المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٤٢

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد إخوتى الكرام كنا نتدارس بعض الآثار الثابتة عن نبينا المختار عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه فى فضل التفقه فى دين العزيز القهار سبحانه وتعالى

وقلت إخوتى الكرام سنتدارس أربعة آثار فى ذلك مر الكلام على ثلاثة منها

أولها حديث سيدنا معاوية ومن معه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين)

والحديث الثانى حديث سيدنا أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه عن سيدنا النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

(مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا)

وتقدم معنا أن الحديثين فى الصحيحين وغيرهما من دوايين السنة

والحديث الثالث من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر وسيدنا ابن أبى وقاص رضي الله عنهم أجمعين وقلت رُوى الحديث عن اثنى عشر صحابيا كما رُوى عن أربعة من التابعين مرفوعا إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

(أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع فضل العلم أحب إلىَّ إلى نبينا عليه الصلاة والسلام من فضل العبادة وأفضل الدين الورع)

مر الكلام كما قلت إخوتى الكرام على هذه الآثار الثلاثة ونشرع فى الأثر الرابع وهو آخرها فى منزلة التفقه فى الدين وبيان مكانة التفقه فى دين الله عز وجل

ص: 1

الحديث الرابع إخوتى الكرام ثبت فى مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث فى غير ذلك من دوايين السنة كما ستسمعون عند تخريجه من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما

قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم الخلاء لقضاء حاجته عليه صلوات الله وسلامه فوضعت له وَضوءا بفتح الواو وهو الماء الذى يستعمل فى الوُضوء وَضوءا وضعت له وضوءا ليتوضأ به وليتطهر به عليه صلوات الله وسلامه

فأُخبر النبى عليه الصلاة والسلام من وضع هذا النبى

قيل ابن عمك عبد الله ابن عباس رضى الله عنه وأرضاه

فقال النبى عليه الصلاة والسلام (اللهم فقهه فى الدين)

ورواية الإمام مسلم اقتصرت على الفعل فقط (اللهم فقهه)

والحديث إخوتى الكرام رواه الإمام أحمد فى المسند والحاكم فى المستدرك بسند صحيح أقره عليه الذهبى والحديث فى حلية الأولياء وطبقات الإمام ابن سعد ورواه الإمام ابن الجوزى بسنده فى كتابه المصباح المضىء فى ترجمة الخليفة المستضىء وهو من خيار خلفاء بنى العباس توفى سنة خمس وسبعين وخمسمائة الخليفة المستضىء

وفى زمنه تم القضاء على الدولة العُبيدية الملحدة التى ادعت أنها دولة فاطمية فى بلاد مصر وألف الإمام ابن الجوزى كتابه الشهير النصر على مصر وألف كتابا فى مجلدين فى ترجمة هذا الخليفة الصالح الخليفة المستضىء سماه المصباح المضىء فى ترجمة الخليفة المستضىء

ص: 2

فأورد هذا الحديث فى ترجمته أيضا ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال فى حق سيدنا عبد الله ابن عباس ولابن عمه عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل) هذه الزيادة ليست فى الصحيحين (اللهم فقهه فى الدين) هذا تقدم معنا فى الصحيحين ولفظ مسلم اللهم فقهه وعلمه التأويل فى المسند والمستدرك وغير ذلك كما أشرت (اللهم فقهه وعلمه التأويل) والحديث رواه الخطيب فى تاريخ بغداد بلفظ (اللهم فهمه فى الدين وعلمه التأويل وفهمه) بمعنى فقهه كما تقدم معنا الفقه هو الفهم (اللهم فهمه فى الدين وعلمه التأويل)

والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند أيضا وأبو نعيم فى الحلية عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال دعا لى النبى صلى الله عليه وسلم أن يزيدنى الله علما وفهما ورواه الإمام أحمد أيضا فى المسند وأبو نعيم فى الحلية والحديث رواه الإمام ابن الجوزى فى المصباح المضىء أيضا عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه دعا له فقال (اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه تأويل الكتاب)

وفى رواية (اللهم علمه الحكمة وعلمه تأويل الكتاب)

ص: 3

وعليه الحكمة هى الفقه وهى الفهم فى دين الله عز وجل والحديث رواه الإمام أبو نعيم فى الحلية أيضا والحاكم فى المستدرك بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى كما فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة أربع وثلاثين وخمسمائة عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أنه قام وراء نبينا عليه الصلاة والسلام يصلى فى بيته المبارك الشريف لأن نبينا عليه الصلاة والسلام تزوج خالة عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وهى ميمونة بنت الحارث وأم سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما لبابة هما أختان تزوجها العباس عم سيدنا خير الناس على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فكان أحيانا يبيت عند خالته وليس إلا فراش واحد عندما يريد أن يبيت تقول له خالته ميمونة لا يوجد إلا فراش واحد يقول رداىء يكفينى وأضع رأسى على الوسادة التى تنامان عليها لكن من الجهة الخلفية أنتم من هذه الجهة وأنا لى هذه الجهة لا أدخل معكما فى الفراش رضى الله عنه وأرضاه

وهو غلام حدث كما سيأتينا عندما توفى نبينا عليه الصلاة والسلام ناهز الاحتلام يعنى ما احتلم عند وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام فقام ليلة وراء نبينا عليه الصلاة والسلام ليصلى صلى وراءه فمد نبينا عليه الصلاة والسلام يده وسحبه وأقامه بحذائه وجواره فانخنث سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنه أى تأخر مرة ثانية فجذبه النبى عليه الصلاة والسلام وأقامه بحذائه فلما سلم عليه صلوات الله وسلامه قال يا ابن عباس يعنى أجرك لتقوم بحذائى فتنخنث لمَ؟

فتأخر فقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما كنت أظن أنه يحق لأحد أن يقوم بحذائك وأنت رسول الله عليه الصلاة والسلام نحن نقف بجنبك لا بد من أن نتأخر نتأدب معك وأنت رسول الله عليه الصلاة والسلام

ص: 4

قال فرفع النبى عليه الصلاة والسلام يديه فقال اللهم زده فهما وعلما انظر لفهمه وفقهه لما ذهب النبى عليه الصلاة والسلام لقضاء الحاجة تبعه بوعاء من ماء بسطل من ماء ليتطهر وليتوضأ وانظر لفقهه وفهمه ذكائه رضى الله عنه وهو صغير ما جرى عليه قلم التكليف يقول كيف أقوم بجوار النبى الجليل عليه الصلاة والسلام وهو قريبه وزوج خالته عليه صلوات الله وسلامه وبين الأقارب 11:24 ترتفع كما يقال الحشمة يعنى لا يبقى التوقير الذى يبقى مع يعنى الأجانب وهذا كما قلت ابن عمه عليه صلوات الله وسلامه وهو زوج خالته فيدخل ويخرج إلى البيت بكثرة ثم هو غلام صغير وانظر لهذا العقل الكبير المستنير ما كنت أظن أنه يحق لأحد أن يقوم بحذائك أنت تسحبنى لكن عندما توقفنى بحذائك أقف سمعا وطاعة لك إذا تركتنى انخنس وأتأخر قال أنا أسحبك وأنت تنخنس تتأخر أسحبك تتأخر لمَ؟

(ما كنت أظن أنه يحق لأحد أن يقوم بحذائك وأنت رسول الله عليه الصلاة والسلام اللهم زده فهما وعلما)

حقيقة إذا عنده هذا الأدب وهذا الذكاء ينبغى أن يُدعى له بهذا الدعاء اللهم زده فهما وعلما))

وثبت فى المسند وغيره عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما (قال مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسى ودعا لى بالحكمة)

وفى صحيح البخارى وسنن الترمذى قال ضمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه (وقال اللهم علمه الحكمة)

وهذه الروايات بالألفاظ المتعددة لعلها والعلم عند الله صدرت فى مناسبات متعددة

فهناك وضع وَضوءا للنبى عليه الصلاة والسلام اللهم فقهه فى الدين بعد ذلك مناسبة أخرى اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل

مناسبة أخرى اللهم زده فهما وعلما

مناسبة أخرى مسح رأسه اللهم علمه الحكمة

مناسبة أخرى ضمه إليه اللهم علمه الحكمة تأويل الكتاب

ص: 5

مناسبات متعددة كأن رسول الله عليه الصلاة والسلام يلح على الله فى أن يحقق الله رجاءه ودعاءه فى ابن عمه لينال درجة فقيه هذه الأمة ولا شك هو يعنى فى مقدمة فقهاء الصحابة وأفقههم رضى الله عنهم وأرضاهم

وسيأتيكم كان سيدنا عمر ثانى الخلفاء الراشدين رضى الله عنه يرجع إلى رأيه ويترك رأى البدريين رضى الله عنهم أجمعين كما ستسمعون فإذاً اللهم فقهه فى الدين هذه الدعوة لن تتخلف هو فقيه الصحابة وهو مفسر الصحابة كما سيأتينا ترجمان القرآن وهو بحر هذه الأمة وحبرها وعالمها رضى الله عنه وأرضاه اللهم فقهه فى الدين

قال الإمام ابن عبد البر فى كتابه الاستيعاب فى معرفة الأصحاب عليهم رضوان الكريم الوهاب وانظروا الكتاب فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وخمسين وثلاثمائة على هامش الإصابة للحافظ ابن حجر قال الإمام ابن عبد البر رُوى من وجوه متصلة عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب

وفى رواية اللهم فقهه فى الدين

وفى رواية اللهم آته الحكمة

ثم سرد الروايات التى ذكرتها قال الإمام ابن عبد البر وكلها أحاديث صحيحة وكلها أحاديث صحاح كما تقدم معنا الحديث فى الصحيحين وفى المستدرك بالزيادات وصححه وأقره عليه الذهبى وفى غير ذلك من دوايين السنة

وهذه الدعوة إخوتى الكرام التى دعا بها نبينا عليه الصلاة والسلام لابن عمه عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما تبين لنا مكانة الفقه ورتبته كما تبين لنا شأن التأويل ودرجته

ص: 6

وقد حاز هذا الصحابى المبارك يعنى الدرجة العليا فى الرتبتين فى الفقه وفى التفسير كما حاز الدرجة العليا أيضا فى رواية حديث نبينا البشير النذير على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو من الستة بل من السبعة المكثرين عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فى رواية الأحاديث كما سيأتينا وهو أفقه الصحابة على الإطلاق ونقل عنه من الفتيا والفقه ما لم يُنقل عن صحابى رضي الله عنهم أجمعين أكثرهم فتيا سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وهذا محل اتفاق كما سيأتينا وهو من المكثرين فى الرواية يوجد من هو أكثر منه يعنى يوجد فى الرواية من هو أكثر منه كما سيأتينا أربعة زادوه فى الرواية فقط من الصحابة وهو الخامس لكن يعنى هو لا زال من ضمن المكثرين شاركهم فى الرواية

أما فى الفقه هذا درجة أولى وفى التفسير درجة أولى لقول نبينا عليه الصلاة والسلام اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل

إخوتى الكرام أخذ أئمتنا من هذا الحديث أن التفسير بالرأى جائز وهذا محل إجماع واتفاق إذا كان التفسير بالرأى موافقا لقواعد اللغة العربية والنصوص الشرعية لا خلاف فى ذلك

كما أن التفسير بالرأى حرام محل إجماع واتفاق إذا كان على حسب الرأى المجرد والهوى والتشهى الذى لا يستند إلى نصوص الشرع ولا إلى قواعد اللغة فانتبه لهذا

يعنى هذا محل إجماع وهذا محل إجماع

ومن حكى اختلافا بين أئمتنا فى موضوع التفسير بالرأى فهو واهم لم يفهم مرادهم من عباراتهم فحكى اختلافا بينهم

فمن قال إن التفسير بالرأى حرام عنى به تفسير المبتدعة وأهل الأهواء ومن قال إن التفسير بالرأى حلال عنى به تفسير أهل السنة تفسير العلماء تفسيرالذى نُقل عن الصحابة والسابقين ومن بعدهم مما تدل عليه كما قلت نصوص الشرع وتحتمله لغة العرب فهذا لا بد من وعيه لا خلاف بين أئمتنا فى ذلك ومن حكى كما قلت عنهم اختلافا فلعدم فهم مرادهم من كلامهم

ص: 7

ولذلك يقول أئمتنا فى مثل هذا اختلفت عباراتهم لاختلاف اعتباراتهم فمن أراد بالتفسير بالرأى الهوى والتشهى قال إنه حرام

ومن أراد بالتفسير بالرأى المنضبط الموافق لنصوص الشرع وقواعد اللغة قال إنه حلال

اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات هذا يقول حلال وهذا يقول حرام هذا يلحظ ملحظا وهذا يلحظ ملحظا فانتبه لهذا

هذا كقول الله جل وعلا فى سورة آل عمران {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} [آل عمران/7]

(وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)

لفظ الراسخون الجملة مبتدأة والواو استئنافية أو عاطفة على لفظ الجلالة الأمران معتبران على حسب ملاحظة معنى التأويل

فمن أراد بالتأويل التفسير قال الراسخون يعلمون التفسير كما يعلمه الله الجليل وهذا ما قاله سيدنا مجاهد رضى الله عنه وأرضاه قال أنا ممن يعلم تأيل المتشابه

ما المراد بالتأويل المعنى الظاهرى تفسير حسب ما تحتمله لغة العرب ولا يوجد بفظ فى القرآن إلا وله معنى حسب لغة العرب

ومن أراد بالتأويل الحقيقة التى يأول إليها الشىء قال هذا استأثر الله بعلمه فمعنى الساعة نعرفه ووقتها نجهله معنى ما يكون فى الآخرة من نعيم وعذاب أليم نعرفه رمان وفاكهة وما شاكل هذا معروف وهنا سلاسل وأغلال معروف لكن الحقيقة لا يعرفها إلا الله جل وعلا

فمن أراد كما قلت بالتأويل التفسير الظاهرى قال الراسخون يعلمون كما يعلم الحى القيوم

ومن قال إن المراد بالتأويل الحقيقة التى يأول إليها ذلك المتشابه قال هذا لا يعلمه إلا الله

وهنا كذلك إخوتى الكرام التفسير بالرأى جائز بهذه الشروط يوافق نصوص الشرع وقواعد اللغة

ص: 8

فلا حرج فى ذلك أن يأتى الإنسان يقول (اهدنا الصراط المستقيم) الصراط المستقيم الطريق الواضح الطريق الحق طريق العلم والعمل طريق الإسلام طريق الشيخين أبى بكر وعمر طريق أهل السنة والجماعة يقول ما شاء هذا كله حق، واضح هذا

قاله وافق نصوص الشرع وما خرج عن قواعد اللغة وهنا كذلك دعا نبينا عليه الصلاة والسلام لسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما بالفقه فى الدين ومعرفة التأويل

فلو كان التأويل متوقفا على السماع لاستوى هو مع غيره فى هذا الأمر وسيأتينا حقيقة بعض النماذج أنه يعنى لا بد من استنباط واستنتاج كما قلت حسبما تدل النصوص الشرعية ولا يخرج عن قواعد اللغة العربية فيظهر له ما يخفى على غيره لماذا؟

لدعوة نبينا عليه الصلاة والسلام علمه التأويل لو كان التأويل مسموعا كالتنزيل لاستوى مع غيره ولكان أبو هريرة أعلى منه وهو أحفظ منه رضي الله عنهم أجمعين لكان شتان شتان بين سيدنا أبى هريرة وسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى الفقه كما سيأتينا فى خطوات البحث إن شاء الله شتان وأبو هريرة رضي الله عنه إذا طرأت عليه مشكلة يذهب إلى عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فيستفتيه فى القضية التى تنزل عليه وتحل به فإذاً مع انه أحفظ لكن كما قلت هذا الاستنباط والاستنتاج بالفهم ومعرفة التأويل هذا مما خص الله به بعض الناس وهو الذى يؤتى الحكمة من يشاء سبحانه وتعالى (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل)

إخوتى الكرام كما قلت إن فقيه الإسلام هو سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما لدعوة نبينا عليه الصلاة والسلام له بذلك (اللهم فقهه فى الدين)

كما أن راوية الإسلام هو سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه راوية الإسلام أبو هريرة وفقيه الإسلام عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين

ص: 9

ثبت فى صحيح البخارى وسنن الترمذى وغير ذلك من دوايين السنة عن سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين أنه جاء إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال

يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنى أسمع منك حديثا كثيرا ثم أنساه لا يثبت فى ذهنى ولا فى ذاكرتى فادعو الله لى فقال النبى عليه الصلاة والسلام ابسط رداءك يا أبا هريرة فبسطه قال فغرف النبى عليه الصلاة والسلام بيده أمور معنوية لا يعلمها إلا رب البرية وألقاها يعنى فى رداء أبى هريرة فغرف النبى عليه الصلاة والسلام بيده وألقاها فى رداء أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه ثم يقول أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال له ضم عليك رداءك بعد ذلك ضمه قال سيدنا أبو هريرة فما نسيت شيئا حفظته بعد ذلك بعد هذا البسط وغرف شىء وإلقاؤه فى الرداء وضم الرداء ما نسيت شيئا وهو راوية الإسلام وهو أكثر الصحابة رواية لحديث نبينا عليه الصلاة والسلام

رُوى له خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا وهو كما قلت أكثر الصحابة رواية يليه عبد الله ابن عمر ويليه أنس ابن مالك وتليهم أمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين هؤلاء أربعة يتقدمون عبد الله ابن عباس يأتى فى الرتبة الخامسة سيدنا عبد الله ابن عباس رُوى له ستمائة وألف حديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام ألف ستمائة حديث وفى الدرجة السادسة جابر ابن عبد الله وأكثر كتب المصطلح اقتصرت على الستة ويُعَنْوَنُ عليهم بالستة المكثرين

قال شيخ الإسلام الإمام العراقى يلحق بهم سابع لأن المُكثر من زادت أحاديثه على ألف أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه زادت أحاديثه على الألف فيلحق بهم انظروا شرح ألفية العراقى للإمام العراقى فى الجزء الثالث صفحة خمس عشرة

راوية الإسلام سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه وفقيه الإسلام سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين

ص: 10

ولذلك يقال له البحر كما سيأتينا والحبر وتَرجُمان القرآن رضى الله عنهم أجمعين وهو أكثر الصحابة فُتيا كما قلت لكم وهو واثنين من الصحابة كان لهم شأن فى الصحابة لهم تلاميذ ولهم مدارس يؤخذ العلم والفقه من شيوخ هذه المدارس سيدنا عبد الله ابن عباس ومدرسته أشهر المدارس الثلاثة وعبد الله ابن مسعود وزيد ابن ثابت رضي الله عنهم وأرضاهم كان لكل واحد من هؤلاء أتباع يلتزمون بقوله ويقررونه وينشرونه كما حصل بعد ذلك فى هذه الأمة عندما استقرت الأقوال بالمناهج الأربعة مدرسة هنا مدرسة هنا مدرسة رئيسها عبد الله ابن عباس ورئيسها عبد الله ابن مسعود ورئيسها زيد ابن ثابت أكبر المدارس كما قلت مدرسة سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين

ونبينا عليه الصلاة والسلام كان يتوسم فيه ذلك ولذلك ألح على الله جل وعلا فى أن يعنى يزيده تهييأ لوصول هذه الرتبة التى سيصل إليها فى المستقبل فكان نبينا عليه الصلاة والسلام أيضا يوصيه بتقوى الله ومراقبته فى جميع الأحوال لأنه سيكون له شأن

والتقوى حقيقة هذه تزيد الإنسان بصيرة ونورا وفطنة {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت/69]

ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح والحديث وراه الحاكم فى المستدرك والإمام أبو يعلى فى مسنده والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة كما رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والإمام ابن السنى والإمام الآجروى فى الشريعة والإمام ابن أبى عاصم فى كتاب السنة ورواه أبو نعيم فى الحلية وكما قلت إن الحديث صحيح صحيح من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال

ص: 11

(كنت يوما رديف النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أردفه خلفه على دابة من تواضع نبينا عليه صلوات الله وسلامه فالتفت إلىَّ وقال يا غلام إنى أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تُجاهك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا ستعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشىء لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىء لن يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)

(اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل)

وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من أن يُوصَّى من خير الموصين نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام بأن يتقى الله فى كل حين فإذا حفظ الله حفظه الله وواقع الأمر كذلك

فائدتان إخوتى الكرام قبل أن أكمل خطوات البحث

الفائدة الأولى ذكر الإمام ابن حزم فى كتابه الإحكام فى أصول الأحكام أوليس كذلك؟ فى أصول الفقه الإحكام فى أصول الأحكام فى الجزء الخامس صفحة ست وستين وستمائة والكتاب فى ثمانية أجزاء مرتبة ترتيبا تسلسليا من الجزء الأول إلى نهاية الثامن فى الطبعة التى عندى وكلامه نقله الإمام الذهبى فى السير أيضا فى الجزء الثالث صفحة ثمان وخمسين وثلاثمائة أن أحد العلماء وهو من الأمراء أيضا من ذرية سيد الفقهاء سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وهو أبو بكر محمد ابن يعقوب ابن الخليفة المأمون

وخلفاء بنى العباس ينتمون إلى سيدنا العباس رضي الله عنهم أجمعين ولذلك الإمام ابن الجوزى ألف للخليفة المستضىء المصباح المضىء فى أحكام فى مناقب فى أخبار الخليفة المستضىء ترجم فى أول الكتاب لسيدنا العباس ثم لابنه عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فى بعض روايات الحديث التى تقدمت معنا فقهه فى الدين علمه التأويل آته الحكمة بارك فيه فى بعض الروايات وانشر منه يعنى نسله يكون لهم شأن وأثر

ص: 12

ولذلك جاء خلفاء بنى العباس على حسب ما حمل الإمام ابن الجوزى الحديث على ذلك فهم ينتمون إلى سيدنا العباس رضى الله عنهم وأرضاهم فهذا أحد أحفاد سيدنا عبد الله ابن عباس محمد ابن يعقوب ابن الخليفة المأمون توفى سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

انظروا ترجمته الطيبة فى المنتظم فى الجزء السادس صفحة أربع وسبعين وثلاثمائة قال وُلِّى مكة المكرمة صانها الله وشرفها وكان أميرا عليها ثم ذهب إلى بلاد مصر لنشر الحديث ولتلقى الحديث فأدركته المنية هناك ودفن فى بلاد مصر عليه رحمة الله ورضوانه ألف كتابا جمع فيه فتاوى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى عشرين مجلدا من هاك الوقت الذى هو فى القرن الرابع الهجرى أوليس؟ كذلك كتاب فى عشرين مجلدا جمع فيه فتاوى سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين

ولا يخفى عليكم أن كتاباتهم القديمة ليست ككتاباتنا الحديثة مبسوطة يعنى عشرون مجلدا من المخطوطات تحتاج إلى أقل ما يقال فى هذا الوقت لو طبعت إلى مائة مجلد يعنى عشرون مجلدا هذه فى المخطوطات واضح هذا لو نظرت فى مخطوطات أئمتنا القديمة السطور متراصة والصفحة مملوءة ولا يوجد سعة وكما هو الحاصل الآن فى علامات ترقيم وهامش من هنا ومن هنا وشىء من الترتيب الذى يجلب نظر القارىء فعشرون مجلدا يعنى على أقل تقدير تأتى فى مائة مجلد وهذه كلها يرويها إلى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين والفترة قريبة يعنى إذا توفى سيدنا عبد الله ابن عباس كما سيأتينا سنة ثمان وستين يعنى بينهما أقل من ثلاثمائة سنة واضح هذا إذا كان هو حيا فى سنة ثلاثمائة أو مائتين وكسور يعنى بينه وبين سيدنا عبد الله ابن عباس قرابة مائتى سنة بينهما واسطتين أو ثلاثة على حسب علو الإسناد فى جمع هذه الفتاوى عشرون مجلدا فى فتاوى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين

ص: 13

هذه المجلدات أين هى علمها عند ربى لكن لو وُجدت حقيقة يعنى ثروة عظيمة فقهية بفقه صحابى يعنى أكبر مدرسة فقهية فى عهد الصحابة تجمع كما قلت فتاواه فى عشرين مجلدا بأسانيد ثابتة ما أجمل هذا لو وُجد

إخوتى الكرام هذا كما قلت فيما يتعلق بالتنبيه الأول له كما قلت مدرسة فقهية وجُمعت بعض أيضا فتاويه ليس الكل فى عشرين مجلدا جمعها بعض أحفاده

الأمر الثانى التنبيه الثانى ذكر الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب فى صفحة سبع وسبعين أن مقدار ما سمعه سيدنا عبد الله ابن عباس من نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه نحو العشرين يعنى نحو عشرين حديثا سمع من النبى عليه الصلاة والسلام وبقية مرواياته كلها أخذها من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ثم علق الإمام ابن القيم كما سأقرأ عليكم عباراته على هذا بأنه هذا الذى سمعه من النبى عليه الصلاة والسلام لمَ؟ لا لصغر سنه لكن لما فى قلبه من تفاعل ونور وبصيرة تفاعل مع هذه النصوص وأخرج منها من كل زوج بهيج كالأرض الطيبة إذا نزل عليها الماء قبلت الكلأ والعشب والكثير فحاله كحال الأرض الأولى فى حديث سيدنا أبى موسى التى تقدم معنا رضى الله عنه وأرضاه

وهذا الذى يقوله الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول قبله الإمام الغزالى ما هو أغرب منه فاختصر العشرين إلى الخمس يقول مبلغ ما سمعه سيدنا عبد الله ابن عباس من نبينا خير الناس عليه الصلاة والسلام قرابة الأربع أحاديث لا تبلغ أربع أحاديث فقط يعنى خمس العشرين

وهذا أورده فى كتابه المستصفى فى الجزء الأول صفحة سبعين ومائة عند مبحث الحديث المرسل وأئمتنا بحثوا عند حديث المرسل مراسيل الصحابة وهى حجة عند جميع أهل الإسلام ما خالف فى هذا إلا الإمام الإسفرايينى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ولم يعول على قوله أحد من أئمتنا

ص: 14

يقول شيخ الإسلام الإمام العراقى أما الذى أرسله الصحابى فحكمه الوصل على الصواب

فأكثر روايات سيدنا عبد الله ابن عباس مرسلة عن نبينا عليه الصلاة والسلام بينه وبينه واسطة وأخذها من سيدنا أبى بكر أو عمر أو عن غيره من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين كما سيأتينا فى طلبه للعلم وجده واجتهاده فى تحصيله لكن ما كان يصرح ما يقول حدثنى أبو بكر رضي الله عنه ولا حدثنى عمر ولا حدثنى أبو هريرة يضيف الحديث إلى النبى عليه الصلاة والسلام قال رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا حرج فى ذلك من باب اختصار الإسناد والصحابة كلهم عدول ثقات ولا داعى للتطويل وهو رَأَى النبى الجليل على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه مرسل لكن كما قلت مرسل الصحابى حكمه الوصل والاتصال أما الذى أرسله الصحابى فحكمه الوصل على الصواب

عند بحث المرسل يقول مراسيل الصحابة تقبل فابن عباس رضى الله عنهما غاية ما رواه مما سمعه أربعة أحداديث والباقى لم يسمعها وهى مقبولة ويحتج بها عند جميع أهل الإسلام

وفى كل من العبارتين عبارة الإمام ابن القيم وما هو أشد منها عبارة الإمام الغزالى يغفر الله لنا ولهم أجمعين يعنى شىء كما يقال من التقصير نحو هذا الصحابى الجليل رضى الله عنه وأرضاه فالذى سمعه أكثر من ذلك لذلك استغرب الإمام السخاوى فى فتح المغيث فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعين ومائة كلام هذين الإمامين المباركين إن كان كلام الإمام الغزالى أو كلام الإمام ابن القيم عليهم جميعا رحمة الله ونقل عن شيخه الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه أحصى الأحاديث الصحيحة والحسنة التى ثبتت عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وصرح فيها بالسماع من نبينا خانم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فبلغت أربعين حديثا هذا ما صرح فيه بالسماع

ص: 15

قال الحافظ ابن حجر سوى ما فى حكم ذلك أى ما فى حكم السماع من حضوره شىء فُعل بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم ونقله أنه عمل كذا بحضرة النبى عليه الصلاة والسلام ووقع كذا بحضرة النبى عليه الصلاة والسلام إنما أربعون حديثا مما كما قلت هو صحيح أو حسن مما أحصاه الحافظ ابن حجر صرح فيها الإمام سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما بالسماع فمن قال إنها عشرون يعنى كما قلت أجحف قلل ومن قال إنها أربعة يعنى زاد فى الإجحاف أيضا

أنا أقول على جميع الأحوال أربعة أو عشرون أو أربعون أو قل أربعمائة الباقى عندنا روايات تزيد عن الألف ألف وستمائة كما تقدم معنا إذا بقية الروايات كلها مرسلة حقيقة أخذها من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين ولها حكم الوصل

الإمام ابن القيم إخوتى الكرام كما قلت فى صفحة سبع وسبعين فى الوابل الطيب يذكر كلاما طيبا نفيسا نحو هذه المسألة وما يتعلق بها وهو يتكلم فى الأصل على حديث سيدنا أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه الذى تقدم معنا فى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام كما قلت على حسب ظاهر الحديث لكن استظهر الحافظ ابن حجر أنهم أربعة أقسام وفى كل طائفة قسمان كما وضحت هذا الإمام ابن القيم يمشى الآن على انهم ثلاثة أقسام وأن الطائفة الخبيثة الأخرى التى لم تقبل هدى الله ولم ترفع رأسا بدين الله وهى طائفة واحدة مَن أعرضت عن دين الله والطائفة الأولى طائفتان منهم من حفظ وعَلِم وفقُه وعَلَّم ومنهم من حفظ وعَلِم لكن لن يتفقه فى دين الله عز وجل بحيث يستفيد الناس منه إنما هو مجرد ناقل الناس يأخذون الروايات عنه دون أن يتفاعل معها وأن يستخرج كنوزها وهو الفقه والاستنباط

يقول

ص: 16

وهذا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن مقدار ما سمع من النبى عليه الصلاة والسلام لم يبلغ نحو العشرين حديثا الذى يقول فيه سمعت ورأيت لا من قال فيه سمعت فقط وصل الأربعين وأما رأيت وفعل بحضرته قال الحافظ ابن حجر أزيد من هذا وسمع الكثير من الصحابة وبورك له فى فهمه والاستنباط به حتى ملأ الدنيا علما وفقها

قال أبو محمد ابن حزم العبارة إخوتى الكرام لو ساعدتمونى أيضا فى ضبطها وفهمها

يقول جُمعت فتاويه أو جَمعت فتاويه يعنى هل الإمام ابن حزم له كتاب جمع فيه فتاوى ابن عباس أو أنه يخبر أنه جُمعت فتاوى ابن عباس حقيقة ما عندى علم بذلك

قال أبو محمد ابن حزم وجَمعتُ فتاويه فى سبعة أسفار كبار جُمعت فتاويه فى سبعة أسفار كبار العلم عند الله لكن تقدم معنا أنه بعض أحفاده جمعها فى عشرين مجلدا قال الإمام ابن القيم وهى بحسب ما بلغ جامعها يعنى هذا الذى جمع يعنى إما ابن حزم أو غيره الله عليم يعنى إذا ابن حزم يعلق عن هذا إن كان القائل هو ابن حزم يقول هذا بحسب ما بلغ ابن حزم بلغه أنها سبع فقط وجمعها أى ما وصل إليه علم من فتاوى سيدنا عبد الله وإلا فعلم عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما كالبحر وفقهه واستنباطه وفهمه فى القرآن بالموضع الذى فاق به الناس وقد سمع كما سمعوا وحفظ القرآن كما حفظوا ولكن أرضه كانت من أطيب الأراضى وأقبلها للزرع فبزغ فيها النصوص فأنبتت من كل زوج كريم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم

وأين تقع فتاوى يبدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وتفسيره واستنباطه من فتاوى سيدنا أبى هريرة وتفسيره رضى الله عنهم أجمعين وأبو هريرة رضي الله عنه أحفظ منه بل هو أحفظ الأمة على الإطلاق يؤدى الحديث كما سمعه ويدرسه بالليل درسا فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه

ص: 17

وهمة سيدنا عبد الله ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الأنهار منها واستخراج كنوزها وهكذا الناس بعده قسمان يعنى الطيبان النافعان قسم الحفاظ معتنون بالضبط والحفظ والأداء كما سمعوا لا يسنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه وقسم معتنون بالاستنباط واستخراج الأحكام من النصوص والتفقه فيها

انتبه فالأول حفاظ كأبى زُرعة وأبى حاتم وابن داره وقبله كبندار محمد ابن بشار 46:5 وعبد الرزاق وقبلهم كمحمد ابن جعفر بندر وسعيد ابن أبى عروبة وغيرهم من أهل الحفظ الإتقان والضبط لما سمعوه من غير46:20سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين حقيقة لكان أولى فهو فقيه هذه الملة المباركة المرحومة كأبى حنيفة ومالك هذه أبى حنيفة منى زيادة كأبى حنيفة ومالك والشافعى والأوزاعى وإسحاق والإمام أحمد ابن حنبل نعم معهم لا شك لكن أدخل أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين كمالك والشافعى والأوزاعى وإسحاق والإمام أحمد ابن حنبل والبخارى وأبى داود ومحمد ابن نصر المروزى وأمثالهم ممن جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية فهاتان الطائفتان هما أسعد الخلق بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وهم الذين قبلوه وورفعوا به رأسا

وتقدم معنا إخوتى الكرام يعنى تقرير هذا سابقا أن الفقهاء أطباء والمحدثين صيادلة وذكرت بعض الوقائع التى وقعت للمحدثين فما استطاعوا أن يجيبوا فيها بكلمة حتى أُحيلت إلى من يفجرون النصوص ويستنبطون منها فأجابوا بالحكم الشرعى رضى الله عنهم وأرضاهم فسيدنا أبو هريرة رضى الله عنه راوية الإسلام حافظ الإسلام حقيقة وسيدنا عبد الله ابن عباس فقيه الإسلام ترجمان القرآن فدرجته أعلى من درجة سيدنا أبى هريرة قطعا وجزما رضى الله عنهم أجمعين

ص: 18

إخوتى الكرام دعوة نبينا عليه الصلاة والسلام التى تقدمت معنا لابن عمه اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل استجابها ربنا الكريم سبحانه وتعالى فهيأ سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما بذلك فألهمه أن يجد فى الطلب لينال أعلى الرتب فاستمع لجده رضى الله عنه وأرضاه وهو صغير لم يجر القلم عليه استمع

روى الإمام الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة ثمان وثلاثين وخمسمائة والحديث صححه الحاكم وأقره عليه الذهبى ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير بسند رجاله رجال الصحيح كما فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة سبع وسبعين ومائتين والحديث رواه الإمام ابن سعد فى الطبقات والفسوى فى كتابه المعرفة والتاريخ ورواه الإمام البيهقى وغيرهم رضى الله عنهم وأرضاهم

عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنه وأرضاه قال لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله عليه الصلاة والسلام مات وانتقل إلى الرفيق إلى جوار ربه عليه صلوات الله وسلامه وسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما كما قلت ناهز الاحتلام وقارب الخامسة عشرة من السنين ثبت فى معجم الطبرانى الكبير بسند رجاله رجال الصحيح كما فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة خمس وثمانين ومائتين

ص: 19

ذاك رواه الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين ورواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده وكما قلت فإنه صحيح عن سيدنا ابن عباس رضى الله عنهما قال توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة وما ورد فى بعض الروايات أنه ابن ثلاث عشرة سنة وأنه أربع عشرة سنة الجمع بينها ممكن أربعة عشرة سنة يعنى ألغى الكسر ثلاث عشرة سنة ألغى الكسرين يعنى ثلاث عشرة سنة كاملة ثم من بداية السنة التى ولد فيها يوجد أشهر وبداية السنة الأخيرة يوجد أشهر فألغى هذه وألغى هذه فصارت ثلاث عشرة سنة أذا جبر الكسرين صارت خمسة عشر واضح هذا كما جمع أئمتنا على كل حال المقصود قارب الاحتلام بلغ خمس عشرة سنة أو أربع عشرة سنة جبر الكسر فصارت خمس عشرة سنة الأمر يعنى سهل فى موضوع هذه الروايات هذا حال ومدة صحبته لنبينا عليه الصلاة والسلام قرابة سنتين ونصف فقط هذه صحبته لنبينا عليه الصلاة والسلام يعنى صحبه وعمره إحدى عشرة سنة واثنتى عشرة سنة لا أربعة عشرة سنة فقط لأنه هاجر إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قبيل فتح مكة هاجر إلى المدينة المنورة على منورها على صلوات الله وسلامه وكان فتح مكة فى العام الثانى فبقى مع النبى عليه الصلاة والسلام قرابة سنتين ونصف فانتقل نبينا عليه الصلاة والسلام إلى جوار ربه

ولذلك يقولها الإمام الذهبى فى السير فى أول ترجمته مدة ملازمته للنبى عليه الصلاة والسلام ثلاثون شهرا يعنى سنتان ونصف كما قلت ومع ذلك سنتان ونصف قبل أن يجرى القلم عليه وهو فقيه هذه الأمة المباركة المرحومة رضى الله عنه وأرضاه يقول لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 20

قلت لرجل من الأنصار هلم يا فلان لنتلقى العلم من أصحاب النبى عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام فهم أحياء وهم كثيرون بدءا من سيدنا أبى بكر رضى الله عنه فمن دونه نتعلم العلم عنهم فاتنا نتلقى من النبى عليه الصلاة والسلام وما صحبناه فترة كبيرة طويلة فنتعلم ممن أخذ عنه وتلقى منه عليه وعليهم صلوات الله وسلامه

فقال له الأنصارى يا ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين أتظن أنه يُحتاج إليك وأصحاب رسول لله عليه الصلاة والسلام متوافرون وفيهم وفيهم كبار الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والعشرة المبشرون وغيرهم وغيرهم وأنت يعنى سيُحتاج إليك أنت لا زلت غلاما يعنى تطمع أنك إذا تعلمت الناس ستلجأ إليك مع هؤلاء الصحابة

قال سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنه فتركته وأقبلت على شأنى فما وافقنى أن نترافق فى طلب العلم فانا أجد واجتهد فى تحصيل العلم قال فقد كان يبلغنى الحديث عن واحد من الصحابة مما لا أحفظه فأذهب إلى بيته فلا أطرق عليه الباب كراهة أن أضجره وأن أوذيه فأنام على بابه اضجع وأنام على الباب ولا أخرج انتظر حتى إذا خرج يتلقى منه الحديث

قال فتسفى الرياح على وجهى الرمال تأتى تنسف على وجهى وأنا مضجع فإذا فتح الباب وأراد أن يخرج للصلاة رآنى وأنا مضجع على باب بيته

قال يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام هلا أرسلت إلىَّ حتى آتيك أنت نجلك إجلالا لرسول الله عليه الصلاة والسلام أنت لك شأن أنت فقط أرسل إلينا نحن نأتى إلى بيتك نعلمك

فيقول له لا أنت أحق أن تُؤتى ثم يقول بلغنى عنك كذا عندك حديث فيمليه فيحفظه سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما

قال عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فبقى صاحبى الأنصارى أى امتدت حياته كما امتدت حياتى حتى إذا رأى اجتماع الناس علىَّ اجتمعوا علىَّ

فقال كان هذا الفتى أعقل منى

ص: 21

نعم يعنى لم حج سيدنا معاوية أيام إمرته وخلافته وحج سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين موكب معاوية وهو الصحابى لا يوجد حوله إلا أعوانه وموكب عبد الله ابن عباس فى منى وفى المشاعر يفد الناس إليه من كل جهة من أجل أن يسألوه عن أحكام المناسك يعنى هو أعلى من الخليفة ذاك خليفة ما حوله إلا أعوانه وأصحابه وما أحد يقصده للسؤال وأما هذا موكبه وخباؤه ومنزله الناس يفدون إليه من كل جهة ولا ينقطع

هذا حقيقة لما رأى صاحبه اجتماع الناس عليه قال كان هذا الفتى أعقل منى احتاج الناس إليه

بل احتاج إليه سيدنا عمر رضى الله عنه يعنى بعد وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام بثلاث سنين جاءت الخلافة لسيدنا عمر أوليس كذلك سيدنا أبو بكر رضى الله عنه حكم سنتين ونصفا جاءت الخلافة إلى سينا عمر كان يستشيره ويقدره عن البدريين فيها هاتين السنتين يعنى كم كان عمره سبع عشرة سنة يستشيره ويأخذ برأيه رضى الله عنهم وأرضاهم كما سيأتينا كما قلت فى خطوات البحث

ودعوة نبينا عليه الصلاة والسلام لن تتخلف اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل فانظر لهذا الحرص العجيب وهذا التواضع الغريب ينام على عتبة الباب على الباب والرمال تسفى عليه حتى يخرج هذا الصحابى ولا يقرع عليه الباب ولا يخبره بحاله ولو علم ذاك لهرول إليه فرحا مسرورا جاء ابن عم النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ومع ذلك لا يفعل فإذا خرج أخذ منه الحديث

واستمع ماذا كان يفعل مع العلماء

ص: 22

زيد ابن ثابت رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين حقيقة له شأن وهو أكبر من سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وهو كاتب الوحى لنبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهو الذى تولى جمع القرآن عندما قال له سيدنا أبو بكر رضي الله عنه كما فى صحيح البخارى وغيره إنك شاب عاقل لا نتهمك كنت تكتب الوحى لرسول الله عليه صلوات الله وسلامه فتتبع القرآن فاجمعه له شأن حقيقة وهو أقرب هذه الأمة زيد ابن ثابت وله كما قلت شأن يعنى ينبغى أن يُعترف له به سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنه هو أول من يعترف فاستمع لهذه الحادثة الثابتة الصحيحة مع عبد الله ابن عباس وزيد ابن ثابت رضي الله عنهم أجمعين

اجتمعا فى جنازة وهذه الجنازة كما قال الإمام ابن عبد البر كانت لأم سيدنا زيد ابن ثابت رضي الله عنهم أجمعين توفيت أمه فشهد الصحابة دفنها رضي الله عنهم أجمعين وجزاهم عنا خير الجزاء فلما انتهوا من دفنها قدمت البغلة لسيدنا زيد ابن ثابت ليركبها فأخذ عبد الله ابن عباس بزمامها وبدأ يقود بغلة زيد ابن ثابت رضى الله عنهم وأرضاهم والأثر فى جامع العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة ثمان وعشرين ومائة وفى كتاب الفقيه والمتفقه فى الجزء الثانى صفحة تسع وتسعين فى كتاب الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع كلاهما للخطيب البغدادى الفقيه والجامع فى الجامع فى الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين ومائة والأثر فى المدخل إلى السنن للإمام البيهقى صفحة سبع وثلاثين ومائة وصفحة خمس وثمانين وثلاثمائة وانظروه فى طبقات ابن سعد وفى كتاب المعرفة والتاريخ للإمام الفسوى أيضا يمسك بزمام بغلة الدابة ويقودها فهاك يعنى لا يرضيه ذلك قطعا هذا له شأن من بيت النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

قال خل عنك زمام البغلة يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام اتركها ستمسك زمام بغلتى وتقودها

ص: 23

فقال هكذا أُرنا أن نفعل بكبرائنا أنت عالم جليل تكتب الوحى لنبينا الجليل عليه الصلاة والسلام لك شأن نفعل هذا هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا

انظروا لهذه الرواية الزائدة ولتعليق الإمام ابن عبد البر عليها الإسناد صحيح إلى هنا زيادة

فقال أرنى يدك يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام فمد إليه يده فظن أنه يريد أن يصافحه فقبل زيد ابن ثابت يد سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما

وقال هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

قال الإمام ابن عبد البر معلقا على الزيادة فى تقبيل يد سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما زاد بعضهم فى هذا الحديث أن زيد ابن ثابت كافأ عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين كافأه على إمساك زمام البغلة أن قَبَّل يده وقال هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

قال الإمام ابن عبد البر وهذه الزيادة من أهل العلم من ينكرها زادها بعضهم منهم من ينكرها وحقيقة ليست من الرواية التى أحلت إليها لكن الإمام ابن عبد البر نوه بها وأشار إليها يقول بعض الرواة زاد هذا وبعض أهل العلم ينكرها فإن ثبت فالشىء فى محله وفى موضعه فهذا تأدب مع هذا وهذا تأدب مع هذا لكل واحد فيهما اعتبار يقتضى أن يفعل به ما فعله أحدهما بصاحبه واضح هذا

وموضوع تقبيل اليد كنت أشرت إليه إخوتى الكرام ضمن مواعظ الجمعة فيما يتعلق بتقبيل اليد بل بتقبيل الرجل والأمر كما تقدم معنا دراسته وتقريره بالآثار الثابتة حرص وتواضع

ص: 24

فلما استجاب الله دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام فى ابن عمه هيأه لذلك فجعله مستعدا لذلك أما أنه يعنى يُفقه فى دين الله دون حرص منه دون جد واجتهاد لا إنما ألقى فى قلبه التعلق بالعلم والرغبة فيه والحرص عليه وتتبعه من مظانِّه رضى الله عنه وأرضاه كما ألقى فى قلبه توقير العلماء واحترامهم فحصل بعد ذلك العلم النافع عنده بعد ذلك يعنى قلب مستنير وعقل كبير تفاعل مع هذه النصوص وفجرها واستنبط الأحكام منها رضى الله عنه وأرضاه

إخوتى الكرام كما قلت هيأه الله للإسباب التى تأهله إلى أعلى المراتب وفعلا قطف ثمرة جهده فى هذه الحياة وما له عند الله أعظم وأكبر مما لا يخطر ببال المخلوقات

انظر لثمرة جده واجتهاده ولأثر دعوة النبى عليه الصلاة والسلام فيه وله

روى الإمام أحمد فى المسند والبخارى فى صحيحه والأثر فى سنن الإمام الترمذى ورواه سعيد ابن منصور فى سننه والإمام ابن سعد فى الطبقات والطبرانى وابن المنذر فى التفسير ورواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والدار قطنى فى السنن وابن مردويه فى تفسيره ورواه أبو نعيم والبيهقى كلاهما فى دلائل النبوة والحديث صحيح صحيح فهو فى صحيح البخارى من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما

قال كان عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين يُدخلنى مع أشياخ بدر أشياخ أهل بدر موقعة بدر يدخلنى معهم فى مجلس الشورى إذا أراد أن يستشير المسلمين فى قضية هؤلاء الخلاصة أهل البدر الذين لهم شأن والله جل وعلا

قال لهم (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) يُدخل سيدنا عمر رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين عبد الله ابن عباس مع شيوخ أهل بدر فكأن بعضهم وجد فى نفسه

فقال يا أمير المؤمنين تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فالأكبر منه لهم أبناء أكبر من سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وكما قلت لكم يعنى عمره عند خلافة سيدنا عمر سبع عشرة سنة تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله

فقال إنه مَن علمتم

ص: 25

أنتم تعلمون مكانته إنه من علمتم فيه صفتان

الأولى ابن عم النبى عليه الصلاة والسلام إجلاله واجب

الصفة الثانية يا إخوتى هذا دعا له النبى عليه الصلاة والسلام أن يفقه فى الدين ويعلم التأويل وأن يؤتيه الله الحكمة فمجلس ليس فيه يعنى حقيقة ناقص فلا بد أن يكون هذا المهلم المسدد معنا الذى دعا له نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

قال سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فدعاهم يوما ودعانى معهم وأنا أرى أنه ما دعانى معهم إلا ليريهم مكانتى فلما اجتمعوا

قال لهم ما تقولون فى قول الله جل وعلا

{إذا جاء نصر الله والفتح *ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا*فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر/1-3] فانقسموا ثلاثة أقسام

قسم قال أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وأمرنا أن نسبحه وأن نستغفره إذا نصرنا على أعدائنا هذا قسم أول

وقسم انتبه سكت فلم يقل شيئا

وقسم قال الله أعلم فغضب سيدنا عمر رضي الله عنه فقال من علم فليقل ما يعلم

أما الله أعلم الله أعلم كل شىء عندك علم تكلم ما عندك اسكت كما سكت الفريق ذاك فريق يقول أمرنا إذا فتح علينا أن نسبح الله وأن نستغفره فريق يقول الله أعلم فريق سكت

قال ما تقول أنت يا ابن عباس

ص: 26

فقال هذه السورة أجل رسول الله عليه الصلاة والسلام نُعى إليه فيها إخبار من الله بأن أجله قد حضر فليستعد للقاء الله عز وجل وهذه السورة آخر سورة نزلت فى القرآن ونزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام فى حجة الوداع فى منى فى أيام التشريق وما عاش بعدها عليه الصلاة والسلام إلا بضعا ثمانين يوما عليه صلوات الله وسلامه دون ثلاثة أشهر يعنى من ذى الحجة بعد ذلك المحرم صفر توفى عليه الصلاة والسلام فى ربيع الأول عليه صلوات الله وسلامه فما عاش بعدها إلا قرابة كما قلت الثلاثة أشهر بضعا وثمانين يوما فالله جل وعلا يقول له حقق الله لك أمنيتك فُتحت مكة ودخل الناس فى دين الله أفواجا فما عليك إلا أن تتهيأ للقائنا لأن مهمتك قد انتهت كان يقال لك بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وأما مهمة البلاغ فانتهت ودخل الناس فى دين الله أفواجا بقى مهمة بعد ذلك التهيؤ للقاء {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} فهمة البلاغ انتهت والأجل قد اقترب

فقال سيدنا عمر رضي الله عنه ما أعلم منها إلا ما تقول

نحن كبار الصحابة علمنا هذا عندما نزلت هذه السورة وأن أجل رسول الله عليه الصلاة والسلام قد دنا واقترب

هذا من علمتم اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل

ص: 27

تقدم معنا إخوتى الكرام مناظرة سيدنا عبد الله ابن عباس للخوارج ولن أذكرها إنما عندما ناظرهم المناظرة المحكمة رجع منهم عشرون ألفا من أربعة وعشرين ألفا رجعوا منهم عشرون بمناظرة محكمة عندما استنبط تلك الآيات ودلل على صدق وحسن وسلامة فعل رابع الخلفاء الراشدين سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه بكلام الله1:9:5 تكلموا وكل ما يقررهم بآية خرجتُ من هذا يقولون خرجتَ فرجع منهم عشرون ألفا بعد أن تلى عليهم ثلاث آيات فقط واستدل منها على سلامة فعل سيدنا على حسب اعتراضهم ،اعترضوا بثلاثة أمور أتى بثلاث آيات تدل على فسادهم فى اعتراضهم وعلى صواب فعل سيدنا على رضى الله عنه وأنه على هدى فيما فعل فرجع عشرون ألفا

يا إخوتى هذه هى اللم فقهه فى الدين دعوة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وعلمه التأويل

انظر لمثال آخر يفعله سيدنا على رضي الله عنه فيعقب عليه ابن عباس رضى الله عنهما بما يعقب فيقره سيدنا على على أحد التأويلين كما ستسمعون إن شاء الله

روى الإمام أحمد فى المسند والحديث فى صحيح البخارى وهو فى السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة ورواه الحاكم فى السمتدرك والبيهقى فى السنن الكبرى ورواه الإمام الشافعى فى مسنده ورواه الإمام الدارمى فى كتاب الرد على الجهمية والحديث صحيح فهو فى صحيح البخارى كما سمعتم

عن عكرمة رضي الله عنه ورأضاه قال أُتى سيدنا على رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فقال لو كنت مكانه لما احرقتهم لأن النبى عليه الصلاة والسلام نهى أن نعذب بالنار فقال (لا تعذبوا بعذاب الله) لقتلتُهم لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال من بدل دينه فاقتلوه

وجملة من بدل دينه فاقتلوه هى فى سنن ابن ماجة من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس لكن دون هذه القصة وعليه من بدل دينه فاقتلوه فهو فى السنن الأربعة

إذا لما احرقتهم ولقتلتهم (من بدل دينه فاقتلوه)

ص: 28

فبلغ ذلك سيدنا عليا رضى الله عنه وأرضاه فقال ويح ابن عباس وفى رواية ويح أم ابن عباس رضى الله عنهم وأرضاهم

وهذه الكلمة إخوتى الكرام ويح

إما أنه قالها رضىً بما صدر من ابن عباس وهى كلمة مدح وتعجب لما صدر منه كأنه يقول يعنى أتعجب من ابن عباس وأمدحه وأنا أرضى ما قاله وأرجع إليه ليتنى ما حرقت وقتلت كما أشار ابن عباس رضي الله عنه هذا أحد الاحتمالين

الاحتمال الثانى أنها كلمة رحمة وتوجع لسيدنا عبد الله ابن عباس كأنه كان يترحم عليه يتوجع عليه كيف يعترض والنهى فى حديث النبي عليه الصلاة والسلام (لا تعذبوا بعذاب الله) ليس للتحريم إنما هو ليعنى التنزيه ولخلاف الأولى وعليه لا اعتراض علىَّ فى فعلى أنا فعلت ما هو جائز وكأنه يقول ويحه يعنى أنا أترحم عليه أتوجع عليه كأنه ما عرف مراد النبى عليه الصلاة والسلام من قوله لا تعذبوا بعذاب الله المراد أن هذا خلاف الأوْلى ومكروه كراهة التنزيه لكن من فعله لا يُعترض عليه وما ارتكب حراما

والذى يظهر والعلم عند الله أن الأول الذى ذكرته أولى وأن سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه يعنى يقول حقيقة لو وقفت يعنى ظاهر الأمر وما حرقت لكان أولى وسيدنا على رضى الله عنه حرقهم بعد أن قتلهم

وهذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام قتلهم ثم حرقهم وترك تحريقهم أولى

قال الحافظ فى الفتح فى الجزء الثانى عشر صفحة سبعين ومائتين عند الحديث المتقدم فى كتاب استتابة المرتدين والزنادقة عند باب قتل المرتد من صحيح البخارى قال أبو المغفر الإسفرايينى فى كتابه الملل والنحل الذين قتلهم سيدنا على رضى الله عنه هم قوم من غلاة الروافضة ادعوا فيه الألوهية

قال الحافظ ابن حجر هذا الذى قاله أبو المغفر الإسفرايينى له أصل فيما رواه أبو طاهر المخلص فى الجزء الثالث من أجزائه بسند حسن

أن غلام سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه قندر جاء إليه

وقال ها هنا فى الباب قوم يقولون إنك ربهم إنك إلههم

ص: 29

قال ويحك ادعهن فدخلوا عليه

قال ما تقولون قالوا أنت ربنا أنت إلهنا قال ويحكم أنا بشر مثلكم إن أطعت أثابنى وإن عصيت عذبنى ارجعوا عن قولكم فسكتوا وأخرجهم فقيل لسيدنا على رضى الله عنه فى اليوم الثانى عادوا لما قالوا

فقال أدخلوهم علىَّ فعل هذا ثلاثة أيام فى اليوم الثالث أبوا أن يرجعوا وقالوا أنت إلهنا أنت ربنا فحبسهم

وقال لغلامه خدوا الأخاديد وخدت الأخاديد وحفرت فى الطرق من قصره رضى الله عنه فى الكوفة إلى مسجده ثم أبرم فيها النار ثم قدمهم سيدنا على على أنهم إذا لم يرجعوا عن ذنبهم وضلالهم ستضرب رقابهم ويحرقون قالوا أنت إلهنا انت ربنا فقتلهم ثم حرقهم وقال

إنى إذا رأيت أمرا منكرا أججت نارى ودعوت قندرا

لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت نارى ودعوت قندرا

قال الحافظ سند الرواية كما قلت حسن من رواية أبى طاهر المخلص انظروا تفصيل الكلام على هذه القصة فى الفِصل للإمام ابن حزم فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وأربعين ومائة وفى منهاج السنة النبوية للإمام ابن تيمية عليهم جميعا رحمات رب البرية فى الجزء الأول صفحة سبع ثلاثمائة

إذاً سيدنا على رضى الله عنه يفعل شيئا يعلق عليه ابن عباس لما تقدم لو كنت مكانه لقتلتهم من بدل دينه فاقتلوه ولما حرقتهم لا تعذبوا بعذاب الله

حقيقة هذا هو الفقه وهذا هو الاستنباط وقد يغيب على يعنى الفاضل ما يظهر للمفضول فسيدنا على رضى الله عنه حقيقة أفضل من سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم وأرضاهم وأعلم لكن هذا يبقى كما قلت فيه أثر الدعوة النبوية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل

والخصوصية لا تقتضى الأفضلية لا لأنه أفضل من سيدنا عمر إذا فاقه فى الفهم فى بعض القضايا

أختم الكلام إخوتى الكرام على شىء من فقهه وعلمه فى هذا المثال الذى سأذكره من ضمن ما وقع له فى تفسير قول الله جل وعلا

ص: 30

{أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء/30]

الرتق إخوتى الكرام خلاف الفتح وهو الالتحام والانضمام كانتا رتقا ملتحمتين منضمتين ما هو يعنى ضم والتحام السماء ضم الأرض ما هو يعنى التحامها وضمها على أى شاكلة كانت

ما المراد من هذه الآية

استمع لهذا الأثر روى الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وثمانين وثلاثمائة والأثر رواه الإمام الفريابى وعبد ابن حميد والبيهقى فى الأسماء والصفات انظروا الدر المنثور الجزء الرابع صفحة سبع عشرة وثلاثمائة والحديث صححه الحاكم لكن فى إسناده طلحة ابن عمرو قال عنه الذهبى واهم وانظروا ترجمته فى الميزان قال إنه صاحب عطاء قال الإمام البخارى والإمام ابن المدينى ليس بشىء طلحة ابن عمرو وقال الإمام أحمد والنسائى متروك وبذلك حكم عليه الحافظ فى التقريب فقال متروك1:18:15أى هو من رجال سنن ابن ماجة لم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة إلا الإمام ابن ماجة رضى الله عنهم وأرضاهم طلحة ابن عمرو لكن الأثر رُوى من طرق أخرى كما ستسمعون هذه رواية الحاكم فيها هذا الإسناد أنه قال (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)

كانت السماء رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت ففتق الله رتق السماء بالمطر ورتق الأرض بالنبات بالزرع

انظر للرواية الثانية من غير طريق طلحة ابن عمرو رواها الإمام ابن المنذر فى تفسيره وهكذا الإمام ابن أبى حاتم ورواها الإمام أبو نعيم فى الحلية عن عبد الله ابن دينار عن سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما

أن رجلا جاءه فسأله عن تفسير هذه الآية

(أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)

فقال سل عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم علمه التأويل فاذهب إليه فإذا أخبرك عن تفسيرها فعد إلىَّ وأخبرنى لأتعلم هذه الفائدة

ص: 31

وأين عبد ابن عباس من عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين يعنى عبد الله ابن عمر فى الأصل يعنى أعلى من ناحية الرتبة والعلم والفقه لكن يبقى هذا له كما قلت خصوصية اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل لا تقدمه عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما مع كمال رتبته وفضله رضى الله عنهم وأرضاهم وهو شيخ الإسلام فى الصحابة كما ينعته بذلك الذهبى عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين ولو عهد إليه سيدنا عمر بالخلافة لما خالفه أحد من الزهاد العباد لا يوجد خصلة طيبة إلا وهى فيه

استمع هنا كيف وقف وعبد الله ابن عباس رضى الله عنهما يجيب من غير توقف فجاء سائل وقال ما معنى هذه الآية

قال فتق الله رتق السماء بالمطر وفتق رتق الأرض بالنبات بالزرع فذهب إلى سيدنا عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين فأخبره

قال هكذا قال لى عبد الله ابن عباس ترجمان القرآن حبر الأمة وبحرها

فقال ابن عمر الآن علمت أنه قد أوتى علما فى القرآن صدق هكذا كانت يعنى السماء ما كانت تمطر والأرض ما كانت تنبت ثم فتق الله رتق هذه بالمطر ورتق هذه بالنبات

وهذا المعنى إخوتى الكرام هو أظهر المعانى الخمسة التى قيلت فى تفسير الآية الكريمة

المعنى الأول كانتا رتقا أى كانتا واحدة أى كانت السموات واحدة والأراضين واحدة ففتق الله رتق السموات إلى سبع سماوات وفتق الله رتق الأراضين هذه ملتحمة أرض واحدة كلها إلى سبع أراضين

المعنى الثانى كانتا ملتحمتين يعنى الأرض مع السماء ففتق الله رتقهما وفصل بينهما فُصلت الأرض عن السماء والله على كل شىء قدير

المعنى الثالث من المعانى الأربعة التى سأذكرها بعد الأول أوليس كذلك يعنى يصبح معنا المعنى الثالث أوليس كذلك

الأول كما قلت رتقا تفسير سيدنا عبد الله ابن عباس

رتقا السموات واحدة والأراضين واحدة

رتقا وهو المعنى الثالث ملتحمتين

المعنى الرابع

ص: 32

كانتا رتقا أى فى ظلمة لا تُرى السموات ولا ترى الأرض ولا يرى ما فيهما ولعل هذا يعود للمعنى الثانى لأنه إذا كانتا ملتحمتين فكما قلت لا ترى هذه من هذه ولعله يعود للمعنى الأول إذا كانت السماء لا تمطر والأرض لا تنبت إذاً لا يوجد مخلوقات تعيش على الأرض تنتفع بها لترى هذه وهذه لعله يعنى شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان يقول هذا المعنى الرابع يمكن أن يعود للثالث يمكن أن يعود للأول

المعنى الخامس كانتا رتقا هذا الالتحام والانضمام يراد منه كانتا عدما يعنى كأنه لما كانتا لا تريان ولا تظهران كأنهما ملتحمتين مضمومتين لكن فى عالم العدم لا فى عالم الوجود ففتق الله كانتا رتقا ففتقناهما أى أخرجناهما من العدم إلى الوجود

كما قلت الأول الذى نقل عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما هو المعتمد وعليه المعول فى تفسير هذه الآية

وقد قواه شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى أربعة أمور:

أولها قال الرؤيا بصرية هنا (أو لم ير الذين كفروا) وهذا الذى رأيناه وهذا الذى رآه العباد نحن ما رأينا السموات سماء واحدة وانفصلت إلى سبع وما رأينا الأراضين واحدة وانفصلت إلى سبع وما رأينا الأرض ملتحمة مع السماء وانفصلت هذه عن هذه ولا رأينا أن السموات والأرض كانتا فى ظلمة أو فى عدم هذا كله ما رأيناه الذى رأيناه سماء تمطر والأرض تنبت {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما} نحن رأينا هذا الفتق وهو نزول الماء وخروج النبات

الأمر الثانى الذى يرجح هذا المعنى ويقويه أو كما قلت تفسير ترجمان القرآن أن الله جل وعلا قال فى هذه الآية (وجعلنا من الماء كل شىء حى) كأنه يقول بأن هذا الماء الذى حصل به الفتق فتق رتق السماء وفتق رتق الأرض هو عماد الحياة {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء/30]

ص: 33

ذكر الماء بعد فتق رتق السموات والأرض كأنه يقول فُتق رتقهما بما فيه حياة لكل كائن حى وهو الماء (وجعلنا من الماء كل شيء حي)

الأمر الثالث الذى يرجح هذا ان الله جل وعلا أخبر عن السماء بأنها ذات الرجع والأرض ذات الصدع (والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع)

(والسماء ذات الرجع) أى يرجع إليها المطر ويؤوب الماء ويؤوب حالابعد حال ينزل منها ثم إذا استقر فى الأرض بأبخرة الشمس بقوة الله ولطفه وتقديره عادت السحب مرة ثانية إلى السماء ونزل المطر وهكذا ماء ينزل ثم يرجع ينزل ويرجع (والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع) الرجع يرجع إليها المطر الذى نزل منها بواسطة حرارة الشمس عندما يتبخر الماء

الأمر الرابع الذى يقوى هذا المعنى أن الله جل وعلا يعنى ردد وأكثر من ذكر الماء فى القرآن منبها على قدرة الرحمن وعلى بعث الإنسان يعنى يستعمل ذكر الماء لدلالة على هذين الأمرين بكثرة فى كتابه جل وعلا {فلينظر الإنسان إلى طعامه *أنا صببنا الماء صبا*ثم شققنا الأرض شقا} [عبس/24-26]

{أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} [الواقعة/68-69]

{ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير} [فصلت/39]

آيات كثيرة يذكر الماء كما قلت للتدليل على عظيم قدرة الله وللتدليل على سهولة البعث وإمكانه وأنه يسير على ربنا الجليل فمن أحى الأرض بعد موتها قادر على إعادة الحياة إلى الأجسام بعد موتها والله سبحانه وتعالى على كل شىء قدير

وهى حية بواسطة الماء الذى جعل الله يعنى به كل شىء حى وهو على كل شىء قدير

هذه أمور أربعة إخوتى الكرام ترجح هذا التفسير الثابت عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما

ص: 34

نقف إخوتى الكرام عند نقطة من ترجمة سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أتكلم عليها وعلى ما بعدها وأختم الأمر بهذا إن شاء الله فى الموعظة الآتية لنقف بعد ذلك عند عنوان وضعته أيضا وهو الفروق بين شرع الخالق والمخلوق قبل ترجم أئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم إذا بقى متسع يعنى من موعظة الغد نأخذ شيئا من الفروق وإلا تبقى معنا لمواعظ الأسبوع الآتى بعون الله وتوفيقه

والعنوان الذى سنقف عليه ثناء الصحابة الكرام على سيدنا عبد الله ابن عباس واعترافهم بفضله ومكانته وعظيم درجته ورتبته رضى الله عنهم أجمعين

اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

اللهم إنا نسألك من كل شىء أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا

اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا

اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه

اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 35