الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علامات صدق النبي (2)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
قلت: بل يزيدون.
السؤال السادس: قال فهل يرتد أحد منهم سَخطةً سُخطة بفتح السين وضمها، سخطة، أى كراهية لدينه، هل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه سخطاً لدينه؟ كراهية له وعدم محبة فيه بعد أن يدخل فيه، أحد ارتد من الصحابة، قلت: لا، وإنما قال سخطةً ليخرج لنا الإكراه وإذا أكره الإنسان على الكفر كما حصل من عمار بن ياسر {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} ، فكونه كفر من باب الإكراه ليتخلص من القتل وقال فى الإسلام قولاً منكرا هذا لا إثم عليه ولا يعتبر أنه كره الإسلام وخرج منه، إنما يريد هو كره الإسلام، بعد أن دخل قال " هذا دين عفن دين باطل لا قيمة له، وجد أحد من الصحابة قال هذا، أما أنه أكره، أو ترك الإسلام من أجل عرض دنيا ما نتحدث عن هذا، أسألك أحد كره الإسلام بعد دخوله وقال فيه منقصة، قلت: لا.
فسأله السؤال السابع: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، هذا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام الذى ادعى أنه نبى فيكم، قبل أن يدعى النبوة أحد منكم ينقل عنه كذبا وتتهمونه بذلك؟ وانظر إلى كلام هرقل ودقة احتياطه ما قال: هل كان يكذب؟، إنما قال: هل تتهمونه؟ لأنه إذا انتفت التهمة فالكذب منفى من باب أولى، لكن قد ينفى الكذب لا يكذب وهم يتهمونه، أنتم عنكم شك فى صدقه، لا أقول يكذب هذا مفروغ منه إذا كلن نبياً لن يكذب، لكن أنتم عندكم كان شك فيه، هم كانزا يسمونه بالصادق الأمين فداه أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه، هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.
السؤال الثامن: فقال هرقل: فهل يغدر؟، إنتبه لقول أبى سفيان وما استطاع أن يضيف شيئاً من البهتان إلا فى هذه الجمل، قلت: لا، ونحن منه فى مدة أى فى صلح،، الآن صلح الحديبة وضع فى الحرب عشرة سنين بينهم وبين النبى الأمين عليه الصلاة والسلام ثم غدروا ففتحت مكة بعد سنتين فى العام الثامن، هذا لغدرهم، قلت: لا ونحن منه فى مدة، لا ندرى ما هو فاعل فيها، يعنى هل سيغدر الآن أم لا، لاندرى، وإنما قال أبو سفيان هذا لأنه الآن بإمكانه أن يقول هذا لأنه مستقبل وهو غيب ولا أحد يقول له تكذب أو تصدق، يقول: فما التفت إلىّ هرقل عندما ذكرتها، يعنى يعلم أنها كذبة، لكن لن يقول له: إنك كذاب، ما يوجد دليل، يعنى المستقبل هل سيغدر أم لا؟ ما نعلم، أنتم تعلمون قطعاً أنه لا يغدر، هل يغدر؟ قلت: لا ما غدر لكن نحن منه فى مدة صلح لا ندرى ما فاعل فيها، سيغدر أم لا لا ندرى، فما انتبه ولا التفت إليها هرقل ويعلم أن هذا غاية ما فى وسع أبى سفيان أن يزيده، قال أبو سقيان: ولن يمكنى كلمة أدخل فى كلامى غير هذه، لماذا؟ لأن هنا عنده مبرر، كما قلنا أمر سيقع فى المستقبل وهو غيب، وما يستطيع أحد قيول له تكذب لن يغدر هذا علمه عند الله، فلكن هرقل عرف المراد أرض عنه ووجه إليه السؤال التاسع.
السؤال التاسع: قال: هل قاتلتوه؟ قلت: نعم، لا زلنا فىالسؤال التاسع، قال: كيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ننال منه وبينال منا، نال منا فى موقعة بدر ونلنا منه فى موقعة أحد، هذا من حيث الظاهر لكن أى نصر حصل للمشركين فى موقعة أحد، كما قال لهم المشركون فى مكة: لا محمد قتلتم عليه الصلاة والسلام ولا الكواعب أردفتم ما أتيتم ولا بسرية ولا بمؤمنة من أجل أن نلهو وأن نعبث بعرضها، لا محمد قتلتم ولا الكواعب أردفتم ولا المغانم أحرزتم بأى نصر، يعنى فقط حصل من المسلمين ما حصل من مخالفة أمرهم للنبى عليه الصلاة والسلام أن أصيبوا فقتل منهم سبعون لكن ولى أبو سفيان ومعه الأدبار بعد النصر هذا نصر؟ طيب المدينة أمامك مفتوحة أدخل واستأصل خضراء المسلمين ولا تترك منهم ديارا، اما أنكط جئت يعنى فى معركة هكذا ساعات أثبت رجولة وهربت، يعنى كما يقال: اضرب واهرب هذه ليست شجاعة، الأصل اضرب واثبت، أما اضرب واهرب هذه ليست شجاعة، فلكن من حيث الظاهر هى نصر، يعنى من حيث الظاهر قتلوا سبعين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، هذا من حيث الظاهر، لكن أى نصر يعنى المنتصر يهرب هذا ما حد سمعها، لعله فى هذه الأيام نصر الناس أشنع من نصر المشركين فى يعنى موقعة أحد أشنه تراه يذبح تؤخذ منه بلاده ويقول انتصرنا، كيف انتصرنا؟ يقول: حررنا إرادة الإنسان العربى، ما شاء الله على هذا النصر، ذبح وأخذت البلاد وهتكت الأعراض وما بقى بعد هذا الذل ذل، يقول: نحن فى نصر، ما نصرك؟ حررنا إرادة الإنسان العربى وقفنا أمام أكبر دولة، ما شاء الله على هذا الوقف، على هذه الوقفة التى يقفها الناس فى هذه الأيام، وهكذا المشركون لكن أولئك من حيث الظاهر أحرزوا نصراً يسيراً ثم هربوا، وهذا ليس بنصر، النصر كان نبينا عليه الصلاة والسلام إذا حارب قوماً وانتصر عليهم يقيم ثلاثة، لا يفارق المكان ثلاثة أيام، ثم يعود إلى المدينة المنورة على نبينا صلوات
الله وسلامه، هذه هى الرجولة، انتصرنا عليكم بإمكانكم أن تستأنفوا القتال وأن يأتيكم مدد فنحن رجال ننتظركم، أنتم انتصرنا عليكم وهربتم، خلاص ماذا نعمل؟ نحن حصلنا المراد، هذه هى الرجولة وهذا هو النصر وهذا هو الحرب، فقال: هل قاتلتموه، قلت: نعم، قال: كيف كان قتالكم إياه، قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، من السجل وهى الدلو والزنوب العظيمة، كأنه يريد أن يجعل المقتتلين كالمستقيين الذين يستقيان من البئر، أنا أستقى دلواً وأنت دلوا، وهنا مرة أنا أنتصر ومرة أنت تنتصر، الحرب بيننا وبينه سجال، كأننا نستقى من بئر نحن دلو وهو دلو، هذا من حيث الظاهر كما قلت، تركه هرقل يعنى من حيث الظاهر انتصروا فى موقعة أحد، ختام الأسئلة وهو العاشر.
السؤال العاشر: قال: بماذا يأمركم؟ وفى هذا دليل على أن النبى لابد من أن يأمر لأنه مبلغ عن الله جل وعلا، وما يأتى نبى لا يامر ولا ينهى فأى فائدة من نبوته؟، بماذا يأمركم؟، قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما كان يعبد آباءكم ويأمرنا بالصلاة والصدق، وفى رواية بدل الصدق والصدقة، وفى رواية جمع بين الأمور الثلاثة، بالصلاة والصدق والزكاة، والعفاف وصلة الأرحام، إذاً اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والصدقة التى هى الزكاة والعفاف وصلة الأرحام.
هذه عشرة أسئلة وهرقل هو شيخ النصارى وسيأتينا كان أسقفى، سقفا، أى من أساقفتم، ورؤساءهم فى الدين مع كونه حاكما وهو نصرانى عدو للإسلام والمسلمين، سأل هذه الأسئلة، انظروا لجوابه، وللشهادة التى أنطق الله بها هذا الكافر كيف شهد لنبينا عليه الصلاة والسلام بعد أن سأل هذه الأسئلة ولم يرى النبى عليه الصلاة والسلام، فقال لترجمانه: قل له سألتك عن نسبه فيكم، فذكرت أنه ذو نسب وكذلك الرسل تعبث فى نسب قومها، أى تبعث من الأسر الشرسفة الكريمة، لأنه لو كان نسبه نازلا، ليس عليه منقصة عند الله، لكن يحقر عند أهل الأرض، فلألا يكون فى النبى مطعن كما تقدم معنا فى خلقه وخلقه يختار ويكون خياراً من خيار من خيار، على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث فى نسب قومها.
السؤال الثانى: وسألتك هل قال هذا القول أحد قط قبله، فذكرت أن لا فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله لكان يتأسى يأتسى، يعنى يقتدى بقول قيل قبله، يعنى لو هذا فاشى فيكم ومنتشر وكل سنتين واحدمنكم يدعى النبوة، لقلنا هذا على شاكلة المنبئين الكذابين، فالأمر ليس بغريب عليه، أما أنتم ما تعلمون أحداً ادعى النبوة ولا الرسالة، إذاً هذا أوحى إليه فهو حق وصدق وليس هذا من باب تقليد المتقدمين،
وسألتك، هل كان فى آباءه من ملك، مَلِك، مَن مَلَك، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان فى آباءه ملك لكان يطلب ملك أبيه، جاء ليتشرف عليكم ويتسود فادعى النبوة والرسالة.
وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاءهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، ولذلك قال قوم نوح لنبى الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، كما حكى الله عنهم هذا فى سورة هود {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين. أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم. فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} ، من فضل: فى الغنى والجذى واليسار والثروة والمال {
…
وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} ، إذاً اتبعت الذين هم أراذلنا من أول وهلة، وهذا الذى عيروا به نبى الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وجعلوه من المنفرات عن اتباعه هو فى الحقيقة من موجبات اتباعه لأنه عندنا أغنياء متغطرسون أهل جبروت وعلو، وعندنا مساكين مهتدون، عندما يأتى الحق ليس بين الضعفاء ولا بين أعل القلوب الطاهرة من مانع يمنعهم من اتباع الحق، وأما اؤلئك يقول: إذا اتبعنا الحق ذهب عزنا ذهب ملكنا، يطلب كمنا بعد ذلك مساعدة للفقراء كل هذه تعتبر من الموانع، وهى موانع مصطنعة، أما إذا كانت النفس طاهرة وليس عندها مانع بعد ذلك من هذه الموانع والحواجز الدنيوية وبلغتها دعوة الحق هذا دين الفطرة، تهتدى به بلا توقف.
وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون فى ازدياد، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم.
وسألتك: لا إله إلا الله، هلى يرتد أحدمنهم لسخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حينما تخالط بشاشته القلوب، القلوب مفعول به، تخالط بشاشة الإيمان القلوب، لا يسخطه أحد أى حلاوة الإيمان إذا دخلت إلى قلب الإنسان لا يسخطه، وضبط وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، لا إله إلا الله، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلب، بشاشة القلوب، فإذاً هنا، هناك تخالط بشاشته القلوب، يعنى حلاوة الإيمان تخالط القلوب وأما هنا نور القلب انشراح الصدر يخالط الإيمان ويسكن فيه على التمام، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب،،وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، يخالط بشاشة القلوب، لا سخطه أحد.
ثم قال له وهو الآن السؤال السابع أليس كذلك، السابع، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد كنت أعرف أنه لن يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، يعنى لبس فيكم عمراً طويلا، {فقد لبثت فيكم عمر من قبله أفلا تعقلون} ، أربعين سنة وما جربتم عليه كذباً قط، هل يليق بهذا الصادق الأمين عليه صلوات الله وسلامه أن يترك الكذب على الناس ثم يكذب على رب الناس، هذا لا يمكن أن يصدق بحال من.
وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وأما تلك، ونحن منه فى مدة هذه ما التفت لها ولا يمكن أن نحكم عليها لا بصحة ولا ببطلان إذا نهملها والمستقبل يكشف عنها، هل سيغدر أم لا؟ هذا المستقبل يكشفه، فهل يغدر؟ قلت: لا، وكذلك الرسل لا تغدر، لما لا يغدر الرسل؟ لأنهم لا يريدون بدعوتهم الدنيا، فلا يمكن أن يجرى منهم غدر على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
والأمرالثامن إخوتى الكرام: سألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، قلنا ما ذكره أبو سفيان باطل وبهتان، عندما قال: ونحن منه فى مدة أى صلح لا ندرى ما هو فاعل فيها، هذا كذب، والتنقيص على قسمين، تنقيص حقيقى أن يقول: يغدر وهنا يفتضح ويكذب، وتنقيص نسبى، وهو أن يقول يتوقع منه الغدر فى المستقبل ولا نعلم، والأصل لو كان صادقاً فى كلامه لقال كما أنه لم يغدر فى السابق لن يغدر فى الاحق، بقى معنا بعد دعوى النبوة ثلاثة عشر سنة فى مكةوستة سنوات فى المدينة، تسعة عشر سنة ما رأينا منه غدراً، فلا يمكن أن يغدر بعد ذلك انتهى، لكن هذه هى معادن الكفار الأشرار فى كل وقت، إذا أمكنه أن يؤذى مسلما أمكنه آذاه بما يستطيع، يعنى هو ليس بإمكنه أن يكذب كذباً صريحا من أجل أن يفتضح ويكشف، وإذا ظهر هرقل بعد ذلك على حقيقة أمره بطش به وقتله، إذا هو غاية ما عنده أنه يكذب فى أمر مستقبل لا يعلم فى هذا الوقت يعنى حقيقته، نفوض الأمر لا ندرى ما هو فاعل، فى الحقيقة يقصد التحقير لكن تحقير نسبى ليس حقيقى، والأصل أن يقول: ما غدر ولن يغدر، وهكذا كما قلت حال الكفار، إذا ما أمكن أن يقتلك يطأ على ظلك {لا يألونكم خبالا ودّو ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواهم وما تخفى صدورهم أكبر} ، يغدر لا لكن نحن منه فى مدة لا ندرى ما هو فاعل فيها.
الأمر التاسع: لا إله إلا الله، وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قاتلتموه وأن الحرب بينكم وبينه سجال، قال هرقل: وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، انتصرتم فى أحد وقتلتم من قتلتم هذا ليحصل التمحيص وليميز الله الخبيث من الطيب وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، الرسل يبتلون ويؤذن، لكن فى النهاية ثم تكون لهم العاقية.
وسألتك: ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم تعبدوا الله وحده لا شريك له وان تتركوا ما يعبد آباءكم ويأمركم بالصلاة والصدق والصدقة والعفاف والصلة، وهذه صفة نبى، لا يأمر بهذه الأمور إلا نبى، وفى رواية قال: إن كان ما تقول حقا، ما ذكرته لا كذب فيه فإنه نبى، هذا كلام هرقل، علامات لابد منها، هنا علامات تتعلق بعدة أمور بنسبه باصحابه بدعوته، وكما قلت سأفصل الكلام على واحدة من هذه الأمور فى موعظة، أقرأ لكم الحديث إخوتى الكرام فله بعد ذلك تكملة فى بيان حال هرقل ومصيره وإلى أى شىء صار، وكما قلت الحديث فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى وهو فى أعلى درجات الصحة.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، جماعة ثلاثين أو عشرين ـ وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ ـ وقلت كانوا فى ذلك الوقت فى مدينة غزة ـ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، (ماد: صالح وهادن وعاهد، وكان هذا فى صلح الحديبة فى العام السادس على أن تترك الحرب بين المشركين ونبينا الأمين عليه الصلاة والسلام والمؤمنين عشرسنين، ثم نكسوا ففتحت مكة فى العام الثامن) ـ فَأَتَوْهُ (أى لهرقل، لا إله إلا الله) فأتوه وَهُمْ (إذا أن أباسفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه فى ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام فى المدة التى كان رسول صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه (أى إلى هرقل) وهم بِإِيلِيَاءَ (وهى بيت المقدس) فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ (البطارقة والقسس) ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.
فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ (لتُرجمانه) قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا (يأثُروا) عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لَا. قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ (مَلِكٌ، مَن مَلَكَ) قُلْتُ لَا. قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لَا. قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لَا. قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.
قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، (وكأن أبا سفيان يقول يعنى وترك ما عليه الآباء صعب عندنا وعندكم يا معشر النصارى فأتانا بشىء مردود، كيف نترك ما عليه الأباء، لا إله إلا الله) وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ (وقلت لكم فى بعض الروايات بالصلاة والصدقة والزكاة وفى بعضها والزكاة والصدق، واجمعوا بينها يصبح بالصلاةوالصدق والعفاف والصدقة والصلة) . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ (فى هذه الرواية هنا تقديم وتأخير فى الأجوبة والأجوبة رتبتها لكم على حسب الأسئلة كما هى من روايات صحيح البخارى ومسلم عليهم جميعاً رحمه الله.
فقال للترجمان قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي (يتأسى) بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ (سُخطة لدينه) بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وحده، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.
إنتبه ماذكر أمر الجهاد هنا، وأنهم ينالون منه وينال منهم، ما ذكر هذا هنا، وهو وارد فى روايات البخارى عندما قال له: وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، هذا ثابت فى الصحيحين، لكن فى هذه الرواية ما ورد، وهنا بعد ماذا يأمركم عقب على هذا السؤال العاشر، قال: هذه صفة نبى، إن كان ما تقول حقا فهو نبى، ثم قال هرقل: فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ، (هذه البلاد ستكون فى نهاية الأمر وهى بلاد الشام بيت المقدس وبلاد الشام كلها ستكون ملكاً للإسلام، إن كان ما تقول حقا، هذا نبى وسيظهره الله على أهل الأرض) وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، (حسب ما عندنا فى الكتب السابقة من الإنجيل والتوراة) لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، (يا معشر العرب وأنتم الآن ستفوقون بهذه المرتبة) فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ (بضم اللام، أى أصل إليه وأقترب منه وأكون عنده) أنى أخلص إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، (أى لتكلفت وتحملت الصعوبات من أجل الوصول إليه) وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ.
(وفى رواية لقبلت رأسه وغسلت عن قدميه) ثُمَّ دَعَا (أى هرقل) بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، (وعظيم بصرى هو أمير ورئيس حوران، وهى مدينة فى بادية الشام قرب الشام، دمشق) ، ثم دعابِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أى هرقل) الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ (بعثه النبى عليه الصلاة والسلام مع الصحابى دحية، دحية الكلبى، وكان جبريل على نبينا عليه صلوات الله وسلامه كثيراً ما يأتى فى صورة دحية، بعث النبى عليه الصلاة والسلام بكتاب إلى عظيم بصرى أآ إلى ملكها وأميرها.، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ (فعظيم بصرى حول الكتاب إلى هرقل لأنه هو صاحب المملكة العامة وهو المسئول عن الأمراء) فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ (ويقال: هِرْقِل) عَظِيمِ الرُّومِ. سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، (ليس فيه تحية لكافر ولا بدء له بسلام، إنما فى ذلك إخبار أن من تبعى الهدى فله من الله السلام والأمان ومنا كذلك) سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (إذا لم يتبع عليه إثم عظيم كما سيأتينا فى نهاية الرسالة) أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ، (أى بالدعوة التى بعثت بها، وهى أن تسلم لله جل وعلا) أَسْلِمْ تَسْلَمْ، (وليت هرقل وعى هذا وعلم أنه إذا أسلم سيسلم فى دنياه وفى أخرته ولن يمس بسوء، لكن الخبيث ظن بملكه وآثر الدنيا على الأخرة) يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، (لما؟ لأمرين اثنين، لأنك آمنت بالنبى السابق ثم آمنت بالنبى اللاحق.
وقد ثبت فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى وابن ماجة والحديث فى أعلى مراتب الصحة من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل من أهل كتاب آمن بنبيه ثم آمن بى على نبينا صلوات الله وسلامه، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها وأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران أجر التربية والتعليم والعتق ثم الزواج بها عندما جعلها حرة وسترها عن طريق النكاح الذى أحله الله، هؤلاء يؤتون أجرهم مرتين،) يؤتك الله أجرك مرتين، والأمر الثانى إذا أسلمت الرعية ستتبعك فلك أجرك وأجورهم، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ (بفتح الهمزة ويقال: الإرسيين، ويقال: اليراسين، ومعناه الأكار وهو الفلاح المزارع، اسمه الأرسيين واليراسين الإرّسيين الفلاح المزارع، بمعنى العامى، يعنى عليك إثم رعيتك الذين يتبعونك وغالب الرعية أهل فلاحة وزراعة وعامة هذا غالب الرعية، وخواصك وبطارقتك هؤلاء يشاركون فى الوزر تحمل أنت يعنى ومن معك إثمكم وإثم هؤلاء الأرسيين، الإرسيين واليراسين.
{قل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَا نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، (يعنى من قرأة الكتاب الذى بعث به دحية إلى هرقل عظيم الروم) وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، (يعنى الضجيج والكلام والمجادلة من هؤلاء البطارقة والقسس وخواص أصحابه) وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، (قيل أخرجوا يا معشر العرب عندنا ما يشغلنا عنكم الآن أخرجوا) ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ (أمِر أى بلغ وعظم) أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، (يعنى نبينا عليه الصلاة والسلام، وكانوا يعيرونه بهذا الوصف، وهذه كنية قيل لبعض أجداده من أمه وقيل من أبيه وقيل من مرضعته حليمة السعدية، إذاَ يكنى بأبى كبشة، فإذاً كانوا ينسبونه إليه قيل للإحتقار والتصغير، يعنى إنُّ هذا الذى جده البعيد يكنى أبى كبشة صار له شأن وملك الروم هرقل يخافه، قيل أبو كبشة رجل كان من قبيلة خزاعة لا يعبد صنماً معينا وهى الشعرى التى كانوا يعبدونها فكان كل من لا يعبد هذا الصنم أو ينحرف عن عادة من عادات الجاهلية يقولون هذا حاله كحال أبى كبشة، وهذا كأنه على طريقته وإبن له، والعلم عند الله) .
لقد أمِرَ (يعنى بلغ وعظم وصار أمر (يعنى شأن) ابن أبى كبشة (يعنى بينا عليه الصلاة والسلام إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ (ملك الروم هرقل يخاف هذا اليتيم الذى طردناه من مكة وهو فى المدينة على نبينا صلوات الله وسلامه) . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلَامَ (يعنى زال اليقين، فى العبارة إشكال، مَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلَامَ، ما هو التقدير؟ فأظهرت يقينى وجهرت به ما زلت موقناً حتى أظهر علىّ الإسلام، ليس يعنى بطل اليقين، إنما أظهرته، هذا اليقين الذى كان فى قلبى وانا موقن أن الله سيظهر النبى عليه الصلاة والسلام، كان مكتوما فلما أسلمت أظهرت هذا اليقين. قال: وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ (لأن هرقل كانت مركز ملكه ومملكته فى حمص من بلاد الشام، ووكان على إيلياء ابن الناطور، وهنا عظيم بصرى أمير أخر، وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل سُقُفًّا (سُقِفا أُسقُفّا أُسْقٌفَا، وهى معناها العالم الذى له شأن فى النصرانية، كما يقال: شيخ إمام، سُقُفاً عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، (يعنى هرقل وابن الناطور أمرآء وعلماء فى النصرانية) يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ (على ابن الناطور فى بيت المقدس) أَصْبَحَ يَوْمًا (يعنى هرقل) خَبِيثَ النَّفْسِ، (يعنى استيقظ ونفسه يعنى كئيبة حزينة) فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ.
قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً (بالزاى ليس بالذال، والحزّاء هو الذى ينظر فى النجوم ويزعم أنه يستدل بها على المغيبات، وقيل الحزاء هو صاحب الفراسة،) وكان هرقا حزاء يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، (وضبط مُلْكُ الخِتان قد ظهر، ملكهم يعنى حكمهم، ملك الختان من سيملكهم قد ظهر وسينتشر سلطانه فى هذه الحياة، سيملك الناس فى هذه الحياة من يأمر أتباعه بالختان، والنصارى لا يختتنون عليهم لعنات الحى القيوم، بل ولا يستنجون.
اختصم مرة نصرانيان وهذه النكت اللطيفة التى تذكر فى أحوال النصارى، إختصم نصرانيان، فمد يده إلى مؤخرته أحدهما وهو من القسس وأخذ قطعة من القلق التى يكون يعنى من الغائط اليابس فى مؤخرته كما يكون فى الغنم وضرب بها خصمه، فقال له: آه، يعنى كدت أن تشق رأسى، قال: ضربتك بالرطبة، لو ضربتك باليابسة لقلعت رأسك، هذا حالهم لا يختتنون ولا يستنجون، لا إله إلا الله.
هذا يقول: إنى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان، ليس مَلَكَ، مَلِك، يعنى الذى سيملكهم، يملك أمة تختتن، مَلِكَ الختان قد ظهر، مُلْكَ الختان قد ظهر، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَاّ الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ (من أهم يعنى لا تغتم ولا تنزعج) وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ (لألا يكون لهم الملك) . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذا وصل متعددون، بصرى وهنا ابن الناطور، ملك غسان يرسشلون الخبر إلى هرقل وأنه أتتنا كتب من رسول صلى الله عليه وسلم، وقد انتشر أمره وأنت الملك الأعظم فى المملكة النصرانية فماذا عندك؟) أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ (أرسل برجل هذا الرجل جاء من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، بخبر إلى ملك غسان، فأرسله إلى هرقل ليستفسر منه ويسأله عن أحوال النبى عليه الصلاة والسلام، فلما استخبره هرقل، قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا (هذا الذى من هذا النبى عليه الصلاة والسلام هذا الرسول الذى جاء لملك غسان وأرسله إلى هرقل يختتن؟ إكشفوا عن مئزره وانظروا إلى سوءته. فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ. فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.
ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، (وذاك أيضاً عظيم من عظماء الروم، وهو أيضاً أسقف على النصارى كهرقل، مع أنه أيضاً حاكم) وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، (يعنى يسأله هل عندك خبر عن هذا النبى عليه الصلاة والسلام، وهل هذا وقت ظهوره؟) وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، (إلى مكان مملكته) فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ (يصل إليها، يستقر فيها) حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ (صاحب رومية) يُوَافِقُ رَأْىَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ (أذِن من الإذن بمعنى الترخيص، أو آذن هرقل، أعلم ودعى) لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ (والدسكرة هى القصر الذى حوله يعنى سور واسع، يقال له دسكرة، قصر وحوله سور واسع عالى مشرف، وهذه الدسكرة قصر حصين لا يمكن أن يدخل إليه من فى السور إذا كانت الأبواب مغلقة) فأذن هرقل لعظمار الروم فى دسكرة لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا.
(وفى رواية فتتابعوا) هَذَا النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ (هو أدخلهم فى السور وأغلق باب الدسكرة) ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَىَّ. وَقَالَ إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ، (أى فيما يتعلق بهذه القصة، لكن حياته إمتدت وقاتل المسلمين فى العام الثامن للهجرة فى موقعة مؤتة بألفى مقاتل، وقاتل بعد ذلك وجهز جيشاً كبيراً ليقتل النبى عليه الصلاة والسلام فى غزوة تبوك فى العام العاشر، وكتب له النبى عليه الصلاة والسلام كتاباً يدعوه إلى الإيمان وكاد أن يؤمن ثم لم يؤمن، وكتب للنبى صلى الله عليه وسلم كتاباً فقال: أسلمت، فقال النبى: كذب عدو الله على نبينا صلوات الله وسلامه، إنه على نصرانيته، ثم قيل: امتدت حياته لعهد أبى بكر وعمر، ثم زال ملكه فى عهد عمر عندما فتحت بلاد الشام فى العام السادس للهجرة بعد هذا الكتاب بعشر سنين بقيادة أبى عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين، وكان ذلك فى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.
ما يتعلق بهرقل بعد ذلك وحال إيمانه، أترك الكلام عليه لأول الأتية إن أحيانا الله وأكمل بعد ذلك العلامات والكلام عليها وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم اغفر لأباءنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.