المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مقدمة التفسير (1) (دروس تفسير)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان مقدمة التفسير (1)   نحمد الله - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١٤

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

مقدمة التفسير (1)

(دروس تفسير)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

مقدمة التفسير (1)

نحمد الله ونستعينه ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدى الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمدكله ولك الملك كله وإليك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله انت رب الطيبين وأشهد ألاّإله إلاّ الله وحده لا شريك ولىّ الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {وما من دآبة فى الأرض إلاّ على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌُ فى كتاب مبين} .

{يا أيها اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلاّ هو فأنا تؤفكون} .

وأشهد أن نبينامحمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين وشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وأذاناًصماً وقلوباً غلفاً، فجزاهُ الله عنا أفضل ما جزى به نبىٌ عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعن من تبعهم بإحسان الى يوم الدين.

{ياأيها الناس أتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} .

{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسله فقد فاز فوزاً عظيماً} .

أمابعد: معشرالإخوة الكرام..

حديثنا ومدارستنا فى مثل هذا اليوم من أيام هذه السنة المباركة إن شاء الله ستكون مدارستنا ويكون حديثنا فى تفسير كلام ربنا جلّ وعلا ويحسن بنا بل يجب علينا قبل الشروع فى تفسير كلا م الله جلّ وعلا أن نتحدث عن أمرين اثنين.

الأمر الأول: حول منزلة كلام الرحمن جلّ وعلا وأثره فى بنى الإنسان.

ص: 1

والأمر الثانى: حول الطريقة القويمة فى تفسير الآيات المحكمات.

فلابد من التنبه على هذين الأمرين لنعلم منزلة هذا الكلام الذى سنتدارس تفسيره إن شاء الله ولنعرف الطريقة المثلى السديدة السليمة فى تفسيره.

إخوتى الكرام: تأمل حال الناس فى هذه الأيام لا يرتاب أنهم فى جاهلية كالجاهلية التى كان الناس فيها قبل مبعث خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، وإذا كان الله جلّ وعلا قد نكس الناس قبل مبعث نبينا عليه الصلاة والسلام إلاّ بقايا من أهل الكتاب كالذين كانوا يلتزمون بالدين الحق الذى كان عليه نبى الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فإن الحال فى هذه الأيام كذاك فالله قد نكس الناس عربهم وعجمهم إلاّ من تمسك بملة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بالدين الحق وهم الغرباء فى هذا الوقت وقليل ما هم.

ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم عن عياض بن عمار النجاشعى رضى الله عنه، قال: قام فينا نبى الله صلى الله عليه وسلم خطيباً ذات يوم، فقال:(إن الله أمرنى أن أعلمكم ما جهلتم فى يومى هذا) ، أى أمرنى أن أعلمكم من يومى هذا ما جهلتم وما تجهلونه كل مال أحدثه عبداً فهو حلال، أى قال الله تعالى: كل مال أحدثه عبداً فهو حلال، وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرموا عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر الى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، والمقت: هو أشد أنواع الغضب والسخط {ياأيها الذين أمنوا لما تقولون ما لاتفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون الى الإيمان فتكفرون} .

[وإن الله نظر الى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا يقايا من أهل الكتاب، وقال الله: إنما بعثتك لأبتليك وأبلى بك وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظاناً] .

ص: 2

هذا كان حال الناس فى الجاهلية قبل مبعث خير البرية عليه الصلاة والسلام، جاهليةٍ يعيشونها من أجل ذلك مقتهم الله جل وعلا كانوا فى الجاهلية هم يلهثون وراء الدنيا فهى غايتهم وهى مطلبهم، وكانوا يتدينون تديناً معوجاً كما هو حال الناس فى هذه الأيام تماماً والدنيا هى الغاية الأولى والأخيرة فى حياة الناس إلا من رحم ربك ثم يتدينون بعد ذلك تديناً معوجاً، فهذا القرآن الكريم الذى أنزله الله علينا وأكرمنا به صار حال الناس نحوه، أنهم يذكرونه ويتغنون به فى الحفلات والمواسم الرسمية، وأعرضوا بعد ذلك عن تحكيمه فى جميع شئون حياتهم.

وبلغ الإنحطاط فى بعض بلاد عدة أنهم عرضوا على مسألة يندى لها جبين المسلم حقيقة وهى، هل تستفتح الحفلات بالأناشيد الوطنية أو بالقرآن العظيم بكلام ربى الكريم،؟ وهل إذا بدأنا حفلنا بالأناشيد الوطنية وعلى تعبيرهم الأناشيد الرسمية؟ نقول فى هذا إساءة أدب مع القرآن العظيم، قلت له: ياأخى الكريم الى هذا الحد وصل بنا الإنحطاط، الأمران مستويان فى الشناعة والفسق والفساد.... إذا بدأتم حفلة بالأناشيد الوطنية فقد أخبرتم عن حقيقة أنفسكم وأنكم تقمون الجاهلية على كتاب ربكم، وإذا بدأتم بكتاب الله جل وعلا فالبلية لا تنقص أبداً لأنكم بعد أن تقرأوا شيئا من القرآن تنسخونه بجاهلية الشيطان، وقد صدق الله جل وعلا إذ يقول:{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} .

إخوتى الكرام: حالة الجاهلية التى كان عليها الناس قبل مبعث خير البرية عليه الصلاة والسلام هى حال الناس فى هذه الأيام إلا من رحم ربك، جرىٌ ورآء الشهوات ثم تدين معوج لا يرضاه الله جل وعلا وما أنزل به من سلطان.

إخوتى الكرام: لا يقبل الله من العمل إلا ما كان صالحا.

ص: 3

والوجه الخامس: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} كان الجاهلية المشركون فى جاهليتهم إذا حجوا يقولون "لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك ملكته وما ملك" وحال الناس فى هذه الأيام بل كما قلت لكم حال بعض طلبة العلم، هل نبدأ بالأناشيد الوطنية أو نبدأ بكلام ربنا القويم؟

لا يختلف الأمر عن شعارات الجاهلية "لبيك لاشريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك " لكن هناك كانت التلبية لهبل أو لللات أو للعزى، وإن صارت التلبية للوطن {فماذا بعد الحق إلا الضلال. وأن هذا صراطاً مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} .

إخوتى الكرام: وما من شك عند بنى الإنسان أن حياة الجاهلية تغيرت بمبعث خير البرية عليه الصلاة والسلام، والذى غير تلك الحياة الآثمة الخبيثة الضآلة التائهة الضائعة، كلام الله جل وعلا الذى أنزله على عبده ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فماذا فى كلام الله جل وعلا من الأمور؟ وما الأمور التى صاحبت كلام الله جل وعلا حتى صار لمن أخذ به ذلك الأثر، فخرجوا من الجاهلية الى الهدى ومن الضلال الى الرشد.

إخوتى الكرام: إن تشريع الله وكتاب الله وكلام الله وهذا القرآن المجيد الذى أنزله على نبينا عليه الصلاة والسلام صاحبه أربعة أمور لا يوجد واحد منها فى تشريع ولا فى نظام ولا فى قانون هذه الأمور الأربعة.

أولها: علم تام واسع محيط، كيف لا وقائله ومنزله هو العليم بكل شىء سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا فى سورة الفرقان:{وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا. وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا. قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما} .

ص: 4

فهذا الكلام المتكلم به عليم بكل شىء محيط بكل شىء فى هذا الكلام تبيان للكل شىء {لكن الله يشهد بما أنزل أليك أنزله بعلمه واللائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا} ، يقول الله جل وعلا فى أول سورة غافر:{حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} فهذا الكتاب صاحبه علم تام محيط بكل شىء، فهو كلام العليم بكل شىء سبحانه وتعالى، العلم بالرحمن جل جلاله، هو الثياب فى جهلانه يتغمغم. لاللـ وللعلوم وإنما يسعى ليعلم أنه لايعلم سبحان ربى العظيم، هذا تشريع العليم، هذا تشريع الخبير وما عداه تشريع الجاهلين الذين أخبر الله عن شأنهم {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} ، فهذا الأمر الأول الذى الذى صاحب القرآن العظيم.

والأمر الثانى: صاحب القرآن العظيم حكمته التامة، فذلك العلم الكامل التام وضع فى مواضعه، والحكمة هى وضع الأمور فى مواضعها يقول ربنا جل وعلا فى أول سورة هود:{الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} ، {كتاب أحكمت آياته} فلا تناقض ولا إضطراب ولاخلل فيها ولا فيما بينها {أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} ، ويقول الله جل وعلا فى أول سورة لقمان:{الم. تلك آيات الكتاب الحكيم. هدى ورحمة للمحسنين} ، {تلك آيات الكتاب الحكيم} ، الحكيم: المحكم المتقن فى لفظه وفى معناه وضعوا الأمور فى مواضعها {ومن أحسن من الله قولا لقوم يقنون} ، هو الحكيم لأنه إشتمل على الحكمة، هو الحكيم: لأنه يحكم بين الناس ويبين الأمور على وجه التمام والسداد، {تلك آيات الكتاب الحكيم} .

ص: 5

والأمر الثالث: الذى صاحب القرآن المجيد: فيه رحمة واسعة للعباد، فهذا تشريع من هو بعباده رؤوف رحيم وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها، وهو أرحم بهم من أنفسهم {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} كما قال الله جل وعلا فى سورة الأعراف:{ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} ، وقال الله جل وعلا فى سورة العنكبوت:{وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين. أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} .

فهذا القرآن من رحمات الله بهذه الأمة بل هو من أعظم رحمة الله جل وعلا فى هذه الأمة إذا أخذت به وإنتفعت به. يقول الله لنبينا عليه الصلاة والسلام فى سورة القصص: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين} فقد ذكر أئمتنا عليهم رحمه الله فى كتب التوحيد أن نعم الله على كثرتها تنقسم الى قسمين إثنين لا ثالث لهما.

القسم الأول: نعمة خلق وإيجاد {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون، وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون} هذه النعمة الأولى، نعمة الخلق والإيجاد.

القسم الثانى: النعمة الثانية: نعمة الهداية والإرشاد، ونعمة الله على عباده بهدايتهم وإرشادهم للتى هى أقوم، أعظم بكثير من نعمته عليهم من خلقهم وإيجادهم، لأن غاية ما يقدر عند عدم النعمة الأولى أن الخلق فى العدم، وإذا كانوا فى العدم فلا حساب لاثواب ولا عقاب، وأما إذا لم تحصل النعمة الثانية فالخلق بعد وجودهم فسيتخبطون ويشقون ويضلون {فمن إتبع هداى فلا يضل ولا يشقى، ومن أرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا وتحشره يوم القيامة أعمى} .

ص: 6

ولذلك قال الإمام السخاوى عليه رحمه الله: ومن عظيم منة السلام ولطفه بسائر الأنام أن أرشد الخلق الى الوصول مبينا للحق بالرسول عليه الصلاة والسلام.

فهذا من أعظم مننه ومن أكمل وأتم إحسانه وفضله {لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين} . ومن عظيم منة السلام ولطفه بسائر الأنام أن أرشد الخلق الى الوصول ميناً للحق بالرسول عليه الصلاة والسلام.

الأمر الرابع: الذى صاحب كلام الله جل وعلا، أن هذا القرآن هو كلام الله، وهذا التشريع مستمد من الله أى من خالق هذا الإنسان، ومن خالق الكون بأجمعه وأسره، وفى ذلك فائدتان عظيمتان.

أولاً: إذا كان هذا القرآن هو كلام الله ومستمد ممن خلق الإنسان فهذا العلاج وهذا النور هو الذى يسعد هذا الإنسان {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} .

ثانياً: والأمر الثانى يهون على الإنسان أن يأخذ بتشريع الله جل وعلا، وأن يلتزم بكتاب الله جل وعلا وبهديه ونوره، فهو كلام ربه وسيده فلا غضاضة على الإنسان أن يتملل لمولاه ولخالقه، إنما الغضاضة كل الغضاضة والعيب كل العيب أن تأخذ البشرية بشرع البشر، وإنهم ينفسمون عند ذلك الى قسمين، الى أرباب وإلى عبيد، الى عبيد يعبدون الأرباب من البشر {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إله واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} .

ص: 7

فإذا كان هذا القرآن مستمداً من الله جل وعلا وهو كلامه وهو النافع لهذا المخلوق فالله يعلم ما يصلح هذا المخلوق {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} ، ثم بعد ذلك لا غضاضة ولا حرج إذا أخذ المخلوق بشرع خالقه وبهدى ربه وتذلل لمولاه جل وعلا ففى ذلك عز له وسعادة، إنما المنقصة تكون فى حق البشر عندما يعبد بعضهم بعضا ويأله بعضهم بعضا، ولذلك أول ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام صدر سورة العلق يشير الله جل وعلا الى هذا فى أول آية منها حيث يقول {إقرأ باسم ربك} فأنت ستتذلل وتستعين بالله وتتذلل لله، فلا حرج عليك والله سيعينك ويهديك الى الصراط المستقيم {إقرأ بإسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم} فيقول ربنا فى سورة فصلت: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} .

وهذا القرآن من ربنا الرحمن سبحانه وتعالى، وأخبرنا الله جل وعلا أنه يستحيل صدور هذا من غير الله جل وعلا فقال فى سورة يونس:{وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} .

وأخبرنا الله جل وعلا أننا إذا إختلفنا فى شىء فينبغى أن نرد هذا الأمر إليه لنعلم الهدى فيه فقال الله جل وعلا فى سورة الشورى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب. فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} هذه صفات المشرع وهذه صفات الحاكم، وهذه صفات ربنا جل وعلا الذى أنزل هذا القرآن، علم تام، حكمة تامة فى ذلك رحمة للعباد، هذا القرآن مستمد من خالقنا فهو كلامه سبحانه وتعالى، عباد الله: وقد ترتب على هذه الأمور الأربعة أربعة أمور.

ص: 8

أولها: لما تقدم من الأمور الأربعة كان فى كتاب الله جل وعلا الهدى والنور وإرشاد العباد الى أقوم الأمور، كيف لا وهو منزل من عند العليم بكل شىء، تام الحكمة رحيم بعباده، هو ربهم جل وعلا يعلم ما يصلحهم ففى هذا القرآن الهدى والنور وإرشاد العباد لأقوم الأمور {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} هو لعقولنا كالشمس لأعيننا، وإذا كانت الأعين لا ترى بنور حسى، ولا تهتدى بنور الشمس، فهكذا عقول البشرية لاتهتدى ولا تصل للرشد والصواب إلا بنور العزيز الوهاب، بهذا القرآن العظيم.

وكان هذا القرآن لحياتنا كالماء للسمك فكما أن السمك لا يحيى إلا فى الماء، فهذه البشرية لا تسعد فى هذه الحياة بدون كلام رب الأرض والسماء، يقول الله جل وعلا مخبراً عن هذا فى أول سورة البقرة:{الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} ــ وفيه نور وفيه إضاء، هدى للمتقين، ويقول الله جل وعلا فى سورة النساء:{يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا. فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما} .

ص: 9

ولا يشكلن عليك أخى المسلم أن الله جل وعلا خصص هداية القرآن بالمؤمنين المتقين، لا يشكلن عليك هذا على الإطلاق فهداية القرآن هداية عامة تامة كاملة جليلة شاملة، لكن لما لم ينتفع بها إلا المؤمنون المهتدون قصرت الهداية عليهم {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} ، وأما هو نور لكل من يريد أن يهتدى {

قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} وخصت هدايته هناك بالمتقين لأجل إنتفاعهم وتجسيد هذه الهداية {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لايؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى أوائك ينادون من مكان بعيد، وصدق الله إذ يقول {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً. وأما الذين لايؤمنون بالأخرة أعتدنا لهم عذاباً أليما} إذاً ترتب على الأمور الأربعة المتقدمة أنه حصل فى هذا القرآن الهدى والنور وإرشاد العباد لأقوم الأمور.

الأمر الثانى: الذى ترتب على الأمور الأربعة المتقدمة لهذا القرآن خير، ومن أقبل عليه حصل عزالدنيا وسعادة الأخرة، وحصل حياة هنيئة مطمئنة فى الدنيا، وما لهم فى الأخرة من نعيم أعظم وأعظم.

هذا كتاب فيه خير وبركة يقول الله جل وعلا فى سورة الأنعام: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون. وهذا كتاب أنزلناه مبارك......} .

وهكذا يقول الله جل وعلا فى سورة الأنبياء: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين. الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} .

ص: 10

ففى المكانين المتقدمين فى سورة الأنعام وفى سورة الأنبياء، قال الله بين الكتابين العظيمين، بين التوراة وبين القرآن، كما يقرن الله كثيراً بين النبيين المباركين الصالحين بين نبيه موسى كليمه ومناجيه وبين نبينا محمد عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه، وذلك لقوة الشبه بين هذين الكتابين وبين هذين النبيين، {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها..} .

وهكذا فى سورة الأنبياء: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين. الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} فنبى الله موسى عل نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قال: لأعتى أهل الأرض وأطغاهم وأشدهم بغياً وهو فرعون وصبر وصابر وتحمل وجاهد فى الله حق جهاده، وهكذا نبينا عليه الصلاة والسلام حاله مع عتاة قريش كذلك، وهكذا الكتاب الذى نزل على نبى الله موسى على نبيا وعليه صلوات الله وسلامه وهو التوراة فيه تبيان كل شىء {يحكم بالتوراة النبيون الذين أسلموا والذين هادوا والربانيون والأحبار بما إستحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} .، وهكذا القرآن أنزله الله جل وعلا فيه هدى ونور وتبيان لكل شىء، فلقوة الشبه بين هذين النبيين وبين هذين الكتابين يقرن الله بينهما كثيراً {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} .

ص: 11

يقول الإمام الرازى عليه رحمه الله فى تفسيره عند الآية الأولى المتقدمة فى سورة الأنعام فى الجزء الثالث عشر فى صفحة 80، يقول: جرت سنة الله جل وعلا بين عباده إن من إشتغل بهذا القرآن وخدمه حصل عز الدنيا وسعادة الأخرة ".... ثم يخبرنا هو عن نفسه فيقول: ولقد إشتغلت بكثير من أنواع العلوم العقلية والنقلية، فما حصل لى بسبب شىء من العلوم من السعادات الدنيوية كما حصل لى بسبب خدمتى لهذا القرآن

وأنا أقول معلقاً على كلامه: والله إن الرازى غفر الله له ورحمه لو لم يعد الى رشده ولم يرجع الى كتاب ربه لما كان عداده عندنا إلا أنه من الفلاسفة الضآلين، لكنه بعد أن رجع عن ذلك وأقبل على كتاب الله وكلام الله ما حصلت له الشهرة إلا لخدمته القرآن وبتفسيره كلام ذى الجلال والإكرام.

وهو الذى يقول عن نفسه فى آخر كتاب ألفه فى أقسام اللذات: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلاً ولا تروى غليلاً، ولقد رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ فى الإثبات {الرحمن على العرش استوى} {إليه يصعد الكلم الطيب} ، وأقرأ فى المثل {ليس كمثله شىء، هل تعلم له سمياً} ..، ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى.

وقال الإمام الألوسى عليه رحمه الله فى المثال الأول عند قول الله فى سورة الأنعام {وهذا كتاب أنزلنا مبارك....} من تفسيره فى روح المعانى فى الجزء السابع فى صفحة 220 بعد أن نقل كلام الإمام الرازى يقول: وقد شاهدنا ثمرة خدمتنا لكلام ربنا فى هذه الحياة، ونسأل الله ألا يحرمنا سعادة الأخرة،،

والإمام الرازى توفى سنة 606 للهجرة والإمام الألوسى توفى سنة 1270 للهجرة عليهم جميعاً رحمه الله.،،

إذاً فى هذا الكتاب خير وبركة ومن أخذ به حصل عز الدنيا وسعادة الآخرة،

ص: 12

والأمر الثالث: مترتب على الأمور الأربعة المتقدمة: أن هذا الكتاب هو أحسن الحديث وهو أصدق الحديث فهو منزل من العليم الحكيم الرحيم من ربنا ورب العالمين، فكلامه حق وصدق كما قال جل وعلا فى سورة الزمر:{أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين. الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} .

والأمر الرابع: التى ترتب على الأمور الأربعة المتقدمة: أن هذا القرآن هو حياة الهالم وهو روح الحياة فبدونه لايحيى الناس وبدونه لاتستقر الحياة، كما قال جل وعلا فى آخر سورة الشورى:{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} ، وقال الله جل وعلا فى سورة الأنعام:{أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} .

فترتب على الأمور على الأمور الأربعة الأولى أن هذا القرآن منزل من العليم الحكيم الرحيم من ربنا رب العالمين وترتب على هذا أن فيه الهدى والنور فيه الخير والبركة، هو أحسن الحديث هو حياة العالم وروح حياتهم، وهذه الأمور الثمانية أيضاً ترتب عليها أمران إثنان فمجموع الأمور عشرة توجد فى كلام الله جل وعلا لايوجد واحد منها فى كلام غيره.

الأمر الأول: مكن الأمرين الأخرين أن كلام الله جل وعلا لاشك فيه ولا تناقض، ولا تضارب فيه {ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين} ، ويقول الله جل وعلا فى سورة النساء:{أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} .

ص: 13

الأمر الثانى: وهو عاشر الأمور أن هذا الكتاب هو المهيمن الرقيب المطلع الشاهد على ما عداه، مما تقدمه ومما يأتى بعده فهو الذى يقر ما فى غيره من حق، ويبطل ما فيها من باطل، وهو السند الرسمى وعليه المعتمد وعليه الإعتماد عند المؤمنين فى بيان الحق والباطل وتقييم الأفكار وتقييم الكتب وتقييم ما كان وما يكون، يقول الله جل وعلا مخبرا عن هذا فى سورة المائدة:{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه.......} ، ومهيمنا عليه مطلعاً رقيباً شاهداً يقر ما فيها من حق ويبطل ما فيها من باطل {.... ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} ، ويقول الله جل وعلا فى سورة المائدة:{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين.يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} .

ويقول الله جل وعلا فى سورة النمل: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون. وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين. إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم} ، هذه الأمور العشرة التى صاحبت كلام ربنا جل وعلا وكتاب ربنا جل وعلا الذى سنتدارس تفسيره بحول الله وقوته.

ص: 14

إخوتى الكرام: هذه المنزلة لكلام الله بأى شىء قابلها سلفنا، وكيف حصل أثرها فى نفوس سلفنا فإنتقلوا من الجاهلية الى الهدى والنور، ينبغى أن نعرف حال سلفنا لنسلك مسلكهم، وكما قلت فى بداية الكلام: نحن فى جاهلية لانقل على الجاهلية التى كان عليها الناس قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت تلك الجاهلية زالت بهذا القرآن فهذا القرآن الذى أنزله الله على نبينا عليه الصلاة والسلام هو هو لم يتبدل فيه حرف واحد {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} لكن ينبغى أن نعرف موقف سلفنا الكرام الطيبين نحو كلام رب العالمين، لنقف نحو كلام الله كما وقفوا وليحصل فينا الأثر الذى حصل فيهم.

إخوتى الكرم: وقف سلفنا الكرام نحو تشريع الرحمن ونحو القرآن الذى أكرمهم به ذو الجلال والإكرام موقفا.

الموقف الأول: عولوا على كتاب الله جل وعلا واستقوا من ذلك النبع الصافى دون أن ينسخوه أو يحدقوه بشىء، فكانوا إليه يريدون وعنه يسطرون ويهتدون ببيان نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام {وأنزلنا إليك الذطر لتبين للناس ما نزل إليهم من ربهم ولعلهم يتذكرون} ، فإذاً يريدون الى القرآن ويسطرون عنه ويأخذون الحكم منه، أفكارهم عقائدهم مشاعرهم، تصورهم عن الحياة وعما بعد الحياة نظام حياتهم يدخل ويستمد من كلام خالقهم العليم الحكيم الرحيم الذى هو ربهم ورب كل شىء سبحانه وتعالى، فإذا أخذوا به سيحصل لهم الخير والبركة وعز الدنيا وسعادة الأخرة، فعولوا على هذا القرآن كانوا يتلونه كما سنذكر هذا ونتدارسه إن شاء الله وكانوا يستمعونه وكانوا يتدارسونه ويفهمونه وكانوا يعملون به، تلاء وسماع يحرك لسانه به فيلهج به ولا يفتر، يسمع كلام الله ويعرض عن سماع كلام غيره، يتدارسون فيما بينهم إذا إجتمعوا كلام الله يعملون به بعد ذلك.

ص: 15

أول هذه الأمور: تلاوة كلام العزيز الغفور هذا مطلوب وأنت إذا أن هذا القرآن كلام الرحمن جل وعلا أنزله بعلمه وفيه حكمته وفيه رحمته وهو من ربك، فما ينبغى أن يفتر لسانك منه ووالله لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام ربنا، وهذا أمر ضرورى إخوتى الكرام أن يعيه الناس لاسيما فى هذه الأيام لعل بعض المسلمين الذين يعدون من الأمة الإسلامية وأستغفر الله من قولى لعل أكثر ولعل الكبرة الكافرة من المسلمين فى هذه الأيام شغلهم قراءة الأخبار الكاذبة التى تنشر ها وسائل الكذب والزور وسائل الإعلام وسائل الريب والسفور، والأمة الإسلامية هذا حال أكثرها الجرائد الإذاعات أجهزة بعد ذلك التلفاز أخذت من الناس وقتا كثيرا بل لعل جلّ أوقاتهم سرقت فدى هذا، يقرأ فى اليوم الجريدة والجريدتين، وينظر فى المجلة والمجلتين ولعله يمر عليه عام كامل وما ختم فيه كلام الله جل وعلا، هذا حال الأمة الإسلامية ولم يكن هذا حال السلف، لم يكن هذا خير البرية رسول الله جل وعلا، آمراً المسلمين الذين وحدوا رب العالمين أن يتلوا كتابه وأن يقرأوه وأن يتدارسوه {أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم مكا تصنعون} ، ويقول الله جل وعلا فى آخر سورة النمل:{إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين، وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} ، ويقول الله جل وعلا فى سورة فاطر:{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور. ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور} .

ص: 16

وهذا القرآن ينبغى أن يتلى وينبغى أن يقرأ، وينبغى أن يتحرك اللسان به لتشتغل جميع الأعضاء به، كلام الله جل وعلا فضله على سائر الكلام كفضل الله على سائر المخلوقات، عكف الناس على غيره فى هذه الأيام كالجاهلية التى كانت ـ، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يخص الصحابة والمسلمين بعده على تلاوة القرآن وقرأته ومدارسته وسماعه وفهمه والعمل به.

وفى سنن الترمذى بسند صحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: [من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف] سبحان الله..! نقرأ الم نحصل الثلاثين حسنة، وإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم، يحصل مائة وتسعين حسنة، طيب لو قرأ المجلة من أولها لأخرها هو بين أمرين: إما أن يحصل لعانات وهذا هو الواقع لما يراه من صور وأمور مكذوبة، إما أن يحصل لعانات بعدد حروفها، وإذا سلم من اللعانات فكلام عارض صفر على الشمال {أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير} .

ترى حال ألأمة الإسلامية فى هذا الوقت أفضل من بنى إسرائيل، إذا كان بنوا إسرائيل عيرهم ربنا الجليل بأنهم طلبوا البصل والثوم بدلاً من المنّ والسلوى، نحن نطلب الجرائد والمجلات بدل كلام رب الأرض والسماوات، هذا أمر شنيع فظيع

إخوتى الكرام: هذا الأمر ينبغى أن نعيه، لو كانت الأمة تعظم كلام الله لما وجد من يبيع المجلات والجرائد على قارعات الطريق، لما وجد، لكنهم لما علموا أن الأمة مهمسة، وأن الأمة تائهة ضائعة، وأنها إستبدلت الذى هو أرذل بالذى هو أطيب وجد من يبيع هذه المجلات التى إن سلمت من اللعانات فلا تسلم من الكلام الفجر الذى لا وزن له ولا إعتبار.

ص: 17

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما فى الإستعاب لإبن عبد البر عليه رحمه الله، والأثر أورده الحافظ بن عبد البر فى كتاب الإستعاب، وأورده الإمام القرطبى فى تفسيره أنظروه فى كتاب الإستعاب فى الجزء الثالث الصفحة 325، وفى كتاب القرطبى فى الجزء الأول صفحة 103.

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبى موسى الأشعرى عامله على بلاد البصرة، كان أميراً على البصر من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، وقال " سل من قبلك من الشعراء هل يقولون الشعر، فجمعهم أبو موسى الأشعرى وفيهم لبيد الذى هو أشعر الشعراء وأعظمهم شكما، فقال: هل تقولون الشعر؟ فسكتوا، فقال: يا لبيد هل تقول الشعر؟ قال: كيف أقول شعراً وقد أكرمنى الله بسورة البقرة، عندنا كلام يحطم ما دونه، عندنا كلام الله له حلاوة وعليه طلاوة وأعلاه مثمر وأسفله مغدق، نقول الشعر الذى أعزبه أكذبه، ما كنت لأقول الشعر بعد أن أكرمنى الله بسورة البقرة، ولبيد عندما ذاق طعم الإسلام وهو أشعر الشعراء وأفحم الشعراء ما قال بعد أن أسلم إلا بيتاً واحداً من الشعر.

الحمد لله إذ لم يأتنى أجلى

حتى إكتسيت من الإسلام ثوباً

ويروى أنه قال بيتاً أخر:

ما عاتب المرء الكريم كنفسه

والمرء يصلحه القليل الصالح

إذاً هذه القضية ينبغى أن نعيها، كلام الله ينبغى أن يتلى بيوتنا ينبغى أن يفشوا فيها هذا الأمر، الرجل إذا صلى الفجر يجلس مع زوجه مع أولاده يقرأون القرآن كا واحد يقرأ ربع أو نصف حزب، على حسب المتيسر بحيث لا يمر الشهر إلا وقد ختم أهل البيت كلام الله ختمة جماعية يتدارسونها بينهم، وهذا على أقل تقدير، وهذا الذى كان حاصلاً فى سلفنا الطيبين، الذين نقلوا أنفسهم من الجاهلية الضآلة الى الهدى الى نور الله الى الإسلام، فلا بد من أن نعى هذا الأمر، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يوضح لهذه الأمة حال الذين يقرأون كلام الله بأمثلة حسية يدركها كل أحد لنكون على بصيرة من أمرنا.

ص: 18

ففى الصحيحين وغيرهما من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: [مثل المؤمن الذى يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، (هو طيب القلب لكنه إزداد طيباً عندما طيب هذا الفم وهذه الجارحة وجوارحه بتلاوة كلام الله، كمثل الأترجة: فاكهة تشبه التفاح رائحتها تفوح وطعمها حلو) ومثل المؤمن الذى لا يقرأ القرآن، (لكن أيضاً لا يقرأ الجرائد ولا يستمع الى الإذاعات ولا ينظر الى التلفاز، إنما هو يعمل الصالحات دون قرأة لكلام رب الأرض والسماوات) كمثل التمرة طعمها طيب لكن لا ريحها، (وإذا نظر فى المجلات والجرائد كمثل التمرة إذا صببت عليها خلاً، أو وضعت لها ملحاً فما عادت تؤكل، تحتاج بعد ذلك الى غسل وتطهير) كمثل التمرة لاريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذى يقرأ القرآن (منافق لكنه طيب فمه بكلام الله) كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذى لا يقرأ كمثل الحنظل لاريح لها وطعمها مر] فالمؤمن الذى يقرأ القرآن كالأترجة طمعها طيب وريحها طيب

أتدرى أخى الكريم: إذا قرأت القرآن من يستع لك؟ يستع ربنا العظيم سبحانه وتعالى، إذا قرأنا القرآن يتمع لنا؟ نعم، والله إن الله يتمع لقارىء القرآن عندما يتلوا كما يستمع العاشق لقينته عندما تغنى، ولكن شتان شتان ما بين السماعين، فألا تحب أن يستمع لك ربنا جل وعلا؟.

ص: 19

ثبت فى سنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لله أشد أذناً الى قارىء القرآن من صاحب القينة الى قينتها] لله أشد أذناً أى إستماعاً وإصغاءا الى قارىء القرآن من صاحب القينة الى قينتها، هذا عندما يستمع لمغنيته يفرح، وهكذا ربنا جل وعلا يفرح بتلاوتك ويثيبك ويستمع إليك، ألا تحب أن يستمع الله لك، وقد حزرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من عدم تلاوة القرآن ومن عدم حفظه فى الجنان، وأخبرنا أن الإنسان إذا خلا من ذلك فقلبه خرب يعشعش فيه الشيطان.

ففى سنن الترمذى ومستدرك الحاكم بسند صحيح، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [إن القلب الذى ليس فيه شىء من القرآن كالبيت الخرب] ، قلب خربان فيعشعش فيه الشيطان بعد ذلك ويزين له كل سوء.

إخوتى الكرام: هذه النفوس جوالة إما أن تجول حول العرش، وإما أن تجول حول الحش حول ــ، ولا يخلو الإنسان من هذا، والنفس إن لم تشغلها بحق شغلتك بباطل، إن لم تقع فيها كلام الله سيجول الشيطان فيها ويصول، [إن القلب الذى ليس فيه شىء من القرآن كالبيت الخرب] .

وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحث الصحابة على حفظ القرآن وتلاوة القرآن ويضرب لهم أمثلة حسية لتحقيق ما يريده، ويبين لهم أن حفظ الآيات أعظم وأحسن وأحق من تحصيل عرض الدنيا ومتاعها.

ص: 20

ففى صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن فى السوق، فقال أيكم يحب أن يغدوا كل يوم الى بطحان أو الى العقيق (والحديث كما قلت إخوتى الكرام فى صحيح مسلم) وهما واديان (بطحان والعقيق من أودية المدينة المنورة) أيكم يحب أن يغدوا وأن يذهب فى الصباح كل يوم الى بطحان أوالى العقيق فيأتى بناقتين كوماوين (أى سنامهما مشرق ومرتفع وهذا من علامات الجودة فى الإبل ومما يرغب فيه الناس، بناقتين كوماوين من غير إثم ولا قطيعة رحم، قالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام (يذهب فى الصباح الى أحد هذين الواديين فيأتى بناقتين كوماوين دون أن يعصى الله وأن يرتكب إثما، كلنا يحب ذلك)، قال: والذى نفس محمد بيده عليه الصلاة والسلام لأ يغدوا أحدكم الى المسجد فيتعلم آياتين خير له من ناقتين وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن من الأبل (ومائة خير من مائة وهكذا) ، هذا كلام الله جل وعلا ينبغى أن نتلوه وأن نقرأه وأن نطيب فمنا به، وقد حثنا رسول صلى الله عليه وسلم على مدارسة هذا القرآن مع بعصنا وعلى تدارسه وعلى تلاوته بحيث يقرأ الواحد وينصت الأخرون ويتدارسون، وأخبرنا أن المسلمين إذا فعلوا ذلك حصلوا أجراً عظيماً.

ص: 21

ففى صحيح مسلم وغيره من حديث ابى هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً الى الجنة، وما إجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة (أى الطمأنينة راحة القلب، وليس المراد منها الملائكة لأن الملائكة سيأتى ذكرها فى نهاية الحديث وتنزلها عليه، نزلت السكينة {هوالذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين} قلوبهم تطمئن، صدورهم ترتاح نفوسهم تتنور عقولهم تزكو) إلانزلت عليه السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فى من عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به أسفه] .

ولذلك كان الصحابة إذا إجتمعوا لاـ ـ يجعجع ـ ولكن هذا ينظرون إليه وهم صمود {ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون} ، إنما كانوا إذا إجتمعوا يقول بعضهم لبعض ذكرنا ربنا، فيقرأوا القرآن كانوا إذا إجتمعوا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبى موسى الأشعرى، وأحياناً لأبى بن كعب ذكرنا ربنا فيقرأ القرآن وهم يصغون ويستمعون لأنهم يحصلون هذا الأجر العظيم تنزل عليهم السكينة تغشاهم الرحمة تحفهم الملائكة، يذكرهم الله فيمن عنده.

إخوتى الكرام: وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم وهوقدوتنا وإسوتنا وإمامنا يفعل هذا ويحثنا على فعله، فكان يطلب من الأمة أن تقرأ عليه القرآن ليستمع، لنطلب أيضاً نحن قرأة القرآن ونستمع لنحصل الأجر.

ص: 22

ثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لى النبى صلى الله عليه وسلم إقرأ على القرآن، قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل، قال: إنى أحب أن أسمعه من غيرى، يقول: فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت الى قول الله {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} فقال: حسبك، يقول: فالتفت إليه فإذا عيناه تزرفان، عليه الصلاة والسلام وإذا قام الإنسان بهذا فلكلام الله، وشغل وقته به فهذا حقيقة ينبغى أن يغبط وينبغى أن يتمنى المسلمون حالة كحالته.

ثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث ابى هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا حسد إلا فى إثنتين، رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه فى حقه آناء الليل وأطراف النهار] .

وفى بعض روايات الحديث [ورجل أتاه الله الحكمة، أى القرآن، فهو حكمة {تلك آيات الكتاب الحكيم} ، فأتاه الله القرآن يقوم فيه آناء الليل وأطراف النهار، هذا نتمنى أن يحصل لنا كما له وينبغى أن ننافسه فى ذلك [لا حسد إلا فى إثنتين] لما يحصل هذا من الأجر العظيم.

وفى الجملة إخوتى الكرام: إن قارىء القرآن ومتعلم القرآن هو أفضل بنى الإنسان عند ربنا الرحمن كما شهد بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.،

ففى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [خيركم من تعلم القرآن وعلمه]، والحديث رواه بن ماجة فى باب: إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه.، فخير هذه الأمة وأفضلها هذه الأمة من عكف على كتاب الله جل وعلا، فتلاه ودرسه، وتعلمه وعلمه.

ص: 23

كان أبو عبد الرحمن السلمى الذى تلقى القرآن عن عمر وعثمان وعن على وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، وهو من أئمة التابعين الكبار ولد فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام ــ، يقول أبو عبد الرحمن: هذا الذى أجلسنى هذا المجلس أربعين سنة، أى أنه يقرىء الناس القرآن ويعلمهم كلام ذى الجلال والإكرام [خيركم من تعلم القرآن وعلمه] ، وقرأ على ابى عبد الرحمن السلمى الذى توفى سنة 74 الحسن والحسين رضي الله عنهما.

هذا الذى أجلسنى هذا المجلس أربعين سنة [خيركم من تعلم القرآن وعلمه] ، ولذلك أمير الجيش ينبغى أن يكون أقرأ أفراد الجيش للقرآن، هذا فى دولة الإسلام، وأما أمير الجيش لا يتقن قرأة الفاتحة فتباً وشقاء وهلاكاً لذلك الجيش الذى يقوده هذا الضآل، أمير لا يتقن قرأة الفاتحة، أمير الجيش هو أقرأ أفراد الجيش للقرآن وأعمهم بكلام الرحمن.

ثبت فى سنن الترمذى وابن ماجة ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يرسل بعثاً فى سرية ليقتلوا فى سبيل الله، فا ستقرأ أفراد البعث ماذا يحفظون من القرآن، حتى أتى على أحثهم سناً، فقال: ماذا تحفظ، قال: أحفظ سورة البقرة وكذا وكذا، قال: أنت تحفظ سورة البقرة، قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم، أمير أقرأ أفراد الجيش للقرآن،، إمام الصلاة اقرأ المصلين للقرآن.

كما ثبت فى صحيح مسلم عن ابى مسعود الأنصارى رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [يأم القوم أقرأهم لكتاب الله] .

مجلس الشورى ينبغى أن يكون أكثره من القراء من حفظة كلام الله، وممن يتلون كتاب الله.

ص: 24

كما ثبت فى صحيح البخارى عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان أصحاب مجلس الشورى عند عمر، أصحاب مجلس الشورى القرآء سواء كانوا شيوخاً أو شبانا، كل قارىء حفظ القرآن تلاه ودرسه وفهمه وعلمه كان عضواً فى مجلس الشورى عند الخليفة وعند أمير المؤمنين، أصحاب مجلس الشورى قرآء القرآن، إذا كثر الموتى والقتلى وأردنا أن ندفن ـ واحد للقبر، نقدم فى الدفن من يحفظ القرآن أكثر.، كما ثبت هذا فى صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عندما قتل فى موقعة أحد سبعون من الصحابة دفن النبى عليه الصلاة والسلام فى كل قبر اثنين و، ـ الصحابة، فكان إذا أراد أن يقدم واحد منهما فى اللحد وفى القبر يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن، فإذا أشير فى ذلك الى أحدهما قدمه من باب الإكرام لا أكثر.

كان سلفنا يجعل القرآن مهراً للزواج، كما ثبت فى صحيح البخارى وغيره أنكحتكها بما معك من القرآن.....

هذا كلام الله جل وعلا كان له هذه المنزلة عند السلف الصالح، والسبب فى هذا، وفى كون قارىء القرآن له هذه المنزلة، أن قارىء القرآن عندما يتلوا كلام الله ويفهم كلام الله، ويعلم كلام الله ينكسر الى الله ويصبح من أهله.

كما ثبت فى سنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمى بسند حسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [إن لله أهلين منّا إن لله أهلين من الناس، لله أهل فينا، ولله أهل منا، قالوا: من أهل الله فينا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.

وقد ضمن ربنا جل وعلا أن من صرف وقته فى قرأة القرآن وفى حفظه ومدارسته وفهمه، أن يعطيه أفضل ما يعطى السائل، وان يتولى أموره من حيث لا يحتسب.

ص: 25

كما ثبت فى سنن الترمذى والدارمى بسند حسن بشواهده، والحديث قد حسنه الإمام الترمذى عن ابى سعيد الخدرى رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى [من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين] ..، فإذا كان ذاك يقول: يارب أرزقنى، ويرزقه الله، وأنت ما سألت الرزق والعافية وتيسير الأمور والنجاح، إنشغلت بكلام الله، فالله سيعطيك أفضل ما يعطى السائل [من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين] ، هذا هو الخير الذى يحصله تالى القرآن وقارىء القرآن فى هذه الحياة، وأما الإماتة فحدث ولاحرج، لأنه سيأتى الى ربه وهو من أهله فسيكرمه إكرام لا يخطر ببال.

وثبت فى صحيح مسلم عن ابى أمامة الدارمى رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [اقرأوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه] .

وثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن ابى داود والترمذى بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [يقال لقارىء القرآن يوم القيامة اقرأ وارقى ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها] .

أثر عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: عدد درج الجنة كعدد آي القرآن، فكلما حفظ الإنسان آية رقى درجة تلاها حفظها فهمها، قام بحدودها يرقى درجة عند الله جل وعلا [يقال لقارىء القرآن يوم القيامة اقرأ وارقى ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها] .

ص: 26

إخوتى الكرام: الحديث ما زال له بقيه فى هذه المقدمة، وما أريد أن يطول المجلس عن الساعة والنصف ــ سأكمل هذه المقدمة، الأمر ألأول فيها منزلة كلم اله وأثره فى عباد الله، وأتعرض إذا ـ إن شاء الله ـ الطريقة القويمة لتفسير القرآن الكريم فى الدرس القادم إن أحيانا الله، ونسأله إن توفانا أن يتوفانا على الإيمان، وإن أمد فى حياتنا أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكون راضيا عنا إنه أرحم الراحمين سيأتى التفصيل على هذا النمط ـ إن شاء الله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 27