنْدِي إِنْ أَبَيْتِ إِمَاءُ

⦗ص: 287⦘

أَتَارِكُنِي لِلْمَوْتِ أَنْتِ فَمَيِّتٌ

وَعِنْدَكِ لِي لَوْ تَعْلَمِينَ شِفَاءُ

فَوَاكِبَدًا مِنْ حُبِّ مَنْ لَا يُحِبُّنِي

وَمِنْ عَبَرَاتٍ مَا لَهُنَّ فَنَاءُ

ص: 286

568 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر الوافر]

بُلِيتُ بِشَادِنٍ كَالْبَدْرِ حُسْنًا

يُعَذِّبُنِي بِأَنْوَاعِ الْجَفَاءِ

وَلِي عَيْنَانِ دَمْعُهُمَا غَزِيرٌ

وَلَوْمُهُمَا أَعَزُّ مِنَ الْوَفَاءِ

ص: 287

569 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:

[البحر الطويل]

وَمَا زِلْتُ مُذْ شَطَتْ بِكَ الدَّارُ بَاكِيًا

أُؤَمِّلُ مِنْكَ الْعَطْفَ حِينَ تَئُوبُ

أَبِيتُ فَمَا يَزْدَادُ إِلَّا قَسَاوَةً

وَأَنْتَ عَلَى ظُلْمِي إِلَيَّ حَبِيبُ

ص: 287

570 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْإِسْحَاقِيُّ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ:

[البحر الكامل]

أُقِيمُ عَلَى الْآمَالِ مُنْتَظِرًا لَهَا

وَقَدْ أَشْرَفْتِ بِي فِي هَوَاكِ عَلَى نَحْبِي

أَعِفُّ فَأَسْتَحْيِي الْهَوَى أَنْ أَذُمَّهَ

وَإِنْ كُنْتُ مِنْهُ فِي عَذَابٍ وَفِي كَرْبِ

أَمَا تُحْسِنُ الْأَيَّامُ تُحْسِنُ مَرَّةً

فَتَنْقِلُنَا عَنْ بُعْدِ دَارٍ إِلَى قُرْبِ

ص: 287

571 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ

[البحر الطويل]

عَفَا اللَّهُ عَنْ سَلْمَى ، وَإِنْ سَفَكَتْ دَمِي

فَإِنِّي وَإِنْ لَمْ تُجْزِئِي غَيْرُ عَاتَبِ

يَقُولُونَ: تُبْ مِنْ حُبِّ سَلْمَى وَذِكْرِهَا

وَمَا أَنَا مِنْ حُبِّي لِسَلْمَى بِتَائِبِ

ص: 287

572 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ نَصْرٍ الْخُزَاعِي

[البحر الطويل]

أَسَى الدَّهْرُ إِذْ عَزَّاكَ بِالْهَجْرِ ظَالِمًا

فَيَالَيْتَنِي قَدْ قُلْتُ قَدْ أَحْسَنَ الدَّهْرُ

أُجَرِّعُ نَفْسِي الْغَيْظَ مِنْكَ وَلَمْ أَكُنْ

لِأَصْبِرَ لَوْلَا غِبُّ مَا بَعُدَ الصَّبْرِ

ص: 287

‌بَابُ احْتِيَالِ أَهْلِ الْهَوَى وَمَا يَجْنِي عَلَيْهِمُ الرُّقَبَاءُ

ص: 288

573 -

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْوَاسِطِيُّ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ تَغْلِبَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو ، وَقَالَ:" كَانَ فِينَا رَجُلٌ لَهُ ابْنَةٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ ، وَكَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ يَهْوَاهَا وَتَهْوَاهُ ، فَمَكَثَ بِذَاكَ دَهْرًا ، ثُمَّ إِنَّ الْجَارِيَةَ خَطَبَهَا بَعْضُ الْأَشْرَافِ فَأَرْغَبَ فِي الْمَهْرَ ، فَأَنْعَمَ أَبُو الْجَارِيَةِ ، وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِلْخِطْبَةِ ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ لِأُمِّهَا: يَا أُمِّي ، فَمَا يَمْنَعُ أَبِي أَنْ يُزَوِّجَنِي مِنَ ابْنِ عَمِّي؟ قَالَتْ: أَمْرٌ كَانَ مَقْضِيًّا قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَحْسَنَ ، رَبَّاهُ صَغِيرًا ، ثُمَّ يَدَعُهُ كَبِيرًا ، ثُمَّ قَالَتْ: أَيْ أُمِّي ، إِنِّي وَاللَّهِ حَامِلٌ ، فَاكْتُمِي إِنْ شِئْتِ أَوْ بُوحِي ، فَأَرْسَلَتِ الْأُمُّ إِلَى الْأَبِ فَخَبَّرَتْهُ ، فَقَالَ: اكْتُمِي هَذَا الْأَمْرَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْقَوْمِ ، فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ ، إِنِّي كُنْتُ قَدْ أَجَبْتُكُمْ ، إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ رَجَوْتُ فِيهِ الْأَجْرَ ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّى قَدْ زَوَّجَتُ ابْنَتِي فُلَانَةَ ابْنَ أَخِي فُلَانًا ، فَلَمَّا انْقَضَى ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ: أَدْخِلُوهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: هِيَ بِالرَّحْمَنِ كَافِرَةٌ إِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا سَنَةً أَوْ يَتَبَيَّنُ حَمْلُهَا قَالَ: فَمَا دَخَلَ بِهَا إِلَّا بَعْدَ حَوْلٍ ، فَعَلِمَ أَهْلُهَا أَنَّهَا احْتَالَتْ عَلَى أَبِيهَا "

ص: 288

574 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ قَالَ: كَانَ وَضَّاحُ الْيَمَنِ نَشَأَ هُوَ وَأُمُّ الْبَنِينَ صَغِيرَيْنِ ، فَأَحَبَّهَا وَأَحَبَّتْهُ ، وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ حُجِبَتْ عَنْهُ ، فَطَالَ بِهَا الْبَلَاءُ ، فَحَجَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَبَلَغَهُ جَمَالُ أُمِّ الْبَنِينَ وَأَدَبُهَا ، فَتَزَوَّجَهَا وَنَقَلَهَا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ. قَالَ: فَذَهَبَ عَقْلُ وَضَّاحٍ عَلَيْهَا ، وَجَعَلَ يَذُوبُ وَيَنْحُلُ ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ ، فَجَعَلَ يَطِيفُ بِقَصْرِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، لَا يَجِدُ حِيلَةً ، حَتَّى رَأَى يَوْمًا جَارِيَةً صَفْرَاءَ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى تَأَنَّسَ بِهَا ، فَقَالَ

⦗ص: 289⦘

لَهَا: هَلْ تَعْرِفِينَ أُمَّ الْبَنِينَ؟ قَالَتْ: إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ مَوْلَاتِي ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَابْنَةُ عَمِّي ، وَإِنَّهَا لَتُسَرُّ بِوَضْعِي لَوْ أَخْبَرْتِيهَا قَالَتْ: إِنِّي أُخْبِرُهَا ، فَمَضَتِ الْجَارِيَةُ فَأَخْبَرَتْ أُمَّ الْبَنِينَ ، فَقَالَتْ: وَيْلَكِ أَوَحَيٌّ هُوَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: قُولِي لَهُ: كُنْ مَكَانَكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ رَسُولِي ، فَلَنْ أَدَعَ الِاحْتِيَالَ لَكَ ، فَاحْتَالَتْ إِلَى أَنْ أَدْخَلَتْهُ إِلَيْهَا فِي صُنْدُوقٍ ، فَمَكَثَ عِنْدَهَا حِينًا ، حَتَّى إِذَا أَمِنَتْهُ أَخْرَجَتْهُ فَقَعَدَ مَعَهَا ، وَإِذَا خَافَتْ عَيْنَ رَقِيبٍ أَدْخَلَتْهُ الصُّنْدُوقَ. فَأُهْدِيَ يَوْمًا لِلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ جَوْهَرٌ ، فَقَالَ لِبَعْضِ خَدَمِهِ: خُذْ هَذَا الْجَوْهَرَ فَامْضِ بِهِ إِلَى أُمِّ الْبَنِينَ ، وَقُلْ لَهَا: أُهْدِيَ هَذَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ فَوَجَّهَ بِهِ إِلَيْكِ. فَدَخَلَ الْخَادِمُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَوَضَّاحٌ مَعَهَا فَلَمَحَهُ وَلَمْ تُشْعُرْ أُمُّ الْبَنِينَ ، فَبَادَرَ إِلَى الصُّنْدُوقِ فَدَخَلَهُ ، فَأَدَّى الْخَادِمُ الرِّسَالَةَ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: هَبِي لِي مِنْ هَذَا الْجَوْهَرِ حَجَرًا. فَقَالَتْ: لَا أُمَّ لَكَ ، وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِهَذَا ، فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهَا حَنِقٌ ، فَجَاءَ الْوَلِيدَ فَخَبَّرَهُ الْخَبَرَ وَوَصَفَ لَهُ الصُّنْدُوقَ الَّذِي رَآهُ دَخَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ لَا أُمَّ لَكَ ، ثُمَّ نَهَضَ الْوَلِيدُ مُسْرِعًا فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ وَفِيهِ صَنَادِيقُ عِدَادٌ ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الصُّنْدُوقِ الَّذِي وَصَفَ لَهُ الْخَادِمُ ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْبَنِينَ هَبِي لِي صُنْدُوقًا مِنْ صَنَادِيقِكِ هَذِهِ ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَيَ وَأَنَا لَكَ. فَقَالَ: مَا أُرِيدُ غَيْرَ هَذَا الَّذِي تَحْتِي قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنَ أُمُورِ النِّسَاءِ ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ غَيْرَهُ ، فَقَالَتْ: هُوَ لَكَ ، فَأَمَرَ بِهِ فَحُمِلَ ، وَدَعَا بِغُلَامَيْنِ فَأَمَرَهُمَا بِحَفْرِ بِئْرٍ فَحَفَرَا ، حَتَّى إِذَا حَفَرَا فَبَلَغَا الْمَاءَ وَضَعَ فَمَهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ وَقَالَ: أَيُّهَا الصُّنْدُوقُ ، قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ شَيْءٌ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَقَدْ دَفَنَّا خَبَرَكَ وَدَرَسْنَا أَثَرَكَ ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَمَا

⦗ص: 290⦘

عَلَيْنَا فِي دَفْنِ صُنْدُوقٍ مِنْ خَشَبٍ. وَخَرَجَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأَلْقِيَ بِهِ فِي الْحُفْرَةِ ، وَأَمَرَ بِالْخَادِمِ فَقُذِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَوْقَهُ وَطَمَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا التُّرَابَ. قَالَ: فَكَانَتْ أُمُّ الْبَنِينَ تُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ تَبْكِي إِلَى أَنْ وُجِدَتْ فِيهِ يَوْمًا مَكْبُوبَةً عَلَى وَجْهِهَا مَيِّتَةً

ص: 288

575 -

أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لِأَبِي دُلَفَ:

[البحر الكامل]

خُلِقَ الرَّقِيبُ عَلَى الْحَبِيبِ بَلِيَّةً

وَمَنِ الْبَلَاءِ مُثَقَّلٌ وَمُخَفَّفُ

لَوْ شَاءَ مَنْ سَمَكَ السَّمَاءَ بِقُدْرَةٍ

لَمْ يُبْقِ لِلرُّقَبَاءِ عَيْنًا تَطْرُفُ

ص: 290

576 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ لِعَلِيِّ بْنِ الْجَهْمِ:

[البحر الكامل]

خَافَتْ مُلَاحَظَةَ الرَّقِيبِ فَصَدَّهَا

عَنْهُ الْحَذَارُ وَقَلْبُهَا مَعْمُودُ

دَارَتْ بِعَبْرَتِهَا الْجُفُونُ وَلَمْ تَفِضْ

فَكَأَنَّمَا بَيْنَ الْجُفُونِ مَزِيدُ

ص: 290

577 -

وَأَنْشَدَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرْبِيُّ:

[البحر المتقارب]

وَنَظَرَةُ عَيْنٍ تَعَلَّلْتُهَا

عَذَارَى كَمَا يَنْظُرُ الْأَحْوَلُ

مُقَسَّمَةٌ بَيْنَ وَجْهِ الْحَبِيبِ

وَطَرَفُ الرَّقِيبِ مَتَى يَغْفُلُ

أَقِيدِي دَمًا سَفَكَتْهُ الْجُفُونُ

بِإِيمَاضِ كُحْلًا لَمْ تَكْحَلُ

ص: 290

578 -

وَأَنْشَدَنِي الدُّولَابِيُّ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ:

[البحر الطويل]

أَكُلُّهُمُ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِمُ

إِذَا جِئْتُ أَصْغَى أُذْنَهُ فَتَسَمَّعَا

غِضَابًا عَلَيْنَا أَنْ قَضَى اللَّهُ بَيْنَنَا

وِصَالًا أَبَتْ أَسْبَابُهُ أَنْ تُقَطَّعَا

ص: 290

579 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِي لِأَبِي تَمَّامٍ الطَّائِيِّ: «

[البحر الكامل]

⦗ص: 291⦘

خَوْفُ الرَّقِيبِ عَلَيُّ عَزْلُ رَقِيبِ

وَبَعِيدُ سِرِّي عِنْدَهُ كَقَرِيبِ

إِنْ قُلْتَ شَارِكْ حَافِظِي فَمَا لَهُ

مِمَّا يُحَاوِلُ غَيْرُ عَدِّ ذُنُوبِي

وَأَصَابَ مَحْجُوبَ الضَّمِيرِ بِظَنِّهِ

فَكَأَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الْمَحْجُوبِ

وَإِذَا نَظَرْتَ قَرَأْتَ بَيْنَ عُيُونِنَا

سِمَةَ الْهَوَى هَذَا حَبِيبُ حَبِيبِ

فَالصَّبْرُ مَكْتُومٌ لَدَيْهِ بَيْنَنَا

وَالْوَصْلُ يَمْشِي فِي ثِيَابِ غَرِيبِ

»

ص: 290

580 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَ السَّرِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيُّ يُشَبِّبُ بِامْرَأَةٍ ، وَكَانَ قَصِيرًا ذَمِيمًا أُرَيْمِضَ ، فَخَرَجَ يَوْمًا بِجَانِبِ الْحَرَّةِ يَمْشِي ، فَبَصُرَ بِهَا فِي نِسْوَةٍ يَظْعَنَّ ، فَقَالَ لِرَاعٍ فِي غَنْمٍ: أَعْطِنِي جُبَّتَكَ وَعَصَاكَ وَاتْرُكْنِي فِي غَنَمِكَ وَتَنَحَّ عَنِّي ، وَجَعَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا ، فَفَعَلَ الرَّاعِي ذَلِكَ ، فَخَرَجَ السَّرِيُّ يَمْشِي فِي الْغَنَمِ حَتَّى دَنَا مِنَ النِّسْوَةِ وَدَنَوْنَ مِنْهُ ، وَهِيَ تَظُنُّهُ رَاعِيَ الْغَنَمِ ، فَجَعَلَ يَبْحَثَ بِعَصَاهُ فِي الْأَرْضِ فَقُلْنَ لَهُ: يَا رَاعِيَ ، أَذَهَبَ لَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قُلْنَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قَلْبِي مَالَ ، فَعَرَفْتُهُ الْمَرْأَةُ حَيْثُ قَالَ هَذَا ، فَضَرَبْتُ بِكُمِّهَا عَلَى وَجْهِهَا وَقَالَتِ: السَّرِيُّ أَخْزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى. فَقَالَ السَّرِيُّ:

[البحر البسيط]

يَا مِسْكُ رُدِّي فُؤَادَ الْهَائِمِ الْكَمِدِ

مِنْ قَبْلِ أَنْ تَطْلُبِي بِالْعَقْلِ وَالْقَوَدِ

⦗ص: 292⦘

أَمَّا الْفُؤَادُ فَشَتَّى قَدْ ذَهَبْتِ بِهِ

فَلَا يَضُرُّكِ أَلَّا تُحْزِنِي جَسَدِي

حُزْتِ الْجَمَالَ وَنَشْرًا طَيِّبًا أَرَجًا

فَمَا تَشُمِّينَ إِلَّا مِسْكَةَ الْبَلَدِ

قَالَ عَمِّي: حَدَّثَ أَبِي الْمَهْدِيَّ الْحَدِيثَ فَاسْتَطْرَفَهُ ، وَأَنْشَدَهُ الشِّعْرَ فَاسْتَحْسَنَهُ

ص: 291

581 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ كُثَيِّرَ عَزَّةَ لَقِيَ جَمِيلًا ، فَقَالَ لَهُ: مَتَى عَهْدُكَ بِبُثَيْنَةَ؟ قَالَ: مَالِي بِهَا عَهْدٌ مُنْذُ عَامِ أَوَّلَ وَهِيَ تَغْسِلُ ثَوْبًا بِوَادِي الرُّومِ ، فَقَالَ لَهُ كُثَيِّرٌ: أَتُحِبُّ أَنْ أَعِدَهَا لَكَ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَأَقْبَلَ إِلَى بُثَيْنَةَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهَا: أَيَا فُلَانٌ ، مَا رَدَّكَ؟ أَمَا كُنْتَ عِنْدَنَا قَبِيلٌ؟ قَالَ: بَلَى ، وَلَكِنْ أَحْضَرَنِي أَبْيَاتٌ قُلْتُهَا فِي عَزَّةَ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ:

[البحر الطويل]

فَقُلْتُ لَهَا: يَا عَزُّ أَرْسَلَ صَاحِبِي

عَلَى نَأْيِ دَارِي وَالرَّسُولُ تَوَكَّلُ

بِأَنْ تَجْعَلِي بَيْنِي وَبَيْنَكِ مَوْعِدًا

وَأَنْ تُخْبِرِينِي مَا الَّذِي فِيهِ أَفْعَلُ

أَمَا تَذْكُرِينِي الْعَهْدَ يَوْمَ لَقِيتُكُمْ

بِأَسْفَلِ وَادِي الرُّومِ وَالثَّوْبُ يُغْسَلُ

فَقَالَتْ بُثَيْنَةُ: اخْتَبِئْ ، فَقَالَ أَبُوهَا: مَا هَاجَكِ يَا بُثَيْنَةُ؟ قَالَتْ: كَلْبٌ لَا يَزَالُ يَأْتِينَا مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْجَبَلِ بِاللَّيْلِ ، وَأَنْصَافِ النَّهَارِ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: قَدْ وَعَدَتْكَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْجَبَلِ بِاللَّيْلِ وَأَنْصَافِ النَّهَارِ ، فَالْقَهَا إِذَا شِئْتَ

ص: 292

582 -

حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ سَهْلٍ ، عَنْ عَرَفَجَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: كَانَ لَنَا غُلَامٌ أَعْجَمِيٌّ أَسْوَدُ ، فَكَانَ يَتَرَنَّمُ بِشَيْءٍ لَا نَعْلَمُهُ ، فَتُرْجِمَ فَوُجِدَ: "

[البحر الطويل]

⦗ص: 293⦘

فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي اهْتَدَيْتُ لَفِتْيَةٍ

أَنَاخُوا بِجَعْجَاعٍ تَلَا بِصَبْرٍ سُهَّمَا

فَقَالَتْ: كَذَاكَ الْعَاشِقُونَ وَمَنْ يَخَفْ

عُيُونَ الْأَعَادِي يَجْعَلِ اللَّيْلَ سُلَّمَا

"

ص: 292

583 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ ، عَنْ بَعْضِ ، مَشَايِخِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ كَانَتْ لَهُ ابْنَةُ عَمٍّ جَمِيلَةٌ ، وَكَانَ غَيُورًا ، فَابْتَنَى لَهَا فِي دَارِهِ صَوْمَعَةً ، وَجَعَلَهَا فِيهَا ، وَزَوَّجَهَا مِنْ أَكْفَئِهَا مِنْ بَنِي عَمِّهَا ، وَأَنَّ فَتًى مِنْ كِنَانَةَ مَرَّ بِالصَّوْمَعَةِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ فَأَنْشَدَهَا ، وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا ، وَأَنَّهُ افْتَعَلَ بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ وَدَعَا غُلَامًا مِنَ الْحَيِّ فَعَلَّمَهُ الْبَيْتَ ، وَقَالَ لَهُ: ادْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ وَأَنْشِدْ كَأَنَّكَ لَاعِبٌ ، وَلَا تَرْفَعْ رَأْسَكَ وَلَا تُصَوِّبْهُ ، وَلَا تُومِئْ فِي ذَلِكَ إِلَى أَحَدٍ ، فَفَعَلَ الْغُلَامُ مَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَكَانَ زَوْجُ الْجَارِيَةِ قَدْ أَزْمَعَ عَلَى سَفَرٍ بَعْدَ يَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

لَحَا اللَّهُ مَنْ يَلْحَى عَلَى الْحُبِّ أَهْلَهُ

وَمَنْ يَمْنَعِ النَّفْسَ اللُّجُوجَ هَوَاهَا

قَالَ: فَسَمِعَتِ الْجَارِيَةُ فَفَهِمَتْ فَقَالَتْ:

أَلَا إِنَّمَا بَيْنَ التَّفَرُّقِ لَيْلَةٌ

وَيَوْمٌ فَتُعْطَى كُلُّ نَفْسٍ مُنَاهَا

قَالَ: فَسَمِعَتِ الْأُمُّ فَفَهِمَتْ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

أَلَا إِنَّمَا يَعْنُونَ نَاقَةَ رَحْلِكُمْ

فَمَنْ كَانَ ذَا نُوقٍ لَدَيْهِ رَعَاهَا

فَسَمِعَ الْأَبُ فَفَهِمَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

إِنَّا سَنَرْعَاهَا وَنُوثُقُ قَيْدَهَا

وَنَطْرُدُ عَنْهَا كُلَّ وَحْشٍ أَتَاهَا

فَسَمِعَ الزَّوْجُ فَفَهِمَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

سَمِعْتُ الَّذِيَ قُلْتُمْ فَهَا أَنَا مُطْلِقٌ

فَتَاتَكُمُ مَهْجُورَةً لِبَلَاهَا

⦗ص: 294⦘

قَالَ: فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَخَطَبَهَا ذَلِكَ الْفَتَى ، وَأَرْغَبَهُمْ فِي الْمَهْرِ ، فَتَزَوَّجَهَا

ص: 293

584 -

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمِنْقَرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَنُّورٍي ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ بِمَحِلَّةٍ فِي دَارٍ بِمَكَّةَ فَإِذَا بِعُصْفُورَيْنِ قَدْ سَقَطَا عَلَى جِدَارٍ فَأَرَادَ الذَّكَرُ أَنْ يَسْفِدَ الْأُنْثَى فَمَنَعَتْهُ وَجَعَلَتْ كُلَّمَا قَرُبَ مِنْهَا نَقَرَتْهُ وَضَرَبَتْهُ بِجَنَاحِهَا ، وَإِذَا طَارَ فَعَلَاهَا انْسَلَّتْ مِنْ تَحْتِهِ ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ طَارَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ وَفِي مِنْقَارِهِ حَشِيشَةٌ ، فَلَمَّا بَصُرْتُ بِهِ سَكَنَتْ فِي قُرْبٍ حَتَّى سَفَدَهَا فَأَلْقَى الْحَشِيشَةَ ، فَقُمْتُ فَأَخَذْتُهَا ، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ حَاجَةً ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ خَلْفِي تَقُولُ: أَنَا مَعَكَ ، فَمُرْ بِأَمْرِكِ ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهَا وَرَاعَنِي قَوْلُهَا ، فَذَكَرْتُ الْحَشِيشَةَ الَّتِي فِي يَدِي ، فَرَأَيْتُ تَنُّورًا يُسْجَرُ فَطَرَحْتُ الْحَشِيشَةَ فِيهِ ، فَانْصَرَفَتِ الْمَرْأَةُ رَاجِعَةً ، وَمَضَيْتُ أَنَا لِحَاجَتِي

ص: 294

‌بَابُ إِغْبَابِ زِيَارَةِ الْأَحْبَابِ

ص: 295

585 -

حَدَّثَنَا أَبُو نَافِعٍ أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ بِنْتِ أَبِي زَيْدِ بْنِ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ ، وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى السُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، كُلُّهُمْ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا»

ص: 295

586 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها ، فَأَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَقَالَتْ: مَا مَنَعَكَ مِنْ زِيَارَتِنَا؟ قُلْتُ: «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا»

ص: 295

587 -

أَنْشَدَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 296⦘

عَلَيْكَ بِإِقْلَالِ الزِّيَارَةِ إِنَّهَا

إِذَا كَثُرَتْ كَانَتْ إِلَى الْهَجْرِ مَسْلَكَا

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْغَيْثَ يُسْأَمُ دَائِمًا

وَيُطْلَبُ بِالْأَيْدِي إِذَا هُوَ أَمْسَكَا

ص: 295

588 -

أَنْشَدَنِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ: «

[البحر البسيط]

إِنِّي كَثُرَتْ عَلَيْهِ فِي زِيَارَتِهِ

وَالشَّيْءُ يُوجَدُ مَمْلُولًا إِذَا كَثُرَا

وَرَادَنِي مِنْهُ أَنِّي لَا أَزَالُ أُرَى

فِي طَرْفِهِ قِصَرٌ عَنِّي إِذَا نَظَرَا

»

ص: 296

589 -

وَأَنْشَدَنِي الْإِسْحَاقِيُّ لِحَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ:

[البحر الطويل]

وَطُولُ مُقَامِ الْمَرْءِ فِي الْحَيِّ مُخْلِقٌ

لِدِيبَاجَتَيْهِ فَاغْتَرِبْ تَتَجَدَّدِ

فَإِنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ زِيدَتْ مَحَبَّةً

إِلَى النَّاسِ إِذْ لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ بِسَرْمَدِ

ص: 296

‌بَابُ تَجَنُّبِ الْإِفْضَاءِ إِلَى الْأَحْبَابِ مَخَافَةَ الْمَلَلِ وَالْإِعْرَاضِ

ص: 297

590 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ إِلَى خَارِجَةَ ابْنَةِ الصَّلْتِ التَّمِيمِيِّ ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهَا ، وَمَا رَأَيْتُ أَجْزَلَ مِنْهَا وَلَا أَعْقَلَ وَلَا أَحْسَنَ لَفْظًا ، فَأَتَيْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا فِيهِ ، فَتَحَدَّثْتُ أَنَا وَهِيَ سَاعَةً ، ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: يَا هَذِهِ ، إِنَّ النَّفْسَ قَدْ عَلِقَتْ بِمَا تَعْلِقُ بِهِ نُفُوسُ النَّاسِ ، فَهَلْ لَكِ فِيمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ؟ قَالَتْ:«وَأَيْنَ الْمَذْهَبُ مِنْكَ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ وَلَكِنَّهُ مَا نُكِحَ حُبٌّ قَطُّ إِلَّا فَسَدَ» حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ إِلَّا اللِّثَامُ وَالْعِنَاقُ حِفْظًا لِلْعِشْقِ وَخَوْفًا مِنْ تَغَيُّرِ الْحُبِّ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ

ص: 297

591 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خُثَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَهُوَ يُكْتِبُ رَجُلًا شِعْرًا رَقِيقًا لِعَبْدِ بَنِي الْحَسْحَاسِ ، قُلْتُ: أَتُكْتِبُهِ شِعْرًا رَقِيقًا قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا ، وَأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ ، وَلَسْتُ أَعُودُهُ»

ص: 297

592 -

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: " قِيلَ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ وَقَدْ طَالَ عِشْقُهُ بِجَارِيَةٍ: مَا أَنْتَ صَانِعٌ لَوْ ظَفِرْتَ بِهَا وَلَا يَرَاكُمَا غَيْرُ اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ: إِذًا لَا وَاللَّهِ ، لَا أَجْعَلُهُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ ، لَكِنْ أَفْعَلُ بِهَا مَا أَفْعَلُهُ بِحَضْرَةِ أَهْلِهَا. حَدِيثٌ طَوِيلٌ ، وَلَحْظٌ مِنْ بَعِيدٍ ، وَتَرْكُ مَا يَكْرَهُ الرَّبُّ وَيَقْطَعُ الْحُبَّ "

ص: 297

593 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَرَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الْقِيَانَ بِبَغْدَادَ وَجَلَسَ لِلْمَظَالِمِ ، فَوَقَعَتْ فِي يَدِهِ رُقْعَةٌ فِيهَا مَكْتُوبٌ:

[البحر المديد]

حُسْنُ رَأْيِ الْأَمِيرِ أَسْعَدَهُ اللَّـ

ـهُ بِحُسْنِ السَّدَادِ وَالتَّوْفِيقِ

حَالَ بَيْنَ الصَّفَا وَبَيْنَ عُجَابٍ

وَمُحِبٍّ وَمُنْصِفٍ وَصَدِيقِ

قَالَ: فَوَقَّعُ فِي ظَهْرِ الرُّقْعَةِ:

[البحر الخفيف]

حُسْنُ رَأْيِ الْأَمِيرِ فِي الْعُشَّاقِ

جَدَّدَ الْوَصْلَ بَعْدَ طُولِ التَّلَاقِ

خَافَ أَنْ يُحْدِثَ الْوِصَالُ مَلَالًا

فَيُلَاقِي الْهَوَى بِبَعْضِ الْفِرَاقِ

ص: 298

594 -

حَدَّثَنِي أَخِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الزَّاهِدُ قَالَ: كَانَتْ عِنْدِي جَارِيَةٌ فَبِعْتُهَا فَتَتَبَّعَتْهَا نَفْسِي ، فَصِرْتُ إِلَى مَوْلَاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ إِخْوَانِي ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُقِيلَنِي وَيَرْبَحَ عِشْرِينَ دِينَارًا ، فَأَبَى عَلَيَّ ، فَانْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِهُ ، فَرُمْتُ فِطْرِي فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَبِتُّ سَاهِرًا لَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ ، فَخَشِيَ أَنْ أُعَاوِدَهُ فِي غَدٍ فَأَخْرَجَهَا إِلَى الْمَدَائِنِ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا بِي مِنَ الْجَهْدِ كَتَبْتُ اسْمَهَا فِي رَاحَتِي وَاسْتَقْبَلَتُ الْقِبْلَةَ ، فَكُلَّمَا طَرَقَنِي طَارِقٌ مِنْ ذِكْرِهَا رَفَعْتُ يَدَيَّ إِلَى السَّمَاءِ ، وَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي ، هَذِهِ قِصَّتِي ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي السَّحَرِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَدُقُّ عَلَيَّ الْبَابَ ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا مَوْلَى الْجَارِيَةِ ، فَنَزَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ قَالَ: خُذِ الْجَارِيَةَ ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ، فَقُلْتُ: خُذْ دَنَانِيرَكَ وَالرِّبْحَ. فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ مِنْكَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا. قُلْتُ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَتَانِي آتٍ اللَّيْلَةَ فِي مَنَامِي فَقَالَ لِي: رُدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى ابْنِ عُبَيْدٍ ، وَلَكَ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةُ

ص: 298

595 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 299⦘

كَتَبْتُ اسْمَ مَنْ أَهْوَاهُ فِي بَطْنِ رَاحَتِي

وَعَاتَبْتُهُ حَتَّى عَشِيتُ مِنَ النَّظَرْ

أُقَبِّلُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا فَيَمْتَحِي

وَأَكْتُبُهُ بِالدَّمْعِ فِي ظُلْمَةِ السَّحَرْ

ص: 298

596 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ:

[البحر الخفيف]

لَوْ تَرَانِي وَقَدْ هَدَأَتْ كُلُّ عَيْنٍ

وَدُمُوعِي تَجْرِي عَلَى الْخَدَّيْنِ

قَائِمًا قَاعِدًا فَرِيدًا وَحِيدًا

بَاسِطًا كَفَّهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ

رَبِّ يَا سَيِّدِي بِلُطْفِكَ وَالْقُدْ

رَةِ يَسِّرْ وِصَالَ قُرَّةِ عَيْنِي

ص: 299

597 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ: أَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ ابْنَ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ فَحَبَسَهُ ، فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ عَلَيْهِ بِالنَّاسِ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا كَلَّمَهُ ، فَلَمْ يَرَ لِحَاجَتِهِ نَجَاةً ، فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ: يَا صَفْوَانَ ، قُمْ فَاطْلُبْ حَاجَتَكَ مِنْ وَجْهِهَا ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَدَعَا ، فَنُبِّهَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ لِحَاجَةِ صَفْوَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ ، فَقَالَ عَلَيٌّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي صَفْوَانَ قَالَ: فَجَاءَ الْحَرَسُ وَالشُّرَطُ وَالنِّيرَانُ ، وَفُتِحَتِ السُّجُونُ حَتَّى اسْتُخْرِجَ فَجِيءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ: أَنْتَ ابْنُ أَخِي صَفْوَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَأَرْسَلَهُ ، فَمَا شَعَرَ صَفْوَانُ حَتَّى ضَرَبَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ الْبَابَ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فُلَانٌ ، نُبِّهَ الْأَمِيرُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَجَاءَ الْحَرَسُ وَالشُّرَطُ وَجِيءَ بِالنِّيرَانِ وَفُتِحَتِ السُّجُونِ فَجِيءَ إِلَيْهِ فَخَلَّا عَنِّي بِغَيْرِ كَفَالَةٍ

ص: 299

598 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الطَّائِيُّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيَّاحِيُّ قَالَ:" سَمِعْتُ هَاتِفًا ، يَهْتِفُ: عَجَبًا لِمَنْ وَجَدَ حَاجَتَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ فَأَنْزَلَهَا بِالْعَبِيدِ "

ص: 299

599 -

أَنْشَدَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ الْوَصِيفِيُّ: "

[البحر البسيط]

⦗ص: 300⦘

يَارَبِّ إِنِّي مُحِبٌّ مُوجَعٌ كَمِدُ

وَلَيْسَ لِي جَلَدٌ يَارَبِّ إِذْ صَبَرُوا

يَارَبِّ فَاجْعَلْ لَنَا مِمَّا تَرَى فَرَجًا

فَقَدْ بُلِيتُ وَقَدْ أَخْنَتْنِيَ الْفِكَرُ

فَهَذِهِ قِصَّتِي فِيمَنْ بُلِيتُ بِهِ

وَلَيْسَ لِلْحُبِّ فِيمَا عِنْدَهُ أَثَرُ

ص: 299

600 -

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الرَّقِّيُّ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ بُهْلُولٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ ، أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيَّةً فِي الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَاتٍ تَقُولُ: "

[البحر الطويل]

أَمَا لِفَتَاةٍ فَرَّقَ الْهَجْرُ بَيْنَهَا

وَبَيْنَ الَّذِي تَهْوَاهُ يَارَبِّ مِنْ فَضْلٍ

حَجَجْتُ وَلَمْ أَحْجُجْ لِسُوءٍ عَمِلْتُهُ

وَلَكِنْ لِتَعْذِيبٍ عَلَى قَاطِعِ الْحَبْلِ

فَهِمْتُ بِعَقْلِي فِي هَوَاهُ صَغِيرَةً

وَقَدْ كَبُرَتْ سِنِّي فَرُدَّ بِهِ عَقْلِي

وَإِلَّا فَسَوِّ الْحُبَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ

فَإِنَّكَ يَا مَوْلَايَ تُوصَفُ بِالْعَدْلِ

فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ ، لَقَدْ قُلْتِ كَلَامًا ذَمِيمًا ، وَاحْتَمَلْتِ إِثْمًا عَظِيمًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعَشِيَّةِ. فَقَالَتْ: يَا هَذَا ، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَى مَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَا لَرَحِمْتَ مَنْ عَذَلْتَ وَلَعَذَرْتَهُ فِي هَذَا الدُّعَاءِ ، فَوَاللَّهِ مَا نَطَقْتُ إِلَّا مِنْ غَلِيلٍ ، لَوْ لَفَحَ حَجَرًا لَأَذَابَهُ

ص: 300

601 -

أَنْشَدَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى لِأَبِي الذُّمَيْنَةِ:

[البحر الطويل]

دَعَوْتُ إِلَهَ النَّاسِ عِشْرِينَ حَجَّةً

نَهَارًا وَلَيْلًا فِي الْجَمِيعِ وَخَالِيَا

فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِيَ اللَّهُ فِيهَا وَلَمْ يَزَلْ

هَوَايَ وَلَكِنْ زَادَ حَتَّى بَرَانِيَا

فَيَارَبِّ حَبَّبْنِي إِلَيْهَا وَأَشْفِنِي

بِهَا أَوْ أَرِحْ مِمَّا يُقَاسِي فُؤَادِيَا

ص: 300

602 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ ، جُلَسَاءِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ يَوْمًا فَمَرَّ ابْنُ جَامِعٍ السَّهْمِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَقَدْ قَدِمَ مِنَ الْعِرَاقِ مِنْ عِنْدِ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ تَبْدُو مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ ، فَقَالَ سُفْيَانُ: " مَنْ هَذَا الَّذِي يَخْدَعُ هَؤُلَاءِ بِمَا يَقُولُ؟ لَيْتَنِي سَمِعْتُ مَا يَقُولُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: إِنَّمَا يَقُولُ لَهُمُ الشِّعْرَ ، وَلَكِنَّهُ يُحَسِّنُهُ مِثْلَ أَيِّ شَيْءٍ قَالَ: يَقُولُ:

[البحر المتقارب]

وَأَسْهَرُ بِاللَّيْلِ بَيْنَ التِّيَامِ

وَأَتْلُو مِنَ الْمُحْكَمِ الْمُنْزَلِ

قَالَ سُفْيَانُ: حَسَنٌ قَالَ ، وَيَقُولُ:

وَأَصْحَبُ بِاللَّيْلِ أَهْلَ الطَّوَافِ

وَأَرْفَعُ مِنْ مِئْزَرِي الْمُسْبَلِ

قَالَ سُفْيَانُ: حَسَنٌ قَالَ يَقُولُ:

عَسَى كَاشِفُ الْكَرْبِ عَنْ يُوسُفٍ

يُسَخِّرُ لِي رَبَّةَ الْمَحْمَلِ

قَالَ: أَمَّا هَذَا فَدَعْهُ

ص: 301

603 -

أَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِي:

[البحر الخفيف]

رَبِّ مَاذَا جَنَى فُؤَادِي إِلَيْهِ

حِينَ هانَ الْغَدَاةَ قَتْلِي عَلَيْهِ

رَبِّ قَدْ شَرَّدَ الْحَبِيبُ عَزَائِي

لَا عَزَاءَ وَمُهْجَتِي فِي يَدَيْهِ

رَبِّ أَشْكُو إِلَيْكَ مَا بِي فَقَدْ هُنْـ

ـتُ عَلَيْهِ لَمَّا شَكَوْتُ إِلَيْهِ

ص: 301

604 -

سمعْتُ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: يُرْوَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ

⦗ص: 302⦘

: كُنْتُ لَا أَكَادُ أَمُرُّ فِي طَرِيقٍ إِلَّا وَمَعِي الْأَلْوَاحُ فَحَجَجْتُ ، فَرَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُومُ حَتَّى قَامَ بِحِذَاءِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ قَالَ: تَفَهَّمُوا عَنِّي تَحْفَظُوا مَقَالَتِي ، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ يُنْشِدُ:

[البحر الوافر]

أَلَا مَا بَالُ عَيْنِي قَدْ عَصَتْنِي

وَقَلْبِي قَدْ أَبَى إِلَّا الْحَنِينَا

وَنَفْسِي مَا تَزَالُ الدَّهْرَ تَصْبُو

كَأَنَّ بِهَا لِمَا تَلْقَى جُنُونَا

أُحِبُّ الْغَانِيَاتِ وَلَيْسَ قَلْبِي

بِسَالٍ مَا بَقِيَتُ وَمَا بَقِينَا

وَجَمُلَ ما علِمْتُ قَرِينَ سُوءٍ

تُمَنِّينَا وَتُمْطِلُنَا الدُّيُونَا

فَرَآنِي وَأَنَا كَسْلَانُ ، فَقَالَ: هَذَا الْخُسْرَانُ مُبِينٌ ، أَتَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ؟ فَقُلْتُ: لَا ، بَلِ الْخُسْرَانُ مَا أَنْتَ فِيهِ ، فَقَالَ: أَنَا مَعْذُورٌ ، أَنَا مَسْلُوبُ الْعَقْلِ ، جِئْتُ مُسْتَجِيرًا بَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ لِمَا أَجِدُ بِقَلْبِي ، وَأَنْتَ مَسْلُوبُ الدِّينِ ، تَكْتُبُ بَلَايَا الْعَاشِقِينَ مُؤْثِرًا لَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، لَا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَكَ.

ص: 301

605 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِي:

[البحر الطويل]

تَقُولُ وَهَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَضَاحَكَتْ

سَتَعْلَمُ يَا مِسْكِينُ مَنْ صَاحِبَ الذَّنْبِ

سَأَشْكُوكَ لَا فِي النَّاسِ إِنَّى أَخَافُهُمْ

وَلَكِنَّنِي أَشْكُوكَ سِرًّا إِلَى رَبِّي

ص: 302

606 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ:

[البحر الطويل]

فَإِنْ حَجَبُوهَا أَوْ يَحُلْ دُونَ وَصْلِهَا

مَقَالَةُ وَاشٍ أَوْ حَذَارُ أَمِيرِ

فَلَمْ يَمْنَعُوا عَيْنِي مِنَ دَائِمِ الْبُكَا

وَلَنْ يَحْجُبُوا مَا قَدْ أَجَنَّ ضَمِيرِي

إِلَى اللَّهِ أَشْكُو مَا أُلَاقِي مِنَ الْهَوَى

وَمِنْ حِدَقٍ تَعْتَادُنِي وَزَفِيرِ

ص: 302

607 -

حَدَّثَنَا الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ قَالَ

⦗ص: 303⦘

: ضَرَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بَعْثًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَأَقَامُوا سِنِينَ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهَوَ بِدِمَشْقَ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَعِسَنَّ اللَّيْلَةَ مَدِينَةَ دِمَشْقَ ، وَلَأَسْمَعَنَّ النَّاسَ مَا يَقُولُونَ فِي الْبَعْثِ الَّذِي أَغْرَبْتُ فِيهِ رِحَالَهُمْ ، وَأَغْرَمْتُ فِيهِ أَمْوَالَهُمْ ، فَبَيْنَا هُوَ فِي بَعْضِ أَزِقَّتِهَا إِذَا هُوَ بِصَوْتِ امْرَأَةٍ قَائِمَةٍ تُصَلِّي ، فَتَسَمَّعَ إِلَيْهَا ، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ إِلَى مَضْجَعِهَا قَالَتْ: اللَّهُمَّ يَا غَلِيظَ الْحِجَابِ ، وَيَا مُنْزِلَ الْكُتُبِ ، وَيَا مُعْطِيَ الرُّعْبِ ، وَيَا مُرَوِّيَ الْعَرَبِ ، وَيَا مُسَيِّرَ النُّجُبِ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُؤَدِّيَ غَايَتِي فَتَكْشِفَ بِهِ هَمِّي ، وَتُصَفِّيَ بِهِ لَذَّتِي ، وَتُقِرَّ بِهِ عَيْنِي ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَحْكُمَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، الَّذِي فَعَلَ بِنَا هَذَا ، فَقَدْ صَيَّرَ الرَّجُلَ نَازِحًا ، وَالْمَرْأَةَ مُتَقَلْقِلَةً عَلَى فِرَاشِهَا ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَالْعَيْنُ تَدْمَعُ

وَأَرَّقَنِي حُزْنٌ بِقَلْبِي يُوجِعُ

فَبِتُّ أُقَاسِي اللَّيْلَ أَرْعَى نُجُومَهُ

وَبَاتَ فُؤَادِي غَائِبًا يَتَفَزَّعُ

إِذَا غَابَ مِنْهَا كَوْكَبٌ فِي مَغِيبِهِ

لَمَحْتُ بِعَيْنَيَّ آخَرًا حِينَ يَطْلُعُ

إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا

وَجَدْتُ فُؤَادِيَ لِلْهَوَى يَتَقَطَّعُ

وَكُلُّ حَبِيبٍ ذَاكِرٌ لِحَبِيبِهِ

يُرَجِّي لِقَاهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَطْمَعُ

فَذَا الْعَرْشِ فَرِّجْ مَا تَرَى مِنْ صَبَابَتِي

فَأَنْتَ الَّذِي تَرْعَى أُمُورِي وَتَسْمَعُ

دَعَوْتُكَ فِي السَّرَّاءِ وَالضُّرِ دَعْوَةً

عَلَى غُلَّةٍ بَيْنَ الشَّرَاسِيفِ يَلْذَعُ

فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِحَاجِبِهِ: تَعْرِفُ هَذَا الْمَنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، هَذَا مَنْزِلُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: فَمَا الْمَرْأَةُ مِنْهُ؟ قَالَ: زَوْجَتُهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ قَالُوا: سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، فَأَمَرَ أَلَّا يَمْكُثَ الْعَسْكَرُ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ

ص: 302

608 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ

⦗ص: 304⦘

مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: إِنِّي لَبِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا شَجِيًّا وَبُكَاءً حَرِقًا ، فَاتَّبَعْتُ الصَّوْتَ فَإِذَا جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا قَمَرٌ مَعَهَا عَجُوزٌ ، فَلَطَّيْتُ بِالْأَرْضِ أُلَاحِظُهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَرَانِي ، وَأُمْتِعُ عَيْنَيَّ بِحُسْنِهَا ، وَهِيَ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

دَعَوْتُكَ يَا مَوْلَايَ سِرًّا وَجَهْرَةً

دُعَاءَ ضَعِيفِ الْقَلْبِ مِنْ مَحْمَلِ الْحُبِّ

بُلِيتُ بِقَاسِي الْقَلْبِ لَا يَعْرِفُ الْهَوَى

وَأَقْتَلِ خَلْقِ اللَّهِ لِلْهَائِمِ الصَّبِّ

فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَقْضِ الْمَوَدَّةَ بَيْنَنَا

فَلَا يَخْلُ مِنْ حُبٍّ لَهُ أَبَدًا قَلْبِي

رَضِيتُ بِهَذَا مَا حَيِيتُ فَإِنْ أَمُتْ

فَحَسْبِي ثَوَابًا فِي الْمَعَادِ بِهِ حَسْبِي

قَالَ: وَجَعَلَتْ تُرَدِّدُ ذَلِكَ وَتَبْكِي ، وَالنَّاسُ مَشَاغِيلُ بِجَمْعِ الْحَصَى ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ: بِنَفْسِي أَنْتِ ، مَعَ هَذَا الْوَجْهِ الْحَسَنِ يَمْتَنِعُ عَلَيْكِ مَنْ تُرِيدِينَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ تَصَبُّرًا ، وَفِي قَلْبِهِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي قَلْبِي مِنْهُ ، قُلْتُ: فَإِلَى كَمْ هَذَا الْبُكَاءُ؟ قَالَتْ: أَبَدًا ، أَوْ يَصِيرُ الدَّمْعُ دَمًا ، وَتُطْفَأُ نَفْسِي غَمًّا ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْحَجِّ ، فَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ عز وجل التَّوْبَةَ مِمَّا أَنْتِ فِيهِ ، وَالْمَغْفِرَةَ لِمَا سَلَفَ ، رَجَوْتُ أَنْ يَذْهَبَ حُبُّهُ مِنْ قَلْبِكِ؟ قَالَتْ: يَا هَذَا ، عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ فِي طَلَبِ رَغْبَتِكَ ، فَإِنِّي قَدْ قَدَّمْتُ رَغْبَتِي إِلَى مَنْ لَيْسَ يَجْهَلُ بُغْيَتِي ، وَحَوَّلَتْ وَجْهَهَا وَأَقْبَلَتْ عَلَى بُكَائِهَا وَشِعْرِهَا ، وَلَمْ يُكْرِثْهَا قَوْلِي وَوَعْظِي

ص: 303

609 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ بْنَ عَلَيٍّ الْهَاشِمِيَّ يَقُولُ: إِنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إِذْ سَمِعْتُ نَشِيجًا وَبُكَاءً خَفِيًّا ، وَإِذَا الصَّوْتُ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ ، وَقَائِلٌ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 305⦘

عَفَا اللَّهُ عَمَّنْ يَحْفَظُ الْعَهْدَ عِنْدَهُ

وَلَا كَانَ عَفُوُ اللَّهِ لِلنَّاقِضِ الْعَهْدِ

ضَنَيْتُ وَهَاجَ الْحُزْنَ وُدٌّ أُسِرُّهُ

فَغَاضَ لَهُ صَبْرِي وَفَاضَ لَهُ وَجْدِي

وَضَعْتُ عَلَى الْأَسْتَارِ خَدِّيَ لَيْلَةً

لِتَجْمَعَنِي مَعَ مَنْ وَضَعْتُ لَهُ خَدِّي

قَالَ: فَرَفَعْتُ الْأَسْتَارَ فَإِذَا امْرَأَةٌ مُسْفِرَةٌ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ الطَّالِعَةُ ، تَجَلَّتْ عَنْهَا غَمَامَةٌ ، فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ ، لَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ مَعَ هَذَا الْبُكَاءِ وَالتَّضَرُّعِ مَا حَرَمَكَ وَهَذَا الْوَجْهَ الْجَمِيلَ ، فَسَتَرَتْهُ وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ خَلَقَ فَسَوَّى ، وَلَمْ يَهْتِكَ السِّتْرَ وَالنَّجْوَى ، أَنَا وَاللَّهِ يَا هَذَا فَقِيرَةٌ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّي ، وَالْجَمْعِ بَيْنِي وَبَيْنَ حِبِّي ، وَقَدْ سَأَلْتُ آثَرَ الْأَمْرَيْنِ عِنْدِي رَجَاءَ فَضْلِهِ ، وَاتِّكَالًا عَلَى عَفْوِهِ ، وَوَلَّتْ ، فَرَاعَنِي قَوْلُهَا حَتَّى اسْتَعَذْتُ بِاللَّهِ مِنْ تَغْثَةِ الشَّيْطَانِ

ص: 304

610 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ ، عَنْ عَطَاءِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَخْبِرِينَا بِأَفْضَلِ مَا رَأَيْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: نَعَمْ ، بَيْنَا أَنَا ذَاتُ لَيْلَةٍ إِذْ مَسَّ جِلْدِي جِلْدَهُ ، إِذْ قَالَ لِي:«يَا عَائِشَةُ ، دَعِينِي أَقُومُ اللَّيْلَةَ فَأَعْبُدَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كُنْتُ أُحِبُّ قُرْبَكَ إِنَّى لَأُحِبُّ هَوَاكَ

ص: 305

611 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبَّادٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عِنْدِي فِي يَوْمٍ امْرَأَةً وَهِيَ تُنْشِدُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ ،

⦗ص: 306⦘

ثُمَّ جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ ، فَقَامَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ:«جِئْتِ» . فَلَمْ أَقَلْ: نَعَمْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، ثُمَّ انْصَرَفَ قَالَتْ: عَائِشَةُ: وَلَا أَرَادَ إِلَّا أَنْ يَرَى نِسَاؤُهُ مَكَانِي مِنْهُ وَفِعْلَهُ بِي

ص: 305

612 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الْخَلَنْجِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، أَنَّ بُكَيْرًا ، حَدَّثَهُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي بَعْثٍ مَرَّةً ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اذْهَبْ فَائْتِنِي بِمَيْمُونَةَ» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي فِي الْبَعْثِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:«تُحِبُّ مَا أُحِبُّ؟» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَا ". فَذَهَبْتُ فَجِئْتُهُ بِهَا

ص: 306

613 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِالْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِأَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّعِبِ

ص: 306

614 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَ:«كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ، فَكَانَ صَوَاحِبِي يَأْتِينَنِي ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ بِهَذَا إِلَيَّ»

ص: 307

615 -

حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ، فَقَالَ لَهَا:«مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» . قَالَتْ: هَذَا حَبْلُ سُلَيْمَانَ ، فَجَعَلَ يَضْحَكَ مِنْ قَوْلِهَا قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: هَذَا غَرِيبٌ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ هُشَيْمٍ

ص: 307

616 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَفَةً أَوْ قَالَ: دَرَقِيَّةً فَلَقِيَنِي عَمِّي فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا ، فَسَأَلَنِي عَنْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:«أَيْنَ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقِيَنِي عَمِّي فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا كُلَّ الَّذِي قَالَ:«اللَّهُمَّ أَلْقِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي»

⦗ص: 308⦘

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْحَوَاسُّ وَالْأَعْضَاءُ الْجَسِيمَةُ مَطْبُوعَةٌ عَلَى إِكْرَامِ النُّفُوسِ اللَّاهُوتِيَّةِ ، وَالنَّفْسُ إِذَا هَوِيَتْ شَيْئًا مَالَتْ إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الَّذِي هَوِيَتْهُ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهَا عِنْدَ جَسَدِهَا ، فَلِذَلِكَ قَصُرَتْ حَوَاسُّ الْجَسَدِ وَجَوَارِحُهُ كُلَّ لَذَّةٍ وَنِعْمَةٍ تَعْرِضُ لَهَا إِلَّا مَنْ هَوِيَتْهُ ، وَتَمْتَنِعُ هِيَ مِنْهُ طَلَبًا لِإِكْرَامِ الْهَوَى الَّذِي قَدْ صَارَتْ عِنْدَهُ

ص: 307

617 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَطْرُوشُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ السَّدُوسِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ قَالَ:" مَا كُنْتُ أَقُولُ لِأَحَدٍ: إِنِّي أُحِبُّكَ فَأَمْنَعُهُ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا "

ص: 308

618 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدُّولَابِيُّ:

[البحر الطويل]

إِذَا أَنَا أَعْطَيْتُ الصَّدِيقَ مَوَدَّتِي

فَمَا أَنَا مَالِي بَعْدَ ذَلِكَ مَانِعُهْ

ص: 308

619 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي حَمْدَانَ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو نُوَاسٍ:

[البحر الكامل]

كَمْ حَدِيثٍ مُعْجَبٍ لِي عِنْدَكَا

لَوْ قَدْ نَبَذْتُ بِهِ إِلَيْكَ لَسَرَّكَا

مِمَّا يَزِيدُ عَلَى الْإِعَادَةِ حَدُّهُ

حُلْوٌ إِذَا بَرِمَ الْحَدِيثَ أَمَلَّكَا

أَتَتَبَّعُ الظُّرَفَاءَ أَكْتُبُ عِنْدَهُمْ

كَيْمَا أُحَدِّثَ مَنْ أُحِبُّ فَيَضْحَكَا

ص: 308

620 -

حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ دَلُّوَيْهِ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ

⦗ص: 309⦘

عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَتْ: مَا عَلِمْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَهِيَ غَضْبَى ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَسْبُكَ إِذَا قَلَبَتْ لَكَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ذِرَاعَهَا ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَأَعْرَضْتُ عَنْهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«دُونَكِ فَانْتَصِرِي» فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا قَدْ يَبِسَ رِيقُهَا فِي فَمِهَا ، فَلَمْ تَزِدْ شَيْئًا ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ "

ص: 308

621 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ ، عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ نَدِيمًا لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَسَكِرَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَطَرِبَ ، وَبَعَثَ إِلَى زَوْجَتِهِ أُمِّ خَالِدٍ لِتَأْتِيَهِ ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ وَأَحَبِّهِمْ إِلَيْهِ ، فَأَبَتْ ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهَا ، فَأَتَتْهُ فِي جَوَارِيهَا ، فَقَالَ لَهَا يَزِيدُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ لَمَا قُمْتِ فَسَقَيْتِنِي ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: أَلِمِثْلِي يُقَالُ هَذَا؟ فَلَمَّا رَأَى يَزِيدُ بُكَاءَهَا وَكَرَاهِيَتَهَا لِذَلِكَ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْصِرَافِ وَقَالَ فِي ذَلِكَ:

[البحر الطويل]

وَمَا نَحْنُ يَوْمَ اسْتَعْبَرَتْ أُمُّ خَالِدٍ

بِمَرْضَى ذَوِي دَاءٍ وَلَا بِصِحَاحِ

وَقَامَتْ لِسَقْيِ الشَّرْبِ خَمْرًا عُيُونُهُمْ

مُخَضَّبَةُ الْأَطْرَفِ ذَاتُ وِشَاحِ

لَهَا عُكَنٌ بِيضٌ كَأَنَّ غُصُونَهَا

إِذَا شَفَّ عَنْهَا السَّابِرِيُّ قِدَاحُ

ص: 309

622 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: كَانَ الْمَأْمُونُ يَهْوَى جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيهِ يُقَالُ لَهَا تَنْزِيفٌ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي خَادِمًا يَأْمُرُهَا

⦗ص: 310⦘

بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ ، فَصَارَ الْخَادِمُ إِلَيْهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ ، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ لَا أَجِيئُهُ ، فَإِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لَهُ فَلْيَصِرْ إِلَيَّ ، فَلَمَّا اسْتَبْطَأَ الْمَأْمُونُ الْخَادِمَ أَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

لَقِيتُكِ مُشْتَاقًا فَفُزْتُ بِنَظْرَةٍ

وَأَغْفَلْتِنِي حَتَّى أَسَأْتُ بِكِ الظَّنَّا

وَنَاجَيْتُ مَنْ أَهْوَى وَكُنْتُ مُقَرَّبًا

فَيَالَيْتَ شِعْرِي عَنْ دُنُوِّكِ مَا أَغْنَا

وَرَدَدْتُ طَرْفًا فِي مَحَاسِنِ وَجْهِهَا

وَمَتَّعْتُ بِاسْتِمَاعِ نَغْمَتِهَا أُذُنَا

أَرَى أَثَرًا فِي صَحْنِ خَدِّكِ لَمْ يَكُنْ

لَقَدْ سَرَقَتْ عَيْنَاكِ مِنْ حُسْنِهَا حُسْنًا

قَالَ الْخَادِمُ: لَا وَاللَّهِ يَا سَيِّدِي ، إِلَّا أَنَّهَا قَالَتْ مَا حَكَيْتُ لَكَ ، فَقَالَ: إِذًا وَاللَّهِ أَقُومُ إِلَيْهَا

ص: 309

‌بَابُ التَّجَنِّي وَالْإِدْلَالِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ

ص: 311

623 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَمْرُوسٍ قَالَ: كَانَ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا حَبَابَةُ ، وَكَانَ لَهَا عَاشِقًا شَدِيدَ الْوَجْدِ بِهَا ، فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: " إِنَّى قَدْ وَلَّيْتُ فُلَانًا الْخَادِمَ مَا حَوَتْهُ يَدَيَّ شَهْرًا لِأَخْلُوَ أَنَا وَأَنْتِ فَلَا يَشْغَلُنَا أَحَدٌ ، فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ وَلَّيْتَهُ فَقَدْ عَزَلْتُهُ أَنَا. قَالَ: فَغَضِبَ لِذَلِكَ وَخَرَجَ مِنَ الْمَجْلِسِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ، فَلَمَّا أَضْحَى النَّهَارُ فَلَمْ يَرَهَا ضَاقَ صَدْرُهُ وَقَلَّ صَبْرُهُ ، فَدَعَا بَعْضَ خَدَمِهِ وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَا الَّذِي تَصْنَعُ حَبَابَةُ ، فَمَضَى الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَأَيْتُهَا مُؤْتَزِرَةً بِإِزَارٍ خَلُوقِيٍّ ، مُرْتَدِيَةً بِرِدَاءٍ أَصْفَرَ زَهِيٍّ ، تَلْعَبُ بِلُعَبِهَا ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَلْ فِي أَنْ تُجِيرَهَا عَلَيَّ ، فَذَهَبَ الْخَادِمُ فَلَاعَبَهَا ثُمَّ اسْتَلَبَ لُعْبَةً مِنْ لُعَبِهَا ، وَعَدَا بَيْنَ يَدَيْهَا ، فَتَبِعَتْهُ تَعْدُو وَرَاءَهُ ، فَمَرَّتْ عَلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهَا قَامَ إِلَيْهَا فَاعْتَنَقَهَا وَقَالَ لَهَا: فَإِنِّي قَدْ عَزَلْتُهُ ، فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتَ قَدْ عَزَلْتَهُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُهُ قَالَ: فَوُلِّيَ الْخَادِمَ وَعُزِلَ وَهُوَ لَا يَدْرِي. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ خَلَا مَعَهَا أَيَّامًا وَتَشَاغَلَ عَنِ النَّظَرِ فِي أُمُورِ النَّاسِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَعَذَلَهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَخَذَتِ الْعُودَ فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا ثُمَّ تَغَنَّتْ:

[البحر الطويل]

أَلَا لَا تَلُمْهُ الْيَوْمَ أَنْ يَتَلَذَّذَا

فَقَدْ مُنِعَ الْمَحْزُونُ أَنْ يَتَجَلَّدَا

وَمَا الْعَيْشُ إِلَّا مَا يُلَذُّ وَيُشْتَهَى

وَإِنْ لَامَ فِيهِ ذُو الشَّنَانِ وَفَنَّدَا

ص: 311

624 -

وَأَنْشَدَ مَحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتُ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 312⦘

قَرَرْتُ عَلَى نَفْسِي فَأَزْمَعْتُ قَتْلَهَا

وَأَنْتَ رَخًا لِلْبَالِ وَالنَّفْسُ تَذْهَبُ

كَعُصْفُورَةٍ فِي كَفِّ طِفْلٍ يَسُومُهَا

وُرُودَ حِيَاضِ الْمَوْتِ وَالطِّفْلُ يَلْعَبُ

فَلَا الطِّفْلُ يَدْرِي مَا يَسُومُ بِكَفِّهِ

وَفِي كَفِّهِ الْعُصْفُورُ قَدْ يَتَضَرَّبُ

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ مِنَ اسْتِعْطَافِ الْمُتَجَنِّي مَزِيَّةٌ عَلَى الْإِنْصَافِ

ص: 311

625 -

وَأنشدنى أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ:

[البحر الطويل]

شَكَوْتُ فَقَالَتْ كُلُّ هَذَا تَبَرُّمًا

بِحُبِّي أَرَاحَ اللَّهُ قَلْبَكَ مِنْ حُبِّي

فَلَمَّا كَتَمْتُ الْحُبَّ قَالَتْ: لَشَدَّ

مَا صَبَرْتَ وَمَا هَذَا بِفِعْلِ شَجِي الْقَلْبِ

وَأَدْنُو فَتُقْصِينِي ، فَأَبْعُدُ طَالِبًا

رِضَاهَا فَتَعْتَدُّ التَّبَاعُدَ مِنْ ذَنْبِي

فَشَكْوَايَ تُؤْذِيهَا ، وَصَبْرِي يَسُوءُهَا

وَتَجْزَعُ مِنْ بُعْدِي ، وَتَنْفِرُ مِنْ قُرْبِي

فَيَا قَوْمِ هَلْ مِنْ حِيلَةٍ تَعْلَمُونَهَا

أَشِيرُوا بِهَا وَاسْتَكْمِلُوا الْأَجْرَ مِنْ رَبِّي

ص: 312

626 -

وَأنشدنى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:

[البحر الطويل]

فَقَالَتْ وَهَزَّتْ رَأْسَهَا لِتُغِيظَنِي

عَلَى الذَّنْبِ تُجْزَى أَمْ عَلَى الذَّنْبِ تُوصَلُ

فَقُلْتُ: فَلَمْ أُذْنِبْ ، فَقَالَتْ: تُرِيدُهُ

فَقُلْتُ: فَلَمْ أَفْعَلْ فَقَالَتْ: سَتَفْعَلُ

فَقُلْتُ: تُجَازِينِي بِذَنْبٍ لَمْ أَجْنِهِ

ظَفِرْتُمْ بِأَرْوَاحِ الْمُحِبِّينَ فَاقْتُلُوا

ص: 312

627 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ: "

[البحر البسيط]

عَاتَبْتُهَا فَبَكَتْ وَاسْتَعْبَرَتْ جَزَعًا

عَيْنِي فَلَمَّا رَأَتْنِي بَاكِيًا ضَحِكَتْ

فَعُدْتُ أَضْحَكُ مَسْرُورًا بِضِحْكَتِهَا

فَاسْتَعْبَرَتْ أَنْ رَأَتْنِيَ ضَاحِكًا فَبَكَتْ

تَهْوَى خِلَافِي كَمَا خَبَّتْ بِرَاكِبِهَا

يَوْمًا قَلُوصٌ فَلَمَّا حَثَّهَا بَرَكَتْ

ص: 313

628 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْدَلَانِيُّ: "

[البحر الكامل]

تَدْنُو الدِّيَارُ وَأَنْتَ تَبْعُدُ جَاهِدَا

وَالدَّهْرُ يُنْصِفُنِي وَأَنْتَ الظَّالِمُ

وَإِذَا تَبَاعَدَتِ اعْتَلَلْتُ بِبُعْدِهَا

فَالْبُعْدُ يَقْتُلُنِي وَقَلْبُكَ سَالِمُ

فَمَتَى يَنَالُ الْعَدْلَ عِنْدَكَ طَالِبٌ

أَنْتَ الْمُسِيءُ بِهِ وَأَنْتَ الْحَاكِمُ

ص: 313

629 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 314⦘

لَا ذُقْتُ فَقْدَ الَّذِي لَا يَنْقَضِي أَبَدًا

بِالْوَصْلِ عِلَّتُهُ أَوْ يَنْقَضِي عُمُرِي

يَعْتَلُّ بِالْحَدِّ لِي فِي كُلِّ ضِيقَتِهِ

حَتَّى إِذَا مَا انْقَضَى اعْتَلَّ بِالْمَطَرِ

ص: 313

630 -

وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ:

[البحر البسيط]

أَبْكِي الَّذِينَ أَذَاقُونِي مَوَدَّتَهُمْ

حَتَّى إِذَا أَيْقَظُونِي لِلْهَوَى رَقَدُوا

هُمُ دَعَوْنِي فَلَمَّا قُمْتُ مُنْتَصِبًا

لِلْحُبِّ نَحْوَهُمُ مِنْ قُرْبِهِمْ بَعِدُوا

لَأَخْرُجَنَّ مِنَ الدُّنْيَا وَحُبُّكُمُ

بَيْنَ الْجَوَانِحِ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدُ

ص: 314

‌بَابُ الْجَزَعِ وَرَقَةِ الشَّكْوَى لِفُرْقَةِ الْأَحْبَابِ

ص: 315

631 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَزِيدَ الْجَدَرِيِّ ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: وَجَدْتُ حَجَرًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:

[البحر الطويل]

وَكُلُّ مُصِيبَاتِ الزَّمَانِ وَجَدْتُهَا

سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةَ الْخَطْبِ

ص: 315

632 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَبَكَا ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ يَا أَبِي مَا كُنْتُ أَخَشِيَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا صَبَرْتَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ:" يَا بُنَيَّ ، إِنَّهُ نَزَلَ بِأَبِيكَ خِصَالٌ ثَلَاثٌ: أَوَّلُهُنَّ: انْقِطَاعُ عَمَلِهِ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَهُوَ الْمَطْلَعُ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَفِرَاقُ الْأَحِبَّةِ ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ فَتَوَانَيْتُ ، وَنَهَيْتَ فَعَصَيْتُ ، اللَّهُمَّ وَمِنْ شِيمَتِكَ الْعَفْوُ وَالتَّجَاوُزُ "

ص: 315

633 -

أَنْشَدَنِي سَلَامَةُ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَرَّاقُ:

[البحر الكامل]

شَيْئَانِ لَوْ بَكَتِ الدِّمَاءَ عَلَيْهِمَا

عَيْنَايَ حَتَّى يُؤْذِنَا بِذَهَابِ

لَمْ يَبْلُغِ الْمِعْشَارَ مِنْ حَقَّيْهِمَا

فَقَدُ الشَّبَابِ وَفُرْقَةُ الْأَحْبَابِ

ص: 315

634 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَزَوَّجَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ نَافِعٍ ، فَكَانَ إِذَا غَابَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ:

[البحر الطويل]

إِذَا سِرْتَ مِيلًا أَوْ تَغِيبْتَ سَاعَةً

دَعَتْنِي دَوَاعِي الْحُبِّ مِنْ أُمِّ نَافِعِ

ص: 315

635 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ: «

[البحر الخزاعي]

تَقُولُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِحْدَى فَتَاتِهِمْ

لِيَ الْكَبِدُ الْحَرَّى فَعِشْ وَلَكَ الصَّبْرُ

وَقَدْ سَبَقَتْهَا عَبْرَةٌ فَدُمُوعُهَا

عَلَى خَدِّهَا بِيضٌ وَفِي نَحْرِهَا صُفْرُ

»

ص: 316

636 -

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي شَدَّادٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْحَرَّةِ انْفَرَدَ وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي ، فَكَانَ آخِرُ الْعَهْدِ مِنْهُمْ وَأَنَا أَسْمَعُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ ذَلِكَ السَّمُرِ وَهُوَ يَقُولُ:«وَاعَرُوسَاهُ» . قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعَلَى ذَلِكَ إِذْ نَادِي: أَنْ أَلْقِي الْخِطَامَ ، فَأَلْقَيْتُهُ ، فَأَعْقَلَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ

ص: 316

637 -

أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ أَيْضًا:

[البحر الخفيف]

ظَلَّ حَادِيهِمْ يَسُوقُ بِرُوحِي

وَيَرَى أَنَّهُ يَسُوقُ الرِّكَابَا

مَا الْمَنَايَا إِلَّا الْمَطَايَا وَلَا فَرَّ

قَ شَيْءٌ تَفْرِيقَهَا الْأَحْبَابَا

ص: 316

638 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جْعَفَرٍ الْعَدَوِي أَيْضًا:

[البحر البسيط]

لَوْ تَعْلَمُ الْعِيسُ مَا بِي عِنْدَ فُرْقَتِهِمْ

نَبَتْ مِنَ السَّائِقِ الْحَادِي فَلَمْ تَسِرِ

كَأَنَّ أَيْدِي مَطَايَاهُمْ إِذَا وَخَدَتْ

تَطَا عَلَى حُرِّ وَجْهِي أَوْ عَلَى بَصَرِي

لَوْ أَنَّ مَا تَبْتَلِينِي الْحَادِثَاتُ بِهِ

بِالْمَاءِ مِنْهُنَّ لَمْ نَشْرَبْ مِنَ الْكَدَرِ

ص: 316

639 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْحَرَّانِيِّ ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ ، عَنْ لَيْثٍ قَالَ: دَخَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ ، فَعَرَفَهُ فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ ، الطَّيِّبُ رِيحُهُ ، الطَّاهِرَةُ ثِيَابُهُ ، هَلْ لَكَ عِلْمُ يَعْقُوبَ. قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ ، الطَّيِّبُ رِيحُهُ ، الطَّاهِرَةُ ثِيَابُهُ ، الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ ، مَا فَعَلَ؟ قَالَ: ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ. قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ ، مَا بَلَغَ مِنْ حُزْنِهُ؟ قَالَ: حُزْنُ سَبْعِينَ مُثْكَلَةٍ. قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ ، فَهَلْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ ، أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ

ص: 317

640 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: وَفَدْنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَنَحْنُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ احْتَبَسَ أَخَاهُ عَلَيْهِ يُحَدِّثُهُ ، فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: أَكُلُّ هَؤُلَاءِ إِخْوَتِكَ لِأَبِيكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا لَكَ أَخٌ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا ، كَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ قَالَ: فَمَا فَعَلَ؟ قَالَ: أَكَلَهُ الذِّئْبُ قَالَ: فَهَلْ حَزِنَ عَلَيْهِ أَبُوهُ يَعْقُوبُ؟ قَالَ: نَعَمْ ، حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ: وَمَا بَلَغَ مِنْ حُزْنِهِ؟ قَالَ: ذَهَبَ بَصَرُهُ ، وَهُوَ كَظِيمٌ قَالَ: فَهَلْ حَزِنْتَ أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ، حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ: فَهَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَهَلْ يَتَزَوَّجُ الْمَحْزُونُ؟ قَالَ: إِنَّ الشَّيْخَ يَعْقُوبَ

⦗ص: 318⦘

صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمَرَنِي بِذَلِكَ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ ، تَزَوَّجْ لَعَلَّهُ يُولَدُ لَكَ وَلَدٌ يُثَقِّلُ الْأَرْضَ بِتَسْبِيحِهِ

ص: 317

641 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الْعُصْفُرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمْ تُعْطَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ مَا أُعْطِيَتْهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ ، وَلَوْ أُعْطِيهَا أَحَدٌ لَأُعْطِيهَا يَعْقُوبُ حِينَ قَالَ:{يَا أَسْفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84]

ص: 318

642 -

أَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّبَرَانِي:

كَمِ اسْتَرَاحَ إِلَى حَبَرٍ فَلَمْ يَرُحِ

صَبٌّ إِلَيْكَ مِنَ الْأَشْوَاقِ فِي فَرَحِ

تَرَكْتُمُ قَلْبَهُ مِنْ حُزْنِ فُرْقَتِكُمْ

لَوْ يُرْزَقُ الْوَصْلَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفَرَحِ

أُنْشِدْنَا لِآخَرَ:

روعتُ بِالْبَيْنِ حَتَّى لَا أُرَاعَ لَهُ

وَبِالْحَوَادِثِ فِي أَهْلِي وَجِيرَانِي

لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ لِي عِلْقًا أَضِنُّ بِهِ

إِلَّا اصْطَفَاهُ بِبَيْنٍ أَوْ بِهِجْرَانِ

ص: 318

644 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: بَلَغَ كُثَيِّرًا أَنَّ عَزَّةَ ، مَرِيضَةٌ بِمِصْرَ ، وَأَنَّهَا تَسْتَامُهُ ، فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ، فَلَمَّا صَارَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا بِغُرَابٍ عَلَى بَانَةٍ يَنْتِفُ رِيشَهُ ، فَتَطَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ لَقِيَ رَجُلًا عَائِفًا زَاجِرًا ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَصَدَ لَهُ وَمَا رَأَى فِي طَرِيقِهِ ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ مَاتَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَاسْتَبْدَلَتْ بَدِيلًا ، فَقَدِمَ مِصْرَ وَوَجَدَ النَّاسَ مُنْصَرِفِينَ مِنْ جَنَازَتِهَا ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 319⦘

رَأَيْتُ غُرَابًا وَاقِفًا فَوْقَ بَانَةٍ

يَنْتِفُ أَعْلَى رِيشِهِ وَيُطَايِرُهْ

فَمَا أَعَيَفَ النَّهْدِيَّ لَا دَرَّ دَرَّهُ

وَأَعْلَمَهُ بِالزَّجْرِ لَا عَزَّ نَاصِرُهْ

فَأَمَّا غُرَابٌ فَاغْتَرَاتَ مِنَ النَّوَى

وَبَانَ فَبَيْنٌ مِنْ حَبِيبٍ تُعَاشِرُهْ

ص: 318

645 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ ، وَأَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ ، وَأَبُو مَنْصُورٍ الطَّاغَانِيُّ ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَنْقَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الِاجْتِمَاعُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ»

ص: 319

646 -

أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِي لِلصِّمَّةِ الْقُشَيْرِيِّ:

[البحر الطويل]

وَكُنَّا كَزَوْجٍ مِنْ قَطًا فِي مَفَازَةٍ

لَدَى خَفْضِ عَيْشٍ مُوفَقٍ مُورِقٍ رَغَدِ

أَصَابَهُمَا رَيْبُ الزَّمَانِ فَأُفْرِدَا

وَلَمْ تَرَ شَيْئًا قَطُّ أَقْبَحَ مِنْ فَرْدِ

ص: 319

647 -

أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّقِّي قَالَ: أَنْشَدَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ:

[البحر الطويل]

وَمَحْزُونَةٍ لَوْ مَرَّ الْفِرَاقُ تَرَكْتُهَا

وَفِي الصَّدْرِ مِنْهَا جَمْرَةٌ تَتَسَعَّرُ

تَطَيَّرُ أَنْ تَبْكِيَ عَلَيَّ فَدَمْعُهَا

لِمَا نَالَهُ فِي جَفْنِهَا مُتَحَيِّرُ

فَقُلْتُ: قَضَاءُ اللَّهِ فَرَّقَ بَيْنَنَا

فَقَالَتْ: قَضَى اللَّهُ مَا كُنْتُ أَحْذَرُ

ص: 320

648 -

حَدَّثَنَا أَخِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ النَّحَّاسُ ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ:«يُقَالُ إِنَّ فَرَحَ إِبْلِيسَ إِذَا فَسَدَ بَيْنَ الْمُتَحَابِّينَ كَفَرْحِهِ حِينَ أُخْرِجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ»

ص: 320

649 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْإِسْحَاقِيُّ قَالَ: دَعَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بنَ طَالُوتَ ، وَكَانَ نَدِيمَهُ وَصَاحِبَ أَمْرِهِ ، فَقَالَ: مَنْ تَرَى يَكُونُ الْيَوْمَ ثَالِثًا وَلَا يَكُونُ ثَقِيلًا ، فَاتَّفَقَا عَلَى مَانِي الْمُوَسْوِسِ ، فَأُحْضِرَ ، فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ وَكَانَتْ مَنُوسَةُ جَارِيَةُ الْمَهْدِيِّ تُغَنِّيهِمْ ، فَغَنَّتْ هَذَا الصَّوْتَ:

[البحر الطويل]

وَلَسْتُ بِنَاسٍ إِذْ غَدَوْا فَتَحَمَّلُوا

دُمُوعِي عَلَى الْأَحْبَابِ مِنْ شِدَّةِ الْوَجْدِ

وَقُلْتُ: وَقَدْ لَاحَتْ لِعَيْنِي حُمُولُهُمْ

بَوَاكِرُ تَجْرِي لَا يَكُنْ آخِرَ الْعَهْدِ

فَقَالَ مَانِي: زِيدِي فِيهِ بِرَأْسِ الْأَمِيرِ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:

وَقُمْتُ أُنَاجِي الْفِكْرَ وَالدَّمْعُ حَائِرٌ

بِمُقْلَةِ مَوْقُوفٍ عَلَى الطُّرِ وَالْجَهْدِ

أَلَا يَعْدُنِي هَذَا الْأَمِيرُ بِعِزِّهِ

عَلَى ظَالِمٍ قَدْ لَجَّ فِي الْجَهْدِ وَالصَّدِ

⦗ص: 321⦘

فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ: أَتَعْشَقُ يَا مَانِي؟ فَاسْتَحْيَا وَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، طَرْفٌ هَاجِمٌ ، وَشَوْقٌ كَامِنٌ ، وَهَلْ بَعْدَ الشَّيْبِ مِنْ صَبْوَةٍ؟

ص: 320

650 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ شَيْخٌ مِنَ الْأَعْرَابِ مِنْ فَصَحَائِهِمْ ، فَتَغَنَّى عِنْدَهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ،

[البحر المجتث]

أَبَعْدَ تِسْعِينَ أَصْبُو

وَالشَّيْبُ لِلْجَهْلِ حَرْبُ

سِنٌّ وَشَيْبٌ وَجَهْلٌ

أَمْرٌ لَعَمْرُكَ صَعْبُ

يَا ابْنَ الْإِمَامِ فَهَلَّا

أَيَّامَ عُودِيَ رَطْبُ

وَإِذْ سَهَابِي صِيَابٌ

وَمَشْرَبُ الْحُبِّ عَذْبُ

وَإِذْ شِفَاءُ الْغَوَانِي

مِنِّي حَدِيثٌ وَقُرْبُ

فَلَانَ لِمَا رَأَى بِي

عَوَاذِلِي مَا أَحَبُّوا

وَصِرْتُ كَالطِّفْلِ حَقًّا

أَقُومُ لِلْأَمْرِ أَحَبُو

آلَيْتُ أَشْرَبُ كَأْسًا

مَا حَجَّ لِلَّهِ رَكْبُ

ص: 321

651 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ: «

[البحر الطويل]

صِبَا مَا صِبَا حَتَّى عَلَا الشَّيْبُ رَأْسَهُ

فَلَمَّا عَلَاهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ ابْعِدِ

»

ص: 321

652 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:

[البحر البسيط]

أَوَاقِفٌ أَنْتَ مِنْ بَيْنٍ عَلَى ثِقَةٍ

فَمُسْتَكِينٌ لِرَيْبِ الدَّهْرِ مُعْتَرِفُ

مَا مَنْ دَنَا بِنَوًى مَا كُنْتُ أَعْرِفُهَا

مِنْكَ الْفِرَاقُ وَمِنِّي الشَّوْقُ وَالْأَسَفُ

ص: 321

653 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 322⦘

جِسْمِي مَعِي غَيْرَ أَنَّ الرُّوحَ عِنْدَكُمُ

فَالْجِسْمُ فِي غُرْبَةٍ وَالرُّوحُ فِي وَطَنِ

فَلْيَعْجَبِ النَّاسُ مِنِّي أَنَّ لِي بَدَنًا

لَا رُوحَ فِيهِ وَلِي رُوحٌ بِلَا بَدَنِ

ص: 321

654 -

وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْخُزَاعِيُّ: «

[البحر البسيط]

قَامَتْ تُوَدِّعُنِي وَالدَّمْعُ يَغْلِبُهَا

كَمَا يَمِيلُ نَسِيمُ الرِّيحِ بِالْغُصْنِ

ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ وَقَالَتْ وَهْيَ بَاكِيةٌ

يَالَيْتَ مَعْرِفَتِي إِيَّاكَ لَمْ تَكُنِ

»

ص: 322

655 -

حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: كَانَ سُحَيْمٌ عَبْدًا لِبَنِي الْحَسْحَاسِ مَمْلُوكًا ، فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

وَمَا كُنْتُ أَخَشِيَ مَعْبِدًا أَنْ يَبِعَنِي

وَلَوْ أَصْبَحَتْ كَفَاهُ مِنْ مَالِهِ صِفْرَا

أَخُوكُمْ وَمَوْلَاكُمْ نَعَمْ وَرَبِيبُكُمْ

وَمَنْ قَدْ ثَوَى فِيكُمْ وَعَاشَرَكُمْ دَهْرَا

أَشَوْقًا وَلَمْ يَمْضِ لِي غَيْرُ لَيْلَةٍ

فَكَيْفَ إِذَا سَارَ الْمَطِيُّ بِنَا شَهْرَا

ص: 322

656 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ لِشَبِيبِ ابْنِ بَرْصَاءَ:

[البحر الطويل]

وَمَا أَنْسَ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا أَنَسَ قَوْلَهَا

وَأَدْمُعُهَا تَذْرِينَ حَشْوَ الْمَكَاحِلِ

تَمَتَّعْ بِذَا الْيَوْمِ الْقَصِيرِ فَإِنَّهُ

رَهِينٌ بِأَيَّامِ الشُّهُورِ الْأَطَاوِلِ

ص: 322

657 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ:

[البحر الكامل]

فَارَقْتُكُمْ وَحَيِيتُ بَعْدَكُمُ

مَا هَكَذَا كَانَ الَّذِي يَجِبُ

إِنِّي لَأَلْقَى النَّاسَ مُعْتَذِرًا

أَنَّى حَيِيتُ وَأَنْتُمُ غِيَبُ

ص: 322

658 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَلِيٍّ الضَّبِّي لِجَرِيرٍ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 323⦘

يَا أُمَّ نَاجَيَةَ السَّلَامُ عَلَيْكُمُ

قَبْلَ الرَّحِيلِ وَقَبْلَ يَوْمِ الْعُذَّلِ

لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهْدِكُمْ

يَوْمَ الرَّحِيلِ فَعَلْتُ مَا لَمْ أَفْعَلِ

فَقُلْتُ لَهُ: أَتُرَاهُ كَانَ يَفْعَلُ مَاذَا؟ قَالَ: يَقْلَعُ عَيْنَيْهِ وَلَا يَرَى آثَارَ أَحْبَابِهِ

ص: 322

659 -

وَأَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ عَليِّ لِلْمَأْمُونِ:

[البحر الطويل]

وَقَائِلَةٌ لَمَّا اسْتَمَرَّتْ بِنَا النَّوَى

وَمَحْجَرُهَا فِيهِ دَمٌ وَنَجِيعُ

أَلَمْ يَقْضِ الرَّكْبُ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا

إِلَى بَلَدٍ فِيهِ الشَّجِيُّ رُجُوعُ

فَقُلْتُ وَلَمْ أَمْلِكْ سَوَابِقَ عَبْرَةٍ

نَطَقْنَ بِمَا ضَمَّتْ عَلَيْهِ ضُلُوعُ

تُبَيِّنُ كَمْ دَارٍ تَفَرَّقَ شَمْلُهَا

وَشَمْلُ شَتِيتٍ عَادَ وَهْوَ جَمِيعُ

كَذَاكَ اللَّيَالِي صَرْفُهُنَّ كَمَا تَرَى

لِكُلِّ أُنَاسٍ جَدْبَةُ وَرَبِيعُ

ص: 323

660 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ الْجُرْجَانِي:

[البحر الطويل]

وَلَمَّا رَأَيْنَ الْبَيْنَ قَدْ جَدَّ جَدُّهُ

وَقَدْ حَاقَ مِنْ لَيْلِ الْفِرَاقِ رُكُودُ

قَعَدْنَا فَأَمْطَرْنَا دُمُوعًا سَمَاؤُهَا

جُفُونُ عُيُونٍ وَالنِّقَاعُ خُدُودُ

ص: 323

661 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرَانِي لِابْنِ أَبِي زُرْعَةَ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 324⦘

عَزْلٌ مُبِينٌ وَتَوْدِيعٌ وَمُرْتَحِلُ

أَيُّ الدُّمُوعِ عَلَى ذَا لَيْسَ تَنْهَمِلُ

بِاللَّهِ مَا جَلَدِي مِنْ بُعْدِهِمْ فَشَلًا

وَلَا اخْتِزَانُ دُمُوعِي بَعْدَهُمْ بَخَلُ

بَلَى وَحُرْمَةِ مَا أَضْمَرْتُ مِنْ كَمَدٍ

قَلْبِي إِلَيْهِنَّ مُشْتَاقٌ وَقَدْ رَحَلُوا

وَدِدْتُ أَنَّ الْبِحَارَ السَّبْعَ لِي مَدَدٌ

وَأَنَّ حَسْبِي دُمُوعٌ كُلُّهَا هَمَلُ

وَأَنَّ لِي بَدَلًا مِنْ كُلِّ جَائِحَةٍ

فِي كُلِّ جَارِحَةٍ يَوْمَ النَّوَى مُقَلُ

. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا:

[البحر الكامل]

وَجْدَانِ وَجْدُ حَشًى وَوَجْدُ فُؤَادِي

هَذَا لِفِرْطِ هَوًى وَذَا لِبِعَادِ

أَمَّا الرَّحِيلُ فَيَوْمُ جَدَّ تَرَحَّلَتْ

مُهَجُ النُّفُوسِ لَهَا عَنِ الْأَجْسَادِ

مَنْ لَمْ يَبِتْ وَالْبَيْنُ يَصْدَعُ قَلْبَهُ

لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تَفَتُّتُ الْأَكْبَادِ

ص: 323

‌بَابُ ذِكْرُ الِاسْتِرَاحَةِ إِلَى الْبُكَاءِ وَالْعَجْزِ عَنْ حَمْلِ الْهَوَى

ص: 325

663 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ تَمِيمٍ ، عَنْ أَبِي الْحَجَّافِ قَالَ: إِنِّي لَفِي وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلِ ، وَخَفَّ الْحَاجُّ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ عَلَى قَضِيبِ عُرْسٍ ، وَهِيَ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

رَأَيْتُ الْهَوَى حُلْوًا إِذَا اجْتَمَعَ الْوَصْلُ

وَمُرًّا عَلَى الْهِجْرَانِ ، لَا بَلْ هُوَ الْقَتْلُ

وَمَنْ لَمْ يَذُقْ لِلْبَيْنِ طَعْمًا فَإِنَّهُ

إِذَا ذَاقَ طَعْمَ الْحُبِّ لَمْ يَدْرِ مَا الْوَصْلُ

وَقَدْ ذُقْتُ طَعْمَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ وَالنَّوَى

فَأَبْعَدُهُ قَتْلٌ وَآخِرُهُ خَبْلُ

ثُمَّ الْتَفَتَتْ فَرَأَتْنِي فَقَالَتْ: يَا هَذَا ، مَنْ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ أَلْقَاهُ لِلرَّاحَةِ ، وَفِرَارًا مِنْ ثِقَلِ الْمَحَبَّةِ ، وَقَدْ نَطَقْتُ بِمَا عَلِمَهُ اللَّهُ وَأَحْصَاهُ الْمَلَكَانِ ، فَإِنْ يَعْفُ عَنْ أَهْلِ السَّرَائِرِ أَكُنْ مَعَهُمْ ، وَإِنْ يُعَاقِبُوا فَيَا خَيْبَةَ الْمُذْنِبِينَ. وَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا ، فَمَا رَأَيْتُ عُقْدَ دُرٍّ انْقَطَعَ سِلْكُهُ فَانْتَثَرَ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ تَبَادُرِ دُمُوعِهَا وَالْجُفُونُ غَرِقَةٌ وَالْمَحَاجِرُ مُتْرَعٌةٌ. قَالَ: فَاعْتَزَلْتُ وَاللَّهِ خَوْفًا أَنْ يَصْبُوَ إِلَيْهَا قَلْبِي ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهَا الْحُسْنُ وَالتَّصَابِي "

ص: 325

664 -

أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ:

[البحر البسيط]

اسْتَبْقِ دَمْعَكَ لَا يُودِي الْبُكَاءُ بِهِ

وَاصْرِفْ بَوَادِرَ دَمْعٍ مِنْكَ يَسْتَبِقُ

فَمَا الشُّئُونُ وَإِنْ جَادَتْ بِبَاقِيَةٍ

وَلَا الْجُفُونُ عَلَى هَذَا وَلَا الْحَدَقُ

ص: 325

665 -

أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ الْمَدِينِي:

[البحر الطويل]

وَحَقِّ الْهَوَى فِي الْقَلْبِ مِنْكِ فَإِنَّهُ

عَظِيمٌ لَقَدْ حَسَّنْتُ سَرَّكِ فِي صَدْرِي

وَلَكِنَّمَا أَفْشَاهُ دَمْعِي وَرُبَّمَا

أَتَى الْأَمْرُ مَنْ لَمْ يَخْشَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي

فَهَبْ لِي دُمُوعَ الْعَيْنِ إِنِّي أَظُنُّهُ

بِمَا فِيهِ يَبْدُو أَنَّمَا يَبْتَغِي ضُرِّي

وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ضُرِّي لَخَلَّى ضَمَائِرُكِ

تُمَدُّ عَلَى أَسْرَارِ مَكْتُوبِهَا سِرِّي

. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " قَرَأْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحُكَمَاءِ: قَلَّ مَا يَلْبَثُ الْحُبُّ أَنْ يَظْهَرَ وَيُبْدِيَهِ مِنْهُ مَا يَسْتُرُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

يَا مُسِرَّ الْهَوَى فَأَيْنَ شَجَى اللَّحْـ

ـظِ وَأَيْنَ التَّنَفُّسُ الْمَفْضُوحُ

قَلَّ مَا يَلْبَثُ الْهَوَى فِي سُتُورِ الْحُـ

ـبِّ حَتَّى يُبَيِّنَهُ التَّصْرِيحُ

ص: 326

667 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ لِأَبِي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:

[البحر الطويل]

وَلَيْسَ الْفَتَى إِلَّا الَّذِي لَا يُهِيجُهُ

إِلَى الشَّوْقِ إِلَّا الْهَاتِفَاتُ السَّوَاجِعُ

وَلَا بِالَّذِي إِنْ صَدَّ عَنْهُ حَبِيبُهُ

يَقُولُ وَيُبْدِي الصَّبْرَ مَا أَنَا جَازِعُ

وَلَكِنَّهُ سَقَمُ الْجَوَى وَمِطَالُهُ

وَمَوْتُ الْهَوَى ثُمَّ الشُّئُونُ الدَّوَافِعُ

رَشَاشًا وَتَهَتَانًا وَوَبْلًا وَدِيمَةً

فَذَلِكَ يُبْدِي مَا تُجِنُّ الْأَضَالِعُ

ص: 326

668 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: صَحِبَنَا فَتًى مِنْ بَنِيِ قَيْسٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْيَمَامَةَ ، يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ أُثَالٍ ، قَلِيلُ الْكَلَامِ ، خِلْنَاهُ صَنَمًا ، وَنَحْنُ فِي لَيْلَةٍ لَيْلَاءَ سَوْدَاءَ إِذْ سَمِعَ بُكَاءَ حَمَامَةٍ فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ ، فَلَمَّا أَفَاقَ قُلْتُ: يَا سَعْدُ ، مَا الَّذِي أَصَابَكَ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

بُكَاءٌ عَلَى رَأْسِ الْأَرَاكَةِ هَاجَنِي

وَذَكَّرَنِي شِعْرَ الْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ

كَذَبْتُ وَبَيْتِ اللَّهِ لَسْتُ بِعَاشِقٍ

إِذَا أَنَا بِالنَّوْحِ الْحَمَامُ سَوَابِقِي

أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ لِلشَّوْقِ نَوْحَهَا

وَلَيْسَ الْهَوَى يَا قَوْمِ لِلنَّوْحِ شَائِقِي

فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي إِلَى وَقْتِ الرَّحِيلِ ، ثُمَّ رَحَلَ وَعَيْنَاهُ كَمِنْخَرِقِ الْمَزَادَةِ ، فَقُلْنَا لَهُ: مُذْ كَمْ فَارَقْتَ مَنْ تَهْوَى؟ قَالَ: غَدَاةَ أَمْسِ وَالشَّمْسُ لَمَّا تَطْلُعْ ، غَيْرَ أَنَّهَا أَوْدَعَتْنِي بَيْتَيْنِ شِعْرُهُمَا صَارَ بِي إِلَى مَا رَأَيْتُمْ ، قُلْنَا لَهُ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: قَالَتْ وَهِيَ تَبْكِي:

إِنَّ حُكْمَ الْحُبِّ يَا سَعْدُ بُكَاءٌ

قَبْلَ تَغْرِيدِ الْحَمَامِ

وَعَلَامَاتِ الْهَوَى أَنْ يَلْبَسَ الْعَا

شِقُ أَثْوَابَ السِّقَامِ

قُلْنَا: لَبِئْسَ مَا أَوْدَعَتْكَ قَالَ: إِنَّهَا وَاللَّهِ فِي أَشَدِّ مِنْ حَالِي ، وَمَنْ أَكْفَأَ وُدًّا بِمِثْلِهِ لَمْ تَخْلُ مِنْ حِفْظِ الْعَهْدِ بَقَاءَ الْوُدِّ أَوْ يَنْقَضِي الدَّهْرُ ، وَيَنْفَدُ الْعُمُرُ

ص: 327

669 -

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ:

[البحر الطويل]

وَمُسْتَنْجِدٌ بِالْحُزْنِ دَمْعًا كَأَنَّهُ

عَلَى الْخَدِّ مِمَّا لَيْسَ يَرْقَأُ حَائِرُ

إِذَا دَمْعَةٌ مِنْهُ اسْتَهَلَّتْ تَهَلَّلَتْ

أَوَائِلُ أُخْرَى مَا لَهُنَّ أَوَاخِرُ

مَلَا مُقْلَتَيْهِ الدَّمْعُ حَتَّى كَأَنَّهُ

لِمَا انْهَلَّ مِنْ عَيْنَيْهِ فِي الْمَاءِ نَاظِرُ

وَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ بِمُقْلَةٍ

رَمَى الشَّوْقُ فِي إِنْسَانِهَا فَهْوَ سَاهِرُ

ص: 327

670 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ لِلصِّمَّةِ الْقُشَيْرِيِّ:

[البحر الطويل]

وَأَذْكُرُ أَيَّامَ الْحِمَى ثُمَّ أَنْطَوِي

عَلَى كَبِدٍ مِنْ خَشْيَةٍ أَنْ تَتَصَدَّعَا

وَلَيْسَ عَشِيَّاتِ الْحِمَى بَرَوَاجِعٍ

عَلَيْكِ وَلَكِنْ خَلِّ عَيْنَيْكِ تَدْمَعَا

أَمَا وَجَلَالِ اللَّهِ لَوْ تَذْكُرُينَنِي

كَذِكْرَاكِ مَا كَفْكَفْتِ الْعَيْنَ مَدْمَعَا

فَقَالَتْ: بَلَى وَاللَّهِ ذِكْرًا لَوْ أَنَّهُ

تَضَمَّنَهُ صُمُّ الصَّفَا لَتَصَدَّعَا

مَرَرْنَا بِحَيِّهِمْ وَمِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمْ

مَرَرْنَا فَلَمْ نَطْمَعْ هُنَالِكَ مَطْمَعَا

بَكَتْ عَيْنِيَ الْيُسْرَى فَلَمَّا زَجَرْتُهَا

عَنْ الْجَهْلِ بَعْدَ الْحِلْمِ أَسْبَلَتَا مَعَا

ص: 328

671 -

حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدٍ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ صَغِيرٍ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: قَصَدْتُ عَنَانَ جَارِيَةَ النَّاطِقِيِّ ، فَصَادَفْتُ عِنْدَهَا شَيْخًا أَعْرَابِيًّا بَدَوِيًّا ، فَقَالَتِ: الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِكَ عَلَى فَاقَةٍ ، إِنَّ هَذَا الْبَدَوِيَّ قَصَدَنِي لِأَنْ أَقُولَ بَيْتًا ، وَيَقُولُ بَيْتًا وَقَدْ وَاللَّهِ أُرْتِجَ عَلَيَّ ، فَقُلْتُ لِلشَّيْخِ: أَقُولُ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الشِّعْرَ فَقُلْ ، فَقُلْتُ:

[البحر الوافر]

لَقَدْ قَلَّ الْعَزَاءُ وَعِيلَ صَبْرِي

عَشِيَّةَ عِيرِهِمْ لِلْبَيْنِ زُمَّتْ

فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ:

[البحر الوافر]

نَظَرْتُ إِلَى أَوَاخِرِهَا ضَحِيًّا

وَقَدْ رُفِعَتْ لَهَا عَصَبٌ فَرَنَّتْ

فَقَالَتْ:

[البحر الوافر]

كَتَمْتُ هَوَاكُمُ فِي الصَّدْرِ مِنِّي

عَلَى أَنَّ الدُّمُوعَ عَلَيَّ نَمَّتْ

فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنْتِ وَاللَّهِ أَشْعُرُ الثَّلَاثَةِ ، وَلَوْلَا أَنَّكِ حُرْمَةٌ لَقَبَّلْتُ فَاكِ

ص: 328

672 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ

⦗ص: 329⦘

: سَمِعْتُ أَعْرَبِيًّا يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ دَمْعَةً تَرَقْرَقُ بِإِثْمِدٍ عَلَى خَدٍّ أَحْسَنَ مِنْ عَبْرَةٍ أَمْطَرَتْهَا جُفُونُهَا فَأَعْشَبَ لَهَا قَلْبِي

ص: 328

673 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الدِّينَارِيُّ:

[البحر البسيط]

بَدَائِعُ الشَّوْقِ لَا تُغْنِي وَإِنَّ لَهَا

مَا إِنْ يُرَدُّ بِتَصْدِيقٍ وَإِنكْارِ

مَاءُ الصَّبَابَةِ نَارُ الشَّوْقِ يَحْدُرُهُ

فَهَلْ سَمِعْتُمْ بِمَاءٍ فَاضَ مِنْ نَارِ

ص: 329

674 -

وَأَنْشَدَنِي الْمُعَلى بْنُ دَاوُدَ الْخَزَّازُ:

[البحر الكامل]

نَفَسٌ أَبَاحَ مِنَ الْهَوَى مَكْتُومَا

وَالدَّمْعُ كَانَ عَلَى الضَّمِيرِ نَمُومَا

كَلَمَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ فِي وَجَنَاتِهَا

فَتَرَى لَهَا تَحْتَ الْكُلُومِ كُلُومَا

وَبَكَا الْعَوَاذِلُ مَا تُجِنُّ مِنَ الْهَوَى

وَالدَّمْعُ يَعْقُبُهُ دَمًا مَسْجُومَا

ص: 329

675 -

وَأَنْشَدَنِي عُمَرُ بْنُ اللَّيْثِ الْحِمْصِيُّ:

[البحر الكامل]

رِدْ بِالْعِطَاشِ عَلَى حِيَاضِ دُمُوعِي

تُرْوَى الْعِطَاشُ مَشْوبَةً بِنَجِيعِ

لَيْسَتْ دُمُوعًا إِنْ قَطَرْتُ وَإِنَّمَا

هِيَ ذَوْبُ نَفْسِ الطَّالِبِ الْمَمْنُوعِ

ص: 329

676 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّافِقِيُّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ:

دَمْعَةٌ قَدْ نَثَرْتُ وَأُخْرَى عَلَى الْخَدِّ

وَأُخْرَى بَيْنَ الْجُفُونِ تَجُولُ

فَتَرَى الدَّمْعَ قَدْ يُحَيَّرُ فِي الْخَدِّ

مُقِيمًا كَأَنَّهُ مَا يَزُولُ

ص: 329

677 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِي لَدِيكِ الْجِنِّ:

[البحر السريع]

نَدِيمُ عَيْنَيَّ بَعْدَكِ الْكَوْكَبُ

وَلَوْعَةٌ إِنْسَانُهَا يُلْهَبُ

وَدَمْعَةٌ فِي الْخَدِّ مَسْفُوحَةٌ

كَأَنَّهَا مِنْ جَمْرَةٍ تُجْذَبُ

مَا امْتَنَعَ الدَّمْعُ وَإِسْبَالُهُ

عَلَيَّ لَمَّا امْتَنَعَ الْمَطْلَبُ

⦗ص: 330⦘

إِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ قَدْ أَذْنَبَتْ

فِيكِ فَإِنَّ الدَّمْعَ لَا يُذْنِبُ

ص: 329

678 -

وَأُنْشِدْتُ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ:

[البحر الطويل]

وَمِمَّا شَجَانِي أَنَّهَا يَوْمَ أَعْرَضَتْ

تَوَلَّتْ وَمَاءُ الْجَفْنِ فِي الْعَيْنِ حَائِرُ

فَلَمَّا أَعَادَهُ مِنْ بَعِيدٍ بِنَظْرَةٍ

إِلَيَّ الْتِفَاتًا أَسْلَمَتْهُ الْمَحَاجِرُ

ص: 330

679 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبْدِيِّ لِذِي الرُّمَّةِ:

[البحر الطويل]

وَلَمَّا تَلَاقَيْنَا جَرَتْ مِنْ عُيُونِنَا دُمُوعٌ

كَفَفْنَا مَاءَهَا بِالْأَصَابِعِ

وَإِنَّا تَسَاقَطْنَا حَدِيثًا كَأَنَّهُ

جَنَا النَّحْلِ مَمْزُوجًا بِمَاءِ الْوَقَائِعِ

ص: 330

‌بَابُ فَضِيلَةِ حِفْظِ السِّرِّ وَذَمِّ إِذَاعَتِهِ

ص: 335

680 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَلْبَسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ لَهَا؛ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَرَاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ

ص: 335

682 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْأَوَّلِ

⦗ص: 336⦘

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اكْتُمْ سِرِّي تَكُنْ مُؤْمِنًا»

ص: 335

683 -

حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ:

[البحر المتقارب]

لَا تُفْشِ سَرَّكَ إِلَّا إِلَيْكَ

فَإِنَّ لِكُلِّ نَصِيحٍ نَصِيحَا

فَإِنِّي رَأَيْتُ غُوَاةَ الرِّجَالِ

لَا يَدَعُونَ أَدِيمًا صَحِيحَا

ص: 336

684 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ مِنْ خِدْمَتِهِ قُلْتُ: يَقِيلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَإِذَا غِلْمَانٌ يَلْعَبُونَ ، فَمِلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا انْتَهَى سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ دَعَانِي فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ لَهَا ثُمَّ أَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي الْحِينَ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا لَهُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ ، فَقَالَتْ: مَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ قَالَتْ: فَاحْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا أَخْبَرْتُ بِتِلْكَ الْحَاجَةِ أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ ، وَلَوْ كُنْتُ مُخْبِرَهَا أَحَدًا لَأَخْبَرْتُكَ بِهَا. يَعْنِي ثَابِتًا

ص: 336

685 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ

⦗ص: 337⦘

الطَّوِيلُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ غِلْمَانٍ ، فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ ، وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَارٍ حَتَّى أَتَيْتُهُ ، فَبَلَّغْتُهُ الرِّسَالَةَ الَّتِي بَعَثَنِي فِيهَا ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ قَالَتْ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ قَالَتْ: «فَاحْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»

ص: 336

686 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنه حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ مِنْ خُلَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ عُمَرُ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ:«إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ» ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ بِنْتَ عُمَرَ ، قَالَ عُمَرُ: وَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، فَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثَ لَيَالِيَ ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ عَلَيْكَ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَّا أَنِّي قَدْ كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ذَكَرَهَا ، فَلَمْ أَكُنْ

⦗ص: 338⦘

لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبِلْتُهَا

ص: 337

687 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ: أَبُوكَ الَّذِي يَقُولُ:

[البحر الطويل]

إِذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ

تَرْوِي عِظَامِي عِنْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا

قَالَ ابْنُ أَبِي مِحْجَنٍ: وَلَوْ شِئْتَ لَتَذَكَّرْتَ مِنْ شِعْرِهِ خَيْرًا مِنْ هَذَا؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: قَوْلَهُ:

[البحر البسيط]

لَا تَسْأَلِي الْقَوْمَ عَنْ مَالِي وَكَثْرَتِهِ

وَسَائِلِي الْقَوْمَ عَنْ بَأْسِي وَعَنْ خُلُقِي

الْقَوْمُ أَعْلَمُ أَنِّي مِنْ سَرَاتِهِمُ

إِذَا تَطِيشُ يَدُ الرِّعْدِيدِ بِالْفَرَقِ

أُعْطِي السِّنَانَ غَدَاةَ الرَّوْعِ حِصَّتَهُ

وَعَامِلَ الدَّمْعِ أَرْوِيهِ مِنَ الْعُلُقِ

وَأَرْكَبُ الْهَوْلَ مَبْذُولًا عَسَاكِرُهُ

وَأَكْتُمُ السِّرَّ فِيهِ ضَرْبَةُ الْعُنُقِ

ص: 338

688 -

سَمِعْتُ ثَعْلَبًا يَقُولُ: هَذَا الْبَيْتُ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ ، وَأَنْشَدَ:

[البحر الكامل]

وَلَهَا سَرَائِرُ فِي الضَّمِيرِ طَوَيْتُهَا

نَسِيَ الضَّمِيرُ بِأَنَّهَا فِي طَيِّهِ

ص: 338

689 -

وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ لِجَابِرِ بْنِ ثَعْلَبٍ:

[البحر الطويل]

وَمُسْتَخْبِرٍ عَنْ سِرِّ لَيْلَى رَدَدْتُهُ بِعَمْيَاءَ فِي لَيْلَى بِغَيْرِ يَقِينِ

يَقُولُونَ: خَبِّرْنَا فَأَنْتَ أَمِينُهَا وَمَا أَنَا إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِأَمِينِ

ص: 338

690 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ:

[البحر البسيط]

لَوْ قَدْ قَدَرْتُ عَلَى نِسْيَانِ مَا اشْتَمَلَتْ

مِنِّي الضُّلُوعُ مِنَ الْأَسْرَارِ وَالْخَبَرِ

لَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ يَنْسَى سَرَائِرَهُ

إِذْ كُنْتُ مِنْ نَشْرِهَا يَوْمًا عَلَى خَطَرِ

ص: 339

691 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِحَدِيثٍ ثُمَّ الْتَفَتَ ، فَهِيَ أَمَانَةٌ»

ص: 339

692 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَاتِ» وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا تَجْعَلَنَّ لِمَا أَبْرَمْتَ مِنْ كَيْدٍ عَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُكَ مَخْرَجًا مِنْ لِسَانِكَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَأْمُونٍ أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ حِيلَةُ الْمُحْتَالِ بِالنَّقْضِ لَهُ ، أَوْ الِاحْتِرَاسِ مِنْهُ وَقَالَ آخَرُ: احْفَظْ سَرَّكَ ، فَإِنَّهُ مِنْ دَمِكَ

ص: 339

693 -

حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا سُرَيْحُ بنُ النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ ابْنِ أَخِي ، جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ: مَجْلِسٌ يُسْفَكُ فِيهِ دَمٌ حَرَامٌ ، وَمَجْلِسٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ فَرْجٌ حَرَامٌ ، وَمَجْلِسٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ مَالٌ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ "

ص: 340

694 -

حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: «مَا تَقَدَّمْتُ عَلَى شَيْءٍ فَنَدِمْتُ عَلَيْهِ ، وَلَا وَضَعْتُ سِرِّي عِنْدَ أَحَدٍ فَأَفْشَاهُ عَلَيَّ فَلُمْتُهُ ، أَنَا كُنْتُ أَضْيَقَ صَدْرًا حَيْثُ وَضَعْتُهُ عِنْدَهُ»

ص: 340

695 -

سَمِعْتُ أَبَا بُرْدٍ ، يُنْشِدُ:

[البحر الطويل]

ضَعِ السِّرَّ فِي صَمَّاءَ لَيْسَتْ بِصَخْرَةٍ

صَلُودٍ كَمَا عَايَنْتَ مِنْ سَائِرِ الصَّخْرِ

وَلَكِنَّهُ قَلْبُ امْرِئٍ ذِي حَفِيظَةٍ

يَرَى ضَيْعَةَ الْأَسْرَارِ خَتْرًا مِنَ الْخَتْرِ

يَمُوتُ وَمَا مَاتَتْ كَرَائِمُ فَضْلِهِ

وَيَبْلَى وَمَا يَبْلَى ثَنَاهُ عَلَى الدَّهْرِ

ص: 340

696 -

وَأَنْشَدَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مَضَاءَ الْمَوْصِلِيُّ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 341⦘

زِنِ الْحِلْمَ وَاسْتَبْقِ الصَّدِيقَ فَإِنَّمَا

تَمَامُ يَدِ الْمَرْءِ الْكَرِيمِ أَصَابِعُهْ

وَصِلْ حَبَلَ مَنْ يَهْوَى وِصَالَكَ وَاحْتَرِسْ

كَلَامَكَ حَتَّى تَسْتَبِينَ مَوَاضِعَهْ

إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ

وَحَمَلَهُ الْأَقْوَامُ طَارَتْ قَنَازِعُهْ

ص: 340

697 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ النَّحْوِيُّ:

[البحر البسيط]

أَصُونُ سِرَّكِ فِي صَدْرِي وَأَحْفَظُهُ

إِذَا تَضَايَقَ صَدْرُ الضَّيِّقِ الْبَاعِ

فَلَا تُضِيعِنَّ سِرِّي إِنْ ظَفِرْتِ بِهِ

إِنَّى لِسِرِّكِ رَاعٍ غَيْرُ مِضْيَاعِ

ثُمَّ اعْلَمِي أَنَّ مَا اسْتَوْدَعْتِ فِي ثِقَةٍ

تُمْسِي وَتُصْبِحُ عِنْدَ الْحَافِظِ الرَّاعِي

"

ص: 341

698 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مِنْهَالُ بْنُ حَمَّادٍ السَّرَّاجُ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْعِجْلِيُّ ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: مَنْ كَتَمَ سَرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ فِي يَدِهِ

ص: 341

699 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: يَا بُنَيَّ ، أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِيكَ ، فَاحْفَظْ مِنِّي خِصَالًا ثَلَاثَةً: لَا تُفْشِ لَهُ سِرًّا ، وَلَا يَسْمَعَنَّ مِنْكَ كَذِبًا ، وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا

ص: 341

700 -

أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ:

[البحر البسيط]

وَحَاجَةٌ لَا تَرَاهَا النَّاسُ تُنْصِبُنِي

يَرْفَضُّ لَوْ أَنَّهَا فِي جَوْفِهِ الْحَجَرُ

أَسْرَرْتُهَا دُونَ أَقْوَامٍ ذَوِي ثِقَةٍ

إِنَّ الْحَدِيثَ إِذَا مَا شَاعَ يَنْتَشِرُ

ص: 342

701 -

أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ لِابْنِ مَيَّادَةَ:

[البحر الطويل]

وَإِنِّي لِمَا اسْتَوْدَعْتِ يَا أُمَّ مَالِكٍ

عَلَى قِدَمٍ مِنْ عَهْدِنَا لَكَتُومُ

أُخَبَّرُ سِرًّا ثُمَّ أَسْتَكْتِمُ الَّذِي

أَخَبَّرُهُ إِنِّي إِذًا لَلَئِيمُ

ص: 342

702 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ ، عَنِ الْمُؤَمَّلِ قَالَ: قَالَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ:

[البحر الطويل]

كَأَنَّ دُمُوعَ الْعَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلَتْ

بُثَيْنَةُ يَسْقِيهَا الرَّشَاشُ مَعِينُ

وَرُحْنَ وَقَدْ أَوْدَعْنَ عِنْدِي أَمَانَةً

لِبُثْنَةَ سِرٌّ فِي الْفُؤَادِ مَكِينُ

كَسِرِّ الَّذِي لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ

ثَوَى فِي قَرَارِ الْأَرْضِ وَهْوَ دَفِينُ

ص: 342

703 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رِشْدِينَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه اشْتَكَى شَكَاةً خَافَ فِيهَا ، فَأَوْصَى وَاسْتَخْلَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الْحَجِّ ، وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ كِتَابَ وَصِيَّتِهِ حَمْدَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ ، فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَ بِذَاكَ أَحَدًا ، فَعُوفِيَ عُثْمَانُ مِنْ مَرَضِهِ ، وَقَدِمَ

⦗ص: 343⦘

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَلَقِيَهُ حَمْدَانُ ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِ عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي أَصَابَهُ مِنَ الْمَرَضِ ، وَأَسَرَّ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ مِنَ اسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِحَمْدَانَ: مَاذَا صَنَعْتَ؟ مَا لِي بُدٌّ مِنْ أَنْ أُخْبِرَهُ ، فَقَالَ حَمْدَانُ: إِذًا وَاللَّهِ تُهْلِكُنِي ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَسَعُنِي تَرْكُ ذَلِكَ ، لِئَلَّا يَأْمَنَكَ عَلَى مِثْلِهَا ، وَلَكِنْ وَأَفْعَلُ حَتَّى أَسْتَأْمِنَهُ لَكَ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ: إِنَّ لِبَعْضِ أَهْلِكَ ذَنْبًا لَيْسَ عَلَيْكَ إِثْمٌ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ فِيهِ ، وَلَسْتُ مُخْبِرَكَ حَتَّى تُؤَمِّنَهُ ، فَقَالَ عُثْمَانُ: فَقَدْ فَعَلْتُ ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي أَسَرَّ إِلَى حَمْدَانَ ، فَقَالَ:«إِنْ شِئْتَ جَلَدْتُكَ مِائَةً ، وَإِنْ شِئْتَ فَاخْرُجْ عَنِّي ، فَاخْتَارَ الْخُرُوجَ ، فَخَرَجَ إِلَى الْكُوفَةِ»

ص: 342

704 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَزَّانُ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ قَبْرِ الْمَاشِطَةِ وَابْنِهَا وَزَوْجِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَضِرَ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكَانَ يَأْتِي رَاهِبًا فِي صَوْمَعَةٍ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّاهِبُ فَيُعَلِّمُهُ الْإِسْلَامَ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَضِرَ زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً ، فَعَلَّمَهَا الْخَضِرُ وَأَخَذَ عَلَيْهَا أَلَا تُعَلِّمَهُ أَحَدًا ، وَكَانَ لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ ، فَطَلَّقَهَا فَنَكَثَتْ فَأَفْشَتْ عَلَيْهِ ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى أَتَى جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ ، فَأَقْبَلَ رَجُلَانِ يَحْتَطِبَانِ فَرَأَيَاهُ ، فَكَتَمَ أَحَدُهُمَا وَأَفْشَى الْآخَرُ ، وَقَالَ: رَأَيْتُ الْخَضِرَ ، قِيلَ لَهُ: وِمَنْ رَآهُ مَعَكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ ، فَسُئِلَ فَكَتَمَ ، وَكَانَ مِنْ دِينِهِمْ أَنَّ مَنَ كَتَمَ قُتِلَ ، فَتَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ الْكَاتِمَةُ ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ سَقَطَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ فِرْعَوْنُ ، فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا ، وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ ابْنَانِ وَزَوْجٌ ، فَأَرْسَلَ

⦗ص: 344⦘

إِلَيْهِمْ فَرَاوَدَ الْمَرْأَةَ وَزَوْجَهَا أَنْ يَرْجِعَا عَنْ دِينِهِمَا ، فَأَبَيَا ، فَقَالَ: إِنِّي قَاتِلُكُمَا ، فَقَالَا إِحْسَانٌ مِنْكَ إِلَيْنَا إِنْ قَتَلْتَنَا ، فَقَتَلَهُمَا ، فَلَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَسَأَلَ جِبْرِيلَ عليه السلام فَأَخْبَرَهُ

ص: 343

705 -

حَدَّثَنِي الْمُسَيَّبُ بْنُ عَلِيٍّ الرُّصَافِيُّ ، عَنْ بَعْضِ مَشَائِخِهِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هَمَّامٍ السَّلُولِيَّ سَبَّهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ هَمَّامٍ ، إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ قُلْتُ كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ لِلرَّجُلِ:

[البحر الطويل]

أَنْتَ امْرُؤٌ إِمَّا تُمَسَّكَ خَالِيًا

فَخُنْتَ وَإِمَّا قُلْتَ قَوْلًا بِلَا عِلْمِ

وَإِنَّكَ فِي الْأَمْرِ قَدْ أَتَيْتَهُ

لَفِي مَنْزِلٍ بَيْنَ الْخِيَانَةِ وَالْإِثْمِ

ص: 344

وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ: أَنْشَدَنِي الرِّيَاشِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي الْعُتْبِيُّ:

[البحر الطويل]

سَأَكْتُمُهُ سِرِّي وَأَحْفَظُ سَرَّهُ

وَلَا غَرَّنِي أَنِّي عَلَيْكَ كَتُومُ

حَلِيمٌ فَيَنْسَى أَوْ جَهُولٌ بِسَعْيِهِ

وَمَا النَّاسُ إِلَّا جَاهِلٌ وَحَلِيمُ

ص: 344

706 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَنْظُرُ فِي مَظَالِمِ النَّاسِ وَقَعَتْ فِي يَدِهِ رُقْعَةٌ فَقَرَأَهَا ، فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ:

[البحر الطويل]

تَغَيَّرَ وَجْهُ الْبَدْرِ إِذْ غُيِّبَ الْبَدْرُ

وَحَالَفَنِي الْهِجْرَانُ لَا سُلِّمَ الْهَجْرُ

عَلَى غَيْرِ جُرْمٍ كَانَ مِنِّي جَنَيْتُهُ

سِوَى أَنَّنِي نَوَّهْتُ إِذْ غُلِبَ الصَّبْرُ

⦗ص: 345⦘

وَإِنَّ امَرَأً أَهْدَى رَيَاحِينَ قَلْبِهِ

إِلَى إِلْفِهِ إِذْ شَفَّهُ الشَّوْقُ وَالذِّكْرُ

حَقِيقٌ بِأَنْ يَصْفُوَ لَهُ الرَّدُّ وَالْهَوَى

وَيُصْرَفَ عَنْهُ الْهَجْرُ إِذْ مُنِعَ الْعُذْرُ

فَقُلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا

أَتَيْنَاكَ لِلْفُتْيَا إِذَا وَضَحَ الْأَمْرُ

قَالَ: فَوَقَّعَ فِي ظَهْرِ الرُّقْعَةِ:

[البحر الطويل]

لَقَدْ وَضَحَتْ فِيكَ الْقَضِيَّةُ يَا عَمْرُو

وَأَنْتَ حَقِيقٌ أَنْ يَحِلَّ بِكَ الْهَجْرُ

لِأَنَّكَ أَظْهَرْتَ الَّذِي كُنْتَ كَاتِمًا

وَنَوَّهْتَ بِالْحُبِّ الَّذِي ضَمِنَ الصَّبْرُ وَالصَّدْرُ

فَبُحْتَ بِهِ فِي النَّاسِ حَتَّى إِذَا بَدَا

سِقَامُ الْهَوَى نَادَيْتَ أَنْ غُلِبَ الصَّبْرُ

فَهَلَّا بِكِتْمَانِ الْهَوَى مِتَّ صَبْوَةً

فَتَهْلِكَ مَحْمُودًا وَفِي كَفِّكَ الْعُذْرُ

فَلَسْتُ أَرَى إِنْ بُحْتَ بِالْحُبِّ وَالْهَوَى

جَزَاءَكَ إِلَّا أَنْ يُعَاقِبَكَ الْبَدْرُ

ص: 344

707 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَطْلِيُّ لِرَاشِدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْكَاتِبِ:

[البحر الطويل]

لَعَمْرُكَ مَا اسْتَوْدَعْتُ سِرِّي وَسِرَّهَا

سِوَانَا حِدَادًا أَنْ تَضِيعَ السَّرَائِرُ

وَلَا خَاطَبَتْهَا مُقْلَتَايَ بِلَحْظَةٍ

فَتَعْرِفُ نَجْوَانَا الْعُيُونُ النَّوَاظِرُ

وَلَكِنْ جَعَلْتُ الْوَهْمَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا

رَسُولًا فَأَدَّى مَا تُجِنُّ الضَّمَائِرُ

أُكَاتِمُ مَا فِي الْقَلْبِ بَقْيًا عَلَى الْهَوَى

مَخَافَةَ أَنْ يُغْرَى بِذِكْرَاكِ ذَاكِرُ

ص: 345

708 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " لَوْ كَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ

⦗ص: 346⦘

مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] "

ص: 345

709 -

أَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ لِأَبى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيِّ:

[البحر البسيط]

عِنْدِي لَهُمْ أَنَّنِي أَرْعَى أَوَاصِرَهُمْ

شَسْعًا وَحَصْرًا أَصَرَّ الْقَوْمُ أَوْ تَرَعُوا

وَإِنَّ أَسْرَارَهُمْ عِنْدِي وَإِنْ قَطَعُوا

حَبْلَ الصَّفَاءِ كَغَيْبٍ لَيْسَ يُطَّلَعُ

يَأْوِي إِلَى صَخْرَةٍ مِنِّي مُلَمْلَمَةٍ

تَنْبُو الْمَعَاوِلُ عَنْهَا لَيْسَ تَنْصَدِعُ

ص: 346

710 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:

[البحر البسيط]

السِّرُّ يَكْتُمْهُ الِاثْنَانِ بَيْنَهُمَا

وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الِاثْنَيْنِ يَنْتَشِرُ

وَالْمَرْءُ مَا لَمْ يُرَاقَبْ عِنْدَ صَبْوَتِهِ

لَمْحَ الْعُيُونِ بِسُوءِ الظَّنِّ يَنْتَشِرُ

ص: 346

711 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:

[البحر الطويل]

كَتَمْتُ الْهَوَى حَتَّى تَشَكَّتْ نُحُولَةً

عِظَامِي بإِفْصَاحٍ وَهُنَّ سُكُوتُ

يَذُبُّ الرَّجَا عَنِّي الْمَنَايَا فَلَوْ خَلَا

مُقِيمُ الرَّجَا عَنْ مُقْلَتِي لَطَفِيتُ

ص: 346

‌بَابُ احْتِمَالِ الْمَكْرُوهِ فِي طَاعَةِ الْهَوَى

ص: 347

713 -

أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلَبِيُّ:

[البحر الطويل]

وَإِنِّي لَأَهْوَاهَا وَإِنْ طَالَ هَجْرُهَا

وَأَمْنَحُهَا وُدِّي وَإِنْ صَرَمَتْ حَبْلِي

إِذَا كُنْتُ أَجْزِيهَا بِسُوءِ صَنِيعِهَا

إِلَيَّ فَقَدْ صَارَتْ إِذًا فِي الْهَوَى مِثْلِي

ص: 347

714 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ زَيْدٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، كَانَ إِذَ ضَرَبَ الْبَعْثَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ جُنْدِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ قَدْ أَخَلَّ بِمَرْكَزِهِ أَقَامَهُ عَلَى كُرْسِيٍّ ثُمَّ سَمَّرَ يَدَيْهِ فِي الْحَائِطِ ثُمَّ انْتَزَعَ الْكُرْسِيَّ مِنْ تَحْتِ رِجْلَيْهِ ، فَلَا يَزَالُ يَنْشَحِطُ حَتَّى يَمُوتَ ، وَإِنَّهُ ضَرَبَ الْبَعْثَ عَلَى رَجُلٍ حَدِيثِ عَهْدٍ بِعُرْسِ ابْنَةِ عَمِّهِ ، فَلَمَّا صَارَ فِي مَرْكَزِهِ كَتَبَ إِلَى ابْنَةِ عَمِّهِ كِتَابًا ثُمَّ كَتَبَ فِي أَسْفَلِهِ:

[البحر البسيط]

لَوْلَا مَخَافَةُ بِشْرٍ أَوْ عُقُوبَتِهِ

وَأَنْ يَرَى حَاسِدِي كَفِّي بِمِسْمَارِ

إِذًا لَعَطَّلْتُ ثَغْرِي ثُمَّ زُرْتُكُمُ

إِنَّ الْمُحِبَّ إِذَا مَا اشْتَاقَ زَوَّارُ

قَالَ: فَوَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى ابْنَةِ عَمِّهِ فَأَجَابَتْهُ عَنْ كِتَابِهِ فِي أَسْفَلِهِ

⦗ص: 348⦘

:

لَيْسَ الْمُحِبُّ الَّذِي يَخْشَى الْعِقَابَ وَلَوْ

كَانَتْ عُقُوبَتُهُ مِنْ فَجْوَةِ النَّارِ

بَلِ الْمُحِبُّ الَّذِي لَا شَيْءَ يُفْزِعُهُ

أَوْ يَسْتَقِرُّ وَمَنْ يَهْوَاهُ فِي الدَّارِ

فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهَا قَالَ: لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا ، وَأَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ ، فَأَتَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ فِي وَقْتِ غَدَائِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَدَائِهِ أُدْخِلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: مَا الَّذِي دَعَاكَ إِلَى تَعْطِيلِ ثَغْرِكَ؟ أَمَا سَمِعْتَ نَدَاءَنَا وَإِيعَاذَنَا؟ فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ عُذْرِي ، فَإِمَّا عَفَوْتَ وَإِمَّا عَاقَبْتَ قَالَ: وَيْلَكَ ، وَهَلْ لِمِثْلِكَ مِنْ عُذْرٍ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ وَقَصَةَ ابْنَةِ عَمِّهِ ، فَقَالَ: أَوْلَى لَكَ ، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ ، حُطَّ اسْمَهُ مِنَ الْبَعْثِ ، وَأَعْطِهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، الْحَقْ بِابْنَةِ عَمِّكِ

ص: 347

715 -

أَنْشَدَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ:

[البحر الطويل]

عَفَا اللَّهُ عَنْ سَلْمَى وَإِنْ سَفَكَتْ دَمِي

فَإِنَّى وَإِنْ لَمْ تُجْزِنِي غَيْرُ عَاتِبِ

يَقُولُونَ تُبْ مِنْ حُبِّ سَلْمَى وَذِكْرِهَا

وَمَا أَنَا مِنْ حُبِّ سَلْمَى بِتَائِبِ

ص: 348

716 -

أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ زِيَادٍ:

[البحر الطويل]

سَهِرْتُ وَمَنْ أَهْدَى لِيَ الشَّوْقَ نَائِمُ

وَعَذَّبَ قَلْبِي بِالْهَوَى وَهْوَ سَالِمُ

أَيَا بِأَبِي حَتَّى مَتَى أَنَا قَائِلٌ

لِمَنْ لَامَنِي فِي حُبِّكُمْ أَنْتَ ظَالِمُ

وَحَتَّى مَتَى أُخْفِي الْهَوَى وَأُسِرُّهُ

وَأَدْفِنُ شَوْقِي فِي الْحَشَى وَأُكَاتِمُ

أُرِيدُ بِهِ مَا سَرَّكُمْ لِمَسَاءَتِي

لِيَغْفُلَ وَاشٍ أَوْ لِيُعْذِرَ لَائِمُ

ص: 348

717 -

أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 349⦘

بِي لَا بِهَا مَا أُقَاسِي مِنْ تَجَنِّيهَا

وَمِنْ جَوَى الْحُبِّ أَفْدِيهَا وَأَحْمِيهَا

وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَا أُسَرُّ بِأَنْ

تَلْقَى مِنَ الْوَجْدِ مَا لَاقِيتُهُ فِيهَا

خَوْفِي الْبُكَاءَ كَمَا أَبْكِي فَتَتْرُكُنِي

أَبْكِي عَلَى كَبِدِي مِنْهَا وَأُبْكِيهَا

ص: 348

718 -

أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ الضَّبِّيُّ:

[البحر الطويل]

إِنَّا وَإِنْ كُنَّا نُرَاكِ بَخِيلَةً

كَثِيرًا عَلَى عَلَّاتِهَا يَسْتَزِيدُهَا

فَإِنَّكِ كَالدُّنْيَا نَذُمُّ صُرُوفَهَا

وَنُوسِعُهَا شَتْمًا وَنَحْنُ عَبِيدُهَا

ص: 349

719 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: بَيْنَا كُثَيِّرٌ يُنْشِدُ النَّاسَ وَقَدْ حَشَدُوا لَهُ ، إِذْ مَرَّتْ بِهِ عَزَّةُ وَمَعَهَا زَوْجُهَا ، فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا: وَاللَّهِ لَتَسُبِّنَّهُ أَوْ لَأَسُوءَنَّكِ ، فَقَرُبَتْ مِنْهُ وَجَعَلَتْ تَسُبُّهُ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

يُكَلِّفُهَا الْخِنْزِيرُ سَبِّيَ وَمَا بِهَا

هَوَانِي وَلَكِنْ لِلْمَلِيكِ اسْتَذَلَّتِ

هَنِيّا مَرِيّا غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ

لِعَزَّةَ مِنْ أَعْرَاضِنَا مَا اسْتَحَلَّتِ

فَمَا أَنَا بِالدَّاعِي لِعَزَّةَ بِالْجَوَى

وَلَا شَامِتٌ إِنْ نَعْلُ عَزَّةَ زَلَّتِ

أَصَابَ الرَّدَى مَنْ كَانَ يَهْوَى لَكِ الرَّدَى

وَجُنَّ اللَّوَاتَى قُلْنَ: عَزَّةُ جَلَّتِ

ص: 349

720 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ ، وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِيَ امْرَأَةً ، وَإِنِّي أُحِبُّهَا ، وَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ:«طَلِّقْهَا» . قَالَ: إِنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْهَا قَالَ: «فَأَمْسِكْهَا إِذًا»

⦗ص: 350⦘

حَدَّثَنَا الزِّيَادِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ: زَعَمَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ «لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ» الْكِنَايَةَ عَنِ الْجِمَاعِ ، أَيْ لَا تَمْنَعُ أَحَدًا أَرَادَهَا لِرِيبَةٍ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فَقَالُوا: أَلَا تَرَاهُ جَعَلَ الْجِمَاعَ لَمْسًا ، إِنَّمَا قَالَ: لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] فَلَا يَجُوزُ لِقَائِلٍ يَقُولُ أَنَّ لِهَذَا مَعْنًى غَيْرَ الْيَدِ الْمَعْرُوفِ ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الرَّجُلَ وَصَفَ امْرَأَتَهُ بِالْخُرْقِ وَضَعْفِ الرَّأْيِ ، وَأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ أَحَدًا سَأَلَهَا مِنْ مَتَاعِ بَيْتِهِ شَيْئًا ، وَهَذَا لَفْظٌ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْكِنَايَةِ ، إِنَّمَا تُمْنَعُ الْيَدُ نَفْسُهَا ، فَكَانَ الْجَوَابُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّهَا وَلَا تُطِيقُ الصَّبْرَ عَنْهَا ، فَاحْتَمِلْ هَذَا الْفِعْلَ مِنْهَا. وَكَيْفَ يُتَأَوَّلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَهُ بِإِمْسَاكِ امْرَأَةٍ لَا تَمْنَعُ أَحَدًا أَرَادَهَا لِرِيبَةٍ ، فَتُلْحِقَ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ ، يَرِثُ مَالَهُ وَيَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ نِسَائِهِ ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي ذَمِّ الزِّنَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَرُويَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا جَاءَكُمُ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَظَنُّوا بِهِ الَّذِي

⦗ص: 351⦘

هُوَ أَهْدَى ، وَالَّذِي هُوَ أَتْقَى بَلْ لَمْ نَرَ أَحَدًا أَحَبَّ امْرَأَةً فَاحْتَمَلَ أَنْ يَرَى مَعَهَا رَجُلًا غَيْرَهُ ، أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهَا تَخُونُهُ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِقَائِلٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا التَّأَوِيلَ وَيَظُنَّ بِهِ ، هَذَا مَا لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى عَقْلٍ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْغَيْرَةِ مِمَّا أَنَا ذَاكِرُهُ بَعْدُ مِنْ ضَرْبِهِمْ لِنِسَائِهِمْ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ ، وَكَيْفَ يَصْبِرُ عَلَيْهَا وَهِيَ لَا تَمْنَعُ عَلَى غَيْرِهِ؟

ص: 349

‌بَابُ الْإِشْفَاقِ وَالْحَذَرِ وَمَا يُنْتِجَانِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ

ص: 352

724 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَاثِقِ بِاللَّهِ يَوْمًا وَهُوَ بِالنَّجَفِ ، فَدَخَلَ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ فَقَعَدَ مَعَنَا نَتَحَدَّثُ ، وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ الْوَاثِقُ بَعْدُ ، فَقَالَ لِيَ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ: يَا إِسْحَاقُ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ قَالَ: أَعْجَبَنِي هَذَانِ الْبَيْتَانِ ، قُلْتُ: أَنْشِدْنِي يَا عَبْدَ اللَّهِ ، فَمَا أَعْجَبَكَ مِنْ شَيْءِ فَفِيهِ السُّرُورُ ، فَأَنْشَدَنِي: "

[البحر الطويل]

وَلِي نَظْرَةٌ لَوْ كَانَ يُحْبِلُ نَاظِرٌ

بِنَظْرَتِهِ أُنْثَى لَقَدْ حَبَلَتْ مِنِّي

فَإِنْ وَلَدَتْ مَا بَيْنَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ

إِلَى نَظَرِي ابْنًا فَإِنَّ ابْنَهَا ابْنِي

قُلْتُ: قَدْ أجادَ ، وَلَكِنِّي أُنْشِدُكَ بَيْتَيْنِ ، أَرْجُو أَنْ يُعْجِبَاكَ قَالَ: هَاتِ ، فَأَنْشَدْتُهُ:

وَلَمَّا رَمَتْ بِالطَّرْفِ ظَنَنْتُهَا

كَمَا آثَرَتْ بِالطَّرْفِ تُؤْثَرُ بِالْقَلْبِ

وَإِنِّي بِهَا فِي كُلِّ حَالٍ لَوَاثِقٌ

وَلَكِنَّ سُوءَ الظَّنِّ مِنْ شِدَّةِ الْحُبِّ

قَالَ: أَحْسَنْتَ يَا إِسْحَاقُ ، وَخَرَجَ الْوَاثِقُ فَقَالَ: فِيمَ أَنْتُمْ؟ فَحَدَّثَهُ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ وَأَنْشَدَهُ ، فَأَمَرَ لِي بِعَشَرَةِ آلَافٍ ، وَأَمَرَ لِابْنِ أَبِي دُؤَادَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي أَصَبْتُ فِي مَنْزِلِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: وَجَّهَ إِلَيْكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِهَذَا "

ص: 352

725 -

وَأَنْشَدَنِي مُوسَى بْنُ عِيسَى الطَّبَرِيُّ:

[البحر الطويل]

إِذَا اخْتَلَجَتْ عَيْنِي بَكَيْتُ صُبَابَةً

عَلَيْكِ وَخَوْفًا أَنْ تَرَاكِ سِوَى عَيْنِي

أَفِي الْحَقِّ هَذَا أَنْ تَبِيتِي خَلِيَّةً

وَأُصْبِحُ وَالْهَمُّ الْمُبَرِّحُ إِلْفَيْنِ

أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ قَلْبَكِ وَاحِدٌ

وَأَنَّكِ قَدْ صَيَّرْتِ قَلْبِيَ قَلْبَيْنِ

ص: 352

726 -

حَدَّثَنَا الرَّبَعِيُّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَلَفٍ الْعَبْدِيِّ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: ذَكَرَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ أَوَّلَ عِشْقٍ كَانَ بِبِلَادِ الْهِنْدِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْبَرْهَمَنْدَ السَّمَوْأَلَ عَشِقَ سِنْبَةَ ابْنَةَ السَّاحِرَةِ ، فَاسْتَعْمَلَ الْوَهْمَ فِي أُمِّهَا ، فَصَارَتْ صَخْرَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، فَظَفِرَ بِسِنْبَةَ. فَقَالَ الرَّبَعِيُّ: مَعْنَى الْوَهْمِ: يَقُولُونَ: إِنَّ فِيَ الْهِنْدِ مَنْ إِذَا تَوَهَّمَ بِشَيْءٍ صَارَ مَا يَتَوَهَّمُهُ. قَالَ: فَأَدْخَلَهَا عَادًا حَذَرًا عَلَيْهَا ، فَكَانَ مَعَهَا فِيهِ. وَقَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَتَرْجَمَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ بَعْضُ الْبَرَاجِمَةِ فَوَجَدَهَا:

[البحر السريع]

لَا تَطْلُعِينَ فِي قَمَرٍ إِنِّنِي

أَخَافُ أَنْ يَغْلَطَ أَهْلُ السَّفَرِ

أَوْ طَلَعَتْ شَمْسٌ فَلَا تَطْلُعِي

أَخَافُ أَنْ تُغْشَى عُيُونَ الْبَشَرِ

ص: 353

727 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ:

[البحر الطويل]

إِذَا سِمْتَهَا التَّقْبِيلَ صَدَّتْ وَأَعْرَضَتْ

صُدُودَ عِتَاقِ الْخَيْلِ حُلَّ لِجَامُهَا

وَعَضَّتْ عَلَى إِبْهَامِهَا ثُمَّ أَوْمَأَتْ

أَخَافَ الْبُيُوتَ أَنْ تَهُبَّ نِيَامُهَا

قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبْدِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: كَتَبَ بَعْضُ مُلُوكِ الْهِنْدِ إِلَى وَزِيرٍ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِ جَارِيَةً كَانَ يُحِبُّهَا ، فَحَمَلَهَا وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ: تَفْسِيرُهُمَا:

[البحر الكامل]

لَا يَأْمَنَنَّ عَلَى النِّسَاءِ أَخٌ أَخًا

مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِينُ

إِنَّ الْأَمِينَ وَإِنْ تَحَفَّظَ جَهْدَهُ

لَا بُدَّ أَنَّ بِنَظْرَةٍ سَيَخُونُ

ص: 353

728 -

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى ، حِكَايَةً عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ ، وَكَانَتْ مِنْ عُقَلَاءِ النَّاسِ قَالَتْ: شَيْئَانِ لَا تُؤْتَمَنُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمَا: الرِّجَالُ وَالطِّيبُ

ص: 353

‌بَابُ ذِكْرِ الْغَيْرَةِ عَلَى النِّسَاءِ

ص: 354

729 -

حَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، وَحَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّهُ لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ عز وجل»

ص: 354

730 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ أُمِّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَغَارُ ، فَلْيَغَرْ أَحَدُكُمْ»

ص: 354

731 -

حَدَّثَنَا التَّرْقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَيَغَارُ لِلْمُسْلِمِ ، فَلْيَغَرْ»

ص: 354

732 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ شَيْءٌ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ»

ص: 355

733 -

حَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَغَارُ ، وَالْمُؤْمِنُ يَغَارُ ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل»

ص: 355

734 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُ يَغَارُ ، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَشَدُّ غَيْرَةً»

ص: 355

735 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" الْغَيْرَةُ غَيْرَتَانِ: فَغَيْرَةٌ يُحِبُّ اللَّهُ ، وَأُخْرَى يَكْرَهُهَا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَغَارَ؟ قَالَ:«تُؤْتَى مَعَاصِي اللَّهِ عز وجل وَتُنْتَهَكُ مَحَارِمُهُ» . قُلْنَا: فَمَا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَكْرَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ؟ قَالَ: «غَيْرَةُ أَحَدِكُمْ فِي كُنْهِهِ»

ص: 356

736 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْجَرْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: الْغَيْرَةُ غَيْرَتَانِ: غَيْرَةٌ يُصْلِحُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ ، وَغَيْرَةٌ تُدْخِلُهُ النَّارَ "

ص: 356

737 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْدِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ بِإِبْرَاهِيمَ ، وَعِنْدَهَا نَسِيبٌ لَهَا كَانَ قَدِمَ مَعَهَا مِنْ مِصْرَ وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنَّهُ جَبَّ نَفْسَهُ فَقَطَعَ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَتَّى لَمْ يُبْقِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا عَلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا قَرِيبُهَا ، فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَاكَ شَيْئًا كَمَا يَقَعُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ ، فَرَجَعَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، فَعَرَفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَالِي أَرَاكَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ؟ فَأَخْبَرَهُ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَرِيبِ مَارِيَةَ ، فَمَضَى بِسَيْفِهِ فَأَقْبَلَ يَسْعَى حَتَّى دَخَلَ عَلَى مَارِيَةَ ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا قَرِيبَهَا ذَلِكَ ، فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ لِيَقْتُلَهُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ كَشَفَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ ،

⦗ص: 357⦘

فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ بَرَّأَهَا وَقَرِيبَهَا مِمَّا وَقَعَ فِي نَفْسِي ، وَبَشَّرَنِي أَنَّ فِيَ بَطْنِهَا غُلَامًا ، وَأَنَّهُ أَشْبَهُ الْخَلْقِ بِي ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُسَمِّيَهُ إِبْرَاهِيمَ ، وَكَنَّانِي بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَلَوْلَا أَنَّى أَكْرَهُ أَنْ أُحَوِّلَ كُنْيَتِي الَّتِي عُرِفْتُ بِهَا ، لَاكْتَنَيْتُ بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ ، كَمَا كَنَّانِي جِبْرِيلُ عليه السلام»

ص: 356

738 -

حَدَّثَنَا الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ سَارَةُ تَحْتَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام خَلِيلِ اللَّهِ ، فَمَكَثَتْ مَعَهُ دَهْرًا لَا تُرْزَقُ مِنْهُ وَلَدًا ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ وَهَبَتْ لَهُ هَاجَرُ ، أَمَةً لَهَا قِبْطِيَّةً ، فَوَلَدَتْ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِسْمَاعِيلَ ، فَغَارَتْ مِنْ ذَلِكَ سَارَّةُ وَوَجَدَتْ فِي نَفْسِهَا ، وَعَتَبَتْ عَلَى هَاجَرَ ، فَحَلَفَتْ أَنْ تَقْطَعَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَشْرَافٍ ، فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ:" هَلْ لَكِ أَنْ تَبَرِّي يَمِينَكِ؟ قَالَتْ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: أَبْقِي أُذُنَيْهَا وَاخْفِضِيهَا. وَالْخَفْضُ هُوَ الْخِتَانُ ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ بِهَا ، فَوَضَعْتُ هَاجَرُ فِي أُذُنَيْهَا قُرْطَيْنِ فَازْدَادَتْ بِهِمَا حُسْنًا ، فَقَالَتْ سَارَةُ: أُرَانِي إِنَّمَا زِدْتُهَا جَمَالًا ، فَلَمْ تُقَارِّهِ عَلَى كَوْنِهَا مَعَهُ ، وَوَجَدَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَجْدًا شَدِيدًا ، فَنَقَلَهَا إِلَى مَكَّةَ ، فَكَانَ يَزُورُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّامِ عَلَى الْبُرَاقِ مِنْ شَغَفِهِ بِهَا ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْهَا "

ص: 357

739 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا

⦗ص: 358⦘

قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ عَرَّسَ بِصَفِيَّةَ وَأَخْبَرَنِي قَالَتْ: فَتَنَكَّرْتُ وَتَنَقَّبْتُ ، وَذَهَبَتْ أَنْظُرُ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَيْنَيَّ فَعَرَفَنِي فَأَقْبَلَ إِلَيَّ فَانْقَلَبْتُ ، فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ فَأَدْرَكَنِي فَاحْتَضَنَنِي ، فَقَالَ:«كَيْفَ رَأَيْتِهَا» ؟ قُلْتُ: يَهُودِيَّةً بِنْتَ يَهُودِيَّاتٍ

ص: 357

740 -

حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ ، عَنِ ابْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَهْدَى بَعْضُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ وَهُوَ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ ، فَضَرَبَتِ الْقَصْعَةَ فَوَقَعَتْ ، فَانْكَسَرَتْ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ الثَّرِيدَ وَيَرُدُّهُ فِي الْقَصْعَةِ وَيَقُولُ «كُلُوا ، غَارَتْ أُمُّكُمْ» . ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى جَاءَتْ قَصْعَةٌ صَحِيحَةٌ فَأَخَذَهَا فَأَعْطَاهَا صَاحِبَةَ الْقَصْعَةِ الْمَكْسُورَةِ

ص: 358

741 -

حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْلِيِّ ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: تَضَيَّفْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَامَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَضَرَبَهَا قَالَ: فَحَجَزْتُ بَيْنَهُمَا قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ ، فَقَالَ: يَا أَشْعَثُ ، احْفَظْ عَنِّي

⦗ص: 359⦘

شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْأَلْ رَجُلًا فِيمَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ»

ص: 358

742 -

حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، سَمِعَ امْرَأَتَهُ تُكَلِّمُ رَجُلًا مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ لَا يَعْلَمُهَا ابْنُ عُمَرَ قَالَ: فَجَمَعَ لَهَا جَرَائِدَ ثُمَّ أَتَاهَا فَضَرَبَهَا حَتَّى آضَتْ حَشِيشًا آضَتْ: يَعْنِي صَارَتْ

ص: 359

743 -

حَدَّثَنَا بَنَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ شِكَابٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ: كَانَ يَأْكُلُ تُفَّاحًا وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ غُلَامٌ لَهُ ، فَنَاوَلَتْهُ تُفَّاحَةً قَدْ أَكَلَتْ مِنْهَا فَأَوْجَعَهَا مُعَاذٌ ضَرْبًا ، وَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ تَطَّلَّعُ فِي خِبَاءٍ مِنْ أَدَمٍ فَضَرَبَهَا

ص: 359

744 -

حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ امْرَأَةً ، جَاءَتْ تَشْكُو زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَطَمَهَا ، فَدَعَى الرَّجُلَ لِيَأْخُذَ حَقَّهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] الْآيَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَحْدَثَ اللَّهُ عز وجل أَمْرًا»

ص: 359

745 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ

⦗ص: 360⦘

حِمْصَ قَالُوا: كَانَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ رَغْبَانَ الْمُلَقَّبُ بِدِيكِ الْجِنِّ شَاعِرًا أَدِيبًا ذَا نِعْمَةٍ حَسَنَةٍ ، وَكَانَ لَهُ غُلَامٌ كَالشَّمْسِ وَجَارِيَةٌ كَالْقَمَرِ ، وَكَانَ يَهْوَاهُمَا جَمِيعًا ، فَدَخَلَ يَوْمًا مَنْزِلَهُ فَوَجَدَ الْجَارِيَةَ مُعَانِقَةً الْغُلَامَ تُقَبِّلُهُ ، فَشَدَّ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا ، ثُمَّ جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِ الْجَارِيَةِ ، فَبَكَاهَا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ:

[البحر الكامل]

يَا طَلَعَةً طَلَعَ الْحِمَامُ عَلَيْهَا

وَجَنَى لَهَا ثَمَرُ الرَّدَى بِيَدَيْهَا

رَوَيْتُ مِنْ دَمِهَا الثَّرَى وَلَطَالَ مَا

رَوَى الْهَوَى شَفَتَيَّ مِنْ شَفَتَيْهَا

فَأَجَّلْتُ سَيْفِي فِي مَجَالِ خِنَاقِهَا

وَمَدَامِعِي تَجْرِي عَلَى خَدَّيْهَا

فَوَحَقِّ عَيْنَيْهَا فَمَا وَطِئَ الثَّرَى

شَيْءٌ عَلَيَّ أَعَزَّ مِنْ عَيْنَيْهَا

ما كان قتلتها لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ

أَبْكِي إِذَا سَقَطَ الْغُبَارُ عَلَيْهَا

لَكِنْ بَخِلْتُ عَلَى سِوَايَ بِحُسْنِهَا

وَأَنِفْتُ مِنْ نَظَرِ الْغُلَامِ إِلَيْهَا

ثُمَّ جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِ الْغُلَامِ فَبَكَى ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَشْفَقْتُ أَنْ يَرِدَ الزَّمَانُ بِغَدْرِهِ

أَوْ أُبْتَلَى بَعْدَ الْوِصَالِ بِهَجْرِهِ

قَمَرٌ أَنَا اسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ دُجْنَةٍ

بِمَوَدَّتِي وَلَهُ الْفُؤَادُ بِأَسْرِهِ

⦗ص: 361⦘

عَهْدِي بِهِ مَيْتًا كَأَحْسَنِ نَائِمٍ

وَالدَّمْعُ يَنْحَرُ مُقْلَتِي فِي نَحْرِهِ

لَوْ كَانَ يَدْرِي الْمَيْتُ مَاذَا بَعْدَهُ

بِالْحَيِّ مِنْهُ بَكَى لَهُ فِي قَبْرِهِ

غُصْنٌ تَكَادُ تُفِيضُ مِنْهَا نَفْسُهُ

وَيَكَادُ يَخْرُجُ قَلْبُهُ مِنْ صَدْرِهِ

ص: 359

746 -

وَأَنْشَدَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ حَاتِمٍ الرَّازِيُّ:

[البحر المتقارب]

أَمَا وَاهْتِزَازِكِ لَوْ أَسْتَطِيعُ

لَمَا لَحِظَ النَّاسُ بَدْرَ التَّمَامِ

أَغَارُ عَلَى حُسْنِهِ إِذْ حَكَا

كَ فَإِنَّ بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَنَامِ

فَهَبْهُ حَكَاكَ بِحُسْنِ الضِّيَا

ءِ فَمِنْ أَيْنَ لِلْبَدْرِ حُسْنُ الْقَوَامِ

وَمِنْ أَيْنَ لِلْبَدْرِ وَجْهٌ يُمِيتُ

وَيُحْيِي إِذَا شَاءَ بِالِابْتِسَامِ

ص: 361

747 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِي لِحَبِيبٍ الطَّائِيِّ:

[البحر الوافر]

بِنَفْسِي مَنْ أَغَارُ عَلَيْهِ مِنِّي

وَأَحْسُدُ أَهْلَهُ نَظَرًا إِلَيْهِ

وَلَوْ أَنِّي قَدَرْتُ طَمَسْتُ عَنْهُ

عُيُونَ النَّاسِ مِنْ حَذَرٍ عَلَيْهِ

حَبِيبٌ بَثَّ فِي جِسْمِي هَوَاهُ

وَأَمْسَكَ مُهْجَتِي رَهْنًا لَدَيْهِ

فَرُوحِي عِنْدَهُ وَالْجِسْمُ خَالٍ

بِلَا رَوْحٍ وَقَلْبِي فِي يَدَيْهِ

ص: 361

748 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْغِفَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: قَالَ جَمِيلُ بُثَيْنَةَ: مَا رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ يُخْطِرُ بِالْبَلَاطِ إِلَّا أَخَذَتْنِي عَلَيْكِ الْغَيْرَةُ وَأَنْتِ بِالْجَنَابِ

ص: 361

749 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ خَالِهِ ، عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَعْفَرِيِّ ، وَكَانَ شَاعِرًا أَدِيبًا قَالَ: حَجَّ أَبُو نُوَاسٍ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكُنْتُ أَجْلِسُ بِالْمَدِينَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَأُنْشِدُ أَشَعْارِي ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ

⦗ص: 362⦘

أُنْشِدُ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيَّ إِذْ أَدْخَلَ أَبُو نُوَاسٍ رَأْسَهُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: يَا هَذَا ، أَلَا تُنْشِدُنَا بَيْتَيْكَ اللَّذَيْنِ تَنْكَشِحَنَّ فِيهِمَا ، فَقُلْتُ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: اللَّذَانِ تَقُولُ فِيهِمَا:

[البحر الطويل]

وَلَمَّا بَدَا لِي أَنَّهَا لَا تَوَدُّنِي

وَأَنَّ هَوَاهَا لَيْسَ عَنِّي بِمُنْجَلِي

تَمَنَّيْتُ أَنْ تُبْلَى بِغَيْرِي لَعَلَّهَا

تَذُوقُ حَرَارَتِ الْهَوَى فَتَرِقَّ لِي

فَقُلْتُ لَهُ: أَفَلَا أُنْشِدُكَ بَيْتِيَّ اللَّذَيْنِ أَتَغَايَرُ فِيهِمَا قَالَ: بَلَى ، فَأَنْشَدْتُهُ:

رُبَّمَا سَرَّنِي صُدُودُكِ عَنِّي

وَطِلَابَيْكِ وَامْتِنَاعُكِ مِنِّي

حَذَرًا أَنْ يَكُونَ مِفْتَاحُ غَيْرِي

فَإِذَا مَا خَلَوْتُ كُنْتِ التَّمَنِّي

قَالَ خَالِي: فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقِيلَ: هَذَا أَبُو نُوَاسٍ

ص: 361

750 -

أَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّافِقِيُّ:

[البحر الوافر]

وَلَسْتُ بِوَاصِفٍ أَبَدًا خَلِيلِي

أُعَرِّضُهُ لِأَهْوَاءِ الرِّجَالِ

وَمَا بَالِي أُشَوِّقُ قَلْبَ غَيْرَى

وَدُونَ وِصَالِهِ سِتْرُ الْحِجَالِ

ص: 362

751 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ النَّحْوِي لِابْنِ طَبْسَلَةَ:

[البحر الكامل]

يَا مَنْ لَذَذْتُ بِقُرْبِهِ فِي مَجْلِسٍ

لَذَّ الْحَدِيثُ بِهِ وَطَابَ الْمَجْلِسُ

إِنِّي لَمِنْ نَظَرِي أَغَارُ وَإِنَّنِي

بِكَ عَنْ سِوَايَ مِنَ الْأَنَامِ لَأَنْفَسُ

نَفْسِي فِدَاؤُكِ لَوْ رَأَيْتَ تَلَذُّذِي

خَضِلَ الْمَدَامِعِ مُطْرِقًا أَتَنَفَّسُ

لَعَلِمْتِ أَنِّي فِي هَوَاكَ مُعَذَّبٌ

وَمِنَ الْحَيَاةِ وَرَوْحِهَا مُسْتَيْأِسُ

ص: 362

752 -

وَأَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى لِعَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ:

[البحر الوافر]

أَفَاتِكُ أَنْتِ فَاتِكَةٌ بِقَلْبِي

وَحُسْنُ الْوَجْهِ يَفْتِكُ بِالْقُلُوبِ

أَصُونُكِ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ يَا مَنْ

يَبِيتُ بِهَا وَعَلَّامِ الْغُيُوبِ

وَعَنْ نَفْسِي أَصُونُكِ لَيْتَ نَفْسِي

تَقِيكِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْخُطُوبِ

فَمَا حَقُّ الْمِلَاحِ عَلَيَّ إِلَّا

صِيَانَتُهُنَّ عَنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ

ص: 363

‌بَابُ ذِكْرِ الْهَوَى وَالْحِيلَةِ فِي دَفْعِهِ عَنِ الْخِيَانَةِ

ص: 369

753 -

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الرَّبَعِيُّ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ ، عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ الْعُرَنِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ:«الْقَرِيبُ مَنْ قَرَّبَتْهُ الْمَوَدَّةُ وَإِنْ بَعُدَ نَسَبُهُ ، وَالْبَعِيدُ مَنْ بَاعَدَتْهُ الْعَدَاوَةُ وَإِنْ قَرُبَ نَسَبُهُ ، أَلَا لَا شَيْءَ أَقْرَبُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ يَدٍ إِلَى جَسَدٍ ، وَإِنَّ الْيَدَ إِذَا فَسَدَتْ قُطِعَتْ ، وَإِذَا قُطِعَتْ حُسِمَتْ»

ص: 369

754 -

أَنْشَدَنِي الْإِسْحَاقِيُّ لِابْنِ طَاهِرٍ:

[البحر الطويل]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَرْءَ تَدْوِي يَمِينُهُ

فَيَقْطَعُهَا عَمْدًا لِيَسْلَمَ سَائِرُهْ

فَكَيْفَ تَرَاهُ بَعْدَ يُمْنَاهُ صَانِعًا

لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُ حِينَ تُرْوَى سَرَائِرُهْ

ص: 369

755 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مِنْهَالُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْعِجْلِيُّ ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ

ص: 369

756 -

سَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ:

[البحر الوافر]

إِذَا أَنْكَرْتَ أَخْلَاقَ الصَّدِيقِ

فَلَسْتَ مِنَ التَّحَيُّزِ فِي مَضِيقِ

طَرِيقًا كُنْتَ تَسْلُكُهُ سَلِيمًا

فَأَسْبَعَ فَاجْتَنِبْهُ إِلَى الطَّرِيقِ

ص: 369

757 -

وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَادِرَانِيُّ:

[البحر الكامل]

⦗ص: 370⦘

وَإِذَا بَدَا جَلَدٌ عَلَيْكَ مِنَ امْرِئٍ

وَأَمَلَّهُ الْغَشَيَانُ وَالْإِلْمَامُ

فَتَسَلَّ عَنْهُ بِفُرْقَةٍ لَا مُبْدِيًا

شَكْوَى لِتُصْلِحَهُ لَكَ الْأَيَّامُ

ص: 369

758 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَ هَارُونُ الرَّشِيدُ يَسْتَنْشِدُنِي قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ:

[البحر الطويل]

إِنِّي وَإِنْ أَقَصَرْتُ عَنْ غَيْرِ بُغْضَةٍ

لَرَاعٍ لِأَسْبَابِ الْمَوَدَّةِ حَافِظُ

وَلَا زَالَ يَدْعُونِي إِلَى الْهَجْرِ مَا أَرَى

فَآبَى وَتُثْنِينِي عَلَيْكَ الْحَفَائِظُ

وَأَخْنَعُ لِلْعُتْبَى وَأُغْضِي عَلَى الْقَذَى

أُلَايِنُ طَوْرًا مَرَّةً وَأُغَالِظُ

وَأَنْتَظِرُ الْإِقْبَالَ بِالْوُدِّ مِنْكُمُ

وَأَصْبِرُ حَتَّى أَوْجَعَتْنِي الْمَغَائِظُ

وَجَرَّبْتُ مَا يُسْلِي الْمُحِبَّ عَنِ الْهَوَى

فَأَقْصَرْتُ وَالتَّجْرِيبُ لِلْمَرْءِ وَاعِظُ

ص: 370

759 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ يَهْوَى جَارِيَةً مِنْ جَوَارِي الْفَرَحِيَّاتِ ، فَصَدَّتْهُ وَحَالَتْ إِلَى غَيْرِهِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ ، فَخَافَتْ مَوْلَاتُهَا عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرٌ عَلَى مَدِينَةِ السَّلَامِ ، فَأَمَرَتْ

⦗ص: 371⦘

جَارِيَتَهَا أَنْ تُكْتَبَ إِلَيْهِ رُقْعَةً لَطِيفَةً تَسْتَعْطِفُهُ فِيهَا ، فَوَافَتْهُ الرُّقْعَةُ وَهُوَ مُفَكِّرٌ فِي حَالِ الْجَارِيَةِ ، فَمَا اسْتَتَمَّ قِرَاءَتَهَا حَتَّى قَالَ:

[البحر الكامل]

قَالَتْ سَلَوْتُ عَنِ الْهَوَى فَأَجَبْتُهَا

إِي وَالْمُهَيْمِنِ ذِي الْجَلَالِ الْوَاحِدِ

وَسَلَخْتُ حُبَّكِ مِنْ فُؤَادِي كُلَّهُ

سَلْخَ النَّهَارِ مِنَ الظَّلَامِ الرَّاكِدِ

قَالَتْ: فَعُدْ ، فَالْعَوْدُ أَحْمَدُ عِنْدَنَا

فَأَجَبْتُهَا: هَيْهَاتَ لَسْتُ بِعَائِدِ

إِنِّي وَجَدَّتُكِ فِي الْهَوَى ذَوَّاقَةً

لَا تَصْبِرِينَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدِ

ثُمَّ دَعَا بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ وَكَتَبَ إِلَيْهَا:

[البحر الطويل]

سَأَلْتُكِ بِالرَّحْمَنِ إِلَّا هَجَرْتِنِي

فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَيْتُ مِنِّي عَلَى ذِكْرِ

أَمِيطِي الْأَذَى عَمَّنْ قَلَاكِ وَعَرِّضِي

لِغَيْرِي بِهِ وَاسْتَرْزِقِي اللَّهَ فِي سِتْرِ

فَلَوْ كُنْتِ لِي عَيْنًا إِذًا لَفَقَأْتُهَا

وَلَوْ كُنْتِ لِي أُذْنًا رَمَيْتُكَ بَالْوَقْرِ

وَلَوْ كُنْتِ لِي كَفًّا إِذًا لَقَطَعْتُهَا

وَلَوْ كُنْتِ لِي قَلْبًا نَزَعْتُكِ مِنْ صَدْرِي

فَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي مِنْ صُدُودِكِ مَرَّةً

فَبِاللَّهِ إِلَّا مَا صَدَدْتُ إِلَى الْحَشْرِ

وَإِنِّي وَإِنْ حَنَّتْ إِلَيْكِ ضَمَائِرِي

فَمَا قَدْرُ حُبِّي أَنْ يَذِلَّ لَهُ قَدْرِي

ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ ذِكْرِ الْجَارِيَةِ

ص: 370

760 -

وَأُنْشِدْنَا لِعَبْدِ بَنِي الْحَسْحَاسِ:

[البحر الطويل]

فَإِنْ تُقْبِلِي بِالْوُدِّ أُقْبِلْ بِمِثْلِهِ

وَإِنْ تَذْهَبِي أَذْهَبْ إِلَى حَالِ بَالِيَا

أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي قَلِيلٌ لِبَانَتِي

إِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ بِشَيْءٍ مُوَاتِيَا

ص: 371

761 -

وَأَنْشَدَنِي الدُّولَابِي:

[البحر المتقارب]

هَوَيْتُكِ لَمْ أَكْتَسِبْ لَذَّةً

تُعَابُ وَلَمْ أَعْدُ شَأْوَ النَّظَرْ

فَلَمَّا رَأَيْتُكِ ذَوَّاقَةً

تَشُوبِينَ صَفْوَ الْهَوَى بِالْكَدَرْ

صَرَفْتُ وُجُوهَ الْهَوَى عَنْكُمُ

بِقَلْبٍ يُطِيعُ إِذَا مَا أُمِرْ

وَمَازِلْتُ أُقْرِعُ بَيْنَ السُّلُوِّ

وَبَيْنَ الصَّبَابَةِ حَتَّى تَمُرْ

ص: 372

762 -

وَأَنْشَدَنِي الْمُبَرِّدُ لِعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ الْمُعَذِّلِ:

هِيَ النَّفْسُ تَجْزِي الْوُدَّ بِالْوُدِّ أَهْلَهُ

وَإِنْ سِمْتَهَا الْهِجْرَانَ فَالْهَجْرُ دِينُهَا

إِذَا مَا قَرِينٌ بَتَّ مِنْهَا حِبَالَهُ

فَأَهْوَنُ مَفْقُودٍ عَلَيْهَا قَرِينُهَا

ص: 372

763 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ:

[البحر الطويل]

وَلَمَّا رَأَيْتُ الْمَيْلَ مِنْكِ مَعَ الْعِدَى

عَلَيَّ وَلَمْ يُحْدِثْ سِوَاكِ بَدِيلُ

صَدَدْتُ كَمَا صَدَّ الرَّمِيِّ تَطَاوَلَتْ

بِهِ مُدَّةُ الْآجَالِ وَهْوَ قَتِيلُ

ص: 372

764 -

وَأَنْشَدَنِي الرَّبَعِيُّ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيِّ:

[البحر الطويل]

إِذَا مَا تَقَضَّى الْوُدُّ إِلَّا تَكَشُّرًا

فَهَجْرٌ جَمِيلٌ لِلْفَرِيقَيْنِ صَالِحُ

تَلَوَّنْتِ أَلَوَانًا عَلَيَّ كَثِيرَةً

وَمَازَجَ عَذْبًا مِنْ إِخَائِكِ مَالِحُ

فَلِي عَنْكِ مُسْتَغْنًى وَفِي الْأَرْضِ مَذْهَبٌ

فَسِيحٌ وَرِزْقُ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحُ

لِتَعْلَمَ أَنَّى حِينَ رُمْتِ قَطِيعَتِي

وَعَرَّضَتْ لِي بِالْهَجْرِ مِنْكِ مَسَامِحُ

عَلَى أَنَّنِي لَا مَائِلٌ بِعَدَاوَةٍ

عَلَيْكِ وَلَا صَبٌّ إِلَى الْوُدِّ جَانِحُ

نَعَانِي نَاعٍ حِينَ يَطْمَعُ صَاحِبِي

يَرَى الْبِشْرَ فِي وَجْهِي لَهُ وَهْوَ كَالِحُ

ص: 372

765 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ بَكَّارٍ ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إِنَّا لَمَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَشِّيَةَ عَرَفَةَ ، إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ أُدْمَانُ يَحْمِلُونَ فَتًى أَدْمَنَ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ قَدْ بَلِيَ بَدَنُهُ وَكَانَتْ لَهُ حَلَاوَةٌ وَجَمَالٌ حَتَّى وَقَفُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالُوا: اسْتَشْفِ لِهَذَا يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: «وَمَا بِهِ؟» قَالَ: فَتَرَنَّمَ الْفَتَى بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ حَتَّى لَا يُبَيِّنَ وَهُوَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

بِنَا مِنْ جَوَى الْأَحْزَانِ وَالْحُبِّ لَوْعَةٌ

تَكَادُ لَهَا نَفْسُ الشَّفِيقِ تَذُوبُ

وَلَكِنَّمَا أَبْقَى حَشَاشَةَ مِعْوَلٍ

عَلَى مَا بِهِ عُودٌ هُنَاكَ صَلِيبُ

وَمَا عَجَبٌ مَوْتُ الْمُحِبِّينَ فِي الْهَوَى

وَلَكِنْ بَقَاءُ الْعَاشِقِينَ عَجِيبُ

ثُمَّ شَهَقَ شَهْقَةً فَمَاتَ. قَالَ عِكْرِمَةُ: فَمَا زَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحُبِّ

ص: 373

766 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ غَسَّانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَشْتَرُ ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هَوِيَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَارِيَةً طَرِيفَةً مُغَنِّيَّةً بِالْمَدِينَةِ ، فَهَامَ بِهَا دَهْرًا وَهُوَ لَا يُعْلِمُهَا ذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّهُ ضَجَرَ بِالْمُكَاتَمَةِ فَتَعَرَّضَ لَهَا عَشِيَّةً ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قَالَ لَهَا: بِأَبِي أَنْتَ ، تَغَنِّينَ بِهَذَا الشِّعْرِ قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:

[البحر الطويل]

أُحِبُّكُمُ حُبًّا بِكُلِّ جَوَارِحِي

فَهَلْ لَكُمْ عِلْمٌ بِمَا لَكُمْ عِنْدِي

أَتَجْزُونَ بِالْوُدِّ الْمُضَاعَفِ مِثْلَهُ

فَإِنَّ كَرِيمًا مَنْ جَزَى الْوُدَّ بِالْوُدِّ

قَالَتْ: نَعَمْ ، وَأُغَنِّي أَيْضًا:

[البحر المديد]

⦗ص: 374⦘

الَّذِي وَدَّنَا الْمَوَدَّةَ بِالضِّعْـ

ـفِ وَفَضْلُ الْبَادِي بِهِ لَا يُجَازَى

لَوْ بَدَا مَا بِنَا لَكُمْ لَمَلَأَ الْأَرْ

ضَ وَأَقْطَارَهَا مَعًا وَالْحِجَازَا

قَالَ: فَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَابْتَاعَهَا بِمَالٍ كَثِيرٍ فَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سَنَةً ثُمَّ مَاتَتْ ، فَبَقِيَ بَعْدَهَا شَهْرًا ثُمَّ مَاتَ أَسَفًا ، فَقَالَ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ: هَذَا سَيِّدُ شُهَدَاءِ الْهَوَى ، فَامْضُوا بِنَا نَنْحَرْ عَلَى قَبْرِهِ سَبْعِينَ بَدَنَةً ، كَمَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَمْزَةَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً

ص: 373

767 -

أَنْشَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَكْفَانِي لِلنَّاشِئِ:

[البحر البسيط]

كُلُّ النُّفُوسِ لَهَا فِي قَتْلِهَا قَوَدٌ

إِلَّا نُفُوسًا أَبَادَتْهَا الرُّمَى الْقَتْلُ

وَكُلُّ جَرْحٍ لَهُ شَيْءٌ يُلَائِمُهُ

إِلَّا جُرُوحًا جَنَتْهَا الْأَعْيُنُ النُّجْلُ

ص: 374

768 -

أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيُّ لِأَصْرَمَ بْنِ حُمَيْدٍ:

[البحر الخفيف]

نَحْنُ قَوْمٌ تُلَيِّنُنَا الْحَدَقُ النُّجْـ

لُ عَلَى أَنَّنَا نُلِينُ الْحَدِيدَا

طَوْعُ أَيْدِي الظِّبَاءِ تَقْتَادُنَا الْعَيْـ

ـنُ وَنَقْتَادُ بِالطِّعَانِ الْأُسُودَا

تَتَّقِي سَخَطَنَا اللُّيُوثُ وَنَخْشَى

صَوْلَةَ الْخِشْفِ حِينَ يُبَدِي الصُّدُودَا

وَتَرَانَا عِنْدَ الْكَرِيهَةِ أَحْرَارًا

وَفِي السِّلْمِ لِلْغَوَانِي عَبِيدَا

ص: 374

769 -

حَدَّثَنَا الدُّولَابِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ فِي حَظِيَّاتٍ كُنَّ عِنْدَهُ ، وَهُنَّ قَصْفٌ وَضَنٌّ وَخَنْثٌ:

مَلَكَ الثَّلَاثُ الْآنِسَاتُ عَنَانِي

وَحَلْلَنْ مِنْ قَلْبِي بِكُلِّ مَكَانِ

مَالِي تُطَاوِعُنِي الْبَرِيَّةُ كُلُّهَا

وَأُطِيعُهُنَّ وَهُنَّ فِي عِصْيَانِ

مَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّ سُلْطَانَ الْهَوَى

وَبِهِ مَلَكْنَ أَعَزَّ مِنْ سُلْطَانِي

ص: 374

770 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أُصْبُعٍ الشَّعِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: قِيلِ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا أَبْقَى مِنْكَ الْهَوَى؟ قَالَ: عَيْنًا تَجْرِي يَبْعَثُهَا عَلَى الْحُزْنِ قَلْبٌ يَخْفِقُ ، تُخَفِّقُهُ أَحْشَاءٌ تَتَوَقَّدُ ، يُوقِدُهَا هَجْرٌ مِنْ حَبِيبٍ ظَالِمٍ لَا يَخَافُ عُقُوبَةَ مَظْلُومٍ وَلَا يُوَارِي ، ثَائِرٌ إِنْ أَجَازَ عَلَى قَتِيلِهِ لَمْ يَعُدْ وَإِنْ جَوُوكُمُ وَأَفْلَحَ ، سَيْفُهُ الْهَجْرِ ، وَنَيْلُهُ اللَّحْظُ ، فَكَمْ مِنْ دَمِ كَرِيمٍ قَدْ طَلَّ بَيْنَ سَيْفَهِ وَأَسْهُمِهِ

ص: 375

771 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْهِنْدِ: إِذَا ظَهَرَ الْعِشْقُ عِنْدَنَا فِي أَحَدٍ غَدَوْنَا عَلَيْهِ بِالتَّعْزِيَةِ

ص: 375

772 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي اللَّيْثِ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ جَارِيَةٌ ظَرِيفَةٌ حَاذِقَةٌ بِالْغِنَاءِ ، فَهَوِيَتْ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَتْ لَا تُفَارِقُهُ وَلَا يُفَارِقُهَا ، فَمَلَّهَا وَتَزَيَّدُ فِي حُبِّهِ ، وَبَلِيَتْ وَسَقِمَتْ ، وَجَعَلَ مَوْلَاهَا لَا يَعْبَأُ بِشَكْوَاهَا وَلَا يَرِقُّ لَهَا حَتَّى سَعَتْ عَلَى وَجْهِهَا ، وَهَامَتْ وَمَزَّقَتْ ثِيَابَهَا ، وَوَثَبَتْ بِالضَّرْبِ عَلَى جُلَسَائِهَا حَتَّى أَفْضَتْ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، فَلَمَّا رَأَى مَا قَدْ صَارَتْ إِلَيْهِ عَالَجَهَا ، فَكَانَتْ تَدُورُ فِي السِّكَكِ بِاللَّيْلِ ، وَعَرِيَتْ بَعْدَ الْحُسْنِ وَالطِّيبِ وَالْأَدَبِ ، فَلَقِيَهَا مَوْلَاهَا يَوْمًا فِي الطَّرِيقِ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ فَجَعَلَتْ تَبْكِي وَتَقُولُ:

[البحر الكامل]

الْحُبُّ أَوَّلُهُ يَكُونُ لَجَاجَةٌ

تَأْتِي بِهِ وَتَسُوقُهُ الْأَقْدَارُ

حَتَّى إِذَا اقْتَحَمَ الْفَتَى لُجَجَ الْهَوَى

جَاءَتْ أُمُورٌ لَا تُطَاقُ كِبَارُ

مَنْ ذَا يُطِيقُ كَمَا أُطِيقُ مِنَ الْهَوَى

غَلَبَ الْعَزَاءُ وَبَاحَتِ الْأَسْرَارُ

ص: 375

وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا:

[البحر البسيط]

الْحُبُّ أَوَّلُهُ شَيْءٌ يَهِيمُ بِهِ

قَلْبُ الْمُحِبِّ فَيَلْقَى الْمَوْتَ بِاللَّعِبِ

يَكُونُ مَبْدَأُهُ مِنْ نَظْرَةٍ عَرَضَتْ

وَمُزْحَةٍ أَشْعَلَتْ فِي الْقَلْبِ كَاللَّهَبِ

كَالنَّارِ مَبْدَؤهَا مِنْ قَدْحَةٍ فَإِذَا

تَضَرَّمَتْ أَحْرَقَتْ مُسْتَجْمَعَ الْحَطَبِ

ص: 376

773 -

وَأَنْشَدَنِي نَفْطَوَيْهِ:

[البحر البسيط]

قَالُوا: عَهِدْنَاكَ ذَا غُدٍّ ، فَقُلْتُ لَهُمْ:

لَا يَعْجَبُ النَّاسُ مِنْ ذَلِّ الْمُحِبِّينَا

لَا تُنْكِرُوا ذِلَّةَ الْعُشَّاقِ إِنَّهُمُ

مُسُتَعْبَدُونَ بَرِقِ الْحُبِّ رَاضُونَا

ص: 376

775 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَبْدِيُّ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:

[البحر الطويل]

قَدْ كَانَ أَوْرَقَ عُودُ حُبِّكِ بِالْمُنَى

وَسَقَاهُ مَاءُ رَجَائِكُمْ فَتَزَعْزَعَا

حَتَّى إِذَا هَبَّتْ بِنَا مِنْ رِيحِكُمْ

تَرَكَتْهُ مِنْ وَرَقِ الْمَطَامِعِ أَقْرَعَا

وَالنَّاسُ مِنْ بَذْلِ الْمَحَبَّةِ لَمْ تَزَلْ

تَتَخَطَّفُ الْأَرْوَاحَ قُدْمًا مُولَعَا

ص: 376

776 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] قَالَ: دَخَلَ حُبُّهُ فِي شِغَافِهَا

ص: 376

777 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ قُرَّةَ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:«يَطْرَى لَهَا حُبُّهُ»

ص: 376

778 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الطَّبَّاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، وَأَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ فِي قَوْلِهِ:{شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] قَالَ: قَدْ رَبَطَهَا حُبًّا

ص: 377

779 -

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْمَشْغُوفُ: الْمُحِبُّ ، وَالْمَشْغُوفُ: الْمَجْنُونُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ الشَّعْبِيُّ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَشْغُوفَ هُوَ الْعَاشِقُ الْهَائِمُ ، إِذَا كَانَ الْعِشْقُ يُؤَدِّي إِلَى الْجُنُونِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ ، فَسَمَّاهُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ ، كَمَا تُسَمِّي الْعَرَبُ الْمَطَرَ سَمَاءً ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الوافر]

إِذَا سَقَطَ السَّمَاءُ بِأَرْضٍ قَوْمٍ

رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا

فَاسْتَعَارُوا اسْمَ السَّمَاءِ فِي مَوْضِعِ الْمَطَرِ إِذَا كَانَ الْمَطَرُ يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعِشْقُ جُنُونٌ ، فَالْعِشْقُ أَلْوَانٌ كَمَا الْجُنُونُ أَلْوَانٌ

ص: 377

780 -

أَنْشَدَنِي الصَّيْدَلَانِي:

[البحر البسيط]

قَالَتْ جُنِنْتَ عَلَى رَأْسِي ، فَقُلْتُ لَهَا

الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ

الْعِشْقُ لَيْسَ يُفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ

وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " قَرَأْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحُكَمَاءِ: الْعِشْقُ نَوْعٌ وَالْمَحَبَّةُ جِنْسٌ لَهُ ، كَمَا أَنَّ الشَّوْقَ جِنْسٌ وَالْمَحَبَّةُ نَوْعٌ مِنْهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَحَبَّةٍ شَوْقٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ شَوْقٍ مَحَبَّةً ، كَمَا أَنَّ كُلَّ عِشْقٍ مَحَبَّةٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَحَبَّةٍ عِشْقًا ، كَقَوْلِنَا: كُلُّ نَاطِقٍ حَيٌّ ، وَلَيْسَ كُلُّ حَيٍّ نَاطِقًا ، فَالْحَيُّ جِنْسٌ لِلنَّاطِقِ مِنْهَا وَغَيْرِ الَنَّاطِقِ ، وَالنُّطْقُ نَوْعٌ مِنَ الْحَيِّ الَّذِي هُوَ جِنْسٌ لَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى

⦗ص: 378⦘

أَنَّ الْعِشْقَ مِنَ الْمَحَبَّةِ أَنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَبَاهُ وَوَلَدَهُ وَدَابَّتَهُ وَبَعِيرَهُ فَلَا يَبْعَثُهُ ذَلِكَ عَلَى مُبَاسَمَةِ مَا هُوَ مُحِبٌّ لَهُ ، وَلَا مُلَاصَقَتِهِ ، وَلَا عَلَى تَلَفِ نَفْسِهِ ، وَسَائِرِ مَا يَجِدُ الْمَجْنُونُ بِأَنْوَاعِ مَحَابِهِمْ ، وَلَأَنَّا لَمْ نَرَ أَحَدًا مَاتَ مِنْ شِدَّةِ مَحَبَّتِهِ لِأَخِيهِ ، وَلَا ابْنِهِ ، وَلَا قَاتِلًا نَفْسَهُ ، وَقَدْ نَرَى الْعَاشِقَ يُتْلِفُ نَفْسَهُ مِنْ شِدَّةِ مَا يَلْقَى مِنْ بَرَحِ الْعِشْقِ الْفَادِحِ

ص: 377

782 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ أَسَدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: " سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ عَنِ الْهَوَى ، فَقَالَ:«هُوَ أَغْمَضُ مَسْلَكًا فِي الْقَلْبِ مِنَ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ ، وَأَمْلَكُ بِالنَّفْسِ مِنَ النَّفْسِ ، بَطْنٌ وَظَهْرٌ وَلُطْفٌ وَكَثْفٌ ، فَامْتَنَعَ وَصْفُهُ عَنِ اللِّسَانِ ، وَخَفِيَ نَعْتُهُ عَنِ الْبَيَانِ ، وَهُوَ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْجُنُونِ ، لَطِيفُ الْمَسْلَكِ وَالْكُمُونِ» وَبَلَغَنِي أَنَّ حَكِيمًا ذُكِرَ عِنْدَهُ الْعِشْقُ فَقَالَ: دَقَّ عَنِ الْأَوْهَامِ مَسْلَكُهُ ، وَأُخْفِيَ عَنِ الْأَبْصَارِ مَوْضِعُهُ ، وَحَادَتِ الْعُقُولَ عَنْ كَيْفِيَّةِ تَمَكُّنِهِ ، غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَرَكَتِهِ وَعِظَمَ سُلْطَانِهِ مِنَ الْقَلْبِ ، ثُمَّ يَتَغَشَّى عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ، فَتُبْدِي الرِّعْدَةَ فِي الْأَطْرَافِ ، وَالصُّفْرَةَ فِي الْأَلْوَانِ ، وَاللَّجْلَجَةَ فِي الْكَلَامِ ، وَالضَّعْفَ فِي الرَّأْيِ ، وَالذَّلَلَ وَالْعَثَارَ ، حَتَّى يُنْسَبَ صَاحِبُهُ إِلَى الْجُنُونِ

ص: 378

784 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَوْهَبُ بْنُ رُشَيْدٍ الْكِلَابِيُّ قَالَ: جَاءَتْ بَدَوِيَّةٌ إِلَى أُخْتٍ لَهَا ، فَقَالَتْ: يَا فُلَانَةُ ، كَيْفَ بِكِ مِنْ حُبِّ فُلَانٍ ، فَقَالَتْ: حَرَّكَ وَاللَّهِ حُبُّهُ السَّاكِنَ ، وَسَكَّنَ الْمُتَحَرِّكَ ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ: "

[البحر الطويل]

فَلَوْ أَنَّ مَاءً بِالْحَصَى فَلَقَ الْحَصَى

أَوِ الرِّيحَ لَمْ يُسْمَعْ لَهُنَّ هُبُوبُ

وَلَوْ أَنَّنِي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّمَا

ذَكَرْتُكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيَّ ذُنُوبُ

⦗ص: 379⦘

فَقَالَتْ: لَا جَرَمَ ، وَاللَّهِ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْأَلَهُ: كَيْفَ هُوَ مِنْ حُبِّكِ ، فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ: كَيْفَ أَنْتَ مِنْ حُبِّ فُلَانَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا الْهَوَى هَوَانٌ وَلَكِنْ خُولِفَ بِاسْمِهِ ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنِ اسْتَبْكَتْهُ الْمَعَارِفُ وَالطُّلُولُ مِثْلِي

ص: 378

785 -

أَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ:

[البحر الطويل]

قَدْ أَمْطَرَتْ عَيْنِي دَمًا فَدِمَاؤُهَا

بَعْدَ الدُّمُوعِ مِنَ الْجُنُونِ هَوَامِلُ

كَيْفَ الْعَزَاءُ وَلَا يَزَالُ مِنَ الضَّنَا

فِي الْجِسْمِ مِنِّي وَالْجَوَانِحُ نَازِلُ

لَهْفِي عَلَى زَمَنٍ مَضَى تَحْتَازُنِي

فِيهِ صُرُوفُ الدَّهْرِ وَهْيَ غَوَافِلُ

ص: 379

786 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِي:

[البحر الكامل]

وَاللَّهِ مَا اسْتَكْثَرْتُ مِنْكِ لِأَنْتَهِي

إِلَّا رَجَعْتُ بِغُلَّةٍ لَمْ أَشْبَعِ

وَلَمَّا كَرَعْتُ أُرِيدُ رِيًّا مِنْكُمُ

إِلَّا وَقَفْتُ كَأَنَّنِي لَمْ أَكْرَعِ

وَتَعَافُ نَفْسِيَ كُلَّ مَنْظَرِ غَيْرِكُمْ

وَتَكَلُّ إِلَّا مِنْ حَدِيثِكِ مَسْمَعِي

مَاذَا لَقِيتُ مِنَ التَّذَكُّرِ بَعْدَكُمْ

مِنِ افْتِقَادِكِ عِنْدَ وَقْتِ الْمَضْجَعِ

ص: 379

787 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ قَالَ: ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: خَرَجْتُ حَاجًّا ، فَلَمَّا صِرْتُ بِحِمَى الضَّرْبَةِ أَتَانِي أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَنِي ، فَأَمَرْتُ لَهُ بِطَعَامٍ فَأَكَلَ ، وَجَعَلَ يُطَالِعُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ الْأَعْرَابِ ، فَقُلْتُ: مَا يَشْغَلُكَ مَا بِكَ مِنَ الْجُوعِ عَنْ مُطَالَعَةِ مَنْ فِي الْبَيْتِ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

إِذَا اجْتَمَعَ الْجُوعُ الْمُبَرِّحُ وَالْهَوَى

عَلَى الرَّجُلِ الْمِسْكِينِ كَادَ يَمُوتُ

ص: 379

788 -

وَأَنْشَدَنِي عَوْفُ بْنُ الْمُزْرِعِ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبِي لِرَجُلٍ مِنْ تَمِيمٍ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 380⦘

وَبَصْرِيَّةٍ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مِثْلَهَا

غَدَتْ بِسَوَادٍ فِي ثِيَابِ سَوَادِ

خَرَجْنَ إِلَى الْجَبَّانِ يَرْثِينَ مَيِّتًا

فَأَهْلَكْنَ حَيًّا هُنَّ أَشْأَمُ عَادِي

فَيَا رَبِّ خُذْ لِي رَأْفَةً مِنْ فُؤَادِهَا

وَحُلْ بَيْنَ عَيْنَيْهَا وَبَيْنَ فُؤَادِي

ص: 379

789 -

وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ:

[البحر الطويل]

سَقَى الْعَلَمَ الْفَرْدَ الَّذِي فِي ظِلَالِهِ

غَزَالَانِ مَكْحُولَانِ يَرْتَعَيَانِ

أَرَعْتُهُمَا صَيْدًا فَلَمْ أَسْتَطِعْهُمَا

وَخَتَلَا فَفَاتَاتِي وَقَدْ خَتَّلَانِي

ص: 380

790 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: كَانَ جَعْفَرٌ الْمُتَوَكِّلُ مَشْغُوفًا بِقَبِيحَةٍ وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا ، فَوَقَفَتْ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَدْ كُتِبَ عَلَى خَدَّيْهَا بَالِغَالَيةِ جَعْفَرٌ ، فَتَأَمَّلَهَا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

وَكَاتِبَةٍ فِي الْخَدِّ بِالْمِسْكِ جَعْفَرًا

بِنَفْسِي فَخَطُّ الْمِسْكِ مِنْ حَيْثُ أَثَّرَا

لَئِنْ أَوْدَعَتْ سَطْرًا مِنَ الْمِسْكِ خَدَّهَا

لَقَدْ أَوْدَعَتْ قَلْبِي مِنَ الْحُبِّ أَسْطُرَا

فَيَا مَنْ مُنَاهَا فِي السَّرِيرَةِ جَعْفَرٌ

سَقَى اللَّهُ مِنْ سُقْيَا ثَنَايَايَ جَعْفَرَا

ص: 380

791 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا نُوَاسٍ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ بِالْبَصْرَةِ يَبْكِي وَيُلَاحِظُ جَارِيَةً تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَاتِمٍ ، لَقَدْ سَبَتْنِي هَذِهِ الْجَارِيَةُ ، وَأَعْجَبَتْنِي إِعْجَابًا شَدِيدًا ، وَأَذْهَلَتْ عَقْلِي ، فَقَالَ: فَهَلْ قُلْتَ فِيهَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: «

[البحر الطويل]

كَأَنَّ صَفَاءَ الدَّمْعِ فِي حُمْرَةِ الْخَدِّ

حَكَى الدُّرِّ مَنْظُومًا عَلَى فِرْقٍ نَضْرِ

فَيَا نُورَ عَيْنِي لَوْ كَفَفْتِ عَنِ الْبُكَا

وَنَادَيْتِ مَنْ أَبْكَاكِ قَامَ مِنَ الْقَبْرِ

»

ص: 380

792 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ رِبْعِيٍّ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي

⦗ص: 381⦘

طَاهِرٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ غُلَامًا وَجَارِيَةً مُتَشَاكِلَيْنِ فِي الصُّورَةِ ، فَسَمِعْتُ مِنَ مُعَاتَبَتِهِمَا شَيْئًا أَجَّجَ فِي قَلْبِي نَارًا ، وَإِذَا هِيَ تَقُولُ لَهُ:«لَوْ مَسَّكَ أَلَمُ الْهَوَى لَرَحِمْتَ أَهْلَ الْبَلَاءِ ، لَكِنَّكَ قَسَوْتَ فَانْقَطَعَ مِنْكَ الرَّجَاءُ ، وَمَا تَسْتَأْهِلُ مَا أَجِدُهُ بِكَ ، غَيْرَ أَنَّ الْهَوَى قَضَى لَكَ بِالْجَوْرِ عَلَيَّ ، وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ دُمُوعٌ تَجْرِي»

ص: 380

793 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ آلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَهْوَى جَارِيَةً ، فَطَالَ ذَلِكَ بِهِ ، فَقَالَ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ: " قَدْ شَغَلَتْنِي هَذِهِ عَنْ ضَيْعَتِي ، وَعَنْ كُلِّ أَمْرِي قَالَ: فَاذْهَبْ بِنَا حَتَّى نُكَاشِفَهَا ، فَقَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ السُّلُّوِّ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهَا ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَالَ الْجَعْفَرِيُّ: أَتُغَنِّينَ:

[البحر الوافر]

وَكُنْتُ أُحِبُّكُمْ فَسَلَوْتُ عَنْكُمْ

عَلَيْكُمْ فِي دِيَارِكُمُ السَّلَامُ

قَالَتْ: لَا ، وَلَكِنِّي أُغَنِّي:

[البحر الوافر]

تَحَمَّلَ أَهْلُهَا مِنْهَا فَبَانُوا

عَلَى آثَارِ مَا ذَهَبَ الْعَفَاءُ

قَالَ: فَاسْتَحْيَا الْفَتَى وَأَطْرَقَ سَاعَةً ، فَازْدَادَ كَلَفًا ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: تُغَنِّينَ:

[البحر الطويل]

وَأَخْنَعُ لِلْعُتْبَى إِذْا كُنْتُ ظَالِمًا

وَإِنْ ظُلِمْتُ كُنْتُ الَّذِي أَتَنَصَّلُ

قَالَتْ: وَأَغْنِي:

[البحر الطويل]

فَإِنْ تُقْبِلُوا بِالْوُدِّ أُقْبِلْ بِمِثْلِهِ

وَإِنْ تَهْجُرُوا فَالْهَجْرُ مِنَّا يُعْلَمُ

قَالَ: فَتَقَاطَعَا وَتَوَاصَلَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمَا أَحَدٌ

ص: 381

794 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ وَبَرَةَ الْمِنْقَرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِهِنْدٍ بِنْتِ الْوَضَّاحِ الْمَنْقِرِيَّةِ: أَنْشِدِينِي بَعْضَ مَا قُلْتِ فِي الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: وَلَمْ يَرَ النَّاسُ

⦗ص: 382⦘

أَحَدًا بَلَغَ مِنَ الْهَوَى مَا بَلَغَ بِهَا قَالَ: فَأَنْشَدَتْنِي: "

[البحر الطويل]

يَحِنُّ إِلَى مَنْ بِالْعَقِيقَيْنِ قَلْبُهُ

حَنِينًا يُبَكِّي الْوَرْقَ فِي غُصْنِ السِّدْرِ

تَيَقَّنْتُ لَمَّا هَاجَ قَلْبِي بِذِكْرِهِ

فَأَمْسَكْتُ مِنْ خَوْفِ الْحَرِيقِ عَلَى صَدْرِي

وَوَاللَّهِ لَوْ فَاضَتْ عَلَى الْجَمْرِ لَوْعَتِي

لَأَحْرَقَ أَدْنَى حَرِّهَا لَهَبُ الْجَمْرِ

قُلْتُ: يَا هَذِهِ ، أَكَلُّ هَذَا مِنَ الْحُبِّ؟ قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَيْتَنِي وَعُنْفُوَانِ هَوَايَ ، لَرَأَيْتَ جَبَلًا يَذُوبُ لِحَرَارَتِهِ الْحَدِيدُ ، وَلَقَدْ عَذَلَنِي بَعْضُ مَنْ يَغُمُّهُ مَا بِي ، فَقُلْتُ:

[البحر الطويل]

لَحَا اللَّهُ مَنْ يَلْحَى عَلَى الْحُبِّ عَاشِقًا

وَلَا كَانَ فِي قُرْبٍ وَلَا زَالَ فِي بُعْدِ

وَمَاذَا عَلَيْهِمْ أَنْ تَدَانَا وِصَالُنَا

فَإِنْ تَمَّ مَا كُنَّا نُسِرُّ مِنَ الْوَجْدِ

وَتَنَفَّسَتْ ، فَحَسَسْتُ عَلَى بَدَنِي مِنْ حَرَارَةِ نَفَسِهَا ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا النَّفَسُ؟ فَقَالَتْ: عَلَى حَلَاوَةِ ذَلِكَ الدَّهْرِ وَرُطُوبَةِ أَغْصَانِهِ ، وَإِنِّي وَإِيَّاهُ لَكَمَا قَالَتْ هَالَةُ ابْنَةُ قَيْسٍ التَّمِيمِيَّةُ:

[البحر الوافر]

أُرَانِي قَدْ حَيِيتُ وَكُنْتُ مَيْتًا

إِذَا طَرَقَ الْخَيَالُ بِمَنْ هَوِيتُ

رَضِيتُ ذَهَابَ نَفْسِيَ فِي هَوَاهُ

رَضِيتُ بِذَاكَ يَا رَبِّي رَضِيتُ

قَالَ: فَلَمْ أُعِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنَ السُّؤَالِ خَوْفًا مِنْ وَفَاتِهَا

ص: 381

795 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارِسْتَانِيُّ:

[البحر الطويل]

وَلَمَّا تَذَكَّرْتُ الْمَنَازِلَ بِالْحِمَى

وَلَمْ يُقْضِ لِي تَسْلِيمَةُ الْمُتَرَوِّدِ

زَفَرْتُ إِلَيْهَا زَفْرَةً لَوْ حَشَوْتُهَا

سَرَابِيلَ أَذْرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسَرَّدِ

لَذَابَتْ حَوَاشِيهَا وَظَلَّتْ بِحَرِّهَا

تَلِينُ كَمَا لَانَتْ لِدَاوُدَ فِي الْيَدِ

ص: 382

796 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِأَعْرَابِيَّةٍ: صِفِي لِيَ الْحُبَّ ، فَانْتَحَبَتْ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَتْ: يَالِقَلْبٍ وَثْبَتُهُ ، وَبِالْفُؤَادِ وَجْبَتُهُ ، وَبِالْأَحْشَاءِ نَارُهُ ، وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ خُدَّامُهُ ، فَالْعَقْلُ مِنَ الْعَاشِقِ ذَاهِلٌ ، وَالدُّمُوعُ هَوَامِلُ ، وَالْجِسْمُ نَاحِلٌ ، مُرُورُ اللَّيَالِي الْمُخْلِقَاتُ تُجِدُّهُ ، وَالْإِسَاءَةُ مِنَ الْمَعْشُوقِ لَا تُفْسِدُهُ. ثُمَّ أَوْمَأَتْ بِيَدِهَا إِلَى قَلْبِهَا وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

أَلَا تَتَخَلْصُ إِنَّمَا أَنْتَ سَامِتٌ

لِمَا لَمْ يَكُنْ يَا قَلْبُ يَنْفَعُكَ الزَّجْرُ

كَأَنَّ دُمُوعِي غُصْنُ طَرْفَاءَ حَرَّكَتْ

أَعَالِيهِ رِيحٌ ثُمَّ أَهْطَلَهُ قَطْرُ

ص: 383

797 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيَّةً تَقُولُ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَوَّضَ اللَّهُ أَعْدَاءَهُ مِنْ نَارِ الْهَوَى مَعَ الصُّدُودِ ، لَكَانَ مَا عَوَّضَهُمْ أَعْظَمَ شَرًّا مِمَّا صَرْفَ عَنْهُمْ»

ص: 383

798 -

أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ:

[البحر البسيط]

يَا مَنْ رَأَى النَّارَ مِنْ شَوْقٍ فَشَبَّهَهَا

بِالنَّارِ فِي الْقَلْبِ مِنْ هَمٍّ وَتِذْكَارِ

إِنِّي لَأُعْظِمُ مَا بِي أَنْ أُشَبِّهَهُ

شَيْئًا يُقَاسُ إِلَى مِثْلٍ وَمِقْدَارِ

لَوْ أَنَّ قَلْبِيَ فِي نَارٍ لَأَحْرَقَهَا

لِأَنَّ إِحْرَاقَهُ أَذَكَى مِنَ النَّارِ

ص: 383

799 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ لَكُثَيِّرِ عَزَّةَ:

[البحر البسيط]

لَوْ قَاسَ مَنْ قَدْ مَضَى وَجْدِي بِوَجْدِهِمُ

لَمْ يَبْلُغُوا مِنْ عُشَيْرِ الْعُشْرِ مِعْشَارَا

وِصَالُكُمْ جَنَّةٌ فِيهَا كَرَامَتُهَا

وَهَجْرُكُمْ يَعْدِلُ الْغِسْلِينَ وَالنَّارَا

ص: 383

800 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الرَّحْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَسَدٍ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ: " مَا أَوْرَثَكَ الْهَوَى؟ قَالَ: حَسَرَاتٍ تَتَابَعُ ، وَزَفَرَاتٍ تَتَوَالَى ، وَدُمُوعًا تَتَحَدَّرُ ، وَكَبِدًا تَتَصَدَّعُ ، وَأَحْشَاءً تَتَضَرَّمُ ، فَمَا بَقَاءُ الْجَسَدِ عَلَى هَذَا ، وَلَوْ عُودٌ صَلِيبٌ ، وَقَلَبٌ حَدِيدٌ ، وَنَسَبٌ صَرِيحٌ لَا هُجْنَةَ فِيهِ وَلَا صِنَّةَ "

ص: 384

801 -

أَنْشَدَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ لِأَبِي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:

[البحر الطويل]

أَمَا وَالَّذِي أَبْكَى وَأَضْحَكَ وَالَّذِي

أَمَاتَ وَأَحَيْيَ وَالَّذِي أَمْرُهُ أَمْرُ

لَقَدْ تَرَكَتْنِي أَحْسُدُ الْوَحْشَ أَنْ أَرَى

أَلِيفَيْنِ مِنْهَا لَا يَرُوعُهُمَا النَّفْرُ

عَجِبْتُ لِسَعْيِ الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا

فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْنَنَا سَكَنَ الدَّهْرُ

إِذَا ذُكِرَتْ يَرْتَاحُ قَلْبِي لِذِكْرِهَا

كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ

ص: 384

802 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ عَنْ عَشِيقَتِهِ ، فَقَالَ:«وَاللَّهِ مَا لِحُسْنٍ مِنْ حُبِّهَا نُعَاسًا ، وَلَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا مِنْ هَيْبَةٍ إِلَّا اخْتِلَاسًا ، وَكُلُّ أَمْرِهَا إِلَيَّ حَبِيبٌ»

ص: 384

803 -

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ عَنْ عَشِيقَتِهِ ، فَقَالَ: " مَا رَأَيْتُ دَمْعَةً تَرَقْرَقَتْ بِإِثْمِدٍ عَلَى خَدٍّ بِأَحْسَنَ مِنْ عَبْرَةٍ أَمْطَرَتْهَا جُفُونُهَا فَأَعْشَبَ لَهَا قَلْبِي

ص: 384

804 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَلِيٍّ الرَّحْبِيُّ لِقَيْسِ بْنِ الْمُلَوِّحِ:

[البحر الطويل]

إِذَا جَاءَنِي مِنْهَا رَسُولٌ لِعَيْنِهَا

خَلَوْتُ بَيْنِي حَيْثُ كُنْتُ مِنَ الْأَرْضِ

وَإِنِّي لَأَهْوَاهَا مُسِرًّا وَمُعْلِنًا

وَأَقْضِي عَلَى قَلْبِي لَهَا بِالَّذِي تَقْضِي

فَحَتَّى مَتَى رُوحُ الْمُنَى لَا يَنَالُنِي

وَحَتَّى مَتَى أَيَّامُ سَخَطِكِ لَا تَمْضِي

سَأَبْكِي عَلَى نَفْسِي حِدَادًا لِهَجْرِهَا

وَيَبْلَى مِنَ الْهِجْرَانِ بَعْضِي عَلَى بَعْضِي

ص: 385

805 -

وَأَنْشَدَنِي الْإِسْحَاقِيُّ لِنِيرَانَ جَارِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ:

[البحر الكامل]

يَا وَيْحَ مَنْ خَتَلَ الْأَحِبَّةَ قَلْبُهُ

حَتَّى إِذَا ظَفِرُوا بِهِ قَتَلُوهُ

عَزُّوا وَخَامَرَهُ الْهَوَى فَأَذَلَّهُ

إِنَّ الْعَزِيزَ عَلَى الذَّلِيلِ يَتِيهُ

مَنْ كَانَ يَسْأَلُ عَنْ تَبَارِيحِ الْهَوَى

فَأَنَا الْهَوَى وَحَلِيفُهُ وَأَخُوهُ

انْظُرْ إِلَى جِسْمٍ أَضَرَّ بِهِ الْبِلَى

لَوْلَا تَقَلُّبُ طَرْفِهِ دَفَنُوهُ

ص: 385

806 -

وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ:

[البحر البسيط]

أَنِينُ فَاقِدِ إِلْفٍ أَنَّ فِي الْغَلَسِ

حَتَّى تَضَايَقَ مِنْهُ مَخْرَجُ النَّفَسِ

فَكُلَّمَا أَنَّ مِنْ شَوْقٍ أَجَالَ يَدًا

عَلَى فُؤَادٍ لَهُ بِالْبَيْنِ مُخْتَلَسِ

وَلِلدُّمُوعِ سُطُورٌ فِي مَحَاجِرِهَا

يَدُلُّ ظَاهِرُهَا مِنْهَا عَلَى الدَّوَسِ

فَإِنْ يَضِقْ مَخْرَجُ الْأَنْفَاسِ عَنْ نَفَسٍ

تَجْرِ بِهِ عَبْرَتُهُ مِنْ مَخْرَجٍ سَلِسِ

قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: أَنَّ هُرْمُنَ الْحَكِيمَ هَوَى بِنْتَ أَكْسِتُبُوسَ

⦗ص: 386⦘

الْمَلِكِ حَتَّى ذَلَّ عَقْلُهُ ، وَاحْتَجَبَ عَنْ تَلَامِيذِهِ ، وَلَامُوهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْعَاشِقِ عَطِرَةٌ لَطِيفَةٌ ، وَأَبْدَانَهُمْ رَقِيقَةٌ وَضَعِيفَةٌ ، وَعُقُولَهُمْ بَطِيئَةُ الْإِنْفَادِ لِمَنْ قَادَهَا عَيْنُ مَسْكَنِهَا الَّذِي سَكَنَتْ إِلَيْهِ ، وَكَلَامَهُمْ يُحْيِي مُوَاتَ النُّفُوسِ ، وَيَزِيدُ فِي الْعَقْلِ ، وَيُطْرِبُ الطَّبَائِعَ ، وَيُحَرِّكُ الْأَفْهَامَ ، وَيَلْهُو بِأَخْبَارِهِمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ، وَلَوْلَا الْهَوَى قَلَّ التَّمَتُّعُ بِالنِّسَاءِ ، وَنَقَصَ تَلَذُّذُ سَاكِنِي الدُّنْيَا

ص: 385

808 -

أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ لِلْحَسَنِ بْنِ مُطَيْنٍ:

[البحر الكامل]

إِنَّ الْغَوَانِيَ جَنَّةٌ رِيحَانُهَا

خُضْرُ الْحَيَاةِ فَأَيْنَ عَنْهَا تَعْرِفُ

لَوْلَا مَلَاحَتُهُنَّ مَا كَانَتْ لَنَا

دُنْيَا نَلَذُّ بِهَا وَلَا نَتَصَرَّفُ

ص: 386

809 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَعْرَابِيًّا عَنِ الْهَوَى وَالْعِشْقِ ، فَقَالَ: " ارْتِيَاحٌ فِي الْخِلْقَةِ ، وَفَرَحٌ يَجُولُ فِي الرُّوحِ ، وَسُرُورٌ تُنْشِئُهُ الْخَوَاطِرُ فِي مُسْتَقَرٍّ غَامِضٍ ، وَمَحَلٍّ لَطِيفِ الْمَسْلَكِ يَتَّصِلُ بِأَجْزَاءِ الْقُوَى ، وَيَنْسَابُ فِي الْحَرَكَاتِ ، وَهُوَ طَرَفُ الْخِلْقَةِ ، وَلَفْظُ اللَّحْظِ ، وَضَمِيرُ الْحَرَكَاتِ ، وَبَشَاشَةُ الْخَوَاطِرِ ، وَطَرَفُ الْفِكْرِ ، وَلِلنَّفْسِ وَالْعِشْقِ أُنْسُ النَّفْسِ ، وَمَحَادِثُ الْعَقْلِ ، وَحَاجِبُهُ الضَّمَائِرُ ، وَتَخْدُمُهُ الْجَوَارِحُ ، وَالْهَوَى لِمَنْ هُوَ بِهِ أَكْثَرُ لِمَنْ هُوَ لَهُ. وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الكامل]

قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ بِالْمُحِبِّ وَشَجْوِهِ

فَأَظَلُّ مِنْهُ عَاجِبًا أَتَفَكَّرُ

حَتَّى ابْتُلِيتُ مِنَ الْهَوَى بِعَظِيمَةٍ

ظَلَّ الْفُؤَادُ مِنَ الْهَوَى يَتَفَطَّرُ

ص: 386

810 -

وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ:

[البحر البسيط]

⦗ص: 387⦘

مَا لِي فُؤَادٌ وَلَا دَمْعٌ وَلَا كَبِدُ

أَفْنَاهُمَا الشَّوْقُ وَالْهِجْرَانُ وَالْكَمَدُ

تَوَكَّلَ الذُّلُّ بِي وَالْحَاسِدُونَ مَعًا

وَالْهَمُّ وَالصَّدُّ وَالْعَذْلُ وَالرَّصَدُ

أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ مَوْلَاةً مُعَذَّبُهَا

يَمُوتُ شَوْقًا وَمَا يَدْرِي بِهِ أَحَدُ

ص: 386

811 -

وَأَنْشَدَنِي الْمُبَرِّدُ لِعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ الْمُعَذِّلِ:

[البحر السريع]

مُكْتَئِبٌ ذُو كَبِدٍ حَرَّى

تَبْكِي عَلَيْهِ مُقْلَةٌ عَبْرَى

يَرْفَعُ يُمْنَاهُ إِلَى رَبِّهِ

يَدْعُو وَفَوْقَ الْكَبِدِ الْيُسْرَى

يَبْقَى إِذَا حَدَّثْتَهُ بَاهِتًا

وَنَفْسُهُ مِمَّا بِهِ سَكْرَى

تَحْسَبُهُ مُسْتَمِعًا نَاصِتًا

وَقَلْبُهُ فِي أُمَّةٍ أُخْرَى

وَقَالَ آخَرُ:

[البحر الوافر]

وَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ فَتًى يُبَكِّي

عَلَى شَجْوٍ ضَحِكْتُ إِذَا خَلَوْتُ

فَأَحْسَبُنِي أَوَالَ اللَّهُ مِنِّي

فَصِرْتُ إِذَا سَمِعْتُ بِهِمْ بَكَيْتُ

ص: 387

813 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى أَبُو زَكَرِيَّا الْعَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا فَهِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ بُرْدٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ»

ص: 387

814 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ نَصِيبٌ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ لَهُ: هَلْ عَشِقْتَ يَا نَصِيبُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: " جَارِيَةً لِبَنِي مَذْحِجٍ عَشِقْتُهَا فَاسْتَكْلَفَ بِهَا الْوَاشُونَ ، فَمَا كُنْتُ أَقْدِرُ عَلَى كَلَامِهَا إِلَّا بِعَيْنٍ أَوْ بَنَانٍ أَوْ إِشَارَةٍ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ إِيمَاءٍ ، وَفِي ذَلِكَ أَقُولُ:

[البحر الطويل]

جَلَسْتُ لَهَا كَيْمَا تَمُرَّ لَعَلَّنِي

أُخَالِسُهَا التَّسْلِيمَ إِنْ لَمْ تُسَلِّمِ

إِذَا مَا تَمُجُّ الْمَا تَمَنَّيْتُ أَنَّ مَا

جَرَى مِنْ ثَنَايَاهَا مِنَ الْمَاءِ فِي فَمِي

مَسَاكِينُ أَهْلُ الْعِشْقِ مَا كُنْتُ أَشْتَرِي

حَيَاةَ جَمِيعِ الْعَاشِقِينَ بِدِرْهَمِ

وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فَازُوا مِنَ الْهَوَى

بِسَهْمٍ وَفِي كَفِّي تِسْعَةُ أَسْهُمِ

ص: 388

815 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْأَحْنَفِ يَعْشَقُ فَوْزًا ، فَدَخَلَ يَوْمًا عَلَى الرَّشِيدِ فَاشْتَكَى إِلَيْهِ حُبَّهُ وَمَا هُوَ فِيهِ وَعَظِيمَ مَا يَلْقَى ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: مَا قُلْتَ فِيهَا يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: قُلْتُ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ:

[البحر الهزج]

إِذَا مَا شِئْتَ أَنْ تَنْظُـ

ـرَ شَيْئًا يُعْجَبُ النَّاسَا

فَصَوِّرْ هَا هُنَا فَوْزًا

وَصَوِّرْ ثَمَّ عَبَّاسَا

وَقِسْ بَيْنَهُمَا شِبْرًا

فَإِنْ زَادَ فَلَا بَاسَا

فَإِنْ لَمْ يَدْنُوَا حَتَّى

تَرَى رَأْسَهُمَا رَاسَا

فَكَذِّبْهَا بِمَا قَاسَتْ وَكَذِّبْهُ بِمَا قَاسَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَدَخَلْتُ عَلَى إِثْرِ إِنْشَادِهِ فَقَالَ لِيَ الرَّشِيدُ: أَلَا تَسْمَعُ مَا صَنَعَ عَبَّاسٌ ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَنْشَدَنِي ، فَحَسَدْتُهُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: الْبَوْلَ الْبَوْلَ ، فَقُمْتُ فَأَطَلْتُ ثُمَّ عُدْتُ ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، إِنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ الْقُرَشِيَّ قَدْ

⦗ص: 389⦘

قَالَ قَبْلَهُ مِثْلَ هَذَا قَالَ: وَمَا قَالَ؟ فَأَنْشَدْتُهُ:

[البحر الهزج]

إِذَا مَا شِئْتَ أَنْ تَنْظُـ

رَ شَيْئًا يُعْجِبُ الْبَشَرَا

فَصَوِّرْ هَاهُنَا هِنْدًا

وَصَوِّرْ هَاهُنَا عُمَرَا

فَإِنْ لَمْ يَدْنُوَا حَتَّى

تَرَى بِشَرَيْهِمَا بَشَرَا

فَكَذِّبْهَا بِمَا ذَكَرَتْ

وَكَذِّبْهُ بِمَا ذَكَرَا

فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: إِنَّمَا تَحْفَظُ أَشْعَارَ النَّاسِ ثُمَّ تَجِيءُ ثُمَّ تُنْشِدُنِي ، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ ، فَأَفْسَدْتُ عَلَيْهِ مَا كَانَ صَلُحَ لَهُ مِنْ قِبَلِهِ "

ص: 388

816 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْخٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّةٌ لِي قَالَتْ: كَانَ ذُو الرُّمَّةِ يَنْزِلُ عِنْدَنَا هُوَ وَمَيَّةُ فِي رَبْعٍ لَهُمْ ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا غَيْلَانُ ، هَاهُنَا مَنْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ مَىٍّ ، فَمَا تَرَى فِيهَا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ خَلْقًا أَحْسَنَ مِنْ مَىٍّ ، وَإِنِّي وَإِيَّاهَا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:

[البحر الطويل]

تَرَى الْعَيْنُ مَنْ تَهْوَى مَلِيحًا وَمَنْ يَكُنْ

بَغِيضًا إِلَيْهَا لَا عَلَى شَمَائِلِهِ

وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِجَمِيلٍ:

[البحر الكامل]

وَيَقُلْنَ: إِنَّكَ قَدْ رَكَنْتَ بِبَاطِلٍ مِنْهَا

فَهَلْ لَكَ فِي اعْتِزَالِ الْبَاطِلِ

وَلَبَاطِلٌ مِمَّنْ أَلَذُّ وَأَشْتَهِي

أَشْهَى إِلَيَّ مِنَ الْبَغِيضِ الْبَاذِلِ

ص: 389

818 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي

⦗ص: 390⦘

الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«حُبُّكَ لِلشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاجِبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ ذَلِكَ

ص: 389

820 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ ، عَنِ أَبِي الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ»

ص: 390

‌بَابُ ذِكْرِ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْهَوَى

ص: 391

821 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرُوسٍ ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ ، عَنْ أَبِي الْمِنْجَابِ قَالَ: رَأَيْتُ فِيَ الطَّوَافِ فَتًى نَحِيفَ الْجِسْمِ، بَيِّنَ الضَّعْفِ يَلُوذُ وَيَتَعَوَّذُ ، وَيَقُولُ: "

[البحر الطويل]

وَدِدْتُ بِأَنَّ الْحُبَّ يُجْمَعُ كُلُّهُ

وَيُقْذَفُ فِي قَلْبِي وَيَنْغَلِقُ الصَّدْرُ

فَلَا يَنْقَضِي مَا فِي فُؤَادِي مِنَ الْهَوَى

وَمِنْ فَرَحِي بِالْحُبِّ أَوْ يَنْقَضِي الْعُمْرُ

فَقُلْتُ: يَا فَتًى ، مَا لِهَذِهِ الْبَنِيَّةِ حُرْمَةٌ تَمْنَعُكَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ؟ فَقَالَ: " بَلَى وَاللَّهِ ، وَلَكِنَّ الْحُبَّ مَلَأَ قَلْبِي بِفَرَحِ التَّذَكُّرِ ، فَفَاضَتِ الْفِكْرَةُ فِي سُرْعَةِ الْأَوْبَةِ إِلَى مَنْ لَا تَشِذُّ عَنْهُ مَعْرِفَةُ مَا بِي ، تَمَنَّيْتُ الْمُنَى ، وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي بِمَا بِقَلْبِي مِنْهُ مَا فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُلْكِ ، وَإِنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُثُبِّتَهُ فِي قَلْبِي عُمُرِي ، وَيَجْعَلَهُ ضَجِيعِي فِي قَبْرِي ، دَرَيْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أَدْرِ ، هَذَا دُعَائِي أَوْ أَنْصَرِفُ مِنْ حَجِّي. ثُمَّ بَكَا ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَلَّا يُسْتَجَابَ دُعَائِي ، وَلَهُ قَصَدْتُ ، وَفِيهِ رَغِبْتُ فِيمَا يُعْطَى اللَّهُ سَائِرَ خَلْقِهِ «. ثُمَّ مَضَى»

ص: 391

822 -

حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قِيلَ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ: مَا لَذَّةُ الدُّنْيَا؟ قَالَ: تَوَاصُلٌ بَعْدَ اهْتِجَارٍ ، وَتَصَافٍ بَعْدَ اعْتِذَارٍ ، وَشَمْلٌ لَا يُصَدِّعُهُ الْمَوْتُ

ص: 391

823 -

أَنْشَدَنِي ابْنُ النَّحْوِيِّ الصَّيْدَلَانِيُّ:

[البحر المنسرح]

أَطِيبُ مِنْ غَفْلَةِ الزَّمَانِ وَأَنْـ

ـفَاسِ نَسِيمِ الرَّبِيعِ فِي شَجَرِهْ

شُرْبُ عَقَّارٍ كَأَنَّهُ خَجَلٌ

عُصْفُرُ خَدَّيْهِ وَرْدَتَا حَصَرِهْ

فِي كَفِّهِ قَهْوَةٌ كَأَنَّهَا

نَجْمٌ مُنِيرٌ يَدْنُو إِلَى قَمَرِهْ

ص: 391

824 -

وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ يُنْشِدُ: «

[البحر السريع]

أَحْلَى مِنَ الْحِلْيَةِ وَالرَّكْضِ

مَجْرُوحَةُ الْخَدَّيْنِ بالْعَضِّ

لَمَّا بَدَتْ قُلْتُ لِبَدْرِ الدُّجَى

غُضَّ فَهَذَا قَمَرُ الْأَرْضِ

»

ص: 392

825 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَلِيٍّ الرَّحْبِيُّ لِيَعْقُوبَ بْنَ الرَّبِيعِ:

[البحر الطويل]

أَيَا مَلِكُ يَا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَوَدَّتِي

لِأُنْثَى سِوَاهَا مِنْ نَصِيبٍ وَلَا شِرْكِ

إِذَا ذَكَرَتْكِ النَّفْسُ بَادَرْتُ ذِكْرَهَا

بِفَيْضِ دُمُوعٍ لَمْ تَزَلْ بَعْدَكُمْ تَبْكِي

فَيَا طُولَ شَوْقِي لَيْتَ لِي مِنْكِ نَظْرَةً

فَأَبْذُلُ فِيهَا مَا أَحَاطَ بِهِ مُلْكِي

ص: 392

826 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، وَكَانَ عَلَى سَاقِ غَنَائِمِ خَيْبَرَ حَتَّى افْتَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً وَهِيَ تَهْتِفُ فِي خِدْرِهَا وَتَقُولُ:

[البحر البسيط]

هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا

أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ

إِلَى فَتًى مَاجِدِ الْأَعْرَافِ مُقْتَبِلٍ

سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ

نَمَتْهُ أَعْرَافُ صِدْقٍ حِينَ يَنْسِبُهُ

أَخِي حِفَاظٍ عَنِ الْمَكْرُوهِ فَرَّاجِ

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَرَى مَعِي النَّصْرَ ، رَجُلًا تَهْتِفُ بِهِ الْعَوَاتِقُ فِي خُدُورِهَا ، عَلَيَّ بِنَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ. فَأُتِيَ بِهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَعَيْنًا وَشَعْرًا ، فَأَمَرَ بِشَعْرِهِ فَجُنَّ ، فَخَرَجَتْ لَهُ جَبْهَةٌ كَأَنَّهَا شِقَّةُ قَمَرٍ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمَّ فَاعْتَمَّ فَافْتُتِنَ النِّسَاءُ بِعَيْنَيْهِ ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وَاللَّهِ لَا تُجَامِعْنِي بِبِلَادٍ أَنَا بِهَا. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، وَلِمَ؟ قَالَ: هُوَ مَا أَقُولُ لَكَ. فَسَيَّرَهُ إِلَى

⦗ص: 393⦘

الْبَصْرَةِ ، وَخَشِيَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا عُمَرُ أَنْ يَبْدُرَ مِنْ عُمَرَ إِلَيْهَا شَيْءٌ ، فَدَسَّتْ إِلَيْهِ أَبْيَاتًا:

قُلْ لِلْإِمْامِ الَّذِي تُخْشَى بَوَادِرُهُ

مَالِي وَلِلْخَمْرِ أَوْ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ

إِنِّي مُنِيتُ أَبَا حَفْصٍ بِغَيْرِهِمَا

شُرْبِ الْحَلِيبِ وَطَرْفٍ فَاتِرٍ سَاجِ

إِنَّ الْهَوَى ذِمَّةُ التَّقْوَى فَخَيَّسَهُ

حَتَّى أَقَرَّ بِإِلْجَامٍ وَإِسْرَاجِ

لَا تَجْعَلِ الظَّنَّ حَقًّا أَوْ تَيَقَّنْهُ

إِنَّ السَّبِيلَ سَبِيلَ الْخَائِفِ الرَّاجِي

قَالَ: فَبَكَا عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ: الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي خَيَّسَ التَّقْوَى الْهَوَى. قَالَ: وَأَتَى عَلَى نَصْرٍ حِينٌ وَاشْتَدَّ عَلَى أُمِّهِ غِيبَةُ ابْنِهَا عَنْهَا ، فَتَعَرَّضَتْ لَعُمَرَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَقَعَدَتْ لَهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، فَلَمَّا خَرَجَ يُرِيدُ صَلَاةَ الْعَصْرِ قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، لَأُجَانِيكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ لَأُخَاصِمَنَّكَ ، أَيَبِيتُ عَبْدُ اللَّهِ وَعَاصِمٌ إِلَى جَنْبِكَ وَبَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِيَ الْفَيَافِي وَالْمَفَاوِزُ وَالْجِبَالُ. فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ نَصْرٍ ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعَاصِمًا لَمْ تَهْتِفْ بِهِمَا الْعَوَاتِقُ فِي خُدُورِهِنَّ. قَالَ: فَانْصَرَفَتْ وَمَضَى عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: فَأَبْرَدَ عُمَرُ بَرِيدًا إِلَى الْبَصْرَةِ قَالَ: فَمَكَثَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامًا ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَكْتُبْ ، فَإِنَّ بَرِيدَ الْمُسْلِمِينَ خَارِجٌ. قَالَ: فَكَتَبَ النَّاسُ وَكَتَبَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ: سَلَامٌ عَلَيْكَ ، أَمَّا بَعْدُ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:

[البحر الطويل]

لَعَمْرِي لَإِنْ سَيَّرْتَنِي وَحَرَمْتَنِي

فَمَا نِلْتَ مِنْ عِرْضِي عَلَيْكَ حَرَامُ

أَإِنْ غَنَّتِ الدَّلْفَاءُ يَوْمًا بِمُنْيَةٍ

وَبَعْضُ أَمَانِيِّ النِّسَاءِ غَرَامُ

ظَنَنْتَ بِيَ السُّوءَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ

بَقَاءٌ فَمَا لِيَ فِي النَّدِيِّ كَلَامُ

⦗ص: 394⦘

وَيَمْنَعُنِي مِمَّا تَقُولُ تَكَرُّمِي

وَآبَاءُ صِدْقٍ سَالِفُونَ كِرَامُ

وَيَمْنَعُهَا مِمَّا تَمَنَّتْ صَلَاتُهَا

وَحَالٌ لَهَا فِي قَوْمِهَا وَصِيَامُ

فَهَاتَانِ حَالَانَا ، فَهَلْ أَنْتَ رَاجِعِي

فَقَدْ جُبَّ مِنَّا غَارِبٌ وَشِمَامُ

فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَمَا وَلِيُّ إِمَارَةٍ فَلَا. وَأَقْطَعَهُ مَالًا بِالْبَصْرَةِ وَدَارًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " مَا كَانَ أَنْظَرَهُ بِنُورِ اللَّهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَأَفْرَسَهُ ، كَانَ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الطويل]

بَصِيرٌ بِأَعْقَابِ الْأُمُورِ بِرَأْيِهِ

كَأَنَّ لَهُ فِي الْيَوْمِ عَيْنًا عَلَى غَدِ

وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:

[البحر السريع]

تَزِيدُهُ الْأَيَّامُ إِنْ سَاعَفَتْ

شِدَّةُ حَزْمٍ بِتَصَارِيفِهَا

كَأَنَّهَا فِي حَالِ إِسْعَافِهَا

تُسْمِعُهُ ضَجَّةَ تَخْوِيفِهَا

وَفِي مِثْلِهِ:

[البحر الطويل]

يَرَى عَزَمَاتِ الرَّأْيِ حَتَّى كَأَنَّمَا

تُلَاحِظُهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ عَوَاقِبُهْ

وَذَلِكَ أَنَّ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لَمَّا نَفَاهُ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى الْبَصْرَةِ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيِّ ، وَكَانَ بِهِ مُعْجَبًا ، وَكَانَتْ لِمُجَاشِعٍ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا الْخُضَيْرَاءُ ، فَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ ، وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ ، فَكَانَ لِشَغَفِهِ بِهِمَا يَجْمَعُهُمَا فِي مَجْلِسِهِ ، فَحَانَتْ مِنْ مُجَاشِعٍ الْتِفَاتَةٌ وَنَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ يَخُطُّ فِي الْأَرْضِ خُطُوطًا ، فَقَالَتِ الْخُضَيْرَاءُ: وَأَنَا؟ فَعَلِمَ مُجَاشِعٌ أَنَّهُ جَوَابُ كَلَامٍ ، وَكَانَ مُجَاشِعٌ لَا يَقْرَأُ ، وَكَانَتِ الْخُضَيْرَاءُ تَقْرَأُ ، وَانْصَرَفَ نَصْرٌ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَدَعَا مُجَاشِعٌ كَاتِبًا فَقَرَأَهُ فَإِذَا هُوَ: إِنِّي لَأُحِبُّكِ حُبًّا لَوْ كَانَ فَوْقَكِ لَأَظَلَّكِ ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَكِ لَأَقَلَّكِ. وَبَلَغَ نَصْرًا مَا فَعَلَ مُجَاشِعُ

⦗ص: 395⦘

بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ فَاسْتَحْيَا لِذَلِكَ ، وَاشْتَدَّ وَجْدُهُ ، وَظَهَرَ دَنَفُهُ ، وَعَظُمَتْ بَلِيَّتُهُ ، وَجَلَّتْ رَزِيَّتُهُ ، وَالْتَحَفَ عَلَيْهِ الضَّنَا ، وَامْتَنَعَ مِنَ الْغِذَاءِ حَتَّى شَارَفَ الْفَنَاءَ. كَذَلِكَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنه وَمَا كَانَ مِنْ قِصَّةِ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ ، وَأَنَا ذَاكِرٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ، وَذَاكِرٌ مَا آلَتْ إِلَيْهِ حَالُ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَلَا تَرَى إِلَى فِرَاسَةِ عُمَرَ رضي الله عنه مَا أَوْضَحَهَا ، وَإِلَى ظَنِّهِ مَا أَصْدَقَهُ ، وَإِلَى قَبِيحِ مَا ارْتَكَبَهُ نَصْرٌ مَا أَقْطَعَهُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنه بِنَحْوِهِ

ص: 392

829 -

حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ رضي الله عنه يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ بِنِسْوةٍ يَتَحَدَّثْنَ وَإِذَا هُنَّ يَقُلْنَ أَيُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصْبَحُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَبُو ذُؤَيْبٍ. فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ:«أَنْتَ وَاللَّهِ ذَنْبُهُنَّ» . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تُجَامِعْنِي بِأَرْضٍ أَنَا بِهَا. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ مُسَيِّرِي فَحَيْثُ سَيَّرْتَ ابْنَ عَمِّي. فَأَمَرَ لَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ ثُمَّ سَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ

ص: 395

830 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَازِيًا وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ وَكَانَ إِلَى جَنْبِهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَعْقِلٌ ، لَهُ جَمَالٌ وَشَعْرٌ ، فَكَتَبَ الرَّجُلُ: أَعُوذُ بَرَبِّ النَّاسِ مِنْ شَرِّ مَعْقِلٍ إِذَا مَعْقِلٌ رَاحَ الْبَقِيعَ وَرَجَّلَا قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «الْحَقْ بِنَاحِيَةِ أَهْلِكَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ»

ص: 396

831 -

حَدَّثَنَا الرَّبَعِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: كَانَ الرَّشِيدُ يَهْوَى عَنَانَ جَارِيَةَ الْعِاطِفِيِّ ، وَكَانَتْ صِيَانَتُهُ لِنَفْسِهِ تَمْنَعُهُ مِنْهَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَا رَأَيْتُهُ قَطُّ مُبْتَذِلًا الْإِمْرَةَ ، فَإِنِّي دَخَلْتُ إِلَيْهِ وَفِي وَجْهِهِ تَخَثُّرٌ وَعِنْدَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الشِّطْرَنْجِيُّ ، فَقَالَ لَنَا: اسْتَجْمِعُوا بِنَا ، فَمَنْ أَصَابَ مَا فِي نَفْسِي فَلَهُ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَوَقَعَ بِقَلْبِي أَنَّهُ يُرِيدُ عَنَانَ ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بِجُرْأَةِ الْعِمْيَانِ:

[البحر الخفيف]

مَجْلِسٌ يُنْسَبُ السُّرُورُ إِلَيْهِ

لِمُحِبِّ رَيْحَانَةَ ذَاكِرَاكِ

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لِمَ أُحْرَمْ أَنَا ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَقُولُ أَنَا ، قَالُ: قُلْ ، فَقُلْتُ:

[البحر الخفيف]

لَمْ يَنَلْكِ الرَّجَاءُ أَنْ تَحْضُرِينِي

وَتَجَافَتْ أُمْنِيَّتِي عَنْ سِوَاكِ

فَقَالَ الرَّشِيدُ: أَنْتَ أَتَيْتَ بِمَا أَرَدْتُ ، فَلَكَ عِشْرُونَ أَلْفًا ، ثُمَّ أَطْرَقَ سَاعَةً فَقَالَ: أَنَا أَشْعَرُ مِنْكُمَا ، قَدْ قُلْتُ:

[البحر الخفيف]

فَتَمَنَّيْتُ أَنْ يُعِيشَنِي اللَّـ

ـهُ طَوِيلًا فَلَعَلَّ عَيْنَيَّ تَرَاكِ

ص: 396

832 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي لِابْنِ الْمُؤَمَّلِ لَمَّا قَالَ:

[البحر البسيط]

شَفَا الْمُؤَمَّلَ يَوْمَ الْحِيرَةِ النَّظَرُ

لَيْتَ الْمُؤَمَّلَ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ بَصَرُ

⦗ص: 397⦘

عَمِيَ ، فَرَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ آتِيًا أَتَاهُ فَقَالَ: هَذَا هَذَا مَا تَمَنَّيْتَهُ فِي شِعْرِكَ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ:

[البحر الكامل]

يَا لَيْتَ شِعْرِيَ ، وَالْأَمَانِيُّ رُبَّمَا

أَوْفَتْ بِصَاحِبِهَا عَلَى مِيعَادِ

هَلْ بَعْدَ فُرْقَتِنَا اجْتِمَاعٌ أَمْ لَنَا

فِي غَابِرِ الْأَيَّامِ حُسْنُ تَنَادِي

وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا:

[البحر الطويل]

وَدِدْتُ وَلَا يَمْقُتُنِي اللَّهُ دُونَهَا

نَصِيبِي مِنَ الدُّنْيَا وَإِنِّي نَصِيبُهَا

فَإِنْ تَجْنِ لَيْلَى بِالْمَوَدَّةِ تَجْزِنِي

وَإِنْ تَجْزِ بِالْقُرْبَى فَإِنِّي قَرِيبُهَا

ص: 396

834 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالَ: كَانَ دَاوُدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَاصِمٍ يَهْوَى جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: وَرْدَةُ ابْنَةُ عَائِذٍ الطَّائِيِّ ، فَخَرَجَ يَوْمًا فَاسْتَقْبَلَ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ فِي يَوْمِ بُؤْسِهِ وَهُوَ يُرِيدُهَا ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى اسْتِقْبَالِي فِي يَوْمِ بُؤْسِي؟ قَالَ: شِدَّةُ الْوَجْدِ ، وَقِلَّةُ الصَّبْرِ وَقَالَ: أَلَسْتَ الْقَائِلَ:

[البحر الطويل]

أَلَا لَيْتَنِي مَكَّنْتُ مِنْ وَرْدَةَ الْمُنَى

بِعَذْلٍ مِنَ الْبُلْدَانِ فِي مَهَمَّةٍ قَفْرِ

نَكُونُ بِهَا فَرْدَيْنِ لَا نَبْغِ ثَالِثًا

هُنَاكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْحَشْرِ

فَلَا زَادَ عِنْدِي غَيْرُ فَضْلِ سَلَامٍ

وَأَبْيَضَ مِنْ مَاءٍ زُلَالٍ مِنَ الْقَطْرِ

أُعَانِقُهَا طَوْرًا وَأَلْثَمُ خَدَّهَا

وَطَوْرًا أُعَاطِيهَا أَحَادِيثَ كَالشَّدْرِ

قَالَ: بَلَى ، وَأَنَا الَّذِي أَقُولُ:

[البحر الوافر]

وَدِدْتُ وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَنِّي

أُقَارِعُ عُمْرَ وَرْدَةَ بِالْقِدَاحِ

عَلَى ذَبْحِي بِأَبْيَضَ مَشْرَفِيٍّ

وَكَوْنِي لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَّاحِ

فَإِنْ تَكُنِ الْقِدَاحُ عَلَيَّ تُلْقَى

ذُبِحْتُ عَلَى الْقِدَاحِ بِلَا جُنَاحِ

وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ لِينُ خَدِّي

لَهَوْتُ بِكَاعِبٍ خُودٍ رِدَاحِ

⦗ص: 398⦘

لَأَوَّلِ لَيْلَتِي حَتَّى إِذَا مَا

أَضَاءَ الْفَجْرُ أُبْتُ إِلَى الْفَلَاحِ

قَالَ: فَإِنِّي أُخَيِّرُكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ. قَالَ: وَمَا هُمَا أَبَيْتَ اللَّعْنَ؟ قَالَ: أُخَلِّي سَبِيلَكَ فَتَمْضِي ، أَوْ أُمَتِّعُكَ بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقْتُلُكَ. قَالَ: تُمَتِّعْنِي بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَقْتُلُنِي. فَسَاقَ مَهْرَهَا إِلَى عَمِّهَا ، وَخَرَجَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَمَكَثَ مَعَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْأَيَّامُ أَقْبَلَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ يَقُولُ:

إِلَيْكَ ابْنَ مَاءِ الْمُزْنِ أَقْبَلْتُ مَا مَضَتْ

لِيَ السَّبْعُ مِنْ يَوْمِ دُخُولِي عَلَى أَهْلِي

فَجِيءَ مُقِرًّا بِاصْطِنَاعِكَ شَاكِرًا

مَنَنْتَ عَلَيْهِ بِالْكَرِيمِ مِنَ الْفِعْلِ

لِتَقْضِيَ فِيهِ مَا أَرَدْتَ قَضَاءَهُ

مِنَ الْعَفْوِ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِي

فَإِنْ يَكُ عَفْوًا كُنْتَ أَفْضَلَ مُنْعِمٍ

وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَمِنْ حَكَمٍ عَدْلِ

قَالَ: فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الرمل]

لَمْ يَنَلْ مَا نَالَ مِنَّا

ابْنُ سَعْدٍ مِنْ أَنِيسِ

إِذْ حَوَى مَا كَانَ يَهْوَى

وَنَجَا مِنْ يَوْمِ بُؤْسِي

وَكَذَاكَ الطَّيْرُ يَجْرِي

بِسُعُودٍ وَنُحُوسِ

وَأَنْشَدَ لِسَعِيدِ بْنِ حُمَيْدٍ:

[البحر الخفيف]

كَيْفَ أُثْنِي عَلَى الزَّمَانِ وَهِجْرَانُـ

ـكَ مِمَّا جَنَتْ بِهِ صُرُوفُ الزَّمَانِ

صِرْتُ أَجْفُوكِ مُكْرَهًا وَعَلَى الْـ

ـوُدِّ دَلِيلٌ مِنْ نَاظِرِي وَلِسَانِي

كُلَّمَا عُدْتُ بِالتَّجَلُّدِ عَنْكُمُ

كَذَّبَتْنِي نَوَاظِرُ الْأَجْفَانِ

وَلَوْ أَنَّ الْمُنَى تُحَكَّمُ يَوْمًا

مَا تَهَدَّتْ إِلَّا إِلَيْكِ الْأَمَانِي

ص: 397

835 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ لِيَعْقُوبَ بْنِ الرَّبِيعِ:

[البحر الطويل]

أَلَا إِنَّمَا الْعَيْشُ اللَّذِيذُ مِدَاحُهُ

عَقَارٌ كَلَوْنِ النَّارِ صَفْرَاءُ قَرْقَفُ

يَسِيرُ بِهَا رِيمٌ لَهُ جِيدُ شَادِنٍ

غَدِيرٌ وَطَرْفٌ يُدْنِفُ الْقَلْبَ مُذْلِفُ

وَلَيْلٌ جَلَا بَدْرُ السَّمَاءِ ظَلَامَهُ

فَصَارَ نَهَارًا حُسْنُهُ لَيْسَ يُوصَفُ

كَأَنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ وَهْيَ طَوَالِعٌ

عُيُونٌ إِلَى الْكَاسَاتِ تَرْنُو وَتَطْرُفُ

ص: 399

836 -

وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ يُنْشِدُ:

[البحر الطويل]

وَأَحْسَنُ مِنْ رَبْعٍ وَمِنْ وَصْفِ دِمْنَةٍ

وَمِنْ جَبَلَيْ طَيٍّ وَمِنْ وَصْفِكُمْ سَلْعَا

تَلَاحُظُ عَيْنَيْ عَاشِقَيْنِ كِلَاهُمَا

لَهُ مُقْلَةٌ فِي خَدِّ صَاحِبِهِ تَرْعَى

ص: 399

837 -

حَدَّثَنِي السَّرِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَلَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: اجْتَمَعَ مَشْيَخَةُ الْحَيِّ إِلَى الْمُلَوِّحِ أَبِي قَيْسٍ الْمَجْنُونِ فَقَالُوا لَهُ: لَوْ حَجَجْتَ بِوَلَدِكَ فَلَاذَ بِالْبَيْتِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ مِمَّا بِهِ. فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، فَبَيْنَمَا هُوَ بِمِنًى إِذْ سَمِعَ صَائِحًا مِنْ تِلْكَ الْخِيَامِ يَا لَيْلَى ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 400⦘

وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى

فَهَيَّجَ أَحْزَانَ الْفُؤَادِ وَمَا يَدْرِي

دَعَى بِاسْمِ لَيْلَى غَيْرَهَا فَكَأَنَّمَا

لَطَارَ بِلَيْلَى طَائِرٌ كَانَ فِي صَدْرِي

ثُمَّ صَاحَ صَيْحَةً فَغُشِيَ عَلَيْهِ ، فَجَعَلَ أَبُوهُ يَرُشُّ عَلَى وَجْهِهِ الْمَاءَ حَتَّى أَفَاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

دَعَا الْمُحْرِمُونَ اللَّهَ يَسْتَغْفِرُونَهُ

بِمَكَّةَ شُعْثًا أَنْ يَمْحِي ذُنُوبَهَا

وَنَادَيْتُ يَا رَبَّاهُ أَوَّلُ مُنْيَتِي

لِنَفْسِيَ لَيْلَى ثُمَّ أَنْتَ حَسِيبُهَا

فَإِنْ أُعْطَ لَيْلَى فِي حَيَاتِيَ لَمْ يَتُبْ

إِلَى اللَّهِ عَبْدٌ تَوْبَةً لَا أَتُوبُهَا

ص: 399

838 -

حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ إِلَى مُتَنَزَّهٍ لَهُ فَذَكَرَ جَارِيَةً كَانَتْ لَهُ يُحِبُّهَا وَكَتَبَ إِلَيْهَا:

[البحر الطويل]

فَلَمَّا أَتَيْنَا مَنْزِلًا ظِلُّهُ النَّدَى

أَنِيقًا وَبُسْتَانًا مِنَ النُّورِ حَالِيَا

أَجَدَّ لَنَا ذِكْرُ الْحَدِيثِ وَطِيبُهُ

مُنًى فَتَمَنَّيْنَا فَكُنْتِ الْأَمَانِيَا

ص: 400

‌بَابُ ذِكْرِ أَحْلَامِ أَهْلِ الْهَوَى الْمُسْرِفِينَ

ص: 401

839 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الصَّلْتِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَعْفَرِيِّ ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ: إِنِّي لَأَسِيرُ بَيْنَ الْعُلَيَّا وَجَوْشٍ أُرِيدُ الْحَجَّ ، إِذْ سَمِعْتُ نَشِيجًا مِنْ هَوْدَجٍ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَإِذَا بِصَوْتٍ شَجِيٍّ ، وَكَلَامٍ خَفِيٍّ ، وَامْرَأَةٍ تَقُولُ:

[البحر الطويل]

وَمَا غَابَ عَنِّي شَخْصُهُ غَيْرَ أَنَّنِي

وَجَدْتُ الْهَوَى قَدْ ذَاقَهُ بِالتَّصَبُّرِ

فَإِنْ يَجْمَعِ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ

يَفُزْ بِالْهَوَى قَلْبِي وَيَفْرَحْ مَنْظَرِي

تَقَسَّمَ قَلْبِي ذِكْرُهُ فَأَبَحْتُهُ

حِمَى النَّفْسِ فَاسْتُرْ ذَاكَ يَارَبِّ وَاغْفِرِي

وَلَا تُعْطِنِي يَا رَبِّ فِي الْحَجِّ غَيْرَهُ

فَحَسْبِي بِهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ مُقَدَّرِي

قُلْتُ: يَا هَذِهِ ، لَقَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ عَظِيمًا ، وَمَتَى عَهْدُكِ بِهِ؟ قَالَتْ: كُنْتُ نَائِمَةً قُبَيْلُ ، إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ بَابِ الْهَوْدَجِ فَلَثَمَ وَجْهِي ، فَانْتَبَهْتُ لِلِثَامِهِ وَهُوَ مُخْتَلِطٌ بِقَلْبِي ، قُلْتُ: فَبِالَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَكُمَا لَمَا أَرَيْتِنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي لَثَمَهُ ، فَرَفَعَتِ السِّجْفَ فَأَشَارَتْ إِلَى خَالٍ فِي خَدِّهَا ، فَمَا خِلْتُهُ إِلَّا عَقْرَبًا ضَرَبَتْ فُؤَادِي ، قُلْتُ: فَقَدْ جَعَلْتِ هَذَا وَقْفًا عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ ، إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ. ثُمَّ أَسْبَلَتِ السِّجْفَ

ص: 401

840 -

أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُتْبِيُّ:

[البحر الخفيف]

اسْتَزَارَتْهُ فِكْرَتِي فِي الْمَنَامِ

فَأَتَانِي فِي رُقْبَةٍ وَاكْتِتَامِ

اللَّيَالِي أُخْفِي بِقَلْبِي إِذَا مَا

جَرَحَتْهُ النَّوَى مِنَ الْأَيَّامِ

يَا لَهَا لَيْلَةٌ تَنَزَّهَتِ الْأَرْ

وَاحُ فِيهَا سِرًّا مِنَ الْأَجْسَامِ

مَجْلِسٌ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِيهِ عَيْبٌ

غَيْرَ أَنَّا فِي دَعْوَةِ الْأَحْلَامِ

ص: 401

841 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: لَمَّا أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ أَهْدَى إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ مِنْ خُرَاسَانَ جَوَارٍ ، وَكَانَتْ فِيهِنَّ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا مَحْبُوبَةُ ، وَكَانَتْ قَدْ نَشَأَتْ بِالطَّائِفِ ، وَكَانَ لَهَا مَوْلًى مُغْرًى بِالْأَدَبِ ، وَكَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ عَنْهُ وَرَوَتِ الْأَشْعَارَ ، وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ بِهَا مُعْجَبًا ، فَغَضِبَ عَلَيْهَا وَمَنَعَ الْجَوَارِيَ مِنْ كَلَامِهَا ، فَكَانَتْ فِي حُجْرَتِهَا لَا يُكَلِّمُهَا أَحَدٌ أَيَّامًا ، فَرَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ قَدْ صَالَحَهَا ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا عَلِيُّ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَشَعَرْتَ أَنِّي رَأَيْتُ مَحْبُوبَةَ فِي مَنَامِي كَأَنِّي قَدْ صَالَحَتْنِي؟ قُلْتُ: خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِذًا يُقِرُّ اللَّهُ عَيْنَكَ وَيَسُرُّكَ. فَوَاللَّهِ إِنَّا لَفِي مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَدِيثِهَا إِذْ جَاءَتْ وَصِيفَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: يَا سَيِّدِي ، سَمِعْتُ صَوْتَ عُودٍ مِنْ حُجْرَةٍ مَحْبُوبَةَ. قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: قُمْ بِنَا يَا عَلِيُّ نَنْظُرْ مَا هَذَا الْأَمْرُ. فَنَهَضْنَا فَأَتَيْنَا حُجْرَتَهَا ، فَإِذَا هِيَ تَضْرِبُ بِالْعُودِ وَهِيَ تَقُولُ:

[البحر المنسرح]

أَدُورُ فِي الْقَصْرِ لَا أَرَى أَحَدًا

أَشْكُو إِلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُنِي

حَتَّى كَأَنِّي أَتَيْتُ مَعْصِيَةً

لَيْسَتْ لَهَا تَوْبَةٌ تُخَلِّصُنِي

فَهَلْ شَفِيعٌ لَنَا إِلَى مَلِكٍ

قَدْ زَارَنِي فِي الْكَرَى فَصَالَحَنِي

حَتَّى إِذَا مَا الصَّبَاحُ لَاحَ لَنَا

عَادَ إِلَى هَجْرِهِ فَصَارَمَنِي

قَالَ: فَصَاحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

وَصِحْتُ مَعَهُ ، فَسَمِعَتْ مَحْبُوبَةُ ، فَقَالَتْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَى رِجْلَيْهِ تُقَبِّلُهُمَا وَقَالَتْ: يَا سَيِّدِي ، رَأَيْتُكَ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ كَأَنَّكَ قَدْ صَالَحْتَنِي. فَقَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنَّكِ قَدْ صَالَحْتِينِي. فَرَدَّهَا إِلَى مَرْتَبَتِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ

ص: 402

‌بَابُ ذِكْرِ مُسَاعَدَةِ أَهْلِ الْهَوَى ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى ، وَالتَّبَرُّعِ بِحَمْلِ رَسَائِلِهِمْ

ص: 403

842 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي طَيِّبَةُ ، مَوْلَاةُ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ يَقُولُ: طَرَقَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي اللَّيْلِ ، فَأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: " إِنَّ جَارِيَةَ ابْنِ حَمْدَانَ غَنَّتْنِي لَكَ:

[البحر الطويل]

تَعَالَوْا أَعِينُونِي عَلَى اللَّيْلِ إِنَّهُ

عَلَى كُلِّ عَيْنٍ لَا تَنَامُ طَوِيلُ

وَقَدْ جِئْتُكَ أُعِينُكَ عَلَى طُولِ اللَّيْلِ. فَقُلْتُ: أَدَّى اللَّهُ عَنْكَ الْحَقَّ ، أَبْطَأْتَ عَنِّي حَتَّى أَتَى اللَّهُ عز وجل بِالْفَرَجِ "

ص: 403

843 -

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: قَالَ عِصْمَةُ الْخَاسِ: قَالَ لِي ذُو الرُّمَّةِ: عِنْدَكَ نَاقَةٌ نَزُورُ عَلَيْهَا مَيَّةَ؟ فَقُلْتُ: عِنْدِيَ الْحَوْزَرَاءُ ابْنَةُ الْمَهْرِيِّ. قَالَ: فَزُرْنَا مَيَّةَ ، فَإِذَا الْحَيُّ خَلُوفٌ ، وَإِذَا بِخَيْمَةٍ نَاحِيَةٍ مِنَ الْخِيَامِ قَالَ يَا عِصْمَةُ: أَنْشِدْهَا قَالَ عِصْمَةُ: وَكَانَ ذُو الرُّمَّةِ إِذَا أَنْشَدَ الشِّعْرَ جَشَّ صَوْتُهُ كَمَا يَجَشُّ صَوْتُ الْغُرَابِ الْهَرِمِ ، فَأَنْشَدْتُهَا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ:

[البحر الطويل]

فَيَا لَكَ مِنْ خَدٍّ أَسِيلٍ وَمَنْطِقٍ

رَخِيمٍ وَمِنْ خَلْقٍ تَعَلَّلَ جَاذِبُهْ

وَقَدْ حَلَفَتْ بِاللَّهِ مَيَّةُ مَا الَّذِي

أَقُولُ لَهَا إِلَّا الَّذِي أَنَا كَاذِبُهْ

إِذًا فَرَمَانِي اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا أَرَى

وَلَا زَالَ فِي أَرْضِي عَدُوٌّ أُحَارِبُهْ

قَالَتْ مَيَّةُ: رَاقِبِ اللَّهَ يَا ذَا الرُّمَّةِ ، مَتَى كَذَّبْتُكَ قَوْلُهُ: تَعَلَّلَ جَاذِبُهْ: يَقُولُ: لَمْ يَجِدْ فِيهِ مَقَالًا فَهُوَ يَتَعَلَّلُ بالشَيْءِ بِقَوْلِهِ ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ

ص: 403

844 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نُمَيْرُ بْنُ فِجَافٍ الْهِلَالِيُّ قَالَ: كَانَ فِينَا فَتًى يُقَالُ لَهُ: بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِالْأَسِيرِ ، وَكَانَ سَيِّدَ فِتْيَانِ بَنِي هِلَالٍ ، وَأَحْسَنَهُمْ وَجْهًا ، وَأَسْخَاهُمْ نَفْسًا ، وَكَانَ مُعْجَبًا بِجَارِيَةٍ مِنْ قَوْمِهِ ، وَكَانَتْ تُدْعَى جِيدًا ، وَكَانَتْ بَارِعَةَ الْجَمَالِ ، فَلَمَّا عَلَا أَمْرُهُ وَأَمْرُهَا ، وَظَهَرَ خَبَرُهُ وَخَبَرُهَا ، وَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا حَتَّى وَقَعَتْ فِيهِمُ الدِّمَاءُ قَالَ نُمَيْرٌ: فَلَمَّا طَالَ عَلَى الْأَسِيرِ الْبَلَاءُ جَاءَنِي يَوْمًا فَقَالَ لِي: يَا نُمَيْرُ ، هَلْ عِنْدَكَ خَبَرٌ؟ قُلْتُ: عِنْدِي ، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ. قَالَ: تُسَاعِدُنِي عَلَى زِيَارَةِ جِيدٍ ، فَقَدْ أَذَابَ الشَّوْقُ رُوحِي ، وَنَغَّصَ عَلَيَّ حَيَاتِي. قُلْتُ: نَعَمْ ، بِالْحُبِّ وَالْكَرَامَةِ ، فَانْهَضْ إِذَا شِئْتَ. فَرَكِبَ وَرَكِبْتُ مَعَهُ ، فَسِرْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا وَالْغَدَ ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْعِشَاءُ أَنَخْنَا رِحَالَنَا فِي شِعْبٍ خَفِيٍّ وَقَعَدْنَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ: يَا نُمَيْرُ: اذْهَبْ فَتَأَّنَسْ بِالنَّاسِ ، وَاذْكُرْ إِنْ لَقِيتَ أَحَدًا أَنَّكَ طَالِبُ ضَالَّةٍ ، وَلَا تُعَرِّضْ بِذِكْرِي بَيْنَ شَفَةٍ وَلِسَانٍ إِلَّا أَنْ تَلْقَى فُلَانَةَ جَارِيَتَهَا رَاعِيَةَ ضَأْنِهِمْ ، فَأَقْرِئْهَا مِنِّي السَّلَامَ وَسَلْهَا عَنِ الْخَبَرِ ، وَأَعْلِمْهَا مَوْضِعِي. قَالَ: فَخَرَجْتُ لَا أَعْدُو مَا أَمَرَنِي بِهِ حَتَّى لَقِيتُ الْجَارِيَةَ ، فَأَبْلَغْتُهَا الرِّسَالَةَ ، وَأَعْلَمْتُهَا مَكَانَهُ ، وَسَأَلْتُهَا عَنِ الْخَبَرِ ، قَالَتْ: هِيَ وَاللَّهِ مُشَدَّدٌ عَلَيْهَا ، مُتَحَفَّظٌ بِهَا عَلَى ذَلِكَ ، فَمَوْعِدُكُمْ أُولَئِكَ الشَّجَرَاتُ اللَّوَاتِي عِنْدَ أَقْعَابِ الْبُيُوتِ مَعَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى صَاحِبِي فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ ، ثُمَّ نَهَضْتُ أَنَا وَهُوَ نَقُودُ رَوَاحِلَنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَوْعِدَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَعَدَتْنَا ، فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى إِذَا جِيدٌ تَمْشِي ، فَدَنَتْ مِنَّا ، وَوَثَبَ الْأَسِيرُ فَصَافَحَهَا وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ، وَوَثَبْتُ مُوَلِّيًا عَنْهُمَا ، فَقَالَا: نُقْسِمُ عَلَيْكَ إِلَّا رَجَعْتَ ، فَوَاللَّهِ مَا نَحْنُ فِي مَكْرُوهٍ ، وَلَا بَيْنَنَا قَبِيحٌ نَخْلُو بِهِ دُونَكَ ، فَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمَا ، فَقَالَ لَهَا الْأَسِيرُ: مَا فِيكِ حِيلَةٌ يَا جِيدُ نَتَعَلَّلُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا لِي إِلَى ذَلِكَ مِنْ سَبِيلٍ ، إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ الَّذِي تَعْلَمُ مِنَ الْبَلَاءِ وَالشَّرِّ. فَقَالَ لَهَا: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ وَقَعَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ

⦗ص: 405⦘

. قَالَتْ: فَهَلْ فِي صَاحِبِكَ هَذَا مِنْ خَيْرٍ؟ قُلْتُ: قُولِي مَا بَدَا لَكِ؛ فَإِنِّي أَنْتَهِي إِلَى رَأْيِكِ ، وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ ذَهَابُ نَفْسِي. فَخَلَعَتْ ثِيَابَهَا فَلَبِسْتُهَا ، وَخَلَعْتُ ثِيَابِي فَلَبِسَتْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ: اذْهَبْ إِلَى بَيْتِي ، فَادْخُلْ فِي سِتْرِي ، فَإِنَّ زَوْجِي سَيَأْتِيكَ فَيَطْلُبُ مِنْكَ الْقَدَحَ يَحْلُبُ فِيهِ ، ثُمَّ يَأْتِيكَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحَلْبِ بِالْقَدَحِ مَلْآنَ لَبَنًا فَيَقُولُ: هَاكِ غَبُوقَكِ ، فَلَا تَأْخُذْهُ مِنْهُ حَتَّى تُطِيلَ نُكْرَكَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ خُذْهُ أَوْ دَعْهُ حَتَّى يَضَعَهُ ، ثُمَّ لَسْتَ تَرَاهُ حَتَّى يُصْبِحَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَذَهَبْتُ وَفَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بِالْقَدَحِ لِآخُذَهُ ، فَلَمْ آخُذْهُ حَتَّى طَالَ نُكْرِي عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِآخُذَهُ وَهَوَى لِيَضَعَهُ فَاخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُهُ ، فَانْكَفَأَ الْقَدَحُ وَانْدَفَقَ مَا فِيهِ مِنَ اللَّبَنِ ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الطَّمَّاحَ جَدَا. وَضَرَبَ بِيَدِهِ مُقَدَّمَ الْبَيْتِ فَاسْتَخْرَجَ سَوْطًا مَلْوِيًّا مِثْلَ الثُّعْبَانِ ، ثُمَّ دَخَلَ فَهَتَكَ السِّتْرَ وَقَبَضَ عَلَيَّ ، وَأَمْتَعَ السَّوْطَ مِنِّي ، فَضَرَبَنِي تَمَامَ عِشْرِينَ أَنْ زَادَتْ قَلِيلًا أَوْ نَقَصْتُ قَلِيلًا ، ثُمَّ جَاءَتْ أُمُّهُ وَأُخْتُهُ فَانْتَزَعَانِي مِنْ يَدِهِ ، وَلَا وَاللَّهِ فَعَلَ بِي ذَلِكَ حَتَّى زَايَلَنِي عَقْلِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَجِيئَهُ بِالسِّكِّينِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا الْمَوْتُ ، فَلَمَّا خَرَجُوا سَدَدْتُ سِتْرِي وَقَعَدْتُ كَمَا كُنْتُ ، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أُمُّ جِيدٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَكَلَّمَتْنِي وَهِيَ تَحْسَبُنِي ابْنَتَهَا ، وَانْبَعَثْتُ فِي الْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ ، وَتَغَطَّيْتُ بِثَوْبِي وَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةِ ، اتَّقِي اللَّهَ فِي نَفْسِكِ ، وَلَا تَعَرَّضِي لِمَكْرُوهِ زَوْجِكِ ، فَذَلِكَ أَوْلَى بِكِ ، فَأَمَّا الْأَسِيرُ فَلَكِ آخِرَ الدَّهْرِ ، وَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِي وَقَالَتْ: سَأُرْسِلُ إِلَيْكِ بِأُخْتِكِ تُؤْنِسِكِ اللَّيْلَةَ. فَلَبِثْتُ غَيْرَ مَا كَثِيرٍ فَإِذَا الْجَارِيَةُ قَدْ جَاءَتْ وَجَعَلَتْ تَبْكِي وَتَدْعُو عَلَى مَنْ ضَرَبَنِي ، وَجَعَلْتُ لَا أُكَلِّمُهَا ، ثُمَّ اضَّجَعَتْ إِلَى جَنْبِي ، فَلَمَّا اسْتَمَكَنْتُ مِنْهَا شَدَدْتُ يَدِي عَلَى فَمِهَا وَقُلْتُ: يَا هَذِهِ ، تِلْكَ أُخْتُكِ مِنَ الْأَسِيرِ ، وَقَدْ قُطِعَ ظَهْرِي بِسَبَبِهَا اللَّيْلَةَ ، وَأَنْتِ أَوْلَى بِالسِّتْرِ عَلَيْهَا ، فَاخْتَارِي لِنَفْسِكِ وَلَهَا ، فَوَاللَّهِ إِنْ تَكَلَّمْتِ بِكَلِمَةٍ لَأُصْبِحَنَّ أَنَا بِجُهْدِي حَتَّى تَكُونَ الْفَضِيحَةُ شَامِلَةً. ثُمَّ رَفَعْتُ عَنْ فِيهَا فَاهْتَزَّتْ كَمَا تَهْتَزُّ الْقَصَبَةُ مِنَ الْفَرَقِ ، فَلَمْ أَزَلْ بِهَا حَتَّى آنَسَتْ ، فَبَاتَتْ وَاللَّهِ مَعِي أَصْلَحَ

⦗ص: 406⦘

رَفِيقٍ رَفَقْتُهُ قَطُّ ، فَلَمْ تَزَلْ تَتَحَدَّثُ وَتَضْحَكُ مِنِّي ، وَمَاءَلَنِي وَتَمَكَّنْتُ مِنْهَا تَمَكُّنَ مَنْ لَوْ رَامَ مِنْهَا رِيبَةً قَدَرَ عَلَيْهَا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَ ، فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ ، ثُمَّ إِذَا جِيدٌ تَدْخُلُ عَلَيْنَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا رَأَتْنَا ارْتَاعَتْ لِذَلِكَ وَقَالَتْ: وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟ قُلْتُ: أُخْتُكِ. قَالَتْ: وَمَا السَّبَبُ؟ قُلْتُ: هِيَ تُخْبِرُكِ؛ فَإِنَّهَا لَعَمْرُ اللَّهِ عَالِمَةٌ. وَأَخَذْتُ ثِيَابِي وَمَضَيْتُ إِلَى صَاحِبِي ، فَرَكِبْتُ أَنَا وَهُوَ ، وَحَدَّثْتُهُ مَا أَصَابَنِي ، وَكَشَفْتُ لَهُ عَنْ ظَهْرِي ، وَإِذَا فِيهِ مَا غَرَسَ اللَّهُ عز وجل مِنْ ضَرْبَةٍ إِلَى جَنْبِ أُخْرَى ، كُلُّ ضَرْبَةٍ يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: لَقَدْ عَظُمَتْ صَنِيعَتُكَ ، وَوَجَبَ شُكْرُكَ ، وَخَاطَرْتَ بِنَفْسِكَ ، فَلَا أَحْرَمَنِي اللَّهُ مُكَافَأَتَكَ

ص: 404

845 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: خَرَجَ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُنْدُبٍ إِلَى مَوْضِعٍ قَصَدَا إِلَيْهِ ، فَلَقِيَا ابْنَ الْمُؤَمَّلِ وَهُوَ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا قَالَ: فَصَاحَ: يَا ابْنَ جُنْدُبٍ ، مَا تَشَاءُ؟ قَالَ:

[البحر الطويل]

فَأَبْكِي فَلَا لَيْلَى بَكَتْ مِنْ صَبَابَةٍ

لِبَاكٍ وَلَا لَيْلَى لِذِي الْوُدِّ تَبْذُلُ

وَأَخْنَعُ لِلْعُتْبَى إِذَا كُنْتُ مُذْنِبًا

وَإِنْ أَذْنَبْتُ كُنْتُ الَّذِي أَتَنَصَّلُ

وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّى سَلَوْتُ وَأَنَّنِي

نَبَا لِي عَنْ إِتْيَانِهَا مُتَعَلَّلُ

فَقَالَ ابْنُ جُنْدُبٍ بِجَنَابِهِ: طَالِقٌ ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ ، إِنْ لَمْ أَقُدْهَا إِنْ كَانَتْ أُمَيَّةَ. قَالَ: هِيَ وَاللَّهِ يَا أَخِي قَوْسِي ، سَمَّيْتُهَا لَيْلَى

ص: 406

846 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَضَرَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عُمَرَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَهُوَ يُنْشِدُ:

[البحر الطويل]

مَنْ كَانَ مَحْزُونًا لِإِهْرَاقِ دَمْعِهِ

وَهِيَ غَرْبُهَا فَلْيَأْتِنَا نَبْكِهَا

غَدَا قَالَ: قَدْ أَتَيْنَاكَ ، وَلَا نَبْرَحُ أَوْ نَبْكِي ، فَبَكَّاهُ مَعَهُ

ص: 406

846 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: لَمَّا قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ:

[البحر الوافر]

أَحِنُّ إِذَا رَأَيْتُ جَمَالَ سُعْدَى

وَأَبْكِي إِنْ سَمِعْتُ لَهَا حَنِينَا

وَقَدْ أَزِفَ الرَّحِيلُ فَقُلْ لِسُعْدَى

فَدَيْتُكِ خَبِّرِي مَا تَأْمُرِينَا

قَالَ: فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ حَتَّى أَتَى الْخَنَاصِرَ مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ ، فَرَأَى خَيْمَةَ سُعْدَى ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا وَأَنْشَدَهَا الْبَيْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: مَا تَأْمُرِينَ؟ قَالَتْ: آمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ

ص: 407