المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٥١

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد إخوتى الكرام

لا زلنا نتدارس احوال الإنسان عندما يخالف شرع الرحمن وقلت له ثلاثة أحوال حالة يعذر فيها وحالة يوزر ويأثم فيها وحالى يرتد ويكفر فيها

أما الحالة الأولى

التى يعذر الإنسان فيها عند وقوعه فى مخالفة شرعية قلت إخوتى الكرام هذا الحال له ثلاث حالات

الحالة الأولى أن يتأول فيما فيه مجال للتأويل وهو من أهل التأويل والحالة الثانية أن يجهل حكم الله الجليل من غير إعراض ولا تقصير كما تقدم معنا تقرير هذا وبيانه

والحالة الثالثة أن يكره ويقسر على معصية الله عز وجل فهى هذه الحالات الثلاث هو معذور عند رب الأرض والسماوات

الحالة الثانية

فيه يأثم الإنسان ويرتكب وزرا دون أن يضل إلى الكفر والردة نسأل الله العافية

أولها أن يتأول فى غير مجال التأويل أو هو ليس من أهل التأويل

ثانيها أن يجهل حكم الله ويقع فى مخالفة بناء على جهله لكنه أعرض وقصر أعرض عن العلم وقصر فى طلبه

الحالة الثالثة أن يتعمد المعصية دون استحلال لها

الحال الثالث

ص: 1

للإنسان الذى إذا وقع فيه كما قلت فى مخالفة يكون كافرا مرتدا قلت لذلك ست حالات تدارسنا أربعة منها ولعلنا ننتهى إن شاء الله من بقية هذه الأمور كما قلت لنشرع فى المواعظ الآتية فى ترجمة ساداتنا أئمتنا أصحاب المذاهب الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين كما هو كما قلت فى بداية دروسنا للفقه هذه المقدمة الأولى والمقدمة الثانية فى تراجم أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين

إخوتى الكرام تدارسنا كما قلت أربع حالات من الحالة الثالثة للإنسان عندما يقع فى معصية الرحمن ويكفر إذا وقع فى تلك المعصية

الحالة الأولى قلت ألا يرى أن شرع الله جل وعلا حق وصواب لا يرى أن شرع الله حق وصواب فعل التباب وقال غن شرع الله ليس بحق ولا صواب

الحالة الثانية أن يرى أنه حق وصواب وفيه خير ورشاد لكن يقول شرع العباد فى هذه الأوقات أنفع ويحصل ملحة لنا فقد كفر بذلك

الحالة الثالثة أن يقول إن شرع الله فيه خير ونفع وشرع لا يفضل عليه لكن يساويه فشرع العبيد يساوى شرع الله المجيد ولك أن تأخذ بإيهما تريد فهذا أيضا كفر وردة

الحالة الرابعة أن يقول أن شرع الله خير وهدى ونفع وبركة لكن يجوز أن نأخذ بالقوانين الوضيعة الوضعية فى بعض الحالات تحقيقا لمصلحة دنيوية مع جزمنا واعتقادنا أن القوانين الوضيعة الوضعية دون شريعة رب البرية فهذا أيضا كافر عندما استباح وأجاز الخروج عن شرع الله جل وعلا هذه الأحوال تقدم معنا إخوتى الكرام مدارستها وسرد أمثلة عليها

الحالة الخامسة

التى يكفر فيها الإنسان عندما يقع فى مخالفة لشرع ذى الجلال والإكرام قلت إخوتى الكرام أن يستخف ويعاند ويستهزىء ويعارض إذا صدر منه هذا فمعصيته كفر

وقلت أول من فعل هذه المعصية إبليس عليه لعائن ربنا العزيز

الله جل وعلا امره بالسجود لأبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فامتنع ثم بعد ذلك استخف بأمر الله وعاند وعارض واستهزأ فالله جل وعلا عندما أمره أن يسجد قال:

ص: 2

(أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين)

وهذه هى السفاهة بعينها فأنت توقن بأن الله جل وعلا ربك وهو الذى خلقك فكيف تعترض عليه وكيف تعاند وكيف تعارض فكأنك تقول أنا أعلم منك وأنت علمتنى وأنا أحكم منك وأنت الحكيم العليم وهذا كما قلت يعنى ضلال مبين وهذه سفاهة وشطط

أول من سلك هذا المسلك مسلك المعاندة والمعارضة إبليس عليه لعائن ربنا العزيز ثم زاد أيضا فى الاستهزاء والاستخفاف والمعارضة لله وبالله جل وعلا فقال له:

(فبعزتك لأغوينهم أجمعين)

وقال هذا فى معرض إغاظة الله وأنه سيؤثر على الله وأنه سيغيظ الله عندما سيغوى عباده واللعين يعلم أن الله لا ينتفع بطاعات العباد ولا يتضرر بمعاصيهم ولو أن الخلق كلهم من أولهم إلى لآخرهم كفروا بالله لما تضرر رب العالمين سبحانه وتعالى وهو كما قلت ساق هذا الكلام مساق الإغاظة للرحمن كأنه سيغيظه بذلك لأغوينهم أجمعين

إذن كما قلت سفاهة أمر ثان هو يعلم أيضا أن من حفظه الله ليس له سلطان عليه ولذلك عاد إليه بعد ذلك شىء من الرشد فقال:

إلا عبادك منهم المخلصين

فالله جل وعلا لا يتضرر بمعصية العاصى ومن قدر حفظه ليس للشيطان سلطان عليه انظر لهذه الظلمات وهذه التناقضات وهذه الاعتراضات على رب الأرض والسماوات، هذا أول من سلكه إبليس وأما قوله كما تقدم معنا أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين تقدم معنا إخوتى الكرام فساد هذه المقولة ضمن مواعظ الحديث الشريف وقلت هذا كلام باطل:

فأولا كما تقدم معنا باختصار أجوبة كثيرة قلت قياس عارض النص فهو فاسد الاعتبار لا ينظر فى مضمونه وأول من قاس إبليس وما عبدتم الشمس والقمر إلا بالمقاييس قياس فاسد الاعتبار والقياس إذا صادم النص وعارضه لا ينظر فى مضمونه فالله عليم حكيم أحاط بكل شىء علما فشرعه لا يعارض ومن عارضه فهو صاحب الفساد والعناد القياس إذا صادم النص قياس فاسد لا ينظر فيه ولا يعول عليه

ص: 3

الأمر الثانى قلت لو ناقشنا هذه المقولة أيضا وبحثنا فى محتواها فهى أيضا فاسدة حقيقة عدا عن معارضتها للنص فمن يعنى رجح النار على الطين من؟ ومن زعم أن جوهر النار هو أفضل من جوهر الطين فى الحقيقة من؟ من زعم هذا فهو واهم إن جوهر الطين أفضل من جوهر النار فالنار طبيعتها الطياشة والتفريق والبعثرة والإحراق والطين طبيعته الرزانة والهدوء وإن أردت أن تعرف إلى آثار الطين وفوائده وثماره فانظر إلى الجنات والبساتين تضع فى الطين حبة فيخرج لك بعد ذلك يعنى ثمار وأشجارا فهذا حقيقة أثر الطين فمعدن الطين جوهر الطين أنفع من جوهر النار

وإذا سلمنا تنزلا كما تقدم معنا أن جوهر النار أفضل من جوهر الطين هل يلزم أن كل مخلوق من ذلك الجوهر أعنى من النار أفضل من كل مخلوق من ذلك الجوهر أعنى من الطين لا ثم لا،

فإذا افتخرت بآباء لهم نسب قلنا صدقت ولكن بأس ما ولدوا

فهب أن جوهر النار أفضل من جوهر الطين هل يلزم كل مخلوق من النار أفضل من أى مخلوق من الطين لا ثم لا وعليه كما قلت قياس فاسد قياس باطل سلك كما قلت مسلك المعارضة مسلك المعاندة وهو أول من عارض وهو مع أنه منظر إلى يوم القيامة كما قال أئمتنا هو أول من مات ،أول من مات من الخليقة إبليس لأن من عصى الله فهو ميت ومن أطاعه فهو الحى

(أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)

أول من مات إبليس لأنه عصى الله العزيز وأى معصية ،معصية العناد معصية المعارضة، معصية المشاقة والمحادة وهذا هو الضلال المبين

إذن أن يستخف ويعاند وأن يستهزىء ويعارض أول من سلك هذا إبليس

وله خلفاء من الإنس أبالسة الإنس منه اللعين الملعون الملحد عدو الدين أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندى الزنديق الشهير

قال الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى لسان الميزان فى الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين وثلاثمائة:

ص: 4

أجاد الشيخ يعنى الإمام الذهبى فى حذفه من الكتاب يعنى ما ترجم له الإمام الذهبى فى الميزان واللسان وُضع على الميزان ليبين يعنى وضع التراجم التى تعرض لها الإمام الذهبى فى ميزانه ويوافق أحيانا وأحيانا يخالف أحيانا يضيف على ما ذكره الإمام الذهبى زيادة تقرير لسان الميزان أجاد الشيخ فى حذفه أى من ميزانه طيب لمَ ذكرته؟

قال وإنما أوردته لألعنه، هذا الحافظ ابن حجر يقول وإنما أوردته لألعنه، توفى إلى لعنة الله سنة ثمان وتسعين ومائتين من هجرة نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه وإنما أوردته لألعنه

وتقدم معنا أصحاب الورع البارد فى هذه الأيام يتورعون عن لعن الكفار الأحياء والأموات يقول:

كافر معين لا تلعنه!!!

ثم يدخلون أنفسهم بين الله وبين عباده فى الاطلاع على أسرار الناس فهذا مخلص وهذا ليس بمخلص سبحان الله إذا وصل ورعك البارد أن تتورع عن لعن الكافر حيا أو ميتا جئت بعد ذلك تحكم على المؤمنين هذا مخلص وهذا مخادع، ما الذى أطلعك!!

فى المكان الذى يجب عليك أن تكف لسانك ما كففت لسانك عن أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وفى المكان الذى إذا أطلقت لسانك تثاب عند ربك كففت اللسان لكن هذا أحوال خوارج هذا الزمان سَلِمَ منهم عبَّاد الصلبان وما سلم منهم أهل الإيمان كافر لا نلعنه لا حيا ولا ميتا لأن لعنة المعين لا يجوز!!!

وتقدم معنا إخوتى الكرام المعتمد أن كل من استوجب ما يستحق عليه اللعن يلعن مهما كان حاله سواء من عصاة المؤمنين أو من الكافرين

وقلت هذا الذى تدل عليه أحاديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وقال عنه شيخ الإسلام الإمام النووى هو الظاهر وتقدم معنا الكلام فى هذه المسألة والحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا علل من منع من لعن المعين قال:

من منع أراد بالإبعاد من رحمة الله وأنه لا يناله شىء من رحمة الله فهذا يعنى تعليل من منع

وأما من أجاز وظواهر النصوص تدل على ذلك

ص: 5

وتقدم معنا شيخ الإسلام 16:24 شيخ الحافظ ابن حجر وغيره قرروا الجواب قال أراد السب والتعيير والتحقير دون أن يمنع عنه رحمة الله الجليل

وقلت هذا الذى تدل عليه أحاديث نبينا البشير النذير عليه صلوات الله وسلامه وقلت وهو المأثور عن سلفنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين

الرواندى من جملة من يستهزىء بالله ويستخف ويعاند ويعارض

قال الإمام الذهبى فى السير فى الجزء الرابع عشر صفحة تسع وخمسين فى ترجمته هو الملحد عدو الدين صاحب التصانيف انتبه صاحب التصانيف فى الحط على الملة يعنى ألف تصانيف لكن ليطعن فيها فى الإسلام صاحب التصانيف فى الحط على الملة وهذا خبيث وأبوه أخبث ،أبوه تهود فكان اليهود يقولون للمسلمين عندما أسلم أحمد بن إسحاق بن الرواندى إياكم أن يفسد هذا عليكم دينكم كما أفسد أبوه علينا التوراة هؤلاء زنادقة أبوه دخل فى اليهودية وأفسد والإبن دخل فى الإسلام ويريد الإسلام فاحذروه إياكم أن يفسد عليكم دينكم كما أفسد أبه علينا التوراة

وحقيقة خرج الإبن أخبث من الأب هذا كحال الأب الذى كان ينبش القبور النباش ويسرق الكفن وكان الناس سيتعيذون بالله منه يدعون عليه بان يخلص الله الناس من شره فلما مات الأب جاء الإبن بدأ إذا جاء ميت ينبش عنه يأخذ كفنه ويلوط به يفعل به الفاحشة فقالوا ليته عاد النباش الأول الأب أخف وزرا وضلالا من الإبن

وهذا أحمد بن يحيى الراوندى ذكره الحافظ ابن حجر ليلعنه واليهود يقولون احترسوا من هذا الولد الخبيث فأبوه كان خبيثا أفسد علينا التوراة وهذا سيفسد عليكم الإسلام ثم ختم الإمام الذهبى ترجمته فى السير قال بعد أن قال إنه كان من أذكياء العالم المعدودين:

لعن الله الذكاء بلا إيمان ورضى الله عن البلادة مع التقوى

وسيأتينا فى ترجمة خليفة إبليس الثانى كان ذكيا ولم يك زكيا وهذا من أذكياء العالم لكن ذكاء كالقرود استعمل ذكاءه فى الاعتراض على ربنا المعبود سبحانه وتعالى

ص: 6

فقال الإمام ابن الجوزى فى المنتظم فى الجزء الثالث صفحة تسع وتسعين وإلى صفحة خمس ومائة قال:

إنما ذكرته ليعرف قدر كفره أى الراوندى فإنه معتمد الملاحدة الزنادقة ثم ذكر من كفره حقيقة أشياء كثيرة منها:

قال كان يقول إن أنبياء الله يعنى بدءا من نبينا على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وانتهاء بأبينا آدم على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه يقول كلهم بدرجة الكهان لكن ادعوا أنهم أنبياء ورسل ذى الجلال والإكرام، هؤلاء كهان يعنى لهم شىء من الاطلاع على الغيب فخدعوا الناس فالناس استجابوا لهم بذلك حقيقة هذا الفساد وهذا الضلال يعنى يمكن أن ينقض كما قال أئمتنا يعنى بشىء يسير يقال الكاهن عندما يتكهن ،يتكهن عندما ينظر فى الإنسان وبعد أن ينظر فى شىء من المقدمات يعرف شيئا من أحوال الإنسان ثم بناء على هذا يقول شيئا مما يزعم أنه من علم الغيب فى إنسان أما أن يأتى نبى على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه ويخبر بما كان وبما سيكون ويأتى بعد ذلك بشريعة يعجز عنها يعنى البشر حقيقة هذا ليس عمل الكهانة ولا من عمل السحرة

وقال هذا الخبيث أيضا الله سبحانه وتعالى يقول فى كتابه:

(وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)

ثم هو أخبرنا فى كتابه بما ينقض هذا وألف كتابه الدامغ على زعمه ليدمغ شريعة الله المطهرة ويرد على القرآن وهو صاحب الهذيان يقول هنا الله يصف نفسه بأنه يعلم كل شىء ولا يخفى عليه خافية وقال:

{ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} [محمد/31]

وقال {ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} [الكهف/12]

وقال {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [العنكبوت/3]

ص: 7

إذن آيات كثيرة {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم} [البقرة/143]

فقال هذه الآيات تدل على أنه ما كان يعلم يعنى هذه الأشياء وإنما فعل ليظهر له الأمر وليعلم ما لم يكن يعلم وهذا من انطماس بصيرته وفساد عقله وعدم علمه بمراد ربه من كلامه

(ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم)

علم ظهور ومشاهدة بعد أن علمناه علم تقدير علمه ربنا جل وعلا فى الأزل لكن هذا سيظهره بعد ذلك إلى الواقع المشهود

(فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)

علم ظهور ومشاهدة بعد أن علمه علم تقدير سبحانه وتعالى وعلم الظهور والمشاهدة لن يختلف عن علم التقدير وليس فى ذلك طروء علم على الله جل وعلا لم يكن يعلمه سبحانه وتعالى

وقال أيضا الله يقول فى كتابه:

(وله أسلم من فى السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون)

قال والكفار أكثر من المسلمين الأبرار وهذا أيضا من فساد عقله وانتكاس بصيرته

وله أسلم بمعنى استسلم وانقاد وليس المراد من الإسلام هنا الإيمان بالرحمن انقاد لله طوعا وكرها رغم أنفه ولا يستطيع أن يخرج مخلوق عن إرادة ربه سبحانه وتعالى فالإنسان جاء إلى هذه الحياة من غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره وجُعل فيها بصفة وشكل على غير اختياره ويجرى فيه أمر الله ولا يستطيع أن يغيره وله مشيئة لكنها مرتبطة بمشيئة ربه وينتهى سعى العباد سعى المخلوقات من العرش إلى الفرش إلى قول رب الأرض والسماوات (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما)

(ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن)

ص: 8

وله أسلم استسلم وانقاد وكل مخلوق ذليل صاغر لرب العباد وواقع الأمر ذلك (فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون) قال الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا:

ما سمعنا أحدا عاب الخالق وانبسط كانبساط هذا اللعين ثم بعد أن ذكر نماذج من كفره كما ذكرت وغيره قال:

وكفره زاد على كفر إبليس جمع الله بينهما وزاد هذا من العذاب على إبليس وهو الراوندى الخبيث

وأيضا خليفة إبليس الثانى الذى أيضا كان يعترض على الله جل وعلا ويسلك كما قلت هذه المعصية المكفرة وهى الاستهزاء والمعارضة الاستخفاف والمعاندة وهو الَمعرى الذى يطلق عليه الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عندما يذكره يقول قال خليفة إبليس المعرى وهو أحمد ابن عبد الله بن سليمان توفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة للهجرة

قال الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية فى حوادث هذه السنة فى ترجمته فى الجزء الثانى عشر صفحة أربع وسبعين كان ذكيا ولم يك زكيا وقال الإمام الذهبى فى السير فى الجزء الثامن عشر صفحة ثلاث وعشرين وترجمه إلى صفحة أربعين قال بقى خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهدا فلسفيا وقال ما على الرجل 26:40المؤمنين والله اعلم بما خُتم له ثم قال ويظهر لى أنه متحير ولم يجزم 26:53كان هذا أيضا يعارض شريعة الله ويستخف لها ويعاند وجعل شعره فى معارضة شرع ربه سبحانه وتعالى انظر مثلا لزندقته وإلحاده وما قاله حول حد السرقة

يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قُطعت فى رب دينار

تناقض ما لنا إلا السكوت له وأن نعوذ بمولانا من النار

يقول اليد ديتها فى شريعة الله المطهرة خمسمائة دينار ذهبى يد بخمس مئين عسجد بخمسمائة دينار عسجد من الذهب وديت ديتها

ما بالها قطعت فى ربع دينار إذا سرق الإنسان بعد ذلك شيئا قيمته ربع دينار تقطع يده وديتها خمسمائة دينار تناقض يقول هذا هو التناقض نجعل دية اليد خمسمائة دينار ونقطعها بربع دينار

ص: 9

تناقض ما لنا إلا السكوت له وأن نعوذ بمولانا من النار

يقول هذه سفاهة وهذا تناقض فى الشرع يقول نسكت ونعوذ بالله من النار فقط ولا تعترض يا أعمى البصيرة كما أعمى الله بصرك وجمعت بين عمى البصر والبصيرة الحكمة تقتضى أن تغلظ دية اليد من أجل ألا يتساهل الناس فى قطع أطراف غيرهم وأعضاء غيرهم والحكمة تقتضى أن يخفف نصاب القطع فى السرقة من أجل صيانة الأموال والحفظ وحفظ أموال العباد فهذا مقتضى الحكمة ولو جعلنا دية اليد ربع دينار لتساهل الناس فى قطع أيدى غيرهم ولو جعلنا نصاب القطع خمسمائة دينار لسرق الناس أموالا طائلة يعنى خمسمائة دينار من الذهب الدينار فى حدود أربع غرامات ونصف احسبها خمسة يعنى سيسرق كيلوين ونصف من الذهب اثنين كيلو ونصف حتى تقطع يده يعنى زيادة على المائة ألف لو سرق مائة ألف لا تقطع يده لو جعلت نصاب اليد خمسمائة دينار هذا فساد فالناس يتساهلون فى أخذ أموال العباد فالحكمة تقتضى أن يغلظ دية اليد وأن يخفف نصاب القطع فى السرقة هذه الحكمة ولذلك قال أئمتنا فى الرد عليه وبيان فساد كلامه كما قال القاضى عبد الوهاب المالكى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا:

عز الأمانة أغلاها صيانة المال أغلاها

وأرخصها صيانة العضو فافهم حكمة البارى

وقال الإمام علم الدين السخاوى

عز الإمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة البارى

وقال الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال:

لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت

تقطع فى هذا الشىء التافه الحقير وعندما كانت أمينة لها دية ثمينة

هذا إخوتى الكرام كما قلت مما قاله فى معارضة شرع الله جل وعلا والاعتراض عليه فيما يتعلق بحد السرقة

وقال أيضا وهو من أخبث أقواله فى معارضة ما أتى به رسل الله الكرام على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه يقول

فلا تحسب مقال الرسل حقا ولكن قول زور سطروه

وكان الناس فى عيش رغيد فجاؤوا بالمحال فكدروه

ص: 10

فى عيش رغيد فى نعمة وسعة وترف فجاؤوا بالمحال فكدروه

وتقدم معنا إخوتى الكرام مرارا أن أعظم نعم الله علينا أن أرسل رسله الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام وأنزل علينا كتبه الحسان ليخرجنا من الظلام إلى النور وقلت إن شرع الله لعقولنا كالشمس لأعيننا ولولم يتكرم علينا ربنا جل وعلا برسله الكرام على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه لكان الناس أحط دركة من البهائم العجماوات

ولذلك قال الإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى البداية والنهاية معارضا كلام هذا الضال الخبيث قال وقلت أنا معرضة له وانظروا البداية والنهاية فى ترجمته التى ذكرتها فى الجزء الثانى عشر أوليس كذلك صفحة أربع وسبعين قال وقلت أنا معارضة له:

فلا تحسب مقال الرسل زورا ولكن قول حق بلغوه

وكان الناس فى جهل عظيم فجاؤوا بالبيان فأوضحوه

الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى المدارج فى الجزء الثالث صفحة ست وأربعمائة عندما ذكر كلام الشيطان المعرى خليفة إبليس عارضه أيضا بكلام محكم نفيس قال:

وكان الناس فى لبس عظيم فجاؤوا بالبيان فأظهروه

وكان الناس فى جهل عظيم فجاؤوا باليقين فأذهبوه

وكان الناس فى كفر عظيم فجاؤوا بالرشاد فأبطلوه

كانوا فى لبس زال عنهم اللبس والشك والظلمات بالبيان الذى أظهره رسل الله الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام

كانوا فى جهل فجاء رسل الله الكرام باليقين فأذهبوا ذلك الجهل

كانوا فى كفر عظيم فجاؤوا بالرشاد فأبطلوا ذلك الكفر وصار الناس على صراط الله المستقيم

ويقول يعنى أبياتا كثيرة فى معارضة شريعة الله المطهرة فمما يقول هذا الشيطان الغرور المغرور:

وما حجى لأحجار بيت كؤوس الخمر تشرب فى ذراها

إذا رجع الحليم إلى حجاه تهاون بالشرائع وأزدراها

:وقال وهو من أخبث ما قاله أيضا

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت

هفت أى زلت وضلت الحنيفة وهم الملة الإسلامية والنصارى ما هتدت

ص: 11

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ويهود حارت والمجوس مضللة

المسلمون يعنى هفوا وانحرفوا والنصارى ضالون واليهود حيارى والمجوس مضللون، طيب ومن المهتدون؟ الزنادقة الملحدون هو وأمثاله ثم قال:

رجلان أهل الأرض هذا عاقل لا دين فيه وهذا ديِّن لا عقل له

يعنى هذا عاقل ليس عنده دين وهذا ديِّن وليس له عقل

هذا حال خليفة إبليس فى اعتراضه على شرع الله العزيز ومن استخف واستهزأ وعارض شرع الله عز وجل فلا شك فى كفره

دخل مرة بعض الناس على المعرى ولامه وقال لا تتكلمون علىَّ وأنت يعنى تقول هذا الكفر

قال إنهم يحسدوننى

قال يحسدونك على أى شىء؟

وقد تركت لهم الدنيا والآخرة أما الدنيا فأنت تركت زلاتها ومطالبها واعتزلت فى صومعتك وفى حجرتك وفى ظلماتك تركت لهم الدنيا وأما الآخرة فليس لك فيها نصيب يعنى يحسدونك على أى شىء

قال والآخرة أيضا

قال نعم، الآخرة خسرتها قبل الدنيا

فقال ما أنا هجوت بشعرى أحدا ولو أردت أن أمدح أيضا وأتكسب لحصلت مالا طائلا

قال نعم صدقت ما هجوت أحدا من البشر لكنك هجوت الله عز وجل ورسله الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام نعم ما هجوت أحدا من الناس لكن هجوت رب الناس وما استحييت من ربك ولا وقفت عند حدك

هنا كما قلت معصية استهزاء معصية استخفاف وأنا أعجب لهذه العقول الخبيثة التى هى فى الأصل من صنع الله جل وعلا كيف سيعترض هذا المخلوق الضعيف على الخالق القوى الجليل سبحانه وتعالى والله من أراد أن يزن حكمة الله بعقله كمن أراد أن يبحث عن ضياء الشمس بشمعة من صنعه صنع شمعة يريد أن ينظر بها إلى الشمس يقول الشمس أين هى أنا أبحث عنها بشمعة صنعتها!!!

ص: 12

يا عبد الله طلع الصباح فأطفىء القنديل ما تنفع شمعتك ولا قناديلك إذا أضاءت الشمس وهنا هذا نور الله وهذه هداية الله ستزن كلام الله على حسب هوسك وإذا بعد ذلك ما راق للفساد ذهنك ستعترض على ربك هذا هو الضلال المبين أول من قال إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس

هذا كما قلت إخوتى الكرام نموذج خامس حالة خامسة من الحالات التى يكفر فيها الإنسان ويخرج عن دين الرحمن

الحالة السادسة

وهى آخر الأحوال عندنا إخوتى الكرام أن يسلك الإنسان طريق الحيل الماكرة التى يزعم بها أنه يريد تطوير الشريعة المطهرة لتساير قوانين الكفرة الفجرة بالتأويلات الخارجة

هو نوع حقيقة من الكفر وما أكثره فى هذه الأيام، هو يقول أنا لا أريد معصية إنما ما يفعله هو شر المعاصى يعنى بدل من أن تستورد القوانين الوضعية الوضيعة لتحكم فى بلاد المسلمين على أنها قوانين كفرية مستوردة يقول لا دعونا لتنطور شريعة الله المطهرة لتحتوى على تلك المواد الكافرة لكن باسم شريعة الله وقلت أول من فعل هذا الشيطان السنهورى تقدم معنا ضمن مواعظ الجمعة وقلت ما يعنى ما حاوله هو شر الحلول وأعظم المصائب التى ابتُليت بها الأمة فى هذا العصر المرذول الكفر نكسوه ثوب الإسلام فنطور شريعتنا من أجل أن تتناسب مع حياتنا ومن أجل أن نقترب مع الكفار أعدائنا فهى أحكام إسلامية دون أن نأخذها مستوردة نحن يعنى نطور شريعة الله جل وعلا هذا إخوتى الكرام ما أكثره فى هذه الأيام

ص: 13

استمعوا ماذا يقول السفهاء فى هذه الأيام وهذا كتبه بعض الناس له شأن كبير فى السعودية ومشرف على الأمور المالية هناك ونُشر مقاله من عدد من السنين ومشايخ البلاد هناك ردوا على ما عنده من زندقة وإلحاد عندما نشر هذا الكفر بين العباد يقول هذا الشيطان فى صحف كما قلت عام نشر هذا كلامه أيضا ورد عليه كما قلت المشايخ هناك يعنى هئية كبار العلماء حتى بينت هذا كلام ضلال وهذا كفر بواح لا يجوز أن ينشر ولا يجوز أن يعتير

يقول هذا الشيطان العاتى:

لا تتم حياة البشرية إلا بسياسة اقتصادية يقول ولا يمكن أن يوجد اقتصاد من غير بنوك لا تتم حياة البشرية إلا بسياسة اقتصادية ولا اقتصاد من غير بنوك ردية ولا بنوك من غير فوائد ربوية

وعليه الفوائد الربوية يقول هذه ضرورية ثم قال لا تظنوا أنها محرمة فى الشريعة الإسلامية إذاً اطمئنوا هنا الإسلام لا يتعارض مع الواقع الفوائد الربوية ليست محرمة قال:

لأن المحرم لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة وهو الربا الفاحش الذى تأخذ على الريال مائة ريال أو ألف ريال هذا هو الربا المحرم أما أن تأخذ بالمائة خمسة بالمائة سبعة بالمائة عشرة هذه مقابل خدمة ومقابل تيسير الأمور على الناس فهذا ليس هو الربا الذى حرمه الله فى كتابه وإن كان يسمى ربا بمعنى زيادة لكن هذا كما قلت يقول ضرورة وشريعة الإسلام تتسع له فلا حياة من غير اقتصاد ولا اقتصاد من غير بنوك ولا بنوك من غير فوائد وعليه الفوائد ضرورية وأما الربا المحرم اطمئنوا ذاك هو الربا الفاحش الذى قال الله فيه:

لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون

أضعافا مضاعفة قرأ المكى عبد الله بن كثير والشامى عبد بن عامر ومعه أبو جعفر أحد المدنيين يزيد بن القعقاع ويعقوب أحد البصريين أضعافا مضعفة لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة (أضعافا مضعفة) واتقوا الله لعلكم تفلحون

إخوتى الكرام الربا إن قل أو كثُر محرم طيب والآية

ص: 14

{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران/130]

إخوتى الكرام هنا يعنى ما الجواب على هذا الإشكال الذى أثاره هذا الشيطان وأمثاله فى هذه الأيام أن الربا المحرم هو الربا الفاحش

يا إخوتى الكرام هذه الآية كما تقدم معنا يعنى فى نظائرها عندنا فى كتاب ربنا ما هو محكم وما هو متشابه ما يحتمل معنى وما يحتمل عدة معانى، عندنا نحن نصوص قطعية فى تحريم الربا قل أوكثُر والنصوص فى ذلك متواترة وعندنا هذه الآية تحتمل ما فهمه هذا لعجمة قلبه لا لعجمة لسانه ولعله جمع العجمتين لكن معنى الآية ليس كما فهم

معنى الآية إخوتى الكرام مسوقة لزيادة ذم هذه الصورة التى يفعلها العرب فى الجاهلية فكأن الله جل وعلا يقول لهم الربا فى أصله محرم وجريمة واعتداء من الإنسان على أخيه واستغلال له إن قل أو كثر فكيف إذا كان الربا بهذه الصورة مطلق الربا حرام وكيف إذا كان فى هذه الصورة الذى فيها استغلال تام للإنسان أضعاف مضاعفة هذا كقول الله جل وعلا:

{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} [النور/33]

إكراه الإناث الجوارى على الزنا محرم إن أردن التحصن أو لم يردن لكن الصورة تزداد شناعة وقبحا عندما تكره الجارية على العهر وهى تريد العفة والطهر يعنى عملت جريمتين، هى طبيعتها تنفر من ذلك فأكرهتها والله حرم هذا فأيضا فعلته فجمعت بين بليتين واعتدائين هى لو كانت راغبة لا يجوز أن تسمح لها بمزاولة الزنا الذى حرمه ربنا فكيف وهى ممتنعة فإذاً الصورة سيقت بهذا الوضع لزيادة التقبيح لبيان ما حصل من رئيس المنافقين فى ذلك الحين على أن جريمته هى أشبع الجرائم يكره من تريد التحصن من تريد العفة من تريد العفاف والطهر يكرهها فإذاً مسوقة لزيادة ذم لأنها إذا رضيت فهذا جائز

ص: 15

وهنا كذلك يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا ثم الصورة التى يفعلونها أضعافا مضاعفة لزيادة التقبيح والتشنيع الذى كانوا يفعلونه فى جاهليتهم

ولذلك يقول الإمام النسفى فى تفسيره فى الجزء الأول صفحة واحدة وخمسين ومائتين يقول:

فى الآية نهى عن الربا مع التوبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه

هو نهى عن الربا مطلقا ثم فى هذه الصورة أضعافا مضاعفة مع التوبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه

هذه صورة إخوتى الكرام من صور الكفر الذى نعيشه فى هذه الأيام تطوير شريعة ذى الجلال والإكرام لتناسب أحوال الناس فى هذه الأيام حسب يعنى مشابهة الكفار اللئام نطور شريعة الله المطهرة فالبنوك لا بد منها للحياة الاقصادية وبنوك من غير فوائد ربوية لا يمكن ولذلك واقع الأمر البنوك الربوية انتشرت فى جميع البلاد بلا ستثناء ونسأل الله العافية والسلامة من ذلك

من جملة أيضا الأمور التى يقولها دعاة الشرور فى هذه الأيام والدعوة إلى ذلك كما قلت مكفرة يعنى من قال بشىء من ذلك فقد كفر قال الحياة لا تصلح إلا بالربا فقد كفر ومن قال إن الربا لا يحرم إلا إذا كان أضعافا مضاعفة والقليل منها ليحققوا مصلحة فقد كفر فلا بد من وعى هذا الأمر

أيضا من كلامهم المعسول وهو مرذول مردود يقولون رعاية المصالح شرائع الله جاءت لرعاية المصالح ولذلك أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله فتراه يأتى بمفاسد ثابتة ويقول مصلحة العباد تتوقف عليها وهذا يوافق روح الشريعة وإن خالف نصوصا جزئية يوافق روح الشريعة ، روح الشريعة تحقيق مصلحة الناس، نعم خالفنا نصوصا جزئية

ص: 16

هذا أمر آخر اختلاط المرأة بالرجل يخالف نصوصا جزئية لكن يوافق روح الشريعة الإسلامية وهى تنمية الاقتصاد والناس الآن فى حاجة إلى عمل روح الشريعة الإسلامية الناس يحققون المصلحة يصعب عليهم الصيام فى رمضان فلا بد من أن يفطروا وهم فى فطرهم يطيعون الرحمن لأن العمل عبادة ولذلك كما ذكرت لكم بعض الطواغيت يشرب الخمر على شاشة التلفاز فى نهار رمضان ويدعو رعيته للفطر لئلا يتأخر الاقتصاد لأنهم يعنى دولة نامية على تعبيرهم نامية أو نائمة أو ميتة العلم عند اله جل وعلا هذا إخوتى الكرام هذا التطوير كفر لكن نريد أن يطلى عليه ثوب الشريعة المطهرة وأن هذا الكفر مقدس هذا الكفر مشروع

روح الشريعة وقال بعض العتاة يعنى ممن يحسبون من الدعاة أيضا وهذا قول مكفر بلا شك يقول إن تعطيل الحدود الإسلامية فى هذه الأوقات وخروج النساء سافرات وإن خالف نصوصا جزئية فقد وافق روح الشريعة الإسلامية روح الشريعة الإسلامية يوافقها تحقيق المصلحة وإن المرأة ستلزم بالحجاب وتخرج بعد ذلك من أجل اقتصاد لا يمكن والله أمرنا بالسعى والكدح للحاجة التى نحن فيها فهذه مصلحة وهكذا بعد ذلك تعطيل الحدود وهكذا وهكذا مصالح نحققها ثم نحن مع هذا نطيع الله كيف؟ قال وافقنا روح الشريعة ،روح الشريعة حافظنا عليها وإن خالفنا نصوصا جزئية

هذا إخوتى الكرام هذه العبارات تسمعونها بكثرة فى هذه الأيام روح الشريعة والمصلحة وما شاكل هذا

ص: 17

إخوتى الكرام من الذى سيقدر المصلحة أنا أو أنت أو غيرنا من الخلق أو سيقدرها الإله الحق من الذى تقول هذا مصلحة وهذا مفسدة هذا ينبغى أن يقوله المشرع ينبغى أن يقوله العليم الحكيم سبحانه وتعالى وأما أنا وأنت وغيرى وغيرنا فقد نستحسن ما هو ضلال ولذلك كل أمة تستحسن جاهليتها التى هى عليها وترى أن المصلحة فيها وما أتى رسول من رسل الله الكرام على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه إلى قوم من الأقوام إلا عارضوه وانه خالف مصالحهم وما هم فيه مصلحة لهم وهذا جاء ليغير يعنى مصالحهم التى ألفوها واعتادوها فمن الذى سيقول هذا مصلحة وهذا مفسدة من الذى سيقول ،الذى سيقوله العزيز الغفور سبحانه وتعالى وأما ان تستباح المحرمات ضمن بعد ذلك ستار موافقة روح شريعة رب الأرض والسماوات هذا ضلال مبين

الشعارات الردية فى بعض الأماكن فى بلاد الشام كتب على مدرسة ولها شأن واعتبار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وحدة حرية اشتراكية يعنى بعد هذا الكفر يوجد كفر ما بقى بعد هذا الكفر كفر فجاء ضال مُضل من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ومن هؤلاء الذين كما قلت يطورون قال يعنى ينبغى أن تُكتب آية فوق هذا الشعار من اجل يعنى أن يكون هذا الشعار تفسير لهذه الآية وإيضاح لها

{إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء/92]

فكتب هذا ثم لما تُكلم معه يعنى كيف هذا الأمة هنا يراد منها الأمة الإسلامية والملة الإسلامية وأنت بعد ذلك يعنى أمة عربية قال استمعوا وقال هذا بدون حياء من الله جل وعلا يعنى فى جمع أمة عربية واحدة نعنى بها الأمة الإسلامية، ذات رسالة خالدة قال هى رسالة الإسلام وحدة قال الإسلام دين الوحدة حرية دين الحرية، اشتراكية قال اقصدوا بها الذكاء نقصد ونتلاعب يا نقصد ونتلاعب شعارات لها دلالات معبرات عند من قالها نحن سنقصد بالإشتراكية الذكاء وكما قال الشيطان الثانى الشاعر:

والإشراكيون أنت إمامهم

ص: 18

سنقصد يعنى نحن هذا لها مدلول معين فهذا إخوتى الكرام كما قلت كله من باب تطوير الشريعة لتتسع لضلالات الشنيعة هذا كفر من سلكه فهو كافر

وكان أئمتنا يقولون:

من كان لاعبا فلا يلعبن بدينه

إن أردت أن تعصى الله اعصِ وما أحد سلم من معصية نسأل الله أن يتوب علينا لكن اعصِ على أنك عاصٍ لا تعصى على انك مطيع والله ما طمع بهذا إبليس أن يعصى الله ويريد أجرا على معصيته إبليس ما طمع بهذا فنحن سنفعل المعاصى ثم ندعى أننا مطيعون للحى القيوم ما بعد هذا الجنون جنون من كان لاعبا فلا يلعبن بدينه قف عند حدك ولا داعى بعد ذلك لتطوير الشريعة لنجعلها تتسق مع الكفر وتتمشى معه فقفوا عند حدكم

إخوتى الكرام حقيقة ابتلينا بصنف فى هذه الأيام يحرفون دين الإسلام وحالهم كحال اليهود اللئام عليهم لعائن ذى الجلال والإكرام والله قال فى حق اليهود

{أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} [البقرة/75]

والتحريف إخوتى الكرام تغيير النص لفظا أو معنى شامل للأمرين إما أن يحرفه لفظا وأن يغيره يتلاعب فيه وإما أن يحرف معناه ونحن ابتلينا بهذا الصنف الذى يحرف معانى نصوص الشريعة المطهرة لتساير كما قلت الأنظمة الكافرة أنظمة الفجرة وفعل هذا كما قلت من المكفرات وقد خشى علينا نبينا عليه الصلاة والسلام وحذِر على أمته عليه الصلاة والسلام من هذا الصنف الخبيث أكثر من حذره وخشيته عليها من الدجال

ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى من رواية سيدنا النواس بن سمعان رضى الله عنه وأرضاه فى حديث الدجال الطويل وفيه أن نبينا الجليل عليه صلوات الله وسلامه قال:

غير الدجال أخوفنى عليكم من الدجال

عندما ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام الدجال وارتاع الصحابة وظنوه أنه فى طائفة من النخل قال عليه الصلاة والسلام غير الدجال أخوفنى عليكم من الدجال من؟

ص: 19

ثبت فى مسند الإمام أحمد بسند جيد من رواية سيدنا أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه قالوا من يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:

الأئمة المضلون إمام ضلالة لإمام حكم أو إمام دعوة إمام ضلالة هذا أشد خطرا على الأمة من الدجال لأنه يفسد فيها باسم الإسلام غير الدجال أخوفنى عليكم من الدجال الأئمة المضلون

وهذا الحديث إخوتى الكرام أعنى حديث سيدنا أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه بأن نبينا عليه الصلاة والسلام يخشى علينا من الأئمة المضلين أكثر من خشيته على هذه الأمة من الدجال رُوى عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين رُوى من رواية سيدنا أبى الدرداء رضى الله عنه وأرضاه فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير ومن رواية سيدنا أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه فى معجم الطبرانى الكبير ومن رواية سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه فى مسند الإمام أحمد ومن رواية سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه فى مسند أبى يعلى ومن رواية سيدنا شداد بن أوس وسيدنا ثوبان مولى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى مسند الإمام أحمد انظروا هذه الروايات فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة تسع وثلاثين ومائتين وانظروا رواية النواس بن سمعان وكما قلت إنها فى صحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائى فى جامع الأصول فى الجزء العاشر صفحة واحدة وأربعين وثلاثمائة غير الدجال أخوفنى عليكم من الدجال أئمة مضلون يدَّعون أنهم يطورون شرع الحى القيوم ليتمشى مع الكفر الملعون

نعم خشى علينا نبينا عليه الصلاة والسلام من كل منافق عليم اللسان

ثبت فى صحيح ابن حبان انظروا الإحسان فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين ومائة والحديث رواه البزار والطبرانى فى معجمه الكبير كما فى المجمع فى الجزء الأول صفحة سبع وثمانين ومائة ورواه البيهقى فى شعب الإيمان من رواية سيدنا عمران بن حصين رضى الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال:

ص: 20

إن أخوف ما أخاف على أمتى كل منافق عليم اللسان

والحديث إخوتى الكرام كما قلت رواه البزار والطبرانى وغيرهما لكن بالنسبة لإسناد البزار والطبرانى يقول الهيثمى فى المجمع رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان وصححه رجاله رجال الصحيح كما فى المجمع وقال الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الأول صفحة سبع وعسرين ومائة رواته محتج بهم فى الصحيح والحديث رُوى أيضا عن عدة من الصحابة الكرام كل منافق عليم اللسان

رواه الإمام أحمد فى المسند والإمام البزار وأبو يعلى من رواية سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه قال حذرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام كل منافق عليم اللسان والحديث رُوى من رواية سيدنا على وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل رضى الله عنهم أجمعين

هذه كما قلت إخوتى الكرام حالة سادسة من تلبس بها فقد كفر بشرع الله عز وجل أن يطور شريعة الله المطهرة لتتمشى مع أنظمة الكفرة الفجرة هذا كفر زمن فعله فهو كافر مرتد

هذا كما قلت فى ستة أحوال من عصى الله وخالف شرع الله جل وعلا فقد كفر بعد هذا إخوتى الكرام كما قلت يعنى هذا التفصيل الذى تقدم معنا للأحوال الثلاث للإنسان التى يكون حكم عندما يخالف شرع الرحمن إما أنه يعذر أو يأثم أو يكفر هذه الأحوال إخوتى الكرام الثلاث

قلت بعد ذلك سأستعرض الآيات التى فى سورة المائدة وفيها حكم الله جل وعلا بالكفر والظلم والفسق على من لم يحكم بشرعه المطهر

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)

إخوتى الكرام هذه الأوصاف الثلاثة لمن لم يحكم بشرع الله ولمن لم يحتكم إلى شرع الله جل وعلا يعنى سينزل عليها التفصيل المتقدم فانتبهوا لذلك إخوتى الكرام

ص: 21

الحالة الأولى تقدم معنا لا تدخل فى هذا لا يشمله الكفر ولا الفسق ولا الظلم لأن الحالة الأولى تقدم معنا ضابطها أنه ما قصد معصية الله عز وجل أوليس كذلك؟ تأول فيما فيه مجال للتأويل أو هو من أهل التأويل أخطأ من غير قصد ولا يريد المعصية، جهل كما قلت الحكم الشرعى ففعل ولا يظن أنه عاصٍ وتقدم معنا ما قصر ولا أعرض إنما فهم على حسب لغة قومه، ما فهم من النص الشرعى لكن فهمه خطأ ويصحح له الوضع والحالة الثالثة تقدم معنا أكره على المعصية ولا يريدها ولا يحبها فالحالة الأولى لا تدخل معنا فى هذه الآن فى هذه الأوصاف الثلاث

الحالة الثانية حقيقة تدخل معنا والحالة الثالثة تدخل كفر دون كفر أو كفر مخرج من الملة ظلم أكبر يعتدى به الإنسان على الله جل وعلا فيكفر أو أنه يظلم نفسه فيما بينه وبين ربه دون أن يصل إلى درجة الكفر وهكذا الفسق فسق يخرج عن الشريعة جملة وفسق يبقى كما قلت فى حظيرة الإسلام لكنه عاصٍ للرحمن هذا كما قلت سنطبق هذه الأوصاف الثلاثة عليها حسبما نقل عن سلفنا فانتبهوا لذلك إخوتى الكرام

أولا معنى هذه الألفاظ

الكفر

الكفر معناه الستر ستر الشىء معناه كفر به يقال كفَر الشىء وكفَّره إذا غطاه كفرَ السحاب السماء إذا سترها ومنع من رؤيتها ويقال كفر المتاع فى الوعاء أى غطاه وخبأه وأدخله فيه

الكفر بمعنى الستر ويأتى الكفر عندنا فى شريعة الله بمعنيين اثنين بمعنى كفر المُنعم وبمعنى كفر النعمة أى عمد شكر الله عز وجل أى الذى يقابل المعصية كفر المنعم جحوده هذا يخرجه من الملة كفر النعمة عدم القيام نحوها بما يجب من طاعة وشكر لله عز وجل هذا يدخله فى دائرة الفسوق العصيان دون أن يخرجه إلى دائرة الكفران كفر أكبر كفر أصغر وهو الذى يعبر عنه أئمتنا بالكفر العملى وكفر دون كفر لا يصل إلى درجة الكفر الاعتقادية هذا معنى اللفظ الأول الكفر

والظلم

ص: 22

معناه وضع الشىء فى غير موضعه المختص به إما بنقصان أو زيادة عليه ينقص منه يزيد عليه أو بعدوله عن وقته يعدل عنه عن وقته أو مكانه الذى ينبغى أن يوضع فيه شىء ينبغى أن يوضع فى موضع يختص به ذلك الموضع فوضعته فى غير ذلك الموضع، زدت، نقصت فى مكان آخر فى وقت آخر، هذا يقال له ظلم وضع الشىء فى غير موضعه ظلم (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)

فمن تركها ظلم نفسه، من قدمها ظلم نفسه، من أخرها ظلم نفسه إلا من عذر هذا كله وضع للشىء فى غير موضعه، فى الزمن يعنى الذى ينبغى أن تفعل فيه ما فُعلت فعلها فى مكان نُهى عن فعلها فى ذلك المكان، هذا كله ظلم زاد نقص هذا كله ظلم فقس على ذلك

إذاً وضع الشىء فى موضعه المختص به هذا هو العدل والظلم ألا تضع الشىء فى موضعه المختص به بحيث تزيد أو تنقص أو تنحرف به عن زمانه أو عن مكانه الذى ينبغى أن يوضع به أو يفعل فيه هذا كله ظلم

إخوتى الكرام والظلم إذاً مجاوزة الحد، مجاوزة الحق ويكون أيضا ظلما يخرج من الملة (والكافرون هم الظالمون)(إن الشرك لظلم عظيم) ويكون أيضا ظلم أصغر وهو أن يقع الإنسان فى دائرة المعاصى والفسوق دون أن يكفر بالله جل وعلا ومن ذلك قول أبينا وأمنا آدم وحواء على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه

{قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [الأعراف/23]

ظلم، إبليس ظالم وأبونا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه يخبر عن نفسه بأنه ظلم نفسه، هل هذا الظلم كهذا الظلم؟

لا ثم لا ذاك ظلم وكفر وهذا ظلم إنما وقع فى دائرة المخالفة يعنى التى غُفرت له وما قصد المعصية لكنه ظلم نفسه، وضع الشىء فى غير موضعه عندما ما امتثل الأمر واجتنب النهى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إذاً هذا ظلم وهذا ظلم لكن شتان ما بين الظلمين

ولفظ الفسق

ص: 23

إخوتى الكرام معناه فى اللغة الخروج فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها ويقال للفأرة فويسق وفويسقة لأنها تخرج من جحرها وبيتها مرة بعد مرة ولا تستقر فيه مع ما فيها من الخبث والأذى والفساد فويسقة تكثر الخروج

إذاً الفسق معناه الخروج فمن خرج يعنى عن شرع ربنا المعبود جملة وتفصيلا فهو فاسق ومن خرج فى بعض الأمور وعصى الله دون أن يجحد بقلبه وأن يكفر بربه فهو فاسق هذا فسق وهذا فسق

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)[الكهف/50]

فسقه فسق كفر وهكذا قول الله جل وعلا فى سورة النور

{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور/55]

والآيات فى ذلك كثيرة

وتقرير هذه الأمور إخوتى الكرام على أن الكفر يأتى بمعنى الكفر الذى يخرج من الملة وسرد النصوص على ذلك والكفر على أنه يأتى بمعنى كفر أصغر عملى كفر دون كفر وسرد النصوص على ذلك وهكذا فى الظلم والفسق يعنى يحتاج لمواعظ فهذا ليس كما قلت من مجال بحثنا فى هذا الحين،

لكن الكفر يأتى كما قلت فى اللغة بهذا المعنى وله عندنا فى الشريعة المطهرة نوعان كفر أصغر، كفر أكبر ،كفر اعتقادى، كفر عملى، كفر كما قلت يخرج من الملة وكفر دون كفر وهكذا الظلم وهكذا الفسق

انظر لاستعمال لفظ الفسق فى معنى المعصية يقول الله فى سورة النور فى نفس السورة التى استعمل الفسق فيها بما يدل على الكفر استعمل الفسق فيها بما يدل على المعصية

{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} [النور/4-5]

ص: 24

والفسق هنا باتفاق أئمتنا لا يراد منه الفسق الذى يخرج من الملة إنما يحُكم على الإنسان بالفسق ترد شهادته تسقط عدالته وترد شهادته ويجلد ثمانين جلدة

(فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم)

ولذلك إذا تاب يعنى فاجلدوهم ثمانين جلدة لا تسقط عنه بالاتفاق أوليس كذلك؟

(فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون)

فهل يعود إلى المذكورَينِ الأخيرين يعنى قبول الشهادة ورفع الفسق؟ أئمتنا على قولين فى ذلك قيل يرفع الفسق ولا تقبل شهادته وقيل يرفع الفسق وتقبل الشهادة، على كل حال إخوتى الكرام الشاهد أن الفسق هنا لا يراد منه الفسق الذى يخرجه من دين الله عز وجل بحيث يكون من عداد الكافرين ولوكان كذلك لما جُلد ثمانين جلدة لضُربت الرقبة

إذن الفسق يأتى بهذا المعنى وبهذا المعنى والنصوص كما قلت فى ذلك كثيرة

إذن عندنا الكفر يأتى بهذين المعنيين وهكذا الظلم وهكذا الفسق ،من المراد بهذه الآيات وهذه الأوصاف؟

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(فأولئك هم الظالمون)(فأولئك هم الفاسقون)

غاية ما ذكر أئمتنا فى كتب التفسير كما ذكر ذلك الإمام الطبرى فى تفسيره فى الجزء العاشر صفحة ست وأربعين وثلاثمائة إلى ثمان وخمسين وثلاثمائة فى قرابة اثنتى عشرة صفحة وهكذا الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى الجزء الثانى صفحة ست وتسعين وثلاثمائة والإمام ابن كثير فى تفسيره فى الجزء الثانى صفحة ستين وانظروا الآثار مجموعة فى الدر المنثور فى الجزء الثانى أيضا صفحة ست وثمانين وثلاثمائة

خلاصة ما ذُكر وحاصل ما ذكر فى بيان المراد بتلك الأوصاف إذا حكم بغير شريعة الله فهو كافر ظالم فاسق خمسة أقوال:

أولها المراد بذلك أهل الكتاب

ص: 25

هذه الآيات نازلة فيهم واقرأ الآيات واقع الأمر سياقها يدل على ذلك {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون *وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون *وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين *وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة/46-47]

هذه الآيات كلها فى سياق ما ذُكر لأهل الكتاب إنها فى أهل الكتاب قول اول

قول ثانى هى فيهم ويراد بها جميع الناس

أى كل من اتصف بهذ الوصف على أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب والوقائع التى نزلت فيها

القول الثالث

كما قلت هذا فى كتب التفسير هى فيهم فى أهل الكتاب لكن تشمل المسلمين من باب أولى، انتبه هناك يقول فيهم وفى غيرهم على السواء إنما هنا يقول إذا كان أهل الكتاب يكفرون ويظلمون ويفسقون إذا لم يحكموا بالتوراة والإنجيل فنحن إذا لم نحكم بكلام الله الجليل يثبت لنا هذا الوصف من باب أولى فقد أنزل الله علينا أفضل كتبه وبعث إلينا أعظم رسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فإذاً عدم تحكيم شريعته والاحتكام إليها كفر من باب أولى على القول الثانى يعنى فيهم وتشمل من اتصف بهذا هنا فيهم ونحن نُعَيَّرُ بذلك من باب أولى فإذا كان اليهود يكفرون إذا لم يحتكموا إلى التوراة فنحن من باب أولى نكفر إذا لم نحتكم إلى كلام رب الأرض والسماوات

القول الرابع كفر دون كفر

ص: 26

والأقوال كلها إخوتى الكرام منقولة عن السلف وثابتة عنهم كفر دون كفر وهذا ثابت عن سيدنا عبد الله بن عباس وغيره فى تفسير الطبرى ومستدرك الحاكم بسند صحيح كالشمس مع ثبوت القول الأول بأنه أيضا كفر يخرج من الملة كما سيأتينا كفر دون كفر قال ليس بكفر ينقل عن الملة هذه فى حالة خاصة

والقول الخامس الكفر للجاحد، كفر دون كفر هذا القول الرابع

إخوتى الكرام القول الأول فى أهل الكتاب والثانى فيهم وفى غيرهم على السواء والثالث فيهم وفى هذه الأمة من باب أولى والقول الرابع قول سيدنا عبد الله بن عباس كفر دون كفر والظلم والفسق هو بمعناها الاصطلاحى عندنا الذى لا يخرج من الملة إنما فى حق الكفر يقول كفر دون كفر ليس بالكفر الذى ينقل عن الملة

والقول الخامس الكفر فى حق الجاحد والظلم والفسق فى حق المقر

مقر بحكم الله وانحرف عنه ما حكم به ولا احتكم إليه ظالم فاسق بالمعنى الاصطلاحى الذى لا يخرجه من الملة جحد حكم الله فهذا يكفر ويخرج عن الملة المباركة عن الملة الإسلامية

وخلاصة الكلام إخوتى الكرام الذى يتأمل الآيات والآثار المنقولة عن السلف الكرام نعم لا يرتاب فى أنها فى أهل الكتاب لكن حكمها عام عند أولى الألباب لكن الذى يحكم أو يحتكم إلى غير شرع الكريم الوهاب له حالتان عند أهل السنة بلا ارتياب أشار إليهما الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير استمعوا إلى كلامه رضى الله عنه وأرضاه قال:

(وفصل الخطاب هذا كلام الإمام ابن الجوزى بالحرف أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا له وهو يعلم أن الله أنزله كما فعلت اليهود فهو كافر ومن لم يحكم به ميلا إلى الهوى من غير حجود فهو ظالم وفاسق)

وعليه الآيات تشمل كل من خرج عن حكم الله لكن له حالتان إن جحد كفر وإن أقر وانحرف ظلم وفسق

ص: 27

ثبت فى مستدرك الحاكم فى الجزء الثانى صفحة اثنتى عشرة وثلاثمائة بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الإمام الذهبى والأثر فى تفسير الإمام الطبرى فى الجزء العاشر صفحة خمسين وثلاثمائة ورواه الإمام ابن أبى حاتم فى تفسيره وهكذا الإمام عبد الرزاق كما فى الدر المنثور فى المكان الذى أشرت إليه آنفا

عن سيدنا حذيفة رضى الله عنه وأرضاه ذُكر امامه هذه الآيات وتليت أمامه هذه الآيات،

فقال قائل هذه فى أهل الكتاب ليست فينا

فقال نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم كل حُلوة ولهم كل مرة

كل حلو لكم وكل مر عليهم ولهم نعم الإخوة لكم يعنى هذا تضعون عليهم البلاء وأنتم تأخذون الخير والنعماء

والله لتسلكن طريقهم قدر الشراك بمقدار الشراك حذو النعل بالنعل وحذو القُذة بالقذة

فانتبهوا لأنفسكم ما يشملهم يشملكم

وهذا الأثر إخوتى الكرام ثابت عن سيدنا حذيفة رضى الله عنه وأرضاه رُوى نظيره ومثله عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين فى تفسير ابن المنذر كما فى الدر المنثور قال:

نعم القوم أنتم إن كان ما كان من حُلوة فهو لكم وما كان من مر فهو لأهل الكتاب

إخوتى الكرام بهذا التفصيل الذى ذكرته يظهر الجمع بين تلك الأوصاف لمن انحرف عن شرع الله الجليل فانتبهوا لهذه الحالة وهذا الجمع لنأتى إلى الحالة الثانية التى يعصى الإنسان فيها ربه عندما لا يحتكم إلى شريعة الله ولا يحكم شرع الله فهو كما قلت فاسق عاص آثم ليس بكافر ولا مرتد (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون) طبق هذه الأصاف عليه كفر النعمة كفر عملى كفر دون كفر إذا كان يقر بأن شرع الله هو الحق وأن ما فعله هو سفاهة وضلال شهوته غلبته وهو معترف بذنبه منكسر لربه

فأولئك هم الفاسقون الذى كما قلت بمعنى المعصيى لا يخرجه من الملة فأولئك هم الظالمون جاوز الحد

ص: 28

هذه الأوصاف الثلاثة تنطبق عليه كما قلت بمعناها اللغوى وبمعناها الاصطلاحى بمعناها اللغوى ستر نعمة الله بمعناها اللغوى ظلم وتجاوز الحد بمعناها اللغوى خرج من الهدى إلى الردى ومن العدل إلى الجور بمعناه الاصطلاحى عندنا كفر دون كفر والظلم والفسق بمعناه المعروف الذى لا يخرجه من الملة وإذا كان يتصف بالحالة الثانية وهى الثالثة عندنا بواحدة من الأمور الستة التى تقدمت معنا حكم بغير ما أنزل الله واحتكم إليه فعل معصية على حسب الأمور الستة أى كفر إما أنه رأى أن حكم الله ليس بحق ولا صواب فى هذه القضية وخالف أو كما تقدم معنا حق وصواب لكن قال ما نحن عليه أهدى أو قال نحن وشرع الله ما نحن عليه وشرع الله سواء ونحن بالخيار نأخذ بهذا وهذا الأمر مستويان أو قال ما نحن عليه دون شرع الله لكن يباح لنا أن أن نأخذ به أو استخف واستهزأ وعاند وعارض أو طور شريعة الله وحرف دين الله ليتمشى مع الكفر فهو كافر كافر فى هذه الأحوال طبق عليه الآيات (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون) كفر جحود خرج من الملة (فأولئك هم الظالمون)(والكافرون هم الظالمون) هو ليس المراد منه المعنى الاصطلاحى الذى هو الظلم الذى لا يخرجه من الملة

فأولئك هم الفاسقون المعنى العام فى لسان الشرع بمعنى الخروج من شريعة الله وعليه هو ستر الحق وظلم عندما كفر بالله عز وجل ولم يعبده ولم يلتزم بشرعه وفسق خرج من الإيمان إلى الكفر

وعليه اختلفت هذه الصفات لاختلاف الاعتبارات وهذا ما قال عنه أئمتنا اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات

فإذا نظرت إليه لأنه ستر الحكم الشرعى تقول عنه كافر لأنه تجاوزه ووضع الأمر فى غير موضعه تقول عنه ظالم لأنه خرج من الهدى إلى الردى تقول عنه فاسق، اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات

وهو فى هذه الأحوال الثلاثة إما أن يكون الكفر فيه كما قلت كفرا أكبر يخرجه من الملة أو كفرا عمليا على حسب حاله فى معصيته لربه

ص: 29

إخوتى الكرام ينبغى أن نعلم فى ختام المبحث أن من استباح القوانين الجالهلية فهو كافر برب البرية

وللإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا الجليل فى هذا كلام محكم جليل سأقرأه عليكم من تفسيره فى الجزء فى صفحة سبع وستين عن قول رب العالمين:

{أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة/50]

وأختم الكلام على هذه المسألة بكلامه رحمة الله ورضوانه عليه يقول: (ينكر تعالى على من خرج عن حكْم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التى وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله عز وجل كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذى وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصار فى بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه فى قليل ولا كثير قال تعالى:

(أفحكم الجاهلية يبغون) أى يبتغون يريدون وعن حكم الله يعدلون (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أى ومن أعدل من الله فى حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم ان الله أحكم الحاكمين وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها فإنه تعالى هو العالم بكل شىء القادر على كل شىء العادل فى كل شىء)

ص: 30

وقال عليه رحمة الله فى البداية والنهاية فى حوادث سنة أربع وعشرين ستمائة عند ترجمة هذا الشيطان الرجيم جنكيز خان الذى وضع للتتار الياسَق ويقال له الياسا ويأخذونها ويحتكمون إليها كما قلت فى حوادث أربع وعشرين ستمائة لأنه فى هذه السنة هلك جنكيز خان ملك التتار فى الجزء الثالث عشر صفحة ثمانى عشرة ومائة يقول:

(هو الذى وضع لهم جنكيز خان الياسا التى يتحاكمون إليها ويحكمون بها وأكثرها مخالف لشرائع الله وكتبه وهو شىء اقترحه من عند نفسه وتبعوه فى ذلك)

ثم ذكر مما يوجد فى الياسق

ص: 31