المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مقدمة التفسير (6) (دروس تفسير)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٢٠

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

مقدمة التفسير (6)

(دروس تفسير)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة التفسير 6

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.

{ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] .

وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}

[آل عمران/102] .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] .

أما بعد: معشر الإخوة الكرام..

لازلنا فى مدارسة المقدمة فى تفسير كلام رب العالمين سبحانه وتعالى وكنا فى الدرس الماضى نتدارس الطريق الحكيمة فى تفسير الآيات وقلت إن تفسير القرآن العظيم لا يخرج عن طريقين اثنين.

ص: 1

إما أن نفسر كلام الله جل وعلا بالمنقول عن طريق تفسير القرآن بالقرآن أو القرآن بالسنة أو القرآن بأقوال الصحابة أو القرآن بأقوال التابعين وبينت أخبار أهل الكتاب عند هذا الطريق وهذا نوع من التفسير.

والنوع الثانى تفسير بالمعقول تفسير بالرأى وقلت يقصد به أن يبذل الإنسان ما فى وسعه وأن يعمل نظره واجتهاده فى تفسير كلام ربه بحيث يوافق قواعد اللغة العربية والنصوص الشرعية فيتفق ذلك التفسير مع السياق ويشهد له السباق واللحاق يشهد له ما تقدم وما تأخر من كلام الله جل وعلا فهذا تفسير بالرأى وذكرت الأدلة على جواز هذا التفسير.

ثم بعد ذلك استعرضت ما يتوهمه طالب العلم من أنه يمنع من التفسير بالرأى وذكرت الحديث بأن النبى عليه الصلاة والسلام ما كان يفسر شيئا من القرآن إلا آيات تعد إلا آيات بعدد علمهن إياهن جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام وبينت قيمة الأثر وأنه ليس فيه دلالة على منع التفسير بالرأى والحديث الثانى حديث جندب رضي الله عنه والأول عن أمنا عائشة رضي الله عنها حديث جندب من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ بينت قيمة الحديث وأنه ليس فيه دلالة على منع التفسير بالرأى أيضا والحديث الثالث حديث ابن عباس رضي الله عنهما بروايتين من قال بالقرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ومن قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار، وقلت المعتمد أن الحديث فى درجة القبول فهو حسن كما نص ذلك الإمام الترمذى لكن منطوق إحدى الروايتين للحديث تعين المراد وهذا المنطوق هو من قال فى القرآن بغير علم فالمراد من الرأى الراى المجرد عن الأدلة الشرعية وعن موافقة قواعد اللغة العربية أى أن يفسر القرآن برأيه وهواه وظنه ووهمه وتخرسه فليتبوأ مقعده من النار وقلت بعد ذلك أما النص الذى ينهى عن تفسير القرآن بالرأى محمول على حالتين اثنتين.

ص: 2

الحالة الأولى: وهذا كلام الإمام الغزالى عليه رحمة الله وختمت به الدرس الماضى أن يكون فى المفسر رأى وعنده اعتقاد فيحمل كلام الله جل وعلا على هذا الاعتقاد وهذا له ثلاثة أحوال.

? تارة مع العلم وهذا قلت كما يكون من المبتدعة.

? وتارة مع الجهل.

? وتارة يستدل على أمر صحيح بما لا دلالة فيه على ذلك كما يفعل الوعاظ والقصاص والصوفية.

اذهب إلى فرعون إنه طغى ويشير إلى نفسه.

والحالة الثانية: التى يتنزل عليها النهى أن يفسر القرآن بكلام العرب دون النظر إلى مراد المتكلم وقصده ودون النظر إلى سياق الايات فيجرد هذا اللفظ ويفسر على حسب اللغة دونما يقصده المتكلم ودون موقع هذا اللفظ فى كلام الله جل وعلا وقلت كثيرا من الآيات لايمكن أن تفسر على حسب اللغة العربية كما وضحت هذا بالأمثلة فلا بد من الرجوع إلى السماع والنقل عما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام

إخوتى الكرام: هذه الآثار المتقدمة عن نبينا عليه الصلاة والسلام ورد مثلها أيضا عن السلف الكرام ما قلناه فى تلك الأحاديث من تعليل وبيان نقوله أيضا فيما نقل عن السلف الكرام.

ثبت عن أبى بكر رضي الله عنه كما فى كتاب جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وخمسين والأثر رواه عنه أبو عبيد القاسم ابن سلام أنه قال أى أرض تقلنى وأى سماء تظلنى إذا قلت فى كتاب الله برأيى أو إذا قلت فى كتاب الله بما لا أعلم، ومثل هذا نقل عن على رضي الله عنه كما فى جامع بيان العلم وفضله فإذن هنا إذا قال برأيه أى بما لا علم له به.

أما إذا فسر كلام الله جل وعلا بما يوافق قواعد اللغة ونصوص الشرع فلا يكون إذن مفسرا للقرآن بغير علم إنما هو يتكلم عن بينة كما تقدم معنا إيضاح هذا بكلام العلماء.

ص: 3

وهكذا ما نقل عن سعيد ابن المسيب عليه رحمة الله أنه سئل عن تفسير آية من كلام الله فقال أنا لا أقول فى القرآن شيئا وسأله مرة سائل آخر عن تفسير آية فقال سل الذى يزعم أنه لا يخفى عليه منه شىء يعنى عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين سل عكرمة الذى يزعم أنه لا يخفى عليه منه شىء وهنا لا دلالة فى هذا الأثر على أن سعيد ابن المسيب رضي الله عنه يرى أن التفسير بالرأى أنه ممنوع ومحذور لا ثم لا لعله تحرج فما عنده علم فى تفسير تلك الآية ثم بعد ذلك أرشد السائل إلى من يعلم تفسير هذه الآية فقال سل عكرمة رضي الله عنهم أجمعين.

فهذه الآثار نقول فيها ما قلناه فى تلك الأحاديث لذلك قال الإمام ابن تيمية معللا تلك الآثار كما فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثالث عشر صفحة ثلاثمائة وسبعين والكلام قاله الإمام ابن كثير أيضا فى الجزء الأول فى صفحة ستة بعد أن نقل هذه الآثار وما شاكلها عن السلف الأبرار فى تحرجهم فى تفسير كلام العزيز الغفار عن طريق اجتهادهم واستنباطهم وعقولهم وإعمال رأيهم.

قال هذه الآثار وما شاكلها محمولة على تحرجهم من التفسير فيما لا علم لهم به فأما من تكلم فى تفسير كلام الله بما يعلم من ذلك على حسب اللغة والشرع فلا حرج عليه قال ولذلك نقلت عن هؤلاء أقوال فى التفسير و1042 فإنه كما يجب على الإنسان أن يسكت عما جهله يجب عليه أن يتكلم فيما يعلمه ويعرفه لا سيما إذا سئل عنه كما ثبت عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال: [من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار] .

ص: 4

والحديث صحيح ثابت فى المسند والسنن الأربعة باستثناء سنن النسائى ورواه الحاكم فى المستدرك من رواية أبى هريرة رضي الله عنه وروى الحديث من رواية ابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وأنس وأبى سعيد الخدرى رضي الله عنهم أجمعين فمن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار فإذا سئل عن آية ولا يعرف تفسيرها لا يتكلم وإذا سئل عن آية ويعرف تفسيرها على حسب قواعد اللغة ونصوص الشرع ويشهد السياق لما يستنبطه منها فالواجب عليه أن يتكلم فكما يجب على الإنسان أن يسكت عما جهله يجب عليه أن يتكلم فيما يعلمه لا سيما إذا سئل عنه.

ولذلك قال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله فى مجموع الفتاوى فى الجزء الخامس عشرة صفحة أربع وتسعين من تدبر السياق سياق الآيات القرآنية وكانت غايته الوقوف على الحق عرف مراد الله من كلامه وأما تفسير القرآن بمجرد ما يحتمله اللفظ دون النظر إلى هذا اللفظ فى السياق فهذا حرام وأعظم غلطا من هؤلاء وإثما من يكون قصده أن يحرف كلام الله عن مواضعه كحال المبتدعة فيفسر القرآن على حسب رأيه وهواه وأما إذا تدبر الإنسان سياق النصوص وسباق الكلام ولحاقه وفسر كلام الله بعد ذلك على حسب قواعد اللغة ونصوص الشرع فلا حرج عليه فى ذلك.

ص: 5

ولذلك لما سئل الإمام ابن تيمية عن قول الله جل وعلا: {يوم يفر المرء من أخيه *وأمه وأبيه *وصاحبته وبنيه* لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} قيل له عادة العرب أن تبدأ بالأهم والأعلى فلما بدأ الله جل وعلا هنا بالأنزل والأضعف {يوم يفر المرء من أخيه *وأمه وأبيه *وصاحبته وبنيه *لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} ترقى من الأدنى إلى الأعلى والأصل أن العرب فى الكلام تقدم الأعلى فقال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله لكل مقام مقال ولو بدأ الله هنا بالأعلى لفاتت الفائدة بعد ذلك من ذكر الأدنى لو قال يوم يفر المرء من بنيه إذا فر الإنسان من ابنه الذى هو بمنزلة نفسه فكأنه فر من نفسه فسيفر من زوجه من باب أولى فيكون ذكر الزوجة إذن تطويل بلا طائل، وإذا فر من الزوجة سيفر من الأب وإذا فر من الأب سيفر من الأم وإذا فر من الأم سيفر من الأخ فإذن ترقى من الأدنى إلى الأعلى لبيان هول ذلك اليوم ففر من أخيه أمه التى احتضنته وهى تحنو عليه وتعطف عليه فر منها أبوه الذى يشفق عليه وعنده قوة وجلد ومنعة يحمى فر منه زوجته التى كان يأوى إليها بحيث يصبح الشخصان شخص واحد فر منها ابنه الذى هو من صلبه وقطعة منه فر منه.

ص: 6

لكل مقام مقال {يوم يفر المرء من أخيه *وأمه وأبيه *وصاحبته وبنيه *لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} فهذا المعنى الذى كشفه هذا الإمام وهذا التفسير لا يقال هذا تفسير بالرأى وينبغى أن تنقل هذه النكتة عن التابعين أو عن الصحابة أو عن النبى عليه الصلاة والسلام لا ثم لا ولذلك من تأمل هذه الأمور وهذه الترتيبات لاح له من القرآن أسرار عظيمة ورحمة الله على الإمام الرازى عندما يقول فى تفسيره فى الجزء العاشر صفحة أربعين ومائة أكثر لطائف القرآن مودعة فى الترتيبات والمناسبات أى لما جاءت هذه الآية بعد هذه الآية ولما جاءت الآية على هذه الشاكلة من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لطائف كثيرة يستنبطها المفسر عن طريق إعمال عقله وبذل ما فى وسعه للوصول إلى مراد ربه جل وعلا من كلامه.

ص: 7

إخوتى الكرام: وهذا الكلام من الإمام ابن تيمية شاهد قطعى على أنه يجيز التفسير بالرأى وقد تناقض الشيخ أبو زهرة عليه رحمة الله فى هذه المسألة نحو الإمام ابن تيمية ففى الكتاب الذى ترجم فيه لابن تيمية عليه رحمة الله فى صفحة مائتين وثلاث وثلاثين إلى صفحة مائتين وخمس ثلاثين أثنى على الإمام ابن تيمية وذكر أنه يعمل عقله ويبذل ما فى وسعه للوصول إلى مراد ربه ويدرك إشارات القرآن ويقف على مراميه ويستنتبط من الألفاظ دلالات عظيمة تشير إليها تلك الآيات وهذا هو حال الإمام عليه رحمة الله وحال أئمة الإسلام لكنه فى كتابه المعجزة الكبرى فى صفحة خمسمائة وسبع جاء وقال إن الإمام ابن تيمية يحرم تفسير القرآن بالرأى فى الكتاب المتقدم ذكر أنه يعمل رأيه وجمع بين إعمال رأيه وبين ما نقل عنه من تحريم التفسير بالرأى فقال التحريم منصرف إلى الهوى وإلى التفسير الذى لا يستند على دليل ولا على بينة وهو مصيب فى ذلك لكن نسب إليه فى كتاب المعجزة الكبرى أنه يحرم تفسير القرآن بالرأى ولم يبين أى رأى يريد الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله ثم علق عليه بما يبين أن الأمة خالفته فى هذا وهذا فى الحقيقة خلاف ما قرره نفس الشيخ كما قلت فى الكتاب الذى ترجم به لابن تيمية عليه رحمة الله.

الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله له تفسير لقول الله جل وعلا فى سورة العنكبوت سديد سديد محكم رشيد مع أنه لم ينقل عن السلف الكرام {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}

ولذكر الله أكبر نقل عن السلف قولان فى بيان المراد من هذه الجملة المباركة ولذكر الله أكبر:

ص: 8

فجمهور السلف وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين ولذكر الله لنا أكبر من ذكرنا له لأن الله يذكر من يذكره وعندما نذكره هذا حسن وطيب وعمل عظيم أعظم من هذا عندما يذكرون الله فمن ذكر الله فى نفسه ذكره الله فى نفسه ومن ذكر الله فى ملأ ذكره الله فى ملأ خير منه ولذكر الله أكبر أى ذكر الله لنا أعظم من ذكرنا له وحقيقة الأمر كذلك.

وهناك قول آخر: منقول عن عدة من السلف ولذكر الله أكبر أى أكبر من كل شىء وأعظم من كل طاعة ولذلك سئل عدد من السلف رضوان الله عليهم أجمعين عن أفضل الطاعات فكانوا يتلون هذه الآية ولذكر الله أكبر ولا يفتر لسانك من ذكر ربك ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون.

يقول الإمام ابن تيمية كما نقل عنه تلميذه فى التفسير القيم للإمام ابن القيم فى صفحة أربعمائة وأربعة عليهم جميعا رحمة الله يقول: ولذكر الله أكبر ونقل هذا المعنى الإمام ابن كثير أيضا فى تفسيره يقول الصلاة فيها فائدتان:

الفائدة الأولى: تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال الله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهذا مقصود من غيره وهناك شىء مقصود من ذاته فى الصلاة وهو أننا نذكر الله ونعظمه ونثنى عليه بما هو أهله سبحانه وتعالى ولذكر الله أكبر أى الفائدة التى يحصلها المصلى من الثناء على الله وتعظيمه لربه أعظم من كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فأنت فى الصلاة تحصل فائدتين اثنتين.

الفائدة الأولى: تنهاك عن الفحشاء والمنكر والفائدة الثانية تعظم فيها ربك وتثنى عليه أى الفائدتين أعظم؟ هذه مقصودة لذاتها وهى الثناء على الله وعبادته وتعظيمه بما هو أهله وأما تلك مقصودة لغيرها فإذن هنا كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر هذا ليس من باب المقصود أصالة المقصود أصالة أننا نثنى على الله جل وعلا فى صلاتنا ونعظم.

ص: 9

فهذا التفسير الذى ذكره لا يتنافى مع نصوص الشرع ونصوص الشرع تشهد له الله شرع الصلاة لنعظمه فيها فلا يقال هذا تفسير بالرأى وهو حرام ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار تفسير دل على اعتبار لنصوص الشرع القطعية ولا يخرج عن قواعد اللغة العربية.

فما فسر كلام الله جل وعلا بما لا يحتمله على حسب اللسان الذى نزل به بلسان عربى مبين، فاللغة العربية لا ترد هذا التفسير والنصوص الشرعية تشهد له فهو تفسير معتبر كونه لم ينقل لا حرج فى ذلك.

ولذكر الله أكبر الفائدة التى يحصلها المصلى فى صلاته بذكره لربه أعظم من الفائدة التى يحصلها من صلاته فى أن الصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر.

إخوتى الكرام: وهذه نصوص بينة كما قلت عن هذا الإمام المبارك بأنه يجيز تفسير القرآن بالرأى على حسب الصفات والاعتبارات التى ذكرتها وأن ما نسب إليه أبو حيان غفر الله ورحمه فى البحر المحيط فى الجزء الأول فى الصفحة خمسة بأن الإمام ابن تيمية لا يرى تفسير القرآن بالرأى ويرى أن تفسير القرآن قاصر على السماع ولا يجوز فهم تركيب آيات القرآن إلا بالنقل عن مجاهد وعكرمة وعن أئمة السلف ثم قال وهذه مجازفة وهذا قول بعيد وهذا كلام ساقط نقول ما ثبت هذا الكلام عن هذا الإمام حتى حكمت عليه بعد ذلك بما حكمت نعم من قال إن تفسير القرآن بالرأى ممنوع ولا يجوز للإنسان أن يفسر كلام الله إلا بالنقل الثابت عن أئمة التابعين ومن سبقهم فقوله ساقط لكن هذا الكلام ما ثبت عن هذا الإمام عليهم جميعا رحمة الله

إخوتى الكرام: وصفوة القول التفسير بالرأى له حالتان وعلى كل حالة من حالتيه أجمع أئمة الإسلام.

تفسير بالرأى المحمود الجائز: الذى يوافق قواعد اللغة ونصوص الشرع ويدل عليه السياق فيشهد له السباق واللحاق فهذا جائز باتفاق وما أحد من أئمة الإسلام منع ذلك.

ص: 10

وتفسير بالرأى الذى لايستند إلى قواعد اللغة: ولا يشهد له نصوص الشرع عن طريق الرأى والهوى والظن والتخمين فهذا حرام وما أحد قال من أئمتنا بجواز هذا النوع من التفسير فمحل اتفاق بين علماء الإسلام وعليه لو قدر أن بعض العلماء قال التفسير بالرأى حرام نقول المراد من الرأى الهوى الذى لا يستند إلى قواعد اللغة ونصوص الشرع كتفسير الشيعة والصوفية والمبتدعة من معتزلة وغيرهم، {وجوه يومئذذ ناضرة إلى ربها ناظرة} إلى ثواب ربها منتظرة ولا يراه شىء من خلقه لما تتلاعبون بكلام الله.

أضاف الله النظر إلى الوجوه وعداه بإلى وإذا أضيف النظر إلى الوجه وعدى بإلى فلا يحتمل إلا النظر بالعينين {وجوه يومئذذ ناضرة إلى ربها ناظرة} لما منتظرة هى فى الجنة تنتظر ماذا تنتظر الثواب من ربه لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد متى قطع الثواب عنهم حتى تنتظر هذه الوجوه التى نضرت فى الجنة وابتهجت تنتظر الثواب من الله هل حرم عنها الثواب وقطع لهم {ما يشاؤون فيهل ولدينا مزيد} .

فإذن كلام ترده لغة العرب ونصوص الشرع تشهد ببطلانه فسنرى ربنا كما نرى القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ولا غمام كما تواتر هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

فمن قال إلى ربها ناظرة إلى ثواب ربها منتظرة نقول هذا تفسير بالرأى بالهوى يخالف قواعد اللغة ونصوص الشرع والقائل به فليتبوأ مقعده من النار فأئمتنا متفقون على حكم التفسير بالرأى له حالتان.

? حالة التفسير فيها يكون محرما بالاتفاق.

? وحالة التفسير فيها يكون جائزا بالاتفاق.

وهذا كاختلاف أئمتنا فى تأويل المتشابه {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} .

ص: 11

لفظ التأويل {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم} الراسخون يعلمون تأويل المتشابه وعليه الواو عاطفة {وما يعلم تأويله إلا الله والرسخون فى العلم} أو أن الواو هنا استئنافية والجملة بعد ذلك من مبتدأ وخبر والراسخون فى العلم يقولون آمنا به الراسخون مبتدأ والوقف لازم على لفظ الجلالة وما يعلم تأويله إلا الله.

نقل القولان عن سلفنا الكرام ومن العجيب أن القولين نقلا عن ابن عباس رضي الله عنهما فتارة قال الوقف لازما على لفظ الجلالة وتارة قال أنا ممن يعلم تأويل المتشابه وليس هذا بتناقض كما يبدو لبعض الناس كما قال الإمام ابن تيمية هناك نقلت عنهم أقوال فى تحرجهم فى تفسير القرآن بالرأى ونقلت عنهم أقوال فى تفسير القرآن بالرأى ولا منافاة كل واحدة لها حالة وهنا لا منافاة فإذا كان التأويل معناه الحقيقة التى يأول إليها الشىء فباتفاق علماء الإسلام المتقدمين والمتأخرين يجب الوقف على لفظ الجلالة وأن الراسخين فى العلم لا يعلمون حقيقة هذه الأمور وما يعلم تأويله إلا الله حقيقة بعد ذلك هذه الأمور المتشابهة كنهها كيفيتها ما يتعلق بصفات ربنا وما يتعلق بما يكون فى الآخرة من نعيم حقيقته كيفيته ماهيته {وما يعلم تأويله إلا الله} .

وإذا قلنا إن التأويل معناه التفسير الظاهرى فالعلماء يعلمون تأويل المتشابه كما يعلمه الله {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم} إذن والراسخون فى العلم الواو عاطفة على لفظ الجلالة ويكون قوله جل وعلا {يقولون آمنا به} حال حال من المعطوف والمعطوف عليه؟ من المعطوف {والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} كيف هنا جاء الحال من المعطوف وما عاد على المعطوف عليه؟ هذا له نظائر كثيرة فى كتاب الله جل وعلا: {وجاء ربك والملك صفا صفا} صفا صفا حال من الله جل وعلا أم من الملائكة؟ من الملائكة وجاء ربك والملائكة صفوفا صفوفا.

ص: 12

وقال جل وعلا فى سورة الحشر: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاؤوا من بعدهم يقولون} يقولون، يقولون حال من المعطوف أو من المعطوف عليه؟ من المهاجرين والأنصار من الذين جاؤوا بعدهم من غير المهاجرين والأنصار فحال من المعطوف لا من المعطوف عليه وهنا يكون الأمر كذلك وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم وهم مع كونهم يعلمون تفسيره {يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} فهذا إذن كحال العلم بتأويل المتشابه فمن قال إن المراد من المتشابه الحقيقة التى يأول إليها الشىء يأول إليها اللفظ فقال الراسخون فى العلم لا يعلمون تأويل المتشابه {هل ينظرون إلا تأويله} أى إلا وقوعه يوم يأتى تأويله وقوع يوم القيامة.

ومن قال إن المراد من التأويل التفسير {نبئنا بتأويله} بتفسيره قال إن الواو عاطفة وهنا كذلك من منع من علمائنا من التفسير بالرأى أراد به الرأى الذى لا يستند إلى نصوص الشرع وقواعد اللغة.

ومن قال من علمائنا إن التفسير بالرأى جائز أراد الرأى الذى هو رأى محمود يوافق قواعد اللغة ونصوص الشرع.

ومثل هذا ونظيره الحكم بما أنزل الله عدم الحكم بما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون هم الظالمون هم الفاسقون قلت هنا اختلفت العبارات سابقة لاختلاف الاعتبارات فالذى يحكم بغير ما أنزل كافر ستر الحق وجحده ظالم تجاوز من الهدى إلى الردى والضلال فاسق خرج من الحق إلى الباطل.

ص: 13

اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات ما نقل عن بعد سلفنا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال كفر دون كفر، لا يتعارض مع قولنا بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر يخرج من الملة فالحكم بغير ما أنزل الله له حالتان.

حالة: يجور القاضى فيها الحكم هو كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ولا يوجد فى القضاء مصدر آخر لكنه جار وتقدم معنا القضاة ثلاثة قاضيان فى النار وقاض فى الجنة علم الحق وقضى بخلافه لأجل رشوة هذا كافر ليس بكافر إلا إذا استحل.

عندنا حاكم آخر نسف كتاب الله برجله قصم الله ظهره وظهور أمثاله ووضع قانونا وضعيا يحكم فى البلاد هذا الآن عندنا كفر دون كفر هذا أتى بشرع مبدل مغير طمس نور الله وحذفه وأتى بعد ذلك بقوانين وضعية يحكمها فى الرعية هذا لا شك فى كفره، الكفر الذى يقول عنه أئمتنا دون كفر أى يقصدون بأنه كفر عملى القاضى شيخ صالح ملم بالكتاب والسنة لكنه ليس بمعصوم حابى صديقه أو أخذ رشوة من بعض الناس فحكم بغير ما أنزل الله كقر دون كفر أما أنه نسف هذا الكتاب وأتى بقوانين وضعية من شرقية أو غربية والأمة الإسلامية الآن لا شرقية ولا غربية ولا مسلمة ولا كتابية ليس لهم شىء خارجين هم أذناب فقط لغيرهم.

حذف كتاب الله من الحياة وأتى بقوانين وضعية لتحكم فى رقاب العباد والله إن الذى يشك فى كفر هذا الحاكم ليس فى قلبه مثقال ذرة من إيمان فقول الله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر مخرج من الملة أو كفر دون كفر نقول لا منافاة لأن الذى يحكم بغير ما أنزل الله له حالتان.

أحيانا يجور على حسب الهوى وعلى حسب ضغوط الحياة وعلى حسب ما فى نفسه من تقصير وكل بنى آدم خطاء فيأخذ رشوة ويقضى بخلاف الحق فإذا ما استحل ذلك لم يكفر وإذا استحله كافر.

ص: 14

وتارة ينحى كلام الله جل وعلا ويقطع رقبة من يطالبه بالحكم بكتاب الله ويحكم بقوانين وضعية إن استحل هذا أو لم يستحل لاداعى الآن للبحث فى أمره لأنه فى الأصل لا يحكم بشريعة الله لا يوجد دستور يتحاكم إليه هو الشرع المطهر إنما الدستور الموجود دستور الشيطان {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} فلا خلاف بين أئمتنا فى هذه الأمور، وما نقل عنهم من أقوال فى ظاهرها تباين.

لابد كما قلت إخوتى الكرام: من أن نعرف مرادهم فكيف قالوا كفر دون كفر هذا لحالة معينة كفر يخرج من الملة لحالة معلومة العلماء يعلمون تأويل المتشابه على أن التأويل بمعنى التفسير لايعلمون تأويل المتشابه على أن التعويل بمعنى الحقيقة التى يأول إليها الشىء، التفسير بالرأى جائز التفسير بالرأى حرام لا تناقض بين هذه الأقوال لا بد من الجمع بينها لأننا إذا عرفنا مرادهم علمنا بعد ذلك المقصود والمراد من حكمهم ولا خلاف بين أئمتنا فى هذه المسألة.

ص: 15

إخوتى الكرام: للإمام الشاطبى عليه رحمة الله فى كتابه الموافقات فى آخر الجزء الثالث فى صفحة واحد وعشرين وأربعمائة كلام طيب يتعلق بتفسير القرآن بالرأى يقول: المسألة الرابعة عشرة إعمال الرأى فى فى القرآن جاء ذمه وجاء أيضا ما يقتضى إعماله وحسبك من ذلك ما نقل عن الصديق رضي الله عنه فإنه نقل عنه أنه قال وقد سئل فى شىء من القرآن أى سماء تظلنى وأى أرض تقلنى إن أنا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم وبما روى فيه أنه قال إذا قلت فى كتاب الله برأيى فى ذلك اللفظ بما لا أعلم أو برأيى ثم سئل عن الكلالة المذكورة فى القرآن فقال أقول فيها برأيى وفى الطباعة عندكم إخوتى الكرام لا أقول فيها برأيى ولا مفسدة للكلام زائدة لا وجود لها أقول فيها برأيى وقد كنت ذكرت كلام أبى بكر رضي الله عنه سابقا أقول فيها برأيى فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنى ومن الشيطان الكلالة كذا وكذا وتقدم معنى أن الكلالة قلنا هم الورثة الذين ليس فيهم أصل ولا فرع مأخوذة من تكاله إذا أحاط به وهو الإكليل وهؤلاء يحيطون الورثة قلنا بالميت من أطرافه والحواشى لا من الأصول ولا من الفروع وقلنا من الكلال بمعنى الإعياء فيرثون هم بأنهم حواشى لاأصول ولا فروع وهذا إرث سببه ضعيف ولذلك لو وجد أحد من الأصول والفروع لحجب الإخوة.

ويسألونك عن الكلالة هى

انقطاع النسل لا محالة

لا ولد يبقى ولا مولود

انقطع الأبناء والجدود

إذن هنا كيف أبو بكر رضي الله عنه قال أى أرض تقلنى أى سماء تظلنى إذا قلت فى كتاب الله برأيى ثم قال أقول فى الكلالة برأيى لا تعارض يقول فهذان قولان اقتضيا إعمال الرأى وتركه فى القرآن وهما لا يجتمعان والقول فيه أن الرأى ضربان.

أحدهما: جار على موافقة كلام العرب وموافقة الكتاب والسنة فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالم بهما لأمور

ص: 16

أحدها: أن الكتاب لابد من القول فيه ببيان معنى واستنباط حكم وتفسير لفظ وفهم مراد ولن يأتى جميع ذلك كما تقدم معنا فى الأدلة التى تدل على جواز تفسير القرآن بالرأى فإما أن يتوقف دون ذلك فتتعطل الأحكام كلها أو أكثرها وذلك غير ممكن فلا بد من القول فيه بما يليق.

والثانى: أنه لو كان كذلك للزم أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا ذلك كله بالتوقيف فلا يكون لأحد فيه نظر ولا قول والمعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك فدل على أنه لم يكلف به على ذلك الوجه بل بين منه ما لايوصل إلى علمه إلا به وترك كثيرا مما يدركه أرباب الاجتهاد باجتهادهم فلم يلزم فى جميع تفسير القرآن التوقيف.

والثالث: أن الصحابة كانوا أولى بهذا الاحتياط من غيرهم وقد علم أنهم فسروا القرآن على ما فهموا ومن جهتهم بلغنا تفسير معناه والتوقيف ينافى هذا فاطلاق القول بالتوقيف والمنع من الرأى لا يصح.

والرابع: أن هذا الفرض لا يمكن لأن النظر فى القرآن من جهتين من جهة الأمور الشرعية فقد يسلم القول بالتوقيف فيه وترك الرأى والنظر جدلا ومن جهة المآخذ العربية وهذا لا يمكن فيه التوقيف وإلا لزم ذلك فى السلف الأولين، وهو باطل فالازم عنه مثله وبالجملة فهو أوضح من اطناب فيه وأما الرأى غير جارى على موافقة العربية أو الجارى على الأدلة الشرعية أو غير جارى على الأدلة الشرعية فهذا هو الرأى المذموم من غير إشكال كما كان مذموما فى القياس حسبما هو مذكور فى كتاب القياس لأنه تقول على الله بغير برهان فيرجع إلى الكذب على الله تعالى وفى هذا القسم جاء من التهديد بالقول بالرأى فى القرآن ما جاء ثم ختم هذا الجزء بقوله فصل فالذى يستفاد من هذا الموضع أشياء منها التحفظ من القول فى كتاب الله تعالى إلا على بينة فإن الناس فى العلم بالأدوات المحتاج إليها فى التفسير على ثلاث طبقات.

ص: 17

إحداها: من بلغ فى ذلك مبلغ الراسخين كالصحابة والتابعين ومن يليهم رضوان الله عليهم أجمعين وهؤلاء قالوا مع التوقى والتحفظ والهيبة والخوف من الهجوم فحن أولى بذلك منهم إن ظننا بأنفسنا أننا فى العلم والفهم مثلهم وهيهات وأف وتف وتبا وشقاء لمن يقول فى هذا العصر عندما يذكر سلفنا من الصحابة والتابعين هم رجال ونحن رجال نقول هيهات أن نصل إلى تلك الدرجة.

والحالة الثانية: من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه.

والثالث: من شك فى بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد أو ظن ذلك فى بعض علومه دون بعض فهذا أيضا داخل تحت حكم المنع من القول فيه لأن الأصل عدم العلم فعندما يبقى له شك أو تردد فى الدخول مدخل العلماء الراسخين فانسحاب الحكم الأول عليه باق بلا إشكال وكل أحد فقيه نفسه فى هذا المجال كما سأل بعض الإخوة الدرس الماضى ما هى الشروط التى ينبغى للإنسان والعدة التى تكون عنده ليفسر كلام الله وقلت الإنسان على نفسه بصيرة وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره فحسن ظنه بنفسه ودخل فى الكلام فيه مع الراسخين ومن هنا افترقت الفرق وتباينت النحل وظهر فى تفسير القرآن الخلل.

وصفوة الكلام إخوتى الكرام: لتفسير القرآن طريقان طريق مأثور منقول وطريق عن طريق تفسير القرآن بالرأى المبرور وهو مقبول فكل منهما يكمل الآخر ثم بعد ذلك إذا كانت عندك العدة وأهلية البحث والاجتهاد فتستنبط من الآيات ما يلوح لك من حكم وأحكام فلا حجر ولا حظر.

قال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله فى القاعدة التى جمعها فى أصول التفسير يقول الطريق لتفسير القرآن طريقان.

إما نقل مصدق أى يصدق تفسيره وتعول عليه وإما استدلال محقق تحقق به ما تقول

ص: 18

أما النقل فإما أن يكون عن المعصوم عليه صلوات الله وسلامه وإما أن يكون عن غيره فإن كان عن المعصوم أخذ بالصحيح الثابت عنه وطرح ما سواه وإن كان النقل عن غيره وهذا يلخص لنا ما تقدم معنا فى طرق التفسير وإن كان النقل عن غيره فإما أن يكون عن الصحابة فإذا ثبت التفسير عنهم فالنفس تميل إلى قبول ذلك وتسكن إليه وإما أن يكون عن التابعين فإذا نقل التفسير عنهم وثبت فالنفس تسكن لقبوله أقل من سكونها لتفسير الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وأما أخبار أهل الكتاب مما ليس فى أيدينا ما يشهد بصدقها أو كذبها فعامة ذلك لا فائدة منه فالأولى عدم الاشتغال به هذا النقل عن غير المعصوم والنقل الأول عن المعصوم عليه صلوات الله وسلامه وأما الاستدلال المحقق فالخطأ يقع فيه من جهتين أن يكون عند المفسر المستدل اعتقاد وعنده ميل إلى معنى من المعانى فيحمل القرآن على هذا المعنى فتارة يكذب ما دل القرآن عليه وتارة يحمل القرآن ما لا يدل عليه وهو فى الحالتين إما أن يقصد حقا أو باطلا فإن قصد باطلا أخطأ فى الدليل والمدلول كما تقدم معنا فى تفسير الشيعة ويوم يعض الظالم على يديه أبو بكر يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا عمر لقد أضلنى عن الذكر بعد إن جاءنى على أخطأوا فى الدليل والمدلول قصدوا باطلا واستدلوا بما لا دلالة فيه على هذا، وإما أن يخطأوا فى الدليل لا فى المدلول هم يريدون حقا لكن استدلوا بما لا يدل عليه اذهب إلى فرعون إنه طغى إلى نفسك.

ص: 19

قاتلوا الذين يلونكم من الكفار أنفسكم لا بد من جهاد النفس لكن الاستدلال بهذه الآيات خطأ فى الدليل، فإذا قصدوا باطلا أخطأوا فى الدليل والمدلول وإذا قصدوا حقا أخطأوا فى الدليل والمدلول صحيح لم يخطأوا فيه فنصوص الشرع تدل على ما ذكر لكن هذا النص لا يدل على ذلك فحملوه ما لا يحتمل وكما تقدم معنا فى تفسير قول الله {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} تقدم معنا مثل هذا فإذن إما أن يخطأوا فى الدليل والمدلول وإما أن يخطأوا فى الدليل لا فى المدلول

إخوتى الكرام إذا علمنا ما تقدم عندنا تنبيه نختم به الكلام على هذه المقدمة ثم نشرع بعد ذلك فى تفسير سورة من كلام ربنا جل وعلا.

إذا علمنا أن التفسير بالرأى بالصفات والاعتبارات والشروط المتقدمة متفق على جوازه فما ينبغى أن يحصل عندنا شىء من التوقف فيما نقل عن بعض العلماء من التفرقة بين التفسير والتأويل بأن التفسير ينصرف إلى حالة معينة والتأويل ينصرف إلى حالة معينة فذلك اصطلاح بهم يقول الإمام البغوى عليه رحمة الله وهو متوفى سنة ست عشرة وخمسمائة عليه رحمة الله وسليمان الجمل فى حاشيته على الجلالين توفى سنة ألف ومائتين وأربعة للهجرة وبينهما الإمام الزركشى فى البرهان متوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة يقول هؤلاء الأئمة:

? التفسير تعيين معنى اللفظ بواسطة قرآن أو سنة أو أثر أى من كلام منقول عن الصحابة والتابعين.

? وأما التأويل فهو ترجيح أحد المحتملات بلا قطع وقالوا التأويل صرف الآية إلى معنى محتمل يوافق ما قبلها وما بعدها ولا يخالف الكتاب والسنة عن طريق الاستنباط.

ص: 20

فما قالوه من التفرقة بين التفسير والتأويل هذا اصطلاح لهم إذا قلنا تفسير بالرأى هم يقولون لا لا يجوز أن نطلق عليه تفسيرا التفسير تعيين معنى اللفظ بواسطة سنة أو كتاب أو أثر وإذا فسرنا القرآن عن غير هذه الطريقة فنقول لهذا إنه تأويل نقول هذا اصطلاح لكم لكن صنيع جمهور العلماء أن التفسير والتأويل بمعنى واحد وهذا الذى مشى عليه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير عليه رحمة الله فى تفسير جامع بيان القرآن جامع البيان فى تفسير القرآن وهذا الذى نقله الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى الجزء الأول صفحة أربعة عن الجمهور فقال التفسير والتأويل بمعنى واحد وقال الشيخ محمد الطاهر عاشور فى كتابه التفسير والتحريف فى الجزء الأول صفحة إحدى عشرة اللغة والآثار تشهد أنهما بمعنى واحد لأن التأويل مصدر أوله يأوله تأويلا وهو أرجعه إلى معناه إلى الغاية التى يعود إليها إلى المعنى الحقيقى له، والتفسير من الفسر وهو الكشف والبيان وهذا هو بمعنى التأويل فكل تفسير تأويل وكل تأويل تفسير فالتاويل والتفسير بمعنى واحد وأما اصطلاح بعض العلماء على أن التفسير خاص بالرواية بتفسير القرآن بالقرآن أو السنة أو الأثر وأما التأويل فهذا خاص بالدراية عن طريق إعمال الرأى والاستنباط هذا اصطلاح لأولئك الأئمة والعلماء ولا مشاحة فى الاصطلاح كما يقول أئمتنا عليهم رحمات ربنا.

إخوتى الكرام: بعد هذه المقدمة التى أخذت منا بعض الدروس فى بيان منزلة كلام الله جل وعلا وأثره فى بنى الناس وبيان الطرق المحكمة لتفسير كلام الله جل وعلا نعود لنشرع فى تفسير سورة من السور وقد استشرت عددا من الإخوة فى اختيار سورة نبدأ بها تكفينا لنهاية هذه السنة ثم إن أحيانا الله بعد ذلك لسنوات أخرى نأخذ سورة أخرى وأشار على عدد من الإخوة بعدد من السور كل واحد يشير إلى سورة إلى أن اخترت سورة من السور سبب اختيارى لها ثلاثة أمور.

ص: 21

أولها: علم الله ما قرأته فى الأسبوع الماضى فى الجزء الذى فيه ترجمة الإمام أحمد عليه رحمة الله فى سير أعلام النبلاء وهو الجزء الحادى عشر كنت أقرأ فى ترجمة إمام أهل السنة والجماعة وشيخهم بلا نزاع فلفت نظرى ترجمة بعض علماء هذه الأمة اطلق عليه بأنه لقمان هذه الأمة فقلت لعل فى ذلك إشارة إلى نبدأ بتفسير سورة لقمان وهذا العبد الصالح الذى قيل أنه لقمان هذه الأمة وهذا الأسم يفشو ويسمى به كثير من العجم فى هذه الأيام أما العرب فقد أهملوه ما رأيت عربيا يسمى ولده بلقمان ولا سمعت لما وقفت أما العجم فكانوا بكثرة كان عدد من الإخوة الطلاب من بلاد ساحل العاج فى كلية الشريعة فى أبها اسمه لقمان وهكذا من الصومال لقمان يسمون أنفسهم بهذا فالتسمية بهذا الإسم المبارك سبقونا إليه فهذا الإسم الذى مر معى فى سير أعلام النبلاء فى لقب عالم من علماء هذه الأمة نعت بلقمان وهو حاتم الأصم توفى سنة سبع وثلاثين ومائتين للهجرة وسمى بالأصم لا لصمم وثقل فى أذنيه تتلى عليه آياتنا ولى كأن لم يسمعها كأن فى وقرا فى سورة لقمان التى سنتدارسها {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا} أى ثقلا {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا} فالصمم ليس فى أذنيه خلقة لا إنما نعت بذلك لصفة جليلة فيه ولا غرو فى ذلك فهو لقمان هذه الأمة والحكمة وضع الشىء فى مواضعها جاءت امرأة تستفتيه عن بعض أمورها وهى جالسة عنده تستفتيه أحدثت وخرج صوت من تحت ثيابها وحقيقة الموقف فى غاية الإحراج امرأة أمام رجل تستفتيه فخرج منها هذا الأمر بغير قصد ولا شعور فقال ماذا تقولين قالت أسألك عن كذا قال ارفعى صوتك فلا أسمع فرفعت فقال لا أسمع حتى رفعت صوتها بحيث ارتجت الغرفة فعلمت أنه لم يشعر بها فما انكسر خاطرها هذا لقمان هذه الأمة وضع الشىء فى موضعه لقمان هذه الأمة حاتم الأصم لا لصمم فى أذنيه إنما هو أظهر

ص: 22

لها الصمم لئلا تحرج مما جرى منها بدون قصد رحم الله علماء سلفنا الأبرار.

حاتم الأصم نعته الذهبى فى سير أعلام النبلاء لما رأيت هذه النعت هذا اللقب له لقمان هذه الأمة يقول هو الإمام الزاهد القدوة الربانى إذا كنا سنتدارس السورة التى تسمى باسم هذا الإنسان وباسم حكيم فى الزمن القديم وهو لقمان فلنعرف شيئا من حكمة لقمان هذه الأمة لنتتقل بعد ذلك إلى حكمة لقمان الأمم السابقة زاهد قدوة ربانى قال له الإمام أحمد سائلا مسترشدا وناهيك بذلك منقبة لحاتم الأصم كيف الخلاص من الناس وتوفى قبل الإمام أحمد بأربع سنين وأما الإمام أحمد عليه رحمة الله توفى سنة واحد وأربعين ومائتين وهذا قلنا سنة سبع وثلاثين ومائتين قال كيف الخلاص من الناس قال بثلاثة أمور ولا أراك تسلم منهم، تعطيهم مالك فلا تأخذ من مالهم شيئا أنت ساعدهم وأحسن إليهم وإياك أن تطلب الإحسان من أحد، تقضى حقوقهم ولا تستقضى من أحد منهم حقا لك الحقوق التى للناس اقضيها وقم بها على أتم ما يكون ولا تستقضى من أحد حقا ولا تطلب منه قضاء حاجة، تتحمل مكرهم وضرهم وأذاهم ولا تقابلهم بشىء من ذلك فإذا آذوك حملوك مكروها تتحمل فأما أنت فلا تقابلهم بشىء من ذلك ولا أراك تسلم إذا قمت هذا نحو الناس لا أراك تسلم.

وحقيقة هذا من الحكم من الحكم التى أنطق الله بها هذا الإنسان فأعطهم ولا تأخذ واقض حقوقهم ولا تطلب منهم قضاء حقك آذوك لا تقابلهم بالمثل مع ذلك تسلم لا أراك تسلم، وكان يقول اصحب الناس كما تصحب النار انتفع منها واحذر ضررها وهكذا الناس.

لاتشتغل بالعتب يوما للورى

فيضيع وقتك والزمان قصير

وعلام تعتبهم وأنت مصدق

إن الأمور جرى بها المقدور

هم لم يوفوا للإله بحق

أتريد توفية وأنت حقير

فاشهد حقوقهم عليك وقم بها

واستوف منك لهم وأنت صبور

ص: 23

فالإمام أحمد عليه رحمة الله يسأل هذا العبد الصالح الذى لقب ونعت بلقمان عن كيفية الخلاص من الناس أرشده إلى هذه الأمور الثلاثة ثم قال له ولا أراك تسلم

وقال له مرة رجل عظنى فقال إذا أردت أن تعصى الله فاعصه فى مكان لا يراك وهذا لا يمكن أن يكون وعليه احذر معصية الحى القيوم هذا المعنى الذى يشير إليه هذا العبد الصالح كما يقول شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان هو أعظم زاجر وأبلغ رادع نزل من السماء إلى الأرض ولا تقلب ورقة من ورقات المصحف إلا وترى هذا المعنى فيه لأن الله يعلم سرنا ونجوانا وهو معنا أينما كنا {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور} .

هذا المعنى لا تخلو منه صفحة من صفحات القرآن إذا أردت ان تعصى الله فاعصه فى مكان لا يراك.

وكان يقول هذا العبد الصالح إذا جلس إلى واحد منا صاحب خبر أى ينقل الأخبار نحترز يقول وخبرك وكلامك يعرض على الله أفلا تحترز قال الإمام الذهبى معلقا على هذا هكذا كانت إشارات القوم ونكتهم لا كما أحدث المتأخرون أى ممن ينتمون إلى التنسك والعبادة والزهد والتقشف من المحو ومن الفناء ومن ومن بحيث أداهم بعد ذلك إلى القول بالحلول أو اتحاد الخالق مع المخلوق.

ص: 24

أحدنا إذا جلس إليه صاحب ينقل الخبر يحترز فكلامك يعرض على الله جل وعلا أفلا تحترز إذا قيل لك هذا من المخابرات جلس إليك وسينقل الكلام ومعه شريط تسجيل فى تلك الجلسة لا أقول أنك تداهن لكن تحترز بعض الشىء تقول لا داعى أن أعطيه ممسكا على أرج هذا لجلسة أخرى فإذا أنت بين يدى الله ولا تخفى عليه منك خافية فاحترز يا عبد الله يا عبد الله احترز واتق ربك جل وعلا فهو معك أينما كنت لا تخفى عليه خافية من أمرك وكان يقول تعاهد نفسك عند ثلاث إذا عملت فاعلم أن الله يراك وإذا تكلمت فاعلم أن الله يسمعك وإذا سكت فاعلم أن الله جل وعلا يعلم ما فى قلبك فى حال عملك أو نطقك أو سكوتك راقب هذه الأمور.

وكان يقول وهذا من الحكم التى تخرج من مشكاة اتباعه لنبوة نبينا عليه الصلاة والسلام العجلة من الشيطان إلا فى خمس إطعام الضيف {فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين} لا تقل العجلة ولا داعى لأن نقدم ضيافة بحيث يجلس عندك ساعة وينصرف وما شربوا ماء وإذا أراد الانصراف تقول نضيفك لا فراغ والروغان ذهاب بسرعة مع خفية بحيث لا يشعر الضيف إلا وقد حصل أمامه الضيافة مما قسم الله وقدر إطعام الضيف.

والتوبة من الذنب وتجهيز الميت وتزويج البكر وقضاء الدين.

ص: 25

العجلة من الشيطان إلا فى خمس وهذا مأخوذ من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، ثبت فى مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى فى الجزء الأول صفحة ثلاث وستين عن سعد ابن أبى وقاص رضي الله عنه والحديث رواه أبو داود فى سننه رواه البيهقى فى شعب الإيمان عن سعد رضي الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال التؤدة من الله إلا فى عمل الآخرة التؤدة أى التأنى والتمهل التؤدة من الله إلا فى عمل الآخرة التؤدة تمهل وعدم العجلة التؤدة من الله إلا فى عمل الآخرة أى فى القربات فهذه سارع فيها كما قال الله {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وأما ماعدا ذلك {فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} التؤدة من الله إلا فى عمل الآخرة.

وورد فى سنن الترمذى وقال إنه غريب وما أرى إسناده بمتصل عن على رضي الله عنه ومعناه يشهد له حديث سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعلى [يا على ثلاثة لا تؤخر الصلاة إذا آنت أى حضرت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفئا] وعليه العجلة من الشيطان هذا فى غير طاعة الرحمن وأما فى طاعة الله فعجل وسارع {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} وهذا لفظ حديث أيضا قال عنه الترمذى غريب عن سهل ابن سعد [العجلة من الشيطان] وقلنا هذا فى غير طاعة الرحمن جل وعلا ففى طاعة الله سارع وعجل ما استطعت، هذا العبد الصالح نعت بلقمان هذه الأمة ولذلك هذا أحد أسباب ثلاثة دعتنى إلى البدء بتفسير سورة لقمان.

ص: 26

إخوتى الكرام: عندنا عبد صالح آخر فى هذه الأمة نعت بحكيم هذه الأمة لا بلفظ لقمان بلفظ الحكمة وقيل له إنه ممثل هذه الأمة حكيم هذه الأمة ممثل هذه الأمة نعته بذلك كعب الأحبار كما ثبت هذا فى الحلية وتاريخ دمشق لابن عساكر بسند صحيح والأثر منقول فى سير أعلام النبلاء ذاك العبد الثانى الصالح الذى نعت بحكيم هذه الأمة وبممثل هذه الأمة هو أبو مسلم الخولانى الذى توفى سنة اثنتين وستين وبعد معاوية رضي الله عنهم أجمعين بسنتين وقيل توفى قبل الستين أى قبل معاوية رضي الله عنهم أجمعين سنة اثنتين وستين للهجرة قال عنه الذهبى فى سير أعلام النبلاء سيد التابعين وزاهد العصر وشيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى الجزء الرابع صفحة خمسة عند تفسير قول الله {فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار} أطلق هذا اللقب على عون ابن عبد الله فرجعت إلى ترجمة عون ابن عبد الله فما رأيت أحدا نعته بهذا النعت إنما نعت حكيم هذه الأمة أطلق على أبى مسلم الخولانى ونعت لقمان أطلق على حاتم الأصم أبو مسلم الخولانى أسلم فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام فى اليمن ولم ير النبى عليه الصلاة والسلام وأخذه الأسود العنسى الذى ادعى النبوة وأحرقه بالنار وقبل أن يحرقه قال أتشهد أن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال نعم قال أتشهد أنى رسول الله قال لاأسمع فأوقد نارا عظيمة وألقاه فيها فجعلها الله عليه بردا وسلاما ثم قال له قومه إذا بقى هذا فى اليمن سيفتن عنك أصحابك فنفاه من اليمن فجاء إلى المدينة المنورة فى خلافة أبى بكر بعد موت النبى عليه الصلاة والسلام فعمر الذى هو سيد المحدثين فى هذه الأمة كما ثبت فى الصحيحين بشهادة نبينا عليه الصلاة والسلام قد كان فى الأمم قبلكم محدثون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن فى أمتى أحد منهم فعمر رآه عمر لما دخل المسجد ورأى فى وجهه أثر النور فجاء إليه وقال من أين الرجل قال من اليمن قال أتعرف عبد الله ابن ثوب وهو

ص: 27

اسم أبو مسلم الخولانى قال وماذا تريد منه قال أسألك عنه قال أنا هو فقام عمر رضي الله عنه وعانقه وأخذه إلى أبى بكر وأجلسه بينه وبين أبى بكر وبدئا يبكيان وقال عمر الحمد لله الذى لم يمتنى حتى أرانى فى هذه الأمة رجلا يشبه خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أى كيف ألقى فى النار وجعلها الله عليه بردا وسلاما.

وهكذا هذا العبد الصالح حكيم هذه الأمة أبو مسلم الخولانى الذى توفى سنة اثنتين وستين على أبعد تقدير نعت أيضا بأنه حكيم هذه الأمة هذا الأمر الأول إخوتى الكرام الذى دعانى لاختيار تفسير سورة لقمان.

أما الأمر الثانى: فهو فى الحقيقة ليس وليد هذه الأسبوع وليس قريب حديث إنما معانى تدور فى نفس الإنسان فى معنى الحكمة والحكمة ضيعت من زمن ولا أسفه ولا أحمق ولا أغبى من العصر الذى نعيش فيه وما أظن أنه مر على هذه الدنيا حواكم ركب الناس فيها رؤوسهم وهم يحسبون أنهم على خير كالحياة التى نعيش فيها بلاء وانحراف وشطط وكفر خيم فى أرجاء المعمورة ومع ذلك يراد منا أن نقول إننا فى صحوة ووعى والأمة كلمتها ظاهرة ودين الله جل وعلا قوى ويتحاكم إليه وقد نبذه الناس وراء ظهورهم وظهر الكفر البواح فى أرجاء المعمورة.

الحكمة تتلخص فى أنها وضع الشىء فى موضعه فلا بد إذن من أن نتعرف على هذه السورة التى عالجت هذه الحكمة وبينت معناها لنرى واقعنا هل يسير على حكمة أو على سفاهة وعته؟

إخوتى الكرام: الحكمة كما قلت وضع الشىء فى موضعه وهذا العبد ينبغى أن يضع نفسه موضعها فهوعبد لرب فله إله جل وعلا خلقه وأوجده فينبغى أن تكون بين هذا العبد وبين ذلك الرب صلة قائمة على دينونة هذا العبد لربه جل وعلا، وهذا هو رأس الحكمة {ولقد آتينا لقمان الحكمة إن اشكر لله ومن يشكر فأنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غنى حميد} .

ص: 28

أعرض الناس عن دين الله فى هذا الوقت فالأخلاق ضاعت لضياع الدين لأن الأخلاق بلا دين لا يمكن أن تثبت ولا أن تحصل ولا أن توجد والأمة بلا أخلاق حياتها حياة غابة لا رباط بينهم وبين ربهم ولا صلة بينهم وبين بعضهم وهذا هو حالنا إذا وجد الدين فى الناس وجد عندهم خلق ووجد عندهم حياء من ربهم فرأس الحكمة مخافة الله ومخافة الله لا تحصل إلا إذا تدين الإنسان تدينا صحيحا فأفرد الله بالعبادة حسبما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم.

إخوتى الكرام: حالنا مرير مرير وإذا كان الإمام أحمد عليه رحمة الله يقول فى القرن الثالث إذا رأيتم شيئا مستقيما فتعجبوا فما أعلم ماذا يقول لو أدرك حالنا إذا رأيتم شيئا مستقيما فى القرن الثالث فتعحبوا والله إن الأصل فينا الكذب والخيانة والاعوجاج وإظهار خلاف ما نبطن والاحتيال والنكر والخديعة ولا ينجو من هذا إلا من رحم ربك وقليل ما هم.

ص: 29

إذا رأيت شيئا مستقيما فتعجب قال مرة بعض الآباء لابنه إبغينى ايتنى بقثاءة مستقيمة القثاء معروف من فصيلة الخيار قثاء تؤكل والقثاء قل أن تحصل واحدة مستقيمة لابد من وجود التواء فيها وأحيانا تكون ملتوية كالدائرة تماما طرفاها يجتمعان والوسط فارغ فذهب الولد يبحث فى بستان القثاء حتى وجد واحدة فيها شىء من الاستواء ولا التواء فيها فقال لوالده هذه قثاءة مستقيمة قال يا ولدى هذه معوجة قال لا يوجد فى البستان من هى مستوية أكثر من هذه قال أنا آتيك بقثاءة مستوية مستقيمة فذهب وأتاه بقثاءة منحنية كالحية عندما تلف على نفسها قال هذه مستقيمة قال سبحان الله هذه فيها ميل يسير تقول منحرفة وهذه مدورة تقول مستقيمة قال يا ولدى الأصل فى القثاء الاعوجاج فالاعوجاج فيه مستقيم والمستقيم فيه معوج والأصل فى حالنا كذلك وتعارف القوم الذين عرفتهم بالمنكرات فعطل الإنكار أستغفر الله وتعارف القوم الذين عرفتهم بالمنكرات فأنكر الإنكار ليس عطل إذا أنكرت منكرا ينكر عليك إنكارك ليس التعطيل التعطيل لإنكار هذا ذهب من فترة إنما صار إنكار على المنكر ينكر المنكر فينكر عليه وتعارف القوم الذين عرفتهم بالمنكرات فأنكر الإنكار.

إخوتى الكرام: زمن وضعت فيه الأمور فى غير مواضعها الرجال تخنثوا النساء ترجلوا امرأة تترجل رجل يتخنث أيها الرجل ابقى رجلا يقول لا لازم أغير خلقتى التى خلقنى الله عليها أتخنث فى حلق اللحية وجر الثوب يا أمة الله أنت أنثى حافظى على الأنوثة تقول لازم أترجل الحكمة وضع الشىء فى موضعه الرجل أمر بتقصير ثوبه وأزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه يجر تحت كعبيه.

المرأة أمرت أن تجر ترفع فوق الركبة أمرت أن تسدل شعرها تستأصله أمر أن يعفى شعر لحيته يستأصله.

الرجل يتخنث والمرأة تترجل هذه حكمة وضع الشىء فى غير موضعه.

ص: 30

الظلم والغصب كان معنا من أيام مبحث الغصب فى أبواب الفقه قلت لهم إخوتى الكرام ما أعلم بقعة على وجه الأرض سلمت من الغصب والغصب كان سابقا بحالة فردية لكنه صار الآن بحالة نظامية.

المكث الضرائب لا يتحرك الإنسان إلا ويدفع ضريبة على جواز سفره على إقامته على تسجيل عقاره على تسجيل ولده على تسجيل نكاحه حتى لو أراد أن يقدم دعوة للمحكمة الشرعية لا بد أن يدفع عليها مكثا وضريبة باسم الرسوم.

قد أفسدوا فى الأرض باسم

صلاحها إذ بدلوا أحكامه بنظام

وكنا نتدارس أحكام الموات وأنه يحق لأهل الذمة فضلا عن المسلمين ان يحيوا الموات فى مذهب الحنابلة ومذهب الإمام أبى حنيفة وهذا المعتمد من حيث الدليل [فمن أحيا أرضا ميتة فهى له] الأرض التى ليست مختصة بالعامر ولا يملكها معصوم للذمى يملك الحق أن يحيها دون إذن الإمام عند الجمهور هذا متى عندما كان الناس ينتمون إلى الإسلام ولا رابطة بينهم إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وأما الآن فلا يسمح للمسلم بدخول البلدة الإسلامية وإذا سمح فيحدد له الإقامة وإذا أراد أن يتملك تضرب رقبته فكيف سيحيى مواتا فى بلاد الإسلام.

قلت كان بحث إحياء الموات موجودا عند الأمة الإسلامية عندما كان يوجد أحياء لكن الأمة ماتت ،ماتت فى الحكم لا فى الواقع ولو ماتت فى الواقع لكان أسلم لها وأخف عاقبة، لو أراد أجنبى أن يحيى مواتا فى بلاد الإسلام وهو مسلم لكن على تعريف تلك البلاد أجنبى متى كان المسلم أجنياعن بلاد الإسلام؟ والله يقول {إنما المؤمنون إخوة} ومن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله فى ذمته هذه حكمة.

ص: 31

كنت اسافر فأنزل فى صالة المطار المسلم الموحد يعذب بحيث هو آخر من يخرج من المطار إلى البلدة عندما يأتى إلى تلك البلدة وهو آخر من يخرج من المطار من ذلك المطار إلى الطائرة عندما يريد أن يسافر ثم أسرح نظرى إلى هؤلاء الكفرة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا صالات خاصة لا تفتش أمتعتهم معنا لئلا يجدون شيئا من نتنا هؤلاء لهم ميزة علينا صلات لا يفتح الوحد منهم شنطة وتؤخذ لهم التحيات وهؤلاء سادة البلاد وهم قدوة مثلى للناس وأما المسلم الذى على رأسه عمة وفى وجهه لحية هذا احترس منه وانظر إليه وراقبه بما استطعت من أسلحة هذه حكمة.

أمة إسلامية تعامل المسلمين بهذه الحالة وأمام الكفرة تطأطأ رؤوسها هذه حكمة.

فلابد من أن نقف عند الحكمة بعض الوقفات.

إخوتى الكرام: مع هذه الحالة التى نحن فيها يأتى الكاتب الضال المضل خالد محمد خالد ليتكلم على الشباب الذين يطالبون بإعادة حكم الله فى أرض الله بين عباد الله فيقول يوجد إيه من خصال الجاهلية فى هذه الحياة ماذا يوجد من خصال الجاهلية الناس يخرون لله ركعا وسجدا وكونه يوجد سفور وزنا هذا وجد فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام ثم يقول هذا الضال المجرم الذى أثنى على لينين بكلام يندى له الجبين ولا يستطيع أن ينطق به مسلم يقول هذا فى جريدة الوفد يقول قد يعترضون بأن بعض الأحكام كالحدود وغيرها لا توجد فى القوانين فنقول لهم إن القوانين وإن أهملت بعض الأحكام فهى أيضا إسلامية كيف هذا والله قال كلاما لو قلنا لإبليس ترضاه لقال لا ولو عرضناه على الحمار الذى يقول الله عنه فى سورة لقمان {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} تقر هذا الكلام لرفع صوته وقال لا لا لا كيف هذه القوانين إسلامية قال لأنها تمشى مع روح الشريعة.

ما هى روح الشريعة فى تعطيل الحدود وإباحة العهر والزنا والسفور والبنوك الربوية قال روح الشريعة المصلحة.

ص: 32

فالشريعة جاءت لرعاية مصالح العباد والقوانين الوضعية وإن ألغت نصوصا جزئية فقد أخذت بروح الشريعة فهى إسلامية فى حال إلغائها لكلام خير البرية عليه الصلاة والسلام كفر يستحى منه الشيطان ولا ينزل الحمار إلى هذا المستوى مع هذا الضلال يقال هذا الكلام ثم عندما نقول يا عباد الله الأمة وصل الأمر بها إلى هذا الأمر يقولون لا تتشائم الصحوة قائمة والأمة فى يقظة وفى وعى وفى وفى

لهذا السبب الثانى أردت أن أبدأ بسورة لقمان لنضع أيدينا على الحكمة وهل نحن نسير على حكمة أو على سفاهة؟

أما السبب الثالث فهو فى الحقيقة جدير بالاعتبار جدا وهى أن هذه السورة مكية فلا بد من البحث فى طبيعة القرآن المكى وسأتكلم على طبيعة القرآن المكى وكيف كان النبى عليه الصلاة والسلام يقرر تلك الطبيعة ثلاث عشرة سنة فى قلوب العباد حتى آتت بعد ذلك هذه القلوب ثمارها فكانوا خير أمة أخرجت للناس نتكلم على الأمر الثالث وندخل فى تفسير السورة فى أول الدرس الآتى إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 33