المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٥٢

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد إخوتى الكرام

لا زلنا نتدارس مقدمة لدروس الفقه التى سنشرع فى مدارستها بعون ربنا وتوفيقه وقلت هذه المقدمة تقوم على أمرين اثنين الأمر:

الأول على تعريف علم الفقه ومنزلته ووجوب الاحتكام إلى شريعة الله جل وعلا وقد مر الكلام على هذه الأمور مفصلا فى المواعظ الماضية

ووصلنا إلى الأمر الثانى من المقدمة لدروس الفقه التى سنتدارسها قلت فى ترجمة أئمتنا ساداتنا الفقاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين سيدنا أبو حنيفة وسيدنا مالك وسيدنا الشافعى وسيدنا أحمد رضوان الله عليهم أجمعين

إخوتى الكرام قبل أن نشرع فى ترجمة موجزة لأئمتنا وقلت سأجمل ترجمة كل واحد منه فى موعظة بعون الله وتوفيقه قبل أن نشرع فى مدارسة تراجمهم المباركة رضوان الله عليهم أجمعين، ينبغى أن نعلم أننا عندما نتدارس تراجمهم وأحوالهم أن هذا ليس من باب النافلة والاستطراد إنما هو حق على العباد وعلى أهل النُّهى والرشاد أن يعرفوا أحوال أئمتنا فهم أولياء الله رضوان الله عليهم أجمعين ولذلك أثر عظيم فى نفوس المكلفين فأخبار الصالحين تقوى اليقين وتشد صلة الإنسان برب العالمين ومدارسة أخبارهم لون من ألوان الدعوة إلى دين رب العالمين

ص: 1

نعم إخوتى الكرام للقصة فى حد ذاتها آثار جلية على النفس البشرية ولذلك كثر ورودها فى الآيات القرآنية فى أحاديث نبينا خير البرية عليه صلوات الله وسلامه

القصة إخوتى الكرام تستروح إليها النفس البشرية وتحبها وتسترسل معها وتميل إليها وهذا شعور فطرى فيها وعدا عن هذا الأمر عدا عن هذا القصة أيضا طريقة لغرس مبادىء الخير فى النفوس البشرية حيث تتغلغل المعانى الذى فى القصة تتغلغل قيم الخير تتغلغل مُثل الفضيلة فى النفس البشرية بسهولة دون قصد ودون شعور لأننى كما قلت الإنسان يميل إلى سماع القصص وإلى سماع الأخبار وهذه فطرة فيه فطره عليها العزيز القهار سبحانه وتعالى فعندما تحمل تلك القصص فى طياتها المعانى الشريفة النبيلة تتغلغل فى النفس من حيث لا يشعر الإنسان ومن حيث لا يقصد ذلك الأمر لكن عند السماع يتأثر الإنسان فتسرى تلك المعانى الجميلة النبيلة فى النفس البشرية من حيث لا يشعر ومن حيث كما قلت لا يقصد من غير شعور ولا قصد تسرى الفضيلة فى ذراته

ولذلك إخوتى الكرام قرر علماؤنا رضوان الله عليهم أجمعين أن آيات القرآن دار موضوعها حول ثلاثة أمور حسان:

أولها موضوع توحيد ذى الجلال والإكرام هذا النوع الأول

ثانيها دار حول الأحكام ما ينبغى أن يفعله الإنسان من حلال وما يبغى أن يتركه من حرام حول ما يتعلق بسلوك الإنسان إذن توحيد للرحمن وأحكام

والأمر الثالث قصص حسان القرآن من أوله لآخره يدور حول هذه الأمور الثلاثة توحيد عقائد وأحكام وقصص المراد من القصص توكيد هذين الأمرين والدعوة إليهما من حيث لا يشعر الإنسان فهى تقرر أمور التوحيد بالله المجيد وهى أيضا تثبت الأحكام الشرعية بصورة لا شعورية عندما تذكر القصص وفى طياتها توحيد الله جل وعلا وفى طيها الأحكام الشرعية التى تتعلق بها النفوس البشرية إذن القرآن الكريم عقائد توحيد الله أحكام تتعلق بأفعال وسلوك الإنسان قصص حسان وقد أشار إلى ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام

ص: 2

ففى مسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام مالك فى الموطأ والبخارى فى صحيحه ورواه الإمام أبو داود والنسائى فى السنن والإمام ابن الضريض فى فضائل القرآن والبيهقى فى السنن الكبرى والحديث صحيح صحيح فهو من رواية فقد رواه البخارى كما سمعتم فهو فى صحيح البخارى وفى غير ذلك من كتب الحديث فعن سيدنا أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه قال:

إن رجلا من الصحابة الكرام سمع رجلا من الصحابة الكرام يقرأ فى جوف الليل سورة الإخلاص قل هو الله أحد ويكررها، هذا وِرده يقوم بها ويكررها إذا انتهى منها عاد إليها، إذا انتهى منها عاد إليها فلما أصبح جاء إلى النبى عليه الصلاة والسلام وأخبره أنه سمع بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قام ليلته أجمع بسورة الإخلاص يكررها وكأن الرجل يتقالها فقال النبى عليه الصلاة والسلام والذى نفسى بيده إنها لتعدل ثلث القرآن

وفى بعض روايات الحديث من رواية سيدنا أبى سعيد الخدرى أيضا رضى الله عنه وأرضاه أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين:

أيعجِز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن كل ليلة فشق عليهم ذلك وقالوا أينا يطيق ذلك يطيق ذلك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام

وكأنهم فهموا ثلثا من حيث الحجم يعنى ثلاثون جزءا ينبغى أن يقرأوا عشرة أجزاء شق عليهم قالوا أينا يطيق ذلك يلتزم عشرة أجزاء كل ليلة فقال نبينا عليه الصلاة والسلام:

إن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن

وهذا الحديث إخوتى الكرام متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام رُوى عن سيدنا أبى الدرداء وعن سيدنا أبى أيوب وعن سيدنا أبى هريرة وعن سيدنا عمر وعن ابنه سيدنا عبد الله بن عمر وعن سيدنا أنس وعن سيدنا عبد الله بن مسعود وعن سيدنا أبى بن كعب وعن سيدنا معاذ بن جبل وعن سيدنا النعمان بن قتادة هؤلاء عشرة وعن رواية أبى سعيد الخدرى، أحد عشر صحابيا يروون هذا الحديث أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن

ص: 3

انظروا هذه الرويات إخوتى الكرام فى جامع الأصول فى الجزء الثامن صفحة خمس وثمانين وأربعمائة وفى الدر المنثور فى الجزء السادس صفحة أربع عشرة ورأربعمائة

إذن تعدل ثلث القرآن أصاب أئمتنا فى توجيه كلام نبينا عليه الصلاة والسلام أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن

ما المراد بهذا الثلث؟

أوجه ما قيل فى ذلك ما استظهره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية كما فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثانى عشر صفحة أربع وثلاثين ومائة وحكاه الحافظ فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة واحدة وستين:

أنها ثلث القرآن من حيث محتوى القرآن ومن حيث موضوع القرآن ومن حيث المعانى التى عالجها ودل عليها القرآن،

فالقرآن يدور على ثلاثة أمور حسان:

أولها توحيد الرحمن

ثانيها أحكام تتعلق بفعل الإنسان

ثالثها قصص حسان

والمراد من القصص تقرير وتثبيت وتوكيد ما تقدم من توحيد الله جل وعلا ومن الأحكام التى تتعلق بأعمال المكلفين

إذن القصص لها شان فالله فى كتابه قص وسمى سورة بكاملها سورة القصص هذا عدا عن السور التى تسمى بسورة لقمان بسورة الكهف بسورة آل عمران بسورة مريم هذه كلها قصص لغير الأنبياء حتى قصص لغير الأنبياء على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه كما سيأتينا لقمان ليس بنبى على المعتمد، أصحاب الكهف ليسوا بأنبياء، مريم ليست بنبية،

قصص ورد أخبار هؤلاء فى كلام الله عز وجل لا لقتل الوقت والتسلى إنما كما قلت للدعوة إلى الله جل وعلا وتثبيت العقائد فى القلوب انتبه من حيث لا يقصد الإنسان ولا يشعر وهى أيضا لتوكيد الأحكام والدعوة إلى الفضيلة على التمام من حيث لا يقصد الإنسان ولا يشعر لأن الإنسان طبيعته يستروح للقصة يميل إليها يحبها يتعلق بها فتذكر أخبار المتقدمين وفى ثناياها وفى طياتها توحيد رب العالمين وتقرير الأحكام فى الدين فيتغلغل ذلك فى نفوس المكلفين

ص: 4

وعليه عندما سنتدارس أخبار أئمتنا لتسرى تلك الفضائل التى فيهم فى نفوسنا من حيث لا نشعر ومن حيث لا نقصد وحقيقة دواء عظيم لقلوب المكلفين ذكر أصحاب الصالحين أن يتذاكروها فى كل حين أخبار الصالحين

إخوتى الكرام كما قلت قص الله علينا فى سورة كاملة سورة العبد الصالح لقمان وسمى السورة باسمه وهو ليس بنبى على المعتمد عند أئمة الإسلام وقد13:20على هذا أئمتنا،

قال الإمام البغوى فى معالم التنزيل فى الجزء لخامس صفحة خمس عشرة ومائتين:

اتفق العلماء جميعا على أنه كان حكيما ولم يكن نبينا ولم يخالف فى ذلك إلا عكرمة مولى سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين

ما خالف إلا عكرمة فزعم أنه نبى وأئمتنا ما وافقوه وردوا عليه ذلك والإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى الجزء السادس صفحة سبع عشرة وثلاثمائة قول حكى الواحدى بسنده أيضا عن السُدِّى والشعبى أنهما قالا إن لقمان نبى وعليه عكرمة والسدى والشعبى، عقب على ذلك الإمام ابن الجوزى بقوله ولا يعرف هذا إلا عن عكرمة أنه تفرد به لا يعرف هذا عن السدى فالسدى مع من قال إن لقمان ليس بنبى وهكذا الشعبى لا يعرف هذا القول إلا عن عكرمة وأئمتنا كما قلت إخوتى الكرام ما ارتضوا قوله وقالوا إن الله نعته بالحكمة فى كتابه فقال {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد} [لقمان/12]

فإن قال قائل إن النبوة تفسر بالحكمة فيقال لا يصلح أن يفسر الأخص بالأعم فهنا الحكمة أعم من النبوة ولو أعطاه الله النبوة لنعته بوصف النبوة فكل نبى حكيم ولا عكس فأطلق الأعم وأراد الأخص هذا لا يمكن!!

ص: 5

لا بد من أن يذكره بنعت النبوة إذا كان نبيا وتقدم معنا أن الحكمة هى فعل ما يبنغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى وهى إصابة الحق علما وقولا وعملا وهى وضع الشىء المناسب فى الزمن المناسب فى المكان المناسب كما تقدم معنا ضمن المباحث القريبة فى الفروق بين شرع الخالق والمخلوق فقلت صاحَبَ شرع الخالق حكمة تامة وبينت معنى الحكمة عند هذا الفرق المعتبر من الفروق التى تقدم مدارستها

إذن آتاه الله جل وعلا الحكمة قص علينا ربنا جل وعلا خبره، حقيقة عندما يستمع الإنسان قصته تسرى كما قلت الفضيلة المثل الجليلة فى نفس السامع من حيث لا يشعر

{ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد} [لقمان/12]

ثم بعد ذلك والد يتعهد ولده

{وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه (انتبه) يا بني لا تشرك بالله (تقرير أمر العقيدة) إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان/13]

ثم انتقل إلى أمر آخر بعد أن بين له حق الله عليه بين أعظم حقوق الخلق عليه وهو حق الوالدين (ووصينا الإنسان بوالديه) أى هذا من جملة ما ألهم الله به العبد الصالح لقمان ان يقوله لولده وقيل إنه كلام جاء على نهج الاستطراد ضمن وصية العبد الصالح لقمان وتقرير هذا يكون ضمن مواعظ التفسير إذا وصلنا إلى سورة لقمان بتوفيق ذى الجلال والإكرام،

يعنى هل هذا مما قاله لقمان لولده أو كلام أُتى به على نهج الاستطراد ضمن وصية العبد الصالح لقمان للتحذير من الشرك الذى ورد فى وصية لقمان لا تشرك بالله فى بعد ذلك الوصية بالأبوين أم نهى عن الشرك؟

{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون *يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير} [لقمان/15-16]

كله هذا فى أمر العقائدثم جاء بعد ذلك

ص: 6

{يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور*ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور *واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان/17-19]

إذن هذا القصص هذه القصة جاءت لمَ؟

لتقرير وتوكيد أمر التوحيد ولتقرير وتوكيد الأحكام الشرعية العملية التى ينبغى أن يقوم بها المكلفون فى هذه الحياة عقائد وأحكام لكن ضمن قصص ما وُجِّه هذا للعباد إنما لقمان أوصى ولده بما أوصاه به يدل على هذا وهذا

والقرآن كما قلت دار على هذه الأمور الثلاثة عقائد توحيد الله عز وجل أحكام عملية تتعلق بأفعال المكلفين قصص يراد منه تقرير هذين الأمرين وتوكيدهما من حيث لا يقصد الإنسان ولا يشعر حيث تسرى الفضيلة فى نفسه ويُقرر ذلك الأمران فى نفسه كما قلت من دون قصد منه ولا شعور منه بذلك

إخوتى الكرام هذا العبد الصالح حقيقة أشار الله إلى ما أعطاه من حكمة وذكر بعض حِكمه فى السورة التى سماها باسمه وفى ذلك أيضا استلهاب الهمم والعزائم للبحث فى حكمة هذا العبد الصالح حسب النظر فى حياته وحقيقة أئمتنا نقلوا هذا حسب ما ورد فى الكتب السابقة وقد أُذن لنا أن نتحدث بما كان فيهم وبما صدر منهم مما لا يدل شرعنا على المنع منه

وحقيقة أئمتنا المفسرون قاطبة أوردوا نماذج من حكمة هذا العبد الصالح دون هذه القصة بحيث تسرى تلك الفضائل فى النفس ضمن قصة عبد صالح يقول الحكمة وينصح عباد الله ذريته والناس أجمعين

فمما أوردوا من حكمته رضى الله عنه وعن سائر الصديقين الكرام ما ثبت فى كتاب الزهد للإمام أحمد صفحة تسع وأربعين أنه قال لولده:

يا بنى ما ندمت على سكوتى قط ولئن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب

ص: 7

ما ندمت على سكوتى قط ما مرة سكت وندمت إنما الإنسان يندم إذا تكلم ولذلك من حفظ سره وما تكلم به كان فى الخيرة فى يده إن شاء أن يتكلم وإن شاء أن يسكت هو أدرى لكن إذا باح الآن صار أمره بيد غيره وهنا كذلك ما ندمت على سكوتى قط ولئن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب

ورضى الله على أئمتنا عندما قالوا:

إن كان يعجبك السكوت فإنه قد كان يعجب قبلك الأخيار قد كان يعجب قبلك الأبرار

ولئن ندمت على سكوتك مرة فلتندمن على الكلام مرارا

إن السكوت سلامة ولربما زرع الكلام عدواة وضرارا

إذن هذا من حِكمه وحقيقة التقى ملجم ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه فاستمع لهذه الحكمة وضمن وصية:

يا بنى ما ندمت على سكوتى قط ولئن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب

ومن حِكمه ما رواه الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وعشرين وأربعمائة فى كتاب التفسير فى تفسير سورة سبأ فى قصة نسج العبد الصالح نبى الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه للدروع وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم وأقره عليه الذهبى والحديث رواه الإمام ابن حبان فى كتاب روضة العقلاء ورواه الإمام العسكرى فى الأمثال ورواه البيهقى فى شعب الإيمان وانظروا تخريج الحديث فى شرح الإحياء فى الجزء الثالث صفحة خمس ومائة لأنه رُوى مرفوعا بسند ضعيف

ص: 8

قال العراقى هذا معروف عن سيدنا أنس رضى الله عنه وأرضاه من كلام العبد الصالح لقمان قال سيدنا أنس رضى الله عنه وأرضاه كان لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان مع نبى الله داود على نبينا وعليهما أفضل الصلاة وأزكى السلام فكان داود يقدر فى السرد وينسج الدروع ويُحكم صنعتها والعبد الصالح لقمان ينظر إليه وما عرف ماذا يعمل فى أول الأمر يعنى ينسج حلق الحديد مع بعضها ليكون منها درع ماذا يريد العبد الصالح داود من هذا ما عرف لقمان وعلى طريقته ما أنه ما ندم على سكوته فسكت وما تكلم فلما انتهى نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام من نسج الدرع قام ولبسه وقال:

نعم الدرع للحرب

فقال لقمان الصمت حكمة وقليل فاعله

أردت أن أسألك فسكت فأعلمتنى دون سؤال ،الصمت حكمة وقليل فاعله والبلاء موكل بالمنطق حقيقة هذه القصة الحكيمة المحكمة عندما يسمعها الإنسان تسرى كما قلت تلك الفضائل فى نفسه من حيث لا يشعر الصمت حكمة وقليل فاعله

وروى الإمام أحمد فى الزهد فى المكان المتقدم فى أخبار العبد الصالح لقمان صفحة تسع وأربعين أنه كان يقول:

ضرب الوالد لولده ضرب الإستاذ لتلميذه كالسَماد للزرع

ولد من غير أن يُضرب ويؤدب لا يصلح يعنى يخرج فيه بعد ذلك بذاءة وميوعة لا بد من شدة عليه من أجل مصلحته هذا كالزرع لا بد له من سماد وليس معنى الضرب أنك تضربه لتكسر عظامه لا ثم لا، يعنى لا بد حقيقة من أن يُخوف وأن يعنى يصاحب حياته رغبة ورهبة ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع

وكان يقول كما روى عنه ذلك الخطيب البغدادى:

يا بنى الدَّين هم بالليل وذل بالنهار

ص: 9

حقيقة إذا كان على الإنسان دَين يسقط رأسه فى النهار ممن يلاحقه ويطالبه ويريد أن يرفع أمره إلى القضاء من أجل أن يودعه فى السجن وأما فى الليل يتقلب على فراشه فى هم وغم كيف سيؤدى الحقوق إلى أصحابها وهل يعنى تأتية المنية قبل أداء هذه الحقوق فيلقى بها رب البرية حقيقة هم بالليل ذل بالنهار والإنسان كلما استغنى بنفسه عن غيره ولم يحتج إلا إلى ربه كان حقيقة أعز له وأسلم لنفسه فهذا أيضا من وصايا هذا العبد الصالح لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان

وكان يقول كما فى شعب الإيمان للبيهقى والأثر وراه عبد الله بن سيدنا الإمام أحمد فى زوائد الزهد ورواه الإمام الصابونى فى كتاب27:16وليس عندى خبر عنه إنما هذا بواسطة الدر المنثور فى اخبار العبد الصالح لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان الدر المنثور فى تفسير سورة لقمان فى الجزء الخامس أورد هذا لكن ما حددت الصفحة على كل حال ترجعون إلى الدر المنثور فى تفسير سورة لقمان عزاه كما قلت إلى الصابونى وإلى غيره يقول:

يا بنى إنى حملت الجندل والحديد والجندل هى الحجارة حملت الجندل جندل الحجارة الثقيلة والحديد فما رأيت أثقل من جار السوء

والله إنه أثقل الجندل والحديد وأثقل من الجبل جار السوء نعوذ بالله منه يا نبى إنى حملت الجندل والحديد فما رأيت أثقل من جار السوء

من كلامه المحكم حقيقة كما روى عنه البيهقى فى شعب الإيمان يقول ليس غنى كصحة ولا نعيم كطيب نفس

ص: 10

لا يوجد أنعم ممن هو طيب النفس منشرح الصدر ولا يوجد أغنى ممن يعنى معه صحته وعافيته لا غنى كصحة ولا نعيم كطيب نفس إذا كان الإنسان بصحته فيحمد ربه ولو ملك الدنيا بحذافيرها وهو سقم ومرض ماذا ينفعه لا يستطيع أن يأكل ولا كسرة خبز لا غنى كصحة وحقيقة ما أوتى الناس بعد اليقين برب العالمين أعظم من العافية أعظم من الصحة نعمة عظيمة لا غنى كصحة فاحمد الله وإذا كنت صحيحا فأنت غنى لكن الناس لا تقدر هذا الغنى فى هذه الأيام ولا يعرفون قيمة الصحة إلا عندما تزول عنهم ويصابون بالمرض ولا نعيم كطيب نفس حقيقة إذا كان الإنسان فى راحة لا هم ولا غم ولا قلق ولا حزن هذا نعيم لا يعدله نعيم، حقيقة هذه جنة الدنيا أن يكون الإنسان فى راحة وأن يعنى لا يكون فى قلق وهم وغم ونكد وتعب وتعلق بالدنيا بحيث يمسى ويصبح وهو يفكر فى حساباتها، ما بعد هذا الشقاء شقاء ما حصلت من دنياك إلا العناء والتعب

هذا من كلام هذا العبد الصالح وكما روى الإمام أحمد أيضا فى الزهد فى ترجمته فى المكان الذى أشرت إليه أنه كان عبدا مملوكا وإذا كان كذلك فكما تقدم معنا لا يمكن أن يكون نبيا لأن النبى ينبغى أن يكون حرا على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه

فقال له سيده مرة اذبح لى شاة وائتنى بأطيب شىء فيها فذبح شاة وأتى بقلبها ولسانها فبعد فترة قال اذبح لى شاة وائتنى بأخبث شىء فيها فذبح شاة وأتى بالقلب واللسان قال أمرك عجب أقول لك هاتِ أطيب شىء فيها تحضر القلب واللسان، هاتِ أخبث شىء فيها تحضر القلب واللسان قال:

لا شىء أطيب منهما إذا طابا ولا شىء أخبث منهما إذا خبثا

حقيقة القلب واللسان إذا طابا يعنى طابت الجوارح كلها وإذا خبثا خبثت الجوارح لها وهذا اللسان هو ترجمان للقلب

إن الكلام لفى الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا

ص: 11

وكما قال أئمتنا الأفواه حوانيت وإذا تكلم الإنسان ظهر العطار والبيطار يعنى ماذا فى قلبك، هذا يظهر عندما تفتح فمك متى ما فتحت فمك يظهر هل فى قلبك خَبَث وخُبْث أو طهارة وطيب إذا تكلم الإنسان ظهر العطار والبيطار

إذن لا يوجد شىء أخبث منهما إذا خبثا ولا يوجد شىء أطيب منهما إذا طابا

كما قلت قصص ذكره ربنا فى كتابه سبحانه وتعالى ليقرر؟ أمر توحيده وليقرر بعد ذلك الأحكام الشرعية ولتتعلق بهما النفس البشرية من غير قصد ومن غير شعور

نعم إخوتى الكرام الحكايات جند من جنود رب الأرض والسماوات يثبت الله بها المؤمنين والمؤمنات

وهذا الكلام الحكايات جند من جنود الله مذكور عن العبد الصالح الجنيد بن محمد القواريرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كما نقل ذلك عنه أئمتنا فى كتاب قواعد التصوف صفحة تسع عشرة ومائة الحكايات جند من جنود الله يثبت الله بها من شاء من عباده

قال وشاهد ذلك فى كتاب الله عز وجل (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك)

الحكايات جند من جنود رب الأرض والسماوات يثبت الله بها المؤمنين والمؤمنات

ولذلك أَذِن لنا نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام بالحديث عن الأمم السابقة كما قلت لتقرير ما تقدم من أمر التوحيد والأحكام العملية لتسرى الفضائل فى النفس البشرية من دون قصد وشعور من الإنسان

ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح البخارى والحديث رواه الإمام الترمذى والدارمى فى السنن ورواه الخطيب فى تاريخ بغداد فى كتاب الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع كما رواه أيضا فى كتاب شرف الحديث والحديث رواه أبو نعيم فى الحلية والطحاوى فى مُشكِل الآثار وهو صحيح صحيح فهو فى صحيح البخارى كما سمعتم من رواية سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ومن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)

ص: 12

(وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج)

وهذا الحديث إخوتى الكرام رُوى عن عدد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين رُوى عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه فى مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود ومسند الحميدى وصحيح ابن حبان وكتاب مشكل الآثار شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوى وشرف أصحاب الحديث للإمام الخطيب البغدادى ورُوى من رواية سيدنا أبى سعيد الخدرى فى مسند الإمام أحمد رُوى من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين فى الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع للخطيب البغدادى وفى كتاب الزهد للإمام أحمد ورواه عبد بن حميد فى مسنده والبزار فى مسنده وعليه ومن رواية عبد الله بن عمرو ومن رواية أبى هريرة وأبى سعيد وجابر بن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين

(حدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج)

وهذه الجملة إخوتى الكرام تحتمل ست أمور حسان أوردها أئمتنا الكرام انظروها فى الفتح فى الجزء السادس صفحة ثمان وتسعين وأربعمائة

أولها

ولا حرج عليكم فى التحديث عنهم فقد كان فيهم العجائب

ومن التحديث عنهم فوائد كما قلت لتقرير ما تقدم من أمر توحيد الله عز وجل والأحكام العملية (حدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج)

لا حرج عليكم فى التحديث عنهم حسبما نُقل فى كتبهم حتما مما لا يدل شرعنا عل فساده وضلاله وزيغه وبطلانه وكذبه هذا لا بد من وعيه إذا ما أمر قرره شرعنا أو أشار إليه أو سكت عنه ويدخل فى دائرة الجائز الممكن الذى لا يُتصور عدمه واستحالته فلا حرج إذاً من التحديث به وإن لم يرد هذا عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

إذن ولا حرج عليكم فى أن تحدثوا

الثانى

عكس هذا المعنى ولا حرج عليكم فى ألا تحدثوا

لأن الأمر قد يفهم منه الوجوب

ص: 13

وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج لا حرج عليكم فى ترك التحديث إنما الأمر مما هو جائز فإن فعلتموه لا حرج عليكم وإن تركتموه فلا حرج عليكم إن فعلتموه ففيه خير وإن تركتموه ففى شريعتنا ما يغنى عنه ولا حرج عليكم فى أن تحدثوا ولا حرج عليكم فى ألا تحدثوا لأن الأمر كما قلت قد يفهم منه الإلزام والحتم والوجوب قال ولا حرج فى ترك التحديث

والثالثة

المراد من الحرج هنا ليس يعنى ما يتعلق بموضوع الحرج فى الدين أنه يجب أو لا يجب لا إنما المراد من الحرج ضيق الصدر

وعليه لا تضيق صدوركم ولا تسترعد قلوبكم ما فى تلك القصص من أعاجيب فقد كان فيهم العجب يعنى حدثوا عنهم ولا يحصل حرج فى نفوسكم ضيق استمعان استغراب كان فيهم العجائب حقيقة كان فيهم العجائب

وقد تمنى نبينا عليه صلوات الله وسلامه لو صبر كليم الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مع العبد الصالح الخَضِر حتى يقص علينا من أمرهما العجائب والحديث إخوتى الكرام ثابت فى الصحيح تمنى لو صبر حتى يقص علينا من أمرهما العجائب وقصتهما ذكرت فى سورة الكهف إذا كان فيهم عجائب ولا حرج يعنى ما ينبغى أن يحصل فى نفوسكم حرج ضيق استغراب استبعاد استنكار عندما تنقل تلك العجائب المروية عنهم فقد كان فيهم ذلك

المعنى الرابع

ولا حرج على من يحكى أخبارهم إذا كان فيها ما يُستشنع للتحذير منها

حدثوا عنهم وأنهم قالوا كذا وفعلوا كذا مما هو يمكن أن يقع ومما هو جائز أو مما هو ممنوع حدثوا به وحذروا منه ولا حرج عليكم عندما تقولون إن اليهود قالوا إن عُزيرا ابن الله فعندما نتحدث بهذا لا حرج علينا وإن كان هذا الخبر مستشنعا نتحدث به من أجل أن نحذر منه لا حرج علينا عندما نحكى أخبارهم لنزنها بميزان الشرع

المعنى الخامس

المراد من بنى إسرائيل أولاد نبى الله يعقوب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وعليه لا مانع أن نتحدث بأخبارهم حسبما ورد فى كتاب الله عز وجل

ص: 14

وحسبما أشارت سورة نبى الله يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال الحافظ هذا أبعد الأقوال وفيه غرابة، المراد من بنى إسرائيل أولاد نبى الله يعقوب على نبيناو عليه الصلاة والسلام ليست أخبار هذه الأمة من أولها إلى آخرها

والمعنى السادس

يعنى هو معنى حق نقل عن سيدنا الإمام الشافعى وغيره رضى الله عنهم أجمعين قال حدثوا بما تعلمون صدقه ولا حرج عليكم فى التحديث عنهم بما تجوزونه مما لا تعلمون صدقه ولا كذبهم، ما تعلمون أنه صدق وحق حدثوا به وهذا يعنى انشروه بينكم ثم لا لتعلمون صدقه ولا كذبه، ما يوجد عندنا دليل لا على هذا ولا على هذا لكن كما قلت هو فى دائرة الإمكان فلا حرج عليكم فى التحديث به أيضا ما علمتم صدقه حدثوا به وما لم تعلموا أنتم بالخيار شئتم أن تحدثوا وإن شئتم ألا تحدثوا

الشاهد إخوتى الكرام حدثوا عن بنى إسرائيل الحكايات جند من جنود رب الأرض والسماوات يثبت الله بها المؤمنين والمؤمنات

وقد حدثنا القرآن عما جرى للأنام فى غابر الزمان وتواترت بذلك الأخبار الحسان عن نبينا عليه الصلاة والسلام وكما قلت لذلك أثر بليغ فى نفس الإنسان

استمعوا لحديثين من أحاديث كثيرة وردت فى الحديث عن أخبار من سبقنا

الحديث الأول

فى مسند الإمام أحمد والصحيحين ورواه الإمام ابن ماجة فى السنن وانظروه فى جامع الأصول فى الجزء الحادى عشر صفحة سبع وسبعين وسبعمائة عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال:

إن رجلا فى الأمم السابقة فى بنى إسرائيل اشترى من رجل عقارا (اشترى رجل من رجل عقارا والمراد من العقار هنا الزرع اشترى منه دارا) فحفر فيها فخرج له جرة ذهب فجاء المشترى إلى البائع وقال أنا اشتريت منك الدار ولم اشترِ منك الذهب فهذا مالك خذه فقال البائع انا بعتك الدار بما فيها فهذا الذهب لك لا آخذه

(يختصم البائع والمشترى هذا يقول خذ الذهب وذاك يقول هو لك كيف سآخذه ،

ص: 15

وحكم المسألة لو جرت فى شريعتنا إخوتى الكرام:

لو أن الذهب يعنى لصاحب الدار وهو الذى دفنه هذا له حتما يعنى يعاد إليه ولعل ذاك لم يدفن الذهب يعنى ظاهر القصة يدل على أنه لا علم له به وأن هذا رزق ساقه الله إلى المشترى هذا كما قلت لو علم أنه لصاحب البيت هو الذى دفنه فينبغى أن يعاد إليه فى شريعتنا

وإذا كان من دفين الجاهلية فهذا ركاز والركاز لمن استخرجه ففيه الخمس زكاة وبقية الأخماس له

وإن كان هذا المال يعنى ليس من دفين الجاهلية إنما هو عليه علامات الإسلام ولا يُعلم صاحبه يعنى هذه عقار هذه دار تناوب عليها مسلمون والدفين عليه علامة الإسلام ليس هو من دفين الجاهلية فحكمه حكم اللقطة التى لا يعلم صاحبها فهو يمسكها عنده من أجل يعنى الأمانة والتعريف فإذا لم يأت صاحبها حكمها كما قلت حكم اللقطة ينتفع بها فإن عاد صاحبها فى مستقبل السنين هو مكلف بإعادتها لصاحبها

على كل حال خذ الذهب وأنا اشتريت العقار يقول أنا بعتك العقار بما فيه والذهب لك اختصما بعد ذلك إلى قاضى ذلك الزمان يعنى انظر للرعية وانظر للقضاة فى ذلك الوقت

وحقيقة الأمة إذا انحط صنف منها اعلم أن جميع الأصناف منحطة وإذا ارتقى صنف منها اعلم أن جميع الأصناف راقية ولذلك يعنى إذا نظرت إلى السوق فرأيت فيه انحطاطا فاعلم إن حال المسؤلين أشد انحطاطا وأن حال الدعاة أشد انحطاطا وأن الأمة من أولها لآخرها فى ضلال ضلال، هذا لا بد منه مترابطة ببعضها وعندما ترى الجهل فاشيا فاعلم أن حال العلماء يندى له جبين النبلاء وإذا لو كان هناك علم لحيَّتِ البلاد لكن الانحطاط كما قلت عام ولذلك عالمنا هو عالم من أجهل منه فقط ولكن إذا عُرض مع علماء سلفنا لما استطاع أن يتكلم، عالمنا عالم ممن هو أجهل منه لو وُجد الجهلة من عنده يعنى كلمتان صار من علماء الزمان فى هذه الأيام ونشكو أحوالنا إلى ربنا سبحانه وتعالى

ص: 16

جاريتان إخوتى الكرام انظروا46:38فى زمن الخلافة الإسلامية العباسية جاريتان تمشيان فى عهد أبى جعفر المنصور وكل واحدة تحمل قلة ماء على رأسها وتتناظران فى الأحكام الشرعية فى موضوع الاستثناء فى اليمين هل يجوز الاستثناء فى اليمين بعد اليمين بفترة؟

ولا يجوز الاستثناء إلا إذا كان متصلا متى ما حصل انفصال إلا إذا كان لسعال أو لأمر ضرورى لكن متى ما حصل انفصال بين اليمين والاستثناء ،الاستثناء لغو واليمين انعقدت هل يجوز الاستثناء فى اليمين بعد حين بعد يوم يومين وشهر وسنة يحلف ثم يرجع ويستثنى جاريتان تبحثان فى هذه القصة ذكرت هذا فى موعظة من مواعظ الجمعة السابقة

فواحدة قالت:

لا يجوز الاستثناء فى اليمين ينبغى أن يكون الاستثناء متصلا وإلا الاستثناء يلغى قالت:

ما الدليل ما شاء الله فقيهات ويستقيان الماء كل واحدة القلة على رأسها قالت ما الدليل قالت:

كلام الله الجليل أفتى بهذه القصة أفتى فى هذه المسألة فى قصة فى كتابه انظر قصة تأخذ الحكم الشرعى من قصص قالت:

وفى أى سورة قالت:

عندما حلف نبى الله أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن يضرب زوجته وما أخطات ولا قصرت لكن هو رضى الله عنه على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ظن أنه جرى منها تساهل فحلف أن يضربها مائة ضربة فالله جل وعلا أفتاه بحيلة شرعية ليبر فى يمينه ولئلا تعاقب زوجته فقال:

{وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب} [ص/44]

والضغث هو الحزمة من الحشيش اليابس يعنى من أعواد مثلا السنبل القمح أو الشعير خذ مائة هذه ماذا تعمل لو ضربت بها عين إنسان لا يتأثر ليس يعنى يده فخذ بيدك ضغثا حشيشها مائة عودا واضرب به ولا تحنث

الشاهد لو كان الاستثناء يعلق اليمين لقال الله له استثنِ فيمينه تصبح معلقة بعد فترة ولا يلزمه أن يبر فيها إنما قال (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث)

تستنبط حكما شرعيا وتقرره من قصص قرآنى هذا رقى الأمة

ص: 17

يقول الإمام الغزالى رحمة الله ورضوانه عليه فى الإحياء يذكر هذا إخوتى الكرام فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة يقول (أكثر أسرار القرآن معبأة فى طى القصص والأخبار فكن حريصا على استنباطها لينكشف لك فيه)

أى فى القصص العجائب وانظروا شرح هذا الكلام فى إتحاف السادة المتقين للإمام الزبيدى فى الجزء التاسع صفحة ست وأربعين وستمائة

إذن اختصما إلى القاضى الأمة كلها راقية حقيقة خصومة عجيبة هذا المشترى يقول أنا اشتريت العقار ولم اشترِ ذهبا والبائع يقول بعت العقار بما فيه وهذا رزق ساقه الله إليك فليأخذ جرة الذهب ولمَ يريد أن يعيدها إليه فالقاضى حقيقة بهت من هذه الخصمومة الفاضلة الشريفة فقال ألكما ولد أى لك واحد منكما ولد وقيل وُلِد وهو جمع ولد أى وِلْد بضم الواو أو كسرها مع إسكان اللام ولد لك واحد منكما ولد لكما وُلد عندكم أولاد لكما وِلْد فقالا نعم أحدهما قال ابن والآخر قال لى جارية لى غلام ولى جارية

قال أنكحوا الجارية الغلام أنكحوا الغلام الجارية زوجوهما وادفعوا هذا المال إليهما وأنفقوا عليهما منه وتصدقوا يعنى أيضا تصدقوا على المساكين وهذا المال اجعلوه لهذين الولدين من هذين الأبوين المباركين لهذين الزوجين

حقيقة إخوتى الكرام هذه القصة يرويها لنا نبينا عليه الصلاة والسلام إخوتى الكرام كم فى هذه القصة من معانى فضيلة والأمانة وتأدية الحقوق إلى أهلها وأن الإنسان إذا اتقى الله فى النهاية يحفظه الله أيضا ما خرج المال عنه ذهب إلى ثمرة فؤاده إلى ولده وإلى ابنته وبارك الله له فى داره ورزقهما ذرية طيبة والسعادة اكتملت من جميع الجهات وحصل بعد ذلك اتصال عن طريق المصاهرة بين هاتين الأسرتين

كم فى هذه القصة من معانى عندما وُجدت الأمانة وجدت الديانة فى النفوس كم حصل لها من أثر طيب فى العاجل دون يعنى يوجه هذا على أنه افعلوا أو اتركوا قصص المعانى التى فيه تسرى فى النفس من حيث لا يشعر الإنسان

ص: 18

القصة الثانية

خبر ثان يرويه لنا أيضا نبينا عليه الصلاة والسلام وهو فى مسند الإمام أحمد وصحيح البخارى ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه أيضا عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه انظروه فى جامع الأصول فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وعشرين وثلاثمائة والأثر كما قلت مرفوع متصل من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه ورواه شيخ الإسلام عبد الرزاق فى مصنفه فى الجزء الحادى عشر صفحة سبع وستين وأربعمائة عن طاووس مرسلا ولم يتصل الحديث إنما قال كان فى الأمم السابقة كذا ولفظ الحديث إخوتى الكرام عن نبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت فى رواية البخارى وغيره والحديث متصل صحيح ثابت:

ص: 19

أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بنى إسرائيل سأل بعض بنى إسرائيل أن يقرضه ألف دينار رجل من بنى إسرائيل جاء إلى غنى من بنى إسرائيل أن يقرضه ألف دينار قال هلم بالكفيل ائت بالكفيل قال كفى بالله كفيلا قال صدقت قال هلم بالشهداء ما أحد يكفل الشهود المواثيق قال كفى بالله شهيدا قال صدقت فدفع إليه ألف دينار وحدد موعدا للقضاء فأخذ الألف دينار وذهب وكان بينهما بحر فركب سفينته وذهب إلى جهته لما حان موعد الوفاء جهز ذاك الدنانير وجاء إلى شاطىء البحر ليرى سفينة ليذهب إلى المُقرِض ليعيد إليه حقه وقد جعل الله كفيلا وشهيدا عليه فما تيسرت له سفينة فى ذلك الوقت فخاطب ربه وقال ربى طلب منى شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا طلب منى وكيلا فقلت كفى بالله وكيلا فأدِّ هذا المال إليه وأخذ جزع شجرة فنقره ووضع الدنانير فيه ووضع رسالة ويمم بعد ذلك البحر وطرح هذا الجزع فى البحر وذهب بعد ذلك إلى بيته لما حصل مركبا بعد ذلك حمل ألف دينار أخرى وجاء فذهب إلى صاحبه المقرض ، المقرض إخوتى الكرام خرج فى اليوم الذى حُدد للوفاء ينتظر صاحبه أيضا على شاطىء البحر فى الجهة الثانية فما جاء لما صار المساء وما جاء أراد أن يعود إلى بيته وإذا بالأمواج تضرب جزع شجرة قال نأخذها من أجل يعنى أن تكون وقودا لنا جزع شجرة صاحبنا ما جاء لعذر شرعى ما اتهمه نأخذ هذا الجزع ولا نعود بلا فائدة فأخذه فلما ضربه تناثرت الدنانير فأخذ دنانيره وحمد الله وانتفع بهذ الجزع أيضا فعاد صاحبه بعد فترة واعتذر إليه أنه ما حصل مركبا وأخرج له الدنانير قال ما قصتك أخبرنى قال جَهْدت أن أجد مركبا فما تيسر لى فهذا دنانيرك قال اذهب فقد أدى الله عنك ما وضعته أوصله الله جل وعلا أدى الله عنك

ص: 20

فى رواية قال المستقرض قال ذاك لربى وهذا لك يعنى أنا جعلت الله كفيلا وشهيدا فأنا لا أريد أن أخفر ذمة الله ولا أريد أن أغدر مع الله أنا أعطى الحق إذا أوصله لى فبها ونعمت ذاك لربى لكن من أجل أن اتحلل أمام ربى وأن لا يكون منى تقصير نحوه فأما أنت فهذه دنانيرك قال قد أدى الله عنك يعنى يقول لولم تصل لا يضر أنا فقط من أجل أن يعلم الله عذرى دفعت الألف دينار يا اشهد أننى ما قصرت وأما حق ذاك سأعيده إليه بعد حين

يا إخوتى الكرام هذه الأمثلة حقيقة ما أعظمها يقول سيدنا أبو هريرة فى القصة الأولى والثانية فلقد رأيتنا يكثر لغطنا عند رسول الله عليه الصلاة والسلام أيهما أعظم أمانة يعنى حقيقة هل البائع أو المشترى هلى المستقرض أو المقرض أيهما أعظم أمانة يعنى ذاك طرح الألف كان بإمكانه أن يقول خلص أنا لا أذهب إن وصلت وإلا أنا57:34وهذا استلم الألف ما عليه لا بينة ولا شهود بإمكانه أن يأخذ ألفا أخرى وذاك كان بإمكانه ألا يطرح حتى الألف لا يوجد كفيل ولا شهيد يا إخوتى الكرام الأمة عندما تكون فى هذا المستوى هنيئا لها هذا القصص الذى يقصه علينا نبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت له أثر فى نفس البشر من حيث يشعرون أو لا يشعرون

ولذلك إخوتى الكرام قرر أئمة الإسلام أنه عند ذكر الصالحين تنزل رحمات أرحم الراحمين ويرضى رب العالمين

يقول سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنه كما فى أُسد الغابة فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وستين ومائة بسنده إلى سيدنا عبد الله بن عباس بسند الإمام ابن الأثيرفى ترجمة الخليفة الراشد سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه قال سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين:

أكثروا من ذكر عمر رضى الله عنه وأرضاه أكثروا من ذكره وأخباره فإنكم إذا ذكرتم عمر فإنما تذكرون العدل وإذا ذكرتم العدل فإنما تذكرون ربكم،

ص: 21

هذا كلام سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أكثروا من ذكر عمر فإنكم إذا ذكرتم عمر فإنما تذكرون العدل ، العدل الذى مشى عليه فى هذه السنين الطويلة التى زادت عن العشر سنين وهو يحكم بشريعة رب العالمين والعدل الذى وُجد فى زمنه رضى الله عنه وأرضاه حقيقة يعنى عظيم عظيم الأمة الإسلامية تتسع مساختها وهو ينام بعد ذلك فى ظل شجرة خليفة المسلمين رضى الله عنه وأرضاه حقيقة اذكروا هذا العبد الصالح إذا ذكرتموه تذكرون العدل وإذا ذكرتم العدل فإنما تذكرون ربكم هذا يقوله صحابى رضى الله عنه وأرضاه

وهكذا يقول العبد الصالح سيدنا سفيان بن عيينة رضى الله عنه وأرضاه:

كان يُقال عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة رحمة أرحم الراحمين

وهذا الأثر إخوتى الكرام عن سيدنا أبى محمد سفيان بن عيينة رواه شيخ الإسلام أبو داود فى مسائل الإمام أحمد صفحة ثلاث وثمانين ومائتين بأصح إسناد على وجه الأرض أبو داود عن شيخ الإمام أحمد عن شيخه سفيان بن عيينة هذه السلسلة أبو داود عن أحمد عن شيخه سفيان بن عيينة عند ذكر الصالحين تنزل رحمة أرحم الراحمين وأثر سفيان بن عيينة هذا مذكور فى ترجمته فى الحلية فى الجزء السابع صفحة خمس وثمانين ومائتين ورواه الإمام ابن الجوزى فى أول كتابه صفة الصفوة صفوة الصفوة فى الجزء الأول صفحة خمس وأربعين وأئمتنا تتابعوا على نسبة هذا القول إلى سيدنا سفيان بن عيينة وهو ثابت عنه انظروا المقاصد الحسنة للسخاوى عند ذكر الصالحين عند حرف العين تنزل الرحمة صفحة اثنتين وتسعين ومائتين وانظروا مختصره تمييز الطيب من الخبيث فى صفحة عشر ومائة وانظروا المصنوع فى معرفة الحديث الموضوع صفحة خمس وعشرين ومائة وانظروا الأسرار المرفوعة للشيخ على القارى صفحة خمسين وماتين وانظروا أسمى المطالب صفحة أربعين ومائة والأثر فى غير ذلك من الكتب

ص: 22

وقد وَهِم الإمام الغزالى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فظن أن هذا الكلام من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام فنسبه إلى نبينا عليه الصلاة والسلام على أنه حديث مرفوع فى الإحياء فى الجزء الثانى صفحة واحدة وثلاثين ومائتين قال شيخ الإسلام الإمام أبو فضل العراقى رحمة الله ورضوانه عليه ليس له أصل فى المرفوع وإنما هو من كلام أمير المؤمنين سفيان بن عيينة رضى الله عنهم أجمعين وقال الزبيدى فى شرح الإحياء عند هذا الأثر فى الجزء السادس صفحة واحدة وخمسين وثلاثمائة قال تلميذه يعنى تلميذ أبى الفضل العراقى وهو الحافظ ابن حجر وقال تلميذه بعد أن نقل كلام العراقى أنه لا أصل له فى المرفوع قال وقال تلميذه لا أستحضره مرفوعا إنما هو من كلام سفيان بن عيينة وقد نسبه إلى سفيان الثورى الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وستين ومائة قال الإمام الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين المشهور أنه من كلام سفيان بن عيينة ولا مانع أن يصدر هذا الكلام الحكيم من هذين الحكيمين الصالحين سفيان بن عيينة وسفيان الثورى رضوان الله عليهم أجمعين

وكان أئمتنا يتمثلون بهذ الكلام ويقولونه عند ذكر أخبار الصالحين فالإمام أحمد كما نقله عن شيخه سفيان بن عيينة كان يقوله أحيانا دون أن ينسبه إلى شيخه كما فى مناقب الإمام أحمد للإمام ابن الجوزى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه صفحة ثلاث وسبعين ومائتين قال أبو بكر المروزى ذكرت للإمام أحمد الفضيل بن عياض وعُريِّه أى زهده فى هذه الحياة وما كان عليه من عُرى وتقشف وشدة وشظف وذكرت له فتحى الموصلى وعُريه وصبره قال فتغرغرت عينا أبى عبد الله بالدمع وقال رحمهما الله كان يقال عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة

ص: 23

إذن يقوله سفيان بن عيينة يقوله الثورى يتمثل به ويقوله سيدنا الإمام أحمد رضوان الله عليهم أجمعين وقد ثبت فى علوم الحديث للإمام ابن الصلاح صفحة ثمان وستين وثلاثمائة قال رُوِّينا عن أبى عمرو إسماعيل بن نجيد قال سألت أبا جعفر أحمد بن حمدان وكانا عبدين صالحين من السائل أبو عمرو إسماعيل بن نجيد سألت أبا جعفر أحمد بن حمدان:

بأى نية أكتب الحديث يعنى ماذا أنوى عندما أكتب حديث النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال له أبو جعفر أحمد بن حمدان:

ألستم ترْوُون ألستم ترَون ألستم تُرون هذه ثلاثة أوجه من الضبط انتبهوا لها وأبين توجيهها إن شاء الله ألستم ترْوُون ترَون تُرون أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة

قلت بلى

قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين وأكتب الحديث بهذه النية أنك ترحم عندما تكتب حديثه عليه الصلاة والسلام وعندما تذكره تتذكر حاله وما كان عليه صلوات الله وسلامه فتقتدى به وتنزل رحمة الله عليك عندما تذكر النبى عليه الصلاة والسلام:

ألستم ترْوُون ترَون تُرون أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قلت بلى قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين

قال الشيخ على القارى فى الأسرار المرفوعة فى المكان المتقدم صفحة خمسين ومائتين

إن كان تروون بواوين تروون هذا يدل على أنه حديث وأنه له أصل أنتم تروون أى كأنه فهم الشيخ على القارى عن نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام إذاً حديث وله أصل

وإن كان تَرون بمعنى تعتقدون وتعلمون تُرَون بمعنى تظنون فإذاً هذا ليس بحديث إنما أنتم ترون ذلك وأنتم تظنونه وهذا حق لا شك فيه

ص: 24

أقول والعلم عند العزيز الغفور على الضبط الأول تروون لا دلالة فيه على انه حديث وأنه مرفوع لأنه يحتمل تروون عن غيركم من الصالحين ألستم تروون عن الصالحين أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ولا يشترط تروون عن نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يعنى على الاحتمالات الثلاث لا داعى أن يقال هذا من كلام النبى عليه الصلاة والسلام لأنه أئمتنا قالوا لم يثبت مرفوعا إنما هو من كلام العبد الصالح سفيان الثورى سفيان بن عيينة أئمتنا كانوا يقولونه وهو حق لا شك فيه قال ابن قدامة فى كتابه مختصر منهاج القاصدين صفحة اثنتى عشرة ومائة إن الإنسان إذا لاحظ أحوال السلف فى الزهد والتعبد احتقر نفسه واستصغر عبادته فيكون ذلك داعية إلى الاجتهاد ولهذه الدقيقة وبهذه الدقيقة يُعرف سر قول القائل عند ذكر الصالحين تنزل رحمة رب العالمين

إذن عندما نلاحظ أحوال السلف ندرس أخبارهم هذا يدعونا إلى أن نحتقر نفوسنا أن نعلم أننا مقصرون فى عبادة ربنا هذا يدفعنا بعد ذلك إلى الجد والاجتهاد فى طاعة خالقنا قال وبذلك يعلم سر قول القائل من هو ما سماه وهو معروف عند ذكر الصالحين تنزل رحمة أرحم الراحمين

وقال شيخ الإسلام الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله عند أثر سيدنا سفيان فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وستين ومائة انتبه:

من قرأ فضائل الإمام مالك وفضائل الإمام الشافعى وفضائل الإمام أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين بعد فضائل الصحابة والتابعين وعُنى بها ووقف على كريم سيرهم هديهم كان له ذلك عملا زاكيا نفعنا الله بحب جميعهم

هذا كله كلام الإمام ابن عبد البر

قال سفيان الثورى عند ذكر الصاحين تنزل الرحمة

ص: 25

إذن من قرأ فضائل الإمام مالك وفضائل الإمام الشافعى وفضائل الإمام أبى حنيفة ضموا إليهم الفقيه الرابع ما ذكره الإمام ابن عبد البر وهو يرى كما فى كتابه الانتقاء فى فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء أن الإمام أحمد رضى الله عنهم أجمعين يعنى عِداده من المحدثين أقوى من عداده من الفقهاء المجتهدين ولذلك ما أورده ضمن الفقهاء فى كتابه الانتقاء بدأ بالإمام مالك فمن حقه أن يبدأ بإمام مذهبه فى الانتقاء ثم ثنى بالإمام الشافعى ولا حجر فى ذلك فهو تلميذ الإمام مالك فإنه يشيد أيضا بشيخه لأن هذا من تلاميذه ثم ختم الكتاب بترجمة سيدنا أبى حنيفة ترجمة فى منتهى الإنصاف والجودة والجمال والجلالة رضى الله عنه وعن أئمتنا وما تعرض للإمام أحمد لهذا السبب، تغلب عليه الصفة الحديثية أكثر من الصفة الفقهية رضوان الله عليهم أجمعين

على كل حال إخوتى الكرام من قرأ فضائل الإمام مالك وفضائل الإمام الشافعى وفضائل الإمام أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين إذا قرأ فضائلهم بعد فضائل الصحابة والتابعين وعنى بها ووقف على كريم سيرهم وهديهم كان ذلك له عملا زاكيا انتبه لهذا الأدب نفعنا الله بحب جميعهم قال سفيان الثورى عند ذكر الصاحين تنزل رحمة أرحم الراحمين

ثم ختم الفصل بكلام سيدنا أبى داود رضى الله عنه وأرضاه قال رحم الله مالكا كان إماما رحم الله الشافعى كان إماما رحم الله أبا حنيفة كان إماما هذا ختام الفصل الذى أورده فيما يتعلق بالكلام على أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين

إذن حقيقة عند ذكرهم تنزل الرحمة

إخوتى الكرام ما المراد بالرحمة التى تنزل عند ذكرهم؟

ص: 26

كنت وجهت الأثر سابقا واعترض بعض أهل السفاهة ممن همهم الاعتراض فى زمن الضلال والفساد، اعترض على هذا الأثر وقال هذا كلام كبير وما حُدد مصدر لهذا القول ما حدد مصدره يعنى هذا ينسب إلى سفيان من أين أخذ ما هو المصدر وكما ترون لم يُذكر أثر إلا ويُعزى إلى مصدره بصفحة أو بجزء وصفحة والأثر ثابت وقلت بأصح إسناد عن أبى داود عن الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة يعنى لا يوجد أعلى من هذا الإسناد أئمة فى منتهى درجات التوفيق رضى الله عنهم وأرضاهم وهم يوثقون من عداهم يروون هذا الكلام ويذكرونه ما بقى بعد هذا الثبوت ثبوت يقول ما يعلم مصدر هذا الكلام ثم قال لو سلمنا أنه قاله سفيان بن عيينة كل أحد يؤخذ من قوله ويترك فسفيان بن عيينة أخطأ والإمام أحمد أخطأ وأبو داود أخطأ، كان ماذا هم رجال ونحن رجال ونرد كلامهم لأننا على ضلالة يا رجل نسأل الله أن يعرفنا بقدر نفوسنا لنقف عن حدنا

قال افرض أنه ثيت إذاً ليس موضوع ثبت أو لا ،الموضوع هى فى النهاية لن تقبل هى لو ثبت على تعبيرك لم تقبل وهو ثابت لا يقبل

وقلت لكم إخوتى الكرام أهل البدع دائما يقفون نحو النصوص موقفين:

الموقف الأول ينازع فى الثبوت فإذا ثبت لا يسلم المعنى يعنى يأول ويخرج النص وهذا إما يرد وإما أن يأول يا عباد الله اتقوا الله فى أنفسكم كلام حق يتناقله أئمتنا يأتى نتسفه نحن فى هذا العصر على هذا الكلام

قلت معنى هذا الأثر عندما نذكر اخبار الصالحين يدل ذكرنا لهم على محبتنا إياهم أوليس كذلك؟

هذا يدعونا للاقتداء بهم هذه الحالة يحبها الله أو يكرهها؟

يحبها الله فإذا أحبها رحمنا ورضى عنا

استمع لتعليل الإمام الغزالى لهذا القول فى الإحياء فى الجزء الثالث صفحة واحدة وثلاثين ومائتين وانظروا أيضا زيادة تعليق عليه فى شرح الإحياء فى الجزء السادس صفحة واحدة وخمسين وثلاثمائة يقول الغزالى رحمة الله ورضوانه عليه وعلى المسلمين أجمعين1:15:28:

ص: 27

الفقه وللوعى وللبصر والبصيرة ويكفى فى تغيير الطبع مجرد سماع الخير والشر فضلا عن مشاهدته

يعنى طبع الإنسان يتغير لسماع خبر فضلا عن رؤية ذلك الأمر فى الخير أو فى الشر يكفى فى تغيير الطبع سماع الخبر يعنى قد تسمع خبرا خَيِّرا فتحسن حالك وقد تسمع خبرا سيئا فسوء حالك وتقتدى به ولذلك إخوتى الكرام جئنا يعنى بأن لا نذكر أخبار السوء وأن نقلد منها ما أمكن إلا من أجل التحذير ضمن ضوابط شرعية لأنه إذا انتشرت هذه الأخبار يخف وقعها على القلوب يخف فإذا خف وقعها بعد ذلك النفوس لا تستنكرها ولذلك يكون عندها قابلية لفعلها وكلما كان الإنسان بعيدا عن هذا كان أولى ولذلك يعنى فى وصف النساء على وجه الخصوص (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات)

غافلة فيها صفة الغفلة صفة البلاهة وهذا حقيقة من الصفات الطيبة فى المرأة هى ليس لا تفعل الشر لا تعرفه ولا تفكر فيه ولا تعلم أنه يوجد فى الأرض الزنا واتصال محرم وغناء وقلة حياء هى لا تعلم هذا فضلا عن يعنى الامتناع عنه لا هى لا تعلم هى فقط لا تمتنع هى هذا لا يدور فى ذهنها أسباب الريبة لا تخطر على بالها هذه صفة حسنة فى الإنسان بلاهة سلامة صدر وليس المراد من البلاهة العباطة لكن حقيقة نفس سليمة سليمة لا تفكر فى هذا

استمع ماذا يقول الإمام الغزالى عليه رحمة الله:

ويكفى فى تغيير الطبع مجرد سماع الخير والشر فضلا عن مشاهدته وبهذه الدقيقة يعرف سر قوله صلى الله عليه وسلم عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة وقلت وَهِمَ والحديث ليس مرفوعا إنما هو من كلام سلفنا سفيان بن عيينة سفيان الثورى الإمام أحمد أئمة الإسلام كلهم يتناقلون هذا على كل حال نريد توجيه فقط هذه الجملة بأى شىء سيوجهها كيف تنزل الرحمة عندما نذكر الصالحين قال:

ص: 28

وإنما الرحمة دخول الجنة ولقاء الله وليس ينزل عند الذكر عين ذلك ولكن سببه يعنى سبب لقاء الله سبب دخول ينزل ما هو وهو انبعاث الرغبة من القلب وحركة الحرص عل الاقتداء بهم والاستنكاف عما هو ملابس له من القصور والتقصير ومبدأ الرحمة فعل الخير ومبدأ فعل الخير الرغبة ومبدأ الرغبة ذكر أحوال الصالحين

إذن مبدأ الرحمة فعل الخير مبدأ فعل الخير الرغبة مبدأ الرغبة ذكر أحوال الصالحين فهذا معنى نزول الرحمة

والمفهوم من فحوى هذا الكلام عند الفطن كالمفهوم من عكسه وهو أنه عند ذكر الفاسقين تنزل اللعنة لأن كثرة ذكرهم تهون على الطبع أمر المعاصى واللعنة هى البعد ومبدأ البعد من الله هو المعاصى والإعراض عن الله بالإقبال على الحظوظ العاجلة والشهوات الحاضرة لا على الوجه المشروع ومبدأ المعاصى سقوط ثقلها وتفاحشها عن القلب ومبدأ سقوط الثقل وقوع الأنس بها لكثرة السماع وإذا كان هذا حال ذكر الصالحين والفاسقين فما ظنلك بمشاهدتهم

يعنى عندما يذكر الإنسان الصالحين تنزل الرحمة يقول المراد أسباب الرحمة لأن الذى يوصل إلى الرحمة فعل الخير ومبدأ فعل الخير الرغبة فيه ومبدأ الرغبة أن تذكر أخبار من تقتدى به فى الخير وعليه عندما تذكرهم تنزل الرحمة يعنى ينزل سبب الرحمة ماذا يوصلك إلى الرحمة هذا هو الكلام وليس معناه تنزل الرحمة يعنى عندما نذكر أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه ينزل على تعبيرهم الغيث والقطر وأنه لا داعى لصلاة الاستسقاء كما يقول هؤلاء السفهاء قال

عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة يعنى ينزل المطر فلا داعى للاستسقاء وقال أنت الآن تدعو لتعطيل صلاة الاستسقاء!!!

انظر للسفاهة من السفهاء فى هذه الأيام هذا هو معنى الأثر يا إخوتى هذا معنى الأثر وهكذا عند ذكر الفاسقين تنزل اللعنة أى أسباب اللعنة لأن سبب اللعنة فعل المعصية ومبدأ فعل المعصية الرغبة فيها ومبدأ الرغبة ذكر أخبار الفاسقين الذى يشجعنا على فعل الفسق كما يفعلون

ص: 29

وهذا إخوتى الكرام حقيقة لا بد من وعيه يقول الخبر فى أول الأمر يكفى فى تغيير الطبع مجرد سماع الخبر والشر فضلا عن مشاهدته وتقدم معنا كلام سيدنا سفيان رضى الله عنه وأرضاه ويراد منه سفيان الثورى النظر إلى وجوهكم خطيئة مكتوبة أى إلى وجوه الحكام الظلمة عندما قال هذا الكلام تقدم معنا العبد الصالح محمد بن أسلم الطوسى عندما قال لأمير زمانه علامَ تنظر وقد كان عمر بن الخطاب ينظر إلى السماء وهو وشراك نعله خير منك لعبد الله بن طاهر وهو أمير خراسان قال بلغنى عن سفيان أن النظر إلى وجوهكم خطيئة مكتوبة

فالسماع له أثر فكيف بالنظر ،هذا له أثر أكثر

ولذلك إخوتى الكرام عندما سنتدارس أخبار أئمتنا ساداتنا أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين سنرى حقيقة أخبارهم فى إخلاصهم لله واتباعهم لحبيبنا سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وسنر جدهم واجتهادهم فى طاعة الله واحتراسهم ومحاسبتهم لنفوسهم رضى الله عنهم وأرضاهم حقيقة هذا يدعونا للاقتداء بهم وهذا كما قلت من حقهم عينا يعنى عندما سنتدارس فقههم لا بد من أن نقف على أحوالهم نقرأ فقه من؟

لا بد حقيقة إخوتى الكرام من أن نعرف أخبار أئمتنا وأنا أذكر كانت عندنا مادة أعلام الإسلام فى الثانوية الشرعية حقيقة لها أثر كبير فى كل سنة يدرس مثلا قرابة عشرين علما من أعلام المسلمين فى مادة يعنى لها دروس كاملة منهج وكتاب حقيقة له بذلك أثر يعنى طالب العلم لا بد من أن يرى هذا الإسلام متجسدا فى صورة أناس عملوا به كأنه يرى الإسلام حيا فيرى الإمام ابن الجوزى يرى الإسلام يرى سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه يرى الإسلام يرى سيدنا أبا بكر يسمع أخبارهم يرى الإسلام ويسمع الإسلام

ص: 30

وهكذا عندما يسمع أخبار أئمة الإسلام أخبار أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد كأنه قرأ كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام لأن هذه الأفعال وهذه الأحوال هذه القصص التى تروى عنهم كلها مستسقاة من هدى الله وكتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام

هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه ولذلك إخوتى الكرام سنتدارس أخبارهم رضى الله عنهم وأرضاهم

إخوتى الكرام أئمة الإسلام كما أنه عند ذكرهم تنزل رحمة ذى الجلال والإكرام أيضا عند ذكرهم يُذكر ربنا وعند ذكر الله يذكرون فيذكرون عند ذكر الحى القيوم ويذكر ربنا جل وعلا عندما يذكر أئمة الإسلام رضوان الله عليهم أجمعين

أذكر ما يدل على ذلك على هذا الأمر من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام فى أول الموعظة الآتية ونشرع فى مدارسة فقيه الملة أول الفقهاء الأربعة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم وعن أئمة المسلمين والمسلمين أجمعين نشرع كما قلت فى هذا فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا

اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا

اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا

اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك

اللهم اغفر لمن عبد الله فيه

اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 31