المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مقدمة التفسير (3) (دروس تفسير)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ١٧

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

مقدمة التفسير (3)

(دروس تفسير)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة التفسير 3

الحمد لله نحمده ونتستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.

{ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] .

وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته رضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}

[آل عمران/102] .

{يا أيها أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] .

إخوتى الكرام..

لازلنا فى مقدمة دروس التفسير التى سنتدارسها عما قريب إن شاء الله وهذه المقدمة التى ستكون مفتاحا لدروس التفسير الآتية قلت تقوم على أمرين وتدور حول أمرين.

ص: 1

الأول: فى منزلة كلام الله جل وعلا وأثره فى الناس وقد مضى الكلام على هذا.

والأمر الثانى: وهو فى بيان طرق التفسير المقبولة المحمودة فى بيان الطريقة المثلى فى تفسير كلام الله جل وعلا وقلت فى الدرس الماضى إن الطريقة المحكمة لتفسير كلام الله الحكيم تقوم على طريقين أيضا.

الطريق الأول: تفسير كلام الله بالمأثور.

والثانى: تفسير كلام الله جل وعلا بالرأى المقبول المبرور.

أما الطريق الأول: وهو تفسير كلام الله جل وعلا عن طريق الأثر والنقل فقلت له أربعة طرق مضى الكلام عليها.

الطريق الأول: تفسير كلام الله بكلام الله.

والطريق الثانى: تفسير كلام الله بحديث رسول صلى الله عليه وسلم.

والطريق الثالث: من طرق التفسير بالمأثور تفسير كلام الله بأقوال الصحابة الكرام رضوان عليهم أجمعين وقلت هذا الطريق الثالث الذى هو تفسير القرآن بأقوال الصحابة له حالتان أقوال الصحابة فى التفسير أقوالهم لها حالتان.

الحالة الأولى: ما يكون لأقوالهم حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك إذا قالوا قولا لا يدرك بالرأى ولم يكن هذا القول مأخوذا عن بنى اسرائيل إذا كان الصحابى يأخذ عنهم وعن أخبار أهل الكتاب وذلك الخبر يحتمل أخذه منهم فإذا قال الصحابى قولا لا يدرك بالرأى ولم يؤخذ عن أهل الكتاب إذا كان يمكن أخذه منهم فله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام.

والحالة الثانية: أقوال الصحابة موقوفة عليهم رضوان الله عليهم أجمعين ليس لهاحكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه.

الحالة الأولى من أقوالهم قلت حكمها حكم ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام والحالة الثانية نأخذ بأقوالهم لاعتبارات ذكرتها فهم أكثرهم عرب خلص شهدوا وقائع التنزيل ولهم من رسوخ القدم فى الإيمان وطهارة الجنان ما ليس لغيرهم من بنى الإنسان فيعول على أقوالهم فى تفسير كلام الرحمن وإن لم يكن لتلك الأقوال حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.

ص: 2

والطريق الرابع: من طرق التفسير بالمأثور تفسير كلام رب العالمين بأقوال التابعين الطيبين الطاهرين عليهم جميعا رحمة الله وقلت أقوال التابعين فى التفسير لها ثلاثة أقوال.

الحالة الأولى: أن يجمعوا على تفسير آية بأن معناها كذا فهذا القول الذى أجمعوا عليه يجب الأخذ به لمحل الإجماع وهذا كما يشمل التابعين يشمل من بعدهم من المسلمين فالإجماع حجة فى جميع العصور وإن كان الإجماع الذى ينضبط ويقع ،يقع فى العصر الأول فى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم وأما بعد ذلك فقد افترقت الأمة واختلفت وقل أن يحصل إجماع إنما الإجماع الذى ينضبط ما كان فى الصدر الأول كما قال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله فى رسالته الواسطية الإجماع الذى ينضبط ما كان فى القرون الأولى وأما بعد ذلك فاختلفت الأمة وتفترقت وتعددت آراؤها ونحلها فقل أن يجمعوا على قول وقل أن يحصل هذا لكن يبقى الحكم أن الإجماع حجة فى جميع العصور فإذا أجمعوا على قول فى تفسير الآية فلا بد من الأخذ به لمحل الإجماع وذكرت لهذا أمثلة منها إذا كان بعضكم يستحضر شيئا مثالا لهذه الحالة فيكم من يستحضر تفسيرا أجمع عليه التابعون فيجب الأخذ به لمحل الإجماع نعم يا أخى الكريم بأى شىء فسروها وأجمع التابعون على ذلك وعلمه فى كل مكان فتفسير المعية هنا بأن المراد منها معية العلم والإحاطة والاطلاع هذا مما أجمع عليه التابعون.

يقول الأوزاعى كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه بائن من خلقه علمه فى كل مكان فالمعية بالذات مستحيلة وليست المعية هنا معية خاصة لتكون معية تأييد ونصر وتوفيق فإذن هى معية عامة بمعنى الإحاطة والاطلاع والمراقبة والمشاهدة والعلم وعدم خفاء شىء عن الله جل وعلا.

ص: 3

قلت وفى الآية قرينة إلى هذا أن الله أفتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم {ألم تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولاأكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملو يوم القيامة إن الله بكل شىء عليم} سبحانه وتعالى.

والحالة الثانية: من أقوال التابعين فى تفسير كلام رب العالمين مما لم يجمعوا عليه إنما قالوا قولا لا يدرك بالرأى وفيه الإحترازات المتقدمة فى تفسير الصحابة إذا كان لا يدرك بالرأى قولا لا يدرك بالرأى ولم يعرف التابعى بالأخذ عن بنى إسرائيل إذا كان ذلك الخبر محتمل أخذه من أهل الكتاب وليس طريق التفسير اللغة فإذا قال التابعى قولا فى التفسير بهذا المحترزات فله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام

لكن تقدم معنا مرفوع الصحابى متصل ومرفوع التابعى مرسل فلذلك إذا قالوا قولا فله حكم لا يدرك بالرأى بهذه المحترزات التى ذكرتها لها حكم الرفع المرسل إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهل يقبل فى التفسير؟ قلت هذا الذى له حكم الرفع من أقوالهم له حالتان.

الحالة الأولى: يقبل باتفاق أئمة الإسلام إذا تعزز بمرسل آخر أوكان قائلهم من أئمة التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة كسعيد بن الجبير وغيره رضى الله عنهم أجمعين فهنا يؤخذ بكلام هذا التابعى فى تفسير كلام الله جل وعلا.

والحالة الثانية: أن لا يتعزز بمرسل آخر وأن لايكون هذا التابعى من أئمة التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة كالأعمش مثلا أوكغيره فإذا قال قولا فى تفسير كلام الله جل وعلا هذا القول الذى نقل عن الأعمش عن الحسن البصرى فى تفسير كلام الله جل وعلا ولا يدرك بالرأى وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يتعزز بمرسل.

ص: 4

وقلت ليس هو ممن أخذ التفسير عن الصحابة هل يقبل أم لا؟ قلت احتج به الجمهور أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد والشافعى عليه رحمة الله له شروط فى قبول المرسل فلا يقبل مرسل التابعى فى هذه الحالة.

وكنت فصلت الكلام على هذا فيما مضى إذن أقوال التابعين التى هى لها حكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه إن كانت أقوالهم معززة بمرسل آخر أو كان القائل من أئمة التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة يقبل مرسلهم وإلا فجرى خلاف بين أئمة الإسلام هل يقبل أم لا؟

والجمهور إلى القبول لأن عصر التابعين لم يفش فيه الكذب ولأنه من المستبعد غاية البعد أن يقول التابعى الثقة الإمام الصالح القانت قولا لا يدرك بالرأى عن طريق التخرس والظن والحسبان فإذا قال قولا لا يدرك بالرأى فإذن هذا أخذه عن صحابى آخر لم يصرح بذلك لاعتبارات خاصة الله أعلم بها وقرنهم خير القرون بعد قرن الصحابة بشهادة النبى عليه الصلاة والسلام كما ثبت فى الصحيح [خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم] فعصر الصحابة والتابعين وتابعيهم خير قرون هذه الأمة وهم القرون المفضلة بشهادة النبى عليه الصلاة والسلام فإذن يقبل قوله عند الجمهور.

الحالة الثالثة: من أقوالهم ليس لأقوالهم حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام فهل نأخذ بأقوالهم هنا فى التفسير أم لا؟ قلت هذا الذى أيضا جرى حوله نزاع فى هذه الحالة فسفيان الثورى عليه رحمة الله وعددا من أئمة الإسلام قالوا يؤخذ بقول التابعى فى هذه الحالة.

وكان سفيان الثورى يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد عليهم جميعا رحمة الله فحسبك به وذهب بعض أئمة الإسلام لعدم الإحتجاج بأقوال التابعين فى هذه الحالة أقوالهم كأقوال غيرهم.

ص: 5

قال شعبة بن الحجاج عليه رحمة الله أقوال التابعين ليست حجة فى الفروع فكيف تكون حجة فى الأصول أى لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم ولذلك إذا اختلفوا أو لم يرتض الإنسان قول تابعى فى تفسير الآية وذهب إلى قول آخر فلا مانع أن يعول على لغة العرب فى بيان كلام معنى الرب جل وعلا وأن يرجع إلى العمومات لبيان معنى الآية لأن أقوال التابعين فى هذه الحالة كأقوال غيرهم لكن النفس مع ذلك تميل إلى تقديم كلام التابعين مما ليس لأقوالهم حكم الرفع على أقوال من جاء بعدهم فمثلا لهذه الحالة الأخيرة.

يقول الله جل وعلا فى كتابه: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون *من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الآية فى سورة الصافات {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} .

أزواجهم قال الحسن البصرى أزواجهم يعنى المشركات أى يحشر الزوج وزوجته إن كانت مشركة احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أى المشركات ففسر الأزواج هنا بالزوجات وهذا متى يكون إذا كانت على دين زوجها لتخرج الزو جة المؤمنة إذا كان زوجها كافرا كحال مثلا فرعون وزوجه {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} قال أى المشركات

وقال قتادة: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أى أشباههم وأشياعهم أتباعهم {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أشياعهم أى أتباعهم من تبعوهم وساروا على طريقهم.

هذا المنقول عن التابعين ليس له حكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه ولذلك ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم والأثر ثابت عن عمر رضي الله عنه فى المستدرك وغيره بسند صحيح على شرط مسلم وأقره عليه الذهبى والأثر عزاه الحافظ ابن حجر فى المطالب العالية فى زوائد المسانيد الثمانية لابن منيع وقال إسناده صحيح {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أى أمثالهم من كان على شاكلتهم.

ص: 6

فحكمة الله تقتضى بأن يقرن ويجمع بين المتماثلين فالخبيث مع الخبيث والطيب مع الطيب {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أى أشباههم وأمثالهم ممن كان ظالم فهؤلاء يجمعون ويقيدون ويصفدون ويلقون فى النار.

{احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون *من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} ولذلك كان أئمتنا يستدلون بعموم هذه الآية إلى شىء آخر فكان كثير منهم يحذر أخذ وظيفة أو منصب يبعده عن صفة العلماء كما هو الحال فى ابن جرير فى شيخ أئمة التفسير بلا نزاع المتوفى سنة ثلاثمائة وعشرة عليه رحمة الله الإمام ابن جرير عرض عليه القضاء فأبى فلامه أصحابه وتلاميذه وقالوا تحيى به السنن وتميت به البدع فبكى عليه رحمة الله وقال كنت أخشى إذا قبلت القضاء أن تلومونى فإذا رفضت القضاء صرتم تلومونى قالوا وعلام يا إمام قال أما بلغكم أن القضاة يحشرون مع الأمراء وأن العلماء يحشرون مع الأنبياء أتريدون أن أحشر مع الأمراء عليه رحمة الله {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} .

فبما أن ذاك من فصيلة الحكم يحشر مع الحكام بعد ذلك يفكه عدله أو يوبقه جوره وأما العلماء فهؤلاء مع الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} فتريدون منى أن أحشر مع الأمراء ولا أحشر مع الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه.

كانوا يستدلون بعموم هذه الآية على ما هو أوسع من هذا كل صنف يحشر مع صنفه وكل شكل يجمع إلى شكله ففصيلة القضاة الحكام فى مكان فصيلة الأنبياء وأتباعهم العلماء فى مكان فكانوا يستدلون بعموم هذه الآية على هذا الأمر وهذه حكمة الله تقتضى بأن يجمع بين المتماثلين وأن يفرق بين المختلفين المتباينين فإذن أقوال التابعين فى الحالة الثالثة مما ليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام يستأنس بها ولا تكون حجة على غيرهم.

ص: 7

إخوتى الكرام: إلى هنا وصلنا فى الدرس الماضى هذه الطريقة فى تفسير كلام الله وهى تفسير القرآن بالمأثور طريقة سديدة ليس فيها شىء من المحذور وكيف يكون فيها محذور والتفسير فيها عن طريق المأثور تفسير القرآن بالقرآن تفسير القرآن بالسنة بأقوال الصحابة الطيبين والتابعين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين كيف يكون هناك محذور.

لكن قد يقع أحيانا توهم وشىء من القصور فى أذهان بعض الناس فى هذا النوع من أنواع التفسير وهذا المحذور وهذا القصور له وجهان واعتباران ذكرهما الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله فى مقدمة التفسير فانتبهوا لهما إخوتى الكرام.

الأمر الأول: قد يرد تفسير بالمأثور وذلك التفسير الوارد هو تفسير للعام ببعض أفراده تفسير للعام ببعض أنواعه على سبيل التمثيل وعلى سبيل التوضيح وعلى سبيل ما يدخل فى ذلك العام لا على سبيل الحصر بأن المراد من هذا العام فرد من أفراده ونوع من أنواعه فيتوهم بعض الناس أن ذلك العام الذى ثبت تفسيره بالمأثور بفرد من أفراده ونوع من أنواعه.

أن هذا النوع هو المراد دون ما عداه فينبغى أن يحذر هذا طالب العلم عام ورد تفسيره فى التفسير بالمأثور من السنة أو أقوال الصحابة والتابعين ببعض أفراده وهذا الذى ورد لا على سبيل الحصر إنما على سبيل المثال فهو نوع يدخل فى ذلك العام فانتبه لهذا ولا تقصر عموم ذلك اللفظ على هذا التفسير.

ص: 8

مثال هذا ماثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى بسند حسن عن عدى ابن حاتم رضى الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال [اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون] ففسر نبينا عليه الصلاة والسلام قول ربنا جل وعلا: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} باليهود والنصارى فاليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال هذا من باب تفسير العام لنوع من أنواعه ومن باب التمثيل لما يدخل فى هذا العام لكن يعنى بذلك القصر لا فكل من اتصف بالانحراف عن العلم وتحريف كلام الله عن مواضعه فهو مغضوب عليه كحال العلماء الفجرة الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا من هذه الأمة والأمم السابقة وكل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مهتد ومصيب وهو مأجور والأمر بخلاف ذلك فهو ضال فالمبتدعون فى هذه الأمة العباد الذين عبدوا الله على رأيهم وهواهم حكمهم كحكم الضالين من النصارى طريقتهم ضالة والعلماء الفاجرون من هذه الأمة حكمهم كحكم اليهود عليهم غضب الله.

وهذا ما قرره ربنا جل وعلا فى كتابه: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} ، والمقت أعظم أنواع الغضب فالعالم عندما يحرف كلام الله ويخلف عمله علمه ويتصف بوصف اليهود هو مغضوب عليه ويدخل فى عموم قول الله:{غير المغضوب عليهم} علم بلا عمل طريقة اليهود عمل بلا علم طريقة النصارى ولذلك من اتصف بأحد هذين الوصفين يدخل فى عموم الآية وليس هذا من باب قصر وحصر الآية فى اليهود والنصارى فكل من عبد الله على حسب رأيه وهواه فهو ضال سواء كان فى الأمم السابقة أو فى هذه الأمة وكل من ضل على علم وانحرف عن العمل بعلمه فهو مغضوب عليه يحرف كلام الله عن مواضعه ويشترى بآيات الله ثمنا قليلا فهذا تفسير العام بنوع من أنواعه وفرد من أفراده.

ص: 9

فإياك أن تقصر ذلك العموم على هذا النوع وأول ما يدخل فى المغضوب عليهم اليهود ويدخل بعد ذلك من سار على طريقتهم ممن علم ولم يعمل وأول ما يدخل فى الضالين فى معنى ذلك اللفظ النصارى ويدخل فى ذلك العموم ويشمل ذلك العموم من عبد الله على حسب رأيه وهواه وعلى حسب بدعته ورأيه ولم يعبد الله على حسب ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فأولئك طريق المغضوب عليهم وهؤلاء ضالون فذلك العموم الذى ورد تفسيره بنوع من أنواعه لاتقصره على هذا النوع هو أشمل من ذلك بكثير ولذلك كان أئمتنا يستدلون بعموم ذلك اللفظ على ما يدخل تحته وأن لم يكن الداخل من هذين الصنفين أى من اليهود والنصارى.

ثبت عن سفيان ابن عيينة عليه رحمة الله أنه قال كان العلماء يقولون من ضل من علمائنا ففيه شبه باليهود زمن ضل من عبادنا ففيه شبه بالنصارى فحصل إذن هنا دخول فى المغضوب عليهم ودخول فى الضالين من غير اليهود والنصارى.

والله جل وعلا يحاسب العباد على حسب أعمالهم فمن كان عالما وضل حكمه وحكم اليهود سواء فالنبي عليه الصلاة والسلام فسر هذا اللفظ غير المغضوب عليهم باليهود لبيان نوع ما يدخل لبيان بعض الأنواع التى تدخل فى هذا اللفظ وأنت بعد ذلك تطبق ما فى هذا النوع من معنى ومافيه من حقيقة ووصف على الأنواع الأخرى وعلى الناس الآخرين إذا وجد فيهم هذا فكل من ضل على علم غضب الله عليه {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير} فضلوا على علم وأولئك عبدوا الله على حسب رأيهم وهواهم فضلوا فهم ضالون وهؤلاء مغضوب عليهم والمغضوب عليهم فيهم صفة الضلال والضالون فيهم صفة الغضب أيضا لكن أخص أوصاف من ضل على علم الغضب كما أن أخص أوصاف من عبد الله على جهل الضلال لكن كل ضال مغضوب عليه وكل مغضوب عليه ضال لكن أخص أوصافه أنه مغضوب عليه وذاك أخص أوصافه أنه ضال.

ص: 10

فالآية تشمل هاتين الأمتين الملعونتين من اليهود والنصارى وتشمل من كان على شاكلتهما ممن ضل على علم أو عبد الله على غير بصيرة {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} هذا النوع الأول تفسير العام ببعض أنواعه بنوع من أنواعه من باب التمثيل لا من باب الحصر فلا تقصر عموم ذلك اللفظ على هذا النوع الثابت فى التفسير بالمأثور.

الأمر الثانى: الذى ينبغى أن ينتبه له طالب العلم لئلا يقع فى التقصير ولئلا يقع فى المحذور نحو التفسير بالمأثور إذا وردت عبارات مختلفة فى التفسير بالمأثور تدل على معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى عبارات مختلفة تدل على معنى فى المسمى هذا المعنى هو غير المعنى الآخر لكن مآل المعنيين إلى شىء واحد فإياك أن تعد تلك الأقوال أقوالا متعددة كلها شىء واحد لكن بعضهم عبر عن ذلك العام بلازمه بنظيره بفرد من أفراده ومآل تلك العبارات إلى شىء واحد فإياك أن تقول اختلف الصحابة أو التابعون أو تعددت أقوالهم فى تفسير هذه الآية إلى عشرة أقوال العشرة كلها قول واحد.

قال الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى تفسير سورة التكاثر {ألهاكم التكاثر} فى آخر السورة {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} يقول فى النعيم الذى نسأل عنه عشرة أقوال عشرة أقوال حكاها عن الصحابة والتابعين هذه الأقوال العشرة هى قول واحد قلنا كل واحد عبر عن معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى فى النهاية تتحد فبعضهم يقول {ثم لتسئلن عن النعيم} عن الماء البرد، نعيم ،عن الظل الذى نتظلل به ،نعيم، عن الكساء ،نعيم، عن الطعام، نعيم، قال بعضهم {ثم لتسئلن عن النعيم} عن محمد عليه الصلاة والسلام وحقيقة هذه أعظم نعمة امتن الله بها علينا سنسأل عن هذه النعمة وهل قمنا بشكر الله عليها وتلقيناها بالقبول أم جحدنا هذه النعمة.

ص: 11

هذه الأقوال الواردة فى تفسير النعيم كماقلت هى من باب ما يدخل فى ذلك اللفظ فأقوال مختلفة متعددة لكن مآلها شىء واحد اختلفت فى اللفظ لكن لا تخرج عن كون هذه الأقوال كلها من النعيم الذى نسأل عنه ولذلك قال الإمام ابن الجوزى فى نهاية الأمر والصحيح أن الآية عام فى كل نعيم أنعم الله به علينا {وما بكم من نعمة فمن الله} وسنسأل عن هذه النعم يوم القيامة وهذا الصحيح يشير إلى أنه تلك الأقوال إذن فيها قصور والواقع لا قصور فى تلك الأقوال لأننى كما قلت أراد السلف أن يوضحوا النعيم والشىء إذا ضرب له المثال يتضح فلو قال النعيم كل ما أنعم الله علينا من نعم حسية أو معنوية سنسأل عنها لكن هذا هو التعريف المطابق لقول الله {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} لكن هذا الكلام يبقى نظريا فيقول {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} ما المراد بالنعيم يقول الماء البارد وذاك يقول ما المراد بالنعيم يقول الخبز.

ما المراد بالنعيم النبى عليه الصلاة والسلام هذا من باب تقريب المعنى لأذهان الناس لأنه بالمثال يتقرب المعنى أى كل ما أنعم به علينا سنسأل عنه فهنا الأقوال متعددة مختلفة من حيث الظاهر لكن مآلها إلى شىء آخر فإياك أن تعد هذه الأقوال أقوالا مستقلة وأن تقول فى الآية عشرة أقوال لا قل معنى النعيم كذا وعبر سلفنا عن بعضهم بلازمه بعضهم نظيره بعضهم بنوع من أنواعه فقالوا كذا وكذا وكذا اثبت أقوالهم بعد أن تبين المعنى المطابق للآية الذى تدل عليه الآية وأما أن تقول فى الآية عشرة أقوال فلا.

ص: 12

مثال آخر قول الله جل وعلا فى سورة الفاتحة {اهدنا الصراط المستقيم} يقول الإمام ابن كثير عليه رحمة الله فى تفسيره اختلفت عبارات السلف والخلف فى بيان الصراط المستقيم الذى أمرنا الله أن نسأله إياه {اهدنا الصراط المستقيم} يقول ومآل تلك العبارات إلى شىء واحد وهو المتابعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام عبادة الله حسبما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا هو حاصل تلك العبارات فإذا عبدت الله حسبما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام وهذا هو مدلول لا إله إلا الله لا معبود بحق سواه محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام تلك العبادة حسبما شرع هذا هو الصراط المستقيم لأنك لو علمت ولم تعمل هذا صراط أهل الجحيم صراط المغضوب عليهم ولو عملت دون علم وبينة وهدى هذا صراط الضالين صراط النصارى الذين لعنهم الله فإذن حاصل تلك الأقوال إلى المتابعة لله ولرسوله والطاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام الله يعبد ورسوله يتبع عليه صلوات الله وسلامه.

لكن تلك الأقوال ما هى ذكرها ابن كثير وغيره من أئمتنا {اهدنا الصراط المستقيم} الإسلام {اهدنا الصراط المستقيم} القرآن طريق الحق طريق السنة والجماعة طريق الشيخين أبى بكر وعمر {اهدنا الصراط المستقيم} .

ص: 13

العلم والعمل وهل بين هذه الأقوال منافاة لا منافاة بينها فلا تقل فلى الصراط المستقيم ستة أقوال عن سلفنا الطيبين هى قول واحد لكن كما قلت من باب المثال ومن باب إيضاح الحال الإسلام الحق طريق القرآن طريق السنة والجماعة طريق الشيخين أبى بكر وعمر العلم النافع والعمل الصالح هذا كله يرجع إلى شىء واحد فالقرآن هو الإسلام والإسلام هو القرآن والحق هو القرآن وطريق الشيخين أبى بكر وعمر هو الإسلام وهو القرآن وطريقة أهل السنة والجماعة ترجع إلى هذا والعلم النافع والعمل الصالح هذا هو ما يأمر به القرآن وهذا هو مدلول القرآن وهذا هو الإسلام أن يعبد الإنسان ربه على بصيرة وبينة فلا منافاة بين هذه الأقوال إذن كل واحد عبر عن معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد تلك المعانى فلا تظن أن تلك التفسيرات الواردة عنهم مختلفة متعددة هى فى المآل شىء واحد فانتبه لهذا ولا تحكى تلك الأقوال أقوالا متعددة أنما هى قول واحد فانتبه له.

مثال على هذ أيضا قول الله جل وعلا: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير *جنات عدن يدخلونها} إلى آخر الآيات.

هؤلاء الأصناف الثلاثة الذين أورثوا هذا القرآن العظيم وأورثوا العمل به وهم من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وفيهم هذه الأصناف الثلاثة ظالم النفسه مقتصد سابق بالخيرات هؤلاء الأصناف الثلاثة نقل عن أئمة السلف عن المفسرين الكرام أقوال فى إيضاح الأصناف الثلاثة هى من باب التمثيل وكل واحد يعبر عن معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد تلك المعانى فى نهاية الأمر فيقول بعضهم الظالم لنفسه هو الذى يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت والمقتصد يصلى فى وسط الوقت والسابق بالخيرات يصلى فى أول الوقت هذا قول من باب التمثيل والتنويع لما يدخل فى هذه الآية من الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات.

ص: 14

ويقول أيضا بعض السلف فى بيان هؤلاء الأصناف الثلاثة يقول الظالم لنفسه هو الذى يمنع الزكاة أو يتعامل بالربا والمقتصد هو الذى يؤدى الزكوات الواجبة ولا يقرب الحرام لا يتعامل بالربا والسابق بالخيرات هو الذى يؤدى الزكاة ويتصدق ولا يقرب الحرام ولا الشبه هذا قول ثان ،قول ثالث فى بيان هؤلاء الأصناف الثلاثة الظالم لنفسه هو الذى يفرط فى صيام الفريضة فى صيام شهر رمضان والمقتصد هو الذى يقتصر على صيام الفريضة والسابق بالخيرات يصوم الفريضة ومعها النوافل هذه الأقوال وما شابهها هل تعتبر أقوالا متعددة؟ مآلها شىء واحد فأنت فى أول الأمر قلت المقتصد هول الذى يحافظ على الواجبات والسابق بالخيرات يضم إليها المستحبات والظالم لنفسه هو الذى يفرط فى ما أوجب الله عليه مثال على هذا قال أئمتنا كذا وكذا فى إيضاح هؤلاء الأصناف الثلاثة فتلك الأقوال لا تعتبر أقوالا متعددة فى التفسير كما قلت هى من باب المثال ومن باب ما يدخل الآية فإياك أن تعد تلك الأقوال أقوالا مستقلة فى تفسير كلام الله جل وعلا لا هى من باب ما تشمله تلك الآيات لكن بعضهم عبر عنه بمثال فى بعض الطاعات وبعضهم بمثال آخر فى طاعة أخرى ومآل تلك الأقوال إلى شىء واحد فلا تعد تلك الأقوال أقوالا متعددة.

ص: 15

إخوتى الكرام: من باب تعليق القلوب بربنا الرحمن سبحانه وتعالى هذه الاية كان شيخنا عليه رحمة الله الشيخ محمد الأمين الشنقيطى يقول هى أرجى آية فى كلام الله جل وعلا وهى فى سورة فاطر: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} إلى آخر الآية يقول هذه أرجى آية فى القرآن والسبب فى هذا حرف واحد فى هذه الآيات وهو فى قول الله يدخلونها هذه الواو التى هى ضمير الفاعلين جنات عدن يدخلونها تعود على الأصناف الثلاثة على الظالم لنفسه وعلى المقتصد وعلى السابق بالخيرات ولذلك كان شيخنا عليه رحمة الله يقول لو قدر الناس هذه الآية لكتبوا هذه الواو بماء العينين {جنات عدن يدخلونها} لكتبوا هذه الواو بماء العينين {جنات عدن يدخلونها} قال الشيخ عليه رحمة الله وإنما بدأ الله بالظالم لئلا يقنط وأخر السابق لئلا يعجب {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير*جنات عدن يدخلونها} الأصناف الثلاثة.

وثبت عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فى تفسير الطبرى أنه خطب على المنبر فقال سابقنا مقرب ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له.

فيقول هذه أرجى آية فى كلام الله جل وعلا وهذه الواو من الظلم أن تكتب بالمداد إنما ينبغى أن تكتب بماء العينين لما فيها من الرجاء لرحمة الله جل وعلا.

ص: 16

إخوتى الكرام: فانتبهوا لهذين الأمرين نحو التفسير بالمأثور إذا ورد قول فى التفسير بالمأثور وهذا القول يفسر العام ببعض أنواعه ولا يريد قصر العام عليه إياك أن تقصره عليه والحالة الثانية وردت أقوال متعددة فى التفسير بالمأثور كل واحد عبر فى قوله عن معنى الآية بلفظ يختلف عن لفظ الآخر ويوجد فى لفظه معنى لا يوجد فى لفظ الآخر مع اتحاد تلك المعانى إن هذا ضرب مثالا فى ما يتعلق بأمر الصلاة وذاك فيما يتعلق بالبيوع وذاك فيما يتعلق بالزكاة مآل تلك الأقوال إلى شىء واحد فلا تعد تلك الأقوال أقوالا متعددة فلا تقل فى النعيم الذى نسأل عنه عشرة أقوال قول واحد {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} كل ما أنعم الله به علينا سنسأل عنه يدخل فى هذا ما ورد عن أئمة السلف فى تفسير كلام الله من باب كما قلنا المثال والنوع لما يدخل فى هذه الآية لا من باب أن هذا القول هو المطابق لذلك اللفظ فيعتبر قولا يخالف الأقوال الأخرى فانتبه لهذا.

إخوتى الكرام: النوع الثانى من أنواع التفسيرو هو التفسير بالرأى المقبول المبرور الأول تفسير بالأثر والنقل والثانى قلنا تفسير بالرأى المعتبر

قبل أن ننتقل إلى هذا يلتحق بالتفسير بالمأثور ما يتعلق بأخبار أهل الكتاب فلا بد من بيانها لأنها تنقل وتؤثر وتروى وليست هى من باب التفسير بالرأى فنذكر الموقف السديد من أخبار أهل الكتاب بعد ان انتهينا من بيان طرق التفسير بالمأثور لأنها ملحقة بها فهى مأثورة ومروية فما موقفنا نحوها؟ إذا نقلت أخبار عن أهل الكتاب تتضمن توضيح وتفصيل أخبار الأنبياء السابقين عليهم صلوات الله وسلامه مع أممهم هل نقبلها أم لا؟ فهذه الأقوال ملحقة بالتفسير بالمأثور فما موقفنا نحوها؟

ص: 17

إخوتى الكرام: ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح البخارى وسنن الترمذى عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص والحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان عن أبى هريرة ورواه الإمام أحمد عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه عن عبد الله ابن عمرو وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى رضي الله عنهم أجمعين والحديث فى صحيح البخارى كما تقدم فى أول التخريج فهو صحيح صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار] الشاهد حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج هذه الجملة الشريفة من حديث نبينا عليه الصلاة والسلام تحتمل خمسة أمور كما وضح هذا الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى الجزء السادس فى صفحة ثمان وتسعين وأربعمائة أولها: وحدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج أى لاضيق عليكم ولا حرج عليكم ولا لوم عليكم فى التحديث عنهم ولما لأنه سبق النهى من النبى عليه الصلاة والسلام عن الحديث عن بنى اسرئيل فنهى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أن يحدثوا عنهم أو يأخذوا منهم ثم بعد ذلك رخص فقال لاضيق عليكم ولا محذور فى أن تحدثوا بعد ذلك عنهم عندما رسخ الحق فى قلوبكم فإذن حدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج ولا حرج فى التحديث عنهم وإن سبق النهى فذلك النهى منسوخ بهذه التوسعة الواردة عن النبى عليه الصلاة والسلام حدثوا بعد أن منعتم من أن تحدثوا عنهم حدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة فى أول الأمر أن يحدثوا عن أهل الكتاب أو يسمعوا منهم.

ص: 18

والنهى ثابت عنه عليه صلوات الله وسلامه وارد فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير ومسند البزار وأبى يعلى والحديث فى درجة الحسن عن عدة من الصحابة الكرام عن عمر ابن الخطاب وعن عبد الله ابن ثابت الأنصارى وعن أبى الدرداء وعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين وخلاصة الحديث أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مر على يهودى من أهل الكتاب ومعه صحيفة من التوراة فنسخها عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ثم ذهب إلى النبى عليه الصلاة والسلام وعرضها عليه وقال نزداد علما إلى علم أى نطلع على أخبار الكتب السابقة مع ما اطلعنا من أخبار هذا القرآن فنزداد علما على علم فغضب النبى عليه الصلاة والسلام من هذا حتى احمر وجهه الشريف عليه الصلاة والسلام فقال عبد الله ابن ثابت لعمر ألا ترى ما فى النبى عليه الصلاة والسلام أى كيف انزعج وتأثر من كلامك فقال عمر ابن الخطاب بعد أن جلس على ركبتيه رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فسرى عن النبى عليه الصلاة والسلام وذهب عنه ما اعتراه من الشدة والكرب والهم والغم عليه صلوات الله وسلامه وورد فى بعض الروايات أن النبى عليه الصلاة والسلام أمر بأن ينادى الصلاة جامعة فقال الأنصار غضب نبيكم غضب نبيكم حتى أمر بأن نجتمع للصلاة من الذى أغضب النبى عليه الصلاة والسلام خذوا أسلحتكم فأخذ الصحابة رضوان الله عليهم أسلحتهم وجاؤوا إلى المسجد فقال النبى عليه الصلاة والسلام لا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون أى لا تتحيروا ونحن على بينة من أمرنا وعلى هدى فى حياتنا وقد أكرمنا الله بهذا القرآن فلا داعى للحيرة ولا لأخذ فائدة من هنا أو هناك {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} لا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون أنتم حظى من الأمم وأنا حظكم من النبيين والذى نفس محمد بيده عليه الصلاة والسلام لو كان موسى حيا وتبعتموه وتركتمونى لضللتم والذى نفس محمد بيده عليه

ص: 19

الصلاة والسلام لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعى.

فإذن نهاهم النبى عليه الصلاة والسلام عن التعويل على أخبار أهل الكتاب وعن استنساخها وعن النظر فيها فى أول الأمر ثم بعد ذلك عندما اطمئن الحق وانشرحت الصدور وصاروا على بينة يميزون بين الطيب والخبيث ولا يخشى عليهم بعد ذلك إذا اطلعوا على أخبار أهل الكتاب قال حدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج وقد أصاب عبد الله ابن عمرو وهو راوى هذا الحديث حدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج زاملتين يوم اليرموك من أخبار أهل الكتاب فكان يحدث بما فيهما وسنأتى لأخبار أهل الكتاب وأحوالها إن شاء الله فكان يحدث أى بما أذن النبى عليه الصلاة والسلام به أن يحدث من أخبارهم وأما الأمر المكذوبة فلا يجوز أن يحدث بها كما سيأتينا ولذلك قال ابن كثير فى مقدمة تفسيره عبد الله ابن عمرو هو راوى هذا الحديث وفهم من النبى عليه الصلاة والسلام.

الإشارة إلى الجواز فلما أصاب زاملتين يوم اليرموك كان يحدث بما فيهما مكان بعض الصحابة رضوان الله عليهم وهكذا بعض التابعين رحمهم الله يتلقون أخبار أهل الكتاب إن من أسلم من الصحابة من أهل الكتاب وصاروا صحابة كرام رضي الله عنهم كعبد الله ابن سلام وغيره أو ممن أسلم من التابعين ككعب الأحبار وغيره رضي الله عنهم أجمعين إذن حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج لامحذور ولاضيق عليكم ولا حجر عليكم فى التحديث عنهم وإن سبق النهى فذلك النهى منسوخ وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحدث عن بنى اسرئيل فى كثير من الليالى بحيث يأخذ حديثه عنهم معظم الليل وكان عليه الصلاة والسلام يحدث عن بنى اسرائيل فى أوقات كثيرة بحيث كان الحديث عنهم يستمر ولا يتركه إلا لفريضة.

ص: 20

ثبت هذا فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى والبزار بسند حسن عن عمران ابن حصين والحديث رواه الإمام أحمد وابن حبان فى صحيحه عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص قال عمران وعبد الله ابن عمرو رضي الله عنهم أجمعين كان النبى عليه الصلاة والسلام يحدثنا عامة ليله عن بنى اسرائيل أى عندما يجلس معنا عليه الصلاة والسلام ويعظنا فى بعض الليالى وكان لا يقوم إلا لعظم صلاة لعظم صلاة قالوا أى لصلاة الفجر لايقطع الحديث عنهم إلا للصلاة العظيمة التى لا ينبغى أن تؤخر وهى صلاة الفريضة كان يحدثنا عامة ليله عن بنى اسرائيل وكان لا يقطع حديثه إلا لعظم صلاة عليه صلوات الله وسلامه أى لصلاة عظيمة وهى صلاة الفريضة ،إذن لا حرج فى التحديث عنهم ولاضيق.

الأمر الثانى: والمعنى الثانى لهذه الجملة الشريفة وهى التى تستنبط فهمها الإمام الطحاوى عليه رحمة الله فى شرح معانى الآثار قال لاحرج فى ترك التحديث عنهم فالنبى عليه الصلاة والسلام قال حدثوا لئلا يفهم من الأمر الوجوب والإلزام أتبعه بقوله ولاحرج أى إن شئتم أن تحدثوا فحدثوا وإذا لم تحدثوا فلاحرج عليكم فالأمر للإباحة لا للاستحباب ومن باب أولى ليس للوجوب ةحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج فى ألا تحدثوا وعلى التقدير الأول ولا حرج فى أن تحدثوا أى إن حدثتم لاحرج عليكم والتقدير الثانى إن لم تحدثوا فلا حرج عليكم أيضا.

والأمر الثالث: ولاحرج أى لا تضيق صدوركم بما تسمعون من الغرائب والعجائب مما فى أحاديثهم فقد وقع فيهم العجائب حدثوا عنهم ولا حرج لاتضيق الصدور ولا تحرج ولا تستغرب ولا يجرى فيها تساؤل كيف وقعت هذه العجائب فقد كان يقع فيهم عجائب حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج لا تستغربوا ولا تضيق تلك الصدور من العجائب التى فى أخبارهم ولا حرج.

ص: 21

المعنى الرابع: ولا حرج أى لاإثم ولا لوم ولا ذم عن حاكى أخبار بنى اسرائيل إذا كان فى حكاياتهم شىء من المستشنعات والألفاظ المستهجنة فمثلا عندما يروى عنهم أنهم يقولون إن المسيح هو ابن الله والعزير هو ابن الله ويصفون بعد ذلك كيفية صلب المسيح كلام يندى له الجبين عندما يقرر الإنسان هذا الكفر المبين الوارد عنهم لا حرج فى ذلك وإن كان هذا مستشنعا ليرد عليه ولا حرج وإن كان فى الحكاية عنهم شىء من الأمور المستشنعة لأجل المصلحة الشرعية.

الأمر الخامس: وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج المراد من بنى اسرائيل أولاد يعقوب خاصة وحدثوا عنهم بما ورد فى القرآن فى سورة يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وحدثوا عن بنى اسرائيل {لقد كان فى يوسف وإخوته آيات للسائلين} ولا حرج عليكم فهذه قصة ثابتة أنزلها الله فى محكم كتابه.

أضعف الأقوال آخرها وأقواها أولها وبقية الأقوال لا مانع من قبولها وهى مقبولة عن أئمتنا الكرام رضوان الله خميعا والإمام ابن حجر بعد أن حكى هذه الأقوال الخمسة ضعف الأخير وقال هذا أبعدها هذا أضعفها وحدثوا عن بنى اسرائيل المراد من بنى اسرائيل خصوص أولاد نبى الله يعقوب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هذا أضعف الأقوال إذن حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج.

أخبار بنى اسرائيل لها ثلاثة أحوال لاتخرج عنها فكل خبر ينبغى أن نضعه فى واحد من هذه الأمور الثلاثة ونطلع على حاله.

إما أن تكون أخبارهم شهد كتابنا وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام بصحتها وصدقها فالإخبار عنهم بما ورد فى كتبهم فى هذه الحالة كما قال الإمام ابن كثير للاستشهاد لا للاعتضاد ليس نقوى ديننا بما ورد عنهم إنما لنوضح فقط.

ص: 22

فمثلا ورد أن بنى الله عيسى على نبينا عليه الصلاة والسلام كان يحيى الموتى هذا وارد فى كتاب الله جل وعلا: {يحيى الموتى بإذن الله} ففى أخبار أهل الكتاب ينقلون هذه الأمور وخاصة يقول كان يطلب منه بنو اسرائيل أن يصنع لهم الخفاش وأن ينفخ فيه الروح ليحيى ويطير الخفاش طائر معروف يطير فى الليل ويختبىء فى النهار لأن نور النهار يؤذيه.

خفافيش أعماها النهار بضؤئه

وصادفها قطع من الليل مظلم

فإذن لا تمشى إلا فى الليل خفاش هذا عجيب لأنه يطير من غير ريش، فأهل الكتاب يقولون فى أخبارهم أنه كان يصنع لهم هذه الخفافيش بكثرة ويطلبونها منه من باب التعنت أى إحياء التمثال ونفخ الروح فيه لأى مخلوق كان عجيب فكيف الحال فى الخفاش هذه أعجب وأعجب يصنع لهم الطين كهيئة الطير بإذن الله ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله كان يطلبون منه أن يصنع لهم الخفاش فيصنع خفاشا طائر يطير من غير ريش يصنعه من الطين ثم ينفخ فيه فيطير بإذن رب العالمين.

إن قالوا لنا هذا كان يحصل لنبى الله عيسى نقول لا حرج وهذا فى كتابنا ما يصدقه كان يصنع من الطين كهيئة الطير بإذن الله فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله عندنا ما يصدق هذا فلا مانع من رواية هذا الخبر وما هو على شاكلته.

إخوتى الكرام: لكن يقرر أئمتنا أن ما كان يصنعه نبى الله عيسى على نبينا عليه صلوات الله وسلامه من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فكان يطير لكن إذا توارى عن الناس يسقط ميتا ويعود كما كان ليتميز بين ما خلقه الرحمن وبين هذا الأمر الذى جعله معجزة لهذا النبى الكريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن لا يبقى طائرا يطير باستمرار ليتميز صنع الخالق جل وعلا عما للمخلوق فيه شيء من الأثر فكان يطير فإذا توارى عنهم وحصلت المعجزة سقط ميتا وعاد كما كان خفاش يطلبون منه أن يصنع تمثالا له وينفخ فيه الروح فيطير بإذن الله هذا فى كتابنا ما نصدقه هذا النوع الأول من أخباره.

ص: 23

النوع الثانى: أن يروى شيء من أخبار أهل الكتاب فى تفسير كلام الله وفيما يتعلق بما ورد فى كلام الله وفى ديننا ما يكذبه فينبغى أن نحذر من ذلك الخبر ومن تلك الأخبار المنقولة فى التفسير فلو نظرت فى كتب التفسير التى ابتليت بالنقل عن أخبار أهل الكتاب فى قصة نبى الله أيوب على نبينا عليه صلوات الله وسلامه {وأيوب إذا نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين} فى بيان حقيقة الضر الذى أصيب به نبى الله أيوب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن لحمه تناثر وتساقط الدود منه وبدأ القيح والصديد يخرج من جسمه ومن منخريه وأنتنت رائحته ثم حمله قومه وطرحوه على مذبلة وبقى فى هذا البلاء ثمانى عشرة سنة والله إننا نجزم بكذب هذه الأخبار الملفقة المزورة فهذا نبى كريم يصان من الأمراض المنفرة الأمراض الأنبياء يمرضون كما يمرض غيرهم ويستوون معهم فى هذا الأمر وهم بشر فيأكلون ويشربون ويتصلون بالنساء عن طريق الحلال ويمرضون ويموتون لكن يصان الأنبياء عما فيه منفر هو سيبلغ دعوة الله كيف سيبلغ دعوة الله وريحه منتنة أنتن من جيفة حمار بحيث لو جاء إلى القوم لنفروا منه هذا لايمكن أن يكون أبدا نحن أمرنا أن نقدم فى الصلاة مع أن إمام الصلاة ليس بنبى أن نقدم أحسن الناس صوتا إذا استووا فى القراءة والعلم بشريعة الله وأحسن الناس وجها وأن يقدم من هيئته حسنة ترتاح الأنظار إليه ولا حرج فى ذلك فكيف نبى كريم ريحه منتنة الدود يتساقط منه يلقى على مذبلة ثمانى عشرة سنة هذه أخبار مزورة ملفقة باطلة.

ص: 24

وهكذا ما ورد فى فتنة نبى الله سليمان على نبينا وعليه صلوات الله وسلامة وأن ملكه كان فى الخاتم والخاتم بعد ذلك عندما وضعه عند جاريته وذهب ليتوضأ وجاءها المارد الجنى وأخذ منها هذا الخاتم إلى غير ذلك من هذا الهراء الذى سيأتينا إن شاء الله خلال التفسير فهذا كله من القصص الباطلة التى يصان عنها الأنبياء عليهم صلوات الله عليهم وسلامه ولايجوز أن تروى فى التفسير فهذا نوع ثان من أخبار بنى اسرائيل نعلم أنه مكذوب ومفترى.

ص: 25

النوع الثالث: من أخبار بنى اسرائيل مما هو مسكوت عنه فى شريعتنا ما ورد فى شريعتنا ما يقرره ولا ما ينكره من العجائب والغرائب التى وقعت فى بنى اسرائيل فلا مانع أن نروى هذه الأخبار على وجه العظة والعبرة وعلى وجه بيان تفصيل ما أجمل فى القرآن من أخبار الأمم السابقة ومن أخبار الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه مع أممهم لا حرج فى ذلك لكن هذا كما قلنا لا نجزم بصحته وأنه وقع لئلا نقول على الله بغير علم ولا نكذب ثبت فى صحيح البخارى عن أبى هريرة وفى مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود وابن حبان وسنن أبى داود وصحيح ابن حبان عن أبى نملة والخبر مروى عن أبى هريرة وأبى نملة فى شرح السنة للبروى ورواه الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين أبى هريرة وأبى نملة وجابر قالوا رضي الله عنهم كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرية ويفسرونها بالعربية فذكروا ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام هل نقبل تفسيرهم ونعول عليه؟ فقال قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون هذه الأخبار التى ترونوها هل هى ثابتة فى كتاب الله حقا وصدقا أو دخلها شيء من التحريف وأنتم تلاعبتم فيه ذلك الكتاب فلا يجوز أن نضيفها إلى الله ولا نعلم لا صدقها ولاكذبها هذا حالنا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون وإن كانت هذه الأخبار مما أنزل إليكم فنحن أول ما يؤمن بها وإذا لم تكن مما نزل عليكم فإذن نحن وقفنا موقفه موقف المتثبت فما أدخلناها فى دين الله ولا نفيناها آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون.

ص: 26

وقد أخبرنا ربنا جل وعلا أن أهل الكتاب حرفوا كتاب الله وغيروه وبدلوا كلام الله وحرفوا الكلم عن مواضعه وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم فى حديثه الصحيح إلى هذا ففى معجم الطبرانى بسند رجاله الثقات عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إن بنى اسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه وتركوا التوراة إذن التوراة التى أنزلها الله تركوها وضاعت وهذا الكتاب الذى كتبه لهم الأحبار هو الذى اتبعوه وساروا عليه فنحن نلزم حدنا ونقف موقف المتثبت آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون.

مثال هذا ما يريده المفسرون فى تفسير كلام الله جل وعلا ولا حرج من روايته كما قال النبى عليه الصلاة والسلام ولاحرج {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العالمين} فاليهود فى موالاتهم للمنافقين والمنافقين فى موالاتهم لليهود حالهم كحال الشيطان فاليهود يوالون المنافقين ويظنون أن المنافقين سيدفعون عنهم عقوبة المؤمنين إذا أراد المؤمنون أن يعاقبوهم لكن حال المنافقين مع اليهود كحال الشيطان مع من يضله عندما يضله يتبرأ منه ولا يتحمل تبعة ضلاله {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العالمين *فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} هذه الآية المعتمد {كمثل الشيطان إذ قال الإنسان اكفر} أنها مثل عام لكل من حصل منه طاعة لإنسان فى معصية الرحمن ذلك الإنسان لن يتحمل تبعتك ويتبرأ منك فى الدنيا والآخرة كحال الشيطان عندما يضل الناس {فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى إنى كفرت بما أشركتمونى من قبل} .

ص: 27

مثل عام نقل بعد ذلك ما يوضح هذا بأن المقصود من هذا شخص وقع فى الأمم السابقة فى قصة برصيص العابد والقصة أوردها ابن الجوزى فى زاد المسير وأوردها فى تلبيس إبليس وأوردها فى ذم الهوى وتناقلتها كتب التفسير وحاصلها عن طريق الإيجاز أن برصيص العابد كان من العباد فى بنى اسرائيل وكان يعبد الله فى صومعته فحاول إبليس وجنوده أن يغووه فعجزوا فجمع إبليس جنوده عرض عليهم الأمر وقال من يستطيع أن يضل برصيص فقال الأبيض ويقول من قطع أمل الأبيض الذى هو من أتباع إبليس يقال له الأبيض حتى من الأنبياء يعنى كان يحاول أن يغوى الأنبياء على حسب زعمه لكن الله عصمهم وحفظهم فقال أنا أكون يعنى المنفذ لهذه المهمة فذهب إليه بصورة عابد خاشع واستئذن أن يدخل عليه فأشرف عليه من صومعته وقال ماذا تريد قال أريد أن أتعبد معك قال أنا مشغول بنفسى عن غيرى ولم يفتح له فبقى هذا الأبيض الذى هو شيطان مارد يتزيا بزى العباد الخاشعي يتعبد الله فى فناء هذه الصومعة وفى سورها فأشرف عليه برصيص فى يوم من الأيام فرأى جده واجتهاده فى طاعة الله فقال لو فتحت له لآنس به ولنتعبد الله جميعا ففتح له فأعجب برصيص بعبادته وكان يبذل هذا الشيطان الذى يتزيا بزى الصالحين الخاشعين الأبيض جدا واجتهادا فى طاعة يقول فمكث معه أربعين يوما ثم قال الأبيض لبرصيص أنا ظننت أنك من العباد الزهاد فإذا أنت مقصر لا أريد أن أقيم معك أنا سأذهب إلى صاحب لى آخر نجتهد فى طاعة الله أكثر منك يقول فدخل من الهم والغم فى قلب برصيص ما لا يعلمه إلا الله ثم قال الأبيض لبرصيص وأنا قبل أن أذهب سأعلمك كلمات إذا قرأتها على المبتلى يشفى إذا قرأتها على المصروع يصحو فيعنى تنفع الناس بهذه الكلمات إذا تعلمتها قال أنا مشغول بنفسى ولا أريد أن يشغلنى الناس قال فى ذلك خير فعلمه بعض الكلمات ليقرأها على المرضى والمصروعين لأجل أن يشفووا ثم ذهب إلى إبليس وقال فتنت الرجل ثم بدأ بعد ذلك هذا

ص: 28

الأبيض يدخل فى بعض الإنس بحيث يسبب لهم الصرع والصداع وضيق الصدر ويلجئون إلى من يعالجهم فكان يتزيا أيضا بزى المعالجين ويقول دوائكم وعلاجكم عند برصيص فيذهب بعض الناس فيقرأ عليهم برصيص فيفارقهم هذا الجنى الذى يتلبسهم يعنى هو تلبسهم لما دعا لهم ذاك بتلك الدعوات ولا أثر لها فى الاستجابة لكن هذا دخل وخرج فحصل فتنة فى الناس إلى أن دخل بعد ذلك فى فتاة شابة وزين لأخوتها أن يأخذوها لبرصيص فلما لم يستقبلها قالوا اطرحوها عند السوق ثم بعد ذلك جاء لبرصيص وقال له تقرأ عليها وزين له هذا فأدخلها إلى حجرته ليقرأ عليها فتخبطها الشيطان فاضطربت وظهر شىء من مفاتنها فوقع عليها والبتلى بالزنا ثم قال له فعلت وفعلت وبطنها انتفخ وحملت منه فلا حيلة إلا أن تقتلها فقتلها فى نهاية الأمر أخبر أخوتها بأن هذا قتلها ودفنها فى مكان كذا وهو سكذب عليكم ويقول إنها ذهبت وشيطانها أخذها أو شفيت فجاؤا فعلا وحصلوها مدفونة فى مكان كذا فأنزلوا هذا العابد وقدوه إلى الملك فاعترف بذلك فأمر بصلبه فجاءه صاحبه الأبيض وقال علمتك كلمات فما أؤتمنت عليها وخنت وفعلت وفعلت الآن لا ينجيك إلا شىء واحد أن تسجد لى فإذا سجدت لى أنجيك مما أنت فيه ثم بعد ذلك تتوب من زناك ومن قتلك فسجد له فتخلى عنه الشيطان فصلبه الملك وقتله {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} .

مثل هذا الخبر عندما يروى عن أهل الكتاب هل وقع أم لا؟ العلم عند الله لا نعلم صدق وقوعه وحصوله ولا نعلم أيضا عدم وقوعه فنقول {آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلون} .

إخوتى الكرام: لا مانع من حكاية هذا الخبر لما فيه من العبرة والعظة وحقيقة ينبغى أن يأخذ الإنسان عبرة وعظة من هذا الخبر إياك أن تخلو بامرأة ولو حدثتك نفسك أن تعلمها القرآن.

ص: 29

ثبت فى سنن الدارمى عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه انه قال من أراد ان يكرم دينه فلا يدخل على السلطان ولا يخصم أهل الأهواء ولا يخلون بامرأة.

أذا أردت أن تكرم دينك فلا تخلو بامرأة ولو حدثتك نفسك أن تعلمها القرآن وفى كثير من الأحوال يأتى الشيطان لبعض طلبة العلم القصة وقعت فى الزمن الماضى أم لا؟ لكن تقع فى هذه الأزمان فإن زينوا له أنه إن قرأ على هذه أو على تلك أنها تشفى وأنها من باب الرقية الشرعية فيتوسع أحيانا ويمد يده ثم بعد ذلك ينسى ربه هذا يقع بكثرة وفى كثير من الأحيان يأتى الشيطان فيدخل فى امرأة لتصرع ليفتن بها طالب علم وفى كثير من الأحيان يأتى الشيطان إلى أناس خارج المسجد فيوقع بينهم الخصوم ليشغل من هم فى المسجد ليخرجوا ويفضوا هذه الخصومة هذه من حيله ومكره ومن وسائل إفساده فاحذر هذا {تلك حدود الله فلا تعتدوها} .

فإذن هذه القصة التى وردت سواء وقعت أم لا حقيقة فيها عبرة ولذلك لا يخلون رجل بامرأة لا من أجل رقية شرعية ولا من أجل تعليم ولا يقابل النساء والسلامة لايعدلها شىء كما كان يقول أئمتنا ولذلك ينبغى على الإنسان أن يحتاط عندما يتصل بالنساء من أجل مصلحة شرعية سواء كان عن طريق التعليم أو عن طريق آخر أحيانا لو لزم بعض الإتصالات من طلب حاجة أو مبايعة أو ما شاكل هذا لضرورة أو شهادة فلابد من الاحتياط {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} .

وإذا ابتلى أحيانا بتدريس النساء ما ينبغى أن يرى له سن بضحك أو تبسم هذا حتما دون أن يحصل منه مقابلة ورؤيا لهن لكن لو ابتلى وهناك حواجز وينبغى أن يتقى الله لا يسمع منه الضحك والتبسم وما شاكل هذا فهذه لا بد لها من الضوابط الشرعية، وهنا كذلك هذا الأمر الذى فى تفسير هذه الآية وتناقله المفسرون هل وقع أم لا؟ العلم عند الله لكن لا مانع من حكايته لأخذ العظة والعبرة منه.

ص: 30

إخوتى الكرام: الطريق الثانى من طرق التفسير تفسير بالرأى المقبول المبرور ما ضابطه؟ نتكلم على هذا إن شاء الله فى الدرس الآتى بإذن الله ولعل الله ييسر لنا فى الدرس الآتى الانتهاء من هذه المقدمة لندخل بعد ذلك فى تفسير سورة من سور القرآن إنه على كل شىء قدير.

وصلى الله علي نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 31

.. .لا هذا يدخل بالتفسير بالرأى إن شاء الله وأن سأشير إليه قطعا لأنه بالتفسير بالرأى سيأتينا مما يقرر جوازه ويحتمه أن عجائب القرآن لا تنقضى وأن حوادث الناس تجد وتتكرر فلا بد من أن يدخل فى كلام الله أن يشملها كلام الله جل وعلا وجاءت هذه النصوص العامة لتطبق على الجزئيات التى تقع إلى قيام الساعة فإذا لم نقل بجواز التفسير بالرأى لم نقل إذن سيبقى معنا حوادث كثيرة جدت وليس لها ذكر فى كلام الله يقول شيخنا عليه رحمة الله فى سورة النحل: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون *ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون *وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم *والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون} يقول أبهم ما سيخلقه جل وعلا مما لا نعلمه فى اسم الموصول ما {ويخلق ما لا تعلمون} يقول وفى ذكره مع المركوبات المذكورة قرينة على أنه يخلق ما لا نعلمه من المركوبات مع أنه ذكر فى مكان آخر أنه يخلق ما لا نعلمه ودون على أن يكون هناك قرينة على أنه من المركوبات على وجه العموم كما قال الله {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} لكن هنا دليل فى مناسبة ذكر هذه {ويخلق ما لا تعلمون} مع المركوبات المتقدمة يقول إشارة وقرينة {ويخلق ما لا تعلمون من المركوبات} يقول وقد تحقق هذا هذا فى تفسيره فى أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن وقد تحقق هذا فى المركوبات التى حصلت فى هذه الأيام من الطائرات والغواصات والسيارات فإذن هذا موجود إنما أحيانا يحصل شطط فى الإعجاز العلمى وتحميل كلام الله ما لا يحتمل نتكلم عليه عند التفسير بالرأى لنضع له ضابطا لأن التفسير بالرأى مجمع على جوازه إذا كان يوافق اللغة ونصوص الشرع ويدل عليه سياق الآية فيشهد له السباق واللحاق هذا لا خلاف فيه.

ص: 32

ومن نسب إلى الإمام ابن تيمة أنه يحرم التفسير بالرأى فى هذه الحالة فهو يفترى ويكذب عليه كما سأنقل هذا من كتبه ولذلك الشيخ أبو زهرة تناقض ففى كتابهم الإمام ابن تيمة الذى ألفه فى حياته قال الإمام ابن تيمة يجوز التفسير بالرأى وأثنى عليه بذلك ثم بعد ذلك فى كتابه القرآن هدايته وإعجازه قال الإمام ابن تيمة يحرم التفسير بالرأى ورد عليه طيب كيف تنسب قولين إلى شخص واحد هناك تثنى عليه وهنا ترده لم يفهم كلام الإمام ابن تيمة هناك يقصد الرأى الذى هو عن طريق الهوى كما سيأتينا أو عن طريق تفسير القرآن بمجرد اللغة فلا شك أن هذا لايجوز كما سيأتينا لهذا عند التفسير بالرأى.

الشاهد إخوتى الكرام: الإعجاز العلمى الذى يشهد له كلام الله هذا يدخل فى التفسير بالرأى لا بالأثر لأنه ما نقل لا عن تفسيرالقرآن بالقرآن ولا القرآن بالسنة ولا قوال الصحابة ولا التابعين رضي الله عنهم أجمعين وليس له صلة بأخبار أهل الكتاب بقى إذن مما جد هذا عن طريق الرأى والاستنباط فلا حرج إن شاء الله عند التفسير بالرأى نتكلم عليه إن شاء الله.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنيباء والمرسلين.

ص: 33