الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة التفسير (9)
(دروس تفسير)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التفسير 9
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.
{ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] .
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
[آل عمران/102] .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] .
أما بعد: معشر الإخوة الكرام..
مضى عشر محاضرات لمقدمة فى التفسير وبعد الانتهاء من تلك المقدمة نتدارس بعون الله وتوفيقه فى هذه المعظة ما يتعلق بسورة لقمان وقبل أن ندخل فى تفسير آيات هذه السورة الكريمة ينبغى على كل دارس لتفسير سورة من سور القرآن فى بداية تفسيرها تفسير أى سورة منها أن يتكلم عن ملامح ومعالم لتلك السورة بحيث يثبت لها شخصيتها التى تتميز بها عن غيرها من سور القرآن الكريم وهذه الملامح وتلك المعالم تدور حول سبعة أمور لا بد من الكلام عليها عند البدء فى تفسير سورة من سور القرآن العظيم.
المعلم الأول والأمر الأول: من هذه الأمور السبعة أن يبن الإنسان معنى السورة سورة لقمان ما معنى السورة والبيان يكون فيما يتعلق ببيان هذا اللفظ من حيث معناه فى اللغة ومن حيث معناه فى الاصطلاح فى بيان معنى السورة فى القرآن الكريم.
أما السورة فى اللغة فتطلق على أربعة معانى.
أولها: على المنزلة العالية الرفيعة يقال لها سورة منزلة عالية رفيعة قال النابغة الزريانى يمدح هرم ابن سنان:
ألم تر أن الله أعطاك سورة
…
ترى كل ملك دونها يتذبذب
أى منزلة منزلة عالية رفيعة.
والمعنى الثانى: الذى تطلق عليه لفظ السورة فى اللغة العربية بمعنى الإحاطة والجمع ومنه سور البلد لأنه يحيط بها من جميع أطرافها.
والمعنى الثالث: يأتى بمعنى الكمال والتمام ومن قول العرب ناقة سورة إذا كانت كاملة فيها الصفات التى يرغب الناس فيها ناقة سورة ممتلئة سمنا وجمالا وبهاء وحسنا.
وتأتى السورة بمعنى القطعة والبقية والجزء من الشىء ومنه سؤر الإناء، وعلى هذا فأصل سورة كما قال الإمام ابن كثير فى تفسيره سؤرة خففت هذه الكلمة بتحويل الهمزة إلى واو سورة سؤرة لما كانت الهمزة ساكنة وقبلها مضموم حذفت من باب التخفيف وحولت إلى واو فقيل سورة وجمع السورة سور وسورات وسوارات كما قرر هذا أئمة اللغة كالإمام ابن منظور وغيره فى لسان العرب: إن بمعنى المنزلة العالية الرفيعة بمعنى الجمع والإحاطة بمعنى التمام والكمال بمعنى الجزء والبقية.
هذه المعانى الأربعة فى اللغة العربية للسورة كلها موجودة فى سورة القرآن وسورة القرآن لها منزلة عالية رفيعة وكيف لا وقد تحداهم بها {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} وليس بعد هذه المنزلة منزلة وليس بعد هذه الرفعة رفعة أن هذه السورة فيها الإعجاز الذى تحدى الله به الأولين والآخرين من إنسهم وجنهم فإذن فيها معنى الإبانة والارتفاع والعلو علو المنزلة والقدر.
وسورة القرآن فيها معنى الإحاطة فهى تحيط السورة تحيط بعدد من الآيات أقلها ثلاث كما سيأتينا تحيط بجمل من الحكم والأحكام فهذه السورة أحاطت بآياتها وبحكمها وأحكامها وهى كاملة تامة ليس فيها خلل ولا نقص لا فى لفظها ولا فى معناها {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} ، {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ، وهى جزء قطعة وبقية وبعض من القرآن الكريم المكون من مائة وأربع عشرة سورة.
إذن المعانى الأربعة اللغوية موجودة فى السورة القرآنية علو بمعنى العلو والارتفاع بمعنى الإحاطة بمعنى الكمال والتمام بمعنى الجزء والبقية.
هذه معانى السورة فى اللغة العربية.
وأما فى الاصطلاح: فقال الإمام الجعبرى إبراهيم ابن عمر أبو إسحاق المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة للهجرة الإمام الجعبرى يقول فى تعريف السورة القرآنية فى الاصطلاح كما نقل ذلك عنه الإمام السيوطى فى الإتقان يقول السورة القرآنية هى قرآن مشتمل على آى ذى عدد لها فاتحة وخاتمة أقلها ثلاث آيات إذن هى قرآن مشتملة على عدد من الآيات لها فاتحة وخاتمة بداية ونهاية أقل سور القرآن ثلاث آيات وهى سورة الكوثر وأطول سور القرآن سورة البقرة ست وثمانين ومائتا آية ومجمع سور القرآن كما قلت أربع عشرة ومائة سورة فإذن قرآن يشتمل على آى ذى عدد لها بداية ولها نهاية أقلها ثلاث آيات.
إخوتى الكرام: سورة لقمان هذه السورة سميت بسورة لقمان وكل سورة من سور القرآن سميت باسم من الأسماء كما سيأتينا هذا عند بيان أسماء سور القرآن لو قال قائل ما الحكمة من هذا التسمية لما لم يجعل الله جل وعلا كتابه سورة واحدة ديوانا واحدا يبتدىء من آية أولى وينتهى بعد ذلك بآخر آية دون أن يسور؟
والجواب لذلك حكم كثيرة أبرزها ثلاث حكم:
الحكمة الأولى: تيسير مدارسته وحفظه وتشويق العباد إلى ذلك فلو كان القرآن كله متتابعا ليس لبعضه بداية ولا نهاية يبتدىء الإنسان أول آية منه الحمد لله رب العالمين من سورة الفاتحة ثم بعد ذلك يبقى مسترسلا فى الآيات إلى نهاية سورة الناس لما حصل فى ذلك تشويق للعباد إلى هذا القرآن الكريم كما لو كان مسورا الإنسان عندما يقبل على القرآن إذا لم يكن مسورا يقرأ يقرأ يقرأ ثم يقال له هل حفظت القرآن يقول لا هل حفظت شيئا منه يقول نعم لكن ما حفظت جزءا محددا سورة سورة شىء لا يوجد لا زلت أحفظ آيات متتابعة أما هعنا وحقيقة عندما يقال للإنسان القرآن أربع عشرة ومائة سورة كم حفظت يقول حفظت عشر سور القرآن يعنى إحدى عشرة سورة وقد تكون هذه السور الإحدى عشرة لا تملأ ثلاث صفحات من القرآن من قصار المفصل لكن هو حقيقة يشعر بأنه قد أخذ جزءا واضحا قطعة معلومة من القرآن حفظ الفاتحة سورة مستقلة حفظ الصمد الإخلاص سورة كاملة حفظ الكوثر سورة كاملة فيحصل فى هذا شىء من التشويق والارتياح والرغبة فى مدارسة القرآن وحفظه يقول أنا حفظت خمسين سورة من سور القرآن حقيقة هذا مما ترتاح له النفوس وتبتهج له القلوب فسور القرآن وجعل سورا لترغيب العباد وحثهم على مدارسته وحفظه.
الحكمة الثانية: والفائدة الثانية من تسوير القرآن للدلالة على موضوع السورة فكل سورة لها موضوع معين عالجته فلو كان القرآن متتابعا لما أمكنك أن تحدد الموضوع الذى تريد أن تنظر فيه فى مكان معين فمثلا الذى يريد أن يبحث عن حديث الله جل وعلا عن النحل وفى أى مكان ذكر الله هذا مباشرة تقول له افتح سورة النحل: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون} إلى آخر ذلك من الآيات وهكذا الذى يريد أن يعلم حديث القرآن عن العنكبوت وهكذا عن غير ذلك من الأمور عن قصة البقرة فإذن كل سورة عالجت فى الغالب موضوعا معينا ولذلك سميت باسمه فللدلالة على موضوع السورة سور القرآن وجعل سورا ليكون اسم تلك السورة دالا على ذلك الموضوع وسور القرآن تسمى بأشهر شىء فيها مما هو مستغرب أو نادر تكرر ذكره لما فيه من حكمة عجيبة إما فيما يتعلق بخلقه أو صفة من أوصافه أو فيما يتعلق به من الأحكام المتعلقة به سورة النساء سميت بهذا كرر الله ذكر النساء فى سورة النساء عشرين مرة ثم بعد ذلك عندما يتأمل الإنسان هذه الأحكام يرى حقيقة أن السورة أهلا لأن تسمى بسورة النساء ففيها قضى الله على عادات الجاهلية الذين كانوا لا يعدون النساء شيئا بل كانوا لا يذكرون النساء إلا فى مقام التحقير فلها سورة كاملة للنساء وفى ذلك أيضا التحذير مما وقعوا فيهن ونحوهن من الفتنة فإذن لفت الله أنظار العباد إلى هذين الأمرين هذه مكرمة ولها قدر ثم بعد ذلك يخشى منها كل فتنة وغيا فكان كفر من كفر من المتقدمين من قبل النساء وسيكون كفر من سيأتى من اللاحقين من قبل النساء كما ثبت هذا عن ابن عباس رضي الله عنه سميت بهذا الإسم دلالة على الموضوع الذى عالجته وتكرر فيها أكثر من غيرها فإذن هذه حكمة ثانية من أجلها سور القرآن وجعل سورا.
والحكمة الثالثة: للإشارة إلى إعجاز القرآن والإشارة إلى القدر المعجز من القرآن عندما قال الله جل وعلا {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} هذه السورة لا بد لها من ضابط ولا بد لها من تحديد ما هى أقلها ثلاث آيات وهو سورة الكوثر فلا يستطيع العباد أن يأتوا بثلاث آيات فى فصاحة آيات القرآن وبلاغتها فلا بد إذن من تحديد القدر المعجز وهذا يكون كما قلت بجعل القرآن سورا متعددة فإذن عندما طلب الله منهم أن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن إن كانوا يشكون فى أن هذا القرآن من عند الرحمن وتحققوا هذا الإعجاز بأقصر سوره وهى سورة الكوثر.
إذن هذا التسوير سورة لقمان سورة الناس سورة الفلق وهكذا هذا التسوير وجعل القرآن سور له حكم كثيرة أبرزها هذه الأحكام الثلاثة لتيسير مدارسته وتشويق العباد إلى ذلك للدلالة على موضوع السورة.
ولذلك عندنا سورة لقمان لو أراد أن يتعرف على أخبار هذا العبد الصالح مباشرة تقول له افتح على سورة لقمان ولو لم يكن هناك سورة محددة حقيقة الأمر فيه صعوبة فى أى مكان سيبحث فى المصحف فلا بد من أن يحيط به وأن يكون على علم بجميع آياته على وجه التركيز أما هنا الأمر يسير سورة لقمان ترى فيها أخبار هذا العبد الصالح والأمر الثالث كما قلت وهو معتبر جدا للإشارة إلى المقدار المعجز من هذا القرآن وهو ثلاث آيات بأن أقل سورة هى ثلاث آيات فالإعجاز يتأتى ويحسم بهذا.
إخوتى الكرام: والله جل وعلا عندما سور هذا القرآن خالف ما اعتاد عليه العرب فى دواوينهم جملة تفصيلا ليتميز هذا القرآن عن غيره من الكتب الأرضية الوضعية مهما كان شأنها.
فالعرب كانوا يسمون كتبهم بالدواوين التى يجمعون فيها القصائد ديوان فالله جل وعلا سمى كتابه بالقرآن ليس بديوان هناك ديوان وهنا قرآن فكانوا يسمون القطعة منه بالقصيدة فالله جل وعلا سماها سورة للإشارة إلى أن هذا أمر غريب ليس من صنع بشر إنما هو من كلام وترتيب وتنزيل خالق القوى والقدر سبحانه وتعالى إذن القطعة من الديوان قصيدة والقطعة من القرآن التى لها بداية ونهاية مطلع ونهاية هذه تسمى بسورة القطعة من القصيدة عندهم والجزء منه تسمى ببيت والقطعة من هذه السورة تسمى بآية نهاية ذلك البيت فى تلك القصيدة من ذلك الديوان يسمى بقافية نهاية الآية فى السورة الموجودة فى القرآن تسمى بفاصلة فإذن اختلف الأمر ديوان قرآن قصيدة سورة بيت آية قافية مشت عليها هذه القصيدة فواصل لهذه الآيات القرآن فإذن الله جل وعلا عندما سور كتابه وجعله سورا جعل الترتيب الذى فى القرآن يختلف عما ألفه العرب فى كتبهم وفى ترتيبهم للإشارة إلى أن هذا الكلام هو كلام الرحمن سبحانه وتعالى.
إخوتى الكرام: وسور القرآن تنقسم إلى أربعة أقسام، إلى السبع الطوال ويقال لها الطول وهى السبع سور الأولى مع عدم عد الفاتحة بدون عد الفاتحة سورة البقرة وسورة آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والمعتمد أنه يدخل فى هذا سورة التوبة السابع والأنفال يكمل موضوعها موضوع سورة التوبة فهذه السور يقال لها بالسبع الطوال وبالسبع الطول وذهب بعض العلماء إلى أن سورة يونس هى السابعة وتعد براءة والأنفال السابعة السبع الطول حقيقة هذه أطول سور القرآن ومن حفظها وفهمها فله شأن عظيم عند الرحمن وبذلك ثبت فى مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت سمعت البنى صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ السبع الأول فهو حبر من الأحبار والعلماء الأتقياء له شأن عند رب الأرض والسماء هذا حبر ورد فى بعض طبعات المستدرك تصحيف وهكذا فى مجمع الزوائد فهو خير فهذا خطأ فى الطباعة ولفظ الحديث من أخذ السبع الأول السبع الطول هذه السور الطويلة التى فى بداية القرآن فهو حبر ويلى السبعة الطول السور التى تسمى بالمئون وضابطها كل سورة زاد عدد آياتها على مائة آية بدون السبع الطول هذه لها حكم خاص يقال لها هذه من السبع الطول طوال طول أما السورة التى من غير هذه السبع وآياتها زادت على مائة يقال هذه من المئون المئون جمع مائة زادت على مائة.
ويلى المئون المثانى سميت بذلك لأنها تثنى وتكرر فى الصلوات أكثر من المئون وأكثر من السبع الطول السبع الطوال السبع الأول وضابط المثانى هو ما نقص عن مائة آية وليس من المفصل.
والقسم الرابع: وهو المفصل فإذا ذكرناه يتضح المعنى بعد ذلك المثانى لم تبلغ مائة ولم تصل إلى المفصل المفصل سمى بذلك لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة وهى الربع الأخير من القرآن يبتدأ من ق على المعتمد وينتهى بسورة الناس فالمثانى كل سورة لم تبلغ مائة آية بشرط ألا تكون من سورة ق إنما هى من الحجرات فما قبلها هذه يقال لها من المثانى وإذا وصل الإنسان ل ق دخل فى المفصل ثم ينقسم المفصل إلى ثلاثة أقسام طوال وأواسط أوساط وقصار.
وطوال المفصل على المعتمد يبتدىء من ق إلى سورة النبأ عم وأوساط المفصل يبتدىء من سورة النبأ عم إلى الضحى وهذا على المعتمد كما قلت ومن الضحى إلى سورة الناس هذا من قصار المفصل وهذا على المعتمد الراجح كما قلت من اثنى عشر قولا فى هذه المسألة أظهرها وأقواها كما ذكرت وهو أن المفصل يبتدىء من ق وأن طواله من ق إلى النبأ وأوساطه من النبأ إلى الضحى وقصاره من الضحى إلى آخر الناس وهناك قول يلى هذا فى القوة وهو أن طوال المفصل وبدء المفصل يبتدىء من سورة الحجرات ولكن المعتمد ما ذكرته.
وقد ثبت فى سنن أبى داود وسنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى والحديث فى درجة الحسن عن أوس ابن حذيفة رضي الله عنه يقول لما هاجرنا إلى المدينة المنورة اجتمعنا بالنبى عليه الصلاة والسلام كان النبى عليه الصلاة والسلام يأتينا كل ليلة فى منازلنا فكان يأتينا بعد صلاة العشاء ولا يجلس فيحدثنا عما لقى من قومه ويراوح بين قدميه أحيانا عليه صلوات الله وسلامه من طول وقوفه ولا يريد أن يجلس يحدثهم فى منازلهم ويلا طفهم ويذكر لهم ما لقى من العناء والشدة من قومه وكيف من الله بعد ذلك بالهجرة إلى المدينة المنورة يقول أوس ابن حذيفة فتأخر علينا النبى عليه الصلاة والسلام ذات ليلة فلما حضر قال عليه الصلاة والسلام أى معتذرا مبينا سبب تأخره عليهم عليه صلوات الله وسلامه طرأ على حزبى فكرهت أن آتى قبل أن أتمه يقول أوس ابن حذيفة فقلت للصحابة كيف تحزبون القرآن فقالوا ثلاث وخمس وسبع وتسع إحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل حتى تختم أى نحن نحزب القرآن على هذه الأقسام السبعة ثلاث أى ثلاث سور من أوله نعتبرها حزبا وهذه لقارىء القرآن ولحافظ القرآن أن يقرأها وأن يختم فى كل أسبوع لئلا ينسى ثلاث ثم خمس ثم سبع فلو أردنا أن نعد هذه السور تصل إلى كم رقم فى النهاية ثلاث وخمس كم صار معنا ثمانية وسبع خمسة عشرة وتسع أربع وعشرين وإحدى عشرة خمس وثلاثين وثلاث عشرة ثمانى وأربعين أوليس كذلك عندنا فى ترتيب المصحف سورة ق رقمها خمسون وسورة الحجرات رقمها تسع وأربعون فعلى ظاهر حديث أوس ابن حذيفة يحتمل أن يكون حزب مفصل من الحجرات لأننا انتهينا الآن من الأحزاب الستة إلى ثمان وأربعين وسورة الحجرات هى تسع وأربعون فالحزب المفصل يبتدىء منه يحتمل هذا ويحتمل أن يكون البدء من ق كيف هذا نقول على حسب عد الفاتحة فإذا عدت البقرة وآل عمران والنساء هى الثلاثة الأول وبعدها خمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة صار معنا ثمان وأربعين كما تقدم
معنا أضيفوا إليها الفاتحة تسع وأربعون فالخمسون هى ق وهى حزب المفصل وإذا عدت الفاتحة من ضمن الثلاث الأول الفاتحة والبقرة وآل عمران فسيكون بدئ المفصل من الحجرات الحديث يحتمل الأمرين ورد فى رواية المسند ومعجم الطبرانى فى الحديث المتقدم يقول وحزب المفصل من ق حتى تختم فهذ الرواية عينت لنا أن الفاتحة لا تدخل فى السور الثلاثة فثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة تصل إلى ثمان وأربعين نضم إليها الفاتحة تسع وأربعون لو نظرتم فى المصحف ستجدون أن سورة ق رقمها خمسون هى بداية المفصل ومن ق إلى سورة عم هذه طوال المفصل أوساطه من عم إلى الضحى من الضحى إلى آخر القرآن إلى آخر الناس قصار المفصل.
إذن سورة لقمان السورة معناها فى اللغة كما قلنا يدور على أمور أربع:
على المنزلة العالية الرفيعة وعلى الإحاطة والجمع وعلى التمام والكمال وعلى القطعة والبقية من الشىء والسورة القرآنية فى الاصطلاح تحتوى على هذه المعانى الأربع.
والحكمة من تسير القرآن الدلالة على موضوع السورة ة التشويق لحفظه وتسهيل مدرارسته والإشارة إلى القدر المعجز من آيات القرآن الكريم وهى ثلاث آيات.
وسور القرآن الكريم تنقسم إلى أربعة أقسام طوال ويقال لها السبع الطول مئون مثانى مفصل.
عندنا فى هذا المبحث تنبيه ينبغى أن نذكره قبل أن ننتقل للمعلم الثانى من المعانى العامة لسورة لقمان ومن كل سورة من القرآن ينبغى أن للإنسان أن يتحدث عنها قبل أن يخوض فى تفسير الآيات هذا الأمر وهذا التنبيه يتعلق برواية رويت عن نبينا عليه الصلاة والسلام للنهى عن القول سورة لقمان سورة الفاتحة سورة البقرة سورة النساء ورد النهى عن هذا فى رواية رويت عن النبى عليه الصلاة والسلام فما درجة ذلك النهى وما قيمته وما المعتمد فى هذا؟
روى الطبرانى فى معجمه الأوسط والبيهقى فى شعب الإيمان وابن الدريد فى فضائل القرآن وابن مردويه فى تفسيره عن أنس رضي الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة النساء ولا سورة آل عمران ولكن قولوا السورة التى يذكر فيها البقرة والسورة التى يذكر فيها النساء والسورة التى يذكر فيها آل عمران وهكذا القرآن كله سورة اللبقرة لا تقولوا على هذه الرواية وهذا الحديث لو ثبت لما كان فى هذا النهى ما يشير إلى التحريم إنما هو من باب الأولى والأكمل تعظيما لآيات القرآن فيقال السورة التى يذكر فيها البقرة ولا يقال سورة البقرة لأنه ليس فى هذه الإضافة ما يشعر بمدح وتكريم لآيات هذه السورة السورة القرآنية التى يذكر فيها البقرة والتى ذكر الله فيها البقرة أما سورة البقرة سورة العنكبوت سورة النمل فلأن هذا اللفظ لا يشعر بمدح فلا يضيف هذه السورة لهذه الأشياء.
أقول لو ثبت لما كان فى ذلك دلالة على النهى لما سيأتينا من الأحاديث الصحيحة الصريحة بجواز قول سورة كذا لكن الحديث لم يثبت ففيه عبيد ابن ميمون العطار، قال الهيثمى فى المجمع متروك وهكذا قال الحافظ فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة ثمان وثمانين وقد بلغ الإمام ابن الجوزى فأورد الحديث فى كتابه الموضوعات وحكم عليه بالوضع ولا يصل لهذه الحالة نعم هذا الكلام ثبت ابن عمر رضي الله عنهما فى شعب الإيمان بالبيهقى عن ابن عمر بسند صحيح على شرط الشيخين موقوفا عليه لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة النساء ولا سورة آل عمران لكن قولوا السورة التى يذكر فيها البقرة والسورة التى يذكر فيها النساء والسورة التى يذكر فيها آل عمران وهكذا القرآن كله وهذا كما قلت ثبت عن ابن عمر وإذا ثبت عنه ففيما يظهر والعلم عند الله له حكم الرفع وإذا كان له حكم الرفع فغاية ما يشير كما قلت إلى بيان الأولى والأكمل والأحسن لا إلى أن هذا محرما لماذا لما سيأتينا من أحاديث نجمع بينها ولذلك قال الإمام ابن كثير فى كتابه فضائل القرآن الملحق فى آخر تفسيره لا شك أن هذا أحوط أى ما ورد فى حديث أنس وما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن هذا أحوط وهو أدب حسن السورة التى يذكر فيها لقمان والسورة التى يذكر فيها الفيل ولا يقال سورة الفيل لا شك أن هذا أحوط وهو أدب حسن وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح لا معاضة بين الأحاديث المصرحة بالجواز وحديث أنس وأثر ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين بإمكان حمل النهى على أنه خلاف الأولى وأما الأحاديث المصرحة بالجواز فتشير إلى أن هذا يجوز لكن خلاف الأولى والأدب لكن هذا الجواز خلاف الأولى والأدب ولو قال السورة التى فيها يذكر فيها لقمان والبقرة والنساء لكن أكمل وأحسن والعلم عند الله.
وقد أشار البخارى عليه رحمة الله فى صحيحه فى كتاب فضائل القرآن إلى هذه المسألة وإلى وقوع النزاع فيها وذكر ترجيحه وفقهه كما يقول أئمتنا فى تراجم أبوابه يقول فى كتاب فضائل القرآن من صحيحه باب من لم ير بأسا أن يقول سورة كذا وكذا أى سورة النساء سورة البقرة سورة لقمان لم ير باسا ثم أورد الإمام البخارى عليه رحمة الله ثلاثة احاديث فى صحيحه يقرر فيها الجواز.
الحديث الأول: حديث أبى مسعود الأنصارى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما فى ليلة كفتاه وهذا كلام النبى عليه الصلاة والسلام وهو فى صحيح البخارى الآيتان من آخر سورة البقرة وما قال من آخر السورة التى يذكر فيها البقرة وهذا فى أصح الكتب بعد كتاب الله من قرأهما فى ليلة كفتاه أى كفتاه كل مكروه وشر وأذى وكان فى حفظ الله ورعايته من قوله آون الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلى آخر السورة وقيل كفتاه كما ذكر هذا الإمام النووى عليه رحمة الله كفتاه عن قيام الليل وكتب له أجر ذلك كفتاه كل مكروه وكان فى حرز وحفظ وحماية ورعاية من الله جل وعلا كفتاه عن قيام الليل فلو قدر أنه ما استيقظ وقرأ هاتين الآيتين سيكتب الله له أجر القيام كرما منه وفضلا ورحمة الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما فى ليلة كفتاه.
والحديث الثانى: الذى ذكره الإمام البخارى مقرر اجواز القول بسورة كذا وكذا حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال أقرأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الفرقان ولم يقل السورة التى يذكر فيها الفرقان التى ذكر فيها الفرقان يقول فذهبت إلى المسجد فإذا هشام ابن حكيم يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أن أساوره أى أن أقطع عليه الصلاة ثم بعد أن انتهى من صلاته لببته بردائه وقلت من أقرأك هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أقرأنى غير ما تقرأ وأخذته إلى النبى عليه الصلاة والسلام أسوقه فدخلنا عليه وقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أقرأتنى سورة الفرقان فدخلت المسجد فإذا بهشام ابن حكيم أوليس كذلك هشام ابن حكيم رضي الله عنه يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها فقال النبى عليه الصلاة والسلام أرسله يا عمر اتركه لا داعى أنك تلببه بردائه حتى كدت أن تخنقه أتركه ثم اقرأ قال اقرأ يا هشام فقرأ هشام فقال هكذا أنزلت ثم قال لعمر اقرأ فقرأ فقال هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فلا تختلفوا فأى حرف قرأتم فقد أصبتم.
الشاهد: أنه قال سورة الفرقان وقال للنبى عليه الصلاة والسلام أقرأتنى سورة الفرقان ولم يقل السورة التى يذكر فيها الفرقان أو ذكر فيها الفرقان
والحديث الثالث: الذى ذكره الإمام البخارى فى صحيحه مدللا على الجواز حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت كان النبى عليه الصلاة والسلام فى بيته فسمع قارئا يقرأ فى الليل فى المسجد فقال يرحمه الله لقد أذكرنى كذا وكذا آية من سورة كذا كنت أسقطهن كنت أسقطهن يرحمه الله لقد أذكرنى كذا وكذا آية من سورة كذا ولم يقل من السورة التى يذكر فيها كذا النحل أو غيرها كنت أسقطهن وهذا الإسقاط وهذا النسيان لا مانع منه ولا مانع من طروئه على النبى عليه الصلاة والسلام لأنه ليس بمثابة انمحاء الشىء من ذهن الإنسان وذاكرته وضياعه من قلبه إنما هو بمثابة غيبوبة الذهن عنه فإذا سمعه تذكره فلا حرج فى ذلك على الإطلاق وفى هذا الوقت غابت عنه هذه الآيات فسمع هذا القارىء يقرأ فقد أذكره هذه الآيات التى غابت عنه فترة وجيزة ولا حرج فى ذلك على الإطلاق.
الشاهد: إذن من سورة كذا كنت أسقطهن هذه الآيات ولم يقل من السورة التى يذكر فيها كذا.
وخلاصة القول: لا مانع أن يقول الإنسان سورة لقمان ولو قال السورة التى يذكر فيها لقمان وهكذا سائر سور القرآن لكان أحسن وأكمل كما قال الحافظ ابن كثير وابن حجر عليم جميعا رحمة الله ولو أخذ بالجواز فلا حرج عليه ولذلك قال الإمام النووى فى كتابه الأذكار صفحة اثنتين وتسعين وفى كتابه التبيات فى آداب حملة القرآن صفحة تسع وثمانين الأحاديث والآثار فى ذلك عن السلف أكثر من أن تحصر لأنه يجوز أن نقول سورة لقمان سورة البقرة سورة النساء وهكذا سائر سور القرآن.
هذا المعلم الأول الذى ينبغى لدارس القرآن وسور القرآن أن يبينه سورة لقمان.
المعلم الثانى: لبيان كما قلت شخصية السورة وبما تتميز به عن غيرها أين نزلت سورة لقمان.
إخوتى الكرام: سورة لقمان مكية وتقدم معنا أننى من جملة الأسباب التى دعتنا لمدارسة هذه السورة أنها مكية لكن هل هى مكية بجميع آياتها أو استثنى منها شيء نزل فى المدينة المنورة غاية ما قيل فى ذلك أربعة أقوال أذكرها ثم أفصل الكلام فيها إن شاء الله.
ثبت عن ابن عباس فى كتاب الناسخ والمنسوخ للإمام النحاس بسند جيد رجاله من أئمة العربية المشهورين بالصدق والأمانة والديانة كما قال الإمام السيوطى فى الإتقان فى الجزء الأول صفحة أربعين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سورة لقمان مكية باستثناء ثلاث آيات منها نزلت فى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه وهذه الآيات الثلاث تبدأ من قول الله جل وعلا: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم * ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير} ثلاث آيات تبدأ من سبع وعشرين فما بعدها نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد صحيح أن هذه الآيات نزلت فى المدينة وسورة لقمان بعد ذلك جميع آياتها مكية عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا وعن غيره من السلف إطلاق القول بمكيتها دون استثناء روى ذلك عنه ابن الدريس فى فضائل القرآن وروى الإمام البيهقى فى كتابه الدلائل دلائل النبوة عن عكرمة والحسن إطلاق القول بمكيتها دون استثناء وهذا نقله أبو عبيد فى فضائل القرآن عن على ابن أبى طلحة فعن ابن عباس وعكرمة والحسن وعلى ابن أبى طلحة رضي الله عنهم أجمعين ورحمهم الله والمسلمين أنها مكية بإطلاق ولا معارضة لا معارضة بين القولين.
فالسورة يقال لها مكية أو مدنية باعتبار الغالب أو الفاتحة كما تقدم معنا وفاتحة لقمان مكية بالاتفاق وهو الغالب على آياتها المكى بالاتفاق فضابط المكى إذن يشملها وتقدم معنا إخوتى الكرام أن ضابط المكى ما روعى فيه الزمان هو المعتمد وأن ما نزل قبل الهجرة فهو مكى وما نزل بعد الهجرة فهو مدنى وقلت هذا الضابط هو المعتمد من أقوال ثلاثة قيلت فى المسألة هناك قولان آخران مردودان لا يعول عليهما
المعتمد ما نزل قبل الهجرة مكى وما نزل بعد الهجرة مدنى فسورة لقمان نزلت قبل الهجرة بالاتفاق فهى مكية فمن أطلق القول بمكيتها لا يتعارض هذا مع استثناء شىء منها وعندما يسأل يقول هى مكية لما تطلب منه التفصيل يقول باستثناء ثلاث آيات كما ثبت فى الرواية الأولى عن ابن عباس رضي الله عنه.
القول الثالث: حكاه القرطبى فى تفسيره عن قتادة رحمه الله من أئمة التابعين ونقله ابن الجوزى فى زاد المسير والإمام الدانى عن عطاء إذن عن قتادة وعطاء أنها مكية باستثناء آيتين بدل ثلاث آيتين الآيتان المتقدمات بحذف الآية الثالثة ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة والتى قبلها ولو أن ما فى الأرض من شجرة أقلام هاتان الآيتان مدنيتان ما عداهما مكى.
والقول الرابع: ذكره ابن الجوزى عن الحسن فقال هى مكية باستثناء آية واحدة دون تحديد لها.
والرازى أراد أن يجمع بين هذا القول وبين ما قبله فقال هى مكية باستثناء آيتين على حسب قول قتادة وقول عطاء باستثناء آية واحدة على حسب قول الحسن وذكر الرازى أن الآية التى تستثنى على هذا القول هى الآية الرابعة فى بداية سورة لقمان وهى قول الله جل وعلا: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} .
إذن ثلاث آيات من سبع وعشرين فما بعدها وهذه الآية هذه غاية ما ادعى على أنه مدنى ما هو التحقيق فى هذا والتفصيل إليكم ذلك بعون الله.
روى ابن إسحاق فى المغازى عن عطاء ابن يسار والأثر رواه ابن أبى حاتم فى تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة جاءه أحبار اليهود فقالول نزل عليك فى مكة قول الله جل وعلا {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} كيف تزعم هذا وقد أعطانا الله التوراة وفيها تبيان كل شىء.
وفى بعض الروايات قالوا للنبى عليه الصلاة والسلام عنيت بذلك قومك أو نحن يعنى نحن معشر اليهود ندخل فى هذا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أو المراد بهذا خصوص قومك الأميين العرب فقال كلا عنيت وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وصف ينطبق على جميع البشر فقالوا كيف تزعم هذا وقد أعطانا الله التوراة وفيها تبيان كل شىء فنزل جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} لو قدر أن جميع شجر الدنيا أقلام يكتب بها وهذا البحر جىء بمدد له سبعة أبحر وصارت حبرا مدادا وهذه الأشجار أقلاما فكتب بتلك الأشجار وبمداد هذه البحار كلمات الله وعلم الله لتكسرت الأشجار والأقلام ونفدت مداد ومياه تلك البحور وما نفد علم العزيز الغفور سبحانه وتعالى.
فقال عليه الصلاة والسلام التوراة التى فيها تبيان كل شىء هى فى جنب علم الله قليل وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
فهذه الآية إذن نزلت فى المدينة المنورة ردا على اليهود عليهم لعائن ربنا المعبود الذين يقولون آتانا الله التوراة وفيها كل شىء فلا يجوز أن يقال عنا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فأنزل الله عليهم هذه الآية فى المدينة المنورة {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم * ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير} .
إخوتى الكرام: وهذه الآية قال الله ما يشبهها وما يماثلها فى آخر سورة الكهف {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} وهل آية الكهف أبلغ فى الدلالة والتعبير عن علم الله من سورة لقمان أو آية لقمان التى هى سبعة أبحر أبلغ فى الدلالة والتعبير عن علم الرحمن جل وعلا سيأتينا هذا إن شاء الله عند دراسة آية لقمان {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} وأذكر هناك قولين للمفسرين وأرجح بعون الله الكريم آية الكهف للدلالة على سعة علم الله على آية لقمان وأن فيها من الدلالة ما ليس فى آية لقمان لأن المعنى المعتمد لآية الكهف: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله} [ومثله ومثله ومثله ومثله إلى ما لا نهاية له لا سبع ولا سبعين ولاسبعمائة ولا سبعة آلاف] فالدلالة التى فى سورة الكهف أبلغ فى التعبير عن علم الله جل وعلا من الدلالة التى فى سورة لقمان فإذن ما أوتيتم من التوراة هى فى جنب علم الله قليل فهذه الآية على هذا القول نزلت فى المدينة.
إخوتى الكرام: وآية الروح التى ورد هنا أنها نزلت فى مكة اختلف أئمتنا عليهم رحمة الله فيها هل هى مكية أو مدنية أو تكرر نزولها وهو الراجح فثبت فى الصحيحين والحديث فى المسند وسنن الترمذى عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال كنت أمشى مع النبى عليه الصلاة والسلام فى بعض شوارع المدينة وهو يتوكأ على عسيب عود من النخل فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه قال بعضهم لا تسألوه لا يجيئكم بشىء تكرهونه فقام بعضهم إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقالوا يا محمد عليه صلوات الله وسلامه جدثنا عن الروح يقول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه فأطرق النبى صلى الله عليه وسلم كأنه يوحى إليه ثم رفع رأسه وتلا قول الله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} وهذا يشعر كما ترون فى ظاهر ألفاظه بأن آية الإسراء نزلت فى المدينة وهو خلاف ما تقدم معنا من الآثار عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن عطاء ابن يسار أن اليهود جاءوا إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقالوا نزل عليك فى مكة {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} عنيتنا وعنيت قومك قال كلا عنيت فهنا إذن يشير إلى أن هذه الآية مدنية نزلت فى المدينة فيقول كنت أمشى مع النبى عليه الصلاة والسلام فى شوارع المدينة وقام إليه بعض اليهود وعبد الله ابن مسعود ضبط تفاصيل القصة فيقول يتوكأ على عسيب ثم قال أطرق كأنه يوحى إليه ثم رفع رأسه وتلا الآية.
وثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى ومستدرك الحاكم بسند صحيح أقره عليه الذهبى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن مشركى قريش قالوا لليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل أى لنمتحنه ونتبن صدقه من كذبه فقال اليهود للمشركين سلوه عن الروح فسألوه عن الروح فأنزل الله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فأثر ابن عباس يشير إلى أن آية الروح مكية ليست مدنية وأثر ابن مسعود يشير إلى أنها مدنية فما هو الجمع فى ذلك ذهب بعض العلماء كالسيوطى وابن القيم إلى ترجيح أثر ابن مسعودعلى أثر ابن عباس وقالوا سورة الإسراء مكية لكن آية الروح فيها مدنية نزلت فى المدينة على حسب خبر الصحيحين لما فعلتم هذا قالوا خبر الصحيحن أقوى من خبر الترمذى والمستدرك والمسند فعندما نعارضت الروايات ذلك أرفع وأعلى صحة وثبوتا.
فأرفع الصحيح مرويهما
…
ثم البخارى فمسلم فما
شرطهما حوى فشرط البخارى
…
فمسلم فشرط غير يكفى
أرفع درجات الصحيح ما رواه البخارى ومسلم فأرفع الصحيح مرويهما ثم ما رواه البخارى فأرفع الصحيح مرويهما ثم البخارى فمسلم ثم ما رواه مسلم شرطهما ما رواه غيرهما مما هو على شرط الشيخين أى فيه رجال الشيخين من روى لهما الشيخان فشرط البخارى فشرط مسلم فالصحيح الذى ليس على شرطهما هذه مراتب الحديث الصحيح أعلاها ما رواه البخارى ومسلم وذهب الإمام ابن الصلاح إلى القطع بصحته أنه يفيد العلم القطعى وهو بمنزلة المتواتر لتلقى الأمة لما فيهما بالقبول قال يقول الإمام العراقى عليه رحمة الله مشيرا إلى هذا واقطع بصحة لما قد أسندا أيما أسنداه وروياه اقطع بصحته وأنه منزل منزلة المتواتر لأن إجماع الأمة معصوم من الخطأ وقد أجمعت الأمة على تلقى ما هذين الكتابين بالصحة والقبول واقطع بصحة لما قد أسندا كذا له أى ابن الصلاح هذا قوله واجتهاده وقيل ظنا أى أن الحديث لا يفيد القطع وحكمه كحكم الحديث الصحيح فى غير الصحيحين.
الشاهد إخوتى الكرام: ذهب السيوطى وقبله ابن القيم إلى ثبوت خبر ابن مسعود رضي الله عنه على خبر ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فقالوا آية الروح مدنية مع أن سورة الإسراء مكية باتفاق، والذى ذهب إليه الإمام ابن كثير والحافظ ابن حجر والإمام الزركشى وهوالذى يعول عليه من حيث الأدلة إلى أن آية الروح مكية مدنية فهى مكية تبعا للسورة التى هى مكية والغالب أنه إذا كانت السورة مكية فالآيات كذلك إلا ما قام الدليل على استثنائه.
وهنا عندنا خبر الترمذى والمستدرك والمسند عن ابن عباس رضي الله عنهما يقرر القول بمكيتها فهى مكية وخبر ابن مسعود لا نلغيه إنما نقول مكى ومدنى أى تكرر نزولها نزلت جوابا للمشركين عندما طلبوا من اليهود عليهم جميعا لعائن الله شيئا يسئلون عنه النبى عليه الصلاة والسلام ثم لما هاجر النبى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة جاء اليهود ليمتحنوه بأنفسهم فقالوا حدثنا عن الروح فنزلت الآية المتقدمة فإذا قيل لما لم يجب النبى عليه الصلاة والسلام اليهود بما نزل عليه بمكة ولما انتظر وأطرق كأنه يوحى إليه ثم رفع رأسه وتلا الآية سنقول لعله انتظر زيادة بيان وإيضاح لأن الآية التى نزلت عليها فى مكة ليس بها بيان لماهية الروح ولا لشىء من أحوالها إنما فيها إحالة العلم بها إلى الذى خلقها قل الروح من أمر ربى وما أوتيت من العلم إلا قليلا فإذا كان الأمر كذلك فأنتظر زيادة بيان وإيضاح فنزل عليه جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه بما نزل عليه فى مكة {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فهى مكية مدنية ولا مانع أن يتكرر نزول آية فهى مكية مدنية لعظم شأنها وحقيقة آية الروح تنادى بين ظهرانى العباد فى كل وقت بعجزهم وبقدرة الله جل وعلا عليهم وقهره لهم فى جميع أحوالهم ولا يمكن للعباد أن يطلعوا على سر الروح وعلى حقيقتها قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
والمؤتمر الذى عقد بجدة من قرابة ثلاث سنين أو أربع للبجث فى حقيقة الموت استدعى له أطباء من أطراف الدنيا هذا المؤتمر من أوله لآخره هوس وعبس والنهاية بعد ذلك هوس وعبس حقيقة الموت ما هى عجائز البادية تعرف حقيقة الموت خروج طيب الروح ما هى رجعنا لقول الله قل الروح من أمر ربى وصل المؤتمر فى نهاية بحثه إلى نتيجتين لبيان حقيقة الموت كل واحدة منها كما يقال تضحك الثكلى وهذا أطباء وعباقرة النتيجة الأولى يقول حقيقة الموت توقف حركة القلب القلب لا يتحرك هذا هو الموت أو هذا علامة على الموت علامة إذا خرجت الروح توقف القلب لذلك لو نفخت فى فمه وحركت قلبه يحيى إذا تحرك القلب يحيى والآن الذى يقال له تنفس اصطناعى إنعاش عندما يحركون القلب بعد موت الإنسان حيى أبدا مات خرجت الروح كما قال الله: {ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين* ترجعونها إن كنتم صادقين} .
والفريق الثانى: قال حقيقة الموت توقف ضخ الدم إلى الدماغ هذا هو الموت أو علامة على الموت علامة تقول علامة الموت أن ينقطع نفس الإنسان هؤلاء بما أنه عندهم إدراك علمى أدق قالوا لا يضخ الدم أى العروق تتوقف عن ضخ الدم إلى الدماغ الذى يحرك بدن الإنسان وأجزاءه فإذا توقف ضخ الدم مات الإنسان نحن نقول متى يتوقف ضخ الدم وما تتوقف حركة القلب هاتان علامتان على الموت وليستا بحقيقة للموت ولذلك لو شققنا رأس الإنسان وضخخنا دما على دماغه أو أمكن بشىء أن نوصل الدم لدماغه يحيى؟ هذه علامة على الموت يا إخوتى الكرام أما حقيقة الموت كما قال الله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} .
ولو اكتشف العباد حقيقة الموت حقيقة الروح لأمكنهم أن يصنعوا روحا وبالتالى ينتفى الموت عن الجبابرة مهما كانت الروح مكلفة وسبحان من قهر الجبابرة وأذلهم بملك من عنده يدخل عليهم بلا استئذان فينزع روحه من ذرات جسمه وحرسه حوله ينظرون ولا يستطيع واحد أن يتحرك {فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون *فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين} .
سبحان ربى العظيم حقيقة الموت لا يعرفها إلا من خلق الروح الذى نفخ هذه الروح فيك وأنت فى ظلمات ثلاث هو الذى يعلم هذا وأما بعد ذلك العباد يطلعون على الأمارات والعلامات كان يتنفس فانقطع نفسه ووقف نبضه ويقال مات لكن ليس هذا هو الموت هذا علامة على الموت علامة مات خرجت روحه كما يقول هذا العامة خرجت روحه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما فى صحيح مسلم إن الروح إذا خرجت تبعها البصر عندما تخرج الروح البصر يتبعها ينظر إليها أين خرجت إن الروح إذا خرجت تبعها البصر ولذلك إذا حضرنا الميت نغمض عينيه بعد ذلك لأن روحه عندما تخرج ينظر إليها وهو الآن دخل فى عالم البرزخ فيرى هذه الروح وأما نحن فلا نراها قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
إذن آية الروح مكية مدنية فنزلت فى مكة فلما هاجر نبينا عليه الصلاة والسلام إلى المدينة جاءه اليهود وقالوا تزعم أنه نزل عليك وما أوتيتم من العلم إلا قليلا عنيتنا وعنيت قومك قال كلا عنيت قالوا كيف هذا وقد أعطانا الله التوراة وفيها تبيان كل شىء قال وفى جنب علم الله قليل ونزلت الآية فى لقمان للرد عليهم {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} ثم سأل اليهود مرة أخرى النبى عليه الصلاة والسلام عن الروح لزيادة استفسار وإيضاح خبرنا عنها عن ماهيتها عن حقيقتها عن وضعها عن صفة من صفاتها فانتظر جوابا لعله فيه شىء من التفصيل فأخبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بأن هذا الأمر قد استأثرت به ولن أطلع عليه أحدا {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} تكررنزول هذا النازل مرتين فى مكة وفى المدينة لبيان منزلة هذا النازل وعظم شأنه فهو كما قلنا مما استأثر الله بعلمه وقهر به عباده {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} .
إذن هذه الآيات على القول بأنها مدنية نزلت من أجل استيضاح اليهود عن قول الله جل وعلا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يشملهم أى يشمل الأميين العرب فقط فلما قيل لهم يشملكم أكثروا الشغب والضجيج وقالوا نحن نزل علينا التوراة فنزلت هذه الآية {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} وأما الآية التى استثنيت وهى الآية الرابعة فى البداية {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} وهذا كما قلت نقل عن الحسن وذكره أيضا الرازى على أنه ممكن أن يكون أما هذه الآية أى الآيتان المتقدمتان مما استثنى من مكية آيات سورة لقمان هذا القول: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} نقل عن الحسن عليه رحمة الله وتقدم معنا أن أقوال التابعين فى هذا لها حكم الرفع المرسل فنحن إن أردنا أن نأخذ هذا القول كيف هذا ما وجه هذا القول يقول الإمام الألوسى عليه رحمة الله لعل قائل هذا بناه على أمر وهو أن الله جل وعلا قرنه بين الصلاة والزكاة فى المدينة المنورة وما قرن بينهما فى مكة المكرمة نعم فرضت الصلاة فى مكة وفى ليلة الإسراء باتفاق وأمر الناس بالزكاة دون بيان الزكاة التى لها نصاب محدد إنما بالصدقة والإحسان فى مكة لكن ما قرن بينهما فى آية إلا فى المدينة فلذلك هذه الآية مدنية لأن القرن بين الصلاة والزكاة حصل فى المدينة.
جواب آخر ذكره الألوسى وهو فى تعليل هذا القول كيف يعنى تكون هذه الآية مدنية يقول الصلاة التى هى على الكيفية الثابتة الآن والزكاة ذات النصب المعروفة فى الأزرع والثمار والنقدين هذا ما حصل إلا فى المدينة فمن قال: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} هذه مدنية لأن فرضية الزكاة والصلاة فى المدينة والقرن الجمع بينهما فى المدينة يقصد الفرضية بالصورة النهائية التى نحن عليها الآن واستقر عليها الأمر وهكذا الزكاة الشرعية التى استقر عليها الأمر ولا شك أن هذا ما حصل إلا فى المدينة المنورة وقد ثبت فى صحيح البخارى عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت فرض الله الصلاة ركعتين ركعتين فى الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيدت لصلاة الحضر الحديث فى صحيح البخارى وهو فى الجزء الأول صفحة خمس وستين وأربعمائة بشرح الحافظ ابن حجر فى الفتح قال الحافظ فى الفتح الصلاة فرضت على ثلاثة مراحل.
المرحلة الأولى: كما فى حديث أمنا عائشة فرضت ركعتين ركعتين باستثناء الوتر باستثناء المغرب فهو وتر النهار فهذه ثلاثة وما عداها ركعتان ركعتان ثم بعد ذلك زيد فى صلاة الحضر يقول الحافظ وهذا حصل فى المدينة فلما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم زيد فى صلاة الحضر إلى أربع باستثناء الفجر لطول القراءة فيها وباستثناء المغرب لأنها وتر النهار هذا فرض ثان حصل وطرأ على الصلاة وهذا ثبت فى صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وسنن البيهقى فلما استقر الأمر على ذلك خفف من صلاة السفر إلى ركعتين فى الرباعية وبقيت الفجر كما هى والمغرب كما هى فإذن ركعتان ثم أربع ثم أعيدت الرباعية إلى ركعتين فى خصوص السفر يقول الحافظ ابن حجر ووقع قصر الصلاة بعد فرضها رباعية فى المدينة المنورة فى العام الرابع للهجرة وقيل فى العام الثانى وقيل بعد هجرة النبى عليه الصلاة والسلام بأربعين يوما والعلم عند الله فإذن الصلاة بالكيفية المفروضة هذا حقيقة ما حصل إلا فى المدينة فمن قال هذه الآية مدنية لأن الصلاة والزكاة شرعتا فى المدينة يقصد شرعتا بالكيفية النهائية التى نحن عليها فى هذه الأوقات ولا شك أن هذا حصل فى المدينة المنورة أما فرضية الزكاة هذا كان فى مكة وفرضية الصلاة كان فى مكة لكن بالكيفية استقر عليها الأمر هذا حصل فى المدينة المنورة.
ولذلك يقول الحافظ ابن حجر حديث أمنا عائشة له عندما فرض الصلاة ركعتين ركعتين أقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر يقول هذا باعتبار ما آل إليه الأمر لا باعتبار البداية وفى البداية ركعتان ثم بعد ذلك إلى أربع ثم إلى ركعتين فى حق المسافر يقول هذا باعتبار ما آل إليه الأمر لا باعتبار البداية البداية فرض الكل ركعتان حتى للحاضر المقيم ثم حول الأمر إلى أربعة ثم خفف عن المسافر ليصلى الرباعية ركعتين وبقيت المغرب ثلاثا لأنها وتر النهار والصبح كما هى لطول القراءة فيها فمن قال هذه الآية مدنية يقصد أن الجمع بين الصلاة والزكاة حصل فى المدينة أن الكيفية النهائية التى استقر عليها الأمر للصلاة وللزكاة هذا حصل فى المدينة المنورة والعلم عند الله.
هذا المبحث الثانى: من المعالم والملامح العامة لسورة لقمان.
أما المبحث الثالث: آيات سورة لقمان كم عدد آياتها؟ هى أربع وثلاثون آية فى المصحف البصرى والكوفى والشامى والحمصى وهى فى مصاحف الحجازيين ثلاث وثلاثين آية فى مصحفى المدينة الأول والثانى وفى مصحف مكة هذه مصاحف الحجاز ثلاثة المصاحف التى يؤخذ منها عد الآيات سبع تامنيان الأول والأخير والمكى والكوفى والبصرى والشامى والحمصى فهنا فى مصاحف البصريين والكوفيين والشاميين أربع وثلاثون آية فى مصاحف الحجازيين ثلاث وثلاثين آية وقد يستشكل بعض منكم هذا فيقول هل هناك آية اختلف فى قرآنيتها فى سورة لقمان يعنى زائدة بعضهم حذفها وبعضهم قال هذه الآية ينبغى أن نلحقها بها لا ثم لا ليس الأمر كذلك سورة لقمان هى المبدوءة بقول الله الم والمنتهية بقول الله إن الله عليم خبير دون زيادة حرف فيها بالإجماع ومن زاد حرف فيها فهو كافر أو نقص حرفا منها فهو كافر لكن هذه الآيات المبتدأة من قوله الم إلى قوله إن الله عليم حكيم كم هى ثلاث وثلاثين أو أربع وثلاثين ما الذى اختلف فيه اختلف فيه فى آيتين كما سيأتينا إن شاء الله البيان.
الآية الأولى الم هل تعد آية أم لا كان النبى عليه الصلاة والسلام أحيانا يقرأ الصحابة على أن هذه آية كما كان يقرأهم ببعض القراءات ورسم هذا فى المصحف العثمانى فى بعض المصاحف العثمانية على انها آية الم آية وما عدها أحد من المصاحف الستة هذه ما عدتها إلا مصاحف الكوفة الم آية هذه مصاحف الكوفة والآن مصاحفنا الآن تسير على مصاحف الكوفة عندنا لأننا نقرأ بقراءة عاصم الذى هو من الكوفة وانظر الآن فى مصاحفكم الم آية وعد الآيات توقيفى عن النبى عليه الصلاة والسلام لادخل للرأى ولا للاجتهاد فيه وما عد فواتح السور آيات من القرآن إلا مصاحف الكوفة فقط أقرأهم النبى عليه الصلاة والسلام هكذا كما أقرأهم مالك وأقرأهم ملك هذه وهذه الصراط السراط بالسين والصاد هذه قراءة وهذه قراءة هذه كلام الله وهذا كلام الله نازل على نبينا عليه الصلاة والسلام وأقرأ الصحابة بذلك وهنا الم آية فاعتبر هذا أئمتنا وجعله عثمان فى أحد المصاحف التى أرسلها للأمصار إلى أن الم آية وعلى هذا مصاحف الكوفة الم آية هذا توقيفى لا دخل للرأى فيه كيف انظر الآن لمصاحف الكوفة فواتح السور عدوها آيات باستثناء ثلاثة أمور هذا مما يدل على أنه ليس للعقل فى ذلك مجال على الإطلاق أولها ما فيه راء لا يعتبر آية الر ليس بآية الم آية المر ليس بآية كل ما فيه راء من الحروف المقطعة فى بداية السور لا يعتبر آية الر المر لايعتبر آية هذا فى مصاحف الكوفيين كل بعد ذلك طس وهى فى سورة النمل لا تعتبر آية كل من كان فردا من الأحرف المقطعة ن وص وق لا يعتبر آية طيب طس هذه مثل بقية الأحرف لما الآن حم آية عسق آية فصار آيتان حم لوحدها آية عسق آية وهنا طس ليست آية نقول ليس مسألة اجتهاد ورأى هذا كلام الله فالنبى عليه الصلاة والسلام قال لهم حم هذه آية عسق هذه آية ثانية وهذا الموجود عندنا فى مصاحف الكوفة عدتها آية وهذه آية الم آية عدوها آية ورسم هذا فى المصاحف الم آية فما فيه
راء ليس بآية طس ليس بآية ما هو فردا من الأحرف المقطعة فى فواتح السور ليس بآية يقول الإمام الشاطبى فى ناظمة الزهر فى ضبط آيات السور وهو أحسن ما نظم فى ضبط آيات السور يقول وما بدؤه حرف التهجى فآية لكوف أى عد هذا مصاحف الكوفة فقط وما بدؤه حرف التهجى فآية لكوف سوى ذى را وطس ووالوتر أى سوى ما بدأ بواحد من هذه الأمور سوى ما فيه راء الر المر سوى طس النمل طسم الشعراء والقصص آية أما طس فقط ليست آية الوتر التى هى حرف واحد ليست آية هذا ليس للعقل فيه مجال على الإطلاق توقيفى محض ف الم اعتبرت آية فى مصاحف الكوفة وبقية المصاحف ما عدت هذا آية.
المكان الثانى الذى اختلف فيه آية اثنتان وثلاثين وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين آية اثنتان وثلاثين وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين قوله مخلصين له الدين مصاحف الكوفة ما عدتها آية ومن باب أولى مصاحف الحجازيين هذه الثلاثة ما عدتها من الذى عد هذه آية الشامى والبصرى والحمصى فإذن الكوفيين عدوا الم أما هذه لا يوجد عندها آية {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين} ليست هنا آية فى مصاحف البصرة والشام وحمص هذه تعتبر آية إذن إذا حذفت الآيتين يبقى ثلاث ثلاثين وهى التى عند الحجازيين أضيف إليها آية الكوفيين تصبح أربع وثلاثين تنقص آية الكوفيين يبقى ثلاث وثلاثون تضيف إليها آية مصاحف البصريين والشاميين والحمصيين تصبح أربع وثلاثين فهى أربع وثلاثون عند الكوفيين مصاحف الكوفة والبصرة والشام وحمص لكن اختلفوا فى عد الآية الرابعة والثلاثين فالكوفيون عدوا الم وأولئك عدوا مخلصين له الدين فجعلوا قول الله: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور} جعلوا هذه الآية آيتين إذن ثلاث وثلاثون يضاف إليها الم أربع وثلاثون ثلاث وثلاثون يضاف إليه مخلصين له الدين أربع وثلاثون فليس الخلاف إذن فى زيادة كلام على السورة أو نقصان منه فكن على علم بذلك.
إخوتى الكرام: هذا حقيقة من الأمور المعجزة فى القرآن ومما يبين أن هذا القرآن روعى فيه أعلى أنواع الاحتياط والضبط وإلا لو كان الأمر بعقول البشر فإذا كانت مصاحف الكوفة تعد فواتح آية فينبغى أن تجعل هذا مطردا فتجعل كل فاتحة آية لكنهم ما فعلوا هذا فمثلا المص آية كهيعص آية حم عسق آية هنا خمسة أحرف حم عسق آيتان حم آية عسق آية كهيعص خمسة أحرف هى آية واحدة الم آية الر ليست آية ق ن ص ليست آية ما الضابط فى هذا يقول يا عبد الله هذا تنزيل من حكيم حميد ليس للعقول به مدخل وإلا لو كان هذا من جهد البشر فيه أى تدخل لجعل قاعدته مطردة يقول إذن الفواتح كلها تعتبر آيات لا والسور التى ذكر فيها حروف التهجى حروف مقطعة فى القرآن كم سورة فى القرآن تسع وعشرون سورة انظر الآن لهذا الأمر العظيم يقول حرف واحد لا يعتبر آية ما فيه راء لا يعيبر آية طس لا تعتبر آية طيب ق طس لقوله حم حرفان حرفان طيب لما هذه آية وليست آية يقول هذا كلام الله هذا كلام الله هكذا كلمنا نبينا عليه الصلاة والسلام فقال هنا حم اعتبروها آية وهنا طس ليست آية هذا عندها هذه القراءة وعند تلك القراءة لا يعتبرون فواتح السور من أولها إلى آخرها آية قلت ما اعتبر فواتح السور آيات لما اعتبره آيات إلا مصاحف الكوفة يعنى لا يوجد فى غير مصاحف الكوفة اعتبار حرف من حروف التهجى الحروف المقطعة فى أوائل السور لا يوجد اعتبار واحد منها آية مستقلة.
إذن هى أربع وثلاثون آية لمصاحف الكوفيين والبصريين والشاميين والحمصيين وثلاث وثلاثون آية فى مصاحف الحجازيين المدنى الأول والثانى والمكى وهذه المصاحف سبعة يؤخذ منها العد ولا يجوز الخروج عنها وقد نظمنا فيها الإمام الشاطبى صاحب الشاطبية فى القراءات السبع فى قصيدة سماها ناظمة الزهر فى فواصل السور فإذا تيسر لكم العثور عليها ففيها خير كبير إن شاء الله.
المبحث الرابع: والمعلم الرابع من معانى هذه السورة أسماؤها ليس لسورة لقمان إلا اسم واحد وهذا الغالب على أكثر سور القرآن ألا يكون لها إلا اسم واحد وقد تسمى السورة باثنين أو أكثر فالفاتحة بلغت أسماؤها اثنى عشر اسما وسورة النحل تسمى بالنحل وتسمى بسورة النعم وهكذا سورة غافر سورة غافر وسورة الملائكة فإذن أما بالنسبة سورة الزمر سورة الزمر وسورة الملائكة أما بالنسبة لسورة لقمان فليس لها إلا اسم واحد عندما تريد أن تبدأ فى تفسيرها كما قلنا هذه المعالم لا بد من تشخيصها ليس لها إلا اسم واحد.
المبحث الخامس: فضلها فضل سورة لقمان نقف عند هذا المقدار ونتكلم على فضلها وعلى مقاصدها وعلى صلتها بما قبلها فى الدرس الآتى إن شاء الله سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.