الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد إخوتى الكرام انتهينا من مدارسة منزلة الفقه فى شريعة الله المطهرة منزلة علم الفقه فى شريعة الله المطهرة وشرعنا فى مدارسة مبحث عظيم قلت أختم به الكلام على منزلة علم الفقه فى شريعتنا المطهرة
هذا المبحث إخوتى الكرام قلت هو استعراض الفروق بين شرع الخالق وشرع المخلوق والأمر إخوتى الكرام فى منتهى الظهور والوضوح ومن أراد يعنى أن يتلمس الفروق بين شرع الخالق وشرع المخلوق كمن أراد أن يبحث عن الفروق بين الطاهر والنجس وبين المعدوم والموجود وبين الحق والباطل وبين النور والظلام يعنى الأمر فى منتهى الوضوح
ولذلك إخوتى الكرام ما أذكره هو من باب المزايا التى فى شريعة ربنا جل وعلا وتحتم علينا أن نلتزم بذلك ومن أعرض عن ذلك فقد سفه نفسه وكفر بالله جل وعلا
ذكرت إخوتى الكرام ثلاثة فروق
أولها
أن شرع الله حل وعلا مستمد من خالقنا من ربنا من سيدنا من مالكنا وقلت هذا وضع الأمر فى موضعه ووضع الشىء فى نصابه أن يأخذ المخلوق بشرع خالقه وألا يعبد بعضهم بعضا من دون الله جل وعلا
الأمر الثانى
قلت إن شرع الله جل وعلا صاحبه علم كامل كيف لا وهو شرع مَن بكل شىء عليم
والأمر الثالث
صاحبه أيضا حكمة تامة وُضعت الأمور فى مواضعها فهو من تنزيل من حكيم حميد هذه الأمور الثلاثة مر الكلام عليها ووقفت عند الفرق الرابع من الفروق التى سنتدارسها وقلت إنها خمسة عشر فرقا
أول الأمور التى سنتدارسها وهى الفرق الرابع وهى الفرق الرابع الفارق الرابع بين شرع الخالق وشرع المخلوق
شرع الخالق إخوتى الكرام فيه هدى ونور وإرشاد العباد إلى أرشد الأمور هدى والهداية تقدم معنا بيانها عند تفسير قول ربنا اهدنا الصراط المستقيم وقلت الدلالة برفق وسهولة ويسر وشريعة الله جل وعلا حوت هذا المعنى فقد دلتنا إلى ما يسعدنا فى دناينا وآخرتنا برفق ولطف ويسر وسهولة حسب ما يتناسب مع فطرتنا التى فطرنا عليها ربنا سبحانه وتعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وكل شرع يمشى عليه الإنسان فى هذه الحياة يتصادم مع فطرته ولا يحصل منه إلا الشقاء العاجل مع العذاب الآجل
{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه/124]
إذاً فى شريعة الله الهدى والنور وإرشاد العباد لأقوم الأمور وتقدم معنا مرارا أن شرع الله لعقولنا كالشمس لأعيننا وأن شرع الله لحياتنا كالماء للسمك فكما أن السمك لا يحيا بدون ماء فهذه البشرية لا يمكن أن تسعد فى هذه الحياة بدون الشريعة الغراء التى أنزلها الله على نبيه خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه
وهذا المعنى أشار الله إليه فى آيات كثيرة وكما قلت فى الموعظة الماضية هذه الأمور تحتاج إلى شىء من الإيجاز فيه لننتهى منها ونشرع فى مدارسة الفقه وإلا فكل فرق من هذه الفروق يحتاج كما قلت إلى موعظة كاملة
يقول الله جل وعلا فى سورة النساء
{يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} [النساء/174]
نورا للعقول كنور الشمس الذى هو للأعين والأعين لا ترى بدون نور والعقول لا تهتدى بدون شرع العزيز الغفور {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا *فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما} [النساء/174-175]
يعنى بعدها آية واحدة أليس كذلك ختام سورة النساء وأنزلنا إليكم نورا مبينا
وقال جل وعلا فى سورة الإسراء
يهدي للتي هي أقوم للتى هى أكمل وأحسن وأسد وأفضل فى جميع شئون الحياة
وواقع الأمر إخوتى الكرام نظم الله بهذه الشريعة التى أنزلها علينا جميع معاملاتنا سواء مع أنفسنا أو بعضنا أو مع ربنا سبحانه وتعالى عن طريق معاقد التشريع التى حواها شرع العزيز الغفور سبحانه وتعالى ومعاقد التشريع ثلاثة لا بد أن توجد فى التشريع وإلا فذلك التشريع فاسد عاطل باطل
أولها المحافظة على ضروريات الحياة
وثانيها المحافظة أيضا على الحاجيات
وثالثها المحافظة على التحسينيات والجرى على مكارم الأخلاق والتشريع يدور على هذه الأمور الثلاثة
الأولى ضروريات وهى التى يسميها أئمتنا بدرء المفاسد لا بد إخوتى الكرام من المحافظة على الضروريات الست على أديان الناس على أبدانهم على عقولهم على أموالهم على أعراضهم على أنسابهم لا بد من المحافظة على هذا وهذا ما حُفظ عليه أتم محافظة إلا فى شريعة الله جل وعلا وما عدا شريعة الله جل وعلا الناس فى غابة يأكل القوى منهم الضعيف
ثم بعد ذلك الحاجيات فهى التى يسميها أئمتنا بجلب المصالح درء المفاسد جلب المصالح ففتح الله أمامنا كل خير كل طريق يوصلنا إلى كل خير ونفع وفائدة وربح فى هذه الحياة (فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)(وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه)
ثم التحسينيات وهى الجرى على مكارم الأخلاق فربط بيننا برباط محكم وثيق عندما شرع لنا ما شرع من السلام وحسن الكلام وبشاشة الوجه وطلاقته وغير ذلك بحيث يعيش الناس كأنهم فى جنة عاجلة هذا إخوتى الكرام لا بد منه هذا موجود فى شريعة الله
إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم فى جميع شئون الحياة
إذاً شرع الله فيه هدى ونور
وقد أشار الله إلى هذا فى مطلع كتابه فى أول سورة البقرة فقال جل وعلا {الم *ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون*والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون *أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} [البقرة/1-5]
إخوتى الكرام قول ربنا الرحمن هدى للمتقين مر معنا مثل هذا بكثرة وخص هداية القرآن بالمتقين لأنهم هم المنتفعون بهذا فمن عداهم ما حصل هذه الهداية وأعرض عنها ولذلك خُصت هذه الهداية بهم لإقبالهم عليها وأخذهم بها وانتفاعهم بها فمن عمل وليمة ودعا دعوة عامة من الذى يأكل؟ من حضر أوليس كذلك من لم يحضر وإن دعى ما أكل ولا استفاد وهنا يا أيها الناس ادخلوا فى السلم كافة
لكن من الذى دخل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن شرح الله صدره للإسلام وهنا كذلك
ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
هذه الهداية وهذه الدِلالة حصلت لعباد الله المتقين الأخيار نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يمتنا على هذه الهداية وأن يبعثنا عليها بمنه وكرمه وجوده إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين
الفرق الخامس
إخوتى الكرام شرع الله جل وعلا فيه خير وبركة والأخذ به يوجب حصول النعم المتزايدة خير وبركة وبه تحصل النعم المتزايدة
وقد أشار الله جل وعلا إلى بركة شرعه وما فيه من خير ومنفعة للعباد فقال جل وعلا فى سورة الأنعام
(وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) تجعلونه قراطيس
والقراطيس إخوتى الكرام هى الصحف لكن إذا كانت مفرقة مبعثرة وإنما فعل اليهود هذا لأنهم كانوا يكتبون التوراة فى صحف مفرقة حتى يظهروا الصحيفة التى يريدونها ويخفون ما لا يريدون أن يظهروه فإذا يعنى كتبوا كل مقطع فى صحيفة إن لزم هذا المقطع أخرجه والمقطع الثانى لا ينفعه كتمه وأما إذا كان فى سجل جامع كتاب يعنى مجموع بين دفتيه تقول افتح حجة عليك فى صفحة كذا هذا يخالف ما أنت تقول به لذلك كان أحبارهم عليهم لعائن ربنا يجعلون الكتاب الذى أنزله الله عليهم فيه قراطيس أوراق مبعثرة
(تجعلونه قراطيس تبدونها استمع وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله الله الذى أنزل الكتاب التوراة على عبده ونجيه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هذا هو التقدير قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون
وما يقوله بعض المخرفين من الصوفية فى هذه الأوقات قل الله يعنى اذكر الله بصيغة لفظ الجلالة الله الله الله لأن الله يقول قل الله
يا عبد الله استمع قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى قل الله أى الله أنزله سبحانه وتعالى
يا إخوتى لمَ التلاعب بكلام الله جل وعلا؟
وقلت مرارا الذكر بالاسم المفرد ما وردت به شريعة الله المطهرة لا مظهرا الله الله قهار قهار أحد أحد صمد صمد ولا مضمرا هو هو وما شاكل هذا
هنا قل الله أنزله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
(وهذا كتاب أنزلناه مبارك) كثير الخير كثير البركة من أقبل عليه وأخذ به من أخذ بشريعة الله والتزم بها ضمن الله له الخيرات والبركات والمسرات فى هذه الحياة وبعد الممات (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه)
ومثل هذه الآية إخوتى الكرام قول ربنا الرحمن فى سورة الأنبياء على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه
{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين *الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون *وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} [الأنبياء/48-50]
(وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون) وهناك (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه)(وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون) فى سورة الأنعام وفى سورة الأنبياء على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه
هذا كما قلت الفرق الخامس الفارق الخامس بين شرع الخالق وشرع المخلوق
الفرق السادس من الفروق المعتبرة هذا الدين الذى من الله به علينا وأنزله على نبيه الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هو أعظم رحمات الرحمن الرحيم على المكلفين أعظم رحمة رحمنا الله بها أن أنزل علينا الكتب وأرسل إلينا الرسل ليخرجنا من الظلمات إلى النور هذه أعظم الرحمات لا يوجد رحمة تعدل هذه الرحمة وهذه الرحمة من أخذ بها ترتب عليها السعادة التى لا شقاء بعدها هذه أعظم الرحمات فمن أخذ بهذه النعمة حصلت له أتم رحمات المنعم الرحيم سبحانه وتعالى
أشار الله إلى هذا فى كتابه فقال فى سورة نبيه يونس على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه
حقيقة هذه هى النعمة التى لا يعدلها نعمة وهذه هى الرحمة التى لا يعدها رحمة
(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين *قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)
وقد امتن الله على نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه النعمة وأخبره أنها هى خير رحماته عليه فقال سبحانه وتعالى فى سورة القصص
(وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب) لكن حصل لك هذا برحمة من الله وفضل منه وإحسان وهذه أعظم رحمة منه عليه ثم على الأمة الذين رُحموا بهذه الرحمة التى نزلت عليك فصرت بها رحمة للعالمين على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه
(وما كنت ترجو) لفظ الرجاء هنا بمعنى الأمل لأنه يأتى بمعنى الوجل وبمعنى الأمل المراد هنا الأمل قولا واحدا
(وما كنت ترجو) أى تأمل وتتوقع وتتطلع وما كنت تنتظر هذا ولا خطر على بالك لكن هذا بفضل الله ورحمته ويأتى الرجاء بمعنى الخوف أيضا والوجل كما تقدم معنا إخوتى الكرام فى محاضرات التفسير عند قول الله جل وعلا فى سورة النبأ (إنهم كانوا لا يرجون حسابا)
تقدم معنا تحتمل المعنيين لا يأملون ويتوقعون جزاء على أعمالهم لأنهم ما عندهم حسن يجازون عليه إنهم كانوا لا يرجون لا يخافون يوم الحساب ولا يعدون العدة للقاء الكريم الوهاب
واستعرضت هناك الآيات التى تأتى بمعنى الوجل فقط وبمعنى الأمل وبالمعنيين فى كلام ربنا رب الكونين سبحانه وتعالى
وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين
وأشار ربنا جل وعلا إلى هذه الرحمة العظيمة الكبيرة التى هى أعظم رحماته علينا فى سورة العنكبوت فقال جل وعلا
الفارق السابع من الفروق المعتبرة شرع الله جل وعلا لا تناقض فيه ولا تضارب ولا خلل ولا فساد
وشرائع المخلوقات متهافة فاسدة متضاربة ينقض بعضها بعضا ولذلك يستحسنون اليوم ما يستقبحونه غدا ويستحسنونه غدا ما استقبحوه فى هذا اليوم وهكذا تغيير واضطراب وفساد ثم بعد ذلك هى متهافة متعارضة فيما بينها هنا شريعة وهناك شريعة وهناك شريعة وكلها ضلالات وتناقضات شريعة الله لا تناقض فيها لا اضطراب لا خلل لا فساد
أشار رب العباد إلى هذا فى سورة النساء فقال جل وعلا
{أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء/82]
نعم إخوتى الكرام ليس فى خلق الله تفاوت وليس فى شرعه تناقض ولا تضارب وهدانا الله جل وعلا كما تقدم معنا بشرعه للتى هى أقوم فكيف سيكون فيه فساد وخلل، خَلْقُ الله الذى هو أمر كونى أتقنه الله وأحسن إبداعه وإيجاده ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فشرع الله الذى هو الغاية من خلقنا من باب أولى سيكون فى منتهى الإحكام والانتظام وليس فيه خلل ولا فساد ولا هذيان
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
الفرق الثامن من الفروق المعتبرة شرع الله جل وعلا إخوتى هو أحسن حديث وأحسن كلام وأبلغ ما يقال وأفصح كلام شرع ربنا الرحمن سبحانه وتعالى
أشار الله جل وعلا إلى هذا فى كثير من آيات كتابه فقال جل وعلا فى سورة المائدة
الآية إخوتى الكرام تحتمل معنيين اثنين:
(ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
المعنى الأول كما تقدم معنا (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)(ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)
خصهم لأنهم هم المنتفعون أيضا فحكمه لهؤلاء الموقنين المنتفعين هو أحسن الأحكام وشريعته خير الشرائع
(ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أى للمؤمنين الموحدين المهتدين المتقين (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
وقيل اللام هنا بمعنى عند
والتقدير (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون عند قوم يوقنون) فمَن الذى يقر بسلامة حكم الله وأحسنيته وسداده وصوابه مَن الموقنون المتقون المهتدون العاقلون أما الجاحدون المكابرون فقد أعرضوا عن الانتفاع بشرع الحى القيوم وبعد ذلك تكلموا بالباطل ووصفوه بما وصفوه به من سحر وكهانة وشعر وأساطير الأولين اكتتبها (ومن أحسن من الله حكما عند قوم يوقنون) عند الموقنين يرون أن هذا الحكم هو أحسن أحكام المكلفين وهو أحسن أحكام للمكلفين فهو أحسن الأحكام للناس وهو أحسن الأحكام عند الأكياس وعليه من لم يوقن فيطعن فى القرآن وعليه من طعن فيه فهو ممن غضب الله عليه وممن لا إيقان فى قلبه وليس هو من عِداد العقلاء وواقع الأمر كذلك (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) عند قوم يوقنون سبحانه وتعالى
أحسن الحديث
وأشار الله إلى هذا المعنى فى سورة الزمر فقال جل وعلا
(الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها)
قوله متشابها أى متماثلا فى الفصاحة والبلاغة والإعجاز ومتشابها فى الأهداف الشريفة الحميدة التى تتضمن الغايات النبيلة الجليلة متشابها متماثلا
وهنا المراد من التشابه التشابه اللغوى وهو التشابه العام فى القرآن وتقدم معنا أنه أيضا محكم كله (الر *كتاب أحكمت آياته) كما تقدم معنا فى أول سورة نبى الله هود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه (كتاب أحكمت آياته) وهكذا قول الله (تلك آيات الكتاب الحكيم) كله محكم وكله متشابه
والمتشابه هنا هو الإحكام وعليه هو متشابه فى إحكامه ومحكم فى تشابهه وهذان الوصفان لا يتقابلان إنما يجتمعان ويتفقان ويتآخيان لكن يعنى إن أردت الانتظام فى آيات القرآن تقول إنه محكم وإن أردت التساوى تساوى الآيات فى هذا الانتظام تقول إنه متشابه فى إحكامه ومحكم فى تشابهه وهنا كما قلت لا يتقابل الإحكام مع التشابه بل يجتمعان ويتآخيان
متى يتقابلان؟
فى ما أشار إليه ربنا الرحمن فى سورة آل عمران عندما قسم القرآن إلى قسمين بعضه محكم وبعضه متشابه هناك يتقابلان
وتقدم معنا يصح الوقف على لفظ الجلالة والوصل وتخريج كل من الأمرين
إخوتى الكرام هنا يتقابل الإحكام والتشابه فيراد من الإحكام الإحكام الخاص ويراد من التشابه التشابه الخاص يتقابلان ويختلفان اختلاف تنوع أيضا ليس اختلاف تضاد كل واحد له معنى،
المراد من المحكم ما عُرف المراد منه وأمكن للعباد أن يقفوا عليه وعلى حقيقته هذا أى محكم؟ الإحكام الخاص
والمراد من المتشابه تشابه خاص ما استأثر الله بعلمه ولا يمكن للعباد أن يقفوا على حقيقته
وعليه كما تقدم معنا لفظ الروح مثلا حقيقتها استأثر الله بعلمها، تفسيرها نعلمه كما تقدم معنا تفسير الله ليُعلم لكن الحقيقة لا تُعلم وهكذا صفات ربنا جل وعلا حقائقها لا تُعلم معانيها فى اللغة تُعلم،
ما يكون فى الآخرة من نعيم وعذاب أليم أصل المعنى معروف والحقائق لا يعلمها إلا الله جل وعلا إذاً هنا (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) وعليه (قل هو الله أحد) هذا محكم أو متشابه؟ محكم فى غاية الإحكام لا يحتمل كما عرف العباد منه واضح هذا ،قول (الله ليس كمثله شىء) محكم أو متشابه؟ فى غاية الإحكام والوضوح أنه لا يوجد شىء يشبه الله لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله
وعندما يأتى قوله جل وعلا (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) نقول أصل المعنى معلوم واليدان معروفتان تليقان بذى الجلال والإكرام حقيقتهما يقول رُدَّ هذا إلى قول الله (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير)
وعليه ينبغى أن يُفهم المتشابه أى متشابه التشابه الخاص على ضوء المحكم الإحكام الخاص فذاك هو أصل كما جعله ربنا كذلك (هن أم الكتاب)(منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)
قول الله جل وعلا (قل هو أحد)(وما من إله إلا الله)(فاعلم أنه لا إله إلا الله) هذا محكم عرف العباد منه والأمر فى منتهى الوضوح عندما يأتيك بعد ذلك يعنى أنه هنا إله سبحانه وتعالى فرد صمد لا نظير له ولا مثيل كما تقدم عندما تأتى بعد ذلك بعض النصوص فيها ما لا يمكن أن نقف على حقيقته نرده إلى هذا النص
ما فى34:16سأذكره فى المثال الثانى لأنه ينطبق عليه
المعنى الثانى
من المحكم الإحكام الخاص والمتشابه التشابه الخاص المحكم ما احتمل معنى واحدا والمتشابه ما احتمل أكثر من معنى يبنبغى أن نفهم المعانى فيه على ضوء المعنى فيه على ضوء المحكم
مثلا قول الله (قل هو الله أحد)(وما من إله إلا الله)(فاعلم أنه لا إله إلا الله) هذا محكم
قول الله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) احتمل أكثر من معنى احتمل الواحد الذى يعظم نفسه واحتمل الجمع فَرُدَّ هذا إلى المحكم وعليه واحد عظم نفسه افهم هذا على حسب ما جاء فى (هن أم الكتاب) وهى النصوص المحكمة التى لا تحتمل إلا معنى واحدا قطعيا
والمعنى الثالث للمحكم والمتشابه فى حال تقابلهما المحكم تقدم معنا ما عُرف المراد منه فى المعنى الأول ما استأثر الله بعلمه ما احتمل معنى واحدا وما احتمل عدة معانى
المعنى الثالث المحكم ما عُرف المراد منه بنفسه والمتشابه ما عُرف المراد منه بغيره ما احتاج إلى غيره ليظهر المراد منه وعليه فهنا التشابه تشابها خاصا
الشاهد إخوتى الكرام (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها)
المراد من التشابه هنا التشابه العام الذى هو بمعنى الإحكام العام يعنى متماثلة فى الفصاحة والبلاغة والإعجاز كما هو متماثل متشابه فى الأهداف الشريفة والغايات الحميدة (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها)
الفارق التاسع من الفروق بين شرع الخالق والمخلوق
شرع الله جل وعلا إخوتى الكرام حياة العالم وروح الوجود كما أنه تقدم معنا هداية العالم ونور العالم وفكل ما لم تطلع عليه شمس الرسالة المحمدية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو فى ظلمة وكل ما لم تطلع عليه شمس الرسالة المحمدية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو ميت مظلم ميت
أشار الله جل وعلا إلى هذا المعنى وأنه بشرعه تحصل الحياة
{أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} [الأنعام/122]
وقال جل وعلا فى آخر سورة الشورى
(وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) هو حياة العالم وهو روح الوجود وكل ما لم تطلع عليه كما قلت يعنى الرسالة الربانية والشريعة الإسلامية فهو مظلم ميت ملعون
ثبت فى سنن الترمذى سنن الإمام ابن ماجة وقال الترمذى هذا حديث حسن غريب من رواية سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(الدنيا ملعونة ملعون فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما)
وتقدم معنا الحديث إخوتى الكرام ضمن مواعظ الترغيب فى مُدارسة العلم والحديث رواه الإمام البزار فى مسنده بلفظ عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ
(الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكر الله تعالى)
ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير عن سيدنا أبى الدرداء رضى الله عنهم أجمعين بلفظ
(الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتُغى به وجه الله منها)
ورواه الإمام أبو نعيم فى الحلية والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة عن سيدنا حابر ابن عبد الله رضي الله عنهما عن نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال
الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها))
واجمع هذه الروايات الأربعة رواية أبى هريرة وابن مسعود وأبى الدرداء وجابر ابن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين تخرج بنتيجة
الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان بالله ولله ما ستعان بالله وكان خالصا لله
هذا الذى خرج من اللعنة وهذا الذى فيه الحياة وهو الذى يحق أن يتصف بالوجود وما عدا ذلك فكأنه مفقود وهو ميت وفى ظلمة إلا ما كان لله منها
انظروا إخوتى الكرام روايات البزار والطبرانى فى مجمع الزوائد فى الجزء الأول صفحة اثنتين وعشرين ومائة وانظروا رواية الإمام الضياء المقدسى فى الفتح الكبير فى الجزء الثانى صفحة ست عشرة
الفارق العاشر هذه الشريعة الربانية التى أوحى الله بها إلى نبينا خير البرية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إنها هى حكم على ما عداها
فكتاب الله وشرع الله هو المهيمن على ما سواه هو المؤتمن وهو الشاهد وهو المصدق وهو الرقيب وهو الحافظ على ما عداه، هو الذى يقر الحق الذى فيما عداه ويبطل الباطل فيما عداه، يُعرض كل شىء على شريعة الله جل وعلا هو المهيمن هو الحكم هو الشاهد هو الرقيب فالكتب السابقة تعرض على هذا القرآن ليبين ما حُرِّف منها وهو ضلال وما بقى منها وهو حق وهكذا كل قضية من القضايا تعرض على الشريعة الإسلامية ويبين شرعُ الله الحكمَ فيها
أشار الله جل وعلا فى كتابه فقال جل وعلا فى سورة المائدة
وقال جل وعلا فى نفس السورة آية ثمان وأربعين
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) مؤتمنا شاهدا مصدقا رقيبا حافظا
إذاً هو المهيمن هو الرقيب المؤتمن الشاهد الحفيظ الحاكم على ما سواه
وقال الله جل وعلا فى سورة النمل
الفارق الحادى عشر
شرع الله جل وعلا محترم مقدس وكيف لا وهو شرع الله عز وجل ولا يوجد مهما كان حاله يحترمه العباد فى السير والعلن وفى جميع الأحوال كما هو الحال فى شرع ذى العزة والجلال قد تلك القوانين قد يتظاهر الناس باحترامها من أجل يعنى مصالح عاجلة أو من أجل عقوبة عاجلة أما شريعة الله جل وعلا يعنى الناس يحترمونها فى السر أكثر من احترامهم لها فى العلن لأن الله جل وعلا هو الذى يطلع على ما فى السرائر والضمائر سبحانه وتعالى شريعة مقدسة شريعة محترمة هى شريعة الله جل وعلا المتقنة
ولذلك إخوتى الكرام هذه الشريعة للمبالغة فى قداستها واحترامها جعل الله كتابه لا يُمس إلا بطهارة وما عداه من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وكتب الفقه وغير ذلك من كتب العلوم الشرعية من الأدب باتفاق أئمتنا إلا تُمس إلا على طهارة هذا من الأدب إذا أردت أن تقرأ كتاب فقه أن تكون طاهرا
وكان سيدنا الإمام مالك وعدد من الأئمة لا يحدثون إلا على طهارة ولا يمسوا كتب الحديث إلا إذا كان طاهرا ويراد بالطهارة هنا الطهارة من الحدث الأصغر فضلا عن الطهارة من الحدث الأكبر
وانظروا تقرير هذا عن سلفنا فى كتاب الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع للإمام الخطيب البغدادى فى الجزء الأول صفحة تسع وأربعمائة بوب الطهارة لسماع الحديث لرواية الحديث ثم قال من لم يجد بابا أيضا خاصا من لم يجد ماء تيمم وإذا أراد أن يمسك كتاب الحديث أو أن يحدث ولا يوجد ماء يتيمم يعنى من أجل احترام هذه الشريعة المطهرة من أجل احترام هذه الكتب التى حوت شريعة الله المطهرة
أما القرآن يجب عليك وجوبا إذا مسسته أن تكون طاهرا ومن مسه وهو غير طاهر من الحدث الأصغر فضلا عن الأكبر أما الحدث الأكبر يحرم عليك أن تقرأ القرآن إذا كان معك الحدث الأكبر كما سيأتينا ضمن مباحث الفقه أما الحدث الأصغر يبيح لك أن تقرأ كلام الله جل وعلا لكن يحرم عليك أن تمسك هذا القرآن وأن تمسك جلده الملتصق به الذى يحوى كلام الله جل وعلا وهذا كما قلت على سبيل الوجوب باتفاق أئمتنا والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ثبوت صحة مشتهرة
ثبت الحديث إخوتى الكرام مرسلا ومتصلا عن عمرو بن حزم رضي الله عنه وأرضاه فى الصحيفة التى كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه
أما الرواية المرسلة من رواية أحد أحفاده عنه وهو عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن حزم والرواية كما قلت مرسلة منقطعة أن النبى عليه الصلاة والسلام كتب لعمرو بن حزم صحيفة تلقاها أئمتنا بالقبول بالاتفاق كما سيأتينا وفيها سنن عظيمة من الإسلام وأحكام الإسلام فيها الأروش والديات ونصاب الزكوات وفيها بعض الأحكام وفيها بعض الكبائر العظام صحيفة كتبها نبينا عليه الصلاة والسلام لعمروبن حزم
(ألا يمس القرآن إلا طاهرا)
الرواية المرسلة كما قلت فى موطأ الإمام مالك فى أول كتاب القرآن من الموطأ (لا يمس القرآن إلا طاهرا) ورواها أبو داود فى المراسيل كما رواها الإمام بن أبى داود فى كتاب المصاحف
رُويت الرواية إخوتى الكرام متصلة عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده الرواية متصلة عن عمرو بن حزم أن النبى عليه الصلاة والسلام كتب له تلك الصحيفة فى سنن الدارمى وسنن الدار قطنى والسنن الكبرى للإمام البيهقى والحديث رواه الحاكم فى المستدرك وعبد الرزاق فى مصنفه وفى تفسيره ورواه بن حبان فى صحيحه والطبرانى فى معجمه الكبير
قال شيخ الإسلام الإمام بن عبد البر فى كتابه التميهد فى الجزء الثانى عشر صفحة ست وتسعين وثلاثمائة
كتاب عمروبن حزم كتاب مشهور عند أهل العلم معروف يُستغنى بشهرته عن الإسناد
ورواية الموطأ كما قلت لكم منقطعة مرسلة وهو يشرحها ويتكلم عليها
كتاب مشهور عند أهل العلم معروف يُستغنى بشهرته عن الإسناد والدليل على صحة كتاب بن حزم
ما هو الدليل؟
تلقى جمهور العلماء له بالقبول ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وبالعراق وبالشام أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر على وضوء انتبه وهو قول الإمام مالك بعد أبيه لأنه يشرح موطأه وهو إمام مذهبه فلا غضاضة ولا حرج وقول أبى حنيفة والشافعى وأحمد يعنى هو قول المذاهب الأربعة ثم عدَّ قال وبهذا قال سفيان الثورى والأوزاعى وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد وهؤلاء هم أئمة الفقه والحديث لأعصارهم اتفق أئمة الإسلام على هذا ما بين فقهاء ومحدثين على أنه لا يجوز مس كلام رب العالمين إلا على طهارة إلا على وضوء
والإمام الحاكم روى الحديث فى مكانين إخوتى الكرام روى فى كتاب الزكاة وكتاب معرفة الصحابة يقول فى كتاب الزكاة فى الجزء الأول صفحة سبع وتسعين وثلاثمائة إسناد الحديث من شرط الكتاب وأخذ صفحة ونصف من المستدرك من القَطْع الكبير إسناد الحديث على شرط الكتاب يعنى صحيح وفيه السنن التى هى قواعد الإسلام ثم ذكر لهذا الحديث شواهد تبين أن هذه السنن وكما قلت فروض الزكوات والأروش والديات وبعض الأحكام كما هنا وكما يتعلق بالموبقات والكبائر سرد شواهد لذلك لأنه فيه سنن هى من أصول الإسلام وقواعد الإسلام
هذا الحديث إخوتى الكرام كما قلت مرسل ومتصل عن سيدنا عمرو بن حزم رضي الله عنه وأرضاه رُوى عن خمسة من الصحابة آخرين عن سيدنا عبد الله بن عمر وعن سيدنا حكيم بن حزام وعن سيدنا عثمان بن أبى العاص وعن سيدنا ثوبان وعن سيدنا معاذ بن جبل صار عن ستة من الصحابة مع عمرو بن حزم أوليس كذلك؟
ورُوى الحديث موقوفا أيضا أنه لا يمس القرآن إلا طاهر عن صحابيين اثنين
أولها عن فاطمة بنت الخطاب عليه الصلاة والسلام رضي الله عنها وأرضاها فى القصة الشهيرة التى رواها الإمام الدارقطنى وهكذا من كتب فى تراجم الصحابة من المتقدمين وانظروا الخبر فى الإصابة وغير ذلك عندما أسلمت وعلم سيدنا عمر بذلك ودخل وعليها
وقال ما هذا الذى تقرأونه وقد أخفوا الصحيفة التى يقرأون فيها كلام الله جل وعلا (طه* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) ولما ضرب أخته على رأسها وشجها ندم عندما رأى الدم يسيل من رأسها رضي الله عنه وعن أخته وعن الصحابة أجمعين
قال يعنى أعطونى هذه الصحيفة ولا أمسه بسوء فقالت له
إنك نجِس ولا يمس القرآن إلا طاهر
وفى رواية إنك رجس ولا يمس القرآن إلا طاهر
قم فاغتسل ثم اقرأ هذه الصحيفة هذا من أين قالته؟ حقيقة أولا إنما المشركون نجس ومعروف ثم حكم مقرر حتى فى العصر الأول أن كلام الله عز وحل لا يمسه إلا من كان طاهرا
والخبر الثانى عن سلمان الفارسى رضي الله عنه وأرضاه
لا يمس القرآن إلا طاهر خرج فقضى حاجته فقال له أصحابه لو توضأت حتى نسألك عن بعض آيات من كتاب الله عز وجل
قال سلونى عما شئتم فإنى لا أمسه ولا يمس القرآن إلا طاهر
اقرأ القراءة لم تحرم علينا هذا يقوله سيدنا سلمان رضي الله عنه وأثره فى سنن الدارقطنى ومستدرك الحاكم ورواه سعيد بن منصور فى سننه والإمام بن أبى شيبة فى مصنفه والإمام بن المنذر فى تفسيره وانظروا الدر المنثور الجزء السادس صفحة اثنتين وستين ومائة فى تفسير سورة الواقعة (لا يمسه إلا المطهرون)
وانظروا الكلام على الروايات الخمسة المتقدمة باستثناء رواية معاذ فما أشار إليها أحد إلا الإمام السيوطى فى الدر وأما الكتب التى سأذكرها تكلمت على رواية عمرو بن حزم والصحابة الأربعة وهم ابن عمر كما قلت وحكيم بن حزام وعثمان بن أبى العاص وثوبان رضى الله عنهم أجمعين رواية معاذ موجودة لكن فى الدر رواها الإمام بن أبى مردويه فى تفسيره مرفوعة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام
لا يمس القرآن إلا طاهر
انظروا الكلام على الروايات الخمسة الأولى فى نصب الراية للإمام المبارك الحافظ الزيلعى رحمة الله ورضوانه عليه فى الجزء الأول صفحة ست وتسعين ومائة
وأريد إخوتى الكرام أن تنظروا فى هذا الكتاب وفى الكتب التى بعده خرجت هذا الحديث من أئمة ومن معاصرين حتى تروا أنهم ما خرجوا عن تخريجه وفقط يأخذون مما فى نصب الراية ولا ينسبون إلى هذا الإمام المبارك وأمر عجب حقيقة يعنى الحافظ ابن حجر فعل هذا لكن 56:10فى الدراية اختصر كتاب نصب الراية وفى التلخيص الحبير أشار إلى ما فى نصب الراية أما المعاصرون جاؤوا وأخذوا هذا وكأنهم يخرجون تخريجا مستقلا
لا يا عباد الله هذه الروايات كلها جمعها الإمام الزيلعى انظروا إليها وقلت لكم مرارا هو خير ما أُلف فى تخريج أحاديث الأحكام نصب الراية فى تخريج أحاديث الهداية وبعد ذلك لما عُمل يعنى شىء من التحقيق للشيخ الكوثرى مع بعض المحققين من ناحية فقط الإشارة إلى يعنى الأجزاء التى يعزو إليها الزيلعى عندما يقول الحاكم، ذاك يخرج لك مباشرة يقول جزء كذا صفحة كذا هذا إذا كان الكتاب مطبوعا وإذا لم يكن مطبوعا يعنى لا يحدث فمثلا هنا طبعات الحاكم كما قلت مطبوعة فعندما يقول الحديث رواه الحاكم يبين فى الحاشية باختصار جزء كذا صفحة كذا دون أن يطيل فى نصب الراية كما قلت فى الجزء الأول صفحة ست وتسعين ومائة أخذ الكلام على هذه الأحاديث قرابة ثلاث صفحات وفى مختصره فى الدراية قلت اختصره الإمام ابن حجر فى الجزء الأول صفحة ست وثمانين وانظروا التلخيص الحبير فى الجزء الأول صفحة أربعين مائة
وأما أن هذا الحكم متفق عليه بين أئمتنا فانظروا كتب الفقه إن شئتم للإمام ابن قدامة فى الجزء الأول صفحة سبع وثلاثين ومائة وفى المجموع لشيخ الإسلام الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء الثانى صفحة ست وستين وبعض المشوشين فى هذا الحين يعنى يترخص وما أكثر المترخصين الشاذين
يقول لا يلزم أن نكون متطهرين إذا مسسنا كلام رب العالمين
وهذا عصر التفلت وعصر الجفاء وعصر البذاءة وعصر يعنى قلة الحياء والأدب يضع المصحف أحيانا يطرحه على الأرض يأتى ليصلى النافلة يأخذ المصحف يطرحه على الأرض بعد أن تصلى النافلة قم خذ المصحف وقَبِّلْهُ واجلس لا فيأتى يضع المصحف على الأرض ويصلى النافلة وتراه عندما يأخذ المصحف وأحيانا ألاحظ لعله بالمائة تسعين ممن يتلون كلام رب العالمين فى بيوت رب العالمين دع الذين لا يتلون يأتى يأخذ المصحف يمد يده الشمال يا عبد الله اتق الله يا عبد الله هذا كلام الله جل وعلا ينبغى عندما تمد يدك اليمين ترتجف أيضا إجلالا لرب العالمين عندما تمسك المصحف مددت الشمال فلما جئت طرحته على الأرض ثم جئت تصلى
هذا عصرنا إخوتى الكرام وبعد ذلك كما قلت يمسكه من غير طهارة يقول هذا الحديث ضعيف والحديث كما قلت لا ينزل عن درجة الصحة باتفاق أئمتنا بل
قال الإمام ابن عبد البر لو لم يكن إلا رواية فقط عمرو بن حزم وتلك الصحيفة فقد تلقيت بالقبول ومثلها لا يُبحث عن إسناده
هذا كلام أئمة الإسلام إخوتى الكرام وهذا كما قلت لكم فى التمهيد بالحرف يأتيك بعد ذلك مشوشين يقول لا يوجد المذاهب الأربعة كلها على وجوب الطهارة عند مس المصحف ومن خالف هذا فقد أثم وعصى الله
حادثة جرت فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وفى الروضة المشرفة يعنى فى المدينة المنورة وفى الروضة المشرفة بعض الناس كان يقرأ فى المصحف جاءت سجدة التلاوة وضع المصحف فوق الأحذية والأحذية كانت توضع فى أدراج خاصة هذا سابقا الآن ما عادت فى بين الصفوف أدراج الأحذية ،كان يوضع يعنى قطع خشبية هكذا مثل صندوق صغير يوضع عليه الأحذية بين السوارى فذاك أراد أن يسجد وضع المصحف فوق الأحذية ليس فوق درج الأحذية فوق الأحدذية مباشرة وسجد فالذى بجواره وأنا أشاهد المشهد أخذ المصحف ووضعه على ركبتيه بعد أن قبله، ذاك وهو ساجد يعلم الله وهو ساجد مد يده بقوة وضربه ووضعه فوق الأحذية ثم لما رفع يده من سجدة التلاوة يعنى وهو ساجد سيضارب وهو ساجد، بعد أن رفع رأسه من سجدة التلاوة
قال لمَ حملت المصحف
قال يا عبد الله أمَا تتقى الله تضع المصحف فوق الأحذية حمله ووضعه مرة ثانية
وقال يعنى يوجد دليل يمنع من وضع المصحف فوق الأحذية يوجد دليل أنك قليل الأدب لا تريد أكثر من هذا دليل ماذا تريد؟
يا إخوتى الأدب هذا لا يحتاج إلى دليل وقلت لكم مرارا إخوتى ينبغى أن نجعل علمنا ملحا وأدبا دقيقا الأدب هذا يحتاج إلى دليل!! سبحان ربى الجليل الأدب يحتاج إلى دليل
إذا كان الآن فى صور المسؤلين والطواغيت والحكام صورهم من أهانها ووضعها تحت رجله هذا حكمه رميا بالرصاص، إعدام من غير محاكمة من مَزَّق صورة رئيس الدولة تمزيقا متعمدا تقطع رقبته من غير محاكمة ومن مزقها من غير شعور ولا علم ولا انتباه يسجن سنة كاملة هذا فى قوانين البلاد العربية هذا إذا مزقها من غير علم جاء يعنى يفتح الدفتر تمزقت صورة رئيس الدولة أو إعلان موجود جاء ليرفعه تمزقت إذا ثبت أنه من غير عمد سنة كاملة سجنا هذا بعد تحقيقات وكلام الله يأخذه يطرحه على الأحذية ويقول ما الدليل!!!
يا إخوتى الكرام نسأل الله أن يرزقنا الأدب معه مع خلقه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين
كلام الله لا بد من تعظيمه (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
ولذلك إخوتى الكرام كلام الله محترم مقدس شرع لنا كما قلت هذا للتنبيه على ما عداه إن أردت أن تمسه ينبغى أن تكون متطهرا وجوبا لبيان منزلة هذه الشريعة المطهرة
وأما من عداه فقلت يستحب لنا أدبا أن نكون متطهرين عندما نقرأ الفقه ونقرأ الحديث ونقرأ التفسير والعلوم الشرعية يستحب لنا أن نكون على طهارة وهذا خير لنا
ويستحب إخوتى الكرام أيضا أن يقبل كلام الرحمن هذا أيضا كما قلت من احترامه من قداسة هذا القرآن وتقدم معنا أثر عن صحابى وهو عكرمة رضي الله عنه وأرضاه كان يقبل كلام الله ويضعه على وجهه ويقول كلام ربى كتاب ربى
تقدم معنا إخوتى الكرام الأثر رواه الإمام الدارمى فى سننه والحاكم فى مستدركه وقال هذا حديث صحيح الإسناد والحديث رواه الحاكم فى المستدرك كما قلت ورواه الإمام عبد الله بن الإمام سيدنا أحمد رضى الله عنهم أجمعين فى كتاب السنة ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير
إذاً فى سنن الدارمى والمستدرك وكتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير انظروا الحديث فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة خمس وثمانين وثلاثمائة قال رجاله رجال الصحيح ورواه الطبرانى مرسلا وتقدم معنا صححه الحاكم ووافقه الذهبى قال قلت ذا مرسل صحيح لكن فيه إرسال
والإرسال تقدم معنا أن التابعى وهو عبد بن عبيد الله بن أبى مليكة أليس كذلك لم يدرك ولم يسمع عكرمة رضي الله عنه وأرضاه لأن عبد بن عبيد الله بن مليكة تقدم معنا وُلد فى خلافة سيدنا على رضي الله عنه وأرضاه وقبل ذلك بقليل يعنى سنة خمس وثلاثين أوليس كذلك؟ أو قبل ذلك بقليل المقصود بعد الثلاثين وُلد وتوفى تقدم معنا سنة سبعة عشرة ومائة وحديثه فى الكتب الستة وأدرك ثلاثين من أصحاب نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه
وأما عكرمة فتقدم معنا كنت ذكرت لكم فى بعض المواعظ قلت ما استحضر والكلام الذى ذكرته موجودا إخوتى الكرام فى كتب أئمتنا قلت ما عاد استحضر توفى فى خلافة سيدنا أبى بكر أو سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه
الإمام ابن حجر يقول هذا فى كتاب تهذيب التهذيب يقول قيل استُشهد فى خلافة سيدنا عمر سنة ثلاث عشرة للهجرة وقيل سنة خمس عشرة للهجرة يعنى فى خلافة سيدنا عمر رضى الله عنهم أجمعين على كل حال على الحالتين لم يدركه ابن أبى ملكية فيوجد انقطاع لكن كما قلت يعنى تابعى يروى عن صحابى الواسطة بينهما إما صحابى وأما تابعى
كان عكرمة يأخذ كلام الله جل وعلا ويقبله ويضعه على وجهه ويقول كتاب ربى كلام ربى
ولذلك قررأئمتنا أن هذا مشروع كما أحلت سابقا إخوتى الكرام إلى كتاب التبيان فى آداب حملة القرآن غالب ظنى صفحة خمسين مائة ما ذكرت الآن ولا حددت المصدر لكن غالب ظنى هذا وذكرته أيضا فى كتاب طبقات السادة الشافعية الكبرى للإمام السبكى فى الجزء العاشر لكن فى أى صحيفة صفحة لا أستحضر
إذاً مصون محترم مقدس ولذلك كما قلت يُكرم وهو كلام الله العلى الأكرم سبحانه وتعالى
الفارق الثانى عشر كلام الله جل وعلا كما أنه محترم مقدس مصون محفوظ من التغيير والعبث وهو شرع الله لا مدخل لأحد من خلق الله فيه ما للعباد نحوه إلا البلاغ عن الله جل وعلا سبحانه وتعالى
وهذا إخوتى الكرام له اعتبار كبير فى الشرع ،الشرع إذا كان مصونا محفوظا من التغيير والعبث والتبديل حقيقة هذا هو الشرع الصالح النافع وأما إذا كان عرضة للأهواء والآراء فيعنى يحصل ما يحصل فيه من التلاعب والبلاء والافتراء
ولذلك يقول عقلاء البشر أفضل حكم وأعدله فى هذه الحياة ما كان الحاكم فيه هو القانون هو الشرع هو النظام هذا أفضل حكم القانون إذا كان هو الحاكم يحتكم الناس إليه هذا أفضل الأحكام ليس لرأى فلان وفلان إنما يوجد نظام يتبعه الناس لكن هذا القانون هذا الشرع بين حالتين
إما أن يكون من وضع الله وشرع الله وتشريع الله
وإما أن يكون من تشريع الإنسان
وشرع الإنسان ينقسم أيضا إلى قسمين
ممن يستقل به فرد كما يحصل فى الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية على تعبيرهم يستقل بوضع نظام واحد ويلزم الناس بذلك كما قال العاتى فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) الناس كلهم تبع لى
والحالة الثانية فى النظام الوضعى القانون هو الذى يحكم لكن ليس بوضع فرد إنما بوضع يعنى مجلس ينوب عن الأمة كما هو الحال فى الأنظمة التى يعتبرونها ديمقراطية ويعنى فيها برلمانات تمثل الشعب هذه الفئة هى التى تضع هذا النظام
إخوتى الكرام سواء وُضع النظام من قبل فرد أو من قبل جماعة بقى كما قلت هذا الفرد أو هذه الجماعة هى التى استعلت على الرعية وما وضع كل واحد من الرعية هذا النظام استعلت على الرعية بوضع هذا النظام وحتما عندما تضع النظام طبقة ممتازة تضع النظام على حسب رأى الأكثرية تضع على حسب ما يوافقها ويوافق أهواءها ومصالحها والواقع كذلك
ولذلك يعنى ترى دائما يأخذ هؤلاء امتيازات وحقوق ليست للمساكين المستضعفين من الفلاحين وغيرهم وهؤلاء دائما امتيازات ولهم كما يقال حصة الأسد فى الأنظمة التى اخترعوها ووضعوها لكن مع ذلك كما قلت النظام إذا كان حاكما هذا يعنى أعظم وأحسن حكم
فإذا كان النظام من الرحمن حقيقة هنا تتحقق العدالة على التمام النظام هو الذى حكم ثم لا يوجد تقديم مصلحة فرد على فرد ولا محاباة لأحد هذا شرع الله الصمد والعباد كلهم عباده فلا تفريق بين العباد كلهم مُلزمون به وهم عيال الله وهم خلق الله سبحانه وتعالى أفضا حكم أعظم حكم ما كان الحاكم فيه هو النظام ،
النظام أما أن يضعه الرحمن أو الإنسان ،
الإنسان إذا وضع نظاما إما أن يضعه واحد ويستبد أو جماعة على الحالتين إما أن يستبد بالمصالح كلها فرد أو مجموع خيرات عندهم ما خرجت عنهم والباقى لا ياكلون إلا من الفتات
وأما فى شريعة رب الأرض والسموات فلا ثم لا، يتساوى المخلوقات من أولهم لآخرهم أمام شريعة رب الأ رض والسموات فلا تفضيل ولا محاباة
إخوتى الكرام هذا أيضا لا بد من وعيه واعتباره مصون من التغيير والعبث ولذلك ليس للنبى عليه الصلاة والسلام ولا لمن عداه إلا البلاغ يقول الله جل وعلا لنبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى سورة المائدة
(إذاً بلغ ما أنزل إليك من ربك) ثم بعد ذلك يا من تدَّعون الإيمان بالكتب السماوية السابقة من إنجيل وتوراة أنتم معشر اليهود والنصارى لستم على شىء حتى تقيموا التوراة كما أنزلها مشرعها كما أنزلها رب العالمين (حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) وهو هذا القرآن الذى أنزله الله على نبيه عليه الصلاة والسلام (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين)
تقدم معنا إخوتى الكرام عن العبد الصالح سفيان وهو الثورى أو ابن عيينة رضى الله عنهم أجمعين كتبهم فى صحيح البخارى ويحتمل أن يكون هذا أو ذاك كما قال الحافظ ابن حجر ولم يقف على الأثر موصولا رضي الله عنه وأرضاه قال
هذه أخوف آية عندى فى القرآن تقيموا التوراة والإنجيل
وقلت لفظ الإقامة يراد منه توفية الشىء حقه علما وعملا وعليه يا أمة محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لستم على شىء حتى تقيموا القرآن علما وعملا كما يريد ربنا الرحمن سبحانه وتعالى أخوف آية فى القرآن ويقول الله جل وعلا فى سورة نبيه يونس على نبينا وآله وعلى نبى الله يونس وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه
ويقول الله جل وعلا فى سورة الحجر فى أوائلها
{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر/9]
إذاً إخوتى الكرام مصون من التغيير والعبث لا يستطيع أحد أن يتلاعب فيه ولا أن يغير نصوصه وأما القوانين الأخرى كما يتلاعب فيها فى جميع الأحوال والأوقات
ثبت فى الصحيحين والسنن الأربعة وانظروا الحديث فى جامع الأصول فى كتاب الحدود فى الجزء الثالث صفحة واحدة وستين وخمسمائة من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنه عندما سرقت المرأة المخزومية أَهَمَّ قريشا أمرها
فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شأنها هذه شريفة لها شأن
قالوا ومن يجرؤ أن يكلمه إلا حِب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حبه أسامة بن زيد رضي الله عنهما فكلموا أسامة فجاء كلم نبينا عليه الصلاة والسلام من أجل أن يُسقط حد السرقة عنها
فقال يا أسامة أتشفع فى حد من حدود الله
قال سيدنا أسامة رضي الله عنه وأرضاه فتمعر وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام فقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام استغفر لى يعنى أنا أخطأت فيما قلت وظننت أن الأمر فيه متسع تشفع فى حد من حدود الله عندنا آية محكمة من يستطيع أن يبدلها
{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} [المائدة/38]
أتشفع فى حد من حدود الله، استغفر لى ثم قال النبى عليه الصلاة والسلام
إنما اهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقام عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه سرقت لقطع محمد يدها عليه صلوات الله وسلامه
هذا شرع الله ينفذ على الجميع والناس يتساوون أمامه أما إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقام عليه الحد وأما يعنى سارق العلن يقطع سارق الخفاء نسف يعنى كما يقال الجمل والجَمَّال ومن بعد ذلك من سرق ربع دينار سيقطع يده سارق العلن ،أموال الأمة كلها سُرقت هذا سيأتى يقطع سارق الخفاء إنسان سرق ربع دينار تعال أنت تقطع يده وأموال الأمة التى استُبيحت وسُرقت هذا الآن لا حساب عليه
إخوتى الكرام هذا كما قلت ليس من نظام الإسلام ولا من شرع الرحمن ولو سرقت فاطمة وحاشاها رضي الله عنها وأرضاها لقطع رسول الله عليه الصلاة والسلام يدها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه
ثبت فى المسند وسنن أبى داود بسند حسن من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال
(من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضَادَّ الله فى حكمه ومن خاصم فى باطل وهو يعلم لن يزل فى سخط الله حتى ينزع ومن قال فى مؤمن ما ليس فيه حبسه الله فى ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) وهى عصارة أهل النار
(من حالت شفاعته دون حد من حدود الله) وضادت شفاعته شرع الله فقد ضاد الله فى حكمه
ولذلك إخوتى الكرام أول ما قاله سيدنا أبو بكر فى خطبته الشهيرة انظروها فى صفة الصفوة وغير ذلك فى الجزء الأول صفحة ستين ومائتين قال
(يا أيها الناس إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم أطيعونى ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لى عليكم ثم قال رضي الله عنه وأرضاه القوى فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له)
الشاهد إخوتى الكرام ثم قال إنما أنا متبع ولست بمبتدع أطيعونى ما أطعت الله فيكم
هذا إخوتى الكرام فيما يتعلق بالفارق الثانى عشر عندنا الفارق الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر كان فى نيتى أن أكمل الكلام يعنى على هذه الفروق الثلاثة فى هذه الموعظة أرجأ الكلام عليها للموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه فى مواعظ الفقه
الفارق الثالث عشر
نصوص الشريعة المطهرة تتسع لما جد ولما يجد من حوادث إلى قيام الساعة
اكتبوا هذا الفارق أشرحه ونتدارسه بعون الله جل وعلا فى الموعظة الآتية بتوفيق الله ومعونته
اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا
اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا
اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا
اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا
اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك
اللهم اغفر لمن عبد الله فيه
اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته