المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

علامات في نفس رسول الله (2) (لقاء ديني)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان   كل - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١٣٢

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

علامات في نفس رسول الله (2)

(لقاء ديني)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

كل نبى بمن كان قبله وبمن كان بعده يلزم أنه هذا النبى الذى سيأتى بعده لو بعث وهو حى أن يصدق به وأن يتبعه وأن يكون من أعوانه وأنصاره، إذاً هذا النبى على نبينا صلوات الله وسلامه الذى فيه هذا الكمال والجمال فى خَلْقِه وخُلُقِه وهو فى أتم صور الكمال سيتحيل أن يكذب، ثم لو تنزلنا وقلنا يمكن أن يقع منه كذب نقول فأين الله، كيف يقر هذا الكذاب وينصره ويؤيده ويجيب دعاءه ويعلى كلمته ويرفع ذكره، هذا كما قلنا طعن فى ربوبية الله بل جحد لربوبية الله وكأنه ليس لهذا العالم رب يدبره ولا حكيم يصرف شئونه عندما أيد هذا المبطل ونصره وهو كاذب ليس برسول من قبل الله جل وعلا، هذا لايمكن أن يقع على الإطلاق، ولذلك إخوتى الكرام تأمل حال النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه خَلْقاً وخُلُقَا يدل على أنه رسول صلى الله عليه وسلم، سأتناول هذا بالتفصيل وسنأخذ شيئاً من خَلْق نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام، ثم نتدارس خُلُقه بعد ذلك النبيل لنرى هذا الخَلْق وهذا الخُلُق وكيف صاغه الله جل وعلا بصورة الكمال والجمال والجلال فى الأمرين خَلْقاً وخُلُقا فما خلق الله مخلوقاً أكرم وزلا أفضل وأبهى ولا أجمل من نبينا عليه الصلاة والسلام والأنبياء يلونه فى ذلك فهم على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

ومن تأمل حال النبى عليه الصلاة والسلام فى الخَلْق، وهو الأمر الأول، لن يرتاب فى أن هذا المخلوق ليس بإنسان عادى، هذا المخلوق هو نبى الله حقاً وصدقا، يتميز عنهم فى كل شىء بصورته فى حركاته فى ريحه فى جميع أحواله إذا نظرت إليه تقول هذا إنسان يخنلف عن البشرية فى هذه الأحوال، هذا اصتنعه الله لنفسه فهو قدوة لأمته على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

ص: 1

وذكرت فى الموعظة الماضية قول عبد الله بنرواحة رضي الله عنه وأرضاه وقلت هو من أحسن ما قيل فى بيان حقيقة نبينا عليه الصلاة والسلام وما يدل على نبوته عندما يقول: لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر، تأتيك بالخبر، أى لو لم يكرمه بآيات واضحات من خوارق العادات وغيرها تدل على أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا كانت طلعة وجهه الشريف والنظر إليه فى أول وهلة هذا كافى فى أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا كافى فى الدلالة على صدقه على أنه رسول ربه على نبينا صلوات الله وسلامه، ولذلك ثبت فى المسند وسنن ابن ماجة وسنن الترمذى والحديث قال عنه الإمام الترمذى صحيح، والحديث رواه الحاكم فى المستدرك فى كتاب الهجرة فى الجزء الثالث صفحة 13 وقال صحيح على شرط الشيخيخن وأقره عليه الإمام الذهبى ولفظ الحديث عن حبر اليهود وإمامهم فى زمانه عبد الله بن سلام رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام، يقول: لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة مهاجرا تنادى الناس قد م رسول الله قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام فانجفل الناس إليه ليروه على نبينا صلوات الله وسلامه، يقول: وكنت فيمن انجفل أى ذهبت بسرعة، يقول: فلما استثبت من وجهه أى تحققت وتمكنت من النظر إلى جماله وبهائه وكماله ونوره عليه صلوات الله وسلامه، فلما استثبت من النظر إلى وجهه قلت: إن وجهه ليس بوجه كذاب، وسمعته يقول: (هذا قبل أن يقول، إنما جاء ونظر الناس انجلوا إليه وأسرعوا لإستقباله وللنظر إلى طلعة وجهه ونوره وبهائه عليه الصلاة والسلام، يقول: فجئت معهم فلما استثبت وتمكنت من النظر وتحققت إلى نور وجهه، وجهه ليس بوجه كذاب عليه صلوات الله وسلامه، ثم سمتعه يقول: يا أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصِلُوا الأرحام وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، هذا أول خطاب يلقيه نبينا عليه الصلاة والسلام فى طيبة

ص: 2

وطابا فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصِلُوا الأرحام وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، حقيقة أحسن وصية أن تحسن صلتك بربك وصلتك بخلق الله جل وعلا، أن تعظم الله وأن تشفق على عباد الله والدين كله يدور على هاتين الدعامتين، تعظيما لله وشفقة على خلق الله، إطعام الطعام تعظيم شفقة على خلق الله إفشاء السلام إحسان لعباد الله رفق بهم مواسات لهم، ثم بعد ذلك الصلاة بالليل والناس نيام، تعظيم لذى الجلال والإكرام، فإذا عظمت الخالق وأشفقت على المخلوق وأحسنت إليه تدخل الجنة بسلام، هذا خطاب النبى عليه الصلاة والسلام فى أو لقاء بأصحابه فى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، الشاهد فى الحديث وهو صحيح، فلما استثبت من النظر إلى وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب على نبينا صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: لنفصل كما قلت الكلام على خَلْق النبى عليه الصلاة والسلام وخُلُقه، ونرى دلالة هذين الأمرين على نبوته ورسالته على نبينا صلوات الله وسلامه.

ص: 3

أما خَلْقه الظاهرى وصورته الظاهرة بدنه جسده من راسه إلى رجليه الشريفتين المباركتين على نبينا صلوات الله وسلامه، أعطاه الله ملاحة وبهاء، مليح ولكن هذه الملاحة فيها بهاء فيها جلال جمال وجلال هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام، كمال، والكمال ما انتظم أمرين، جمال وجلال ملاحة وبهاء، وترتب على هذين الأمرين أمران نحو من يراه، أولهما كان من يرى النبى عليه الصلاة والسلام يحبه لما فبه من جمال وبهاء وملاحة، وكان أيضاً يجله ويوقره لما يرى فيه من جلال وبهاء على نبينا صلوات الله وسلامه، ملاحة وبهاء ترتب عليهما فى نفوس الناس كما قلت: أمران جليلان معتبران أقرر هذه الأمور بأدلة إن شاء الله، حب من الناس له، تعظيم وتوقير وإجلال من الناس له على نبينا صلوات الله وسلامه، فكان له هيبة وهو مرهوب عليه الصلاة والسلام، وكان أيضا فيه حلاوة وهو محبوب عليه الصلاة والسلام، ولابد من الأمرين، أن يوجد فيه الهيبة وأن يكون محبوبا، أما الهيبة بدون محبة فهذا يصبح حاله كحال الجبابرة والملوك فزعا وخوفا منه، لكن ليس فى القلب تعلق به، ويريدون الخلاص منه كما يحصل فى الجبابرة والملوك يخافونهم يرهبونهم لكن دون تعلق ومحبة وميل إليهم، ومحبة بلا رهبة بلا إجلال، يصبح فيها ميوعة وشطط، فإذاً بهاء وملاحة ترتب عليها هيبة ومحبة.

كان الصحابة يحبونه ويجلونه عليه صلوات الله وسلامه، أما الملاحة التى فيه والجمال الذى فيه ومنحه الله له عليه صلوات الله وسلامه ولا يمكن أن يعطى الله هذا لمن يكذب عليه بعد ذلك ولو كان يحصل من هذا الذى ممنح هذا الكمال فى خلقه وخلقه، يحصل منه كذب على ربه لمسخه الله وعجل عقوبته، أما الملاحة التى فى خَلْقه عليه صلوات الله وسلامه فحدث ولا حرج.

ص: 4

وتقدم معنا إخوتى الكرام عند بيان الأمور التى ينبغى أن توجد فى النبى والرسول على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، الشروط فى النبى والرسول، وقلت إنها ثمانية، السابع والثامن الكمال فى الخَلْق والخُلُق، حسن الخلق والخلق، وذكرت عند خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام بعض الأحاديث وقلت: كان أضوأ من الشمس وأبهى من القمر عليه صلوات الله وسلامه وقررت هذا بأحاديث صحييحة ثابتة ذكرتها، وقلت: أضيف إليها شيئاً أخر ومن جملة الأحاديث التى تقدمت معنا حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وهو فى الصحيحين وغيرهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خَلْقا، ليس بالطويل البائن ولا القصيرعليه صلوات الله وسلامه كان أحسن الناس وجها أحسنهم خَلْقا، الوجه وسائر الجسم بعد ذلك فى خِلْلقة معتدلة مستقيمة بهية جميلة ليس بالطويل البائن الذى فحش فى الطول ولا بالقصير، فكان ربعة عليه الصلاة والسلام وفيه هذا الجمال، والرويات فى بيان حسنه كثيرة متواترة عليه صلوات الله وسلامه.

ص: 5

فمن ذلك ما ثبت فى صحيح مسلم وسنن أبى داود والحديث من رواية خالد بن عبد الله الجورينى وهو من التابعين قال لأبى الطفيل وهو عامر بن واسلة الليثى، أبو الطفيل وهو آخر الصحابة موتا على الإطلاق آخر من مات من الصحابة أبو الطفيل سنة 110 للهجرة فى مكة المكرمة، هذا آخر صحابى فارق الحياة أبو الطفيل عامر بن أسلة، يقول خالد بن عبد الله الجورينى لأبى الطفيل عامر بن واسلة، هل رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم رأيته، قال: كيف رأيته؟ فقال أبوا الطفيل: كان عليه الصلاة والسلام كان أبيض مليحا، وفى رواية كان أبيض مليح الوجه عليه صلوات الله وسلامه نور يتلألأ فيه هذه الملاحة وهذه الإشراقة على نبيناصلوات الله وسلامه، كان أبيض مليحا، وفى رواية فى صحيح مسلم يقول أبو الطفيل عامر بن واسلة: ما بقى على وجه الأرض أحد رأى النبى صلى الله عليه وسلم إلا أنا، لايوجد أحد من الصحابة فى زمنى إلا أنا، وأنا الذى انفردت فى هذه العصور بحصول الرؤية لى من النبى عليه الصلاة والسلام وما يشاركنى فى الأحياء أحد فى هذه الصفة التى حصلت لى، رأيته عليه الصلاة والسلام فكان أبيض مليحا مُقَصّدا، والرواية فى صحيح مسلم، أبيض وهذا البياض كما تقدم معنا مشرب بحمرة صلوات الله وسلامه نور يتلألأ مقصدا أى متوسطاً فى كل شىء فى طوله وقصره فى ضعفه وسمنه عليه الصلاة والسلام كان قصداً متوسطاً فى هذا الأمر فما فيه شىء ينزل عن الحد المطلوب ولا يزيد كان أبيض مليحاً مقصدا، عليه صلوات الله وسلامه، وهذا الصحابى الجليل أبو الطفيل كما قلت إخوتى الكرام هو آخر صحابى مات وفارق سنة 110 للهجرة فى مكة المكرمة.

ص: 6

وأما الذى ادعى الصحبة فى القرن السادس للهجرة وهو الدجال رتن بن عبد الهندى فهذا من كذبه وزوره وإفكه وضلاله، وقد أورد أئمتنا هذا فى ترجمة رتن فى كتب الجرح والتعديل انظروا ذلك فى ميزان الإعتدال ولسان الميزان بل إن الحافظ الذهبى أورد ترجمته فى تجريب أسماء الصحابة ليبين أن رتن ليس بصحابى والحافظ ابن حجر فى الإصابة أورد ترجمة رتن أيضاً فى الإصابة وأطال الكلام فى ترجمة هذا الضآل المضل الزنديق المفترى، لكن ما ادعى النبوة، ادعى الصحبة فى القرن السادس للهجرة، وهل هو موجود أيضا أو ادعاه له سوتوفى سنة 630 للهجرة رتن الهندى وهو من رأى النبى عليه الصلاة والسلام وصحبه ودعى له بطول العمر، كل هذا كذب وإفك مفترى.

ص: 7

والحافظ ابن حجر أورد هذا كما قلت فى الإصابة وذكر هذا فى الفصل الرابع من حرف الراء والفصل الرابع دائما فى كل حرف يورده لتراجم أناس معينين يريد بهم من ادعى أنهم صحابة وليس كذلك، وهذا الباب الرابع فى الإصابة عند كل حرف مما انفرد به الحافظ فى الإصابة فلا تجدونه فى كتب تراجم الصحابة الأخرى، جعل فى كل حرف أربعة فصول، الفصل الأول: فيمن ثبتت صحبته ولا خلاف فى ذلك، الفصل الثانى: لأولاد الصحابة الذين ثبتت ولادتهم فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام ولم يثبت من طريق صحيح مجيئهم إلى النبى عليه الصلاة والسلام أو حصول هذا لهم، كيف أدرجهم ضمن الصحابة؟ قال: لأن كل مولود كان يؤتى به إلى النبى عليه الصلاة والسلام ليحنكه وليدعوى له عليه الصلاة والسلام فإذا ثبتت له وإن لم يرد نص بخصوصه فى بيان الصحبة لهذا الإنسان الذى ثبت أنه ولد فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام، والفصل الثالث: للمخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يثبت لقاءهم بنبينا عليه الصلاة والسلام، والفصل الرابع: لممن ادعى انهم وليسوا كذلك منهم رتن الهندى، وأطال الكلام كما قلت فى ستة صفحات ولو أفردت لبلغت ما يزيد على عشرين صفحة من الحجم المتوسط، لكن الطبعة الأولى للإصابة الكلام فيها دقيق جدا، وغاية ما فعله ابن حجر لخص كتاب الإمام الذهبى له كتاب إسمه (كسر وثن رتن) ، جزء ألفه افمام الذهبى يقول الحافظ ابن حجر لازلت أبحث عنه حتى وجدته بخط مؤلفه، فلخص ما فى الكتاب فى الإصابة وما عندنا خبر عن هذا الجزء الذى ألفه الإمام الذهبى فى كسر وثن رتن، ثم تحدث الإمام الذهبى فى هذا الكتاب عن رتن الهندى وعن ضلالاته وافترآءته ومنها قوله سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: من مشط حاجبيه عند المساء وصلى على لا يصبه رمد ما بقى حيا، عند المساء يمشط الحاجبين ويصلى على النبى عليه الصلاة والسلام فلا يصاب برمد ومنها ما من عبد يبكى فى يوم قتل الحسين عليه وعلى

ص: 8

سائر الصحابة رضوان الله جل وعلا، إلا أعطاه الله ثواب الأنبياء وحشره مع أولى العزم.

لا إله إلا الله، ومنها من ضلالاته يقول: من أعان تارك الصلاة بلقمة فعليه إثم من قتل الأنبياء جميعا، ومن هذا حدث ولا حرج، ثم علق الذهب على هذه الخرافات يقول: هذه الخرافات هى خرافات الزنادقة من الصوفية الذين يقولون حدثنى قلبى عن ربى، كلهم أيضاً هكذا الباب مفتوح وهنا الباب مفتوح لكن باب الشيطان ليقول ما شاء من غير زمام ولا خطام، من أين لك هذا وفىأى كتاب؟ يقول: أنا صحبت النبى عليه الصلاة والسلام ما أريد واسطة ودعى لى بطول العمر فاسمعوا أحاديث، وذاك من أين تروى هذا الدجل؟ يقول: عن الله مباشرة، أنتم تأخون من الكتب ونحن نأخذ من الرب جل وعلا، القلب عن الرب، هذه دعوى الزنادقة، وهكذا رتن الهندى، وأنا أعجب لبعض علماء الإسلام كالصلاح الصفدى غفر الله له، قال: وما المانع أن يكون هناك رجل صحابى اسمه رتن وأن الحياة قد امتدت به والعقل لا يحيل هذا وإذا كان جائزفى العقل لما نسبعد هذا، فقال له شيخ الإسلام فى زمانه، الإمام ابن جماعة، ليس المسألة ليس التعويل فى هذه المسألة على تجويز العقل، التنعويل على النقل، بأى طريق ثبتت صحبة هذا الإنسان، يعنى لو جاءنا إنسان من بلاد مجهولة وما نعرف أصله ولا فصله وقال: أنا رأيت النبى عليه الصلاة والسلام واجتمعت به ودعى لى بطول العمر فأنا صحابى نصدقه، وهذا يحتاج إلى نقل، العقل يجوز يجوز، قال: ليس هذا المر مبناه تجويز العقل، مبناه على ثبوت النقل، فمن أين ثبتت صحبة رتن وأنه عاش إلى القرن السادس وتوفى سنة630 للهجرة، أين ثبتت؟ ومن الذى نقل هذا؟ بل المنقول، يقول الإمام ابن جماعة يرد ذها ويبين أنه لايمكن لصحابى أن يعيش بعد النبى عليه الصلاة والسلام أكثر من مائة سنة، والنبى عليه الصلاة والسلام توفى فى العام العاشر من الهجرة أوليس كذلك، أبو الطفيل مات سنة 110، ولذلك ورد الحديث كما سأذكر لكم

ص: 9

ويستدل به ابن جماعة وغيره فى الصحيحين وغيرهما على أنه لا يمكن أن يعيش أحد ممن كان حياً فى آخر حياة النبى عليه الصلاة والسلام وقال هذا الكلام قبل موته بشهر لا يمكن أن يعيش أكثر من مائة سنة، مائة سنة كل من كان حياً فى زاك الوقت سوآء راى النبى عليه الصلاة والسلام أو لم يره سيموت وسينقرض أهل ذالك القرن وسيأتى بعدهم أناس أخرون.

والحديث ثابت فى الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسنن أبى داود والترمذى من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول [أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على راس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد] أى لا يبقى ممن هو عل ظهر، لا يبقى أحد ممن هو على الأرض هذا اليوم، والنبى عليه الصلاة والسلام قال هذا الكلام قبل موته بشهر، كما وضحت هذا رواية المسند والصحيحين أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قام قبل موته فقال [ما من نفس منفوسة اليوم يأتى عليها مائة سنة وهى يوم إذٍ حية، وعليه فغاية ما يمكن أن يعيش الإنسان مائة سنة، وهذا الذى ثبت لواحد فقط وهو أبو الطفيل عامر بن واسلة توفى سنة 110للهجرة ولم يبقى بعد ذلك صحابى رضوان الله عليهم أجمعين.

ص: 10

إخوتى الكرام: من تأمل خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام بدنه وصورته الظاهرة لن يرتاب فى أنه رسول ربنا الرحمن سبحانه وتعالى، أعطاه الله ملاحة وبهاء عليه صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا بيان تلألىء وجهه عليه الصلاة والسلام وبيان نور وجهه عليه الصلاة والسلام وأنه أبهى من القمر واضوء من الشمس ووتقدم معنا أيضا طيب عرقه عليه صلوات الله وسلامه، وكيف كان يؤخذ ليوضع فى الطيب ليزداد الطيب طيبا، فطيب نبينا عليه الصلاة والسلام عرق نبينا عليه الصلاة والسلام أطيب أنواع الطيب على نبينا صلوات الله وسلامه، إذا هذا الخلق الذى ينفرد بهذه الأمور له اعتبارات ينبغى أن نستدل بها، فقد يقول قائل: قد يوجد هذا لصالح أن يكون له ريح طيبة وعرقه طيب؟، نقول: هل الصالح ادعى النبوة؟ وهل ما يحصل للصالح من كرامات يدل على أنه نبى، ما حصل له هذا إلا بركة اتباعه للنبى عليه الصلاة والسلام، لكن أرينى متنبئاً دجالا ادعى النبوة وهوكذاب يشم منه ريح الطيب وريح المسك من غير تطيب ومن غير تعطر ثم بعد ذلك إذا مج فى بئر يفو منها المسك أرنى هذا، نعم قد يأتى صالح ويكرمه الله بهذا لكن لا يوجد دعوى النبوة والرسالة، هذا ببركة اتباعه للنبى عليه الصلاة والسلام فذاك كرامة، أما عندنا هذا صادق وقال: أنا رسول الله عليه الصلاة والسلام إذاً بين أمرين إما أنه صادق فى دعوى الرسالة فهذا الكمال فى خَلْقه وخُلُقه فى محله، إما أنه كاذب فى دعوى الرسالة لابد من أن يهتك الله ستره وأن يشوه خَلْقه وأن يبين بعد ذلك إنحطاطه ووضاعته وشناعة خلقة فى الحياة قبل الممات لابد، وأما أن يؤيده الله وأن يزيده بعد ذلك تمكيناً ومددا، هذا لايمكن أن يحصل بحال، فانظر لهذه الأحاديث التى تبين لنا خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام وملاحته وطيبه عليه صلوات الله وسلامه.

ص: 11

ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة والحديث إسناده صحيح من رواية وائل بن حُجُر رضي الله عنه وأرضاه قال: أوتنى النبى عليه الصلاة والسلام بدلو من ماء فأخذه وشرب منه ثم مج فيه مجة ثم حمله وطرحه وصبه فى بئر ففاحت من البئر ريح المسك وفى رواية شرب من الدلو وأخذ مجة مجها فى البئر مباشرة دون أن يمجها فى الدلو ويصب ما فى الدلو فى البئر مرة ثانية، ففاحت منها ريح المسك.

هذا الأمر الذى يحصل لهذا البدن الكريم الطاهر من حسن وبهاء وكمال ينبغى أن يكون له دلالة، هذا لو كان كذاباً لفاحت من تلك المجة رائحة النتن، كما سيأتينا فى علامات المتنبىء الكذاب عند خوارق العادات، وكيف يهتك الله ستره ويظهر أمره ويفضحه فى الدنيا مع ما له من الفضيحة على رؤوس الأشهاد، وتقدم معنا كيف كان يجمع عرق النبى عليه الصلاة والسلام ويوضع فى الطيب ليطيب، وهنا بئر يصب فيه مجة النبى عليه الصلاة والسلام فتفوح من هذا البئر رائحة المسك على نبينا صلوات الله وسلامه، وكنت ذكرت غالب ظنى فى الموعظة الماضية أن نبينا عليه الصلاة والسلام قرأ فى فم أحد القرآء السبعة وهو نافع الذى توفى سنة 169 للهجرة فكان لا يقرأ فى مجلس من المجالس إلا عبقت فيه رائحة المسك، فقيل له هل تطيب فمك؟ قال: لا رأيت النبى عليه الصلاة والسلام فى النوم فقرأ القرآن فى فىّ فما تشمون من الرائحة الشذية الطيبة هذا بسبب قرأة النبى عليه الصلاة والسلام فى فىّ فى فمى، ولذلك يقول الإمام الشاطبى عليه رحمة الله فى حرز الأمان فى المنظومة التى عملها فى القراءات السبع، يقول:

فأما الكريم السر فى الطيب نافع

فذاك الذى اختار المدينة منزلا

فأما الكريم السر فى الطيب نافع، كريم السر كريم الباطن أكرمه الله بهذا الأمر، فذاك الذى اختار المدينة منزلا.

ص: 12

وهنا مجة يمجها فى بئر تفوح منها رائحة المسك على نبينا صلوات الله وسلامه وهذا الخَلْق الظاهرى من بهاء وملاحة، زانه حياء عظيم عظيم، حياء طبيعى غريزى وحياء مكتسب فى عِلِىّ حصله نبينا عليه الصلاة والسلام بما أدبه به ربنا جل وعلا بتوجيهات القرآن وتعاليم القرآن ولذلك ورد فى وصف نبينا عليه الصلاة والسلام أنه كان أشد حياء من العذراء فى خدرها والحديث فى المسند والصحيحين ورواه البخارى فى الأدب المفرد ورواه ابن ماجة فى سننه من رواية أبى سعيد الخدرى ورواه البزار فى مسنده بإسناد صحيح عن أنس من رواية أبى سعيد وأنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء فى خدرها، وكان إذا رأى شيئاً يكرهه عرفنا ذلك فى وجهه دون أن يتلكم صلوات الله وسلامه، فكان إذا سر يستنير وجهه كأنه فلقة قمر، وكأن الشمس تجرى فى جبهته عليه صلوات الله وسلامه وكان إذا غضب كأنه يفقأ فى وجهه حب الرمان عليه صلوات الله وسلامه تظهر عليه هذه العلامات وهو كان أشد حياء من العذراء فى خدرها عليه صلوات الله وسلامه وإذا رأى شيئا يكرهه عرفنا ذلك فى وجهه عليه صلوات الله وسلامه، والعذراء هى البنت البكر والخدر هو المكان الذى تجلس فيه فلا يراها فيه أحد، فهذه المرأة كم تستحى؟ بكر مخدرة، فنبينا عليه صلوات الله وسلامه الذى هوسيد الرجال وإمام الأبطال وأفضل خلق الله أشد حياء من هذه البنت المخدرة على نبينا صلوات الله وسلامه، جمال وبهاء زانه هذا الحياء، ولذلك كما قلت: صار له فى قلوب الناس مهابة كما صار له محبة.

ص: 13

انظر للمهابة التى كانت تقع فى قلوب الصحابة وفى قلوب من يراه ثبت فى سنن ابن ماجة والحديث رواه الحاكم وإسناده صحيح من رواية أبى مسعود البدرى الأنصارى ورواه الحاكم فى المستدرك أيضا والطبرانى فى الأوسط عن جرير بن عبد الله البجلى، فمن رواية أبى مسعود ومن رواية جرير رضي الله عنهم أجمعين، قال: أوتى برجل إلى صلى الله عليه وسلم، فلما وقف أمامه ورأه بدأت ترتعد فرائصه، يطرب من الخوف والفزع فقال النبى عليه الصلاة والسلام: هون عليك إنى لست بملك، إنى ابن امرأة كانت تأكل القديد على نبينا صلوات الله وسلامه لما هذا الفزع؟ لما هذا الرعب؟ هذا هو الوجل وهذه هى الرهبة لكن معها كما سيأتينا محبة لا نهاية لها فعندما يراه فى الأمر وليس حوله صلوات الله وسلامه لا خدم ولا حشم ولا حراس ولا جنود عليه صلوات الله وسلامه {والله يعصمك من الناس} ، لكن من ينظر لطلعة وجهه وبهاءه عليه الصلاة والسلام يعتريه هذا الوجل من النبى عليه الصلاة والسلام، هون عليك أنى لست بملك ليس حالى كحال الجبابرة أنا امرأة كانت تأكل القديد، والقديد: هو اللحم الذى يجفف ويملح، وهذا يفعله الإنسان فى الغالب إذا كان فقيراً، يملح اللحم عندما يذبح الذبيحة لا يريد أن يأكلها بكاملها ولا يوجد ثلاجات فى ذاك الوقت، فما بقى إلا أن يملح ويجفف ليؤكل عند الحاجة، فكأنه يقول أنا يعنى ابن امرأة تأكل كما يأكل الناس من أسرة يعنى عادية ليس من أسرة ملوك، فعلى ما هذا، يعنى الفزع والفرائص والأعضاء تتطرب، ولا يقولن قائل هذا حال إنسان لم يسبق له أن رأى النبى عليه الصلاة والسلام هذا حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ما استطاع صحابى أن يحد النظر فى وجه نبينا عليه الصلاة والسلام، واسمعوا لهذا الحديث الذى هو فى صحيح مسلم اتروا أن هذا ليست بحالة كما يقال فى أول لقاء لا، الذين عاشروه لا يستطيع واحد منهم أن يديم النظر إلى وجه نبينا عليه الصلاة والسلام مما

ص: 14

فيه من الهيبة والمهابة صلوات الله وسلامه والبهاء.

ثبت فى صحيح مسلم من رواية عبد الرحمن بن شماسة ويقال بفتح الشين شماسة المهرى رحمه الله، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو فى سياق الموت وعمرو أسلم فى العام الثامن للهجرة هو وخالد قبل فتح مكة رضي الله عنهم أجمعين، ثم امتدت حياته إلى أن توفى سنة 43 للهجرة وعاش تسعا وتسعين سنة رضي الله عنه وأرضاه، عمرو بن العاص، لما مات كان عمره 99 سنة، مات سنة43 للهجرة وهو كما قال الذهبى داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل فى الفطنة والدهاء والحزم، عمرو بن العاص، يقول عبد الرحمن بن شماسة حضرنا عمرو بن العاص وهو فى سياق الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه عبد الله يقول: ما يبكيك يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، قال له النبى عليه الصلاة والسلام والحديث فى المسند وغيره وإسناده صحيح أسلم الناس وآمن عمرو، ولعل نبينا عليه الصلاة والسلام يقصد بالناس الذين أسلموا بعد فتح مكة فهؤلاء أسلموا لأن الغلبة صارت للإسلام وأما عمرو فجاء قبل فتح مكة هو وخالد وآمنو رغبة لا رهبة، رغبة فى الإسلام لا رهبة مما حصل من قوة الإسلام، والحديث رواه الترمذى أسلم الناس وآمن عمرو، ورواه الإمام أحمد فى المسند وإسناده حسن، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، فأقبل بوجهه وقال: إن أفضل ما نعد شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، إنى كنت على أطباق ثلاث، أى على ثلاث حالات، لقد رأيتنى، هذه الحالة الأولى وما أحد أشد بغضاً لرسول صلى الله عليه وسلم منى ولا أحب إلىّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت، مت بكسر الميم وضمها على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام فى قلبى صلى الله عليه وسلم هذا الحالة الثانية، فقلت: أبصت يمينك فل أبايعك فبسط يمينه فقبضت يدى فقال: مالك يا عمرو، قلت: أردت أن أشترط، قال:

ص: 15

تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لى، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، ان الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله، وما كان أحد أحب إلىّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحلى فى عينى منه، إنتبه لكلام عمرو وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالاً له ولو قيل لى صفه لما استطعت أن أصفه، وكان بعض شيوخنا يقول: وما أعلم صحة هذا القول، يقول: ما استطاع أحد أن يصف النبى عليه الصلاة والسلام إلا النساء، وأما الصحابة الكرام ما استطاعوا أن يصفوه وأن يحدوا النظر فيه عليه صلوات الله وسلامه، ولو قيل لى صفه لما استطعت أن أصفه لأنى لم أكن أملأ عينى منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، الحالة الثالثة: ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالى فيها فإذا أنا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار، فإذا دفنتمونى فسنوا فشنوا بالسين المهملة والشين المعجمة، فسنوا علىّ التراب سنا شنا، أى ضعوه برفق دون شدة وغلظة وعنف، ثم أقيموا حول قبرى قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى، الحديث كما قلت فى صحيح مسلم وهذا لفظه، انظر لعمرو بن العاص وله هذه المكانة رجل العالم أقوى الناس فى الحزم والعزم والدهاء ما استطاع أن ينظر إلى خاتم الأنبيناء عليه الصلاة والسلام وأن يملأ عينيه منه عليه صلوات الله وسلامه، لاإله إلا الله، وأما محبته فى القلوب وتعلق القلوب به أتلكم على هذا فيما يأتى مع بيان الأمر الثانى والشق الثانى من الأمر الأول، ألا وهو بيان خُلُق النبى عليه الصلاة والسلام بعد الإنتهاء من الكلام على خَلْقِه.

ص: 16

اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوما، اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا معنا ولا بيننا شقياً ولا محروما، اللهم اغفر لأباءنا وأمهاتنا وأرحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلأى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبيناء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 17