الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محبطات الأعمال (1)
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
محبطات الأعمال (1)
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما {من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .
أما بعد: معشر الإخوة الكرام..
تدارسنا في الموعظة السابقة أن فرائض الله التي فرضها على عباده والواجبات التي أوجبها على خلقه تنقسم إلى قسمين اثنين فرض دائم على الدوام ينبغي أن يقوم به الإنسان في كل زمان ومكان وهو تحقيق العبودية لذي الجلال والإكرام.
والثاني فروض مؤقتة بأمكنة وأزمنة وقد مر الكلام على هذين القسمين وبينت في الموعظة السابقة أن القسم الثاني من فرائض الله وواجباته أعني الفروض المؤقتة لا تقبل إلا إذا حقق الإنسان الفرض الدائم وقام به وبينت أن الناس ينقسمون نحو الفرض الدائم إلى ثلاثة أقسام تكلمت على قسمين اثنين ووعدت بأن أتكلم على القسم الثالث في هذه الموعظة وهم عباد الله طوعاً واختياراً ورضوا بدينه منهجاً لهم في هذه الحياة ورضوا به إلهاً لهم ورضوا بنبيه صلى الله عليه وسلم رسولاً لهم ولا يوجد عندهم خلل من هذه الناحية: ناحية الاعتقاد إنما خلطوا وقصروا وفرطوا في جانب العمل ووقع منهم تقصير وزلل، هذا القسم الثالث الذي وقع منه الزلل الزلل الذي يقع منهم إما أن يكون من الزلل الذي لا ينفك عنه البشر بحكم بشريته وإنسانيته فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فإذا وقعوا في شيءٍ من القاذورات رجعوا إلى رب الأرض والسموات {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون} ، {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} وإذا وقعوا في شيءٍ من القاذورات الكبيرات رجعوا إلى رب الأرض والسموات {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فهم في جانب الاعتقاد على سلامة ونقاء لكن في جانب العمل عندهم تفريط وزلل هذا التفريط الذي يصدر منهم أحياناً يؤدي إلى حبوط طاعاتهم وإن لم يكونوا من الكافرين وقد يمن الله عليهم بقبول أعمالهم فهو أرحم الراحمين.
إخوتي الكرام..
كما قلت: بعض المعاصي تحبط الطاعات والإنسان بطبيعته وبشريته لا ينفك من مخالفات لكن المؤمن إذا وقع في مخالفة العمل هو صحيح الاعتقاد بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبدينه فلا يرضى بديلاً عن ذلك ومع أنه مخطئ مسرف مقصر إذا فعل المخالفات يستاء وإذا فعل الطاعات يفرح فهذا دليل على عبوديته لربه مع تقصيره ونقصان إيمانه.
وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سرته حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن} .
والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية عدد من الصحابة الكرام رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في السنن وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وعبد الرزاق في مصنفه والقُضاعي في مسند الشهاب.
والحديث صحيح صحيح من رواية أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من سرته حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن] ، وروي من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومعجم الطبراني الكبير وروي أيضاً من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الأوسط والكبير ومصنف عبد الرزاق وفي مسند الشهاب للقُضاعي.
كما أن الحديث روي أيضاً من رواية عمر بن ربيعة في مسند الإمام أحمد ومن رواية جابر بن عبد الله في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ومن رواية عبد الله بن عمر في مسند الشهاب للقُضاعي ومن رواية أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه في معجم الطبراني الأوسط هؤلاء سبعة من الصحابة يروون هذا الكلام عن نبينا صلى الله عليه وسلم نعم المؤمن يسهو ويقع في زلل لكنه يرجع إلى الله عز وجل، لكنه يرى أن ما فعله سيئ لا يحسنه ولا يستحسنه وقد ثبت في مسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى بسند رجاله ثقات كما في المجمع في 10/201.
والحديث رواه ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم في الحلية من رواية أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام الرامهر مزي في الأمثال بسند صحيح كما قال الإمام السيوطي في الجامع الكبير من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول ثم يرجع إلى آخيته والمؤمن يسهو ثم يرجع فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين] والآخيةُ هي واحدة الأواخي وهي الخشبة الوتَِد بكسر التاء وفتحها الوتد الذي يدق بالأرض أو في الجدار ثم يربط به الفرس والإيمان في قلوب المؤمنين قد يبتعد عنه الإنسان في بعض الأحايين لكن الإيمان يشده فلا يحصل ابتعاد تام عن الإيمان بحيث ينسى إيمانه ويعرض عن ربه ويجحد رسوله صلى الله عليه وسلم ويستحسن غير شريعة الإسلام لا يمكن أن يقع هذا من أحد من أهل الإيمان فإذا وقع في شيء من المعاصي هذا جولان في هذه الحياة وهذا عصيان وخروج عن طاعة رب الأرض والسموات، لكن ليس في ذلك ضياع لحقيقة العبودية نعم إن العبودية خدشت وما زالت ولذلك ما يأتي به الإنسان من مخالفات قد يزيل حقيقة العبودية وقد يكدرها وينقصها فالمعاصي تنقص والإنسان لا يكون من عداد أولياء الله الكاملين وأمره إلى رب لعالمين نعم إخوتي الكرام بعض المعاصي قد تبطل الطاعات وهي كثيرة وفيرة كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب في صفحة 11 فما بعدها قال ومحبطات العمل ومفسداته أكثر من أن تحصى نعم فليس الشأن في أن يعمل الإنسان إنما الشأن في أن يحافظ على العمل الذي عمله ولذلك قال أئمتنا الأبرار حفظ العمل على العمال أشق عليهم من القيام بسائر الأعمال وكم من إنسان يبني قصراً لكنه يهدم مصراً كما هو حالنا معاشر الحمقى نعمل الأعمال الصالحات ثم نأتي بما ينقضها عند رب الأرض والسموات والطاعات فيها من التقصير ما لا يعلمه
إلا الله ثم نأتي أيضاً بما يبطل ما في تلك الطاعات من سلامة ونحسب ما لنا ولا نحسب ما علينا وحالنا كما قال القائل:
قابلت بين حسانها وفعالها
…
فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
وسأقتصر في هذه الموعظة على عشر معاصي إذا فعل الإنسان شيئاً منها تحبط طاعاته كما هو مبين بالصفات المذكورة في هذه المعاصي ثم أختم هذا الأمر والكلام على هذا الموضوع في الموعظة الثانية من هذه الخطبة بخاتمة حسنة نسأل الله أن يختم لنا بالحسنى إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
أما هذه الأمور التي تحبط العمال:
أولها: الرياء.
وثانيها: الابتداع وعدم الاتباع.
وثالثها: المن على المخلوقات وعلى رب الأرض والسموات.
ورابعها: الجهر بالقول على خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وتقديم الآراء بين يديه وبين شريعته الغراء.
والخامس: تفويت صلاة العصر.
والسادس: عدم حفظ الصيام من الهذيان والزور والآثام.
والسابع: الاحتيال على أكل الحرام.
والثامن: أكل الحرام فمن وقع فيه فالنيران أولى به عند ذي الجلال والإكرام.
والتاسع: شرب الخمر.
والعاشر: إسبال الثوب.
هذه الأمور العشرة من جملة ما يحبط الأعمال وكثير من الناس في غفلة عن ذلك.
أما أولها:
1-
الرياء:
وهو أن لا يخلص الإنسان في عبادته لربه جل وعلا فالعمل مردود قال ربنا المعبود في سورة الكهف: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} .
وثبت في صحيح مسلم وسنن ابن ماجه من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه] .
وفي رواية ابن ماجه [فهو للذي أشرك وأنا منه بريء] الرياء يحبط الطاعات ويبدل الحسنات إلى سيئات هذا محبط أول فانتبه يا عبد الله والله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاًا ولوجهه خالصاً.
2-
الابتداع وعدم اتباع نبينا خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه:
وهذا أشير إليه في الآية السابقة أيضاً العمل الصالح هو المشروع الذي تتبع فيه نبينا عليه الصلاة والسلام فليس هو من قِبَل الأذهان والآراء والأوهام وكل عمل من غير اتباع فهو حظ النفس وكل اتباع من غير إخلاص فهو نحس ونقص فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً وقد ثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه وغير ذلك من دواوين السنة من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد] ، وفي رواية لمسلم [من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد] .
3-
المن على المخلوقات باللسان وعلى رب الأرض والسموات بالجنان:
تمن على الله بقلبك وتعجب بفعلك وكأنك تمن عليه عندما عبدته وتمن بعد ذلك على المخلوقات عندما تقوم بالإحسان والخيرات {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين} .
انظر لهذه الصورة التي صور الله بها عمل المان الذي يمن بقلبه على ربه ويمن بلسانه على خلق الله فمثله كمثل صفوان والصفوان هي الحجارة الصلدة الملساء الصلبة- كالبلاط والرخام - صار عليه شيء من التراب والغبار لكن هذا التراب لا يثبت ولا يستقر على هذا الصفوان ولا ينبت شيئاً فإذا نزل عليه من السماء وابل وهو الماء الغزير المنصب بقوة غسل هذا الصلد وزال عنه التراب وما يمكن أن ينتفع منه الإنسان بزراعة من هذا التراب.
بستان مرتفع أصابه مطر غزير فآتى أكله ضعفين فإن لم يصبه وابل فطل وهو المطر الخفيف والندى ولن تخرج عن هاتين الحالتين إما رطوبة من الجو وهو الندى والمطر الخفيف ينزل عليها فتؤتي خيراً وإما أن ينزل مطر كثير فتؤتي أكلها مضاعف.
إذن ـ إخوتي الكرام ـ المن يبطل العمل عند الله عز وجل وبأي شيء تمن يا عبد الله أنت ملك لله وما تقوم بطاعته إلا بتوفيق الله ثم تلك الطاعات التي تقوم بها فهي من كرم الله فهو الذي من عليك بهذا المال حتى تصدقت فأنت منه وبه وإليه فبأي شيء تدل ولم تعجب وعلام تمن؟!
والله جل وعلا يقول في الحديث القدسي، وهو حديث أبي ذر الطويل وهو ثابت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجه وهو حديث شامي رواه عن أبي ذر أبو إدريس الخولاني وكان إذا حدث بهذا الحديث كما في صحيح مسلم جثا على ركبتيه، وقال الإمام أحمد كما في جامع العلوم والحكم هذا أشرف حديث لأهل الشام ولفظ الحديث روى أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال:[يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاتغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] .
وفقت للعمل الصالح فهذا زيادة فضل من الله عليك وأما أن تمن على الله وعلى عباد الله فهذا حال المخذولين من يحبطون عملهم في هذه الحياة ويلقون الله مفلسين يوم الدين فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
4-
أن يرفع الإنسان صوته وأن يجهر بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام:
وأن يرفع صوته عند سرد حديث النبي عليه الصلاة والسلام وأن يقدم رأيه واجتهاده وكلامه على كلام النبي عليه الصلاة والسلام هذا محبط للعمل وإساءة أدب مع خير خلق الله عليه الصلاة والسلام قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} .
لا رفع لصوت على صوته ولا في حضرته وإذا نودي ينادى بأشرف الألفاظ وأفخمها فهذا خير المخلوقات عند رب الأرض والسموات عليه صلوات الله وسلامه كما قال ربنا العزيز الغفور في آخر سورة النور: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} .
والآية تحتمل معنيين المعنى الثاني الذي يتعلق بغرضنا في هذه الموعظة وهو أن هذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول لا تجعلوا دعاءكم للرسول صلى الله عليه وسلم عندما تدعونه وتنادونه وتتكلمون في حضرته الشريفة المباركة كما يدعوا بعضكم بعضاً إياكم ثم إياكم فهذا يخاطب بألفاظ التوقير والتبجيل والتعظيم يا رسول الله يا نبي الله يا خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.
وأما أن يخبر الإنسان عن نبينا رسول الرب عليه الصلاة والسلام بأنه محمد بن عبد الله فذلك من قلة الأدب والبذاءة والجفاء ألا قلت قال محمد خير خلق الله ألا قلت قال محمد رسول الله ألا قلت قال رسولنا حبيب الله ألا قلت قال سيدنا محمد خاتم النبيين، ولا يضاف نبينا عليه الصلاة والسلام إلى والده إلا عند حكاية نسبه فقط محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عند بيان النسب الشريف المبارك وأما أن يقال في مجالس العلم قال محمد بن عبد الله فهذه بذاءة وجفاء وعدم احترام لخاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
وقد أفتى الحافظ ابن حجر الهيثمي بأن من قال ذلك فينبغي أن يعذر من قبل ولي الأمر لبذاءته وعدم تأدبه مع نبينا خير خلق الله صلى الله عليه وسلم.
سبحان ربي العظيم! رفع الصوت على صوت النبي عليه الصلاة والسلام وفي حضرته وفي مجلسه قد يترتب عليه حبوط العمل عند الله عز وجل فكيف بمن قدم رأيه على حديث النبي عليه لصلاة والسلام؟! كيف من احتكم إلى ذوقه ورأيه واجتهاده ورد حديث النبي عليه الصلاة والسلام من أجل هوسه؟!
إن البلية شنيعة شنيعة فظيعة فظيعة وقد ابتلينا في هذه الأيام بأناس ينسبون أنفسهم إلى السلف الكرام وما عندهم من هذه النسبة إلا الاسم اسم بلا جسم لفظ بلا معنىً0 ثم بعد ذلك لا يتورع من رد حديث النبي عليه الصلاة والسلام برأيه وهوسه وذوقه واجتهاده وترهاته وأوهامه واستمعوا إلى هذا لخبر الذي قابلني به بعض الإخوة الكرام بعد الموعظة الماضية أعطاني رسالة من خمس صفحات لشيخ من بلاد الشام يقيم في بلد الله الأمين وقد زاد عمره على الستين وكنت قلت له يا عبد الله رفقاً بنفسك واغتنم فضل ربك؛ أقامك الله في ذلك المكان فاغتنمه بالطاعات الحسان ولا داعي لإثارة الفتن بين أهل الإسلام فأعطاني هذا الأخ خمس ورقات له فيها على زعمه ردود على بعض طلبة العلم وفي الصفحة الأولى في مطلعها يقول إنني سمعتك في شريط تذكر حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام والحديث أذكر لفظه ثم أبين من خرجه كما هي عادتي، وسمعتك تقول قال النبي عليه الصلاة والسلام:[لا تمس النار مسلماً رآني ولا رأى من رآني] ثم اعترض هذا المعترض برأيه الفاسد على هذا الحديث بأمرين قال: هذا الحديث ضعيف فهو من رواية موسى بن إبراهيم الأنصاري المدني ولم يوثقه إلا ابن حبان، وقال: إن معناه غير صحيح فلا يمكن أن يعلق هذا الأمر على مجرد رؤية النبي عليه الصلاة والسلام ورؤية الصحابة الكرام، أي عدم دخول النار أو مسها فهو ضعيف.
والقول بتضعيف هذا الحديث قول فاسد سخيف، والقول بعد ذلك إن معناه ليس بصحيح افتراء قبيح وأنا أعجب ممن ينسب نفسه إلى السلفية في هذه الأيام، ثم بعد ذلك يرد حديث نبينا خير الأنام عليه الصلاة والسلام إن السلفية الصادقين الطيبين بريؤون من هذا المسلك الذميم.
نعم نحن نتبرك بذكر سلفنا ونتقرب بحبهم أيضاً إلى ربنا لكن لابد من أن نقف عند ما وقفوا عنده وأن لا نتقدم بين يديهم ولا بين يدي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أيها المعترض على حديث خير الأنام نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام بالأوهام والهذيان.
كنت قلت لمعترض مثلك ضع رأيك تحت رجلك، وأنا أقول لك الآن ضع رأيك تحت نعلك فهذا الحديث رواه الترمذي في سننه وقال هذا حديث حسن غريب وصححه الحافظ الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة وأقر التحسين والتصحيح شيخ الإسلام السيوطي وهذا الذي ذكرته سابقاً وأضيف الآن روى هذا الحديث أبو نعيم في المعرفة ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة أيضاً من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما والحديث في دواوين السنة فانظروه في سنن الترمذي في كتاب المناقب وهو في الطبعة الحمصية من بلاد الشام في الجزء 9/380 وبوب عليه الإمام الترمذي باباً فقال: باب ما جاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه قال الإمام الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي البصري وهو شيخ الإمام الترمذي ثقة إمام توفي سنة 248هـ، حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة قال أخبرني موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري وهذا هو الذي يزعم هذا السلفي المتأخر بجميع ما في هذا اللفظ من معنىً يزعم بأنه ضعيف لم يوثقه إلا ابن حبان ومن أجله الحديث ضعيف ولا يثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وأنا أقول لم يضعف هذا العبد الصالح أحد من الإنس والجن قبل هذا المتأخر في هذا العصر فاستمعوا لترجمته قال عنه الإمام ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق ويخطئ وحديثه في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود وهذا حكم من الحافظ ابن حجر على هذا الراوي بأن حديثه لا ينحط عن درجة الحسن وقال الذهبي في الكاشف في الجزء 3/159 وثق أي هو موثق وأورده في الميزان ليفرق بينه وبين راوٍ شاركه في اسمه واسم أبيه موسى بن إبراهيم فبعد أن ترجم لذاك وتكلم عليه قال: وأما موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري المدني فهو مدني صالح يعني يقول لا داعي لإيراده في الميزان فيمن تكلم فيهم فلم يتكلم عليه أحد ولذلك لم يورده الحافظ الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء وقال الإمام الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان
وهذا المعترض يقول لم يوثقه إلا ابن حبان افتراء على أئمة الإسلام يا عبد الله الإمام الترمذي أوليس هو أسبق من ابن حبان عندما حكم على الحديث بأنه حسن هذا الحكم من الإمام الترمذي حكم من ولد أو من إمام أوليس في ذلك توثيق لرجال الإسناد عندما قال هذا حديث حسن إذن جميع رجال الإسناد مقبولون ثقات ولا يوجد ضعف في واحد منهم فقولك لم يوثقه إلا ابن حبان كذب قبل ابن حبان وثقه الترمذي وبعد ابن حبان وثقه ابن حجر والذهبي ولم ينقل عن أحد تضعيف لهذا الراوي، قال سمعت طلحة بن خراش وطلحة مدني أيضاً صدوق حديثه في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني]، قال طلحة فقد رأيت جابر بن عبد الله كأنه يقول بشارة عظيمة لي أنني رأيت بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وقال موسى: وقد رأيت طلحة بن خراش الذي رأى جابراً. قال يحيى بن حبيب شيخ الترمذي قال لي موسى وقد رأيتني ونحن نرجوا الله كأن موسى بن إبراهيم الأنصاري يقول هذه البشارة ثابتة للصحابة والتابعين لكن بما أن أعيننا اكتحلت برؤية من رأى الصحابة وكما أعطى الله هذا الفضل للتابعين أسأله أن يعطيه لأتباع التابعين قال أبو عيسى الترمذي شيخ الإسلام الذي كان يقول في حقه أمير المؤمنين وجهبذ المحدثين أبو عبد الله البخاري يقول له انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصاري وروى علي بن المديني وغير واحد من أهل الحديث عن موسى هذا الحديث.
والحديث كما قلت حسنه الترمذي وصححه الضياء المقدسي والشيخ المباركفوري في تحفة الأحوذي في الجزء 4/359 أقر تحسين الترمذي والسيوطي أقر تحسين الترمذي وتصحيح الضياء المقدسي في الجامع الصغير والجامع الكبير ولم يعترض عليه الإمام المناوي في فيض القدير في الجزء 6/421 فالقول بأن هذا العبد الصالح موسى بن إبراهيم بن كثير سبب ضعف الحديث لأنه لم يوثقه إلا ابن حبان هذا قول باطل سخيف وأنا أعجب لمن وجدوا في هذا العصر بعد أن ضللوا الأحياء وخطؤوهم انتقلوا إلى تضليل وتخطئة المتقدمين يا عبد الله أيها المعاصر تعيش في حرم الله إياك والإلحاد في حرم الله وهذه البلية مع شناعتها وفسادها وظلمتها أيسر مما بعدها وهي التي دعتني لذكر هذا المثال عند المحبط الرابع من محبطات الأعمال يقول ومعنى الحديث غير صحيح؛ لأن رؤية النبي عليه لصلاة والسلام أو صحابته لا تمنع مس النار أو دخولها سبحان الله وهل أطلعك الله على غيبه وهل الجنة والنار ملكاً لك أو لأبيك ولأمك حتى تتصرف فيها كما تريد؟! نبينا الذي هو رسول ربنا عليه الصلاة والسلام يخبرنا بهذا، وأنت تقول هذا لا يعقل لم لا يعقل يا من سلبك الله الفهم أوليست هذه البشارة لمسلم موحد ستتحكم على الله أما يكفيك أنك تتحكم فينا وتحكم علينا بما تريد تريد أن تحكم على الله المجيد بأن معنى الحديث غير صحيح سبحان الله العظيم هذا بهتان عظيم أيها العبد من كان من سلفنا يرد الأحاديث بمثل هذا التعليل العليل أي عن طريق الرأي الهزيل إن الفرق بين أهل السنة وأهل البدعة أمر واحد وهو أن أهل السنة أسسوا دينهم على المنقول وجعلوا المعقول تبعاً وأهل البدعة أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا المنقول تبعا فيعرض أحاديث خير خلق الله على رأيه يقول هذا صحيح وهذا باطل مردود معنى الحديث غير صحيح ثم أقول لهذا المتهجم على سنة النبي عليه الصلاة والسلام باسم السلف الكرام إن هذا الحديث الذي فيه بشارة للصحابة
وللتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ليس هو بأعجب من الحديث الذي فيه بشارة لعموم المسلمين لهم ما يشبه هذه البشارة فكيف بالصحابة والتابعين وماذا تقول في ذلك الحديث.
ثبت في صحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائي وقد ذكر الحديث أئمتنا في كتب السنة أعنى كتب التوحيد التي تذكر أمور الاعتقاد حسبما ثبت عن نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام منهم الإمام اللالكائي وغيره عليهم جميعاً رحمة الله ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان] فيا عبد الله صحابي رأى النبي عليه الصلاة والسلام رؤية النبي عليه لصلاة والسلام ألا تعدل مثقال حبة خردل من خير؟! ألا تعدل بلى والله لو أنفقنا كل يوم مثل أحد ذهب ما بلغنا مد أحدهم ولا نصيفه لما حصل في قلبهم من اليقين الاطمئنان برؤية نبينا عليه الصلاة والسلام وهل رؤية النبي عليه الصلاة والسلام يسيرة، نعوذ بالله من الافتراء على الشريعة الغراء.
إخوتي الكرام:
رفع الصوت والجهر بالقول على قول النبي عليه الصلاة والسلام مشعر بحبوط العمل عند الله عز وجل فكيف بتقديم الآراء على الشريعة الغراء فكيف بالافتراء على خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وإلى من يدعي تقليد السلفية بالاسم لا في الحكم أذكر لك كلام الإمام ابن القيم في مثلك وفيك وفي أمثالك يقول في كتاب مدارج السالكين في الجزء 1/325 هل كان في الصحابة من إذا سمع نص رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته وهل كان قط أحد منهم يقدم على نص الرسول صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياساً أو ذوقاً أو رأياً أو سياسة أو تقليد مقلد، فقلد من أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون في زمانهم ولقد حكم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه على من قدم حكمه على نص النبي عليه الصلاة والسلام بالسيف وقال هذا حكمي فيه.
وتقدمت معنا قصته فأقول فيا الله كيف لو رأى سيدنا عمر ما رأينا وشاهد ما بلينا به من تقديم رأي فلان وفلان على قول المعصوم عليه الصلاة والسلام ومعاداة من اطرح آراءهم وقدم عليها قول المعصوم صلى الله عليه وسلم وأثر سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه الذي أشار إليه الإمام ابن القيم نزل على إثره قول الله عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} .
وقد روى الأثر الإمام الثعلبي والكلبي من رواية أبي صالح عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما والإسناد ضعيف قال حذامي المحدثين الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء 5/37 وإن كان إسناده ضعيفا لكنه يتقوى بطريق مجاهد وقد روي هذا الأثر عن مجاهد وغيره من أئمة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
أما أثر مجاهد فقد رواه الطبري في تفسيره، وهكذا عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر كما روي عن الإمام الشعبي بسند صحيح في تفسير الطبري ورواه إسحاق بن راهُوْيَهْ وروي الأثر عن الربيع بن أنس في تفسير الطبري وروي عن أبي الأسود في تفسير ابن أبي حاتم وابن مردويه كما رواه أبو إسحاق إبراهيم بن دحيم في تفسيره عن ضمرة بن حبيب الزبيدي وهذه الآثار المرسلة تشهد للأثر المتصل عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وخلاصة ما فيها أنه وقعت خصومة بين بعض المنافقين وبين يهودي في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام فطلب اليهودي من المنافق الاحتكام إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فأراد المنافق من اليهودي الاحتكام إلى حبر من أحبار اليهود ثم ذهبا إلى نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام فقصا عليه قصتهما فحكم نبينا صلى الله عليه وسلم بأن الحق لليهودي فلما خرجا قال المنافق هلم بنا إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فذهبا إليه فلما عرض المنافق عليه القصة قال اليهودي يا أبا بكر ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فحكم بأن الحق لي فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يحكم في مسألة حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذهبا إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فلما قص المنافق عليه القصة وطلب منه الحكم فيها قال اليهودي يا عمر ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فحكم بأن لحق لي ثم ذهبنا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال ما كان لابن أبي قحافة أن يحكم في مسألة حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه للمنافق أحقيق ما يقول اليهودي قال نعم قال انتظرا ثم دخل إلى بيته وأخرج سيفه وضرب عنق المنافق وقال هذا حكمي في من لم يقبل بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
…
} وأئمتنا قالوا في الحديث المتقدم {لا
يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان} كما قال الإمام الترمذي قال قال بعض أهل العلم أي لا يدخل النار التي يخلد فيها الكفار إما أنه لا يدخلها رأسا وإذا قدر أن بعض الموحدين دخل فلن يخلد.
فالأحاديث إذا ماستبانت لك سلم لنبيك عليه الصلاة والسلام وإذا استبان لك معناها فاحمد الله وقد ذكر نحو ما قاله الإمام الترمذي شيخ الإسلام الإمام النووي في شرح صحيح مسلم صفحة 2/90 فما بعدها.
إخوتي الكرام:
الافتراء على سنة نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الأيام باسم السلفية لا بد لها من وضع حد يقول بعض من يشتغل في علم الحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة في الجزء 3/30 يقول: (ولقد تتبعت سنن الترمذي حديثا حديثا فوجدت فيها نحو ألف حديث ضعيف هذا عدا عما وجدت فيها من أحاديث ضعيفة لها متابع أو شاهد) .
ألف حديث ضعيف أعان الله هذه الأمة بما ابتليت به في هذه الأيام والإمام الترمذي يقول ما أوردت في كتابي الجامع حديثا إلا عمل به الفقهاء غير حديثين اثنين وأنت تقول ألف حديث ضعيف والأمة تمشي على عمي حتى جئت لتصحح لها حديث النبي عليه الصلاة والسلام في القرن الخامس عشر كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
يروي الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وهكذا يعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ والقصة يرويها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة هارون الرشيد في الجزء 9/288 ورواها ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة هارون الرشيد أيضا في الجزء 10/215 وخلاصة القصة أن أمير المؤمنين في الحديث أبو معاوية الضرير محمد بن خازن وقد أصيب بالعمى وهو صغير قيل ابن أربع سنين وقيل ابن ثمانية وهو أوثق الناس رواية في حديث الأعمش فقد صحبه عشرين سنة ثقة إمام عدل رضا توفي سنة 195هـ وحديثه في الكتب الستة كان في مجلس أمير المؤمنين في الحكم هارون الرشيد وهارون الرشيد صاحب مروءة وأريحية واتباع لنبينا عليه الصلاة والسلام ولا يخلو بشر من تقصير كان سيد المسلمين في زمنه الإمام الفضيل بن عياض وهو ثقة شيخ الحرم المكي وتوفي سنة 187هـ وحديثه في الكتب الستة إلا سنن ابن ماجه كان يقول ما من نفس تموت أشد علي من نفس هارون الرشيد ووالله لوددت لو أن الله أخذ من حياتي فوضعها في حياة هارون فاستعظم الناس هذا الكلام من أبي علي الفضيل بن عياض فلما مات هارون وجاء المأمون وأحدث في هذه الأمة ما أحدث علموا صدق كلام الفضيل بن عياض فقد كان المأمون بأسا وبلاءا على الإسلام وعلى أهل الإسلام كما قرر ذلك أئمتنا الكرام انظروا سير أعلام النبلاء الجزء 10/234 حدث أمير المؤمنين في الحديث محمد بن خازم أبو معاوية الضرير في مجلس هارون الرشيد وكان محمد بن خازم يقول ما حدثت بحديث إلا قال هارون الرشيد صلى الله وسلم على سيدي يقول فحدثت بحديث اختصام نبي الله موسى وآدم والمحاجة التي وقعت بينهما والحديث في المسند والكتب الستة إلا سنن النسائي ولفظ الحديث كما في الصحيحين وغيرهما من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [احتج آدم وموسى فقال نبي الله موسى: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم قال نبينا صلى
الله عليه وسلم فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره علي قبل أن يخلقني قال نبينا صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى] .
وفي بعض روايات الحديث: [احتج آدم وموسى عند ربهما]، والعندية هنا عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء 11/505 [فحج آدم موسى قال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبط الناس بخطيئتك إلى الأرض قال أبونا آدم: أنت موسى الذي اصفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة] .
قال نبينا صلى الله عليه وسلم [فحج آدم موسى] عليهم جميعا صلوات الله وسلامه؛ ومعنى حج آدم موسى أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها والسبب في ذلك أن أبانا آدم تاب إلى ربه وأناب وقد غفر له الكريم الوهاب وقد خرج أبونا آدم من دار التكليف إلى دار الجزاء والحساب فلومه محض تخجيل ولا يترتب عليه إلا التحسير وهو ممنوع منه في شرع الله الجليل ولذلك قال ساداتنا الأولياء ذكر الجفاء وقت الصفاء من الجفاء فحج آدم موسى؛ لما حدث بهذا الحديث قال عم هارون يا أبا خازن أين اجتمعا فقال هارون الرشيد علي بالسيف والنطع فقال أبو خازن ومن في المجلس يا أمير المؤمنين إنها هفوة قال والله زندقة.
يعترض على حديث النبي عليه الصلاة والسلام ويقول أين التقى موسى بآدم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام يا عبد الله عقلك سيحيط بملك ربك بالمشهود والغائب بالمتقدم والمتأخر {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} كلام قاله من لا ينطق عن الهوى فاسمع وسلم لذلك وأيقن بصحته ـ فقال عم هارون: يا أمير المؤمنين والله ما قلت هذا عنادا وجحودا إنما رأيا وقع في نفسي فقال لله علي أن أضرب رقبتك أو تخبرني بمن قال لك هذا الكلام، ثم قال وراءه أناس يبيتون هذا الكلام والاعتراض على حديث النبي عليه الصلاة والسلام.
هذه مدرسة زنادقة لابد من أن نوقفها بهذا السيف..
قال يا أمير المؤمنين: ما أعلمني بهذا أحد ولا تحدثت به لأحد ولا حدثني به أحد إنما لما ذكر هذا الحديث انقدح في ذهني هذا الكلام وهذه زلة وهفوة فقال: خلدوه في السجن حتى يقر على من يعلمه هذا الكلام ثم بعد ذلك له ولمن معه هذا السيف وهذا النطع فمكث في السجن زمانا وأقسم بالأيمان المغلظة أنه ما قال هذا عنادا للنبي عليه الصلاة والسلام ولا إنكارا لحديثه وما علم به أحد فأطلقه هارون وكفر عن يمينه لا إله إلا الله كلام النبي عليه الصلاة والسلام وفي دواوين الإسلام وفي كتب السنة والتي يقول عنها أئمتنا كتب الأصول في الحديث في سنن الترمذي يروى تحت باب ما جاء في فضل من رأى النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه أي رأى صحبه ثم يقول هذا حديث حسن غريب.
ويرويه الإمام المقدسي ويرويه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ويرويه أبو نعيم في كتاب المعرفة ويأتي هذا متكئ على أريكته يقول موسى بن إبراهيم الأنصاري سبب علة الحديث فالحديث ضعيف ثم معناه غير صحيح أن سيف هارون الذي يطهر هذه الأمة في هذه الأيام أين سيف هارون الذي يطهر هذه الأمة من الإلحاد في بلد الله الحرام اعتراض على حديث النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام بتجريح راوي ظلما وعدوانا وبرد الحديث إفكا وبهتانا هذه هي السلفية التي تنادون بها وتدعون إليها رد أحاديث خير البرية عليه الصلاة والسلام إخوتي الكرام والحديث كما قلت في كتاب السنة لابن أبي عاصم انظروه في الجزء 2/630 وهناك في الحديث زيادة وهي ما رجاها موسى بن إبراهيم ولفظ الحديث في السنة لابن أبي عاصم [لن تمس النار مسلما رأى من رأى من رآني] .
يعني من رأى التابعين أيضا وعليه موسى بن إبراهيم عندما قال أنا رأيت طلحة بن خراش وأرجو الله رجاؤه في محله وأورد الحديث من رواية ثانية عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل النار مسلم رآني ولا من رأى من رآني ولا رأى من رأى من رآني] .
ولم يتكلم محقق الكتاب على هذين الإسنادين ووضع حول الإسناد الثاني علامة استفهام عند ولد عقبة بن عامر وإن كنت لا أطمئن إلى تحقيقه ولابد من الرجوع إلى أصل المخطوطة.
إخوتي الكرام:
هذا أمر رابع محبط للأعمال عند ذي العزة والجلال وأما بقية الأمور الستة المكملة للعشرة فكان في ظني أن أكمل الكلام عليها وقدر الله وما شاء فعل أتكلم عليها في الموعظة الآتية إن شاء الله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أقول هذا القول وأستغفر الله
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين.
اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم قنا شرور أنفسنا، اللهم احفظنا من كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم اجعل هوانا تبعا لشرع نبيك عليه الصلاة والسلام، اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من كل شيء من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا وأحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ.
اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربوَّنا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين،
اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
{والعصر* إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*} .