المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تفسير (22) (تفسير)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تفسير (22)   زوجة تزوج بستين رجلاً، يصلح - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٣٠

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

تفسير (22)

(تفسير)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

تفسير (22)

زوجة تزوج بستين رجلاً، يصلح هذا؟..أعانها اللهوأعان أزواجها، لمن سترضى ومع من ستكون؟ والأمة الإسلامية فى هذه الأحوال ما بين أكثر من ستين قطعة من مملكة ومشيخة وإمارة وسلطنة ودولة وجمهورية وما أعلم، فوهم بيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم الذى لهم، فإن الله ساءلهم عما إسترعاهم، إذاًكانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تسوس الناس، لكن سياسة شرعية ليست سياسة غوية، كما يقول عتاة البشرية فى هذه الأزمنة الردية..لا دين فى السياسة..أى كلها كذب وإحتيال ومكر..ولا سياسة فى الدين..كذب، ولا دين فى السياسة، نعم سياستكم المزورة ليس فيها دين الرحمن، ما فيها إلا دين الشيطان، لأنها قائمة على الكذب والإحتيال والمكر والخداع.

أما القيام على الشئ بما يصلحه والوفاء بالعقود والعهود مع العباد جميعاً ورعاية الأمور والسياسة الإسلامية المثلى، هذه فى دين الله، كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، فالقيام على الشئ بما يصلحه سياسة ورعاية الشئ حسب قواعد الحكمة والعدالة سياسة فى مجال التعليم، ونصرة دين الله بالحجج والبراهين تدخل السياسة، وفى مجال الحكم والوصول إلى الحق الذى يريده رب العالمين، تدخل السياسة، وهكذا فى جميع شؤون الحياة، وإذا أردنا أن نضرب مثالاً على هذا وعلى سياسة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى العلم والحكم وفى جميع شؤون الحياة، فلنرجع إلى كتاب الله لنرى أحوال الأنبياء ولا أريد أن أسهب وأفصل، سأقتصر على مثالين لحال نبيين، أحدهما سلك سياسة علمية أيد بها دين الله، وقضى على المضرة التى تلصق بدين الله، ونبى آخر سلك سياسة حكمية فى الحكم وصل إلى مراد الله القدرى الذى يحبه ويرضاه فهو مراده الشرعى وألهمه الله سياسة حكيمة فى حكمه ليتوصل إلى ذلك الأمر، حياة الأنبياء كلها سياسة لكن كما قلت سأقتصر على نموزجين اثنين فقط.

ص: 1

النموذج الأول: والمثال الأول السياسة العلمية لخليل رب البرية إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، قص الله علينا نبأه وكيف سلك مع قومه مناظرة حكيمة فى القضاء على المفسدة المتعلقة بالأديان لإثبات صحة دين الإسلام ونصره بالحجة والبرهان، والمناظرة التى جرت بينه وبين قومه حكاها ربنا جل وعلا فى سورة الأنعام من آية الرابعة سبعين فما بعدها، يقول ربنا جل وعلا {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين} {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى} أى فى إعتقادكم، أوليس كذلك أنتم تقولون هذه الكواكب آلهة {هذاربى حسبما تعتقدون، وأنا أتنزل معكم إلى هذا المستوى من أجل أن أظهر لكم باطلكم، {هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} .

يا قوم إبحثوا، هذا إله لا يصلح أن يكون إلهاً، إذا ما هدينا إلى الصراط فنحن على ضلال وفى ثباب {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر} هذا إله الآلهة، ما رأيكم فى هذا أكبر الآلهة عندكم {فلما أفلت} إله يغيب إله يتغير، إله حادث، إله يسير، إله مقهور، أرب يبول الثعلبان على رأسه ألا ذل من بالت عليه الثعالب، إله مقهور لا يملك لنفسه فضلاًعن غيره نفعاًولا ضراً {فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون} المفاصلة بينى وبينكم {إنى وجهت وجهى للذى فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. وحآجه قومه قال أتحآجونِ فى الله وقد هدانى وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} .

ص: 2

هذه المناظرة ما قيمتها يا أحكم الحاكمين؟ أنت بكل شئ عليم ما قيمتها؟ {وتلك حجتنا} هذه هى السياسة العلمية، الحجة القوية {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} و {فوق كل ذى علم عليمْ} فى قصة نبى الله يوسف وهى المثال الثانى الذى سأذكره.

ولننظر فى تعليق ربنا جل وعلا وتعقيبه على هاتين القصتين، سياسة بالعلم وسياسة بالحكم {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} إذاً رفع الله درجته بما مَّن عليه بهذه السياسة العلمية المثلى التى كبت بها الباطل وأهله، ودمغهم وأظهر الحق ونصره، سياسة علمية لدفع المضرة عن الأديان ولنصر دين الرحمن، هذه سياسة أم لا؟ القيام على الشئ بما يصلحه، رعاية الشئ على حسب قواعد الحكمة والعدل والإنصاف، فهم يرون أن هذه الكواكب آلهة، أنا سأسايركم فى إعتقادكم لنصل بعد ذلك إلى حق ينبغى أن نكون عليه أنا وأنتم، هذه آلهة تذهب وتغيب وتختفى، لا بد من إله حى قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم فاطر السماوات والأرض، إذاً سياسة علمية يقول ربنا معقباً عليها وما بحلها وماناً على خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه إن ربك حكيم عليم} .

ص: 3

السياسة التى فى الحكم حكمية ثانية للنبى الصالح يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، يخبرنا الله جل وعلا عن حاله مع إخوته عندما دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون {فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون} {قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون} {قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} {قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين} {قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين} [يوسف/74]{قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين} [يوسف/75]{فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه} ليدفع الريبة عن أخيه الذى هو شقيق له من أمه وأبيه وليدفع الريبة عن نفسه وأنه ما إصطنع هذا {ثم استخرجها} هذا الصواع الذى هو صواع يكال به {من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف} كما هم كادوا له ليضروه ويؤذوه كاد الله له عليهم ليتخذ الحق منهم وليكون هذا سبباًلحضور أبويه بعد ذلك كما قدر الله وشاء وهذا أمر يحبه الله ويرضاه فكاد له بهذا الأمر وهو أن ألهمه هذه السياسة، أن يضع الصواع فى رحل أخيه ليترتب على هذا ما يترتب من مجئ أبويه، وليترتب على هذا ما يترتب بعد ذلك من ظهور الحق، وأن الله لا يتخلى عن عباده المخاصين، {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} ما يستطيع أن يأخذه لأنه كان فى حكم شريعة ذلك الزمان التى فيها نبى الله يوسف أن الذى يسرق يغرم مثلى ما سرق، ويعذر فلا يقطع ولا يؤخذ، وكان فى شريعة يعقوب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن من سرق يصبح ملكاً لمن سرق منه ذلك المتاع {قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين} {قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه} هذا جزاء الظالمين، هذه شريعة أبينا يعقوب، السارق يكون ملكاً امن سرق منه إذا ثبتت عليه السرقة.

ص: 4

{كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} ما يستطيع أن يأخذه {إلا أن يشاء الله} بهذا الكيد الذى ألهمه الله إياه وهذه السياسة المثلى وهل هذه سياسة فيها إحتيال ومكر وكذب ووصول إلى باطل أو إلى حق؟ هى حق، أخوه من أمه وأبيه هو أولى به من إخوته الذين هم من أبيه دون أمه، يضاف إلى هذا سيترتب على هذا كما قال يعقوب بعد ذلك {إنى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} وأقدار الله مرتبة على بعضها، وقدر الله الكونى، إذا وقع على يد الأخيار يدل على أنه يرضاه ربنا القوى فهومحبوب له فكأنه أمر شرعى، وهذا القدر على يد من جرى؟ على يد الكريم إبن الكريم إبن الكريم يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فهو حكم قدرى شاءه الله أن يترتب عليه ما يترتب، لكن على يدى هذا النبى، فيوافق محبة الله القوى، وبالتالى هذا حكم شرعى يحبه اللهويرضاه.

ص: 5

{كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم. قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} وهو يوسف وكانت عمته وضعت المنطقة والحزام تحت ثيابه عندما كان صغيراً وقالت:فقدت هذه المنطقة لأجل أن تثنت السرقة على يوسف لأجل أن يكون لها لحبها له {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون. قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين. قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين. ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون..يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين. قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون.

ص: 6

قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون. اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين. قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم. فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون.. قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين. قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم. فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم. رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} إلى آخر اللآيات

ص: 7

الشاهد إخوتى الكرام: {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم} هذا محل الشاهد، وأسترسلنا فى قراءة الآيات بعد ذلك وهى خير وبركة {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم} وقال فى حق خليله إبراهيم {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} ذاك فى العلم وهذا فى الحكم، ذاك فى العلم وهذا فى السلطان، ذاك فى الدعوة وهذا فى السيف، {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات} {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم} إلى أن ينتهى الأمر إلى رب العالمين سبحانه وتعالى.

إذاً إقتصرت على هذين المثالين وآثرت ذكرهما من الأمثلة الكثيرة المتعلقة بسياسة أنبياء الله ورسلنا على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه التى ذكرها الله فى كتابه، لأشير إلى أمر لا بد منه، هناك كما قلنا سياسة علمية لتأييد دين رب البرية، وهنا سياسة حكمية فى الحكم والسلطان لتأييد دين الرحمن، ودين الله يتقوى بهذين الأمرين بحجة وبرهان، وبسلطان معه سيف والسنام، ولذلك إذا إفترق هذان الأمران، إذا نحينا الدين عن السياسة تخبطت الحياة وفسدت، فالعلماء الذين يحملون الدين سيكون فى رحمة وعطف ورعاية الكافرين الملعونين، أوليس كذلك؟ علماء عندهم حجة وبرهان، لكن ليس معهم سلطان ولا سيف ولا سنام من الذى سيرعى شؤونهم؟ ومن الذىسيحكمهم؟ ومن الذى سيدبر أمورهم فى هذه الحياة؟ ينفذ شرع الشيطان شيطان من الشياطين.

ص: 8

ولذلك يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله فى مجموع الفتاوى:ومن الرحمة فى هذا فيما يتعلق بالسياسة الشرعية، وهى رسالة مطبوعة على إنفراد، السياسة الشرعية وهو موضوع جزء ضمن مجموع الفتاوى فى الجزء الثامن والعشرين صفحة مئتين وعشرة، يتحدث الإمام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الأمر فيقول: إذا لم يكن مع العلماء سلطان ورضى العلماء بتحصيل العلم والعكوف عليه وما سعوا لإقامة سلطان وحكم ليكون الدين كله لله، فهم ضالون كالنصارى تماماً، كما هو حال القسس والرهبان، تنحوا عن شؤون الحياة وحكمها بعد ذلك الكفرة شر البريات..فيريد منا من يدعونا إلى فصل الدين عن السياسة أن يبقى العلماء كالقسس ضالون تائهون حائرون، هذا يضربهم وذاك يقتلهم، ولا ناصر لهم، وحكم بلا دين هذه طريقة المغضوب عليهم وهو طريقة اليهود الذين غضب عليهم ربنا المعبود، الذين يريدون علواًفى الأرض وفساداً..

الحكم إذا تجرد عن الدين ما مآله؟ إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعاً، ولذلك قال تعالى بعد ذلك {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} .

فالحكم إذا تجرد عن الدين علواً وفساد، الدين إذا تجرد عن الحكم ضلال وضياع.، ولذلك صنفان فى الأمة إذاصلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس العلماء يجتثون الشبه ويزيلون الأوهام من الأذهان، ويقررون بالحجج والبراهين دين الرحمن، وورائهم بعد ذلك سلطاناً وسيف وسنام، يدعوا الناس إلى دين الإسلام بعد أن أزيلت الشبه، فمن كابر وركب رأسه لا بد من علاجه، وإذا لم ينفع معه الكلام فلا يصلحه بعد ذلك إلا السيف والسنام {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} .

ص: 9

إذاً علماء حكام لا بد من وجود السياسة والحكمة عند هؤلاء ووهؤلاء، فالعلماء كما قلت يقررون دين الله ويدفعون الشبهة عنه وهؤلاء ينفذون أحكام الله، ويأخذون على أيدى المفسدين، يطرونهم على الحق أطراً، وإذا صلح هذان الصنفان صلح الناس، وإذا فسد هذان الصنفان فسد الناس وفسدت الحياة، وهذا الكلام مأثور عن سفيان الثورى حمه الله، كما فى حلية الأولياء فى الجزء السابع صفحة خمسة، وكان يقول هذا العبد الصالح: لله قراء وللشيطان قراء وصنفان إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء، وروى الأثر مرفوعاً إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فى كتاب حلية الأولياء عن ابن عباس رضي الله عنهما وروى أيضاً فى كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغى فى روايته وحمله للحافظ بن عبد البر، وعن ابن عباس مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم (صنفان من النس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء) والحديث ضعيف مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.

لكن كما قلت لكم إنه ثابت من كلام سفيان، ومعناه صحيح فالحجة العلمية البرهانية النظرية لتأييد دين الله {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} السياسة فى الأحكام وفى تدبير شؤون الأمة وفى الحكم بينهم {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء} فى الحكم والسياسة الحكمية {نرفع درجات من نشاء} فى العلم والإرشاد والتبليغ والحجة والدعوة بالتى هى أحسن {نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} {نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم} .

ص: 10

فدين بلا سلطان ضاعت، سلطان بلا دين ظالم جائر فاجر، يريد علواً فى الأرض وفساداً، ولذلك قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:الناس ينقسمون الى أربعة أقسام، منهم من يريد علواً فى الأرض وفسادا كغالب الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الرحمن، أفسد بنظامه وعلا وطغى وبغى وتجبر ومنهم من يريد علوا فى الأرض ولا يريد فسادا يحب أن يتعالى وأن يتكبر لكن لا يريد أن يفسد فى الحياة بقوانين وضعية يريد الزعامة والسلطة ليحكم بين الناس بالحق لكن هو ليكون له ما ليس لغيره فهو عالى وعند الله وضيع وإن حكم بالحق بين الناس، وكل شىء بحسابه.

ومنهم من يريد فى الأرض فسادا ولا يتطلع الى علوا كأكثر شياطين الإنس الذين يدعون الناس الى الشهوات المحرمات من زنا ومسكرات ومخدرات وربا وغير ذلك يفسدون ولا يتطلعون الى الحكم والسلطان ولا يخطر هذا على بالهم.

والصنف الرابع الذى هو غريب قليل لا يريدون فى الأرض علواً ولا فسادا والعاقبة للمتقين.

فدين بلا سلطان ضائع، وعلماء بلا سلطة معهم تحميهم وتنشر دعوتهم ضاءعة ضالون كالنصارى، وحكم يتقيد دين جور وإفك مبين ولن ينتج عنه إلا العلوا والفساد والكبر والغطرسة والظلم لعباد الله المساكين، ولذلك آثرت ذكر هذين النموذجين، كيف هذا أتاه الله السياسة العلمية ونحن بحاجة إليها؟ وهذا أعطاه الله السياسة الحكمية فى الحكم ونحن بحاجة إليها، ولابد من االجمع بينهما لتسير الحياة فى أمان بسلام {وتلك جتنى أتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} {وكذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم} .

إخوتى الكرام: (فصل الدين عن السياسة) ماذا يراد بهذه الجملة وما هى أخطارها؟ ثم بعد ذلك سنناقشها ونبين فسادها وعوارها.

ص: 11

يراد بفصل الدين عن السياسة، تجريد الحكومة التى ترعى شؤن الأمة عن الدين أى لايشترط فيهم أن يكونوا مسلمين، ولا يشترط فى قوانينهم أن تكون مأخوذة من دين رب العالمين، دون إنكار، إنتبه للقرآن العظيم هذا كلام الله حق، والنبى عليه الصلاة والسلام حق، لكن كل شىء له مكان هذا مكانه المسجد، وبعد ذلك السلطان مكانه قصر الحكم مع أعوانه ووزارئه يقررون ما شاءوا، قد يقررون أن الواط حلال وهذا مقرر فى بريطانية هذا رأى البرلمان، بل وصلوا فى هذه الأيام أن التزاوج بين الذكور مشروع ويسجل هذا فى المحاكم البريطانية، لا دخل لقسيس ملعون يأتى ويقول كيف هذا تبحون التزاوج بين الذكور؟ !، يقولون له مالقيصر لقيصر وما لله لله، نحن الآن فى العموم البريطانى لسنا فى كنيسة، إذا جئنا الى الكنيسة سجل علينا بما تريد وأما إذا جئنا لمجلس العموم فلا كلام لك ولا دخل لك فى شئون الحياة.

إذاً دين ضائع حقيقة ضائع ذليل ذليل مهين لا وزن له ولا رأى فى الحياة، من يريد فصل الدين عن السياسة يريد هذا، تجريد الحكومة عن الدين فلا يشترط أن يكون فى المسئولين دين، ولا يشترط فى القوانين أن تكون مأخوذة من شريعة رب العالمين، هذا معناه، لكن شياطين الإنس ما عبروا عن حقيقة فصل الدين عن السياسة بهذه الحقيقة المرة التى يردها كل مسلم، فماذا قالوا لهم؟ نفصل الدين عن السياسة يعنى السياسة يتولاها صنف واعى ممتاز فى الأمة وبقية بعد ذلك الأمة مسلمة، من الذى قال لكم اتركوا دينكم؟

ص: 12

كأنهم يقولون لهم الدين يرعاه فرقة والسياسة يرعاها فرقة، ولا تعارض بينهما، يوهمون الناس بهذا،. لكن حقيقة الأمر هو تجريد الحكومة عن الدين، ولذلك الآن عندما جردت الحكومات عن الدين بقى حكم يقال دليله آية كذا أو حديث كذا، أو يقال مادة كذا ومرسوم كذا، مراسيم سلطانية، أين النصوص الشرعية؟ قال النصوص الشرعية هذا دين نحن الآن سياسة وحكم لادخل للنصوص الشرعية فى السياسة ولا فى الحكم، قال الله، قال الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب، فإذاً هذا هو المقصود من فصل الدين عن السياسة تجريد الحكومة عن الدين ثم تجريد الرعية تبعا، لما؟ لأن الحكومة نائبة الرعية فى الحكم، لأن الحكومة وكيلة الرعية فى تدبير أمور البلاد، فإذا كفر الموكل، وتجرد من الدين أما يكفر الوكيل، أما يكفر؟ هذا وكيلك.، أما يكفر الموكل، الوكيل كفر، وأنت رضيت به فماذا يكون الأمر، القضاء على الدين من الحكومة ومن الرعية، لكن ستروه بهذه الكلمة المهذبة، هذا حال السياسين الملعونين الماكرين.

ص: 13

قالوا فصل الدين عن السياسة: يقصد منه القضاء على دين الله ليس فى رجال الحكم بل فى كل فرد من أفراد الأمة، لأن هذا الوكيل عندما كفر يكفر موكله، عندما رضى به وأنابه عنه، ولذلك عندما لايحكم بشريعة الله والرعية أنايت هذه الحكومة عنها، فما يجرى على الموكَل يجرى على الموكِل، ولذلك المرادمن فصل الدين عن السياسة، المراد أصالة، إلغاء دين الله والقضاء عليه لكن بعبارة سياسية ردية كالسياسات الملتوية فى هذه الأيام، فيفصل الدين عن الحياة، لايقصد من فصل الدين الحياة أن الدين يرعى كما أنزله الله، وأن أؤلئك لهم شأنهم لا، وهذا سأقرره بأمور فانتبهوا لها، إذاً هذا هو معنى الفصل، معنى الفصل: تجريد الحكومة أولا من الدين، ثم تجريد الرعية تبعاً من الدين لألا يبقى للدين وزن لاعند الحكومة ولا عند المحكومين، هذا هو معنى فصل الدين عن السياسة، هذا الأمر خطر جداً ويترتب عليه أحكام خطيرة ــ فظيعة. ينقسمون الى أربعة أقسام، منهم من يريد علواً فى الأرض وفسادا كغالب الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الرحمن، أفسد بنظامه وعلا وطغى وبغى وتجبر ومنهم من يريد علوا فى الأرض ولا يريد فسادا يحب أن يتعالى وأن يتكبر لكن لا يريد أن يفسد فى الحياة بقوانين وضعية يريد الزعامة والسلطة ليحكم بين الناس بالحق لكن هو ليكون له ما ليس لغيره فهو عالى وعند الله وضيع وإن حكم بالحق بين الناس، وكل شىء بحسابه.

ومنهم من يريد فى الأرض فسادا ولا يتطلع الى علوا كأكثر شياطين الإنس الذين يدعون الناس الى الشهوات المحرمات من زنا ومسكرات ومخدرات وربا وغير ذلك يفسدون ولا يتطلعون الى الحكم والسلطان ولا يخطر هذا على بالهم.

ص: 14

قالوا فصل الدين عن السياسة: يقصد منه القضاء على دين الله ليس فى رجال الحكم بل فى كل فرد من أفراد الأمة، لأن هذا الوكيل عندما كفر يكفر موكله، عندما رضى به وأنابه عنه، ولذلك عندما لايحكم بشريعة الله والرعية أنايت هذه الحكومة عنها، فما يجرى على الموكَل يجرى على الموكِل، ولذلك المرادمن فصل الدين عن السياسة، المراد أصالة، إلغاء دين الله والقضاء عليه لكن بعبارة سياسية ردية كالسياسات الملتوية فى هذه الأيام، فيفصل الدين عن الحياة، لايقصد من فصل الدين الحياة أن الدين يرعى كما أنزله الله، وأن أؤلئك لهم شأنهم لا، وهذا سأقرره بأمور فانتبهوا لها، إذاً هذا هو معنى الفصل، معنى الفصل: تجريد الحكومة أولا من الدين، ثم تجريد الرعية تبعاً من الدين لألا يبقى للدين وزن لاعند الحكومة ولا عند المحكومين، هذا هو معنى فصل الدين عن السياسة، هذا الأمر خطر جداً ويترتب عليه أحكام خطيرة ــ فظيعة. لأن عندى أمر ثلاثة سأذكرها إذا بدأت فيها متتابعة لا أريد أن أقطعها، وما أظنها تنتهى فى أقل من ربع ساعة فهذه الأمور الثلاثة التى تحقق لنا وتبين لنا شناعة هذا الفصل وخطره وما يترتب عليه من فساد وضلال، نتكلم عليها إن شاء الله فى الموعظة الآتية، ثم بعد ذلك نستعرض الأمر الرئيسى وهو مناقشة هؤلاء، نحن فقط سننظر الآن فى خطورة هذه الدعوة وشناعتها، وماذا يترتب عليها من بلاء وضلال وفساد، ثم سنناقشكم قوانينكم الوضعية التى زعمتم أنها تصلح الحياة، وشريعة الله لا تصلح، تعالوا نتناقش ولنرى أى الفريقين أحق بالهدى وبالحكمة وبالصواب والرشاد، شرعكم أم شرع الحكيم الخبير.

ص: 15

نذكر ما فى شرع الله من إعتبرات ومميزات ونقارن هذا بعد ذلك بالقوانين الوضعيات التى هى وضعية ووضيعة، ليظهر بعد ذلك الحق، نسأل الله جل وعلا أن يجعل هوانا تبعاً لشرعه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 16