الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علامات في نفس رسول الله (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
علامات في نفس رسول الله (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام:
كنا فى المبحث الثالث من مباحث النبوة على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذا المبحث كما تقدم معنا مبحث جليل يدور حول بيان الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء ورسله صلوات الله وسلامه، وقلت إخوتى الكرام: هناك تدل على صدق النبى وكذب المتنبىء، فلا بد من وجود علامات تدل على صدق المحق وكذب المبطل، لا بد من وجود علامات تدل على صدق الصادق وعلى كذب الكاذب، فنبينا عليه الصلاة والسلام وأنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه لابد وأن يكون فيهم علامات تدل أنهم رسل رب الأرض والسماوات، وهذه العلامات كما تقدم معنا إخوتى الكرام كثيرةوفيرة، ويمكن أن يصل الإنسان إليها عن طريق النظر بعقله وتحكيم فطرته، إذا تأمل هذه العلامات فرق بين النبى والمتنبىء، وتقدم معنا بعض هذه العلامات عن طريق الإجمال، وذكرت ما استدل به هرقل على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام فى نبوته وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقا، ودارت أسئلته كما تقدم معنا على عشرة أمور منها ما يتعلق بنسب النبى عليه الصلاة والسلام وأسرته، ومنها ما يتعلق ببيان دعوته، ومنها ما يتعلق ببيان معاملته لغيره، ومنها ما يتعلق ببيان حال أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ثم خلص بعد ذلك من هذه الأسئلة والأجوبة التى أجاب عليها أبو سفيان، خلص من ذلك إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو رسول الله حقا، فقال لأبى سفيان: إن كان ما تقول حقاً فهو نبى فسيملك موضع قدمى هاتين، وهذا الذى تحقق بعد ذلك على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذه الأسئلة التى وجهها هرقل إلى أبى سفيان كنت سردتها وبينت جواب أبى سفيان وتعليقنا أيضاً عليها فى الموعظة الماضية، أبو سفيان بعد أن سئل تلك الأسئلة الحسان من قبل هرقل ملك الروم وعظيم الروم يقول أبى سفيان: ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف أى الذى لم
يختتن، وتقدم معنا أن النصارى لا يختتنون، ويقول: هذه الأسئلة تدل على دهائه وذكائه وعظم عقله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف، إنتهينا إخوتى الكرام من بيان هذه العلامات عن طريق الإجمال، ووعدتكم أن أتكلم على نهاية هرقل فى أول هذه الموعظة، لنكمل إن شاء الله بعد ذلك تفصيل الكلام على الأمور التى يعلم بها صدق الرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
هرقل إمتدت به الحياة وعاش بعد وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام، فحياته امتدت لكن ما شرح الله صدره للإيمان وأمره عند ربنا الرحمن سبحانه وتعالى، ففى غزوة مؤتة فى العام الثامن للهجرة، بعد الأسئلة التى سألها لأبى سفيان بسنتين، قاد جحافل الروم وكان مائةألف، وانضم إليه أيضا مائة ألف من قبائل لخم وجذمان، وحصلت بين هؤلاء الجموع من الروم ومن هذه القبائل وبين المسلمين الموقعة الشهيرة فى العام الثامن للهجرة وهى غزوة مؤتة، وفيها كان أمير الجيش حب رسول عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة ثم بعد ذلك جعفر بن أبى طالب، ثم عبد بن رواحة رضي الله عنهم أجعين، ثم لما قتل هؤلاء الثلاثة بنأمير النبى عليه الصلاة والسلام لهم على التوالى والتعاقب أخذ الراية خالد بن الوليد فاستطاع أن يعود بمن بقى من الجيش سالمين إلى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، وهذا أقل ما قيل فى عدد الروم ومن معهم مئتا ألف، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف، عددهم ثلاثة آلاف فى هذه الموقعة، فكل فرد يقابه سبعون فردا، فهذه الموقعة كان فيها هرقل، موقعة مؤتة، ثم فى العام التاسع فى غزوة تبوك عندما قاد النبى عليه الصلاة والسلام الصحابة بنفسه فى هذه الغزوة الطويلة البعيدة، وكان هذا فى العام التاسع فلما وصل النبى عليه الصلاة والسلام إلى تبوك كتب إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام مرة ثانية وكاد هرقل أن يسلم لكن حصل منه ما حصل فى المرة الأولى عندما عرض الأمر على بطارقته وعلى أهل ديانته نفروا فبقى على دينه وأرسل إلى النبى عليه الصلاة والسلام شيئاً من الذهب كما ثبت هذا فى صحيح ابن حبان فقسمه النبى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وفى رواية المسند كما ذكر هذا الحافظ فى الفتح وإسناد الأثر صحيح، أنه كتب إلى النبى عليه الصلاة والسلام يعنى هرقل، يقول له: إنى مسلم، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: كذب، وفى رواية كتاب أبى عبيد الأموال لأبى عبيد، لكن من
رواية بكربن عبد الله المدنى، مرسلة، أن هرقل كتب إلى النبى عليه الصلاة والسلام يقول له: إنى مسلم، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: كذب عدو الله لا زال على نصرانيته.
وهذا الذى حصل من هرقل وجواب النبى عليه الصلاة والسلام يدل على أن هرقل مات على نصرانيته وأنه كذاب فى دعوى الإسلام كما أخبر عن ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث الطويل الذى أوره الإمام البخارى فى أخر كتاب الوحى، إفتتح الإمام البخارى كتاب الوحى بحديث عمر رضي الله عنه وهو فى الكتب الستة [إنما الأعمال بالنيات] .، وختمه بهذا الحديث الطويل عن ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم معنا أن أبا سفيان بن حرب أخبره عن هذا الحديث الطويل، وختم الإمام البخارى كتاب الوحى بهذا الحديث الطويل كأن الإمام البخارى يشير بهذا إلى أن أمر هرقل أمر مستبهم لن يجرى منه إيمان ويثبت عليه، والله أعلم بحقيقة أمره، كأنه يشير بختم كتاب الوحى بهذا الحديث مع بدءه بحديث إنما الأعمال بالنيات، كأنه يشير إلى أن هرقل إذا كان فى قرارة نفسه وفى قلبه إذا كان موحدا مؤمنا بالله ورسوله النبي صلى الله عليه وسلم لكن منعه من الإظهار خشية القتل، خشية القتل منعه من إظهار الإيمان، فبقى فى الظاهر على دين قومه لكنه أقر وأذعن لله جل وعلا ولرسوله عليه الصلاة والسلام وشهد له بالرسالة، فإن كان كذلك فيبقى الحديث إنما الأعمال بالنيات، والله هو الذى سيحكم فى هذا يوم تبلى السرائر، كأن الإام البخارى كما قال الحافظ ابن حجر، يشير إلى هذه المسألة أمر هرقل يعنى غير واضح مغلق مستبهم غير ظاهر، فإذاً إذا كانت نيته صادقة فى قوله: إنى مسلم إذا كانت، لن يضيع ما صدر منه عند الله، لكن جواب النبى عليه الصلاة والسلام الذى ذكرته فيما يظهر والعلم عند الله يزيل هذا الإشكال وأن أمره ليس يعنى بخفى إنما هو واضح مُصِرّ على نصرانيته، آثر الدنيا على الآخرة.
والإمام الذهبى عليه رحمة الله فى كتاب سير أعلام النبلاء ذكر ما يؤيد ما أشاره الإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، فكأنه يرى أنه إذا صدر ما صدر من هرقل من الإذعان والإقرار والإعتراف وأنه لو أمنه لتجشن الذهاب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ولو كان عنده لغسل عن قدمه ولقبل رأسه عليه صلوات الله وسلامه كما قال هرقل، يقول: هذا إذا صدر منه على سبيل الإذعان والحقيقة ثم ما استطاع أن يظهر هذا وأن يثبت عليه من أجل الخوف الذى يحيط به من رعيته وأهل دينه لعله ينفعه فى يوم من الأيان عند الله، لعله.
يقول الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الثانى صفحة15، فمن أسلم فى باطنه هكذا ويقول هذا بعد قصة أذكرها عند نهاية كلامه فيرجى له الخلاص من خلود النار، إذ قد حصل فى باطنه إيماناً ما، وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام وأعتقد أنهما حق مع كون أنه على دين صحيح، فتراهم يعظمو للدينين، يعنى الإسلام حق والنبى عليه الصلاة والسلام صدق، لكن ما هو عليه من اتلنصرانية أيضاً دين صحيح فيعظم الدينين، يعظم الإسلام ونبى افسلام ويبقى على نصرانيته ويعظم ديانته، فإن كان كذلك هذا لا شك فى كفره، واعتقد أنه حق مع كون أنه يعنى هو هرقل وأمثاله على دين صحييح فترام يعظم للدينين كما فعله كثير من المسلمانية أى الذين يظهرون الإسلام وأن الإسلام أحق من النصارى وهم على نصرانيتهم، فهذا لا ينفعه الإسلام حتى يتبرأ من الشرك، هذه القصة هذا الكلام أوره الإمام الذهبى فى ترجمة عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وهو من الصحابة الأطهار الأبرار قيل أنه شهد بدراً رضي الله عنه وقيل لم يشهدها، حول شهوده بدر خلاف، هو من الصحابة على كل حال، عبد الله بن حذافة، هذا أرسله عمر رضي الله عنه أميراً على جيش ليقاتل بلاد الروم، والروم فى بلادهم، فأسر على حدود الشام عبد الله بن حذافة صاحب النبى عليه الصلاة والسلام، قيل لملك الروم أسر أمير الجيش وهو صاحب نبى الإسلام على نبينا صلوات الله وسلامه، فقال: إتونى به ثم لما جاء عبد الله بن حذافة إلى ملك الروم، عرض عليه أن يتنصر وقال: أزوجك ابنتى وأعطيك نصف ملكى، أيطمع فى ذلك لأنه صحابى جليل وفى ردته فتنة للمسلمين الذين يعنى فى قلوبهم أحياناً ضعف إيمان لكن الإيمان كما قال هرقل: إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، فقال عبد الله بن حذافة لملك الروم: لو أعطيتنى جميع ما تملك وجميع ما تملك وجميع ملك العرب، يعنى ما تملك ومثله وما يملكه العرب ما رجعت عن دينى محمد عليه
الصلاة والسلام طرفة عين، فاقطع أملك من ذلك، قال: أقتلك، قال: أنت وذاك، فقال: لأعوانه وحراسه وأفراد جيشه خذوه وضعوه على شجرة واضربوه بالسهام لكن لا تسددوا السهام عليه دعوها تسقط بجواره ليدخل فى قلبه الروع والفزع لعله يرتد إذا فاوضناه مرة ثانية، فأخذوه ووضعوه على شجرة وربطوه بها ثم سلطوا السهام عليه يضربونه سهاماً كالمطر لكن لا يقصدوه بالضرب بحيث تقع يميناً أو يساراً، ثم استدعاه هرقل، قال: هل تكفر وترجع عن دينك وتدخل فى النصرانية أزوجك ابنتى وأعطيك نصف ملكى، فردد عليه الكلام السابق، قال: أقتلك، قال: أنت وذاك، فقال هرقل: هاتوا قدراً كبيرأ ووضعوا فيه ماء ثم أوقد عليه النار، فأتى بأحد المسلمين فألقاه فى الماء أمامه، فظهر عظمه، أى انسلخ اللحم منه وظهر العظم، فقال: أترجع عن دينك وتدخل فى دينى وإلا أفعل فيك كما فعلت، فبكى عبد الله بن حذافة، فطمع ملك الروم قال: على ما تبكى، قال: أبكى لأننى لا أملك إلا نفساً واحدة، كنت أتمنى أن يكون لى أنفاساً أى أرواح بعدد شعر جسمى حتى يكون أعظمنى أجرى، نفس واحدة الآن تلقينى فى القدر وأموت فأنا أبكى لأن أجرى الآن سيقل، لو كان لى أرواح كثيرة واحدة بعد الواحدة تخرج لكان أحسن، أنا أغبط من مات لكن أريد أن تكون لى أرواح متعددة لأحصل أجراً كثيرا، فقال هرقل فقال ملك الروم: دعوه فى بيت وأغلقوا عليه وضعوا معه الخمر والخنزير، فإما أن يأكل وإما أن يموت، ففتحوا عنه بعد ثلاث فالتوى عنقه، فقال: ما منعك أن تأكل، قال: والله إن الله قد أحل لى ذلك عند الضرورة لكن لا أوريد أن أشمتكم بمسلم، تقولون: أكل خنزير شرب خمرا هذا لا يمكن، فقد الحياة أيسر، فقال له ملك الروم: هل لك أن تقبل رأسى وأطلق سراحك، قال: وتطلق سراح المسلمين، وكانوا ثلاث مائة، قال: نعم، قال: أقبل رأسك، فقام عبد الله بن حذافة وقبل رأس هذا الملك النصرانى النجس الكافر، فأطلق سراحه وسراح ثلاثمائة من المسلمين
مأسورين وأعطاه ثلاثين ألف دينار وثلاثين وصيفة عبدة، فأخذ كل هذا وعاد معه أسرى المسلمين إلى المدينة فى عهد خلافة عمر رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، فقص عبد الله بن حذافة على عمر ما حصل له وأنه قبل رأس ملك الروم الكافر، فقال عمر: حق على كل سلم أن يقبل رأس عبد بن حذافة، وأنا أول من يبدأ فقام وقبل رأسه رضي الله عنه وأرضاه، وحقيقة ما قبل رأس هذا الكافر لمصلحة لنفسه، إنما إذا توقف الأمر على إطلاق ثلاثمائة من المسلمين فحقيقة الأمر إن شاء الله يسهل بجانب إطلاق هذه النفوس العزيزة.
الإمام الذهبى بعد أن أورد هذه القصة علق عليها، والقصة صحيحة ثابتة رواها البيهقى فى دلائل النبوة وابن عساكر فى تاريخ دمشق، يقول الإمام الذهبى: ولعل هذا الملك قد أسلم سراً ويدل على ذلك مبالغته فى إكرام عبد الله بن حذافة، ملك الروم بعد أن رأى من عبد بن حذافة ما رأى لعله أسلم، وقال لعبد بن حذافة: قبل رأسى وانا أعطيع ما أعطيع لألا ألام أمام رعيتى ولألا أيضاتً يبطشوا بى، يقول هذا يعنى حيلة عليهم وما أستطيع أنا أن أظهر الإسلام لعله يكون، يقول الذهبى: وكذا القول فى هرقل إذ عرض على قومه الدخول فى الدين فلما خافهم قال: إنما كنت أختبر شدتكم فى دينكم، فمن أسلم فى باطنه هكذا فيرجى له الخلاص من خلود النار، إذ قدحصل فى باطنه إيماناً ما، وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام والرسول واعتقد أنهما حق مع كونه على دين صحيح، هذا لو صدر منه لا ينفعه ذلك الإعتقاد، فتراه يعظم للدينين كما فعله كثير من المسلمانية فهذا لا ينفعه الإسلام حتى يتبرأ من الشرك والعلم عند الله جل وعلا، هذه القصة فى ترجمة عبد الله بن حذافة فى سير أعلام النبلاء يذكرها أيضاً الإمام ابن حجر فى الإصابة، يقول: ومن مناقب عبد الله بن حذافة ثم ذكر هذه القصة وأنه تسبب فى إطلاق ثلاثمائة من أسرى المسلمين من ملك الروم.
وعبد الله بن حذافة: هو الصحابى الجليل رضي الله عنه وأرضاه وكان فيه شىء من الدعابة والمزاح، وهو قائد الغزوة المشهورة التى طلب من المسلمين أن يقدوا ناراً وأن يضرموها وان يلقوا أنفسهم فيها، عبد الله بن حذافة، وهذا من باب كما قلت من باب المداعبة والمزاح ليختبر طاعتهم وليمزح معهم، وهل سيلقون أنفسهم فيها أم لا.
والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند وابن ماجة فى السنن ورواه ابن خزيمة فى صحيحه وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه، وإسناده صحيح، فيه أن النبى عليه الصلاة والسلام من رواية أبى سعيد الخدرى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز أميراً على بعث، يقول أبو سعيد: أنا فيهم، فأذن عبد الله بن مجزز، علقمة بن المجزز أذن لطائفة من الجيش من هؤلاء البعث أن ينصرفوا وأن يذهبوا إلى مكان ما وأمر عليهم عبد الله بن حذافة، فلما تأمر عليهم هذا من قبل علقمة بن مجزز الذى أمره رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: أوليس لى عليكم حق السمع والطاعة، قالوا: بلا، قال: اجمعوا حطباً وأقدوا نارا ثم قال: أوقدوا أنفسكم فيها، فلما هم بعضهم أن يلقى نفسه فيها وبدأ يحتجز أى يربط صدره وثيابه من أجل أن يلقى نفسه فيها، قال: أردت أن أختبر حالكم وهل تطيعونى أم لا؟ وتكررت مثل هذه القصة كما فى الصحيحين عن على رضي الله عنه مع بعض الأنصار عندما أمره النبى صلى الله عليه وسلم على سرية، فذاك غضب منهم ويعنى كأنهم أزعجوه ويعنى خالفوه فى بعض الشىء فى الطريق فقال: اجمعوا حطباً إننى أميركم ثم أوقدوا نارا ألقوا أنفسكم فيها فاؤلئك جابلوه، وقالوا: أمنا برسول الله عليه الصلاة والسلام فرراراً من النار وفريق هم أن يلقى نفسه فيها، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه إنما الطاعة فى المعروف، وقال كما فى الصحيحين فى حديث على رضي الله عنه والذى نفسى بيده عليه صلوات الله وسلامه، لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة فى المعروف، وقوله: ما خرجوا منها أى إذا استحلوا الدخول من غير تأويل فهذا استحلال لمعصية فهو كفر، أو أنهم ما خرجوا منها أى سيموتون ويحترقون وواقع الأمر كذلك، أوما خرجوا منها أى أن دخولهم فيها سيوصلهم إلى نار جهنم بعد ذلك وأمرهم إلى الله جل وعلا، فإن شاء عفى عنهم وإن شاء عذبهم سبحانه وتعالى
هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، عبد بن حذافة هذا شأنه، فلما فعل مع ملك الروم ما فعل، يقول الذهبى عليه رحمة الله لعل ملك الروم أسلم سرا، يقول: وهكذا هرقل فإذاكان فى قلبه إيمانا حقيقى وما استطاع أن يظهره من أجل خوف قومه لعله ينفعه ذلك عند ربه والعلم عند الله جل وعلا..... اقول هذا احتمال يقوله الذهبى، لكن ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من أن هرقل كذب وأنه عدو الله ولا زال على نصرانيته، هذا يقطع كل احتمال والعلم عند الله جل وعلا.
إخوتى الكرام: فى الحديث الذى ذكرته فى أخر فى الموعظة الماضية، حديث ابن عباس رضي الله عنه حول أسئلة هرقل لأبى سفيان، تقدم معنا أن هرقل كان حزاء ينظر فى النجوم، وهذا قلنا فيه شىء من التكهن ودعوى وزعم علم الغيب، فكيف يرد الإمام البخارى هذا فى صحيحيه ويسكت عليه؟ والجواب أن البخرى عليه رحمة الله أراد أن يورد فى كتاب الوحى ما يدل على نبوة النبى عليه الصلاة والسلام وأن الأدلة والإشارات تتابعت وتواترت على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام من كل طريق بكل لسان بلسان العربى ولسان الأعجمى بلسان الإنسى بلسان الجن من جميع الطرق ورد ما يدل على أن نبينا عليه الصلاة والسلام رسول الله حقاً وصدقا، وهذا أبدع ما يشير إليه عالم وأقوى ما يحتج به محتج، ليس نحن نثبت الكِهانة والكَهانة لا لكن طريق الكهانة أشار غلى أن النبى عليه الصلاة والسلام هذا حق وصدق وبعثته فى هذا الوقت هو الذى يدل عليه كهانتهم، والجن صرحت بذلك والإنس صرحت بذلك والعرب صرحت بذلك والعجم صرحت بذلك فهذه الطرق على اختلاف أساليبها واعتباراتها متفقة على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام فى أنه رسول الله حقا وصدقا، يقصد الإمام البخارى عليه رحمة الله من إراده هذه الجملة عن هرقل، يقصد هذه الدلالة وأن جميع الطرق والإشارات والدلالات دلت على أن نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً.
إخوتى الكرام: هذه الأمور كما قلت مجملة تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام فى نبوته ورسالته وأنه رسول الله حقاً وصدقاً على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وكنت ذكرت فى الموعظة الماضية حديث الحارث بن مالك الأشعرى، وقلت: روى من طريقه ومن طريق أنس بن مالك فى معجم الطبرانى الكبير ومسند البزار والحديث رواه البيهقى فى شعب الإيمان كما تقدم معنا وعبد الرزاق فى مصنفه وفى التفسير، وفيه الإشارة إلى أن كل شىء له علامة ودلالة، عندما قال نبينا عليه الصلاة والسلام لحارثة كيف أصبحت، قال: أصبحت مؤمناً حقا، إلى أخر الحديث الذى ذكرته، قال: انظر ما تقول إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك، قال: أصبحت وقد عزفت نفسى عن الدنيا فأظمئت نهارى وأسهرت ليلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزاً كما ذكرت هذا فى الموعظة الماضية، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وإلى أهل النار يعذبون، بعض الأخوة الكرام كأنه أشكل عليه الأمر، فيقول: قرأ فى كتاب الفتن والملاحم للإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل فكأنه يقول: أشار الإمام ابن كثير إلى أن الحديث فى صحيح البخارى، وقلت لكم الحديث فى تلك الكتب واسناده ضعيف لكن معناه يدل على أنه لا بد لكل شىء من علامة تدل تلك العلامة على صدق ذلك الشىء أو على بطلانه، وكأن الأخ اشتبه عليه الأمر، يقول الإمام ابن كثير فى كتابه الفتن والملاحم وهو النهاية الملحق بأخر البداية، يقول: ذكر تزاور أهل الجنة بعضهم بعضا، وتذاكرهم أمور كانت منهم فى دار الدنيا من طاعات وزلات، يقول بعد ذلك: ولهذا مزائر كثيرة قد ذكرنها فى التفسير، وذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت يا، قال: أصبحت مؤمنا حقا إلى أخر الحديث، يا إخوتى لا يدل هذا على أن الحديث فى صحيح البخارى، الإمام ابن كثير شرح قطعة من صحيح البخارى ولم يكمله، وهكذا الإمام
النووى شرح قطعة من صحيح البخارى ولم يكمله، فعند باب حقيقة الإيمان فى صحيح البخارى عند هذا الباب أورد بعض شراح البخارى هذا الحديث، حقيقة الإيمان، قول حارثة أن الإيمان إذا وجد فى القلب ينبغى أن يكون لذلك علامات تدل عليه، يقول: ذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة، من الذى ذكر؟ ابن كثير استشهد به فى الشرح على أن الإيمان إذا وجد فى قلب الإنسان ينبغى أن تكون عليه علامات فينبغى أن يصدقه العمل أن تعزف نفسه عن الدنيا أن يظمأ نهاره وأن يسهر ليله فيصوم ويقوم، ثم بعد ذلك كأنه يرى عرش الرب بارزا ويرى أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار، هذه حقيقة الإيمان فى باب حقيقة الإيمان من كتاب الإيمان ذكر بعض شراح الحديث هذا الحديث لتقرير هذه القضية وهى أن الإيمان وقر فى القلب يظهر عليه أثراً على نفس الإنسان وسلوكه، ذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة، فليس الحديث فى صحيح البخارى، لا رواه البخارى وليس هو فى الصحيح بل إن اسناده الحديث ليس بصحيح كما قلت: إسناده ضعيف كما ذكرت سابقا، نعم معناه صحيح صحيح ويدل على ما قررته وهو أن كل شىء لابد له من علامة تدل عليه إما أنه حق وإما أنه باطل.
إخوتى الكرام: بعد بيان هذه الأمور المجملة فى بيان صدق أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه وأن العقل الصريح والفطرة السوية يمكن أن تتأمل العلامات التى فى الرسول وفى النبى وبعد ذلك تطلق الحكم وتصدر الحكم على هذا النبى أنه رسول الله حقاً وصدقاً، وهذا الذى فعله هرقل وفعله غيره وفعله النجاشى أيضاً عندما استدل بما بلغه عن النبى عليه الصلاة والسلام على أنه رسول الله حقاً وصدقا وآمن بنبينا عليه الصلاة والسلام ووحد الله ولما مات صلى عليه نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث ثابت فى الصحيحين...... إذاً هناك علامات تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام قلت: هذه العلامات إخوتى الكرام كثيرة يمكن أن نجملها فى أربعة علامات.
أولها: علامات فى نفس النبى عليه الصلاة والسلام فى خلقه وفى خُلُقه، علامات فى دعوته، علامات فى أصحابه، علامات تكون فى المعجزات والخوارق التى يؤيده الله بها بهاناً ودليلاً على صدقه وأنه رسول من عند ربه على نبينا صلوات الله وسلامه، هذه علامات تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام،
سنأخذ كما قلت أولا واحدة من هذه العلامات فى كل موعظة إن يسر الله وأعان لعلنا نتكلم على بعضها فى موعظة واحدة وعلى بعضها كما قلت فى أكثر من موعظة، نأخذ العلامة الأولى، علامات تكون فى نفس الرسول عليه الصلاة والسلام فى خلقه وفى خُلُقِه، فى صورته الظاهرة وفى صورته الباطنة التى يدل عليها علامات فى ظاهره فالخلق هو الصورة الظاهرة، والخُلُق هيئة باطنة فى نفس الإنسان تصدر عنها الأفعال بسهولة وروية، فإن كانت تلك الأفعال حسنة فى الشرع ممدوحة فى العقل يقال لتلك الهيئة خُلُق حسن وإن كانت تلك الأفعال مذمومة فى الشرع قبيحة فى العقل يقال لتلك الهيئة التى تصدر عنها الأفعال إنها خُلُق سىء قبيح دنىء، إذاً من تأمل خَلْقَ النبى وخُلُقَه على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، لن يرتاب فى ان هذا النبى هو رسول الله حقاً وصدقا وفخَلْقه وخُلُقه، العلامة الأولى حاله فى نفسه يدل على أنه صادق أو كاذب نبى أو متنبىء، لابد من هذا، وهذا ما سأوضحه فى هذه الموعظة إن شاء الله.
إخوتى الكرام: جعل الله نبينا عليه الصلاة والسلام فى أكمل صورة فى خَلْقِه وفى خُلُقِه، فهو صاحب الكمال عليه الصلاة والسلام فى الأمرين صورة كاملة فى الظاهر صورة نقية كاملة فى الباطن عليه الصلاة والسلام، فهو موهوب من قبل علام الغيوب وهب الكمالين فى خلقه وفى خُلُقِه وهو محبوب من قبل الله ومن قبل عباد الله على نبينا صلوات الله وسلامه، موهوب محبوب عليه صلوات الله وسلامه، جمع الله له كمال الخَلْقِ وتمام الخُلُق على نبينا صلوات الله وسلامه، هذان الأمران خَلْقه وخُلُقه من تأملهما يعلم أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا، كيف هذا؟ ما فى خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام من كمال وجمال وبهاء وجلال وما فى خُلُقِه عليه الصلاة والسلام من كمال وحسن وتمام يدلان على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقا، كيف هذا؟ من كان فيه تلك الصفات الكاملة بانواعها فى خَلْقه وخُلُقه يستحيل أن يكذب، وأى كذب؟ كذب على الله كما استدل بذلك هرقل، فقال: لم يكن ليذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله، ولو تنزلنا وقلنا صاحب هذا الخُلُق العالى والخَلْق الجميل الجليل يمكن أن يكذب لو تنزلنا لما أقره الله بالكذب عليه طرفة عين، فلو قدرنا أن النبى عليه الصلاة والسلام فيه جميع الصفات الحسنة فى خَلْقه وخُلُقه لكنه فى هذه الصفة ليس بصادق، لو قدرنا، فادعى أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام وما أوحى الله إليه بالرسالة، لو قدرنا قلنا ما فيه من صفات حسنة يمنع هذا التقدير لكن لو تنزلنا وقدرنا، لو ادعى هذا الأمر وهو ليس بصادق فيه لما أمهله الله طرفة عين، ولذلك قال أئمتنا فى كتب التوحيد جحد النبوة والطعن فى نبوة نبينا ونبوة الأنبياء عليهم جميعا صلوات الله وسلامه طعن فى كمال الرب بل نفى لوجوده وربوبيته سبحانه وتعالى، ووجه ذلك، أن الله جل وعلا حكيم عليم عظيم على كل شىء قدير، كيف يمكن دجالاً فى هذه الحياة يدعى أنه رسول رب
الأرض والسماوات والله ينصره ويظهره ويمكن له ويجيب دعائه ويخلد ذكره، لو فعل الله هذا بكذاب لما كان حكيما، هذا لا يفعله الحكيم سبحانه وتعالى، ففى هذا طعن فى ربوبية الرب بل جحد لربوبيته، فهذا الإله العظيم المهيمن على شئون خلقه كيف يمكن هذا الكذاب من الإفتراء عليه ثم لا يعاجله بالعقوبة؟
نعم قد يقوم هناك ظالم فينصر فى هذه الحياة، لكن لا يكون هناك دعوى النبوة، هو معروف أمام الناس أنه ظالم ولو قدر أنه ادعى النبوة سيفضح عاجلاً غير آجل وسيخذله الله جل وعلا ويجعله عبرة للعالمين وهذا الذى حصل أما متنبىء يخلد الله ذكره ويرفع قدره وينصره ويجيب دعائه ويجعله فى أكمل خلق وأتم خُلُق هذا يستيحل أن يوجد فى حكمة ربنا الجليل سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الله جل وعلا {فلا أقسم بما تبصرون. وما لا تبصرون. إنه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون. ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون. تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين} ، وهونياط القلب عرق يعلق به القلب إذا قطع هذا مات الإنسان {ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين. وإنه لتذكرة للمتقين. وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين. فسبح باسم ربك العظيم} ، إذاً إذا تقول على الله بعض الأقاويل لعاجله الله بالعقوبة ولا ما أمهله طرفة عين، والله جل وعلا يقول فى سورة الطور {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون. قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، لو كان هذا شاعرا مفترياً أفاكاً ينسب النبوة لنفسه وليس بصادق ما تفعلونه من الإنتظار به وقطع دابره واستئصاله سيحصل له، لكن إذا كان صادقا ستستئصلون أنتم ويرفع ذكره ويعلوا قدره، {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} ، حوادث الدهر ليموت ونستريح منه، {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، فالظالمون لن يفلحوا والمفترون لن يفوزوا، فإذا كنت ظالما حقيقة سيبتر ذكرى ويمح أثرى، إذا كنتُ صادقا سترون لمن يكون الظهور والعلو ورفعة القدر، {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، ما النتيجة؟ {ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك.
ورفعنا لك ذكرك} ، هل يرفع الله ذكر الدعى الكذاب المفترى؟ لو حصل هذا لكان طعناً فى حكمة الرب وجحداً لربوبيته قبل أن يكون طعناً فى رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام، {ورفعنا لك ذكرك} ، لا يذكر الله إلا ويذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثبت فى صحيح ابن حبان والحديث رواه أبو يعلى فى مسنده والبغوى فى معالم التنزيل ورواه ابن المنذر فى تفسيره وابن أبى حاتم وابن مردوية فى التفسير أيضا وأبو نعيم فى دلائل النبوة وإسناد الحديث حسن من رواية أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال لجبريل عندما نزلت عليه هذه الآية {ورفعنا لك ذكرك} ، قال: ما هذا يا جبريل، ما المراد برفع الذكر وعلو القدر، ما هو؟ فقال: يقول الله لاأذكر إلا ذكرت معى، لايدخل الإنسان فى الإسلام ولا يقبل منه إيمان إلا بركنين ينطق بهما لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، دين الله من أوله وأخره يقوم على هاتين الدعامتين لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، إياك أريد بما تريد حسبما شرعن على لسان نبيك عليه الصلاة والسلام فلا نعبد غيرك ولا نتبع إلا نبيك عليه الصلاة والسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا أذكر إلا ذكرت معى، إذاًرفع الله ذكر النبى عليه الصلاة والسلام، فما يمكن إذاً أن يحصل من الله تأيد لكذاب دل هذا على صدق النبى عليه الصلاة والسلام حقاً وصدقا، لا أذكر إلا ذكرت معى، وهذا التفسير الثابت عن ربنا جل وعلا فى بيان معنى الآية، أنه لا يذكر الله وهذا قول الله إلا يذكر معه رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا منافسة بينه وبين ما ورد عن سلفنا الكرام فى معنى الآية فقيل {ورفعنا لك ذكرك} بالنبوة، فأنت نبى حتماً هو نبى فرفع ذكره ومن أجل ذلك قرن الله اسمه باسمه نبيه عليه الصلاة والسلام.
{ورفعنا لك ذكرك} عند الملائكة مترتب على المعنى الأول، {ورفعنا لك ذكرك} فى الآخرة وفى الدنيا، {ورفعنا لك ذكرك} عندما أخذنا العهد والميثاق على الأنبياء قبلك أنهم يجب عليهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت وهم أحياء وإذا ماتوا قبل بعثتك ينبغى أن يأخذوا العهد على أممهم إذا بعثت وهم أحياء يؤمنوابك كما قال الله جل وعلا {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} ، وإن مات قبل بعثته فينبغى أن يأخذ العهد على أمته إذا بعث محمد عليه الصلاة والسلام وهم أحياء أن يؤمنوا به.
قال الإمام ابن كثير: وما ورد عن بعض السلف من أن معنى الآية {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه.....} إلى أخرها من أنه يجب عليهم أن يصدق بعضهم بعضا، قال: هذا لا ينفى القول الأول، والثابت عن على وابن عباس هذا لا ينفيه، بل يستلزمه ويقتضيه، أى إذا صدق كل نبى بمن كان قبله وبمن كان بعده يلزم أنه هذا النبى الذى سيأتى بعده لو بعث وهو حى أن يصدق به وأن يتبعه وأن يكون من أعوانه وأنصاره، إذاً