الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصف الحوريات
في محكم الآيات (1)
(لقاء ديني)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
وصف الحوريات في محكم الآيات (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد إخوتى الكرام..
ما زلنا نتدارس مقاصد النكاح وحكمه العامة وقلت إن مقاصده خمسة.
أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية.
وثانيها: إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية.
وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه وعن طريق نفقته ومساعدته المالية لصاحبه.
ورابع: الحكم تذكر لذة الآخرة.
وآخرها: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وقرابته وعشيرته.
وكنا نتدارس الحكمة الرابعة إخوتى الكرام ألا وهى تذكر لذة الآخرة فى هذا النكاح الذى أحله الله وشرعه فى هذه الحياة وبينت فيما تقدم أن أعظم المشتهيات الحسية عند المخلوقات فى هذه الحياة شهوة الجنس فهى ألذ اللذائذ عند البشر وهذه اللذة التى يقدمونها على ما عداها من المشتهيات من اللذائذ المحسوسات هذه اللذة مع أنها تقدم كما تقدم معنا فيها مكدرات وآفات فإذا كانت النفس تتعلق بهذه اللذة مع ما فيها ن كدر ونقص فينبغى أن تتعلق بهذه اللذة فى الدار الآخرة إذا لم يكن فيها شائبة ولا عكر ولا كدر ولذلك إخوتى الكرام سنتدارس فى هذه الموعظة وصف النساء الطاهرات اللائى يكن فى جنة رب الأرض والسماوات من المؤمنات ومن الحوريات المباركات وهذه المدارسة كما سيأتينا تحرك هممنا لطلب ما عند ربنا جل وعلا نعم إن المؤمن يتذكر ما يكون فى الجنة من نعيم حسى من مطاعم ومشارب ومناكح لكن أعظم نعيم عنده فهو الذى ينبغى ألا يغيب عن باله طرفة عين هو رضوان الله جل وعلا عليه فى هذه الحياة وهكذا بعد الممات ثم التنعم بلذة النظر إلى وجهه الكريم فى جنات النعيم نسأل الله أن يمنه علينا بذلك أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وما عدا هذا أيضا فهو من فضل الله الذى تفضل به علينا فى هذه الحياة وفى نعيم الجنات من مآكل ومشارب ومناكح لكن هذا دون رضوان الله علينا ودون تطلعنا إلى التمتع بالنظر إلى نور وجه ربنا سبحانه وتعالى نعم تلك نعم كما قلت تتطلع هممنا إلينا وتتعلق نفوسنا بها لكن نضع كل شىء فى الموضع ولذلك كان كثير من الصالحين يعرض عليهم فى نومهم الحور العين ويرون هذا وهذا وقع لعدد كثير من أئمتنا بل بعضهم أنشدته زوجته الحورية أبياتا من الشعر وهو نائم فحفظها ونقلها إلينا وهذا مدون فى تراجم كثير من أئمتنا.
فمن هؤلاء العباد الصالحين الطيبين أبو سليمان الدارانى وكنت ذكرت فى المواعظ السابقة أنه توفى سنة خمس ومائتين للهجرة أو سنة خمس عشرة ومائتين للهجرة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أبو سليمان الدارانى يقول تلميذه أحمد ابن أبى الحوارى وكان يلقب بريحانة الشام وهو ثقة زاهد خير صالح فاضل تلميذ أبى سليمان الدارانى وقد خرج حديث الإمام أبو داود فى سننه والإمام ابن ماجة فى سننه وتوفى هذا العبد الصالح أحمد ابن أبى الحوارى سنة ست وأربعين ومائتين للهجرة يقول دخلت على شيخى أبى سليمان عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الرحمن فرأيته فى منتهى السرور يبتسم وهو بمفرده وعليه مظاهر البهجة والفرح فقلت ما الذى حصل أيها الشيخ الكريم قال أخبرك بشرط أن تكتم عنى هذا فلا تخبر به أحدا إلا بعد موتى وكما قلت أبو سليمان توفى سنة خمس أو خمس عشرة ومائتين وأما تلميذه وعاش بعده يعنى قرابة أربعين سنة عاش بعده إلى سنة ست وأربعين مائتين يقول هذه القصة لا تخبر بها ما دمتم حيا ماذا قال كنت نائما بعد الظهر فى القيلولة وإذا بحورية أجمل من الشمس وأبهى من القمر تقول لى يا أبا سليمان تخطبنى وتنام وأنا أربى لك فى الخدر منذ خمسمائة سنة يقول أبو سليمان فوالله ما زال عذوبة حديثها وكلامها فى أذنى إلى الساعة فأنا استحضر هذه اللذة هذه البهجة من هذه الحورية الجميلة القانتة الخيرة الطيبة الكريمة فلذلك ترى على أثر هذه البهجة أبا سليمان تخطبنى ثم تنام نعم كما قلت نتذكر هذا لكن نضع كل شىء فى موضعه ولذلك عندما قال أحمد ابن أبى الحوارى وهذه القصص كلها إخوتى الكرام مذكورة فى حلية الأولياء فى ترجمته فى الجزء التاسع صفحة تسع وخمسين ومائتين فما بعدها يقول أحمد ابن أبى الحوارى قلت لأبى سليمان الدارانى إن الإنسان إذا ذكر الدنيا يعنى وبدأ يفكر فيها تذكر النساء قال لأنها ألذ شهوات الدنيا فقلت له وإذا ذكر الآخرة ذكر الحوريات قال ينبغى أن يقصر نفسه عن
ذلك وأن يفكر فيما هو أعظم منه كأنه يقول لا يسترسل فى البحث فى النعيم الحسى من المطاعم والمشارب والمناكح فى الجنة هناك ما هو أعظم فى الجنة رضوان الله النظر إلى نور وجهه الكريم سبحانه وتعالى يعنى لا يجعل همته أنه يريد فى الجنة أن يأكل ويشرب وأن يتمتع يعنى بالحسان من الحوريات والمؤمنات الطاهرات قال لا ينبغى أن يقصر همته وأن يفكر فيما هو أعظم من ذلك وأبو سليمان من أئمتنا الربانين الكرام وهو الذى يقول أصل كل خير فى الدنيا والآخرة الخوف من الله وكان يقول لكل شىء علم وعلم الخذلان ترك البكاء من خشية الرحمن عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا.
والإمام الجنيد جاء بعده وتوفى سنة سبع وتسعين ومائتين للهجرة يقول شىء بلغنى عن أبى سليمان استحسنته وهو يقول الإمام الدارانى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا من اشتغل بنفسه شغل عن غيره ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن غيره حقيقة إذا بحثت فى أمر نفسك وفى عيوبك وكيف ستخلص نفسك من الرعونات والآفات تشتغل عن المخلوقات وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وإذا فكرت بعد ذلك فى حقوق الله عليك يعنى حقوق النفس يعنى لا حظوظها وشهواتها تسلو عنها وتعطيها بمقدار وتقوم بحق الله عليك وتسلو بعد ذلك عن مشتهيات النفس وعن الكلام فى الغير ومن اشتغل بالله شغل عن نفسه وعن غيره عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إذن هذا عبد صالح يرى حورية فى النوم تقول له أربى لك فى الخدر منذ خمسمائة سنة.
وهكذا قصة أخرى ذكرها أئمتنا فى ترجمة العبد الصالح الأواه منصور ابن عمار وهو من الوعاظ الأبرار فهو ضعيف فى الرواية لكنه صالح تقى نقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول الإمام الذهبى فى ترجمته فى السير فى الجزء التاسع صفحة ثلاث وتسعين كان عديم النظير فى الموعظة والتذكير وسبب ذلك كما فى تاريخ بغداد أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم فتفل نبينا عليه الصلاة والسلام فى فم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أى فى فم المنصور ابن عمار فما كان فى زمنه أوعظ منه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا منصور ابن عمار عديم النظير كان عديم النظير فى الوعظ والتذكير ونبينا عليه الصلاة والسلام يتفل يبصق فى فيه فى نومه رأى النبى عليه الصلاة والسلام فى النوم فتفل فى فيه فآتاه الله الحكمة وحلاوة التذكير منصور ابن عمار رفعت إليه رقعة مكتوب فيها من قبل بعض تلاميذه فى مجالس وعظه كما فى حلية الأولياء فى الجزء التاسع صفحة ست وعشرين وثلاثمائة ومنصور ابن عمار توفى يعنى فى قرابة سنة ماتين للهجرة ما حددت سنة وفاته الإمام الذهبى يقول توفى فى قرابة سنة ماتين للهجرة فى هذا الحدود قبلها بعدها بقليل المقصود فى آخر القرن الثانى منصور ابن عمار رفعت إليه رقعة مكتوب فيها من قبل بعض أصحابه يقول له اهتديت على يديك وبعد أن هدانى الله وشرح صدرى للحق نذرت أن أقرأ ثلاثين ختمة لأجل أن تكون مهرا لحورية فلا يقولن قائل هذا بدعة وهذا يحتاج إلى نص لا بدعة ولا يحتاج إلى نص هذا يأمل ويرجو من الله يقول يا رب أنا أريد أن أقرأ ثلاثين ختمة من كلامك أريد أن أقرأ ثلاثين ختمة لكلامك لكتابك وأسألك أن تجعل هذا نهرا لحورية مما عندك أريد أن أقدم لها مهرا أن أقرأ كلامك من أوله لآخره الذى أنزلته علينا ثلاثين مرة فأكمل هذا العبد الصالح يقول لشيخه منصور ابن عمار تسعا وعشرين ختمة ثم نام بعدها يريد أن يستأنف الثلاثين قال فرأى الحورية وهو
أجمل ما رآه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ثم قالت له تخطبنى ولا تكمل المهر وتنام أى ختمة الأخيرة التى هى الثلاثين ثم أنشدته بيتين من الشعر هما فى حلية الأولياء كما قلت:
أتخطب وسنى وعنى تنام
…
ونوم المحبين عنا حرام
لأنا خلقنا لكل امرىء
…
كثير الصلاة براه الصيام
أتخطب وسنى وعنى تنام هذا من إنشاد الحورية فى النوم فضبط هذا العبد الصالح هذين البيتين وحدث بهما شيخه فى هذه الرقعة وما سمى نفسه كعادة أئمتنا كما قال أبو سليمان لتلميذه أحمد ابن أبى الحوارى لا تخبر بهذا إلا بعد موتى وهذا يقول لشيخه أنا رأيت كذا وما سمى نفسه لكن الشيخ ينقل هذا فيما قرأه من الرقعة على أصحابه كما فى حلية الأولياء.
نعم إخوتى الكرام: إذا تطلع الإنسان إلى ما عند الرحمن فى غرف الجنان ينبغى أن يبذل لذلك ثمنا وأن يقوم بما يكافىء بعد ذلك حسب ما فى وسعه ولذلك عجيب لأمر الجنة ولأمر النار أن الجنة نام طالبها وأن النار نام هاربها وليس ذلك شأن الراغب الطالب ولا شأن الخائف الهارب فالهارب لا ينام والطالب لا ينام فعجيب أمر الجنة وأمر النيران.
عجبت للجنة نام طالبها
…
وعجبت للنار نام هاربها
ولذلك إخوتى الكرام عندما نطلب ما عند الله من الخير العظيم من الحوريات الحسان ومن غيرهن مما أعد الله لأوليائه الكرام فى غرف الجنان ينبغى أن نبذل لذلك ثمنا وأن نقوم بطاعة الله حسب ما فى وسعنا وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ما رأى مثل الجنة ومثل النار ومثل من يطلب الجنة ومثل من يهرب من النار فهذه سلعة غالية نام من يرغب فيها وتلك عذاب وأنكال نام من يهرب عنها والحديث رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط وهو فى مجمع الزوائد فى مكانين فى الجزء العاشر صفحة ثلاثين ومائتين وقال إسناده حسن وذكره فى صفحة اثنتى عشرة وأربعمائة ورواه أبو نعيم فى كتاب صفة الجنة صفحة سبع وخمسين.
والحديث كما قلت لكم إخوتى الكرام يقول الهيثمى إسناده حسن وأقره على ذلك الإمام المناوى فى فيض القدير فى الجزء الخامس صفحة ست وأربعين وأربعمائة ولفظ الحديث عن أنس رضى الله عنه وأرضاه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها لأن هذا أمر عجب شىء نفيس ثم طالبه ينام عنه وهناك شىء خبيث الهارب منه ينام من هرب من سبع مفترس وراء شجرة ينام قطعا لا وهكذا إذا كان يعنى فى طريق سفر يريد أن يصل إلى محبوب معتبر لا ينام لا يعتريه نوم فى الطريق يواصل السير ليصل إلى محبوبه وهنا جنة عظيمة تنام عنها نار وخيمة تنام عنها ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها وهذا الحديث الذى هو من رواية أنس رضى الله عنه وأرضاه روى أيضا من رواية ثلاثة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من رواية أبى هريرة ومن رواية عمر ابن الخطاب ومن رواية كليب ابن حزم أما رواية أبى هريرة فقد رواها الإمام الترمذى فى سننه وأبو نعيم فى حلية الأولياء وأبو نعيم أيضا فى كتاب صفة الجنة والكتابان له ورواها شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك فى كتابه الزهد والبغوى فى شرح السنة والإمام القضاعى فى مسند الشهاب هذه رواية أبى هريرة باللفظ المتقدم ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها والحديث كما قلت روى أيضا من رواية سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين فى كتاب تاريخ جرجان للإمام السهمى صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وأعاده فى صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة ورواه كما قلت الطبرانى فى الأوسط والطبرانى فى معجمه الكبير كما فى مجمع الزوائد فى المكان المشار إليه آنفا فى الجزء العاشر صفحة ثلاثين ومائتين وقلت من رواية كليب ابن حزم وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وضبط كليب ابن جزى قال الحافظ فى الإصابة وهذا تصحيف.
وضبط كليب ابن جرز بالجيم بدل حرى بالراء بدل الزاى وبدل الميم زاى جرز كليب ابن جرز كليب ابن جزى كليب ابن حزم الضبط الصحيح أولها وهو كليب ابن حزم وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وفى الإسناد إسناد الرواية الأخيرة يعلى الأشدق وعندكم فى المجمع لو نظرتم معلى ابن الأشدق وهذا خطأ وقد أتعبنى غاية التعب فى لفظ معلى لأنى راجعت كتب التراجم فى حرف الميم ما رووا ما ذكروا المعلى ابن الأشدق فى الضعفاء لا فى المغنى ولا فى اللسان ولا الميزان ولا فى غير ذلك ثم يعنى خلال البحث قلت لعله يوجد تصحيف فى الاسم انظر فى يعلى الحمد لله الذى ألهمنى نظرت بعد ذلك فى يعلى ابن الأشدق أورده أئمتنا لم يرو له أحد من أهل الكتب الستة لكنه متروك كما قال الحافظ ابن حجر فى الإصابة وهكذا فى لسان الميزان وحكم عليه الإمام الهيثمى بأنه ضعيف جدا يعلى ابن الأشدق وهذا الحديث الذى هو من رواية كليب ابن حزم رواه الطبرانى فى الأوسط كما قلت وفى معجمه الكبير ورواه ابن منده والبغوى وابن قانع وابن شاهين وهو بمعنى الروايات الثلاثة المتقدمة وفيه اطلبوا الجنة جهدكم والأثر ذكره الإمام المنذرى أيضا فى الترغيب والترهيب وصدره بلفظ روى للإشارة إلى ضعفه اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها بمعنى الروايات الثلاثة المتقدمة، المتقدمة كما قلت من رواية أنس وأبى هريرة وعمر رضى الله عنهم أجمعين ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها وأما هنا اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها انظروا الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وخمسين وأربعمائة ذكر هذه الرواية وعزاها إلى الطبرانى وقلت لكم أخرجها مع الطبرانى ابن مندة والبغوى ابن قانع وابن شاهين كما فى الإصابة فى الجزء الثالث صفحة ست وثلاثمائة فى ترجمة
كليب ابن حزم رضى الله عنهم أجمعين.
نعم إخوتى الكرام من طلب الجنة ينبغى ألا ينام إلا بمقدار الضرورة ومن هرب من النار ينبغى ألا ينام بمقدار الضرورة هذا بما يتعلق بالنوم والنوم فيه راحة للبدن وليس فيه ارتكاب سيئات يعنى خلاص الجوارح أخذت إجازة فى الحركة فكيف إذا كنت مستيقظا وأنت تهيم فى كل واد من أودية الكلام المنكر حقيقة إن الأمر أشنع وأشنع يعنى لا ينبغى أن تنام إلا بمقدار ما يحتاج الجسم ثم تتغرغ لطلب الجنة والهلاب من النار إذا كنت مستيقظا تضيع الأوقات هذا هو الشقاء ولذلك إخوتى الكرام يعنى لا بد من بذل مهر لهؤلاء الحوريات الحسان ما أعلم ما عندنا يؤهلنا للخطبة نسأل الله أن يتوب علينا والإنسان على نفسه بصيرة والله ليس حالنا حال من يطلب الجنة وليس حالنا حال من يهرب من النار ونسأل الله أن يجبر كسرنا وأن يعفو عن تقصيرنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
إخوتى الكرام: تقدم معنا وصف عام بأننا فى الآخرة لا يشابه ما فى الدنيا إلا فى الأسماء وفى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتقدم معنا شىء مما يكون من النعيم العظيم فى الجنات بعد هذا الترغيب العام لما يكون فى غرف الجنان سنستعرض إن شاء الله ونتدارس وصف النساء الحسان اللائى يكن فى تلك الغرف فى غرف الجنان وكيف يكون التمتع بهن على وجه التمام حسبما ورد فى القرآن وفى أحادبيث نبينا عليه الصلاة والسلام.
أما آيات القرآن فاستمع إلى وصف النساء الطيبات الطاهرات المطهرات فى الجنة أخبرنا الله جل وعلا فى كتابه أن الحوريات أن نساء الجنات مطهرات من كل آفات مطهرات من كل الآفات الظاهرات والخفيات الحسيات والمعنويات أزواج مطهرة ليس فيها عيب لا فى خلقها ولا فى خلقها لا فى ظاهرها ولا فى سرها حقيقة مثل هذه يتنافس العقلاء فى تحصيلها وقد أشار الله إلى هذا الوصف أنهن مطهرات فى كثير من الآيات فاستمع إلى تقرير هذا من كلام رب الأرض والسماوات ثم نتدارس معنى التطهير فيهن إن شاء الله.
قال الله جل وعلا فى سورة البقرة (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) مطهرات فى الخلق وفى الخلق ومطهرة كما قال أئمتنا فى كتب اللغة أبغ من طاهرة فذلك يفيد التكثير لطهارتهن على وجه الكمال والتمام ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون وتقدم معنا الإشارة إلى أن هذه الآية هى أعظم ما عيب به نساء الدنيا كما قال الإمام ابن الجوزى فى كتاب صيد الخاطر وقلت إن نساء الدنيا يناسبن رجال الدنيا ولذلك فى الآخرة الرجال فى صورة الكمال.
وهكذا النساء فى صورة الكمال لكن هنا نساؤنا على قدرنا ونحن على قدرهن ولا يظلم ربك أحدا سبحانه وتعالى ولهم فيها أزواج مطهرة حسا ومعنى خلقا وخلقا وهم فيها خالدون هذا النعيم الكامل التام لا يخرجون منها وهم فيها خالدون وهذا المعنى أشار إليه ربنا جل وعلا فى سورة آل عمران أيضا فقال جل وعلا زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد أزواج مطهرة كما تقدم معنا فى سورة البقرة أزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد وهذا المعنى أشار إليه ربنا أيضا فى سورة النساء فى سورة البقرة وآل عمران والنساء على الترتيب فقال جل وعلا (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما) ، (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) .
إذن النساء فى الآخرة فى جنة الله فى دار كرامته مطهرات وهذه الطهارة شاملة كما قلت للطهارة حسا وللطهارة معنى.
أما الطهارة الحسية فلا عيب فيهن فى ظاهرهن فى أبدانهن فى خلقتهن فى صورهن بوجه من الوجوه هن على أكمل صورة وأحلاها وأبهاها وأجملها وأفضلها فاستمع إلى وصف الله لنساء الجنة لأشكالهن لصورهن لحسن خلقهن قال جل وعلا فى كتابه واصفا نساء الجنة بأنهن حور عين ذكر هذا فى كثير من آيات القرآن الكريم فقال جل وعلا فى سورة الدخان (إن المتقين فى مقام أمين فى جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين) .
إن المتقين فى مقام أمين المقام إخوتى الكرام هو مكان المكان والمنزل فى مقام أمين أى فى منزل آمن كريم فى مقام فى غرف الجنان بجوار ذى الجلال والإكرام وقرأ المدنيان نافع وأبو جعفر يزيد ابن القعقاع وابن عامر الشامى فى مقام مقام مقام ومقام من الإقامة إقامة ومقام إذن إن المتقين فى مقام فى إقامة كريمة هناك فى مقام فى مكان آمن فى مقام فى إقامة دائمة لا يخرجون منها وهذا فى مقام أمين يعدل قول الله هم فيها خالدون تماما مقام يعنى إقامة وإقامة دائمة واجمع بين القراءتين هم يمكثون فى ذلك المكان الطيب الآمن الكريم على سبيل الخلود والتأبيد لا يفارقونه ولا يبغون عنه حولا إن المتقين فى مقام فى مكان يمكثون فيه إقامة دائمة لا يخرجون منه فى مقام إقامة مقام فى مقام مكان وصف بأنه آمن إن المتقين فى مقام أمين ثم أخبرنا ربنا عما يفيض عليهم من النعيم العظيم فقال يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يأتينا شرح هذا الوصف بعد أن أذكر بعض الآيات التى فيها نظير هذا وأن نساء الجنة حور عين كمال حسى كمال خلقى هذا المعنى قرره ربنا العزيز الغفور فى سورة الطور أيضا فقال جل وعلا (إن المتقين فى جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين) أنكحناهم حورا صفتهن أنها بيضاء جميلة وهذا أنكحناهن نساء صفتهن أنها جميلة بيضاء فيها حور ثم واسعة العينين مليحة العينين كذلك وزوجناهم بحور عين إن المتقين فى جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم.
قوله فاكهين فيها إشارة لطيفة كما قال أئمتنا فى كتب التفسير حاصلها أن الله أخبر عما يقدم إلى أهل الجنة بأنه فاكهة والمقصود منه التفكه مع أنه قدم لهم اللحم كما يقدم لهم الفاكهة فاكهين بما آتاهم ربهم ويقدم لهم ضمن الجنة نعم مختلفة الأنواع وليست كلها فاكهة لم أخبر الله جل وعلا عن جميع ما يقدم بأنه فاكهة قال لأن المقصود منه ليس المقصود من أكل الطعام فى الجنة حفظ البدن وقوت البدن وقوة البدن إنما يؤكل للتلذذ فقط كما تأكل أنت الفاكهة فى هذه الحياة فبعد أن تأكل وتشبع تأكل الفاكهة لم قوتا أو تلذذا؟ تلذذا جميع طعام أهل الجنة من لحم الطير وغيره كله حكمه حكم الفاكهة تماما يؤكل للتلذذ والتنعم لا لحفظ البدن من التلف فأبدانهم حفظها الله من التلف وصانها من الفناء فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الحجيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور بعين.
وهكذا يذكر الله نظير هذه الصفة أيضا مثل هذه الصفة فى سورة الواقعة فيقول جل وعلا فى أوائل السورة (والسابقون والسابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة) الموضونة هى المنسوجة منسوجة بخيوط الذهب والفضة على سرر موضونة منسوجة قضبانها ذهب وفضة على سرر موضونة فليست السرر كسرر هذه الحياة إما من خشب وإما من حديد وإما بعد ذلك من هزازات يعنى بعد فترة تراها نزلت من هنا أو من هناك على سرر موضونة منسوجة كما قلت بقضبان الذهب والفضة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون ومحل الشاهد وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون وحور عين.
إذن هذه الطهارة فى نساء الجنة شاملة للطهارة الحسية والمعنوية الطهارة الحسية كمال فليس فى خلقهن دنس ولا عيب ولا نقص ولا آفة هن كما أخبر الله حور عين أما الحور فهى جمع حوراء كما أن جمع الحوراء حوريات حور حوريات حوراء حوريات حور وحوريات جمع لحوراء فالمفرد حوراء جمعها حور جمعها حوريات حور جمع حوراء حوريات جمع حوراء إذن الحور جمع حوراء والحور معناه فى لغة العرب البياض أى شكلهن على أتم الأشكال وهو البياض الذى يميل إلى شىء من الصفرة كما قال الله كأنهن بيض مكنون بيض النعام يميل إلى الصفرة وهذا أحسن ما يكون فى منظر النساء بياض لأنه إذا كان شديد البياض يشابه البرص إنما يميل إلى صفرة فهذا أحلى ما يكون من وصف النساء وهذا الذى يكون عليه نساء أهل الجنة من المؤمنات الطاهرات ومن الحوريات المباركات حور كما قلت جمع حوراء الحور هو البياض ولذلك الأعراب يسمون نساء الأنصار حواريات لبياضهن وتباعدهن عن قشف الأعراب بنظافتهن ومنه قول الشاعر العربى:
فقلت إن الحواريات معطبة
…
إذا تفتلن من تحت الجلابيب
الحوريات تقصد بهن نساء المدن ففيهن جمال يزيد على جمال منهن فى البادية لشدة ما يقاسين من أمور الحياة فالشمس تحرق بشرتهن وألوانهم تتغير وأما هنا لا زالت يعنى فى خدرها وفى بيتها وهى مصونة ولذلك ثبت عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير الحور حور قال جمع حوراء وهى البيضاء ونقل فى تقسير ابن المنذر وغيره عن سيدنا مجاهد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال سميت الحورية بذلك لأنه يحار الطرف فيها يحار أى يدهش الإنسان عندما ينظر إليها لما فيها من جمال وحسن بياض هذا معنى الحور ثم هذا الحور والبياض والجمال الذى فيهن يحار الطرف فيه من عظيم ما خلق الله فيهن وأبدع فيهن من الجمال حور عين قال الإمام ابن القيم فى كتابه روضة المحبين صفحة ثلاث وأربعين ومائتين والعرب تمدح المرأة بالبياض إذا كانت المرأة بيضاء تميل إلى صفرة فى بياضها هذا من أشهى الألوان فى النساء والعرب تمدح المرأة بذلك ثم ذكر قول الشاعر العربى أيضا:
بيض أوانس ما هممن بريبة
…
كظباء مكة صيدهن حرامج
يحسدن من لين الحديث زوانى
…
ويصدهن عن الخمر إسلام
إذن بيض هذا من الصفات الجميلة فى المرأة أن تكون بيضاء وهنا بيضاء كما أخبر الله كأنهن كأمثال الؤلؤ المكنون كأنهن بيض مكنون إذن هذا الجمال الحسى إذن حور جمع حوراء كما أن جمع الحوراء حوريات أى بيضاء والمراد من البياض الذى فيهن أمران.
الأمر الأول: أى الحورية ينبغى أن يكون بدنها من أوله إلى آخره فيه هذه الصفة وهو البياض الذى يميل كما قلت إلى شىء من الصفرة هذا لون البدن ثم لا يطلق عليها حورية إلا إذا اشتد سواد السواد فى عينها وبياض البياض فى عينها فالبياض الذى فى عينها واضح لامع مشرق والسواد الذى فى عينها شديد السواد فلا يقال للحورية حورية إلا إذا كانت بيضاء الجسد ثم فى عينها هذا الحور شدة السواد فى سواد العين وشدة البياض فى بياض العين فالبياض الذى فى العين ناصع أبيض والسواد الذى فى العين أيضا شديد السواد وهذا أجمل ما يكون من وصف العينين عدا عن سعة العينين وملاحتهما البياض مشرق ليس فيه عروق حمر أو زرق أو ما شاكل هذا بحيث تنظر إذا نظرت هناك شىء من التغير فى اللون بياض ناصع كأنه مرآة بياض العين ثم السواد الذى فيها شديد السواد ولذلك قال أئمتنا لا تكون الأدماء حوراء من كانت سمراء لا يقال لها حوراء ولو اشتد بياض البياض فى عينها وسواد السواد فى عينها ينبغى أن يكون أيضا بدنها أبيض فهذا وصف نساء الجنة من المؤمنات الطاهرات ومن الحور الطيبات المباركات حور عين فى بدنها هذه الصفة وفى عينيها هذه الصفة الطيبة المباركة هذه صفة الحور حور كما تقدم معنا عين جمع عيناء وهى عظيمة العينين عظيمة العينين ويستحسن فى المرأة بوصفها امرأة فى الدنيا والآخرة أن تكون عظيمة العينين وكلما كانت كبيرة العينين كلما كان هذا أجمل فيها ولذلك قال أئمتنا أربعة أمور يستحسن أن تكون واسعة فى المرأة عظيمة كلما اتسعت فهذا أجمل فيها سعة جبينها سعة وجهها سعة صدرها سعة عينيها الصدر كلما اتسع حتى فى الذكر والأنثى يدل على انشراح صدر الإنسان وعلى حلمه وعلى عظم قلبه وعلى رجاحة رأيه صدر واسع وهذه من الصفات الخلقية التى إذا وجدت فى الإنسان يدل على تمامه فى الخلق فى الدنيا والآخرة صدر جبين واسع وجه واسع فليس يعنى صغيرة ثم بعد ذلك عينان واسعتان هذه من الصفات
المستحسنة فى المرأة ولذلك أخبر الله عن هذه الصفة فى نساء أهل الجنة فقال حور عين كما قلت جمع عيناء واسعة العينين مليحة العينين حور عين