الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد إخوتى الكرام هذا هو الدرس السابع من دروسنا فى دروس الفقه وقلت إخوتى الكرام قبل أن نشرع فى مدارسة موضوعات الفقه سنتدارس مقدمة لهذا العلم الشريف تدور على أمرين اثنين كما ذكرت فى بدء مواعظ علم الفقه
أولها كما قلت فى منزلة علم الفقه وقد مر الكلام على ذلك فى تعريف وفى الأدلة التى تبين منزلته ورتبته ومكانته وختمت إخوتى الكرام هذا المبحث بأربعة أحاديث عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه تدل على منزلة التفقه فى الدين وختمت الأحاديث أيضا بترجمة لسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فقيه هذه الأمة المباركة وهو فقيه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قبل أن ننتقل
إلى الأمر الثانى فى مدارسة ترجمة لأئمتنا ساداتنا فقهاء هذه الأمة المباركة المرحومة سيدنا أبى حنيفة ومالك وسيدنا الإمام الشافعى وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين
قبل هذا إخوتى الكرام كما قلت عندنا أمر لا بد من مدارسته عند مدارسة منزلة الفقه ألا وهو الفروق بين شرع الخالق والمخلوق وقبل أن أدرس نتدارس هذا عندنا أمر يتعلق بما تقدم لا بد من مدارسته وعليه سنتدارس فى هذه الموعظة أمران
أمر من باب التبيه على ما تقدم ثم أشرع بعد ذلك فى بيان الفروق بين شرع الخالق جل وعلا وشرع المخلوق
أما الأمر الأول إخوتى الكرام تقدم معنا فى تعريف علم الفقه أنه العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية وبينت إخوتى الكرام فيما مضى أن علوم الشرع المطهر تدور على خمسة أمور:
أولها العقائد وثانيها الأخلاق والآداب وثالثها العبادات ورابعها المعاملات وخامسها الحدود والعقوبات وقلت الأمور الثلاثة الأخيرة تكقل فى بيانها ببيانها علم الفقه فهو يشمل أمور العبادات والمعاملات وأمور الحدود والعقوبات وقلت يشمل جميع مناحى الحياة بقى بعد ذلك موضوع الوعظ والتذكير فى كتب الرقاق والمواعظ ومباحث التوحيد تؤخذ من كتب علم التوحيد
إخوتى الكرام هذا كما قلت تقدم معنا بيانه وقلت لعلم الفقه منزلة عظيمة
عندنا شىء من الاعتراض على ما تقدم أثاره الإمام الغزالى فى الإحياء فى الجزء الأول صفحة ثمان وثلاثين وتبعه على ذلك الإمام الزبيدى فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة ثلاثين ومائتين وقال بهذا أيضا الإمام ابن الجوزى فى منهاج القاصدين وتبعه على ذلك من اختصر كتابه الإمام المقدسى فى مختصر منهاج القاصدين فى صفحة ثمانى عشرة
وخلاصة اعتراض هؤلاء رضوان الله عليهم أجمعين
قالوا إن بعض العلوم غُيِّر مدلولها فاللفظ بعض أسماء العلوم غُيِّر مدلولها منها علم الفقه فاللفظ كان له دلالة عند السلف الكرام ثم وضع المتأخرون له دلالة أخرى وكأنهم يعتبرون هذا من باب يعنى وضع الشىء فى غير موضعه فذكر الإمام الغزالى كما قلت ومن تبعه خمسة أسماء لعلوم عالية غُيِّر مدلولها:
أولها الفقه وثانيها العلم وثالثها التوحيد والعقيدة ورابعها علم التذكير والموعظة وخامسها علم الحكمة
قال هذه الأمور بُدلت حقائقها وأُطلقت هذه الأسماء على غير مسمياتها فمثلا يقول كان اسم العلم كان يطلق على العلم بآيات الله جل وعلا فصار بعد ذلك يطلق على ما هو أعم من ذلك من تعلم شيئا ولو مما يتعلق بأمور المجادلة لا يقال إنه عالم فصار يطلق على المناظرة والمجادلة اسم العلم قال وما كان سلفنا يعرفون هذا
وهكذا علم التوحيد يقول هذا العلم كان فى الأصل عند سلفنا يراد منه العلم الذى يربط القلب بالرب سبحانه وتعالى بحيث يتوكل الإنسان على الله وينيب إليه فى جميع أحواله ويبقى متعلقا به وضوعوه بعد ذلك لمباحث الكلامية والمناظرات العقيمة التى جرت بين المتكلمين اللفظ الثالث علم التذكر والموعظة يقول كان هذا لترقيق القلوب ولِسَوْق الناس إلى الآخرة ولتزهيدهم فى الدنيا الفانية وضع بعد ذلك الناس علم التذكير وأرادوا منه القصص والتسلية وبعضهم اشتق فملأ المواعظ بالشطحات والدعاوى الفارغة
والأمر الرابع الذى بدل أيضا يقول علم الحكمة يراد منه علم الحق والعمل به يقول وضع الناس بعد ذلك هذا اللفظ على الطبيب وعلى المنجم وعلى الشاعر ولا أريد أن أدخل فى مناقشة هذه الأسماء وفى الاصطلاحات التى صارت يعنى كما يقال تستعمل لها على حسب كلام الإمام الغزالى ومن تبعه عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه
إنما الذى يهمنى الآن علم الفقه يقول علم الفقه كان يبحث فى طريق الآخرة ودقائق آفات النفوس وفى مفسدات الأعمال وفى بيان حقارة الدنيا وفى وجوب التطلع إلى الآخرة وفى استيلاء الخوف على القلب بحيث يتعلق الإنسان بالرب سبحانه وتعالى
يقول كان علم الفقه يطلق على هذه المعانى فغيره بعد ذلك المتأخرون إلى مباحث الطهارة وما يتعلق بالحيض والنفاس والنكاح والطلاق والمبايعات وغير ذلك فقال هذا مما بُدل وغُير فعلم الفقه يراد منه فى الأصل علم طرق الآخرة وكيف تعلق الإنسان بربه سبحانه وتعالى وهذا الذى قاله إخوتى الكرام الإمام الغزالى ومن تبعه لا بد كما قلت من النظر يعنى فيه نظرا دقيقا
أما قوله إن علم التوحيد تغير حقيقة إلى مباحث كلامية فهو مصيب فى ذلك عند المتأخرين والمتكملين وكيف غيروا مباحث توحيد رب العالمين إلى جوهر وعرض وغير ذلك من اصطلاحات فارغة
وهكذا علم الحكمة غُير إلى كما يقول علم طب وإلى المنجم يقال عنه حكيم وإلى المشعوذ هذا أيضا ما لنا وله يعنى أيضا الاعتراض فى محله وهكذا لفظ العلم حُول إلى المناظرة والجدال الأمر فى محله
وهكذا كما قلت لفظ الموعظة والتذكير هذا العلم حُول إلى قصص فارغة الاعتراض فى محله
أما أن علم الفقه حُول على حسب رأى الإمام الغزالى ومن وافقه يعنى من أمور تتعلق بالآخرة إلى هذه المباحث الفقهية وهى العبادات والمعاملات والحدود والعقوبات وقال بعد ذلك يعنى دراسة هذه الأشياء قد تقسى القلب هذا كلام الإمام الغزالى فى الإحياء يغفر الله لنا وله
إخوتى الكرام حقيقة كما قلت لا بد من النظر فى كلامه
أما ما ذكره من أن أمور الآخرة ينبغى أن يعتنى بها الإنسان وكان الفقه يطلق عليها فنقول هذا ما كان فى أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين وسيأتينا عند تراجمهم أن قلوبهم كانت معلقة بالله جل وعلا فى جميع أحوالهم وكانت رؤيتهم تذكر بالله جل وعلا ومجالسهم فيها هذه المباحث وفيها الخشية من الله سبحانه وتعالى فيها هذا وفيها هذا
القول بأن الفقه تغير إلى هذه المباحث فقط
الأمر ليس كذلك هذه المباحث تكسب الخشية من الله عز وجل وكانت خشية الله تصحب هذه المباحث عند أئمتنا كما قلت ومدارستهم ومجالسهم كلها خشية لله عز وجل،
فى الزمن القديم بدءا من سيدنا أبى حنيفة ومن بعده من الفقهاء الذين تخصصوا كما قلت فى أمور الفقه وتبعتهم هذه الأمة المباركة المرحومة وكما قلت يعظون بلحظهم وبلفظهم رضوان الله عليهم أجمعين وإذا الواحد منهم خرج أحيانا عن قانون الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية وعظوه أبلغ موعظة وزجروه أبلغ زجر
استمع مثلا لما جرى فى حلقة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه من مثال وكما قلت ما يتعلق بأحواله وأحوال الأئمة الأبرار فيأتينا بيان هذا إن شاء الله عند تراجم أئمتنا بعون الله وتوفيقه
كان من تلاميذ سيدنا أبى حنيفة رضوان الله عليهم أجمعين داود ابن نُصير الطائى أبو سليمان توفى سنة اثنتين وستين ومائة بعد سيدنا أبى حنيفة باثنتين عشرة سنة على حسب رأى الإمام الذهبى والإمام ابن حجر يقول توفى سنة ستين أوخمس وستين بعد المائة كما فى التقريب وقد خرَّج حديثه الإمام النسائى فى السن وقال عنه الحافظ فى التقريب ثقة فقيه زاهد وهو من الفقهاء الربانيين رضوان الله عليهم أجمعين وتعلم وتتلمذ على سيدنا أبى حنيفة فى مجلسه كما يجرى أحيانا من حال الطلاب عندما يتعلمون جرى بينه وبين من بجواره محادثة فأشار بيده إليه كأنه يلَوِّح يعنى يريد أن يهدده
فقال له الإمام أبو جنيفة رضى الله عنه وأرضاه يا داود طال لسانك وطالت يدك أين خشيتك من ربك يا داود لسانك طال تتكلم وبعدها تلوح بيدك أين الخشية من الله عز وجل وأنت فى مجلس الفقه
هذا الكلام أثَّر فى نفس هذا الإمام الهمام الذى صار من كبار أئمة الإسلام رضوان الله عليهم أجمعين وكانت الكلمة الواحدة تحيى الفئام من الناس من أفواه أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين قال طالت يدك أين خشيتك من ربك
والقصة إخوتى الكرام كل من ترجم لسيدنا أبى سليمان داود ابن نصير ذكر هذه فى ترجمة أبى نعيم فى الحلية والخطيب فى تاريخ بغداد وانظروها فى السير فى الجزء السابع صفحة اثنتين وعشرين وأربعمائة جلس أبو سليمان بعد ذلك سنة كاملة فى مجلس أبى حنيفة لا يحرك شفتيه ولا يتكلم كلمة كأنه جذع شجرة حتى مَهَرَ فى الفقه وعلم يعنى ما ينفعه فى دينه ودنياه ثم بعد ذلك تفرغ لعبادة مولاه وصار من إمام العُبَّاد والزهاد وهو كما قلت من الفقهاء الكبار رضوان الله عليهم أجمعين أبو سليمان داود ابن نصير
لما احتضر وتأخرت وفاته وبقى أهل بغداد ثلاثة أيام ينامون بجوار بيته ويتركون بيوتهم خشية أن يموت هذا العبد الصالح فجأة فلا يعلمون بموته فلا يشهدون جنازته من حبهم وتعلقهم به رضى الله عنهم أجمعين فكما قلت فى مجالسهم خشية لله وتعلُّم لهذه الأحكام،
فأخشى أن يقرأ بعض الناس كلام الإمام الغزالى ومن وافقه ويقول هذه العلوم كلها قشور والعلم مرذول، الأصل أن نعلق القلب بالرب سبحانه وتعالى، كيف؟
على حسب شرع الشيطان لا على حسب شرع الرحمن
لا يا عبد الله انتبه لنفسك انتبه لنفسك إخوتى الكرام
هذا العلم نعم فُصل يعنى كان يلقى كما قلت بطريقة الخشية وفيه آيات وأحاديث ومواعظ ورقاق لكن لما بعد ذلك جُرِّدت الكتب المباحث الفقهية جعلت فى كتب خاصة بها مباحث التوحيد فى كتب خاصة بها، مباحث بعد ذلك الوعظ والتذكير فى كتب خاصة بها لكن كما قلت يعنى عند الإلقاء أئمتنا ينسجون الفقه بأمور الوعظ والرقاق ويذكرون الناس بالخشية من ربهم سبحانه وتعالى
هذا لا بد إخوتى الكرام من وعيه إنما جُرِّدت هذه المباحث كما قلت صار هناك اختصاص فى هذه العلوم وتمييز لبعضها عن بعض فوُضع علم الفقه الذى يبحث فى ثلاثة أمور فى العبادات فى المعاملات فى الحدود والعقوبات فى كتب مستقلة أما بعد ذلك التعلق بالآخرة والتعلق بالله والزهد فى الدنيا والتطلع إلى ما عند الله هذا لا بد منه وهذا روح الأعمال، هذا روحها
الأعمال الشرعية هى بمثابة البدن وقصد وجه الله فيها هذا بمثابة الروح، روح من غير بدن لا ينتفع بها لا بد إخوتى الكرام من روح مع بدن ولذلك من اعتدى على بدنه فقد عطل روحه من قطع رقبته من نحر نفسه من انتحر عطل روحه عندما أخرجها من بدنه وهكذا عندما يصلى صلاة على غير شرع الله وقال أنا أريد وجه الله تُقبل؟ يا إخوتى لا تقبل أنا روح من غير عمل روح من غير بدن ولا بد لكل عمل من امرين اثنين أن تريد به وجه الله وأن تتبع رسول الله عليه الصلاة والسلام تتبع شرع الله وأما أن تصلى على حسب رأيك وأن تبيع على حسب مزاجك ثم بعد ذلك تقول أنا أريد وجه الله وقلبى متعلق بالله لا يا أيها الإنسان أنت مخطىء فلا بد من أن تعبد الله جل وعلا كما يريد لا كما تريد أنت فهذه المباحث ينبغى أن تُمزج كما قلت بالتذكير والتعلق بالله الجليل والإنابة إلى دار الخلود والزهد فى دار الغرور هذا لا بد من أن يمزج كما قلت هذه المباحث لكن لا بد بعد ذلك من أن تُفصل وتكون فى كتب خاصة من أرادها ليعرف أركان الصلاة شروط الصلاة سنن الصلاة وهكذا بقية الأمور فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه وأما أن يُقال يعنى هذا العلم غُيِّر لا ما غُيِّر
علم الفقه يراد منه كيف يتعامل الناس فى هذه الحياة مع أنفسهم ومع بعضهم ومع ربهم سبحانه وتعالى بعباداتهم ومعاملاتهم وما يترتب بعد ذلك على تصرفاتهم إذا جاوزا حدود الله من حدود وعقوبات هذا لا بد من وعيه وضبطه وأما أن نقول هذا العلم غُيِّر إلى هذه المباحث لا ما غُيِّر
وهذا العلم هو الذى كان يطلق عليه كما قلت هذا الإسم من عهد سلفنا فسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما كان كما تقدم معنا فقيه الصحابة بأى شىء؟ قلت وأكثر الصحابة فتيا أوليس كذلك؟ وأما موضوع أمور الآخرة فلعل سيدنا أبا ذر رضى الله عنه أكثر زهدا منه فى هذه الحياة لعل وهو أصدق هذه الأمة لهجة ما لنا ولهذا إخوتى الكرام جانب يثاب عليه رضى الله عنه وأرضاه أما فيما يتعلق بعد ذلك بنشر الدين وبيان أحكام المكلفين أين أثر سيدنا أبى ذر من أثر سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما الذى قال له نبينا عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا فى الحديث الرابع اللهم فقهه فى الدين وقلت جمع بعض أئمتنا فى القرن الثالث عشرين مجلدا من فتاوى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وهو أكثر الصحابة فتيا على الإطلاق، هذا لا بد من وعيه فتيا فى أى شىء؟ يعنى فى أمور الزهد والرقائق!!
لا بد من أن نعى الأمر إخوتى الكرام فى أمور الأحكام العملية فى عبادات فى معاملات فيما يتعلق بعد ذلك من حدود وعقوبات وأحكام تترتب على الإنسان إذا خرج عن شرع الرحمن هذا لا بد من وعيه هذا علم الفقه حقيقة ما تغير مدلوله عما كان عليه فى زمن سلفنا
نعم إذا وُجد بعد ذلك فقهاء ثرثارون لا يتقون الحى القيوم، همهم أن يتعلموا بعض المسائل ليجادلوا بها أو ليتأَكَّلوا بها أو ليحرفوا دين الله عن مواضعه أو ليشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وترى شكل الإنسان كالشيطان لا يخشى الرحمن ولا يلتزم بأحكام الإسلام وهو مع ذلك فقيه اللسان ما لنا ولهذا واضح هذا ،هذا هو الذى تبدل هذا بإمكانه أن يحفظ الأخبار الزهدية وهو فى هذه الحالة الردية فإذاً هو الذى تبدل أما علم الفقه ما تبدل إخوتى الكرام موضوعه هو هو أما أنه كما قلت يعنى يبحث فيه بعد ذلك الخشية وينبغى أن يمزج لا بد من ذلك وأئمتنا يبحثون هذا وأحكام الفقه كلها تؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وإذا لم تكن الخشية والسنة أين ستكون فهذا العلم فى الحقيقة ما غُيِّر مدلوله وما يدل عليه هذا الإسم الشريف لا زال كما كان فى زمن الصحابة الكرام وهم فهموا من معنى الفقه كما قلت ما عرفه أئمتنا العلم بأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية وهذا هو الذى دعا به نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام لسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما اللهم فقهه فى الدين
وأما بعد ذلك يقول الإنسان أنا متعلق بالآخرة كما يوجد من يعبد نفسه وشيطانه وهواه وهو يظن أنه يعبد ربه لا يا إخوتى الكرام لا بد من وضع الأمر فى موضعه
اجتمعت مرة مع بعض الزائغين ممن ينتسبون إلى الطرق الصوفية ووالله يا إخوتى الكرام إذا قلت لا يعرفوا أحكام الطهارة فضلا عن أمور الصلاة لا أبالغ والرجل ضمنى معه مجلس فبعض الناس أراد أن يشرب دخانا السجاير التى انتشرت فى كل مكان فى بلاد الشام
فقلت يا عبد الله يعنى أرجو فى هذا المجلس لا تدخن وأمر ثانى هذا التدخين يعنى من باب النصح امتنع عنه فى كل حين معصية لرب العالمين
قال ما أستطيع أن أصبر يعنى لا بد من أن أدخن وقلت إذا يعنى أبيت نفارق المجلس يعنى إذا أنت مصر على التدخين وتريد أن تخنقنا بدخانك نحن نخرج فانبرى ذاك الذى أيضا يعنى بدرجة شيخ طريقة ليس هم من الذى كما يقال المُريدين هو من المَريدين قال يا شيخ الأصل قال وأنت لمَ تعترض؟
قلت هذا حرام انظر لفلسفته التى يتدارسها الناس هى أيضا فى ذهنه قال إن كان حراما حرقناه وإن كان حلالا شربناه حرام خلينا نحرق الحرام
قلت أما تخشى أن يحرقك الرحمن هذا ستحرقه بفلوس تشتريها وتؤذى نفسك وتحرق نفسك ثم بعد ذلك تتفلسف بهذه الفلسفة إن كان حراما حرقناه وإن كان حلالا شربناه ما يقول بعض السفهاء يعنى هذا يقوله الناس فى كل مكان هذا السفية يقول هذا الكلام أيضا وكما قلت بدرجة يعنى شيخ طريقة نفوض أمرنا إلى ربنا
دُعيت أيضا إلى وليمة فى بلاد الشام وحضرها أيضا بعض شيوخ الطرق الكبار لما دخلنا إلى بيته من تلاميذه ومُريديه على تعبيرهم البيت الجدران ممتلئة بالصور والطعام فى الحجرة التى فيها الصور
كنا فى مكان على يعنى مجلس أو كذا نشرب القهوة والشاى فلما قالوا تفضلوا إلى الطعام هناك لا يوجد صور جئنا إلى هنا ممتلئة الجدران بالصور فقلت لا يجوز أن نأكل هو هذا مكان لا تشهده الملائكة فإما أن ترفع الصور وأما أن نخرج فانبرى ذاك أيضا الشيطان الثانى الذى شيخ طريقة أخرى وقال يا شيخ إذا القلب مع الله لا يضرك
يا عبد الله كيف لا يضرنا!! ملائكة الله الكرام لا تحضر وهذا مكان فيه معصية للرحمن لا يجوز أن نحضر هنا وأنت تقول لا يضرك قال إذا القلب مع الله لا يضر على كل حال قلت للحاضر صاحب البيت يعنى لا خيار لك فى الأمر إما أن تنزع الصور وأما ان نخرج بعد هذا يعنى لا يمكن أننا نجلس26:35على هذا بحال من الأحوال يجلس هؤلاء ويأكلون 00فقام بعد ذلك على تعبيرهم من أجل الشيخ ننزل هذه الصور وبعدها يعيدونها أو لا العلم عند الرحمن، لكن ما بدأت يعلم الله بالأكل حتى ما بقيت صورة على الجدران هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام وأما الإنسان يعنى يتساهل فى هذه الأمور هذا لا يحل ولا يجوز لو تساهل كما قلت يعنى دل على أنه عاص أما أنه يأتى ليبرر بعد ذلك وأن القلب إذا كان معلقا بالله لا يضر هذا لا يصح بحال من الأحوال
اجتمعت مرة مع بعض الناس ممن يدرسون التربية الإسلامية أيضا فى بلاد الشام يدرس فى المرحلة الثانوية قال لى سأله الطلاب فى السنة الثالثة الثانوية فى الثانوية الصناعية قالوا له يا أستاذ لو شك الإنسان فى صلاته فى صلاة الظهر فلم يدرِ أربعا صلى أو خمسة او ثلاثا او أربعة ماذا يعمل؟
قال صلاته باطلة يسلم ويعيد الصلاة من جديد
قالوا لو شك فى الصلاة التى يعيدها
قال أيضا يعيدها
فجاء يقول لى ما رأيك هذا صواب أو خطأ وهو مدرس تربية إسلامية قلت يا رجل ما مر معك فى جزء السهو مبحث فى جزء السهو ما مر معك فى حياتك قال يا شيخ أنا عندى مبدأ انطلق منه مبدأ أساس فى حياتى
قلت ما هو؟ قال الصلاة يبنغى أن يكون فيها حضور وخشية من العزيز الغفور فإذا ما حضر ولا خشع دل على أن صلاته باطلة خَلَصْ يعيد الصلاة
قلت لكن شُرع لهذا جبر وأنت يعنى ستلغى صلاة بناء على رأيك شُرع لنا مرغمتان نرغم بهما الشيطان نسجد سجدتين سهو فيعفى عنا ما طرأ علينا ونرغم الشيطان بهاتين السجدتين
قال أنا هذا مبدئى بما أنه ما حضر فى الصلاة، الصلاة باطلة فهذا يعبد الله أو يعبد الشيطان إخوتى الكرام لا بد من وعى هذه الأمور
فالقول بأن اسم الفقه كما قلت تغير ومدلوله بُدل ليس كذلك هذا الفقه فى الحقيقة لا بد منه وهو أصل العلوم كما قال الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه لفتة الكبد إلى نصيحة الولد لكن كيف تنازل عن هذا التعبير فى منهاج القاصدين لأنه تبع الإمام الغزالى فاختصر هو الإحياء فى منهاج القاصدين فتبعه يعنى على كلامه وهو مخطىء فيتبع من أخطأ فى أول الأمر والله يغفر لنا ولهم
لا بد إخوتى الكرام من وعى هذا
الإمام ابن الجوزى فى كتابه صيد الخاطر صفحة اثنتين وعشرين ومائة ينقل عن شيخه الإمام الثقة العابد الزاهد الورع إمام الحنابلة فى زمانه وعليه درس الإمام ابن الجوزى الفقه الحنبلى وقبل ذلك كلام الله القوى القرآن الكريم درس عليه القرآن والفقه الحنبلى وكان معيدا فى مدرسة أبى حكيم للإمام أبى حكيم وهو إبراهيم ابن دينار رضى الله عنه وأرضاه توفى سنة ست وخمسين وخمسمائة وخلفه الإمام ابن الجوزى عميدا على المدرسة وشيخا لها بعد موته وكان إمام الحنابلة فى زمانه وما أخذ أجرة ولا راتبا ولا عطاء من الدولة وكان يشتغل بمهنة الخياطة وإذا خاط ثوبا فأعطاه صاحب الثوب أجرة يأخذ ما يقدر يعنى أجرة على حسب عمله ويرد الباقى يقول أنت تستحق أكثر خذ أكثر يقول لا عملى ما يستحق أكثر من ذلك الجهد الذى بذلته يستحق حبتين، عملة كانت تستعمل عندهم لا آخذ أكثر من هذا رضى الله عنه وأرضاه وهو إمام الحنابلة فى زمانه أبو حكيم إبراهيم ابن دينار انظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء العشرين صفحة ست وتسعين وثلاثمائة وترجمه الإمام ابن الجوزى فى المنتظم فى الجزء العاشر صفحة واحدة ومائتين وأورده فى كتابه المشيخة مشيخة الإمام ابن الجوزى فى صفحة واحدة وتسعين ومائة وفى مناقب الإمام أحمد فهو من تلاميذه الكبار صفحة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وانظروا ترجمته فى الذيل على طبقات الحنابلة للإمام ابن رجب فى الجزء الأول صفحة أربعين ومائتين قال عنه الإمام الذهبى كان إماما زاهدا ورعا خيِّرا حليما إليه المنتهى فى الفقه والفرائض أما حلمه فحقيقة ما وُجد فى زمنه أحلم منه وكان يجتهد الناس على أن يغضبوه ليتمعر وجهه أو يعنى لينطق لسانه بكلمة شديدة فما جرى منه هذا لا تغير فى وجهه ولا شدة فى كلامه رضى الله عنه وأرضاه أبو حكيم إبراهيم ابن دينار ينقل عنه الإمام ابن الجوزى فى صيد الخاطر
قال له كان فى بغداد شيخ يُزار ويُتبرك به من الصالحين من النُّساك من العُبَّاد على تعبير الإمام الغزالى ممن يعنى يوجهون إلى الآخرة ويعرفون طريقها وتعلقت قلوبهم بربهم
استمع شيخ يُزار ويُتبرك به حضر عنده أبو حكيم إبراهيم ابن دينار فسٌئل هذا الشيخ فى المجلس إذا ولدت المطلقة ثلاثا ولدا ذكرا هل تحل لزوجها الأول يعنى طلقها ثلاثا لكن ولدت ولدا ذكرا والولد الذكر له شأن يعنى لو ولدت أنثى لا تحل لكن إن ولدت ولدا ذكرا تحل لزوجها الأول؟ الطلقات تُلغى وتعود إليه
فسكت هذا الشيخ الزاهد الذى يُتبرك به قال ما تقول يا أبا حكيم قال سبحان الله لا تحل سواء ولدت ذكرا أو أنثى
قال والله لقد أفتيت بأنها تحل لزوجها من بغداد إلى البصرة أهل البصرة كلهم ينقلون عنى هذه الفُتيا ليس أهل بغداد أن المطلقة ثلاثا إذا ولدت ذكرا حلت لزوجها الأول والطلقات تنتهى!!
شيخ عابد زاهد يُتبرك به لا يعرف يعنى حكما من أحكام الطلاق هذا أمر عجيب حقيقة إخوتى الكرام
ونقل عنه قصة ثانية فى نفس الكتاب فى صيد الخاطر
قال جاءت امراة مطلقة إلى شيخ زاهد عابد يُتبرك به أيضا
فقالت له إنها طُلقت وخطبها إنسان فهل تحل له للزوج الثانى
قال تحلين وعقد الزوجة للخطيب الثانى وهى مطلقة من الأول ثم تبين أنه ما انتهت العدة ولا سأل عن انتهاء العدة،
فلما علم القضاء الشرعى فسخ النكاح وأدب الزوج واستدعى هذا العابد كيف هذا قال هذا علمى
فقالت له المرأة أنت خدعتنى قال أنت طاهرة مطهرة ما عليك شىء
هذا فقيه يا إخوتى الكرام!! ماذا استفاد من العبادة عندما أضل الناس عن طريق الآخرة فلا بد من وعى هذا
حقيقة علم الفقه كما قلت لا بد من أن يخشى الإنسان ربه والخشية ثمرة العلم أما بعد ذلك يعنى أنه يخشى الله دون تعلُّم فلا ثم لا هذا يعبد نفسه وهواه وشيطانه ولا يعبد ربه
وقد ذكر الإمام ابن الجوزى فى صيد الخاطر أيضا قصتين بعد يعنى القصتين الماضيتين عن غير شيخه أبى حكيم
القصة الثالثة
قال حدثنى بعض الفقهاء عن بعض العبَّاد أنه قال منذ أربعين سنة لا أصلى صلاة إلا وأنا أسجد سجدتى السهو قبل أن أسلم قال لمَ؟
قال أحتاط لدينى
قال صلاتك باطلة من أربعين سنة لأنك زد سجودا فى غير محله تلاعبت فى الصلاة تلاعبت من أربعين سنة لا يصلى صلاة إلا ويسجد قال لمَ؟
يعنى تسهو فإذا كنت تسهو من أربعين سنة ما استحضرت فى يوم من الأيام صلاة معذور ماذا تعمل
قال لا ما عندى سهو لكن أحتاط فى آخر ركعة من باب الإحتياط سجدتين للسهو
قال صلاتك باطلة من أربعين سنة وأنت لا تدرى وهذا من العبَّاد
حقيقة هذه من البلايا والرزايا
وقصة ثانية عن الإمام ابن الجوزى عن إنسان عاصره يحكى عنه وهو من العبَّاد أيضا
قال عاهد الله على شىء ثم نقضه وما استطاع أن يفى به فعاقب نفسه أنه سيمتنع عن الطعام والشراب أربعين يوما ،أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب فمرت العشر الولى والعشر الثانية والعشر الثالثة وهو طريح لا يستطيع أن يتحرك فى العشر الثالثة
أما فى العشر الرابعة أشرف على الموت وما عاد النفس يعنى يتحرك فى صدره فهؤلاء يعنى حقيقة الذين هم حوله ليتهم فعلوا قبل أن يصل إلى المرحلة الأخيرة فصبوا الماء فى فمه ليدخل إلى جوفه فسمعوا يعنى قرقعة كأنها37:39بالية ومات مباشرة عندما وصل الماء إلى جوفه أمَا قتل نفسه؟ أما انتحر؟ وهو يظن أنه يتقرب إلى الله عز وجل
وكم من إنسان يفعل هذا وهو على جهل فلا بد إخوتى الكرام من وعى الأمر
علم الفقه حقيقة ما بُدل كما قلت موضوعه والذى كان يشمله هذا العلم فى عهد سلفنا هو الذى يدل عليه فى حياتنا لكن لا بد من أن يصحب هذا العلم خشية من العليم سبحانه وتعالى هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه
ولذلك كان الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يُوصى بمزج علم الفقه بترقيق القلب وبما يرقق القلب وبشىء من ذكر الله جل وعلا ومن فضل المجاهدة ومن ومن هذا لا بد من ذكره ضمن مباحث علم الفقه وسيأتينا إن شاء الله هذا عند دراستنا لمباحث الفقه بعون الله ربنا وتوفيقه
والإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يخبر عن نفسه فى صيد الخاطر صفحة واحدة وأربعين ومائة يقول مع ما للذكر من لذة ومع ما للمجاهدة من أثر على النفس ولها يعنى شأن مع ذلك
يقول فالعلم أفضل وأقوى حجة أما أنه ينصرف إلى مجرد أذكار وأوراد وعبادات يقوم بها دون أن يتعلم لا
فالعلم أيضا أفضل وأقوى حجة وقلت لكم يقول فى كتابه لفتة الكَبَد صفحة خمس وأربعين الفقه أصل العلوم والتذكير حلواؤها وأعمها نفعا وذكر فى صفحة سبع وتسعين ومائة من كتابه صيد الخاطر يعنى كلاما حقيقة موجزا محكما يعنى لحدود نصف صفحة استمعوا إليه إخوتى الكرام
وجب مزج الفقه والحديث بالرقائق وسير الصالحين وإنما أقرأ هذا لن عددا من الإخوة الكرام يعنى أبدوا اعتراضات فى عدد من المناسبات قال أحيانا يعنى تكون فى مبحث حديث فى مبحث فقه فى مبحث تفسير وفى شىء تأتى بإنسان تذكر شىء من ترجمته وأحواله وكذا قلت يا عبد الله هذه مثل الحلوى مع الطعام لا بد منها يعنى وإلا بعد ذلك الأمور تبقى يعنى أمور علمية وكلها كما يقال جد جهد يعنى يا عبد الله دعنا نأخذ كما يقال مرحلة فى تنشيط نفوسنا وشحذ عزائمنا يعنى إذا ترجمنا مثلا للإمام مبارك جاء معنا وذكرت بعض القصص الطريفة من أحواله ماذا جرى يعنى أنت يضيق صدرك لمَ؟
فاستمع لما يقول الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول: رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفى فى صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر فى سير السلف الصالحين فأما مجرد العلم بالحلال فليس لله كبير عمل فى رقة القلب وإنما ترق القلوب بذكر رقائق الحديث وأخبار السلف الصالحين أنهم تناولوا مقصود النقل يعنى العلوم المنقولة وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها وما أخبرت بهذا إلا بعد معالجة وذوق لأنى وجدت جمهور المحدثين وطلاب الحديث همة أحدهم فى الحديث العالى وتفسير الأجزاء وجمهور الفقهاء فى علوم الجدل وما يُغلب به الخصم وكيف يرق القلب مع هذه الأشياء وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه لا لاقتباس علمه وذلك أن ثمرة علمه هديه وسمته فافهم هذا وامزج طلب الفقه والحديث بطالعة سير السلف والزهاد فى الدنيا ليكون سببا لرقة قلبه وقد جمعت لكل واحد من مشاهير الأخيار كتابا فيه أخباره وآدابه فجمعت كتابا فى أخبار الحسن يريد سيدنا الحسن البصرى رضى الله عنه وأرضاه الذى كان أفصح الناس فى زمنه بسبب ما در عليه ثدى أمنا أم سلمة رضى الله عنها وأرضاها زوج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كانت تعامله أحيانا تعطيه ثديها وهو صغير فقيل درَّ عليه شىء من اللبن بعد وفاة نبينا المكرم عليه صلوات الله وسلامه فتلك الفصاحة والحكمة والبلاغة من أثر ذلك اللبن المبارك واللبن للفحل لسيد الفحول نبينا الرسول على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه
جمعت كتابا فى أخبار الحسن وكتابا فى أخبار سفيان الثورى رضى الله عنهم أجمعين وإبراهيم ابن أدهم وبشرٍ الحافى وأحمد ابن حنبل ومعروف الكرخى وغيرهم من العلماء والزهاد والله الموفق للمقصود ولا يصلح العمل مع قلة العلم انتبه أيضا لا يصلح العمل مع قلة العلم فهما فى ضرب المثل كسائق وقائد والنفس بينهما 43:41ومع جد السائق والقائد ينقطع المنزل منازل السفر ونعوذ بالله من الفتور
هذا كلام الإمام ابن الجوزى
وانا أقول أيضا مع هذه الكتب التى صنفها فى تراجم بعض الزهاد والعباد له كتاب فى أربعة مجلدات وهو صفة الصفوة صفوة الصفوة فى أخبار صالحى هذه الأمة المباركة بدأ بسيد الصالحين نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم بالعشرة المبشرين بالجنة ثم يعنى بزهاد الصحابة وعبادهم إلى الزهاد فى زمنه والعلماء العاملين رضوان الله عليهم أجمعين
هذا فيما يتعلق بالتنبيه الأول إخوتى الكرام منزلة الفقه التى مرت معنا لا يعكر عليها كلام الإمام الغزالى
وأن هذا الإسم وُضع فى غير محله وبدأ يطلق على علم الطهارة وعلم الحيض وعلم النفاس وعلم الطلاق وعلم الظهار وعلم النكاح طيب يعنى لا بد والإنسان كيف سينكح كيف سيطلق واضح هذا، كيف سيعيش تريد أن يعيش الناس مع نسائهم وأزواجهم على حسب الحرام تريد هذا وماذا تنفعه أوراده وعباداته إذا كانت ذريته نجسة وصلته بزوجته محرمة ماذا تريد وكم من إنسان تراه عابدا زاهدا ورعا وزوجته بائنة منه من زمن وهو يعاشرها على طريق الحرام وهو لا يدرى هذا يعنى ما نفعته عبادته لا بد إخوتى الكرام من وعى الأمر
نعم يوصى طلبة علم الفقه بأن يسيروا على طريقة الفقهاء المتقدمين وسيأتينا تراجم الفقهاء الأربعة
وكما قال سيدنا الإمام الشافعى
ما أحد أورع لخالقه من الفقهاء
ستأتينا عباداتهم واجتهاداتهم فى طاعة الله عز وجل ستأتينا إن شاء الله هذا لا بد كما قلت أن يوصى بعضنا بعضا به أما أنه أن نقول يعنى علم الفقه تبدل وكان يطلق على موضوع الزهد وأمور الرقائق والتعلق بالآخرة ووضعوه بعد ذلك على العبادات والمعاملات والحدود والعقوبات لا ثم لا
علم الفقه هذا مدلوله كما قلت منذ أن أُشير إليه فى كلام نبينا عليه الصلاة والسلام اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل وأما كما قلت انحراف من انحرف هذا الانحراف يكون فيه يعنى من يتعلم كل علم قد يتعلم علم الزهد والرقائق وتراه شيطانا مريدا بعد ذلك هذا موضوع آخر
نعم كما قلت ينبغى أن نوصى أنفسنا وأن يوصى بعضنا بعضا عندما نتعلم علم الفقه أن نعمل بهذا العلم وأن بعد ذلك أن نتذكر أحوال نبينا عليه الصلاة والسلام فى عبادته وورعه وجده واجتهاده وأحوال الصالحين لنقتدى بهم رضى الله عنهم وأرضاه
هذا كما قلت إخوتى الكرام فيما يتعلق بما تقدم فى منزلة علم الفقه
أما الفروق بين شرع الخالق والمخلوق التى تحتم علينا أن نأخذ بشرع ربنا وأن نترك بعد ذلك آراءنا وآراء غيرنا
إخوتى الكرام هذه الفروق سأوجزها فى خمسة عشر فرقا كل واحد منها يحتم علينا أن نأخذ بشرع الله وأن نترك شرع غيره مهما كان من إنسان أو شيطان من شيطان إنسى أو شيطان جنى كل هذا ينبغى أن يُترك وأن يقبل على شرع الله عز وجل
أول هذه الفروق إخوتى الكرام بين شرع الرحمن وشرع الإنسان بين شرع الرحمن وشرع الشيطان
أولها أن شرع الله جل وعلا مستمد من الله من خالقنا
من ربنا من سيدنا من مالكنا من إلهنا سبحانه وتعالى هذا الشرع مستمد منه مأخوذ منه وهو وضع للأمر فى موضعه وأما شرع الإنسان القوانين الوضيعة الوضعية هذا مأخوذة من الأفكار الإنسانية وحقيقة أكبر عار أن يعبد الإنسان غيره ممن هو على شاكلته لا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرا، كيف تعبد غيرك والحكم هذا سنام العبادة القوانين والتشريع هذا سنام العبادة أعلى شىء فيها يعنى عندما تعطى لغيرك حق التشريع فقد عبدته عبادة عظيمة هى أعظم العبادات عندما جعلته يشرع لك وأنت تلتزم بشرعه وتتقي به فعبدته من دون ربك سبحانه وتعالى
فهذا إخوتى الكرام لا بد من أن نعيه ولا ينبغى للمخلوق أن يقبل غير شرع خالقه ومما يقوله الشاعر المتنبى وهذا البيت حقيقة من الحكم والدرر يقول:
تغرب لا مستعظما غير نفسه ولا قابلا إلا لخالقه حكما
يعنى إياك أن تقبل حكم غيرك ولو أدى ذلك إلى أن تنزح عن وطنك وبلادك وو
وتغرب لا مستعظما غير نفسه ترى أنك أعظم أهل الأرض لا احتقارا للعباد إنما من أجل وضع الأمر فى موضعه هذا لا بد إخوتى الكرام من وضعه وأما أنك دون وأن الناس فوقك يشرعون لك وأنت تلتزم بشرعهم لا ثم لا أنت عبد لله جل وعلا فهذا لا بد من وعيه
تغرب لا مستعظما غير نفسه ولا قابلا إلا لخالقه حُكما
لا تقبل إلا حكم الله وبعد ذلك نفسك عظيمة عظيمة عظيمة كما قلت ليس امتهانا لنفوس الناس إنما من أجل أن يوضع كل شىء فى موضعه وأما أن يعظم بعضنا بعضا وأن يشرع بعضنا لبعض فهذا هو الضلال،
هذا مستمد من الله وذاك مستمد من مخلوق والفرق بين الشرعين كالفرق بين الخالق وخلقه يعنى الفرق بين شرع الله وشرع المخلوقات كالفرق بين رب الأرض والسماوات وبين المخلوقات وشتان شتان شتان شتان
روى الإمام الترمذى فى سننه وقال هذا حديث حسن غريب والحديث رواه الإمام الدارمى فى سننه وهو من رواية عطية ابن سعيد العوفى إخوتى الكرام والإمام الترمذى يحسن له دائما وحوله كلام على كل حال الحديث له شواهد من رواية سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين مرفوعا متصلا وله شواهد من رواية شهر ابن حوشب وهو تابعى مرفوعا مرسلا إلى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه
انظروا تفصيل الكلام على هذه الشواهد فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة ست وستين من كتاب فضائل القرآن بوب الإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا باباً يشير به إلى عنوان هذه المسألة
قال باب فى فضل كلام الله على سائر الكلام
هذه الترجمة هى عنوان الحديث الذى سأذكره
والحديث كما قلت فى سنن الترمذى وسنن الدارمى من رواية سيدنا أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر الخلق)
(من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين)
من اشتغل بعبادة الله وذكره وبطلب العلم وما تفرغ لأن يسأل ربه حوائجه لأنه مشغول بدعاء العبادة الله جل وعلا يعطيه أفضل ما يعطى السائلين
(وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر الخلق)
إذاً هذا مستمد من الخالق وذاك مستمد من المخلوق ولذلك إخوتى الكرام أول ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام خمس آيات من سورة اقرأ من سورة العلق افتُتحت هذه الآيات بهذه الكلمة الطيبة المباركة اقرأ باسم ربك الذى خلق
اقرأ باسم ربك هذا من الله مستمد منه {اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق *اقرأ وربك الأكرم *الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق/1-5]
وهذه الآيات كما تقدم معنا إخوتى الكرام ضمن مباحث النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هى أول ما نزل على نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام قلت قطعا وجزما مع أنه قيل فى ذلك ستة أقوال لكن هذا قطعا وجزما
وقلت حديث الصحيحين يدل على ذلك حديث أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها وفى الحديث (قال اقرأ قال ما أنا بقارىء قوله ما أنا بقارىء)
قلت يستحيل أن يصدر هذا الكلام من نبينا عليه الصلاة والسلام إذا نزل عليه قبل ذلك قرآن وعليه هذا أول ما نزل قال اقرأ قال ما أنا بقارىء ما نزل علىَّ شىء وهذا مما يدل على أنه أول شىء أُنزل والأدلة فى ذلك كثيرة
إذاً (اقرأ باسم ربك الذى خلق) مستمد من الله ونحن عباده ولا غضاضة فى أن يتذلل المخلوق لخالقه وأن يأخذ العبد بشرع سيده إنما الغضاضة والحرج والضيق والشدة والكرب والعنت والذل الذى لا ذل بعده أن يتذلل المخلوق لمخلوق مثله وأن يؤله الناس بعضهم بعضا وأن يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله هذا هو البلاء اقرأ باسم ربك الذى خلق
ويقول الله جل وعلا فى سورة الشورى
(وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي) وهو رب كل شىء سبحانه وتعالى فالأخذ بحكم هذا الرب وضع للأمر فى موضعه فهذا عين الحكمة فمستمد من ربنا وخالقنا سبحانه وتعالى
وقال جل وعلا فى سورة الحاقة
هذا منزل من هذا الإله العظيم {ولو تقول علينا بعض الأقاويل *لأخذنا منه باليمين *ثم لقطعنا منه الوتين*فما منكم من أحد عنه حاجزين *وإنه لتذكرة للمتقين *وإنا لنعلم أن منكم مكذبين *وإنه لحسرة على الكافرين *وإنه لحق اليقين *فسبح باسم ربك العظيم} [الحاقة44-52]
(فلا أقسم بما تبصرون *وما لا تبصرون)
إخوتى الكرام كلمة لا التى تدخل قبل القسم فى كلام الله عز وجل مشكلة حقيقة وأئمتنا فى كتب علوم القرآن ضمن مبحث القسم فى القرآن بحثوها كما فى الإتقان والبرهان وغيرهما وهذا موجود فى سائر كتب تفسير القرآن هى مشكلة
فلا أقسم ظاهر الكلام نفى للقسم وواقع الأمر أن الله أقسم ، أقسم بما نبصر وبما لا نبصر على أحقية القرآن وأنه كلام الرحمن بلغه رسوله جبريل ورسوله محمد الجليل على نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه
فقوله فلا أقسم هذه لا إخوتى الكرام أئمتنا وجهوها بثلاثة أمور كلها معتبرة
الأمر الأول يعنى وهو أظهرها وأيسرها أنها زائدة للتوكيد الأصل فأقسم بما تبصرون وما لا تبصرون فزيدت لا للتوكيد كقول الله جل وعلا
{لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله} [الحديد/29]
لئلا يعلم، ليعلم أهل الكتاب
وهكذا قول الله جل وعلا
{ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} ما منعك أن تسجد إذ امرتك
هذا التخريج الأول وهو كما قلت يعنى أظهرها وأيسرها أنه زائدة لتوكيد القسم فلا أقسم أقسم قسما مؤكدا بما تبصرون وما لا تصبرون
والتخريج الثانى إخوتى الكرام حقيقة معتبر ووجيه إنها نفى لما يقتضى المقام نفيه ماذا يصبح هنا النفى (فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون لا شبهة فى أن القرآن حق وصدق وأنه من عند الله أقسم على ذلك بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم لا شبهة فى أن القرآن حق
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) لا صحة لإيمانكم ولما تدعون وربك حتى يحكموك فيما شجر بينهم هكذا يصبح التقدير كما قلت هى نفى لما يقتضى المقام نفيه على حسب سياق الآيات تقدر شيئا منفيا لا شبهة فى أن القرآن حق وأنه كلام الله أقسم على ذلك بما تبصرون وما لا تبصرون لا شبهة فى ان القرآن حق أقسم على ذلك بما تبصرون وما لا تبصرون
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) لا صحة لإيمانهم ولما يدعون وربك حتى يحكموك فيما شجر بينهم
التخريج الثالث
وهو أيضا فى منتهى الاعتبار الكلام إخوتى الكرام جرى مجرى نفى القسم والمراد إثبات القسم لكن بما أن المُقسَم عليه فى منتهى الظهور والوضوح والبيان كأنه ليس بحاجة إلى الإقسام عليه فأورد الكلام فى صورة ادعاء عدم احتياج المُقسَم عليه إلى قسم والمراد القسم الأكيد البالغ الذى يقرر هذا كأنه يقول هذه قضية منتهية ثابتة قطعية لا داعى أن أقسم عليها وقد أقسمت كما تقول لمن يثق بصداقتك وتحبه غاية الحب لا داعى أن أحلف لك أننى أحبك واضح هذا
وواقع الأمر أنت تريد النفى مع أنك تثبت الحب بمنتهى القسم له وهنا كذلك فلا أقسم بما تبصرون وما لا تصبرون الظاهر كما قلت نفى القسم لكن المراد إثبات القسم لأن المُدَّعى عليه كأنه يريد أن يقول فى منتهى الظهور والوضوح وأن هذا القرآن بلغه رسول الرحمن وهو كلام ذى الجلال والإكرام هذه القضية كأنها لا تحتاج إلى قسم فجاء الكلام فى صورة كما قلت نفى القسم لادعاء أن المقسم عليه لا يحتاج إلى قسم لأنه فى منتهى الظهور
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون أى لكل شىء أقسم ربنا جل وعلا على صحة القرآن إنه لقول رسول كريم أى بلغه عنا جبريل أو نبينا الجليل على نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون
إخوتى الكرام ما زائدة أيضا للتوكيد بلا خلاف بين أئمتنا لكن ما المراد بلفظ قليلا، قليلا تؤمنون قليلا تذكرون ما كما قلت زائدة أيضا للتوكيد فقيل هنا القِلة المراد هنا العدم
وذهب إلى هذا الإمام النسفى ومعه جم غفير من المفسرين
إذاً ماذا يصبح الكلام قليلا ما تؤمنون أى لا تؤمنون مطلقا وما صدر منكم إيمان بالرحمن قليلا ما تؤمنون لا نافية واضح هذا وإذاً هنا بمعنى العدم أى انعدم إيمانكم وما صدر منكم توحيد لربكم وانعدم تذكركم وما عنكم وعى فى عقولكم قليلا ما تؤمنون قليلا ما تذكرون أى لا تؤمنون إيمانا مطلقا إيمانا ما ولا تتذكرون تذكرا ما على أن القلة بمعنى النفى وقال أئمتنا هذا يستعمل فى اللغة بكثرة على أن القلة يراد منها النفى
والثانى على أن القلة على حقيقتها ما كما قلت مزيدة والقلة فى موضعها لأنهم كانوا يؤمنون ببعض أمور الخير مما أمر به من شأن صلة الرحم من شأن المعروف ومساعدة الناس يصدقون به فى الجملة ويرون هذا من أمور الخير ويتذكرون أحيانا فيما بينهم ويبحثون لأن نبينا عليه الصلاة والسلام صادق وأنه رسول الله تذكرا قليلا ثم يرجعون إلى غيهم وضلالهم يعنى ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون تذكروا قليلا ثم نكسوا بعد ذلك على رؤوسهم فهنا تؤمنون إيمانا قليلا لا ينفعكم فى النهاية تتذكرون تذكرا يسيرا لا تثبتون عليه فالقلة كما قلت على حقيقتها وإلى هذا ذهب الإمام الزجاج وغيره من أئمة التفسير
إذاً فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسل كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين وليس لهذا القرآن فى هذا القرآن مدخل لأحد من خلق الله ولوتقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين بالقوة ولعاقبناه عقابا شديدا قضينا عليه ويعنى جعلناه عبرة للمعتبرين وحاشاه من ذلك عليه صلوات الله وسلامه
ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وهو نياط القلب عرق مرتبط به إذا قُطع مات الإنسان وانقطع القلب عن الحياة ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم إن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم
الشاهد إخوتى الكرام تنزيل من رب العالمين هذا كلام الله جل وعلا وهذه الأمور إخوتى الكرام الخمسة عشر حقيقة كل واحد منها لو أراد الإنسان أن يفيض فيه يحتاج إلى موعظة سأوجز يعنى لننتهى منها فى الموعظة الآتية على إن شاء أبعد تقدير لنبدأ بعد ذلك فى تراجم أئمتنا كما وعدت ضمن أربعة مواعظ كل واحد فى موعظة نوجز ترجمته بعون الله وتوفيقه ندخل بعد ذلك فى مباحث الفقه بعون الله ولطفه ومنه وكرمه
الأمر الثانى الاعتبار الثانى فى تشريع الله جل وعلا إذاً مستمد من ربهم صاحبه علم تام وكيف لا ومنزله من هو بكل شىء عليم هذا شرع العليم الحكيم سبحانه وتعالى علم تام وأما يعنى التشريعات الإنسانية البشرية الوضيعة الوضعية فحال مشرعيها كما قال الله
(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)
هذا حالهم وجهلهم أكثر من علمهم 1:6:58كتاب أحاط بكل شىء قرر ربنا جل وعلا هذا المعنى فى كثير من آيات كتابه قال فى أول سورة الفرقان
أنزله من هو بكل شىء عليم ولا يوجد مخلوق يتصف بهذه الصفة بكل شى ءعليم، على كل شىء قدير ،غنى عن العالمين هذا لا يوجد إلا فى ربنا العظيم سبحانه وتعالى
قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما هذا إخوتى الكرام كما قلت يعنى حال تشريع الرحمن من عند من هو بكل شىء عليم
وأشار إلى هذا المعنى ربنا الكريم فى أول سورة غافر
{حم *تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم *غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} [غافر/1-3] وهذا العلم الذى هو فى المشرع بشرع الله هذا العلم الذى هو فى ربنا لا يمكن أن يساويه فيه أحد من الخلق بل لا يمكن أن يساويه فى جزئية من جزئيات العلم التى يتصف بها ربنا جل وعلا أحد من الخلق
فاستمع للعلم الإلهى تعريف علم ربنا كما قال الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه الفتاوى كنت ذكرت هذا إخوتى الكرام ضمن تفسير سورة الفاتحة فى صفحة ست وعشرين ومائتين فتاوى الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهو أحسن تعريف لضبط علم الله جل وعلا يقول
علم استقلالى يحيط بجميع المعلومات بكل المعلومات كما وكيفا
علم استقلالى أولا هذا علم منه ما أخذه من غيره وعلم من عداه مستفاد طرأ عليه بعد أن لم يكن
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} [النحل/78]
علم استقلالى ثم بعد ذلك يحيط بكل المعلومات كما وكيفا بقدرها وخصائصها كما وكيفا ولو أُضيف إلى هذا التعريف يعنى من باب كما يقال زيادة ايضاح إلا هو التعريف كامل يعنى لو أضيف زيادة ايضاح علم استقلالى محيط بجميع المعلموات كما وكيفا هذا كلام الإمام النووى قل على سبيل الدوام ولا يعتريه غفلة ولا نسيان
يعنى هذا العلم الاستقلالى المحيط بجميع المعلومات كما وكيفا يلازم ربنا جل وعلا دائما لا يزول ولا يتغير ولا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض، وما كان ربك نسيا على سبيل الدوام لا يطرأ عليه غفلة ولا نسيان يعنى هذا أحسن ما يقال فى بيان علم ربنا الرحمن سبحانه وتعالى
علم استقلالى محيط بجميع المعلومات كما وكيفا على سبيل الدوام لا يعتريه غفلة ولا ذهول ولا نسيان هذا حال علم الرحمن سبحانه وتعالى وأما من عداه فقد الزخشرى يغفر الله لنا وله ونِعْمَ ما قال:
العلم للرحمن جل وجلاله وسواه فى جهلانه يتغرغم
ما للتراب وللعلوم وأنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم
ويسعى لا ليصل إلى درجة العلم فقط يزيل عنه الجهل ليتعلم ما كان يجهل وأما ربنا جل وعلا فسبحانه وتعالى كما قلت علم أزلى استقلالى من ذاته يحيط بجميع المعلومات ما طرأ عليه بعد أن لم يكن فيه
ما للتراب وللعلوم وأنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم
العلم للرحمن جل وجلاله وسواه فى جهلانه يتغرغم
ما للتراب وللعلوم وأنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم
يعنى يتعلم ما كان لا يعلم فقط وهذا كما يقول سيدنا الإمام الشافعى رضي الله عنه وأرضاه
كلما أدبنى الدهر أرانى نقص عقلى
وإذا ما ازددت علما زادنى علما بجهلى
إذاً الصفة الثانية الفرق الثانى هذا التشريع الربانى هذا الفقه الذى سنتدارس مباحثه أنزله الذى يعلم فى السر فى السماوات والأرض أنزله من هو بكل شىء عليم فحقيقة الأخذ به حكمة ووضع سليم والأخذ بعد ذلك بالأنظمة الوضعية كما قلت ضلال مبين أولاً عبدت غير الله ثم أخذت بقانون ونظام الجاهل الغافل فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه
الأمر الثالث من الفروق بين شرع الخالق والمخلوق شرع الله جل وعلا مستمد منه وصاحبه علم تام وحكمة كاملة أيضا علم لا بد له من حكمة وإلا علم بدون حكمة يضع الشىء فى غير موضعه علم مع حكمة لا بد إخوتى الكرام من هذا علم مع حكمة
والحكمة إخوتى الكرام هى باختصار الإتقان وكون الشىء فى منتهى الاتنظام وهى التى يعبر عنها أئمتنا الكرام:
وضع الشىء المناسب فى الزمن المناسب فى المكان المناسب
وقال الإمام ابن القيم فى مدارج السالكين عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين فى الجزء الثانى صفحة تسع وسبعين وأربعمائة فى ضبط الحكمة وبيانها قال:
فعل ما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى وهذا هو وضع الشىء فى موضعه فعل ما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى
حقيقة إذا فعلت شيئا لكن فى غير وقته هذا حقيقة وضعت الأمر فى غير موضعه فلا بد من وضع الشىء فى موضعه
وكما قال أئمتنا لكل مقام مقال والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال هذا لا بد من وعيه فعل ما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه ينبغى وقال أيضا فى ضبط الحكمة أن تعطى كل شىء حقه بحيث لا تعديه حده لا تزيد على حده ولا تعجله عن وقته ولا تؤخره عنه إذا شرع ربنا فيه حكمة مستمد منه معه علم هذا العلم وُضع كما قلت فى موضعه المناسب له لذلك الحكيم كما قال الإمام الرازى فى لوامع البينات فى شرح أسماء الله والصفات
قال الحكيم هو الذى ليس فى قوله ريب ولا فى فعله عيب
ليس فى قوله ريب شك وتهمة وخلل وفساد ذلك الكتاب لا ريب فيه ليس فى قوله ريب ولا فى فعله عيب ما ترى فى خلق الرحمن من تقاوت ليس فى قوله ريب ولا فى فعله عيب سبحانه وتعالى شرع الله كما قلت محكم
يقول ربنا المعبود فى أول سورة نبيه هود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه
{الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير* ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} [هود/1-2]
(أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)
وقال جل وعلا فى أول سورة العبد الصالح لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان
{الم *تلك آيات الكتاب الحكيم *هدى ورحمة للمحسنين} [لقمان/1-3]
تلك آيات الكتاب الحكيم
والآيات إخوتى الكرام فى ذلك كثيرة أختمها بهذه الآية وبها أختم الموعظة ونتدارس الصفة الرابعة وما بعدها فى الموعظة الآتية إن شاء الله يقول الله جل وعلا فى سورة فصلت
ما يقال لك إلا هذه المقولة وما يقال لك إلا ما قيل للرسل من أقوالهم من جهالات وضلالات جَهِلَ الأقوام بها على رسلهم الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام
وأنت سيقال لك من أمتك ما قيل للرسل من أقوامهم وأنت يقال لك أيضا إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم كما قيل لهم هذه المقولة ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك كما قلت من الأقوام ومما بعد ذلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم
الصفة الرابعة إخوتى الكرام شرع الله كما هو مستمد منه وصاحبه علم تام وحكمة تامة فيه هدى ونور يأتينا بيان هذا إن شاء الله فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا
اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا
اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك
اللهم اغفر لمن عبد الله فيه
اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته