المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٤٨

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد إخوتى الكرام

انتهينا من دراسة الفروق بين شرع الخالق وشرع المخلوق وتبين لنا إخوتى الكرام أن الفارق بين الأمرين كالفارق بين الخالق وخلقه سبحانه وتعالى الفارق بين شرع الله عز وجل وشرع العباد كالفارق تماما بين السفاهة والحكمة وبين الجهل والعلم وبين الحياة والموت وبين الوجود والعدم وبين الهدى والردى ولا تستوى هذه الأمور المتقابلة (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)(ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)

وفى هذه الموعظة إخوتى الكرام والتى بعدها سنتدارس أمر ضروريا ينبغى أن نعيه ألا وهو ما حكم من خرج عن حكم الله عز وجل لم يحتكم إليه ولم يحكم به ولم يلتزم بهذا الشرع فى جميع شؤون حياته ما حكمه؟

من خرج عن شرع الله عز وجل له حالة من حالات ثلاث:

إما أن يعذر فيها وهى الحالة الأولى وإما أن يأثم ويوزر وإما أن يرتد ويُكَفَّر هذه ثلاثة أحوال

الحالة الأولى كما قلت هو معذور خرج عن شرع العزيز الغفور لكنه معذور لمَ؟ سأوضح هذا

الحالة الثانية خرج عن شرع العزيز الغفور لكنه آثم موزور مأزور من باب الإتباع مأجور ومأزور الحالة الأولى كما قلت معذور أما الحالة الثانية موزور لو كان هناك مأجور لصار الإتباع أوليس كذلك؟ مأزورات ومأجورات ارجعن مأزورات غير مأجورات

ص: 1

على كل حال ضبطها فى اللغة موزور من وُزِرَ إذا حمل الوزر وحُمِّلَه فهو موزور إذن موزور والحالة الثانية معذور الحالة الأولى معذور والثانية موزور والثالثة مرتد كما قلت كفور

الحالة الأولى إخوتى الكرام التى يعذر فيها الإنسان ولا يكون عليه وزر فيها ومن باب أولى لا يوصف بالكفر يعنى ولا يتحمل إثما فى هذه الحالة ومن باب أولى لا يكفر هذه إخوتى الكرام لها ثلاثة أبواب والحالة الثانية لها ثلاثة أحوال والحالة الثالثة لها خمسة أحوال وعليه عندنا إحدى عشرة حالة ينبغى أن نتدارسها لمن خرج عن شرع الله عز وجل

الحالة الأولى كما قلت التى يعذر فيها الإنسان لها ثلاثة أحوال

ضابطها إخوتى الكرام أنه لا يقصد الإنسان معصية ذى الجلال والإكرام عندما خرج عن شريعة الرحمن ما قصد معصيته، نعم هو لم يقصد المعصية لكن قد يوجه إليه اللوم فقط دون أن يترتب عليه حكم العاصى ودون أن يكون آثما قد يتوجه إليه اللوم لوجود تقصير ما منه يمكن أن يتلافاه يمكن أن يحترس منه فهذا التقصير الذى وقع فيه يوجه إليه اللوم من أجله إنما هو ما قصد معصية ربه سبحانه وتعالى قلت هذه الحالة لها ثلاث حالات لها ثلاثة أحوال:

أولها إخوتى الكرام أن يكون للإنسان عندما يخرج عن شريعة ربنا الرحمن أن يكون له تأويل فيما يمكن التأويل فيه فأخطأ فى التقدير فالله عفو سبحانه وتعالى غفور أمر يمكن أن يكون للتأويل فيه مجال فتأول كما قلت فى بداية الأمر الضابط ما قصد معصية الله عز وجل لكنه انحرف عن حكم الله وأخطأ فيما فعل ولو تعمد هذا الأمر لكان من الضالين ولو استباحه لكان من الكافرين انتبه لكن هو يرى أنه مباح يرى أنه حلال، دخل عنده تأويل فيه نعم أخطأ وما فعل الأمر الشرعى كما قلت معذور قد يُلام لأنه كان ينبغى أن يحتاط على التمام

مثال هذا إخوتى الكرام وسأمثل لكل يعنى حالة من هذه الأحوال بقصة وقعت فى العصر الأول وبحديث يدل عليها وقيسوا بعد ذلك عليها ما يشبهها

ص: 2

مثال ذلك قصة حِبِّ رسول الله وابن حَبِّه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قصة سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه عندما قتل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام قتله بنوع تأويل هو يرى أنه قال هذه الكلمة متعوذا وأنه قالها فى وقت لا ينفعه الإيمان لأنه ادرك الآن أن حياته ذهبت فصار حاله كحال من بلغت روحه الحلقوم فآمن بالحى القيوم فإيمانه لا يقبل منه ولا ينفعه فتأول وقتل من نطق بكلمة الشهادة هو معذور، حقيقة لكن وُجِّه إليه اللوم من قِبل نبينا المبرور على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه استمعوا إلى الحديث الوارد فى ذلك رواها الإمام أحمد فى مسنده ورواه الشيخان فى الصحيحين ورواه الإمام أبو داود فى سننه والنسائى فى السنن الكبرى ورواه الإمام ابن أبى شيبة فى مصنفه والإمام ابن منده فى كتاب الإيمان ورواه البيهقى فى السنن الكبرى ورواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده والبزالر فى مسنده أيضا وانظروا الحديث فى جامع الأصول فى الجزء الثامن صفحة خمس وخمسين وثلاثمائة

ولفظ الحديث من رواية سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَة وفى بعض الروايات كما سأتينا إلى الحرقات من جهينة والحرقة والحرقات قبائل من قبيلة جهينة سميت بالحرقة والحرقات لأنهم اقتتلوا فى الجاهلية مع بنى مرة بن عوف فأحرقوهم بسهامهم وسيوفهم من كثرة ضرب السهام والسيوف صار فيهم مقتلة عظيمة كأنه شب فيهم حريق فقيل لهم الحرقة والحرقات

يقول سيدنا أسامة بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة إلى الحرقات كما قلت من الرواية الثانية من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين رجل منهم من جهينة فلما غَشِيناه قال لا إله إلا الله لما صرنا يعنى فوقه وشهرنا عليه السيوف لنضربه قال لا إله إلا الله

ص: 3

فكف عنه الأنصارى وأحسن فيما فعل وليت سيدنا أسامة كف عنه أيضا

قال وطعنته برمحى وفى بعض الروايات سيأتينا يقول فلما رفعت عليه السيف قال لا إله إلا الله فطعنته برمحى

والجمع بين الروايتين كما قال الحافظ ابن حجر:

رفع عليه السيف ليضربه فأفلت منه وهرب فلئلا يفلت منه رماه بالرمح فقتله وإلا هو أراد فى أول الأمر أن يخرق رأسه بالسيف علاه بالسيف قال لا إله إلا الله فشرد فتبعه ورماه بالرمح فأصابه فقتله

يقول فطعنته برمحى حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان متعوذا

وفى رواية إنما قال ذلك خوفا من السلاح

وفى رواية إنما قال ذلك ليحرز دمه

فقال النبى عليه الصلاة والسلام يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله فما زال يكررها حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل اليوم

وفى رواية قال سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سرية وهى القطعة من الجيش تذهب للغزو فى سبيل الله عز وجل فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا منهم فقال لا إله إلا الله فطعنته برمحى فوقع فى نفسى من ذلك يعنى بعد أن قتله سيدنا أسامة هو أيضا استشكل قتله قال لعله الآن صار من عباد الله الموحدين كيف قتلته بعد أن وحد رب العالمين

فذكرت ذلك للنبى الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقال لا إله إلا الله وقتلته

قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قالها خوفا من السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟

ص: 4

أقالها هنا القائل هو القلب يعنى أقالها قلبه واعتقد بها ونطق بها أم لا فأنت الآن سمعت نطق اللسان لكنك تشك فى اعتقاد الجنان هلا شققت عن قلبه لتعلم أقالها القلب أيضا أم لا وهل اعتقد أيضا هذا القول فى قلبه أو هو مجرد نطق بلسانه فما زال يكررها عليه أقال لا إله إلا الله وقتلته ،أقال لا إله إلا الله وقتلته يكرر نبينا عليه الصلاة والسلام هذا الكلام على سيدنا أسامة حتى تمنيت أنى أسلمت يومئذ يعنى أسلمت فى هذه الحالة وما جرى منى سابقا ما جرى لئلا أعاتب هذه المعاتبة قال فقال سعد يعنى ابن أبى وقاص رضى الله عنه وأرضاه وأنا والله لا أقتله مسلما حتى يقتله ذو البُطَين والبطين هو سيدنا أسامة لقب له لأنه كان له بطن رضى الله عنه وأرضاه فسيدنا أسامة بعد هذا الحديث حقيقة بدأ يرتجف من رفع يده ليس سيفه على من ينطق بتوحيد ربه

ولذلك هو من جملة الذين مَن اعتزلوا الفتن التى وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وسيدنا سعد تبعه قال:

أنا لا أقتل أحدا حتى يقتله ذو البطين

هذا أدبه النبى عليه الصلاة والسلام تأديبا عظيما فأثر ذلك التهديد فى نفسه فمَن قتله سيدنا أسامة أنا أقتله وأما إذا هو امتنع عن القتال فأنا لا أقاتل

وحقيقة انتفع كما قال الإمام الذهبى فى السير فى ترجمة سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه قال انتفع سيدنا أسامة بعتاب النبى عليه الصلاة والسلام له فأحسن وجلس عن المشاركة فى الفتن التى وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين

قال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعنى أسامة قال فقال رجل يعنى لسيدنا سعد:

ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟

فقال سعد قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة

ص: 5

والفتنة هى الشرك والكفر وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة فأنتم تقتتلون من أجل مُلك ومن أجل حكم ونحن قاتلنا ليكون الدين كله لله فنحن ننكف عن القتال ولا نشارك فى هذه الفتن التى تجرى بين المسلمين

هذا الحديث كما قلت إخوتى الكرام من رواية سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه فعل ما فعل ما أوجب النبى عليه الصلاة والسلام عليه القصاص بل ولا الدية على المعتمد وإن بحث الإمام ابن التين فى ذلك وقال ما ذكرت الدية لكن يعنى هى معلومة، لا لم يجب عليه دية ولا قصاص من باب أولى ولا إثم عند الله وهو كما قلت خالف شرع الله لكنه معذور تأول فيما فيه مجال للتأويل

هو الآن أمام قضية واقعة إنسان من المشركين سيأتينا حاله فى حديث جندب رضى الله عنه ليس من المشركين العاديين عمل فى المسلمين عملا فظيعا شنيعا كان يقتل نهم مقتلة عظيمة ينقض على هذا فيقتله وعلى هذا فيقتله يعنى قتل من الصحابة عددا فتبعه سيدنا أسامة والأنصارى رضى الله عنهم أجمعين بعد أن قتل عددا من الصحابة كما سيأتينا فى رواية جندب فلما رفع السيف عليه قال لاإله إلا الله

حقيقة يوجد مجال للتأويل أنه الآن ما قالها إلا ليحرز دمه وخوفا من السيف وهو الآن أدرك أن حياته قد انتهت فإيمانه ميؤوس منه الآن لا يقبل لأنه يأس من الحياة فإذن فى مجال للتأويل ضربه

حقيقة كما قلت لا إثم عليه لا ذنب عليه لا يترتب على هذا القتل أى حكم لكن مع ذلك لامَهُ نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه كان بإمكانه أن يتريث وأن يحتاط وإذا تركه سيكون ماذا؟

إذا عاد إلى الكفر يُقتل وإذا آمن فهذا الذى نريده ومن أجل هذا بُعث نبينا عليه الصلاة والسلام بُعث ليقول الناس لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فعلامَ تتسرع؟ لامه لكن كما قلت وهو معذور وهنا الآن خالف شرع العزيز الغفور وقد عاتبه نبينا عليه الصلاة والسلام عتابا شديدا

ص: 6

واستمع للرواية التالية رواه الإمام مسلم فى صحيحه وهكذا الإمام ابن منده فى كتاب الإيمان وانظروا كتاب الإيمان صفحة تسع ومائتين من الجزء الأول، الحديث الذى ذكرته قبله مباشرة فى كتاب الإيمان أيضا للإمام ابن منده وتقدم معنا خرَّج حديث سيدنا أسامة وهذا حديث سيدنا جندب بن عبد الله البجلى رضي الله عنهم أجمعين

عن جندب بن عبد الله البجلى رضي الله عنه أنه بعث إلى عسعس بن سلامة زمن فتنة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين عسعس بن سلامة اختُلف فى صحبته قيل إنه صحابى والذى ذهب إليه الأكثر أنه تابعى وأرسل أحاديث عن النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

لذلك قال الذهبى فى تجريد أسماء الصحابة فى الجزء الأول صفحة واحدة وثمانين وثلاثمائة تابعى أرسل عسعس بن سلامة وانظروا ترجمته إخوتى الكرام فى الإصابة فى الجزء الثانى صفحة ثمانين وأربعمائة ونقل عن الإمام ابن عبد البر أن حديثه مرسل وقيل له رؤيا للنبى عليه الصلاة والسلام إذا ثبتت رؤيته للنبى عليه الصلاة والسلام فهو صحابى

قال شيخ الإسلام الإمام النووى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه فى شرح صحيح مسلم فى الجزء الثانى صفحة أربع ومائة وقلت إن الحديث فى صحيح مسلم قال عسعس من الأسماء المفردة التى لا يُعرف لها نظير يعنى لا يوجد اسم آخر عسعس يشابهه فى ذلك لا يوجد أحد يشابهه فى هذا الإسم، لا من الصحابة ولا من التابعين، اسمه عسعس بن سلامة

أرسل إليه جندب بن عبد الله فى زمن فتنة سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين فقال جندب لعسعس

اجمع لى نفرا من إخوانك حتى أحدثهم من أجل ألا يشاركوا فى الفتن التى وقعت فى أواخر عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فبعث عسعس رسولا إليهم أى إلى أصحابه وجمعهم

ص: 7

فلما اجتمعوا جاءه سيدنا جندب بن عبد الله البجلى وعليه برنس والبرنس إخوتى الكرام قَلَنسُوة طويلة كان النُّساك والزهاد والعُباد قلنسوة توضع على الرأس طويلة، كان النساك يلبسونها فى أول الإسلام قلنسوة طويلة يقال لها برنس فجاء وعليه برنس أصفر يعنى قلنسوة وطاقية صفراء

فقال تحدثوا بما كنتم تتحدثون به

جندب يقول لأصحاب عسعس بأى شىء كنتم تتحدثون أكملوا حديثكم حتى دار الحديث ووصل إلى جندب يتفاوضون

فلما دار الحديث إليه حَسَرَ البرنس عن رأسه وقال إنى أتيتكم ولا أريد أن أحدثكم إلا عن نبيكم عليه الصلاة والسلام يعنى فقط أريد أن أروى هذا الحديث عن النبى عليه الصلاة والسلام لتنتبهوا إلى حالكم ولا تتورطوا فى الفتن فيما بينكم

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين وإنهم التقوا التقى الجيشان الموحدون والكافرون

فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله إذا أراد أن يقتل أحدا قصده فقتله وأجهز عليه

وإن رجلا من المسلمين قصد غفلتهم

هذا المشرك الذى قتل ما قتل من المسلمين الصحابة الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين وإن رجلا من المسلمين قصد غفلتهم قال وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد هو أسامة

تقدم معنا الحديث فى الصحيحين وغيرهما فلما رفع عليه السيف قال لاإله إلا الله فقتله سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه فجاء البشير إلى نبينا البشير النذير عليه صلوات الله وسلامه

فسأله وأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع فدعاه فسأله فقال لمَ قتلته؟ فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجع فى المسلمين وقتل فلانا وفلانا وفلانا

عمل فيهم مقتلة عظيمة وأوجع فيهم وفجعنا فى إخواننا

وسمى له نفرا وإنى حملت عليه فلما رأى السيف قال لاإله إلا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته قال نعم قال فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة

ص: 8

هذه ستكون الآن تخاصم وتحاج وتجادل عن صاحبها وأنت قتلته بعد أن وحد ربه

كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟

فقال سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى ما استغفر له كما ستسمعون

وكما قلت لامه من أجل أن يحذر الأمة بعد ذلك من الوقوع فى مثل هذا

قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى قال يا أسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال فجعل لا يزيده على أن يقول كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ما زاد على هذا والنبى عليه الصلاة والسلام يكرر هذا على سيدنا أسامة بن زيد رضى الله عنه وأرضاه

إخوتى الكرام كما قلت تأوَّل فيما فيه مجال للتأويل وأخطأ فهو معذور لكن قد يتوجه إليه اللوم دون الإثم والذنب والمعصية عليه يتوجه إليه اللوم لأنه كان بإمكانه أن يحتاط وأن يتريث لئلا يقع فيما وقع فيه

قال الإمام ابن التين كما حكى ذلك عنه الحافظ فى الفتح فى الجزء الثانى عشر صفحة خمس وتسعين ومائة

قال فى هذا اللوم تعليم وإبلاغ فى الموعظة حتى لا يُقدم أحد على قتل من تلفظ بكلمة التوحيد هذا حقيقة هذا اللوم الشديد هذا فيه تعليم وإبلاغ للأمة حتى يحتاطوا ولا يتساهل أحد لى قتل مَن يوحد الله عز وجل

وقال الإمام القرطبى فى المُفهِم كما نقل ذلك عنه أيضا الحافظ ابن حجر فى الفتح فى تكريره ذلك كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة والإعراض عن قبول العذر زجر شديد عن الإقدام على مثل ذلك سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه كما قلت فعل ما فعل متأولا فكان يرى أنه إذا نطق الإنسان بلا إله إلا الله فى هذا الموطن لا تقبل منه لأنه يعنى يقولوها تعوذا، يقولوها خوفا من السلاح، يقولوها عندما آيس من حياته والله جل وعلا يقول

فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا

ص: 9

فإذن حمل الأمر على ذلك عنده كما قلت مبررات لفعله هذه المبررات حقيقة أسقطت عنه الذنب والمعصية وعقوبة الله جل وعلا

لكن كما قلت إنه فى فعله مخطىء وهو معذور وهذا مع أنه خرج فيه عن شرع العزيز الغفور، لا إثم عليه لما تقدم معنا من اعتبار ألا وهو تأويل فيما فيه مجال للتأويل قد يلام أحيانا إذا يعنى فرط وما احتاط فلامه نبينا عليه الصلاة والسلام دون أن يترتب على ذلك أحكام القتل الشرعى

هذه الحالة الأولى إخوتى الكرام من الأحوال الثلاثة التى يعذر فيها الإنسان عندما يخالف شرع الرحمن شرع الله لا بد أن نلتزم به كما قلت إذا خرج الإنسان عنه حكما به تحكيما له ما حاله كما قلت له ثلاثة أحوال حالة يُعذر وحالة يوزر يأثم ويوزر وحالة يرتد ويكفر فالحالة الأولى التى يعذر فيها أيضا لها ثلاث حالات الحالة الأولى أن يكون متأولا فيما فيه مجال للتأويل كما حصل من سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه

يدخل فى هذا يعنى أمثلة كثيرو منها ما حصل لسيدنا حاطب بن أبى بلتعة وأمر عظيم عظيم حقيقة إخوتى الكرام ولا أريد أن أذكر قصته إنما قصته صحيحة ثابتة فى المسند والكتب الستة إلا سنن الإمام ابن ماجة وهى فى غير ذلك فى دواويين السنة عندما كاتب المشركين يخبرهم أن نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يتجهز لغزوهم وفتح مكة المكرمة

ص: 10

حقيقة هذا الكتاب يعنى لو وصل للمشركين ونبينا الأمين عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد غزوة وَرَّى وما أعلم الناس بأمره من أجل ألا يكشف السر الحربى من أجل أن يباغت هؤلاء ولا يعد العدة لمقابلته عليه صلوات الله وسلامه وبعد أن هم نقضوا العهد وبدأوا بالخديعة والمكر إذا كان كذلك ما يبنغى أن يبلغهم الخبر فحاطب كتب ونبينا عليه الصلاة والسلام أعلمه بذلك ذو الجلال والإكرام فلما علم بذلك وأرسل سيدنا عليا والزبير والمقداد رضي الله عنهم أجمعين وقال ظعينة يوجد فى مكان كذا فى روضة خاخ إذا قابلتموها هناك معها كتاب حاطب رضى الله عنه وأرضاه وفعلا بعد أخذوا الكتاب منها وعادوا، امرأة ذاهبة إلى مكة قال له نبينا عليه الصلاة والسلام:

ما حملك على هذا وهو مهاجرى بدرى رضى الله عنه وأرضاه فاعتذر وتأول فيما فعل

وقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام جميع أصحابك لهم عشيرة وأنصار فى مكة إلا أنا فأنا ملصق بقريش لست منهم فخفت يعنى على أهلى وعلى أولادى فأردت أن اتخذ عندهم يدا وأنا على علم أن الله سينصرك ويؤيدك فهذا الفعل ينفعنى ولا يضرك فالنبى عليه الصلاة والسلام حتما التمس له العذر وأنه أخطأ وسيدنا عمر رضي الله عنه أن يعامل الواقعة بما تستحق فى الظاهر

فقال دعنى اضرب عنقه يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد نافق وكفر

قال وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم

الشاهد هذا أيضا فعل منه رضى الله عنه وأرضاه عذره نبينا عليه الصلاة والسلام بنوع تأويل ولو لم يفعل هذا بتأويل لخرج من شرع الله الجليل كونه يدل المشركين على يعنى ما يبيته ويريد أن يفعله نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام هذا خروجا من دين رب العالمين كما قلت بنوع تأويل

ص: 11

إخوتى الكرام هكذا ما حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من فتن فيما بينهم رضى الله عنهم وأرضاهم بنوع تأويل وهم فى الجنة إخوانا على سرر متقابلين رضى الله عنهم وأرضاهم بنوع تأويل

نعم لو لم يقع هذا لكان أحسن لكن وكان أمر الله قدرا مقدورا لو لم يقتل سيدنا أسامة هذا الموحد لكان أحسن،

لو لم يكتب حاطب بن أبى بلتعة رضى الله عنه وأرضاه لكان أحسن لكن البشر محل الخطأ إذا ما تعمد القلب المعصية

قلت الضابط فى هذه الأحوال الثلاثة أن الإنسان لا يقصد المعصية إنما يتأول فيخطىء فيقع فى المعصية فعلا لا قصدا ولا نية ولا عزيمة، هو ما أراد المعصية ولا أراد الانحراف عن شرع الله عز وجل لكنه وقع فى المعصية لكنه انحرف لكنه أخطأ ،بما أنه لم يقصد غفر له فعله، قد يوجه إليه كما قلت اللوم لأنه كان بإمكانه أن يحتاط وعنده تقصير ما ولو احتاط حقيقة لسلم من الخطأ ومن اللوم،

كان بإمكان حاطب أن يقول للنبى عليه الصلاة والسلام:

يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه هل للأمر سعة إن أردت أن اتخذ يدا عند المشركين وأن أكتب لهم بما يعنى تنوى وتعزم عليه هل فى ذلك سعة وأنا يعنى هذا ينفعنى ولا يضرك ولا يضرنا نحن معشر المسلمين كان بإمكانه أن يسأل وأن يأتى الأمر من بابه لكنه كما قلت تأول، فهذا حال البشر بما فيه مجال للتأويل هو يعلم أن الله سينصر رسوله عليه الصلاة والسلام سواء علم المشركون أو لم يعلموا،

فقال إعلامى لهم لا يضر المسلمين وأنا انتفع فكأنه صار لى عندهم مصلحة ولى عندهم يد والنبى عليه الصلاة والسلام منصور منصور رغم أنف الكبير والصغير لكن هذا كما قلت خطأ جرى منه رضى الله عنه وأرضاه

هذه حالة أولى إخوتى الكرام من الحالات الثلاث التى يُعذر فيها الإنسان كما قلت ليس عليه إثم ومن باب أولى لا يكفر بالله عز وجل

الحالة الثانية أن يجهل الإنسان شرع الله الجليل

ص: 12

وذلك الجهل دون إعراض منه أو تقصير وما أعرض عن تعلم شرع الله وما قصر فى يعنى طلب شرع الله لكن جَهِل وهذا الجهل كما قلت يعنى ليس هو من ديدنه لإعراضه عن دين ربه لأنه لا يسأل، لا يتعلم، لا، هو يسأل ويتعلم لكن فى بعض المسائل جَهِل ففعل ما فعل بناء على جهل منه فهو معذور لكن قد يوجه إليه لوم وقد لا يوجه على حسب حاله على حسب الواقعة التى تجرى منه

مثال هذا إخوتى الكرام ما جرى من عدد من الصحابة الكرام فى أول الأمر نحو فريضة الصيام يقول ربنا الرحمن

{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة/187]

إلى هنا نزلت الآية ولم ينزل بقيتها وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود (من الفجر)

كلمة من الفجر ورد أنه كان بين يعنى نزولها ونزول الآية سنة كاملة كما قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر

كلمة من الفجر اتركها الآن لم تنزل فى أول الأمر وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد

الآية بكاملها دون كلمة من الفجر هذه نزلت بعد ذلك

إذن وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود إلى هنا هذا الذى نزل

فاستمع لما وقع من عدد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين

روى الإمام الواحدى فى أسباب النزول والأثر رواه البغوى فى معالم التنزيل والطحاوى فى شرح معانى الآثار والبيهقى فى السنن الكبرى عن سيدنا سهل بن سعد رضى الله عنه وأرضاه والحديث إسناده صحيح

قال أنزلت هذه الآية وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل من الفجر

ص: 13

إخوتى الكرام الحديث كما قلت رواه الواحدى فى أسباب النزول والبغوى فى معالم التنزيل والطحاوى فى شرح معانى الآثار والبيهقى فى السنن الكبرى ينبغى أن يضاف إلى ما هو أولى بالإضافة إليه من هذه الكتب الحديث فى الصحيحين أيضا فى صحيح البخارى وصحيح مسلم وهو فى سنن النسائى ورواه الطبرى أيضا فى تفسيره وهكذا الإمام ابن المنذر وابن أبى حاتم، انظروا الحديث فى جامع الأصول فى الجزء الثانى صفحة سبع وعشرين وعليه فهو فى أعلى درجات الصحة

إذن أنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أراد أحد منهم الصوم ربط أحدهم فى رجليه خيطا أبيضا وخيطا أسودا يربط فى رجله خيطين خيط أبيض خيط أسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رِئيهما فأنزل الله جل وعلا من الفجر فعلموا أنه يراد بهما سواد الليل من بياض النهار

إذن فى أول الأمر يربط خيطين برجله خيط أبيض خيط أسود لا يزال يأكل حتى يتبين له رِئيهما أى منظرهما شكلهما كما قال الله جل وعلا {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا *وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا} [مريم/73-74]

ورئيا منظرا حتى يتبين له رئيهما أى منظرهما هذا كما قلت إخوتى الكرام معنى رئيهما

قال الإمام النووى وضُبط حتى يتبين له زيهما بالزاى أى شكلهما رئيهما زيهما وضُبط أيضا بالراء مكسورة ومفتوحة رِ ورَ وبعدها همزة وياء مشددة يصبح رِئيِّهما رَئيِّهما

قال الخطابى وهذا خطأ لأن الرِئى هو التابع من الجن قال وإذا ثبتت الرواية فيراد حتى يتبين رِئيهما كما تقدم معنا رئيهما يعنى نظرهما وشكلهما

على جميع الرويات رِئيهما زيهما رِئيهما رَئيهما يعنى شكلهما منظرهما حتى يتميز أحد الخيطين عن الآخر حتى يظهر سواد الخيط الأسود وبياض الخيط الأبيض

ص: 14

هذا كانوا يفعلونه فى أول الأمر ليس جميع الصحابة إنما جرى هذا من بعضهم كان رجال إذا أراد أحد منهم الصوم ربط فى رجله خيطا أبيضا وخيطا أسودا فلا يزال يأكل حتى يتبن له رِئيهما زيهما رِئيهما رَئيهما فأنزل الله جل وعلا بعد ذلك

وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر

فعلموا أن الله جل وعلا أراد بذلك سواد الليل وبياض النهار.

هذه حادثة

حادثة أخرى

ثبتت فى مسند الإمام أحمد والكتب الستة إلا سنن الإمام ابن ماجة والحديث رواه الإمام الدارمى فى سننه والإمام ابن عيينة فى تفسيره وسعيد بن منصور فى سننه والإمام ابن أبى شيبة فى مصنفه وهو فى تفسير الطبرى وابن المنذر وابن أبى حاتم رواه عبد بن حميد فى مسنده والبغوى فى معالم التنزيل والحميدى فى مسنده والطحاوى فى شرح معانى الآثار والبيهقى فى السنن الكبرى وهو كالحديث الذى قبله فى أعلى درجات الصحة فهو فى الصحيحين ذاك من رواية سهل رضى الله عنه وأرضاه عن رجال من الصحابة كانوا يفعلون وهذا من رواية عدى بن حاتم عن نفسه

يقول عدى رضى الله عنه وأرضاه لما نزلت

وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى تمام الآية هنا

يقول عمدت إلى عقال أسود ما يعقل به البعير ويربط به يعنى إلى حبل أسود وإلى عقال أبيض عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتى وجعلت أنظر من الليل إليهما حتى يتميز أحد العقالين عن الآخر أرى العقال الأسود من العقال الأبيض فلا يستبين لى فجعلت آكل ما يتبين لى العقال الأبيض من العقال الأسود فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار

حتى يتبين لكم الخيط الأبيض بياض النهار من الخيط الأسود سواد الليل

ص: 15

يعنى إذا انشق عامود الفجر ولاح النور فى الأفق ضياء الصبح هذا هو الخيط الأبيض ليس هو عقال أبيض وعقال أسود تأكل حتى يتميز لك هذا من هذا

وفى رواية فى صحيح البخارى أنه أخذ عقالا أبيضا وعقالا أسودا

يقول حتى كان بعض الليل فجعل سيدنا عدى ينظر إليهما فلم يستبينا فبدأ يأكل فلما أصبح ذكر ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام وقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام جعلت تحت وسادى عقالا خيطا أبيضا وخيطا أسودا عقالا أبيضا وعقالا أسودا،

فقال النبى عليه الصلاة والسلام

إن وسادك لعريض أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادتك

يعنى إذا كانت هذه الوسادة ستغطى الليل والنهار حقيقة هذه عريضة هذا الذى يُقصد إن وسادك لعريض أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادتك

يعنى أنت جعلت خيطين خيطا أبيضا وخيطا أسودا عقالا أبيضا وعقالا أسودا وظننت أن المراد هو الخيط الحقيقى المعروف والحبل المعروف ليس كذلك، المراد هنا سواد الليل وبياض النهار وإذا كان وسادك سيغطى سواد الليل وبياض النهار ولا ترى يعنى هذين فوسادك عريض حقيقة يعنى سيغطى الدنيا وما عليها

إن وسادك إذاً لعريض أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادتك

وفى رواية فى صحيح البخارى

قال سيدنا عدى رضى الله عنه وأرضاه يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان يعنى المعروفان حبلان معروفان قال إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ،لا هما سواد الليل وبياض النهار

ص: 16

إخوتى الكرام فى هذين الحديثين يعنى إشكال ينبغى أن نَزِيله ثم بعد ذلك نتدارس هذا الأمر وأنه ما جرى من الصحابة من سيدنا عدى رضى الله عنهم أجمعين يُعذرون فى ذلك ولا لوم عليهم لأنهم فهموا كما قلت ما فى لغتهم من أن الخيط يطلق على الخيط على الحسى المعروف كما أنه فى لغة العرب يطلق الخيط الأسود على ظلام الليل ويطلق الخيط الأبيض على نور الفجر فلعله فى لغة بعض قبائل العرب لا يطلق هذا أو يطلق هذا الإطلاق لكن غفلوا عنه واستحضروا المعنى الثانى الشاهد جهل المراد لكن هذا الجهل دون كما تقدم معنا إعراض عن العلم هو يتعلم وكما قلت يعنى إذن جهل فى قضية خاصة ،الجهل كما يقال قد يكون له ما يبرره له فيه عذره فيه سبب يعذر الإنسان عندما جهل فى هذه القضية

كما قلت عندنا فى هذين الخبرين إشكال،

الإشكال هو إخوتى الكرام إسلام سيدنا عدى كان فى العام التاسع أو العاشر من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام للعام التاسع أو العاشر للهجرة فى أواخر حياة نبينا عليه الصلاة والسلام وفريضة الصيام كانت فى العام الثانى من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام وعليه هناك يعنى وقت متباعد بين ما جرى من الصحابة فى حديث سيدنا سهل وبين ما جرى من سيدنا عدى أوليس كذلك؟

ص: 17

أولئك عند نزول آية الصيام لم ينزل من الفجر نزلت بعد ذلك أما هنا كانت نازلة وعدى رضى الله عنه وأرضاه عَلِمَها لكن مع ذلك ما انتبه لهذه اللفظة وفهم أن المراد من الخيط الأسود الخيط الحقيقى والخيط الأبيض كذلك الخيط الحقيقى ولم ينتبه لكلمة من الفجر أما من قبله لم تنزل كلمة من الفجر فلما نزلت عرفوا أن المراد سواد الليل من بياض النهار وعليه كما قلت إخوتى الكرام فعل سيدنا عدى متأخر عن فعل الصحابة الذين ذُكروا فى حديث سيدنا سهل بن سعد فإن قيل كيف هذا وقد حصل هذا لأناس قبله أقول لعله ما بلغه حديثهم يعنى هو آمن بنبينا عليه الصلاة والسلام وفريضة الصيام نازلة من ثمانى سنين إذا آمن فى العام العاشر من الهجرة فهذه الفريضة هذه الآية تُليت عليه ففهم منها ان المراد يعنى خيطان حقيقيان فذهب إلى بيته وأحضر عقالا أبيضا وعقالا أسودا وبدأ يأكل حتى يتميز له أحدهما عن الآخر فذكر ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام فقال له إن وسادك إذاً لعريض إنك لعريض القفا

هنا إخوتى الكرام كما سيأتينا فى حديث سيدنا عدى شىء من لوم نبينا عليه الصلاة والسلام لعدى بينما فى حديث سيدنا سهل عن الصحابة ما لامهم نبينا عليه الصلاة والسلام لمَ؟

لأن أولئك حقيقة جهلوا ولم تكن الآية نازلة من الفجر فجهلهم يعنى قد يكون لهم فيه كما قلت عذر معتبر أما هنا يعنى يوجد شىء من التقصير هو لو تدبر الآية تماما لعلم أن كلمة من الفجر لا يراد منها خيط حقيقى أبيض وأسود

ولذلك عرض به نبينا عليه الصلاة والسلام قال إن وسادك لعريض يعنى أنت الآن إذا كان وسادك سيسد الآن الأفق بكامله ولم يظهر سواد الليل من بياض النهار، ما أعظم هذا الوساد وقيل وهو تأويل ثانى كما قاله الإمام الخطاب إنك لعريض القفا

ص: 18

والقفا إخوتى الكرام المكان الذى يضعه الإنسان يعنى على من رقبته وصفحة الرقبة على الوسادة كأنه يريد أن يعنى يُعرض بأنه عنده شىء من الغباء رضى الله عنه وأرضاه وهذا التعريض من نبينا خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام

يقول أنت ما تأملت يعنى المراد بشىء من يعنى عدم الفطنة التامة والأمران كما قلت أشار إليهما الخطابى رضي الله عنه وعن أئمتنا وبعض أئمتنا يعنى اعتبر الأول قال هذا إن وسادك لعريض الوساد يعنى كما قلت يراد منه الذى ينام عليه الإنسان يعنى المخدة فكأنه يقول إذا كان وسادك سَيسد الأفق بكامله وهو عريض فى ذلك تعريض بسيدنا عدى

وأما فى اللفظ الثانى إنك لعريض القفا وسادك أيضا لعريض يعنى من الوساد من يتوسد على الوساد إنك إذاً ما بذلت فطنة من أجل أن تعرف المراد فصار شىء كما يقال من اللوم والتعريض فى حق سيدنا عدى لأن كلمة من الفجر كانت نازلة وهو يقول تليت علَىَّ وأنا قرأت الآية لكن ظننت أن المراد يعنى الخيط الأبيض الخيط الحقيقى المعروف العقال الذى يربط فيه البعير وهكذا الخيط الأسود رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين

إخوتى الكرام هذه الحادثة التى جرت من الصحابة وكما ترون يعنى قصروا فى فريضة الصيام وأكلوا بعد طلوع الفجر بنوع تأويل ووقع عندهم جهل بشرع الله الجليل لكن دون إعراض عن شرع الله دون تقصير فى تعلُّم شرع الله تعلم الآية لكن بعد ذلك ما نزلت كلمة من الفجر،

لعله كما قلت فى لغة بعض القبائل أنه لا يطلق الخيط الأبيض على نور الفجر ولا يطلق الخيط الأسود على ظلام الليل لعله، ففهم من هذين الخيطين ما هو معروف له فى لغته فقال إذن يستمر وقت الأكل والشرب، وقت الطعام، وقت الإباحة، وقت الفطر إلى أن يتبين لى رؤية هذين وهذا سيكون متى؟

ص: 19

يعنى فى الإسفار الكثير بحيث يقارب طلوع الشمس يعنى بعد طلوع الفجر بنصف ساعة وأزيد يرخص للإنسان أن يكون إذن حتى يتبين له هذا الخيط من هذا الخيط هذا كماقلت إخوتى الكرام أيضا خالف لكن هذه المخالفة بنوع جهل من غير إعراض وتقصير فهو أيضا معذور ولا لوم عليه عند العزيز الغفور ولا ذنب عليه عند العزيز الغفور سبحانه وتعالى

ويدخل فى هذا إخوتى الكرام ما تقدم معنا الحديث الثابت فى الكتب الستة وهو فى المسند وغير ذلك من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فى شفاعة سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه للمخزومية عندما سرقت وأراد نبينا عليه الصلاة والسلام أن يقطع يدها تقدم معنا قالوا يعنى من يكلم رسول الله عليه الصلاة والسلام فى شأنها قالوا ومن يجرؤ إلا أسامة حِب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حِبه فلما كلم سيدنا أسامة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

قال يا أسامة أتشفع فى حد من حدود الله إنما أهلك من كان قبلكم إذغ سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه سرقت لقطع محمد يدها

على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

إخوتى الكرام قال سيدنا أسامة كما تقدم معنا بعد ذلك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام استغفر لى هنا أيضا تدخل فى هذا الأمر وتوسط وشفع ولا يجوز له أن يشفع فى حد بعد أن يرفع إلى الإمام ومن شفع فى حد بعد أن يرفع إلى الإمام يلعن الشافع والمشفِّع يعنى أيضا لو قَبِلَ الإنسان شفاعته يلعن أيضا فلا يجوز أن يشفع، الشافع يلعن الذى يقبل الشفاعة يلعن من ولى الأمر إذا رفعت إليه قضية هذا لا بد إقامة حكم الله فيها

ص: 20

طيب الآن هذا الذى جرى من سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه كما قلت جهل بالحكم ولا تعمد مخالفة ولا معصية وظن أن الأمر يعنى لا مانع من الشفاعة فيه إذا شفع فى ذلك فنبينا عليه الصلاة والسلام أخبره أن الشفاعة لا تنبغى فى هذه الحالة وإذا يعنى إذا قُبلت شفاعتك يصبح حالنا كحال بنى اسرائيل من له وساطة يعنى يُعفى من الحد ومن هو مسكين يُقام عليه الحد لا بد من إقامة الحد عليها وعلى غيرها إذا بلغ الأمر للإمام والمسؤول كما قلت هذا يدخل أيضا فى هذا النوع أنه بنوع جهل ما عرف الحكم فهو أيضا معذور ورحمة الله واسعة

الحالة الثالثة إخوتى الكرام التى يعذر فيها الإنسان يخالف شرع الرحمن وهو أيضا معذور الحالة التى يكون الإنسان فيها مُكرها

يُكره على معصية الله عز وجل فيفعل من غير اختياره وتقدم معنا فى الأحوال الثلاثة، قلت لا يقصد الإنسان المعصية ولا يريدها ولا خطرت بقلبه إنما فعل ما ظاهره المعصية دون أن يقصد المعصية هو بقلبه فهناك كما قلت تأول وهنا جهل وهنا أُلجأ وأُكره وقُسر ففعل المعصية دون أن يريدها فلا ذنب عليه ولا إثم عليه عند الله عز وجل قال الله جل وعلا

{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل/106]

إذن إذا كفر بالله من بعد إيمانه وهذا الكفر بسبب الإكراه والقسر والاضطرار لا لوم عليه ولا ذنب عليه إنما إذا انشرح صدره بالكفر وهو أراده أحبه وقصده ومال إليه فهذا الذى عليه غضب من الله ولهم عذاب عظيم

وهذه الآية إخوتى الكرام نزلت فى سيدنا عمار بن ياسر رضى الله عنه وأرضاه كما قال ذلك الحافظ ابن حجر فى الإصابة فى ترجمة سيدنا عمار قال باتفاق المفسرين باتفاق الروايات على أنها نزلت فى سيدنا عمار بن ياسر رضى الله عنه وأرضاه

ص: 21

وحديثه إخوتى الكرام ثابت فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة سبع وخمسين وثلاثمائة وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبى الحديث صحيح صحيح إن شاء الله أما أنه على شرط الشيخين ففى ذلك شىء من التساهل فى الإسناد

إخوتى الكرام أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين أبو عبيدة مقبول خرَّج له أهل السنن الأربعة ولم يخرج له أحد من الشيخين المباركين البخارى ومسلم ووالده محمد بن عمار مقبول أيضا وما خرج له إلا أبو داود فى سننه ولم يخرج له صاحبا الصحيحين فقوله على شرط الشيخين ويقره الذهبى كما قلت فى ذلك شىء من التساهل لكن الأثر صحيح ثابت ورواه عبد الرزاق فى تفسيره والإمام ابن سعد فى الطبقات والطبرى فى تفسيره وهكذا الإمام ابن أبى حاتم وابن مردويه فى التفسير والبيهقى فى دلائل النبوة والإمام أبو نعيم فى حلية الأولياء

والحديث إخوتى الكرام من رواية محمد بن عمار بن ياسر ولد سيدنا عمار رضي الله عنهم أجمعين

قال أخذ المشركون عمار بن ياسر رضى الله عنه وأرضاه فلم يتركوه حتى سب النبى صلى الله عليه وسلم حتى سب النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقال فى آلهتهم خيرا أثنى على آلهتهم وسب النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم تركوه فلما أتى نبينا صلى الله عليه وسلم

قال له نبينا صلى الله عليه وسلم يا عمار ما وراءك

قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تُركت حتى نلت منك

ما تركنى المشركون حتى نلت منك ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير

فقال النبى عليه الصلاة والسلام كيف تجد قلبك يا عمار

قلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنه مطمئن بالإيمان

ما عندى تردد فى ذلك

فقال نبينا عليه الصلاة والسلام إن عادوا فَعُد

ص: 22

يعنى إذا أخذك المشركون مرة ثانية وأرادوا منك أن تذكر آلهتهم بخير وأن تسبنى سبنى واذكر آلهتهم بخير وتخلص منهم ما دام القلب مطئنا بالإيمان فانزل ربنا الرحمن هذه الآية

{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل/106]

ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله وأما هذا فقلبه مطمئن بالإيمان رضى الله عنه وأرضاه

والأثر إخوتى الكرام كما قلت رُوى عن محمد بن عمار ورواه الإمام ابن المنذر فى تفسيره وهكذا ابن إبى حاتم وابن مردويه عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين ورواه الإمام ابن سعد فى الطبقات عن ابن سيرين مرسلا إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام

أن عمار بن ياسر أُخذ وهو لم يدرك عمار بن ياسر ولم يحدثه بذلك فإذن الأثر مرسل وقال له نبينا عليه الصلاة والسلام إن عادوا فعد فهو من رواية محمد بن عمار ومن رواية عبد الله بن عباس ومن رواية ابن سيرين رضي الله عنهم أجمعين والأثر صحيح

إخوتى الكرام سيدنا عمار قال هذا تدرون متى؟

ص: 23

بعد أن قُتل أبوه ياسر رضى الله عنه وأرضاه وهو أول شهيد فى الإسلام وقُتلت أمه يعنى أخذت هذه الأسرة الطيبة المباركة، الأب قُتل والأم طعنها اللعين الملعون أبو جهل بحربة فى فرجها وقتلها وعمار ينظر إلى أمه سمية رضى الله عنها وأرضاها وهى أول شهيدة فى الإسلام تطعن فى فرجها بحربة من هذا اللعين ووالده يُقتل وهو يُعذب وهم إخوتى الكرام من السبعة الذين أسلموا قبل غيرهم مع سيدنا أبى بكر رضي الله عنه أما أبو بكر فله عشيرته وهو فى منعة من قومه فمنعه قومه من إيذاء السفهاء وأما هؤلاء فكانوا من المستضعفين فصُب عليهم أليم العذاب ومعهم بلال رضى الله عنه وأرضاه، ياسر يُقتل وأمه سمية أم عمار تُقتل وهو يعذب حقيقة بشر فضعُف أمام التعذيب فى الظاهر فقال ما قال فى حق نبينا عليه الصلاة والسلام ومدح آلتهم فتركوه فذهب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو حزين ما وراءك قال ورائى شر ما تركونى حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير

قال كيف تجد قلبك قال أنه مطمئن بالإيمان قال إن عادوا فعد وأنزل الله جل وعلا الآية الكريمة من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فلا لوم على هذا ولا إثم

هذا كما قلت إخوتى الكرام اضطرار وقع على الإنسان فالقلم مرفوع عنه فى هذه الحالة والمؤاخذة يعنى لا تحصل له ولذلك ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال

إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

وهو فى كتب الفقه بلفظ:

رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

وهو بهذا اللفظ إخوتى الكرام رواه الإمام ابن عدى فى كتاب الكامل بهذا اللفظ رُفع عن أمتى يعنى له أصل لكن الرواية الصحيحة الثابتة بلفظ

إن الله وضع عن أمتى تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

ص: 24

والحديث صحيح ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام رواه ابن ماجة فى سننه والإمام ابن حبان فى صحيحه ورواه الدارقطنى فى سننه والحاكم فى مستدركه والبيهقى فى السنن الكبرى والطبرانى فى معجمه الكبير والطحاوى فى شرح معانى الآثار ورواه الإمام ابن حزم فى كتابه الإحكام فى أصول الأحكام فى الجزء الخامس صفحة ثلاث عشرة وسبعمائة وكما قلت لكم هو فى ثمانية أجزاء والطبعة التى عندى متسلسل الأرقام متسلسلة من الجزء الأول إلى الجزء الثامن فى صفحة ثلاث عشرة وسبعمائة والحديث رواه الإمام ابن أبى عاصم والإمام الضياء المقدسى أيضا وقد صحح الحديث الإمام الحاكم فى المستدرك وقال على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبى وصححه ابن حبان وصححه أئمة الإسلام منهم الإمام النووى فى الأربعين النووية فقال إسناده حسن وفى كتاب روضة الطالبين فى كتاب الطلاق قال إسناده حسن

ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبى عليه الصلاة والسلام قال:

إن الله وضع لى عن أمتى إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

والحديث إخوتى الكرام رُوى عن عدة من الصحابة الكرام الطيبين منهم ابن عمر وأبو ذر وأبو بكرة وأبو الدرداء وثوبان وعقبة بن عامر هؤلاء ستة ومعهم ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين سبعة رُوى عنهم هذا الحديث إن الله تعالى وضع لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

ص: 25

انظروا الروايات إخوتى الكرام هذه الروايات الكلام عليها وتصحيح الحديث فى نصب الراية فى الجزء الثانى صفحة أربع وستين فى مختصره فى الدراية فى الجزء الأول صفحة خمس وسبعين ومائة وفى التلخيص الحبير فى الجزء الأول واحدة وثلاثمائة وانظروا بعض الروايات فى المجمع فى الجزء السادس صفحة خمسين ومائتين وللإمام السبكى فى طبقات الشافعية كلام على هذا الحديث فى قرابة ثلاث صفحات فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وثلاثين ومائة فى ترجمة العبد الصالح محمد بن نصر الذى توفى سنة ثمان وتسعين ومائتين للهجرة عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه فالخطأ والنسيان رُفع عنا وهكذا ما نُقسر عليه ما نُكره عليه ما نُضطر إلى فعله من غير اختيارنا ففى هذه الأحوال كما تقدم معنا نُعذر عند ربنا سبحانه وتعالى

إخوتى الكرام يدخل فى يعنى فى هذه الحالة الثالثة التى هى حالة اضطرار حالة عذر قد يفعل الإنسان المعصية كما قلت ويُعذر فى فعلها فلا إثم عليه وقد يُرفع عنه اللوم أيضا لعدم موجود تقصير منه

يدخل فى هذه الحالة قصة كنت ذكرتها سابقا هى من كرامات ومناقب سيدنا عبد الله بن حذافة السهمى رضى الله عنه وأرضاه

كنت ذكرتها ضمن تفسير سورة الفاتحة فى غالب ظنى، انظروا هذه القصة فى الإصابة فى الجزء الثانى صفحة ست وتسعين ومائتين وفى السير فى ترجمة عبد الله بن حذافة فى الجزء الثانى أيضا صفحة أربع عشرة

وخلاصة هذه المنقبة والكرامة رواها الإما البيهقى والإمام ابن عساكر فى تاريخ دمشق من طريق أبى رافع رضي الله عنهم أجمعين

ص: 26

أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين وجَّه وأرسل جيشا إلى قتال الروم فأُسر سيدنا عبد الله بن حذافة أسره الروم عليهم لعائن الحى القيوم الروم، النصارى أسروا سيدنا عبد الله بن حذافة رضى الله عنه وأرضاه فوضعوه فى سجن وأرادوا منه بعد ذلك أن يكفر بالنبى عليه الصلاة والسلام وأن يرتد فقابله المَلك بنفسه وقال هل لك أن تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام ولك علىَّ أن أزوجك ابنتى وأعطيك نصف مُلكى واكفر بالنبى عليه الصلاة والسلام

قال والله لو أعطيتنى مُلكك كله ومُلك العرب أيضا لما كفرت بمحمد عليه الصلاة والسلام طرفة عين

فقال هذا الطاغية رئيس الروم خذوه فاصلبوه ثم قال لجنده لا توجهوا السهام إليه إنما يعنى اجعلوها تقع بجانبه ميمنة وميسرة من أجل أن يرجع ويخاف لعله بعد ذلك يراجع نفسه فيكفر بالنبى عليه الصلاة والسلام فصلبوه على شجرة وبدأوا يسددون السهام تنزل يمينا ويسارا يمينا وشمالا ثم رفعوا الضرب عنه فاستدعاه الملك

قال أتكفر يعنى لا تقتل قال لا أكفر لو أعطيتنى مُلكك وملك العرب فأتوا بقدر من نحاس كبير فوضعوا فيه الماء وأوقدوا عليه النار حتى صار فى منتهى درجة الحرارة وجاؤا ببعض أسرى المسلمين فألقاهم هذا الطاغية بيده فى هذا القدر فانفصل اللحم عن العظم

وعبد الله بن حذافة ينظر قال أتكفر وإلا يلقيك مع أصحابك فبكى عبد الله بن حذافة رضى الله عنه وأرضاه فالملك قال أعيدوه إلىَّ قبل أن تلقوه فى القدر

يعنى لعله يراجع نفسه

قال ما لك تبكى قال أبكى لأنه ليس لى إلا نفسا واحدة فإذا ألقيتمونى فى القدر سأموت مباشرة كنت أتمنى أن يكون لى أنفس وأرواح بعدد الشعر الذى فى جسمى حتى يعنى أجد عذابا كثيرا لأنال أجرا وفيرا عند الله جل وعلا أنا الآن لحظة سأموت لكن كنت أتمنى أن أموت موتات متعددة بهذه القِتلة التى تقتلنى بها

ص: 27

فلما رأى حاله صلابته قال هل لك أن تقبل رأسى وأن أعفو عنك وأطلق سراحك قال بشرط هذا من باب الإكراه وحصول مصلحة قال بشرط أن تطلق أسرى المسلمين لا يبقى أسير عندك وأقبل رأسك النجس ماذا نعمل هذا شرط ما يبقى أسير إلا تطلقه

قال لك ذلك فقام عبد الله بن حذافة وقبل رأس طاغية الروم فأطلق أسرى المسلمين وكان ثلاثمائة وأعطاه ثلاثين ألف دينار وثلاثين وصيفة ،عبدة وثلاثين وصيفة وأعاده قال ارجع إلى بلادك سالما آمنا فلما وصل إلى سيدنا عمر وأخبره الخبر قال حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أول من يفعل ذلك فقام وقبل رأسه رضي الله عنهم أجمعين

هنا إخوتى الكرام حقيقة هذا الفعل فعله من باب الاضطرار إخراج أسرى المسلمين وهو ما فعل هذا حتى لمصلحته ولذلك يعنى مصلحته مضمونة قال لا، إن تخرج الأسرى فعلت وإلا يعنى القتل أيسر علىَّ من هذا حقيقة هذا كما قلت يعنى من باب الاضطرار لتحصيل هذه المصلحة إنقاذ عباد الله فكما قلت مصلحة شرعية فعلها

الإمام الذهبى علق على هذا كما ذكرت سابقا قال لعل طاغية الروم كان يضمر الإيمان فى قلبه لعل ولا يستطيع أن يظهره على لسانه وجوارحه ولذلك يعنى فعل ما فعل من أجل أن يجد مبررا لإكرام عبد الله بن حذافة فأكرمه وأعاده وأطلق الأسرى بسببه ولو فعل هذا يعنى دون هذه القصة لقاتله قومه وكشفوا إيمانه

ثم قال ولعل هرقل أيضا كان يضمر الإيمان يعنى فى قلبه العلم عند الله جل وعلا

وعلى كل حال يقول الإمام الذهبى إذا كان فى يعنى قلب هذا الطاغية وقلب هرقل إيمان حقيقى قد ينفعه فى يوم من الأيام عند ذى الجلال والإكرام وإما إذا لم يكن هناك إيمان إنما فعل ما فعل فقط من أجل تعظيم رسول الإسلام وأنه رسول لكن للعرب لا إليهم ولم يؤمن به على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهذا لا ينفعه مهما عمل والعلم عند الله جل وعلا

ص: 28

كنت ذكرت إخوتى الكرام أن الإمام البخارى بدأ بحديث إنما الأعمال بالنيات فى كتاب الوحى وختمه بحديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فى قصة يعنى وفد أبى سفيان عندما كانوا فى بلاد الشام وسألهم هرقل فكأنه يشير كما تقدم معنا إلى أنه إذا كان فى قلب هرقل إيمان سينفعه فى يوم من الأيام والعلم عند ذى الجلال والإكرام كما وضح ذلك الحافظ فى الفتح رضي الله عنهم أجمعين

إخوتى الكرام كما قلت هذه الحالة الأولى من الحالات الثلاث لمن ينحرف عن حكم الله عز وجل ينحرف لا يقوم بحكم الله لا يلتزم به لأنه كما قلت معذور ما وجه العذر؟

متأول أخطأ فيما فيه مجال للتأويل جهل ولم كما قلت يعرض ولم يقصر أما أنه هو بين المسلمين ويكفر برب العالمين ويطلق زوجته ولا يصلى ولا يعرف الوضوء ولا ولا ثم تقول لى أنا جاهل ولا يتقن قراءة الفاتحة يا عبد الله لمَ لا تتعلم؟ أنت معرض لست بجاهل واضح هذا ،هذا لا بد من تمييز هذه الحالة عن الحالة التى تقابلها

فإذن جهل كما قلت من غير إعراض ومن غير تقصير آية نزلت وفهموها على حسب لسانهم ولم ينزل من الفجر حقيقة لهم عذر

أما يأتينا إنسان كما قلت فى هذه الأيام يفهم كلام الرحمن على حسب هواه وهذيانه ويقول أنا معذور جهلت، يا عبد الله لا يحق لك هذا

والحالة الثالثة كما قلت أن يكون مُضطرا مُكرها مُلجأ إلى فعل المخالفة فالقلم مرفوع عنه رفع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

الحالة الثانية إخوتى الكرام حالة كما تقدم معنا يأثم فيها الإنسان لكن لا يكفر بالله عز وجل عليه وزر وعمله فسق لكن لا يصل إلى الكفر

ص: 29

إخوتى الكرام يعنى هذه الحالة الثانية حقيقة كان فى نيتى أن ننتهى منها من أجل أن نتدارس الحالة الثالثة التى كما قلت يكفر فيها الإنسان إذا أعرض عن حكم الرحمن لم يحتكم إليه أو لم يحكم به كما تقدم معنا فى خمس حالات وسأفصلها وأدلل عليها بعون الله وتوفيقه لكن الحالة الثالثة كما قلت هذا الآن ليس بمعذور إنما هو موزور عليه وزر وهو آثم عاص للعزيز الغفور لكنه لا يكفر

أذكرها سردا وأشرحها وأمثل عليها فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه

أولها إخوتى الكرام أول هذه الحالات أن يتأول فيما ليس من محل التأويل أو هو ليس من التَأُوُّل، ليس هو فى هذه الرتبة فى هذه المكانة، ليس هو من أهل الاجتهاد، لس هو من أهل الفهم والاستنباط

الحالة الثانية أن يجهل الحكم الشرعى لكن مع تقصير فى الطلب

الحالة الثالثة أن يتعمد المخالفة طلبا لحظ عاجل دون استحلال للباطن

هذه الأحوال الثلاثة يأثم فيها الإنسان لكن لا يصل إلى الكفر نتدارس هذا بعون الله وتوفيقه فى الموعظة الآتية.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا

اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا

اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا

اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك

اللهم اغفر لمن عبد الله فيه

اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 30