الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حَمْلِ الْوُشَاةِ بِالنَّمَائِمِ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَحْبَابِ
508 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ شَهْرٍ ، عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:«الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ ، وَإِنَّ شِرَارَ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمَائِمِ ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ ، الْبَاغُونَ الْبِرَاءَ الْعَنَتَ» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْمُعَدِّلُ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنِي هُبَيْرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ
510 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ ، وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ»
511 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيٍّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَّامٍ ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ أَبِي إِدْرِيسَ قَالَ:" مَنْ يَتَّبِعِ الْأَحَادِيثَ لَيُحَدِّثَ بِهَا النَّاسَ لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ قَالَ: يَعْنِي النَّمَّامَ "
512 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحِ بْنِ وَكِيعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ الْيَمَامِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الْبَاهِلِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ:«أَنَمُّ النَّاسِ وَلَدُ الزِّنَا»
513 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ:«مَنْ لَمْ يُبَالِ مَا قَالَ وَلَا مَا قِيلَ فَهُوَ لَوَلَدُ شَيْطَانٍ ، أَوْ وَلَدُ بَغِيَّةٍ»
514 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارُ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ لَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ. قَالَ: فَوَجَّهَ الزَّغَبَ وَكَانَ عَلَى شُرَطِهِ فَسَأَلَ عَمَّا قَالَ فَأَبْطَلَ قَوْلَهُ ، فَكَبَّرَ بِلَالٌ ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ جَدِّي أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَبْغِي عَلَى النَّاسِ إِلَّا وَلَدُ بَغِيَّةٍ أَوْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ»
515 -
أَنْشَدَنِي عَليُّ بْنُ هَاشِمٍ لِيَزِيدَ بْنِ مُدْرِكٍ:
[البحر الطويل]
فَمَا لَوُشَاةِ النَّاسِ لَا دَرَّ دَرُّهُمُ
…
وَلَا بَرِحَتْ أَكْبَادُهُمْ بِغَلِيلِ
إِذَا عَلِمُوا بِاثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا هَوًى
…
وَبَعْضُ الْهَوَى لِلْعَاشِقِينَ قَلِيلُ
وَشَوْا وَأَحْمُوا الْقِيلَ حَتَّى كَأَنَّمَا
…
عَلَيْهِمْ بِبَعْضِ الْوَامِقِينَ كَفِيلُ
516 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِي لِعُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ:
[البحر الطويل]
تَكَنَّفَنِي الْوَاشُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
…
وَلَوْ كَانَ وَاشٍ وَاحِدٌ لَكَفَانِيَا
إِذَا مَا قَعَدْنَا مَقْعَدًا نَسْتَلِذُّهُ
…
تَوَشَّوْا بِنَا حَتَّى أَمَلَّ مَكَانِيَا
بَابُ الرَّحْمَةِ لِأَهْلِ الْهَوَى وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمْ
517 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَاتَ عَاشِقٌ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ زَيْدَانُ ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ:«إِنِّي رَحِمْتُهُ»
518 -
أَنْشَدَنِي مُحْرِزُ بْنُ الْفَضْلِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعْتَزِّ:
[البحر الطويل]
مَرَرْتُ بِقَبْرٍ زَاهِرٍ وَسْطَ رَوْضَةٍ
…
عَلَيْهِ مِنَ الْأَنْوَارِ مِثْلُ النَّمَارِقِ
فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَكَلِّمْنِي الثَّرَى
…
تَرَحَّمْ عَلَيْهِ إِنَّهُ قَبْرُ عَاشِقِ
519 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ أَبُو حَفْصٍ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ يَقُولُ: «إِنَّمَا الْغَضَبُ عَلَى
⦗ص: 257⦘
أَهْلِ الْمَعَاصِي لِجُرْأَتِهِمْ عَلَيْهَا ، فَإِذَا تَذَكَّرْتُ مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عُقُوبَةِ الْآخِرَةِ دَخَلَتِ الْقُلُوبَ الرَّحْمَةُ لَهُمْ»
520 -
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ الرَّازِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: " لَوْ كَانَ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا عَذَّبْتُ الْعُشَّاقَ ، لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ ذُنُوبُ اضْطِرَارٍ لَا ذُنُوبُ اخْتِيَارٍ
521 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْنَّهْدِيُّ قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فِي خِلَافَتِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَارِيَةٌ تَطْحَنُ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَقُولُ:
[البحر الطويل]
وَهَوِيتُهُ مِنْ قَبْلِ قَطْعِ تَمَائِمِي
…
فَتَمَاشَيْنَا مِثْلَ الْقَضِيبِ النَّاعِمِ
وَكَأَنَّ نُورَ الْبَدْرِ سِنَةُ وَجْهِهِ
…
يَنْمِي وَيَصْعَدُ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمِ
فَدَقَّ عَلَيْهَا الْبَابَ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَيْلَكِ ، أَحُرَّةٌ أَمْ مَمْلُوكَةٌ؟ قَالَتْ: مَمْلُوكَةٌ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: فَمَنْ هَوِيتِ؟ قَالَ: فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ، بِحَقِّ الْقَبْرِ إِلَّا انْصَرَفْتَ عَنِّي قَالَ: وَحَقِّهِ لَا أُدِيمُ أَوْ تُعْلِمِينِي قَالَتْ:
[البحر الكامل]
وَأَنَا الَّتِي لَعِبَ الْغَرَامُ بِقَلْبِهَا
…
فَبَكَتْ لِحُبِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ
فَقَالَ لَهَا: وَيْلَكِ ، إِيَّايَ أَرَدْتِ قَالَتْ: وَمَتَى صِرْتَ هَاشِمِيًّا قَالَ: صَدَقْتِ وَاللَّهِ. فَصَارَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَبَعَثَ إِلَى مَوْلَاهَا فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَعَثَ بِهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبَى طَالِبٍ ، وَقَالَ مَوْلَايَ: وَاللَّهِ فُتِنَ الرِّجَالُ ، وَكَمْ وَاللَّهِ قَدْ مَاتَ بِهِنَّ مِنْ كَرِيمٍ ، وَعَطَبَ عَلَيْهِنَّ مِنْ سَلِيمٍ
522 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ
⦗ص: 258⦘
: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: دَخَلَتْ عَزَّةُ عَلَى أُمِّ الْبَنِينَ أُخْتِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَتْ لَهَا: " يَا عَزَّةُ ، مَا قَوْلُ كُثَيِّرٍ:
[البحر الطويل]
قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ عَلِمْتُ غَرِيمَهُ
…
وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنًّى غَرِيمُهَا
مَا كَانَ هَذَا الدَّيْنُ؟ " قَالَتْ: كُنْتُ وَعَدْتُهُ قُبْلَةً ، ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ مِنْهَا، فَقَالَتْ:«أَنْجِزِيهَا لَهُ وَعَلَيَّ إِثْمُهَا»
523 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي مُخَنَّثٍ قَالَ: رُفِعَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بِالْكُوفَةِ غُلَامٌ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ أُخِذَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ: «مَا قِصَّتُكَ؟» ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، لَسْتُ بِلِصٍّ وَلَا سَارِقٍ وَلَكِنْ أَصْدُقُكَ قَالَ: هَاتِ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
تَعَلَّقْتُ فِي دَارِ الرِّيَاحِيِّ خَوْدَةً
…
يَذِلُّ لَهَا مِنْ حُسْنِهَا الْقَمَرُ الْبَدْرُ
لَهَا مِنْ بَيَاتِ الرُّومِ حُسْنٌ وَمَنْصِبُ
…
إِذَا افْتَخَرُوا بِالْحُسْنِ جَانَبَهَا الْفَخْرُ
فَلَمَّا طَرَقْتُ الدَّارَ مِنْ حَرِّ مُهْجَةٍ
…
أَبِيتُ وَفِيهَا مِنْ تَوَّقُدِهَا جَمْرُ
تَنَادَرَ أَهْلُ الدَّارِ بِي ثُمَّ صَيَّحُوا
…
هُوَ اللِّصُّ مَحْتُومًا لَهُ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ عَلِيٌّ شِعْرَهُ رَقَّ لَهُ وَقَالَ لِلرِّيَاحِيِّ ، وَهُوَ الْمُلَهَّبُ بْنُ رِيَاحٍ
⦗ص: 259⦘
الْيَرْبُوعِيُّ: اسْمَحْ لَهُ بِهَا وَنُعَوِّضُكَ مِنْهَا قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، سَلْهُ مَنْ هُوَ؟ قَالَ الْغُلَامُ: النَّهَّاسُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْعِجْلِيُّ قَالَ الرِّيَاحِيُّ: خُذْ بِيَدِهَا ، هِيَ لَكَ
524 -
حَدَّثَنَا أَخِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ آدَمَ بْنِ أَبِي اللَّيْثِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَاضِي مِصْرَ وَجَارِيَةٌ تُغْنِي:
[البحر المتقارب]
تَرَى فِي الْحُكُومَةِ يَا سَيِّدِي
…
عَلَى مَنْ تَعَشَّقَ أَنْ يُقْتَلَا
وَكَانَ فِي يَدِهِ قَلَمٌ فَرَمَى بِهِ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: لَا لَا
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَاتِبُ: أَنَّ غُلَامًا وَجَارِيَةً كَانَا فِي كُتَّابٍ فَهَوِيَهَا الْغُلَامُ فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُ بِمُعَلِّمِهِ حَتَّى صَيَّرَهُ قَرِينًا لَهَا ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ عِنْدَ غَفْلَةٍ مِنَ الْغِلْمَانِ وَقَّعَ فِي لَوْحِ الْجَارِيَةِ:
[البحر البسيط]
مَاذَا تَقُولِينَ فِيمَنْ شَفَّهُ أَرَقٌ
…
مِنْ جُهْدِ حُبِّكِ صَارَ حَيْرَانَا
فَلَمَّا نَظَرْتِ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهَا بِالدُّمُوعِ رَحْمَةً لَهُ ، وَوَقَّعَتْ فِي أَسْفَلِهِ:
إِذَا رَأَيْنَا مُحِبًّا قَدْ أَضَرَّ بِهِ
…
طُولُ الصَّبَابَةِ أَوْلَيْنَاهُ إِحْسَانَا
525 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي صَيْفِيُّ بْنُ أَبِي صَيْفِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَتْ عَاتِكَةُ ابْنَةُ زَيْدٍ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَكَانَتْ قَدْ غَلَبَتْهُ عَلَى رَأْيِهِ ، وَشَغَلَتْهُ عَنْ سُوقِهِ ، فَأَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً فَفَعَلَ ، فَوَجَدَ عَلَيْهَا فَفَعَلَ لِأَبِيهِ عَلَى طَرِيقِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ ، فَلَمَّا بَصُرَ بِأَبِي بَكْرٍ أَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
فَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ الْيَوْمَ مِثْلَهَا
…
وَلَا مِثْلَهَا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلَّقُ
⦗ص: 260⦘
قَالَ: فَرَّقَ لَهُ وَأَمَرَهُ بِمُرَاجَعَتِهَا
526 -
حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ الْمَهْدِيَّ ، خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ حَتَّى إِذَا كَانَ بِزُبَالَةَ جَلَسَ يَتَغَدَّى حَتَّى أَتَى بَدَوِيٌّ فَوَقَفَ بِالْبَابِ فَنَادَى: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، إِنِّي عَاشِقٌ ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ ، فَقَالَ لِلْحَاجِبِ: وَيْحَكَ ، مَا هَذَا؟ قَالَ: إِنْسَانٌ بِالْبَابِ يَصِيحُ: إِنِّي عَاشِقٌ قَالَ: أَدْخِلُوهُ ، فَأَدْخَلُوهُ عَلَيْهِ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَقَعَدَ يَأْكُلُ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ عَشِيقَتُكَ؟ قَالَ: ابْنَةُ عَمِّي قَالَ: أَوَ لَهَا أَبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَمَا لَهُ لَا يُزَوِّجَكَهَا؟ قَالَ: هَاهُنَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَأَخْبَرَنِي مَا هُوَ؟ قَالَ: ادْنُ مِنِّي أُذُنَكَ قَالَ: فَأَدْنَى مِنْهُ أُذُنَهُ فَقَالَ: إِنِّي هَجِينٌ ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: فَمَا يَكُونُ قَالَ: إِنَّهُ عِنْدَنَا عَيْبٌ. فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِ أَبِيهَا فَأُتِيَ بِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَقَعَدَ يَأْكُلُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَلِمَ لَا تَزَوِّجُهُ كَرِيمَتَكَ؟ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَةِ ابْنِ أَخِيهِ ، وَكَانَ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ عِنْدَهُ عَلَى الْمَائِدَةِ جَمَاعَةٌ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بَنُو الْعَبَّاسِ ، وَهُمْ هَجَنٌ ، مَا الَّذِي يَضُرُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: هُوَ عِنْدَنَا عَيْبٌ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ طَعَامِهِمْ وَغَسَلُوا أَيْدِيَهُمْ قَالَ الْمَهْدِيُّ: زَوِّجْهُ إِيَّاهَا عَلَى عِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، عَشَرَةِ آلَافِ دَرْهَمٍ لِلْعَيْبِ ، وَعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ مَهْرُهَا. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا ، فَأُتِيَ بِبَدْرَتَيْنِ فَدُفِعَتَا إِلَى الشَّيْخِ فَأَنْشَأَ الشَّابُّ يَقُولُ:
[البحر الكامل]
⦗ص: 261⦘
ابْتَعْتُ طَيِّبَةَ بِالْغَلَاءِ وَإِنَّمَا
…
يُعْطِي الْغَلَاءَ بِمِثْلِهَا أَمْثَالِي
وَتَرَكْتُ أَسْوَاقَ الْقِبَاحِ لِأَهْلِهَا
…
إِنَّ الْقِبَاحَ وَإِنْ رَخُصْنَ غَوَالِي
527 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، كَانَ قَدْ تَرَكَ الشِّعْرَ وَرَغِبَ عَنْهُ ، وَنَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ لِكُلِّ بَيْتٍ يَقُولُهُ هَدْي بَدَنَةٍ ، فَمَكَثَ بِذَلِكَ حِينًا ثُمَّ خَرَجَ لَيْلَةً يُرِيدُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ، إِذْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ ذَاتِ جَمَالٍ تَطُوفُ ، وَإِذَا رَجُلٌ يَتْلُوهَا ، كُلَّمَا رَفَعَتْ رِجْلَهَا وَضَعَ رِجْلَهُ مَوْضِعَ رِجْلِهَا ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمَا ، فَلَمَّا فَرَغْتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَوَافِهَا تَبِعَهَا الرَّجُلُ هُنَيْهَةً ، ثُمَّ رَجَعَ وَفِي قَلْبِ عُمَرَ مَا فِيهِ ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ وَثَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: لَتُخْبِرَنِّي عَنْ أَمْرِكَ قَالَ: نَعَمْ ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَيْتَ ابْنَةُ عَمِّي ، وَأَنَا لَهَا عَاشِقٌ ، وَلَيْسَ لِي مَالٌ فَخَطَبْتُهَا إِلَى عَمِّي فَرَغِبَ عَنِّي وَسَأَلَنِي عَنِ الْمَهْرِ مَا لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَالَّذِي رَأَيْتَ هُوَ حَظِّي مِنْهَا وَمَا لِي مِنَ الدُّنْيَا أُمْنِيَةٌ غَيْرُهَا ، وَإِنَّمَا أَلْقَاهَا عِنْدَ الطَّوَافِ ، وَحَظِّي مَا رَأَيْتَ مِنَ فِعْلِي. قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَنْ عَمُّكَ؟ قَالَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ قَالَ: انْطَلَقَ مَعِي إِلَيْهِ ، فَانْطَلَقْنَا فَاسْتَخْرَجَهُ عُمَرُ فَخَرَجَ مُبَادِرًا فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ يَا أَبَا الْخَطَّابِ؟ قَالَ: تُزَوِّجُ ابْنَتَكَ فُلَانَةَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ فُلَانٍ ، وَهَذَا الْمَهْرُ الَّذِي تَسْأَلُهُ مُسَاقٌ إِلَيْكَ مِنْ مَالِي. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أُحِبُّ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَجْتَمِعَا. قَالَ: وَذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ: فَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى جَمَعَهُمَا وَأَتَى مَنْزِلَهُ فَاسْتَلْقَى عَلَى فِرَاشِهِ فَجَعَلَ النَّوْمُ لَا يَأْخُذُهُ ، وَجَعَلَ جَوْفُهُ يَجِيشُ بِالشِّعْرِ ، فَأَنْكَرَتْ جَارِيَتُهُ ذَلِكَ فَجَعَلَتْ تَسْأَلُهُ عَنْ أَمْرِهِ وَتَقُولُ: وَيْحَكَ ، مَا الَّذِي دَهَاكَ ، فَلَمَّا أَكْثَرَتْ عَلَيْهِ جَلَسَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الوافر]
⦗ص: 262⦘
تَقُولُ وَلِيدَتِي لَمَّا رَأَتْنِي
…
طَرِبْتُ وَكُنْتُ قَدْ أَقَصَرْتُ حِينَا
أُرَاكَ الْيَوْمَ قَدْ أَحْدَثْتَ شَوْقًا
…
وَهَاجَ لَكَ الْهَوَى دَاءً دَفِينَا
بِرَبِّكَ هَلْ أَتَاكَ لَهَا رَسُولٌ
…
فَشَاقَكَ أَمْ رَأَيْتَ لَهَا خَدِينَا
فَقُلْتُ: شَكَا إِلَيَّ أَخٌ مُحِبٌّ
…
لِبَعْضِ زَمَانِنَا إِذْ تَعْلَمِينَا
تَعُدُّ عَلَيَّ مَا يَلْقَى بِهِنْدٍ
…
فَوَافَقَ بَعْضَ مَا كُنَّا لَقِينَا
وَذُو الْقَلْبِ الْمُصَابِ وَإِنْ تَغَنَّى
…
يُهَيَّجُ حِينَ يَلْقَى الْعَاشِقِينَا
وَكَمْ مِنْ خَلَّةٍ أَعْرَضْتُ عَنْهَا
…
لِغَيْرِ قِلًى وَكُنْتُ بِهَا ضَنِينَا
رَأَيْتُ صُدُودَهَا فَصَدَدْتُ عَنْهَا
…
وَلَوْ جُنَّ الْفُؤَادُ بِهَا جَنِينَا
528 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بِنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ ، حَدَّثَنِي صَدِيقٌ لِي كَانَ ضَيْفًا لِلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ يَهْوَى جَارِيَةً لِابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ الْمُبَرِّدُ: قَالَ لِيَ صَدِيقٌ لِي: لَا وَاللَّهِ مَا عَايَنْتُ أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْهَا قَطُّ ، وَكَانَتْ مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ لِسَانًا ، وَمَعَ ذَلِكَ شَاعِرَةٌ نَاقِدَةٌ ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ مَعَ الْحُسَيْنِ إِلَيْهَا إِلَى الْخَلْدِ ، فَكَانَتْ تَرْقُبُ وَقْتَهُ فَتَنْتَظِرَهُ فِيهِ فَتُحَدِّثُهُ مَلِيًّا ، فَقَالَتْ لَهُ يَوْمًا: هَلْ قُلْتَ فِينَا شَيْئًا؟ فَأَنْشَدَهَا: "
[البحر الطويل]
رَمَتْكَ غَدَاةَ السَّبْتِ شَمْسٌ مِنَ الْخَلْدِ
…
بِسَهْمِ الْهَوَى عَمْدًا وَمَرْتُكَ فِي الْعَمْدِ
مُخَضَّبَةُ الْأَطْرَافِ رَوْدٌ شَبَابُهَا
…
مُعَقْرَبَةُ الصَّدْغَيْنِ كَاذِبَةُ الْوَعْدِ
مُزَرَّرَةُ السِّرْبَالِ مُكَوَّرَةُ الْحَشَا
…
غُلَامِيَّةُ التَّقْطِيعِ شَاطِرَةُ الْقَدِّ
⦗ص: 263⦘
أَقُولُ وَقَلْبِي بَيْنَ شَوْقٍ وَزَفْرَةٍ
…
وَقَدْ شَخِصَتْ عَيْنِي وَدَمْعِي عَلَى خَدِّي
أَجِيزِي عَلَى مَنْ قَدْ تَرَكْتِ فُؤَادَهُ
…
بِلَحْظَتِهِ بَيْنَ التَّأَسُّفِ وَالْجَهْدِ
فَقَالَتْ: عَذَابٌ بِالْهَوَى قَبْلَ مَنِيَّةٍ
…
وَمَوْتٌ أَنَا أَقْرَحْتُ قَلْبَكَ مِنْ بُعْدِ
سَأَشْكُوكِ فِي الْأَشْعَارِ غَيْرَ مُقَصِّرٍ
…
إِلَى عَاصِمٍ ذِي الْمَكْرُمَاتِ وَذِي الْحَمْدِ
لَعَلَّ فَتَى غَسَّانَ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
…
فَتَأْمَنُ نَفْسِي مِنْكُمُ لَوْعَةَ الصَّدِّ
فَبَعَثَ بِهَذَا الشِّعْرِ إِلَى عَاصِمٍ الْغَسَّانِيِّ ، فَرَامَ شِرَاءَهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَقَالَ: هَذِهِ عِوَضٌ مِنْهَا ، فَأَنْفَقَهَا الْحُسَيْنُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ كَتَبَ بِشَعْرٍ آخَرَ إِلَى دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ ، وَكَانَ الشَّعْرُ:
[البحر السريع]
أَمَتُّ بِالْهِجْرَانِ مَوْعِودِي
…
وَجُرْتُ فِي غَايَةٍ مَجْهُودِ
فَإِنْ تَأَنَّيْتُ بِإِتْيَانِكُمْ
…
كُنْتُ فَتًى أَهْوَنَ مَفْقُودِ
وَكُنْتُ إِنْ جِئْتُكُمْ زَائِرًا
…
أَبِتْ بِرَغْمٍ غَيْرَ مَحْمُودِ
فَكَيْفَ أَحْتَالُ لَكُمْ خُلَّتِي
…
هَاتِ فَقَدْ ضَلَّتْ مَقَالِيدِي
بَلَى سَأَشْكُوكِ وَأَشْكُو الْهَوَى
…
إِلَى فَتَى قَحْطَانَ دَاوُدَ
لَعَلَّهُ يَكْشِفُ إِنْ جِئْتُهُ
…
أَشْكِيكُمُ كُرْبَةَ مَعْمُودِ
فَأَمَرَ لَهُ بِجَارِيَةٍ وَقَالَ: لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يُعْدَى عَلَيْهَا لَأَعْدَيْنَاكُ بِشَكْوَاكِ "
529 -
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: كَانَ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ أَحَدَ الْقُرَّاءِ فَرَأَوْهُ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْعَاشِقِينَ ، وَوفِّقْ قُلُوبَهُمْ ، وَاعْطِفْ قُلُوبَ الْمَعْشُوقِينَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الكامل]
⦗ص: 264⦘
يَا هَجْرُ كُفَّ عَنِ الْهَوَى وَدَعِ الْهَوَى
…
لِلْعَاشِقِينَ يَطِيبُ يَا هَجْرُ
مَاذَا تُرِيدُ مِنَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ
…
قَدْحَى وَحَشْوُ ضَمِيرِهِمْ جَمْرُ
مُتَلَذِذِينَ مِنَ الْهَوَى أَلْوَانُهُمْ
…
مِمَّا تُجِنُّ قُلُوبُهُمْ صِفْرُ
وَسَوَابِقُ الْعَبَرَاتِ فَوْقَ خُدُودِهِمْ
…
دُرَرٌ تُفِيضُ كَأَنَّهَا الْعِطْرُ
فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا السَّائِبِ ، أَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِفِ وَأَنْتَ فِي الْفَضْلِ أَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: وَمَا قُلْتُ؟ وَاللَّهِ لَلدُّعَاءُ لَهُمْ أَفْضَلُ لَهُمْ مِنْ عُمْرَةٍ فِي رَجَبٍ مِنَ الْجِعْرَانَةِ
530 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا السَّائِبِ الْمَخْزُومِيَّ ، وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ ، سَمِعَ فَتًى يَتَغَنَّى:
[البحر المنسرح]
قَلْبِي عَلَيْكِ حَبِيسٌ مَوْقُوفُ
…
وَالْعَيْنُ عَبْرَى وَالدَّمْعُ مَذْرُوفُ
إِنْ كُنْتِ بِالْحُسْنِ قَدْ وُصِفْتِ لَنَا
…
فَإِنَّنِي بِالْهَوَى لَمَوْصُوفُ
يَا حَسْرَتَا حَسْرَةً أَمُوتُ بِهَا
…
إِنْ لَمْ تَكُنْ لِي لَدَيْكِ مَعْرُوفُ
فَقَالَ: فَصَاحَ أَبُو السَّائِبِ صَيْحَةً وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ اللَّهَ إِنْ لَمْ أَعْرِفْ لَكَ حَقَّكَ ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ رِدَاءَهُ
531 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: عَرَضَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ
⦗ص: 265⦘
سِجْنَهُ ، فَكَانَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ فُلَانٍ الْبَجَلِيِّ ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ:«فِي أَيِّ شَيْءٍ حُبِسْتَ يَا يَزِيدُ؟» قَالَ: فِي تُهْمَةٍ ، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ قَالَ: تَعُودُ إِنْ أَطْلَقْتُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، وَكَرِهَ أَنْ يُصَرِّحَ بِالْقَصَّةِ أَوْ يَوْمِئَ إِلَيْهَا فَيَفْضَحَ مَعْشُوقَتَهُ لِكَيْ لَا يَنَالَهَا أَهْلُهَا بِبَعْضِ الْمَكْرُوهِ ، فَقَالَ خَالِدٌ لِأَوْلِيَاءِ الْجَارِيَةِ: أَحْضِرُوا رِجَالَ الْحَيِّ حَتَّى نَقْطَعَ كَفَّهُ بِحَضْرَتِهِمْ ، وَكَانَ ابْنُ رَزَاحٍ فَكَتَبَ شِعْرًا وَوَجَّهَهُ إِلَى خَالِدٍ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
أَخَالِدُ قَدْ وَاللَّهِ أُعْطِيتَ عَشْوَةٌ
…
وَمَا الْعَاشِقُ الْمِسْكِينُ فِينَا بِسَارِقِ
أَقَرَّ بِمَا لَمْ يَأْتِهِ الْمَرْءُ أَنَّهُ رَأَى
…
الْقَطْعَ خَيْرًا مِنْ فَضِيحَةِ عَاتِقِ
وَلَوْلَا الَّذِي قَدْ خِفْتُ مِنْ قَطْعِ كَفِّهِ
…
لَأَلْقَيْتُ فِي أَمْرِ الْهَوَى غَيْرَ نَاطِقِ
إِذَا بَدَتِ الرَّايَاتُ فِي السَّبْقِ لِلْعُلَى
…
فَأَنْتَ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَوَّلُ سَابِقِ
فَلَمَّا قَرَأَ خَالِدٌ الْأَبْيَاتِ عَلِمَ صِدْقَ قَوْلِهِ ، فَأَحْضَرَ أَوْلِيَاءَ الْجَارِيَةِ فَقَالَ: زَوِّجُوا يَزِيدَ فَتَاتَكُمْ ، فَقَالُوا: أَمَا قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ فَلَا ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهُ طَائِعِينَ لَتُزَوِّجُنَّهُ كَارِهِينَ ، فَزَوِّجُوهُ ، وَنَقَلَ خَالِدٌ الْمَهْرَ مِنْ عِنْدِهِ "
532 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ بِالْكُوفَةِ يُدْعَى لَيْثَ بْنَ زِيَادٍ قَدْ رَبَّى جَارِيَةً وَأَدَّبَهَا فَخَرَجَتْ بَارِعَةً فِي كُلِّ فَنٍّ مَعَ كَمَالِ الْجَمَالِ ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهَا مُدَّةً حَتَّى تَبَيَّنَتْ مِنْهُ الِاخْتِلَالَ ، فَقَالَتْ: يَا مَوْلَايَ ، لَوْ بِعْتَنِي كَانَ أَصْلَحَ لَكَ مِمَّا أَرَاكَ بِهِ ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَظُنُّ أَنَّى أَصْبِرُ عَنْكَ ، فَقَصَدَ رَجُلًا مِنَ النُّهَيْكِيِّينَ يَعْرِفُهَا وَيَعْرِفُ فَضْلَهَا فَبَاعَهَا مِنْهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلَمَّا قَبَضَ الْمَالَ
⦗ص: 266⦘
وَجَّهَ بِهَا إِلَى مَوْلَاهَا النُّهَيْكِيِّ وَجَزِعَ عَلَيْهَا جَزَعًا شَدِيدًا ، فَلَمَّا صَارَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى النُّهَيْكِيِّ نَزَلَ بِهَا الْوَحْشَةُ لِمَوْلَاهَا مَا لَمْ تَسْتَطِعْ دَفْعَهُ وَلَا كِتْمَانَهُ ، فَبَاحَتْ بِهِ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
[البحر الطويل]
أَتَانِي الْبَلَا حَقًّا فَمَا أَنَا صَانِعُ
…
أَمُصَطَبِرٌ لِلْبَيْنِ أَمْ أَنَا جَازِعُ
كَفَى حُزْنًا أَنَّى عَلَى مِثْلِ جَمْرَةٍ
…
أُقَاسِي نُجُومَ اللَّيْلِ وَالْقَلْبُ نَازِعُ
فَإِنْ تَمْنَعُونِي أَنْ أَمُوتَ بِحُبِّهِ
…
فَإِنِّي قَتِيلٌ وَالْعُيُونُ دَوَامِعُ
فَبَلَغَ النُّهَيْكِيَّ شِعْرُهَا فَدَعَا بِهَا فَأَرَادَهَا فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ لَهُ: يَا سَيِّدِي ، إِنَّكَ لَا تَنْتَفِعُ بِي قَالَ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لِمَا بِي قَالَ: وَمَا بِكِ ، صِفِيهِ لِي قَالَتْ: أَجِدُ فِي أَحْشَائِي نِيرَانًا تَتَوَقَّدُ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى إِطْفَائِهَا أَحَدٌ ، فَلَا تَسَلْ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَرَحِمَهَا وَرَقَّ لَهَا ، وَبَعَثَ إِلَى مَوْلَاهَا ، فَسَأَلَ عَنْ خَبَرِهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُ مِثْلَ الَّذِي عِنْدَهَا فَأَحْضَرَهُ ، فَرَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَيْهِ ، وَوَهْبَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا خَمْسِينَ أَلْفًا ، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً ، وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ خَبَرُهَا وَهُوَ بِخُرَاسَانَ فَكَتَبَ إِلَى أَبِي السَّوْدَاءِ خَلِيفَتِهِ بِالْكُوفَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْظُرَ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ لِي مِنْ قِبَلِ الْجَارِيَةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لَهُ بِمَا مَلَكَتْهُ يَمِينُهُ ، فَرَكِبَ أَبُو السَّوْدَاءِ إِلَى مَوْلَى الْجَارِيَةِ فَخَبَّرَهُ بِمَا كَتَبَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ فَلَمْ يَجِدْ لَيْثٌ بُدًّا مِنْ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ لِذَلِكَ كَارِهٌ ، فَأَرَادَ أَبُو السَّوْدَاءِ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ الْجَارِيَةِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر البسيط]
بَدِيعُ صَدٍّ قَرِيبُ هَجْرٍ
…
جَعَلْتُهُ مِنْهُ لِي مَلَاذَا
فَأَجَابَتْهُ الْجَارِيَةُ:
فَعَاتَبُوهُ فَزَادَ شَوْقًا
…
فَمَاتَ عِشْقًا فَكَانَ مَاذَا
فَعَلِمَ أَبُو السَّوْدَاءٍ أَنَّهَا تَصْلُحُ ، فَاشْتَرَاهَا بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَخَرَجَ بِهَا وَحَمَلَهَا
⦗ص: 267⦘
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ إِلَى خُرَاسَانَ ، فَلَمَّا صَارَتْ إِلَيْهِ اخْتَبَرَهَا فَوَجَدَهَا عَلَى مَا أَرَادَ فَغَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ ، وَيُقَالُ إِنَّهَا أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ طَاهِرٍ ، وَلَمْ يَزَلْ إِلْطَافُهَا وَجَوَائِزُهَا تَأْتِي مَوْلَاهَا الْأَوَّلَ حَتَّى مَاتَتْ
533 -
حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ نُعَيْمٍ الْغِفَارِيُّ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ امْرَأَتَهُ ابْنَةَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَدِيعَةُ جَوْهَرٍ اسْتَوْدَعَهَا إِيَّاهُ فَتَزَوَّجَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، ثُمَّ أَرَادَ ابْنُ عَامِرٌ الْحَجَّ ، فَأَتَى الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ الْحَسَنَ عليه السلام ، فَقَالَ: حَدِّثْنَا يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ لِي إِلَى ابْنَةِ سُهَيْلٍ حَاجَةً ، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهَا الْحَسَنُ: الْبَسِي ثِيَابَكِ ، فَهَذَا ابْنُ عَامِرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَسَأَلَهَا وَدِيعَتَهُ ، فَجَاءَتْهُ بِهَا عَلَيْهَا خَاتَمُهُ ، فَقَالَ: خُذِي ثُلُثَهَا ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ عَلَى أَمَانَةٍ اؤُتُمِنْتُ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَامِرٍ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَتِي قَدْ بَلَغَتْ ، وَأُحِبُّ أَنْ تُخَلِّي بَيْنِي وَبَيْنَهَا ، فَبَكَتْ وَبَكَتِ ابْنَتُهَا ، وَرَقَّ ابْنُ عَامِرٍ فَقَالَ الْحَسَنُ: فَهَلْ لَكُمَا ، فَوَاللَّهِ مَا مِنْ مُحَلِّلٍ خَيْرٍ مِنِّي قَالَ: أَجَلْ ، فَوَاللَّهِ لَا أُخْرِجُهَا مِنْ عِنْدِكَ أَبَدًا قَالَ: فَكَفَلَهَا حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
534 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ «يَا عَبَّاسُ ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ ، وَشِدَّةِ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا» . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَوْ رَاجَعْتِهِ ، فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَأْمُرُنِي فَأَفْعَلُ؟ قَالَ:«لَا ، إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ»
535 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنِّي أُوتَى وَيُطْلَبُ مِنِّي الْحَاجَةُ وَأَنْتُمْ عِنْدِي ، فَاشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ»
536 -
أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ الْجُرْجَانِيُّ:
[البحر الكامل]
شَكَوْتُ بَلَاءً لَا أُطِيقُ احْتِمَالَهُ
…
وَقَلْبِي مُطِيعٌ لِلْهَوَى غَيْرُ دَافِعِ
فَأُقْسِمُ مَا تَرْكِي عِتَابَكِ عَنْ قِلًى
…
وَلَكِنْ لِعِلْمِي أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعِ
وَإِنِّي مَتَى لَمْ أَلْزَمِ الصَّبْرَ طَائِعًا
…
فَلَا بُدَّ مِنْهُ مُكْرَهًا غَيْرَ طَائِعِ
إِذَا أَنْتِ لَمْ تُعْطِفْكِ إِلَّا شَفَاعَةٌ
…
فَلَا خَيْرَ فِي رَدٍّ يَكُونُ بِشَافِعِ
بَابُ التَّعَجُّبِ مِمَّنْ قَلْبُهُ سَلِمَ مِنَ الصَّبْوَةِ
537 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ ، وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي عُشَانَةَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَجِبَ رَبُّكَ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ»
538 -
حَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:«كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّابِّ صَبْوَةً» قَالَ الْأَعْمَشُ: «يَذْكُرُهَا وَيَجْتَهِدُ»
539 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ فَقَالَتْ لَهُ: أَنْتَ عُرْوَةُ بْنُ أُذَيْنَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: أَلَسْتَ الْقَائِلَ:
[البحر البسيط]
قَالَتْ وَأَبْثَثَتُهَا وَجْدِي فَبُحْتُ بِهِ:
…
قَدْ كُنْتَ عِنْدِي تُحِبُّ السِّتْرَ فَاسْتَتِرِ
أَلَسْتَ تُبْصِرُ مَنْ حَوْلِي؟ فَقُلْتُ لَهَا:
…
غَطَّى هَوَاكِ وَمَا أَبْقَى عَلَى بَصَرِي
وَاللَّهِ مَا خَرَجَ هَذَا الشِّعْرُ مِنْ قَلْبٍ سَلِيمٍ لَمْ يَعْشَقْ
بَابُ اللَّجَاجِ عِنْدَ اللَّوْمِ وَالْعَذَلِ
540 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ قَالَ: لَمَّا أَكْثَرَ جَمِيلٌ فِي التَّشْبِيبِ بِبُثَيْنَةَ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا ، فَأَلَحَّ أَهْلُهُ عَلَى لَائِمَتِهِ وَعَزْلِهِ ، فَلَمَّا أَلَحُّوا عَلَيْهِ تَحَمَّلَ هَارِبًا إِلَى وَادِي الْقُرَى ، فَطُلِبَ فَهَرَبَ مِنْهُ ، فَلَحِقَ بِشَيْخٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَبِي بَنَاتٍ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: الْبِسْنَ خَيْرَ ثِيَابِكُنَّ وَأَحْسَنَ حُلِيِّكُنَّ وَتَشَوَّفْنَ لَهُ ، عَسَى أَنْ تَقَعَ عَيْنُهُ عَلَى بَعْضِكُنَّ فَأُزَوِّجَهَا مِنْهُ فَيَنْقَطِعَ هَذَا الْأَمْرُ عَنَّا ، فَفَعَلْنَ وَتَعَرَّضْنَ لَهُ ، فَلَمَّا أَكْثَرْنَ قَالَ لَهُنَّ بِحَيْثُ يَسْمَعْنَ:
[البحر الطويل]
حَلَفْتُ لِكَيْمَا تَعْلَمُونِي صَادِقًا
…
وَلَلصِّدْقُ خَيْرٌ فِي الْأُمُورِ وَأَنْجَحُ
لَتَكْلِيمُ يَوْمٍ مِنْ بُثَيْنَةَ وَاحِدٍ
…
وَرُؤْيَتُهَا عِنْدِي أَلَذُّ وَأُمْلَحُ
مِنَ الدَّهْرِ لَوْ أَخْلُو بِكُنَّ وَإِنَّمَا
…
أُعَالِجُ قَلْبًا غَارِمًا حَيْثُ يَطْمَحُ
قَالَ: فَذَكَرْنَ ذَلِكَ لِأَبِيهِنَّ ، فَقَالَ: خَلِّينَ عَنْ هَذَا ، فَإِنَّهُ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا "
541 -
أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
[البحر البسيط]
⦗ص: 271⦘
أَحْرَقْتُمَا كَبِدِي بِاللَّوْمِ فَاحْتَرَقَتْ
…
يَا صَاحِبَيَّ وَهَذَا مِنْكُمَا شَرَفُ
لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيمَنْ كَانَ يُخْبِرُنِي
…
أَنَّ الْمُحِبَّ إِذَا مَا شَاءَ يَنْصَرِفُ
وَجْدُ الْمُحِبِّ إِذَا مَا بَانَ صَاحِبُهُ
…
وَجْدُ الصَّبِيِّ لِثَدْيَيْ أُمِّهِ الْكَلِفُ
قَدْ تَمْكُثُ النَّاسُ حِينًا لَيْسَ بَيْنَهُمُ
…
وُدٌّ فَيَزْرَعُهُ التَّسْلِيمُ وَاللُّطَفُ
542 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَطَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: عَشِقَتْ جُوَيْرِيَةُ أَعْرَابِيَّةٌ فَتًى مِنْ عَشِيرَتِهَا فَعَزَلَتْهَا أُمُّهَا فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
[البحر الرجز]
يَا أُمِّ مَهْلًا لَا يَكُونُ الْحُبَّا
…
وَلَا لَقِيتُ لَوْعَةً وَكَرْبَا
عَيْنَاهُ قَادَتْنِي إِلَيْهِ غَصْبَا
…
رَأَيْتُ طَرَفًا فَاسْتَحَرَّ الْقَلْبَا
وَمُقْلَةٌ أَحْسَبُ فِيهَا الشُّهْبَا
…
إِنْ لُمْتِنِي فَرُبَّمَا وَرُبَّا
تَرَكَتْ ذَا اللُّبِّ لِسَيْرٍ أَصَبَّا
…
إِذَا رَآنِي طَرْفُهُ أَكَبَّا
تَبًّا لِهَذَا الْحُبِّ تَبًّا تَبَّا
…
يَا رَبِّ أَوْرِدْهُ الْمَحِلَّ الْجَدْبَا
543 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ لِأَبِي الشِّيصِ:
[البحر الكامل]
⦗ص: 272⦘
وَقَفَ الْهَوَى بِي حَيْثُ أَنْتِ فَلَيْسَ لِي
…
مُتَأَخَّرٌ عَنْهُ وَلَا مُتَقَدَّمُ
أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاكِ لَذِيذَةً
…
حُبًّا لِذِكْرِكِ فَلْتَلُمْنِي اللُّوَّمُ
أَشْبَهْتِ أَعْدَائِي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ
…
إِذْ كَانَ حَظِّي مِنْكِ حَظِّيَ مِنْهُمُ
وَأَهَنْتِنِي فَأَهَنْتُ نَفْسِيَ صَاغِرًا
…
مَا مَنْ يَهُونُ عَلَيْكِ مِمَّنْ أُكْرِمُ
…
"
544 -
سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ النَّحْوِيَّ ، يَذْكُرُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ اللَّهَبِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي رِيَابٌ:
[البحر الرمل]
أُمَّتِي لَا تَعْذِلُونِي
…
إِنَّ فِي ثَوْبِي بَرَاتِي
خَاتَمُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ
…
وَبِهِ أَرْجُو نَجَاتِي
بِنْتُ عَشْرٍ تَأْمُرِينِي
…
بِاتِّبَاعِ الْقَارِيَاتِ
أَنْظِرِينِي عَشْرَا أُخْرَى
…
أَشْتَفِي قَبْلَ الْمَمَاتِ
قَالَ: لَقَدْ عَجَّلْتَ عَلَيْهَا ، وَلَقَدْ سَأَلْتَهَا يَسِيرًا ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهَا ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ كُثَيِّرِ عَزَّةَ:
[البحر الطويل]
تَلُومُ امْرَءًا فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ
…
وَتَتْرُكُ أَشْيَاخَ الصَّبَابَةِ حِينُ
وَمَا شَعَرَتْ أَنَّ الصِّبَا إِذْ بَلْوَتَنِي
…
عَلَى عَهْدِ عَادٍ لِلشَّبَابِ خَدِينُ
545 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ لِخَالِدٍ الْكَاتِبِ:
[البحر المنسرح]
⦗ص: 273⦘
مَا يَسْتَرِيحُ الْمُحِبُّ مِنْ خَبْلِهِ
…
وَلَا يُفِيقُ الْعَذُولُ مِنْ عَذْلِهْ
هَذَا امْرُؤٌ فِي الْعِتَابِ مُجْتَهِدٌ
…
وَذَاكَ فِي هَمِّهِ وَفِي شُغْلِهْ
مَا لِلْعَذُولِ الَّذِي بُلِيتُ بِهِ
…
أَدْنَاهُ رَبُّ السَّمَاءِ مِنْ أَجَلِهْ
546 -
سَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيِّ بَنُونَ أَدَّبَهُمْ ، أَصْغَرُهُمْ يُسَمَّى عُبَيْدُ اللَّهِ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ أَبُوهُ فِي شَيْءٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْعِشْقِ ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ دَارِهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
[البحر الطويل]
تَبَدَّلْتَ مِنْ قَلْبِي الْمَوَدَّةَ بِالْبُغْضِ
…
وَصُيِّرَتُ بَعْدَ الْقِرَبِ مِنْكَ إِلَى الرَّفْضِ
وَكَانَ الْهَوَى غَضًّا فَلَمَّا مَلَكْتُهُ
…
تَقَصَّفَ غُصْنَاهُ وَحَالَ عَنِ الْغَضِّ
فَإِنْ أَكُ قَدْ أُخْرِجْتُ مِنْ دَارِ بُغْضَةٍ
…
فَلَيْسَ بِكَفَّيْ مُخْرِجِي سَعَةُ الْأَرْضِ
فَرَقَّ لَهُ أَبُوهُ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: " إِنْ كُنْتَ تَائِبًا مِنْ جُرْمِكَ ، مُقْلِعًا عَنْ فِعْلِكَ ، فَعِنْدِي يَا بُنَيَّ قَبُولُكَ ، فَقَلَبَ الرُّقْعَةَ وَكَتَبَ فِي ظَهْرِهَا:
[البحر الهزج]
تَرَانِي تَارِكًا للَّـ
…
ـهِ مَا أَهْوَى لِمَا تَهْوَى
أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ الْحُـ
…
ـبَّ فِي قَلْبِي إِذَنْ دَعْوَى
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الكامل]
أَتُرِيدُ أَتْرُكَ بَهْجَتِي تَبْلَا
…
وَأُطِيعُ مِثْلَكَ فِي الْهَوَى عَقْلَا
547 -
أَنْشَدَنِي أَبُو يَعْقُوبَ التَّمَّارُ لِنَفْسِهِ:
[البحر المجتث]
الْعَذْلُ يَا فَضْلُ فَضْلٌ
…
وَاللَّوْمُ فِي الْحُبِّ جَهْلُ
وَالْهَزْلُ فِي الْحُبِّ جَدٌّ
…
وَالْجَدُّ فِي الْحُبِّ قَتْلُ
وَمَا لِمَنْ لَامَ صَبًّا
…
وَإِنْ تَعَاقَلَ عَقْلُ
548 -
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ ، أَخُو إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَارَةَ وَهُوَ فَقِيهُ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَى نَخَّاسٍ يَعْتَرِضُ قِيَانًا ، فَعَلِقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَاشْتُهِرَ بِهَا حَتَّى عَذَلَهُ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
[البحر البسيط]
يَلُومُنِي فِيكِ أَقْوَامٌ أُجَالِسُهُمْ
…
فَمَا أُبَالِي أَطَارَ اللَّوْمُ أَوْ وَقَعَا
549 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ لَكُثَيِّرِ عَزَّةَ:
[البحر الطويل]
فَمَا أَحْدَثَ النَّأْيُ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا
…
سَلْوًا وَلَا طُولُ اجْتِمَاعٍ تَقَالِيَا
وَمَا زَادَنِي الْوَاشُونَ إِلَّا صَبَابَةً
…
وَلَا كَثْرَةُ النَّاهِينَ إِلَّا تَمَادِيَا
"
550 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبَى الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ: إِنَّ أَهْلَ بُثَيْنَةَ مَشَوْا إِلَى جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ وَأَهْلِهِ وَاسْتَوْهَبُوهُمْ مِنْ جَمِيلٍ ، وَكَانَ الصَّوْتُ قَدِ ارْتَفَعَ بِهِ وَعَلَا ، وَلَامُوا جَمِيلًا وَنَهَوْهُ وَعَذَلُوهُ فِي إِتْيَانِهَا ، فَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ قَائِلٍ مِنْهُمْ ، فَأَعَزُّوهُ بِحُبِّهَا ، فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ:
[البحر البسيط]
وَعَاذِلُونَ رَجَوْنِي فِي مَحَبَّتِهَا
…
يَا لَيْتَهُمْ وَجَدُوا مِثْلَ الَّذِي أَجِدُ
لَمَّا أَطَالُوا عِتَابِي مِنْكِ قُلْتُ لَهُمْ
…
لَا تُكْثِرُوا كُلَّ هَذَا اللَّوْمِ وَاقْتَصِدُوا
قَدْ مَاتَ قَلْبَيْ أَخُو هِنْدَ وَصَاحِبِهِ
…
مُرَقِّشِيٍّ وَاشْتَفَى مِنْ عَدُوِّهِ الْكَمَدُ
فَكُلُّهُمْ كَانَ فِي عِشْقٍ مَنِيَّتُهُ
…
فَقَدْ وَجَدْتُ بِهِمْ فَوْقَ الَّذِي وَجَدُوا
إِنِّي لَأَرْهَبُ بَلْ قَدْ كِدْتُ أَعْلَمُهُ
…
أَنْ سَوْفَ يُورِدُنِي الْحَوْضَ الَّذِي وَرَدُوا
إِنْ لَمْ تَنَلْنِي بِمَعْرُوفٍ تَجُودُ بِهِ
…
أَوْ يَدْفَعِ اللَّهُ عَنِّي الْوَاحِدُ الصَّمَدُ
551 -
وَأَنْشَدَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِجَمِيلٍ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 275⦘
خَلِيلَيَّ فِيمَا عِشْتُمَا هَلْ رَأَيْتُمَا
…
قَتِيلًا بَكَا مِنْ حُبِّ قَاتِلِهِ قَبْلِي
أَفِي أُمِّ عَمْرٍو تَعْذِلَانِي هُدِيتُمَا
…
وَقَدْ تَيَّمَتْ قَلْبِي وَهَامَ بِهَا عَقْلِي
552 -
وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ:
[البحر الخفيف]
لَائِمٌ لَامَنِي فِيكِ وَهْوَ غَدٌ
…
طَامِعٌ عِنْدَ نَفْسِهِ فِي اعْتِذَارِي
قُلْتُ بِالْعَدْلِ مَرَّةً ثُمَّ لَمَّا
…
لَجَّ فِي اللَّوْمِ قُلْتُ بِالْإِجْبَارِي
وَتَجَاهَلْتُ حِينَ لَمْ يَنْفَعِ الْعِلْـ
…
ـمُ اعْتِمَادًا بِهِ عَلَى الْأَقْدَارِ
قُلْتُ: جَاءَ الْقَضَاءُ فِيهِ بِشَيْءٍ
…
عَجَزَتْ عَنْهُ حِيلَتِي وَاصْطِبَارِي
فَإِنِ اسْطَعْتَ بِاحْتِيَالِكَ دَفْعًا
…
لِقَضَاءِ الْمُهَيْمِنِ الْجَبَّارِ
فَعَلَيَّ السُّلُوُّ وَالصَّبْرُ عَنْهَا
…
وَعَلَيْكِ الْمَجِيءُ بِالْأَقْدَارِ
بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْعِيِّ وَالْحَصْرِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْأَحْبَابِ
553 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ صَخْرٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ حَاجًّا ، فَلَمَّا نَزَلْتُ إِمْرَةً وَإِذَا بِجَارِيَتَيْنِ كَأَنَّهُمَا سُرَيْحَتَا قَزٍّ ، فَقَصَّرَتَا عَلَيَّ تُومِئُ بِحَدِيثٍ وَشِعْرٍ فَوَصَلْتُهُمَا ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ قَابِلٍ حَجَجْتُ فَأَصَابَتْنِي فِي الطَّرِيقِ عِلَّةٌ فَنَصَلَ عَنِّي الْخِضَابُ ، فَلَمَّا نَزَلْتُ إِمْرَةً إِذَا أَنَا بِإِحْدَاهُمَا ، فَقُلْتُ لَهَا: أَتَعْرِفِينِي؟ قَالَتْ: مَا أُنْكِرُكَ مِنْ سُوءٍ قَالَ: لَقَدْ أَنْكَرْتِينِي وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَاكَ عَامَ أَوَّلَ مَمْلُوكًا ، وَأَرَاكَ الْيَوْمَ شَيْخًا مَلِكًا ، وَفَى دُونِ هَذَا مَا تُنْكِرُ الْفَتَاةُ. فَقُلْتُ: أَنَا الْحَكَمُ بْنُ صَخْرٍ الثَّقَفِيُّ ، مَا فَعَلَتْ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: قَدِمَ عَلَيْهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا ، فَتَزَوَّجَهَا فَأَخَذَ بِهَا ، فَقُلْتُ: لَوْ أَدْرَكْتُهَا لَتَزَوَّجْتُهَا قَالَتْ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ شَقِيقَتِهَا فِي حُسْنِهَا ، وَنَظِيرَتِهَا فِي حَسَبِهَا؟ قُلْتُ: مَا قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قُلْتُ: قَالَ:
[البحر الطويل]
إِذَا وَصَلَتْنَا خَلَّةٌ كَيْ تُزِيلَهَا
…
أَبَيْنَا وَقُلْنَا: الْحَاجِبِيَّةُ أَوَّلُ
قَالَتْ: فَكُثَيِّرٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، فَقُلْتُ: وَمَا قَالَ كُثَيِّرٌ؟ قَالَتْ: قَالَ:
[البحر البسيط]
هَلْ وَصْلُ عَزَّةَ إِلَّا وَصْلُ غَانِيَةٍ
…
فِي وَصْلِ غَانِيَةٍ مِنْ وَصْلِهَا خَلَفُ
ثُمَّ أَسْفَرَتْ عَنْ وَجْهٍ كَأَنَّهُ فَلْقَةُ قَمَرٍ ، فَبُهِتُّ نَحْوَهَا ، فَمَا مَنَعَنِي مِنْ جَوَابِهَا إِلَّا الْعِيُّ
554 -
أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 282⦘
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ لَوْعَةٌ
…
لَهَا بَيْنَ جِلْدِي وَالْعِظَامِ دَبِيبُ
وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً
…
فَأُبْهَتُ حَتَّى مَا أَكَادُ أُجِيبُ
فَأَرْجِعُ عَنْ رَأْيِي الَّذِي كُنْتُ أَرْتَأِي
…
وَأَذْكُرُ مَا أَعْدَدْتُ حِينَ تَغِيبُ
555 -
وَأَنْشَدَنِي الْمُبَرِّدُ:
[البحر الطويل]
وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً
…
فَأُبْهَتُ لَا عُذْرٌ لَدَيَّ وَلَا نُكْرُ
وَلَا أَتَلَافَى هَفْوَتِي بِصَرِيمَةٍ
…
مِنَ الْأَمْرِ حَتَّى تَرْجِعَ الْأَعْيُنُ الْخُدْرُ
556 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ:
[البحر الطويل]
تَمَنَّيْتُ مَنْ أَهْوَى فَلَمَّا لَقِيتُهُ
…
بُهِتُّ فَلَمْ أَمْلِكْ لِسَانًا وَلَا طَرْفَا
وَأَطْرَقْتُ إِجْلَالًا لَهُ وَمَهَابَةً
…
أُحَاوِلُ أَنْ يَخْفَى الَّذِي بِي فَمَا يَخْفَى
وَإِنِّي لَمَمْلُوكٌ لَهُمْ غَيْرُ جَاحِدٍ
…
إِذَا مَا دَعُونِي قُلْتُ: لَبَّيْكُمُ أَلْفَا
557 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِي لِأَبِي الشِّيصِ:
[البحر الكامل]
مُتَظَلِّمٌ مِنِّي وَمَا ظُلِمَا
…
لِيَرَى اعْتِذَارِي بِئْسَ مَا زَعَمَا
يَسْطُو عَلَيَّ وَلَسْتُ أَظْلِمُهُ
…
مَنْ كَانَ حَاكِمَ نَفْسِهِ ظُلِمَا
لَوْ كُنْتُ أَقْدِرُ أَنْ أُنَازِلَهُ
…
فِي الْحُكْمِ لَمْ أُمْضِ الَّذِي حَكَمَا
لَكِنَّ ذُلَّ الْحُبِّ يَمْنَعُنِي
…
مِنْ أَنْ أُحَرِّكَ بِالْجَوَابِ فَمَا
بَابُ مَنْ فَزِعَ مِنْ مَحَبَّتِهِ إِلَى إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ
558 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ هُذَيْلٍ ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِلَيةٌ فَخَطَبَهَا النَّاسُ ، وَكَادَتْ تَذْهَبُ بِعُقُولِ أَكْثَرِهِمْ ، فَقَالَ فِيهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: "
[البحر الطويل]
أُحِبُّكِ حُبًّا لَوْ عَلِمْتِ بِبَعْضِهِ
…
لَجُدْتِ وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَيْكِ شَدِيدُ
أُحِبُّكِ حُبًّا لَا يُحِبُّكِ مِثْلَهُ
…
قَرِيبٌ وَلَا فِي الْعَاشِقِينَ بَعِيدُ
وَحُبُّكِ يَا أُمَّ الصَّبِيِّ مُدَلَّهِي
…
شَهِيدِي أَبُو بَكْرٍ فَذَاكَ شَهِيدُ
وَيَعْلَمُ وَجْدِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ
…
وَعُرْوَةُ مَا أَلْقَى بِكُمْ وَسَعِيدُ
وَيَعْلَمُ مَا عِنْدِي سُلَيْمَانُ عَلِمَهُ
…
وَخَارِجَةٌ يُبْدِي بِنَا وَيُعِيدُ
مَتَى تَسْأَلِي عَمَّا أَقُولُ فَتُخْبَرِي
…
فَلِلَّهِ عِنْدِي طَارِفٌ وَتَلِيدُ
فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: " أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ أَمِنْتَ أَنْ تَسْأَلَنَا ، وَلَوْ سَأَلْتِنَا مَا طَمِعْتَ أَنْ نَشْهَدَ لَكِ بِزُورٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَشْهَدَ
بِهِمْ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزَنٍ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُنْشِدْنَا لِبَعْضِهِمْ:
[البحر الكامل]
⦗ص: 284⦘
إِنْ كُنْتَ تُنْكِرُ مَا بُلِيتُ بِهِ
…
وَتَشُكُّ فِي وَجْدِي وَفِي كَمَدِي
فَسَلِ الْكَوَاكِبَ قَدْ رَضِيتُ بِهَا
…
يُنْبِئْنَ عَنْ سَهَرِي وَعَنْ سُهْدِي
وَانْظُرْ إِلَيَّ فَغَيْرُ مُجْتَمِعٍ
…
بَرُّ الْفُؤَادِ وَعِلَّةُ الْجَسَدِ
560 -
وَأَنْشَدَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيُّ: «
[البحر الطويل]
سَلِ اللَّيْلَ عَنِّي هَلْ أُحِسُّ رُقَادَهُ
…
وَهَلْ لِضُلُوعِي مُسْتَقَرٌّ عَلَى الْفَرْشِ
وَإِنِّي لَأُحْيِي الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا
…
بِدَمْعِي إِذَا لَمْ يُحْيِهَا مَطَرُ الْعَرْشِ
»
561 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الشَّافِعِي:
[البحر الطويل]
بُكَائِي عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ دَلِيلُ
…
وَشَوْقِي عَلَى أَنْ لَا أَنَامَ كَفِيلُ
وَمَا نِلْتُ فِي دَهْرٍ مَضَى مِنْكِ طَائِلًا
…
سِوَى وَحْيِ طَرْفٍ يَوْمَ جَدَّ رَحِيلُ
562 -
حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: جَاءَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ أَتَى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ وَالِي الْمَدِينَةِ شَاهَدًا ، فَتَمَثَّلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ:
[البحر المتقارب]
شَهِيدِي جُوَانٌ عَلَى حُبِّهَا
…
أَلَيْسَ بِعَدْلٍ عَلَيْهَا جُوَانُ
فَأَجَازَ شَهَادَةَ جُوَانٍ وَقَالَ: قَدْ أَجَزْنَا شَهَادَةً مَنْ أَجَازَهَا عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ
563 -
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:
[البحر الكامل]
تَبْدُو فَأَجْهَدُ أَنْ أُكَاتِمَ حُبَّهَا
…
فَيَكُونَ فِيهِ فَضِيحَةُ الْكِتْمَانِ
خَفَقَانُ قَلْبِيَ وَارْتِعَاشُ مَفَاصِلِي
…
وَشُحُوبُ لَوْنِي وَاعْتِقَالُ لِسَانِي
فَمَتَى تُكَذِّبُ لِي شُهُودًا أَرْبَعًا
…
وَشُهُودُ كُلِّ قَضِيَّةٍ اثْنَانِ
564 -
وَأَنْشَدَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الزُّبَيْدِيُّ:
[البحر الكامل]
إِنْ لَمْ أَكُنْ مُذْنِبًا كَمَا زَعَمَا
…
فَلِمَ بَكَتْ مُقْلَتِي عَلَيْهِ دَمَا
أَسْتَشْهِدُ الشَّوْقَ وَالدُّمُوعَ عَلَى
…
مَا بِيَ مِنْهُ وَالْحُزْنَ وَالسَّقَمَا
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ بَرَى الْهَوَى بَدَنِي
…
وَصِرْتُ مِمَّا لَقِيتُهُ عَلَمَا
وَحُبُّهُ مَا سَلَوْتُهُ قَسَمًا
…
بِالْحُبِّ إِنْ كَانَ يَقْبَلُ الْقَسَمَا
بَابُ إِعْرَاضِ الْمَحْبُوبِ عَنْ حُبِّهِ وَصَبْرِهِ عَنِ الْأَمْرِ جَهْدَهُ
565 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَهُوَ خَلْفَهَا ، وَدُمُوعُهُ تَجْرِي عَلَى خَدِّهِ ، وَهِيَ لَا تُكَلِّمُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ «أَلَا تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ ، وَبُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟» فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ رَاجَعْتِيهِ ، فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَأْمُرُنِي؟ قَالَ:«لَا ، وَإِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ»
566 -
حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَمٍّ ، لِمُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ يَقُولُ: كَانَتْ لِيَ امْرَأَةٌ ، وَكُنْتُ أُحِبُّهَا ، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهَا أَقُولُ:
[البحر الكامل]
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ أَنْ تُحِـ
…
ـبَّ وَلَا يُحِبُّكَ مَنْ تُحِبُّهْ
فَتَقُولُ تُجِيبُهُ لِي:
وَيَصُدُّ عَنْكَ بِوَجْهِهِ
…
وَتُلِحُّ أَنْتَ فَلَا تُغِبُّهْ
567 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِي لِجَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ:
أَرَيْتُكِ إِنْ أَعْطَيْتُكِ الْوُدَّ مِنْ قَلْبِي
…
وَلَمْ يَكُ عِنْدِي إِنْ أَبَيْتِ إِمَاءُ
⦗ص: 287⦘
أَتَارِكُنِي لِلْمَوْتِ أَنْتِ فَمَيِّتٌ
…
وَعِنْدَكِ لِي لَوْ تَعْلَمِينَ شِفَاءُ
فَوَاكِبَدًا مِنْ حُبِّ مَنْ لَا يُحِبُّنِي
…
وَمِنْ عَبَرَاتٍ مَا لَهُنَّ فَنَاءُ
568 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:
[البحر الوافر]
بُلِيتُ بِشَادِنٍ كَالْبَدْرِ حُسْنًا
…
يُعَذِّبُنِي بِأَنْوَاعِ الْجَفَاءِ
وَلِي عَيْنَانِ دَمْعُهُمَا غَزِيرٌ
…
وَلَوْمُهُمَا أَعَزُّ مِنَ الْوَفَاءِ
569 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:
[البحر الطويل]
وَمَا زِلْتُ مُذْ شَطَتْ بِكَ الدَّارُ بَاكِيًا
…
أُؤَمِّلُ مِنْكَ الْعَطْفَ حِينَ تَئُوبُ
أَبِيتُ فَمَا يَزْدَادُ إِلَّا قَسَاوَةً
…
وَأَنْتَ عَلَى ظُلْمِي إِلَيَّ حَبِيبُ
570 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْإِسْحَاقِيُّ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ:
[البحر الكامل]
أُقِيمُ عَلَى الْآمَالِ مُنْتَظِرًا لَهَا
…
وَقَدْ أَشْرَفْتِ بِي فِي هَوَاكِ عَلَى نَحْبِي
أَعِفُّ فَأَسْتَحْيِي الْهَوَى أَنْ أَذُمَّهَ
…
وَإِنْ كُنْتُ مِنْهُ فِي عَذَابٍ وَفِي كَرْبِ
أَمَا تُحْسِنُ الْأَيَّامُ تُحْسِنُ مَرَّةً
…
فَتَنْقِلُنَا عَنْ بُعْدِ دَارٍ إِلَى قُرْبِ
571 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ
[البحر الطويل]
عَفَا اللَّهُ عَنْ سَلْمَى ، وَإِنْ سَفَكَتْ دَمِي
…
فَإِنِّي وَإِنْ لَمْ تُجْزِئِي غَيْرُ عَاتَبِ
يَقُولُونَ: تُبْ مِنْ حُبِّ سَلْمَى وَذِكْرِهَا
…
وَمَا أَنَا مِنْ حُبِّي لِسَلْمَى بِتَائِبِ
572 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ نَصْرٍ الْخُزَاعِي
[البحر الطويل]
أَسَى الدَّهْرُ إِذْ عَزَّاكَ بِالْهَجْرِ ظَالِمًا
…
فَيَالَيْتَنِي قَدْ قُلْتُ قَدْ أَحْسَنَ الدَّهْرُ
أُجَرِّعُ نَفْسِي الْغَيْظَ مِنْكَ وَلَمْ أَكُنْ
…
لِأَصْبِرَ لَوْلَا غِبُّ مَا بَعُدَ الصَّبْرِ
بَابُ احْتِيَالِ أَهْلِ الْهَوَى وَمَا يَجْنِي عَلَيْهِمُ الرُّقَبَاءُ
573 -
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْوَاسِطِيُّ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ تَغْلِبَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو ، وَقَالَ:" كَانَ فِينَا رَجُلٌ لَهُ ابْنَةٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ ، وَكَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ يَهْوَاهَا وَتَهْوَاهُ ، فَمَكَثَ بِذَاكَ دَهْرًا ، ثُمَّ إِنَّ الْجَارِيَةَ خَطَبَهَا بَعْضُ الْأَشْرَافِ فَأَرْغَبَ فِي الْمَهْرَ ، فَأَنْعَمَ أَبُو الْجَارِيَةِ ، وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِلْخِطْبَةِ ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ لِأُمِّهَا: يَا أُمِّي ، فَمَا يَمْنَعُ أَبِي أَنْ يُزَوِّجَنِي مِنَ ابْنِ عَمِّي؟ قَالَتْ: أَمْرٌ كَانَ مَقْضِيًّا قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَحْسَنَ ، رَبَّاهُ صَغِيرًا ، ثُمَّ يَدَعُهُ كَبِيرًا ، ثُمَّ قَالَتْ: أَيْ أُمِّي ، إِنِّي وَاللَّهِ حَامِلٌ ، فَاكْتُمِي إِنْ شِئْتِ أَوْ بُوحِي ، فَأَرْسَلَتِ الْأُمُّ إِلَى الْأَبِ فَخَبَّرَتْهُ ، فَقَالَ: اكْتُمِي هَذَا الْأَمْرَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْقَوْمِ ، فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ ، إِنِّي كُنْتُ قَدْ أَجَبْتُكُمْ ، إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ رَجَوْتُ فِيهِ الْأَجْرَ ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّى قَدْ زَوَّجَتُ ابْنَتِي فُلَانَةَ ابْنَ أَخِي فُلَانًا ، فَلَمَّا انْقَضَى ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ: أَدْخِلُوهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: هِيَ بِالرَّحْمَنِ كَافِرَةٌ إِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا سَنَةً أَوْ يَتَبَيَّنُ حَمْلُهَا قَالَ: فَمَا دَخَلَ بِهَا إِلَّا بَعْدَ حَوْلٍ ، فَعَلِمَ أَهْلُهَا أَنَّهَا احْتَالَتْ عَلَى أَبِيهَا "
574 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ قَالَ: كَانَ وَضَّاحُ الْيَمَنِ نَشَأَ هُوَ وَأُمُّ الْبَنِينَ صَغِيرَيْنِ ، فَأَحَبَّهَا وَأَحَبَّتْهُ ، وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ حُجِبَتْ عَنْهُ ، فَطَالَ بِهَا الْبَلَاءُ ، فَحَجَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَبَلَغَهُ جَمَالُ أُمِّ الْبَنِينَ وَأَدَبُهَا ، فَتَزَوَّجَهَا وَنَقَلَهَا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ. قَالَ: فَذَهَبَ عَقْلُ وَضَّاحٍ عَلَيْهَا ، وَجَعَلَ يَذُوبُ وَيَنْحُلُ ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ ، فَجَعَلَ يَطِيفُ بِقَصْرِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، لَا يَجِدُ حِيلَةً ، حَتَّى رَأَى يَوْمًا جَارِيَةً صَفْرَاءَ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى تَأَنَّسَ بِهَا ، فَقَالَ
⦗ص: 289⦘
لَهَا: هَلْ تَعْرِفِينَ أُمَّ الْبَنِينَ؟ قَالَتْ: إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ مَوْلَاتِي ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَابْنَةُ عَمِّي ، وَإِنَّهَا لَتُسَرُّ بِوَضْعِي لَوْ أَخْبَرْتِيهَا قَالَتْ: إِنِّي أُخْبِرُهَا ، فَمَضَتِ الْجَارِيَةُ فَأَخْبَرَتْ أُمَّ الْبَنِينَ ، فَقَالَتْ: وَيْلَكِ أَوَحَيٌّ هُوَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: قُولِي لَهُ: كُنْ مَكَانَكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ رَسُولِي ، فَلَنْ أَدَعَ الِاحْتِيَالَ لَكَ ، فَاحْتَالَتْ إِلَى أَنْ أَدْخَلَتْهُ إِلَيْهَا فِي صُنْدُوقٍ ، فَمَكَثَ عِنْدَهَا حِينًا ، حَتَّى إِذَا أَمِنَتْهُ أَخْرَجَتْهُ فَقَعَدَ مَعَهَا ، وَإِذَا خَافَتْ عَيْنَ رَقِيبٍ أَدْخَلَتْهُ الصُّنْدُوقَ. فَأُهْدِيَ يَوْمًا لِلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ جَوْهَرٌ ، فَقَالَ لِبَعْضِ خَدَمِهِ: خُذْ هَذَا الْجَوْهَرَ فَامْضِ بِهِ إِلَى أُمِّ الْبَنِينَ ، وَقُلْ لَهَا: أُهْدِيَ هَذَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ فَوَجَّهَ بِهِ إِلَيْكِ. فَدَخَلَ الْخَادِمُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَوَضَّاحٌ مَعَهَا فَلَمَحَهُ وَلَمْ تُشْعُرْ أُمُّ الْبَنِينَ ، فَبَادَرَ إِلَى الصُّنْدُوقِ فَدَخَلَهُ ، فَأَدَّى الْخَادِمُ الرِّسَالَةَ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: هَبِي لِي مِنْ هَذَا الْجَوْهَرِ حَجَرًا. فَقَالَتْ: لَا أُمَّ لَكَ ، وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِهَذَا ، فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهَا حَنِقٌ ، فَجَاءَ الْوَلِيدَ فَخَبَّرَهُ الْخَبَرَ وَوَصَفَ لَهُ الصُّنْدُوقَ الَّذِي رَآهُ دَخَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ لَا أُمَّ لَكَ ، ثُمَّ نَهَضَ الْوَلِيدُ مُسْرِعًا فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ وَفِيهِ صَنَادِيقُ عِدَادٌ ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الصُّنْدُوقِ الَّذِي وَصَفَ لَهُ الْخَادِمُ ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْبَنِينَ هَبِي لِي صُنْدُوقًا مِنْ صَنَادِيقِكِ هَذِهِ ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَيَ وَأَنَا لَكَ. فَقَالَ: مَا أُرِيدُ غَيْرَ هَذَا الَّذِي تَحْتِي قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنَ أُمُورِ النِّسَاءِ ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ غَيْرَهُ ، فَقَالَتْ: هُوَ لَكَ ، فَأَمَرَ بِهِ فَحُمِلَ ، وَدَعَا بِغُلَامَيْنِ فَأَمَرَهُمَا بِحَفْرِ بِئْرٍ فَحَفَرَا ، حَتَّى إِذَا حَفَرَا فَبَلَغَا الْمَاءَ وَضَعَ فَمَهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ وَقَالَ: أَيُّهَا الصُّنْدُوقُ ، قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ شَيْءٌ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَقَدْ دَفَنَّا خَبَرَكَ وَدَرَسْنَا أَثَرَكَ ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَمَا
⦗ص: 290⦘
عَلَيْنَا فِي دَفْنِ صُنْدُوقٍ مِنْ خَشَبٍ. وَخَرَجَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأَلْقِيَ بِهِ فِي الْحُفْرَةِ ، وَأَمَرَ بِالْخَادِمِ فَقُذِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَوْقَهُ وَطَمَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا التُّرَابَ. قَالَ: فَكَانَتْ أُمُّ الْبَنِينَ تُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ تَبْكِي إِلَى أَنْ وُجِدَتْ فِيهِ يَوْمًا مَكْبُوبَةً عَلَى وَجْهِهَا مَيِّتَةً
575 -
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لِأَبِي دُلَفَ:
[البحر الكامل]
خُلِقَ الرَّقِيبُ عَلَى الْحَبِيبِ بَلِيَّةً
…
وَمَنِ الْبَلَاءِ مُثَقَّلٌ وَمُخَفَّفُ
لَوْ شَاءَ مَنْ سَمَكَ السَّمَاءَ بِقُدْرَةٍ
…
لَمْ يُبْقِ لِلرُّقَبَاءِ عَيْنًا تَطْرُفُ
576 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ لِعَلِيِّ بْنِ الْجَهْمِ:
[البحر الكامل]
خَافَتْ مُلَاحَظَةَ الرَّقِيبِ فَصَدَّهَا
…
عَنْهُ الْحَذَارُ وَقَلْبُهَا مَعْمُودُ
دَارَتْ بِعَبْرَتِهَا الْجُفُونُ وَلَمْ تَفِضْ
…
فَكَأَنَّمَا بَيْنَ الْجُفُونِ مَزِيدُ
577 -
وَأَنْشَدَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرْبِيُّ:
[البحر المتقارب]
وَنَظَرَةُ عَيْنٍ تَعَلَّلْتُهَا
…
عَذَارَى كَمَا يَنْظُرُ الْأَحْوَلُ
مُقَسَّمَةٌ بَيْنَ وَجْهِ الْحَبِيبِ
…
وَطَرَفُ الرَّقِيبِ مَتَى يَغْفُلُ
أَقِيدِي دَمًا سَفَكَتْهُ الْجُفُونُ
…
بِإِيمَاضِ كُحْلًا لَمْ تَكْحَلُ
578 -
وَأَنْشَدَنِي الدُّولَابِيُّ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ:
[البحر الطويل]
أَكُلُّهُمُ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِمُ
…
إِذَا جِئْتُ أَصْغَى أُذْنَهُ فَتَسَمَّعَا
غِضَابًا عَلَيْنَا أَنْ قَضَى اللَّهُ بَيْنَنَا
…
وِصَالًا أَبَتْ أَسْبَابُهُ أَنْ تُقَطَّعَا
579 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِي لِأَبِي تَمَّامٍ الطَّائِيِّ: «
[البحر الكامل]
⦗ص: 291⦘
خَوْفُ الرَّقِيبِ عَلَيُّ عَزْلُ رَقِيبِ
…
وَبَعِيدُ سِرِّي عِنْدَهُ كَقَرِيبِ
إِنْ قُلْتَ شَارِكْ حَافِظِي فَمَا لَهُ
…
مِمَّا يُحَاوِلُ غَيْرُ عَدِّ ذُنُوبِي
وَأَصَابَ مَحْجُوبَ الضَّمِيرِ بِظَنِّهِ
…
فَكَأَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الْمَحْجُوبِ
وَإِذَا نَظَرْتَ قَرَأْتَ بَيْنَ عُيُونِنَا
…
سِمَةَ الْهَوَى هَذَا حَبِيبُ حَبِيبِ
فَالصَّبْرُ مَكْتُومٌ لَدَيْهِ بَيْنَنَا
…
وَالْوَصْلُ يَمْشِي فِي ثِيَابِ غَرِيبِ
»
580 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَ السَّرِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيُّ يُشَبِّبُ بِامْرَأَةٍ ، وَكَانَ قَصِيرًا ذَمِيمًا أُرَيْمِضَ ، فَخَرَجَ يَوْمًا بِجَانِبِ الْحَرَّةِ يَمْشِي ، فَبَصُرَ بِهَا فِي نِسْوَةٍ يَظْعَنَّ ، فَقَالَ لِرَاعٍ فِي غَنْمٍ: أَعْطِنِي جُبَّتَكَ وَعَصَاكَ وَاتْرُكْنِي فِي غَنَمِكَ وَتَنَحَّ عَنِّي ، وَجَعَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا ، فَفَعَلَ الرَّاعِي ذَلِكَ ، فَخَرَجَ السَّرِيُّ يَمْشِي فِي الْغَنَمِ حَتَّى دَنَا مِنَ النِّسْوَةِ وَدَنَوْنَ مِنْهُ ، وَهِيَ تَظُنُّهُ رَاعِيَ الْغَنَمِ ، فَجَعَلَ يَبْحَثَ بِعَصَاهُ فِي الْأَرْضِ فَقُلْنَ لَهُ: يَا رَاعِيَ ، أَذَهَبَ لَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قُلْنَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قَلْبِي مَالَ ، فَعَرَفْتُهُ الْمَرْأَةُ حَيْثُ قَالَ هَذَا ، فَضَرَبْتُ بِكُمِّهَا عَلَى وَجْهِهَا وَقَالَتِ: السَّرِيُّ أَخْزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى. فَقَالَ السَّرِيُّ:
[البحر البسيط]
يَا مِسْكُ رُدِّي فُؤَادَ الْهَائِمِ الْكَمِدِ
…
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَطْلُبِي بِالْعَقْلِ وَالْقَوَدِ
⦗ص: 292⦘
أَمَّا الْفُؤَادُ فَشَتَّى قَدْ ذَهَبْتِ بِهِ
…
فَلَا يَضُرُّكِ أَلَّا تُحْزِنِي جَسَدِي
حُزْتِ الْجَمَالَ وَنَشْرًا طَيِّبًا أَرَجًا
…
فَمَا تَشُمِّينَ إِلَّا مِسْكَةَ الْبَلَدِ
قَالَ عَمِّي: حَدَّثَ أَبِي الْمَهْدِيَّ الْحَدِيثَ فَاسْتَطْرَفَهُ ، وَأَنْشَدَهُ الشِّعْرَ فَاسْتَحْسَنَهُ
581 -
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ كُثَيِّرَ عَزَّةَ لَقِيَ جَمِيلًا ، فَقَالَ لَهُ: مَتَى عَهْدُكَ بِبُثَيْنَةَ؟ قَالَ: مَالِي بِهَا عَهْدٌ مُنْذُ عَامِ أَوَّلَ وَهِيَ تَغْسِلُ ثَوْبًا بِوَادِي الرُّومِ ، فَقَالَ لَهُ كُثَيِّرٌ: أَتُحِبُّ أَنْ أَعِدَهَا لَكَ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَأَقْبَلَ إِلَى بُثَيْنَةَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهَا: أَيَا فُلَانٌ ، مَا رَدَّكَ؟ أَمَا كُنْتَ عِنْدَنَا قَبِيلٌ؟ قَالَ: بَلَى ، وَلَكِنْ أَحْضَرَنِي أَبْيَاتٌ قُلْتُهَا فِي عَزَّةَ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ:
[البحر الطويل]
فَقُلْتُ لَهَا: يَا عَزُّ أَرْسَلَ صَاحِبِي
…
عَلَى نَأْيِ دَارِي وَالرَّسُولُ تَوَكَّلُ
بِأَنْ تَجْعَلِي بَيْنِي وَبَيْنَكِ مَوْعِدًا
…
وَأَنْ تُخْبِرِينِي مَا الَّذِي فِيهِ أَفْعَلُ
أَمَا تَذْكُرِينِي الْعَهْدَ يَوْمَ لَقِيتُكُمْ
…
بِأَسْفَلِ وَادِي الرُّومِ وَالثَّوْبُ يُغْسَلُ
فَقَالَتْ بُثَيْنَةُ: اخْتَبِئْ ، فَقَالَ أَبُوهَا: مَا هَاجَكِ يَا بُثَيْنَةُ؟ قَالَتْ: كَلْبٌ لَا يَزَالُ يَأْتِينَا مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْجَبَلِ بِاللَّيْلِ ، وَأَنْصَافِ النَّهَارِ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: قَدْ وَعَدَتْكَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْجَبَلِ بِاللَّيْلِ وَأَنْصَافِ النَّهَارِ ، فَالْقَهَا إِذَا شِئْتَ
582 -
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ سَهْلٍ ، عَنْ عَرَفَجَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: كَانَ لَنَا غُلَامٌ أَعْجَمِيٌّ أَسْوَدُ ، فَكَانَ يَتَرَنَّمُ بِشَيْءٍ لَا نَعْلَمُهُ ، فَتُرْجِمَ فَوُجِدَ: "
[البحر الطويل]
⦗ص: 293⦘
فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي اهْتَدَيْتُ لَفِتْيَةٍ
…
أَنَاخُوا بِجَعْجَاعٍ تَلَا بِصَبْرٍ سُهَّمَا
فَقَالَتْ: كَذَاكَ الْعَاشِقُونَ وَمَنْ يَخَفْ
…
عُيُونَ الْأَعَادِي يَجْعَلِ اللَّيْلَ سُلَّمَا
"
583 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ ، عَنْ بَعْضِ ، مَشَايِخِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ كَانَتْ لَهُ ابْنَةُ عَمٍّ جَمِيلَةٌ ، وَكَانَ غَيُورًا ، فَابْتَنَى لَهَا فِي دَارِهِ صَوْمَعَةً ، وَجَعَلَهَا فِيهَا ، وَزَوَّجَهَا مِنْ أَكْفَئِهَا مِنْ بَنِي عَمِّهَا ، وَأَنَّ فَتًى مِنْ كِنَانَةَ مَرَّ بِالصَّوْمَعَةِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ فَأَنْشَدَهَا ، وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا ، وَأَنَّهُ افْتَعَلَ بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ وَدَعَا غُلَامًا مِنَ الْحَيِّ فَعَلَّمَهُ الْبَيْتَ ، وَقَالَ لَهُ: ادْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ وَأَنْشِدْ كَأَنَّكَ لَاعِبٌ ، وَلَا تَرْفَعْ رَأْسَكَ وَلَا تُصَوِّبْهُ ، وَلَا تُومِئْ فِي ذَلِكَ إِلَى أَحَدٍ ، فَفَعَلَ الْغُلَامُ مَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَكَانَ زَوْجُ الْجَارِيَةِ قَدْ أَزْمَعَ عَلَى سَفَرٍ بَعْدَ يَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
لَحَا اللَّهُ مَنْ يَلْحَى عَلَى الْحُبِّ أَهْلَهُ
…
وَمَنْ يَمْنَعِ النَّفْسَ اللُّجُوجَ هَوَاهَا
قَالَ: فَسَمِعَتِ الْجَارِيَةُ فَفَهِمَتْ فَقَالَتْ:
أَلَا إِنَّمَا بَيْنَ التَّفَرُّقِ لَيْلَةٌ
…
وَيَوْمٌ فَتُعْطَى كُلُّ نَفْسٍ مُنَاهَا
قَالَ: فَسَمِعَتِ الْأُمُّ فَفَهِمَتْ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
أَلَا إِنَّمَا يَعْنُونَ نَاقَةَ رَحْلِكُمْ
…
فَمَنْ كَانَ ذَا نُوقٍ لَدَيْهِ رَعَاهَا
فَسَمِعَ الْأَبُ فَفَهِمَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
إِنَّا سَنَرْعَاهَا وَنُوثُقُ قَيْدَهَا
…
وَنَطْرُدُ عَنْهَا كُلَّ وَحْشٍ أَتَاهَا
فَسَمِعَ الزَّوْجُ فَفَهِمَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ الَّذِيَ قُلْتُمْ فَهَا أَنَا مُطْلِقٌ
…
فَتَاتَكُمُ مَهْجُورَةً لِبَلَاهَا
⦗ص: 294⦘
قَالَ: فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَخَطَبَهَا ذَلِكَ الْفَتَى ، وَأَرْغَبَهُمْ فِي الْمَهْرِ ، فَتَزَوَّجَهَا
584 -
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمِنْقَرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَنُّورٍي ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ بِمَحِلَّةٍ فِي دَارٍ بِمَكَّةَ فَإِذَا بِعُصْفُورَيْنِ قَدْ سَقَطَا عَلَى جِدَارٍ فَأَرَادَ الذَّكَرُ أَنْ يَسْفِدَ الْأُنْثَى فَمَنَعَتْهُ وَجَعَلَتْ كُلَّمَا قَرُبَ مِنْهَا نَقَرَتْهُ وَضَرَبَتْهُ بِجَنَاحِهَا ، وَإِذَا طَارَ فَعَلَاهَا انْسَلَّتْ مِنْ تَحْتِهِ ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ طَارَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ وَفِي مِنْقَارِهِ حَشِيشَةٌ ، فَلَمَّا بَصُرْتُ بِهِ سَكَنَتْ فِي قُرْبٍ حَتَّى سَفَدَهَا فَأَلْقَى الْحَشِيشَةَ ، فَقُمْتُ فَأَخَذْتُهَا ، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ حَاجَةً ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ خَلْفِي تَقُولُ: أَنَا مَعَكَ ، فَمُرْ بِأَمْرِكِ ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهَا وَرَاعَنِي قَوْلُهَا ، فَذَكَرْتُ الْحَشِيشَةَ الَّتِي فِي يَدِي ، فَرَأَيْتُ تَنُّورًا يُسْجَرُ فَطَرَحْتُ الْحَشِيشَةَ فِيهِ ، فَانْصَرَفَتِ الْمَرْأَةُ رَاجِعَةً ، وَمَضَيْتُ أَنَا لِحَاجَتِي
بَابُ إِغْبَابِ زِيَارَةِ الْأَحْبَابِ
585 -
حَدَّثَنَا أَبُو نَافِعٍ أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ بِنْتِ أَبِي زَيْدِ بْنِ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ ، وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الصَّغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى السُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، كُلُّهُمْ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا»
586 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها ، فَأَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَقَالَتْ: مَا مَنَعَكَ مِنْ زِيَارَتِنَا؟ قُلْتُ: «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا»
587 -
أَنْشَدَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 296⦘
عَلَيْكَ بِإِقْلَالِ الزِّيَارَةِ إِنَّهَا
…
إِذَا كَثُرَتْ كَانَتْ إِلَى الْهَجْرِ مَسْلَكَا
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْغَيْثَ يُسْأَمُ دَائِمًا
…
وَيُطْلَبُ بِالْأَيْدِي إِذَا هُوَ أَمْسَكَا
588 -
أَنْشَدَنِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ: «
[البحر البسيط]
إِنِّي كَثُرَتْ عَلَيْهِ فِي زِيَارَتِهِ
…
وَالشَّيْءُ يُوجَدُ مَمْلُولًا إِذَا كَثُرَا
وَرَادَنِي مِنْهُ أَنِّي لَا أَزَالُ أُرَى
…
فِي طَرْفِهِ قِصَرٌ عَنِّي إِذَا نَظَرَا
»
589 -
وَأَنْشَدَنِي الْإِسْحَاقِيُّ لِحَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ:
[البحر الطويل]
وَطُولُ مُقَامِ الْمَرْءِ فِي الْحَيِّ مُخْلِقٌ
…
لِدِيبَاجَتَيْهِ فَاغْتَرِبْ تَتَجَدَّدِ
فَإِنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ زِيدَتْ مَحَبَّةً
…
إِلَى النَّاسِ إِذْ لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ بِسَرْمَدِ
بَابُ تَجَنُّبِ الْإِفْضَاءِ إِلَى الْأَحْبَابِ مَخَافَةَ الْمَلَلِ وَالْإِعْرَاضِ
590 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ إِلَى خَارِجَةَ ابْنَةِ الصَّلْتِ التَّمِيمِيِّ ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهَا ، وَمَا رَأَيْتُ أَجْزَلَ مِنْهَا وَلَا أَعْقَلَ وَلَا أَحْسَنَ لَفْظًا ، فَأَتَيْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا فِيهِ ، فَتَحَدَّثْتُ أَنَا وَهِيَ سَاعَةً ، ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: يَا هَذِهِ ، إِنَّ النَّفْسَ قَدْ عَلِقَتْ بِمَا تَعْلِقُ بِهِ نُفُوسُ النَّاسِ ، فَهَلْ لَكِ فِيمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ؟ قَالَتْ:«وَأَيْنَ الْمَذْهَبُ مِنْكَ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ وَلَكِنَّهُ مَا نُكِحَ حُبٌّ قَطُّ إِلَّا فَسَدَ» حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ إِلَّا اللِّثَامُ وَالْعِنَاقُ حِفْظًا لِلْعِشْقِ وَخَوْفًا مِنْ تَغَيُّرِ الْحُبِّ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ
591 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خُثَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَهُوَ يُكْتِبُ رَجُلًا شِعْرًا رَقِيقًا لِعَبْدِ بَنِي الْحَسْحَاسِ ، قُلْتُ: أَتُكْتِبُهِ شِعْرًا رَقِيقًا قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا ، وَأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ ، وَلَسْتُ أَعُودُهُ»
592 -
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: " قِيلَ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ وَقَدْ طَالَ عِشْقُهُ بِجَارِيَةٍ: مَا أَنْتَ صَانِعٌ لَوْ ظَفِرْتَ بِهَا وَلَا يَرَاكُمَا غَيْرُ اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ: إِذًا لَا وَاللَّهِ ، لَا أَجْعَلُهُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ ، لَكِنْ أَفْعَلُ بِهَا مَا أَفْعَلُهُ بِحَضْرَةِ أَهْلِهَا. حَدِيثٌ طَوِيلٌ ، وَلَحْظٌ مِنْ بَعِيدٍ ، وَتَرْكُ مَا يَكْرَهُ الرَّبُّ وَيَقْطَعُ الْحُبَّ "
593 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَرَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الْقِيَانَ بِبَغْدَادَ وَجَلَسَ لِلْمَظَالِمِ ، فَوَقَعَتْ فِي يَدِهِ رُقْعَةٌ فِيهَا مَكْتُوبٌ:
[البحر المديد]
حُسْنُ رَأْيِ الْأَمِيرِ أَسْعَدَهُ اللَّـ
…
ـهُ بِحُسْنِ السَّدَادِ وَالتَّوْفِيقِ
حَالَ بَيْنَ الصَّفَا وَبَيْنَ عُجَابٍ
…
وَمُحِبٍّ وَمُنْصِفٍ وَصَدِيقِ
قَالَ: فَوَقَّعُ فِي ظَهْرِ الرُّقْعَةِ:
[البحر الخفيف]
حُسْنُ رَأْيِ الْأَمِيرِ فِي الْعُشَّاقِ
…
جَدَّدَ الْوَصْلَ بَعْدَ طُولِ التَّلَاقِ
خَافَ أَنْ يُحْدِثَ الْوِصَالُ مَلَالًا
…
فَيُلَاقِي الْهَوَى بِبَعْضِ الْفِرَاقِ
594 -
حَدَّثَنِي أَخِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الزَّاهِدُ قَالَ: كَانَتْ عِنْدِي جَارِيَةٌ فَبِعْتُهَا فَتَتَبَّعَتْهَا نَفْسِي ، فَصِرْتُ إِلَى مَوْلَاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ إِخْوَانِي ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُقِيلَنِي وَيَرْبَحَ عِشْرِينَ دِينَارًا ، فَأَبَى عَلَيَّ ، فَانْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِهُ ، فَرُمْتُ فِطْرِي فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَبِتُّ سَاهِرًا لَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ ، فَخَشِيَ أَنْ أُعَاوِدَهُ فِي غَدٍ فَأَخْرَجَهَا إِلَى الْمَدَائِنِ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا بِي مِنَ الْجَهْدِ كَتَبْتُ اسْمَهَا فِي رَاحَتِي وَاسْتَقْبَلَتُ الْقِبْلَةَ ، فَكُلَّمَا طَرَقَنِي طَارِقٌ مِنْ ذِكْرِهَا رَفَعْتُ يَدَيَّ إِلَى السَّمَاءِ ، وَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي ، هَذِهِ قِصَّتِي ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي السَّحَرِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَدُقُّ عَلَيَّ الْبَابَ ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا مَوْلَى الْجَارِيَةِ ، فَنَزَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ قَالَ: خُذِ الْجَارِيَةَ ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ، فَقُلْتُ: خُذْ دَنَانِيرَكَ وَالرِّبْحَ. فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ مِنْكَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا. قُلْتُ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَتَانِي آتٍ اللَّيْلَةَ فِي مَنَامِي فَقَالَ لِي: رُدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى ابْنِ عُبَيْدٍ ، وَلَكَ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةُ
595 -
أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 299⦘
كَتَبْتُ اسْمَ مَنْ أَهْوَاهُ فِي بَطْنِ رَاحَتِي
…
وَعَاتَبْتُهُ حَتَّى عَشِيتُ مِنَ النَّظَرْ
أُقَبِّلُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا فَيَمْتَحِي
…
وَأَكْتُبُهُ بِالدَّمْعِ فِي ظُلْمَةِ السَّحَرْ
596 -
أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ:
[البحر الخفيف]
لَوْ تَرَانِي وَقَدْ هَدَأَتْ كُلُّ عَيْنٍ
…
وَدُمُوعِي تَجْرِي عَلَى الْخَدَّيْنِ
قَائِمًا قَاعِدًا فَرِيدًا وَحِيدًا
…
بَاسِطًا كَفَّهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ
رَبِّ يَا سَيِّدِي بِلُطْفِكَ وَالْقُدْ
…
رَةِ يَسِّرْ وِصَالَ قُرَّةِ عَيْنِي
597 -
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ: أَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ ابْنَ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ فَحَبَسَهُ ، فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ عَلَيْهِ بِالنَّاسِ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا كَلَّمَهُ ، فَلَمْ يَرَ لِحَاجَتِهِ نَجَاةً ، فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ: يَا صَفْوَانَ ، قُمْ فَاطْلُبْ حَاجَتَكَ مِنْ وَجْهِهَا ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَدَعَا ، فَنُبِّهَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ لِحَاجَةِ صَفْوَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ ، فَقَالَ عَلَيٌّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي صَفْوَانَ قَالَ: فَجَاءَ الْحَرَسُ وَالشُّرَطُ وَالنِّيرَانُ ، وَفُتِحَتِ السُّجُونُ حَتَّى اسْتُخْرِجَ فَجِيءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ: أَنْتَ ابْنُ أَخِي صَفْوَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَأَرْسَلَهُ ، فَمَا شَعَرَ صَفْوَانُ حَتَّى ضَرَبَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ الْبَابَ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فُلَانٌ ، نُبِّهَ الْأَمِيرُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَجَاءَ الْحَرَسُ وَالشُّرَطُ وَجِيءَ بِالنِّيرَانِ وَفُتِحَتِ السُّجُونِ فَجِيءَ إِلَيْهِ فَخَلَّا عَنِّي بِغَيْرِ كَفَالَةٍ
598 -
حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الطَّائِيُّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيَّاحِيُّ قَالَ:" سَمِعْتُ هَاتِفًا ، يَهْتِفُ: عَجَبًا لِمَنْ وَجَدَ حَاجَتَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ فَأَنْزَلَهَا بِالْعَبِيدِ "
599 -
أَنْشَدَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ الْوَصِيفِيُّ: "
[البحر البسيط]
⦗ص: 300⦘
يَارَبِّ إِنِّي مُحِبٌّ مُوجَعٌ كَمِدُ
…
وَلَيْسَ لِي جَلَدٌ يَارَبِّ إِذْ صَبَرُوا
يَارَبِّ فَاجْعَلْ لَنَا مِمَّا تَرَى فَرَجًا
…
فَقَدْ بُلِيتُ وَقَدْ أَخْنَتْنِيَ الْفِكَرُ
فَهَذِهِ قِصَّتِي فِيمَنْ بُلِيتُ بِهِ
…
وَلَيْسَ لِلْحُبِّ فِيمَا عِنْدَهُ أَثَرُ
600 -
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الرَّقِّيُّ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ بُهْلُولٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ ، أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيَّةً فِي الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَاتٍ تَقُولُ: "
[البحر الطويل]
أَمَا لِفَتَاةٍ فَرَّقَ الْهَجْرُ بَيْنَهَا
…
وَبَيْنَ الَّذِي تَهْوَاهُ يَارَبِّ مِنْ فَضْلٍ
حَجَجْتُ وَلَمْ أَحْجُجْ لِسُوءٍ عَمِلْتُهُ
…
وَلَكِنْ لِتَعْذِيبٍ عَلَى قَاطِعِ الْحَبْلِ
فَهِمْتُ بِعَقْلِي فِي هَوَاهُ صَغِيرَةً
…
وَقَدْ كَبُرَتْ سِنِّي فَرُدَّ بِهِ عَقْلِي
وَإِلَّا فَسَوِّ الْحُبَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
…
فَإِنَّكَ يَا مَوْلَايَ تُوصَفُ بِالْعَدْلِ
فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ ، لَقَدْ قُلْتِ كَلَامًا ذَمِيمًا ، وَاحْتَمَلْتِ إِثْمًا عَظِيمًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعَشِيَّةِ. فَقَالَتْ: يَا هَذَا ، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَى مَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَا لَرَحِمْتَ مَنْ عَذَلْتَ وَلَعَذَرْتَهُ فِي هَذَا الدُّعَاءِ ، فَوَاللَّهِ مَا نَطَقْتُ إِلَّا مِنْ غَلِيلٍ ، لَوْ لَفَحَ حَجَرًا لَأَذَابَهُ
601 -
أَنْشَدَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى لِأَبِي الذُّمَيْنَةِ:
[البحر الطويل]
دَعَوْتُ إِلَهَ النَّاسِ عِشْرِينَ حَجَّةً
…
نَهَارًا وَلَيْلًا فِي الْجَمِيعِ وَخَالِيَا
فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِيَ اللَّهُ فِيهَا وَلَمْ يَزَلْ
…
هَوَايَ وَلَكِنْ زَادَ حَتَّى بَرَانِيَا
فَيَارَبِّ حَبَّبْنِي إِلَيْهَا وَأَشْفِنِي
…
بِهَا أَوْ أَرِحْ مِمَّا يُقَاسِي فُؤَادِيَا
602 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ ، جُلَسَاءِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ يَوْمًا فَمَرَّ ابْنُ جَامِعٍ السَّهْمِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَقَدْ قَدِمَ مِنَ الْعِرَاقِ مِنْ عِنْدِ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ تَبْدُو مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ ، فَقَالَ سُفْيَانُ: " مَنْ هَذَا الَّذِي يَخْدَعُ هَؤُلَاءِ بِمَا يَقُولُ؟ لَيْتَنِي سَمِعْتُ مَا يَقُولُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: إِنَّمَا يَقُولُ لَهُمُ الشِّعْرَ ، وَلَكِنَّهُ يُحَسِّنُهُ مِثْلَ أَيِّ شَيْءٍ قَالَ: يَقُولُ:
[البحر المتقارب]
وَأَسْهَرُ بِاللَّيْلِ بَيْنَ التِّيَامِ
…
وَأَتْلُو مِنَ الْمُحْكَمِ الْمُنْزَلِ
قَالَ سُفْيَانُ: حَسَنٌ قَالَ ، وَيَقُولُ:
وَأَصْحَبُ بِاللَّيْلِ أَهْلَ الطَّوَافِ
…
وَأَرْفَعُ مِنْ مِئْزَرِي الْمُسْبَلِ
قَالَ سُفْيَانُ: حَسَنٌ قَالَ يَقُولُ:
عَسَى كَاشِفُ الْكَرْبِ عَنْ يُوسُفٍ
…
يُسَخِّرُ لِي رَبَّةَ الْمَحْمَلِ
قَالَ: أَمَّا هَذَا فَدَعْهُ
603 -
أَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِي:
[البحر الخفيف]
رَبِّ مَاذَا جَنَى فُؤَادِي إِلَيْهِ
…
حِينَ هانَ الْغَدَاةَ قَتْلِي عَلَيْهِ
رَبِّ قَدْ شَرَّدَ الْحَبِيبُ عَزَائِي
…
لَا عَزَاءَ وَمُهْجَتِي فِي يَدَيْهِ
رَبِّ أَشْكُو إِلَيْكَ مَا بِي فَقَدْ هُنْـ
…
ـتُ عَلَيْهِ لَمَّا شَكَوْتُ إِلَيْهِ
604 -
سمعْتُ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: يُرْوَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ
⦗ص: 302⦘
: كُنْتُ لَا أَكَادُ أَمُرُّ فِي طَرِيقٍ إِلَّا وَمَعِي الْأَلْوَاحُ فَحَجَجْتُ ، فَرَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُومُ حَتَّى قَامَ بِحِذَاءِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ قَالَ: تَفَهَّمُوا عَنِّي تَحْفَظُوا مَقَالَتِي ، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ يُنْشِدُ:
[البحر الوافر]
أَلَا مَا بَالُ عَيْنِي قَدْ عَصَتْنِي
…
وَقَلْبِي قَدْ أَبَى إِلَّا الْحَنِينَا
وَنَفْسِي مَا تَزَالُ الدَّهْرَ تَصْبُو
…
كَأَنَّ بِهَا لِمَا تَلْقَى جُنُونَا
أُحِبُّ الْغَانِيَاتِ وَلَيْسَ قَلْبِي
…
بِسَالٍ مَا بَقِيَتُ وَمَا بَقِينَا
وَجَمُلَ ما علِمْتُ قَرِينَ سُوءٍ
…
تُمَنِّينَا وَتُمْطِلُنَا الدُّيُونَا
فَرَآنِي وَأَنَا كَسْلَانُ ، فَقَالَ: هَذَا الْخُسْرَانُ مُبِينٌ ، أَتَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ؟ فَقُلْتُ: لَا ، بَلِ الْخُسْرَانُ مَا أَنْتَ فِيهِ ، فَقَالَ: أَنَا مَعْذُورٌ ، أَنَا مَسْلُوبُ الْعَقْلِ ، جِئْتُ مُسْتَجِيرًا بَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ لِمَا أَجِدُ بِقَلْبِي ، وَأَنْتَ مَسْلُوبُ الدِّينِ ، تَكْتُبُ بَلَايَا الْعَاشِقِينَ مُؤْثِرًا لَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، لَا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَكَ.
605 -
أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِي:
[البحر الطويل]
تَقُولُ وَهَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَضَاحَكَتْ
…
سَتَعْلَمُ يَا مِسْكِينُ مَنْ صَاحِبَ الذَّنْبِ
سَأَشْكُوكَ لَا فِي النَّاسِ إِنَّى أَخَافُهُمْ
…
وَلَكِنَّنِي أَشْكُوكَ سِرًّا إِلَى رَبِّي
606 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ:
[البحر الطويل]
فَإِنْ حَجَبُوهَا أَوْ يَحُلْ دُونَ وَصْلِهَا
…
مَقَالَةُ وَاشٍ أَوْ حَذَارُ أَمِيرِ
فَلَمْ يَمْنَعُوا عَيْنِي مِنَ دَائِمِ الْبُكَا
…
وَلَنْ يَحْجُبُوا مَا قَدْ أَجَنَّ ضَمِيرِي
إِلَى اللَّهِ أَشْكُو مَا أُلَاقِي مِنَ الْهَوَى
…
وَمِنْ حِدَقٍ تَعْتَادُنِي وَزَفِيرِ
607 -
حَدَّثَنَا الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ قَالَ
⦗ص: 303⦘
: ضَرَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بَعْثًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَأَقَامُوا سِنِينَ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهَوَ بِدِمَشْقَ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَعِسَنَّ اللَّيْلَةَ مَدِينَةَ دِمَشْقَ ، وَلَأَسْمَعَنَّ النَّاسَ مَا يَقُولُونَ فِي الْبَعْثِ الَّذِي أَغْرَبْتُ فِيهِ رِحَالَهُمْ ، وَأَغْرَمْتُ فِيهِ أَمْوَالَهُمْ ، فَبَيْنَا هُوَ فِي بَعْضِ أَزِقَّتِهَا إِذَا هُوَ بِصَوْتِ امْرَأَةٍ قَائِمَةٍ تُصَلِّي ، فَتَسَمَّعَ إِلَيْهَا ، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ إِلَى مَضْجَعِهَا قَالَتْ: اللَّهُمَّ يَا غَلِيظَ الْحِجَابِ ، وَيَا مُنْزِلَ الْكُتُبِ ، وَيَا مُعْطِيَ الرُّعْبِ ، وَيَا مُرَوِّيَ الْعَرَبِ ، وَيَا مُسَيِّرَ النُّجُبِ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُؤَدِّيَ غَايَتِي فَتَكْشِفَ بِهِ هَمِّي ، وَتُصَفِّيَ بِهِ لَذَّتِي ، وَتُقِرَّ بِهِ عَيْنِي ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَحْكُمَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، الَّذِي فَعَلَ بِنَا هَذَا ، فَقَدْ صَيَّرَ الرَّجُلَ نَازِحًا ، وَالْمَرْأَةَ مُتَقَلْقِلَةً عَلَى فِرَاشِهَا ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
[البحر الطويل]
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَالْعَيْنُ تَدْمَعُ
…
وَأَرَّقَنِي حُزْنٌ بِقَلْبِي يُوجِعُ
فَبِتُّ أُقَاسِي اللَّيْلَ أَرْعَى نُجُومَهُ
…
وَبَاتَ فُؤَادِي غَائِبًا يَتَفَزَّعُ
إِذَا غَابَ مِنْهَا كَوْكَبٌ فِي مَغِيبِهِ
…
لَمَحْتُ بِعَيْنَيَّ آخَرًا حِينَ يَطْلُعُ
إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا
…
وَجَدْتُ فُؤَادِيَ لِلْهَوَى يَتَقَطَّعُ
وَكُلُّ حَبِيبٍ ذَاكِرٌ لِحَبِيبِهِ
…
يُرَجِّي لِقَاهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَطْمَعُ
فَذَا الْعَرْشِ فَرِّجْ مَا تَرَى مِنْ صَبَابَتِي
…
فَأَنْتَ الَّذِي تَرْعَى أُمُورِي وَتَسْمَعُ
دَعَوْتُكَ فِي السَّرَّاءِ وَالضُّرِ دَعْوَةً
…
عَلَى غُلَّةٍ بَيْنَ الشَّرَاسِيفِ يَلْذَعُ
فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِحَاجِبِهِ: تَعْرِفُ هَذَا الْمَنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، هَذَا مَنْزِلُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: فَمَا الْمَرْأَةُ مِنْهُ؟ قَالَ: زَوْجَتُهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ قَالُوا: سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، فَأَمَرَ أَلَّا يَمْكُثَ الْعَسْكَرُ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
608 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ
⦗ص: 304⦘
مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: إِنِّي لَبِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا شَجِيًّا وَبُكَاءً حَرِقًا ، فَاتَّبَعْتُ الصَّوْتَ فَإِذَا جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا قَمَرٌ مَعَهَا عَجُوزٌ ، فَلَطَّيْتُ بِالْأَرْضِ أُلَاحِظُهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَرَانِي ، وَأُمْتِعُ عَيْنَيَّ بِحُسْنِهَا ، وَهِيَ تَقُولُ:
[البحر الطويل]
دَعَوْتُكَ يَا مَوْلَايَ سِرًّا وَجَهْرَةً
…
دُعَاءَ ضَعِيفِ الْقَلْبِ مِنْ مَحْمَلِ الْحُبِّ
بُلِيتُ بِقَاسِي الْقَلْبِ لَا يَعْرِفُ الْهَوَى
…
وَأَقْتَلِ خَلْقِ اللَّهِ لِلْهَائِمِ الصَّبِّ
فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَقْضِ الْمَوَدَّةَ بَيْنَنَا
…
فَلَا يَخْلُ مِنْ حُبٍّ لَهُ أَبَدًا قَلْبِي
رَضِيتُ بِهَذَا مَا حَيِيتُ فَإِنْ أَمُتْ
…
فَحَسْبِي ثَوَابًا فِي الْمَعَادِ بِهِ حَسْبِي
قَالَ: وَجَعَلَتْ تُرَدِّدُ ذَلِكَ وَتَبْكِي ، وَالنَّاسُ مَشَاغِيلُ بِجَمْعِ الْحَصَى ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ: بِنَفْسِي أَنْتِ ، مَعَ هَذَا الْوَجْهِ الْحَسَنِ يَمْتَنِعُ عَلَيْكِ مَنْ تُرِيدِينَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ تَصَبُّرًا ، وَفِي قَلْبِهِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي قَلْبِي مِنْهُ ، قُلْتُ: فَإِلَى كَمْ هَذَا الْبُكَاءُ؟ قَالَتْ: أَبَدًا ، أَوْ يَصِيرُ الدَّمْعُ دَمًا ، وَتُطْفَأُ نَفْسِي غَمًّا ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْحَجِّ ، فَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ عز وجل التَّوْبَةَ مِمَّا أَنْتِ فِيهِ ، وَالْمَغْفِرَةَ لِمَا سَلَفَ ، رَجَوْتُ أَنْ يَذْهَبَ حُبُّهُ مِنْ قَلْبِكِ؟ قَالَتْ: يَا هَذَا ، عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ فِي طَلَبِ رَغْبَتِكَ ، فَإِنِّي قَدْ قَدَّمْتُ رَغْبَتِي إِلَى مَنْ لَيْسَ يَجْهَلُ بُغْيَتِي ، وَحَوَّلَتْ وَجْهَهَا وَأَقْبَلَتْ عَلَى بُكَائِهَا وَشِعْرِهَا ، وَلَمْ يُكْرِثْهَا قَوْلِي وَوَعْظِي
609 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ بْنَ عَلَيٍّ الْهَاشِمِيَّ يَقُولُ: إِنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إِذْ سَمِعْتُ نَشِيجًا وَبُكَاءً خَفِيًّا ، وَإِذَا الصَّوْتُ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ ، وَقَائِلٌ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 305⦘
عَفَا اللَّهُ عَمَّنْ يَحْفَظُ الْعَهْدَ عِنْدَهُ
…
وَلَا كَانَ عَفُوُ اللَّهِ لِلنَّاقِضِ الْعَهْدِ
ضَنَيْتُ وَهَاجَ الْحُزْنَ وُدٌّ أُسِرُّهُ
…
فَغَاضَ لَهُ صَبْرِي وَفَاضَ لَهُ وَجْدِي
وَضَعْتُ عَلَى الْأَسْتَارِ خَدِّيَ لَيْلَةً
…
لِتَجْمَعَنِي مَعَ مَنْ وَضَعْتُ لَهُ خَدِّي
قَالَ: فَرَفَعْتُ الْأَسْتَارَ فَإِذَا امْرَأَةٌ مُسْفِرَةٌ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ الطَّالِعَةُ ، تَجَلَّتْ عَنْهَا غَمَامَةٌ ، فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ ، لَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ مَعَ هَذَا الْبُكَاءِ وَالتَّضَرُّعِ مَا حَرَمَكَ وَهَذَا الْوَجْهَ الْجَمِيلَ ، فَسَتَرَتْهُ وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ خَلَقَ فَسَوَّى ، وَلَمْ يَهْتِكَ السِّتْرَ وَالنَّجْوَى ، أَنَا وَاللَّهِ يَا هَذَا فَقِيرَةٌ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّي ، وَالْجَمْعِ بَيْنِي وَبَيْنَ حِبِّي ، وَقَدْ سَأَلْتُ آثَرَ الْأَمْرَيْنِ عِنْدِي رَجَاءَ فَضْلِهِ ، وَاتِّكَالًا عَلَى عَفْوِهِ ، وَوَلَّتْ ، فَرَاعَنِي قَوْلُهَا حَتَّى اسْتَعَذْتُ بِاللَّهِ مِنْ تَغْثَةِ الشَّيْطَانِ
610 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ ، عَنْ عَطَاءِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَخْبِرِينَا بِأَفْضَلِ مَا رَأَيْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: نَعَمْ ، بَيْنَا أَنَا ذَاتُ لَيْلَةٍ إِذْ مَسَّ جِلْدِي جِلْدَهُ ، إِذْ قَالَ لِي:«يَا عَائِشَةُ ، دَعِينِي أَقُومُ اللَّيْلَةَ فَأَعْبُدَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كُنْتُ أُحِبُّ قُرْبَكَ إِنَّى لَأُحِبُّ هَوَاكَ
611 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبَّادٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عِنْدِي فِي يَوْمٍ امْرَأَةً وَهِيَ تُنْشِدُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ ،
⦗ص: 306⦘
ثُمَّ جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ ، فَقَامَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ:«جِئْتِ» . فَلَمْ أَقَلْ: نَعَمْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، ثُمَّ انْصَرَفَ قَالَتْ: عَائِشَةُ: وَلَا أَرَادَ إِلَّا أَنْ يَرَى نِسَاؤُهُ مَكَانِي مِنْهُ وَفِعْلَهُ بِي
612 -
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ الْخَلَنْجِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، أَنَّ بُكَيْرًا ، حَدَّثَهُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي بَعْثٍ مَرَّةً ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اذْهَبْ فَائْتِنِي بِمَيْمُونَةَ» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي فِي الْبَعْثِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:«تُحِبُّ مَا أُحِبُّ؟» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَا ". فَذَهَبْتُ فَجِئْتُهُ بِهَا
613 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِالْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِأَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّعِبِ
614 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَ:«كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ، فَكَانَ صَوَاحِبِي يَأْتِينَنِي ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ بِهَذَا إِلَيَّ»
615 -
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ، فَقَالَ لَهَا:«مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» . قَالَتْ: هَذَا حَبْلُ سُلَيْمَانَ ، فَجَعَلَ يَضْحَكَ مِنْ قَوْلِهَا قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: هَذَا غَرِيبٌ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ هُشَيْمٍ
616 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَفَةً أَوْ قَالَ: دَرَقِيَّةً فَلَقِيَنِي عَمِّي فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا ، فَسَأَلَنِي عَنْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:«أَيْنَ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقِيَنِي عَمِّي فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا كُلَّ الَّذِي قَالَ:«اللَّهُمَّ أَلْقِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي»
⦗ص: 308⦘
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْحَوَاسُّ وَالْأَعْضَاءُ الْجَسِيمَةُ مَطْبُوعَةٌ عَلَى إِكْرَامِ النُّفُوسِ اللَّاهُوتِيَّةِ ، وَالنَّفْسُ إِذَا هَوِيَتْ شَيْئًا مَالَتْ إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الَّذِي هَوِيَتْهُ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهَا عِنْدَ جَسَدِهَا ، فَلِذَلِكَ قَصُرَتْ حَوَاسُّ الْجَسَدِ وَجَوَارِحُهُ كُلَّ لَذَّةٍ وَنِعْمَةٍ تَعْرِضُ لَهَا إِلَّا مَنْ هَوِيَتْهُ ، وَتَمْتَنِعُ هِيَ مِنْهُ طَلَبًا لِإِكْرَامِ الْهَوَى الَّذِي قَدْ صَارَتْ عِنْدَهُ
617 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَطْرُوشُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ السَّدُوسِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ قَالَ:" مَا كُنْتُ أَقُولُ لِأَحَدٍ: إِنِّي أُحِبُّكَ فَأَمْنَعُهُ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا "
618 -
أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدُّولَابِيُّ:
[البحر الطويل]
إِذَا أَنَا أَعْطَيْتُ الصَّدِيقَ مَوَدَّتِي
…
فَمَا أَنَا مَالِي بَعْدَ ذَلِكَ مَانِعُهْ
619 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي حَمْدَانَ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو نُوَاسٍ:
[البحر الكامل]
كَمْ حَدِيثٍ مُعْجَبٍ لِي عِنْدَكَا
…
لَوْ قَدْ نَبَذْتُ بِهِ إِلَيْكَ لَسَرَّكَا
مِمَّا يَزِيدُ عَلَى الْإِعَادَةِ حَدُّهُ
…
حُلْوٌ إِذَا بَرِمَ الْحَدِيثَ أَمَلَّكَا
أَتَتَبَّعُ الظُّرَفَاءَ أَكْتُبُ عِنْدَهُمْ
…
كَيْمَا أُحَدِّثَ مَنْ أُحِبُّ فَيَضْحَكَا
620 -
حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ دَلُّوَيْهِ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ
⦗ص: 309⦘
عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَتْ: مَا عَلِمْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَهِيَ غَضْبَى ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَسْبُكَ إِذَا قَلَبَتْ لَكَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ذِرَاعَهَا ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَأَعْرَضْتُ عَنْهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«دُونَكِ فَانْتَصِرِي» فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا قَدْ يَبِسَ رِيقُهَا فِي فَمِهَا ، فَلَمْ تَزِدْ شَيْئًا ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ "
621 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ ، عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ نَدِيمًا لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَسَكِرَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَطَرِبَ ، وَبَعَثَ إِلَى زَوْجَتِهِ أُمِّ خَالِدٍ لِتَأْتِيَهِ ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ وَأَحَبِّهِمْ إِلَيْهِ ، فَأَبَتْ ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهَا ، فَأَتَتْهُ فِي جَوَارِيهَا ، فَقَالَ لَهَا يَزِيدُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ لَمَا قُمْتِ فَسَقَيْتِنِي ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: أَلِمِثْلِي يُقَالُ هَذَا؟ فَلَمَّا رَأَى يَزِيدُ بُكَاءَهَا وَكَرَاهِيَتَهَا لِذَلِكَ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْصِرَافِ وَقَالَ فِي ذَلِكَ:
[البحر الطويل]
وَمَا نَحْنُ يَوْمَ اسْتَعْبَرَتْ أُمُّ خَالِدٍ
…
بِمَرْضَى ذَوِي دَاءٍ وَلَا بِصِحَاحِ
وَقَامَتْ لِسَقْيِ الشَّرْبِ خَمْرًا عُيُونُهُمْ
…
مُخَضَّبَةُ الْأَطْرَفِ ذَاتُ وِشَاحِ
لَهَا عُكَنٌ بِيضٌ كَأَنَّ غُصُونَهَا
…
إِذَا شَفَّ عَنْهَا السَّابِرِيُّ قِدَاحُ
622 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: كَانَ الْمَأْمُونُ يَهْوَى جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيهِ يُقَالُ لَهَا تَنْزِيفٌ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي خَادِمًا يَأْمُرُهَا
⦗ص: 310⦘
بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ ، فَصَارَ الْخَادِمُ إِلَيْهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ ، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ لَا أَجِيئُهُ ، فَإِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لَهُ فَلْيَصِرْ إِلَيَّ ، فَلَمَّا اسْتَبْطَأَ الْمَأْمُونُ الْخَادِمَ أَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
لَقِيتُكِ مُشْتَاقًا فَفُزْتُ بِنَظْرَةٍ
…
وَأَغْفَلْتِنِي حَتَّى أَسَأْتُ بِكِ الظَّنَّا
وَنَاجَيْتُ مَنْ أَهْوَى وَكُنْتُ مُقَرَّبًا
…
فَيَالَيْتَ شِعْرِي عَنْ دُنُوِّكِ مَا أَغْنَا
وَرَدَدْتُ طَرْفًا فِي مَحَاسِنِ وَجْهِهَا
…
وَمَتَّعْتُ بِاسْتِمَاعِ نَغْمَتِهَا أُذُنَا
أَرَى أَثَرًا فِي صَحْنِ خَدِّكِ لَمْ يَكُنْ
…
لَقَدْ سَرَقَتْ عَيْنَاكِ مِنْ حُسْنِهَا حُسْنًا
قَالَ الْخَادِمُ: لَا وَاللَّهِ يَا سَيِّدِي ، إِلَّا أَنَّهَا قَالَتْ مَا حَكَيْتُ لَكَ ، فَقَالَ: إِذًا وَاللَّهِ أَقُومُ إِلَيْهَا
بَابُ التَّجَنِّي وَالْإِدْلَالِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ
623 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَمْرُوسٍ قَالَ: كَانَ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا حَبَابَةُ ، وَكَانَ لَهَا عَاشِقًا شَدِيدَ الْوَجْدِ بِهَا ، فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: " إِنَّى قَدْ وَلَّيْتُ فُلَانًا الْخَادِمَ مَا حَوَتْهُ يَدَيَّ شَهْرًا لِأَخْلُوَ أَنَا وَأَنْتِ فَلَا يَشْغَلُنَا أَحَدٌ ، فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ وَلَّيْتَهُ فَقَدْ عَزَلْتُهُ أَنَا. قَالَ: فَغَضِبَ لِذَلِكَ وَخَرَجَ مِنَ الْمَجْلِسِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ، فَلَمَّا أَضْحَى النَّهَارُ فَلَمْ يَرَهَا ضَاقَ صَدْرُهُ وَقَلَّ صَبْرُهُ ، فَدَعَا بَعْضَ خَدَمِهِ وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَا الَّذِي تَصْنَعُ حَبَابَةُ ، فَمَضَى الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَأَيْتُهَا مُؤْتَزِرَةً بِإِزَارٍ خَلُوقِيٍّ ، مُرْتَدِيَةً بِرِدَاءٍ أَصْفَرَ زَهِيٍّ ، تَلْعَبُ بِلُعَبِهَا ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَلْ فِي أَنْ تُجِيرَهَا عَلَيَّ ، فَذَهَبَ الْخَادِمُ فَلَاعَبَهَا ثُمَّ اسْتَلَبَ لُعْبَةً مِنْ لُعَبِهَا ، وَعَدَا بَيْنَ يَدَيْهَا ، فَتَبِعَتْهُ تَعْدُو وَرَاءَهُ ، فَمَرَّتْ عَلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهَا قَامَ إِلَيْهَا فَاعْتَنَقَهَا وَقَالَ لَهَا: فَإِنِّي قَدْ عَزَلْتُهُ ، فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتَ قَدْ عَزَلْتَهُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُهُ قَالَ: فَوُلِّيَ الْخَادِمَ وَعُزِلَ وَهُوَ لَا يَدْرِي. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ خَلَا مَعَهَا أَيَّامًا وَتَشَاغَلَ عَنِ النَّظَرِ فِي أُمُورِ النَّاسِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَعَذَلَهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَخَذَتِ الْعُودَ فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا ثُمَّ تَغَنَّتْ:
[البحر الطويل]
أَلَا لَا تَلُمْهُ الْيَوْمَ أَنْ يَتَلَذَّذَا
…
فَقَدْ مُنِعَ الْمَحْزُونُ أَنْ يَتَجَلَّدَا
وَمَا الْعَيْشُ إِلَّا مَا يُلَذُّ وَيُشْتَهَى
…
وَإِنْ لَامَ فِيهِ ذُو الشَّنَانِ وَفَنَّدَا
624 -
وَأَنْشَدَ مَحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتُ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 312⦘
قَرَرْتُ عَلَى نَفْسِي فَأَزْمَعْتُ قَتْلَهَا
…
وَأَنْتَ رَخًا لِلْبَالِ وَالنَّفْسُ تَذْهَبُ
كَعُصْفُورَةٍ فِي كَفِّ طِفْلٍ يَسُومُهَا
…
وُرُودَ حِيَاضِ الْمَوْتِ وَالطِّفْلُ يَلْعَبُ
فَلَا الطِّفْلُ يَدْرِي مَا يَسُومُ بِكَفِّهِ
…
وَفِي كَفِّهِ الْعُصْفُورُ قَدْ يَتَضَرَّبُ
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ مِنَ اسْتِعْطَافِ الْمُتَجَنِّي مَزِيَّةٌ عَلَى الْإِنْصَافِ
625 -
وَأنشدنى أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ:
[البحر الطويل]
شَكَوْتُ فَقَالَتْ كُلُّ هَذَا تَبَرُّمًا
…
بِحُبِّي أَرَاحَ اللَّهُ قَلْبَكَ مِنْ حُبِّي
فَلَمَّا كَتَمْتُ الْحُبَّ قَالَتْ: لَشَدَّ
…
مَا صَبَرْتَ وَمَا هَذَا بِفِعْلِ شَجِي الْقَلْبِ
وَأَدْنُو فَتُقْصِينِي ، فَأَبْعُدُ طَالِبًا
…
رِضَاهَا فَتَعْتَدُّ التَّبَاعُدَ مِنْ ذَنْبِي
فَشَكْوَايَ تُؤْذِيهَا ، وَصَبْرِي يَسُوءُهَا
…
وَتَجْزَعُ مِنْ بُعْدِي ، وَتَنْفِرُ مِنْ قُرْبِي
فَيَا قَوْمِ هَلْ مِنْ حِيلَةٍ تَعْلَمُونَهَا
…
أَشِيرُوا بِهَا وَاسْتَكْمِلُوا الْأَجْرَ مِنْ رَبِّي
626 -
وَأنشدنى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:
[البحر الطويل]
فَقَالَتْ وَهَزَّتْ رَأْسَهَا لِتُغِيظَنِي
…
عَلَى الذَّنْبِ تُجْزَى أَمْ عَلَى الذَّنْبِ تُوصَلُ
فَقُلْتُ: فَلَمْ أُذْنِبْ ، فَقَالَتْ: تُرِيدُهُ
…
فَقُلْتُ: فَلَمْ أَفْعَلْ فَقَالَتْ: سَتَفْعَلُ
فَقُلْتُ: تُجَازِينِي بِذَنْبٍ لَمْ أَجْنِهِ
…
ظَفِرْتُمْ بِأَرْوَاحِ الْمُحِبِّينَ فَاقْتُلُوا
627 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ: "
[البحر البسيط]
عَاتَبْتُهَا فَبَكَتْ وَاسْتَعْبَرَتْ جَزَعًا
…
عَيْنِي فَلَمَّا رَأَتْنِي بَاكِيًا ضَحِكَتْ
فَعُدْتُ أَضْحَكُ مَسْرُورًا بِضِحْكَتِهَا
…
فَاسْتَعْبَرَتْ أَنْ رَأَتْنِيَ ضَاحِكًا فَبَكَتْ
تَهْوَى خِلَافِي كَمَا خَبَّتْ بِرَاكِبِهَا
…
يَوْمًا قَلُوصٌ فَلَمَّا حَثَّهَا بَرَكَتْ
628 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْدَلَانِيُّ: "
[البحر الكامل]
تَدْنُو الدِّيَارُ وَأَنْتَ تَبْعُدُ جَاهِدَا
…
وَالدَّهْرُ يُنْصِفُنِي وَأَنْتَ الظَّالِمُ
وَإِذَا تَبَاعَدَتِ اعْتَلَلْتُ بِبُعْدِهَا
…
فَالْبُعْدُ يَقْتُلُنِي وَقَلْبُكَ سَالِمُ
فَمَتَى يَنَالُ الْعَدْلَ عِنْدَكَ طَالِبٌ
…
أَنْتَ الْمُسِيءُ بِهِ وَأَنْتَ الْحَاكِمُ
629 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ:
[البحر البسيط]
⦗ص: 314⦘
لَا ذُقْتُ فَقْدَ الَّذِي لَا يَنْقَضِي أَبَدًا
…
بِالْوَصْلِ عِلَّتُهُ أَوْ يَنْقَضِي عُمُرِي
يَعْتَلُّ بِالْحَدِّ لِي فِي كُلِّ ضِيقَتِهِ
…
حَتَّى إِذَا مَا انْقَضَى اعْتَلَّ بِالْمَطَرِ
630 -
وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ:
[البحر البسيط]
أَبْكِي الَّذِينَ أَذَاقُونِي مَوَدَّتَهُمْ
…
حَتَّى إِذَا أَيْقَظُونِي لِلْهَوَى رَقَدُوا
هُمُ دَعَوْنِي فَلَمَّا قُمْتُ مُنْتَصِبًا
…
لِلْحُبِّ نَحْوَهُمُ مِنْ قُرْبِهِمْ بَعِدُوا
لَأَخْرُجَنَّ مِنَ الدُّنْيَا وَحُبُّكُمُ
…
بَيْنَ الْجَوَانِحِ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدُ
بَابُ الْجَزَعِ وَرَقَةِ الشَّكْوَى لِفُرْقَةِ الْأَحْبَابِ
631 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَزِيدَ الْجَدَرِيِّ ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: وَجَدْتُ حَجَرًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:
[البحر الطويل]
وَكُلُّ مُصِيبَاتِ الزَّمَانِ وَجَدْتُهَا
…
سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةَ الْخَطْبِ
632 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَبَكَا ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ يَا أَبِي مَا كُنْتُ أَخَشِيَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا صَبَرْتَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ:" يَا بُنَيَّ ، إِنَّهُ نَزَلَ بِأَبِيكَ خِصَالٌ ثَلَاثٌ: أَوَّلُهُنَّ: انْقِطَاعُ عَمَلِهِ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَهُوَ الْمَطْلَعُ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَفِرَاقُ الْأَحِبَّةِ ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ فَتَوَانَيْتُ ، وَنَهَيْتَ فَعَصَيْتُ ، اللَّهُمَّ وَمِنْ شِيمَتِكَ الْعَفْوُ وَالتَّجَاوُزُ "
633 -
أَنْشَدَنِي سَلَامَةُ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَرَّاقُ:
[البحر الكامل]
شَيْئَانِ لَوْ بَكَتِ الدِّمَاءَ عَلَيْهِمَا
…
عَيْنَايَ حَتَّى يُؤْذِنَا بِذَهَابِ
لَمْ يَبْلُغِ الْمِعْشَارَ مِنْ حَقَّيْهِمَا
…
فَقَدُ الشَّبَابِ وَفُرْقَةُ الْأَحْبَابِ
634 -
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَزَوَّجَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ نَافِعٍ ، فَكَانَ إِذَا غَابَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ:
[البحر الطويل]
إِذَا سِرْتَ مِيلًا أَوْ تَغِيبْتَ سَاعَةً
…
دَعَتْنِي دَوَاعِي الْحُبِّ مِنْ أُمِّ نَافِعِ
635 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ: «
[البحر الخزاعي]
تَقُولُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِحْدَى فَتَاتِهِمْ
…
لِيَ الْكَبِدُ الْحَرَّى فَعِشْ وَلَكَ الصَّبْرُ
وَقَدْ سَبَقَتْهَا عَبْرَةٌ فَدُمُوعُهَا
…
عَلَى خَدِّهَا بِيضٌ وَفِي نَحْرِهَا صُفْرُ
…
»
636 -
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي شَدَّادٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْحَرَّةِ انْفَرَدَ وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي ، فَكَانَ آخِرُ الْعَهْدِ مِنْهُمْ وَأَنَا أَسْمَعُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ ذَلِكَ السَّمُرِ وَهُوَ يَقُولُ:«وَاعَرُوسَاهُ» . قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعَلَى ذَلِكَ إِذْ نَادِي: أَنْ أَلْقِي الْخِطَامَ ، فَأَلْقَيْتُهُ ، فَأَعْقَلَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ
637 -
أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ أَيْضًا:
[البحر الخفيف]
ظَلَّ حَادِيهِمْ يَسُوقُ بِرُوحِي
…
وَيَرَى أَنَّهُ يَسُوقُ الرِّكَابَا
مَا الْمَنَايَا إِلَّا الْمَطَايَا وَلَا فَرَّ
…
قَ شَيْءٌ تَفْرِيقَهَا الْأَحْبَابَا
638 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جْعَفَرٍ الْعَدَوِي أَيْضًا:
[البحر البسيط]
لَوْ تَعْلَمُ الْعِيسُ مَا بِي عِنْدَ فُرْقَتِهِمْ
…
نَبَتْ مِنَ السَّائِقِ الْحَادِي فَلَمْ تَسِرِ
كَأَنَّ أَيْدِي مَطَايَاهُمْ إِذَا وَخَدَتْ
…
تَطَا عَلَى حُرِّ وَجْهِي أَوْ عَلَى بَصَرِي
لَوْ أَنَّ مَا تَبْتَلِينِي الْحَادِثَاتُ بِهِ
…
بِالْمَاءِ مِنْهُنَّ لَمْ نَشْرَبْ مِنَ الْكَدَرِ
639 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْحَرَّانِيِّ ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ ، عَنْ لَيْثٍ قَالَ: دَخَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ ، فَعَرَفَهُ فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ ، الطَّيِّبُ رِيحُهُ ، الطَّاهِرَةُ ثِيَابُهُ ، هَلْ لَكَ عِلْمُ يَعْقُوبَ. قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ ، الطَّيِّبُ رِيحُهُ ، الطَّاهِرَةُ ثِيَابُهُ ، الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ ، مَا فَعَلَ؟ قَالَ: ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ. قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ ، مَا بَلَغَ مِنْ حُزْنِهُ؟ قَالَ: حُزْنُ سَبْعِينَ مُثْكَلَةٍ. قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْكَرِيمُ عَلَى رَبِّهِ ، فَهَلْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ ، أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ
640 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: وَفَدْنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَنَحْنُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ احْتَبَسَ أَخَاهُ عَلَيْهِ يُحَدِّثُهُ ، فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: أَكُلُّ هَؤُلَاءِ إِخْوَتِكَ لِأَبِيكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا لَكَ أَخٌ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا ، كَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ قَالَ: فَمَا فَعَلَ؟ قَالَ: أَكَلَهُ الذِّئْبُ قَالَ: فَهَلْ حَزِنَ عَلَيْهِ أَبُوهُ يَعْقُوبُ؟ قَالَ: نَعَمْ ، حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ: وَمَا بَلَغَ مِنْ حُزْنِهِ؟ قَالَ: ذَهَبَ بَصَرُهُ ، وَهُوَ كَظِيمٌ قَالَ: فَهَلْ حَزِنْتَ أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ، حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ: فَهَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَهَلْ يَتَزَوَّجُ الْمَحْزُونُ؟ قَالَ: إِنَّ الشَّيْخَ يَعْقُوبَ
⦗ص: 318⦘
صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمَرَنِي بِذَلِكَ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ ، تَزَوَّجْ لَعَلَّهُ يُولَدُ لَكَ وَلَدٌ يُثَقِّلُ الْأَرْضَ بِتَسْبِيحِهِ
641 -
حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الْعُصْفُرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمْ تُعْطَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ مَا أُعْطِيَتْهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ ، وَلَوْ أُعْطِيهَا أَحَدٌ لَأُعْطِيهَا يَعْقُوبُ حِينَ قَالَ:{يَا أَسْفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84]
642 -
أَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّبَرَانِي:
كَمِ اسْتَرَاحَ إِلَى حَبَرٍ فَلَمْ يَرُحِ
…
صَبٌّ إِلَيْكَ مِنَ الْأَشْوَاقِ فِي فَرَحِ
تَرَكْتُمُ قَلْبَهُ مِنْ حُزْنِ فُرْقَتِكُمْ
…
لَوْ يُرْزَقُ الْوَصْلَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفَرَحِ
أُنْشِدْنَا لِآخَرَ:
روعتُ بِالْبَيْنِ حَتَّى لَا أُرَاعَ لَهُ
…
وَبِالْحَوَادِثِ فِي أَهْلِي وَجِيرَانِي
لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ لِي عِلْقًا أَضِنُّ بِهِ
…
إِلَّا اصْطَفَاهُ بِبَيْنٍ أَوْ بِهِجْرَانِ
644 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: بَلَغَ كُثَيِّرًا أَنَّ عَزَّةَ ، مَرِيضَةٌ بِمِصْرَ ، وَأَنَّهَا تَسْتَامُهُ ، فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ، فَلَمَّا صَارَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا بِغُرَابٍ عَلَى بَانَةٍ يَنْتِفُ رِيشَهُ ، فَتَطَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ لَقِيَ رَجُلًا عَائِفًا زَاجِرًا ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَصَدَ لَهُ وَمَا رَأَى فِي طَرِيقِهِ ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ مَاتَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَاسْتَبْدَلَتْ بَدِيلًا ، فَقَدِمَ مِصْرَ وَوَجَدَ النَّاسَ مُنْصَرِفِينَ مِنْ جَنَازَتِهَا ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 319⦘
رَأَيْتُ غُرَابًا وَاقِفًا فَوْقَ بَانَةٍ
…
يَنْتِفُ أَعْلَى رِيشِهِ وَيُطَايِرُهْ
فَمَا أَعَيَفَ النَّهْدِيَّ لَا دَرَّ دَرَّهُ
…
وَأَعْلَمَهُ بِالزَّجْرِ لَا عَزَّ نَاصِرُهْ
فَأَمَّا غُرَابٌ فَاغْتَرَاتَ مِنَ النَّوَى
…
وَبَانَ فَبَيْنٌ مِنْ حَبِيبٍ تُعَاشِرُهْ
645 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ ، وَأَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ ، وَأَبُو مَنْصُورٍ الطَّاغَانِيُّ ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَنْقَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الِاجْتِمَاعُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ»
646 -
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِي لِلصِّمَّةِ الْقُشَيْرِيِّ:
[البحر الطويل]
وَكُنَّا كَزَوْجٍ مِنْ قَطًا فِي مَفَازَةٍ
…
لَدَى خَفْضِ عَيْشٍ مُوفَقٍ مُورِقٍ رَغَدِ
أَصَابَهُمَا رَيْبُ الزَّمَانِ فَأُفْرِدَا
…
وَلَمْ تَرَ شَيْئًا قَطُّ أَقْبَحَ مِنْ فَرْدِ
647 -
أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّقِّي قَالَ: أَنْشَدَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ:
[البحر الطويل]
وَمَحْزُونَةٍ لَوْ مَرَّ الْفِرَاقُ تَرَكْتُهَا
…
وَفِي الصَّدْرِ مِنْهَا جَمْرَةٌ تَتَسَعَّرُ
تَطَيَّرُ أَنْ تَبْكِيَ عَلَيَّ فَدَمْعُهَا
…
لِمَا نَالَهُ فِي جَفْنِهَا مُتَحَيِّرُ
فَقُلْتُ: قَضَاءُ اللَّهِ فَرَّقَ بَيْنَنَا
…
فَقَالَتْ: قَضَى اللَّهُ مَا كُنْتُ أَحْذَرُ
648 -
حَدَّثَنَا أَخِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ النَّحَّاسُ ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ:«يُقَالُ إِنَّ فَرَحَ إِبْلِيسَ إِذَا فَسَدَ بَيْنَ الْمُتَحَابِّينَ كَفَرْحِهِ حِينَ أُخْرِجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ»
649 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْإِسْحَاقِيُّ قَالَ: دَعَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بنَ طَالُوتَ ، وَكَانَ نَدِيمَهُ وَصَاحِبَ أَمْرِهِ ، فَقَالَ: مَنْ تَرَى يَكُونُ الْيَوْمَ ثَالِثًا وَلَا يَكُونُ ثَقِيلًا ، فَاتَّفَقَا عَلَى مَانِي الْمُوَسْوِسِ ، فَأُحْضِرَ ، فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ وَكَانَتْ مَنُوسَةُ جَارِيَةُ الْمَهْدِيِّ تُغَنِّيهِمْ ، فَغَنَّتْ هَذَا الصَّوْتَ:
[البحر الطويل]
وَلَسْتُ بِنَاسٍ إِذْ غَدَوْا فَتَحَمَّلُوا
…
دُمُوعِي عَلَى الْأَحْبَابِ مِنْ شِدَّةِ الْوَجْدِ
وَقُلْتُ: وَقَدْ لَاحَتْ لِعَيْنِي حُمُولُهُمْ
…
بَوَاكِرُ تَجْرِي لَا يَكُنْ آخِرَ الْعَهْدِ
فَقَالَ مَانِي: زِيدِي فِيهِ بِرَأْسِ الْأَمِيرِ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
وَقُمْتُ أُنَاجِي الْفِكْرَ وَالدَّمْعُ حَائِرٌ
…
بِمُقْلَةِ مَوْقُوفٍ عَلَى الطُّرِ وَالْجَهْدِ
أَلَا يَعْدُنِي هَذَا الْأَمِيرُ بِعِزِّهِ
…
عَلَى ظَالِمٍ قَدْ لَجَّ فِي الْجَهْدِ وَالصَّدِ
⦗ص: 321⦘
فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ: أَتَعْشَقُ يَا مَانِي؟ فَاسْتَحْيَا وَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، طَرْفٌ هَاجِمٌ ، وَشَوْقٌ كَامِنٌ ، وَهَلْ بَعْدَ الشَّيْبِ مِنْ صَبْوَةٍ؟
650 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ شَيْخٌ مِنَ الْأَعْرَابِ مِنْ فَصَحَائِهِمْ ، فَتَغَنَّى عِنْدَهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ،
[البحر المجتث]
أَبَعْدَ تِسْعِينَ أَصْبُو
…
وَالشَّيْبُ لِلْجَهْلِ حَرْبُ
سِنٌّ وَشَيْبٌ وَجَهْلٌ
…
أَمْرٌ لَعَمْرُكَ صَعْبُ
يَا ابْنَ الْإِمَامِ فَهَلَّا
…
أَيَّامَ عُودِيَ رَطْبُ
وَإِذْ سَهَابِي صِيَابٌ
…
وَمَشْرَبُ الْحُبِّ عَذْبُ
وَإِذْ شِفَاءُ الْغَوَانِي
…
مِنِّي حَدِيثٌ وَقُرْبُ
فَلَانَ لِمَا رَأَى بِي
…
عَوَاذِلِي مَا أَحَبُّوا
وَصِرْتُ كَالطِّفْلِ حَقًّا
…
أَقُومُ لِلْأَمْرِ أَحَبُو
آلَيْتُ أَشْرَبُ كَأْسًا
…
مَا حَجَّ لِلَّهِ رَكْبُ
651 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ: «
[البحر الطويل]
صِبَا مَا صِبَا حَتَّى عَلَا الشَّيْبُ رَأْسَهُ
…
فَلَمَّا عَلَاهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ ابْعِدِ
»
652 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:
[البحر البسيط]
أَوَاقِفٌ أَنْتَ مِنْ بَيْنٍ عَلَى ثِقَةٍ
…
فَمُسْتَكِينٌ لِرَيْبِ الدَّهْرِ مُعْتَرِفُ
مَا مَنْ دَنَا بِنَوًى مَا كُنْتُ أَعْرِفُهَا
…
مِنْكَ الْفِرَاقُ وَمِنِّي الشَّوْقُ وَالْأَسَفُ
653 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ:
[البحر البسيط]
⦗ص: 322⦘
جِسْمِي مَعِي غَيْرَ أَنَّ الرُّوحَ عِنْدَكُمُ
…
فَالْجِسْمُ فِي غُرْبَةٍ وَالرُّوحُ فِي وَطَنِ
فَلْيَعْجَبِ النَّاسُ مِنِّي أَنَّ لِي بَدَنًا
…
لَا رُوحَ فِيهِ وَلِي رُوحٌ بِلَا بَدَنِ
654 -
وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْخُزَاعِيُّ: «
[البحر البسيط]
قَامَتْ تُوَدِّعُنِي وَالدَّمْعُ يَغْلِبُهَا
…
كَمَا يَمِيلُ نَسِيمُ الرِّيحِ بِالْغُصْنِ
ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ وَقَالَتْ وَهْيَ بَاكِيةٌ
…
يَالَيْتَ مَعْرِفَتِي إِيَّاكَ لَمْ تَكُنِ
»
655 -
حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: كَانَ سُحَيْمٌ عَبْدًا لِبَنِي الْحَسْحَاسِ مَمْلُوكًا ، فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
وَمَا كُنْتُ أَخَشِيَ مَعْبِدًا أَنْ يَبِعَنِي
…
وَلَوْ أَصْبَحَتْ كَفَاهُ مِنْ مَالِهِ صِفْرَا
أَخُوكُمْ وَمَوْلَاكُمْ نَعَمْ وَرَبِيبُكُمْ
…
وَمَنْ قَدْ ثَوَى فِيكُمْ وَعَاشَرَكُمْ دَهْرَا
أَشَوْقًا وَلَمْ يَمْضِ لِي غَيْرُ لَيْلَةٍ
…
فَكَيْفَ إِذَا سَارَ الْمَطِيُّ بِنَا شَهْرَا
656 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ لِشَبِيبِ ابْنِ بَرْصَاءَ:
[البحر الطويل]
وَمَا أَنْسَ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا أَنَسَ قَوْلَهَا
…
وَأَدْمُعُهَا تَذْرِينَ حَشْوَ الْمَكَاحِلِ
تَمَتَّعْ بِذَا الْيَوْمِ الْقَصِيرِ فَإِنَّهُ
…
رَهِينٌ بِأَيَّامِ الشُّهُورِ الْأَطَاوِلِ
657 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ:
[البحر الكامل]
فَارَقْتُكُمْ وَحَيِيتُ بَعْدَكُمُ
…
مَا هَكَذَا كَانَ الَّذِي يَجِبُ
إِنِّي لَأَلْقَى النَّاسَ مُعْتَذِرًا
…
أَنَّى حَيِيتُ وَأَنْتُمُ غِيَبُ
658 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَلِيٍّ الضَّبِّي لِجَرِيرٍ:
[البحر الكامل]
⦗ص: 323⦘
يَا أُمَّ نَاجَيَةَ السَّلَامُ عَلَيْكُمُ
…
قَبْلَ الرَّحِيلِ وَقَبْلَ يَوْمِ الْعُذَّلِ
لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهْدِكُمْ
…
يَوْمَ الرَّحِيلِ فَعَلْتُ مَا لَمْ أَفْعَلِ
فَقُلْتُ لَهُ: أَتُرَاهُ كَانَ يَفْعَلُ مَاذَا؟ قَالَ: يَقْلَعُ عَيْنَيْهِ وَلَا يَرَى آثَارَ أَحْبَابِهِ
659 -
وَأَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ عَليِّ لِلْمَأْمُونِ:
[البحر الطويل]
وَقَائِلَةٌ لَمَّا اسْتَمَرَّتْ بِنَا النَّوَى
…
وَمَحْجَرُهَا فِيهِ دَمٌ وَنَجِيعُ
أَلَمْ يَقْضِ الرَّكْبُ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا
…
إِلَى بَلَدٍ فِيهِ الشَّجِيُّ رُجُوعُ
فَقُلْتُ وَلَمْ أَمْلِكْ سَوَابِقَ عَبْرَةٍ
…
نَطَقْنَ بِمَا ضَمَّتْ عَلَيْهِ ضُلُوعُ
تُبَيِّنُ كَمْ دَارٍ تَفَرَّقَ شَمْلُهَا
…
وَشَمْلُ شَتِيتٍ عَادَ وَهْوَ جَمِيعُ
كَذَاكَ اللَّيَالِي صَرْفُهُنَّ كَمَا تَرَى
…
لِكُلِّ أُنَاسٍ جَدْبَةُ وَرَبِيعُ
660 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ قُرَيْشٍ الْجُرْجَانِي:
[البحر الطويل]
وَلَمَّا رَأَيْنَ الْبَيْنَ قَدْ جَدَّ جَدُّهُ
…
وَقَدْ حَاقَ مِنْ لَيْلِ الْفِرَاقِ رُكُودُ
قَعَدْنَا فَأَمْطَرْنَا دُمُوعًا سَمَاؤُهَا
…
جُفُونُ عُيُونٍ وَالنِّقَاعُ خُدُودُ
661 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرَانِي لِابْنِ أَبِي زُرْعَةَ:
[البحر البسيط]
⦗ص: 324⦘
عَزْلٌ مُبِينٌ وَتَوْدِيعٌ وَمُرْتَحِلُ
…
أَيُّ الدُّمُوعِ عَلَى ذَا لَيْسَ تَنْهَمِلُ
بِاللَّهِ مَا جَلَدِي مِنْ بُعْدِهِمْ فَشَلًا
…
وَلَا اخْتِزَانُ دُمُوعِي بَعْدَهُمْ بَخَلُ
بَلَى وَحُرْمَةِ مَا أَضْمَرْتُ مِنْ كَمَدٍ
…
قَلْبِي إِلَيْهِنَّ مُشْتَاقٌ وَقَدْ رَحَلُوا
وَدِدْتُ أَنَّ الْبِحَارَ السَّبْعَ لِي مَدَدٌ
…
وَأَنَّ حَسْبِي دُمُوعٌ كُلُّهَا هَمَلُ
وَأَنَّ لِي بَدَلًا مِنْ كُلِّ جَائِحَةٍ
…
فِي كُلِّ جَارِحَةٍ يَوْمَ النَّوَى مُقَلُ
. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا:
[البحر الكامل]
وَجْدَانِ وَجْدُ حَشًى وَوَجْدُ فُؤَادِي
…
هَذَا لِفِرْطِ هَوًى وَذَا لِبِعَادِ
أَمَّا الرَّحِيلُ فَيَوْمُ جَدَّ تَرَحَّلَتْ
…
مُهَجُ النُّفُوسِ لَهَا عَنِ الْأَجْسَادِ
مَنْ لَمْ يَبِتْ وَالْبَيْنُ يَصْدَعُ قَلْبَهُ
…
لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تَفَتُّتُ الْأَكْبَادِ
بَابُ ذِكْرُ الِاسْتِرَاحَةِ إِلَى الْبُكَاءِ وَالْعَجْزِ عَنْ حَمْلِ الْهَوَى
663 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ تَمِيمٍ ، عَنْ أَبِي الْحَجَّافِ قَالَ: إِنِّي لَفِي وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلِ ، وَخَفَّ الْحَاجُّ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ عَلَى قَضِيبِ عُرْسٍ ، وَهِيَ تَقُولُ:
[البحر الطويل]
رَأَيْتُ الْهَوَى حُلْوًا إِذَا اجْتَمَعَ الْوَصْلُ
…
وَمُرًّا عَلَى الْهِجْرَانِ ، لَا بَلْ هُوَ الْقَتْلُ
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ لِلْبَيْنِ طَعْمًا فَإِنَّهُ
…
إِذَا ذَاقَ طَعْمَ الْحُبِّ لَمْ يَدْرِ مَا الْوَصْلُ
وَقَدْ ذُقْتُ طَعْمَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ وَالنَّوَى
…
فَأَبْعَدُهُ قَتْلٌ وَآخِرُهُ خَبْلُ
ثُمَّ الْتَفَتَتْ فَرَأَتْنِي فَقَالَتْ: يَا هَذَا ، مَنْ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ أَلْقَاهُ لِلرَّاحَةِ ، وَفِرَارًا مِنْ ثِقَلِ الْمَحَبَّةِ ، وَقَدْ نَطَقْتُ بِمَا عَلِمَهُ اللَّهُ وَأَحْصَاهُ الْمَلَكَانِ ، فَإِنْ يَعْفُ عَنْ أَهْلِ السَّرَائِرِ أَكُنْ مَعَهُمْ ، وَإِنْ يُعَاقِبُوا فَيَا خَيْبَةَ الْمُذْنِبِينَ. وَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا ، فَمَا رَأَيْتُ عُقْدَ دُرٍّ انْقَطَعَ سِلْكُهُ فَانْتَثَرَ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ تَبَادُرِ دُمُوعِهَا وَالْجُفُونُ غَرِقَةٌ وَالْمَحَاجِرُ مُتْرَعٌةٌ. قَالَ: فَاعْتَزَلْتُ وَاللَّهِ خَوْفًا أَنْ يَصْبُوَ إِلَيْهَا قَلْبِي ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهَا الْحُسْنُ وَالتَّصَابِي "
664 -
أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ:
[البحر البسيط]
اسْتَبْقِ دَمْعَكَ لَا يُودِي الْبُكَاءُ بِهِ
…
وَاصْرِفْ بَوَادِرَ دَمْعٍ مِنْكَ يَسْتَبِقُ
فَمَا الشُّئُونُ وَإِنْ جَادَتْ بِبَاقِيَةٍ
…
وَلَا الْجُفُونُ عَلَى هَذَا وَلَا الْحَدَقُ
665 -
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ الْمَدِينِي:
[البحر الطويل]
وَحَقِّ الْهَوَى فِي الْقَلْبِ مِنْكِ فَإِنَّهُ
…
عَظِيمٌ لَقَدْ حَسَّنْتُ سَرَّكِ فِي صَدْرِي
وَلَكِنَّمَا أَفْشَاهُ دَمْعِي وَرُبَّمَا
…
أَتَى الْأَمْرُ مَنْ لَمْ يَخْشَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي
فَهَبْ لِي دُمُوعَ الْعَيْنِ إِنِّي أَظُنُّهُ
…
بِمَا فِيهِ يَبْدُو أَنَّمَا يَبْتَغِي ضُرِّي
وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ضُرِّي لَخَلَّى ضَمَائِرُكِ
…
تُمَدُّ عَلَى أَسْرَارِ مَكْتُوبِهَا سِرِّي
. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " قَرَأْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحُكَمَاءِ: قَلَّ مَا يَلْبَثُ الْحُبُّ أَنْ يَظْهَرَ وَيُبْدِيَهِ مِنْهُ مَا يَسْتُرُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
يَا مُسِرَّ الْهَوَى فَأَيْنَ شَجَى اللَّحْـ
…
ـظِ وَأَيْنَ التَّنَفُّسُ الْمَفْضُوحُ
قَلَّ مَا يَلْبَثُ الْهَوَى فِي سُتُورِ الْحُـ
…
ـبِّ حَتَّى يُبَيِّنَهُ التَّصْرِيحُ
667 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ لِأَبِي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:
[البحر الطويل]
وَلَيْسَ الْفَتَى إِلَّا الَّذِي لَا يُهِيجُهُ
…
إِلَى الشَّوْقِ إِلَّا الْهَاتِفَاتُ السَّوَاجِعُ
وَلَا بِالَّذِي إِنْ صَدَّ عَنْهُ حَبِيبُهُ
…
يَقُولُ وَيُبْدِي الصَّبْرَ مَا أَنَا جَازِعُ
وَلَكِنَّهُ سَقَمُ الْجَوَى وَمِطَالُهُ
…
وَمَوْتُ الْهَوَى ثُمَّ الشُّئُونُ الدَّوَافِعُ
رَشَاشًا وَتَهَتَانًا وَوَبْلًا وَدِيمَةً
…
فَذَلِكَ يُبْدِي مَا تُجِنُّ الْأَضَالِعُ
668 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: صَحِبَنَا فَتًى مِنْ بَنِيِ قَيْسٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْيَمَامَةَ ، يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ أُثَالٍ ، قَلِيلُ الْكَلَامِ ، خِلْنَاهُ صَنَمًا ، وَنَحْنُ فِي لَيْلَةٍ لَيْلَاءَ سَوْدَاءَ إِذْ سَمِعَ بُكَاءَ حَمَامَةٍ فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ ، فَلَمَّا أَفَاقَ قُلْتُ: يَا سَعْدُ ، مَا الَّذِي أَصَابَكَ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
بُكَاءٌ عَلَى رَأْسِ الْأَرَاكَةِ هَاجَنِي
…
وَذَكَّرَنِي شِعْرَ الْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ
كَذَبْتُ وَبَيْتِ اللَّهِ لَسْتُ بِعَاشِقٍ
…
إِذَا أَنَا بِالنَّوْحِ الْحَمَامُ سَوَابِقِي
أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ لِلشَّوْقِ نَوْحَهَا
…
وَلَيْسَ الْهَوَى يَا قَوْمِ لِلنَّوْحِ شَائِقِي
فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي إِلَى وَقْتِ الرَّحِيلِ ، ثُمَّ رَحَلَ وَعَيْنَاهُ كَمِنْخَرِقِ الْمَزَادَةِ ، فَقُلْنَا لَهُ: مُذْ كَمْ فَارَقْتَ مَنْ تَهْوَى؟ قَالَ: غَدَاةَ أَمْسِ وَالشَّمْسُ لَمَّا تَطْلُعْ ، غَيْرَ أَنَّهَا أَوْدَعَتْنِي بَيْتَيْنِ شِعْرُهُمَا صَارَ بِي إِلَى مَا رَأَيْتُمْ ، قُلْنَا لَهُ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: قَالَتْ وَهِيَ تَبْكِي:
إِنَّ حُكْمَ الْحُبِّ يَا سَعْدُ بُكَاءٌ
…
قَبْلَ تَغْرِيدِ الْحَمَامِ
وَعَلَامَاتِ الْهَوَى أَنْ يَلْبَسَ الْعَا
…
شِقُ أَثْوَابَ السِّقَامِ
قُلْنَا: لَبِئْسَ مَا أَوْدَعَتْكَ قَالَ: إِنَّهَا وَاللَّهِ فِي أَشَدِّ مِنْ حَالِي ، وَمَنْ أَكْفَأَ وُدًّا بِمِثْلِهِ لَمْ تَخْلُ مِنْ حِفْظِ الْعَهْدِ بَقَاءَ الْوُدِّ أَوْ يَنْقَضِي الدَّهْرُ ، وَيَنْفَدُ الْعُمُرُ
669 -
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ:
[البحر الطويل]
وَمُسْتَنْجِدٌ بِالْحُزْنِ دَمْعًا كَأَنَّهُ
…
عَلَى الْخَدِّ مِمَّا لَيْسَ يَرْقَأُ حَائِرُ
إِذَا دَمْعَةٌ مِنْهُ اسْتَهَلَّتْ تَهَلَّلَتْ
…
أَوَائِلُ أُخْرَى مَا لَهُنَّ أَوَاخِرُ
مَلَا مُقْلَتَيْهِ الدَّمْعُ حَتَّى كَأَنَّهُ
…
لِمَا انْهَلَّ مِنْ عَيْنَيْهِ فِي الْمَاءِ نَاظِرُ
وَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ بِمُقْلَةٍ
…
رَمَى الشَّوْقُ فِي إِنْسَانِهَا فَهْوَ سَاهِرُ
670 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ لِلصِّمَّةِ الْقُشَيْرِيِّ:
[البحر الطويل]
وَأَذْكُرُ أَيَّامَ الْحِمَى ثُمَّ أَنْطَوِي
…
عَلَى كَبِدٍ مِنْ خَشْيَةٍ أَنْ تَتَصَدَّعَا
وَلَيْسَ عَشِيَّاتِ الْحِمَى بَرَوَاجِعٍ
…
عَلَيْكِ وَلَكِنْ خَلِّ عَيْنَيْكِ تَدْمَعَا
أَمَا وَجَلَالِ اللَّهِ لَوْ تَذْكُرُينَنِي
…
كَذِكْرَاكِ مَا كَفْكَفْتِ الْعَيْنَ مَدْمَعَا
فَقَالَتْ: بَلَى وَاللَّهِ ذِكْرًا لَوْ أَنَّهُ
…
تَضَمَّنَهُ صُمُّ الصَّفَا لَتَصَدَّعَا
مَرَرْنَا بِحَيِّهِمْ وَمِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمْ
…
مَرَرْنَا فَلَمْ نَطْمَعْ هُنَالِكَ مَطْمَعَا
بَكَتْ عَيْنِيَ الْيُسْرَى فَلَمَّا زَجَرْتُهَا
…
عَنْ الْجَهْلِ بَعْدَ الْحِلْمِ أَسْبَلَتَا مَعَا
671 -
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدٍ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ صَغِيرٍ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: قَصَدْتُ عَنَانَ جَارِيَةَ النَّاطِقِيِّ ، فَصَادَفْتُ عِنْدَهَا شَيْخًا أَعْرَابِيًّا بَدَوِيًّا ، فَقَالَتِ: الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِكَ عَلَى فَاقَةٍ ، إِنَّ هَذَا الْبَدَوِيَّ قَصَدَنِي لِأَنْ أَقُولَ بَيْتًا ، وَيَقُولُ بَيْتًا وَقَدْ وَاللَّهِ أُرْتِجَ عَلَيَّ ، فَقُلْتُ لِلشَّيْخِ: أَقُولُ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الشِّعْرَ فَقُلْ ، فَقُلْتُ:
[البحر الوافر]
لَقَدْ قَلَّ الْعَزَاءُ وَعِيلَ صَبْرِي
…
عَشِيَّةَ عِيرِهِمْ لِلْبَيْنِ زُمَّتْ
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ:
[البحر الوافر]
نَظَرْتُ إِلَى أَوَاخِرِهَا ضَحِيًّا
…
وَقَدْ رُفِعَتْ لَهَا عَصَبٌ فَرَنَّتْ
فَقَالَتْ:
[البحر الوافر]
كَتَمْتُ هَوَاكُمُ فِي الصَّدْرِ مِنِّي
…
عَلَى أَنَّ الدُّمُوعَ عَلَيَّ نَمَّتْ
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنْتِ وَاللَّهِ أَشْعُرُ الثَّلَاثَةِ ، وَلَوْلَا أَنَّكِ حُرْمَةٌ لَقَبَّلْتُ فَاكِ
672 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ
⦗ص: 329⦘
: سَمِعْتُ أَعْرَبِيًّا يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ دَمْعَةً تَرَقْرَقُ بِإِثْمِدٍ عَلَى خَدٍّ أَحْسَنَ مِنْ عَبْرَةٍ أَمْطَرَتْهَا جُفُونُهَا فَأَعْشَبَ لَهَا قَلْبِي
673 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الدِّينَارِيُّ:
[البحر البسيط]
بَدَائِعُ الشَّوْقِ لَا تُغْنِي وَإِنَّ لَهَا
…
مَا إِنْ يُرَدُّ بِتَصْدِيقٍ وَإِنكْارِ
مَاءُ الصَّبَابَةِ نَارُ الشَّوْقِ يَحْدُرُهُ
…
فَهَلْ سَمِعْتُمْ بِمَاءٍ فَاضَ مِنْ نَارِ
674 -
وَأَنْشَدَنِي الْمُعَلى بْنُ دَاوُدَ الْخَزَّازُ:
[البحر الكامل]
نَفَسٌ أَبَاحَ مِنَ الْهَوَى مَكْتُومَا
…
وَالدَّمْعُ كَانَ عَلَى الضَّمِيرِ نَمُومَا
كَلَمَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ فِي وَجَنَاتِهَا
…
فَتَرَى لَهَا تَحْتَ الْكُلُومِ كُلُومَا
وَبَكَا الْعَوَاذِلُ مَا تُجِنُّ مِنَ الْهَوَى
…
وَالدَّمْعُ يَعْقُبُهُ دَمًا مَسْجُومَا
675 -
وَأَنْشَدَنِي عُمَرُ بْنُ اللَّيْثِ الْحِمْصِيُّ:
[البحر الكامل]
رِدْ بِالْعِطَاشِ عَلَى حِيَاضِ دُمُوعِي
…
تُرْوَى الْعِطَاشُ مَشْوبَةً بِنَجِيعِ
لَيْسَتْ دُمُوعًا إِنْ قَطَرْتُ وَإِنَّمَا
…
هِيَ ذَوْبُ نَفْسِ الطَّالِبِ الْمَمْنُوعِ
676 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّافِقِيُّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ:
دَمْعَةٌ قَدْ نَثَرْتُ وَأُخْرَى عَلَى الْخَدِّ
…
وَأُخْرَى بَيْنَ الْجُفُونِ تَجُولُ
فَتَرَى الدَّمْعَ قَدْ يُحَيَّرُ فِي الْخَدِّ
…
مُقِيمًا كَأَنَّهُ مَا يَزُولُ
677 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِي لَدِيكِ الْجِنِّ:
[البحر السريع]
نَدِيمُ عَيْنَيَّ بَعْدَكِ الْكَوْكَبُ
…
وَلَوْعَةٌ إِنْسَانُهَا يُلْهَبُ
وَدَمْعَةٌ فِي الْخَدِّ مَسْفُوحَةٌ
…
كَأَنَّهَا مِنْ جَمْرَةٍ تُجْذَبُ
مَا امْتَنَعَ الدَّمْعُ وَإِسْبَالُهُ
…
عَلَيَّ لَمَّا امْتَنَعَ الْمَطْلَبُ
⦗ص: 330⦘
إِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ قَدْ أَذْنَبَتْ
…
فِيكِ فَإِنَّ الدَّمْعَ لَا يُذْنِبُ
678 -
وَأُنْشِدْتُ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ:
[البحر الطويل]
وَمِمَّا شَجَانِي أَنَّهَا يَوْمَ أَعْرَضَتْ
…
تَوَلَّتْ وَمَاءُ الْجَفْنِ فِي الْعَيْنِ حَائِرُ
فَلَمَّا أَعَادَهُ مِنْ بَعِيدٍ بِنَظْرَةٍ
…
إِلَيَّ الْتِفَاتًا أَسْلَمَتْهُ الْمَحَاجِرُ
679 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبْدِيِّ لِذِي الرُّمَّةِ:
[البحر الطويل]
وَلَمَّا تَلَاقَيْنَا جَرَتْ مِنْ عُيُونِنَا دُمُوعٌ
…
كَفَفْنَا مَاءَهَا بِالْأَصَابِعِ
وَإِنَّا تَسَاقَطْنَا حَدِيثًا كَأَنَّهُ
…
جَنَا النَّحْلِ مَمْزُوجًا بِمَاءِ الْوَقَائِعِ
بَابُ فَضِيلَةِ حِفْظِ السِّرِّ وَذَمِّ إِذَاعَتِهِ
680 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَلْبَسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ لَهَا؛ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَرَاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
682 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْأَوَّلِ
⦗ص: 336⦘
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اكْتُمْ سِرِّي تَكُنْ مُؤْمِنًا»
683 -
حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ:
[البحر المتقارب]
لَا تُفْشِ سَرَّكَ إِلَّا إِلَيْكَ
…
فَإِنَّ لِكُلِّ نَصِيحٍ نَصِيحَا
فَإِنِّي رَأَيْتُ غُوَاةَ الرِّجَالِ
…
لَا يَدَعُونَ أَدِيمًا صَحِيحَا
684 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ مِنْ خِدْمَتِهِ قُلْتُ: يَقِيلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَإِذَا غِلْمَانٌ يَلْعَبُونَ ، فَمِلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا انْتَهَى سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ دَعَانِي فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ لَهَا ثُمَّ أَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي الْحِينَ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا لَهُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ ، فَقَالَتْ: مَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ قَالَتْ: فَاحْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا أَخْبَرْتُ بِتِلْكَ الْحَاجَةِ أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ ، وَلَوْ كُنْتُ مُخْبِرَهَا أَحَدًا لَأَخْبَرْتُكَ بِهَا. يَعْنِي ثَابِتًا
685 -
حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
⦗ص: 337⦘
الطَّوِيلُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ غِلْمَانٍ ، فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ ، وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَارٍ حَتَّى أَتَيْتُهُ ، فَبَلَّغْتُهُ الرِّسَالَةَ الَّتِي بَعَثَنِي فِيهَا ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ قَالَتْ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ قَالَتْ: «فَاحْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»
686 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنه حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ مِنْ خُلَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ عُمَرُ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ:«إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ» ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ بِنْتَ عُمَرَ ، قَالَ عُمَرُ: وَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، فَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثَ لَيَالِيَ ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ عَلَيْكَ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَّا أَنِّي قَدْ كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ذَكَرَهَا ، فَلَمْ أَكُنْ
⦗ص: 338⦘
لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبِلْتُهَا
687 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ: أَبُوكَ الَّذِي يَقُولُ:
[البحر الطويل]
إِذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ
…
تَرْوِي عِظَامِي عِنْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا
قَالَ ابْنُ أَبِي مِحْجَنٍ: وَلَوْ شِئْتَ لَتَذَكَّرْتَ مِنْ شِعْرِهِ خَيْرًا مِنْ هَذَا؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: قَوْلَهُ:
[البحر البسيط]
لَا تَسْأَلِي الْقَوْمَ عَنْ مَالِي وَكَثْرَتِهِ
…
وَسَائِلِي الْقَوْمَ عَنْ بَأْسِي وَعَنْ خُلُقِي
الْقَوْمُ أَعْلَمُ أَنِّي مِنْ سَرَاتِهِمُ
…
إِذَا تَطِيشُ يَدُ الرِّعْدِيدِ بِالْفَرَقِ
أُعْطِي السِّنَانَ غَدَاةَ الرَّوْعِ حِصَّتَهُ
…
وَعَامِلَ الدَّمْعِ أَرْوِيهِ مِنَ الْعُلُقِ
وَأَرْكَبُ الْهَوْلَ مَبْذُولًا عَسَاكِرُهُ
…
وَأَكْتُمُ السِّرَّ فِيهِ ضَرْبَةُ الْعُنُقِ
688 -
سَمِعْتُ ثَعْلَبًا يَقُولُ: هَذَا الْبَيْتُ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ ، وَأَنْشَدَ:
[البحر الكامل]
وَلَهَا سَرَائِرُ فِي الضَّمِيرِ طَوَيْتُهَا
…
نَسِيَ الضَّمِيرُ بِأَنَّهَا فِي طَيِّهِ
689 -
وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ لِجَابِرِ بْنِ ثَعْلَبٍ:
[البحر الطويل]
وَمُسْتَخْبِرٍ عَنْ سِرِّ لَيْلَى رَدَدْتُهُ بِعَمْيَاءَ فِي لَيْلَى بِغَيْرِ يَقِينِ
يَقُولُونَ: خَبِّرْنَا فَأَنْتَ أَمِينُهَا وَمَا أَنَا إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِأَمِينِ
690 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
[البحر البسيط]
لَوْ قَدْ قَدَرْتُ عَلَى نِسْيَانِ مَا اشْتَمَلَتْ
…
مِنِّي الضُّلُوعُ مِنَ الْأَسْرَارِ وَالْخَبَرِ
لَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ يَنْسَى سَرَائِرَهُ
…
إِذْ كُنْتُ مِنْ نَشْرِهَا يَوْمًا عَلَى خَطَرِ
691 -
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِحَدِيثٍ ثُمَّ الْتَفَتَ ، فَهِيَ أَمَانَةٌ»
692 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَاتِ» وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا تَجْعَلَنَّ لِمَا أَبْرَمْتَ مِنْ كَيْدٍ عَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُكَ مَخْرَجًا مِنْ لِسَانِكَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَأْمُونٍ أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ حِيلَةُ الْمُحْتَالِ بِالنَّقْضِ لَهُ ، أَوْ الِاحْتِرَاسِ مِنْهُ وَقَالَ آخَرُ: احْفَظْ سَرَّكَ ، فَإِنَّهُ مِنْ دَمِكَ
693 -
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا سُرَيْحُ بنُ النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ ابْنِ أَخِي ، جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ: مَجْلِسٌ يُسْفَكُ فِيهِ دَمٌ حَرَامٌ ، وَمَجْلِسٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ فَرْجٌ حَرَامٌ ، وَمَجْلِسٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ مَالٌ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ "
694 -
حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: «مَا تَقَدَّمْتُ عَلَى شَيْءٍ فَنَدِمْتُ عَلَيْهِ ، وَلَا وَضَعْتُ سِرِّي عِنْدَ أَحَدٍ فَأَفْشَاهُ عَلَيَّ فَلُمْتُهُ ، أَنَا كُنْتُ أَضْيَقَ صَدْرًا حَيْثُ وَضَعْتُهُ عِنْدَهُ»
695 -
سَمِعْتُ أَبَا بُرْدٍ ، يُنْشِدُ:
[البحر الطويل]
ضَعِ السِّرَّ فِي صَمَّاءَ لَيْسَتْ بِصَخْرَةٍ
…
صَلُودٍ كَمَا عَايَنْتَ مِنْ سَائِرِ الصَّخْرِ
وَلَكِنَّهُ قَلْبُ امْرِئٍ ذِي حَفِيظَةٍ
…
يَرَى ضَيْعَةَ الْأَسْرَارِ خَتْرًا مِنَ الْخَتْرِ
يَمُوتُ وَمَا مَاتَتْ كَرَائِمُ فَضْلِهِ
…
وَيَبْلَى وَمَا يَبْلَى ثَنَاهُ عَلَى الدَّهْرِ
696 -
وَأَنْشَدَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مَضَاءَ الْمَوْصِلِيُّ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 341⦘
زِنِ الْحِلْمَ وَاسْتَبْقِ الصَّدِيقَ فَإِنَّمَا
…
تَمَامُ يَدِ الْمَرْءِ الْكَرِيمِ أَصَابِعُهْ
وَصِلْ حَبَلَ مَنْ يَهْوَى وِصَالَكَ وَاحْتَرِسْ
…
كَلَامَكَ حَتَّى تَسْتَبِينَ مَوَاضِعَهْ
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ
…
وَحَمَلَهُ الْأَقْوَامُ طَارَتْ قَنَازِعُهْ
697 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ النَّحْوِيُّ:
[البحر البسيط]
أَصُونُ سِرَّكِ فِي صَدْرِي وَأَحْفَظُهُ
…
إِذَا تَضَايَقَ صَدْرُ الضَّيِّقِ الْبَاعِ
فَلَا تُضِيعِنَّ سِرِّي إِنْ ظَفِرْتِ بِهِ
…
إِنَّى لِسِرِّكِ رَاعٍ غَيْرُ مِضْيَاعِ
ثُمَّ اعْلَمِي أَنَّ مَا اسْتَوْدَعْتِ فِي ثِقَةٍ
…
تُمْسِي وَتُصْبِحُ عِنْدَ الْحَافِظِ الرَّاعِي
"
698 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مِنْهَالُ بْنُ حَمَّادٍ السَّرَّاجُ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْعِجْلِيُّ ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: مَنْ كَتَمَ سَرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ فِي يَدِهِ
699 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: يَا بُنَيَّ ، أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِيكَ ، فَاحْفَظْ مِنِّي خِصَالًا ثَلَاثَةً: لَا تُفْشِ لَهُ سِرًّا ، وَلَا يَسْمَعَنَّ مِنْكَ كَذِبًا ، وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا
700 -
أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ:
[البحر البسيط]
وَحَاجَةٌ لَا تَرَاهَا النَّاسُ تُنْصِبُنِي
…
يَرْفَضُّ لَوْ أَنَّهَا فِي جَوْفِهِ الْحَجَرُ
أَسْرَرْتُهَا دُونَ أَقْوَامٍ ذَوِي ثِقَةٍ
…
إِنَّ الْحَدِيثَ إِذَا مَا شَاعَ يَنْتَشِرُ
701 -
أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ لِابْنِ مَيَّادَةَ:
[البحر الطويل]
وَإِنِّي لِمَا اسْتَوْدَعْتِ يَا أُمَّ مَالِكٍ
…
عَلَى قِدَمٍ مِنْ عَهْدِنَا لَكَتُومُ
أُخَبَّرُ سِرًّا ثُمَّ أَسْتَكْتِمُ الَّذِي
…
أَخَبَّرُهُ إِنِّي إِذًا لَلَئِيمُ
702 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ ، عَنِ الْمُؤَمَّلِ قَالَ: قَالَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ:
[البحر الطويل]
كَأَنَّ دُمُوعَ الْعَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلَتْ
…
بُثَيْنَةُ يَسْقِيهَا الرَّشَاشُ مَعِينُ
وَرُحْنَ وَقَدْ أَوْدَعْنَ عِنْدِي أَمَانَةً
…
لِبُثْنَةَ سِرٌّ فِي الْفُؤَادِ مَكِينُ
كَسِرِّ الَّذِي لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ
…
ثَوَى فِي قَرَارِ الْأَرْضِ وَهْوَ دَفِينُ
703 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رِشْدِينَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه اشْتَكَى شَكَاةً خَافَ فِيهَا ، فَأَوْصَى وَاسْتَخْلَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الْحَجِّ ، وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ كِتَابَ وَصِيَّتِهِ حَمْدَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ ، فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَ بِذَاكَ أَحَدًا ، فَعُوفِيَ عُثْمَانُ مِنْ مَرَضِهِ ، وَقَدِمَ
⦗ص: 343⦘
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَلَقِيَهُ حَمْدَانُ ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِ عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي أَصَابَهُ مِنَ الْمَرَضِ ، وَأَسَرَّ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ مِنَ اسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِحَمْدَانَ: مَاذَا صَنَعْتَ؟ مَا لِي بُدٌّ مِنْ أَنْ أُخْبِرَهُ ، فَقَالَ حَمْدَانُ: إِذًا وَاللَّهِ تُهْلِكُنِي ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَسَعُنِي تَرْكُ ذَلِكَ ، لِئَلَّا يَأْمَنَكَ عَلَى مِثْلِهَا ، وَلَكِنْ وَأَفْعَلُ حَتَّى أَسْتَأْمِنَهُ لَكَ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ: إِنَّ لِبَعْضِ أَهْلِكَ ذَنْبًا لَيْسَ عَلَيْكَ إِثْمٌ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ فِيهِ ، وَلَسْتُ مُخْبِرَكَ حَتَّى تُؤَمِّنَهُ ، فَقَالَ عُثْمَانُ: فَقَدْ فَعَلْتُ ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي أَسَرَّ إِلَى حَمْدَانَ ، فَقَالَ:«إِنْ شِئْتَ جَلَدْتُكَ مِائَةً ، وَإِنْ شِئْتَ فَاخْرُجْ عَنِّي ، فَاخْتَارَ الْخُرُوجَ ، فَخَرَجَ إِلَى الْكُوفَةِ»
704 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَزَّانُ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ قَبْرِ الْمَاشِطَةِ وَابْنِهَا وَزَوْجِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَضِرَ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكَانَ يَأْتِي رَاهِبًا فِي صَوْمَعَةٍ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّاهِبُ فَيُعَلِّمُهُ الْإِسْلَامَ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَضِرَ زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً ، فَعَلَّمَهَا الْخَضِرُ وَأَخَذَ عَلَيْهَا أَلَا تُعَلِّمَهُ أَحَدًا ، وَكَانَ لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ ، فَطَلَّقَهَا فَنَكَثَتْ فَأَفْشَتْ عَلَيْهِ ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى أَتَى جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ ، فَأَقْبَلَ رَجُلَانِ يَحْتَطِبَانِ فَرَأَيَاهُ ، فَكَتَمَ أَحَدُهُمَا وَأَفْشَى الْآخَرُ ، وَقَالَ: رَأَيْتُ الْخَضِرَ ، قِيلَ لَهُ: وِمَنْ رَآهُ مَعَكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ ، فَسُئِلَ فَكَتَمَ ، وَكَانَ مِنْ دِينِهِمْ أَنَّ مَنَ كَتَمَ قُتِلَ ، فَتَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ الْكَاتِمَةُ ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ سَقَطَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ فِرْعَوْنُ ، فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا ، وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ ابْنَانِ وَزَوْجٌ ، فَأَرْسَلَ
⦗ص: 344⦘
إِلَيْهِمْ فَرَاوَدَ الْمَرْأَةَ وَزَوْجَهَا أَنْ يَرْجِعَا عَنْ دِينِهِمَا ، فَأَبَيَا ، فَقَالَ: إِنِّي قَاتِلُكُمَا ، فَقَالَا إِحْسَانٌ مِنْكَ إِلَيْنَا إِنْ قَتَلْتَنَا ، فَقَتَلَهُمَا ، فَلَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَسَأَلَ جِبْرِيلَ عليه السلام فَأَخْبَرَهُ
705 -
حَدَّثَنِي الْمُسَيَّبُ بْنُ عَلِيٍّ الرُّصَافِيُّ ، عَنْ بَعْضِ مَشَائِخِهِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هَمَّامٍ السَّلُولِيَّ سَبَّهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ هَمَّامٍ ، إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ قُلْتُ كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ لِلرَّجُلِ:
[البحر الطويل]
أَنْتَ امْرُؤٌ إِمَّا تُمَسَّكَ خَالِيًا
…
فَخُنْتَ وَإِمَّا قُلْتَ قَوْلًا بِلَا عِلْمِ
وَإِنَّكَ فِي الْأَمْرِ قَدْ أَتَيْتَهُ
…
لَفِي مَنْزِلٍ بَيْنَ الْخِيَانَةِ وَالْإِثْمِ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِيُّ: أَنْشَدَنِي الرِّيَاشِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي الْعُتْبِيُّ:
[البحر الطويل]
سَأَكْتُمُهُ سِرِّي وَأَحْفَظُ سَرَّهُ
…
وَلَا غَرَّنِي أَنِّي عَلَيْكَ كَتُومُ
حَلِيمٌ فَيَنْسَى أَوْ جَهُولٌ بِسَعْيِهِ
…
وَمَا النَّاسُ إِلَّا جَاهِلٌ وَحَلِيمُ
706 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَنْظُرُ فِي مَظَالِمِ النَّاسِ وَقَعَتْ فِي يَدِهِ رُقْعَةٌ فَقَرَأَهَا ، فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ:
[البحر الطويل]
تَغَيَّرَ وَجْهُ الْبَدْرِ إِذْ غُيِّبَ الْبَدْرُ
…
وَحَالَفَنِي الْهِجْرَانُ لَا سُلِّمَ الْهَجْرُ
عَلَى غَيْرِ جُرْمٍ كَانَ مِنِّي جَنَيْتُهُ
…
سِوَى أَنَّنِي نَوَّهْتُ إِذْ غُلِبَ الصَّبْرُ
⦗ص: 345⦘
وَإِنَّ امَرَأً أَهْدَى رَيَاحِينَ قَلْبِهِ
…
إِلَى إِلْفِهِ إِذْ شَفَّهُ الشَّوْقُ وَالذِّكْرُ
حَقِيقٌ بِأَنْ يَصْفُوَ لَهُ الرَّدُّ وَالْهَوَى
…
وَيُصْرَفَ عَنْهُ الْهَجْرُ إِذْ مُنِعَ الْعُذْرُ
فَقُلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا
…
أَتَيْنَاكَ لِلْفُتْيَا إِذَا وَضَحَ الْأَمْرُ
قَالَ: فَوَقَّعَ فِي ظَهْرِ الرُّقْعَةِ:
[البحر الطويل]
لَقَدْ وَضَحَتْ فِيكَ الْقَضِيَّةُ يَا عَمْرُو
…
وَأَنْتَ حَقِيقٌ أَنْ يَحِلَّ بِكَ الْهَجْرُ
لِأَنَّكَ أَظْهَرْتَ الَّذِي كُنْتَ كَاتِمًا
…
وَنَوَّهْتَ بِالْحُبِّ الَّذِي ضَمِنَ الصَّبْرُ وَالصَّدْرُ
فَبُحْتَ بِهِ فِي النَّاسِ حَتَّى إِذَا بَدَا
…
سِقَامُ الْهَوَى نَادَيْتَ أَنْ غُلِبَ الصَّبْرُ
فَهَلَّا بِكِتْمَانِ الْهَوَى مِتَّ صَبْوَةً
…
فَتَهْلِكَ مَحْمُودًا وَفِي كَفِّكَ الْعُذْرُ
فَلَسْتُ أَرَى إِنْ بُحْتَ بِالْحُبِّ وَالْهَوَى
…
جَزَاءَكَ إِلَّا أَنْ يُعَاقِبَكَ الْبَدْرُ
707 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَطْلِيُّ لِرَاشِدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْكَاتِبِ:
[البحر الطويل]
لَعَمْرُكَ مَا اسْتَوْدَعْتُ سِرِّي وَسِرَّهَا
…
سِوَانَا حِدَادًا أَنْ تَضِيعَ السَّرَائِرُ
وَلَا خَاطَبَتْهَا مُقْلَتَايَ بِلَحْظَةٍ
…
فَتَعْرِفُ نَجْوَانَا الْعُيُونُ النَّوَاظِرُ
وَلَكِنْ جَعَلْتُ الْوَهْمَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
…
رَسُولًا فَأَدَّى مَا تُجِنُّ الضَّمَائِرُ
أُكَاتِمُ مَا فِي الْقَلْبِ بَقْيًا عَلَى الْهَوَى
…
مَخَافَةَ أَنْ يُغْرَى بِذِكْرَاكِ ذَاكِرُ
708 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " لَوْ كَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ
⦗ص: 346⦘
مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] "
709 -
أَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ لِأَبى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيِّ:
[البحر البسيط]
عِنْدِي لَهُمْ أَنَّنِي أَرْعَى أَوَاصِرَهُمْ
…
شَسْعًا وَحَصْرًا أَصَرَّ الْقَوْمُ أَوْ تَرَعُوا
وَإِنَّ أَسْرَارَهُمْ عِنْدِي وَإِنْ قَطَعُوا
…
حَبْلَ الصَّفَاءِ كَغَيْبٍ لَيْسَ يُطَّلَعُ
يَأْوِي إِلَى صَخْرَةٍ مِنِّي مُلَمْلَمَةٍ
…
تَنْبُو الْمَعَاوِلُ عَنْهَا لَيْسَ تَنْصَدِعُ
710 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
[البحر البسيط]
السِّرُّ يَكْتُمْهُ الِاثْنَانِ بَيْنَهُمَا
…
وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الِاثْنَيْنِ يَنْتَشِرُ
وَالْمَرْءُ مَا لَمْ يُرَاقَبْ عِنْدَ صَبْوَتِهِ
…
لَمْحَ الْعُيُونِ بِسُوءِ الظَّنِّ يَنْتَشِرُ
711 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ:
[البحر الطويل]
كَتَمْتُ الْهَوَى حَتَّى تَشَكَّتْ نُحُولَةً
…
عِظَامِي بإِفْصَاحٍ وَهُنَّ سُكُوتُ
يَذُبُّ الرَّجَا عَنِّي الْمَنَايَا فَلَوْ خَلَا
…
مُقِيمُ الرَّجَا عَنْ مُقْلَتِي لَطَفِيتُ
بَابُ احْتِمَالِ الْمَكْرُوهِ فِي طَاعَةِ الْهَوَى
712 -
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ:«كَانَ لِسُلَيْمَانَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ تَطْحَنُ كُلَّ لَيْلَةٍ ، لَا أَعْلَمُهُ ثَلَاثَةَ أَقْفِزَةٍ ، فَخَالَهَا شَيْطَانٌ فَانْطَلَقَ إِلَى الْبَحْرِ فَشَقَّهُ وَاتَّخَذَ رَحَى مَاءٍ ، فَكَانَ يَذْهَبُ بِبُرِّهَا كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَطْحَنُهُ فِي سَاعَةٍ وَيَأْتِيهَا بِهِ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ سُلَيْمَانُ عليه السلام ، فَسَأَلَهَا فَدَلَّتْ عَلَيْهِ فَعَمِلَ لَهُ رَحَى الْمَاءِ ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَهَا»
713 -
أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلَبِيُّ:
[البحر الطويل]
وَإِنِّي لَأَهْوَاهَا وَإِنْ طَالَ هَجْرُهَا
…
وَأَمْنَحُهَا وُدِّي وَإِنْ صَرَمَتْ حَبْلِي
إِذَا كُنْتُ أَجْزِيهَا بِسُوءِ صَنِيعِهَا
…
إِلَيَّ فَقَدْ صَارَتْ إِذًا فِي الْهَوَى مِثْلِي
714 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ زَيْدٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، كَانَ إِذَ ضَرَبَ الْبَعْثَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ جُنْدِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ قَدْ أَخَلَّ بِمَرْكَزِهِ أَقَامَهُ عَلَى كُرْسِيٍّ ثُمَّ سَمَّرَ يَدَيْهِ فِي الْحَائِطِ ثُمَّ انْتَزَعَ الْكُرْسِيَّ مِنْ تَحْتِ رِجْلَيْهِ ، فَلَا يَزَالُ يَنْشَحِطُ حَتَّى يَمُوتَ ، وَإِنَّهُ ضَرَبَ الْبَعْثَ عَلَى رَجُلٍ حَدِيثِ عَهْدٍ بِعُرْسِ ابْنَةِ عَمِّهِ ، فَلَمَّا صَارَ فِي مَرْكَزِهِ كَتَبَ إِلَى ابْنَةِ عَمِّهِ كِتَابًا ثُمَّ كَتَبَ فِي أَسْفَلِهِ:
[البحر البسيط]
لَوْلَا مَخَافَةُ بِشْرٍ أَوْ عُقُوبَتِهِ
…
وَأَنْ يَرَى حَاسِدِي كَفِّي بِمِسْمَارِ
إِذًا لَعَطَّلْتُ ثَغْرِي ثُمَّ زُرْتُكُمُ
…
إِنَّ الْمُحِبَّ إِذَا مَا اشْتَاقَ زَوَّارُ
قَالَ: فَوَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى ابْنَةِ عَمِّهِ فَأَجَابَتْهُ عَنْ كِتَابِهِ فِي أَسْفَلِهِ
⦗ص: 348⦘
:
لَيْسَ الْمُحِبُّ الَّذِي يَخْشَى الْعِقَابَ وَلَوْ
…
كَانَتْ عُقُوبَتُهُ مِنْ فَجْوَةِ النَّارِ
بَلِ الْمُحِبُّ الَّذِي لَا شَيْءَ يُفْزِعُهُ
…
أَوْ يَسْتَقِرُّ وَمَنْ يَهْوَاهُ فِي الدَّارِ
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهَا قَالَ: لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا ، وَأَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ ، فَأَتَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ فِي وَقْتِ غَدَائِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَدَائِهِ أُدْخِلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: مَا الَّذِي دَعَاكَ إِلَى تَعْطِيلِ ثَغْرِكَ؟ أَمَا سَمِعْتَ نَدَاءَنَا وَإِيعَاذَنَا؟ فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ عُذْرِي ، فَإِمَّا عَفَوْتَ وَإِمَّا عَاقَبْتَ قَالَ: وَيْلَكَ ، وَهَلْ لِمِثْلِكَ مِنْ عُذْرٍ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ وَقَصَةَ ابْنَةِ عَمِّهِ ، فَقَالَ: أَوْلَى لَكَ ، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ ، حُطَّ اسْمَهُ مِنَ الْبَعْثِ ، وَأَعْطِهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، الْحَقْ بِابْنَةِ عَمِّكِ
715 -
أَنْشَدَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ:
[البحر الطويل]
عَفَا اللَّهُ عَنْ سَلْمَى وَإِنْ سَفَكَتْ دَمِي
…
فَإِنَّى وَإِنْ لَمْ تُجْزِنِي غَيْرُ عَاتِبِ
يَقُولُونَ تُبْ مِنْ حُبِّ سَلْمَى وَذِكْرِهَا
…
وَمَا أَنَا مِنْ حُبِّ سَلْمَى بِتَائِبِ
716 -
أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ زِيَادٍ:
[البحر الطويل]
سَهِرْتُ وَمَنْ أَهْدَى لِيَ الشَّوْقَ نَائِمُ
…
وَعَذَّبَ قَلْبِي بِالْهَوَى وَهْوَ سَالِمُ
أَيَا بِأَبِي حَتَّى مَتَى أَنَا قَائِلٌ
…
لِمَنْ لَامَنِي فِي حُبِّكُمْ أَنْتَ ظَالِمُ
وَحَتَّى مَتَى أُخْفِي الْهَوَى وَأُسِرُّهُ
…
وَأَدْفِنُ شَوْقِي فِي الْحَشَى وَأُكَاتِمُ
أُرِيدُ بِهِ مَا سَرَّكُمْ لِمَسَاءَتِي
…
لِيَغْفُلَ وَاشٍ أَوْ لِيُعْذِرَ لَائِمُ
717 -
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ:
[البحر البسيط]
⦗ص: 349⦘
بِي لَا بِهَا مَا أُقَاسِي مِنْ تَجَنِّيهَا
…
وَمِنْ جَوَى الْحُبِّ أَفْدِيهَا وَأَحْمِيهَا
وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَا أُسَرُّ بِأَنْ
…
تَلْقَى مِنَ الْوَجْدِ مَا لَاقِيتُهُ فِيهَا
خَوْفِي الْبُكَاءَ كَمَا أَبْكِي فَتَتْرُكُنِي
…
أَبْكِي عَلَى كَبِدِي مِنْهَا وَأُبْكِيهَا
718 -
أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ الضَّبِّيُّ:
[البحر الطويل]
إِنَّا وَإِنْ كُنَّا نُرَاكِ بَخِيلَةً
…
كَثِيرًا عَلَى عَلَّاتِهَا يَسْتَزِيدُهَا
فَإِنَّكِ كَالدُّنْيَا نَذُمُّ صُرُوفَهَا
…
وَنُوسِعُهَا شَتْمًا وَنَحْنُ عَبِيدُهَا
719 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: بَيْنَا كُثَيِّرٌ يُنْشِدُ النَّاسَ وَقَدْ حَشَدُوا لَهُ ، إِذْ مَرَّتْ بِهِ عَزَّةُ وَمَعَهَا زَوْجُهَا ، فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا: وَاللَّهِ لَتَسُبِّنَّهُ أَوْ لَأَسُوءَنَّكِ ، فَقَرُبَتْ مِنْهُ وَجَعَلَتْ تَسُبُّهُ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
يُكَلِّفُهَا الْخِنْزِيرُ سَبِّيَ وَمَا بِهَا
…
هَوَانِي وَلَكِنْ لِلْمَلِيكِ اسْتَذَلَّتِ
هَنِيّا مَرِيّا غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ
…
لِعَزَّةَ مِنْ أَعْرَاضِنَا مَا اسْتَحَلَّتِ
فَمَا أَنَا بِالدَّاعِي لِعَزَّةَ بِالْجَوَى
…
وَلَا شَامِتٌ إِنْ نَعْلُ عَزَّةَ زَلَّتِ
أَصَابَ الرَّدَى مَنْ كَانَ يَهْوَى لَكِ الرَّدَى
…
وَجُنَّ اللَّوَاتَى قُلْنَ: عَزَّةُ جَلَّتِ
720 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ ، وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِيَ امْرَأَةً ، وَإِنِّي أُحِبُّهَا ، وَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ:«طَلِّقْهَا» . قَالَ: إِنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْهَا قَالَ: «فَأَمْسِكْهَا إِذًا»
⦗ص: 350⦘
حَدَّثَنَا الزِّيَادِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ: زَعَمَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ «لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ» الْكِنَايَةَ عَنِ الْجِمَاعِ ، أَيْ لَا تَمْنَعُ أَحَدًا أَرَادَهَا لِرِيبَةٍ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فَقَالُوا: أَلَا تَرَاهُ جَعَلَ الْجِمَاعَ لَمْسًا ، إِنَّمَا قَالَ: لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] فَلَا يَجُوزُ لِقَائِلٍ يَقُولُ أَنَّ لِهَذَا مَعْنًى غَيْرَ الْيَدِ الْمَعْرُوفِ ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الرَّجُلَ وَصَفَ امْرَأَتَهُ بِالْخُرْقِ وَضَعْفِ الرَّأْيِ ، وَأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ أَحَدًا سَأَلَهَا مِنْ مَتَاعِ بَيْتِهِ شَيْئًا ، وَهَذَا لَفْظٌ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْكِنَايَةِ ، إِنَّمَا تُمْنَعُ الْيَدُ نَفْسُهَا ، فَكَانَ الْجَوَابُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّهَا وَلَا تُطِيقُ الصَّبْرَ عَنْهَا ، فَاحْتَمِلْ هَذَا الْفِعْلَ مِنْهَا. وَكَيْفَ يُتَأَوَّلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَهُ بِإِمْسَاكِ امْرَأَةٍ لَا تَمْنَعُ أَحَدًا أَرَادَهَا لِرِيبَةٍ ، فَتُلْحِقَ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ ، يَرِثُ مَالَهُ وَيَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ نِسَائِهِ ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي ذَمِّ الزِّنَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَرُويَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا جَاءَكُمُ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَظَنُّوا بِهِ الَّذِي
⦗ص: 351⦘
هُوَ أَهْدَى ، وَالَّذِي هُوَ أَتْقَى بَلْ لَمْ نَرَ أَحَدًا أَحَبَّ امْرَأَةً فَاحْتَمَلَ أَنْ يَرَى مَعَهَا رَجُلًا غَيْرَهُ ، أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهَا تَخُونُهُ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِقَائِلٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا التَّأَوِيلَ وَيَظُنَّ بِهِ ، هَذَا مَا لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى عَقْلٍ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْغَيْرَةِ مِمَّا أَنَا ذَاكِرُهُ بَعْدُ مِنْ ضَرْبِهِمْ لِنِسَائِهِمْ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ ، وَكَيْفَ يَصْبِرُ عَلَيْهَا وَهِيَ لَا تَمْنَعُ عَلَى غَيْرِهِ؟
بَابُ الْإِشْفَاقِ وَالْحَذَرِ وَمَا يُنْتِجَانِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ
724 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَاثِقِ بِاللَّهِ يَوْمًا وَهُوَ بِالنَّجَفِ ، فَدَخَلَ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ فَقَعَدَ مَعَنَا نَتَحَدَّثُ ، وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ الْوَاثِقُ بَعْدُ ، فَقَالَ لِيَ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ: يَا إِسْحَاقُ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ قَالَ: أَعْجَبَنِي هَذَانِ الْبَيْتَانِ ، قُلْتُ: أَنْشِدْنِي يَا عَبْدَ اللَّهِ ، فَمَا أَعْجَبَكَ مِنْ شَيْءِ فَفِيهِ السُّرُورُ ، فَأَنْشَدَنِي: "
[البحر الطويل]
وَلِي نَظْرَةٌ لَوْ كَانَ يُحْبِلُ نَاظِرٌ
…
بِنَظْرَتِهِ أُنْثَى لَقَدْ حَبَلَتْ مِنِّي
فَإِنْ وَلَدَتْ مَا بَيْنَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ
…
إِلَى نَظَرِي ابْنًا فَإِنَّ ابْنَهَا ابْنِي
قُلْتُ: قَدْ أجادَ ، وَلَكِنِّي أُنْشِدُكَ بَيْتَيْنِ ، أَرْجُو أَنْ يُعْجِبَاكَ قَالَ: هَاتِ ، فَأَنْشَدْتُهُ:
وَلَمَّا رَمَتْ بِالطَّرْفِ ظَنَنْتُهَا
…
كَمَا آثَرَتْ بِالطَّرْفِ تُؤْثَرُ بِالْقَلْبِ
وَإِنِّي بِهَا فِي كُلِّ حَالٍ لَوَاثِقٌ
…
وَلَكِنَّ سُوءَ الظَّنِّ مِنْ شِدَّةِ الْحُبِّ
قَالَ: أَحْسَنْتَ يَا إِسْحَاقُ ، وَخَرَجَ الْوَاثِقُ فَقَالَ: فِيمَ أَنْتُمْ؟ فَحَدَّثَهُ ابْنُ أَبِي دُؤَادَ وَأَنْشَدَهُ ، فَأَمَرَ لِي بِعَشَرَةِ آلَافٍ ، وَأَمَرَ لِابْنِ أَبِي دُؤَادَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي أَصَبْتُ فِي مَنْزِلِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: وَجَّهَ إِلَيْكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِهَذَا "
725 -
وَأَنْشَدَنِي مُوسَى بْنُ عِيسَى الطَّبَرِيُّ:
[البحر الطويل]
إِذَا اخْتَلَجَتْ عَيْنِي بَكَيْتُ صُبَابَةً
…
عَلَيْكِ وَخَوْفًا أَنْ تَرَاكِ سِوَى عَيْنِي
أَفِي الْحَقِّ هَذَا أَنْ تَبِيتِي خَلِيَّةً
…
وَأُصْبِحُ وَالْهَمُّ الْمُبَرِّحُ إِلْفَيْنِ
أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ قَلْبَكِ وَاحِدٌ
…
وَأَنَّكِ قَدْ صَيَّرْتِ قَلْبِيَ قَلْبَيْنِ
726 -
حَدَّثَنَا الرَّبَعِيُّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَلَفٍ الْعَبْدِيِّ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: ذَكَرَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ أَوَّلَ عِشْقٍ كَانَ بِبِلَادِ الْهِنْدِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْبَرْهَمَنْدَ السَّمَوْأَلَ عَشِقَ سِنْبَةَ ابْنَةَ السَّاحِرَةِ ، فَاسْتَعْمَلَ الْوَهْمَ فِي أُمِّهَا ، فَصَارَتْ صَخْرَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، فَظَفِرَ بِسِنْبَةَ. فَقَالَ الرَّبَعِيُّ: مَعْنَى الْوَهْمِ: يَقُولُونَ: إِنَّ فِيَ الْهِنْدِ مَنْ إِذَا تَوَهَّمَ بِشَيْءٍ صَارَ مَا يَتَوَهَّمُهُ. قَالَ: فَأَدْخَلَهَا عَادًا حَذَرًا عَلَيْهَا ، فَكَانَ مَعَهَا فِيهِ. وَقَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَتَرْجَمَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ بَعْضُ الْبَرَاجِمَةِ فَوَجَدَهَا:
[البحر السريع]
لَا تَطْلُعِينَ فِي قَمَرٍ إِنِّنِي
…
أَخَافُ أَنْ يَغْلَطَ أَهْلُ السَّفَرِ
أَوْ طَلَعَتْ شَمْسٌ فَلَا تَطْلُعِي
…
أَخَافُ أَنْ تُغْشَى عُيُونَ الْبَشَرِ
727 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
[البحر الطويل]
إِذَا سِمْتَهَا التَّقْبِيلَ صَدَّتْ وَأَعْرَضَتْ
…
صُدُودَ عِتَاقِ الْخَيْلِ حُلَّ لِجَامُهَا
وَعَضَّتْ عَلَى إِبْهَامِهَا ثُمَّ أَوْمَأَتْ
…
أَخَافَ الْبُيُوتَ أَنْ تَهُبَّ نِيَامُهَا
قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبْدِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: كَتَبَ بَعْضُ مُلُوكِ الْهِنْدِ إِلَى وَزِيرٍ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِ جَارِيَةً كَانَ يُحِبُّهَا ، فَحَمَلَهَا وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ: تَفْسِيرُهُمَا:
[البحر الكامل]
لَا يَأْمَنَنَّ عَلَى النِّسَاءِ أَخٌ أَخًا
…
مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِينُ
إِنَّ الْأَمِينَ وَإِنْ تَحَفَّظَ جَهْدَهُ
…
لَا بُدَّ أَنَّ بِنَظْرَةٍ سَيَخُونُ
728 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى ، حِكَايَةً عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ ، وَكَانَتْ مِنْ عُقَلَاءِ النَّاسِ قَالَتْ: شَيْئَانِ لَا تُؤْتَمَنُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمَا: الرِّجَالُ وَالطِّيبُ
بَابُ ذِكْرِ الْغَيْرَةِ عَلَى النِّسَاءِ
729 -
حَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، وَحَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّهُ لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ عز وجل»
730 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ أُمِّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَغَارُ ، فَلْيَغَرْ أَحَدُكُمْ»
731 -
حَدَّثَنَا التَّرْقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَيَغَارُ لِلْمُسْلِمِ ، فَلْيَغَرْ»
732 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ شَيْءٌ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ»
733 -
حَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَغَارُ ، وَالْمُؤْمِنُ يَغَارُ ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل»
734 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُ يَغَارُ ، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَشَدُّ غَيْرَةً»
735 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" الْغَيْرَةُ غَيْرَتَانِ: فَغَيْرَةٌ يُحِبُّ اللَّهُ ، وَأُخْرَى يَكْرَهُهَا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَغَارَ؟ قَالَ:«تُؤْتَى مَعَاصِي اللَّهِ عز وجل وَتُنْتَهَكُ مَحَارِمُهُ» . قُلْنَا: فَمَا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَكْرَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ؟ قَالَ: «غَيْرَةُ أَحَدِكُمْ فِي كُنْهِهِ»
736 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْجَرْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: الْغَيْرَةُ غَيْرَتَانِ: غَيْرَةٌ يُصْلِحُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ ، وَغَيْرَةٌ تُدْخِلُهُ النَّارَ "
737 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْدِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ بِإِبْرَاهِيمَ ، وَعِنْدَهَا نَسِيبٌ لَهَا كَانَ قَدِمَ مَعَهَا مِنْ مِصْرَ وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنَّهُ جَبَّ نَفْسَهُ فَقَطَعَ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَتَّى لَمْ يُبْقِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا عَلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا قَرِيبُهَا ، فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَاكَ شَيْئًا كَمَا يَقَعُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ ، فَرَجَعَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، فَعَرَفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَالِي أَرَاكَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ؟ فَأَخْبَرَهُ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَرِيبِ مَارِيَةَ ، فَمَضَى بِسَيْفِهِ فَأَقْبَلَ يَسْعَى حَتَّى دَخَلَ عَلَى مَارِيَةَ ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا قَرِيبَهَا ذَلِكَ ، فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ لِيَقْتُلَهُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ كَشَفَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ ،
⦗ص: 357⦘
738 -
حَدَّثَنَا الصَّاغَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ سَارَةُ تَحْتَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام خَلِيلِ اللَّهِ ، فَمَكَثَتْ مَعَهُ دَهْرًا لَا تُرْزَقُ مِنْهُ وَلَدًا ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ وَهَبَتْ لَهُ هَاجَرُ ، أَمَةً لَهَا قِبْطِيَّةً ، فَوَلَدَتْ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِسْمَاعِيلَ ، فَغَارَتْ مِنْ ذَلِكَ سَارَّةُ وَوَجَدَتْ فِي نَفْسِهَا ، وَعَتَبَتْ عَلَى هَاجَرَ ، فَحَلَفَتْ أَنْ تَقْطَعَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَشْرَافٍ ، فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ:" هَلْ لَكِ أَنْ تَبَرِّي يَمِينَكِ؟ قَالَتْ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: أَبْقِي أُذُنَيْهَا وَاخْفِضِيهَا. وَالْخَفْضُ هُوَ الْخِتَانُ ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ بِهَا ، فَوَضَعْتُ هَاجَرُ فِي أُذُنَيْهَا قُرْطَيْنِ فَازْدَادَتْ بِهِمَا حُسْنًا ، فَقَالَتْ سَارَةُ: أُرَانِي إِنَّمَا زِدْتُهَا جَمَالًا ، فَلَمْ تُقَارِّهِ عَلَى كَوْنِهَا مَعَهُ ، وَوَجَدَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَجْدًا شَدِيدًا ، فَنَقَلَهَا إِلَى مَكَّةَ ، فَكَانَ يَزُورُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّامِ عَلَى الْبُرَاقِ مِنْ شَغَفِهِ بِهَا ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْهَا "
739 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا
⦗ص: 358⦘
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ عَرَّسَ بِصَفِيَّةَ وَأَخْبَرَنِي قَالَتْ: فَتَنَكَّرْتُ وَتَنَقَّبْتُ ، وَذَهَبَتْ أَنْظُرُ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَيْنَيَّ فَعَرَفَنِي فَأَقْبَلَ إِلَيَّ فَانْقَلَبْتُ ، فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ فَأَدْرَكَنِي فَاحْتَضَنَنِي ، فَقَالَ:«كَيْفَ رَأَيْتِهَا» ؟ قُلْتُ: يَهُودِيَّةً بِنْتَ يَهُودِيَّاتٍ
740 -
حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ ، عَنِ ابْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَهْدَى بَعْضُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ وَهُوَ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ ، فَضَرَبَتِ الْقَصْعَةَ فَوَقَعَتْ ، فَانْكَسَرَتْ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ الثَّرِيدَ وَيَرُدُّهُ فِي الْقَصْعَةِ وَيَقُولُ «كُلُوا ، غَارَتْ أُمُّكُمْ» . ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى جَاءَتْ قَصْعَةٌ صَحِيحَةٌ فَأَخَذَهَا فَأَعْطَاهَا صَاحِبَةَ الْقَصْعَةِ الْمَكْسُورَةِ
741 -
حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْلِيِّ ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: تَضَيَّفْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَامَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَضَرَبَهَا قَالَ: فَحَجَزْتُ بَيْنَهُمَا قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ ، فَقَالَ: يَا أَشْعَثُ ، احْفَظْ عَنِّي
⦗ص: 359⦘
شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْأَلْ رَجُلًا فِيمَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ»
742 -
حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، سَمِعَ امْرَأَتَهُ تُكَلِّمُ رَجُلًا مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ لَا يَعْلَمُهَا ابْنُ عُمَرَ قَالَ: فَجَمَعَ لَهَا جَرَائِدَ ثُمَّ أَتَاهَا فَضَرَبَهَا حَتَّى آضَتْ حَشِيشًا آضَتْ: يَعْنِي صَارَتْ
743 -
حَدَّثَنَا بَنَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ شِكَابٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ: كَانَ يَأْكُلُ تُفَّاحًا وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ غُلَامٌ لَهُ ، فَنَاوَلَتْهُ تُفَّاحَةً قَدْ أَكَلَتْ مِنْهَا فَأَوْجَعَهَا مُعَاذٌ ضَرْبًا ، وَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ تَطَّلَّعُ فِي خِبَاءٍ مِنْ أَدَمٍ فَضَرَبَهَا
744 -
حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ امْرَأَةً ، جَاءَتْ تَشْكُو زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَطَمَهَا ، فَدَعَى الرَّجُلَ لِيَأْخُذَ حَقَّهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] الْآيَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَحْدَثَ اللَّهُ عز وجل أَمْرًا»
745 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ
⦗ص: 360⦘
حِمْصَ قَالُوا: كَانَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ رَغْبَانَ الْمُلَقَّبُ بِدِيكِ الْجِنِّ شَاعِرًا أَدِيبًا ذَا نِعْمَةٍ حَسَنَةٍ ، وَكَانَ لَهُ غُلَامٌ كَالشَّمْسِ وَجَارِيَةٌ كَالْقَمَرِ ، وَكَانَ يَهْوَاهُمَا جَمِيعًا ، فَدَخَلَ يَوْمًا مَنْزِلَهُ فَوَجَدَ الْجَارِيَةَ مُعَانِقَةً الْغُلَامَ تُقَبِّلُهُ ، فَشَدَّ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا ، ثُمَّ جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِ الْجَارِيَةِ ، فَبَكَاهَا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ:
[البحر الكامل]
يَا طَلَعَةً طَلَعَ الْحِمَامُ عَلَيْهَا
…
وَجَنَى لَهَا ثَمَرُ الرَّدَى بِيَدَيْهَا
رَوَيْتُ مِنْ دَمِهَا الثَّرَى وَلَطَالَ مَا
…
رَوَى الْهَوَى شَفَتَيَّ مِنْ شَفَتَيْهَا
فَأَجَّلْتُ سَيْفِي فِي مَجَالِ خِنَاقِهَا
…
وَمَدَامِعِي تَجْرِي عَلَى خَدَّيْهَا
فَوَحَقِّ عَيْنَيْهَا فَمَا وَطِئَ الثَّرَى
…
شَيْءٌ عَلَيَّ أَعَزَّ مِنْ عَيْنَيْهَا
ما كان قتلتها لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ
…
أَبْكِي إِذَا سَقَطَ الْغُبَارُ عَلَيْهَا
لَكِنْ بَخِلْتُ عَلَى سِوَايَ بِحُسْنِهَا
…
وَأَنِفْتُ مِنْ نَظَرِ الْغُلَامِ إِلَيْهَا
ثُمَّ جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِ الْغُلَامِ فَبَكَى ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أَشْفَقْتُ أَنْ يَرِدَ الزَّمَانُ بِغَدْرِهِ
…
أَوْ أُبْتَلَى بَعْدَ الْوِصَالِ بِهَجْرِهِ
قَمَرٌ أَنَا اسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ دُجْنَةٍ
…
بِمَوَدَّتِي وَلَهُ الْفُؤَادُ بِأَسْرِهِ
⦗ص: 361⦘
عَهْدِي بِهِ مَيْتًا كَأَحْسَنِ نَائِمٍ
…
وَالدَّمْعُ يَنْحَرُ مُقْلَتِي فِي نَحْرِهِ
لَوْ كَانَ يَدْرِي الْمَيْتُ مَاذَا بَعْدَهُ
…
بِالْحَيِّ مِنْهُ بَكَى لَهُ فِي قَبْرِهِ
غُصْنٌ تَكَادُ تُفِيضُ مِنْهَا نَفْسُهُ
…
وَيَكَادُ يَخْرُجُ قَلْبُهُ مِنْ صَدْرِهِ
746 -
وَأَنْشَدَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ حَاتِمٍ الرَّازِيُّ:
[البحر المتقارب]
أَمَا وَاهْتِزَازِكِ لَوْ أَسْتَطِيعُ
…
لَمَا لَحِظَ النَّاسُ بَدْرَ التَّمَامِ
أَغَارُ عَلَى حُسْنِهِ إِذْ حَكَا
…
كَ فَإِنَّ بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَنَامِ
فَهَبْهُ حَكَاكَ بِحُسْنِ الضِّيَا
…
ءِ فَمِنْ أَيْنَ لِلْبَدْرِ حُسْنُ الْقَوَامِ
وَمِنْ أَيْنَ لِلْبَدْرِ وَجْهٌ يُمِيتُ
…
وَيُحْيِي إِذَا شَاءَ بِالِابْتِسَامِ
747 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِي لِحَبِيبٍ الطَّائِيِّ:
[البحر الوافر]
بِنَفْسِي مَنْ أَغَارُ عَلَيْهِ مِنِّي
…
وَأَحْسُدُ أَهْلَهُ نَظَرًا إِلَيْهِ
وَلَوْ أَنِّي قَدَرْتُ طَمَسْتُ عَنْهُ
…
عُيُونَ النَّاسِ مِنْ حَذَرٍ عَلَيْهِ
حَبِيبٌ بَثَّ فِي جِسْمِي هَوَاهُ
…
وَأَمْسَكَ مُهْجَتِي رَهْنًا لَدَيْهِ
فَرُوحِي عِنْدَهُ وَالْجِسْمُ خَالٍ
…
بِلَا رَوْحٍ وَقَلْبِي فِي يَدَيْهِ
748 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْغِفَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: قَالَ جَمِيلُ بُثَيْنَةَ: مَا رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ يُخْطِرُ بِالْبَلَاطِ إِلَّا أَخَذَتْنِي عَلَيْكِ الْغَيْرَةُ وَأَنْتِ بِالْجَنَابِ
749 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ خَالِهِ ، عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَعْفَرِيِّ ، وَكَانَ شَاعِرًا أَدِيبًا قَالَ: حَجَّ أَبُو نُوَاسٍ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكُنْتُ أَجْلِسُ بِالْمَدِينَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَأُنْشِدُ أَشَعْارِي ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ
⦗ص: 362⦘
أُنْشِدُ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيَّ إِذْ أَدْخَلَ أَبُو نُوَاسٍ رَأْسَهُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: يَا هَذَا ، أَلَا تُنْشِدُنَا بَيْتَيْكَ اللَّذَيْنِ تَنْكَشِحَنَّ فِيهِمَا ، فَقُلْتُ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: اللَّذَانِ تَقُولُ فِيهِمَا:
[البحر الطويل]
وَلَمَّا بَدَا لِي أَنَّهَا لَا تَوَدُّنِي
…
وَأَنَّ هَوَاهَا لَيْسَ عَنِّي بِمُنْجَلِي
تَمَنَّيْتُ أَنْ تُبْلَى بِغَيْرِي لَعَلَّهَا
…
تَذُوقُ حَرَارَتِ الْهَوَى فَتَرِقَّ لِي
فَقُلْتُ لَهُ: أَفَلَا أُنْشِدُكَ بَيْتِيَّ اللَّذَيْنِ أَتَغَايَرُ فِيهِمَا قَالَ: بَلَى ، فَأَنْشَدْتُهُ:
رُبَّمَا سَرَّنِي صُدُودُكِ عَنِّي
…
وَطِلَابَيْكِ وَامْتِنَاعُكِ مِنِّي
حَذَرًا أَنْ يَكُونَ مِفْتَاحُ غَيْرِي
…
فَإِذَا مَا خَلَوْتُ كُنْتِ التَّمَنِّي
قَالَ خَالِي: فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقِيلَ: هَذَا أَبُو نُوَاسٍ
750 -
أَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّافِقِيُّ:
[البحر الوافر]
وَلَسْتُ بِوَاصِفٍ أَبَدًا خَلِيلِي
…
أُعَرِّضُهُ لِأَهْوَاءِ الرِّجَالِ
وَمَا بَالِي أُشَوِّقُ قَلْبَ غَيْرَى
…
وَدُونَ وِصَالِهِ سِتْرُ الْحِجَالِ
751 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ النَّحْوِي لِابْنِ طَبْسَلَةَ:
[البحر الكامل]
يَا مَنْ لَذَذْتُ بِقُرْبِهِ فِي مَجْلِسٍ
…
لَذَّ الْحَدِيثُ بِهِ وَطَابَ الْمَجْلِسُ
إِنِّي لَمِنْ نَظَرِي أَغَارُ وَإِنَّنِي
…
بِكَ عَنْ سِوَايَ مِنَ الْأَنَامِ لَأَنْفَسُ
نَفْسِي فِدَاؤُكِ لَوْ رَأَيْتَ تَلَذُّذِي
…
خَضِلَ الْمَدَامِعِ مُطْرِقًا أَتَنَفَّسُ
لَعَلِمْتِ أَنِّي فِي هَوَاكَ مُعَذَّبٌ
…
وَمِنَ الْحَيَاةِ وَرَوْحِهَا مُسْتَيْأِسُ
752 -
وَأَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى لِعَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ:
[البحر الوافر]
أَفَاتِكُ أَنْتِ فَاتِكَةٌ بِقَلْبِي
…
وَحُسْنُ الْوَجْهِ يَفْتِكُ بِالْقُلُوبِ
أَصُونُكِ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ يَا مَنْ
…
يَبِيتُ بِهَا وَعَلَّامِ الْغُيُوبِ
وَعَنْ نَفْسِي أَصُونُكِ لَيْتَ نَفْسِي
…
تَقِيكِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْخُطُوبِ
فَمَا حَقُّ الْمِلَاحِ عَلَيَّ إِلَّا
…
صِيَانَتُهُنَّ عَنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ
بَابُ ذِكْرِ الْهَوَى وَالْحِيلَةِ فِي دَفْعِهِ عَنِ الْخِيَانَةِ
753 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الرَّبَعِيُّ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ ، عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ الْعُرَنِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ:«الْقَرِيبُ مَنْ قَرَّبَتْهُ الْمَوَدَّةُ وَإِنْ بَعُدَ نَسَبُهُ ، وَالْبَعِيدُ مَنْ بَاعَدَتْهُ الْعَدَاوَةُ وَإِنْ قَرُبَ نَسَبُهُ ، أَلَا لَا شَيْءَ أَقْرَبُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ يَدٍ إِلَى جَسَدٍ ، وَإِنَّ الْيَدَ إِذَا فَسَدَتْ قُطِعَتْ ، وَإِذَا قُطِعَتْ حُسِمَتْ»
754 -
أَنْشَدَنِي الْإِسْحَاقِيُّ لِابْنِ طَاهِرٍ:
[البحر الطويل]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَرْءَ تَدْوِي يَمِينُهُ
…
فَيَقْطَعُهَا عَمْدًا لِيَسْلَمَ سَائِرُهْ
فَكَيْفَ تَرَاهُ بَعْدَ يُمْنَاهُ صَانِعًا
…
لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُ حِينَ تُرْوَى سَرَائِرُهْ
755 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مِنْهَالُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْعِجْلِيُّ ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ
756 -
سَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ:
[البحر الوافر]
إِذَا أَنْكَرْتَ أَخْلَاقَ الصَّدِيقِ
…
فَلَسْتَ مِنَ التَّحَيُّزِ فِي مَضِيقِ
طَرِيقًا كُنْتَ تَسْلُكُهُ سَلِيمًا
…
فَأَسْبَعَ فَاجْتَنِبْهُ إِلَى الطَّرِيقِ
757 -
وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَادِرَانِيُّ:
[البحر الكامل]
⦗ص: 370⦘
وَإِذَا بَدَا جَلَدٌ عَلَيْكَ مِنَ امْرِئٍ
…
وَأَمَلَّهُ الْغَشَيَانُ وَالْإِلْمَامُ
فَتَسَلَّ عَنْهُ بِفُرْقَةٍ لَا مُبْدِيًا
…
شَكْوَى لِتُصْلِحَهُ لَكَ الْأَيَّامُ
758 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَ هَارُونُ الرَّشِيدُ يَسْتَنْشِدُنِي قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ:
[البحر الطويل]
إِنِّي وَإِنْ أَقَصَرْتُ عَنْ غَيْرِ بُغْضَةٍ
…
لَرَاعٍ لِأَسْبَابِ الْمَوَدَّةِ حَافِظُ
وَلَا زَالَ يَدْعُونِي إِلَى الْهَجْرِ مَا أَرَى
…
فَآبَى وَتُثْنِينِي عَلَيْكَ الْحَفَائِظُ
وَأَخْنَعُ لِلْعُتْبَى وَأُغْضِي عَلَى الْقَذَى
…
أُلَايِنُ طَوْرًا مَرَّةً وَأُغَالِظُ
وَأَنْتَظِرُ الْإِقْبَالَ بِالْوُدِّ مِنْكُمُ
…
وَأَصْبِرُ حَتَّى أَوْجَعَتْنِي الْمَغَائِظُ
وَجَرَّبْتُ مَا يُسْلِي الْمُحِبَّ عَنِ الْهَوَى
…
فَأَقْصَرْتُ وَالتَّجْرِيبُ لِلْمَرْءِ وَاعِظُ
759 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ يَهْوَى جَارِيَةً مِنْ جَوَارِي الْفَرَحِيَّاتِ ، فَصَدَّتْهُ وَحَالَتْ إِلَى غَيْرِهِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ ، فَخَافَتْ مَوْلَاتُهَا عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرٌ عَلَى مَدِينَةِ السَّلَامِ ، فَأَمَرَتْ
⦗ص: 371⦘
جَارِيَتَهَا أَنْ تُكْتَبَ إِلَيْهِ رُقْعَةً لَطِيفَةً تَسْتَعْطِفُهُ فِيهَا ، فَوَافَتْهُ الرُّقْعَةُ وَهُوَ مُفَكِّرٌ فِي حَالِ الْجَارِيَةِ ، فَمَا اسْتَتَمَّ قِرَاءَتَهَا حَتَّى قَالَ:
[البحر الكامل]
قَالَتْ سَلَوْتُ عَنِ الْهَوَى فَأَجَبْتُهَا
…
إِي وَالْمُهَيْمِنِ ذِي الْجَلَالِ الْوَاحِدِ
وَسَلَخْتُ حُبَّكِ مِنْ فُؤَادِي كُلَّهُ
…
سَلْخَ النَّهَارِ مِنَ الظَّلَامِ الرَّاكِدِ
قَالَتْ: فَعُدْ ، فَالْعَوْدُ أَحْمَدُ عِنْدَنَا
…
فَأَجَبْتُهَا: هَيْهَاتَ لَسْتُ بِعَائِدِ
إِنِّي وَجَدَّتُكِ فِي الْهَوَى ذَوَّاقَةً
…
لَا تَصْبِرِينَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدِ
ثُمَّ دَعَا بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ وَكَتَبَ إِلَيْهَا:
[البحر الطويل]
سَأَلْتُكِ بِالرَّحْمَنِ إِلَّا هَجَرْتِنِي
…
فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَيْتُ مِنِّي عَلَى ذِكْرِ
أَمِيطِي الْأَذَى عَمَّنْ قَلَاكِ وَعَرِّضِي
…
لِغَيْرِي بِهِ وَاسْتَرْزِقِي اللَّهَ فِي سِتْرِ
فَلَوْ كُنْتِ لِي عَيْنًا إِذًا لَفَقَأْتُهَا
…
وَلَوْ كُنْتِ لِي أُذْنًا رَمَيْتُكَ بَالْوَقْرِ
وَلَوْ كُنْتِ لِي كَفًّا إِذًا لَقَطَعْتُهَا
…
وَلَوْ كُنْتِ لِي قَلْبًا نَزَعْتُكِ مِنْ صَدْرِي
فَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي مِنْ صُدُودِكِ مَرَّةً
…
فَبِاللَّهِ إِلَّا مَا صَدَدْتُ إِلَى الْحَشْرِ
وَإِنِّي وَإِنْ حَنَّتْ إِلَيْكِ ضَمَائِرِي
…
فَمَا قَدْرُ حُبِّي أَنْ يَذِلَّ لَهُ قَدْرِي
ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ ذِكْرِ الْجَارِيَةِ
760 -
وَأُنْشِدْنَا لِعَبْدِ بَنِي الْحَسْحَاسِ:
[البحر الطويل]
فَإِنْ تُقْبِلِي بِالْوُدِّ أُقْبِلْ بِمِثْلِهِ
…
وَإِنْ تَذْهَبِي أَذْهَبْ إِلَى حَالِ بَالِيَا
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي قَلِيلٌ لِبَانَتِي
…
إِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ بِشَيْءٍ مُوَاتِيَا
761 -
وَأَنْشَدَنِي الدُّولَابِي:
[البحر المتقارب]
هَوَيْتُكِ لَمْ أَكْتَسِبْ لَذَّةً
…
تُعَابُ وَلَمْ أَعْدُ شَأْوَ النَّظَرْ
فَلَمَّا رَأَيْتُكِ ذَوَّاقَةً
…
تَشُوبِينَ صَفْوَ الْهَوَى بِالْكَدَرْ
صَرَفْتُ وُجُوهَ الْهَوَى عَنْكُمُ
…
بِقَلْبٍ يُطِيعُ إِذَا مَا أُمِرْ
وَمَازِلْتُ أُقْرِعُ بَيْنَ السُّلُوِّ
…
وَبَيْنَ الصَّبَابَةِ حَتَّى تَمُرْ
762 -
وَأَنْشَدَنِي الْمُبَرِّدُ لِعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ الْمُعَذِّلِ:
هِيَ النَّفْسُ تَجْزِي الْوُدَّ بِالْوُدِّ أَهْلَهُ
…
وَإِنْ سِمْتَهَا الْهِجْرَانَ فَالْهَجْرُ دِينُهَا
إِذَا مَا قَرِينٌ بَتَّ مِنْهَا حِبَالَهُ
…
فَأَهْوَنُ مَفْقُودٍ عَلَيْهَا قَرِينُهَا
763 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ:
[البحر الطويل]
وَلَمَّا رَأَيْتُ الْمَيْلَ مِنْكِ مَعَ الْعِدَى
…
عَلَيَّ وَلَمْ يُحْدِثْ سِوَاكِ بَدِيلُ
صَدَدْتُ كَمَا صَدَّ الرَّمِيِّ تَطَاوَلَتْ
…
بِهِ مُدَّةُ الْآجَالِ وَهْوَ قَتِيلُ
764 -
وَأَنْشَدَنِي الرَّبَعِيُّ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيِّ:
[البحر الطويل]
إِذَا مَا تَقَضَّى الْوُدُّ إِلَّا تَكَشُّرًا
…
فَهَجْرٌ جَمِيلٌ لِلْفَرِيقَيْنِ صَالِحُ
تَلَوَّنْتِ أَلَوَانًا عَلَيَّ كَثِيرَةً
…
وَمَازَجَ عَذْبًا مِنْ إِخَائِكِ مَالِحُ
فَلِي عَنْكِ مُسْتَغْنًى وَفِي الْأَرْضِ مَذْهَبٌ
…
فَسِيحٌ وَرِزْقُ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحُ
لِتَعْلَمَ أَنَّى حِينَ رُمْتِ قَطِيعَتِي
…
وَعَرَّضَتْ لِي بِالْهَجْرِ مِنْكِ مَسَامِحُ
عَلَى أَنَّنِي لَا مَائِلٌ بِعَدَاوَةٍ
…
عَلَيْكِ وَلَا صَبٌّ إِلَى الْوُدِّ جَانِحُ
نَعَانِي نَاعٍ حِينَ يَطْمَعُ صَاحِبِي
…
يَرَى الْبِشْرَ فِي وَجْهِي لَهُ وَهْوَ كَالِحُ
765 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ بَكَّارٍ ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إِنَّا لَمَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَشِّيَةَ عَرَفَةَ ، إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ أُدْمَانُ يَحْمِلُونَ فَتًى أَدْمَنَ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ قَدْ بَلِيَ بَدَنُهُ وَكَانَتْ لَهُ حَلَاوَةٌ وَجَمَالٌ حَتَّى وَقَفُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالُوا: اسْتَشْفِ لِهَذَا يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: «وَمَا بِهِ؟» قَالَ: فَتَرَنَّمَ الْفَتَى بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ حَتَّى لَا يُبَيِّنَ وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
بِنَا مِنْ جَوَى الْأَحْزَانِ وَالْحُبِّ لَوْعَةٌ
…
تَكَادُ لَهَا نَفْسُ الشَّفِيقِ تَذُوبُ
وَلَكِنَّمَا أَبْقَى حَشَاشَةَ مِعْوَلٍ
…
عَلَى مَا بِهِ عُودٌ هُنَاكَ صَلِيبُ
وَمَا عَجَبٌ مَوْتُ الْمُحِبِّينَ فِي الْهَوَى
…
وَلَكِنْ بَقَاءُ الْعَاشِقِينَ عَجِيبُ
ثُمَّ شَهَقَ شَهْقَةً فَمَاتَ. قَالَ عِكْرِمَةُ: فَمَا زَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحُبِّ
766 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ غَسَّانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَشْتَرُ ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هَوِيَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَارِيَةً طَرِيفَةً مُغَنِّيَّةً بِالْمَدِينَةِ ، فَهَامَ بِهَا دَهْرًا وَهُوَ لَا يُعْلِمُهَا ذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّهُ ضَجَرَ بِالْمُكَاتَمَةِ فَتَعَرَّضَ لَهَا عَشِيَّةً ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قَالَ لَهَا: بِأَبِي أَنْتَ ، تَغَنِّينَ بِهَذَا الشِّعْرِ قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:
[البحر الطويل]
أُحِبُّكُمُ حُبًّا بِكُلِّ جَوَارِحِي
…
فَهَلْ لَكُمْ عِلْمٌ بِمَا لَكُمْ عِنْدِي
أَتَجْزُونَ بِالْوُدِّ الْمُضَاعَفِ مِثْلَهُ
…
فَإِنَّ كَرِيمًا مَنْ جَزَى الْوُدَّ بِالْوُدِّ
قَالَتْ: نَعَمْ ، وَأُغَنِّي أَيْضًا:
[البحر المديد]
⦗ص: 374⦘
الَّذِي وَدَّنَا الْمَوَدَّةَ بِالضِّعْـ
…
ـفِ وَفَضْلُ الْبَادِي بِهِ لَا يُجَازَى
لَوْ بَدَا مَا بِنَا لَكُمْ لَمَلَأَ الْأَرْ
…
ضَ وَأَقْطَارَهَا مَعًا وَالْحِجَازَا
قَالَ: فَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَابْتَاعَهَا بِمَالٍ كَثِيرٍ فَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سَنَةً ثُمَّ مَاتَتْ ، فَبَقِيَ بَعْدَهَا شَهْرًا ثُمَّ مَاتَ أَسَفًا ، فَقَالَ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ: هَذَا سَيِّدُ شُهَدَاءِ الْهَوَى ، فَامْضُوا بِنَا نَنْحَرْ عَلَى قَبْرِهِ سَبْعِينَ بَدَنَةً ، كَمَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَمْزَةَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً
767 -
أَنْشَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَكْفَانِي لِلنَّاشِئِ:
[البحر البسيط]
كُلُّ النُّفُوسِ لَهَا فِي قَتْلِهَا قَوَدٌ
…
إِلَّا نُفُوسًا أَبَادَتْهَا الرُّمَى الْقَتْلُ
وَكُلُّ جَرْحٍ لَهُ شَيْءٌ يُلَائِمُهُ
…
إِلَّا جُرُوحًا جَنَتْهَا الْأَعْيُنُ النُّجْلُ
768 -
أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيُّ لِأَصْرَمَ بْنِ حُمَيْدٍ:
[البحر الخفيف]
نَحْنُ قَوْمٌ تُلَيِّنُنَا الْحَدَقُ النُّجْـ
…
لُ عَلَى أَنَّنَا نُلِينُ الْحَدِيدَا
طَوْعُ أَيْدِي الظِّبَاءِ تَقْتَادُنَا الْعَيْـ
…
ـنُ وَنَقْتَادُ بِالطِّعَانِ الْأُسُودَا
تَتَّقِي سَخَطَنَا اللُّيُوثُ وَنَخْشَى
…
صَوْلَةَ الْخِشْفِ حِينَ يُبَدِي الصُّدُودَا
وَتَرَانَا عِنْدَ الْكَرِيهَةِ أَحْرَارًا
…
وَفِي السِّلْمِ لِلْغَوَانِي عَبِيدَا
769 -
حَدَّثَنَا الدُّولَابِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ فِي حَظِيَّاتٍ كُنَّ عِنْدَهُ ، وَهُنَّ قَصْفٌ وَضَنٌّ وَخَنْثٌ:
مَلَكَ الثَّلَاثُ الْآنِسَاتُ عَنَانِي
…
وَحَلْلَنْ مِنْ قَلْبِي بِكُلِّ مَكَانِ
مَالِي تُطَاوِعُنِي الْبَرِيَّةُ كُلُّهَا
…
وَأُطِيعُهُنَّ وَهُنَّ فِي عِصْيَانِ
مَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّ سُلْطَانَ الْهَوَى
…
وَبِهِ مَلَكْنَ أَعَزَّ مِنْ سُلْطَانِي
770 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أُصْبُعٍ الشَّعِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: قِيلِ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا أَبْقَى مِنْكَ الْهَوَى؟ قَالَ: عَيْنًا تَجْرِي يَبْعَثُهَا عَلَى الْحُزْنِ قَلْبٌ يَخْفِقُ ، تُخَفِّقُهُ أَحْشَاءٌ تَتَوَقَّدُ ، يُوقِدُهَا هَجْرٌ مِنْ حَبِيبٍ ظَالِمٍ لَا يَخَافُ عُقُوبَةَ مَظْلُومٍ وَلَا يُوَارِي ، ثَائِرٌ إِنْ أَجَازَ عَلَى قَتِيلِهِ لَمْ يَعُدْ وَإِنْ جَوُوكُمُ وَأَفْلَحَ ، سَيْفُهُ الْهَجْرِ ، وَنَيْلُهُ اللَّحْظُ ، فَكَمْ مِنْ دَمِ كَرِيمٍ قَدْ طَلَّ بَيْنَ سَيْفَهِ وَأَسْهُمِهِ
771 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْهِنْدِ: إِذَا ظَهَرَ الْعِشْقُ عِنْدَنَا فِي أَحَدٍ غَدَوْنَا عَلَيْهِ بِالتَّعْزِيَةِ
772 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي اللَّيْثِ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ جَارِيَةٌ ظَرِيفَةٌ حَاذِقَةٌ بِالْغِنَاءِ ، فَهَوِيَتْ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَتْ لَا تُفَارِقُهُ وَلَا يُفَارِقُهَا ، فَمَلَّهَا وَتَزَيَّدُ فِي حُبِّهِ ، وَبَلِيَتْ وَسَقِمَتْ ، وَجَعَلَ مَوْلَاهَا لَا يَعْبَأُ بِشَكْوَاهَا وَلَا يَرِقُّ لَهَا حَتَّى سَعَتْ عَلَى وَجْهِهَا ، وَهَامَتْ وَمَزَّقَتْ ثِيَابَهَا ، وَوَثَبَتْ بِالضَّرْبِ عَلَى جُلَسَائِهَا حَتَّى أَفْضَتْ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، فَلَمَّا رَأَى مَا قَدْ صَارَتْ إِلَيْهِ عَالَجَهَا ، فَكَانَتْ تَدُورُ فِي السِّكَكِ بِاللَّيْلِ ، وَعَرِيَتْ بَعْدَ الْحُسْنِ وَالطِّيبِ وَالْأَدَبِ ، فَلَقِيَهَا مَوْلَاهَا يَوْمًا فِي الطَّرِيقِ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ فَجَعَلَتْ تَبْكِي وَتَقُولُ:
[البحر الكامل]
الْحُبُّ أَوَّلُهُ يَكُونُ لَجَاجَةٌ
…
تَأْتِي بِهِ وَتَسُوقُهُ الْأَقْدَارُ
حَتَّى إِذَا اقْتَحَمَ الْفَتَى لُجَجَ الْهَوَى
…
جَاءَتْ أُمُورٌ لَا تُطَاقُ كِبَارُ
مَنْ ذَا يُطِيقُ كَمَا أُطِيقُ مِنَ الْهَوَى
…
غَلَبَ الْعَزَاءُ وَبَاحَتِ الْأَسْرَارُ
وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا:
[البحر البسيط]
الْحُبُّ أَوَّلُهُ شَيْءٌ يَهِيمُ بِهِ
…
قَلْبُ الْمُحِبِّ فَيَلْقَى الْمَوْتَ بِاللَّعِبِ
يَكُونُ مَبْدَأُهُ مِنْ نَظْرَةٍ عَرَضَتْ
…
وَمُزْحَةٍ أَشْعَلَتْ فِي الْقَلْبِ كَاللَّهَبِ
كَالنَّارِ مَبْدَؤهَا مِنْ قَدْحَةٍ فَإِذَا
…
تَضَرَّمَتْ أَحْرَقَتْ مُسْتَجْمَعَ الْحَطَبِ
773 -
وَأَنْشَدَنِي نَفْطَوَيْهِ:
[البحر البسيط]
قَالُوا: عَهِدْنَاكَ ذَا غُدٍّ ، فَقُلْتُ لَهُمْ:
…
لَا يَعْجَبُ النَّاسُ مِنْ ذَلِّ الْمُحِبِّينَا
لَا تُنْكِرُوا ذِلَّةَ الْعُشَّاقِ إِنَّهُمُ
…
مُسُتَعْبَدُونَ بَرِقِ الْحُبِّ رَاضُونَا
775 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَبْدِيُّ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
[البحر الطويل]
قَدْ كَانَ أَوْرَقَ عُودُ حُبِّكِ بِالْمُنَى
…
وَسَقَاهُ مَاءُ رَجَائِكُمْ فَتَزَعْزَعَا
حَتَّى إِذَا هَبَّتْ بِنَا مِنْ رِيحِكُمْ
…
تَرَكَتْهُ مِنْ وَرَقِ الْمَطَامِعِ أَقْرَعَا
وَالنَّاسُ مِنْ بَذْلِ الْمَحَبَّةِ لَمْ تَزَلْ
…
تَتَخَطَّفُ الْأَرْوَاحَ قُدْمًا مُولَعَا
776 -
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] قَالَ: دَخَلَ حُبُّهُ فِي شِغَافِهَا
777 -
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ قُرَّةَ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:«يَطْرَى لَهَا حُبُّهُ»
778 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الطَّبَّاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، وَأَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ فِي قَوْلِهِ:{شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] قَالَ: قَدْ رَبَطَهَا حُبًّا
779 -
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْمَشْغُوفُ: الْمُحِبُّ ، وَالْمَشْغُوفُ: الْمَجْنُونُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ الشَّعْبِيُّ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَشْغُوفَ هُوَ الْعَاشِقُ الْهَائِمُ ، إِذَا كَانَ الْعِشْقُ يُؤَدِّي إِلَى الْجُنُونِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ ، فَسَمَّاهُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ ، كَمَا تُسَمِّي الْعَرَبُ الْمَطَرَ سَمَاءً ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
إِذَا سَقَطَ السَّمَاءُ بِأَرْضٍ قَوْمٍ
…
رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا
فَاسْتَعَارُوا اسْمَ السَّمَاءِ فِي مَوْضِعِ الْمَطَرِ إِذَا كَانَ الْمَطَرُ يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعِشْقُ جُنُونٌ ، فَالْعِشْقُ أَلْوَانٌ كَمَا الْجُنُونُ أَلْوَانٌ
780 -
أَنْشَدَنِي الصَّيْدَلَانِي:
[البحر البسيط]
قَالَتْ جُنِنْتَ عَلَى رَأْسِي ، فَقُلْتُ لَهَا
…
الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ
الْعِشْقُ لَيْسَ يُفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ
…
وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " قَرَأْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحُكَمَاءِ: الْعِشْقُ نَوْعٌ وَالْمَحَبَّةُ جِنْسٌ لَهُ ، كَمَا أَنَّ الشَّوْقَ جِنْسٌ وَالْمَحَبَّةُ نَوْعٌ مِنْهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَحَبَّةٍ شَوْقٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ شَوْقٍ مَحَبَّةً ، كَمَا أَنَّ كُلَّ عِشْقٍ مَحَبَّةٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَحَبَّةٍ عِشْقًا ، كَقَوْلِنَا: كُلُّ نَاطِقٍ حَيٌّ ، وَلَيْسَ كُلُّ حَيٍّ نَاطِقًا ، فَالْحَيُّ جِنْسٌ لِلنَّاطِقِ مِنْهَا وَغَيْرِ الَنَّاطِقِ ، وَالنُّطْقُ نَوْعٌ مِنَ الْحَيِّ الَّذِي هُوَ جِنْسٌ لَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى
⦗ص: 378⦘
أَنَّ الْعِشْقَ مِنَ الْمَحَبَّةِ أَنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَبَاهُ وَوَلَدَهُ وَدَابَّتَهُ وَبَعِيرَهُ فَلَا يَبْعَثُهُ ذَلِكَ عَلَى مُبَاسَمَةِ مَا هُوَ مُحِبٌّ لَهُ ، وَلَا مُلَاصَقَتِهِ ، وَلَا عَلَى تَلَفِ نَفْسِهِ ، وَسَائِرِ مَا يَجِدُ الْمَجْنُونُ بِأَنْوَاعِ مَحَابِهِمْ ، وَلَأَنَّا لَمْ نَرَ أَحَدًا مَاتَ مِنْ شِدَّةِ مَحَبَّتِهِ لِأَخِيهِ ، وَلَا ابْنِهِ ، وَلَا قَاتِلًا نَفْسَهُ ، وَقَدْ نَرَى الْعَاشِقَ يُتْلِفُ نَفْسَهُ مِنْ شِدَّةِ مَا يَلْقَى مِنْ بَرَحِ الْعِشْقِ الْفَادِحِ
782 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ أَسَدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: " سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ عَنِ الْهَوَى ، فَقَالَ:«هُوَ أَغْمَضُ مَسْلَكًا فِي الْقَلْبِ مِنَ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ ، وَأَمْلَكُ بِالنَّفْسِ مِنَ النَّفْسِ ، بَطْنٌ وَظَهْرٌ وَلُطْفٌ وَكَثْفٌ ، فَامْتَنَعَ وَصْفُهُ عَنِ اللِّسَانِ ، وَخَفِيَ نَعْتُهُ عَنِ الْبَيَانِ ، وَهُوَ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْجُنُونِ ، لَطِيفُ الْمَسْلَكِ وَالْكُمُونِ» وَبَلَغَنِي أَنَّ حَكِيمًا ذُكِرَ عِنْدَهُ الْعِشْقُ فَقَالَ: دَقَّ عَنِ الْأَوْهَامِ مَسْلَكُهُ ، وَأُخْفِيَ عَنِ الْأَبْصَارِ مَوْضِعُهُ ، وَحَادَتِ الْعُقُولَ عَنْ كَيْفِيَّةِ تَمَكُّنِهِ ، غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَرَكَتِهِ وَعِظَمَ سُلْطَانِهِ مِنَ الْقَلْبِ ، ثُمَّ يَتَغَشَّى عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ، فَتُبْدِي الرِّعْدَةَ فِي الْأَطْرَافِ ، وَالصُّفْرَةَ فِي الْأَلْوَانِ ، وَاللَّجْلَجَةَ فِي الْكَلَامِ ، وَالضَّعْفَ فِي الرَّأْيِ ، وَالذَّلَلَ وَالْعَثَارَ ، حَتَّى يُنْسَبَ صَاحِبُهُ إِلَى الْجُنُونِ
784 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَوْهَبُ بْنُ رُشَيْدٍ الْكِلَابِيُّ قَالَ: جَاءَتْ بَدَوِيَّةٌ إِلَى أُخْتٍ لَهَا ، فَقَالَتْ: يَا فُلَانَةُ ، كَيْفَ بِكِ مِنْ حُبِّ فُلَانٍ ، فَقَالَتْ: حَرَّكَ وَاللَّهِ حُبُّهُ السَّاكِنَ ، وَسَكَّنَ الْمُتَحَرِّكَ ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ: "
[البحر الطويل]
فَلَوْ أَنَّ مَاءً بِالْحَصَى فَلَقَ الْحَصَى
…
أَوِ الرِّيحَ لَمْ يُسْمَعْ لَهُنَّ هُبُوبُ
وَلَوْ أَنَّنِي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّمَا
…
ذَكَرْتُكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيَّ ذُنُوبُ
⦗ص: 379⦘
فَقَالَتْ: لَا جَرَمَ ، وَاللَّهِ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْأَلَهُ: كَيْفَ هُوَ مِنْ حُبِّكِ ، فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ: كَيْفَ أَنْتَ مِنْ حُبِّ فُلَانَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا الْهَوَى هَوَانٌ وَلَكِنْ خُولِفَ بِاسْمِهِ ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنِ اسْتَبْكَتْهُ الْمَعَارِفُ وَالطُّلُولُ مِثْلِي
785 -
أَنْشَدَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ:
[البحر الطويل]
قَدْ أَمْطَرَتْ عَيْنِي دَمًا فَدِمَاؤُهَا
…
بَعْدَ الدُّمُوعِ مِنَ الْجُنُونِ هَوَامِلُ
كَيْفَ الْعَزَاءُ وَلَا يَزَالُ مِنَ الضَّنَا
…
فِي الْجِسْمِ مِنِّي وَالْجَوَانِحُ نَازِلُ
لَهْفِي عَلَى زَمَنٍ مَضَى تَحْتَازُنِي
…
فِيهِ صُرُوفُ الدَّهْرِ وَهْيَ غَوَافِلُ
786 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِي:
[البحر الكامل]
وَاللَّهِ مَا اسْتَكْثَرْتُ مِنْكِ لِأَنْتَهِي
…
إِلَّا رَجَعْتُ بِغُلَّةٍ لَمْ أَشْبَعِ
وَلَمَّا كَرَعْتُ أُرِيدُ رِيًّا مِنْكُمُ
…
إِلَّا وَقَفْتُ كَأَنَّنِي لَمْ أَكْرَعِ
وَتَعَافُ نَفْسِيَ كُلَّ مَنْظَرِ غَيْرِكُمْ
…
وَتَكَلُّ إِلَّا مِنْ حَدِيثِكِ مَسْمَعِي
مَاذَا لَقِيتُ مِنَ التَّذَكُّرِ بَعْدَكُمْ
…
مِنِ افْتِقَادِكِ عِنْدَ وَقْتِ الْمَضْجَعِ
787 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ قَالَ: ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: خَرَجْتُ حَاجًّا ، فَلَمَّا صِرْتُ بِحِمَى الضَّرْبَةِ أَتَانِي أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَنِي ، فَأَمَرْتُ لَهُ بِطَعَامٍ فَأَكَلَ ، وَجَعَلَ يُطَالِعُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ الْأَعْرَابِ ، فَقُلْتُ: مَا يَشْغَلُكَ مَا بِكَ مِنَ الْجُوعِ عَنْ مُطَالَعَةِ مَنْ فِي الْبَيْتِ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
إِذَا اجْتَمَعَ الْجُوعُ الْمُبَرِّحُ وَالْهَوَى
…
عَلَى الرَّجُلِ الْمِسْكِينِ كَادَ يَمُوتُ
788 -
وَأَنْشَدَنِي عَوْفُ بْنُ الْمُزْرِعِ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبِي لِرَجُلٍ مِنْ تَمِيمٍ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 380⦘
وَبَصْرِيَّةٍ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مِثْلَهَا
…
غَدَتْ بِسَوَادٍ فِي ثِيَابِ سَوَادِ
خَرَجْنَ إِلَى الْجَبَّانِ يَرْثِينَ مَيِّتًا
…
فَأَهْلَكْنَ حَيًّا هُنَّ أَشْأَمُ عَادِي
فَيَا رَبِّ خُذْ لِي رَأْفَةً مِنْ فُؤَادِهَا
…
وَحُلْ بَيْنَ عَيْنَيْهَا وَبَيْنَ فُؤَادِي
789 -
وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ:
[البحر الطويل]
سَقَى الْعَلَمَ الْفَرْدَ الَّذِي فِي ظِلَالِهِ
…
غَزَالَانِ مَكْحُولَانِ يَرْتَعَيَانِ
أَرَعْتُهُمَا صَيْدًا فَلَمْ أَسْتَطِعْهُمَا
…
وَخَتَلَا فَفَاتَاتِي وَقَدْ خَتَّلَانِي
790 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: كَانَ جَعْفَرٌ الْمُتَوَكِّلُ مَشْغُوفًا بِقَبِيحَةٍ وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا ، فَوَقَفَتْ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَدْ كُتِبَ عَلَى خَدَّيْهَا بَالِغَالَيةِ جَعْفَرٌ ، فَتَأَمَّلَهَا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
وَكَاتِبَةٍ فِي الْخَدِّ بِالْمِسْكِ جَعْفَرًا
…
بِنَفْسِي فَخَطُّ الْمِسْكِ مِنْ حَيْثُ أَثَّرَا
لَئِنْ أَوْدَعَتْ سَطْرًا مِنَ الْمِسْكِ خَدَّهَا
…
لَقَدْ أَوْدَعَتْ قَلْبِي مِنَ الْحُبِّ أَسْطُرَا
فَيَا مَنْ مُنَاهَا فِي السَّرِيرَةِ جَعْفَرٌ
…
سَقَى اللَّهُ مِنْ سُقْيَا ثَنَايَايَ جَعْفَرَا
791 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا نُوَاسٍ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ بِالْبَصْرَةِ يَبْكِي وَيُلَاحِظُ جَارِيَةً تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَاتِمٍ ، لَقَدْ سَبَتْنِي هَذِهِ الْجَارِيَةُ ، وَأَعْجَبَتْنِي إِعْجَابًا شَدِيدًا ، وَأَذْهَلَتْ عَقْلِي ، فَقَالَ: فَهَلْ قُلْتَ فِيهَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: «
[البحر الطويل]
كَأَنَّ صَفَاءَ الدَّمْعِ فِي حُمْرَةِ الْخَدِّ
…
حَكَى الدُّرِّ مَنْظُومًا عَلَى فِرْقٍ نَضْرِ
فَيَا نُورَ عَيْنِي لَوْ كَفَفْتِ عَنِ الْبُكَا
…
وَنَادَيْتِ مَنْ أَبْكَاكِ قَامَ مِنَ الْقَبْرِ
»
792 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ رِبْعِيٍّ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي
⦗ص: 381⦘
طَاهِرٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ غُلَامًا وَجَارِيَةً مُتَشَاكِلَيْنِ فِي الصُّورَةِ ، فَسَمِعْتُ مِنَ مُعَاتَبَتِهِمَا شَيْئًا أَجَّجَ فِي قَلْبِي نَارًا ، وَإِذَا هِيَ تَقُولُ لَهُ:«لَوْ مَسَّكَ أَلَمُ الْهَوَى لَرَحِمْتَ أَهْلَ الْبَلَاءِ ، لَكِنَّكَ قَسَوْتَ فَانْقَطَعَ مِنْكَ الرَّجَاءُ ، وَمَا تَسْتَأْهِلُ مَا أَجِدُهُ بِكَ ، غَيْرَ أَنَّ الْهَوَى قَضَى لَكَ بِالْجَوْرِ عَلَيَّ ، وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ دُمُوعٌ تَجْرِي»
793 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ آلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَهْوَى جَارِيَةً ، فَطَالَ ذَلِكَ بِهِ ، فَقَالَ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ: " قَدْ شَغَلَتْنِي هَذِهِ عَنْ ضَيْعَتِي ، وَعَنْ كُلِّ أَمْرِي قَالَ: فَاذْهَبْ بِنَا حَتَّى نُكَاشِفَهَا ، فَقَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ السُّلُّوِّ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهَا ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَالَ الْجَعْفَرِيُّ: أَتُغَنِّينَ:
[البحر الوافر]
وَكُنْتُ أُحِبُّكُمْ فَسَلَوْتُ عَنْكُمْ
…
عَلَيْكُمْ فِي دِيَارِكُمُ السَّلَامُ
قَالَتْ: لَا ، وَلَكِنِّي أُغَنِّي:
[البحر الوافر]
تَحَمَّلَ أَهْلُهَا مِنْهَا فَبَانُوا
…
عَلَى آثَارِ مَا ذَهَبَ الْعَفَاءُ
قَالَ: فَاسْتَحْيَا الْفَتَى وَأَطْرَقَ سَاعَةً ، فَازْدَادَ كَلَفًا ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: تُغَنِّينَ:
[البحر الطويل]
وَأَخْنَعُ لِلْعُتْبَى إِذْا كُنْتُ ظَالِمًا
…
وَإِنْ ظُلِمْتُ كُنْتُ الَّذِي أَتَنَصَّلُ
قَالَتْ: وَأَغْنِي:
[البحر الطويل]
فَإِنْ تُقْبِلُوا بِالْوُدِّ أُقْبِلْ بِمِثْلِهِ
…
وَإِنْ تَهْجُرُوا فَالْهَجْرُ مِنَّا يُعْلَمُ
قَالَ: فَتَقَاطَعَا وَتَوَاصَلَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمَا أَحَدٌ
794 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ وَبَرَةَ الْمِنْقَرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِهِنْدٍ بِنْتِ الْوَضَّاحِ الْمَنْقِرِيَّةِ: أَنْشِدِينِي بَعْضَ مَا قُلْتِ فِي الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: وَلَمْ يَرَ النَّاسُ
⦗ص: 382⦘
أَحَدًا بَلَغَ مِنَ الْهَوَى مَا بَلَغَ بِهَا قَالَ: فَأَنْشَدَتْنِي: "
[البحر الطويل]
يَحِنُّ إِلَى مَنْ بِالْعَقِيقَيْنِ قَلْبُهُ
…
حَنِينًا يُبَكِّي الْوَرْقَ فِي غُصْنِ السِّدْرِ
تَيَقَّنْتُ لَمَّا هَاجَ قَلْبِي بِذِكْرِهِ
…
فَأَمْسَكْتُ مِنْ خَوْفِ الْحَرِيقِ عَلَى صَدْرِي
وَوَاللَّهِ لَوْ فَاضَتْ عَلَى الْجَمْرِ لَوْعَتِي
…
لَأَحْرَقَ أَدْنَى حَرِّهَا لَهَبُ الْجَمْرِ
قُلْتُ: يَا هَذِهِ ، أَكَلُّ هَذَا مِنَ الْحُبِّ؟ قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَيْتَنِي وَعُنْفُوَانِ هَوَايَ ، لَرَأَيْتَ جَبَلًا يَذُوبُ لِحَرَارَتِهِ الْحَدِيدُ ، وَلَقَدْ عَذَلَنِي بَعْضُ مَنْ يَغُمُّهُ مَا بِي ، فَقُلْتُ:
[البحر الطويل]
لَحَا اللَّهُ مَنْ يَلْحَى عَلَى الْحُبِّ عَاشِقًا
…
وَلَا كَانَ فِي قُرْبٍ وَلَا زَالَ فِي بُعْدِ
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ أَنْ تَدَانَا وِصَالُنَا
…
فَإِنْ تَمَّ مَا كُنَّا نُسِرُّ مِنَ الْوَجْدِ
وَتَنَفَّسَتْ ، فَحَسَسْتُ عَلَى بَدَنِي مِنْ حَرَارَةِ نَفَسِهَا ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا النَّفَسُ؟ فَقَالَتْ: عَلَى حَلَاوَةِ ذَلِكَ الدَّهْرِ وَرُطُوبَةِ أَغْصَانِهِ ، وَإِنِّي وَإِيَّاهُ لَكَمَا قَالَتْ هَالَةُ ابْنَةُ قَيْسٍ التَّمِيمِيَّةُ:
[البحر الوافر]
أُرَانِي قَدْ حَيِيتُ وَكُنْتُ مَيْتًا
…
إِذَا طَرَقَ الْخَيَالُ بِمَنْ هَوِيتُ
رَضِيتُ ذَهَابَ نَفْسِيَ فِي هَوَاهُ
…
رَضِيتُ بِذَاكَ يَا رَبِّي رَضِيتُ
قَالَ: فَلَمْ أُعِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنَ السُّؤَالِ خَوْفًا مِنْ وَفَاتِهَا
795 -
أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارِسْتَانِيُّ:
[البحر الطويل]
وَلَمَّا تَذَكَّرْتُ الْمَنَازِلَ بِالْحِمَى
…
وَلَمْ يُقْضِ لِي تَسْلِيمَةُ الْمُتَرَوِّدِ
زَفَرْتُ إِلَيْهَا زَفْرَةً لَوْ حَشَوْتُهَا
…
سَرَابِيلَ أَذْرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسَرَّدِ
لَذَابَتْ حَوَاشِيهَا وَظَلَّتْ بِحَرِّهَا
…
تَلِينُ كَمَا لَانَتْ لِدَاوُدَ فِي الْيَدِ
796 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِأَعْرَابِيَّةٍ: صِفِي لِيَ الْحُبَّ ، فَانْتَحَبَتْ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَتْ: يَالِقَلْبٍ وَثْبَتُهُ ، وَبِالْفُؤَادِ وَجْبَتُهُ ، وَبِالْأَحْشَاءِ نَارُهُ ، وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ خُدَّامُهُ ، فَالْعَقْلُ مِنَ الْعَاشِقِ ذَاهِلٌ ، وَالدُّمُوعُ هَوَامِلُ ، وَالْجِسْمُ نَاحِلٌ ، مُرُورُ اللَّيَالِي الْمُخْلِقَاتُ تُجِدُّهُ ، وَالْإِسَاءَةُ مِنَ الْمَعْشُوقِ لَا تُفْسِدُهُ. ثُمَّ أَوْمَأَتْ بِيَدِهَا إِلَى قَلْبِهَا وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
[البحر الطويل]
أَلَا تَتَخَلْصُ إِنَّمَا أَنْتَ سَامِتٌ
…
لِمَا لَمْ يَكُنْ يَا قَلْبُ يَنْفَعُكَ الزَّجْرُ
كَأَنَّ دُمُوعِي غُصْنُ طَرْفَاءَ حَرَّكَتْ
…
أَعَالِيهِ رِيحٌ ثُمَّ أَهْطَلَهُ قَطْرُ
797 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيَّةً تَقُولُ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَوَّضَ اللَّهُ أَعْدَاءَهُ مِنْ نَارِ الْهَوَى مَعَ الصُّدُودِ ، لَكَانَ مَا عَوَّضَهُمْ أَعْظَمَ شَرًّا مِمَّا صَرْفَ عَنْهُمْ»
798 -
أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ:
[البحر البسيط]
يَا مَنْ رَأَى النَّارَ مِنْ شَوْقٍ فَشَبَّهَهَا
…
بِالنَّارِ فِي الْقَلْبِ مِنْ هَمٍّ وَتِذْكَارِ
إِنِّي لَأُعْظِمُ مَا بِي أَنْ أُشَبِّهَهُ
…
شَيْئًا يُقَاسُ إِلَى مِثْلٍ وَمِقْدَارِ
لَوْ أَنَّ قَلْبِيَ فِي نَارٍ لَأَحْرَقَهَا
…
لِأَنَّ إِحْرَاقَهُ أَذَكَى مِنَ النَّارِ
799 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْعَدَوِيُّ لَكُثَيِّرِ عَزَّةَ:
[البحر البسيط]
لَوْ قَاسَ مَنْ قَدْ مَضَى وَجْدِي بِوَجْدِهِمُ
…
لَمْ يَبْلُغُوا مِنْ عُشَيْرِ الْعُشْرِ مِعْشَارَا
وِصَالُكُمْ جَنَّةٌ فِيهَا كَرَامَتُهَا
…
وَهَجْرُكُمْ يَعْدِلُ الْغِسْلِينَ وَالنَّارَا
800 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الرَّحْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَسَدٍ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ: " مَا أَوْرَثَكَ الْهَوَى؟ قَالَ: حَسَرَاتٍ تَتَابَعُ ، وَزَفَرَاتٍ تَتَوَالَى ، وَدُمُوعًا تَتَحَدَّرُ ، وَكَبِدًا تَتَصَدَّعُ ، وَأَحْشَاءً تَتَضَرَّمُ ، فَمَا بَقَاءُ الْجَسَدِ عَلَى هَذَا ، وَلَوْ عُودٌ صَلِيبٌ ، وَقَلَبٌ حَدِيدٌ ، وَنَسَبٌ صَرِيحٌ لَا هُجْنَةَ فِيهِ وَلَا صِنَّةَ "
801 -
أَنْشَدَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ لِأَبِي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:
[البحر الطويل]
أَمَا وَالَّذِي أَبْكَى وَأَضْحَكَ وَالَّذِي
…
أَمَاتَ وَأَحَيْيَ وَالَّذِي أَمْرُهُ أَمْرُ
لَقَدْ تَرَكَتْنِي أَحْسُدُ الْوَحْشَ أَنْ أَرَى
…
أَلِيفَيْنِ مِنْهَا لَا يَرُوعُهُمَا النَّفْرُ
عَجِبْتُ لِسَعْيِ الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
…
فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْنَنَا سَكَنَ الدَّهْرُ
إِذَا ذُكِرَتْ يَرْتَاحُ قَلْبِي لِذِكْرِهَا
…
كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ
802 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ عَنْ عَشِيقَتِهِ ، فَقَالَ:«وَاللَّهِ مَا لِحُسْنٍ مِنْ حُبِّهَا نُعَاسًا ، وَلَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا مِنْ هَيْبَةٍ إِلَّا اخْتِلَاسًا ، وَكُلُّ أَمْرِهَا إِلَيَّ حَبِيبٌ»
803 -
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ عَنْ عَشِيقَتِهِ ، فَقَالَ: " مَا رَأَيْتُ دَمْعَةً تَرَقْرَقَتْ بِإِثْمِدٍ عَلَى خَدٍّ بِأَحْسَنَ مِنْ عَبْرَةٍ أَمْطَرَتْهَا جُفُونُهَا فَأَعْشَبَ لَهَا قَلْبِي
804 -
أَنْشَدَنِي أَبُو عَلِيٍّ الرَّحْبِيُّ لِقَيْسِ بْنِ الْمُلَوِّحِ:
[البحر الطويل]
إِذَا جَاءَنِي مِنْهَا رَسُولٌ لِعَيْنِهَا
…
خَلَوْتُ بَيْنِي حَيْثُ كُنْتُ مِنَ الْأَرْضِ
وَإِنِّي لَأَهْوَاهَا مُسِرًّا وَمُعْلِنًا
…
وَأَقْضِي عَلَى قَلْبِي لَهَا بِالَّذِي تَقْضِي
فَحَتَّى مَتَى رُوحُ الْمُنَى لَا يَنَالُنِي
…
وَحَتَّى مَتَى أَيَّامُ سَخَطِكِ لَا تَمْضِي
سَأَبْكِي عَلَى نَفْسِي حِدَادًا لِهَجْرِهَا
…
وَيَبْلَى مِنَ الْهِجْرَانِ بَعْضِي عَلَى بَعْضِي
805 -
وَأَنْشَدَنِي الْإِسْحَاقِيُّ لِنِيرَانَ جَارِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ:
[البحر الكامل]
يَا وَيْحَ مَنْ خَتَلَ الْأَحِبَّةَ قَلْبُهُ
…
حَتَّى إِذَا ظَفِرُوا بِهِ قَتَلُوهُ
عَزُّوا وَخَامَرَهُ الْهَوَى فَأَذَلَّهُ
…
إِنَّ الْعَزِيزَ عَلَى الذَّلِيلِ يَتِيهُ
مَنْ كَانَ يَسْأَلُ عَنْ تَبَارِيحِ الْهَوَى
…
فَأَنَا الْهَوَى وَحَلِيفُهُ وَأَخُوهُ
انْظُرْ إِلَى جِسْمٍ أَضَرَّ بِهِ الْبِلَى
…
لَوْلَا تَقَلُّبُ طَرْفِهِ دَفَنُوهُ
806 -
وَأَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ:
[البحر البسيط]
أَنِينُ فَاقِدِ إِلْفٍ أَنَّ فِي الْغَلَسِ
…
حَتَّى تَضَايَقَ مِنْهُ مَخْرَجُ النَّفَسِ
فَكُلَّمَا أَنَّ مِنْ شَوْقٍ أَجَالَ يَدًا
…
عَلَى فُؤَادٍ لَهُ بِالْبَيْنِ مُخْتَلَسِ
وَلِلدُّمُوعِ سُطُورٌ فِي مَحَاجِرِهَا
…
يَدُلُّ ظَاهِرُهَا مِنْهَا عَلَى الدَّوَسِ
فَإِنْ يَضِقْ مَخْرَجُ الْأَنْفَاسِ عَنْ نَفَسٍ
…
تَجْرِ بِهِ عَبْرَتُهُ مِنْ مَخْرَجٍ سَلِسِ
قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: أَنَّ هُرْمُنَ الْحَكِيمَ هَوَى بِنْتَ أَكْسِتُبُوسَ
⦗ص: 386⦘
الْمَلِكِ حَتَّى ذَلَّ عَقْلُهُ ، وَاحْتَجَبَ عَنْ تَلَامِيذِهِ ، وَلَامُوهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْعَاشِقِ عَطِرَةٌ لَطِيفَةٌ ، وَأَبْدَانَهُمْ رَقِيقَةٌ وَضَعِيفَةٌ ، وَعُقُولَهُمْ بَطِيئَةُ الْإِنْفَادِ لِمَنْ قَادَهَا عَيْنُ مَسْكَنِهَا الَّذِي سَكَنَتْ إِلَيْهِ ، وَكَلَامَهُمْ يُحْيِي مُوَاتَ النُّفُوسِ ، وَيَزِيدُ فِي الْعَقْلِ ، وَيُطْرِبُ الطَّبَائِعَ ، وَيُحَرِّكُ الْأَفْهَامَ ، وَيَلْهُو بِأَخْبَارِهِمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ، وَلَوْلَا الْهَوَى قَلَّ التَّمَتُّعُ بِالنِّسَاءِ ، وَنَقَصَ تَلَذُّذُ سَاكِنِي الدُّنْيَا
808 -
أَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ النَّحْوِيُّ لِلْحَسَنِ بْنِ مُطَيْنٍ:
[البحر الكامل]
إِنَّ الْغَوَانِيَ جَنَّةٌ رِيحَانُهَا
…
خُضْرُ الْحَيَاةِ فَأَيْنَ عَنْهَا تَعْرِفُ
لَوْلَا مَلَاحَتُهُنَّ مَا كَانَتْ لَنَا
…
دُنْيَا نَلَذُّ بِهَا وَلَا نَتَصَرَّفُ
809 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَعْرَابِيًّا عَنِ الْهَوَى وَالْعِشْقِ ، فَقَالَ: " ارْتِيَاحٌ فِي الْخِلْقَةِ ، وَفَرَحٌ يَجُولُ فِي الرُّوحِ ، وَسُرُورٌ تُنْشِئُهُ الْخَوَاطِرُ فِي مُسْتَقَرٍّ غَامِضٍ ، وَمَحَلٍّ لَطِيفِ الْمَسْلَكِ يَتَّصِلُ بِأَجْزَاءِ الْقُوَى ، وَيَنْسَابُ فِي الْحَرَكَاتِ ، وَهُوَ طَرَفُ الْخِلْقَةِ ، وَلَفْظُ اللَّحْظِ ، وَضَمِيرُ الْحَرَكَاتِ ، وَبَشَاشَةُ الْخَوَاطِرِ ، وَطَرَفُ الْفِكْرِ ، وَلِلنَّفْسِ وَالْعِشْقِ أُنْسُ النَّفْسِ ، وَمَحَادِثُ الْعَقْلِ ، وَحَاجِبُهُ الضَّمَائِرُ ، وَتَخْدُمُهُ الْجَوَارِحُ ، وَالْهَوَى لِمَنْ هُوَ بِهِ أَكْثَرُ لِمَنْ هُوَ لَهُ. وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الكامل]
قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ بِالْمُحِبِّ وَشَجْوِهِ
…
فَأَظَلُّ مِنْهُ عَاجِبًا أَتَفَكَّرُ
حَتَّى ابْتُلِيتُ مِنَ الْهَوَى بِعَظِيمَةٍ
…
ظَلَّ الْفُؤَادُ مِنَ الْهَوَى يَتَفَطَّرُ
810 -
وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ ، يُنْشِدُ:
[البحر البسيط]
⦗ص: 387⦘
مَا لِي فُؤَادٌ وَلَا دَمْعٌ وَلَا كَبِدُ
…
أَفْنَاهُمَا الشَّوْقُ وَالْهِجْرَانُ وَالْكَمَدُ
تَوَكَّلَ الذُّلُّ بِي وَالْحَاسِدُونَ مَعًا
…
وَالْهَمُّ وَالصَّدُّ وَالْعَذْلُ وَالرَّصَدُ
أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ مَوْلَاةً مُعَذَّبُهَا
…
يَمُوتُ شَوْقًا وَمَا يَدْرِي بِهِ أَحَدُ
811 -
وَأَنْشَدَنِي الْمُبَرِّدُ لِعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ الْمُعَذِّلِ:
[البحر السريع]
مُكْتَئِبٌ ذُو كَبِدٍ حَرَّى
…
تَبْكِي عَلَيْهِ مُقْلَةٌ عَبْرَى
يَرْفَعُ يُمْنَاهُ إِلَى رَبِّهِ
…
يَدْعُو وَفَوْقَ الْكَبِدِ الْيُسْرَى
يَبْقَى إِذَا حَدَّثْتَهُ بَاهِتًا
…
وَنَفْسُهُ مِمَّا بِهِ سَكْرَى
تَحْسَبُهُ مُسْتَمِعًا نَاصِتًا
…
وَقَلْبُهُ فِي أُمَّةٍ أُخْرَى
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الوافر]
وَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ فَتًى يُبَكِّي
…
عَلَى شَجْوٍ ضَحِكْتُ إِذَا خَلَوْتُ
فَأَحْسَبُنِي أَوَالَ اللَّهُ مِنِّي
…
فَصِرْتُ إِذَا سَمِعْتُ بِهِمْ بَكَيْتُ
813 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى أَبُو زَكَرِيَّا الْعَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا فَهِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ بُرْدٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ»
814 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ نَصِيبٌ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ لَهُ: هَلْ عَشِقْتَ يَا نَصِيبُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: " جَارِيَةً لِبَنِي مَذْحِجٍ عَشِقْتُهَا فَاسْتَكْلَفَ بِهَا الْوَاشُونَ ، فَمَا كُنْتُ أَقْدِرُ عَلَى كَلَامِهَا إِلَّا بِعَيْنٍ أَوْ بَنَانٍ أَوْ إِشَارَةٍ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ إِيمَاءٍ ، وَفِي ذَلِكَ أَقُولُ:
[البحر الطويل]
جَلَسْتُ لَهَا كَيْمَا تَمُرَّ لَعَلَّنِي
…
أُخَالِسُهَا التَّسْلِيمَ إِنْ لَمْ تُسَلِّمِ
إِذَا مَا تَمُجُّ الْمَا تَمَنَّيْتُ أَنَّ مَا
…
جَرَى مِنْ ثَنَايَاهَا مِنَ الْمَاءِ فِي فَمِي
مَسَاكِينُ أَهْلُ الْعِشْقِ مَا كُنْتُ أَشْتَرِي
…
حَيَاةَ جَمِيعِ الْعَاشِقِينَ بِدِرْهَمِ
وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فَازُوا مِنَ الْهَوَى
…
بِسَهْمٍ وَفِي كَفِّي تِسْعَةُ أَسْهُمِ
815 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْأَحْنَفِ يَعْشَقُ فَوْزًا ، فَدَخَلَ يَوْمًا عَلَى الرَّشِيدِ فَاشْتَكَى إِلَيْهِ حُبَّهُ وَمَا هُوَ فِيهِ وَعَظِيمَ مَا يَلْقَى ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: مَا قُلْتَ فِيهَا يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: قُلْتُ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ:
[البحر الهزج]
إِذَا مَا شِئْتَ أَنْ تَنْظُـ
…
ـرَ شَيْئًا يُعْجَبُ النَّاسَا
فَصَوِّرْ هَا هُنَا فَوْزًا
…
وَصَوِّرْ ثَمَّ عَبَّاسَا
وَقِسْ بَيْنَهُمَا شِبْرًا
…
فَإِنْ زَادَ فَلَا بَاسَا
فَإِنْ لَمْ يَدْنُوَا حَتَّى
…
تَرَى رَأْسَهُمَا رَاسَا
فَكَذِّبْهَا بِمَا قَاسَتْ وَكَذِّبْهُ بِمَا قَاسَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَدَخَلْتُ عَلَى إِثْرِ إِنْشَادِهِ فَقَالَ لِيَ الرَّشِيدُ: أَلَا تَسْمَعُ مَا صَنَعَ عَبَّاسٌ ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَنْشَدَنِي ، فَحَسَدْتُهُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: الْبَوْلَ الْبَوْلَ ، فَقُمْتُ فَأَطَلْتُ ثُمَّ عُدْتُ ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، إِنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ الْقُرَشِيَّ قَدْ
⦗ص: 389⦘
قَالَ قَبْلَهُ مِثْلَ هَذَا قَالَ: وَمَا قَالَ؟ فَأَنْشَدْتُهُ:
[البحر الهزج]
إِذَا مَا شِئْتَ أَنْ تَنْظُـ
…
رَ شَيْئًا يُعْجِبُ الْبَشَرَا
فَصَوِّرْ هَاهُنَا هِنْدًا
…
وَصَوِّرْ هَاهُنَا عُمَرَا
فَإِنْ لَمْ يَدْنُوَا حَتَّى
…
تَرَى بِشَرَيْهِمَا بَشَرَا
فَكَذِّبْهَا بِمَا ذَكَرَتْ
…
وَكَذِّبْهُ بِمَا ذَكَرَا
فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: إِنَّمَا تَحْفَظُ أَشْعَارَ النَّاسِ ثُمَّ تَجِيءُ ثُمَّ تُنْشِدُنِي ، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ ، فَأَفْسَدْتُ عَلَيْهِ مَا كَانَ صَلُحَ لَهُ مِنْ قِبَلِهِ "
816 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْخٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّةٌ لِي قَالَتْ: كَانَ ذُو الرُّمَّةِ يَنْزِلُ عِنْدَنَا هُوَ وَمَيَّةُ فِي رَبْعٍ لَهُمْ ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا غَيْلَانُ ، هَاهُنَا مَنْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ مَىٍّ ، فَمَا تَرَى فِيهَا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ خَلْقًا أَحْسَنَ مِنْ مَىٍّ ، وَإِنِّي وَإِيَّاهَا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:
[البحر الطويل]
تَرَى الْعَيْنُ مَنْ تَهْوَى مَلِيحًا وَمَنْ يَكُنْ
…
بَغِيضًا إِلَيْهَا لَا عَلَى شَمَائِلِهِ
وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِجَمِيلٍ:
[البحر الكامل]
وَيَقُلْنَ: إِنَّكَ قَدْ رَكَنْتَ بِبَاطِلٍ مِنْهَا
…
فَهَلْ لَكَ فِي اعْتِزَالِ الْبَاطِلِ
وَلَبَاطِلٌ مِمَّنْ أَلَذُّ وَأَشْتَهِي
…
أَشْهَى إِلَيَّ مِنَ الْبَغِيضِ الْبَاذِلِ
818 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي
⦗ص: 390⦘
الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«حُبُّكَ لِلشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاجِبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ ذَلِكَ
820 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ الْغُبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ ، عَنِ أَبِي الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ»
بَابُ ذِكْرِ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْهَوَى
821 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرُوسٍ ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ ، عَنْ أَبِي الْمِنْجَابِ قَالَ: رَأَيْتُ فِيَ الطَّوَافِ فَتًى نَحِيفَ الْجِسْمِ، بَيِّنَ الضَّعْفِ يَلُوذُ وَيَتَعَوَّذُ ، وَيَقُولُ: "
[البحر الطويل]
وَدِدْتُ بِأَنَّ الْحُبَّ يُجْمَعُ كُلُّهُ
…
وَيُقْذَفُ فِي قَلْبِي وَيَنْغَلِقُ الصَّدْرُ
فَلَا يَنْقَضِي مَا فِي فُؤَادِي مِنَ الْهَوَى
…
وَمِنْ فَرَحِي بِالْحُبِّ أَوْ يَنْقَضِي الْعُمْرُ
فَقُلْتُ: يَا فَتًى ، مَا لِهَذِهِ الْبَنِيَّةِ حُرْمَةٌ تَمْنَعُكَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ؟ فَقَالَ: " بَلَى وَاللَّهِ ، وَلَكِنَّ الْحُبَّ مَلَأَ قَلْبِي بِفَرَحِ التَّذَكُّرِ ، فَفَاضَتِ الْفِكْرَةُ فِي سُرْعَةِ الْأَوْبَةِ إِلَى مَنْ لَا تَشِذُّ عَنْهُ مَعْرِفَةُ مَا بِي ، تَمَنَّيْتُ الْمُنَى ، وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي بِمَا بِقَلْبِي مِنْهُ مَا فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُلْكِ ، وَإِنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُثُبِّتَهُ فِي قَلْبِي عُمُرِي ، وَيَجْعَلَهُ ضَجِيعِي فِي قَبْرِي ، دَرَيْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أَدْرِ ، هَذَا دُعَائِي أَوْ أَنْصَرِفُ مِنْ حَجِّي. ثُمَّ بَكَا ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَلَّا يُسْتَجَابَ دُعَائِي ، وَلَهُ قَصَدْتُ ، وَفِيهِ رَغِبْتُ فِيمَا يُعْطَى اللَّهُ سَائِرَ خَلْقِهِ «. ثُمَّ مَضَى»
822 -
حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قِيلَ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ: مَا لَذَّةُ الدُّنْيَا؟ قَالَ: تَوَاصُلٌ بَعْدَ اهْتِجَارٍ ، وَتَصَافٍ بَعْدَ اعْتِذَارٍ ، وَشَمْلٌ لَا يُصَدِّعُهُ الْمَوْتُ
823 -
أَنْشَدَنِي ابْنُ النَّحْوِيِّ الصَّيْدَلَانِيُّ:
[البحر المنسرح]
أَطِيبُ مِنْ غَفْلَةِ الزَّمَانِ وَأَنْـ
…
ـفَاسِ نَسِيمِ الرَّبِيعِ فِي شَجَرِهْ
شُرْبُ عَقَّارٍ كَأَنَّهُ خَجَلٌ
…
عُصْفُرُ خَدَّيْهِ وَرْدَتَا حَصَرِهْ
فِي كَفِّهِ قَهْوَةٌ كَأَنَّهَا
…
نَجْمٌ مُنِيرٌ يَدْنُو إِلَى قَمَرِهْ
824 -
وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ يُنْشِدُ: «
[البحر السريع]
أَحْلَى مِنَ الْحِلْيَةِ وَالرَّكْضِ
…
مَجْرُوحَةُ الْخَدَّيْنِ بالْعَضِّ
لَمَّا بَدَتْ قُلْتُ لِبَدْرِ الدُّجَى
…
غُضَّ فَهَذَا قَمَرُ الْأَرْضِ
»
825 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَلِيٍّ الرَّحْبِيُّ لِيَعْقُوبَ بْنَ الرَّبِيعِ:
[البحر الطويل]
أَيَا مَلِكُ يَا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَوَدَّتِي
…
لِأُنْثَى سِوَاهَا مِنْ نَصِيبٍ وَلَا شِرْكِ
إِذَا ذَكَرَتْكِ النَّفْسُ بَادَرْتُ ذِكْرَهَا
…
بِفَيْضِ دُمُوعٍ لَمْ تَزَلْ بَعْدَكُمْ تَبْكِي
فَيَا طُولَ شَوْقِي لَيْتَ لِي مِنْكِ نَظْرَةً
…
فَأَبْذُلُ فِيهَا مَا أَحَاطَ بِهِ مُلْكِي
826 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، وَكَانَ عَلَى سَاقِ غَنَائِمِ خَيْبَرَ حَتَّى افْتَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً وَهِيَ تَهْتِفُ فِي خِدْرِهَا وَتَقُولُ:
[البحر البسيط]
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا
…
أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
إِلَى فَتًى مَاجِدِ الْأَعْرَافِ مُقْتَبِلٍ
…
سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ
نَمَتْهُ أَعْرَافُ صِدْقٍ حِينَ يَنْسِبُهُ
…
أَخِي حِفَاظٍ عَنِ الْمَكْرُوهِ فَرَّاجِ
قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَرَى مَعِي النَّصْرَ ، رَجُلًا تَهْتِفُ بِهِ الْعَوَاتِقُ فِي خُدُورِهَا ، عَلَيَّ بِنَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ. فَأُتِيَ بِهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَعَيْنًا وَشَعْرًا ، فَأَمَرَ بِشَعْرِهِ فَجُنَّ ، فَخَرَجَتْ لَهُ جَبْهَةٌ كَأَنَّهَا شِقَّةُ قَمَرٍ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمَّ فَاعْتَمَّ فَافْتُتِنَ النِّسَاءُ بِعَيْنَيْهِ ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وَاللَّهِ لَا تُجَامِعْنِي بِبِلَادٍ أَنَا بِهَا. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، وَلِمَ؟ قَالَ: هُوَ مَا أَقُولُ لَكَ. فَسَيَّرَهُ إِلَى
⦗ص: 393⦘
الْبَصْرَةِ ، وَخَشِيَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا عُمَرُ أَنْ يَبْدُرَ مِنْ عُمَرَ إِلَيْهَا شَيْءٌ ، فَدَسَّتْ إِلَيْهِ أَبْيَاتًا:
قُلْ لِلْإِمْامِ الَّذِي تُخْشَى بَوَادِرُهُ
…
مَالِي وَلِلْخَمْرِ أَوْ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
إِنِّي مُنِيتُ أَبَا حَفْصٍ بِغَيْرِهِمَا
…
شُرْبِ الْحَلِيبِ وَطَرْفٍ فَاتِرٍ سَاجِ
إِنَّ الْهَوَى ذِمَّةُ التَّقْوَى فَخَيَّسَهُ
…
حَتَّى أَقَرَّ بِإِلْجَامٍ وَإِسْرَاجِ
لَا تَجْعَلِ الظَّنَّ حَقًّا أَوْ تَيَقَّنْهُ
…
إِنَّ السَّبِيلَ سَبِيلَ الْخَائِفِ الرَّاجِي
قَالَ: فَبَكَا عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ: الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي خَيَّسَ التَّقْوَى الْهَوَى. قَالَ: وَأَتَى عَلَى نَصْرٍ حِينٌ وَاشْتَدَّ عَلَى أُمِّهِ غِيبَةُ ابْنِهَا عَنْهَا ، فَتَعَرَّضَتْ لَعُمَرَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَقَعَدَتْ لَهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، فَلَمَّا خَرَجَ يُرِيدُ صَلَاةَ الْعَصْرِ قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ ، لَأُجَانِيكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ لَأُخَاصِمَنَّكَ ، أَيَبِيتُ عَبْدُ اللَّهِ وَعَاصِمٌ إِلَى جَنْبِكَ وَبَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِيَ الْفَيَافِي وَالْمَفَاوِزُ وَالْجِبَالُ. فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ نَصْرٍ ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعَاصِمًا لَمْ تَهْتِفْ بِهِمَا الْعَوَاتِقُ فِي خُدُورِهِنَّ. قَالَ: فَانْصَرَفَتْ وَمَضَى عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: فَأَبْرَدَ عُمَرُ بَرِيدًا إِلَى الْبَصْرَةِ قَالَ: فَمَكَثَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامًا ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَكْتُبْ ، فَإِنَّ بَرِيدَ الْمُسْلِمِينَ خَارِجٌ. قَالَ: فَكَتَبَ النَّاسُ وَكَتَبَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ: سَلَامٌ عَلَيْكَ ، أَمَّا بَعْدُ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:
[البحر الطويل]
لَعَمْرِي لَإِنْ سَيَّرْتَنِي وَحَرَمْتَنِي
…
فَمَا نِلْتَ مِنْ عِرْضِي عَلَيْكَ حَرَامُ
أَإِنْ غَنَّتِ الدَّلْفَاءُ يَوْمًا بِمُنْيَةٍ
…
وَبَعْضُ أَمَانِيِّ النِّسَاءِ غَرَامُ
ظَنَنْتَ بِيَ السُّوءَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ
…
بَقَاءٌ فَمَا لِيَ فِي النَّدِيِّ كَلَامُ
⦗ص: 394⦘
وَيَمْنَعُنِي مِمَّا تَقُولُ تَكَرُّمِي
…
وَآبَاءُ صِدْقٍ سَالِفُونَ كِرَامُ
وَيَمْنَعُهَا مِمَّا تَمَنَّتْ صَلَاتُهَا
…
وَحَالٌ لَهَا فِي قَوْمِهَا وَصِيَامُ
فَهَاتَانِ حَالَانَا ، فَهَلْ أَنْتَ رَاجِعِي
…
فَقَدْ جُبَّ مِنَّا غَارِبٌ وَشِمَامُ
فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَمَا وَلِيُّ إِمَارَةٍ فَلَا. وَأَقْطَعَهُ مَالًا بِالْبَصْرَةِ وَدَارًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " مَا كَانَ أَنْظَرَهُ بِنُورِ اللَّهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَأَفْرَسَهُ ، كَانَ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
بَصِيرٌ بِأَعْقَابِ الْأُمُورِ بِرَأْيِهِ
…
كَأَنَّ لَهُ فِي الْيَوْمِ عَيْنًا عَلَى غَدِ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر السريع]
تَزِيدُهُ الْأَيَّامُ إِنْ سَاعَفَتْ
…
شِدَّةُ حَزْمٍ بِتَصَارِيفِهَا
كَأَنَّهَا فِي حَالِ إِسْعَافِهَا
…
تُسْمِعُهُ ضَجَّةَ تَخْوِيفِهَا
وَفِي مِثْلِهِ:
[البحر الطويل]
يَرَى عَزَمَاتِ الرَّأْيِ حَتَّى كَأَنَّمَا
…
تُلَاحِظُهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ عَوَاقِبُهْ
وَذَلِكَ أَنَّ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لَمَّا نَفَاهُ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى الْبَصْرَةِ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيِّ ، وَكَانَ بِهِ مُعْجَبًا ، وَكَانَتْ لِمُجَاشِعٍ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا الْخُضَيْرَاءُ ، فَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ ، وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ ، فَكَانَ لِشَغَفِهِ بِهِمَا يَجْمَعُهُمَا فِي مَجْلِسِهِ ، فَحَانَتْ مِنْ مُجَاشِعٍ الْتِفَاتَةٌ وَنَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ يَخُطُّ فِي الْأَرْضِ خُطُوطًا ، فَقَالَتِ الْخُضَيْرَاءُ: وَأَنَا؟ فَعَلِمَ مُجَاشِعٌ أَنَّهُ جَوَابُ كَلَامٍ ، وَكَانَ مُجَاشِعٌ لَا يَقْرَأُ ، وَكَانَتِ الْخُضَيْرَاءُ تَقْرَأُ ، وَانْصَرَفَ نَصْرٌ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَدَعَا مُجَاشِعٌ كَاتِبًا فَقَرَأَهُ فَإِذَا هُوَ: إِنِّي لَأُحِبُّكِ حُبًّا لَوْ كَانَ فَوْقَكِ لَأَظَلَّكِ ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَكِ لَأَقَلَّكِ. وَبَلَغَ نَصْرًا مَا فَعَلَ مُجَاشِعُ
⦗ص: 395⦘
بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ فَاسْتَحْيَا لِذَلِكَ ، وَاشْتَدَّ وَجْدُهُ ، وَظَهَرَ دَنَفُهُ ، وَعَظُمَتْ بَلِيَّتُهُ ، وَجَلَّتْ رَزِيَّتُهُ ، وَالْتَحَفَ عَلَيْهِ الضَّنَا ، وَامْتَنَعَ مِنَ الْغِذَاءِ حَتَّى شَارَفَ الْفَنَاءَ. كَذَلِكَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنه وَمَا كَانَ مِنْ قِصَّةِ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ ، وَأَنَا ذَاكِرٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ، وَذَاكِرٌ مَا آلَتْ إِلَيْهِ حَالُ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَلَا تَرَى إِلَى فِرَاسَةِ عُمَرَ رضي الله عنه مَا أَوْضَحَهَا ، وَإِلَى ظَنِّهِ مَا أَصْدَقَهُ ، وَإِلَى قَبِيحِ مَا ارْتَكَبَهُ نَصْرٌ مَا أَقْطَعَهُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنه بِنَحْوِهِ
829 -
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ رضي الله عنه يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ بِنِسْوةٍ يَتَحَدَّثْنَ وَإِذَا هُنَّ يَقُلْنَ أَيُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصْبَحُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَبُو ذُؤَيْبٍ. فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ:«أَنْتَ وَاللَّهِ ذَنْبُهُنَّ» . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تُجَامِعْنِي بِأَرْضٍ أَنَا بِهَا. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ مُسَيِّرِي فَحَيْثُ سَيَّرْتَ ابْنَ عَمِّي. فَأَمَرَ لَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ ثُمَّ سَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ
830 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَازِيًا وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ وَكَانَ إِلَى جَنْبِهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَعْقِلٌ ، لَهُ جَمَالٌ وَشَعْرٌ ، فَكَتَبَ الرَّجُلُ: أَعُوذُ بَرَبِّ النَّاسِ مِنْ شَرِّ مَعْقِلٍ إِذَا مَعْقِلٌ رَاحَ الْبَقِيعَ وَرَجَّلَا قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «الْحَقْ بِنَاحِيَةِ أَهْلِكَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ»
831 -
حَدَّثَنَا الرَّبَعِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: كَانَ الرَّشِيدُ يَهْوَى عَنَانَ جَارِيَةَ الْعِاطِفِيِّ ، وَكَانَتْ صِيَانَتُهُ لِنَفْسِهِ تَمْنَعُهُ مِنْهَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَا رَأَيْتُهُ قَطُّ مُبْتَذِلًا الْإِمْرَةَ ، فَإِنِّي دَخَلْتُ إِلَيْهِ وَفِي وَجْهِهِ تَخَثُّرٌ وَعِنْدَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الشِّطْرَنْجِيُّ ، فَقَالَ لَنَا: اسْتَجْمِعُوا بِنَا ، فَمَنْ أَصَابَ مَا فِي نَفْسِي فَلَهُ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَوَقَعَ بِقَلْبِي أَنَّهُ يُرِيدُ عَنَانَ ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بِجُرْأَةِ الْعِمْيَانِ:
[البحر الخفيف]
مَجْلِسٌ يُنْسَبُ السُّرُورُ إِلَيْهِ
…
لِمُحِبِّ رَيْحَانَةَ ذَاكِرَاكِ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لِمَ أُحْرَمْ أَنَا ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَقُولُ أَنَا ، قَالُ: قُلْ ، فَقُلْتُ:
[البحر الخفيف]
لَمْ يَنَلْكِ الرَّجَاءُ أَنْ تَحْضُرِينِي
…
وَتَجَافَتْ أُمْنِيَّتِي عَنْ سِوَاكِ
فَقَالَ الرَّشِيدُ: أَنْتَ أَتَيْتَ بِمَا أَرَدْتُ ، فَلَكَ عِشْرُونَ أَلْفًا ، ثُمَّ أَطْرَقَ سَاعَةً فَقَالَ: أَنَا أَشْعَرُ مِنْكُمَا ، قَدْ قُلْتُ:
[البحر الخفيف]
فَتَمَنَّيْتُ أَنْ يُعِيشَنِي اللَّـ
…
ـهُ طَوِيلًا فَلَعَلَّ عَيْنَيَّ تَرَاكِ
832 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي لِابْنِ الْمُؤَمَّلِ لَمَّا قَالَ:
[البحر البسيط]
شَفَا الْمُؤَمَّلَ يَوْمَ الْحِيرَةِ النَّظَرُ
…
لَيْتَ الْمُؤَمَّلَ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ بَصَرُ
⦗ص: 397⦘
عَمِيَ ، فَرَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ آتِيًا أَتَاهُ فَقَالَ: هَذَا هَذَا مَا تَمَنَّيْتَهُ فِي شِعْرِكَ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ:
[البحر الكامل]
يَا لَيْتَ شِعْرِيَ ، وَالْأَمَانِيُّ رُبَّمَا
…
أَوْفَتْ بِصَاحِبِهَا عَلَى مِيعَادِ
هَلْ بَعْدَ فُرْقَتِنَا اجْتِمَاعٌ أَمْ لَنَا
…
فِي غَابِرِ الْأَيَّامِ حُسْنُ تَنَادِي
وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا:
[البحر الطويل]
وَدِدْتُ وَلَا يَمْقُتُنِي اللَّهُ دُونَهَا
…
نَصِيبِي مِنَ الدُّنْيَا وَإِنِّي نَصِيبُهَا
فَإِنْ تَجْنِ لَيْلَى بِالْمَوَدَّةِ تَجْزِنِي
…
وَإِنْ تَجْزِ بِالْقُرْبَى فَإِنِّي قَرِيبُهَا
834 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالَ: كَانَ دَاوُدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَاصِمٍ يَهْوَى جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: وَرْدَةُ ابْنَةُ عَائِذٍ الطَّائِيِّ ، فَخَرَجَ يَوْمًا فَاسْتَقْبَلَ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ فِي يَوْمِ بُؤْسِهِ وَهُوَ يُرِيدُهَا ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى اسْتِقْبَالِي فِي يَوْمِ بُؤْسِي؟ قَالَ: شِدَّةُ الْوَجْدِ ، وَقِلَّةُ الصَّبْرِ وَقَالَ: أَلَسْتَ الْقَائِلَ:
[البحر الطويل]
أَلَا لَيْتَنِي مَكَّنْتُ مِنْ وَرْدَةَ الْمُنَى
…
بِعَذْلٍ مِنَ الْبُلْدَانِ فِي مَهَمَّةٍ قَفْرِ
نَكُونُ بِهَا فَرْدَيْنِ لَا نَبْغِ ثَالِثًا
…
هُنَاكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْحَشْرِ
فَلَا زَادَ عِنْدِي غَيْرُ فَضْلِ سَلَامٍ
…
وَأَبْيَضَ مِنْ مَاءٍ زُلَالٍ مِنَ الْقَطْرِ
أُعَانِقُهَا طَوْرًا وَأَلْثَمُ خَدَّهَا
…
وَطَوْرًا أُعَاطِيهَا أَحَادِيثَ كَالشَّدْرِ
قَالَ: بَلَى ، وَأَنَا الَّذِي أَقُولُ:
[البحر الوافر]
وَدِدْتُ وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَنِّي
…
أُقَارِعُ عُمْرَ وَرْدَةَ بِالْقِدَاحِ
عَلَى ذَبْحِي بِأَبْيَضَ مَشْرَفِيٍّ
…
وَكَوْنِي لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَّاحِ
فَإِنْ تَكُنِ الْقِدَاحُ عَلَيَّ تُلْقَى
…
ذُبِحْتُ عَلَى الْقِدَاحِ بِلَا جُنَاحِ
وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ لِينُ خَدِّي
…
لَهَوْتُ بِكَاعِبٍ خُودٍ رِدَاحِ
⦗ص: 398⦘
لَأَوَّلِ لَيْلَتِي حَتَّى إِذَا مَا
…
أَضَاءَ الْفَجْرُ أُبْتُ إِلَى الْفَلَاحِ
قَالَ: فَإِنِّي أُخَيِّرُكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ. قَالَ: وَمَا هُمَا أَبَيْتَ اللَّعْنَ؟ قَالَ: أُخَلِّي سَبِيلَكَ فَتَمْضِي ، أَوْ أُمَتِّعُكَ بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقْتُلُكَ. قَالَ: تُمَتِّعْنِي بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَقْتُلُنِي. فَسَاقَ مَهْرَهَا إِلَى عَمِّهَا ، وَخَرَجَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَمَكَثَ مَعَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْأَيَّامُ أَقْبَلَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ يَقُولُ:
إِلَيْكَ ابْنَ مَاءِ الْمُزْنِ أَقْبَلْتُ مَا مَضَتْ
…
لِيَ السَّبْعُ مِنْ يَوْمِ دُخُولِي عَلَى أَهْلِي
فَجِيءَ مُقِرًّا بِاصْطِنَاعِكَ شَاكِرًا
…
مَنَنْتَ عَلَيْهِ بِالْكَرِيمِ مِنَ الْفِعْلِ
لِتَقْضِيَ فِيهِ مَا أَرَدْتَ قَضَاءَهُ
…
مِنَ الْعَفْوِ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِي
فَإِنْ يَكُ عَفْوًا كُنْتَ أَفْضَلَ مُنْعِمٍ
…
وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَمِنْ حَكَمٍ عَدْلِ
قَالَ: فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الرمل]
لَمْ يَنَلْ مَا نَالَ مِنَّا
…
ابْنُ سَعْدٍ مِنْ أَنِيسِ
إِذْ حَوَى مَا كَانَ يَهْوَى
…
وَنَجَا مِنْ يَوْمِ بُؤْسِي
وَكَذَاكَ الطَّيْرُ يَجْرِي
…
بِسُعُودٍ وَنُحُوسِ
وَأَنْشَدَ لِسَعِيدِ بْنِ حُمَيْدٍ:
[البحر الخفيف]
كَيْفَ أُثْنِي عَلَى الزَّمَانِ وَهِجْرَانُـ
…
ـكَ مِمَّا جَنَتْ بِهِ صُرُوفُ الزَّمَانِ
صِرْتُ أَجْفُوكِ مُكْرَهًا وَعَلَى الْـ
…
ـوُدِّ دَلِيلٌ مِنْ نَاظِرِي وَلِسَانِي
كُلَّمَا عُدْتُ بِالتَّجَلُّدِ عَنْكُمُ
…
كَذَّبَتْنِي نَوَاظِرُ الْأَجْفَانِ
وَلَوْ أَنَّ الْمُنَى تُحَكَّمُ يَوْمًا
…
مَا تَهَدَّتْ إِلَّا إِلَيْكِ الْأَمَانِي
835 -
وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ لِيَعْقُوبَ بْنِ الرَّبِيعِ:
[البحر الطويل]
أَلَا إِنَّمَا الْعَيْشُ اللَّذِيذُ مِدَاحُهُ
…
عَقَارٌ كَلَوْنِ النَّارِ صَفْرَاءُ قَرْقَفُ
يَسِيرُ بِهَا رِيمٌ لَهُ جِيدُ شَادِنٍ
…
غَدِيرٌ وَطَرْفٌ يُدْنِفُ الْقَلْبَ مُذْلِفُ
وَلَيْلٌ جَلَا بَدْرُ السَّمَاءِ ظَلَامَهُ
…
فَصَارَ نَهَارًا حُسْنُهُ لَيْسَ يُوصَفُ
كَأَنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ وَهْيَ طَوَالِعٌ
…
عُيُونٌ إِلَى الْكَاسَاتِ تَرْنُو وَتَطْرُفُ
836 -
وَسَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ يُنْشِدُ:
[البحر الطويل]
وَأَحْسَنُ مِنْ رَبْعٍ وَمِنْ وَصْفِ دِمْنَةٍ
…
وَمِنْ جَبَلَيْ طَيٍّ وَمِنْ وَصْفِكُمْ سَلْعَا
تَلَاحُظُ عَيْنَيْ عَاشِقَيْنِ كِلَاهُمَا
…
لَهُ مُقْلَةٌ فِي خَدِّ صَاحِبِهِ تَرْعَى
837 -
حَدَّثَنِي السَّرِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَلَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: اجْتَمَعَ مَشْيَخَةُ الْحَيِّ إِلَى الْمُلَوِّحِ أَبِي قَيْسٍ الْمَجْنُونِ فَقَالُوا لَهُ: لَوْ حَجَجْتَ بِوَلَدِكَ فَلَاذَ بِالْبَيْتِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ مِمَّا بِهِ. فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، فَبَيْنَمَا هُوَ بِمِنًى إِذْ سَمِعَ صَائِحًا مِنْ تِلْكَ الْخِيَامِ يَا لَيْلَى ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
⦗ص: 400⦘
وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى
…
فَهَيَّجَ أَحْزَانَ الْفُؤَادِ وَمَا يَدْرِي
دَعَى بِاسْمِ لَيْلَى غَيْرَهَا فَكَأَنَّمَا
…
لَطَارَ بِلَيْلَى طَائِرٌ كَانَ فِي صَدْرِي
ثُمَّ صَاحَ صَيْحَةً فَغُشِيَ عَلَيْهِ ، فَجَعَلَ أَبُوهُ يَرُشُّ عَلَى وَجْهِهِ الْمَاءَ حَتَّى أَفَاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
دَعَا الْمُحْرِمُونَ اللَّهَ يَسْتَغْفِرُونَهُ
…
بِمَكَّةَ شُعْثًا أَنْ يَمْحِي ذُنُوبَهَا
وَنَادَيْتُ يَا رَبَّاهُ أَوَّلُ مُنْيَتِي
…
لِنَفْسِيَ لَيْلَى ثُمَّ أَنْتَ حَسِيبُهَا
فَإِنْ أُعْطَ لَيْلَى فِي حَيَاتِيَ لَمْ يَتُبْ
…
إِلَى اللَّهِ عَبْدٌ تَوْبَةً لَا أَتُوبُهَا
838 -
حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ إِلَى مُتَنَزَّهٍ لَهُ فَذَكَرَ جَارِيَةً كَانَتْ لَهُ يُحِبُّهَا وَكَتَبَ إِلَيْهَا:
[البحر الطويل]
فَلَمَّا أَتَيْنَا مَنْزِلًا ظِلُّهُ النَّدَى
…
أَنِيقًا وَبُسْتَانًا مِنَ النُّورِ حَالِيَا
أَجَدَّ لَنَا ذِكْرُ الْحَدِيثِ وَطِيبُهُ
…
مُنًى فَتَمَنَّيْنَا فَكُنْتِ الْأَمَانِيَا
بَابُ ذِكْرِ أَحْلَامِ أَهْلِ الْهَوَى الْمُسْرِفِينَ
839 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الصَّلْتِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَعْفَرِيِّ ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ: إِنِّي لَأَسِيرُ بَيْنَ الْعُلَيَّا وَجَوْشٍ أُرِيدُ الْحَجَّ ، إِذْ سَمِعْتُ نَشِيجًا مِنْ هَوْدَجٍ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَإِذَا بِصَوْتٍ شَجِيٍّ ، وَكَلَامٍ خَفِيٍّ ، وَامْرَأَةٍ تَقُولُ:
[البحر الطويل]
وَمَا غَابَ عَنِّي شَخْصُهُ غَيْرَ أَنَّنِي
…
وَجَدْتُ الْهَوَى قَدْ ذَاقَهُ بِالتَّصَبُّرِ
فَإِنْ يَجْمَعِ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
…
يَفُزْ بِالْهَوَى قَلْبِي وَيَفْرَحْ مَنْظَرِي
تَقَسَّمَ قَلْبِي ذِكْرُهُ فَأَبَحْتُهُ
…
حِمَى النَّفْسِ فَاسْتُرْ ذَاكَ يَارَبِّ وَاغْفِرِي
وَلَا تُعْطِنِي يَا رَبِّ فِي الْحَجِّ غَيْرَهُ
…
فَحَسْبِي بِهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ مُقَدَّرِي
قُلْتُ: يَا هَذِهِ ، لَقَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ عَظِيمًا ، وَمَتَى عَهْدُكِ بِهِ؟ قَالَتْ: كُنْتُ نَائِمَةً قُبَيْلُ ، إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ بَابِ الْهَوْدَجِ فَلَثَمَ وَجْهِي ، فَانْتَبَهْتُ لِلِثَامِهِ وَهُوَ مُخْتَلِطٌ بِقَلْبِي ، قُلْتُ: فَبِالَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَكُمَا لَمَا أَرَيْتِنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي لَثَمَهُ ، فَرَفَعَتِ السِّجْفَ فَأَشَارَتْ إِلَى خَالٍ فِي خَدِّهَا ، فَمَا خِلْتُهُ إِلَّا عَقْرَبًا ضَرَبَتْ فُؤَادِي ، قُلْتُ: فَقَدْ جَعَلْتِ هَذَا وَقْفًا عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ ، إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ. ثُمَّ أَسْبَلَتِ السِّجْفَ
840 -
أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُتْبِيُّ:
[البحر الخفيف]
اسْتَزَارَتْهُ فِكْرَتِي فِي الْمَنَامِ
…
فَأَتَانِي فِي رُقْبَةٍ وَاكْتِتَامِ
اللَّيَالِي أُخْفِي بِقَلْبِي إِذَا مَا
…
جَرَحَتْهُ النَّوَى مِنَ الْأَيَّامِ
يَا لَهَا لَيْلَةٌ تَنَزَّهَتِ الْأَرْ
…
وَاحُ فِيهَا سِرًّا مِنَ الْأَجْسَامِ
مَجْلِسٌ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِيهِ عَيْبٌ
…
غَيْرَ أَنَّا فِي دَعْوَةِ الْأَحْلَامِ
841 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: لَمَّا أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ أَهْدَى إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ مِنْ خُرَاسَانَ جَوَارٍ ، وَكَانَتْ فِيهِنَّ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا مَحْبُوبَةُ ، وَكَانَتْ قَدْ نَشَأَتْ بِالطَّائِفِ ، وَكَانَ لَهَا مَوْلًى مُغْرًى بِالْأَدَبِ ، وَكَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ عَنْهُ وَرَوَتِ الْأَشْعَارَ ، وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ بِهَا مُعْجَبًا ، فَغَضِبَ عَلَيْهَا وَمَنَعَ الْجَوَارِيَ مِنْ كَلَامِهَا ، فَكَانَتْ فِي حُجْرَتِهَا لَا يُكَلِّمُهَا أَحَدٌ أَيَّامًا ، فَرَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ قَدْ صَالَحَهَا ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا عَلِيُّ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَشَعَرْتَ أَنِّي رَأَيْتُ مَحْبُوبَةَ فِي مَنَامِي كَأَنِّي قَدْ صَالَحَتْنِي؟ قُلْتُ: خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِذًا يُقِرُّ اللَّهُ عَيْنَكَ وَيَسُرُّكَ. فَوَاللَّهِ إِنَّا لَفِي مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَدِيثِهَا إِذْ جَاءَتْ وَصِيفَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: يَا سَيِّدِي ، سَمِعْتُ صَوْتَ عُودٍ مِنْ حُجْرَةٍ مَحْبُوبَةَ. قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: قُمْ بِنَا يَا عَلِيُّ نَنْظُرْ مَا هَذَا الْأَمْرُ. فَنَهَضْنَا فَأَتَيْنَا حُجْرَتَهَا ، فَإِذَا هِيَ تَضْرِبُ بِالْعُودِ وَهِيَ تَقُولُ:
[البحر المنسرح]
أَدُورُ فِي الْقَصْرِ لَا أَرَى أَحَدًا
…
أَشْكُو إِلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُنِي
حَتَّى كَأَنِّي أَتَيْتُ مَعْصِيَةً
…
لَيْسَتْ لَهَا تَوْبَةٌ تُخَلِّصُنِي
فَهَلْ شَفِيعٌ لَنَا إِلَى مَلِكٍ
…
قَدْ زَارَنِي فِي الْكَرَى فَصَالَحَنِي
حَتَّى إِذَا مَا الصَّبَاحُ لَاحَ لَنَا
…
عَادَ إِلَى هَجْرِهِ فَصَارَمَنِي
قَالَ: فَصَاحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
وَصِحْتُ مَعَهُ ، فَسَمِعَتْ مَحْبُوبَةُ ، فَقَالَتْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَى رِجْلَيْهِ تُقَبِّلُهُمَا وَقَالَتْ: يَا سَيِّدِي ، رَأَيْتُكَ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ كَأَنَّكَ قَدْ صَالَحْتَنِي. فَقَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنَّكِ قَدْ صَالَحْتِينِي. فَرَدَّهَا إِلَى مَرْتَبَتِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ
بَابُ ذِكْرِ مُسَاعَدَةِ أَهْلِ الْهَوَى ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى ، وَالتَّبَرُّعِ بِحَمْلِ رَسَائِلِهِمْ
842 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي طَيِّبَةُ ، مَوْلَاةُ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ يَقُولُ: طَرَقَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي اللَّيْلِ ، فَأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: " إِنَّ جَارِيَةَ ابْنِ حَمْدَانَ غَنَّتْنِي لَكَ:
[البحر الطويل]
تَعَالَوْا أَعِينُونِي عَلَى اللَّيْلِ إِنَّهُ
…
عَلَى كُلِّ عَيْنٍ لَا تَنَامُ طَوِيلُ
وَقَدْ جِئْتُكَ أُعِينُكَ عَلَى طُولِ اللَّيْلِ. فَقُلْتُ: أَدَّى اللَّهُ عَنْكَ الْحَقَّ ، أَبْطَأْتَ عَنِّي حَتَّى أَتَى اللَّهُ عز وجل بِالْفَرَجِ "
843 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: قَالَ عِصْمَةُ الْخَاسِ: قَالَ لِي ذُو الرُّمَّةِ: عِنْدَكَ نَاقَةٌ نَزُورُ عَلَيْهَا مَيَّةَ؟ فَقُلْتُ: عِنْدِيَ الْحَوْزَرَاءُ ابْنَةُ الْمَهْرِيِّ. قَالَ: فَزُرْنَا مَيَّةَ ، فَإِذَا الْحَيُّ خَلُوفٌ ، وَإِذَا بِخَيْمَةٍ نَاحِيَةٍ مِنَ الْخِيَامِ قَالَ يَا عِصْمَةُ: أَنْشِدْهَا قَالَ عِصْمَةُ: وَكَانَ ذُو الرُّمَّةِ إِذَا أَنْشَدَ الشِّعْرَ جَشَّ صَوْتُهُ كَمَا يَجَشُّ صَوْتُ الْغُرَابِ الْهَرِمِ ، فَأَنْشَدْتُهَا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ:
[البحر الطويل]
فَيَا لَكَ مِنْ خَدٍّ أَسِيلٍ وَمَنْطِقٍ
…
رَخِيمٍ وَمِنْ خَلْقٍ تَعَلَّلَ جَاذِبُهْ
وَقَدْ حَلَفَتْ بِاللَّهِ مَيَّةُ مَا الَّذِي
…
أَقُولُ لَهَا إِلَّا الَّذِي أَنَا كَاذِبُهْ
إِذًا فَرَمَانِي اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا أَرَى
…
وَلَا زَالَ فِي أَرْضِي عَدُوٌّ أُحَارِبُهْ
قَالَتْ مَيَّةُ: رَاقِبِ اللَّهَ يَا ذَا الرُّمَّةِ ، مَتَى كَذَّبْتُكَ قَوْلُهُ: تَعَلَّلَ جَاذِبُهْ: يَقُولُ: لَمْ يَجِدْ فِيهِ مَقَالًا فَهُوَ يَتَعَلَّلُ بالشَيْءِ بِقَوْلِهِ ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ
844 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نُمَيْرُ بْنُ فِجَافٍ الْهِلَالِيُّ قَالَ: كَانَ فِينَا فَتًى يُقَالُ لَهُ: بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِالْأَسِيرِ ، وَكَانَ سَيِّدَ فِتْيَانِ بَنِي هِلَالٍ ، وَأَحْسَنَهُمْ وَجْهًا ، وَأَسْخَاهُمْ نَفْسًا ، وَكَانَ مُعْجَبًا بِجَارِيَةٍ مِنْ قَوْمِهِ ، وَكَانَتْ تُدْعَى جِيدًا ، وَكَانَتْ بَارِعَةَ الْجَمَالِ ، فَلَمَّا عَلَا أَمْرُهُ وَأَمْرُهَا ، وَظَهَرَ خَبَرُهُ وَخَبَرُهَا ، وَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا حَتَّى وَقَعَتْ فِيهِمُ الدِّمَاءُ قَالَ نُمَيْرٌ: فَلَمَّا طَالَ عَلَى الْأَسِيرِ الْبَلَاءُ جَاءَنِي يَوْمًا فَقَالَ لِي: يَا نُمَيْرُ ، هَلْ عِنْدَكَ خَبَرٌ؟ قُلْتُ: عِنْدِي ، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ. قَالَ: تُسَاعِدُنِي عَلَى زِيَارَةِ جِيدٍ ، فَقَدْ أَذَابَ الشَّوْقُ رُوحِي ، وَنَغَّصَ عَلَيَّ حَيَاتِي. قُلْتُ: نَعَمْ ، بِالْحُبِّ وَالْكَرَامَةِ ، فَانْهَضْ إِذَا شِئْتَ. فَرَكِبَ وَرَكِبْتُ مَعَهُ ، فَسِرْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا وَالْغَدَ ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْعِشَاءُ أَنَخْنَا رِحَالَنَا فِي شِعْبٍ خَفِيٍّ وَقَعَدْنَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ: يَا نُمَيْرُ: اذْهَبْ فَتَأَّنَسْ بِالنَّاسِ ، وَاذْكُرْ إِنْ لَقِيتَ أَحَدًا أَنَّكَ طَالِبُ ضَالَّةٍ ، وَلَا تُعَرِّضْ بِذِكْرِي بَيْنَ شَفَةٍ وَلِسَانٍ إِلَّا أَنْ تَلْقَى فُلَانَةَ جَارِيَتَهَا رَاعِيَةَ ضَأْنِهِمْ ، فَأَقْرِئْهَا مِنِّي السَّلَامَ وَسَلْهَا عَنِ الْخَبَرِ ، وَأَعْلِمْهَا مَوْضِعِي. قَالَ: فَخَرَجْتُ لَا أَعْدُو مَا أَمَرَنِي بِهِ حَتَّى لَقِيتُ الْجَارِيَةَ ، فَأَبْلَغْتُهَا الرِّسَالَةَ ، وَأَعْلَمْتُهَا مَكَانَهُ ، وَسَأَلْتُهَا عَنِ الْخَبَرِ ، قَالَتْ: هِيَ وَاللَّهِ مُشَدَّدٌ عَلَيْهَا ، مُتَحَفَّظٌ بِهَا عَلَى ذَلِكَ ، فَمَوْعِدُكُمْ أُولَئِكَ الشَّجَرَاتُ اللَّوَاتِي عِنْدَ أَقْعَابِ الْبُيُوتِ مَعَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى صَاحِبِي فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ ، ثُمَّ نَهَضْتُ أَنَا وَهُوَ نَقُودُ رَوَاحِلَنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَوْعِدَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَعَدَتْنَا ، فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى إِذَا جِيدٌ تَمْشِي ، فَدَنَتْ مِنَّا ، وَوَثَبَ الْأَسِيرُ فَصَافَحَهَا وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ، وَوَثَبْتُ مُوَلِّيًا عَنْهُمَا ، فَقَالَا: نُقْسِمُ عَلَيْكَ إِلَّا رَجَعْتَ ، فَوَاللَّهِ مَا نَحْنُ فِي مَكْرُوهٍ ، وَلَا بَيْنَنَا قَبِيحٌ نَخْلُو بِهِ دُونَكَ ، فَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمَا ، فَقَالَ لَهَا الْأَسِيرُ: مَا فِيكِ حِيلَةٌ يَا جِيدُ نَتَعَلَّلُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا لِي إِلَى ذَلِكَ مِنْ سَبِيلٍ ، إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ الَّذِي تَعْلَمُ مِنَ الْبَلَاءِ وَالشَّرِّ. فَقَالَ لَهَا: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ وَقَعَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ
⦗ص: 405⦘
. قَالَتْ: فَهَلْ فِي صَاحِبِكَ هَذَا مِنْ خَيْرٍ؟ قُلْتُ: قُولِي مَا بَدَا لَكِ؛ فَإِنِّي أَنْتَهِي إِلَى رَأْيِكِ ، وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ ذَهَابُ نَفْسِي. فَخَلَعَتْ ثِيَابَهَا فَلَبِسْتُهَا ، وَخَلَعْتُ ثِيَابِي فَلَبِسَتْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ: اذْهَبْ إِلَى بَيْتِي ، فَادْخُلْ فِي سِتْرِي ، فَإِنَّ زَوْجِي سَيَأْتِيكَ فَيَطْلُبُ مِنْكَ الْقَدَحَ يَحْلُبُ فِيهِ ، ثُمَّ يَأْتِيكَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحَلْبِ بِالْقَدَحِ مَلْآنَ لَبَنًا فَيَقُولُ: هَاكِ غَبُوقَكِ ، فَلَا تَأْخُذْهُ مِنْهُ حَتَّى تُطِيلَ نُكْرَكَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ خُذْهُ أَوْ دَعْهُ حَتَّى يَضَعَهُ ، ثُمَّ لَسْتَ تَرَاهُ حَتَّى يُصْبِحَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَذَهَبْتُ وَفَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بِالْقَدَحِ لِآخُذَهُ ، فَلَمْ آخُذْهُ حَتَّى طَالَ نُكْرِي عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِآخُذَهُ وَهَوَى لِيَضَعَهُ فَاخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُهُ ، فَانْكَفَأَ الْقَدَحُ وَانْدَفَقَ مَا فِيهِ مِنَ اللَّبَنِ ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الطَّمَّاحَ جَدَا. وَضَرَبَ بِيَدِهِ مُقَدَّمَ الْبَيْتِ فَاسْتَخْرَجَ سَوْطًا مَلْوِيًّا مِثْلَ الثُّعْبَانِ ، ثُمَّ دَخَلَ فَهَتَكَ السِّتْرَ وَقَبَضَ عَلَيَّ ، وَأَمْتَعَ السَّوْطَ مِنِّي ، فَضَرَبَنِي تَمَامَ عِشْرِينَ أَنْ زَادَتْ قَلِيلًا أَوْ نَقَصْتُ قَلِيلًا ، ثُمَّ جَاءَتْ أُمُّهُ وَأُخْتُهُ فَانْتَزَعَانِي مِنْ يَدِهِ ، وَلَا وَاللَّهِ فَعَلَ بِي ذَلِكَ حَتَّى زَايَلَنِي عَقْلِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَجِيئَهُ بِالسِّكِّينِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا الْمَوْتُ ، فَلَمَّا خَرَجُوا سَدَدْتُ سِتْرِي وَقَعَدْتُ كَمَا كُنْتُ ، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أُمُّ جِيدٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَكَلَّمَتْنِي وَهِيَ تَحْسَبُنِي ابْنَتَهَا ، وَانْبَعَثْتُ فِي الْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ ، وَتَغَطَّيْتُ بِثَوْبِي وَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةِ ، اتَّقِي اللَّهَ فِي نَفْسِكِ ، وَلَا تَعَرَّضِي لِمَكْرُوهِ زَوْجِكِ ، فَذَلِكَ أَوْلَى بِكِ ، فَأَمَّا الْأَسِيرُ فَلَكِ آخِرَ الدَّهْرِ ، وَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِي وَقَالَتْ: سَأُرْسِلُ إِلَيْكِ بِأُخْتِكِ تُؤْنِسِكِ اللَّيْلَةَ. فَلَبِثْتُ غَيْرَ مَا كَثِيرٍ فَإِذَا الْجَارِيَةُ قَدْ جَاءَتْ وَجَعَلَتْ تَبْكِي وَتَدْعُو عَلَى مَنْ ضَرَبَنِي ، وَجَعَلْتُ لَا أُكَلِّمُهَا ، ثُمَّ اضَّجَعَتْ إِلَى جَنْبِي ، فَلَمَّا اسْتَمَكَنْتُ مِنْهَا شَدَدْتُ يَدِي عَلَى فَمِهَا وَقُلْتُ: يَا هَذِهِ ، تِلْكَ أُخْتُكِ مِنَ الْأَسِيرِ ، وَقَدْ قُطِعَ ظَهْرِي بِسَبَبِهَا اللَّيْلَةَ ، وَأَنْتِ أَوْلَى بِالسِّتْرِ عَلَيْهَا ، فَاخْتَارِي لِنَفْسِكِ وَلَهَا ، فَوَاللَّهِ إِنْ تَكَلَّمْتِ بِكَلِمَةٍ لَأُصْبِحَنَّ أَنَا بِجُهْدِي حَتَّى تَكُونَ الْفَضِيحَةُ شَامِلَةً. ثُمَّ رَفَعْتُ عَنْ فِيهَا فَاهْتَزَّتْ كَمَا تَهْتَزُّ الْقَصَبَةُ مِنَ الْفَرَقِ ، فَلَمْ أَزَلْ بِهَا حَتَّى آنَسَتْ ، فَبَاتَتْ وَاللَّهِ مَعِي أَصْلَحَ
⦗ص: 406⦘
رَفِيقٍ رَفَقْتُهُ قَطُّ ، فَلَمْ تَزَلْ تَتَحَدَّثُ وَتَضْحَكُ مِنِّي ، وَمَاءَلَنِي وَتَمَكَّنْتُ مِنْهَا تَمَكُّنَ مَنْ لَوْ رَامَ مِنْهَا رِيبَةً قَدَرَ عَلَيْهَا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَ ، فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ ، ثُمَّ إِذَا جِيدٌ تَدْخُلُ عَلَيْنَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا رَأَتْنَا ارْتَاعَتْ لِذَلِكَ وَقَالَتْ: وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟ قُلْتُ: أُخْتُكِ. قَالَتْ: وَمَا السَّبَبُ؟ قُلْتُ: هِيَ تُخْبِرُكِ؛ فَإِنَّهَا لَعَمْرُ اللَّهِ عَالِمَةٌ. وَأَخَذْتُ ثِيَابِي وَمَضَيْتُ إِلَى صَاحِبِي ، فَرَكِبْتُ أَنَا وَهُوَ ، وَحَدَّثْتُهُ مَا أَصَابَنِي ، وَكَشَفْتُ لَهُ عَنْ ظَهْرِي ، وَإِذَا فِيهِ مَا غَرَسَ اللَّهُ عز وجل مِنْ ضَرْبَةٍ إِلَى جَنْبِ أُخْرَى ، كُلُّ ضَرْبَةٍ يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: لَقَدْ عَظُمَتْ صَنِيعَتُكَ ، وَوَجَبَ شُكْرُكَ ، وَخَاطَرْتَ بِنَفْسِكَ ، فَلَا أَحْرَمَنِي اللَّهُ مُكَافَأَتَكَ
845 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: خَرَجَ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُنْدُبٍ إِلَى مَوْضِعٍ قَصَدَا إِلَيْهِ ، فَلَقِيَا ابْنَ الْمُؤَمَّلِ وَهُوَ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا قَالَ: فَصَاحَ: يَا ابْنَ جُنْدُبٍ ، مَا تَشَاءُ؟ قَالَ:
[البحر الطويل]
فَأَبْكِي فَلَا لَيْلَى بَكَتْ مِنْ صَبَابَةٍ
…
لِبَاكٍ وَلَا لَيْلَى لِذِي الْوُدِّ تَبْذُلُ
وَأَخْنَعُ لِلْعُتْبَى إِذَا كُنْتُ مُذْنِبًا
…
وَإِنْ أَذْنَبْتُ كُنْتُ الَّذِي أَتَنَصَّلُ
وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّى سَلَوْتُ وَأَنَّنِي
…
نَبَا لِي عَنْ إِتْيَانِهَا مُتَعَلَّلُ
فَقَالَ ابْنُ جُنْدُبٍ بِجَنَابِهِ: طَالِقٌ ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ ، إِنْ لَمْ أَقُدْهَا إِنْ كَانَتْ أُمَيَّةَ. قَالَ: هِيَ وَاللَّهِ يَا أَخِي قَوْسِي ، سَمَّيْتُهَا لَيْلَى
846 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَضَرَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عُمَرَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَهُوَ يُنْشِدُ:
[البحر الطويل]
مَنْ كَانَ مَحْزُونًا لِإِهْرَاقِ دَمْعِهِ
…
وَهِيَ غَرْبُهَا فَلْيَأْتِنَا نَبْكِهَا
غَدَا قَالَ: قَدْ أَتَيْنَاكَ ، وَلَا نَبْرَحُ أَوْ نَبْكِي ، فَبَكَّاهُ مَعَهُ
846 -
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: لَمَّا قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ:
[البحر الوافر]
أَحِنُّ إِذَا رَأَيْتُ جَمَالَ سُعْدَى
…
وَأَبْكِي إِنْ سَمِعْتُ لَهَا حَنِينَا
وَقَدْ أَزِفَ الرَّحِيلُ فَقُلْ لِسُعْدَى
…
فَدَيْتُكِ خَبِّرِي مَا تَأْمُرِينَا
قَالَ: فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ حَتَّى أَتَى الْخَنَاصِرَ مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ ، فَرَأَى خَيْمَةَ سُعْدَى ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا وَأَنْشَدَهَا الْبَيْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: مَا تَأْمُرِينَ؟ قَالَتْ: آمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ