المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٥٥

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد إخوتى الكرام

شرعنا فى مدارسة ترجمة موجزة لأئمتنا الفقهاء الأربعة الكرام أئمة الإسلام وبدأت بأولهم بسيدنا أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه وعن سائر أهل الإسلام

إخوتى الكرام مر معنا ما يتعلق بنسبه وطلبه العلم ومر معنا ما يتعلق بثناء العلماء الكرام عليه وبيان منزلته العلمية والدينية وقد أحرز الإمامة فيهما فهو المقرىء الفقيه المحدث الزاهد العابد الولى لله القوى سبحانه وتعالى وشرعنا فى مدارسة الأمر الثالث من الأمور الأربعة التى سنتدارسها فى ترجمته ألا وهو فى بيان فقهه وطريقته فى التفقه فى الدين عليه وعلى أئمتنا رضوان رب العالمين

إخوتى الكرام كما قدمت سابقا منزلته فى الدين منزلة عظيمة وقد جمع له الله الكمالات وفضله ببعض الخيرات التى لم تحصل لغيره من أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين

ص: 1

فتقدم معنا هو تابعى وله فى ذلك أجر عظيم وهو ومدرسته الفقهية أول من وضعوا هذا الترتيب المُحكم المتقن للفقه وعلى ذلك سارت بعد ذلك سائر كتب الفقه من سائر المذاهب التى جاءت بعد هذا الإمام الأعظم المبارك رضى الله عنه وأرضاه قلت وخصه الله أيضا بأن جعله أكثر علماء هذه الأمة تابعا كما جعل الله نبينا أكثر الأنبياء تابعا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وإمامته كما تقدم معنا مُسلم بها عند أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين قبل أن أشرع فى تكميل ما بدأنا فى مدارسته فى يعنى طريقة تفقهه فى دين رب العالمين

استمع لهذا الثناء العظيم من أحد العلماء الجهابذة الكرام المحدثين من أولياء الله المباركين وهو الإمام الصالح أبو بكر بن عياش المعتمد أن اسمه كنيته يعنى اسمه أبو بكر ويُكنى بذلك الكنية هى الاسم وقيل إن اسمه غير كنيته وأورد أئمتنا فى ذلك عشرة أقوال استمعوا إليها من باب العد على سبيل الاختصار قيل اسمه محمد عبد الله سالم شعبة رقبة مسلم خداج مُطرِّف حماد حبيب، هذه عشرة أسماء لأبى بكر بن عياش والمعتمد أن كنيته اسمه رضى الله عنه وأرضاه عبد صالح قانت تُوفى سنة أربع وتسعين بعد المائة وقيل ثلاث وتسعين بعد المائة يعنى بعد ثلاث أو أربع وأربعين سنة من وفاة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه أوليس كذلك؟ سنة ثلاث وتسعين أو أربع تسعين بعد المائة حديثه فى الكتب الستة كما قال الحافظ فى التقريب ثقة عابد وساء حفظه لما كبِر وكتابه صحيح رضى الله عنه وأرضاه أبو بكر بن عياش

ص: 2

وقول الحافظ فى الكتب الستة فى ذلك شىء من التساهل وضحه فى تهذيب التهذيب هناك رمز بأنه روى له البخارى وأهل السنن الأربعة ومق ،مق إشارة إلى أنه خرَّج له مسلم لكن فى المقدمة ولذلك لا ينطبق عليه أنه من رجال مسلم فى الصحيح وهذا هو حقيقة التمييز الدقيق لرواية هذا العبد الصالح ما روى له مسلم فى صحيحه إنما روى له فى مقدمة صحيحه ولذلك من روى له فى المقدمة الذهبى يسقط الإشارة إليه ولا يعتبره من رجال مسلم فى السير أو فى الكاشف أو فى غير ذلك ولذلك رمز له فى السير بأنه من رجال البخارى والسنن الأربعة لأن شرح شرط مسلم فى المقدمة لا ينطبق عليه شرط الصحيح وليس هو من رجال أى فى صحيحه رضى الله عنهم وأرضاهم

إذاً هو من رجال البخارى والسنن الأربعة وروى له الإمام مسلم فى مقدمة صحيحه أبو بكر بن عياش من العلماء الصالحين كما قلت الربانيين رضى الله عنه وأرضاه ،عندما احتُضر كما فى الحلية فى ترجمته فى الجزء الثامن صفحة ثلاث وثلاثمائة بكت عليه أخته فقال:

لا تجزعى فلقد ختمت القرآن فى هذه الزاوية ثمانية عشر ألف مرة فأرجو أن يرحمنى الله

لا تجزعى ولا تخافى أنا سأقدم على رحمن رحيم على رب العالمين سبحانه وتعالى ختمت القرآن فى هذه الزاوية ثمانية عشر ألف مرة وكان يختم كل ليلة رضى الله عنه وأرضاه أبو بكر بن عياش

ويحكى لنفسه كرامة أكرمه الله بها وهذه الكرامة إخوتى الكرام هى آخر شىء فى ترجمته فى تهذيب التهذيب آخر خبر هذا فى الجزء الثانى عشر صفحة أربع وثلاثين أنه ذهب مرة إلى بئر زمزم واستقى منه فكان يخرج له العسل واللبن، دلو عسل ودلو لبن من بئر زمزم والله على كل شىء قدير، عندما يستقى يخرج له الدلو امتلأ بعسل امتلأ بلبن مع ماء زمزم أبو بكر بن عياش رضى الله عنه وأرضاه

ومن كلامه المحكم كما فى السير فى الجزء الثامن صفحة خمس وتسعين وأربعمائة قال:

ص: 3

الخلق أربعة أقسام معذور ومخبور ومجبور ومثبور أما المعذور فهم البهائم رُفع عنهم القلم وأما المخبور فنحن معشر المكلفين اختبرنا رب العالمين ليبلوكم أيكم أحسن عملا وأما المجبور فهم ملائكة الله الكرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وأما المثبور فهو الشيطان الغرور وجنده

إذاً معذور مخبور مجبور مثبور نسأل الله أن يجنبنا صفات أهل الثبور إنه عزيز غفور

عبد صالح قال عنه الذهبى هو المُقرىء الفقيه المحدث شيخ الإسلام وبقية الأعلام إنما ذكرت بعض هذه النعوت فى ترجمته لنرى وزن كلامه الذى سيقوله فى فقيه هذه الملة فى فقيه هذه الأمة المباركة المرحومة كان يقول:

كان أبو حنيفة النعمان أفقه أهل زمانه

هذا كلام أبى بكر بن عياش أبو حنيفة النعمان أفقه أهل زمانه، نعم إخوتى الكرام هذا كما قلت كان مسلما به عند أئمتنا من فقهاء ومحدثين وزهاد وعباد رضى الله عنهم وأرضاهم أفقه أهل زمانه

وتقدم معنا كلام العبد الصالح زهير بن معاوية وقال للرجل الذى أخبره أنه كان فى مجلس أبى حنيفة قال:

ذهابك إلى مجلس أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فى يوم من الأيام مجلس من المجالس خير من تحضر عندى شهرا كاملا

هذا أئمتنا إخوتى الكرام كانوا يقرون به ويذكرونه من باب بيان قدر هذا الإمام المبارك سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه

ص: 4

يروى الذهبى فى كتابه الجزء الذى ألفه فى مناقب سيدنا أبى حنيفة صحابيه أبى يوسف ومحمد بن الحسن رضى الله عنهم وأرضاهم فى صفحة تسع وعشرين ينقل عن العبد الصالح جرير بن عبد الحميد وهو من بلاد الكوفة من بلد سيدنا أبى حنيفة ونزل الرى وصار قاضيا فيها ثقة حديثه مخرج فى الكتب الستة توفى سنة ثمان وثمانين ومائة يعنى بعد سيدنا أبى حنيفة بثمان وثلاثين سنة أوليس كذلك؟ ثمان وثمانين ومائة هؤلاء كلهم عاصروه وأدركوه ورأوه وجلسوا فى جلسه جرير بن عبد الحميد يقول الذى صار قاضى الرى قال لى مغيرة بن مِقسَم وهو أيضا كوفى مغيرة بن مُقسم الأعمى رضى الله عنه وأرضاه كان يقول ما سمعت شيئا إلا حفظته وما حفظت شيئا فنسيته قال الذهبى فى ترجمته فى السير فى الجزء السادس صفحة عشرة قال والله هذا هو الحفظ ما وقع فى مسامعه شىء ما سمع شىء إلا حفظه مغيرة بن مقسم أيضا من بلاد الكوفة من بلد سيدنا أبى حنيفة ما سمع شيئا ما طرق سمعه شىء إلا حفظه وإذا حفظ شيئا لا ينساه يعنى نعتبر الكتاب مرات ومرات فيصعب علينا حفظه وما حفظناه ننساه ونفوض أمرنا إلى ربنا

فاستمع لهذا الحفظ واستمع لهذه الشهادة من هذا الإمام لسيدنا أبى حنيفة النعمان رضى الله عنهم وأرضاهم هذا العبد الصالح توفى قبل سيدنا أبى حنيفة توفى سنة ست وثلاثين ومائة للهجرة قبله بأربع عشرة سنة أوصى جرير بن عبد الحميد

قال جرير بن عبد الحميد قال لى مغيرة بن مقسم ،مغيرة حديثه فى الكتب الستة ذكرت لكم حديثه فى الكتب الستة ثقة متقن كما قال الحافظ فى التقريب مغيرة بن مقسم حديثه فى الكتب الستة جرير بن عبد الحميد حديثه فى الكتب الستة أيضا قال جرير بن عبد الحميد:

قال لى مغيرة بن مقسم جَالِسْ أبا حنيفة رضى الله عنه وأرضاه تفقه أى تصبح فقيها جَالِسْ أبا حنيفة تفقه فوالله لو أن إبراهيم النخَعى حضر زمانه لجلسه واستفاد منه

ص: 5

إبراهيم النخَعى وهو إبراهيم بن يزيد النخعى الذى توفى سنة ست وتسعين وحديثه فى الكتب الستة وانظروا ترجمته الطيبة فى الجزء الرابع صفحة عشرين وخمسمائة وقلت هو يعنى يروى عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وأرضاه بواسطة جم غفير وإذا ما سَمَّ الرواة فهذا أعلى مما لو سماهم كما تقدم معنا ولذلك مراسيله يعنى فى أعلى المراسيل لأنه عندما لا يسمى أئمة ثقات أثبات كثيرون يحذفهم ويضيف الأثر إلى الصحابى رضى الله عنه وأرضاه،

إبراهيم النخعى لو كان حيا لجالس أبا حنيفة واستفاد منه مَن يقوله مغيرة بن مقسم لجرير بن عبد الحميد هذا ثناء أئمتنا على فقيه ملتنا رضى الله عنه وأرضاه وقد ختم الحافظ بن حجر فى التهذيب والتهذيب ترجمة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فى الجزء العاشر صفحة اثنتين وخمسين وأربعمائة ختم ترجمته بهذه المقولة أسأل الله أن يبيض وجهه ووجهكم ووجوه المسلمين يوم الدين استمع لهذه الكلمة المباركة فى سيدنا أبى حنيفة قال بعد أن أورد ثناء العلماء عليه فيما يزيد على صفحتين قال:

ومناقب الإمام أبى حنيفة النعمان كثيرة جدا فرضى الله عنه وأسكنه الفردوس آمين

هذا كله كلام حازان المحدثين سيدنا الحافظ بن حجر رضى الله عنه وأرضاه ،هذا كله كلامه رضى الله عنه وأسكنه الفردوس آمين

مناقب هذا الإمام كثيرة جدا فرضى الله عنه وأسكنه الفردوس آمين رضى الله عنه وأرضاه وأسأل الله أن يجمعنا معه ومع أئمتنا مع حضرة نبينا عليه الصلاة والسلام بجوار ربنا ذى الجلال والإكرام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين

ص: 6

إخوتى الكرام كما قلت هذه منزلة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه وأما فقهه فتقدم معنا يُعول على كلام الله عز وجل وعلى كلام الرسول عليه الصلاة والسلام وما جاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام فعلى العينين والرأس ثم بعد لا يخرج عن أقوال الصحابة وإذا اختلفوا يتخير وإذا صار الأمر إلى التابعين فيجتهد كما اجتهدوا رضوان الله عليهم أجمعين وقلت هذه الطريقة إخوتى الكرام هى التى سار عليها أئمة الإسلام رضوان الله عليهم أجمعين

إخوتى الكرام لابد من وعى هذا أن سيدنا أبا حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فى فقهه ما خرج عن النصوص الشرعية وتقدم معنا أن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية أوليس كذلك؟

يعنى الفقيه متى يكون فقيها عندما يعلم الأحكام الشرعية أوليس كذلك؟ التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية يأتى للنصوص الشرعية ويستنبط منها الأحكام الشرعية هذا هو عمل الفقيه وأما إذا كان سيستنبط أحكاما عن طريق عقول ردية فما صارت أحكاما شرعية هذه الأحكام أُخذت من النصوص الشرعية من الآيات القرآنية ومن أحاديث نبينا خبر البرية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

ص: 7

ولذلك المجتهد مَن هو؟ لا يكون مجتهدا إلا بذل ما فى وسعه للوصول إلى مراد ربه على طريق القطع أو اليقين من النصوص الشرعية الواردة فى الدين نصوص شرعية أراد بعد ذلك أن يستنبط منها الحكم لا بد الآن من اجتهاد من استنباط فهنا يبذل ما فى وسعه قد يصل إلى الحكم عن طريق القطع أو عن طريق غلبة الظن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها هذا إخوتى الكرام لابد من وعيه وتقدم معنا أنه من زيادة ورعه واحتياطه واتباعه لا يتقيد بالنصوص الشريعة من الكتاب والسنة بل يتقيد بفهم خير طبقات هذه الأمة وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فإذا اجتهدوا فلا يخرج عن اجتهادهم وهو مُلزَم بأقوالهم لكن إذا اختلفوا لابد من أن يُعمِل المجتهد اجتهاده ليصل إلى حكمه فيختار مثلا هذا القول أو هذا القول فى المسألة الشرعية عندما تتعدد أقوال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وهكذا إخوتى الكرام تقدم معنا الحديث المرسل يستدل به وهكذا الحديث الضعيف فالحديث الضعيف يُقدم على الرأى ويقدم على القياس والاستنباط إلحاق ما لم ينص عليه فمنصوص، مادام وُجد نص ضعيف يقدم على الاجتهاد وإعمال الرأى لنلتمس لهذا الأمر حكما من نصوص أخرى، لا، إذا عندنا حديث ضعيف فعلا لا نجاوزه هذا مذهب سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هذا متفق عليه عند الحنفية يقول الإمام ابن حزم كما فى عقود الجمان صفحة سبع وسبعين ومائة والخيرات الحسان صفحة اثنتين وأربعين ومناقب سيدنا أبى حنيفة وصاحبيه الذهبى صفحة أربع وثلاثين قال الإمام ابن حزم:

أجمع أصحاب أبى حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم أصحاب أبى حنيفة مجمعون أن ضعيف الحديث أولى عنده أى عند أبى حنيفة وعندهم أى عند اتباعه وأصحابه عند المذهب من القياس ضعيف الحديث أولى عنده وعندهم عند هذا المذهب من القياس هذا مجمع عليه

ص: 8

إذا كان الأمر كذلك إخوتى الكرام هنا أمر دقيق لابد من أن نقف عنده ولا أريد أن أتعرض له فى تراجم الأئمة الآخرين رضوان الله عليهم أجمعين فانتبهوا له:

قد يقع إشكال فى إذهان الأبرار فيقولون إذا كنتم تزعمون أن جميع الأئمة يأذخون بكتاب الله وبسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وبالإجماع وبالقياس إلحاق ما لم ينص عليه على ما هو منصوص فعلامَ وقع الاختلاف بينهم؟

هذا لابد من وعيه إخوتى الكرام وكثير من أهل السفاهة والطياشة والجنون والحماقة من أتباع الشيطان الرجيم فى هذا الحين يقولون:

لو كانت المذاهب على حق لما حصل اختلاف فيها إذاً دل على أنها على باطل، إن الأصول إذا كانت واحدة علامَ يختلفون

ووالله إنه شيطان من يقول هذا لكن بصورة إنسان شيطان من شياطين الإنس نعوذ بالله ومن أمثاله ولا يجد الشيطان سلاحا أمضى من هذه الشبه فى الطعن بالإسلام فانتبهوا لذلك إخوتى الكرام قد يستشكل بعض الناس وإذا كنتم تقولون الأئمة اتفقوا على هذه الأصول وأخذوا الأحكام منها فعلامَ اختلفوا؟

إخوتى الكرام الجواب عن هذا يدور على أمرين اثنين لابد من وعيهما وهما أبرز أسباب الاختلاف فى استنباط الأحكام:

الأمر الأول النصوص الشرعية دِلالاتها متعددة تحتمل وتحتمل

ص: 9

مدلولاتها متعددة تحتمل عدة معانى هذا انتبهوا له إخوتى الكرام سبب أول من أسباب الاختلاف فى الأحكام والاستنباط دلالات متعددة نص شرعى ثابت لكن يحتمل عدة معانى هذا بعد ثبوت النص والاحتجاج به نص ثابت وسنحتج به وقد بعد ذلك يكون خلاف حول النص هذا لا أريد أن أتعرض له هل النص ثبت أم لا وهل يحتج به أم لا فهو مرسل يحتج به بعض الأئمة ولا يحتج به آخرون هو ضعيف يحتج به بعض الأئمة ولا يحتج به آخرون الآن سنفرض إذ صار فى المتفق عليه حديث صحيح ثابت ويحتج به باتفاق لكن يحتمل عدة معانى ولنفرض أن هذا الحديث سمعه الصحابة مباشرة من نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لكنه احتمل عدة معانى وعليه سيكون له عدة دلالات كل مَن يفهم دلالة معتبرة دل عليها النص فهذا حكم شرعى وله أجر عند الله القوى انتهى بمجرد ما يفهم حكما شرعيا دل عليه هذا النص وهذا الفهم على حسب لغة العرب وعلى حسب سياق الكلام يتفق مع مراد المتكلم انتهى هذا حكم شرعى أنت خالفت أنت وما رأيت فأنا أتعبد حسبما فهمت من هذا النص وأنت تتعبد حسبما فهمت وطريق الجنة ما أوسعه كلنا نسير إلى رب العالمين ورحمة الله واسعة فأنا على هدى وأنا على هدى ورحمة الله واسعة

النص الشرعى هذا الأمر الأول يحتمل ويحتمل عدة دلالات

الأمر الثانى تتفاوت الفهوم وتتغاير

فهوم الناس ليست فى مستوى واحد ما يظهر لى قد لا يظهر لك وما يستبين لك قد يخفى علىَّ وما جعل الله أحدا من الخلق حجة على غيره إلا النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو حجة علينا

ليس من حقك أن تقول إن فهمى هو المعتبر وفهمك منكر ليس من حقك هذا وإذا قلت هذا فقد جعلت العصمة لنفسك وحقرت غيرك أوليس كذلك؟

ص: 10

إنما أنت تقول كما قال سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هذا رأى قلنا به وأخذناه من نصوص شرعية وهو أحسن ما عندنا فأما من كان عنده أحسن منه فليأتنا به، هذا الذى عندنا هذا استنباطنا هذا فهمنا بعد ذلك نصيب نخطىء، هذا علمه عند الله جل وعلا، نحن أخذنا هذه الأحكام من نصوص الشرع الحسان وضحت لكم كما وضحت لنا فالحمد لله خالفتم أنتم وما يظهر لكم وسنؤول إلى ربنا هذا أحسن ما عندنا من الفهم

إذاً إخوتى الكرام النصوص تحتمل حملة تحتمل أكثر من معنى وسيأتينا هذا وقع فى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام وأقر وسأمثل له بمسألتين فقهيتين مسألة من المعاملات ومسألة من العبادات من مسائل لا تحصى ولا أريد الاستقصاء إنما من باب المثال وأن هؤلاء ما خرجوا عن دين الله وهؤلاء ما خرجوا عن دين الله وإذا أنصف الإنسان حقيقة لا يستطيع حتى أن يرجح بين القولين وكل من الأقوال حتى المذكورة فى هذه المسألة معتبرة ودلت عليها نصوص الشريعة المطهرة هذا عنده نص وهذا نص وهذا احتمله هذا النص وهذا احتمله هذا النص

إذاً المصادر واحدة لكن دلالات النصوص تتعدد أمر ثانٍ الفهوم تتغاير تختلف

قال الخطيب البغدادى فى الفقيه والمتفقه ونِعْم ما قال فى الجزء الثانى صفحة واحدة وسبعين قال:

أهل العلم فى حفظه متقاربون وفى استنباط فقهه متباينون

يعنى بالإمكان أن أحفظ صحيح مسلم وأن تحفظه ونتقارب فى الحفظ لكن نأتى بعد ذلك للفهم أنا فى جهة وأنت فى جهة والنصوص احتملت اوليس كذلك؟

أهل العلم فى حفظه متقاربون فى حفظ العلم متقاربون الإمام الشافعى قريب من الإمام مالك والإمام مالك قريب من أبى حنيفة وهؤلاء الأئمة أيضا قريبون من الإمام أحمد رضى الله عنهم وأرضاهم فى الحفظ متقاربون يحفظون كلام الله جل وعلا ويحفظون حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لكن فى الفهم وفى استنباط الفقه متباينون هذا عنده هذا الحديث هذا فهم منه شيئا وذاك فهم منه شيئا آخر

ص: 11

طيب هل جعل الله أبا حنيفة حجة على الإمام مالك لا وما جعل الله الإمام مالك حجة على الحنفية وما جعل الله الإمام الشافعى حجة على الإمام أحمد رضى الله عنهم وأرضاهم هو من أهل الاجتهاد وعنده نص يعنى الشريعة المطهرة فاعمل ما يعنى فى وسعه أعمل عقله حسبما فى وسعه واستنبط الحكم هذا حكم شرعى كيفما كان حاله سواء حكمت عليه بالصواب أو بالخطأ فإذا حكمت عليه بالصواب صواب عندك وعنده حكمت عليه بالخطأ عندك وعنده صواب وأنت لا يجوز أن تقول له ذها خطأ عندك وانت تتعبد على بدعة ولو قلت كنت أنت المبتدع لأنك ستنصب نفسك مشرعا حكما معصوما وما جعل الله ذلك لك فقف عند حدك قف عند حدك هاتان الدلالتان لابد من وعيهما النصوص تحتمل والفهوم تختلف اهل العلم فى حفظ العلم متقاربون وفى استنباطه فقهه متباينون

هل لهذا مثال وقع فى زمن نبينا المبارك الميمون على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه؟

والأمثلة كثيرة وكما قلت لا أريد الاستقصاء، انظروا إلى مثال واحد مما وقع فى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام وإلى مثالين مما بين الفقهاء الأربعة رضى الله عنهم وأرضاهم فى معاملات وفى عبادات لتعلموا بعد ذلك أنها أحكام شرعية مأخوذة من النصوص الشرعية فمن عارض فى ذلك فعليه غضب رب البرية ومن جاء وقال هذا الاختلاف يدل على أنه ليس من شرع الله جل وعلا فعليه غضب الله وسخطه هذا لابد إخوتى الكرام من وعيه

ص: 12

الأمر الأول مثال وقع فى زمن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه حديث فى الصحيحين ورواه البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء العاشر صفحة تسع عشرة ومائة فى كتاب القضاء باب فى اجتهاد القاضى وما يسوغ للقاضى فيه أن يجتهد، فى الجزء العاشر صفحة تسع عشرة ومائة ورواه فى دلائل النبوة البيهقى فى الجزء الرابع صفحة ستة وانظروا الحديث مع الكلام عليه فى البداية والنهاية فى الجزء الرابع صفحة سبع عشرة ومائة ولفظ الحديث عن سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

لا يصلين أحدا منكم العصر إلا فى بنى قريظة

وكان هذا بعد موقعة الخندق موقعة الأحزاب وكفى الله المؤمنين القتال ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا فلما عاد النبى عليه الصلاة والسلام إلى بيته جاءه جبريل كما سيأتينا فى رواية الطبرانى على نبينا وأولياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه وقال له وضعتم السلاح وضعت اللئمة إنا فى السماء لم نضع سلاحنا لا زلنا فى استنفار قال ماذا تأمرنى

قال توجهوا إلى بنى قريظة هؤلاء اليهود الذين نقضوا معك العهد وهم أهل جحود وكنوت كما تقدم معنا صفوا الحساب معهم فأرسل النبى عليه الصلاة والسلام مناديا اسرعوا إلى بنى قريظة وحاصروهم لنحاسبهم على خيانتهم فخرج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين إلى بنى قريظة

قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أجمعين فأدرك بعضهم العصر فى الطريق بعضهم أدرك صلاة العصر فى الطريق فانقسم هؤلاء إلى قسمين الذين أدركوا العصر فى الطريق فقال بعضهم لا نصلى حتى نصل إليهم إلى بنى قريظة كما أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام لا يصلين أحدا منكم العصر إلا فى بنى قريظة

ص: 13

وقال بعضهم نصلى لم يُرِدْ منا ذلك لم يُرَد منا ذلك لم يُرِدْ للمبنى للمعلوم أى لم يرد النبى عليه الصلاة والسلام تأخير الصلاة إلى بنى قريظة إنما أراد الإسراع والعجلة لم يُرِدْ لذلك الكلام لا يصلين أحدا منكم العصر إلا فى بنى قريظة ما أريد تأخير الصلاة إنما أريد العجلة والسرعة لم يُرَد منا ذلك فصلى قسم فى الطريق وقسم أخَّر الصلاة سمعت بعض الناس يتحدثون لعلهم ما وصلوا إلى بنى قريظة إلا بعد غروب الشمس يا عبد الله ليس لعلهم، قطعا وجزما ما وصلوا إليها إلا بعد غروب الشمس وما صلوا العصر إلا بعد أن غربت الشمس ودخل وقت المغرب من زمن كما ستسمعون فى رواية الطبرانى يعنى خرج وقت العصر ليتهم أخروها يعنى إلى آخر وقتها بحيث خرج الوقت المستحب ودخل وقت الكراهة، لا، خرج الوقت ودخل وقت صلاة المغرب وصلوها بعد غروب الشمس

ذُكر ذلك للنبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لم يعنف أحدا لا قال لهؤلاء أخطأتم ولا لهؤلاء أخطأتم وبالمقابل ما قال لهؤلاء أصبتم ولا لهؤلاء أصبتم

ولذلك ذهب بعض أئمتنا إلى أن كل مجتهد مصيب قال لأنه لو كان أحد المجتهدَين هنا على خطأ لبين النبى عليه الصلاة والسلام ذلك لأنه لا يُقر على خطأ لابد من أن يقول لا عليك لوم لكن أنت أخطأت وكان الأولى أن تفعل كذا فسكوته يدل على صواب الفريقين والعلم عند الله جل وعلا

على كل حال حديث كمما قلت فى الصحيحين وغيرهما من وراية سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهم رُوى الحديث عن صحابيين آخرين روى عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فى كتاب دلائل النبوة للبيهقى فى المكان المتقدم وروى الحديث فى دلائل النبوة للبيهقى فى المكان المتقدم ومعجم الطبرانى الأوسط فى الجزء السادس صفحة أربعين ومائة عن كعب بن مالك وعليه وعن ابن عمر وأمنا عائشة وكعب بن مالك رضى الله عنهم أجمعين

ص: 14

وفى رواية كعب قال جبريل إلى نبينا الجليل على نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه وقال يا محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وضعت اللئمة وهى لباس الحرب

فقال نعم

قال لكنا فى السماء ما وضعنا سلاحنا لا زلنا فى استنفار فوثب النبى عليه الصلاة والسلام فزعا فعزم على الناس ألا يصلوا العصر إلا فى بنى قريظة

قال كعب بن مالك فلبسوا السلاح وانطلقوا إلى بنى قريظة فلم يأتوا بنى قريظة حتى غربت الشمس

فقال بعضهم وهم فى الطريق صلوا لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتركوا الصلاة

وقال بعضهم عزم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نصلى العصر إلا لابنى قريظة وإنما نحن فى عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم

قال كعب بن مالك رضى الله عنهم أجمعين فصلت طائفة العصر فى الطريق انتبه إيمانا واحتسابا لا جحودا وعنادا ومخالفة للنص مؤمنين برب العالمين ويطلبون الأجر عنده وقالوا هذا الحديث معناه كذا لا نقصد مخالفة لنبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ماذا قالوا لم يُرد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن تتركوا الصلاة إنما يريد السرعة صلوا فى الطريق إيمانا واحتسابا هذا الفريق الأول

قال وطائفة لم يصلوا حتى نزلوا بنى قريظة انتبه بعدما غربت الشمس فصلوها بعد غروب الشمس إيمانا واحتسابا على حسب النص التزموا أيضا به وطلبوا الأجر عند الله جل وعلا

قال فذكر ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام فلم يعنف واحدة من الطائفتين

ص: 15

قال الإمام الهيثمى فى المجمع رجال الطبرانى رجال الصحيح غير ابن أبى الهذيل وهو ثقة وابن أبى الهذيل هو عبد الله ابن أبى الهذيل روى له الإمام مسلم فى صحيحه والترمذى فى سننه وهكذا النسائى فعلامَ قال الهيثمى رجاله رجال الصحيح غير ابن أبى الهذيل وهو من رجال مسلم روى له مسلم فى صحيحه وعليه رجاله رجال الصحيح من أولهم إلى آخرهم روى له مسلم فى صحيحه والترمذى والنسائى فى السنن وهو ثقة كما حكم عليه بذلك الحافظ فى التقريب وانظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الرابع صفحة سبعين ومائة وقال إنه ثقة عابد وله كلام محكم كما فى حلية الأولياء فى الجزء الرابع صفحة ثمان خمسين وثلاثمائة ينقل عن السلف الكرام الطيبين وهو تابعى عبد الله بن أبى الهذيل تابعى روى عن سيدنا على وعن سيدنا عمار وعن سيدنا أُبى بن كعب وعن سيدنا عبد الله بن مسعود وعن سيدنا خباب وعن سيدنا أبى هريرة وغيرهم رضى الله عنهم وأرضاهم تابعى يقول:

أدركنا أقواما وإن أحدهم ليستحى من الله فى سواد الله

يعنى أن يضع ثيابه وأن يتعرى فى سواد الليل فى ظلامه ومع ذلك أهل حياء واستحياء من رب الأرض والسموات هذا حال من يراقب الله جل وعلا

أدركنا أقواما وإن أحدهم ليستحى من الله جل وعلا فى سواد الليل وهذا كما قلت من التعرى الذى هو مباح فكيف إلى النظر إلى المنكرات التى يُحارب بها رب الأرض والسماوات كما اعتاد المخلوقات فى هذه الأوقات من النظر إلى شاشة التلفاز التى هى أشنع معصية عُملت للعباد فى هذه الأيام

يا إخوتى الكرام يستحى من الله أحدهم أن يتعرى فى ظلام الليل ومع أهله يستحى ولا يفعل هذا إلا يعنى بخلوة يستر نفسه عندما يريد أن يقضى حاجته ومَن يتعرى يستحى وبعد ذلك نحن يعنى على وضح كما يقال أنوار نجلس ونبارز الله فى ظلام الليل بالمعاصى نفوض أمرنا إلى ربنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين

إخوتى الكرام انتبهوا لهذه الحادثة النص واحد أو متعدد؟ واحد

ص: 16

دلالاته مختلفة متعددة يحتمل أوليس كذلك؟ الفهوم متنوعة

إذاً النص يحتمل لا تصلوا إلا فى بنى قريظة حقيقة وأخروا الصلاة عن وقتها أوليس كذلك؟ يحتمل هذا ويحتمل لا تصلوا إلا فى بنى قريظة طلبا للسرعة ولا يراد تأخير الصلاة النص يحتمل هذا ويحتمل هذا يحتمل المعنيين والفهوم تختلف ففعلا ما اتفقت على أحد المعنيين ما قالوا النص يحتمل ويحتمل لكن نحن اتفقنا على أن الاحتمال الثانى هو المراد من الحديث وهو تأخير الصلاة إلى بنى قريظة لو اتفقوا على ذلك لصار إجماعا ولا مخالف فى القضية إنما النص يحتمل والصحابة فهومهم أيضا تتنوع

طيب يا رب أنت لا تكلف نفسا إلا وسعها أنت أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأنت الحكم العدل لو أردت من أصحاب نبيك على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لو أردت منهم كيفية واحدة لألهمت النبى عليه الصلاة والسلام زيادة إيضاح من أجل أن يرتفع اللبس عن الصحابة الأكياس رضوان الله عليهم أجمعين أوليس كذلك؟ لكان قال إن أدركتكم فى الطريق فلا تصلوا أخروها حقيقة هنا فقد أُخر وقتها ولو أدرككم العصر فى الطريق ولو سيخرج وقتها أخروها إلى هنا، كان بإمكانه أن يقول هذا نبينا عليه صلوات الله وسلامه والله يعلم وهو علام الغيوب أن الصحابة سيختلفون فى فهم هذا الحديث فترك نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول هذه الجملة التى تحتمل وتحتمل وأوحى بها إليه من أجل أن يشرع لنا أحكاما شرعية بعد ذلك وهى أن ما احتملته نصوص الشرع وقال به أئمتنا فهذا حكم شرعى من خالف فيه فهو ضال لابد من وعى هذا

أن يأتى بعد ذلك إنسان من أين جاء هذا الخلاف شرع واحد وبعد ذلك تأتى تقول فى الصلاة يقرأ الفاتحة أو لا يقرأ أو

ص: 17

يا عبد الله نصوص تحتمل وهذا وارد عن نبينا عليه الصلاة والسلام فليتسع صدرك وما استبان لك أنه أتقى لله أحوط افعله لا حذر عليك بشرط أن يكون هذا ضمن ما قرره أئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم وأما أن تأتى بفهم جديد فى هذا العصر البعيد فهذا ضلال بعيد إنما ما احتملته النصوص وقال به أئمتنا43:16فى سعة والحمد لله الذى لم يضيق علينا، هذا الآن يقع فى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام نص واحد تلقوه بآذانهم من نبيهم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم اختلفوا فى العمل به وزيادة على ذلك نبينا عليه صلوات الله وسلامه أقر الطائفتين ولا قال للطائفة التى صلت خالفت الأمر ولا للطائفة التى أخرت ارتكبتم كبيرة00 والعصر عن وقتها ومن فاتته صلاة العصر حبط عمله وأنتم كيف فعلتم هذا لا يا إخوتى الكرام الآن هذا لا يوجد مجال لذكره لأنه كل طائفة فعلت هذا إيمانا واحتسابا

تقدم معنا إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة وقلت هذا الكلام قرره شيخ الإشلام الإمام ابن قدامة فى المغنى فى الجزء الأول صفحة ثلاثة فى بدايته ونقله عنه أئمتنا منهم الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثلاثين صفحة ثمانين لا يغيبن عنكم ذلك وكلام الإمام ابن تيمية مأخوذ من كلام الإمام ابن قدامة إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة

إذا احتملت النصوص الأقوال المنقولة فالحمد لله كلها أحكام شرعية قال الله جل وعلا:

لا ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم

وهى النيات الخالصة الذين صلوا فى الطريق ماذا أرادوا بذلك؟

تعظيم الله

والذين أخروا الصلاة أرادوا؟

ص: 18

تعظيم الله لكن هؤلاء فهموا وهؤلاء فهموا فلا داعى للنزاع ءأنتم رأيتم أن الصلاة فى الطريق أتقى لله صلوا لكن دعونا نحن سنصلى هنا لا تنكروا علينا ولا ننكر عليكم رحمة الله واسعة ونحن رأينا أن الصلاة فى بنى قريظة أتقى لله فاتركونا ولا تعترضوا علينا وهذا الذى حصل من الصحابة ما عاب أحد على أحد وما عنف النبى عليه الصلاة والسلام أحدا وهؤلاء هم الأكياس وهؤلاء هم خير الناس الذين رُبوا على يدى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

هذا مثال إخوتى الكرام كما جرى فى زمن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه نص يحتمل معنيين فهم الصحابة منه هذين المعنيين وما اتفقوا على معنى من هذين المعنيين أقر النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة على ذلك

مثال ثانٍ اختلف فيه المذاهب الأربعة

على قولين إمامان قالا بالأول أبو حنيفة وبعده مالك على قول وإمامان قالا بقول ثان الشافعى وبعده الإمام أحمد الشافعى وأحمد رضى الله عنهم وأرضاهم على قول أبو حنيفة ومالك رضى الله عنهم وأرضاهم على قول وهو فى الحديث المستفيض رُوى عن ثمانية من الصحابة كما سأبين لكم فى التخريج عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال:

(البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بُورك لهما فى بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما)

(البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا) حديث إخوتى الكرام النص ثابت وقلت مستفيض مروى فى الصحيحين وغيرهما كما سيتبين معنا لكن النص يحتمل أكثر من معنى وأئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم مفاهيمهم اختلفت نحو هذا الحديث، مع المفاهيم يوجد قرائن أخرى أيضا حول هذا الحديث تؤيد تلك المفاهيم فدعاهم أن يقولوا يعنى قولين نحو هذا الحديث وأن يقرروا حكمين شرعيين هل للمتباعين الخيار بعد الإيجاب والقبول؟

ص: 19

قال أبو حنيفة ومالك رضى الله عنهم أجمعين لا خيار لأحد المتباعين بعد الإيجاب والقبول بعت تقول قد اشتريت انتهى، تقول بعد ذلك أنا ما أعجبتنى السلعة ولا أدفع الثمن، يا عبد الله تم الإيجاب والقبول تم تقول لا زلنا فى المجلس وكلام النبى عليه الصلاة والسلام البيعان بالخيار حتى يفترقا إلى أن يفترقا يقول يا عبد الله هذا الآن معناه كما ستسمع عند هذين الإمامين المباركين من جملة التأويلات يعنى من باب التعجز تأويلات ثلاث من جملتها وهو أولها كما سأذكر

حتى يفترقا باللسان بالأقوال لا بالأبدان يفترقا يفترقان باللسان لا بالأبدان أنا قلت بعت وأنت قلت اشتريت انتهى واضح هذا أما إذا انا قلت بعتك هذه السلعة بخمسين ريالا قبل أنت يعنى توافق ويتم القبول منك أنا رجعت وقلت ما عاد أبيعها أريد فيها مائة لا تقول أنا قبلتها بخمسين أقول أنا الآن رجعت واضح هذا لى الخيار قبل أن يحصل الإيجاب والقبول أنا لى الخيار وأنت لك الخيار لست بملزم أبيعك هذه السلعة بخمسين ريالا قد تشترى وقد لا تشتريها وإذا لم تعطِ مباشرة القبول بذلك ولم توافق أنا لى الخيار أسحب نفسى مباشرة أقول ما عاد أبيعها لا بخمسين ولا بمائة رجعت عن هذا ما أريد أن أبيعها هذه السلعة ليس من حقك الآن تتدخل متى تلزمنى بتسليم السلعة وأخذ الثمن أبيعك هذه بعتك بها بخمسين ريالا تقول قبلت اشتريت تفضل قلت لا أنا الآن بدا لى أننى لا أبيع السلعة هذه إن شئت أن أقيلك هذا موضوع آخر وإلا يجب عليك أن تسلم السلعة بعد الإيجاب والقبول هذا كما قلت قول سيدنا أبى حنيفة وسيدنا الإمام مالك

قال الشافعى والإمام أحمد رضى الله عنهم أجمعين

ص: 20

حتى يفترقا بالأبدان، ما داما فى المجلس كل واحد منهما له الخيار بعتك هذه السلعة بخمسين ريالا قلت قبلت ونحن نتحدث وما افترق أحد منا عن الآخر، لا زلنا فى مجلس العقد وأخذ معنا المجلس ربع ساعة نصف ساعة لازلنا فى المجلس نتحدث يعنى عن أمور خارجية عن البيع والشراء عن الذهب والثياب والأكل وما شاكل هذا نتباحث عن مسائل العلم ثم بعد ذلك طرأ لى طارىء وقلت هذه السلعة أنا لست بحاجة إليها لمَ اشتريتها؟

تورطت ،قلت يا عبد الله خذها أنا رجعت عن الشراء هذا من حقك أن تقول يا عبد الله يعنى أنت لست برجل!! كيف تقول ترجع هذا لا زال بالخيار ما دمنا فى المجلس هذا عند مَن؟ عند الإمام الشافعى والإمام أحمد يقول الحديث يدل على هذا

فهمان معتبران من جاء أن يقول عن واحد منهما يعنى هذيان حقيقة فقد قصر وأخطأ

استمعوا إخوتى الكرام لتخريج الحديث أولا الحديث كما قلت مستفيض مروى عن ثمانية من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين:

رواه الإمام أحمد فى المسند والإمام مالك فى الموطأ والبخارى فى الصحيح وهو السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أجمعين

والحديث فى المسند والكتب الستة إلا سنن ابن ماجة أيضا من رواية سيدنا حكيم بن حزام رضى الله عنهم أجمعين وهو أيضا فى السنن الكبرى للإمام البيهقى وغير ذلك من رواية حكيم بن حزام

الرواية الثالثة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهم أجمعين مروية فى المسند أيضا وسنن النسائى والترمذى والسنن الكبرى للإمام البيهقى

الرواية الرابعة من رواية أبى برزة الأسلمى فى مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود وابن ماجة والحديث فى سنن الدارقطنى والسنن الكبرى للإمام البيهقى ورواه الإمام أبو داود الطيالسى والإمام الطحاوى

الراوية الخامسة رواية سمرة بن جندب رضى الله عنهم أجمعين فى سنن النسائى وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم

ص: 21

الرواية السادسة فى المسند من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه انظروها فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة مائة

والرواية السابعة فى المسند أيضا بسند رجاله رجال الصحيح عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما لكن بلفظ تلك الروايات كلها بألفاظ متقاربة البيعان بالخيار ما لم يفترقا وقال حتى يفترقا

أما رواية عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال:

بايع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا ثم قال له اختر هكذا البيع

إخوتى الكرام يحتمل ما تقدم معنا بعد يعنى أن صار إيجاب من أحد الطرفين قبل القبض وقال اختر فإذا عندك يعنى كما تقدم معنا توجيه الحديث البيعان بالخيار إذا عندك نظر وتريد أن ترجع ارجع ولا تلزم الآن يعنى إذا أعطيت كلاما قبل حصول القبول لك الخيار

بايع النبى عليه الصلاة والسلام رجلا يحتمل المعنى الثانى بعد أن تم الإيجاب والقبول كما قرر الإمام الشافعى والإمام أحمد رضى الله عنهما قال اختر ما دمنا فى مجلس العقد لك الخيار اختر هكذا البيع

الرواية الثامنة من رواية عبد الله بن قيسٍ الأسلمى نحو رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين فى معجم الطبرانى الكبير انظروا هذه الرواية فى المجمع أيضا

والحديث إخوتى الكرام ذكر الإمام ابن عبد البر فى التمهيد طرق ست رويات بإسانيده فانظروها أيضا فى التمهيد فى الجزء الرابع عشر من صفحة سبع عشرة إلى صفحة خمس وثلاثين قرابة عشرين صفحة من رواية ستة من الصحابةالكرام وهم الستة المتقدمين ابن عمر وسمرة بن جندب وأبو برزة وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وحكيم بن حزام يعنى ما ذكر رواية ابن عباس ولا رواية عبد الله بن قيس الأسلمى وفى الاستذكار فى الجزء العشرين صفحة تسع عشرة ومائتين إلى خمس وخمسين ومائتين أفاض فى شرح هذا الحديث وبيان الأحكام الفقهية فيه فى قرابة خمس وعشرين صفحة رضى الله عنه وأرضاه البيعان بالخيار

ص: 22

إخوتى الكرام كما قلت الحديث واحد وثابت ويحتج به لكنه حمَّال احتمل معنيين تفرقا باللسان تفرق بالأبدان احتمل هذا وهذا

فذهب إمامان مباركان أبو حنيفة وبعده الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم بأن التفرق هو التفرق باللسان بالأقوال لا بالأبدان

هذا إخوتى الكرام أحد توجيهات للحديث قالوا تفرق باللسان والكلام لمَ تقولون هذا معنى الحديث قال لأن الاجتماع بالأبدان لا يؤثر فى البيع وكذا الافتراق هل يشترط لصحة البيع اجتماع الأبدان يشترط؟ يحصل البيع بكتابة أوليس كذلك؟

ولا يشترط وجود البدنين قال اجتماع الأبدان لا يؤثر فى صحة البيع وكذا الافتراق الوجود بالبدن وعدمه سواء إنما الإيجاب والقبول هو الذى يتعلق به بالحكم وثبوت البيع ثم بينوا أن التفرق يراد منه التفرق بالأقوال المستعمل هذا بكلام ذى العزة والجلال وكلام نبينا عليه الصلاة والسلام

قال الله عز وجل فى كتابه

(وإن يتفرقا فى حق الزوجين يغن الله كلا من سعته)

طيب هنا ما المراد بالتفرق الطلاق أوليس كذلك؟

تفرق بالأقوال ترتب عليه بعد ذلك افتراق بالأبدان موضوع آخر لكن تفرق بالأقوال

وقال جل وعلا

{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} [آل عمران/105]

بأى شىء تفرقوا بأقوالهم عقائدهم والأبدان قد تكون مع بعضها أى تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى قلوبهم متفرقة وهم فى الظاهر فى مجلس واحد هذا تفرق فلا يراد هنا التفرق بالأبدان منه حديث افتراق الأمة أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة تقدم معنا أن الحديث متواتر وليس بمستفيض فقط قد تقدم معنا تخريجه ما المراد بتفرق الأمة تفرق الأبدان أو العقائد والأقوال والأديان يعنى هذا يقول بقول وهذا بقول وهذا يعتقد شيئا وهذا يعتقد شيئا

وهنا البيعان بالخيار ما لم يفترقا وقال حتى يفترقا يحتمل التفرق بالكلام لأن وجود الأبدان لا أثر له فى صحة البيع وتفرق الأبدان لا أثر له أيضا له فى ذلك

ص: 23

حقيقة كلامهم معتبر وتوجيه شرعى مقرر أما بعد ذلك صحيح قطعى أو ظنى يا عبد الله تقدم معنا قلنا الاجتهاد من أوله لآخره ليقرر حكما شرعيا حسب ما فى وسعه على طريق القطع أو الظن فهنا حقيقة أمر ظنى يمكن أن يكون الأمر كذلك متى يكون هذا قطعى لو أن الأمة أجمعت على هذا المعنى لصار قطعيا ما دام هنا خلاف الأمر ظنى هذا يحتمله الحديث وهذا يحتمله الحديث والحمد لله الذى جعل فى الأمر سعة هذا الأمر الأول من توجيهات الحديث أن المراد من التفرق التفرق بالكلام باللسان لا بالأبدان هذا هو الحديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا وقال حتى يفترقا يعنى ما دام لا يوجد تفرق بينهما بالأقوال لهما خيار إذا حصل بعد ذلك اتفاق بعت وهناك اشتريت إيجاب وقبول تم البيع هذا كما قلت يعنى معنى أول

معنى ثانٍ توجيه

الحديث الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه ومعه وقبله الإمام أبو حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم هذا المعنى الذى ذكروه إخوتى الكرام يقول الإمام مالك العمل عندنا فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه على خلاف ما فهم من فهم من أن المراد بالتفرق التفرق بالأبدان العمل عندنا على خلاف ذلك والإمام ابن عبد البر مع أنه مالكى رضى الله عنه وأرضاه ردَّ هذا وقال لا يصح دعوة إجماع أهل المدينة فى هذه المسألة لأن الاختلاف فيها أهل المدينة معلوم وأى إجماع يكون فى هذه المسألة إذا كان المخالف فيها يقول منهم المخالف فيها ابن عمر وسعيد ابن المسيب وابن شهاب الزهرى وابن أبى ذئب ثم قال وقد قال ابن أبى ذئب من قال:

إن البيعين ليسا بالخيار حتى يفترقا استُتيب يقول وجاء بقول يعنى الإمام ابن أبى ذئب فيه خشونة تركت ذكره وهو محفوظ عند العلماء

القول الذى فيه خشونة عندما قال فى حق سيدنا الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه قال:

الإمام مالك يُستتاب عندما قال إن معنى الحديث حتى يفترقا الأقوال لا بالأفعال يُستتاب فإن تاب وإلا ضُربت رقبته

ص: 24

يعنى هو كفر بالله جل وعلا!!! هو على هدى وصواب وكلمة فجة غليظة ومع ذلك يلتمس له عذر رضى الله عنه وأرضاه أخذته الغيرة يعنى على فهمه الشرعى لا أقول على النص الشرعى ،النص الشرعى مع الإمام مالك كما هو مع الإمام ابن أبى ذئب لكن الغيرة على فهمه الشرعى ولكن ليس من حقه أن يرد فهم غيره أخذته الغيرة وقال كلمة يُعذر فيها وهو مخطىء فيما قال يغفر الله لنا وله ولذلك الإمام ابن عبد البر يقول جاء بقول فيه خشونة تركت ذكره وهو محفوظ عند العلماء

إخوتى الكرام كما قلت الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه يقول العمل ليس عليه فى المدينة المنورة الإمام ابن عبد البر يقول لا يصح دعوى إجماع أهل المدينة يوجد من خالف من ابن عمر وسعيد بن المسيب وابن شهاب الزهرى وابن أبى ذئب

الذى يبدو لى والعلم عند ربى لا يُعترض بهذا على كلام الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه فالإمام مالك يقصد بالعمل يعنى العمل المنتشر المشتهر الذى عليه أهل المدينة لا يقصد أنه لا يوجدفى هذا يعنى خلاف من بعض الأفراد منهم وإذاً لصارت المسألة قطعية ما يحق لأحد أن يخالف لا من أهل المدينة ولا من غيرهم يعنى يوجد أفراد لهم رأى فى هذا الحديث لكن الذى عليه العمل فى أسواق أهل المدينة فى بيوعهم فى شرائهم هذا يبقى الإمام ابن عمر رضى الله عنه يرى أن التفرق بالأبدان وبعده ابن شهاب الزهرى وسعيد بن المسيب وهكذا ابن أبى ذئب هؤلاء أفراد لكن العمل الذى عليه أهل المدينة على منورها صلوات الله وسلامه هو ما قرره الإمام مالك وليس يعنى لا يقصد بالعمل أنه لا مخالف فى ذلك هذا أيضا توجيه ثان للحديث يقول تفرق بالأقوال لا بالأبدان لأن العمل على خلاف هذا

هناك إخوتى الكرام أيضا يعنى توجيه ثالث للحديث

يقولون هذا الحديث البيعان بالخيار عارض قواعد العقود وأصولها فتقدم عليه لأنه متفق عليها والله جل وعلا يقول

ص: 25

يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود والعقد يتم بالإيجاب والقبول فجاء هنا حديث يستثنى يعنى الوفاء عندما يجعل الخيار لأحد المتعاقدَين بعد إيجاب وقبول يعنى فى عقد النكاح بعد أن يتم إيجاب وقبول هل لأحد التراجع لا ثم لا فى عقد الطلاق بعد أن يطلق ليس له أن يتراجع ويقول أنا سأرجع متى ما صدرت الكلمة يترتب عليها أثرها وهنا كذلك عقد يرتبط به الحكم وعليه الحديث هذا جاء مخالفا للنصوص انتبه لأى أى قاعدة عقلية لنصوص قررت وجوب الوفاء بالعقود بعد اكتمالها إيجاب وقبول وهنا علق الوفاء ولا يزال اختيار لأحد المتعاقدَين فخالف كما قلت القاعدة التى دلت عليها نصوص شرعية

إذاً تقدم تلك لأنه تلك ثابتة بنصوص كثيرة فعارضها هذا وهو أمثل منها فيقدم ما هو أقوى ولا يقصد بالتفرق إذاً تفرق الأبدان

الإمام ابن عبد البر رضى الله عنه وأرضاه مع أنه مالكى وانظر هذا لديانته وصلاحه وإمامته ويرى أن التفرق بالأبدان مع أنه شيخ مالكى ولا غضاضة ولا حرج إخوتى الكرام هذا دين الرحمن وليعلم بعد ذلك السفهاء فى هذه الأيام عندما يقولون موضوع تعصب وما تعصب الإنسان إذا استبان له حقيقة الديانة تلزمه أن يقول هذا فيما يظهر لى أرجح لكن ليس من حقه أن يعترض على القول الآخر استبان لك قل به فالإمام ابن عبد البر يرى أن الرماد بالحديث التفرق بالأبدان لكن حقيقة يعنى عرَّض بالمالكية والحنفية بكلام فيه خشونة كما قال هو عن كلام الإمام ابن أبى ذئب فيه خشونة والله بغفر لنا وله بفضله ورحمته

استمع لعبارته قال فى التمهيد:

أَكثَرَ المتأخرون من المالكيين والحنفيين من الاحتجاج بمذهبهما أكثروا من إيراد الحُجج فى بيان توجيه هذا الحديث وأن التفرق المراد منه تفرق بالأقوال أَكثَرَ المتأخرون من المالكيين والحنفيين من الاحتجاج بمذهبهما بما يطول ذكره وأكثره تشغيب لا يحصل منه شىء لازم لا منفعة له

ثم قال فى الاستذكار:

ص: 26

واحتجاجهم بمذهبهم فى رفع ظاهر الحديث طويل أكثره تشغيب لا معنى له لأن الأصول لا يُرد بعضها ببعض

يقول عندكم أصل وهو أن العقود إيجاب وقبول ولا خيار لأحد المتعاقدَين يستثنى منه عقد البيع، الأصول هذا أصل وهذا أصل لا يرد بعضها ببعض وما تقولونه شغب عندك وعندى من يرى التفرق بالأبدان

الشاهد إخوتى الكرام حديث احتمل معنيين أئمتنا الكرام استمع لم ينفرد الحنفية يعنى لو أن الحنفية انفردوا لجاء معترض وقال هؤلاء أهل الرأى وأهل القياس، وافقهم شيخ الشافعية إمام أهل الأثر فى مدينة سيد البشر عليه صلوات الله وسلامه وهو الإمام مالك نجم السنن قال بهذا

طيب يا إخوتى الكرام لابد إذاً من أن نتقى ربنا وأن نقف عند حدودنا نقول هذا فهم معتبر وهذا فهم معتبر كما قلت مرارا فى مواعظ سالفة أمور الخلاف التى تتعلق بالمعاملات وبالقضاء يدخل فيها ولى الأمر ليلزم الناس بعد ذلك بما يتبناه وبما يأخذ به مما اختلف فيه أئمتنا فإذا رأى ولى الأمر أنه هناك خيار خيار للمتعاقدين ما داما فى مجلس العقد فهو يلزم الحنفية والمالكية بهذا ويقول هذا قول يقرر فى دروس العلم وفى المساجد، تذكر أدلته لكن لابد من الحياة العملية من إلتزام بعد ذلك بقول فأنا أرى أنه يُعمل بمذهب الشافعى فى هذه المسألة وعليه خيار المجلس ثابت مادام المتعاقدان فى المجلس هذا له ذلك وعلى أيضا العكس لو اختار مذهب أبى حنيفة مذهب الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم وقال إذا صدر الإيجاب والقبول فلا خيار ليس من حق أحد أن يقول أنا على مذهب الشافعى وسأفسخ العقد نقول يا عبد الله الآن لا خيار لك وكونك تميل لهذا المذهب الآن يوجد تبنى لحكم كذا إن أراد بعد ذلك المتعاقد الثانى أن يفسخ من باب الرضى فهذا خير وبركة وإلا ليس من حقك أنت أن تلزمه ولا أن تغضب

ص: 27

هذا إخوتى الكرام مثال وكما رأيتم من الأمثلة التى هى فى المعاملات هنا اختلف الأئمة الأربعة على قولين النص كما تقدم معنا واحد لكن احتمل والفهوم اختلفت وأسباب الاختلاف كما قلت يعنى أعظمها ترد إلى هذين الأمرين احتمالات النصوص تعدد معانيها تغاير الفهوم وتباينها وكما قلت أهل العلم فى حفظه متقاربون وفى استنباط فقهه متباينون وهنا كذلك هذا الحديث حفظه أئمتنا وما غاب عن أحد ولا يأتين بعد ذلك إنسان يقول هذا الحديث ما بلغ أبا حنيفة وما بلغ الإمام مالك رواه فى الموطأ وتقدم معنا رواية ابن عمر مروية فى الموطأ والعلم على خلافه فقف عند حدك ومعناه كذا

فهنا حقيقة إخوتى الكرام الذى ينظر فى هذين المعنيين لهذه الأحاديث من روايات متقدمة حقيقة يقول هذا معتبر وهذا معتبر بقى بعد ذلك الخلاف فى القضايا كما قلت يعنى الاجتماعية بين الناس العملية

يأتى ولى الأمر يتبنى ليرفع الخلاف هذا له ذلك إنما هذا قول معتبر وهذا قول معتبر وليس من حق أحد أن يضلل أحد القولين أو يقول إنه فاسد، أنت بعد ذلك تميل إلى هذا أو تميل إلى هذا بناء على ما يطمئن إليه قلبك من دليل فالأمر فيه سعة ورحمة الله واسعة

إخوتى الكرام الإمام ابن أبى ذئب رضى الله عنه وأرضاه من رجال الكتب الستة محمد بن عبد الرحمن ثقة فقيه فاضل توفى سنة ثمان أو تسع وخمسين بعد المائة إمام صالح من العلماء القانتين الربانيين قال الإمام أحمد رضى الله عنه وأرضاه كان يشبه بسعيد بن المسيب فقيل للإمام أحمد خلف ابن أبى ذئب مثله وتوفى قبل الإمام مالك ثمان وخمسين أوليس كذلك؟ أو تسع وخمسين قبل الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم يعنى من قرابة عشرين سنة تسع وسبعين الإمام مالك وهنا إذا كان تسع وخمسين لقرابة عشرين سنة قيل للإمام أحمد خلَّف مثله ابن أبى ذئب قال لا ثم قال كان أفضل من الإمام مالك إلا أن مالكا رحمهم الله أجمعين كان أشد تنقية للرجال منه

ص: 28

هذا رأى للإمام أحمد أيضا رضى الله عنه وأرضاه قال الذهبى قلت وهو أقدم لقيا للكبار من مالك ولكن مالكا أوسع دائرة فى العلم والفتيا والحديث والإتقان منه بكثير ونعته الإمام الذهبى بأنه هو الإمام شيخ الإسلام رضى الله عنه وأرضاه

ومن مناقبه وفضائله وجرأته فى الحق وعدم يعنى مداهنته أن الخليفة المهدى عندما دخل إلى مسجد نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قام من قام وفى رواية ما بقى أحد إلا قام إلا الإمام ابن أبى ذئب فجاء إليه الحارس ومعه هؤلاء الحراس قم خليفة المؤمنين أمير المؤمنين الخليفة المهدى قال إنما يقوم الناس لرب العالمين وهو قاعد فقال المهدى دعوه والله لقد قفَّ كل شعرة فى جسدى وقفت من هذا الكلام إنما يقوم الناس لرب العالمين

وتقدم معنا صدعه بالحق فى مجلس أبى جعفر المنصور رحمهم الله وغفر لهم الإمام ابن أبى ذئب من العلماء القانتين وقال ما قال فعلق الإمام الذهبى على كلمته بما ستسمعونه فى السير فى الجزء السابع صفحة اثنتين وأربعين ومائة قال الذهبى:

قال الإمام أحمد رضى الله عنه وأرضاه بلغ ابن أبى ذئب أن الإمام مالك لم يأخذ بحديث البيعان بالخيار ولم يأخذ فى الحقيقة فيها تساهل واضح هذا لم يفهم منه ما فهم أن المراد بالخيار بالتفرق التفرق بالأبدان هو هذا الذى لم يفهمه فقال يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم قال أحمد هو أورع وأقول بالحق من الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم قال الذهبى معلقا على كلام الإمام أحمد رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين قلت:

لو كان ورعا كما ينبغى لما قال هذا الكلام القبيح فى حق إمام عظيم وحقيقة كلام قبيح كلام فج كلام غليظ من نفس طيبة طاهرة مؤمنة صالحة قانتة وليس من شرط الولى ألا يخطىء وليس من شرط الولى إلا يغضب والله يقول فى كتابه

إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون

ص: 29

ويقيننا ليس غلبة الظن أن ابن أبى ذئب ندم على هذه الكلمة لكن كل بنى آدم خطاء والتسرع حقيقة خطأ فهنا قلت لوكان ورعا استمع كما ينبغى!! هذا هو الورع كما ينبغى هذا لا يوجد إلا فى الأنبياء الكرام هم المعصومون ومن عداهم لا يسلم من زلة على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه لو كان ورعا كما ينبغى لما قال هذا الكلام القبيح فى حق إمام عظيم فمالك استمع للإلتماس العذر ولبيان صحة قول الإمام مالك والذهبى شافعى يعنى يرى ان التفرق تفرق بالأبدان لكن يا إخوتى لابد من إنصاف علماء الإسلام لابد وهذا فهم شرعى معدود على أنه من أحكام الشريعة لا يجوز التسفه عليه فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث استمع لعلتين:

الأولى لأنه رآه منسوخا وقيل عمل به وحمل قوله حتى يتفرقا على التلفظ بالإيجاب والقبول فمالك فى هذ الحديث وفى كل حديث له أجر ولابد فإن أصاب ازداد آخر وإنما يرى السيف على من أخطأ فى اجتهاده الحرورية وهم الخوارج شر البرية الذين يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ونسبوا إلى الحرورية إلى بلدة حاروراء بظاهر الكوفة عندما اجتمعوا فيها وتعاقدوا على حرب وتكفير سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه وإنما يرى السيف على من أخطأ فى اجتهاده الحرورية

وبكل حال فكلام الأقران بعضهم فى بعض لا يعول على كثير منه فلا نقصت جلالة الإمام مالك بقول لأبى ذئب فيه ولا ضعف العلماء ابن أبى ذئب بمقالته هذه

خلص غضب وانفعال لا تقف يا عبد الله عندها كثيرا يعنى بشر وزل لا الإمام ابن أبى ذئب يضعف بهذه الكلمة الخشنة والإمام مالك ما نزلت مكانته ورتبته بكلام ابن أبى ذئب فيه يعنى ليس أنه كلام لغو لا أثَّر فى القائل ولا فى المقول أوليس كذلك؟ ولا ضعف العلماء ابن أبى ذئب بمقالته هذه بل هما عالما المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه فى زمانهما رضى الله عنهما

هذا هو الإنصاف وهذه هى الديانة

ص: 30

إخوتى الكرام لابد من نعى هذا فى هذه الأيام على وجه الخصوص لأنه كثر لغط حول هذه القضايا ويأتيك بعد ذلك سفيه من السفهاء فيقول تقولون الأئمة الأربعة أصولهم واحدة لمَ اختلفوا؟

يا عبد الله لو أردنا أن نلغى مذاهبهم لتتفضلوا أنتم لتجتهدوا ستخبطون تخبيطا وتضعون من الأقوال ما يخطر على بال الخلق من خلافات فيما بينكم فاتقوا الله وقفوا عند حدكم، نص احتمل أكثر من معنى انتهى أئمتنا جاؤوا بعد ذلك التمسوا هذه المعانى لو أجمعوا على معنى من معانيه لكان حجة قاطعة عندما اختلفوا الحمد لله رحمة واسعة إثارة هذه المسائل والتشويش حولها كما قلت مرارا ما يفعله إلا من غضب الله عليه والتماس مثل هذه الزلل يأتى إنسان يقول الإمام مالك عندما خالف الحديث ابن أبى ذئب قال تضرب رقبته وهذا ينبغى أن نعمله مع من يخالف السنة ونقول لكم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقولون قال أبو بكر وعمر يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء يا عبد الله قف عند حدك إنسان انفعل وقال ذلك الكلام غاية ما يقال يعنى انفعل وأخطأ يغفر الله لنا وله

ص: 31

وتقدم معنا عندما قال عروة بن الزبير أوليس كذلك؟ لسيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين هما أعلم بالسنة منك يا عبد الله لا داعى الآن يعنى كما يقال لهذا الكلام المعسول الذى يُخدع به السامع إننا نتبع السنة ونترك ما عليه أبو بكر وعمر لا يا عبد الله هما أعلم بالسنة منك فعلها سنة وأما أنت فهمك دون فهمهم فسكت ابن عباس عند تلك المقولة وهنا كذلك فيأتى إنسان يستدل بهذا أو ينشر هذا بين المسلمين ولا ينشره بينهم إلا من غضب عليه رب العالمين ونحن إخوتى الكرام كما قلت مرارا أمام كفر بواح وردة عن دين الله جل وعلا فى هذه الأيام وإمام فسوق وانحلال بدل من أن تحارب تلك نُشغل الأمة بهذه الأشياء لعله لا يخلو بيت من بيوت المسلمين فى هذه الأيام من الجهاز اللعين أوليس كذلك؟ ألا نشغل دروسنا وتحذيرنا للمسلمين من هذا الفساد وأن من فى بيته هذا الجهاز هذا الفساد لا تقبل له صلاة ولا يقبل له صيام هذا إخوتى الكرام لابد من وعيه وكيف سيلقى الرحمن أما بعد ذلك هذا كله يترك ونأتى بعد ذلك فى هذه المشاكل والله يا إخوتى الكرام هذا الجهاز لو بُعث نبى من الأنبياء وهذا الجهاز فى البيوت لا يمكن لهذا النبى أن يؤثر ولا أن ينتفع بدعوته مادام هذا الجهاز فى البيوت فلنكن على علم بذلك هذا كله يُترك ثم بعد ذلك نأتى خلافات بين أئمة الإسلام

يا إخوتى الكرام ينبغى أن نتقى الله وأن نقف عند حدودنا وهكذا بقية المفاسد التى نخوض فيها إلى آذاننا كلها تُترك وتُشغل دروس العلم بعد ذلك كلها خلافات واتباع النص وعدم اتباع المذاهب واتباعها بدعة وهو يُشغل الناس بهذيان لا وجود له يعنى كما يقال فى هذا الزمان لا وجود له ثم بعد ذلك دعوة الاجتهاد دعوة التطوير ودعوة دعوة كأنه ما شاء الله الأمة فقط لا يلزمها إلا مجتهدون ليُحكم باجتهادهم ليكون شريعة مقررة فى العالم من أوله لآخره

ص: 32

يا عبد الله ماذا تنفع الاجتهادات وماذا تنفع بعد ذلك وشريعة الله كلها نُحيت عن الحياة وبعد ذلك نأتى نثير هذه الخصومات بيننا وبين سلفنا

تقدم معنا كلام العبد الصالح يحيى بن عمار أبى زكريا توفى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة من العلماء الربانيين القانتين انظروا ترجمته فى السير فى الجزء السابع عشر صفحة اثنتتن وثمانين وأربعمائة وكلامه فى مجموع الفتاوى فى الجزء العاشر صفحة خمس وأربعين ومائة قال:

أنواع العلوم خمسة العلوم خمسة علم فيه حياة الدين وهو علم التوحيد وعلم هو قوت الدين وهو علم العظة والتذكير تقدم معنا فى أول دروس الفقه وعلم هو دواء الدين وهو علم الفقه وعلم هو داء الدين وهذا هو النزاع الذى جرى بين الناس وعلم هو هلاك الدين وهو علم الكلام والفلسفة وعلم الشعوذة والطلاسم

داء الدين أن تثير النزاع الذى كان بين سلفنا الكرام الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين

إخوتى الكرام هذه مسألة والمسألة الثانية كما قلت فى العبادات لابد من ذكرها أيضا على وجه الاختصار أشير إليها وأذكرها فى أول الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه والإخوة الذين يحضرون معنا كانوا فى تفسير سورة الفاتحة كنت أشرت إليها باختصار أيضا فى آخر تفسير سورة الفاتحة

إخوتى الكرام اتفق أئمتنا أنه لابد من القراءة فى الصلاة هذا محل اتفاق واتفقوا على أنه إذا قرأ الفاتحة أحسن وأجزأه ذلك لكن انتبه هل تتعين الفاتحة أو لا؟

على قولين عند سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه لا تتعين ويجزىء غيرها وعند المذاهب الثلاثة تتعين

القول الثانى الذى يترتب على هذا هذا الشىء الذى يتعين ولابد منه وهو القراءة من فاتحة أو منغيرها على من يلزم هل يلزم كل مصلٍ أو بعض المصلين؟

فالإمام أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه يلزم كل مصل إلا المأموم فلا يقرأ فاتحة ولا ما عداها فى جميع أحوال اقتدائه فى جهرية أو فى سرية كما تقدم معنا

ص: 33

والإمام مالك والإمام أحمد ورضى الله عن أئمتنا أجمعين يريان أنه لا يتعين على المأموم قراءة من باب الوجوب لكن إن جهر الإمام يُكره للمأموم أن يقرأ الفاتحة ومن باب أولى ما عداها وإن أسر فيسن له يسن أن يقرأ والقول الثالث قول الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه القراءة واجبة فى جميع الركعات والفاتحة هى ويسن ما زاد عليها سواء إن كان إماما أو مأموما أو فذا

إذاً عندنا هذه الأحوال الخمسة القراءة لابد منها لكن هل تتعين الفاتحة على قولين وإذا تعينت القراءة الفاتحة أو غيرها هل هى على كل مصل على ثلاثة أقوال خمسة أقوال لا يوجد واحد منها إلا وعليه دليل أظهر وأضوأ من ضوء القنديل وأقوال معتبرة كل قول قال به إمام جليل فأنت ماذا تفعل نحو هذه الأقوال حقيقة ما تراه أحوط يطمئن قلبك إليه إن كنت تبحث فى الأدلة فلك أن تعمل به

أما أن تلزم أحدا بذلك وتقول من لم يقرأ الفاتحة إذا كان مأموما صلاته باطلة أو إذا قرأ صلاته مكروهة ليس من حقك هذا

وحقيقة كما قلت لكم مرارا يعلم ربى ما أمرت أحدا أو نهيته نحو هذه المسائل لا قلت اقرأ ولا لا تقرأ ولما يأتى معنا بحث أذكر حسب يعنى الأدلة التى قررها أئمتنا أحيانا أحيانا يعنى بعض الناس يسأل ما الذى تفعله أنت، أقول ما لك ولى يا عبد الله يعنى أنا لست بحجة على نفسى فضلا على غيرى هذه أقوال أئمتنا لكن من باب البيان قول كذا يعنى أراه فى حق نفسى أحوط أما أننى أدعو إليه ألزم الناس به أحمل كما يقال يعنى السلم بالعرض فى وجه الأمة إذا لم تفعلوا هذا ما صحت صلاتكم!!!

يا إخوتى هذا ضلال ليس من حق أحد أن يفرض نفسه على أمة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أدلة كلها عليها أحاديث كما ستسمعون صحيحة صريحة فى المطلوب بقى بعد ذلك أئمتنا رجحوا هذه على هذه أوهذه على هذه على حسب ما قالوه من أقوال وهم مأجورون

ص: 34