المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   المقدمة   الحمد لله الذي أكمل لنا الدين. وأتم - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٦٥

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين. وأتم علينا بذلك النعمة، وجعل أمتنا بفضله ورحمته خير أمة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من توحد بجلال ملكوته، وتفرد بجمال جبروته، أتقن ما صنع وأحكمه، وأحصى كل شيء وعلمه، وخلق الإنسان وعلمه، ورفع قدر العلم وعظمه، ومنعة من أسترذله وحرمة، وخص به من خلقه من كرمه، فسبحانه من إله أذهل العقول عن الوصول إلى كنه ذاته الأبدية. وأدهش الخواطر عن الإحاطة بجليل صفاته السرمدية.

ص: 1

وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، خاتم الأنبياء وسيد الأصفياء، وصفوة الأولياء، وإمام العلماء، وأكرم من مشى تحت أديم السماء، صل اللهم وسلم وبارك عليه في كل ساعة ولحظة وحين على دوام الأبد ما لا يدخل تحت الحصر والعدد ولا ينقطع عنه المدد، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، والصحابة الكرام الميامين، والتابعين لهم بأحسن إلى يوم الدين، صلاتا وسلاما تامين لا يعتريها انصرام، دائمين بإحسان على ممر الدهور والأيام. وبعد فإن الله سبحانه وتعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم وحواصر الفهم ـ واتاه ـ دون خلقه كنوز الحكم ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((بعثت بجوامع الكلم)) فأبان الله به الحق للأمة، وكشف عنها ستر الغمة، وصانها من الزلة، ووقاها من النقمة، وحض عبادة المؤمنين سبحانه وتعالى على النفير للنفقة والتبصر في الدين فقال جل من قائل ((فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)) (1) ووجههم إلى إنذار بريته، كما ندب إلى ذلك أهل رسالته، ومنحهم ميراث أهل نبوته، ورضيهم للقيام بحجته، ولنيابة عنه في الإخبار بشريعته واختصهم من عبادة بخشيته فقال تبارك وتعالى ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)) (2) ثم أمر جميع الخلق بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم وجعل علامة زيغهم وضلالهم ذهاب علمائهم وتنصيبهم الرؤوس عليهم من جهالهم فقال عليه الصلاة والسلام ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) (3) .

(1) - التوبة: 122

(2)

- فاطر: 28

(3)

- في الصحيحين وغيرهما منة حديث عبد الله عمرو بن العاص

ص: 2

صدقت والله يا رسول الله، إن العصر الذي نعيشه قد نصب فيه الجهال رؤوسا، والعلماء المضلون إلا من رحم الله مفتونا، بعد أن قبض مخلصوا العلماء منا، ولم يبق إلا من إذا سألناهم بجوابهم أضلونا واغوونا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

نسأل الله العلى القدير أن يلهمنا طريق الرشد ويبعد عنا كل فاجر وأن يكلألنا من فتن الغدايا والعشايا والهواجر وان يصلح حالنا، وأن يخلصنا له وممن قيل فيهم:

إن لله عباد فطنا

طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا

ج

نظروا فيها فلما علموا

أنها ليست لحى وطنا

جعلوها لجة وأتحذوا

صالح الأعمال فيها سفنا

وأنا سائل أخا ألا ينسى في صالح دعوته في خلواته أن يدعوا لي ولوالدي ومشايخي وسائر المسلمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وبالله التوفيق والمستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

13 ربع الأول 1413

10 أيلول 1992

أنس بن حامد العبد لله

تعريف بهذا الكتاب

لقد منا الله على بان وفقني لنيل شرف كتابه هذا الكتاب لفضيلة شيخنا المبارك أبى حمزة عبد الرحيم بن احمد الطحان. حفظة الله وأطال في طاعته بقاءه، وأناله في الحق مبتغاة، ورجاءه، أسائل ربى تبارك وتعالى أن يمهلني إلى إنهاء هذا الكتاب المبارك ليكون ذخرا للآخرة ((يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ)) (1)) ) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) (2) وأسأله تعالى أن يجعله من صالحات باقيات الأعمال وخالصات الآثار. وخالدات الحسنات إلى آخر الأعمار فإنه إذا أراد بعبد خيرا حسن عمله في الناس وأهله لخيرات هي بمنزلة العين من الرأس. وأساله سبحانه الرشاد والسداد فيما أنقل وفيما اكتب، وبالله أستعين

هذا....ولقد اتبعت الخطوات التالية في إعداد هذا الكتاب.

(1) - الشعراء (88)

(2)

- الشعراء (89)

ص: 3

اعتمدت في كتابة متن الكتاب على السماع من شيخنا وذلك بطريقتين، الأولى عن طريق أشرطة الكاسيت: التي تم تسجيل محاضرات شيخنا فيها والمتعلقة بتلك الموضوعات. والثانية: عن طريق سماعي مشافهة لتلك المحاضرات وبذلك تم تدقيق المتن

? قمت بتخريج الآيات القرآنية. وجعلتها ضمن أقواس مزدوجة هكذا ((.....)) وقمت بمراجعة تخريج الأحاديث النبوية التي خرجها شيخنا والآثار وإن كان هناك بعض إضافة ذكرتها وقمت بتخريج الأحاديث والآثار التي لم يذكر شيخنا لها تخريجا من مصادرها من الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم ونسبتها إليها وعنيت بضبط النص بشكل كامل بقدر المستطاع. وإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بنسبته إليهما أو إليه في الغالب لأن في ذلك الكفاية. وكذا الأحاديث التي خرجها شيخنا إذا كان قد نسب الحديث إلى احد الصحيحين أو لكليهما اكتفيت بذلك غالبا وجعلت الحديث في ذلك كله ضمن أقواس مفردة هكذا] ..... [والحديث الذي خرجته صدرته بكلمة. قلت. لئلا يختلط مع تخريج شيخنا ولئلا ينسب له إن كان فيه خطأ.

? هناك بعض الألفاظ والكلمات قالها شيخنا باللغة العامية أو غير العربية أحيانا تسهيلا لفهمها ولاشتهارها بين الناس بذلك اللفظ، وضعتها ضمن قوسين مزدوجين صغيرين هكذا "...."

? قمت بوضع بعض التعليقات والشروح لبعض الجمل التي قالها شيخنا والتي ربما يكون فيها بعض الغموض على قارئها وبينت مقصود شيخنا منها قمت بتقوية بعض الآراء التي ذكرها شيخنا من المسائل المهمة وذكرت على بعضها الأدلة المقررة لتلك المسألة ولحكمها

? قسمت الكتاب إلى أبواب وفصول ومباحث ومطالب لتسهيل مراجعة الموضوعات وضعتها

? هناك بعض الأحاديث والآيات ذكرها شيخنا ولم يشر إلى أنها حديث أو آية وضعتها بين الأقواس وخرجت ذلك الحديث وتلك الآية في الهامش

ص: 4

هناك بعض النقاط التي ذكرها شيخنا والتي تندرج تحتها نقط اصغر منها وفروع لها متعددة قمت بوضع أرقام لها فالنقطة الكبرى أطلقت عليها أولا والتي تحتها أعطيتها أرقام مثل: 3،2،1 التي تتفرع عن هذه الأرقام رمزت لها بـ أ ، ب

? قمت بوضع فهرس الفبائي للأحاديث النبوية والآثار وفهرس آخر للموضوعات تسهل على قارئه الإطلاع على محتويات الكتاب واهم أبوابه وفصوله ومباحثه ومطالبه.....

وبعد

فأرجو من الله عز وجل أن يوفق الجميع لأحسن الانتفاع بما في هذا الكتاب وان يستفيدوا منه في الخير والرشد ويسلكوا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم الأفوم إلى الله على نور في كل الأمور وقد يكون هناك شيء من الخطأ في هذا العمل الذي لا يخلوا منه إنسان كائن من كان إلا من عصم الله فالمرجوا من الله أن يغفر لنا ويعفوا عنا ويلهمنا رشدنا إنه سميع قريب مجيب للدعوات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وأجمعين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

} اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن {

الباب الأول

التقوى

تمهيد

المبحث الأول: في بيان معنى التقوى

المبحث الثاني: في بيان الأمور التي تحصل بها تقوى الإنسان لربه جل وعلا

المبحث الثالث: ما الطريق الذي يوصلنا إلى التقوى

المبحث الرابع: منزلة التقوى

المبحث الخامس: ما هي علامة قبول التقوى؟ وما هو البرهان على صدق صاحبها؟

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعن ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتننا انك أنت العليم الحكيم اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا بفضلك ورحمتك يا ارحم الراحمين.

ص: 5

إخوتي الكرام أخرج الإمام الترمذي في سننه والإمام احمد في مسنده والإمام الحاكم في مستدركه رحمهم الله جميعا بسند صحيح عن أبى ذر جندب ابن جناده وأبى عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل منهما أعنى لأبى ذر ولمعاذ بن جبل رضي الله عنهما] اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن (1)[حديث جليل من جوامع الكلم التي من الله بها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام انه قال] أوتيت جوامع الكلم] (2) وفى غير الصحيحين] أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا [ (3) .

(1) - قلت: اخرج الحديث أيضا البزار والبيهقي والطبراني وبن عبد البر وغيرهما قال السيوطي في الجامع الصغير: رواه بن عساكر عن انس (دليل الفالحين 1/ 228) ورواه الدارمى.

(2)

- قلت: الحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال] نصرت بالرعب على العدو وأوتيت جوامع الكلم وبينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي. قال أبو هريرة: وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتم تنتثلونها [متفق عليه وقوله: تنتثلونها: قال النووي: يعنى تستخرجون ما فيها يعنى خزائن الأرض وما فتح على المسلمين من الدنيا (شرح النووي لمسلم 5/5)

(3)

- قلت: هذا الحديث عن عمر رضي الله عنهم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر] يا أيها الناس إني قد أعطيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي الكلام اختصارا ولقد أتيتكم بها ـ اى الشريعة ـ بيضاء نقيه [الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده وابن أبى حاتم وفى لفظ للطبراني: (أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارا) عن ابن عباس رضي الله عنهما

ص: 6

والكلام الجامع هو ما قل لفظه وكثر معناه. وهذا الحديث كذلك فهذا الحديث جمع جميع أنواع المعاملة فلا تخرج معاملة للإنسان مع غيره عن هذا الحديث فمعاملة الإنسان لغيره تنقسم إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما إما معاملة مع الخالق جل وعلا وقد أشار إلى معاملة الإنسان مع خالقه وربه جل وعلا جملتان في هذا] اتق الله حيثما كنت [وإذا قدر أنك وقعت في شيء من التفريط والخطأ في حق الله جل وعلا] فأتبع السيئة الحسنة تمحها [تب إلى ربك جل وعلا فهو الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، هذا فيما يتعلق معاملة الإنسان مع خالقه.

وأما معاملة المخلوق مع مخلوق آخر وخالق الناس بخلق حسن أن تكف عنهم الأذى وأن تبذل لهم الندى أي المعروف والإحسان ولذلك معاملة الإنسان لغيره لا تخرج عن هذين القسمين: معاملة المخلوق مع الخالق فيجب عليه أن يعظمه وان يتقيه بفعل ما أمر الله وترك ما عنه نهى الله وإذا وقع المخلوق في خطأ مع خالقه فعليه أن يصحح الطريق وأن يرجع إلى الله جل وعلى] وأتبع السيئة الحسنة تمحها [ومعاملة المخلوق مع المخلوق تكون عن طريق الشفقة والإحسان على هذا المخلوق واليه] وخالق الناس بخلق حسن [.

إخوتي الكرام: والحديث ـ كما قلت ـ أشار إلى معاملة هذين الصنفين. هذين القسمين معاملة المخلوق لخالقه ومعاملة المخلوق لمخلوق مثله. ولذلك كان هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص بها نبينا صلى الله عليه وسلم وفضله ربنا بذلك على أنبياء الله ورسله على نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه.

ص: 7

وقد يقول قائل أن معاملة الإنسان لغيره من بنى جنسه بالمعروف تدخل في تقوى الله جل وعلا فلا يبلغ الإنسان حقيقة التقوى حتى يقوم بفعل المأمور وترك المحظور ومن ذلك معاملة الإنسان لغيره فلم أفرد نبينا صلى الله عليه وسلم معاملة المخلوق المخلوق في قسم مستقل وجملة مستقلة؟ لِمَ لمْ يقتصر على قوله:] اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها [ويدخل في التقوى كما قلت في معاملة الإنسان لغيرة عن طريق تحكيم شرع ربه جل وعلا في تلك المعاملة فلا تحقق التقوى إلا بذلك إنما افرد نبينا صلى الله عليه وسلم معاملة المخلوق عن التقوى مع أنها فرد من أفرادها وتدخل في ضمنها تتضمن معاملة المخلوق بالتي هي أحسن افردها لئلا يظن ظان أن تقوى الله عز وجل مجرد صلة بين الإنسان وبين ربه جل وعلا ليبتعد بنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن المفاهيم التي ضل بها الأمم السابقة كما هو الحال عند النصارى وغيرهم عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة فالله عز وجل عندهم لا يعرف إلا في المسجد والتدين عندهم صله بين الإنسان وبين ربه ولا دخل للشريعة في شئون الحياة لئلا يقع الناس في المحظور بين نبينا صلى الله عليه وسلم أن أمر الإنسان لا يتم ولا يقبل الإنسان عند الله جل وعلا إلا إذا اتقى ربه ومن ضمن ذلك معاملة الإنسان لغيره على حسب شرع ربه ولذلك قال: [وخالق الناس بخلق حسن] وقد أشار ربنا جل وعلا إلى أن من ضمن التقوى ويدخل في مفهومها معاملة الإنسان لغيره بالتي هي أحسن أن يخالقهم بالحسنى يقول جل وعلا ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ- من هم المتقون؟ - الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء (1) وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ (2)

(1) - وهذا هو بذل الندى والمعروف والإحسان إلى الغير

(2)

- وهذا هو كف الأذى ومخالقة الناس بالتي هي أحسن. تقوم على هذين الركنين أن تكف عنهم (بياض) وان تتحمل منهم الأذى وان تحسن إليهم

ص: 8

وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ (1) جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (2) .

(1) - اى المتقون الذين نعتهم (بياض) لعباد الله ويخالقونهم بالتي هي أحسن (بياض) الذين نعتهم أنهم يتقون الله جل وعلا واخطأوا في حقه تابوا إليه

(2)

- آل عمران:133/136

ص: 9

فمخالفة الناس بالحسنى هي من مفهوم التقوى ومما يدخل في عداد التقوى زاد النبي صلى الله عليه وسلم الجملة الثالثة أن عبادة الله لا تتم إلا إذا اتقيناه فيما بيننا وبينه واتقيناه فيما بيننا وبين خلقه جل وعلا فحكمنا شريعته جل وعلا في جميع شئون الحياة وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يركز على هذا المعنى في كثير من الأحاديث وبين أن مخالقة الناس بالتي هي أحسن ضرورية لينجوا الإنسان في الآخرة وكما قلت هذا مما يدخل في التقوى ثبت في سنن الترمذي وبن ماجه ومسند الإمام احمد وصحيح ابن حبان رحمهم الله جميعا بسند صحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال عليه الصلاة والسلام [تقوى الله وحسن الخلق] وحسن الخلق هو من تقوى الله وهو من أعظم أفراده ولا يحصل للإنسان صفة التقوى إلا إذا فعل ما أمره الله وترك ما نهاه عنه فإذا كان حسن الخلق هذا مما أمرت به لكن كثيرا من الناس يظن إذا حسن صلته بينه وبين ربه قام الليل وصام النهار وآذى الجار سيدخل الجنة هيهات هيهات كما ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام [والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي لا يأمن جاره بوائقه [أي شروره وبلاياه واعتدائه لا يأمن شره هذا ليس عند الله من عداد المؤمنين فكيف إذا سيحصل فيه صفة التقوى إذا آذى عباد الله ولم يحسن صلته بهم على حسب ما شرع الله جل وعلا؟ أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال] الأجوفان الفم والفرج (1) [وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم ينبه على هذا المعنى أيضا في أحاديثه

(1) - قلت: الحديث تكملة لحديث أبى هريرة رضي الله عنهم المتقدم والذي خرجه البيهقى والبغوى والمنذرى وغيرهم إضافة لما ذكره شيخنا

ص: 10

الكثيرة ففي سنن الترمذي وغيره بسند حسن من حديث أبى حاتم المزني رضي الله عنه والحديث روي عن أبى هريرة وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال] إذا جاءكم- وفى رواية ولفظ -إذا أتاكم ـ من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان فيه؟ (1) قال:- إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنه في الأرض وفساد كبير [أعاد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجملة ثلاث مرات.

الشاهد: دينه وخلقه ومتى انفصل الخلق عن الدين؟ هو من الدين. وهو كما قلنا من أجزاء الدين وهو بعض من أبعاض التقوى ولا يكمل دين الإنسان ولا تحصل التقوى فيه إلا إذا قام بذلك الجزء وحسن المعاملة وصلته مع عباد الله. إذن لم أفرد النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر؟ كما قلت: ليبين لنا أن التقوى وان دين الله لا يتم في حقنا إلا إذا حسنا صلتنا بيننا وبين خالقنا وحسنا صلتنا بيننا وبين المخلوقين [اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنه تمحها] .

هذا خاص فيما بينك وبين ربك ثم تأتي بعد ذلك ما بينك وبين العباد [وخالق الناس بخلق حسن] .

إخوتي الكرام فلنأخذ الجملة الأولى من هذا الحديث ولنبدأ بمدارستها نسأل الله جل وعلا أن يفتح علينا وان يعلمنا وان ينفعنا بما من به علينا انه ارحم الراحمين وأكرم الاكرمين.

قوله صلى الله عليه وسلم [اتق الله حيثما كنت]

المبحث الأول: في بيان معنى التقوى.

التقوى مأخوذة من الوقاية وهى أن تجعل وقاية وحاجزا وسدا وحصنا وحائلا ومانعا بينك وبين ما يؤذيك وما تكرهه وما يضرك، ما يضرك تجعل بينك وبينه حاجزا هذا يقال له وقاية.

(1) - أي فيه شيء مما لا يرغبه أهل الدنيا من فقرا ودمامة أو غير ذلك من الاعتبارات التي يتعلق بها أهل الأرض

ص: 11

والتقوى: أن يقي الإنسان نفسه من سخط الله وغضبه عن طريقين اثنين: بفعل ما أمر وترك ما عنه نهى وزجر سبحانه وتعالى إذن إذا اتقى الإنسان غضب الله وحذر من سخطه وفر من لعنته بواسطة فعل أوامره واجتناب نواهيه فهو متقى لله جل وعلا إذن اصل التقوى من الوقاية يقال، اتق المكروه ودفع المكروه عنه قال النابغة الذبياني في وصف امرأة من العرب ليت المسلمين في الجاهلية يتخلقون بهذا الخلق الجليل الذي كانت تقوم به أمراه في الجاهلية يقول:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه (1)

فتناولته واتقتنا باليد

معنى اتقتنا: يعنى من التقوى اتقتنا أي جعلت بين نظرنا ووجهها وقاية وهو اليد وهذا حقيقة ما أدركت عليه النساء في المزارع وفى القرى في بلاد الشام فعندما كان الإنسان في طهارة وعندما كانت الانسانيه في طهارة وإسلام وإحصان يمر الإنسان بالمزرعة فبمجرد ما ترى إنسانا تضع يدها على وجهها هذه هي التقوى.

(1) - إنما لعب (بياض) بالخمار على رأسها فطار

ص: 12

قال عمر بن الخطاب لأبى بن كعب رضي الله عنهم أجمعين يا أبى يا أبا المنذر ما معنى التقوى؟ وأبى سيد القراء كما ثبت في المسند وسنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام انه قال [أقرؤكم أبى] أبى بن كعب هو اقرأ هذه ألامه لكلام الله عز وجل وقد ثبت في صحيح البخاري عن نبينا انه قال لأبى بن كعب [يا أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقلت- بعد أن فكر- آية الكرسي فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدري وقال ليهنك العلم أبا المنذر] أي هنيئا لك بالعلم وبهذا التوفيق ومنة الله عليك أنك اهتديت إلى المطلوب أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي. فعمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال لسيد القراء أبى ابن كعب ما حقيقة التقوى؟ وما معنى التقوى التي أكثر الله من ذكرها في كتابه؟ فقال أبى يا أمير المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين أما سلكت طريقا ذا شوك قال بلى قال فماذا كنت تفعل قال كنت أشمر ثيابي وأحترز قال هذه هي التقوى نشمر في طاعة الله وأحترز من معاصي الله شمر وجد في طاعة الله واحترز من سخط الله احترز وابتعد هذه هي التقوى قال الإمام ابن كثير في تفسيره عليه رحمة الله وقد اخذ ابن معتز هذا المعنى من أبى ابن كعب فنظمه في أبيات من الشعر فقال- ونعم ما قال:

خلى الذنوب صغيرها

وكبيرها ذاك التقى

وصنع كماش فوق

ارض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة إن

الجبال من الحصى

ص: 13

إخوتى الكرام: والتقوى تضاف إلى الله جل وعلا وقد أضافها إليه وامرنا أن نتقيه في آيات كثيرة في كتابه فقال جل وعلا ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم)) (1)((اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)) (2) في آيات كثيرة وإذا أضيفت التقوى إلى الله فالمراد منها ومعناها أن نتقى غضبه وسخطه وأن نحذره جل وعلا فلا نترك ما أمرنا به ولا نرتكب ما نهانا عنه وأحيانا تضاف التقوى إلى سبب سخط الله ولعنته وغضبه أو إلى الزمان الذي يحصل فيه ذلك وبكل من الأمرين ورد الأمر في كتاب الله جل وعلا قال الله جل وعلا ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)) (3)((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ)) (4) وفى ذلك اليوم يظهر السخط والمقت واللعنة والغضب على من عصى الله بفعل ما نهاه أو ترك ما أمره به فأضيفت التقوى إلى الزمان الذي يظهر فيه سخط الله على أتم وجه وأكمله في ذلك اليوم على العصاه ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)) وأضفيت إلى المكان الذي تحصل فيه لعنة الله وسخطه وغضبه ومقته وهو نار جهنم ((فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)) (5) وقد أضيفت التقوى في كتاب الله إلى هذه الأمور الثلاثة:

1.

إلى الله ((اتقوا الله)) (6) .

2.

إلى مكان سخط الله ولعنته فهي غضبه وعذابه النار يعذب بها من شاء من عباده الفجار ((فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) .

3.

إلى اليوم الزمن الذي ظهر فيه ذلك السخط ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)) .

(1) - النساء: 1

(2)

- الأحزاب: 70

(3)

- البقرة: 281

(4)

- لقمان: 33

(5)

- البقرة: 24

(6)

- البقرة: 189

ص: 14

هذا فيما يتعلق بمعنى التقوى وبإضافتها إلى الله جل وعلا والى الزمن الذي يحصل فيه سخط الله والمكان الذي يتجلى فيه غضب الله.

المبحث الثاني

في بيان الأمور التي تحصل بها تقوى الإنسان لربه جل وعلا

إخوتي الكرام: للتقوى أركان أساسية ومتممات تحسينية، فإذا ذهب شيء من الأركان الأساسية خرج الإنسان عن حيز التقوى وسيناله الخوف والفزع والله جل وعلا يتخلى عنه ويكله إلى نفسة وأما الأمور التحسينية إذا وجدت في الإنسان واتصف بها ترفعه درجات عالية. وإذا فرط فقد تعرض لشيء من الخطر لكن إذا لم يتجاوزها فلا زال ضمن عباد الله المتقين.

ص: 15

أما الأركان الأساسية فلا تحصل التقوى في الإنسان إلا بنوعين اثنين: فعل ما أمر الله به أمر إيجاب. وترك ما نهاه الله عنه نهى تحريم إذن يفعل ما أوجبه الله عليه ويترك ما حرمه عليه. هذا من أركان التقوى الأساسية بحيث إذا فرط في شيء من ذلك لا ينال وصف المتقين ولا يدخل في عداد المتقين. ثبت في مسند الإمام احمد وصحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم[قال اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه اهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم] الظلم: هذا من الكبائر والشح هذا من الكبائر إذا كان البخل من الكبائر فكيف بالشح؟ والشح هو زيادة بخل وقيل: الشحيح هو الذي يبخل بمال غيره. والبخيل هو الذي بمال نفسه. يعنى هذا لا يجود ولا يؤدى ما علية ولا يريد أحدا أيضا أن يحسن إلى فقير. سبحان الله إلى هذا الحد: هو ما دفع ما عليه. هذا بخل وإذا رأى أن إنسانا دفع ما أوجبه الله عليه وساعد به محتاجا يغضب ويضيق صدره. فهذا شح فإذن أعظم من البخل. فإذا كان الأمر كذلك لا يريد أن يرى إحسانا على وجه الأرض. اتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم إما هو أعظم البخل وإما هو كما قلنا _ بخيل يبخل بمال نفسه وشحيح يبخل بمال غيره فالشح من الكبائر، والظلم من الكبائر فمن وقع في شيء من ذلك خرج عن وصف التقوى.

ص: 16

وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الكثيرة إلى وجوب ترك ما حرمه الله علينا لننال وصف المتقين فمن فعل شيئا من ذلك خرج عن عداد المتقين وفي مسند الإمام احمد وسنن الترمذي وابن ماجه (1) عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:] من يأخذ عنى هذه الكلمات فيعمل بها أو يعلم من يعمل بها؟ فقال أبى هريرة رضي الله عنه أنا يا رسول الله رضي الله عنه[وهو حقيقة أحرص الصحابه على العلم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال [لقد ظننت ألا يسألني هذا السؤال أحد غيرك لما رأيت من حرصك يا أبى هريرة أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا اله إلا الله صدقا من قلبه – وفى رواية: خالصا من قلبه] هذا أبو هريرة رضي الله عنه فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما عرض هذا الأمر. من يأخذ هذه الكلمات فيعمل بها أو يعلم من يعمل بها. فقال أنا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الذي جند نفسة لتلقى العلم ونشره رضي الله عنه وعن سائر الصحابه الكرام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم[اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب الناس ما تحب لنفسك تكن مسلما وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب] صدق نبينا صلى الله عليه وسلم الشاهد في الجملة الأولى اتق المحارم تكن أعبد الناس ما حرمه الله عليك ابتعد عنه ولذلك كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول ليس التقى بمن يقوم الليل ويصوم النهار ثم يخلط فيما بين ذلك ـ أي يعتدي ويطلق نظره وسمعه ولسانه وأحيانا يده إلى ما حرم الله.

(1) - والحديث قال عنه الترمذي غريب لكن له شواهد كثيرة ترفعه إلى درجة الحسن كما نص على ذلك أئمة الحديث

ص: 17

هذا ليس بمتقى إنما المتقى من يؤدى الفرائض ويجتنب المحارم فإن فعل بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير أي من أمور التطوع أما هذه فلابد منها لينال وصف المتقين. وقالت أمنا عائشة رضي الله عنها من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب. دائب مجتهد لكنه لا يحترس من المحارم. ماذا نفعه جده واجتهاده. وكل صلاة لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر لا تزيد صاحبها من الله إلا بعدا من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب وهنا: اتق المحارم تكن أعبد الناس. فهذا من خصال التقوى الأساسية ومن أركانها الأساسية لا بد من فعل الواجبات وترك المحرمات لينال الإنسان وصف التقوى وليكون من المتقين لله رب العالمين.

ص: 18

وهذا الأمر الذي وضحه نبينا صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين أشارت إليه آيات القرآن الكثيرة ففي مطلع القرآن وأول سورة فيه بعد الفاتحة وهى سورة البقرة وأول ما نزل في المدينة المنورة يقول ربنا جل وعلا في بداية السورة [ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ](1) ثم ذكر نعوت المتقين وبأي شيء يحصل ذلك الوصف فيهم وكما قلنا لا بد من القيام بما أوجبه الله وترك ما نهانا عنه نهي تحريم ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ُينفِقُونَ. والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (2) وقال ربنا جل وعلا في سورة البقرة بعد آيات منها ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (3) إذا أردتم أن تكونوا من المتقين فلا بد من عبادة رب العالمين ولما اخبرنا في وسط السورة أنه شرع ما شرع لنا من الأحكام والحدود.

(1) - البقرة: 2

(2)

- البقرة:3/5

(3)

- البقرة: 21

ص: 19

أخبرنا انه فعل ذلك لنقوم لهذه الأمور التي شرعها لننال وصف التقوى فإذا فرطنا في ذلك فلسنا من المتقين بقول الله جلا وعلا ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (1) فإذا فرطتم في هذا وأهملتم حدود الله وما نفذتم ما شرعة الله خرجتم عن المتقين وهكذا بعد آيات تعرض الله جل وعلا لفرضية الصيام فأخبرنا انه شرع لنا هذه الفريضة ليحصل فينا وصف التقوى فمن تركها فليس من المتقين ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (2) وهكذا في سائر سور القرآن يخبرنا الله جل وعلا في سورة الأنعام مثلا انه انزل علينا هذا القرآن وامرنا بالالتزام بالإسلام ليحصل فينا وصف التقوى لربنا الرحمن ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (3) فالإنتماء إلى غير الإسلام من وطنية أو قوميه أو حزبية مهما كان شأنها خروج عن التقوى ومن دعيا إلى ذلك فهو من دعاة الجاهلية كما قال خير البرية صلى الله عليه وسلم ووضح أن من دعيا لغير الإسلام فهو من دعاة الجاهلية [انك امرئ فيك جاهلية] عندما عير أبو ذر بلالاً رضي الله عنه أجمعين بأمه [أعيرته بأمه؟ انك امرئ فيك جاهلية](4) فإذن (بياض)((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ)) بدعوى الجاهلية مهما كان شأنها وطنية قومية أحزاب ردية وجدت في هذه الأوقات من دعي إلى شيء منها فهو من دعاة الجاهلية وليس من المتقين وبالتالي ليس من المؤمنين كما سيأتينا لأن الذي يساوي التقوى والإيمان

(1) - البقرة: 179

(2)

- البقرة: 183

(3)

- الأنعام:153

(4)

- الحديث متفق على صحته وهو من رواية أبى ذر رضي الله عنه -

ص: 20

كما سيأتينا إيضاح هذا بآيات القرآن وأخبرنا الله جل وعلا انه انزل علينا هذا القرآن ليحصل لنا به وصف التقوى يقول الله جل وعلا ((وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) (1) ليحصل لهم وصف التقوى لريهم جل وعلا إذن هذه أركان أساسية أن يفعل الإنسان ما أمرة الله به أمر إيجاب آو ارتكب ما نهاه الله عنه نهى تحريم وعليه فمن فرط بما أمره الله به أمر إيجاب أو ارتكب ما نهاه الله عنه نهى تحريم فليس هو عند الله من المتقين، لابد من القيام بهذين الأمرين ركنان أساسيان لحصول التقوى في الإنسان فعل الواجب وترك المحرم.

(1) - (بياض) أي الكامل فيها لصبح من الراسخين فيها

ص: 21

نعم هناك بعد ذلك متممات كما قلنا محسنه تزيد تقوى ورسوخا في صفة التقوى وترفعك درجات عالية عند المولى جل وعلا وهى أن تفعل ما أمرك الله به أمر إيجاب وأمر استحباب وان تترك ما نهاك الله عنه نهى تحريم ونهى كراهية تنزية وان تضيف إلى ذلك ألا تنهمك في المباحان واللذائذ خشية أن تجرك إلى شيء من المفاسد والقبائح فإذن هذه متممات: فعل المستحبات ترك المكروهات. يزيد على هذين في الرتبة: عدم الانهماك في الفضول المباحات لان المباح سترة بينك وبين المكروه سترة بينك وبين الحرام، فمن توسع في المباح وقع في المكروه ومن توسع في المكروه وقع في الحرام. بعد ذلك سلسلة متصل بعضها ببعض. وبعضها يجر بعضاً وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا ففي سنن الترمذي وابن ماجة ومستدرك الحاكم وسنن والبيهقي رحمهم الله جميعا بسند صحيح عن عطية السعدي رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يبلغ العبد درجه المتقين ـ أي الراسخين في التقوى المتمكنين منها الذين نالوا أعلاها وأرفعها ـ] حتى يدع مالا بأس به حذرا مما به بأس [هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم أي يترك شيئا من المباحات خشية أن تجره إلى المكروهات ثم إلى المحرمات] حتى يدع ملا بأس به خذرا مما به بأس [وقد ثبت في صحيح البخاري في أول كتاب الإيمان في أول باب فيه وهو باب أمور الإيمان معلقا بصفة الجزم عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال] لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يترك ما حاك في الصدر [أي ما تردد في صدرك هل هو حرام أو حلال هل هو حلال أو فيه شائبة بمجرد ما تردد بين الحظر والإباحة تغلب جانب الحظر وتطلب الاحتياط ولا تفعله لأنك لو رتعت فيه لربما كان محرما وأنت لا تدرى.

ص: 22

وهذا الذي نقل عن ابن عمر ثبت معناه مرفوعا عن نبينا صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم لكن لما يكن الحديث على شرط البخاري لم يورده في صحيحة وهو عن النواس بن سمعان عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم] جئت تسأل عن البر ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس وان أفتوك وأفتوك [والحديث روى أيضا في غير صحيح مسلم في المسند والدرامي عن وابصه بن معبد] البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس [ (1) وواقع الأمر كذلك فأولا قلبه غير مطمئن تراه يقدم رجلا ويؤخر أخرى ثم يستحى من أن يطلع عليه الناس هذا إثم] والإثم ما حاك في صدرك ما تردد في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس [ولذلك] الإثم حزاز القلوب] (2)

(1) - قلت: نص حديث النواس في مسلم: عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال] البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس. [ونص حديث وابصة: عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:] جئت تسأل عن البر؟ قلت نعم قال: استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وان أفتاك الناس وأفتوك [قال ابن رجب الحنبلي في ((جامع العلوم والحكم)) صـ237: خرجة ــ أي حديث وابصة ــ الإمام أحمد والدارمي. والبزار. والطبراني. وابن حبان في صحيحة عن أبى أمامة. وقال بن رجب عن رواية ابن حبان: هذا إسناد جيد على شرط مسلم.

(2)

- قلت: هذا الأثر وارد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال] الإثم حزاز القلوب [رواه البغوي وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم صـ 237: وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال....... الحديث واحتج به أحمد اهـ..وللبيهقي:] الإثم حواز القلوب [ورجح المنذري (بياض) على ابن مسعود (الترغيب 3/37)

ص: 23

أي يحزها ويؤثر فيها ويغيرها بينما البر هذا يطمئن إليه القلب والنفس.

الشاهد في صحيح البخاري كلام ابن عمر رضي الله عنه لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في صدره. وثبت في كتاب " التقوى " لابن أبى الدنيا ألف كتابا أسمة التقوى عن أبى الدرداء رضي الله عنه انه قال: تمام التقوى أن يدع الإنسان شيئا من الحلال خشيه الحرام. هذا التمام والكمال. وكما قلنا هذه محسنات وثبت في سنن الترمذي بسند متصل عن ميمون بن مهران وهو من أئمة التابعين رحمهم الله جميعا قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكة من أين مطعمة ومن أين ملبسة؟ فيقف عند هذه الدقائق وبحاسب نفسة لينال كمال التقوى وقال الحسن البصري ما زالت التقوى بأهلها حتى تركوا شيئا من المباح خشية الحرام.

إذن المبحث الثاني يتلخص في أركان التقوى وفى الأمور التي تحصل بها التقوى أركان أساسية إذا ضاع شيء منها خرج الإنسان عن وصف التقوى. إن يترك واجبا أو يفعل محرما لا تحصل التقوى إلا بفعل جميع ما أوجبه الله عليك وبترك جميع ما نهاك عنه ثم بعد ذلك إن أردت أن تنال الدرجة العالية في التقوى فضم إلى الواجبات المستحبات وضم إلى ترك المحرمات ترك المكروهات وضم إلى هذين الأمرين عدم التوسع في المباحان خشية أن تجرك إلى الشوائب والمكروهات.

المبحث الثالث

ما الطريق الذي يوصلنا إلى التقوى؟

ص: 24

إخوتي الكرام: هذا المبحث هو مبحث موجز لكنه مهم. لا يمكن للإنسان أن يتقى ربه إلا إذا عرف الأمور التي يحصل بها تقوى الإنسان للعزيز الغفور. أي إذا عرف الحلال وعرف الحرام وهذا لا يكون إلا عن طريق العلم وعليه فلا يمكن للجاهل أن يتقى ربه والجاهل أن يتقى ربه يبعد عنه وهو لا يدرى، ومن عبد الله علي جهل فما يفسده أكثر مما يصلحه فلذلك لا بد من تعلم العلم النافع لتعرف كيف تتقى ربك جل وعلا، فكم من انسان يأكل الربا وهو لا يدرى الحكم فيه؟ كم؟ والتبايع بالعينة كثير من الناس يقعون فيه وهو يظن انه نوع من المبايعات ولما وقع فيه زيد بن أرقم قالت أمنا عائشة: أخبروه أن حجه وجهاده قد بطلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب.

والبيع بالعينة ما أكثر ما يفعله الناس في هذه الأيام ولربما يخرج من الصلاة ويتبايع بالعينة على باب المسجد، إن لم يجر العقد أيضا داخل المسجد بعد الصلاة، فيرتكب محظورين.

ص: 25

أولا: باع واشترى. لا أربح الله تجارته. ثم باع واشترى بيعا فاسدا خبيثا محرما. البيع بالعينة: أن يبيع هذه السلعة نسيئة ــ أي إلى أجل ــ بثمن معلوم أبيعك هذا الكتاب بمائة درهم إلى شهر ثم اشتريه منك نقدا حالا بثمن معلوم. أبيعك هذا الكتاب بمائة درهم إلى شهر ثم اشتريه منك حالا بثمن أقل فعاد الكتاب إلى وسآخذ فرق الثمن. أنا بعتك إياه بمائه إلى شهر واشتريته منك بخمسين نقدا إذن الكتاب عاد لي أو ليس كذلك؟ وأعطيتك خمسين وأنت ماذا سترد لي بعد شهر مائه هذه هي العينة هذه ليست ربا واضحة. هذه ربا بعد لف دوران مثل ما يفعل ألان الشركات الإسلامية. يأتي هذا المسكين يريد أن يشترى سيارة طيب إما باعدوه وإما تركوه يمشى على رجليه أو يركب حمارا يعنى لازم تسلخون جلدة باسم المعاملات الإسلامية يقولون: أي سيارة تريد من أي نوع؟ اذهب وابحث في المعارض فيذهب ويأتي ويقول حصلت سيارة بثمانين ألفا يقولون تعال نحن نشتريها لك بثمانين لكن بكم سنة ستدفع لنا الفلوس؟ يقول لسنة يقولون: إذن بتسعين ــ القيمة لسنتين إذن بمائة لثلاث سنوات إذن بمائة وعشرة على حسب ما تحدد والسيارة لا زالت في المعرض عند صاحبها. بعد ما يتفق صاحب المؤسسة الإسلامية مع المشترى على السعر يقول اشتريها وأنا ادفع الثمن والبطاقة أو الاستمارة تخرج باسم المشترى لا باسم ـ أيضا ــ الشركة الإسلامية. طيب يا عباد الله هذا بأي شريعة بحق؟ ! يقول هذا بيع وشراء إذا كان الإنسان لا يعرف ما أحل الله وما حرم يقع في الربا وهو لا يدرى. إذا كان لا يعرف ما احل الله وما حرم تخرج النساء. يقول الذي حرم الله هو الزنا. كما يقول الناس في هذا العصر الهابط. يقول الإنسان يصون فرجة. أما ينظر. يجلس يحادث يتكلم كل هذا لا حرج فيه. على تعبيرهم القلب نظيف.

ص: 26

إذن من الذي قلب خبيث خسيس؟ يعنى قلوب الصحابة فقط كانت قلوب فاسدة ونحن قلوبنا طاهرة: تراه يجلس ويفعل كل رذيلة تقول عبد الله اتق الله يقول أنا أصون فرجي وأحفظ عرضي. القلب نظيف. وابنته تخرج تجول ذات اليمين وذات الشمال نقول: يا عبد الله كيف تترك ابنتك وزوجتك ومحارمك تذهب هنا وهناك؟ يقول أنا أعرفها عفيفة تصون فرجها. لو قلنا صانت فرجها وأنت صنت بياض يجوز فعل هذا الأمور التي هي بياض الذي حرم الزنا حرم بياض حرم الخلوة وبياض إبداء المرأة لشيء من زينتها. وقال جل وعلا (( {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)) (1) ما قال احفظوا الفروج فقط. إذن عندما حفظ للبصر وحفظ للفرج إذا لم تعرف كيف تتقى الله ستتقيه؟!] النظرة سهم مسموم من سهام إبليس [ (2) والنظرة تزرع في القلب شهوة وكفى بها فتنة، يخرج من الصلاة وينظر إلى هذه وتلك. ماذا استفاد من صلاته؟ ما استفاد من صلاته شيئا.

(1) - 30: النور

(2)

- قلت: هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ربه عز وجل] النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه [رواه الطبراني واخرجة الحاكم من حديث حذيفة وقال: صحيح الإسناد. (الترغيب والترهيب 3/34)

ص: 27

آمر آخر: الإنسان عندما لا يعرف الأمور التي ينبغي أن يفعلها والأمور التي ينبغي أن يتركها وأن يقف عند حد الله وعند حدود الله وألا ينتهك محارم الله وقد يخرج من الإسلام وهو لا يدرى. أحينا عن طرق حمية الجاهلية. وأحيانا عن طريق التأويل الخاطىء الذي تعج به الحياة في هذه الأوقات] إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه كان حريصا على قتل صاحبة [ (1) سرح نظرك في أحوال المسلمين وانظر كيف يمدون أيديهم بغير حساب في الدم الحرام. مع انه يظن انه يصلى وأحيانا يطلق الرصاص وهو بعد ذلك يصلى على إخوانه المؤمنين كيف هذا يقول: أنا أمرت بأن أخرب هذه البلدة وأن أدمرها على من فيها باغي وفيها تقي وفيها صديق وفيها زنديق وفيها امرأة وفيها رجل فيها كبير وفيها صغير كل هذا لا تبالي به؟ يقول: أوامر! أي أوامر؟ أوامر عسكرية طيب أين أوامر رب البرية؟ إذا كان صعلوك من البشر يأمرك فتنفذ أمرة. كيف لا تنفذ أمر الله بأي شرعية تستحل قتل مؤمن وإراقة دم مؤمن بأنك أمرت!! حالنا الان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والحديث قي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول] يأتي على الناس زمان لا يدرى القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل [تسأل الناس لم قتلتم؟ يقولون ما ندرى. جاءت قنابل مثل المطر قتلتنا لم؟ ما ندرى وتسأل ذلك لم ألقيت القنابل يقول مأمور. مأمور لم؟] لا يحل دم امرىء مسلم يشهد ألا اله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينة المفارق للجماعة [ (2)

(1) - في الصحيحين من حديث أبى رضي الله عنه.

(2)

- قلت: الحديث متفق على صحته من حديث عبد الله رضي الله عنه والحديث أخرجه أيضا الأمام احمد في مسندة والترمذي. وابن ماجة. والنسائي وأبو داود..عن عبد الله مسعود رضي الله عنهما

ص: 28

فكيف قتلته؟ إذا لم.

إذا لم تعرف كيف ستتقى الله قد تفهم وتفسر التقوى بما خافه وخشيه علينا نبينا صلى الله عليه وسلم ومن أجله ذكر الجملة الثالثة فقال.] وخالق الناس بخلق حسن] تظن أنك إذا صليت اتقيت الله. لا يا عبد الله ثبت في سنن أبى داود بسند صحيح كالشمس عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله ـ وضبط بالعين المهملة: إعتبط بقتله ـ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً] قال يحي الغساني: هذا كما يكون في الفتن بين المسلمين يقتل بعضهم بعضاً ثم لا يتوبون. فكيف سيتقي الله، قتل مؤمنا وهو فرح مسرور بياض عادت ـ على تعبيرهم ـ الطائرات إلى قواعدها سالمة، بعد أن دمرت بلاد المسلمين وقتلت النساء والصبيان. من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله أي قتله اعتباطاً بلا مبرر ولا سبب ولا حق، إنما أمر على زعمه فينفذ الأوامر. لا يقبل الله منه فريضة ولا نافلة.

ص: 29

فإخوتي الكرام: لا بد للإنسان من معرفة ما يتقى به ربه، الآن الفتن التي حصلت بين المسلمين والجماعات والأحزاب. وكل واحد يكيد للآخر باسم الإسلام أيضاً فيصل الأمر في كثير من الأحيان إلى استحلال إراقة الدماء. هذا فضلاً عن العداوة والبغضاء التي دون ذلك هذا مما خشية علينا نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مسند أبى يعلى ومسند البزار بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول [إن مما أخشى عليكم رجلاً قرأ القرآن حتي إذا رؤيت عليه بهجته ونضارته وكان ردء الإسلام اعتزل إلي ما شاء الله ثم انقلب على جارة ورماه بالشرك وقاتله بالسيف (1) قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحق بالشرك الرامي أو المرمي؟ قال: بل الرامي] فإذن لا بد من معرفة خصال التقوى.

(1) - كما يقع الآن بين من ينتمون إلى الأحزاب يدّعون أنها إسلامية. وقتال فيما بينهم [انقلب على جاره يرميه بالشرك ويقاتله بالسيف] .

ص: 30

إخوتي الكرام: عقد الله بين المؤمنين إخاءً من خرج عنه يوليه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا. فقال: ((اِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (1) وكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أخوك سواء كان في أمريكا أو بلدتك. أو كان في مجاهيل أفريقيا. وإذا لم تحزن لحزنه ولم تفرح لفرحه فلست عند الله من عداد المؤمنين. فإذا كان الأمر كذلك فكيف إذا نفرق بين المؤمنين. وكيف يستحل بعضنا دم بعض؟ فلا بد إذن من معرفة الأمور التي تحصل بها التقوى. ولا تظنوا كما ـ قلت ـ إن هذه الكلمة يسيره. هي قليلة، لابد لمعرفة التقوى، لا بد لحصول التقوى معرفة ما نتقى به ربنا من العلم الذي فرضه الله علينا أن نتعلمه. ولذلك لا بد من تعلم العلم الذي أمرنا به. جاءني بعض الإخوة الطلاب يقول لي: يا شيخ تكلمت أنت عن تعلم الأنجليزى وما شاكل هذا. وأنا مضطر لتعلمه ما رأيك؟ قلت: لا حرج في تعلم الانجليزى فقال: إذا أخذت دورات في تعلم الانجليزى علىّ حرج؟ قلت لا حرج إن شاء الله تصبح أعلم الناس في اللغة الإنجليزية لا حرج في ذلك. وإذا قصدت خيرا لعلك أن شاء الله تثاب ذلك. جاءني بعد فترة يقول يا شيخ أنا سجلت في دورة يُدَرّس فيها رجل وامرأتان واحدة متهتكة بريطانية ـ في هذه البلدة هنا والأخرى يقول مسلمة؟. يعنى ليست متهتكة. على تعبيره تغطى رأسها وكاشفة. ورجل معنا يدرسنا ـ الأستاذ ـ ثم ذهب وانفرد الآن المرآتان بتدريسنا فماذا اعمل؟ هذا حلال أم حرام؟ قلت يا عبد الله أنت كنت في تعلم إنجليزي وإذ ذهب بعد ذلك لتتلقى دين الإنجليزى!! يعنى يقول تعلم لغتهم لا تتلقى دينهم كيف تأخذ العلم عن هذه المرأة إن كانت على تعبيرك عندها شيء من الاحتشام أو متهتكة تمام التهتك كيف هذا؟ البلاء ـ يقول لي: ـ استفتيت عدداً من الناس في هذه البلدة فقالوا لا حرج هذا في سبيل العلم وتحصيل العلم.

(1) - الحجرات: 10

ص: 31

قلت: هكذا؟ أفتوك؟ ! قال نعم لا إله إلا الله! يجلس يتلقى العلم من امرأة كاشفة عن صدرها وعن رأسها وعن وجهها، وكل حركة منها تزرع في القلب شهوة. (بياض) من اجل أن يتعلم بعد ذلك شيئا مباحاً يقع في أعظم المحظور. كيف سيتقى ربه من لا يعرف كيف سيتقيه؟ ثم يقول: عندما استفتى قالوا هذا في سبيل العلم؟ في سبيل العلم لا حرج. وأحكى لكم قصة أشنع من هذه بكثير. أخبرني بعض الإخوة. يقول لي كنت في بلاد الشام وكلمت بعض اقاربى في أنه يرسل بناته في دورة في الصيف إلى خارج البلدة التي فيها أهلها باسم الفتوة والشبيبة (..!!) يبقون شهرا هناك طلاب وطالبات ما يفصلون الذكور عن الإناث إلا في الليل فقط. مخيمات هذه للإناث وهذه للذكور والذي يفصل الطلاب عن بعضهم ليس المدربون، المدربون يدخلون إلى اى خيمة أرادوا لان هؤلاء منة غير أولى الأربة. وهؤلاء من الطوافين يطوفون أيمنا أرادوا. لا إله إلا الله!! يقول لي: أكلم بعض أقاربي وعنده بنتان كل واحدة أجمل من القمر. قلت: كيف ترسل ابنتك شهرا إلى ذلك المكان شهرا كاملاً في العراء على شاطىء البحر باسم المدرسة. رحلة مدرسية. نشاط وتوجيه مدرسي شهراً كاملاً!؟ قال له بكل برود ـ كما قال الله جل وعلا: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ)) (1) إذا لم يكن عن الإنسان قلب فاسمع ماذا يقول وبكل لا مبالاة: قال: هذا في سبيل العلم العلم!. في سبيل تعلم العلم يخدش حياء المرأة أن لم يعتدي على عرضها في سبيل تعلم العلم؟ !

فإخوتي الكرام: لا بد من أن نعطى هذا الأمر ما يستحقه من العناية. التقوى لا تحصل إلا بمعرفة الأمور التي تحصل بها تقوى العزيز الغفور. عن طريق العلم النافع الذي فرض الله علينا أن نتعلمه.

المبحث الرابع

منزلة التقوى

(1) - ق:37

ص: 32

إخوتي الكرام: التقوى هي وصية الله لجميع خلقه: وهى وصية بنبينا لامته قال الله جلا وعلا ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ)) (1) وأخبرنا الله جل وعلا في كتابه في سورة الشعراء أن كل نبي مكان يقول لقومه ((أَلَا تَتَّقُونَ)) فقال جل وعلا في السورة ((كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ} )) (2)((كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) (3) . ((كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) (4)((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) (5)((كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) (6) وفى أول السورة عندما اخبرنا الله جلا وعلا أنه أوحى إلى نبيه ونجيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن يذهب إلى فرعون فقال له ((أَلَا تَتَّقُونَ)) (7) قل لهم ألا يتقوني ويوحدوني ويعبدوني ويطيعوني فيمتثلوا أوامري ويجتنبوا ما نهيتهم عنه! إذا كان كل نبي كان يطلب من أمته وقومه تقوى الله جل وعلا وهذا يوضح لنا أن التقوى هي الدعوة التي أرسل بها كل نبي فكل نبي كان يقول لقومه ((يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) (8) وعبادة الله جل وعلا تقوم على ركنين: أولهما اكتساب والثاني: اجتناب. الاكتساب ما هو؟ هو فعل المأمور. والاجتناب هو ترك المحظور.

(1) - النساء: 131

(2)

- الشعراء: 105، 106

(3)

- الشعراء: 123، 124

(4)

- الشعراء: 141، 142

(5)

- الشعراء: 160، 161

(6)

- الشعراء: 176، 177

(7)

- الشعراء: 11

(8)

- الأعراف: 59، 65، 73، هود: 50، 61، 84 المؤمنون: 23،32

ص: 33

إذن ((أَلَا يَتَّقُونَ)) ، ((أَلَا تَتَّقُونَ)) هذه بمعنى ((يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) هذه بمعنى ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)) (1) إنما قلنا التقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي وكل نبي أمر قومه بهذا وكل نبي طلب من قومه أن يعبدوا ربهم. والعبادة تقوم على ركنين ـ كم قلنا ـ الاكتساب: وهذا هو فعل الواجبات والاجتناب: وهذا هو ترك المحرمات وعلية: وصى الله الأولين والآخرين بالتقوى وكل نبي كان يطلب من قومة أن يتقوا الله جلا وعلا. ((أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)) (2) نعم إن التقوى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما بعبد من دونه. ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة ومسند الدارمى بسند حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قول الله تعالى في آخر سورة المدثر ((أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)) (3) فقال النبي [قال الله تعالى أنا أهلٌ أن أتقى فمن اتقاني فلم يشرك بي شيئا فأنا أهل أن أعفر له] فالتقوى كما قلنا ـ تعنى أعبد الله ما لكم من اله غيرة وثبت في تاريخ دمشق لابن عساكر. والأثر رواه ابن عبد البر في كتاب التمهيد.

(1) - النحل: 36

(2)

- الشعراء: 106،107

(3)

- المدثر: 56

ص: 34

والحديث ضعيف السند وما تقدم يشهد له ـ عن انس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عندا أريد معاذ إلى اليمن رضي الله عنه قال له [يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن وإذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة ـ كما معنا في الحديث ـ فقال معاذ: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: هي اكبر الحسنات] نعم من اتقى الله فلم يجعل معه إلها ولم يجعل لله شريكاً هو أهل أن يغفر له، والذي ينبغي أن نتقيه فلا يجعل له نداً سبحانه وتعالى ولامعه شريكاً وهو يغفر لنا بفضله وكرمه ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (1) .

وقد تواتر عن نبينا صلى الله عليه وسلم وصيته لهذه الأمة بالتقوى والأحاديث في ذلك ـ كما قلت ـ متواترة منها: ما ثبت في المسند وسنن الترمذي وأبى داود وابن ماجة، والحديث في المستدرك ـ رحم الله أصحاب هذه الكتب أجمعين ـ بسند صحيح عن العرباض بن سارية قال. وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وزرفت منها العيون. فقلنا يا رسول الله ـ كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال [أوصيكم بتقوى الله عز وجل ـ هذا أول شيء هذا كقول الله ((يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فأن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالةـ وزاد النسائي: وكل ضلالة في النار] .

(1) - النساء: 48

ص: 35

وثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن انس رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد سفراً فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد سفراً فزودني فقال: [زودك الله التقوى،فقال زدني فقال: وغفر ذنبك. قال. زدني. قال: ووجهك للخير حيث توجهت] وهذا ما يسن أن يقوله الإنسان في حال توديعه وتشيعه المسافر: زودك الله التقوى. وغفر ذنبك ووجهك للخير حيثما توجهت. أول شيء زودك الله التقوى. هذا خير زاد كما قال الله ((وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)) (1) وقال جل وعلا ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)) (2) وثبت في مسند الإمام أحمد بسند رجاله ثقات عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً قال له: أوصني. فقال له: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم كما قلت لي. أوصني. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم فأنا أوصيك بوصيته: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم[أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء. وعليك بالجهاد فإنه رهبانية هذه الأمة. وعليك بذكر الله والقرآن فإنهما رَوْحُكَ (3) ـ بفتح الراء ـ في السماء ونور لك في الأرض] وقد ورد في بعض الروايات [فإنهما نور لك في السماء وذكر لك في الأرض] . [فإنهما روحك في السماء وذكرك في الأرض] .

(1) - البقرة: 197

(2)

- الأعراف: 26

(3)

- أي راحتك

ص: 36

وثبت في مسند الإمام احمد بسند حسن عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت للنبي أوصني. قال [أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته. وإذا أسأت فأحسن] وثبت في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الكبير وتفسير عبد بن حميد بسند صحيح كما قال الإمام السيوطي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه أيضا [أوصيك بتقوى الله فإنها راس الأمر] نعم. إن تقوى الله هي رأس الأمر وهي رأس كل شيء وهي جماع كل خير ولا يقبل الله غيرها ولا يرحم إلا أهلها، فهو الذي يتقبل من المتقين ولا يثبت إلا عليها وهي أكرم ما أسر العباد. وهي أزين ما اظهروا. وهى أفضل ما ادخروا تكفل الله لأهلها بالنجاة مما يحذرون والرزق حيث لا يحتسبون وقال جل وعلا:((مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا َيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)) (1)((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)) (2) . ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)) (3) قال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لأبي الدرداء رضي الله عنه: لم تقول الشعر؟ فقال بيتين من الشعر.

يريد المرء أن يؤتي مناه

ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي

وتقوي الله أفضل ما استفادا

(1) - الطلاق: 2،3

(2)

- الطلاق:4

(3)

- الطلاق: 5

ص: 37

فالسعادة في هذه الحياة والفرج من الكربات مقرونة بتقوى الله جل وعلا ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) (1) وقال ((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) (2) وأما في الآخرة لا يناله إلا أهل التقوى. قال الله جلا وعلا ((لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ)) (3) وقال ((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)) (4) فلما أخبرنا الله جل وعلا عن حقارة الدنيا.

(1) - الأعراف: 96

(2)

- الأنفال: 29

(3)

- الزمر: 20

(4)

- الزمر: 73

ص: 38

وخسة ما فيها فقال: ((وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)) (1) قال الله جل وعلا في آخر سورة القمر ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)) (2) نعم إن الإنسان إذا اتقى الله فهو ولى الله والله وليه ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) (3) وقال جل وعلا: ((وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) (4) فهم يوالون الله والله يواليهم إذا حصل منهم التقوى لربهم جل وعلا.

المبحث الخامس

ما هي علامة قبول التقوى؟ وما هو البرهان على صدق صاحبها؟

(1) - الزخرف: 33 ـ 35

(2)

- القمر: 54، 55

(3)

- يونس: 62

(4)

الجاثية: 19

ص: 39

إذا قال الإنسان: أنا من المتقين. فهناك شيء يمز تقواه أشار نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المتقدم وهو [اتقى الله حيثما كنت] وهذه الإشارة كلمة حيثما. هي ظرف مكان. اتقى الله في كل مكان تكون فيه. تقوه الله في الجلوه أمام الناس ما أيسره على الناس كما قال الله ((يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ)) (1) فأمام الناس يظهر التمسك والخشوع والإخلاص. وإذا رآه الإنسان على تعبير الناس في بلاد الشام: ـ يقول انه ولى مقشّّر وإذا عاملة يراه بعد ذلك حشرة من الحشرات فلا بد إذا من تقوى الله في الخلوة خلوه وجلوه. سر وعلن. تقوى الله أيضا في العلن يسير. لكن تقوى الله في السر هنا هو الذي يميز صدقك من كذبك. والإنسان على نفسة بصيرة. إذا كنت مع الناس ومرّت امرأة تغض طرفك. هذه تقوى. وإذا كنت بمفردك لا تغض طرفك فاعلم أن الأولى نفاق مباشرة. لكن إن غضضت في تلك وفى هذه حقيقة هذه تقوى وأنت من المتقين. الإنسان على نفسه بصيرة. توفر لك أن تأخذ الحرام لكن أمام الناس ما أخذته. وإذا يتسر لك في السر أستزدت منه وتمنيت أن تحصل أضعافاً مضاعفة هذه هي الخيانة.

(1) - في حق المنافقين. النساء: 18

ص: 40

ثبت في سنن ابن ماجة عن ثوبان رضي الله عنه وهو حديث يخلع القلب. عن نبينا [لأعلمن أناساً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً فقالوا: يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صفهم لنا. جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا ندرى! قال: أما إنهم إخوانكم، ويأخذون بحظهم من الليل كما تأخذون لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها] فقط في الخلوة يبارزون الله بالعظائم لكن في الجلوه متقون. من يستحى منه ثلاثة أصناف لا رابع لهم: الناس. ونفسك. والله. فإذا استحييت من الناس ولم تستح من نفسك فنفسك إذن أحسن وأحقر من الناس. فعظمت الناس واحتقرت نفسك. وإذا استحييت من الناس واستحييت من نفسك وقلت: وهذا لا يناسبني لكن لم تستحي من الله في فعل العظائم بعد ذلك فجعلت الله إذن أخس الأشياء. تستحي من الناس ولا تستحي من الله!! لو أن إنساناً أراد أن يفعل معصية من خلوة بامرأة عن طريق الحرام أو غير ذلك. ودخل عليه صالح يجلّه من قومه ماذا يكون حاله؟ يستحي غاية الحياء ويفتر ويقوم ولا ينفذ شهوته. فكيف لو دخل صالحوا قومه اجمعهم عليه؟ يتمني لو بلعته الأرض. طيب أنت لا تغيب عن نظر الله طرفه عين كما قال الله جل وعلا ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)) (1) ولذلك أعظم واعظ وأبلغ زاجر نزل من السماء والي الأرض إعلام الله لعباده انه معهم أينما كانوا ولا تخفي عليه خافيه من أمرهم. وهذا المعني يقرره ربنا في جميع سور القرآن بحيث لا تخلو منه ورقه من ورقات المصحف. يا عبد الله إذا عصيت الله وقلت: لا يراني. كفرت. وإذا السابقة أن اله بقول للعبد إذا أغلق ستره وفعل المعصية: يا عبدي أجعلتني أهون الناظرين إليك؟ ! ولذلك قال رجل للإمام الجنيد ـ عليه رحمة الله: بم استعين على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر اله إليك أسبق من المنظور إليه.

(1) - الحديد: 4

ص: 41

أنت عندما تريد أن تنظر لو علمت أن الله يراك قبل أن تنظر إلى المنظور إليه لا ستحييت.

إخوتي الكرام: فلنستحي من الله جلا وعلا ذهبت مرة إلى بعض الإخوة الذين ابتلوا بما ابتلى به الناس في بيوتهم. نسأل الله العافية من سخطة. فلما دخلت عليه كان التلفاز شغال وفيه أشكال ألوان. أحمر وأصفر وكل يلهي ويتسبب في غضب الله ولعنته. فلنا دخلت قال لأولاده. جاء الشيخ!! لا إله إلا الله. قلت يا عبد الله من أجل عبد ضعيف لا يملك لنفسه ولا يعلم لا هو ولا أنت مصيره هل هو في الجنة أو في جهنم. من أجل عبد ضعيف استحييت وما أرادت أنني أراك تنظر إلى هذه الأشكال الخبيثة في هذا الجهاز الخبيث؟ إلا تستحلا من الله؟ ! مخلوق ضعيف دخل عليك قال: " صكوا التلفزيون" وإذا جاء هذا " صكوه " هذا شيخ!! ورب العالمين ليس به قيمة عندك؟ كيف من أجل الشيخ " تصك التلفزيون " ومن أجل الله لا " تصكه "؟! أتجعل الله أهون الناظرين إليك؟ "وهو معكم أينما كنتم".

إخوتي الكرام: لا بد إذن من هذا المحك الذي يظهر المتقى من المخادع. ولذلك أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن التقوى حقيقتها ليست أشكالاً ظاهرة ليست هذه الحقيقة. هذه صور للتقوى. إنما حقيقة التقوى هي معانٍ راسخة في القلب. إذا ثبتت تخرج عنها أشكال منضبطة بفعل ما أمر وترك ما عنه نهى وزجر وحذر غنما هذا الأصل في القلب أما إذا لم يكن هذا المعني في القلب فأمام الناس تتقي وفى الغيبة لا تتقى أمام الشيخ " صكوا التلفزيون " وعند خروجه افتحوه على مصراخيه على كل شيء!! إذن هذه ليست تقوى. هذا إذن القلب خبيث ليس فيه تقوى.

ولقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا. فانتبهوا لهذا المعنى. ثبت في مسند وصحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبى هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

ص: 42

[لا تحاسدوا (1) ولا تناجشوا (2) ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم التقوى ههنا ـ ثم أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاثاً ـ كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه] .

إذن التقوى أصلها في القلب إذا وجدت تدفعك إلى تقوى الله حيثما كنت في السر والعلن. في الخلوة والجلوه. أمام الناس يستحى وعندما يختفي عنه الناس لا يبالى بالمعصية. لذلك إخونى الكرام لا بد أن توجد هذه المعاني في القلب ز هذا هو الذي يريده الله من عباده صفاء قلوبهم وطهارة سريرتهم ((لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)) (3) وهى النيات الخالصة التي محلها القلب. كما قال: صلى الله عليه وسلم[التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا] إخوتي الكرام: كان نبينا صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يرزقه التقوى. كما أوصانا بذلك فلنذكر حديثين من ذلك ونختم يهما هذا المبحث. ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجة، والحديث في المسند ـ رحم الله أصحاب هذه الكتب أجمعين ـ عن عبد الله بن مسعود عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى] .

(1) - الحسد: أن تتمنى زوال النعمة عن غيرك.

(2)

- النجش: أن تزيد في السلعة ولا تريد شراءها. أو أن تذكر إطراء لها ووصفاً حسناً (بياض) من أجل أخديعة المشتري. من أجل أن يشتريها بثمن أغلى مما نستحقه

(3)

- الحج: 37

ص: 43

وثبت في صحيح مسلم وسنين النسائي ومسند الإمام أحمد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فقال: [اللهم آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها] .اللهم إنا نسألك الهدي والتقى والعفاف والغنى. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن علمنا وتعلم منا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء ومنهم والأموات: وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين.

الباب الثاني

السيئة والحسنة

الفصل الأول: السيئة

تمهيد:

المبحث الأول: في تعريف السيئة ولم سميت بذلك؟

المبحث الثاني: أنواع السيئات.

المبحث الثالث: أجناس الذنوب وأنواعها.

المبحث الرابع: أسباب الذنوب.

المبحث الخامس: أقسام الناس في ترك الذنوب.

المبحث السادس: أقسام الذنوب (السيئات)

المبحث السابع: أثر الصغائر والكبائر والأمور المتعلقة بكل من هذين الصنفين

المطلب الأول: أثر الصغائر.

المطلب الثاني: أثر الكبائر.

قوله صلى الله عليه وسلم[وأتْبع السَّيئةَ الحسَنةَ تَمْحُها]

تمهيد:

ص: 44

هذه الجملة الشريفة من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم لا زالت مرتبطة في النوع الأول من أنواع معاملة الإنسان لغيره. وهى معاملته مع ربه. فأرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى واجب الله علينا وكيف ينبغي أن نتعامل معه فقال: [اتق الله حيثما كنت] لو لم يتبع نبينا لطاشت عقول المتقين. وتنكدت عليهم حياتهم في كل حين. فكيف سيلقى ابن الماء والطين رب العالمين؟ ولا يمكن أن يقوم بالتقوى على الوجه الكامل المطلوب فلا بد من وقوع زلل تفريط منه مهما احترس ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ)) (1) إذن لا بد من حصول شيء من الشوائب في حياة الناس عندما يتعاملون مع خالقهم جل وعلا لا بد من وجود تفريط. وتفريط كل بحسبه. فلو كان الحق الواجب علينا التقوى وإذا وقعنا بياض خلاف ذلك فلا يقبل عند المولى.. بياض.

(1) - الأعراف: 201

ص: 45

ولذلك بشرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالجملة الثانية واخبرنا بياض ربنا جل وعلا أرحم بنا من الوالدة بولدها وهو أرحم بنا من رحمتنا بأنفسنا فإذا أخطأنا قبلنا إذا رجعنا إليه ولذلك قال أئمتنا _ كما سأبسط هذا إن شاء الله _التوبة هي بياض طريق السالكين وهى نهاية طريق السالكين ، ولا يستغنى عنها المؤمن في كل حين بياض مستغفرا أو يصبح مستغفرا ويلازم الاستغفار والتوبة إلى الله جل وعلا في آناء الليل وأطراف النهار لأنه لا يخلو مخلوق من تفريط وتفريط كل بحسبه [وأتْبع السَّيئةَ الحسَنةَ تَمْحُها] وهذا كما قال الله جل وعلا ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ (1) ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينََ)) (2) .

(1) - لا زالوا ضمن وصف التقوى وهم من المتقين مع أنهم فعلوا معصية تناهى خبثها وظلموا أنفسهم.

(2)

- آل عمران: 133- 136

ص: 46

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا في هذا الحديث: أمرتم بالتقوى وهذا حق الله عليكم، ولكن لن يخلو بياض منكم من تفريط حسب الجبلّة البشرية ، والطبيعة الإنسانية فإذا وقع واحد بياض في تفريط في حق رب البرية فليتدارك ذلك بالتوبة النصوح ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)) (1) وهذا كما قال الله جل وعلا ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ)) (2) بياض الاستقامة بالاستغفار لأنه لبد من وقوع زلل منا في حق العظيم الغفار سبحانه وتعالي وهكذا أخبرنا ربنا جل وعلا في آيات كثيرة أننا عندما نتبع السيئة بالحسنة وعندما نأتي بياض المعصية بالطاعة تغفر تلك المعصية بفضل الله ورحمته ولا تخرج عن دائرة التقوى ((وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)) (3) وهذا كقول نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وأتبع السيئة الحسنة تمحها. إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة، ورأس الحسنات وأعظم الطاعات التوبة والاستغفار إلى رب الأرض والسموات وكما قلت إن التوبة هي بداية طريق السالك ونهاية طريق السالك لماذا؟ لأن كل إنسان لا يخلو من تفريط وليس التفريط في خصوص فعل المنهي عنه، التفريط في عدم قيام بالمأمور كما ينبغي. فإذا صلى الإنسان صلاة وما أداها حقها أما عصى الله؟ لأنه، تقدم معني، أن التقوى فعل مأمور كما أمر وكما شرع وكما يرضي العزيز الغفور وترك المحظور كما حظر من ذلك العزيز الغفور سبحانه وتعالى.

(1) - الشورى:25

(2)

- فصلت: 6

(3)

- هود: 114

ص: 47

فإذا فعلنا المأمور على غير وجه التمام إنه إذا ليس في درجة القبول صار إذا فيه خدش. صار فيه معصية ولذلك أمرنا بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله بعد فعل الطاعات العظيمة فانظر إلى شعيرة الحج وعبادة الحج وهذا الركن العظيم من أركان الإسلام الذي إذا فعله الإنسان على وجه التمام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ـ كما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن نبينا صلى الله عليه وسلم ـ الله يأمرنا بالاستغفار والتوبة إليه في ذلك المنسك وعند أداء ذلك النسك بل عند أداء أعظم أركانه وهو عرفه يقول الله جل وعلا ((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ ثُمَّ أَفِيضُواْ (1) مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (2) فكأن الله يقول: قد يقع منك شيء من التفريط في الوقوف وقد لا يكون الوقوف بالصورة المقبوله المرضية فأتبعوا وقفكم بعرفات وشهودكم جمعا في مزدلفة بالاستغفار.

وهكذا اخبرنا ربنا جل وعلا انه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر ربه وان يتوب إلية بعد الجهاد الطويل الذي قام به وبعد أن فتح الله عليه جزيرة العرب ودخل الناس في دين الله أفواجا فقال في سورة النصر ((إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ. إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً))

(1) - من مزدلفة بعد أن رجعت من عرفات

(2)

- البقرة: 198، 199

ص: 48

ثبت في الصحيحين عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: [ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد إن نزلت عليه صورة النصر إلا قال فيها: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي] ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة إلا قال هذا الدعاء في ركوعه وفى سجوده علية صلوات الله وسلامه وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن نتبع الصلاة ـ هي عمود الإسلام ـ بالاستغفار وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يستغفر ربه عندما ينصرف من صلاة وينتهي من السلام الثاني ففي صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: [كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاة استغفر ثلاثاً فقيل للأوزعى كيف يستغفر فقال يقول: استغفر الله استغفر الله استغفر الله ـ ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام] هذا أول ذكر كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقوله عندما ينصرف من صلاتة: الاستغفار ثلاثأً سبحان الله!! هل كان إذن في حالة طاعة أو في حالة مخالفة؟ قلنا هو في حالة طاعة لكن الطاعة لا يمكن أن تقع منا كما ينبغي لجلال الله جل وعلا وجماله وكل واحد منا لا يخلو من تفريط في طاعاته فكيف بعد ذلك ارتكابه للمناهي والمحظوران. فإذا كان الأمر كذلك نتبع الطاعة بإلإستغفار: استغفر الله استغفر الله اللهم أنت السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام وهذا لن أطيل فيه كثيرا ولن أمد النفس فيه فسيأتينا إن شاء الله مدارسته في الشق الثاني من هذا الباب وهو عند الكلام على الحسنات.

المبحث الأول

في تعريف السيئة ولما سميت بذلك؟

ص: 49

السيئة سميت بذلك لأمرين لأن صاحب الفطرة السليمة والعقل السليم يستاء ويسوؤه عندما يفعل سيئة نعم بياض العاصي إذا كان عاقلا مع انه عاصي يتضايق وتضيق عليه نفسه، وقد رسم نبينا صلى الله عليه وسلم صورة واضحة لمؤمن وصورة واضحة لغير المؤمن ففي مسند الإمام احمد ومستدرك الحاكم وغيرهما بسند صحيح عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من سرته طاعته وساءته معصيته فهو المؤمن] فهو يفعل المعصية ـ كما قلنا ـ لا عمدا ولا قصدا لكن طبيعة البشر لا تنفك من خطأ وزلل ومن يشابه أباه فما ظلم.

إذا كان أبونا على نبينا وعلية صلوات الله وسلامه آدم وقع في خطأ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. وكان حالة بعد المعصية خيرا من حاله قبل المعصية. فإذا شابهناه في ذلك فلا لوم ولا تقصير فالمؤمن لا يقصد المعصية ولا يوطن القلب عليها. لكن طبيعة البشر والجبلة الإنسانية تقتضى أن يقع الإنسان في شيء من الهفوات والزلات فإذا كان الأمر كذلك عندما يقع فيها تضيق عليه نفسة كما قال الله تعالى في حق الثلاثة رضوان الله عليهم. كعب بن مالك ومرارة بين الربيع وهلال بن أمية ((وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ)) (1) لأجل المعصية التي وقعت منهم وهى نخلفهم عن الغزوة الأرض ضاقت عليهم ـ بما رحبت ـ وأنفسهم ضاقت عليهم وما عادت تتحملهم من أجل غصبهم لله على أنفسهم فإذا صاحب العقل السليم يستاء ويسوؤه فعل المعصية عندما يفعل لكن أحيانا نفسة تغلبة يتعرض للفتن فلا يثبت وبخبو نور الأيمان ويضعف في قلية فيقع فإذا فزع ((تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)) سيلوم نفسة ويرجع إلى ربه والله يقبلة وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

(1) - التوية: 118

ص: 50

الشاهد: سميت السيئة بسيئة لان صاحب العقل السليم والفطرة المستقيمة يسوؤه فعل المعصية ويستاء عند فعل المعصية ولذلك لا يوجد عاص إلا وهو ناقص العقل وهل يرضى أحد بقلة العقل؟ وقلت لإنسان عقلك قليل ظ؟ وأنت أحمق سخيف.. بياض كل عاص لله ناقص العقل فهو بعد أن يعصى يعلن انه عقلة ناقص. اخنق وكيف يكون ناقص العقل لأذى يستبدل الدر بالبعر. والمسك بالرحيق ومرافقة الصالحين بمجالسة الشياطين. أليس هذا بقليل العقل أحمق؟! أمكنة أن يأخذ دراً فاخذ بعراً. هذا في عداد البشر أحمق مجنون. أمكنة أن يقول سبحان الله وبحمده فيغرس له نخله في الجنة فترك هذا وشغل لسانه بغناء أو بذاء أو غيبة أو نميمة أو خنا، عندما يقع في تلك الزلة وينتهي إذا كان عنده إيمان يعلم انه ضعف عقلة وغاب عند فعل تلك المعصية فيوبخ نفسه ويعود إلى ربه جل وعلا ولذلك كل من عصى الله فهو جاهل أحمق قليل العقل قال الله جل وعلا ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) (1) .

(1) - النساء: 17، 18

ص: 51

ثبت عن أبى العالية وغيرة قال: أجمع أصحاب محمد صلوات الله وسلامة علية ورضي الله عن الصحابة الكرام أجمعين ـ أن كل من عصى الله فهو جاهل وأن كل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب إذن عندما يعصى الإنسان ربه يقل عقلة وقد يخرج عن حيز العقلاء بالمرة إذا كانت المعصية فاحشة قبيحة فعندما ينتهي منها ويعود إلى رشده وصوابه يوبخ نفسه ويلوم نفسه فصاحب العقل السليم والفطرة المستقية عندما يعصى الله يستاء ويسوؤه فعل المعصية وهذا حقيقة من علامات الأيمان وليس من علامات الأيمان ألا يعصى الإنسان إنما من علامات الأيمان أن يستاء عند المعصية وألا يصّر ولذلك لا بد من التوبة والناس على قسمين تائب وظالم ولا ثالث لهما قال الله ((وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (1) .

من المعاصي التي تقدم ذكرها ومن غيرها قضية عامة لا تتخلف. قسم الله العباد إلى قسمين لا ثالث لهما إذن إذا عصى يتوب فإذا هو يستاء عندما يفعل المعصية. وحقيقة المعصية وإذا ما رجع الإنسان إلى ربه تميت القلب كما قال شيخ الإسلام في زمنه عبد الله بن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب

وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسك عصيانها

وهل أفسد الدين إلا

الملوك وأحبار سوء ورهبانها

فباعوا النفوس ولم يربحوا

ولم تغل فى البيع أثمانها

ج

لقد رتع القوم فى جيفة

يدن لذي العقل أنتابها

(1) - الحجرات: 11

ص: 52

إذن كل من عصى الله جاهل قليل العقل. والإنسان لا يرضى أن يوصف بحماقة. ولذلك نفسه تضيق عليه وتضيق عليه الدنيا فيهرع إلى ربه ويتوب إليه. والله يقبل توبة التائب عندما يتوب إليه سبحانه وتعالى. ولذلك إخوتي الكرام سمي الله الكفار ووصفهم ونعت العاصين بأنه لا حياة عندهم وبأنهم موتى وقد قال أئمتنا ونعم ما قالوا: ـ أول من مات من الخليقة مخلوق خبيث خسيس مع أنه منظر إلى يوم الدين وهو الشيطان الرجيم. هذا أول من مات. حيى لكنه ميت. لأنه فقد الحياة الحقيقه الحياة الحقيقيه: أن يتصل المخلوق بخالقه وأن يأنس القلب بربه ((أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) (1) وإذا خرج الإنسان عن هذا فهو ميت. إسمع ماذا يقول الله جل وعلا في سورة يس ((وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ. لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)) (2) .

ما المراد بالحياة؟ هل المراد بالحياة حياة البدن. أبدا لما قال: ((وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)) الكافرين أحياء ينذر من كان حيا. حي القلب واعي القلب بصير القلب. فليس المراد من الحياة حياة البدن هذه يشترك فيها المؤمن والكافر. يدل على هذا قوله ((وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)) (3) .

(1) - الرعد: 28

(2)

- يس:69،70

(3)

- يس: 10،11

ص: 53

هذا هو الحي وذلك ميت ولذلك أطلق الله لفظ الموت على الكفار فقال في سورة النمل ((إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)) (1) ما المراد بالموتى؟ موتى الأبدان أم موتى القلوب؟ القلوب: ((وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ـ انتبه بأي شيء قابل الموتى ـ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ)) (2) إذن لا تسمع الموتى كأنه يقول. لا تسمع من كفر بآيتنا إنما تسمع من آمن فذاك لا حيات عنده وواقع الأمر كذلك. قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله ـ ونعم ما قال نور الله قبره وفى غرف الجنان أرقده:

وفى الجهل قبل الموت موت

لأهله وأبدانهم قبل القبور قبور

وأرواحهم في وحشة من جسومهم

وليس لهم حتى النشور نشور

فالجاهل ميت. وما هو قبره؟ بدنه فعندنا ميت القلب. وعندنا ميت البدن، ولذلك المؤمن يخشى من موت قلبه ولا يخشى من موت بدنه وموت البدن ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)) (3) وموت البدن يؤجر عليه الإنسان كما قال نبينا ـ والحديث في درجة الحسن: ـ[الموت تحفة كل مؤمن](4) هذه أعظم هدية تأتى من الله لعبده المؤمن. وهى الموت.

(1) - النمل:80

(2)

- النمل: 81

(3)

- الرحمن: 26

(4)

- قلت: الحديث أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد (4/319) وأخرجه أبو نعيم في الحلية (8/185) والبغوي برقم 1454 (5/271) من طريق عد الرحمن بن زياد الإفريقي. قال محقق شرح السنة: وهو ضعيف. لكن ذكره المنذري في الترغيب (4/335) وقال عنه: إسناده جيد. وقال الهيثمى في المجمع (2/323) رواة الطبراني في الكبير وقال عنه: رجاله ثقات. فلعله من غير طريق الافريقى. أهـ والحديث في ذلك كله نصه: عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [تحفة المؤمن الموت]

ص: 54

وألف السيوطي رسالة عظيمة سماها: "بشرى الكئيب بلقاء الحبيب " ما هو الموت هذا حبيب. لا يخاف المؤمن من موت البدن هذا حبيب جاء على فاقة. إنما يخاف من موت القلب هو الذي يوجب غضب الرب، فإذن عندما يفقد الإنسان الحياة والعقل يستاء أم لا؟ يستاء. إذن سميت المعصية معصية لان صاحب العقل السليم والفطرة المستقيمة ولأن المؤمن يسوؤه فعل معصية سواء منه أو من غيره. إذا فعل معصية أو فعلت معصية يستاء ويتمعر وجهه ويغضب وتضيق عليه نفسه وكان سفيان الثوري عليه رحمة الله ـ إذا رأى معصية وما استطاع أن يغيرها لكمال إيمانه يبول الدم من شدة غضبة لربه جل وعلا هذا استياء حصل عنده واستياء وغضب لذي العزة والجلال.

ص: 55

2 – لأن سبب كل سوء في هذه الحياة ينزل في المخلوقات هو بشأن السيئات. وصدق الله عندما قال ((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)) ما نزلت عقوبة من الله بخلقه وعلى عباده إلا بسبب معاصيهم ((إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)) (1) إذن هذه سيئة سميت بذلك لأنها أيضا هي سب العقوبات والسيئات التي تنزل بسبب معاصيهم لربهم جل وعلا ثبت في مسند الإمام احمد وسنن النسائي وابن ماجة والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يريد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر] الرزق بشؤم المعصية يحرمه الإنسان. إذن سميت المعاصي سيئات لأمرين. تسوء العاقل. وهى سبب حلول السوء والعقوبات بالمخلوقات هذا فيما يتعلق بالمبحث الأول وقد ألف الإمام ابن تيمية عليه رحمه الله كتابا جليلاً صغير الحجم يقارب المائتي صفحة لكنه مملوء بالفوائد سماه: " الحسنه والسيئة " طبع على إنفراد وهو موجود ضمن مجموع الفتاوى في الجزء الرابع عشر من صفحة 229 ـ 426 والإمام ابن القيم ألف رسالة أيضاًَ وكتاباً نافعاً في حدود ثلاثمائة صفحة سماة " الجواب الكافي لمن سئل عن الدواء الشافي " وسميت في بعض الطبعات " الدواء والداء " وكله يدور حول الحسنة والسيئة. الداء هو السيئة، والدواء هو الحسنة.

(1) - الرعد: 11

ص: 56

لا عاصم اليوم من عذاب الله إلا من رحم واحرصوا على هذين الكتابين لاسيما الكتاب الثاني للإمام ابن القيم فحقيقة فية ما يزهد الإنسان في معصية خالقه ويحببه في طاعة ربه جل وعلا وقد ذكر شناعة المعصية وأضرارها وما يترتب عليها وكيف أن صاحبها ليس له عقل ثم قال: هل يتصور من عاقل أن يعصى الله في ملكه على أرضه تحت سمائه يتغذى بنعمه وخيراته وهو تحت نظره لا تخفى عليه خافيه من أمره؟ ! هل يليق بالعاقل أن يعصى الله إذا كان هذا حاله! أنت على أرضه وتحت سمائه. تأكل من رزقة هذه الجوارح من نعمة لا تغيب عن نظره ولا تخفى عليه كيف إذن يتصور وقع المعصية منك؟. أو ليس الشكر بواجب؟ وأقل مراتب الشكر ألا تعصى المنعم بنعمة وان تقوم بهذه النعم حسبما يرضى المنعم سبحانه وتعالى.

هذه السيئة التي سميت سيئة لهذين الأمرين لا تخرج عن ثلاثة أحوال:

1.

إما تكون هذه السيئة سيئة بينك وبين خالقك في أمر لا يغفره الله.

2.

وإما تكون بينك وبين خالقك في أمر وعد الله بالمغفرة عليه وأخبر أنه يمكن أن يغفر لمن فعله.

3.

وإما أن تكون هذه السيئة في ظلم منك نحو عباد الله.

سيئة مع الخالق عملتها لكن الله أخبرنا أنه لا يغفرها لصاحبها وهى الشرك. سيئة مع الخالق عملتها وهى ما دون الشرك فيما بينك وبين ربك. من غناء وشرب خمر وفطر في رمضان وتفريط في واجبات فرضها عليك الرحمن ونظر إلى حرام وغير ذلك هذا بينك وبين الله العفو فيه اقرب ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (1) وسيئة بينك وبين العباد ظلمتهم فالقصاص واقع لا محالة.

(1) - النساء: 116

ص: 57

وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى تقسيم السيئة إلى هذه الأقسام الثلاثة في الحديث الذي رواة الإمام أحمد في المسند (1) ورواة الحاكم في المستدرك (2) عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يغفره الله منه شيئاً وديوان لا يعبأ الله به شيئاً وديوان لا يترك الله منه شيئاً وأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئاً فهو الشرك]((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) (3) وحقيقة: من بريء من الشرك فليهنىء نفسه تهنئة لا تنتهي حتى يلقى ربه. لكن نسأل الله ألا يكون من قال فيهم ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ)) (4) .

(1) - (6/240)

(2)

- (4/575)

(3)

- المائدة: 72

(4)

- البقرة: 8

ص: 58

وكم من إنسان يقول أمنت بالله وباليوم الآخر والله يقول له من فوق سبع سموات كذبت؟ ويتكلم بالمكفرات. لا أقول في اليوم الواحد في المجلس الواحد مرات ثم يقول أنا مؤمن: ((وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ. لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ)) (1) عندما يقول في المجلس وهو متكىء على أريكته في مجالس السمر والقيل والقال: لحية فلان مثل المقشة. مثل ذنب الحمار؟ ! هذا ما حكمه؟ كفرو هو لا يدرى وعندما تقوله له الربا حرام والبنوك مؤسسات تحارب الرحمن يقول دعنا من هذا الكلام لا تصلح الحياة ولا اقتصاد ولا اقتصاد إلا ببنوك ولا بنوك إلا بربا!! كفر هو لا يدرى. يقول آمنت بالله ولا اله إلا الله.. لكنه عند الله من أهل الديوان الأول الذي لا يغفر الله منه شيئاً ولذلك إذا عصى الإنسان ربه فلا يستحل تلك المعصية ابتلي بغناء اتلي بزنا ابتلي بربا يقول أنا عاصي لله أرجو رحمة الله أما انه يأتي بتلك المعصية ويقول هذه لا شيء فيها ولا غضاضة. ودعني من هذا؟! نسأل الله العافية. وكم هذه تقال الآن في مجالس الناس؟ [وديوان لا يعبأ الله به شيئاً والعفو فيه أقرب وهو ظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم كما قال الله ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (2) وديوان لا يترك الله منه شيئاً والقصاص واقع فيه لا محالة وهو ظلم العباد لبعضهم بعضاً](3)

(1) - التوبة: 65،66

(2)

- النساء: 116 وسيأتينا في الفصل الثاني أن هذه أعظم آيات الرجاء عند عدد من أئمتنا الأتقياء.

(3)

- والحديث إخوتي الكرام صححه الحاكم لكن تعقبه الذهبي فقال: فيه صدقة بن موسي الدقيقى ضعفوه وصدق ابن موسى الدقيقى ضعيف..وأما قو الذهبي: فيه يزيد بن (بياض) وهو مجهول. فليس (بياض) فهو لأبأس به وفد وثق كما نص على ذلك الإمام الدارقطنى وغيره لكن فيه صدفه بن موسى الدقيقى وهو ضعيف لكن الحديث له ثلاثة شواهد ترفعه إلى درجة الحسن كما أشار إلى ذلك الإمام العراقي في " المغنى عن حمل الأسفار في الأسفار "(4/16) في تخريج أحاديث الإحياء. والأحاديث موجودة في المجمع. الأول رواه البزار عن أنس رضي الله عنه والثاني رواه الطبراني في الأوسط عن أبى هريرة رضي الله عنه والثالث رواه الطبراني في الكبير والصغير عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن أنس رضي الله عنه: [الدواوين عند الله ثلاثة] . تتقوي ببعضها. والحديث إن شاء الله في درجة الحسن كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام في زمنه الشيخ زين الدين عبد الرحيم العراقي في كتابه تخريج أحاديث الإحياء المسمى بـ المغنى عن حمل الأسفار في الأسفار. وهو كتاب صغير الحجم لكن ينفعك لما فيه من هذا التخريج بهذه الأحاديث التي في كتاب الإحياء.

ص: 59

فسيقتص الله للمظلوم من الظالم ويبلغ من عدل الله جلا وعلا أن يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء ((لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) (1) .

المبحث الثاني

أنواع السيئات

اتفق أئمتنا علي أمرين في السيئات:

1.

أكبر السيئات معلوم لنا. وهو الشرك بالله ((وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)) (2)((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)) (3) .

(1) - غافر: 17

(2)

- المائدة: 5

(3)

- المائدة: 74

ص: 60

2.

اتفقوا على أن أصغر السيئات مجهول. فأصغر السيئات واصغر المعاصي واقل الذنوب شأناً ما هو؟ قالوا هذا لا يعلمه أحد إلا الله. لم علمنا الأكبر ولم نعلم الأصغر؟ ليكون العباد على وجل شديد من جميع مخالفتهم لربهم المجيد خشية أن تكون تلك الصغيرة التي يرونها صغيرة هي في واقع الأمر كبيرة ((وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)) (1) فأصغر السيئات هذا بالإجماع لا يعلم وأكبر السيئات معلوم. وقلت إذا نجى الإنسان من الأكبر وسلم من الديوان الثالث وهو الاعتداء على أعراض الناس وأموالهم فلو علية بعد ذلك من الذنوب ما يملأ عنان السماء ويقارب مليء الأرض من الخطايا فرحمة الله أوسع من ذلك. كما ثبت في سنن الترمذي وغيره بسند صحيح عن انس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتنى غفرت لك ما كان منك ولا أبالى يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني عفرت لك. يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة] ما بقارب الأرض ما يملأها من الذنوب والموبقات. لكن ليس عنده شرك لرب الأرض والسموات يأتيه الله بقرابها مغفرة هذه الآية ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (2) هي أرجى آية في القرآن الكريم عند بعض سلفنا وأئمتنا الطيبين ثبت هذا في سنن الترمذي بسند حسن عن على رضي الله عنه انه قال [ما في القرآن آية أحب إلى منها] وثبت في كتاب الإمام الواحدى عن حفيد على بن أبى طالب على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنهم أجمعين وهو المسمى بزين العابدين. أنه قال: هذه أرجي آية في القرآن. ووجه ذلك: أن المعاملة لا تخرج عن ثلاثة أقسام: إما عدل وإما فضل وإما جور.

(1) - النور: 15

(2)

- النساء: 116

ص: 61

الجور لا يوجد في معاملة الخالق مع مخلوقاته [إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظّالموا](1)((وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) (2)((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)) (3) بقى وصفان: عدل وفضل. الله ماذا يقول في هذه الآية؟ يقول: ((لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه)) أخرجونا من جوار الشرك. نسأل الله البراءة منه ما عداه يغفر ما دون ذلك لمن يشاء إن عذب فعدل وإن عفا ففضل إذا دارت أفعال الله بين العدل والفضل فأيهما يرجح في حقة؟ الفضل كرمة سبحانه وتعالى لا سيما إذا وعد الكريم حقا وإذا اطمع الكريم حقا إن عدة الكريم خير من إنجاز غيرة ولذلك نسيئه الله خير من نقد غيره. هذا يقول ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء كل واحد تتعلق نيته ورغبته ورجاؤه وأمله بأن يكون ممن يشاء له المغفرة. [الله عند ظن عبده به فليظن به ما شاء](4)

(1) - قلت: هذا الحديث صحيح من حديث أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يريه عن ربه عز وجل أنه قال [يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا

] الحديث. أخرجه مسلم والإمام أحمد في المسند والترمذي وابن ماجه وغيرهم

(2)

- الكهف: 49

(3)

- فصلت: 46

(4)

- قلت: هذا ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن ابى هريرة رضي الله عنه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قال الله عز وجل: أنا عند (بياض) عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني..] .ولأبي داود وابن حبان في صحيحة واللفظ لهما والترمذي (بياض)[حسن الظن من حسن العبادة] ولفظ الترمذي والحاكم: [إن حسن الظن من حسن عبادة (بياض) وعن جابر رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول [لا يموتن أحدكم إلا وهو (بياض) الظن بالله عز وجل] رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد والطيالسي وأبو نعيم وغيرهم (بياض) وائله بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [قال الله جل وعلا (بياض) عند ظن عبدي بي إن ظن خيراً فله. وإن ظن شراً فله] رواه أحمد. (بياض) حبان في صحيحة والبيهقى وغيرهم. وفى رواية. [أنا عند ظن عبدي بي فليظن بى ما شاء] .

ص: 62

فالله عندما أطمعنا ما أطمعنا إلا ليحقق لنا رجاءنا وهو (بياض) الراحمين وأكرم الأكرمين. لكن كما قلت ـ إخوتي الكرام ـ المهم السلامة من الديوان الأول (بياض) وقع فيه من وقع ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) (1)((وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)) (2)((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)) (3) كم من إنسان في هذا الوقت (بياض) مع أخيه المؤمن يقول تعال من نثق به في دينه ليقضي لنا في مشكلتنا. يقول: ما (بياض) الشرع في هذا؟ المحكمة المدنية هي التي تقضى بيني وبينك. هذا كافر وإن صام وصلى (بياض) أنه مسلم وأولاده أولاد زنا وأولاد حرام. ولذلك في آخر الزمان من أشراط (بياض) أن يكثر الزنا وأولاد الزنا. ليس المراد يوجد مواخير للبغاء في الطرقات. لا (بياض) البيوت بعاشر الرجال فيها النساء عن طريق الحرام. أولاد الزنا وهم لا يشعرون.؟ (بياض) هذا؟ طلق ألف طلاق وهو يعاشر زوجته. ما هو الأولاد الذين يخرجون من ذلك (بياض) ؟ أولاد سفاح. كفر بالله لا أقول في اليوم في المجلس مرات ثم بعد ذلك اتصل (بياض) يأتي ولد الزنا. ليس ولد الزنا الذي لا يعرف أبوه فقط لا أولاد الزنا يكثرون بياض أكثرهم في هذه الحياة. ملأوا الدنيا. نسأل الله السلامة منهم ومن شرهم (بياض) فيما يتعلق بالمبحث الثاني: أكبر الذنوب وأشنع العيوب معلوم. وأصغر السيئات (بياض) المخالفات مجهول لم يطلع الله عليه أحد من خلقه.

المبحث الثالث

أجناس الذنوب وأنواعها

الذنوب عندما يفعلها العصاه المذنبون تأخذ أحد أشكال أربعة لا خامس لها:

(1) - المائدة: 44

(2)

- النور: 48

(3)

- النساء: 65

ص: 63

أولا: أول ذنب ـ وهذا أكثر الذنوب انتشاراً في البرية تأخذ شكل الاتصاف بالصفات البهيمية ذنب لكن صورة هذا الذنب. صفة هذا الذنب؟ صفة الحيوانات البهيمية كالحرص على شهوتي الفرج والبطن همه أن يملأ بطنه وأن يشبع غريزته من أي طريق كان. يتولد عن هذا: الحرص والبخل والشح وأكل أموالى اليتامى والسرقة.. وما شاكل هذا كل هذا من أجل إرواء شهوتي البطن والفرج. الزاني عاصي لكن شكل معصيته ما هو؟ شكل البهائم هذا لو عنده معاني الإنسانية وصفات البشرية لتنزه عن هذا فما أقبح تلك الصفات في حالة الحلال فكيف وهى في حالة الحرام وهكذا همه أن يملأ بطنه ليصبح له بعد ذلك بطن بحيث لو مدت يدك لما وصلت إلى انتفاخ بطنه كالحبلى ـ لم؟ وتراه كلما يأكل يضرب على بطنه أو بعدها همه يسعى من هنا ومن هناك من حلال أو حرام هذه صفات من؟ صفات البهائم التي أحيانا ترعى في المرعى وتأكل وتأكل وتأكل حتى تصاب بداء الزرب بعد ذلك ثم تموت.

وسل الأطباء الآن عن " شهداء البطون " ما أكثرهم؟ يجلس في الليل يدكّ يدكّ يدكّ في معدته بحيث لو وضعت الطعام في قدر لتفاعل وانفجر. فكيف ستتحمله تلك المعدة؟ في وسط الليل: آه. يصبح! ماذا تريد؟ هاتوا الـ"بيبسى " والمهضمات. ما نفعت خذوه إلى الطبيب يجرى له عملية أو يموت ـ العلم عند الله. ولذلك الأمراض الأن التي انتشرت وكثرت بسبب التخليط في الأطعمة والتخمة التي انتشرت بين الناس هذه معاصي حصلت في الأمة شكلها وصفتها صفات بهيمية ولذلك ننهمك في الطعام والشراب وشهوة الجنس يقال له: تأكل كما يأكل البغل ـ مباشرة ما يقال تأكل كما تأكل الملائكة فالملائكة يتنزهون عن هذا لو كان يأكل بغل. إذن يضرب لان هذه صفات بهيمية وهو ينهمك فيها وما ينبغي أن يصل إلى تلك الخسة والى تلك الشهوانية.

ص: 64

صفات ذنوب سيئات معاصي أخذت شكل الاتصاف بصفات البهائم وأكثر الناس كذلك كما قال الله جل وعلا ((أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)) (1) أكثر الأمة ـ هذا في حال الأمة الإسلامية. دعك عن الأمة الغضبية من حال الناس في بلاد الغرب وفى بلاد الشرق من الكافرين. أولئك ما يعون في الأصل إلا بطونهم وفروجهم. ليس عندهم شيء آخر ـ الإسلامية لا يفكر إلا في البطن وفى الفرج وما عدا هذا لا يخطر على باله هذا مثل البهيمة فأذن هذا نوع أول من أنواع الذنوب.

ثانياً: أقل من الأول ـ معاصي يعصى به الإنسان ربه لكنها تأخذ الاتصاف بالصفات السبعية الان حيوانات لكن حيوانات من نوع آخر. وهى حيوانات مفترسة. وهذا ما يقع من كثير من الناس من الظلم والبغي والعدوان والصيالة على الأموال وهكذا ظلم العباد وإراقة دمائهم والاعتداء على أبدانهم هذا ذنب يعصى فيه الإنسان ربه. شكله شكل صفات الحيونات المفترسة وما أكثر هذا فى الناس في هذه الأيام يسطوا علي أبدان الناس يظلمهم، يذلهم، كما يحصل من الحيوانات المفترسة، بل صار الناس في هذا الوقت يسمون حتى أولادهم بتلك الأسماء ما بين أسد وما بين ذئب وما بين فهد. وما بين وبين.. وهل في تلك الأسماء في الأصل (بياض) يعنى الإنسان يسمى نفسه باسم حيوان مفترس؟ سبحان الله العظيم؟ ! وما أعلم سيوجد في هذا الوقت فرد أم لا؟ أسماء يعنى الاسم في الأصل حيوان مفترس يسمى به الإنسان في كثير من الأحيان ينطبق الاسم على المسمى فتراه سمي بحيوان مفترس وحقيقة هو أعظم البشرية ظلماً وافتراساً وإذلالاً للعباد ولا يتقى في المؤمنين إلاً ولا ذمة.

(1) - الفرقان: 44

ص: 65

ثالثا: بعد اجتماع الذنوب التي تأخذ شكل الاتصاف بالصفات البهيمية وشكل الاتصاف بالصفات السبعية إذا اجتمعت هاتان في الإنسان تدعوانه إلى صفة ثالثة وهى الخداع والحيل والمكر والغش والنفاق. وهذه صفات من؟ صفات الشيطان الرحيم. وهذه صفات شيطانية تأتى بعد البهيمية والسبعية. (بياض) الصفات البهيمية على أعظم وصف: خمر ومخدرات وعهر وعربدة. بعد ذلك ظلم الناس قطع رقابهم واستولى على أموالهم: يدعوه هذان الوصفات إلى حيل ومكر. كيف يضل الناس؟ وكيف يغويهم؟ وكيف يختال على أعراضهم وأموالهم لإرواء شهوة البطن والفرج. ولأجل السيطرة وغلبته.

ص: 66

وخذ الان من الذين اتصفوا بهذين الوصفين: أخذ أموال الأمم وظلموا الأمم خذ الدعايات المضللة في وسائل الإعلام. هذه صفات من؟ صفات الشيطان. شريعة. وسنحقق العدل. ونحكم ونحكم.. وتنظر: لا توجد شريعة إلا شريعة الغابات الظالم يعتدي على المظلوم والقوى يأكل الضعيف ثم بعد ذلك أي عدل في هذه الحياة إنما تخدير للناس. هذا كما يحصل من الشيطان عندما يقول له. إني جار لك ويزين له المعصية فلما يقع يتبرأ منه ويقول إني بريء منك هذه صفات شيطانية وحيل ومكر وخداع وقد قال بعض من ذهب إلى لعنة الله وغضبه من السباع البشرية المفترسة قال: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين! هذا يعبر عن هذا والسياسة ليس فيها دين، والذي سيدخل الدين في شئون الحياة سأقطعة وأفرمة!! سلك طريق الشيطنة بعد أن سلك طريق السبعية. بعد أن أراق من الدماء ما أراق يسلك بعد ذلك طريق الاحتيال. وقال مرة في مجلس علنى تنقله إذاعات الإعلام: الناس لا يريدون منى أن أحمل السبحة ويقولون هذه بدعة. هؤلاء الجماعة المتطرقون يأتوننا بدين جديد أنا سأقول سبحان الله مائة مرة! أيها الضال المضل تخدع الناس بهذا؟ أنت أحسن من أن تقول سبحان الله أحكم بما أنزل الله. وأما الذكر نافلة إن شئت أن تذكر وإن شئت ألا تذكر. هذه نافلة إذا ذكرت ربك تزداد درجات وإذا لم تذكره ما عليك انه شاء الله عقوبات. لكن تحكم شريعة الشيطان وستسبح الرحمن بعد ذلك! خداع للأمة هذا بعد أن سار في الصفات اليهيمية في الدرجة وصار مبررزا في الصفات السبعية. دعاه ذلك الوصفان إلى الصفات الشيطانية إلى الاحتيال والمكر والخداع والتلبيس على الناس.

ص: 67

رابعا: سيئات تأخذ شكل الاتصاف بالصفات الربوبية. نسأل الله العافية. وهذه أشنع الذنوب وهى أقلها بين الناس بعد أن انهمك في شهوتي البطن والفرج وظلم الناس أراق دمائهم واعتدى على أعراضهم وأذل أبدانهم واحتال عليهم ومكر بهم ماذا سيحصل حالة؟ ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا)) (1) علا ماذا قال؟ قال ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) (2) سينازع الله في ربوبيته التكبر والتجبر والعظمة وحب المدح ولا يرتاح إلا بذلك. هذا كله من منازعة الله الربوبية. المدح لا يليق إلا لله. وأما أنت أنت خطاء جهلك أكثر من علمك أنت ينبغي أن تمح؟ المدح ما ينبغي أن يصرف إلا لله جل وعلا. ولذلك الملوك والأمراء عندما لا تستبشر نفوسهم إلا إذا مدحوا. وإذا قال لهم القائل: اتق الله تتمعر وجوههم. ولم؟ لان كل واحد يشعر في قرارة نفسه أنه فرعون الذي مضى وأنه هو رب لهذه الرعية ولذلك من لم يثن عليه بغضب عليه، لم يا عبد الله؟ !. دخل أبو مسلم الخولانى علية رحمة الله على معاوية فقال: السلام عليك أيها الأجير ـ سبحان الله صحابي خليفة المسلمين من المسلمين الطيبين المباركين رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام لكن هذا هو وصفة. الأمير ما هو؟ الأمير يعنى هو ربنا الأعلى أم استأجرته الرعية وعقدت معه عقداً على أن يرعاها على حسب شريعة الله؟ لا أن يستبد بأموالها ويريق دمائها ويعتدي على أعراضها. فقال الجلساء: قل السلام عليك أيها الأمير ـ فقال: السلام عليك أيها الأجير ثلاثاً: فقال معاوية: دعو أبا مسلم فإنه أدرى بما يقول. ثم قال أبو مسلم أيها الأجير إن الله استأجر على هذه الرعية فان قمت عليها بما يجب أثابك وإلا عاقبك والسلام وخرج.

(1) - القصص: 4

(2)

- النازعات: 24

ص: 68

فإذن حب المدح وحب العظمة. التكبر الخيلاء. إذا نزل إلى الشارع ليقطع له الشارع ما ينبغي أن يزاحمة أحد لا يمشى أحد معه.. لم؟ كان الإمام السبكي عليه رحمة الله ومعه والده ـ تاج الدين السبكى يمشى مع تقي الدين السبكى فاعترضهما كلب. فقال تاج الدين السبكي للكلب الذي مش بين يديهما أمام والده: اخسأ كلب ابن كلب فقال له والده: يا بنى قد اغتبته وأذللته والغيبة حرام والإذلال حرام فقال يا والدي أو ليس هو كلب ابن كلب قال شرط الجواب عدم التحقير. يقول: وفى هذه فائدة في انك إذا أردت أن تحزر من عاصي لا تحقره من باب النصح فلم قال يا بنى.. الطريق واسعة يسعني ويسعه. لم تزجره في الطريق كلب يمشى لم تزجره؟ هذا مشى عن كلب والحمار والبشر والبقر ولجميع الناس يعنى من الذي جعلني أتميز عليه في الطريق.

إذن حب هذه الأمور هذا من منازعة المخلوق لخالقه لصفات الربوبية. وهذا النوع الرابع من أخص الذنوب وأحقرها ولذلك من يتصف به قليل ((وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) (1) وقد وصل الانحطاط بالناس من زمن قديم في صرف حق الخالق إلى المخلوق إلى حالة يندى لها الجبين ذكر أئمتنا في ترجمة العبد الخاسر المخذول محمد بن هانىء الذي توفى إلى غضب الله وسخطه سنه 362 هـ وهو كما قال الإمام الذهبي: خمير سكير يدين بدين الفلاسفة. قال يمدح المعز لدين الله الفاطمي:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار واحكم فأنت الواحد القهار

(1) - الحديد: 24

ص: 69

يخاطب مخلوقا صعلوكاً يغسل الخراءة بيده في اليوم مرتين. بهذا الوصف الذي لا يليق إلا لرب العالمين الحكم لله جل وعلا. الحكم الكوني القدري فلا يخرج عن كلماته بر ولا فاجر. و ((إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)) (1) وهكذا الحكم الشرعي ((وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) (2) وأما هذا الصعلوك المعز لدين الله الفاطمي هذا هو الذي سيحكم وهو الذي مشيئته نافذة!! أنظر لأئمتنا عندما يعظمون الخالق كيف يقولون كما قال الإمام الشافعي (3) :

ما شئت كان وان لم أشأ

وما شئت أن لم تشأ لم يكن

خلقت العباد على ما علمت

ففي العلم يجرى الفتى والمسن

على ذا مننت وهذا

خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن

فمنهم غنى ومنهم فقير

ومنهم قبيح ومنهم حسن

ومنهم شقي ومنهم سعيد

وكل بأعماله مرتهن

وانظر هذا كيف يقول: ما شئت لا ما شاءت الأقدار واحكم فأنت الواحد القهار (بياض) كانت نهاية هذا المادح اللعين؟ سكر حتى غاب عن وعيه مع أصحابه فحملوا السكاكين وقتلوه وهو سكران. طيب هلا أنقذك الذي مشيئته نافذة؟ وهو الذي واحد قهار ويتصرف (بياض) يريد كما يريد؟ نعوذ بالله من هذا الضلال.

(1) - يونس:49

(2)

- الكهف:26

(3)

- قال الإمام ابن عبد البر في كتابة " الانتقاء" صفحة 80: وهذا أصح شيء ثبت عن الشافعي من الشعر وهو أثبت ما (بياض) في الأيمان بالدر. أهـ.

ص: 70

المعصية إذا أخذت هذا الشكل هي أشنع المعاصي، ولذلك لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، والكبرياء رداء الله والعظمة إزاره فمن نازعه واحدة منهم قصمه الله ولا يبالى. والله يحشر المتكبرين يوم القيامة بصورة الذر يطؤهم الناس بأقدامهم لهوانهم (بياض) الله جلا وعلا (1) ويقول للمتكبر الجبار يوم القيامة ((ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)) (2)(بياض) كنت تعزز وترفع نفسك وتكرمها. ذق هذا العذاب الذي يهينك.

(1) - قلت: هذه المعاني ثبتت عن نبينا صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة منها: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [لا يدخل الجنة من كان في قلية مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً. وفعله حسناً قال: ان الله جميل يحب الجمال: الكبر بطر الحق (بياض) الناس] رواة مسلم والترمذي والحاكم وغيرهم. ومنها حديث ابى هريرة (بياض) قال رسول الله: [يقول الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً (بياض) أدخلته النار] رواه مسلم وغيره. وفى لفظ لابن حبان في صحيحه. [فمن نازعني واحداً منهما (بياض) فى النار] وعن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يقول الله جل وعلا الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحد منهما ألقيته فى النار] رواه ابن ماجه وابن حبان (بياض) وللطبراني بنحوه عن فضالة بن عبيد. ومنها أيضأ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال (بياض) الذل من كل مكان. يساقون إلى سجن فى جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الانيار يسقون من عصارة أهل النار طبنة الخبال] رواه النسائي والبغوى والترمذي وقال حسن صحيح وغيرهما.

(2)

- الدخان: 49

ص: 71

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يغضب غاية الغضب أي الله جل وعلا إذا نازعناه في الاسم لا في الحق فإذا (بياض) بما ويجوز أنه يتسمى إلا الله يغضب الله فكيف إذا نازعناه حق من الصفات (بياض) استأثر بها جل وعلا من العظمة والتكبر وحب المدح سبحانه وتعالى؟

ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أخنع (1) اسم (بياض) الله جل علا رجل تسمى بملك الأملاك لا مالك إلا الله] سمي نفسة بأمير الأمراء (بياض) رئيس الرؤساء وحاكم الحكام قال سيفان بن عيينة، أن يسمى نفسة شاهنشاه (2)(بياض) رواية في صحيح مسلم [أغيظ رجل واخبثه عند الله رجل تسمى بملك الأملاك لا مالك (بياض) الله](بياض) أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم ـ والحديث في الصحيحين والأحاديث في ذلك متواترة (3)

(1) - أخنع: أحقر اسم وأذله واخبثه وأبشعه.

(2)

- شاهنشاه: هنا في اللغة الفارسية. كما في شاه إيران عليه غضب الرحمن وقد أفضى إلى ما قدم. أهـ

قلت: وتكتب هذه الكلمة هكذا أيضاً شاها نشاه

(3)

- قلت من تلك الأحاديث:

ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود ضى الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون] وفيهما ـ الصحيحين ـ أبضاً عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله] وثبت فى الصحيحين أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال ـ عندما رأى نمرقة فيها تصاوير ـ: [إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم] وفى صحيح البخاري عن أبى جحيفة رضي الله عنه قال [أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكلة والواشمة والمستوشمة والمصور] وفى صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول يقول [من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس (بياض) فيها أبداً] وعند (بياض) مسلم عن ابن عباس: [من صور صورة فى الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ] ومنها عن ابى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران. وأذنان تسمعان. ولسان ينطق. تقول: إني وكلّت بثلاث: بكل جبار عنيد. وكل من دعا مع الله إلها آخر. وبالمصورين] رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب. ورجاله ثقات ورواه البغوى وذكره المنذرى في الترغيب. وورد عنه الترمذي بالتذكير: يخرج عنق من النار يوم القيامة له..........يقول........الخ وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [قال الله تعالى: ومن أظلم من ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرّة. وليخلقوا حبّه وليخلقوا شعيرة] . قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح الإمام مسلم (14/81) قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه (بياض) عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أوبغيرة فصنعته حرام بكل مال لأنه فيه مضاهاة لخلق الله تعالى. وسواء ما كان في ثوب أو وسادة أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها. وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام إلى أن قال: قال بذلك جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب الثوري ومالك وأبى حنيفة وغيرهم " أهـ وعليه فالنص عام ـ كما قال الإمام الزهري ـ في الرسم والنحت وما يسمى الان بتثبيت الظل. وكل ما فيه روح من حيوان أو إنسان فهو حرام. وقد بوب النووي رحمة الله في " رياض الصالحين " صفحة 47 باباً فقال: " باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم أو مخدة أو دينار أو وسادة وغير ذلك وتحريم اتخاذ الصورة في حائط وستر وعمامة وثوب ونحوها والأمر بإتلاف الصور ".

ص: 72

أن اشد الناس عذاباً يوما القيامة المصورون. وهؤلاء يضاهئون خلق الله في الصور ولا يدعون أخذ حقه وانه لا يثبت لله (بياض) وأنهم هم الخالقون. لا. لكن صوروا ما خلقه الله مما له روح. ومن نازع الله في التسمية (بياض) أخنع إنسان وأوضعه فكيف بمن نازعه حقه الذي انفرد به سبحانه وتعالى من التكبر من العظمة (بياض) المدح من من؟ كل هذا من الذنوب القاصمة المهلكة. أذن النوع الرابع ذنوب يعصى بها الإنسان ربه تأخذ شكل الاتصاف بالصفات الربوبية وهذه آخر الذنوب وحقيقة بعد أن يمر الإنسان بالمراحل الثلاثة بهيمي حيواني. سبعي مفترس صار بعد ذلك شيطان مريد ـ ماذا سيفعل؟ سينازع الله بعد ذلك في الربوبيه والألوهية ويدعى أنه من صنف أخر ممتاز له ما ليس لغيره كما هو الواقع في عتاة البشرية في كل وقت لهم ما ليس لغيرهم ويلون العباد ويفرحون بالمدح عندما يمدحون وهكذا كله من منازعة الله جل وعلا لحقه.

ص: 73

إخوتي الكرام: قبل أن ندخل في المبحث الرابع أحب أن أشير إلى قصة طريفة نقلها أئمتنا في ترجمة أبى الحسن على بن عيّاش ـ وهو من رجال صحيح الإمام البخاري وأخذ بحديثه أهل السنن الأربعة وهو حافظ عابد توفى سنة 219 هـ ـ. استدعى هذا العبد الصالح من بلاد الشام ليقابل الخليفة المأمون فلما دخل عليه وكان الوسيط في ذلك يحيى بن أكثم: القاضي فلما دخل على بن عياش سلم وتبسم. ثم بكى وأكثر من البكاء والنحيب. فقال الخليفة المأمون ليحي بن أكثم: أدخلت على مجنوناً يبتسم ثم يبكى! قال الإمام الذهبي علية رحمة الله في سير أعلام النبلاء. وإنما لبتسم لأنه سلم على مسلم ـ والخليفة المأمون وغيره مهما دخلوا في أمور الجور ما زالوا ضمن دائرة الإسلام لا اله إلا اله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن نبش وان نبتسم في وجوه المسلمين لكنه نظر بعد ذلك إلى مجلس المأمون فرأى الكبر والجبروت فبكى حزناً على هذه الحالة التي أفضى إليها حال المسلمين فإذن هذا الحال كأن هذا المخلوق الضعيف بنازع الله القوى بتلك الأوصاف الجليلة الجميلة العظيمة. العظمة حب المدح. يدخل بعد ذلك إلى هذا القصر تعظيم ومدح وثناء وما شاكل هذا وحقيقة إذا كان الأمر كذلك هذا يستدعى البكاء فقال يحي بن أكثم للخليفة المأمون: يا أمير المؤمنين ما دخل عليك أحد من أهل الشام أفضل منه. هو خير أهل الشام إلا أبا المغيرة. فكيف أنت تقول أنه مجنون؟ لكن هذا البكاء ينبغي أن يكون واعظاً لك لما أنت عليه من معصية الله ومخالفته. اتصفت بأشنع الذنوب وأقبحها وأخبثها وهى ذنوب تنازع بها الله جل وعلا في الربوبية من الكبر وحب المدح والعظمة والتعالي وهذا لا يليق بمخلوق ولا يجوز لمخلوق أن يأخذه وبذلك لما دخل عليك سلم وابتسم ثم بكى وأكثر من النحيب والبكاء على بن عياش عليه وعلى أئمة المسلمين رحمة الله ورضوانه.

المبحث الرابع

أسباب الذنوب

ص: 74

السيئات والذنوب مهما كثرت وتنوعت وكانت ضمن أجناس أربعة ولها فروع كثيرة سببها فساد إحدى أمرين في الإنسان لا ثالث لهما:

1.

إما فساد في قوته العلمية النظرية.

2.

وإما فساد في قوته العملية الإرادية.

فإذا فسدت القوى العملية النظرية يقع في الشبهات. وإذا فسدت القوة العملية الإرادية يقع في الشهوات. وهما منبع جميع الآفات. شبهة وشهوة. كل معصية لا تخرج عن أحد هذين النوعين إما شبهه سببها فساد القوى العلمية عند الإنسان أي ما عرف الحق وما عرف العلم النافع وما رزق بصيرة فتخبط فأشرك بالله عز وجل وعبد حجرا لا يضر ولا ينفع، وتوكل على مخلوق وعظم مخلوقاً وأثنى عليه وترك الخالق جل وعلا.. ما سبب هذا؟ فساد في القوى العلمية. هو لو علم أن هذا المخلوق لا يملك لنفسه ـ فضلاً عن غيره ـ ضراً ولا نفعاً لما عبده من دون الله لما جىء بسيد المسلمين في زمنه سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين إلى الحجاج الظالم المشهور سفاك الدماء قال له: لأقتلنك قتلة ما قتلت بها أحداً ـ أخبث قتلة. ثم قال له: وستوردك هذه القتلة ناراًَ تلظي. قال أيها الأمير: لو كنت كذلك ما اتخذت إلهاً غيرك. إذا كان بيدك أن تدخلني ناراً تلظي لعبدتك من دون الله. نعم بيدك أن تقطع الرقبة. كما قال السحرة لفرعون ((فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) (1) وهذه: القاضي والمقضي عليه الكل سيقضى عليه في النهاية ((إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)) (2) أين الجبابرة الذين سفكوا من الدماء ما لو جمع لسار منه نهر عظيم؟ أين هم؟ ذهبوا بعد ذلك ولحقوا من سفكوا دمائهم. تقضي هذه الحياة الدنيا وهذه حياة دنيئة قريبة الزوال لا وزن لها عند الله ولا تعدل عند الله جناح بعوضه. ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى منها كافراً جرعة ماء لهوان الكافر على الله جل وعلا.

(1) - طه: 72

(2)

- مريم: 40

ص: 75

إذن أنت ماذا تفعل؟ فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا أما أنك تدخلني الجنة أو أنك تدخلني جهنم. هذا ليس بيدك. لو كان بيدك أن تدخلني إحدى الدارين لعبدتك من دون الله لو كان كذلك ما اتخذت إلها غيرك. فلو علم المخلوق أن هذا الأمير وهذا الوزير وهذا المسئول من صغير أو كبير لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره نفعاً ولا ضراً هل يلجأ إليه؟ يتوكل عليه؟ يتمسح بأعتابه ويقف عند بابه؟ وينحني له؟ لا هذا لا يصرفه إلا لله رب العالمين سبحانه وتعالى، بيده ملكوت كل شيء وبيده خزائن الأمور سبحانه وتعالى. ((مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (1) .

(1) - فاطر: 2

ص: 76

ولذلك عندما تفسد القوة العلمية القوى النظرية لا يكون عند الإنسان بصيرة وعلماً نافعاً يقع في الشبهات ويشرك برب الأرض والسموات وعندما تفسد القوى الإرادية العملية هو عرف الحق ومؤمن مهتدى وما أشرك بالله شيئاً لكن ما عنده عزيمة ما عنده ميل للحق وحب له وتصميم على فعله.. ماذا يقع؟ يقع منه غناء وزنا وأكل ربا وسرقة وغش وخيانة.. هذه كلها دافعها الشهوات أو شبهات. ولذلك جميع الآفات إما أن ترجع لسيئة فساد القوة العلمية وإما لسيئة فساد القوة العملية شبهة أو شهوة. والذي لا يتنزه عن الفساد الأول والسيئة الأولى لا يمكنه أن يتنزه عن الفساد الثاني قصعاً وجزماً ولذلك لا يمكن للإنسان أن يتطهر من مرض الشهوة إلا إذا تطهر من مرض الشبهة. وأما مرض الشبهة فقد يتطهر منه ويقع في الشهوة. لكن هل هناك إنسان يفطم نفسه عن الشهوات والمحرمات وهو ممتلىء بفساد الفكر وخبث النظر ونجاسة القلب؟ لا يمكن أبداً ذاك لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ولا يرى أن هذا حلال وأن هذا حرام. ولا يتورع عن رذيلة وإذا فسدت القوة العلمية النظرية سيتبعها آفات شهوانية. لكن أحيانا القوى العلمية تكون سليمة ولكن الإنسان ما يستطيع أن يزم نفسه بزمام التقوى فما عنده عزيمة ولا ميل للحق وحب له وإرادة على العمل به ولذلك لا يمكن للإنسان أن يتطهر من مرض الشهوة إلا إذا تطهر من مرض الشبهة. ولذلك من كان مرضه في مرض الشهوة إلا إذا تطهر من مرض الشبهة ولذلك من كان مرضه في مرض الشهوة سرعان ما يفيء ويرجع إلى الحق. ومعصية اللعين إبليس كانت من باب الشبهة. ومعصية أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامة فكانت من باب الشهوة (بياض) معصية إبليس أن يطلب: من ربه الأنظار إلى يوم الدين ليزداد ضلالاً وعتواً ولعنة من الله جل وعلا.

ص: 77

وآلت معصية آدم الذي تمت واستقامت وحسنت قوته العلمية النظرية آلت معصيته الشهوانية أن يقول ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (1) فكانت النتيجة: ((ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)) (2) وصار حاله بعد التوبة خيراً من حاله قبل التوبة.

وفى الغالب أكثر أمراض الشهوات سببها فساد في القوى العلمية أي وجود شبهات والإنسان حقيقة إذا ما عرف الله جل وعلا كما ينبغي وما عظم الله حق تعظيمه لا يكون عنده رادع بعد ذلك عن فعل فاحشة من الفواحش وموبقة من الموبقات. وقد أشار نبينا صلوات الله وسلامه عليه إلى هذين المرضين الخطرين. ففي مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومعاجم الطبراني الثلاثة بسند صحيح عن أبى برزة الأسلمي رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى شهوات الغي في البطون والفروج هذه هي مرض الشهوة. ومضلات الهوى هي مرض الشبهة وكل منهما مرض بنص القرآن. يقول الله تعالى ((فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً)) (3) ويقول عن مرض الشهوة: ((فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)) (4) هنا شهوة وهناك شبهة.

(1) - الأعراف: 23

(2)

- طه:122

(3)

- البقرة: 10

(4)

- الأحزاب: 32

ص: 78

إخوتي الكرام: عند الإنسان قوتان لا تتعطلان. القوى الأولى كما قلنا علمية نظرية لابد من أن يعتقد شيئاً ولا بد من أن يمتلىء ذهنه وقلبه من أفكار ومعلومات ولا بد بعد ذلك أن تتحرك جوارحه وأن تسعى. لكن إما أن يرى الحق حقاً وأن يرزق إتباعه وأن يحببه الله فيه. وأن يرى الباطل باطلاً ويرزقه الله اجتنابه وأن يكرهه الله فيه. وإما أن ينعكس الأمر. أحد أمرين. إما أن الإنسان خٍلْوَاً خالياً من معرفة الحق والباطل لا يعتقد حقاً ولا باطلاً، وخلواً ومن عمل الحق والباطل هذا لا يتصور ولا يوجد، لابد من عمل ولا بد من اعتقاد ((فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلَالُ)) (1) ولذلك كان أئمتنا يقولون: القلوب طواحين. والطاحون تتحرك باستمرار لكن بعض الطواحين تطحن براً حباً نظيفاً جيداً. وبعضها تأتى تضع فيها حجر ولا تخرج لك بعد ذلك إلا بلاءً. والقلب يتحرك ولا يفتر. إما أن يتحرك بذكر الله وطاعته. وإما أن يتحرك بمعصية الله وغضبه. وكان أئمتنا يقولون: النفوس جوّالة. إما أن تجول حول العرش وإما أن تجول حول الحش (2) إما تكون في فضيلة وإما في رذيلة. كما قال النبي: [كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها](3) لابد من كسب إما صالح وإما خبيث. وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا.

(1) - يونس:32

(2)

- وهي المزابل

(3)

- قلت: هذا الحديث مروى عن أبى مالك الاشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها] رواه مسلم وأحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي

ص: 79

ففي سنن أبى داود والنسائي عن أبى وهب الجشمي رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأقبحها حرب ومرة وأصدقها حارث وهمام](1) والحديث في درجة القبول وفى درجة الحسن إن شاء الله ويشهد لبعضه ما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن](2) وورد أيضا: [تسموا بأسماء الأنبياء] عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.

الشاهد إخوتي الكرام: أصدق الأسماء أو أصدق أسم ينطبق على مسماه ويدل على مسماه حارث وهمام. حارث مكتسب فاعل لكن ـ إما أن يكتسب خيرا وإما أن يكتسب شرا. إما أن يكتسب درا وإما أن يكتسب بعراً. أحد أمرين.

(1) - قلت: روى الحديث أيضا الإمام البخاري في ((الأدب المفرد)) صفحة 357 والإمام أحمد في المسند (بياض) وذكره المنذري في الترغيب

(بياض) وله شاهد آخر عند مسلم عن المغيره بن شعبة مرفوعاً أنهم كانوا يسمون (بياض) بأنبيائهم والصالحين (بياض)

(2)

- وله شاهد آخر عند مسلم عن المغيره بن شعبة مرفوعاً أنهم كانوا يسمون (بياض) بأنبيائهم والصالحين (بياض)

ص: 80

لابد من اكتساب. وهما: إما أن يجول حول العرش وإما أن يجول حول الحش. والإنسان على نفسه بصيرة وعندما يريد أن ينام ينظر كم يأتيه من خواطر. وإذ أراد الإنسان أن يعرف قيمته عند ربه فلينظر إلى خواطر نفسه بأي شيء يفكر؟ حقيقة إذا كان يفكر في كلام الله وحديث رسول عليه الصلاة والسلام وفى نعم الله عليه وفى الموت وما بعده وكيف سيلتقي بالله جل وعلا. فأكرم به من رجل طيب فكراً وسلوكاً. وإذا كان عندما يبحث في أفكاره يراها حول أغنية كذا وحول راقصة كذا وحول أمير كذا وحول اجتماع كذا.. تراه مع المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن غيرهم ضراً ولا نفعاً. يفكر فيهم وقصر تفكيره عليهم ولم يجاوز هذا التفكير الحياة الدنيا وزينتها. هذا حقيقة ممن غضب الله عليه وسخط عليه. ولذلك إذا أراد الإنسان أن يعرف قدره عند ربه فلينظر إلى أفكاره والى هواجس نفسه فبعد ذلك يتحقق من حاله هل هو خبيث أو نفيس؟ والإنسان على نفسه بصيرة ـ كما قال الله جل وعلا (1) .

(1) - قلت: الآية التي أشار إليها شيخنا في سورة القيامة ((بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)) (14) سورة القيامة

ص: 81

إذن اصدق الأسماء حارث وهمام، لا يخلو أحد من هم وكما قال الإمام الشافعي: صحبت الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. النفس إن لم تشغلها بحق شغلتك بباطل. الشاهد في الكلمة الثانية. فهذه النفس لا بد لها من شغل ولا بد لها من همّ ولا بد لها من حركة إما أن تشغلها بحق وإلا تشغلك بباطل. ولذلك إخوتي الكرام ، عبادة الله الذكر على وجه الخصوص ما ذكرها الله وطلبها منا إلا وقرن الأمر بالإكثار. لم؟ لأمور كثيرة منها هذا الأمر وهو أن النفس لن تكون خاليه ولذلك أشغلها بذكر الله ثم هذا الذكر لا يحتاج ما تحتاجه العبادات الأخرى من الصلاة والصيام والحج من شروط واستقبال وأركان ولا يحتاج هنا على الإطلاق. يمكنك أن تذكر بلسانك وبإمكانك أن تذكر بقلبك وبإمكانك أن تجمع بينهما فإذن ((اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)) (1)((وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ)) (2)((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ)) (3) وكان عليه الصلاة والسلام يذكر الله على جميع أحيانه. لِمَ؟ لأن النفس لا بد لها من عمل. لابد لها من حركة. اشغلها بحق وإلا شغلتك بباطل. وانظر الآن لأهل السيارات ينقسمون أقسام. إما أحياناً يذكر الله ويقرأ. وأحياناً بما أن الأمور تطورت عنده شريط يضعه ويسمع القرآن أو حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو موعظة من المواعظ حقيقة يدل على تقوى وأن الإنسان يراقب خالقه. وانظر بعد ذلك للهمج الرعاع النسبة الكبيرة يضع الشريط ما كفى أن خبثه النفس يعمل ويفكر في الضلال ليزداد أيضاً ضلالاً آخر من غيره فيضع ايضاً شريط غناء شريط تمثيلية شريط

الله عليم بالمفاسد الكثيرة التي اصطنعها الناس. لابد له من عمل وحركة وإرادة.

(1) - الأحزاب: 41

(2)

- الأحزاب: 35

(3)

- آل عمران:191

ص: 82

ولذلك إخوتي الكرام: إذا كان الأمر كذلك فينبغي للإنسان أن ينتبه إلى نفسه وأن يراقب قوته العلمية النظرية والقوة الإرادية العملية. وهاتان القوتان اكتملتا في نبينا عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري وغيره: [أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية] العلم بالله: قوة علمية نظرية. الخشية: قوة إرادية عملية.

ص: 83

إخوتي الكرام: وعماد صلاح هذين الأمرين: أن يخشع القلب وأن يتعلق بالرب. كما في حديث النعمان ابن بشير [ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب](1) وإذا فسد القلب فسد اللسان وفسدت الأذن وفسدت سائر الأركان والى هذا أشار نبينا صلى الله عليه وسلم في حديثة الذي هو في درجه الحسن ثابت عنه عليه صلوات الله وسلامه يبين لنا أن القلب إذا تعلق بفساد فلا يقبل الإنسان بعد ذلك نصحاً ولا يعي رشداً ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود والأدب المفرد للبخاري عن أبى الدرداء رضي الله عنه ورواه الخرائطي عن أبى برزة ورواه ابن عساكر عنة عبد الله بن أنيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [حبك الشيء يُعنى ويصيب] فالقلب إذا تعلق بشيء فأنت تبصره بمفاسد ومساوىء ذلك الشيء فلا يراه. وتنصحه وتقول له يا عبد الله شهوة خسيسة زائلة لا وزن لها ولا اعتبار فكر في الدار الآخرة.. لا يسمع. فحقيقة إذا فسد القلب فلا علاج للإنسان إلا إذا من الله على هذا الإنسان بالهداية وتطهير قلبه وقد قال الله عن صنف ممن غضب الله عليهم ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (2) .

(1) - قلت: حديث النعمان متفق على صحته وفيه [إن الحلال بيّن وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد إستبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب] .

(2)

- المائدة: 41

ص: 84

إخوتي الكرام: ولذلك إذا أراد الإنسان أن يتحقق من سلامة نفسه وإذا أراد أن يعلم أنه على هدى ولا يقع في فعل الردى فليتنبه إلى أربعة أمور. كان أئمتنا عليهم رحمة الله ينبهون عليها ويرشدون طالب العلم. والسالك طريق الآخرة إلى الانتباه لها. ومن هذه الأمور تدخل عليه مداخل الشيطان ويقع بعد ذلك في شرك الشيطان وفى وسوسته

أولها: الخطرات (1) وثانيها: اللحظات (2) . وثالثها: اللفظات (3) . ورابعها: الخطوات (4) .

اضبط هذه الأمور أما القلب فهذا هو البداية وهو المحرك لجميع الأعضاء فانتبه. أول ما يقع في قلبك من الوساوس يكون في أول الأمر خاطر. قال الإمام ابن القيم عليه رحمه الله في كتاب " الفوائد (5) صفحة 31: ادفع الخطرة فإن لم تدفعها فستصير فكرة وحاربها إن لم تفعل فستصبح بعد ذلك شهوة فحارب الشهوة وقاومها فإن لم تفعل فستصبح فعلاً فافعل نقيض ذلك واترك ذلك الفعل لتبتعد عنه فإن لم تفعل فستصير بعد ذلك عادة فيصعب عليك الانتقال.

(1) - هذه في القلب

(2)

- النظرات

(3)

- الكلام

(4)

- خطوات وحركة

(5)

- وهو غير كتاب " بدائع الفوائد " فهذا يقع في أربعة أجزاء في مجلدين كبيرين. "والفوائد"مجلد لطيف الحجم مجرود 300 صفحة عظيم النفع.

ص: 85

إذن خطرة في قلبك تبعها فكرة. بدأت تفكر. تبعها بعد ذلك شهوة. تبعها عمل وفعل تبعها عادة وديدن ومواظبة كم يصعب على الإنسان أن يترك الأمر بعد أن يعتاد عليه؟ وكم يسهل عليه أن يدفعه في البداية عندما يكون خاطراً خطر بباله! وكما سنذكر أن ما يقع في النفوس يمر بخمسة مراحل: أولا الهاجس ثم الخاطر ثم حديث النفس ثم الهمّ ثم العزم. فالأول دفعه ما أيسره ولذلك إذا خطر ببالك شيء من وساوس الشيطان فاختصر الطريق ولا داعي لمجاهدة كثيرة قل مباشرة كما قال الله ((وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (1)((فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) (2) .

استعذ بالله وانته. إذا ما فعلت هذا فينتقل الأمر لفكرك لتفكر فيه وتبحث فيه ويرسخ ما فعلت وأزلته من فكرك سيصبح شهوة راسخة في نفسك ما دفعته سيصبح عملاً في حيز الوقوع ما دفعته بنقيضه وكففت نفسك عنه سيصبح خلقاً لك لازماً وعادة ثابتة هيهات هيهات أن تقلع عن ذلك.

إذن أولها الخطرات. راقب خطرات القلب من البداية. يأتي بعد الخطرات النظرات. اللحظات النظرة حقيقة أوله أسف وآخرة تلف. أول ما ينظر يتأسف فيرى لا ما كله هو قادر عليه ولا عن بعضه هو صابر فيتأسف وعندما يطلق نظره أن أملقه للأغنياء يهتم ما عنده أموال كما عندهم وإن أطلق نفسه للنساء يهتم أنه ما يستطيع أن يتصل بهن ويقع في عناء وبلاء.. أسف وآخرة تلف (3) .

كل الحوادث مبدأها من النظر

ومعظم النار من مستصغر الشرر

يسر فعلته ما ضر مهجته

لا مرحباً بسرورعاد بالضرر

والمرء ما دام ذا عين يقلبها

في أعين العلم موقوف علي الخطر

(1) - فصلت: 36

(2)

- الأعراف:200

(3)

- أي امتحان

ص: 86

ولذلك كم نظرة قتلت الإنسان؟ وحزار حزار أن تقع في المخالفة. تقول: نظرة سهلة وهى من اللمم

حقيقة هي من اللمم (1) ولكن أخشى أن ينقلك هذا اللمم إلى بلاء جمّ وأنت لا تدرى فهي. هذه الصغيرة ـ لو أقلعت عنها نعمة لكن لو تبعتها بعد ذلك صغائر وجرّت إلى كبائر وصار ديدناً لك ونقلتك بعد ذلك إلى استحسان المحرمات واستحلالها: المعاصي بريد الكفر. يعنى هي معصية لكن آلت إلى كفر وخروج من الدين بواسطة نظرة واحدة إخوتي الكرام: ما دام الإنسان ضمن شرع الله يخيم عليه عناية الله إذا عصى الله تخلت عناية الله عنه. فقد يقع في الكفر وقد يبقى في المعصية وقد يقلع لكن العناية الأن ابتعدت عنه كما قال علية الصلاة والسلام [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن](2) وهو الآن خرج. فإذن ماذا سيقع بعد ذلك منه؟ هل يعود أو يستحل ما فعلة فيخرج من الإيمان كلياً؟ هذا علمه عند ربى. وكم من إنسان كفر من أجل نظرة واحدة.

(1) - كما سيأتينا في تعريف الكبائر والصغائر

(2)

- قلت هذا الحديث متفق على صحته من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم[لا يزنى حين الزاني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. وولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهي نهية يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن] .

ص: 87

خرج بعض الناس ليؤذن فلما رقى المنارة وقع نظرة على بعض البيوت فرأى امرأة حسناء فتنته. ترك ونزل (1) ذهب وطرق الباب وقال: القلب تعلق بك. قالت: إلى حرام لا أجيبك والى زواج لا أتزوجك فأنت مسلم وهى نصرانية. قال فماذا افعل؟: قالت فما لك إلا أن تتنصر ـ إذا إتنصرت تخطبنى من أهلي ويتم الزواج.. قال: هذا سهل. ـ التنصر سهل! ـ قالت أهلي لا يصدقون إلا إذا جئت في المساء والصليب على صدرك فإذا جئت وعليك الصليب وقلت أنا دخلت في النصرانية وتخطبني أنا بعد ذلك أظهر القبول ولعل بعد ذلك الأمر يتم فذهب وأعد نفسه واشترى الصليب وجاء بعد ذلك في المساء فعملت مع أهلها مكيدة فلما دخل ذبحوه وألقوه على مزبلة والصليب في صدره!! بواسطة نظرة (2) .

كم نظرة فعلت في قلب صاحبها

فعل السهام بلا قوس ولا وتر

فإذن انتبه للخطرات. وانتبه للحظات. النظرات راقبها واتق الله فيها. وقد جمع الله بين هاتين المفسدتين وهذين الأمرين وأشار إليهما لنستحضر عظمته ونراقب الخطرات واللحظات فقال ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (3)) ) (4) .

(1) - هذا في حق اللحظات

(2)

- طيب ماذا عندها؟ عندها ما يستحى من النظر إليه وهذه كما يقول علماؤنا: أعلى شيىء من شهوات الدنيا وهى أخسها. مبال في مبال. يعنى هذه يتعلق بها عقلاء الرجال!! سواءت تكشف

وكما قالت المرآة الصالحة هند رضي الله عنها: ما أقبح ذلك الفعل حلالاً فكيف به حراماً؟. تترك الأذان وطاعة الرحمن من أجل امرأة؟ نسأل الله السلامة.

(3)

- في حق الخطرات

(4)

- غافر: 19

ص: 88

فإذا حصل في صدرك شيىء استحضر هذه الآية. لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. ((أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (1)((وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (2) .

وأما الباب الثالث الذي ينبغي أن تراقبه: اللفظات. هذا اللسان أكثر خطايا بنى آدم في ألسنتهم. وفى حديث معاذ بن جبل في سنن الترمذي وغيرة بسند صحيح. [كف عليك هذا. قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم](3) هذا اللسان اتق الله فيه [من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيراً أو ليصمت](4) أنتبه لهذا.

إن كنت تؤمن بالله واليوم الأخر وأنك ستصير إليه حافظ على هذه الوصية. الكلام فيه خير تكلم. ما فيه خير دعك من الهزرمة والكلام الفارغ. هذا إذا لم يكن في إثم ومعصية. طبخنا وذهبنا وجئنا وعملنا وكذا

من كلام تشغل له نفسك وغيرك ولا فائدة منه. هلا جعلت مكان هذا تسبيحاً لله جل وعلا؟ فإذا قلت سبحان الله وبحمده تغرس لك نخله في الجنة. وتجلس يوم كامل: طبخنا وذهبنا وجئنا وو.... كلام كله فارغ من الفضول. هذا إذا لم تدخل بعدها في غيبه ونميمة وقذف وبهتان وغير ذلك اللفظات لا بد من مراقبتها.

(1) - هود:5

(2)

- الملك: 13

(3)

- قلت: الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقى والبغوى ورواه الطبراني ـ مختصراً ـ والمنذرى (الترغيب: 3/528 وما بعدها) .

(4)

- قلت: الحديث صحيح (بياض) ومسلم الترمذي وابن ماجة والدارمى ومالك في الموطأ وأحمد في المسند والبغوى والمنذرى عن أبى هريرة.

ص: 89

يليها بعد ذلك كما قلنا. ـ الخطوات. أين تذهب وكيف تتحرك؟ إنتبه لهذا وعثرت الإنسان إما من لسانه وإما من رجله. عثرت الرجل تبرأ على مهل كما يقول علماؤنا. لكن عثرت اللسان تدخله القبر وتوقعه في الكفر. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيح [المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده](1) قدم اللسان لم؟ ضرره أشد ودائرته أوسع. هذا يتناول الحي والميت. الميت سلم من يدك أما من لسانك ما سلم، يناول الحاضر والغائب، الغائب سلم من يدك مهما كنت سفاكا بطاشاً هرب منك، لكن ما يسلم من لسانك أينما كان وثم هذا أوسع لمن تقدر عليه ولمن لا تقدر. البد لا تستطيع أن تمدها إلا من تقدر عليه إذا كان مستضعفاً وأنت قوى. إما اللسان تجلس في بيتك وتغلق الباب عليك وتطلق لسانك مثل الإذاعة على فلان وفلان من أمير إلى وزير إلى شيخ إلى كبير ما يسلم أحد منك. لكن أمامهم ما تستطيع تشير بإصبع لأنك ما عندك قوة ولا جراه هذا اللسان دائرة أوسع. وخطرة أشنع فقدمه النبي صلى الله عليه وسلم عثرت اللسان وعثرن الرجل أيهما أعظم؟ اللسان جمع الله بينهما أيضاً في آية فقال ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) (2) إذن أرجلهم تضبط ويمشون بسكينه وتؤدة. فلا يوجد تجبر ولا تكبر ولا ضرب للأرض ولا قطع للطريق. وإذا تجاهل كما أنهم لا يقعون في عثرت في أرجلهم لا يقعون في عثرت بألسنتهم قالوا سلاماً قولاً يسلمون من الإثم ومن الخطيئة والمعصية.

(1) - قلت: الحديث في صحيح (بياض) وسنن الترمذي والنسائي ومسند أحمد وغيرهم (بياض) عبد الله بن عمرو.

(2)

- الفرقان: 63

ص: 90

إذن هناك خطرات ولحظات: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) (1) ، وهنا لفظات وخطوات ((يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) راقب هذه الأمور الأربعة وحقيقة إذا اتقيت الله فيها وأحكمت هذه الأمور وما دخل عليك الشيطان من شيء منها فأنت إن شاء الله في حرز أمين في جوار رب العالمين. فالقلب لا يفكر بقبيح والعين لا تنظر إلى قبيح واللسان لا يتكلم بقبيح والجوارح والفعل والأرجل لا تمشى إلى قبيح؟. راقب هذه الأمور من خطوات ولحظات ولفظات وخطرات.

أخوتي الكرام: هذه اللفظات ينبغي أن نتقى الله فيها. وقلت عماد كل ما تقدم القلب. لكن القلب لا يطلع عليه إلا الرب. نحن ما نطلع إلا على الظاهر إذا أردت أن تعرف صلاح الإنسان من فساده زن كلامه وانظر إلى كلامه. ولذلك كان أئمتنا يقولون: القلوب قدور ـ، لكن ماذا يوجد في القدر؟ ما تستطيع أن تعرف إلا بالمغرفة فإذا غرفت يظهر هل فيه لحم أو فيه عدس. وهنا القلوب قدور ومغارفها الألسن. فإذا تكلم تعلم ماذا في القلب. هل فيه طيب أو فيه خبيث. وأحيانا ترى الإنسان تعجب به فإذا تكلم سقط من عينك. وقلت هذا شيطان مريد وأحياناً ترى الإنسان وقد تزدريه. تقول هذا مسكين لا يؤبه به فإذا تكلم ملك قلبك. فإذن القلوب قدور لكن المغارف هي الألسن وكان أئمتنا يقولون: هذه الأفواه حوانيت لكن ماذا في داخلها؟ لا نعلم إلا إذا تحركت هذه القطعة ـ فإذا تكلم الإنسان ظهر العطار من البيطار. هل هو عطار أو بيطار؟ ! ماذا عنده من حرفه ومهنه؟ هذا يظهره اللسان. فاتق الله في لفظاتك وفى لحظاتك وفى خطراتك وفى آخر الأمور وهى خطواتك (بياض) .

المبحث الخامس

أقسام الناس في ترك الذنوب

إخوتي الكرام: هذه المعاصي التي يقع الإنسان فبها ما هي دون الشرك. هذه طريق موصل إلى الشرك وكذلك ينبغي للإنسان أن يحذر من كل معصية صغيرة أو كبيرة.

(1) - غافر: 19

ص: 91

وقد نقل عن العبد الصالح أبى حفص النيسابورى وهو من أئمة الهدى وكان يلقب بنور الإسلام عليهم رحمة الله من ألائمة الصالحين. والرجل توفى سنة 265 هـ (1) يقول: المعاصي بريد الكفر. كما أن الحمى بريد الموت (2) الحمى علامة الموت. والمعصية علاجة على وصول الإنسان إلى الكفر رسالة تضعها في رأس الخيمة تصل إلى مصراً والهند عن طريق البريد. ومعصية أحياناً نظرة وهى من اللمم جرتك إلى زنا وهى من الكبائر جرك إلى استحلال. أخرجك من دين الله عز وجل وأنت لا تدرى.

والإمام بن القيم علية رحمة الله يقول جملة أيضاً طيبة في بيان أثر المعاصي تساوى هذه الجملة المنقولة عن أبى حفص النيسابورى وتعدلها. يقول (3) : المعاصي دهليز الشرك والدهليز هو الطريق الضيق الذي يوصل إلى بيوت. فإذن هذا سيوصلك في النهاية إلى البيت فإذا سلكته ـ هذا الدهليز الضيق. يوصلك بعد ذلك إلى بيت إلى منفذ إلى دكان.. وهذه المعاصي دهليز، وطريق ضيق سينقلك بعد ذلك إلى غاية وهى الشرك. ولذلك يجب ترك جميع المعاصي صغيرها وكبيرها والحذر من جميعها والناس في تركها ينقسمون إلى ثلاثة أقسام.

1.

إما أن يترك الناس الذنوب والعيوب خشية من علام العيوب وهذه حالة المؤمنين الصادقين. وإذا تركوا المعاصي خشية من الله يثابون على ذلك وقد ثبت في الصحيحين في حديث السبعة الذين يظللون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله منهم: [ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله] ترك الذنوب خشية من علام الغيوب هذا حال الصديقين وحال المؤمنين.

(1) - كما في سير (بياض) : 12/510

(2)

- والإمام (بياض) عليهم جميعا رحمة الله يكرران هذه الجملة وهى منقولة عن هذا العبد الصالح.

(3)

- في كتابة الجواب الكافي لمن سأل عن الجواب الشافي

ص: 92

2.

الصنف الثاني: تركها سفهللة. ما خطرت بباله أصلاً. لا تشوق إليها ولا تركها خشية من الله جلا وعلا. شرب الخمر ما خطر ببالة ما اشتهى ولا قال أنا تركته خشية لله ومنه: يقول: هذا ما أشتهيه ولا أريده. تركته خشية من الله؟ يقول: ما حصل هذا المعنى في قلبي لو كنت اشتهيه هل اشربه أم لا ما أعلم. لكن أنا الآن لا أشتهيه ولا اشربه. هذه الحالة لا ثواب ولا عقاب. لا يثاب مع انه ترك الفواحش لان التروك كلها لا يثاب الإنسان على تركها إلا إذا تركها خشية من الله جل وعلا فقد يكون سببها العجز وقد يكون سببها عدم الرغبة وقد وقد

وليس في هذا مدح. ولذلك كل نفس إذا لم يدل على إثبات ما يضاده فلا مدح فيه ولا مدح في أن تقول: هذا الإنسان لا يزنى هذا ليس فيه مدح على الإطلاق. لا يزنى لأنه عنين لا يزنى لأنه مقطوع الذكر مجبور. لا يزنى لأنه لا يتيسر له. يدور الشوارع في الليل والنهار ولا يحصل من يجيبه إلى فاحشة. هل في هذا مدح؟ ليس في ذلك مدح إنما المدح أن تقول هذا عفيف يخاف الله جل وعلا. تصفه بالعفة. هذا حقيقة صفة ثبوتية اتصف بها أما أن تنفى عنه نقيصة. ما سبب النفي؟ هل وجود العفة أو العجز؟ أو عدم الرغبة؟ أو خشية وقع علية؟ أو أو.... (بياض) بأسرها لا يثاب الإنسان (بياض) إلا إذا (بياض) خشية الله وخوفاً منه.

ص: 93

3.

الحالة الثالثة أن يترك المعاصي عجزاً عنها مع عزمة على فعلها وتعلقه بها ورغيته في عملها لكنها لا يتسر له. فقلنا في هذه الحالة يعاقب عليها كما لو فعلها مع انه لم يفعل. لأنه حال بينه وبين عدم الفعل مانع خارجي عن نفسة ولا يعترض بان الإنسان إذا هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب علية ـ كما ثبت في الصحيحين..... وفى رواية إذا لم يعملها كتبت له حسنه (1) لا يعترض بهذا لأن الهم غير العزم لأن ما يقوم في النفس ينقسم إلى خمسة أقسام:

وهو الهاجس: الشعور بأمر من الأمور في جانب الخير أو الشر ثم زوال هذا. وأهمك ووقع في قلبك من غير اختيارك وزال عنك من غير اختيارك. فلا ثواب ولا عقاب. سواء كان في الحسنات أو في السيئات

والخاطر: أن يبقى ذلك الشعور فترة من الوقت ثم يزول. جاء من غير اختيارك وزال من غير اختيارك فلا ثواب ولا عقاب في الحسنات وفى السيئات.

(1) - قلت: أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروية عن ربه عز وجل قال: [قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة] والرواية الأخرى قي صحيح البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [يقول الله: إذا أراد عبدى أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها. فإن عملها فاكتبوها بمثلها. وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنه. وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فأكتبوها له حسنة فان عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف]

ص: 94

حديث النفس: إن تحدث نفسك. هذا فعل اختياري أو جاءك من غير اختيارك؟ اختياري حدثت نفسك فإن حدثت نفسك بحسنة كتبت لك وإن حدثت نفسك بسيئة لم تكتب لأنه ما وصل إلى درجة العزم الأكيد. الهمّ: ترجيح الفعل على الترك. إذا رجح فعلاً حسناً ولم يفعلها كتبت حسنة. وإذا رجح فعل السيئة ولم يفعلها لم تكتب عليه.

العزم: وهو التصميم الأكيد على فعل الشيء بحيث لو لم يمنعه مانع خارجي لفعلة. يكتب في الخير وفى الشر. ففي مسند الإمام أحمد والترمذي والمستدرك بسند صحيح عن أبى كبش الأنماري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [هذه الدنيا لأربعة نفر: الأول أعطاه الله علماً ومالاً يعمل في ماله بعلمه فهو في أعلى المنازل وآخر أعطاه الله علماً ولم يعطه مالاً فقال يا ليت لي مثل فلان حتى أعمل بعملة فهما في الأجر سواء، ورجل أعطاه الله مالا ولم يؤته الله علماً فهو يخبط في ماله ولا يتقي فيه ربه فهو في أخبث المنازل ورجل لم يأته الله علما ولا مالاً فقال يا ليت لي مثل فلان حتى أعمل بعملة فهما في الوزر سواء] وهناك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تشير إلى أن الإنسان إذا كان حريصاً على الفعل يكتب هذا الحرص في الخير أو في الشر: [إنه كان حريصاً على قتل صاحبه](1) .

(1) - قلت الحديث في الصحيحين عن أبى بكرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار. قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هذا القاتل فما بال المقتول! قال: إنه كان حريصاً عل قتل صاحبه]

ص: 95

((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)) (1) والمحبة عمل قلبي. ما نطقوا بألسنتهم ولا حركوا شفاههم. إنما مجرد ميل قلبي وتعلق بأن يهتك ستر المؤمنين وأن تشاع الفاحشة بينهم وأن يتكلم عليهم في السوء. وإذا سمع فاحشة وتحدث الناس بها يطير فرحاً! هذا الوصف الذي في قلبه ولم يعلم به أحد من خلق الله له عليه هذه العقوبة العظيمة عند الله ((لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) (2) .

(1) - النور: 19

(2)

- النور: 19

ص: 96

ولذلك إخوتي الكرام: الحدود عندما نقيمها على العصاه نقيمها لا من باب التشفي ومن باب إرواء الغليل ومن باب أننا نفرح بأن هذا أهناه واحتقرناه. لا ثم لا ((وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)) (1) لأمرين: ليحصل الإنزجار والاعتبار، وليستغفروا لهذا المحدود الذي أقيم عليه الحد. لا ليشمتوا به. كما ثبت هذا عن نصر بن علقمه. نحضر هذا الزاني عندما نقيم عليه الحد وجلين خائفين مشفقين ثم بعد أن نقيم علية الحد: اللهم اغفر له اللهم تب عليه اللهم اقبله اللهم تجاوز عنه.. أما أن يقام الحد في تصفيق ولغط. نحن أجرمنا أكثر من إجرامه عندما امتهناه واحتقرناه وشمتنا به وبعد ذلك لعل كل واحد منا عنده من الكبر والعجب ما يخلده في نار جهنم. وهو لا يدرى!! وهذا وقع في زلة لا أقول أننا سنعفيه من الحدود الشرعية لكن كما قال الله بلا شماتة وبلا احتقار لهذا الإنسان ولذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين [إذا زنت الأمة فليجلدها الحد ولا يثرب عليها](2) لا يقول لها ما تستحي. خبيثة. منحوسة. سوداء الوجه

من هذا. أحياناً قد يقول ملعونة! أنت عصيت أكثر منها. إذا هي زنت ماذا جرى؟ (بياض) خطأ وقد جعل الله لها مطهراً فتطهرها ثم نقول: اللهم تب عليها. اللهم احفظها في مستقبل حياتها واحفظنا لئلا نقع في مثل ما وقعت فيه. فإذن لا يجوز أن تفرح قلوبنا إذا وقع المسلمون في زلة فإذا وقعوا في زلة نسأل الله لهم أن يلهمهم رشدهم.

(1) - النور: 2

(2)

- قلت: الحديث في الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب. ثم لغن زنت الثالثة فليعها ول بحبل من شعر]

ص: 97

أما أن نشمت وأن نفرح! ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) .

المبحث السادس

أقسام الذنوب (السيئات)

إخوتي الكرام: الذنوب التي هي دون الشرك ـ فالشرك تقدم حكمة معنا وقلنا أكبر الكبائر مفرغ منه لا يغفره الله وصاحبه يخلد في نار جهنم ـ تنقسم القسمين: إلى الكبائر: إلى صغائر (1)

وهذا هو قول أهل السنة بإتفاق. ودل عليه كلام الله جل وعلا في موضعين. وقررته الأحاديث المتواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

(1) - بعد هذا المبحث ـ وهو آخر المباحث سنتكلم عن أثر كل من هذين القسمين. ما حكم وأثر الكبائر في الدنيا والآخرة؟ وما حكم الصغائر والكبائر في الآخرة

ص: 98

أما كتاب الله: يقول الله جل وعلا: ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (1) والآية نص صريح لا يختلف في فهمها ومدلولها عاقلان إذا كانا ذا رشد وعقل. لان الذنوب تنقسم إلى قسمين وأن السيئات تتنوع إلى نوعين: كبائر وصغائر. هذا بنص القرآن. فإذا اجتنب الإنسان الكبائر ضمن الله له أن يغفر له الصغائر لأن هذه لا يمكن للإنسان إلا أن يلم بها ويقع (2) فلا تتنزه ولا تعصم نفس بشرية وطبيعية إنسانية من زلل وخطأ لكن إذا كان ضمن الصغائر رحمة الله واسعة. إذن هناك كبائر وهناك سيئات وهى الصغائر التي ليست بكبائر وهذه آية في منتهى الوضوح وتقرر هذا الأمر وتدل علية. والآية الثانية يقول الله جل وعلا ((وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)) (3) وقرأ حمزة والكسائى وخلف بالتوحيد)) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبِيرٌ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)) على صيغة الإفراد لا بصيغة الجمع. وبذلك قرأوا أيضاً في سورة الشورى:

(1) - النساء: 31

(2)

- كما سيأتينا في آية أخرى

(3)

النجم: 32

ص: 99

((وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) (1) قرأوها: ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبِير)) والفارق بين القرائتين: إما أن يكون القراءتان بمعنى واحد. فكبائر الإثم والفواحش الذنوب الكبيرة التي ليست بصغائر أي التي ليست بلمم (2) والكبير هذا اسم جنس أي الذنب الذي هو ذنب كبير. فيدخل فيه الكبائر بأسرها. وإما أن تقول أن المراد من الكبير (3) خصوص معصية واحدة وهى رأس المعاصي. وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبِيرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)) قال هو الشرك. ثم بعد ذلك قال: ((إِلَّا اللَّمَمَ)) الذنوب الصغائر التي لا تخلو طبيعة بشرية منها. وآية النجم هذه نص صريح أيضاً في أن السيئات تنقسم إلى كبائر وصغائر، لكن حولها شيء من الاختلاف. والخلاف في

((اللَّمَمَ)) باستثناء اللمم من اجتناب كبائر الإثم والفواحش.

وحاصل ما قيل في ذلك ثلاثة أقول:

1.

أن الاستثناء متصل: والاستثناء المتصل يكون المستثنى من جنس المستثنى منه. وعليه تكون اللمم من الكبائر. فيصبح هنا معنى الآية: ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)) ما هي اللمم؟ فسرت الآية بأمرين ـ على أن المراد من الاستثناء أنه متصل ـ فقيل: اللمم كبائر. طيب والمراد منها هنا إذن؟ قالوا هذا يراد منه أمران:

(1) الشورى: 37

(2)

سيأتي (بياض)

(3)

في قراءة حمزة والكسائى وخلف وهى قراءة متواترة عن نبينا علية الصلاة والسلام.

ص: 100

أ – نقل عن ابن عباس وأبى هريرة وزيد بن ثابت وزيد ابن أسلم وعن حجم كبير من السلف. قال: ((إِلَّا اللَّمَمَ)) أي إلا الكبائر التي كانت منهم في الجاهلية فالله تكرم لعبادة بأنهم إذا تابوا وأنابوا واستقاموا. ما صدر منهم من ضلال في حال جاهليتهم مغفور. فإذا تذكروا لا داعي للحزن. هم يقولون نحن جرى منا كبائر وموبقات ومهلكات. فالاستثناء إذن من جنس المستثنى منه لكن يعود إلى حالة ماضية كانت في الجاهلية. كانوا يلمون بها ويفعلونها وهى الكبائر. تابوا وأنابوا إلى الله فلا يؤاخذون عليها ولا يحاسبون بها كما قال الله جل وعلا ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (1) إذن هذه تتحدث عن حالة الناس عندما كانوا في الجاهلية ـ عن ذنوبهم ـ فإذا آمنوا: ((قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ)) (2) .

(1) الفرقان: 68

(2)

الأنفال: 38

ص: 101

ب ـ نقل عن ابن عباس وأبى هريرة وعن مجاهد والحسن وعن جمّ غفير من التابعين أيضأً أن المراد من اللمم هنا الكبائر التي يفعلها الناس بعد إيمانهم وإسلامهم وإنابتهم إلى ربهم لكن لا يواظبون عليها. ولذلك سماها الله لمم وكبيرة جرت منه وأقلع عنها فالله تكرم علية بأنه إذا وقع في شيء من ذلك يغفر له إذا كان مسلكه العام الابتعاد عن الذنوب والآثام ((إِلَّا اللَّمَمَ)) إلا بعض كبائر يقعون فيها فتتفلت نفوسهم ويقع في جريمة من الجرائم من شرب خمر أو غير ذلك. فإذا وقع في هذا. هذا الاجتناب للكبائر الأخرى يزيل عنه هذه الكبيرة وهذا القول فيما يظهر أنه مرجوح وضعيف مع جلالة من قال به من السلف الكرام رضوان الله عليهم. والسبب أنهم جعلوا الاستثناء متصلاً وقالوا إنه يعود إلى الاجتناب ولا يعود إلى أن الاستثناء مستثنى من كبائر الإثم والفواحش. بالتقدير: يجتنبون كبائر الإثم والفواحش لكنهم لا يجتنبون اللمم. ما هي اللمم؟ كبائر لا يواظبون عليها وليست هي ديدنهم وخلقهم، إنما يفعلونها أحياناً ثم يقلعون. يجرى من الإنسان زلة في كبيرة ليس هذا مسلكه. مما أن المسلك العام له اجتناب الكبائر.

2.

أن. ((إِلَّا)) بمعنى الواو. وقالوا: هذا يأتي في اللغة العربية. فيصبح المعنى: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش واللمم. يعنى يجتنب جميع الذنوب والموبقات والسيئات كبيرات وصغيرات ليكون من المحسنين. وهذا في الحقيقة فيه بُعد وتكلف.

ص: 102

3.

والمعنى الحق ـ وهو الثالث ـ وهو الذي علية أهل السنة الكرام في أن الاستثناء هنا استثناء منقطع فهو يتعلق بالمستثنى منه يتعلق بجنسه لا بنفسه ولفظه فالله يقول: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ. الاستثناء من الذنوب العامة على وجه العموم لا من الاجتناب. الذنوب إذن تشمل كبائر وتشمل صغائر. فما عاد الاستثناء إلى الكبائر حتى نقول: إلا أي إلا بعض الكبائر لا. إنما عاد الاستثناء إلى جنس الذنوب وقلنا في حالة الاستثناء المنقطع يعود إلى المستثني منه إلي جنسه لا إلي نفسه ولفظه. هذا كقول الله جل وعلا ((لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا. إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)) (1) السلام ليس من جنس اللغو. لكن اللغو كلام والسلام كلام. فكان الاستثناء المنقطع هنا عاد إلى المستثنى منه. إلى جنسه لا إلى لفظة ولا إلى نفسة فالسلام ليس بلفظ كأنه يقول: لا يسمعون كلاماً إلا سلاماً. لو قال: إلا سلاماً لكان متصلاً. لكن لما قال: لا يسمعون لغواً إلا سلاماً. لا يسمعون لغواً لكن يسمعون سلاماً. كيف حسن استثناء السلام من اللغوا. نقول: منقطع فاستثنى من جنس لا من لفظه ونفسه. وهنا كذلك فاستثنى اللمم من جنس الذنوب لا من كبائر الإثم والفواحش.

إذن ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)) لكن يغفر لهم ويتجاوز عنهم إذا وقعوا في لمم فلا يضرهم ورحمة الله واسعة.

هذا اللمم الذي يغفر لهم وهو استثناء منقطع اختلف فيه أيضاً أهل السنة على قولين (2) :

1.

انه اللمم الذى لا اختيار للإنسان فيه. وفسروه بأمرين أيضاً:

(1) الواقعة: 25، 26

(2)

على القول أنه استثناء منقطع.

ص: 103

أقالوا: هو الهم فما دونه من مراتب النفس. وهذا منقول عن محمد بن الحنفية وسعيد بن المسيب ((يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)) لكن يقع منهم مالا يمكن أن يبتعد عنه بشر ولا اختيار به في دفعة. من همٍ وحديث نفس وخاطر، هاجس فيرفع عنه.

ب النظرة الأولى. وهذا منقول عن الحسين بن الفضل. وهذا أيضاً في الحقيقة كل من القولين مرجوح مع جلالة من قال فيه. لان النظر مرفوع عنا بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام الثابت في صحيح مسلم والمسند والسنن عن جرير بن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفُجَاءة (1) فقال: [اصرف بصرك] .وقال لعلي رضي الله عنه كما في المسند [لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية] . الثانية تكون عليك. فنظر الفجأة والفجاءة معفو عنا. إذن على هذا القول الأول: اللمم ما لا يكون للإنسان فيه اختيار.

2.

القول الثاني وهو معتمد وهو الحق المقرر عند أئمتنا وهو الصواب إن شاء الله. أنه ما للإنسان فيه اختيار لكنه ليس من كبائر الإثم والفواحش إنما هو من السيئات المشار إليها في سورة النساء: ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) (2) وخير ما فسر به كلام الله أن يفسر بكلام الله. وهنا ((إِلَّا اللَّمَمَ)) إلا السيئات التي ليست كبائر. فإذن ((إِلَّا اللَّمَمَ)) أي إلا السيئات التي تلم بها النفس البشرية ولا يتنزه عنها من نظرة أحياناً وما شاكل هذا من الصغائر الأخرى فإذا وقع في ذلك وفطم نفسة عن الكبائر فتغفر له هذه الصغائر بفضل الله ورحمته وأما الأحاديث: فجنسها متواتر. منها:

(1) بالضم مع المد. وإذا فتحت أقصر: الفَجأة

(2)

النساء:31

ص: 104

ما ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر] وفى رواية: [ما لم تفش الكبائر] إذن إذا اجتنب الإنسان الكبائر لم يفش الكبائر، هذه الطاعات هي مع اجتنابه للموبقات تغفر له الصلاة إلى الصلاة. والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان. الصغائر تغفر له بفضل الله ورحمته. هذا كلام النبي علية الصلاة والسلام وكما قلت ومنها قول النبي علية الصلاة والسلام:[اجتنبوا السبع الموبقات](1) ومنها قول النبي علية الصلاة والسلام [ألا أنبئكم بأكبر الكبائر](2) وسيأتي الإشارة إلى بعض الأحاديث التي نصت على أن الذنوب كبائر في آخر المباحث إن شاء الله.

(1) - قلت: هذا الحديث متفق على صحته من رواية أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل: [اجتنبوا السبع الموبقات: قالوا يا ر سول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا واكل مال اليتم والتولي بوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات]

(2)

- قلت: هذا الحديث متفق عل صحته من رواية أنس رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر قال: [الإشراك بالله وعقوق الوالدين (بياض) النفس وشهادة الزور]

ص: 105

ثبت في صحيح ابن حبان. والحديث في موارد الظمآن (1) ورواه الحاكم في مستدركه والنسائي في سننه وابن ماجة وخرجه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقى في السنن الكبرى وصححه الحاكم وأقره عليه الذهبي عن أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصحابة فقال علية الصلاة والسلام: [والذي نفسي بيده والذي نفسي بيده والذي نفسي بيده]ـ زاد الحاكم في رواية النسائي: [ثم أكب (2)

(1) - صفحة 35

(2)

- أكب: أي أطرق * ولذلك أخرج الحديث في كتاب الزكاة في أوله.

ص: 106

النبي علية الصلاة والسلام ـ فأكب الصحابة رضوان الله عليهم يبكون ويقولون: ما ندرى ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم] قال والذي نفسي بيده ثلاثاً ثم اكب وسكت ثم رفع النبي عليه الصلاة والسلام رأسه ووجهه يتلألأ ويرى البشرى في وجهه فكان ذلك أحب إلينا من حمر النعم] أن سرى عن النبي عليه الصلاة والسلام من حاله وظهرت البشري في وجهه فقال علية الصلاة والسلام: [ما من عبد يؤدى الصلاة المتكوبة ويصوم رمضان ـ زاد النسائي*: ويخرج زكاة ماله ـ ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية حتى أنها لتصطفق أبوابها فليدخل من أيها شاء ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية ابن حبان ـ ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (1) وقد ثبت في الصحيحين وسند أبى داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم أي بالصغائر التي أشار إليها ربنا إلا اللمم ـ مما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم[إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا فالعينان تزينان وزناهما النظر ـ هذا من اللمم ـ واللسان يزنى وزناه الكلام والنفس تتمنى وتشتهى ـ لا زال هذا كله في اللمم ـ ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه] فإذا زنا تحقق بأنه فعل كبيرة وإلا لا زال في اللمم. فهذا شبة شيىء باللمم. كما يقول ابن عباس وقد ثبت في سنن الترمذي عن نبينا علية الصلاة والسلام أنه قال [إن تغفر اللهم تغفر جماً وأىً عبد لك لا ألّماً] أي أي عبد يخلوا من الذنوب الصغيرة والسيئات الصغيرة؟ لا يخلو من هذا أحد.

(1) - النساء: 31

ص: 107

إخوتي الكرام: هذا الأمر الذي قرره أهل السنة الكرام ـ تنقسم السيئات إلى كبائر وصغائر ـ خالف فيه فرقتان ضالتان. المرجئة في هذا خالفوا فقالوا: ليس في الذنوب كبائر. كلها صغائر. وقبلهم غلاة الصوفية فقالوا: ليس في الذنوب صغائر كلها كبائر. هؤلاء يقولون كلها كبائر وهؤلاء يقولون كلها صغائر. فلنتكلم عن كل من الفرفتين على سبيل الإيجاز:

أما المرجئة: سموا بذلك ـ إخوتي الكرام ـ لأمرين:

الأمر الأول: إما من الإرجاء بمعنى التأخير ((أَرْجِهْ وَأَخَاهُ)) (1) أرجأ كذا: أي أخره. والمرجئة سموا بذلك لانهم يؤخرون العمل عن الإيمان. فيقولون: الإيمان هو عقد بالجنان ونطق باللسان ولا يشمل العمل بالأركان. فإذا اعتقد شهادة الحق في قلبه وأقر بلسانه هذا مؤمن كامل الإيمان. يترك المأمورات ويفعل المحظورات لا يضره عند رب الأرض والسموات. هذا خلاصة قول المرجئة وقد قال قائلهم:

مت مسلماً ومن الذنوب فلا تخف

حاش المهيمن أن يري تنكيداً (2)

لورام أن يصليك نار جهنم

ما كان ألهم قلبك التوحيداً

لماذا اعتقدت شهادة الحق ونطقت بها. أنت كامل الإيمان. إيمانك وإيمان أبى بكر رضي الله عنه بل إيمانك وإيمان النبيين والملائكة سواء يقول بلسانه لا اله إلا الله محمد رسول الله علية صلوات الله وسلامة. ويعتقد موجب هذا ويعتقد بقلبه. هذا مؤمن كامل الإيمان. وعلية: ليس في الذنوب ـ إذن ـ كبائر إذا اتصف الإنسان بالتوحيد.

(1) - (بياض)

(2)

- أي أن يريك عذاباً (بياض)

ص: 108

هذا الإرجاء بدعي والقائل به ضال ورؤوس الفرق الضالة أربعة أصناف وضم إليهم أئمتنا صنفاً خامساً لكن هذا الصنف الخامس هو أشنع وأخبث الأصناف الخمسة ولذلك اختلفوا هل يضم إليه أم لا كما قال الإمام ابن تيمية على رحمة الله في مجموع الفتاوى (1) وكرر هذا مواطن كثيرة يقول: أول وأقدر من تكلم في رؤوس الفرق الضالة يوسف بن أسباط وتبعة شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليم جميعاً رحمة الله ـ وعلى ذلك بعد ذلك أهل الحق أهل الهدى ـ قال يوسف بن أسباط وعبد الله ابن المبارك أربعة: أولها الروافض وهم الشيعة ويقابلهم الخوارج. وهاتان الفرقتان متقابلتان. أما الروافض غلوا في علي وآل البيت رضي الله عن علي وعن سائر آل البيت الطيبين الطاهرين وحبهم دين بلا شك عند أهل السنة المهتدين ولا يبغض علياً أو أحداً من آل البيت إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن. غلوا فيهم حتى قالوا بعصمتهم ورفعوهم إلى ما فوق درجات الأنبياء ثم ليتهم اقتصروا على هذا البلاء. كفروا سائر الصحابة على الإطلاق. علي كفر. أما أبو بكر وعمر شيطانان رجيمان!!!؟ يا عباد الله رفقاً بأنفسكم. علي على الهدى لا شك ووالله من يضلله فهو أضل من حمار أهله، لكن احفظوا قدر غيرة أيضاً. وهم لم يدخلوا في الإسلام حقيقة رغبة ولا رهبة إنما دخلوا كيداً للإسلام ومقتاً لأهله.

(1) - (23/348)

ص: 109

الخوارج على النقيض تماماً قالوا علي كافر خارج عن الدين ـ هذا قول الخوارج والصحابة على هدى. علي ومن معه كلهم كفار. قولان متقابلان. خوارج والروافض وفرقتان متقابلتان. وهما مرجئة. والتي يقابلها القدرية. أما المرجئة فقالوا: العمل ليس من الإيمان. أما القدرية فقالوا: لو ترك العمل ـ كما سيأتي ـ وفرط في شيىء منه فهو مخلد في النيران. لو ارتكب موبقة. زنا شرب الخمر. مات على ذلك من غير توبة (1) مات وهو عاص على معصية من المعاصي فهو مخلد في نار جهنم هو وإبليس سواء. وإن كان يصلى ويصوم ويحج ويتصدق ويجاهد في سبيل الله فالمرجئة والقدرية متقابلان والخوراج والروافض متقابلان. فقيل ليوسف بن أسباط وعبد الله بن المبارك عليهم جميعاً رحمة الله فما تقولون في الجهمية؟ فقالوا: الجهمية ليسوا من المسلمين. يعنى أولئك ضلالهم يزيد على ضلال هؤلاء. قال الإمام ابن تيمية: وقد ذهب إلى ما ذهب إليه هاذان الإمامان بعض أصحاب الإمام احمد وبعض أهل السنة. ثم قرر أن المعتمد أن الجهمية هي الفرقة الخامسة الضالة وهؤلاء الفرق الخمسة الجهمية والروافض والخوراج والمرجئة والقدرية عن هذه الفرق تفرقت الفرق الضالة الأخرى.

(1) - إذا تاب تاب الله عليه هذا محل اتفاق ز

ص: 110

اثنتان وسبعون فرقة (1) كلهم في النار إلا واحدة هي من كان على مثل ما كان علية النبي علية الصلاة والسلام وأصحابة فهذا الإرجاء هذا إرجاء بدعي إرجاء إذن إما من التأخير وهو تأخير العمل عن الإيمان وإما من الرجاء. تقول أرجيته بمعني أخرته. وأرجيته بمعنى رجيَّتُهُ أي جعلته راجياً لهذا الأمر. وسمي المرجئة مرجئة للأمرين. أخروا العلم عن الإيمان وغلبوا نصوص الوعد وألغوا نصوص الوعيد. وهذا أهل البدع والضلال في جميع العصور يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض كما جاء الوعيد وهم الخوارج والمعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد وألغوا نصوص الوعد. المرجئة أخذوا بنصوص الوعد وألغوا نصوص الوعيد وقالوا كل ما يرد في القرآن والسنة عن نبينا علية الصلاة والسلام من أخبار بتعذيب العصاه. هذا كله للتخويف لكن لا حقيقة له ((وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَاّ تَخْوِيفًا)) (2) ليخاف الناس لكن لن يقع عليهم شيىء من ذلك. إذا قال لا اله إلا الله واعتقد بقلبه ناج وذاك يقابلة فيقول إذا فرط في شعيرة أو ارتكب موبقة فهو هالك هذا ضلال وذاك ضلال.

سمي المرجئة لأمرين الإرجاء بمعنى التأخير والإرجاء بمعنى تغليب الرجاء على الخوف وهذا حال أهل البدع ولذلك إخوتي الكرام لا بد من عبادة الله جل وعلا بأمور ثلاثة إذا لم تكن في العابد والمؤمن فهو ضال. وهى الخوف والرجاء وهما للمؤمن كالجناحين للطائر وحب الله جل وعلا: قال الأمام مكحول الدمشقي علية رحمة الله (3) :

(1) - فرقة ضالة ردية كما سيأتينا في حديث النبي علية الصلاة والسلام.

(2)

- الإسراء:59

(3)

- ومن أئمة التابعين وهو أفقه وأعلى من الإمام الزهري عليهم جميعاً رحمة الله. توفى سنة بضع ومائة. حديثة مخرج في الكتب السنة ثقة وفوق الثقة.

قلت: توفى سنة 112 (الأعلام للزركلى: 7/284)

ص: 111

من عبد الله بالخوف فقط فهو حرورى أي خارجي من الذين يقولون بالوعيد لا بالوعد (1) ومن عبده بالرجاء فقط فهو مرجىء ومن عبده بالحب فهو زنديق ـ هذا يؤول به الأمر كغلاة الصوفية الذي يقول أنا الله والله أنا وينزل المحب نفسه منزلة محبوبة. وهذا حال الضالين يعبد بالحب فقط. بالخوف فقط، بالرجاء فقط ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو موحد صديق وصل الأمر ببعض المحبين المهوسين عندما مر على قول الله جل وعلا ((تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)) (2) قال: يخوفنا الله بنار جهنم. والله لو بصقت عليها لأطفأتها سبحان الله! ستطفأ ناراً وقودها الناس والحجارة؟! هذا هو الإضلال وهذا هو الدلال في غير محلة دلال أهل الضلال. وقل: لو ضربت جهنم بطرف مرقعتي (3) لأطفأتها. فقط أشير إليها هكذا بطرف المرقعة تخمد. فنار جهنم نحن نخاف منها! هذا هو حال الحب وذلك حال الخوف وهذا حال الرجاء فلا بد من اجتماع الأمور. حب وخوف ورجاء والعبد سمي عبداً لأنه يحب ربه بجميع قلبه وتذلل له تذللاً تاماً. هذا معنى العبد. ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)) (4) فالمرجئة إذن سموا مرجئة لأمرين:

أخروا العمل عن الإيمان وقالوا ليس منه وغلبوا نصوص الوعد على نصوص الوعيد. هذا الإرجاء بدعي ومن اتصف به فهو ضال (5) .

(1) - وحوراء: قرية من قرى الكوفة أجتمع فيها الخوارج ويأخذ بنصوص الوعيد دون الوعد: حروى.

(2)

- الملك: 8

(3)

- يعنى بطرف الجبّة التي يلبسها هذا الصوفي

(4)

- الأنبياء: 90

(5)

- وسيأتينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار في أحاديثة وأخبر بعيب عن حدوث هذه الفرقة. وما وقع شيىء إلا وأشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم -

ص: 112

أما الإرجاء: يطلق أيضاً على ثلاثة أمور أخرى: أمران سليمان سديدان لا حرج في كون الإنسان يتصف بهما لأن أهل البدع ينبذون أهل الحق بها.. وواحد في الحقيقة لا حرج فيه ولا على أصحابه لكن تركه أولى.

يطلق الإرجاء على آهل السنة أهل الهدى. ومن الذي يطلق عليهم هذا؟ المعتزلة. المعتزلة يقولون عن أهل السنة إنهم مرجئة.؟ لأننا نحن لا نجزم بحال صاحب الكبيرة عند الله فلا نقول في الجنة ولا في النار. نقول: أمرة إلى الله وان شاء عذبه وان شاء غفر له إن عذب مآله الجنة يقولون أنتم مرجئة لأنكم ترجئون ـ تؤخرون ـ الحكم عن صاحب الكبيرة ولا تجزمون له بالنار (بياض) في هذا الإرجاء حرج؟ ! أكرم بهذا الإرجاء. إذا كان الإرجاء هذا معناه فنحن مرجئة كما قال (بياض) الشافعي:

إن كان رفضاً حب أصحب النبي صلى الله عليه وسلم

فليشهد الثقلان أنى رافضي

يعنى إذا كان معنى الرافضة حب آل البيت فأنا رافضي. ليس هذا معنى الرفض ومعنى الرفض: تكفير الصحابة وطعنهم ولعنهم ولذلك أنظر ماذا يقول الشافعي:

إن كان ناصبي حب أصحاب النبي

فليشهد الثقلان أنى ناصبي

ص: 113

أنا رافضي وناصبي والناصبى: هم الذين في الأصل يعادون آل البيت ويناصبونهم العداوة والبغضاء. كما أن الروافض الذين يناصبون الصحابة العدواة والبغضاء فالشافعي علية رحمة الله ليس معنى الرفض حب آل البيت. فإذا كان معناه هذا فأنا أول الرافضة وليس معنى النصب حب الصحابة لا. معنى النصب هو الطعن في آل البيت. أما إذا كان معنى النصب حب أصحاب النبي علية الصلاة والسلام فليشهد الثقلان أنى ناصبي. وهنا كذلك. إذا كان الإرجاء هذا معناه أننا لا ننزل صاحب الكبيرة في جنة ولا نار ونقول أمره موكول إلى ربه ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءَ)) (1) ونحن غاية ما عندنا أننا نرجوا للمحسن الجنة ونخشى على المسىء من النار ولا نجزم لواحد منهما بإحدى الدارين. هذا لا يعلمة إلا من يعلم السر وأخفى. فكونهم يطلقون علينا لفظ الإرجاء لهذا الحكم الذي دلت عله شريعة الله المطهرة فأكرم به من لفظ. هذا الفظ خبيث يطلقة أهل البدع علينا هذا مثل ما يطلقة علينا هذا مثل ما يطلق أيضاً أهل الكلام على أهل السنة أنهم حَشوٍيّة، وحش الشيء رذالته والقبيح منه ونخالته الذي لا يسوى سيئاً وأول من أطلق هذا اللفظ الضال عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة. على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فقال. كان ابن عمر حشوياً إن عمر من رذالة الناس وأما أنت أيها الضال أنت من الأكياس!! فعندما يقال لنا حشوية نقول إذا كان التمسك بكتاب الله وسنة نبيه علية الصلاة والسلام من ألفاظ الذم عنكم بهذه الصيغة فأكرم بذلك من صفة والله يقول:((إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)) (2) كما انه في هذا العصر بأي شيىء يعبر عن الملتزم بدين الله؟ متزمت. ورجعى ومتعجرف. ومتشدد ومتحجر ويريد أن يعيدنا إلى القرون الأولى. متطرف. أوصولي..

(1) - النساء: 116

(2)

- المطففين: 29

ص: 114

قل ما شئت أشكال ألوان تخرج في الإذاعات ووسائل الإعلام. وإرهابي أحياناً. أحياناً يخوف كما قالت بعض مدرسات علم النفس تقول: الإنسان إذا كان له لحيه ومشي في الشوارع ويراه الناس يخافون ويفزعون. هؤلاء إرهابيون، يعنى عندما يعفى اللحية إرهابي!! طيب هذه الألفاظ التي ننبز بها من قبل المبتدعة في القديم والحديث يضرنا هذا؟ لا يضرنا..

إخوتي الكرام: إذا كنت على الحق فلو قال أهل الأرض جميعاً عنك إنك ضال ماذا يضر؟ وقد قالوا عن نبي الله نوح على نبينا وعلية الصلاة والسلام ((مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)) (1) ما أرسل نبي إلا ووصف بالجنون. وإذا كان الإنسان على حق فليحمد الله ولا يضيره بعد ذلك الألقاب التي تكال إلية هنا وهناك فأهل البدع وهم (بياض) المعتزلة يطلقون لفظ الإرجاء على أهل السنة فانتبه لها.

إرجاء آخر:

(1) - القمر: 9

ص: 115

يطلق على من توقف في الصحابة الكرام بعد عثمان رضي الله عنهم أجمعين. عندما اختلفوا فلا يدخل نفسه حكما بينهم. ويقول: تلك دماء صان الله أيدينا عنها فلنصن لساننا. وربهم رب كريم وهم بعد ذلك رحماء فيما بينهم ولا نتداخل فلا نخطىء ولا نصوب ولا ندخل آرائنا في هذا الحكم. وهذا حقيقة أسلم ما يكون. ما حصل من خلاف بعد الصحابة نفوض أمره إلى الله جل وعلا مع جزمنا بأنهم ما أرادوا بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة. وكون هذه الحوادث استغلها بعض المنافقين وأزنارها في ذلك الحين نجزم بذلك أيضاً وأن الصحابة ما أرادوا إلا وجه الله ترتب على ذلك ما ترتب من فتنة نسأل الله أن يغفر لهم. فلهم حسنات كأمثال الجبال. وهم اجتهدوا فأرادوا حقاً كونه تعالى رتب على ذلك مفسدة ربنا جل وعلا غفور رحيم ويرضيهم يوم القيامة. وقد قال على رضي الله عنه لمحمد بن طلحة ـ أحد العشرة المبشرين بالجنة: طلحة بن عبيد الله وهكذا على ـ: أرجوا أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله فيهم: ((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)) (1) فقال بعض الحاضرين كما في سنن البيهقي: ما أنصفناهم يا أمير المؤمنين. نقاتلهم ثم نقول أنهم في الجنة؟ فأخذ على حجراً لو أصابه لقتله وقال: إخسأ فإذا لم أكن أنا وطلحة من أهل هذه الآية فمن سيكون؟.

(1) - الحجر: 47

ص: 116

وجاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين وتكلم في مجلسة مع من كان الحق مع على أو مع من خالفه. وهل معاوية أصاب أو لا..؟ فقال عمر رضي الله عنه ـ الخليفة الخامس الراشد أيها الرجل إن رب معاوية رب رحيم وأن خصم معاوية خصم كريم فما دخلك بينهما يا لئيم؟ تدخل نفسك بينهما لٍمَ؟ الله رحيم. وخصمه كريم. فأنت لم تدخل نفسك بينهما؟ من الذي نصبك حكماً؟ الله قال لك أحكم في هذه القضية؟ أو اختصم إليك علي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين في هذا الأمر؟ فإذا ما كلفت بهذا كيلْ أمره إلى الله جل -وعلا وهو أعلم بعباده سبحانه وتعالى فمن يتوقف في أمر الصحابة الذين اختلفوا بعد عثمان رضي الله عنهم أجمعين ولا يتكلم فيهم ولا يصوب ويخطى يقال له مرجىء. ليس في هذا الإرجاء أيضا غضاضة ولا حرج.

ص: 117

النوع الثالث من الإرجاء وهو (1) : الإرجاء الذي نسب إلى أبي حنيفة عليه رحمة الله وأصحابه وهو أن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وأما العمل فليس من الأركان الإيمان لكنه من ثمراته فإذا آمن الإنسان يكون من المتقين إذا أطاع يكون من المتقين وإذا عصى يكون من الفاسقين الخاسرين. فقال: الطاعة تنفع والمعصية تضر لكن لم يقل إن العمل من الإيمان. والذي عليه من الجمهور من السلف الإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالاركان والله يقول في كتابة ((وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)) (2) أي صلاتكم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ـ كما في الصحيحين [الإيمان بضع وسبعون شعبة ـ فإذن خصال الإيمان هي عمل ـ أعلاها قول لا اله إلا الله وأدنها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان] إذن هذه من خصال الإيمان وجزئياته والعمل من مسمى الإيمان. نعم إن ترك العمل لا يوقع الإنسان في كفر بخلاف ترك الإقرار أو ترك الاعتقاد لكنه من أركان الإيمان. ما الخلاف بين أبى حنيفة وبين جمهور أهل السنة خلاف ـ كما قال أئمتنا في كتب التوحيد ـ صوري. يقول: أي خلاف في ظاهر اللفظ لا في الحقيقة فأبو حنيفة علية رحمة الله يقول: ركنان لا بد منهما لوجود الإيمان إعتقاد وإقرار وأما العمل. يقول: هذا ليصبح الإنسان من المتقين أو الفاسقين فقط. فإذا اتقى الله وعمل فهذا من المتقين. عصى الله هذا من الفاسقين. نقول لجمهور أهل السنة إذا اعتقد وأقر لكنه خالف في العمل ما حكمة؟ يقولون؟: مؤمن عاصي. نقول: إذا اعتقد وأقر واتقى ربه والتزم بالعمل ما حكمة؟ مؤمن تقي. فهل هناك خلاف في الحقيقة بين جمهور السلف وقول أبى حنيفة؟ لا لكن خلاف ـ كما قلنا ـ صوري لفظي.

(1) - الذي كما قلنا حقيقة لا حرج فيه لكن تركه أولى

(2)

- البقرة: 143

ص: 118

حقيقة تركه أولى لأنه لم يسبق أبا حنيفة؟ إلى هذا القول أحد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ولا من التابعين لهم بإحسان بأن العمل ليس من مسمى الأيمان فنقول الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل. نعم التفريط في الاعتقاد كفر والتفريط في الإقرار كفر والتفريط في العمل هذا فسوق وعصيان وليس بكفر يخرج من الملة لكن هذا من مسمى الإيمان ومن أركانه كما وضحت هذا آيات القرآن وأحاديث النبي علية الصلاة والسلام.

ص: 119

ولذلك: كان أئمتنا يحذرون ممن قال بقول أبى حنيفة لا لأن القول مبتدع خبيث ويؤدى إلى خلاف في الحقيقة بين هذا القول وبين أهل السنة خشية أن يتصيد بهذا القول المرجئة الحقيقيون وأن يضلوا العامة بعد ذلك وأن يقولوا لهم الإيمان قول واعتقاد وأما العمل ليس منه كما يقول أبوة حنيفة وغيرة فلئلا يتذرع ويتمسك بهذا القول إلى بدعة كانوا ينفرون منه أنظر إلى مٍسّعر بن كٍدَام علية رحمة ربنا الرحمن (1) قال الإمام الذهبي في ترجمته (2) مسعر بن كدام إمام حجة ثقة. يقول: وقطعنا فيه السليمانى بغير حجة فقال إنه مرجىء. قلت: والإرجاء مذهب لعدة من جلة العلماء لا ينبغي التحامل على قارئة. أي ارجاء؟ ارجاء أبي حنيفة ليس الإرجاء البدعي، ذاك قلنا المتصف به ضال وانتهي وقال الإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة مسعر: قال شعبة كنا نسميه المصحف ـ أي نسمى مسعر بن كدام بالمصحف (3) لحفظة وضبطه وعدم نسيانه وخطه وكان يقرأ كل ليلة نصف المصحف. وقد عرض عليه أبو جعفر المنصور القضاء فامتنع. وقال ابن أبى حاتم. لاأبيه إذا اختلف الثوري ومسعر فقول من نقدم؟ قال نقدم قول مسعر. وقال شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليهم جميعاً رحمة الله: من كان ملتبساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدامن. لما توفى هذا العبد الصالح أمتنع سفيان الثوري من حضور جنازته وقال لا احضر جنازة من يقول العمل ليس من الإيمان. وهذا لم؟ تنفيراً كما قلنا من هذا القول لئلا يجر إلى الإرجاء البدعى الذي من اتصف به فهو ضال بالاتفاق.

(1) - توفى سنة 555 أخرج حديثة أهل الكتب الستة

(2)

- في ميزان الاعتدال: 4/99

(3)

- يلقب بهذا اللقب ما أشعر بمدح وذم

ص: 120

وهكذا محمد بن الحسن تلميذ أبى حنيفة كان يقول بهذا القول شهد على شريك القاضي في مسألة فرد شهادته فقيل: ـ كيف ترد شهادة وهو إمام المسلمين؟ قال: استحي من الله أن اقبل شهادة من يقول الصلاة ليست من الإيمان. لأن الصلاة من العمل والصلاة ليست من الإيمان. كيف أقبل شهادة من يقول هذا. والله يقول في كتابه: ((وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)) (1) لكن كما قلنا (بياض) ليست من الإيمان (بياض) لا حرج فيه (بياض) إذا فعلها صار تقياً وإذا تركها صار شقياً لكن يقول: الإيمان يتحقق بالاعتقاد والإقرار فبقى إرجاء صوري يخالف أهل السنة في الصورة لا في الحقيقة. ترك هذا أولى وعدم القول به أحسن وأسلم. ومن قال به نلتمس له العذر لئلا نضلله. لكن لا نصوب قوله ونقول هذا هو الحق فعياذاً بالله من ترك قول جمهور السلف ولأخذ بقول بعض المتأخرين ممن يقوله تأويل معتبر. نحن نقول هذا التأويل لنخرجه من الضلال لا لنأخذ به. أما الإرجاء الذي يطلقه علينا أهل البدع المعتزلة. قلنا: لا حرج فيه. أننا نرجىء الحكم على صاحب الكبيرة الإرجاء الذي يتطلقونه علينا إذا توقفنا في الخلاف الذي وقع في الصحابة الكرام بعد عثمان لا حرج فيه. الإرجاء الثالث لا حرج فيه المآل والحقيقة لكن تركه أولى. الإرجاء الأول الذي ذكرناه وهو الرابع إرجاء بدعي ينبغي الحذر منه.

إخوتي الكرام:

(1) - البقرة: 143

ص: 121

المرجئة أصناف كثيرون. بلغوا اثني عشر صنفاً هذا المرجئة فقط. وأما الشيعة فبعض أئمتنا يقول إن فرق الضلال كلها موجودة في الشيعة. لذلك جمعوا ما تفرق في غيرهم (بياض) كانوا مشبهة وأول من قال بالتشبيه في هذه الأمة وتمثيل الخالق بمخلوقة هشام بن الحكم الرافضي الذي كان ينطق بكفر يتنزه عنه الملحدون الزنادقة ويحدد لله الأطوال من أشبار وغير ذلك. ويصفه باللون والطعم والرائحة وغير ذلك. وكان يقول: إن جبل أبى قبيس أكبر من الله عز وجل. آخر الشيعة بعدد ذلك ـ وهو المذهب الذي علية الشيعة الأن ـ معطلة. كيف جمعتم بين التعطيل وبين التمثيل؟ وهذا في واد وذلك في واد!؟ وهذا في المشرق وهذا في المغرب؟ جمعوا ما تفرق في غيرهم. الأوائل ممثلة والأواخر معطلة. ينفون عن الله كل صفة وساروا على مذهب المعتزلة.

ص: 122

فإذن هذه الفرقة من فرق الضلال فلنسأل الله جل وعلا أن يثبت الإيمان في قلوبنا وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى أن هذه الأمة سيقع فيها الانقسام والافتراق. ففي مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم والحديث مروى في السنن الأربعة في سنن النسائي الكبرى وفى السنن الثلاثة من رواية عدة من الصحابة الكرام زادوا على العشرة. وقاربوا العشرين والحديث صحيح صحيح بل نص الإمام السيوطي على تواترة. وهكذا الشيخ الكتاني في كتابة نظم المتناثر من الحديث المتواتر. ولفظ الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال [افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار. وافترقت النصارى على ثنتين وسبعون فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعون في النار. والذي نفسي بيده ـ علية صلوات الله وسلامة ـ لتفترقن أمتي إلى ثلاث وسبعون فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار. قالوا: من هي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ التي في الجنة ـ؟ قال الجماعة ـ وفى رواية من كان على مثل ما أنا علية اليوم وأصحابي](1)

(1) - والحديث إخوتي الكرام ـ كما قلت لكم صحيح. ولا عبرة بطعن ابن حزم في هذا الحديث. ففي كتابه. الفيصَل وبقاله له: الفَصّل في الملل والأهواء والنحل (3/138) يقول: هذا الحديث لا يصح من جهة الإسناد أصلاً. والشيخ الآلبانى في سلسلة الأحاديث الصحيحة في الحديث رقم 203 و204 نقل كلام الإمام ابن حزم وقال: هذا الكلام المنسوب لابن حزم ما أعلم أين ذكره ابن حزم وغالب ظني أنه في الفصل وقد قلبت الكتاب من أولة لأخره فما عثرت على كلامة (أي أن هذا الحديث لا يصح من جهة الإسناد أصلاً) . وكما قلنا لكم هو في كتاب ابن حزم..يقول ذكروا أحاديث (بياض) رسول الله صلى الله عليه وسلم[أن القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة] وحديث أخر [تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة كلها في النار حاشا واحدة فهي في الجنة] والحديثان صحيحان كما سيأتينا الحديث الثاني سأذكره عما قريب: [القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة فإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن مرضوا فلا تعودوهم] قال أبو محمد (يعنى ابن حزم) : هذا حديثان لا يصحان أصلاً من طريق الإسناد. وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به؟ أهـ. سبحان الله! هل يجوز رد الحديث بمثل هذا الكلام الذي يمكن أن نسمية كلاماً فارغاً؟ ولو يعطى الناس بدعواهم لأدعي أناس أموال قوم ودمائهم ولكن البينة على المدعى واليمن على من أنكر. فما هي. بينتك بأن الحديث لا يصح أصلاً من جهة الإسناد؟ من المطعون فيه؟ نناقشك هل أنت على بينة أو أنت واهم الحديث قلنا فى المسند والمستدرك والسنن الأربعة ويصححه أئمتنا أو أنت تقول: لا يصح أصلاً من جهة الإسناد. الإسناد الذي ذكر به هذا الأحاديث بل الأسانيد قلنا زادت على عشرة. من المطعون فيه في هذه الأسانيد؟ بيّن ذلك. أما: لا يصح من جهة الإسناد أصلاً. ما هكذا تورد الإبل وليس هذا هو بحث طلبة العلم. وهذا لو أردنا أن نسلم به لكل إنسان يأتي ويقول: حديث البخاري لا يصح عنى أصلاً هذا كلام باطل. ما هو السبب في عدم الصحة؟ قل: فلان فيه كذا. كما نص أئمتنا لنتبعك إن كنت على هدى وبينة وصواب. أو لننصحك ونحذرك من المخالفة إن كنت واهماً واشتبه عليك الأمر. أما: لا يصح أصلاً من جهة الإسناد هذا ليس ببحث طلبة العلم. ولا يكون البحث هكذا. وكما قلت الكلام موجود ومنقول عن ابن حزم وكل من تكلم عن هذا الحديث ذكر كلام الإمام ابن حزم. نعم لم يعزون هذا الحديث إلى الفصل لكنه موجود فيه في الجزء الثالث صفحة 138. وقد ذكر الإمام ابن تيمية علية رحمة الله في مجموع الفتاوى: 3/245 إلى 260 في شرح هذا الحديث وقد كتب علية الإمام الشاطبى في كتابة الاعتصام: 2/189 مائة صفحة متتالية.

ص: 123

ولذلك اخوتى الكرام ينبغي أن نسأل الله جل وعلا الثبات على السنة. لا أهل السنة في (بياض) كالمسلمين في الملل الأخرى. يعنى إذا كان الإنسان مسلماً ورأى البوذيين والهندوك والسيخ والنصارى واليهود عليهم جميعاً لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة وعلى من يعطف عليهم أو يشفق عليهم فهو مثلهم ومعهم. لا اله إلا الله. المسلمون يصابون بأعظم الفاقات ولا أقول لا يوجد من يمد يد العون إليهم. لا. لا أقول لا يوجد من يقول لعل الله يساعدهم. لا. إنما إذا طلبت من العتاة مساعدة لهم يقولون ((أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ)) (1) هذا فقير زده فقراً وتشريداً وعقوبة. ينزل بلاء بعد ذلك بدولة كفرية يسارع المسلمون من كل جهة لمعونة تلك الدولة الكافرة الملعونة!! هل يجوز هذا اخوتى الكرام؟ كافر عذبة الله هو يعذب المسلمين نحن ما استطعنا أن ننتقم لديننا ولا لأنفسنا فالله تولي الانتقام وعذبه نأتي لنساعدة! وقلت مرة في بعض الدروس إن بعض العتاة ممن ينتسبون إلى الإسلام قال في محاضرة إنه يأس ويحزن لما حل بالاتحاد السوفياتى ـ وهذا من سنتين ـ من نكبات عن طريق الزلازل والأعاصير (!!) لان هؤلاء إخوان له في الإنسانية؟ فقلت راداً علية: أولاً أسأل الله أن يحشرك معهم ما داموا إخواناً لك فإن شاء الله تكون معهم في الآخرة. والآمر الثاني: إذا لم يكن عندك دين أما عندك كرامة ومروءة يذبحون إخواننا في أفغانستان بل في روسيا. ما ذبحه ستالين الملعون أربعة ملايين مسلم. هذا على يد ستالين فقط. أربعة (بياض) يذبحون. وألا بلاد روسيا أليست بلاد المسلمين بلاد بخاري وغيرها. كلها جعلت دولة علمانية تقول لا اله والحياة مادة والدين خرافة والأنبياء لصوص كذابون. ولن تقوم الساعة.

(1) - يسن:47

ص: 124

عشر سنين متتالية حرب بينهم وبين إخواننا المسلمين في أفغانستان ما نأسى ولا نأسف لما يحل بإخواننا من أسر تشرد ونساء ترمل وأطفال ضائعون يتخطفهم بعد ذلك دعاة التنصير من هنا وهناك بواسطة الحرب التي يشنها هؤلاء الكفرة على إخواننا الذين هم من دينا. وإذا بعد ذلك دولة عاتية لا تزال تجلس ـ كما يقال ـ على عرشها إذا أصيبت بشيء من الضائقة وإذا قرنت حالها بحالنا لا زلنا نحن نأكل من فتات موائدهم. يعنى خيراتنا كلها ينبغي أن تذهب بقضها وقضيضها إلى هناك! لا اله إلا الله؟ !.

أهل السنة في المسلمين كأهل الإسلام في الملل الأخرى. فأنت عندما تنظر إلى الشيوعي واليهودي والنصراني والبوذي الهندوكي والسيخي.. إذا كنت مسلماً تقول: الحمد لله الذي منّ على بالإسلام. وهكذا إذا كنت سنياً تنظر إلى الفرق الإسلامية إلى الرافضة والى الخوارج والى الجهمية والى المرجئة والى الصوفية والى والى

نقول: الحمد لله الذي هداني إلى السنة. ولذلك يقول الإمام الاوزاعى علية رحمة الله رأيت رب العزة في المنام فقال لي: أنت الذي تنشر العلم وتبلغ حديث النبي علية الصلاة والسلام ـ أي تنشر ديني ـ؟ قلت: بفضلك يا رب. ثم قلت: رب أمتني على الإسلام. قال: قال وعلى السنة. (( (هذا الكلام ورد في (تلبيس إبليس (الجزء الأول صفحة 13، 16) وحلية الأولياء (الجزء السادس صفحة 142) وتاريخ دمشق (الجزء 35 صفحة 193) والبداية والنهاية (الجزء العاشر صفحة 117)) )) .

ص: 125

على الإسلام وعلى السنة. ولذلك كان مجاهد تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وشيخ المفسرين يقول: والله ما أرى أي النعمتين على أعظم أن هداني الله للإسلام أو حفظني من الأهواء. يعنى أي النعمتين أعظم ما أدرى هذه عظيمة وهذه عظيمة. وأهل السنة في الفرق الإسلامية كأهل الإسلام في الملل الأخرى ولذلك يقول أئمتنا: أهل السنة وسط في صفات الله بين فرقتين ضالتين ممثلة ومعطلة ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) رد على التمثيل ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (1) رد على التعطيل وإيماننا بصفات ربنا يقوم على ركنين: إقرار وإمرار فالإقرار نرد على المعطلة. وبالإمرار نرد على الممثلة. نقر ونمر. فلا نقر ونكيّف ونمثل. ولا ننفى صفات الله فنعطل. وهم في وعيد الله جل وعلا بين فرقتين ضالتين بين المرجئة والجهمية وبين القدرية والخوارج الوعيدية. فالمرجئة والجهمية يقولون لا يضر مع الإيمان معصية والخوارج والمعتزلة يقولون فاعل الكبيرة مخلد في نار جهنم وأهل السنة يقولون: مؤمن بإيمانه فاسق بعصيانه أمره موكل إلى ربه إنا شاء غفر له وان شاء عذبه مآله إلى الجنة مهما طال الأمد.

وأهل السنة في أفعال الله جل وعلا بين فرقتين ضالتين بين الجبرية وبين المعتزلة القدرية.

(1) - الشورى: 11

ص: 126

أما الجبرية فيقولون: لا اختيار لعبد وهو مجبور كالريشة في مهابّ الهوى وأما القدرية فيقولون لا تقدير لله ولا مشيئة فالعبد يفعل ما يشاء وأهل السنة يقولون: للعبد مشيئة لكن مرتبطة بمشيئة الله ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ)) (1)((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) (2) وأهل السنة نحو الصحابة الكرام وآل البيت الطيبين بين فرقتين ضالتين. بين الروافض والخوارج. والخوارج يكفرون عليا ًويعادون آل البيت. ومن كان مع علي. ويتولون الصحابة ، والروافض على العكس يوالون علياً وآل البيت (بياض) الصحابة. ونحن نقول:(بياض) الجميع دين نتقرب بذلك إلى رب العالمين. ليس كما (بياض) يقول هؤلاء ولا هؤلاء. نحن الصحابة كما يدعى الخوارج ونحن آل البيت كما يدعى الروافض فنحن نجمع المحاسن بأسرها. وأما هم فلكل واحد عنده ضلال ونقيصة.

وأهل السنة في؟ أسماء الدين والإيمان بين فرقتين ضالتين أيضاً. بين الخوارج والمعتزلة. وهذه فرقة ـ وبين المرجئة والجهمية.. وهذه فرقة أيضاً.. أما الخوارج والمعتزلة فقالوا: من فعل كبيرة زال عنه أسم الإيمان مباشرة. فالخوارج قالوا كفر والمعتزلة قالوا في منزلة بين منزلتين. وأما المرجئة والجهمية فقالوا إذا قال لا اله إلا الله محمد رسول الله علية الصلاة والسلام يفعل الكبائر كلها لا يضره لأن الإيمان عند الجهمية المعرفة فقط. وعند المرجئة ـ كما تقدم معنا ـ: إعتقاد وإقرار لا يضر بعد ذلك. ترك العمل وأهل السنة قالوا: قفوا عند حدكم ـ وسط بين فرقتين ضالتين ـ لابد من العمل فإذا فعلة صار تقياً وإذا تركة فهو مؤمن ما زال عنه اسم الإيمان، لكن لا يستحق هذا اللفظ بإطلاق فلا بد له من قيد: مؤمن عاص. مؤمن فاسق. مؤمن ظالم. مؤمن غشاش وما شاكل هذا. مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. أمرة مفوض إلى ربه.

(1) - الإنسان: 30

(2)

- الصافات: 96

ص: 127

فهذه فرق متقابلة في خمسة أمور. أهل السنة فيها وسط كما أن أهل الإسلام وسط بين أهل الملل. فهم الخيار العدول ((كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)) (1) خياراً عدولاً. وهكذا أهل السنة هم الوسط في فرق هذه الأمة نسأل الله أن يثبت قلوبنا على سنة نبينا علية الصلاة والسلام وأن يجعلنا من أتباعه وأصحابة وأن يجمعنا معه في جنات النعيم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

(1) - البقرة: 143

ص: 128

أما المرجئة الذين تقدمت الإشارة إليهم فقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى حدوث هذه الفرقة وهذا من أعلام نبوته علية صلوات الله وسلامة (1) روى الإمام الطبراني في معجمه الأوسط (2) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم[القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة. فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ما توا فلا تشهدوهم](3)

(1) - والحديث ذكرته عند كلام ابن حزم وقال لا يصح أصلاً من جهة الإسناد. فانتبهوا له إخوتي الكرام.

(2)

- كما في مجمع الزوائد: (7 /205) ورجال الإسناد رجال الصحيح كما قال الهيثمى خلا هارون بن موسى الضروى وهو ثقة وهذا من رجال الترمذي والنسائي.

(3)

- وهذا الحديث رواة الإمام الترمذي وابن ماجة والآجري في الشريعة وابن أبى عاصم في كتاب السنة عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين بلفظ [صنفان ليس لهما في الإسلام نصيب القدرية والمرجئة] والحديث بهذا اللفظ رواة الترمذي وقال: حسن. وفى بعض النسخ: حسن صحيح ورواه ابن ماجه وابن أبى عاصم في كتاب السنة عن جابر بن عبد الله ورواه الآخري في الشريعة عن أبى هريرة ورواة ابن أبى عاصم عن أبى يعلي من الصحابة وعنه رواه اسحق بن راهوية ورواه اسحق ابن راهوية في مسندة عن أبى بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ـ كما في المطالب العالية لأبن حجر ـ ورواة البخاري في التاريخ الكبير عن معاذ بن جبل ورواه أبو نعيم في الحلية عن أنس وعلية ستة من الصحابة الكرام رووا هذا الحديث [القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة

] ، [صنفان ليس لهما فى الإسلام نصيب القدرية والمرجئة] هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد تساهل ابن الجوزى وتشدد فأورد الحديث في كتاب " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " وحكم علية بأنه تالف..وقد رد علية أئمتنا كالإمام العلائى والعراقي وابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله وبينوا أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن نعم في رواية الترمذي على بن نزار بن حيان الأسدي أخرج حديثة الترمذي وابن ماجه وهو ـ علي ـ وأبوه ضعيفان لكن للحديث شواهد كثيرة كما تقدمت الإشارة البها من عدة طرق ولذلك نص أئمتنا على قول هذا الحديث وتحسينه.

ص: 129

قال الإمام أبو بكر (بياض) العربي (1)(بياض) النبي صلى الله عليه وسلم بين القدرية والمرجئة في هذا الحديث لأن كل فرقة أبطلت شيئاً أما (بياض) بطلت شيئاً وأما المرجئة فأبطلت شيئاً من دين الله. أحداهما: أبطلت الحقيقة. والأخرى: أبطلت الشريعة. وما عين علية رحمه الله أي الفرقتين أبطلت الحقيقة وأي الفرقتين أبطلت الشريعة. فأي الفرقتين أبطلت الحقيقة؟ اقدحوا أذهانكم! القدرية أبطلت الحقيقة ووجه ذلك: بدعة القدرية تتعلق لأفعال الله جل وعلا، فأفعال الله جلا وعلا، تقدم معنا ـ الجبرية والقدرية على طرفي نقيض. فالقدرية يقولون. لا تقدير لله على عبادة. والمرجئة يقولون: لا اختيار للعباد فيما يفعلون. مجبرون. وأولئك يقولون مختارون ولا تقدير فإذن متقابلتان. أبطلوا الحقيقة فقالوا: الله جل وعلا ما قدر على المخلوق شيئاً. والمخلوق يفعل بإختياره هو يخلق فعل نفسه ووصل الأمر بثمامه بن أشرس من أئمة المعتزلة الضالين أنه قال: لا يجوز أن نقول إن الله خلق الكافر فقيل له: فمن خلقه؟ قال: نقول مخلوق وكفى!! لا نقول الله خلقه! لٍمَ؟ قال: لأن الكافر إنسان وكفر ولو قلنا إنه مخلوق لله للزم من هذا أن الله خلق الكفر وبالتالي بطل مذهبنا لأن الله لا يخلق الكفر ولا يخلق فعل الإنسان إنما الإنسان هو الذي يخلق فعلة ويقدره. فلئلا نقول إن فعل الكافر مخلوق لله نقول الكافر ماله خالق (!!) نعوذ بالله من هذا الضلال. إلى هذا الحد؟ !

(1) - في عارضة الاحوزى: 8/297 عند شرح هذا الحديث

ص: 130

وأما المرجئة أبطلت الشريعة فقالوا: الأعمال ليست من الإيمان ولا غضاضة في تركها. وقال الأمام ابن تيمية علية رحمة الله (1) كل من الفرقتين ـ أي القدرية والمرجئة ـ تفسد الأمر والنهى والوعد والعيد. أما المرجئة فإفسادها لذلك ظاهر فهي لا تلقى للوعيد بالاً ـ وتقول عمل ليس من الإيمان ولا غضاضة في تركه ـ ولا تلتفت للأمر ولا للنهى ـ هذا حال المرجئة ـ وأما القدرية فالقدرية تطلق على فرقتين. تطلق على قدرية مجبرة وعلى قدرية معتزلة مجوسة فالقدرية أن احتجوا بالقدر على سوء فعلهم فهم والمرجئة سواء آل قولهم إلى قول المرجئة وإذا قالوا نحن نخلق أفعال نفسنا وليس لله جل وعلا تقدير علينا في ذلك فقد قابلوا الإرجاء فكل من الفرقتين أفسدوا الأمر والنهى والوعد والعيد.

(1) - مجموع الفتاوى: 8/105

ص: 131

وأما غلاة الصوفية (1) فمن قال بهذا القول فهو مبتدع ضال يقولون: ليس في الذنوب صغائر كلها كبائر. كل ما يعصى الإنسان به ربه فهو كبيرة. لٍمَ؟ قالوا للأن الذنب حجاب بين العبد وبين الرب والذنوب تسد على العبد معرفة علام الغيوب. وإذا كانت كذلك فهي كبيرة.!!

(1) - الصوفية ليس حكمهم كحكم المرجئة المرجئة الذين يقولون العمل ليس من الإيمان ولا حرج ولا عضاضة في تركة على الإنسان قلنا فرقة ضالة لا خلاف في ذلك. الصوفية ليس الأمر كذلك لأن المرجئة نسبوا إلى بدعة وأما نسبة الصوفية ليست إلى بدعة. إلى لبس شيىء معين وهو الصوف ولا يصح غير هذا ونسبهم الناس إلى ذلك عندما اخشوشنوا واعرضوا عن ملذات الدنيا ولبسوا الخشن من الثياب فقال الناس: صوفية نسبة إلى حالهم فهم نسبوا إلى لبس شيىء وليس في هذا مدح ولا ذم ولذلك لا ينسحب حكم عام على كل الصوفية فيهم صديق وفيهم زنديق. وفيهم من هو من أصحاب اليمين وفيهم من هو عاص لربه ظالم لنفسه فلا بد من التفريق بين هؤلاء. فغلاة الصوفية الذين تلبسوا ببدعة ليس كلهم مبتدعون وليس كلهم مهتدون. كحال الرافضة وكحال المعتزلة وكحال المرجئة. هنا نسب = حكماً على الجميع. وقلت لكم: المرجئة اثنتا عشرة فرقة. مس مرجئة خالصة وسبع فرق يقولون بالإرجاء وبعضهم يقولون بالقدر وبعضهم يقولون بالجبر. وقد بحث أئمتنا في تلك الفرق كما ذكر أبو منصور البغدادي في كتابه: الفرق بين الفرق. في حالهم. والإمام أبو الحسن الاشعرى في مقالات الإسلاميين: 1/197 والفرق بين الفرق صفحة 202 وانظر كلام ابن حزم على فرق المرجئة 2/88 هذا فينا يتعلق بالمرجئة حكم عام وهكذا السيئة وهكذا الجهمية وهكذا القدرية أما الصوفية ليس كذلك أهـ.

ص: 132

نقول: هذه الشبهة لا حقيقة لها ولا وجود. فليس الذنب حجاباً عن الرب وليس الذنب يحول بين الإنسان وبين معرفة ربه. كم من؟ إنسان يفعل معصية بحكم غلبة نفسه علية لكنه متضايق من نفسه. لا أبرىء نفسي. وما فعلت هذا تهاوناً بحقك ولا جرأة عليك إنما غرني حلمك علي وقلة عقلي وسفاهتي. أسألك أن تغفر لي. أهذه المعصية حجبته عن معرفة الله؟ سدت علية باب معرفة الله لا. ولذلك ذكرت الآية في أول مبحث السيئات: ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (1) والعبد يذنب الذنب يدخل به الجنة. قالوا وكيف؟ قال: لا يزال نصب عينية كلما ذكره بكي. وأنين المذنبين عند الله أفضل عند الله من تسبيح المسبحين. فهذا عندما ابتلى فتاب إلى الله أي حجاب حصل له. [كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون](2) ولا يلزم من أن الإنسان إذا وقع في معصية حجب عند الله وسدت عليه باب المعرفة. نعم المعاصي بريد الكفر أحياناً تؤول به إلى نسيان ربه وجحود إلهه. لكن أحياناً تؤول به إلى رفعة قدر عند ربه ((ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)) (3) وكان حال آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه بعد المعصية خيراً من حاله قبل المعصية. فهذا كلام باطل.

(1) - آل عمران: 135، 136

(2)

- فلت: هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدرامي بسند صحيح والحاكم وقال صحيح الإسناد (بياض) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [كل بني آدم

] ورواه المنذرى والبغوى.

(3)

-طه: 122

ص: 133

ونرد على الفرقتين المرجئة والصوفية فنقول: قولكم لا يوجد في الذنوب صغائر وكبائر. أما المرجئة ألغوا الكبائر. وأما غلاة الصوفية ألغوا الصغائر هذا مصادم للنصوص الشرعية كيف تفعلون بقول الله: ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) (1) أأنتم أعلم أم الله؟ وكيف تفعلون بحديث رسول الله علية الصلاة والسلام (2) وفيه يقول النبي علية الصلاة والسلام: [الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ـ ما لم تغش الكبائر] ؟ هذا كلام النبي علية الصلاة والسلام فهل يعقل بعد ذلك أن نأخذ بتعليلاتكم العليلة ونترك شريعتنا الجليلة؟ كلامكم مصادم للنصوص وكل اجتهاد وكل قول يصادم نصاً فهو فاسد الاعتبار لا ينظر في مضمونه بغض النظر عن قائله مهما كان شأنه.

الأمر الثاني: نقول: يترتب على معرفة الكبائر والصغائر أحكام في العاجل وفى الأجل. فكيف سنطبق تلك الأحكام إذا لم يكن في الذنوب صغائر ولا كبائر؟ (3)

إخوتي الكرام: إذن هذا قول من خالف أهل السنة الكرام من قول المرجئة وقول غلاة الصوفية وقولها باطل. بأنه ليس في الذنوب صغائر وكبائر عند المرجئة أنها كلها صغائر. وعند غلاة الصوفية كلها كبائر.

فائدة:

(1) -النساء: 31

(2)

-تقدم معنا وهو في صحيح مسلم وسنن الترمذي وغيرها.

(3)

- وسيأتينا إن شاء الله إليه الأحكام والآثار المترتبة على الكبائر والصغائر في الدنيا والآخرة في آخر المباحث وهو المبحث السابع.

ص: 134

قبل أن نحدد الكبيرة والصغيرة وننتقل إلى المبحث السابع عندنا خلاف لفظي قال به بعض أهل السنة في الإرجاء الصوري الذي قال به أبو حنيفة ومسعر بن كدام ومحمد بن الحسن فيما يتعلق بموضوع الإرجاء. هنا أيضاً في تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر عندنا خلاف صوري بين بعض أئمتنا وجمهور أهل السنة قال به أبو اسحق الاسفرائيني (1) ونقلة الإمام القرطبي (2) عن أبى إسحاق وعن أبى المعالي إمام الحرمين وعن أبى الطيب بن الباقلاني ونقلة من أبى النصر عبد الرحيم القشيرى عليهم جميعاً رحمة الله

حاصله: أننا لا نقول في الذنوب صغائر. إنما نقول ذنوب ومعاصي لا نقول صغيرة وهؤلاء فعلوا هذا وقالوا هذا لئلا يتهاون الناس في المعاصي. فإذا قلنا لهم إن النظرة صغيرة والصغيرة تكفّر بالصلوات لا يبالون بالنظرة. فنقول هذه معاصي توجب غضب الله ولا نقول بعد ذلك يوجد صغائر.

(1) - كما نقل عنه هذا الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: 1/315

(2)

- في تفسيرة: 5/159

ص: 135

نقول لهم: هل حكم النظرة كحكم الزنا؟ يقولون: نعوذ بالله كيف هذا؟ تلك من فعلها يقام عليه حد ويسجل عليه اسم الفسق. وأما هذه فلا حد عليها يقام ثم لا يجوز أن نطلق عليه لفظ الفسق. وهذه ليست كتلك. إذن مآل قولهم إلى قول جمهور أهل السنة لكن أرادوا ألا يكون في اللفظ شيء من تعلق بعض البطالين بفعل المعاصي. فقالوا لا نقول يوجد صغائر. نقول ذنب ومعصية لكن المعاصي تتفاوت فالزنا ليس كالنظرة. هذا معصية وهذا معصية نعم لكن هذا كبيرة وهذا صغيرة. وهم قالوا لا نقول صغيرة خشية أن يتساهل الناس في فعل المعاصي وهذا القول بما أن قائلة من أهل السنة وعندما نسأله عن مراده يقول: حكم الزنا ليس كحكم الصغيرة وليس كغلاة الصوفية يقول: الكل عندنا كبيرة أو كالمرجئة يقول: الزنا حكمه كحكم النظرة والكل صغيرة. ليس كذلك. إذا كان الأمر كذلك نقول كما قال ابن القيم هذا خلاف لفظي لا معنى له ليس تحته معنى يختلف هذا القول عن قول جمهور أهل السنة كخلاف أبى حنيفة ومن معه لجمهور أهل السنة في مسمى الإيمان. فانتبهوا لهذا لو قال قائل: إذا كانت الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر فكيف سنعرف كل ذنب ومن أي القسمين هو. هل هو كبيرة أو صغيرة؟ وهل لذلك ضابط محدد؟ نقول نعم. لذلك ضابط يميز الكبيرة عن الصغيرة. هذا الضابط نقل عن الضحاك (1) ونقل أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن ابن عيينه وقال به الإمام أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله وهو المعتمد عند أهل السنة الكرام كما قرر ذلك أئمتنا في كتب التوحيد (2) وهذا التفصيل موجود في كتاب السنة والسيئة للإمام ابن تيمية. وهو اختيار أبى عبيد القاسم بن سلام عليهم جميعاً رحمة الله وهو. أن الكبيرة ما وجد فيه أمرين: حد عاجل عقوبه مقدرة في الدنيا.

(1) - كما في تفسير الطبرى

(2)

- كشرح الطحاويه وغير ذلك.

ص: 136

فكل ما علية عقوبة مقدرة في الدنيا فهذه المعصية كبيرة بكل ما علية وعيد خاص شديد في الآخرة فهو كبيرة من لعنة أو مقت أو غضب وما شاكل هذا إذن الكبيرة ما عليه عقوبه من لعنه أو غضب أو مقت. فهذا يقال له كبيرة. هذا القول هو المعتمد لأربعة أمور:

أولها:

القرآن يدل عليه. كلام الله الذي أخبرنا أن لذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر تشير إلى هذا التعريف فآية النساء: ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (1) هذه العدة الكريمة من ربنا الكريم هل يستحقها من وجب عليه حد في الدنيا؟ تكفر عنه خطيئته؟ هل يستحقها من أوعد بلعنة أو غضب أو مقت؟ ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ)) يعنى إن تجتنبوا الأمور التي ليس فيها لعنة ليس فيها غضب ليس فيها مقت ((نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) فلو زنا الإنسان هل في ذلك لعنة أم لا؟ في ذلك لعنة. لو قذف؟ في ذلك لعنة عظيمة ((إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (2) و [اجتنبوا السبع الموبقات

وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات] (3) وقذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة. فلو قذف الإنسان هذا اجتنب كبائر ما نهى الله عنه؟ لا.

(1) - النساء: 31

(2)

- النور: 23

(3)

- قلت: الحديث متفق على صحته. وقد تقدم صفحة 55

ص: 137

فتلك العٍدَة وهى تكفير السيئات لا ينالها صاحب السيئة إذا كانت سيئة عليها حد في العاجل أو وعيد شديد في الآجل ولذلك إذا اتصف بالربا ثم بعد ذلك اجتنب سائر الموبقات هل يدخل في هذه الآية ((نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) ؟ ينال هذا الوعد الكريم؟ هذا مؤذن بحرب من الله كيف سيناله هذا الوعد! وهكذا لو قتل نفساً والله يقول: ((فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) (1) هذا أيضا يناله هذه العدة الكريمة؟ لا إذن ما هي العدة الكريمة؟ لأي سيئة وخيمة؟ حقيقة إنسان خرج إلى الشارع فنظر. وحدث بكلام لغو ما وصل إلى حد البهتان والكذب فالكذب كبيرة. فهذه صغائر لا ينجو منها إنسان. ولو جمعت كما قال النبي علية الصلاة والسلام [إن تغفر اللهم تغفر جماً وأي عبد لك لا ألماً](2) أي ما جمع من هذه اللمائم والصغائر الكثيرة. فإذن إذا لم يكن الذنب عليه مقدر في الدنيا ولا وعيد شديد في الآخرة فهو صغيرة. وإذا كان فيه أحد هذين الأمرين فهو كبيرة. وعليه: الكبائر معروفة والصغائر معروفة. قال أئمتنا: الصغيرة ما دون الحدين. يعنى حد الدنيا المقرر ووعيد الآخرة الشديد.

ثانيها:

(1) - النساء: 93

(2)

- قلت: الحديث تقدم صفحة 56

ص: 138

استقراء الشرع يدل على هذا. كل معصية عليها عقوبة في الدنيا أو فيها وعيد شديد وعقوبة خاصة أليمة في الآخرة دل خطاب الشارع على أنها كبيرة. فنحن استقرءنا كلام النبي علية الصلاة والسلام في ذكر الكبائر فوجدنا هذين الوصفين ينطبقان على الكبائر التي صرح علية الصلاة والسلام بأنها كبيرة [اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات] هذه الأمور أما ينطبق عليها ما تقدم؟ إما وعيد في الآخرة وإما حد في الدنيا: [ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله ـ محل الإجماع ـ وعقوق الوالدين](1) ليس عليه ولا فيه حد مقرر في الدنيا. لكن وعيد شديد في الآخرة فلا يرضى الإنسان ربه حتى يرضى والدية و: [رضي الله في رضي الوالدين. وسخطه في سخطهما] و [لا يدخل الجنة قاطع رحم](2)

(1) - قلت: الحديث متفق على صحته عن أبى بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلي يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: الإشراك بالله. وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس فقال: ألآ وقول الزور وشهادة الزور ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت] وقوله: لا يسكت: اى يستمر في قولها تهويلاً.

(2)

- قلت: هذان الحديثان ثابتان عن نبينا علية الصلاة والسلام. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[رضا الله في رضا الوالد. وسخط الله في سخط الوالد] رواة الترمذي وابن حبان في صحيحة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقة الذهبي..ورواه الطبراني من حديث أبى هريرة وفيه [طاعة الله طاعة الوالد ومعصية الله معصية الوالد] ورواه البزار من حديث عبد الله بن عمرو: [رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين وسخط الرب تبارك وتعالى في سخط الوالدين.] وفى الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يدخل الجنة قاطع] .

ص: 139

والجنة عند أقدام الأمهات. كما قال خير البريات علية الصلاة والسلام في المستدرك وغيره [الزمها فإن الجنة عند رجليها](1) فإذن هذا العاق. وعيد شديد في الآخرة [ألا وشهادة الزور وكان متكئاً فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت](2) شهادة الزور هذه من الكبائر فإذن نحن عندما ذكرنا في الكبائر التي نص نبينا علية الصلاة والسلام على أنها كبائر وجدنا دخول ذينك التعرفين الضابطين الوصفين في الكبائر. وعيد شديد في الآخرة. حد مقدر في الدنيا.

ثالثها:

(1) - قلت: هذا الحديث من رواية غير واحد من الصحابة فعن طلحة ابن معاوية السلمي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم: فقل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد الجهاد في سبيل الله قال: [آمك حيه؟ قلت نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم: الزم رجليها فثم الجنة] رواه الطبراني وعن أبى إمامة رضي الله عنه أن رجل قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق الوالدين علي ولدهما؟ قال: [هما جنك ونارك] رواة ابن ماجة وعن معاوية ابن جاهمة أن جاهمة جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: [هل لك من أم؟ قال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها] رواه ابن ماجة والنسائي واللفظ له وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. ورواه الطبراني ولفظه: قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستشيره في الجهاد فقال النبي: [ألك والدان؟ قلت: نعم. قال: إلزمهما فإن الجنة تحت رجليهما.] قال المنذري: إسناده جيد. (الترغيب والترهيب: 3/316) .

(2)

- قلت: هذا تكملة للحديث السابق (تعليق 1) وقد تقدم بنحوه صـ 55.

ص: 140

بهذا التعريف الذي ذكرناه وهو أن الكبيرة ما فيها وعيد في الآخرة شديد خاص وعقوبة مقدرة في الدنيا. والصغيرة ما دون الحديث. بهذا التعريف نكون قد قسمنا الذنوب بأسرها إلى قسمين لا ثالث لهما: كبائر وصغائر فكل ذنب سيدخل إما في تعريف الكبائر أو في تعريف الصغائر. أما خلاف هذا التعريف من أقوال قيلت بلغت (بياض) إلى عشرة أقوال كلها متهافتة فقيل ـ كما قال الصوفية ـ ما سد باب معرفة الله وحجب عن الله فهو كبيرة نقول: أي ذنب يسد باب معرفة الله؟ قد النظرة تسد وهى صغيرة وقد الزنا وقتل النفس لا يسد باب معرفة الله. ناهيك بالرجل الذي قتل تسعاً وتسعين وكمل المائة ثم ما سدت معاصية تلك باب معرفة الله ولا حجبته عن الله فلما دل إلى عالم بعد أن كمل بالراهب المائة قال: هل لي من توبة؟ قال وماذا عملت؟ قال: قتلت مائة نفس قال: ومن يحول بينك وبينها؟! ثم بعد ذلك تاب ومات في وسط الطريق ـ كما هو ثابت في الحديث المخرج في الصحيح ـ واختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فكان اقرب إلى الأرض الصالحة بشبر ـ بذراع ـ فناء بصدره عندما جاءه الأجل فأخذته ملائكة الرحمة. ورحمة الله واسعة.

ما حجبه هذا الذنب عن الله. والذي يقول إن الكبائر مبهمة. نقول: مبهمة بالنسبة عندك وإذا خفت عليك فهي: معلومة عند غيرك والذي يقول: إن الذنوب كلها كبائر لكنها تتفاوت في القبح فالزنا كبيرة إذا قرنت زنا الإنسان بالأجنبية أيسر من زناه بزنا زوجة الجار. الزنا بزوجة الجار أيسر من الزنا بأخته. الزنا بأخته أيسر من الزنا بأمة. كل هذا كبائر لكن كل ذنب يكون أكبر من غيره من باب النسبة وأصغر من غيره من باب النسبة. والذنوب كلها كذلك يقول إذن أنت ما قلت لنا يوجد في الذنوب صغائر وكبائر وقلنا الشرع يدل على أنه يوجد في الذنوب صغائر وكبائر. فإذن هذا الضابط هو الذي يميز الذنوب إلى قسمين كبائر وصغائر.

رابعها:

ص: 141

قلنا هو قول أهل السنة وهو المنقول كما قلنا ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن الضحاك وأبى عبيد وابن عيينه ورجحه الإمام أحمد واعتمده أهل السنة لهذه الأمور الأربعة: الكبيرة ما فيه حد وعقوبة مقدرة في الدنيا. أو وعيد شديد خاص في الآخرة.

المبحث السابع

أثر الكبائر والصغائر والأحكام المتعلقة بكل من هذين الصنفين (1)

المطلب الأول: أثر الصغائر

أولا: في الدنيا

إخوتي الكرام الصغائر لها أثرها في الدنيا وهي ثلاثة:

1.

الأثر الأول: لا تزيل صغائر والمعاصي والآثام عن مرتكبها اسم الإيمان. فلا زال يقال له: مؤمن. بلا قيد. مطلق الإيمان. اسم الإيمان بإطلاق لا يزول عنه. أي لا زال ضمن المتقين وضمن الصالحين وأن صدر منه شيء من الهفوات والتقصير مما يعد صغيرة لا يعتبر كبيرة. لازال إذن ضمن عباد الله المؤمنين الأخيار الصالحين الطيبين. هذا الأثر أول فلا يقال له مؤمن عاصي. مؤمن فاسق. مؤمن مفرط ، مؤمن مسرف. مؤمن متجاوز لحدود الله.... لا يقال هذا على الإطلاق. يقال: مؤمن. مطلقاً بلا قيد. هذا فيما يتعلق بأحكام الدنيا فلا يجوز أن نزيل اسم الإيمان عن فاعل الصغيرة. أقصد باسم الإيمان الإيمان المطلق فلا يجوز أن نقيد هذا بقيد أن نقول: هذا مؤمن عاصي لورود صغيرة منه في حق الله جل وعلا. لا يجوز هذا على الإطلاق. إنما مؤمن بلا قيد. فالصغائر إذن لا تزيل الاسم المطلق في الأيمان عن مرتكبها.

(1) - أي أثر الصغائر والكبائر في الدنيا والآخرة وما الأحكام التي تترتب على الصغائر بالنسبة للفاعل في الدنيا وفى الآخرة وهكذا بالأحكام التي تترتب على الكبائر بالنسبة للفاعل في الدنيا والآخرة.

ص: 142

2.

الأثر الثاني: الصغائر إذا فعلها الإنسان في هذه الحياة تكسب قلبة ظلمة يسيرة. هي بمثابة الغبش والكدورة في القلب. هذه تجلى مباشرة بعد ذلك بفعل طاعة من الطاعات. ومن المكتوبات كما تقدم معنا ـ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. ما لم تغشى الكبائر. تزال هذه الآثار. هذه الظلمة هذه الكدورة. إذن ما حصل ظلمة شديدة وكالثوب الأبيض إذا مرت علية رياح فيتكدر ويتغير. لكن ليس كما لو صببت علية زفتاً أو حبراً هناك ألان تلوث ويحتاج إلى جهد في إزالته. أما هنا غبار علق بك إذا نفخته يطير. وهنا بالنسبة للصغائر القلب يصبح فيه ظلمة لكن هذه الظلمة ليست شديدة. بمثابة كدورة. بمثابة غبرة تلحق بثياب الإنسان. تزول باجتناب الكبائر إذا لم يفعل الإنسان كبيرة. وتول بفعل الطاعات.

ص: 143

3.

الأثر الثالث: ليس لصغائر عقوبات مقدرة في الحياة الدنيا. فلا يوجد صغيرة من الصغائر لها عقوبة مقدرة أو حد مقدر يجب على الإمام أن ينفذه. لا. ونحن تقدم معنا: الصغيرة ما دون الحدين. فإذن ليس على الصغائر عقوبات؟ نقول لا عليها عقوبات. لكن العقوبات التي يرتبها ولى الأمر على الصغائر ليس لها حد مقدر لا يجوز أن لا يتجاوزه أو لا يجوز أن يسقطه لا. هي موكولة لاجتهاده فإن رأى ولي الأمر أن يعزر من فعل صغيرة بما يردعه من سوط أو سوطين أو عشرة أسواط أو ما شاكل هذا. فلا حرج وإذا رأى أن يعزره بتوبيخ وتعييب فلا حرج وإذا رأى ألا يعزره وأن يقيله عثرته بالنسبة للصغيرة التي وقع فيها فلا حرج. إذن ليس عليها حد مقدر. العقوبة عليها من باب التقدير فلو قدر أن رجلاً قبل امرأة (بياض) إلى امرأة هذا كله من الصغائر. وهو اللم واطلع ولى الأمر على هذا فله إن يعزر بجلد. لكن لا يجلد مائة جلدة كالزاني البكر ويغربه سنة. ولا يجوز أن يجلده ثمانين جلدة كما هو الحد في القذف. لا. يجلده أسواط بما يعزره ويردعه و [لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله](1) كما قال نبينا علية صلوات الله وسلامة. يردعة بتوبيخ. يقول له: أما تستحي! مثلك يفعل هذا؟ أنت تطارد النساء وتتبعهن من مكان إلى مكان أما تستحي؟! أما عندك نساء ومحارم؟ أما تغار على محارمك؟ من هذا الكلام. ثم يطلق سراحة بعد ذلك فإن رأى أن يجلده فله ذلك.

(1) - قلت: الحديث متفق على صحته. وألفاظه عند البخاري 1 عن أبى بَرْدَةَ رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا عقوبة فوق عشر أسواط إلا في حد من حدود الله] 2 عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عمن سمع النبى صلى الله عليه وسلم قال: [لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا فى حد من حدود الله] 3 عن أبى بردة قال: [كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا يجلد فوق عشر جلدات إلا فى حد من حدود الله] .

ص: 144

المقصود ليس على الصغائر عقوبات مقدرة في هذه الحياة. إنما لولي الأمر أن يعزر من فعل صغيرة إذا رأى أنه لا يتردع إلا بهذا وإذا رأى أن هذه الصغيرة فشت في الأمة ولا يمكن أن يحصل ردع إلا بجلد كما لو اعتاد الشباب مطاردة النساء في الشوارع أو إذا ذهبت امرأة لحاجة ضرورية إلى سوق ترى الشباب الهابط المنحط يتبعها من هنا إلى هناك وأحياناً يسمعها كلمات. هذا كله لا يزال ضمن الصغائر وليس عليه حد مقرر إذا انتشر هذا وفشي في الأمة قد يجعل ولى الأمر لذلك رادعاً. فنقول لمحتسبين المسئولين عن إقامة الحدود والمنفذين لهذا: من وجدتموه عنده شيء من هذا هاتوه إلى، والقاضي يحكم بعد ذلك بما يعزره. وينظر إلى حاله فقد يجلده عشر جلدات. وقد يجلده دون ذلك، وقد يعفو عنه.

ص: 145

فالشاهد: أنه ليس في الصغائر حد مقدر لا يجوز للإمام أن يتجاوزه ولا يجوز للإمام أن يسقطه الحد المقدر ولي الأمر مكلف بتطبيقه رغم أنفه وإلا هو عاص لله ولرسوله وإذا استحل إسقاط ذلك لحد فهو كافر. فزاني محصن ثبت زناه بإعتراف أو ببينه ـ شهود ـ وجد أن يرجم. فقال نسجنه سنة. إذا استحل ولي الأمر هذا فقد كفر. وإن صام وصلي وزعم أنه مسلم. هذا حد شرعي ليس لولي الأمر إلا أن ينفذه. وهكذا إذا أتى بسارق وثبت عليه السرقة فواجب أن يقطع اليد. ولا يجوز لولي الأمر أن يقول هذا تاب وسامحناه ولعلة يصبح من الصديقين لو قدر أنه خير الأمة سرق لوجب على ولي الأمر أن يقطع يده كما قال نبينا علية الصلاة والسلام [والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد ـ علية الصلاة والسلام ـ سرقت لقطع محمد يدها ـ علية صلوات الله وسلامة](1) . هذا حّد لا بد من تنفيذه لكن هناك كما قلنا الصغائر نقيل الصالحين عثراتهم ولا داعي أن نعاقبهم بما نعاقبهم به من ليس له شأن كشأنهم. ولذلك قلنا من يتوسم فيه الخير وصدر منه زله. ولى الأمر يقيله عثرته. من عليه علامات الشر ـ وهذا معلوم من حاله ـ صدر منه زلة ضمن الصغائر يقول: إذن لا بد لك من رادع وزاجر فإذن لا يزول عنه إسم الإيمان المطلق. قلبه يعترية ظلمة خفيفة ويسيرة كدورة وغبش ولا يبقى في القلب الصفاء التام يجلى القلب بعد ذلك بفعل طاعة إذا اجتنب الكبائر الأخرى.

ثانياً: في الآخرة.

وأما في الأجرة فالصغائر لها أثران في الآخرة:

(1) - قلت: الحديث متفق على صحته. وهو من حديث المرأة المخزومية المشهور. فعن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ـ لأسامة بن زيد عندما كلمة فيها ـ: [أتشفع في حد من حدود الله. ثم قام فاختطب ثم قال: وأيم الله لو أن فاطمة ـ وفى رواية والذي نفسي بيده ـ بنت محمد سرقت لقطعت يدها] .

ص: 146

3.

الأثر الأول: تقع مغفورة بكرم الله وفضله ورحمته. وهذا بنص القرآن ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) (1) فمن لم يلق ربه إلا بصغائر فما عنده كبيرة من الكبائر له البشرى من الله والمغفرة. هذا وعدة الله. وقد أخبرنا نبينا علية الصلاة والسلام كما تقدم معنا ـ في حديث مسلم وغيرة عليهم رحمة الله أن الصلوات الخمس ورمضان والجمعة تكفر الصغائر إذا اجتنب الإنسان الكبائر. فإذن تقع هذه مغفورة ولا يحاسب عليها العبد يوم القيامة بفضل الله ورحمته وكرمه.

3.

الأثر الثاني والأمر الثاني: لا تؤخره عن دخول الجنة. فإذا لم يلق ربه إلا بصغائر الذنوب فغفرت له ولا تمنعة من دخول الجنة. إذن سيدخل الجنة مع السابقين المقربين المقربين بكرم أرحم الراحمين. هذه أحكام الصغائر.

* * *

هذا كله إخوتي الكرام إذا فعل الإنسان الصغائر وما أصر عليها. أما إذا أصر فالحكم اختلف. الصغيرة إذا أصر عليها لا تكون صغيرة أنما تكون كبيرة. وقد ذكر أئمتنا بناء على أدله شرعية أن الصغائر تكبر وتنقل من ديوان الصغائر إلى ديوان الكبائر لواحد من ستة أمور:

أولها: الإصرار:

فهو كلما رأى امرأة يمد طرفه ونظره إليها ولا يفتأ قلبه عن هذا ولا يكف عن ذلك فترة من الزمن. فهذه المعصية صغيرة لكن بالمواظبة والاستمرار نقلتها إلى الكبيرة. وقد قال سلفنا الكرام: لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار كبيرة فعلها الإنسان وتاب إلى الله منه واستغفر. تمحى بفضل الله ورحمته لأنه تاب وأناب ومن تاب تاب الله عليه. صغيرة فعلها الإنسان وواظب عليها نقلت إلى ديوان الكبيرة لا بد لها من توبة نصوح.

(1) - النساء: 31

ص: 147

وهذا الكلام (1) روى مرفوعاً عن نبينا المختار صلوات الله وسلامة عليه من رواية ابن عباس وأبى هريرة وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين. لكن الأسانيد إلى هؤلاء الصحابة تالفة لا تثبت. الحديث شديد الضعف عن نبينا صلى الله عليه وسلم[لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار] لكن المعنى صحيح. وقد مثل أئمتنا لصغائر التي يواظب فاعلها عليها والكبائر التي يفعلها الإنسان ويقلع عنها ويستغفر منها بمثال حسي. فقالوا: لو أن إنساناً أخذ سطل كبير من الماء في أيام الشتاء وسفحه عليك مرة واحدة. يؤذيك. الأذى كبير أو صغير؟ كبير سطل كبير سفحه عليك غرقك وبدأ الماء يشر عليك من رأسك إلى رجليك والوقت بارد والماء بارد وآذاك أذى كبير. لكن بعد هذا جاء واعتذر إليك وقال: يا عبد الله سامحني وأخطأت في حقك وهذه ثياب نظيفة إلبسها وعفي الله عما سلف. تقول: عفي الله عنك. لكنه آذاك أذى كبيراً. لو قدر أنه أخذ هذا السطل بدل من أن يسفحه عليك لتكون جنايته جناية كبيرة، (بياض) قال: أنا أريد أن لا أفعل معصية كبيرة معك ولا أريد أن أسيء إليك إساءة كبيرة ماذا أعمل. أعلق السطل فوق رأسك بحيث كل دقيقة يقطر قطرة. ولو قطرة واحدة فقط لما كان لها اى تأثير. لو قطر على رأسك قطرة ومشى قد لا تشعر بها. ليست حالا كحال السطل لكن السطل الآن بكاملة سيفرغه عليك قطرات. وقد وصل الحال العتاه الذين يعملون في تعذيب المسلمين من أجهزة المخابرات الذين لا يخافون رب العالمين أنهم يحبسون المسلم في زنزانة ـ حجرة ـ يبقى قائماً فيها. وهذه الزنزانة تقطر علية كل دقيقة قطرة ماء هذا الآن في السجون التي يعذب فيها إخواننا في الله يوضع في زنزانة له لا يستطيع أن يقعد ولا يتمدد. قائم ثم فوق رأسة كل دقيقة قطرة ماء تقطر عليه. هو يشعر كأن رصاص يضربه باستمرار. حقيقة فيه أكبر أذى. هذا مثال الصغيرة التي يواظب عليها فاعلها.

ص: 148

والسطل مثال الكبيرة التي يقلع عنها صاحبها وحقيقة الصغيرة التي يواظب عليها صاحبها أشنع بكثير من الكبيرة التي يقلع عنها صاحبها لكن لو قيل: كبيرة يواظب عليها صاحبها. فأيهما أشنع؟ الكبيرة قطعاً. هذا لا خلاف فيه كبيرة يواظب عليها. صغيرة ويواظب عليها. الكبيرة أشنع. صغيرة يواظب عليها كبيرة فعلها وأقلع وتاب، الصغيرة أشنع. صغيرة لا يواظب عليها. وكبيرة لا يواظب عليها تاب منها. نقول: الصغيرة حالها أيسر لأن هذه في الأصل غفرت له باجتنابه للكبائر وبطاعته لله جل وعلا. وأما تلك فأمرها عظيم لا بد من توبة نصوح وأمر صاحبها مفوض إلى الله جل وعلا وهل تحققت شروط التوبة أو قبلت؟ هذا مرده إلى الله. أما الصغائر فقلنا فيها وعد كريم لأن من اجتنب الكبائر تغفر له الصغائر. لأنه لا يخلو عبد من لمم [إن تغفر اللهم تغفر جماً وأىً عبد لك لا ألّماً](1) لا يخلو أحد من صغائر. ورحمة الله جل وعلا واسعة. إذن ستة أمور تكبر بها الصغائر. أولها المواظبة والمدوامة والاستمرار والإصرار فإذا فعل هذا تنقل الصغيرة إلى ديوان الكبيرة.

ثانيها: الأمر الثاني الذي تكبر به الصغيرة: الاستصغار.

(1) - تقدم تخريجة صـ 56

ص: 149

فعل معصية صغيرة، ينظر إلى النساء يكلمهن يصافحهن. يضاحكهن. لا يصل الأمر إلى حد الزنا. قلنا أتق الله يقول: لا تضيقوا رحمة الله هذه كلها صغائر لا قيمة لها ولا وزن ولا اعتبار. يا عبد الله: صغيرة لكن ينبغي إذا فعلتها يعنى أن تتأثر من حالك. وأما صغيرة تستصغرها وتستسهلها؟ !. قال بلال بن سعد (1) لا تنطر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت فأنت عصيت أحكم الحاكمين ورب العالمين الجبار المنتقم سبحان وتعالى، فالذنب وإن كان صغيراً لكنه في حق الكبير الجليل الذي أغدق عليك نعمة في الليل والنهار ((وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)) (2) فيجوز في حقك أن تفعل ذنباً وأن تستصغره وأن تستسهله وأنه كأنه لم يجرمنك سيء! هذا ليس من علامات الإيمان.

(1) - وكان لأهل الشام كالحسن البصري لأهل البصرة عليهم رحمة الله جميعاً. توفى سنة 120 هـ.

(2)

- النحل: 53

ص: 150

ولذلك كلما استصغر العبد ذنبه كبر عند الله وكلما استكبر العبد ذنبه واستعظمه صغر عند الله جل وعلا. وقد ثبت في صحيح البخاري (1) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ـ والكلام موقوف عليه من قوله ـ يقول رضي الله عنه[المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل ويخاف أن يسقط عليه. والمنافق يري ذنوبه ـ وفى روايه عنه: والفاجر يرى ذنوبه ـ كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا] فانظر هنا لحال المؤمن كيف يستعظم الذنب. ويستكبره وينخلع قلبه منه ولحال الفاجر والمنافق. يرى ذنوبه ـ المؤمن ـ كأنه في أصل جبل ويخاف أن يسقط عليه. وإنما ذكر هذا التشبيه لبيان عظيم الروع الذي يحصل في قلب المؤمن. لأن من كان في أصل الجبل والجبل سينقلب عليه لا يرجى له السلامة ولا النجاة بحال من الأحوال. وليس سقف يمكن أن يهرب منه. جبل عظيم سينقلب عليه فكيف سيكون حال الروع في قلب المؤمن؟ وأما ذاك فانظر لهذا المثل كذباب وقع على أنفه. لِمَ قال: على أنفه؟ مع أن الذباب قلّ أن يقع على الأنف. إنما يقع على العين بكثرة. ثم على الفم أما الأنف قلّ أن يقع الذباب عليه؟. إشارة إلى حال الفاجر والمنافق. كأن الفاجر والمنافق لا يتذكر دينه ولا يخطر بباله كما أن الذباب لا يقع علي أنوف الناس ثم لو قدر أنه خطر الذنب بباله صال كحال الذباب إذا وقع على الأنف نادراً فيعمل الإنسان هكذا فيطير فهو لا يستحضر الذنب ويستصغره ويستسهله أصالة.

(1) - قلت: ومسلم أيضاً

ص: 151

ثم لو قدر انه استحضره لا يحتاج لا إلى روع ولا إلى كلفة ولا إلى جهد ولا إلى خوف يعمل هكذا ويزول عنه هذا الأثر ولذلك المؤمن جمع إحساناً وشفقة والمنافق والفاجر جمع إساءة وأمناً هذا محسن مشفق وذاك مسيء آمن ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) (1) يفعلون ما يفعلون من طاعات وقربات ومبرات يتقربون بها إلى رب الأرض والسموات ثم مع هذا قلوبهم وجلة. وأما أولئك إن أساؤوا قالوا: سيغفر لنا. وإن عملوا الصالحات التي في الظاهر صالحة والله أعلم بحقيقتها قالوا: سيتقبل منا. ويمنون على الله بذلك. هذا حال الفاجر: إساءة وأمن. والمحسن المؤمن: إحسان وخوف. ولذلك يرى المؤمن نفسه مع ذنوبه كأنه في أصل جبل ويخاف أن يسقط عليه وأما ذاك كذباب وقع علي أنفه فقال به هكذا. فاستصغار الذنب ينقلة من ديوان الصغيرة إلى ديوان الكبيرة.

ثالثها: الفرح والاستبشار:

(1) - المؤمنون: 60

ص: 152

هو ليس استكبر الذنب. بل أخبث وأشنع. فرح به والتذ وابتهج وتمنى أن يحصل له هذا باستمرار. خرج من البيت فوقع نظره على أمريكية ملعونة يقول: هذه نعمة حصلت لي. ليس كل ما أخرج تقع عيناي على هذا المنظر لتلتذ عيناي!! سبحان الله؟ ! أما يكفيك أنك عصيت الله؟ بدأت تفرح بالمعصية؟ وهذا حقيقة عندما تفرح يغضب ربنا جل وعلا. وهذه الصغيرة عندما يقوم في قلبك هذا المعنى الخبيث الذي فيه عدم المبالاة بالله الجليل، تنقل صغيرتك من صغيرة إلى كبيرة. أما لو قدر أنه نظر بمقتضى الطبع ولا فرح ولا استبشر. نظر. أغواه الشيطان فدار مع ميول النفس. ثم بعد ذلك إما صلي وغفر له. وتأثر وقال: يا رب أنا أخطأت ورحمتك واسعة. هو أرحم الراحمين أما أنه خرج واستبشر وتمنى أن يحصل له هذا باستمرار. هذا ليس من علامات الإيمان وتقدم معنا إخوتي الكرام. قلنا ليس من شرط المؤمن ألا يقع في مخالفة فـ[كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون](1) لكن من شرط المؤمن ووصف المؤمن وعلامة الإيمان أنه المؤمن إذا أخطأ يستاء ولذلك سميت سيئة. كما تقدم معنا ـ قلنا: صاحب الفطرة المستقيمة يستاء عندما يفعل السيئة وتسوؤه. فإذن إذا فعل سيئة يستاء حقيقة علامة الإيمان وتعظيم للرحمن مع أنه جرى منه ذنوب وآثام والإنسان فيه غفلة وفيه شهوة والشيطان يلم به ما بين الحين والحين. وهو معه في سجال حروب قائمة. قد أحياناً يغتر ويتغلب عليه الشيطان لكن بعد ذلك ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)) (2) فإذن هذا الطائف الذي حصل لهم ووقع منهم فيما وقع بعد ذلك يعود إليهم رشدهم ويتوبون الى ربهم جل وعلا. فإذن إذا وقع المؤمن في مخالفة وضاقت عليه نفسة وتألم وحزن. هذا يرجى له الخير. وأما إذا كان الأمر بالعكس. فرح والتذ وابتهج واستبشر وتمني أن يكون له هذا.

(1) - تقدم بخريجة صفحة 67

(2)

- الأعراف: 201

ص: 153

حقيقة هذا من علامات عدم حصول الإيمان في قلب الإنسان وأمر هذا الإنسان إلى ربه جل وعلا ، ولذلك أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن [من سرته طاعته وساءته معصيته فهو مؤمن] (1) فإذن إذا عصى يستاء وتضيق عليه نفسه. وإذا أطاع الله يفرح ويبتهج بأن الله منّ عليه بطاعته وعبادته. فهذا علامة الإيمان عندنا نحن الآن هنا الحالة الثالثة التي تكبر بها الصغيرة العكس: فعل صغيرة ففرح واستبشر وغبط نفسه أن تيسر له هذا المكروه. نقول: الصغيرة الآن نقلت إلى كبيرة. فلابد من توبة وأمرك إلى الله جلا وعلا.

رابعها: أن يتهاون الإنسان بستر الله وأن يغتر بحلم الله سبحانه وتعالى. فعل صغيرة فستر الله وحلم عليه وما عجل العقوبة عليه. فهذه الصغائر بعد ذلك قال: إذن يعنى أنا ما دام لا أجد لها أثراً وتزول عنى مباشرة إذن أسرح فيها وأمرح كما أريد. وظن أنه عندما لا تعجل له العقوبة كأنه يعني من المقبولين وأن هذه الصغيرة ليس لها أي تأثير أو أثر عند رب العالمين فاغتر بحلم الله وتهاون بستر الله إذا كنت عاقلاً وفعلت خطيئة وستر الله عليك فاستحي وقل يا رب سترتني وما فضحتني أعاهدك على عدم العود إلى هذا. وأما أنه سترك فتغتنم هذا؟ ! إذا كنت تسترني إذن أنا أبارزك بالمعاصي والعصيان. وإن كانت صغائر. فحقيقة الصغيرة وتكبر والكبيرة تزداد قبحاً عندما يتهاون الإنسان بستر الله ويغتر بحلم الله.

(1) - الحديث صحيح رواه الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورواه الطبراني في معجمة الأوسط عن على رضي الله عنه ورواه أحمد والبزار والطبراني في معجمة الكبير والحاكم في المستدرك عن أبى موسى ورواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن أبى أمامة رضي الله عنهم أجمعين

ص: 154

وقلنا أحمد بن يحي بن جلاد كان من أصحاب ذي النون عليهم جميعاً رحمة الله. وهو من علماء القرن الثالث الهجري توفى سنة 246 هـ وهذا كان تلميذاً له في ذلك الوقت. يقول: نظر إليَ شيخي ـ ذي النون وأنا أنظر إلى شاب نصراني وسيم ـ يتأمله وينظر إليه نظر شهوة وإعجاب ـ فقال لي: لتجدن غبها ـ أي مضرتها ـ يقول: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة! بهذه النظرة فإذن هذه المعصية التي فعلتها وأنت تتهاون بستر الله عليك وبحلم الله عنك لتجدن غبها إنتبه! والله يقول ((مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)) (1) ولذلك ورد في الكتب السابقة أن بعض الناس قال لله عز وجل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان: قل له كم عاقبتك ولا تدرى! أو ليس قد حرمتك لذيذ منجاتي؟ وهذه أعظم العقوبات.

(1) - النساء: 123

ص: 155

إخوتى الكرام: هذه الصلاة التي نصليها. والأصل هي قرة عين كما قال نبيا علية صلوات الله وسلامة (1) نحن عندما ندخل إلى المسجد ونكون في الصلاة التي نصليها كحال العصفور في القفص. تراه يدور. كيف ستنتهي الصلاة ليتخلص منها وليخرج من هذا المسجد وكأنه كان في سجن لماذا؟ هذه صلاة المنافقين. صلاة العادة التي ليست صلاة العبادة. إذا كانت هذه قرة عين وبها راحة الإنسان. كما قال خير الأنام علية صلوات الله وسلامة [أرحنا بها يا بلال](2) ليس أرحنا منها. أرحنا بها. يحصل لنا بها راحة من عناء الدنيا ونكدها. وأي راحة أعظم من مناجاة رب العالمين وأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين!. لو قدر أن بعض الناس تهيأ له لا أقول في الأسبوع في الشهر مرة يناجي الأمير. الملك. الزعيم. السلطان. أو ما شاكل هذا. وقيل له: مدة المنجاة نصف ساعة أكثر تقدير. وإذا أوجزت خمس دقائق أحسن. يقول: مددوها لعلها ساعة. أريد أن أستأنس وأستبشر وأفرح. هذه جلسة لا تكرر وأريد أن أعرض ما عندي. مع أنه يجالس بشراً مثله لا يملك لنفسه فضلاً عن غيرة ضراً ولا نفعاً. هذا مخلوق. بمجالسة هذا المخلوق تطير فرحاً! وتستقصر الأوقات الطويلة! وعندما تقف في مناجاة الله جل وعلا تستطيل الأوقات القصيرة! عجباً (لجد) أهل الباطل في باطلهم وعجز أهل الحق عن حقهم!؟.

(1) - قلت: الحديث ثابت بذلك في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي ومستدرك الحاكم والبيهقي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب. وجعلت قرة عيني في الصلاة]

(2)

- قلت: الحديث رواه الإمام احمد والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَهُ أمر قال: [أرحنا بها يا بلال] .

ص: 156

أنا أتأمل أحياناًَ عباد السلاطين في هذه الأيام عندما يُوقَفون في الشوارع عندما يريد أن يمر مخلوق من المخلوقات. يقفون في الحر ساعتين ثلاثة وأربعة وأحياناً خمسة وستة. وتفوتهم صلاة الجمعة بل جماعة بل

بل

حدث ولا حرج ولا واحد منهم يستطيع أن يترك من أجل أن يمر هذا الموكب. هؤلاء أهل باطل أنظر للجد الذي عندهم. وما واحد منهم يتذمر من أجل عرض الدنيا ومتاعها.

ص: 157

أنت الأن صل بالناس صلاة العشاء وأقرأ فيهم بالركعة الأولى سورة الملك فقط لا تطبل ثلاثين آية. وبالثانية سورة ن والقلم. لا أقول حتى تسمع أعتراضاً بالفم. حتى تضرب بالحصى أن كان في المسجد حصى! طيب يا عباد الله أين كنتم.؟ نحن نناجى رب العالمين ماذا نفعل؟ فانظر إلى أولئك ساعات طوال من أجل أن يمر مخلوق واحياناً يكون نصراني كافر لكن المراسيم تقتضي هكذا. أخرجوا هؤلاء ليقفوا في الشوارع من اجل أن يمر هذا الموكب ساعات طوال في خدمة مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وبعد ذلك دقائق في مناجاة الله يستثقلها؟ ! حقيقة هذه أعظم عقوبة عوقب بها من يدعى أنه مؤمن موحد أو لسنا قد حرمنا لذيذ المناجاة؟ أي شيء يحصل لنا في الصلاة الأن إلا الوساوس والأوهام أي شيء؟ وساوس في كل واد مهين. وكأن أمور الدنيا ومتعابها من حلال وحرام وما فيها من حطام لا يحصل ولا يرد على بالنا وفى بالنا إلا إذا قلنا: الله أكبر. وقد قال لي مرة بعض الناس: يا شيخ والله وأنا ساجد يوسوس لي الشيطان بالزنا! هذا أليس من أعظم العقوبات؟ قلت: فتش نفسك يا عبد الله. هذه أعظم عقوبة يعاقب الله بها عبده. إذا خذل الله العبد وغضب عليه حرمه لذيذ المناجاة. القلوب ترقص طرباً بالأنس بالله جل وعلا وبالفرح بذكره ((أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) (1) ومن لم يجد هذا من نفسه فليجدد إيمانه، ولينظر من أي باب أتى. لا يكون كحال ذلك الغافل: كم أعصيك ولا تعاقبني. فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان قل له: كم عاقبتك وأنت لا تدرى. أو ليس قد حرمتك لذيذ المناجاة؟ فالذي يخرج ويسرح نظره هنا وهناك وأذنه تسمع منكرات هنا وهناك.

(1) - الرعد:28

ص: 158

هذا يأتي للصلاة. كيف سيصلي؟ الله عليم بصلاته.حرم من روحها ولبها وهو لذيذ مناجاة الله جل وعلا. وما شرعت الصلاة إلا لذلك. فإذن إذا تهاون الإنسان بستر الله واغتر بحلم الله نقل الصغيرة من صغيرة إلى كبيرة. هذا أمر رابع الصغائر تصبح فيه كبائر.

خامسها: أن يكشف ستر الله عنه وأن يتحدث بالمعصية بعد أن ستره الله. هناك إغتر في نفسه. وأما هنا تحدث بلسانه. وهناك عصى. سُتِر وقال: نعمة إذن أنا عند الله مدلل، معاصيَّ وذنوبي ومخالفاتي ليس لها أي أثر. الله سترني وما أطلع أحداً من خلقه علي فاغتر وتجرأ على الله جلا وعلا بسبب حلم الله وستر الله له. أما هنا زادت الوقاحة. فبدأ يتحدث ستره الله. ثم جاء يقول: يا عباد الله أنا اليوم نظرت. وأنا اليوم لمست. وأنا اليوم قبلت وأنا وأنا

مما حرم الله، وإن كان في ديوان الصغار لكنه ينتقل إلى الكبائر. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه وبوب عليه البخاري باباً في كتاب الأدب يشير به الى هذا فقال: باب ستر المؤمن على نفسه. إذا وقعت في خطيئة فاستر نفسك فالله حيي ستير يحب الحياء والستر. ثم ساق الحديث بسنده عن أبى هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحه كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه] هؤلاء لا يحصل لهم عافية من الله جلا وعلا (1) .

(1) - وضبط: [كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجانة..] المجاهرة. المجانة. وكلها تفيد: الإظهار والكشف بعد الستر. إظهار وبيان بعد أن ستره الله. وألما المجون هذه زيادة قبح في الإنسان أنه وصف (بياض) عصى الله وهو ماجن ستره الله جل وعلا فأصبح يكسف ستر الله عنه.

ص: 159

سادسها: إذا كان فاعل الصغيرة يقتدي به: فصغيرته تكون كبيرة وكبيرته تزداد قبحاً وسوءاً. لأن هذا له شأن ليس كشأن العامة وأعماله عند الناس يقتدي بها وتتبع وما ضل من ضل في هذه الأيام من كثير من العوام إلا تقليداً لبعض علماء السوء الذين يفعلون المعاصي والآثام ولذلك عصى العامة التي يلوحون بها على الشريعة ويعترضون بها على دين الله فعل العلماء. هذه عصى العميان. يلوحون بها. يقول: فلان عالم يفعل كذا لو كان حراماً لما فعله. فإذا كان الإنسان يقتدي به وفعل صغيرة نقلت إلى الكبيرة. وإن كانت كبيرة تزداد قبحاً وسوءاً وقد أشار ربنا جل وعلا إلى هذا في كتابه وبين أن منزلة الإنسان إذا كبرت فينبغي أن يتنزه عن الآثام ففي حقها تكون أيضاً أكبر من كونها كبيرة وشنيعة في حق غيره. ((يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ)) (1) لأنه في مقابل: ((ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ)) (2) فإذا كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم وعليهن صلوات الله وسلامه أسوة لنساء هذه الأمة في الخير فإذن لهن أجر مضاعف لأنه سيقتدي بيهن فلهن أجرهن وأجر من اقتدى بهن وإذا صارت الواحدة منهن قدوة في السوء وفى الشر وفى السيئ فلها إذن عذاب مضاعف. ولذلك قال أئمتنا العالم سفينة إذا انكسرت السفينة تغرق. وتغرق.

(1) - الأحزاب:30

(2)

- الأحزاب:31

ص: 160

فتغرق من فيها ولذلك إذا كنت عالماً ـ طالب علم ـ فاتق الله وحذار حذار من الصغائر لأن الصغائر سيقتدي بها العامة فتنقل إذن من صغيرة إلى كبيرة وإذا كانت كبيرة تزداد قبحاً وسوءاً ذكر الإمام ابن كثير في البداية والنهاية (1) في حوادث سنة 110 هـ في ترجمة العبد الصالح وهب بن منبه وفي هذه السنة مات الحسن البصري ومحمد بن سرين عليهم جميعاً رحمات رب العالمين ـ يقول: وهب بن منبه وهو من أهل الكتاب الذين آمنوا بنبينا علية الصلاة والسلام ومن علماء هذه الأمة الصالحين الطيبين يخبرنا عما في الكتب السابقة يقول: كان بعض الملوك الجبابرة في الأمم السابقة قبل الإسلام ـ ينقل هذا عما يوجد في تاريخ الأمم السابقة يكره الناس على أكل لحم الخنزير. فكان كل من أمتنع يقتله. حتى قتل أناساً كثيرين. فقال له بعد ذلك بعض المسؤولين: ستفنى الأمة بهذه الطريقة التي فعلتها فلابد من بحث عن سبب لامتناع الناس عن أكل لحم الخنزير. لنعالج هذا السبب. أما: تحضر انساناً: كل لا يأكل. نضرب رقبته. هذا ليس بعلاج للمشكلة. فقال: صدقت. فأحضروا بعض العامة وقالوا: ستأكلون الخنزير. قالوا: لا نأكل. قالوا لم؟ قالوا حرام. قالوا: ومن يقول؟ قال: العالم الفلاني هذا قدوتنا. يقول حرام فنحن إذن بناءً علي قوله لا نأكل من لحم الخنزير فقال السلطان. الأمر يسير إذا أكل العالم تأكلون؟. قالوا: نأكل هذا هو قدوتنا وهذا سفيتنا إن نجت نجونا وإن غرقت غرقنا: فقال: أخرجوه. ثم استدعى العالم. وقال: ستأكل من لحم الخنزير؟ قال: لا قال: أقطع رقبتك. قال: إقضى ما أنت قاض. كل نفس ذائقة الموت. يعني غير قطع الرقبة ماذا تملك؟ كلنا سنموت إن لم تقطع الرقبة سنموت مثل البعير على فراشنا يعنى إن قطعت الرقبة ماذا جرى! يعنى هل قطع الرقبة يخوف والله لا يخف إلا قطع القلب وغضب الرب إذا انقطع القلب عن الرب هذا الذي يخوف ليس الميت من مات بدنه. الميت من مات قلبه.

(1) - 9/292

ص: 161

وليس المسجون من سجن بدنه. المسجون من سجن عن الله. يتخبط في هذه الحياة في الموبقات والمخالفات وإلا إذا سجن الإنسان سجنه يكون خلوه مع ربه ـ إذا سجن البدن وإذا قتل شهادة يذهب إلى رحمة أرحم الراحمين فيرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وإذا نفى من بلده يسيح ويدعو إلى الله عز وجل. ليس في هذا مضرة. قال أقطع الرقبة. قال: اقطع. فكان رئيس الشرطة عنده شيء من الليونة فجاء لهذا العالم ويكتم إيمانه ولا يعلم الأمير والسلطان بحاله. فقال: أنا على دينك. أذبح جدياً وأقدمه لك علي أنه خنزير فإذا أرغمك السلطان على الأكل فكل فهو جدي ـ سخلة ـ ليس يعنى بطعام حرام وأنا على دينك وإذا لم تثق فأذبح الجدي بنفسك وأحضره لي سراً أنا أحضره وأطبخه وأقدمة له ـ الذي ذبحته بيدك ـ وكل منه لتنجو من القتل. فقال: يكون خيراً فالسلطان قال: أحضروا الخنزير لا أريد أن اقتله قبل إحضاره لأنه لنقيم عليه الحجة ونقطع عذره فإذا حضر اللحم وما أكل بعد ذلك نضرب رقبته. فذهب المسئول عن الشرطة وذبح جدياً وطبخه وقدمه إلى هذا الشيخ الصالح قال السلطان كل. قال: هذه حرام لا آكله. قال: تضرب الرقبة: إقض ما أنت قاض. قال خذوه فاضربوا رقبته. فتبعه رئيس الشرطة وقال: أما قلت لك أنا على دينك وأكتم إيماني وهذا جدي حلال ذبحته وطبخته قال يا عبد الله أنا وأنت نعلم أنه جدي من الذي يُعلم الناس أنه جدي؟ الناس كلهم سيأكلون من لحم الخنزير لأنني أكلت أنا من هذا الجدي الذي هو عندهم خنزير فأنا أضل الأمة بأسرها من أجل أن أنجي نفسي! لا والله. أموت و ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)) (1) وماذا جرى؟ لما ذبح الحجاج ـ وقد أفضى إلي ما قدم ـ سعيد بن جبير علية رحمة الله ورضوانه أنظر للمذبوح يذكر ويترضي عنه وانظر للذابح لو أذن الله بلعنته للعناه. إنما نقول أفضى الى ما قدم. أنظر للذابح مات. وأنظر للمذبوح مات.

(1) - آل عمران:185

ص: 162

أين الذابح والمذبوح؟ الكل الأن عند أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين و ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)) (1) بماذا تضرر سعيد بن جبير عندما ذبح؟ عندما صلب سحرة فرعون أين هم؟ عند أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين أما لحق بهم ذلك العاتي! إلحق بهم. ما مصيره؟ ((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)) (2) أين ملوك الأرض والجبابرة؟ الذين كانوا يفعلون ويفعلون ويبطشون؟ أين طاغوت هذا الزمن الذي كان يقول: الذي سيعمل مشكلة ـ سافرمه بمفرمه؟ ولا يمكن أن نحكم بإسلام في هذه البلاد أو غيرها؟ هو وغيره كلهم تحت التراب. وهذا الكرسي لو كان لا ينتقل من الماضين لما جاء للحاضرين وهو عما قريب سينتقل عنهم الى غيرهم ((وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) (3) ولا ينفع عند الله إلا العمل الصالح. ((والْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) (4) والله لو تفكر الناس كلهم كما قال الإمام الشافعي علية رحمة الله ـ بهذه الآية لو سعتهم. هذه أيام منقضية في حق المؤمن وفى حق الكافر. لكن بعد ذلك ((فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)) (5) وأولئك: ((فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)) (6) شتان شتان بين هذا وذاك شتان شتان. ولذلك كيف أضل الأمة العامة لأنجي نفسي؟ !.

فإذا كنت ممن يقتدي به فاتق الله وحذار حذار من المخالفة، وصغائر الرجل الكبير كبائر وكبائر الرجل الصغير صغائر. رجل صغير تافه فعل كبيرة وكما يقال أقلع وزالت. هذا أمام الناس ليس لها شأن لأنه هو وضيع لا يقتدي به وأما ذاك إمام يقتدي به فصغيرته حقيقة كبيرة.

(1) - المدثر:38

(2)

- غافر: 46

(3)

- آل عمران: 140

(4)

- العصر: 1ـ3

(5)

- الروم: 15

(6)

- غافر: 72

ص: 163

ولذلك إخوتي الكرام: كثير من المعاصي والآثام في هذه الأيام تفعل لأن المركب يفعلها. (بياض) السفينة تفعلها. خذ مثلاً: جهاز التلفاز الذي ما حصل في الأمة الإسلامية مفسدة أشنع منه ولا أخبث سل المسلمين كيف تفعلونه وتدعونه في بيوتكم؟ وكيف استمرئتم واستحللتم وأبحتم لأنفسكم النظر الى النساء أشكال ألوان؟ أخبرونا! الذي يريد أن يبرىء نفسه يقول: يا شيخ هذا موجود في بيت المشايخ! فعندما يقول لك كأنه يخرس لسانك بهذا لكن هناك جواب. ليس أحد من خلق الله حجه في شريعة الله إلا النبي علية صلوات الله وسلامة. لا يقتدي بفعل أحد إلا بفعل المصطفى علية صلوات الله وسلامه. فإذا فعل هذا النبي حقيقة فعله حجة. أما فعل من عداه يعرض على شريعة الله فإن أصاب نقول أحسنت وإن أخطأ نقول أسأت. وما عندنا أحد يسلم له حاله ـ عندنا شريعة كما قال الإمام ابن الجوزي علية رحمه الله: لو رام أبو بكر رضي الله عنه وفداه أبى وأمي وحاشاه من ذلك ـ الخروج عنها لما أقررناه حاشاه من ذلك وهو الخليفة الراشد المتبع إنما " لو " حرف إمتناع لإمتناع لو قدر أنه خرج عن شريعة الله لما أقررناه لكن العامة لا (بياض) هذا يقولون: العلماء في بيوتهم. البنوك الربويه كيف تتعاملون بها؟ العلماء يتعاملون بها وأموالهم في البنوك الربويه. الحشيش والأفيون حتي مرة قلت لبعض الناس كيف تشربونه؟ يقول المشايخ يشربونه! الحشيش والأفيون يشربونه؟ ! يشربونه إذا كان الأمر كذلك هذه بليه.

ص: 164

لذلك إخوتي الكرام الأئمة المضلون حقيقة يفسدون في دين الله أفساداً عظيماً. فصغائر العالم الكبيرة كبائر وصغائر الشيخ كبائر كما أن العالم عندما يقتدي به في الخير له أجره وأجر من اتبعه. هكذا عندما يقتدي به في الشر. وطوبي لمن إذا مات ماتت ذنوبه. والويل لمن إذا مات بقيت ذنوبه ((إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ)) (1)(بياض) من عمل صالح أو سيء خلف عملاً سيئاً وأقتدي به هو ميت ولازالت السيئات (بياض) عليه، فله وزره ووزر من اتبعه الى يوم القيامة من غير أن ينقص ذلك من أوزار من اتبعه شيئاً (2) .

لذلك إذا كنت طالب علم فاتق الله في نفسك وحزار حزار أن تضل الأمة. ما فيه شبهة (بياض) . الأمور المتنازع فيها والمختلف فيها خذ بالاحتياط في شأنها ولا تترخص وتتساهل. ما هو صغير ابتعد عنه لأن الناس سيفعلون هذا ويكون بعد ذلك وزره وتبعته في رقبتك.

هذه ستة أمور تكبر لها الصغائر والصغائر تنتقل من ديوان الصغيرة الى ديوان الكبيرة. الإصرار والاستصغار. الفرح والاستبشار. التهاون بستر الحليم الغفار، التحدث بالمعصية بعد أن ستره الله. أن يكون ممن يقتدي به فهذه الأمور الستة إذا حصل واحد منها نحو الصغيرة نقول: نقلت الى ديوان الكبيرة فإذن لها أثار أخرى غير الآثار التي تقدمت معنا. سنبحث الأن في أثار الكبائر في الدنيا والآخرة.

(1) - يسن: 12

(2)

- قلت: هذا المعنى ثابت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وغيرهما من حديث المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها بعده من غير ان ينقص من أجورهم شي. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان علية وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيىء]

ص: 165

إذن خلاصة الكلام: أثار الصغائر في الدنيا ثلاثة: لا تزيل اسم الإيمان المطلق عن صاحبها. يكتسب القلب ظلمة. خفيفة يسيرة بمثابة الغبش عليها والغبرة التي تعلق بالثياب ولا يوجد زفت ولا نفط سوداء. الأمر الثالث: ليس فيها حد مقدر. إنما العقوبة عليها من باب التعزير. وأما في الآخرة فلها أثران: مغفورة ولا تنمع من دخول الجنة. هذا كله إذا لم يصر عليها ولم تنقل الصغيرة الى ديوان الكبيرة بواحد من هذه الأمور.

المطلب الثاني: أثر الكبائر

أولاً: في الدنيا:

للكبائر في الدنيا ثلاثة آثار أيضاً

ص: 166

1.

الأثر الأول: يكتسب القلب بفعل الكبيرة ظلمة لكن الظلمة شديدة عظيمة. بمثابة قطعة الزفت في الثوب الأبيض وبمثابة بقعة الحبر في الثوب الأبيض. هذه واضحة سوداء. زرقاء. إزالتها تحتاج إلى كلفة وجهد وقد لا يذهب لأثر وأما تلك كما قلنا ثياب بيضاء جاءت غبار صار فيها شيء من الشوائب يمكن بنفخ تطير. أما هنا ظلمة شديدة. إذا فعل كبيرة حصل في قلبه ظلمة شديدة وأي ظلمة أعظم مما أشار إلية نبينا علية الصلاة والسلام ـ كما يأتينا ـ في الصحيحين وغيرهما: [لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن] الإيمان يخرج من قلبك ويكون كالظّلة فوق رأسك (1) في حال فعل هذه الكبيرة ونظائرها فماذا سيكون حال القلب؟ ظلمة نعوذ بالله من تلك وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم الى هذه الظلمة. ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة. والحديث رواه ابن حبان في صحيحة والحاكم في مستدركه وقال على شرط مسلم وأٌقره على ذلك الإمام الذهبي عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إن المؤمن إذا أذنب ذنباً ـ وفى رواية: إذا أخطأ خطيئة ـ نكت في قلبه نكته سوداء] هذا الكبيرة الذي لا يغفر إلا باجتناب الكبائر ولا بالطاعات التي أمرنا بفعلها في جميع الأوقات من مكتوبات وجمعة ورمضان. [فإن نزع وتاب واستغفر] هذا كله أحكام كبيرة التي تحتاج الى توبة واستغفار.

(1) - قلت هذا جزء من حديث أبى هريرة رضي الله عنه المرفوع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[إذا زنى أحدكم خرج منه الإيمان وكان عليه كالظَّلَة. فإذا انقلع رجع إليه الإيمان] . أخرجه أبو داود والحاكم بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: 12/52 (انظر شرح السنة للبغوى: 1/90) .

ص: 167

وأما تلك قلنا مكفرة مغفورة باجتنابه للكبائر [صقل قلبه] أي هذه النكته زال أثرها وعاد النور وتلألأ القلب وابتهج هذا بفضل الله ورحمته وما امتن الله علينا منه بعد أن هدانا للإسلام وأكرمنا نبينا علية الصلاة والسلام كمنته علينا بالتوبة وأننا إذا أخطأنا ورجعنا إلية يقبلنا، واتبع السيئة الحسنة تمحها [فإن زاد] أي ما ينزع ولا تاب ولا استغفر فعل كبيرة ثانية أو عاد لتلك الكبيرة [زادت] النقطة صارت بقعة كبيرة [حتى تعلو قلبه] أي تغطية وتحيط به وتكون كالغلاف له وتغلبه فلا يعي ولا يفقه. [فذلك هو الران الذي ذكر الله في كتابه ((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (1) ] النتيجة بعد ذلك ((كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ. ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ. ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)) (2) إذن تاب ونزع واستغفر بصقل القلب ويعود الى حالته والثوب إذا اتسخ وغسل كأنه لم يتوسخ أصلا غسلته وكويته ولبسته، قد يظنه الناس جديداً وهكذا حال التوبة يتوسخ الإنسان بهذه القاذورات ثم يعفر وجهه بين يدي ربه وتسيل دموعه على وجنتيه وعلى خديه ويقول يا رب أخطأت وأذنبت فاغفر. فيقول الله ـ كما في صحيح البخاري [علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب ويعاقب عليه. أشهدكم أني قد عفرت له](3)

(1) - المطففين:14

(2)

- المطففين:15-17

(3)

- قلت: الحديث متفق على صحته من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن عبداً أصاب ذنباً وربما قال أذنب ذنباً ، فقال: رب أذنبت. وربما قال: أصبت. فاغفر لي. فقال ربه أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي. ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً أو أذنب ذنباً فقال: رب أذنبت. أو أصبت ـ أخر فاغفره؟ فقال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي..ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً وربما قال: أصاب ذنباً قال: قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي. فقال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثاً فليعمل ما شاء] هذا لفظ البخاري. ولفظ مسلم: عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه عز وجل قال: [أذنب عبد ذنباً فقال. اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي ربي اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالي أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك]

ص: 168

وإذا غفر الله صقل القلب وعاد الى حالته. لكن إذا لم يتب وعاد زادت هذه البقعة حتى تعلوا القلب في النهاية وتحبط به وتغطية فيضرب الران بعد ذلك ((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) .

2.

تقدم معنا أن الصغائر ليس في واحدة منها حد مقدر أما هنا الكبائر فيها حد وعقوبة في العاجلة لكن العقوبة تنقسم إلى قسمين: أما عقوبة مقدرة على بعض الكبائر شرعها الله وبينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز تجاوزها لا زيادة ولا نقصاناً. وإما هناك كبائر شرعها جعلت العقوبة عليها موكولة لولى الأمر بما يردع الناس. فإن الكبائر عليها عقوبات لكن إما من باب الحد المقدر وإما من باب التعزير بخلاف الصغائر.

ص: 169

ما الضابط للكبيرة التي عليها حد مقدر؟ فالزنا فيه حد مقدر. اللواط فيه حد مقدر. شرب الخمر فيه حد مقدر. السرقة فيها حد مقدر. وهكذا بعض الذنوب. كبائر هذه كلها. أكل الخنزير فيه حد مقدر. كبيرة ليس فيه حد مقدر. أكل الميتة كبيرة ليس فيه حد مقدر. شرب البول كبيرة ليس فيه حد مقدر. التعامل بالربا كبيرة ليس فيه حد مقدر التصوير كبيرة ليس فيه حد مقدر. إذن ما الضابط بين الكبائر التي فيها حد مقدر والكبائر التي ترك الحد فيها لرأى الإمام بما يردع الناس؟ لم فرق الشارع بين الكبائر فرتب على بعضها حداً مقدراً لا بد من تنفيذه وبعضها لم يرتب حداً مقدراً الإمام له أن يعاقب بما يردع الناس وقد يسقط العقوبة عن بعض الناس ويقيله عثرته على ألا يعود؟ قد. لأن عقوبة التعزير لا يلزم الإمام. ولى الأمر. والقاضي بشيء محدد فيها على حسب ما يجتهد في دين الله بما يردع هذا الإنسان لا محاباة. فإذا رأى أنه من ذوى الهيئات ووقع في بليه التصوير في وقت من الأوقات. بكسر آله التصوير ويقول له: استحى من الله ولا داعي لأجعلك نكالاً وأن أقيم لك عقوبة أمام الناس. استحى مثلك ينبغي أن يتنزه عن هذا. فيقول: أخطأت وعثرة لا أعود إليها. أما إذا اطلع على إنسان عنده محل للتصوير والتصوير هذا كسب ويصور أشكال ألوان.. فهذا إذا قبض علية يقول أقلني عثرتي؟ ليس من الحكمة أن يقال. لا بد ألان من الأخذ على يديه بما يردع السفهاء أمثاله وهكذا لو أخذ انساناً يرابى صاحب بنك وقال: أقلني عثرتي أنا ألغى البنك هذا إذا كانت الأحكام شرعية. عمل إنسان مؤسسة لا أقول علنيه خفية. أما علنية الذي يرخص في بنك فهو كافر فكيف بمن يحمى البنوك الربوية ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) (1) لا يوجد ترخيص لا لبنك ولا لخمارة ولا لسينما ولا لشيء من هذا.

(1) - المائدة: 44

ص: 170

إنما لو قدر في الدولة الإسلامية أن إنساناً تعامل بالربا عن طريق التعامل الخاص. طالب علم أطغاه الشيطان. قال الإنسان أقرضك مائه على أن تردها لي مائه وخمسين. وعلم ولي الأمر وقال تعال: أنت تتعامل بالربا! ما تستحي من الله؟ يقول: أنا أخطأت وإن شاء الله لا أعود وإقالة ذوى الهيئات عثراتهم مقبولة. إذا عفوت عنى أعاهد الله على أنني لا أعود إلى الربا بعد ذلك فقد يلقى في روع ولى الأمر أن يعفو عنه فلا حرج لأن هذه عقوبة ليست مقدرة. بخلاف السرقة لو سرق شيخ الإسلام وثبتت السرقة ليس لولى الأمر أن يعفو عنه. لا بد من قطع اليد. أما ما لا حد فيه مقدور موكول لولي الأمر بشرط ألا يحصل فيه محاباة؟ والله سيحاسبه هل فعل هذا من اجل ان هذا حقيقه بتعنيف يرتدع! أو فعل هذا من أجل محباه؟ الله سيحاسبه على أحكامه التي يحكم بها. إذن بعض الذنوب الكبائر فيها حدود مقدرة وبعض الذنوب الكبائر ليس فيها حدود مقدرة ما الضابط في هذا؟.

ص: 171

قال الإمام ابن تيمية (1) قاعدة الشريعة المطهرة في المحرمات أن ما تشتهه النفوس من المحرمات جعل فيه حداً مقدراً ليكون مع الزاجر الشرعي زاجر طبيعي. وهو العقوبة. الزاجر الشرعي: المؤمن عنده زاجر شرعي عندما يريد أن يزني وعندما يريد أن يسرق وهو خشية الله والخوف منه ونظر الله إليه ثم جهنم في الآخرة. هذا زاجر شرعي. لكن أحياناً قد تكون مقتضيات ومتطلبات هذه الجريمة قوية في نفسه وما عنده إيمان عظيم يزم نفسه بزمام التقوى والخشية من الله: يقول أزني ثم أتوب ورحمة الله واسعة. أسرق ثم أتوب. فشرع إذن عقوبة عاجله من أجل أن يستحضر الأمرين. أولاً زاجر شرعي وهو أن هذا حرام وهذا أعظم زاجر عند المؤمن لأن الذي يزجره في الأصل هو خشية الله لا الأحكام العاجلة كل واحد يمكن أن يتفلت من الأحكام الظاهرة وأن يخدع الحكام لكن هل يخدع من لا تخفى عليه خافيه في الأرض ولا في السماء؟!

(1) - كما في مجموع الفتاوى 34/198 وذكرة في صفحة 214

ص: 172

قد إنسان أمام الناس لا يفطر في رمضان لكن من الذي يطلع على سره هل مفطر حقيقة أم لا؟ لا يعلم هذا إلا من يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى فالأصل في الزاجر عند الإنسان المؤمن: [ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله](1) لا أخاف سلطاناً ولا أخاف بطشاً. وقد يكون في دول إباحية تكافىء على الزنا، تعطى جوائز. [أخاف الله] هذا حرام. هذا الزاجر الشرعي. قد يخبو وقد يقل هذا الزاجر في نفوس بعض الناس فلا بد من زاجر طبيعي وهو أن يقول: إذا زنيت مائة جلدة. وننفيك سنة وهذه بهدلة ما بعدها بهدلة. فيقول: يعنى لو لم يكن هناك حد مقدر كان ممكن أقع. لا من باب التهاون بحق الله والاجتراء عليه والاستخفاف به. لا من باب أن الله حليم ورحيم وأتوب إليه. ورحمة الله واسعة كما قال إخوة يوسف: ((اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)) (2) تتوبون إلى الله عزموا على التوبة قيل الذنب. والمسألة سهلة نقتله ثم نتوب. ((وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)) وهذا المؤمن ما يعصى إستخفافً بحق الله. لا يتصور هذا أبداً ولو فعل هذا لكفر. إنما أحياناً تأتى المثبطات والإغراءات الشيطان: الله حليم. ورحيم وهو غفور ورحمته واسعة. ولا تضره معصيتك

فيفتح له باب الردى حتى يقع.

(1) - قلت: هذا الحديث متفق على صحته من حديث؟ أبى هريرة رضي الله عنه المشهور وتمامه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل. وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد. ورجلان تحابا في الله إجتمعا عليه وتفرقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه]

(2)

- يوسف: 9

ص: 173

فبعد ذلك المؤمن يتذكر ويعود لكن عندما يكون هناك زاجر طبيعي مع الزاجر الشرعي يقول الإنسان لنفسه: هب أنني فعلت وأردتة أن أتوب لكن إذا أطلع على كيف سأتخلص من عقوبة الدنيا؟ فإذن أنا من الحكمة أن ابتعد. هنا زاجر شرعي وزاجر طبيعي يتألم منه الإنسان ولذلك قال الله ((وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)) (1) وما ذكر الله حداً! من الحدود وقال: لا تأخذكم بهما. بأصحابه رأفة إلا في حد الزنا بين المتحابين. هذا في الغالب. فيقول: هذه عشيقتي محبوبتى ووقع منها برضاها. يعنى نقيم عليها حداً! يكفى أننا نعنفها ونوبخها وكل واحد يتوب بينه وبين ربه. فالنفوس أحياناً قد تتساهل في تنفيذ هذا الحد. لو جئت بالقاتل تقول: هل هناك مجال تعفون يا عباد الله أو تتجاوزون عن القاتل وترون ألا نقيم هذا الحد؟ يقولون: لا. لا تصلح الحياة إلا بالقصاص. لا مجال للعفو. والسرقة: تريدون ألا نقطع اليد؟ يقولون: أموالنا لا يصبح أمان عليها. أما الزنا يقولون: في الأصل نساءنا مستورات إذا واحدة رضيت وذاك رضي يعنى في مجال لان يحصل حكم وصفح وعفو وستر وما شاكل هذا.

ولذلك في هذه الجريمة على وجه الخصوص قال الله ((وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ))

(1) - النور:2

ص: 174

ليحصل الاعتبار والانزجار ولندعوا لهذا المحدود بعد أن يقام عليه الحد: اللهم اغفر له وارحمه. فهو أخ لنا ما خرج من حظيرة الإيمان مهما جرى منه من معاصي وذنوب. وكل بنى آدم خطاء. إذن بعض الذنوب فيها زاجر طبيعي مع الزاجر الشرعي. وبعض الذنوب اكتفى الشارع فيها بالزاجر الشرعي لأنه لا يوجد ميل من الطبيعة إليها. فما تشتهيه النفوس جعل فيه زاجر شرعي وطبيعي.

الخمر تشتهيها النفوس أم لا؟ الميتة تشتهيها النفوس؟ ما تشتهيها. كلب تشتهيه النفوس؟ نقول لإنسان كل لحم الكلب. يقول: لا آكله. نقول له: يعنى تتوب. يقول لو كان حلالً ما أكلته. ليس هو موضوع توبه. لا أريد أن أكله. فإذن هنا يختلف الأمر عن الخمر. فالخمر تشتهيها النفوس وتتعلق بها فقد يخفت الإيمان ويضعف في قلب المؤمنين فيشربونها.

فلابد من زاجر طبيعي وهو جلد ثمانين جلدة أو أربعين جلدة لينزجر. وهكذا الزنا فيه كما قلنا دافع طبيعي لكل من الصنفين. فلا بد من حد. أما أكل لحم الخنزير ولحم الكلب. وما شاكل هذا. فلا بوجد اشتهاء طبيعي. النفوس لا تميل إليها. فاقتصر الشارع على الزاجر الشرعي: هذا حرام. حرام انتهى هو نفسه لا تميل إليه بخلاف ذاك.

ص: 175

ولذلك إخوتي الكرام: الحشيش والأفيون والمخدرات هل تشتهيها النفوس أم لا؟ المعتمد كما حقق الإمام ابن تيمية وهو عند هذا المبحث في الفتاوى عندما ذكر هذا الضابط الكبيرة التي لها حد والكبيرة التي ليس لها حد يقول: الحشيش والأفيون ـ المخدرات ـ هذه تشتهيها النفوس فحكمها حكم الخمر. الخمر حكمها حكم البول في النجاسة. وهذه حكمها حكم العذرة في النجاسة. ولذلك إذا حملت قطعة حشيش أو أفيون كما لو حملت عذره. إذن لو حملت خمراً كما لو حملت بولاً. هذا نجس وهذا نجس. وفى كل منهما الحد. وعند كلام هذا العبد الصالح أريد أن أشير إلى سفاهة أهل الأرض قاطبة في هذه الأيام. كيف اجتمعوا ـ ولا بارك الله جمعهم المنكر ـ على تحريم المخدرات من حشيش وأفيون وكيف أجمعوا على استحلال المسكرات؟ أنا أريد أن اعلم فقط. حقيقة عندما أفكر في هذه القضية يكاد الإنسان أن يذهل؟ ! جهود جبارة حتى في أمريكا ـ عليهم غضب الله ـ تبحث من أجل معالجة المخدرات وعقوبة المخدرين، ووصلت العقوبة في كثير من البلدان إلى الإعدام. طيب والخمارات؟ هذه تقدم في ثكنات الجيش. وهى في بيوت الأمراء والوزراء والملوك والرؤساء. وأما الخمارات بعد ذلك في البلدان لعلها تزيد على عدد البقالات! وفى بعضة البلدان لا يوجد بقاله إلا وفيها خمر. والناس لا يشربونه لكن مرطبات. لا يقول أعطني زجاجة بيرة أو زجاجة خمر. لكن: مثلجات! من أجل أن ينعش بدنه بالرطوبة والبرودة. سبحان الله العظيم! كيف استحلال للخمور التي هي أم الخبائث وتحريمها قطعي في كتاب الله ومن استحلها فهو كافر. ثم تحريم مشدد للمخدرات من حشيش وأفيون أو غير ذلك من المخدرات الأخرى؟؟. أنا أعجب غاية العجب لسفاهة الناس كل من الأمرين مزيل للعقول، ويخرج الإنسان عن رشدة ووعية ويجعلة يتصرف بغير وعى وإدراك. نعم اثر الخمر ـ كما قال أئمتنا ـ يختلف عن أثر الحشيش. هذا في حق الفاعل والأمة فقط. أما التحريم واحد.

ص: 176

الخمر من شربه يكتسب نخوة وحمية وشجاعة وغيرة، أي هذه تصبح فيه. ولذلك السكير عندما يسكر تراه يحمل السكين وأنا أبو فلان وأنا أبو فلان..! وهو؟ أشد الناس غيرة على عرضة. أما الحشيش بالعكس. شاربها يصاب بنذالة وخنوع وذل في نفسه. لكن الأمة منه في سلامة إذن ضرر الخمر على الأمة أعظم من ضررها على الشارب وضرر الحشيش والأفيون على الشارب أعظم من ضرره على الأمة بكثير. لا ذاك إذا سكر لا يوجد مُخَدَّر على وجه الأرض يحمل سكينا ويخرج إلى الشارع ولذلك إذا شرب المخدر وصببت بجواره قطرة ماء يظنها المحيط الهادي سيلقى فيه ويغرق. ويصيح ويبكى. أما ذاك السكير تراه بمجرد ما يسكر يخرج إلى الشارع وقطع الطريق ويضرب المارة الذاهبين والآيبين. فذاك يصول ويجول وهذا عنده خنوع وذل وامتهان.

ص: 177

ولذلك أنظر للمحشش ترى عليه أثر الذل وكأن أذناه مائلتان. كأذني الحمار. مهتل ومتمسكن وماشى؟. لأنه يفقده الغيرة فضرة في بيته. فلو اى زوجته يزنى بها لأعرض بوجهه عنها ولما قال لها ماذا تفعلين. بخلاف السكير. السكير من الذي يستطيع أن يمشى بجوار بيته ويتسمع إلى نافذة من النوافذ؟ فذاك ضرره على الأمة أشد يكون عليهم. لكن في حق نفسه ما حصل هذا الضرر من فقدان الغيرة والنخوة والمروءة. المخدرات ضررها على الشارب والمتعاطي أكثر من الضرر على الأمة لكن في كل منهما ضرر. وكل منهما محرم. وكل منهما تشتهية النفوس وكل منهما فيه الحد فكيف هذا يقال له نخب (بياض) ويقدم في حفلات الجيش سبيل! طلباً للثواب عند الشيطان! بلا ثمن والأعراس ألان لا تقام أعراس المسلمين إلا بخمور. وأما المخدرات هذه محظورة؟ نعم محظورة لكن يا إخوان القردة والخنازير تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض!!؟ الذي حرمة الله نصاً صريحاً جلياً في كتابنا استحللتموه أو ذاك ألحق به ولما بحثنا في وصفه قلنا: يأخذ حكم الخمر منعتموه! ما هذا العقل وما هذه السفاهة التي تتلبسون بها؟ وإذا كان الكفار عندهم هذا التناقض فلا عجب فأمة غضب الله عليها وقال فيهم: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)) (1) لكن نحن نعجب لأنفسنا كيف نجرى وراءهم فنحل الخمر الذي حرمة الله ثم نصد أعظم وأشنع العقوبات في حق من تعاطى المخدرات؟ وواقع الأمر بعد ذلك: عتاة الأمة والجبابرة يتعاطون الأمرين المسكر والمخدر ثم بعد ذلك المخدر يمنع منه المساكين. وأما الخمر فهذا مبذول للجميع. وصار الأمر في بعض البلاد يكتب نشرة لمن يريد أن يدخلها: يسمح بإدخال لترين من المشروبات الروحية. صار الخمر مشروباً روحياً؟ ! الخمر مشروباً روحياً! ولو وجدوا معه قطعة حشيش لصلبوه. أسال الله أن يصلبهم في الدنيا والآخرة. كيف تحلون ما حرم الله وتعطون نشرة: يسمح بإدخال لترين.

(1) - طه: 124

ص: 178

ثلاثة ممنوع حتى تشترى منة هناك وينتفعون منك. لانك قدمت للسياحة إما تدخل ثلاث لترات وتقيم ثلاث ليال كل ليله تشرب لتراً. إذن ماذا استافدوا منك؟ سيبعون زجاجة الخمر بمائة درهم لا بد من أن تحضر لترين فقط ولترين هذا مسموح به رسمياً!!

فإذن قاعدة الشريعة في الكبائر التي فيها حد مقدر والتي ليس فيها حد مقدر: أن ما تشتهيه النفوس فيه عقوبة مقدرة وما لا تشتهيه النفوس اكتفى الشارع فيه بالزاجر الشارع وما جعل معه زاجرً طبيعياً.

3.

الأمر الثالث (1) يزول عن فاعلة الكبيرة اسم الإيمان المطلق ولا يزول عنه مطلق الإيمان. فلا تقول لفاعل الكبيرة مؤمن مطلقاً لكن لا نخرجه مع ذلك من الإيمان نقول: مؤمن. مقيد: مؤمن عاصي. مؤمن فاسق. مؤمن مسرف. مؤمن متجاوز لجدود الله لا نكفره ـ انتبه! ـ لكن لا نطلق عليه الاسم الكامل لأن هذا لا يحصل ولا يطلق إلا على من فعل الواجبات وترك المحرمات ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)) (2) أما مؤمن كذاب تقول عنه: هذا مؤمن؟ لا تقول هذا مؤمن كذاب. مؤمن عاصي. مؤمن فاسق. قيد بقيد لتبين أن إيمانه ليس على وجه التمام والكمال.

إخوتي الكرام:

(1) - وهو أطول الآثار وهو موضوع الإيمان وهل يبقى صاحب الكبيرة في الإيمان أو يزول عنه الإيمان؟ أقول باختصار ثم أحقق المسألة ووعيها وإدراكها ضروري جداً.

(2)

- المؤمنون:2-4 هذه الآيات في الأنفال وليست في المؤمنون

ص: 179

الكبائر تزيل الإيمان المطلق عن مرتكبها ولا تزيل عنه مطلق الإيمان بخلاف الصغائر فقلنا لا تزيل عنه الإيمان المطلق فمن فعل صغيرة يطلق عليه لفظ الإيمان بلا قيد ولا يخرج عنه رتبه الصلاح والاستقامة [إن تغفر اللهم تغفر جماً وأي عبد لك لا ألما](1) والله وعدنا أننا إذا اجتنبا الكبائر أن يغفر لنا الصغائر ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (2) .

فمن ارتكب صغيرة لا يزول عنه الاسم المطلق للإيمان فيقال له: مؤمن. بلا قيد. وأما من فعل كبيرة فقد زال عنه الاسم المطلق لكن ما خرج من مطلق الإيمان. الاسم المطلق هنا لا ينصرف ولا يطلق إلا علي من قام بمقتضيات الإيمان من الإقرار والاعتقاد والعمل فلم يخرم ذلك بتضييع مأمور ولا يفعل محظور ـ أي من الكبائر ـ فإذا فعل شيئاً من ذلك زال عنه الاسم المطلق ولا يجوز أن تقول عنه إنه مؤمن إلا بقيد. مؤمن عاص مؤمن فاسق. مؤمن مسرف مؤمن ظالم. مؤمن متجاوز لحدود الله مفرط. هل خرج من مطلق الإيمان وما بقى معه شيء منه بحيث دخل في حظيرة الكفران واستوجب الخلود في النيران؟ لا. مطلق الإيمان ـ كما قلنا ـ بقي معه لكن الاسم المطلق زال عنه. وبذلك قال أهل السنه الكرام: لا يطلق عليه إسم مؤمن مطلقاً إلا بقيد ولك أن تنفى الإيمان عنه على إعتبارات سنذكرها عندما تريد نفى الإيمان الكامل ولك أن تصفه بالكفر لا الكفر الذي يعنى به الخروج من الملة الذي يستوجب فاعلة الخلود في النار. إنما يقصد به الكفر العملي الذي هو كفر دون كفر. فإذن لفظ الإيمان لا يطلق عليه إلا بقيد ولك أن تنفى الإيمان عنه ولك أن تصفه بالكفر على مراعاة على انه كفر دون كفر النعمة لا كفر المنعم والجحود.

(1) - تقدم صفحة 56

(2)

- النساء: 31

ص: 180

إخوتي الكرام: وقد وردت النصوص عن نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه الأمور ودارت حول خمسة أوصاف وصفت بها فاعل الكبيرة. فلنذكر هذه الآثار ولنبين موقف أهل السنة الإبرار نحوها كما ذكرت علم التفضل المتقدم لنرى أن أهل السنه هم الذين آمنوا بنصوص الشرع كلها ولم يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعض كما هو حال أهل البدع أهل الغلو المتشردين المتطرفين المنحرفين فى الزمن القديم وفى الزمن الحديث.

وفي الزمن القديم وجد الخوارج والمعتزلة الذين كفروا صاحب الكبيرة وقالوا: خرج من الإيمان واستحق الخلود في النيران ووجد المعتزلة. قالوا: خرج من الإيمان واستحق الخلود في النيران وإن لم يطلقوا عليه لفظ الكفر كالخوارج وقالوا هو في منزلة بين منزلتين ـ كما سيأتينا ـ وهكذا في هذا الزمن وحد من يكفر العصاة لا سيما وللخوارج امتداد موجود في هذا الوقت وهم الاباضيه وهكذا من يستقى من ضرعهم الآسن يكفرون أهل المعاصي ويستدلون بعمومات صدرت عن نبينا علية الصلاة والسلام. لكن لا بد من الإيمان لجميع ما صدر عنه لئلا نؤمن ببعض نصون الشرع ونكفر ببعض نصوص الشرع:.

الصفة الأولى: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المعاصي الكبيرة والآثام العظيمة تعتبر كفراً. ومن فعلها أطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الكفر. لكن ماذا يراد منه ـ كما تقدم معنا ـ الكفر الذي هو كفر النعمة لا كفر المنعم. كفر العمل لا كفر الجحود الذي هو كفر دون كفر، كما سيأتينا إن شاء الله بعد سرد هذه النصوص ـ فمن هذه الأحاديث.

ص: 181

ما ثبت في مسند الإمام احمد وصحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب والنياحة على الميت] فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم على هاتين المعصيتين الكبيرتين لفظ الكفر. الطعن في النسب. أن تطعن في نسب غيرك. والنياحة على الميت. وكل من هاتين المعصيتين من المعاصي الكبيرة والذنوب العظيمة. فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم عليهما لفظ الكفر.

وفى مسند الإمام أحمد والكتب الستة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: [لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض] فاعبر النبي صلى الله عليه وسلم قتل المؤمن وضرب رقبته طفرا.

وثبت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة باستثناء سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [سباب المسلم فسوق وقتاله كفر] هذه الصفه الأولى لفاعل الكبيرة أطلقت من نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه كافر |. وكما تقدم معنا عند أهل السنة يجوز أن نطلق عليه لفظ الكفر إذا قصدنا الكفر الذي هو دون كفر أي كفر النعمة لا كفر المنعم سيأتينا ما الذي جّرنا إلى هذا التأويل والى حمل حديت نبينا صلى الله عليه وسلم الجليل على هذا المعني عندما ما يعارضه فلا بد من الجميع لئلا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض فنحن نؤمن بالكتاب كله. وعندما نتعارض الأحاديث في الظاهر لا بد من الجمع بينها. على حسب ما أرشد نبينا عليه الصلاة والسلام.

الصفة الثانية:

ص: 182

نفى نبينا علية الصلاة والسلام الإيمان عن مرتكب الكبيرة. ففي مسند الإمام أحمد والكتب الستة عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن] إذن من صدر منه واحد من هذه الأمور نفى نبينا صلى الله عليه وسلم عنه الإيمان السرقة والانتهاب وشرب الخمر والزنا. ويلحق بذلك سائر الكبائر.

ص: 183

وثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه والحديث رواه البخاري أيضاً حديث أبي شريح العدوى رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قالوا: من يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه] يعنى غوائله وشروره وفتنته وضره وبلاياه. فلا يأمن من جاره. لا يأمنه على عرضه ولا على ماله إن غاب وإذا قابله يحترس منه لئلا يحدث له مشكله. فنفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن يؤدي جيرانه وقد ورد مثل هذه شيء كثير. منه ما فى المستدرك والصحيحين أيضاً من حديث أنس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه] جاء المتشددون المنحرفون في هذا العصر فقالوا: مفهوم الحديث أن الإنسان لم يتصف بها ليس معه ذرة إيمان. إذن ليس بمؤمن! هي أحكام شرعية أو أوامر عسكرية؟ من الذي أخبركم بهذا؟ ! [لا يؤمن أحكم] نفي عنه الأيمان الكامل وليس معنى هذا لأنه خرج من حظيرة الإيمان فمن آذى مؤمناً حتما استحق لعنه الله لكن هل كفر؟ هل يخلد في النار؟ لا ثم لا. الله يقول عن هذا فى كتابه ((وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

ص: 184

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (1) وقال في حق القاتل ((فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)) (2) مع انه قاتل: إذن أخ ما خرج من حظيرة الإيمان لكنه عصى الرحمن واستحق سخطه واستوجب النار التي لا يخلد فيها. إن عذبه الله فإذن ليس معنى لا يؤمن كما يقول المنحرفون في هذا الوقت. بقولون: معناه ما عنده ذرة إيمان ويرتبون بعد ذلك أحكام الكفر على البشرية جميعاً في هذه الأيام وهذا شطط ما بعده شطط. اتقوا الله في أنفسكم وفى أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. وحذار وحذار أن يسير الإنسان في الأحكام الشرعية نحو عواطفه وميوله وهواه فيضل أكثر مما يصلح. وكل أمر وكل حكم من أحكام الشرع للشيطان فيه نزعتان لا يبالى الشيطان بأيهما وقعت إما غلو وإما تقصير إفراط أو تفريط ثم يجعلك تتشدد وتكفر الناس. وأما يجعلك أيضا يتبلد شعورك فتقول: المعصية لا تضر والناس لا داعي أن ننكر عليهم رحمة اله واسعة دعوهم يسرقون ويزنون ويشربون الخمر ورحمة الله واسعة. هذا ضلال وهذا ضلال ((وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ)) .

إذن الصفه الثانية التي أطلقها نبينا صلى الله عليه وسلم على فاعل الكبيرة ففي الإيمان عنه ونحن لا زلنا نتحدث عن أحكام الآخرة وسيأتينا ما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم عن فاعل الكبيرة.

(1) - الحجرات: 9، 10

(2)

- البقرة: 178

ص: 185

الصفة الثالثة: أخبر نبينا علية الصلاة والسلام أن من فعل كبيرة واتصف بموبقة فهو جاهل ولا يعنى أنه خرج من الدين الإسلامي إنما ارتكب خصلة من خصال الجاهلية وهذا هو الذي قلنا كفر دون كفر. كفر جحود؟ لا ليس كفر الجحود والذي يخرج من الملة. إنما وافقة الكفار في هذه الخصلة وقلبه ممتليء إيماناً. وقد ثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود والترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ساببت رجلاً ـ وهو بلال رضي الله عنهم أجمعين ـ فعيرته بأمة. قلت له: يا ابن السوداء فقال النبي صلى الله عليه وسلم[أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية] هذا قيل لمن؟ لأبي ذر وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام احمد وسنن الترمذي وغيرها بسند صحيح كشمس [أصدق أمتي لهجة أبو ذر. ما أظلت الغبراء ولا أقلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. أشبه عيسي بن مريم في زهده وورعه. فقال عمر بن الخطاب: أنعرف ذلك له يا رسول الله. قال نعم. تعفوا له ذلك] هو أصدق هذه الأمة لهجة. لكن عندما زل، وعندما أخطأ لا بد من أن نزن بالقسطاس المستقيم وأن نخبره بأنه في هذا الوقت هو جاهلي. ليس معناه كأبي جهل. ومعه في دار الجحيم. وإذا كان أبو ذر في هذه الخصلة كفر واستوجب النار فمن الذي سيدخل الجنة بعد ذلك من الخليقة؟ مَنْ؟ إنك فيك جاهلية.

ص: 186

فما كان من أبي ذر إلا أن وضع خده على الأرض وقال: والله لا أرفعه حتى بطأ بلال خدي بقدمه هذا الذي يتكبر على الناس لا بد من علاج نفسه بشيء شرعي ولا مانع بل هذا محمود ومطلوب أن يؤدب الإنسان نفسه إذا خرجت عن شريعة الله بشيء شرعي. أما بشيء غير شرعي فلا يجوز. فلو قدّر انه نظر إلى امرأة بشهوة لا يجوز أن يقلع عينه. ولو قلع عيناه فهو آثم يجوز أن يقول: يا نفس أنت تنظرين لأمنعنك طعام الغداء والعشاء. هذا لا حرج لأجل أن يضعف الشهوة في نفسه. يا نفس أنت تنظرين ثلاثة؟ أيام صيام متتابعة. وقد كان عبد الله بن وهب شيخ الإسلام في زمنه يقول. عاهدت ربى أنني كلما اغتبت أحداً صمت يوماً فما إنكفت نفسي عن الغيبة. فقلت كلما أغتاب رجلاً ـ أحداً ـ أتصدق بدرهم فامتنعت نفسي عن الغيبة لحب الدراهم. هذا علاج شرعي لا حرج فيه وهذا حقيقة علاج شرعي فوضع خده على الأرض وقال يأتي هذا العبد الأسود يطأ خدي بقدمه لأجل أن تقف النفس عند حدها:

الناس من جهة التمثيل أكفاء

أبوهم آدم والأم حواء

فإن يكن لهم في أصل عنصرهم

شيء يفاخرون به فالطين والماء

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم

على الهدي لمن استهدى أولآء

وقدر كل امريء ما كان يحسنه

والجاهلون للأهل أعداء

ففز بعلم تعش حيا به أبداً

الناس موتى وأهل العلم أحياء

الكلام ينسب للإمام علي رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام. وقوله: وقدر كل أمريء ما كان يحسنه، حقيقة هذا من أجمل كلام قيل ومن أحسن الحكم. وقدر كل أمريء ما كان يحسنه. لا علاقة لنسبه ولا للونه ولا بشكله ولا بطوله ولا لعرضه ولا لاعتبار من الاعتبارات العرفية ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) (1) على حسب إحسانه يستحق جزاءً وثناءً ومدحاً ورفعة في الدنيا وفى الآخرة لا لشيء آخر

إذن الشاهد إخوتي الكرام وصف بجاهلية من فعل كبيرة واتصف بأمر محظور.

(1) - الحجرات: 13

ص: 187

الصفة الرابعة: التي أطلقها نبينا صلى الله عليه وسلم على من يفعل الكبائر ويقتحم الموبقات: النفاق. ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان] فهو منافق فحذار حذار ان تأتي وتقول والله يقول: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)) (1) لا هذا نفاق عملي ـ كما سيأتينا، ليس بنفاق إعتقادى. لكن أطلق عليه هذه الوصف إذا كذب إياك أن تقول له إنه مؤمن مطلقاً. لا يستحق هذا الاسم ألا من قام بالواجبات وترك المحرمات قل. مؤمن منافق. أيّ نفاق النفاق العملي. أي مؤمن مرتكب للكبيرة. أي مؤمن فاسق. أي مؤمن ظالم. مؤمن عاصي. وما شاكل هذا.

(1) - النساء: 145

ص: 188

الصفة الخامسة: الوصف الخامس الذي أطلقة نبينا صلى الله عليه وسلم على فاعل الكبيرة. أخرجه من الإسلام وقال هذا ليس من المسلمين. ليس من جماعة المسلين. ففي مسند الإمام احمد والصحيحين من حديث أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوة الجاهلية] . إمراة مات زوجها أو أخوها فلطمت خدها. وهكذا الرجل أيضاً. إذا فعل. ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب. وهي فتحة للثوب. القميص. التي تكون في الصدر. هذا هو الجيب في اللغة. الفتحة التي يدخل فيها الإنسان رأسه أو رقبته يقال له جيب من الجبّ وهو القطع لكن الجيب في جيب الأصل ـ فتحة القميص التي في الصدر. فتشق الجيوب كما تفعل المرأة عندما تأخذة ثيابها وتمرطها من صدرها. ودعا بدعوى الجاهلية: يا فلان من يعيننا بعدك ومَنْ ومَنْ. وبين هذا الكلام. وبدأ ينتسب إلى الجاهلية ويتفاخر أيضاً بخصالها الذميمة. ثبت في مسند الإمام أحمد والمستدرك والسنن عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه] . ليس منا. منافق جاهلي. كافر. ليس بمؤمن. هذه خمسة أوصاف نفى عنه الإيمان. وصف الكفران. وصف بالجاهلية. وصف بالنفاق. وأخرج من عداد المسلمين. ليس منا هذا من أوصاف الملل الأخرى. لا أن من فعل هذا صار منة الكفار ومن ملتهم. هذه الأحاديث الخمسة أخوتي الكرام موقف أهل السنة نحو هذه الأوصاف ما تقدم معنا قالوا: زال عنه الاسم المطلق وبقى معه مطلق الإيمان. ليس الإيمان المطلق. مطلق الإيمان. أي ما خرج منه على وجه التمام. فلا ننفى عنه كل الإيمان. إنما نصفه بأنه مؤمن بقيد. ويجوز أن ننفى عنه الإيمان كما نفى فى النصوص الشرعية على مراعاة نفى الكمال والتمام. وزوال بعض أركانه الواجبة. لا ذهابه أصلاً.

ص: 189

ويجوز أن نطلق عليه لفظ الكفر على أننا نريد كفر النعمة، وشابه الكفار. لا أنه خرج من حظيرة الإيمان. هكذا فيما يتعلق بالجاهلية والجاهلية.

قال أئمتنا الكرام: هذه الأحاديث وما شاكلها محمولة على واحدة من أمور خمسة:

أولها: من فعل كبيرة فيه خصلة منة خصال الجاهلية. فيه خصلة من خصال الكافرين فيه خصلة من خصال المنافقين فيه خصلة من خصال من ليس بمسلم ولا مؤمن. من خصال الملل الأخرى. ليس منا فيه خصلة واحدة. أي في هذه الخصلة هو مشابه للكفار. للمنافقين. للجاهلية. لأهل الملل الدريّة. لا يعنى أنه يشابههم من جميع الوجوه وله حكمهم. إنما شابههم في خصلة واحدة. ما الدليل؟ الدليل على هذا الكلام كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في المسند والصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها. من إذا ائتمن خان. ومن إذا حدث كذب. ومن إذا خاصم فجر، ومن إذا عاهد غدر] فعندما يوجد فيه خصلة إذن شابه المنافقين في هذه الخصلة. وفيه خصلة من خصال النفاق وما اجتمع فيه نفاق كامل. هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

إذن نقول: [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] هو في هذه الخصلة ليس من خصال المؤمنين أي: الزنا ليس من خصال المؤمنين [كفر بالله من اتقى من نسب] في هذه الخصلة شابة الكفار. في هذه الخصلة [قتال المسلم كفر وسبابة فسوق] . في هذه الخصلة شابه الكفار. لأن الكافر لا ينزجر عن قتل المؤمن. فهذا عندما يقتل مؤمناً شابهه وشاركه في هذه الموبقة. لكن هل هو كافر من جميع الوجوه؟ لا ثم لا. مؤمن عاص إنتبه لهذا.

ص: 190

إذن نقول: هذه محمولة على أنه يشابه الكفار ويشابه المنافقين. يشابه الجاهلين. يشابه أهل الملل الأخرى التي ليست على الإسلام في خصلة واحده أي في الفعل الذميم الذي فعله ووافق أولئك الكفار الملعونين صلى الله عليه وسلم يعنى أنه منهم وحكمه حكمهم.

ثانيها: يراد بالكفر الذي أطلق على فاعل الكبيرة: كفر النعمة الذي هو كفر عملي وليس كفر اعتقادي. وهو الذي يقال له: كفر دون كفر. وهكذا نقول عن النفاق ليس هذه بنفاق الجحود والاعتقاد. أنما هذه نفاق العمل.

ولذلك ثبت عن الحسن البصري. كما في سنن الترمذي يقول: النفاق نفاقان: نفاق العمل ونفاق الجحود. وهو نفاق الاعتقاد. فقول النبي علية الصلاة والسلام: آية المنافقة ثلاث. هذا من النفاق العملي. نفاق العمل لا من نفاق الاعتقاد الذي بخلد صاحبة في النار.

فيما يتعلق بالكفر. هل عندنا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد من الكفر. الكفر الذي لا يخرج من الملة؟ نعم عندنا في ذلك دليل. وقد بّوب البخاري عليه رحمة الله في كتاب الإيمان باباً بهذا الخصوص فقال: باب كفران العشير وكفر دون كفر ثم ساق الحديث بسنده إلى نبينا صلى الله عليه وسلم والحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن. فقال الصحابة رضوان الله عليه يكفرن بالله يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط] سبحانه الله العظيم! لعل هذه الوصف يتصف به أكثر الرجال في هذه الأيام إلا من رحم ربك.

ص: 191

الشاهد هنا: أطلق عليها لفظ الكفر يكفرن. وكفر العشير ـ وهو الزوج المعاشر ـ والإنكار إحسانه ليس كفر بالله. لذلك لما توهم الصحابة أنهن يكفرن بالله. قال: لا يرتكبن كبيرة لكن يطلق عليهن بسببها لفظ الكفر لأنهن يشابهن الكفار في هذه الخصلة. فالمؤمن يجزى بالإحسان إحساناً ((هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)) (1) والمؤمن يدفع الحسنة بالحسنة ويرد الجميل بالجميل. وأفعال المؤمن تدور بين عدل وفضل. وليس عنده ظلم وجور. [يا عابدي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا](2) فكيف يكر الإحسان والمعروف! بزن بالقسطاس المستقيم.

المؤمن يقول عن الشيطان عندما نصح فرداً من أهل الإسلام وهو أبو هريرة رضي الله عنه وأرشده أن يقرأ آية الكرسي ـ كما في صحيح البخاري. وإذا قرأها عندما ينام لا يقربه شيطان حتى يصبح. يقول نبينا علية الصلاة والسلام ـ وهذا منهج المؤمن ـ[صدقك وهو كذوب](3) صدق. هذه صادق فيها.

(1) - الرحمن: 60

(2)

- تقدم تخريجه صفحة 35

(3)

- قلت: الحديث صحيح أخرجه البخاري وغيرة والحديث طويل عن أبى هريرة رضي الله عنه وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكّل أبا هريرة بحفظ زكاة رمضان فأتاه آت فجعل يحثو من الطعام فأخذه وقال: لأرفعنك إلى رسول الله ونص الحديث

فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ فلا يقربك شيطان حتى تصبح. وقال النبي صلى الله عليه وسلم[صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان] .

ص: 192

فنزل الناس كما قال الله ((بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ)) (1) بميزان العدل فنقول: أحسن في كذا وأساء في كذا. أما إذا أساء معك تقول: ما رأيت منك خيراً قط؟ ! لا إله إلا الله!!؟ من القصص الطريفة وكنت أسمعها من شيوخنا عليهم جميعاً رحمة الله: أن رجلاً كان يمشى مع زوجة في الشارع. فمّر على أناس يعملون في بناء بيت من البيوت في الزمن القديم وكانوا يجمعون التراب ويصبون عليه الماء، الطين ـ وأنا أدركت هذا في حياة المتقدمين الكبار الأولين. بيوتهم كلها من طين ويضعون لها شيء من التّبن أيضاً للتماسك. وأكثرهم حتى كانوا يخلطونها بأرجلهم. ليس يعنى يوجد " كريك " ومسحات وما شاكل هذا. فمر ومعه زوجته وهم يخلطون الطين بأرجلهم. فالمرأة لما ذهبت إلى البيت! اشتهت هذا الفعل. قالت يعنى ليتني أخلط الطين برجلي. اشتهت هذا فقال لها: الأمر يسير. فذهب واشتري لها زعفران وماء الورد وبدأ يضع الزعفران في الأرض ويقول: دوسيه برجليك ويصب ماء الورد على رجليها من صبه لها. زعفران وماء ورد. وهى تخلط الزعفران برجليها لأجل أن تنفذ رغبتها. ثم في يوم من الأيام جرى بينه وبينها ملاحاة فقالت: ما رأيت منك خيراً قط؟ فقال: ولا يوم الزعفران! ولا يوم الزعفران! بقول لها تذكري ذلك المشهد. زعفران ـ يعني غالي الثمن ـ وماء ورد وأنا الذي اصب علي رجليك طول حياتك ما رأيت من خير قط. ولا يوم الزعفران؟ ولا يوم الزعفران. هذا كلام النبي علية الصلاة والسلام: [يكفرن. فقبل له يكفرن بالله. قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط] سريعة الانفعال تمشى مع انفاعلها ولا تتثبت وتسير مع عقلها ورزانتها.

(1) - الإسراء:35.

ص: 193

[كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا قليل](1) كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم

الشاهد إخوتي الكرام:

المراد من الكفر هنا كفر العمل. كفر النعمة لا كفر المنعم ولا جحوده.

فإذن لفظ الكفر محمول على هذا أو على التعليل الأول خصلة من خصال الكفار. ثبت في صحيح مسلم وسنن أبى داود والنسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه من كلامه؟ أنه قال: [من سرّه أن يلقي الله مؤمناً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدي وان الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدي ولو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ـ انتبه ـ ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم] هذه رواية أبى داود ورواية الإمام مسلم والنسائي: [لضللتم] . فترك الجماعة يعتبر كفراً؟ هذا بالإجماع ليس بكفر. [لكفترم] رواية أبى داود: أي اتصفتم بخصلة من خصال الكفار والفجار الذين لا يشهدون جماعة المؤمنين ولا يحضرون معهم.

والجماعة إخوتي الكرام أرجح الأقوال أنها واجبة وهناك قول بسنيتها. لكن المعتمد أنها واجبة وقد بوب الإمام البخاري علية رحمة الله في صحيحة باب بشير إلى هذا فقال. باب وجوب الجماعة ثم روى أن رجلاً قال للحسن البصري عليه رحمة الله. إن أمي أمرتني أن افطر في صوم النافلة قال: أطعها. طاعة الأم واجبة. والصوم نافلة والواجب يقدم. قال. إن أمي أمرتني ألا اشهد الصلاة في جماعة قال: لا تطعها ، الجماعة واجبة. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (بياض)

(1) - قلت: هذا الحديث متفق علي صحته من حديث أبيب موسي الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسيا امرأة فرعون. ومريم بنت عمران وان فضل عائشة علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام]

ص: 194

ومن ناحية الجماعة من باب التنبيه: المسلمون تساهلوا فيها في هذه الأيام لا سبما في الصلاة التي [أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لا توهما ولو حبواً](1) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. أما العشاء فالناس يشتغلون في لهوهم وطعامهم ومسلسلاتهم التي ستسلسلهم في سجين. وأما في الفجر فالذي يسهر للساعة الواحدة. إذا استيقظ لصلاة الفجر هذا خرقت العادة في حقه. يعنى هذا كرامة من الله (!!) وكيف يكرم الله من يبارزه طول الليل بالمعصية؟ عندما ينام الإنسان الساعة الواحدة أو الثانية أو الثالثة كيف سيستيقظ الساعة الرابعة؟ الجسم ما أخذ حظه لذلك عندما يقول: ما أستطيع أن استيقظ. قل لأنك تفرط في الآداب

الشرعية بما ينبغي أن تفعله في ليلك. نحن ننتهي من صلاة الجماعة في العشاء في الثامنة والنصف ـ مثلاً ـ التاسعة لو نام من التاسعة للثالثة ست ساعات أوليس كذلك؟ للرابعة. وإذا لم يستيقظ في الساعة الرابعة فهو والجيفة سواء. فكيف إذا لم يشهد بعد ذلك صلاة الفجر؟ لكن حقيقة إذا سهر الساعة الثانية في معصية الله ومحاربته. هذا يستحيل أن يستيقظ لصلاة الفجر. وإذا أراد أن يقول: لَمِ؟ قل له ((وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)) (2)((فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ)) (3) ولو أحب الله مناجاتك. لو أحبها لأيقظك. أن الئيم عن المكارم يشغل.

(1) - قلت: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي علية الصلاة والسلام: [ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء. ولو يعلمون ما فيها لا توهما ولو حيواً لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلاً يؤم الناس ثم آخذ شعلاً من نار فأحرق علي من لا يخرج إلي الصلاة بعد]

(2)

- التوبة: 46

(3)

- التوبة: 83

ص: 195

إذا كنت تريد الخير ولا توفق له فاعلم أن الله يكرهك. يكرهك لَمِ؟ لأنك أنت في الأصل تكره الله أيضاً. ففتش نفسك. والجزاء من جنس العمل فكيف ستستيقظ للفجر وأنت تنام الساعة الثانية؟ هذا مستحيل لا سيما إذا كنت تنام أشكال ألوان. رأي في سهرته لعلة خمسين امرأة على اقل تقدير وهو جالس على أريكته واحدة حمراء وواحدة زرقاء وواحدة صفراء بين ملونات وغيرهم

في وسائل الإجرام التي تسمى بوسائل الإعلام كيف سيستيقظ كيف سيستيقظ؟!! ولو سهرت على طاعة الله ممكن أن يلطف الله بك وأن يوقظك عند الفجر لأنك كنت في طاعة مع أنه إذا كنت تسهر على طاعة وتخشى؟ أن يفوتك الفجر فكما قال عمر رضي الله عنه[والله لأن أشهد الفجر في جماعة أحب الى من أن أقوم الليل كله. عندما تخلف تميم الداري رضي الله عنه عن صلاة الفجر فذهب إليه وقال أين كنت؟ قال: سهرت بقيام الليل فغلبتني عيناى وما استيقظت لصلاة الفجر. قال: لأن أشهد الفجر في جماعة أحب إلى من قيام الليل كله](1) .

أنت لو نمت الليل كله من أوله آخرة وصليت الفجر في جماعة لكان احب وأفضل لك عند الله جل وعلا.

إذن الشاهد إخوتي الكرام هنا: لو تركتم ـ الجماعة ـ سنة نبيكم لكفرتم وفى رواية الإمام مسلم والنسائي: لضللتم أي ابتعدتم عن مسلك المهتدين واتصفتم بخصلة من خصال الكفار. وليس معنى هذا أنكم كفرتم. خرجتم من الملة ومن حظيرة الإسلام.

(1) - قلت: الحديث رواه الإمام مالك عن أبى بكر بن أبى حَثْمَةَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبى خيثمة في صلاة الصبح وابن عمر غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين المسجد والسوق (بياض) الشفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت له: إنه بات يصلى فغلبته عيناه (بياض) عمر له: [لأن اشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة] أهـ انظر الترغيب والترهيب للمنذرى: 1/271.

ص: 196

ثالثهَا: التعليل الثالث لأهل السنة يقول: إطلاق لفظ الكفر على المعاصي ونفى الإيمان عنه وأنه جاهلي. هذا سيؤدى به في نهاية الأمر والمطاف إلى الكفر الحقيقي، وبالتالي يكفر في الدنيا ويخلد في النار في الأجرة. كيف هذا؟ كل من يفعل المعصية في أول أمره يفعلها وهو وجل خائف. يتغيّر وجهه. ثم يستمرئها فيفعلها ويداوم عليها. ما دام يشعر بأنه عاصي. فيه خير وفيه إيمان. وهو من أهل الإسلام لكن قد يصل إلى حالة إذا قيل: اتق الله لا تشرب الخمر، يقول: دعنا من هذا الكلام الفارغ. الناس صعدوا إلى القمر وأنت لا زلت للآن تبحث في حكم الخمر؟ ! ماذا صار حكمة؟ كفر، وقد يكون يصلى وعنده هذه الفلسفة كما هو حال كثير من الناس عندما تعرض عليه أمراً شرعاً يقابلك بهذه الفلسفة، فيكفر وهو لا يدرى فإذن: فعل المعصية وهو وجل خائف. ثم استمرأها فصار يفعلها ويرى أنه عاص وذهب الوجل ثم بعد ذلك استحلها، فكفر. المرأة عندما تخرج سافرة وتطرح الحجاب من رأسها. أوّل ما تخرج تكاد تسقط على الأرض من حياءها كيف تركت هذا الستر الذي يصونها وترضى به ربها؟ ثم بعد فترة ترى هذا طبيعي ثم بعد فتره تقول لها: يا أمة الله استتري تحجبي. تقول. دعك من هذه القشور الأصل القلب وأما الظاهر هذا لا علامة لنا به. والمرأة إن أرادت أن تخرج سافرة أو متحجبه والمتحجبات دعك منهن هؤلاء دميمات يسترن دمامتهن بهذا الحجاب؟ ! أو تقول ما هو ألعن. تقول كل واحدة على حسب كلام بعض الناس. تفعل الأفاعيل لئلا تكشف هويتها وصورتها تستتر. يعنى ما تتحجب إلا الزانية!! لِمَ؟ قال: لأنها لو كشفت لفضحت فهي تزني وهى متحجبه!! أعوذ بالله من هذا هذه الشبه التي نعيش فيها سافرة هذه مصونه، هذه صدّيقة لكن المتحجبة هذه التي تفعل الأفاعيل فقط. لا إله إلا الله!! فإذن وصل بها الأمر إلى استحلال الكفر. بل إلى تبريره والدعوة إليه والى استحباب واستقباح الطهر والفضيلة والإسلام.

ص: 197

إذن ستؤوب إلى الكفر تقدم معنا: المعاصي بريد الكفر ودهليز الشرك. وقلنا: قد يفعل الإنسان المعصية في أول أمرة لكنه يكفر في نهاية أمرة ومن تأمل أحوال العصاة لاح له هذا على وجه اليقين.

رابعها: تعليل (بياض) الرابع الإطلاق لفظ الكفر والنفاق والجاهلية على من يفعل كبيرة أن هذه من باب التغليظ والزجر لا من باب اتصافه بحقيقة الكفر. فمن فعل كبيرة نبينا عليه الصلاة والسلام يريد أن يحذره من الكبيرة. والشرع المطهر يريد أن يحذره من هذه الخصلة الذميمة الحقيرة. بلفظ يخلع القلب. ولا أشنع ولا أفظع ولا أشد على المؤمن من أن تقول له إنه كافر. إنه منافق. إنه ليس بمؤمن أنه جاهلي. إنه ليس من عداد المسلمين هذا حقيقة إذا قلته للمؤمن ينخلع قلبه فأنت عندما يفعل الإنسان معصية تقول يا عبد الله أنت خرجت من الإيمان لا تقصد في خروجك أنه خرج أي أنه كفر وخرج من الملة أنما خرج من الإيمان الذي ينبغي أن يتصف به هذا الإنسان على وجه التمام. هو أن يجمع مع الاعتقاد والإقرار العمل. وأن يفعل الواجبات وأن يترك المحرمات تقصد أنه خرج إذن من شيء وجب عليه على حسب إيمانه ووجب عليه إذا كان مؤمناً إذن ضاعت بعض أركان الإيمان المطلوبة الواجبة. فعندما تقول له لست بمؤمن. أ، ت كافر تقصد هذه من باب لا التغليظ والزجر. لا من باب إتصافه بحقيقة الكفر لكن ما قلت له: أنت مؤمن عاصي. قلت له لست بمؤمن وأنت كافر وأنت عندما تسأل عن التفصيل تبين إذن لم أطلعت، أطلعت لتهول عليه ولتخلع قلبه. لينزجر. ولا نقول انك أطلقت لفظاً كذباً حتى يقال إذن الشارع كذب علينا. نقول لا لكن أطلق عليه هذا اللفظ وأراد منه كفر النعمة ـ كما تقدم معنا ـ أراد منه مشابهة الكافرين في هذه الخصلة إذن لم أطلق لفظ كفر؟ إذا كان لا يقصد الكفر الحقيقي؟ لأن هذا اللفظ مستشنع عند المؤمنين. لأن هذا الفظ يقطع قلوبهم عندما تقول لإنسان. إذا زنيت تخرج من الإيمان. فيقول: ما عاد أزنى.

ص: 198

إذا كان الزنا يخرجني من الإيمان كيف أزنى وأخلّد في نار جهنم فإذا كان الأمر كذلك إذن يعنى لا أزنى أما لو قلت له: إذا زنيت يعنى أنت مؤمن عاصي. يقول ما دمت ضمن الإيمان رحمة الله واسعة. إذن لا حرج في الزنا. فإذن الشارع استعمل لفظاً يخلع القلب. ولا نقول هذه كذب. لا. أصل لهذا اللفظ لا هذه له أصل. وحقيقة: شابه الكفار في هذه الخصلة وليس له حكمهم فعندما تطلق عليه هذا اللفظ الذي يشابه به الكفار تفطر قلبه.

ولذلك لو قال النبي عليه الصلاة والسلام لآبى ذر [أبا ذر مهلاً أخطأت وخدشت إيمانك وكيف تعّره بأمه؟ لقال: أستغفر الله يعنى يا بلال سامحني. لكن [إنك امرؤ فيك جاهلية] حقيقة هذه نحن خرجنا من الجاهلية ودخلنا في الإسلام لأجل أن ننال رضوان الله رجعنا إلى الجاهلية بعد ذلك بهذه الألفاظ المنكرة. إذن لا بد من تطهر للنفس بشيء لا تفكر فيه أو تعود إلى هذا مرة أخرى. فطهر نفسه بما طهرها به [إنك امرؤ فيك جاهلية] إذن من باب التغليظ والزجر.

ص: 199

ومما يقرر هذا ويدل عليه. ثبت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن..] كما تقدم معنا. أذن نفى عنه الإيمان هذه يراد منه الزجر والتغليظ لا يراد منه نفى حقيقة الإيمان. ما الدليل؟ انظر الدليل: تبت فى المسند والصحيحين من حديث أبى ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال أبو ذر يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن زنا وإن سرق ـ وفى رواية وان شرب الخمر أيضاً ـ؟ قال: وان زنا وان سرق وان شرب الخمر فأعاد أبو ذر رضي الله عنه الكلام ثلاثاً فلما أعاد الرابعة قال له النبي صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر على رغم أنفك يا أبا ذر](بياض) أبو ذر رضي الله عنه إذا حدّث بالحديث يقول: من لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر على رغم أنف يا أبا ذر.

إذن: [لا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن] والمراد منه؟ تغليظ وزجر بما يقشعر منه الجلد ويتفطر له القلب. ولو كان المراد الحقيقة لما قال هنا [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر] كيف تخبر عنه بأنه ليس عنده |إيمان ثم نقول هو من أهل الجنان؟ هذا كلام لا يستقيم. إذن تبيّن لنا أن المقصود من ذاك زجر وتغليظ ولا يقصر منه نفى الإيمان حقيقة.

ص: 200

خامسها: قال أهل السنة: إذا حملنا هذه الألفاظ على ظاهرها وانه استوجب الكفر المخرج من الملة والجاهلية التي تنافى الملة الحنيفيه. وليس من عداد المؤمنين وليس عنده إيمان واتصف بصفات النفاق إذا حملنا هذا على حقيقته فنحمله على المستحل. ولا شك أن من استحل شيئاً من ذلك فله الحكم الذي أطلق عليه بهذا اللفظ: [اثنتان هما في الناس كفر: الطعن في الإنسان والنياحة على الميت](1) فمن استحل النياحة فهو كافر [سباب المسلم فسوق وقتاله كفر](2) من استحل قتال المسلم فهو كافر.

إذن واحدة من هذه الأمور الخمسة قال أئمتنا يقصد بهذه الألفاظ التي أطلقت على فاعل الكبيرة: إما

أما شابه الكفار الجاهليين المنافقين. غير المسلمين في خصلة من خصالهم لا في جميع أحكامهم.

الأمر الثاني: أن هذه من باب كفر النعمة لا كفر الجحود والمنعم.

.الأمر الثالث: هذا سيؤدى به إلى الكفر في نهاية المطاف.

الأمر الرابع: من باب التغليظ والزجر بما يتفطر له القلب

الأمر الخامس: هذا على المستحل. فمن استحل شيئا من ذلك كافر.

وبذلك جميع أهل السنة بين نصوص الشرع التي هي في الظاهر متعارضة. وهذا المبحث هو أجلّ مباحث الحديث الشريف وعلوم الشريعة. وهو الذي يسميه أئمتنا في مباحث علوم القرآن موهم الاختلاف والتناقض. ويسمونه في علم الحديث: مختلف الحديث وهى أحاديث في الظاهر مختلفة. مثل هنا:

(1) - تقدم تخريجه صفحة 90

(2)

- تقدم تخريجه صفحة 90

ص: 201

[لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] و [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وان زنا] هذا مختلف الحديث وفى علم القرآن موهم الاختلاف والتناقض ومن آيات القرآن في ظاهرها وأحاديث في الظاهر متناقضة. لكن عندما تجمع بينهما يزول عنك التناقض وليس بين هذه الآثار أي معارضة. ف [لا يزنى الزاني وهو مؤمن] اجمعوا بينها وبين [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وان زنا] نقول: إذا استحل ليس بمؤمن وإذا لم يستحل فهو مؤمن وسيدخل الجنة فلا تعارض بين الحديثين. نفى الإيمان عنه إذا استحل. وأخبر عنه [انه يدخل الجنة إذا لم يستحل هذا جمع.

جمع ثان: لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ليس من المؤمنين في هذه (بياض) في سائر (بياض) يدخل الجنة بعد ذلك بأحد أمرين ،إما بتوبة تصدر منه. وإما بمغفرة لله إن لم يعاقبه فإن عاقبه مآله إلى الجنة. ولن يخلد أحد من أهل التوحيد في النار. هذا جمع (بياض) الحديثين. فزال التعارض. [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] هذا للتغليظ (بياض) عنه الإيمان لا لأنه كفر حقيقة. ما الدليل؟ [من قال لا اله إلا الله دخل الجنة] .

[لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] هذا قد يؤدى به إلى الخروج من الإيمان فهو في الزنا لم يكفر وسيدخل الجنة. وإن زنا. لكن قد يستحل باب يكفر بعد ذلك. أو أن (بياض) ـ كما قلنا ـ من باب المعصية العملية. لا من باب معصية الاعتقاد والجحود. والاستخفاف.

إذن هذه أوجه خمس من أوجه الجمع بين النصوص الشرعية. فحملوا هذه الألفاظ على واحد من هذه الأمور الخمسة. وآمنو بالكتاب والسنة كلها دون التفريق بين (بياض) النصوص الشرعية. كما هو حال أهل البدع ـ وسيأتينا حاله إن شاء الله.

إخوتي الكرام:

ص: 202

ولأجل أن ظواهر النصوص المتقدمة ـ كما تقدم معنا ـ تطلق الكفر وتنفى الإيمان وتصف الجاهلية والنفاق وأن من اتصف بشيء من تلك الكبائر ليس من عداد المسلمين. لأجل أن ظاهرها يتعارض مع نصوص أخرى ويحتج أهل البدع بظواهرها ـ أي تلك النصوص على قولهم في أن فاعل الكبيرة كافر. كان عدد من أئمتنا لا يرفعون تلك الأحاديث إلى النبي علية الصلاة والسلام بوجود المبتدعة خشية أن يتعلقوا بظواهرها ويقولوا: إذن هذا حجة لنا في أن فاعل الكبيرة كافر. وهذا من باب وضع الأمور في مواضعها؟. وإذا (بياض) ستحدث لأمر شرعي لكن الناس سيأخذونه ويستدلون به على باطلهم وضلالهم فلا تحدثهم به. لئلا يكون ذريعة إلى ضلالهم وفسادهم من باب وضع الأمر في مواضعه.

فثبت في صحيح مسلم (1) عن جرير بن عبد الله. والحديث رواه منصور عن الشعبي عن جرير بن عبد الله البجلى رضي الله عنه قال: [أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتي يرجع إليهم] وفى رواية: [أيما عبد أبق من مواليه لا تقبل له صلاة حتي يرجع إلى مواليه] وفى رواية: [فقد برئت منه الذمة] . الشاهد فقط كفر. لكن له صلاة برئت منه ذمة الله. الحديث رواة منصور عن الشعبي عن جرير بن عبد الله وقفه فما رفعه إلى النبي علية الصلاة والسلام. قال منصور: قد رُوي والله مرفوعاً. ولكني أكره أن يُروَى عنى ها هنا ـ يعنى في البصرة ـ لَمِ؟ لأنها تعج بفرقتين ضالتين: الخوارج والمعتزلة لاسيما المعتزلة فيتعلقون بها بأن فاعل الكبيرة إذن ليس من المؤمنين

* * *

إخوتي الكرام: ما موقف أهل البدع الضالة نحو فاعل الكبيرة؟

(1) - في كتاب الإمام وهو في شرح الإمام النووي علي صحيح مسلم في الجزء الثاني صفحة سبع وخمسين

ص: 203

عندنا فرقة قديمة ولها كما قلنا ـ ذيول حديثة ما أكثرها في هذه الأيام. ولا نتكلم على أمر يعنى كما يقال من باب خلافات قديمة وبالية وعتيقة دعونا منها. لا. والله إن هذا معرفته في هذا الوقت للشاب المسلم ضروري ضروري ضروري. لئلا يقع في الغلو والتطرف والانحراف فيجر بعد ذلك شؤمه بلاءً على المسلمين في سبب ما يأتي به من بدع وضلال.

والجماعة التي كانت تسمى بجماعة المسلمين. جماعة الحق وأطلق عليها الحكام الضالين اسم: جماعة التكفير والهجرة. كانت تتبنى هذا القول. وهو أن فاعل المعصية كافر مخلد في نار جهنم. متى ما فعل معصية. ولما بعد بعد ذلك تأملوا أحوال الحكام لا يحكمون بما أنزل الله قالوا: كفار. والرعية إذن على طريقتهم. إذن هم كفار. إذن لا يوجد على وجه الأرض مؤمن إلا نحن. فمن ليس من جماعتنا فهو كافر. ووجدت أيضاً بعد ذلك جماعة أخرى. جماعة التوقف والتبيّن. قالوا: نحن لا نسلّم الإيمان لأحد حتى يتبيّن لنا حالة الأصل في الناس أنهم كفار إلا إذا تبين لنا أنهم منا ويقولون بأقوالنا فهم مؤمنون. لأن الحياة جاهلية. وكل ما فيها جاهلي.

يا أخوتي الكرام هذا ضلال ما بعده ضلال وأتكلم ـ كما قلت ـ عن خيال.

جاءني مرة بعض الإخوة في بعض الأماكن فانتظروا على باب المسجد وما صلوا معي في إحدى الصلوات ـ صلاة العصر ـ ثم بعد أن خرجت قالوا لي بأن نتلكم معاً بعض الوقت قلت: خيراً إن شاء الله. لٍمَ لَمْ تصلوا معنا؟ قالوا: يا شيخ ما تعلم هل أنت مؤمن أم كافر. قلت: سبحان الله العظيم! طيّب أنا في مسجد. أأنا في كنيسة؟ ! حتى يعنى تشكّون في حالي؟ ! قال: ما نعلم هل أنت يعنى مثل الناس جاهلي أم تكفر بالمفاهيم الجاهلية؟ قلت: الله أمركم بحسن الظن أو بسوء الظن؟ يعني لم لا تقولون: لعلّ هذا صديق من أولياء الله الصالحين. وإذا كنت زنديقاً فماذا يضركم ما عليكم حسابي. لكن الله أمركم بحسن الظن أم بسوء الظن؟.

ص: 204

مرة كنت في بلاد الشام في حلب أصلى في بعض مساجدها جاء بعض الشيعة وكنا في صلاة المغرب. فأصلى بهم ما صلوا ورائي. صلوا فرادى. لما انتهينا قلت: إخوتي شوّشتم على أنفسكم وعلينا لم ما صليتم معنا؟ لا صليتم جماعة لأنفسكم بعد أن انتهينا ولا صليتم معنا. قال: يا شيخ نحن لا نصلى إلا وراء من علمنا عصمته. قلت: لا يوجد إلا النبي علية الصلاة والسلام. يعنى لم لا تصلون ورائي؟ أو وراء غيري؟ قال: يا شيخ نحن في الأصل شيعة من شيعة نُبَّل (1) ما نعلم أنت لعلك تشرب الخمر لعلك تزني لعلك تسرق. كيف نصلى وراءك؟ قلت: قولوا لعلني أقوم الليل وأتعبد وأصوم النهار وقانت ذاكر. يعنى لم تقولون هذا ولا تقولون هذا؟ يعنى لم تظنون بالناس أسوأ الظنون لمَ؟ ترون عليَّ آثار المعصية؟ السر بيني وبين ربي هو سيحاسبني وهو يعلم السر وأخفي. لكن على آثار معصية؟ قالوا لا: قلت: هذا غلط. قال: هذا مذهبنا ما عندنا جدال وى قيل ولا قال. ما نصلي إلا وراء المعصوم!! هم أضل من الشيطان الرجيم ليس معصوم. لكن ماذا تعمل؟ هذه شبههم وضلالهم.

فالشاهد: كما أقوله ليس من زمن ماضي وبالى وانتهى. أفكار كما يقال حيّه يعني بالمعنيين حيّه: أي موجودة. وحيّه فيها سم مثل الحيّة. فأفكار حية حقيقية يعنى موجودة تلدغنا وكثير من المسلمين أحياناً يعني يشتطون ويذهبون إلى ذلك المسار ويكونون علينا عاراً في الدنيا وبعد ذلك يفرقون جماعتنا. ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

أهل البدع وقفوا نحو هذه الأحاديث على موقفين:

(1) - قرية تبعد حوالي أربعين أو خمسين كيلوا متر عن حلب.

ص: 205

أما الفرقة الأولى وهو الخوارج: وقلت هؤلاء لهم وجود في الزمن القديم ولا زال لهم امتداد كبير في هذا الوقت والخوارج قلنا ـ الاباضية فرقة من فرقهم ويملؤون عُمان كلهم علي هذا المسلك. أن فاعل الكبيرة كافر ويزيدون على هذا (1) مخلد في نار جهنم. ولو كان عنده من الحسنات أمثال الجبال. يصوم ويصلى ويجاهد ويتصدق لكن مبتلي بشرب الخمر. يقولون: هو وإبليس سواء. لا يمكن أن يرى الجنة ولا أن يشم ريحها. هذا مخلد في نار جهنم كافر. لِمَ؟ النصوص صريحة [قتاله كفر] . [لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن] .

نقول: إخوتي الكرام ما ذكرتموه نعم يدل عليه نصوص شرعيه. لكن ماذا تفعلون في النصوص الأخرى؟: [من قال لا اله إلا الله دخل الجنة وان زنا وإن سرق] ماذا تفعلون بهذا؟ ماذا تفعلون بهذه الأحاديث الكثيرة التي تقدمت معنا عندما أطلق النبي علية الصلاة والسلام لفظ الكفر على نكران نعمة العشير كفر وما قال إن هذا كفر بالله لما استشكلوا أولئك قالوا: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير. إذن أنتم آمنتم ببعض النصوص وكفرتم بعضها. فاتقوا الله في أنفسكم. إطلاق لفظ الكفر علي فاعل الكبيرة هذه ضلال يدل على أن هذا ضلال:

أولاً: تواترت الأحاديث عن نبينا علية الصلاة والسلام أن من ارتكب كبيرة فهو مؤمن ولم يخرج من حظيرة الإيمان. كما تقدم معنا في الحديث الذي في المسند والصحيحين وغيرهما: [من قال لا اله الا الله دخل الجنة وإن زني وإن سرق] إذن فلابد يدخل الجنة إلا مؤمن ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)) (2) فحكمكم على فاعل الكبيرة بالكفر يتنافى مع النصوص المتواترة الثانية عن نبينا علية الصلاة والسلام.

(1) - وهو الحكم الذي سيأتي معنا في أثر وحكم الكبيرة في الآخرة.

(2)

- المائدة:72

ص: 206

ثانياً: ننقض قولكم بأمر ثان وهو: لو كان فاعل الكبيرة كافراً لوجب عليه حد القتل وهو ضرب الرقبة لأن من بدل دينه وكفر يقتل. فهل نصوص الشريعة جاءت بعقوبات مقدرة للكبائر أو بقطع الرقبة؟ أمرنا ربنا أن نجلد الزاني إذا لم يكن محصناً. قال اقتلوه!؟ أمرنا أن نقطع يد السارق إذا سرق. قال اقتلوه؟ ! أمرنا أن نجلد شارب الخمر إذا شرب. أمرنا أن نجلد القاذف. قال إنه كافر اقتلوه؟! لو كان كافراً لوجب قتله. فترتيب عقوبات دون القتل على الكبائر هذا دليل على أن الكبائر ليست بكفر. ولو كانت كفراً لما كان بينها وبين الردة أي فارق ـ في العقوبة ـ لقال النبي علية الصلاة والسلام: من فعل كبيرة فاقتلوه. كما قال: [من بدل دينه فاقتلوه](1) كما قال: [لا يحل دم أمرء مسلم يشهد ألا إله إلا الله وان رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني. والنفس بالنفس. والتارك لدينه المفارق للجماعة](2) .

فإذن ما رتب القتل على جميع الكبائر. نعم بعض الكبائر عقوبتها النقل لا من باب الكفر من باب أن هذا حد دنيوي يطهر الإنسان. فمن كفر يقتل. وهو كافر. من زنا وهو محصن يقتل وهو مؤمن. من قتل نفساً يقتل عن طريق القصاص وهو مؤمن فلو عُفي عنه فلا يلزم إقامة الحد عليه.

(1) - قلت: الحديث صحيح أخرجه البخاري والشافعي من حديث عكرمة أن علياً رضي الله عنهم أجمعين حرّق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا (بياض) بعذاب الله] ولقتلهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [من بدّل دينه فاقتلوه]

(2)

- قلت: الحديث صحيح متفق على صحته.

ص: 207

الشاهد: أنه ليس القتل عقوبة لجميع الكبائر فلوا كان كل فاعل كبيرة يعتبر كافراً لو جب قتل كل من ارتكب كبيرة. وإذا لم يكن الأمر كذلك دل على أنه معلوم من دين الله بالضرورة أن فاعل الكبيرة ليس بكافر. وقد مضى عصر النبي علية الصلاة والسلام. وعصر الصحابة وعصر التابعين ولم يقتلوا فاعل الكبيرة. مما يدل على أنه ليس بكافر. وأنه لا زال ضمن عداد المسلمين.

إن قالوا: ماذا تفعلون إذن بالنصوص التي أطلقت عليه لفظ الكفر؟

نقول: هنا يأتي حال المهتدين فيجمعون بين هذه النصوص ولا يلغون بعضها ولا يعطلون بعضها كما فعلتم أنتم. فأنتم آمنتم ببعض الكتاب وكفرتم ببعضه. وهذا حال الضالين.

لا يوجد مبتدع إلا ويؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض لأن أهل الهدي قالوا: هذه النصوص كلها لا بد من وضعها أمامنا لنبحث فيها ثم لنجمع بينها لنصوص كلام النبي علية الصلاة والسلام عن التعارض ولئلا نلغي بعض كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حق وهذا حق. وهو محمول على كذا وهذا محمول على كذا. وكلام العاقل دائماً يصان عن اللغو. وأعقل العقلاء هو خاتم الأنبياء علية صلوات الله وسلامه. فكيف ناغي بعض كلامه ببعض إذا أمكن أن يجمع بين جميع كلامة عليه الصلاة والسلام!! فما خرج من شفتيه إلا حق وصدق علية صلوات الله وسلامه. هذا قول الخوارج.

أما المعتزلة:

المعتزلة أضل وأخبث وأنجس. أتو بقول لا يدل علية نص من نصوص وما سبقهم إليه أحد من خلق الله لا من إنس ولا من جان. لا في هذه الأمة ولا في الأمم السابقة إنما من أين أتو به؟ العلم عند الله (1) .

(1) - الخوارج مع أن قولهم باطل لكن عندهم متمسك بالظاهر يتمسكون: قتاله كفر. (بياض) بهذا فيقولون: إذن فاعل الكبيرة كافر، تمسكوا بهذا الظاهر وألفوا النصوص الأخرى.

ص: 208

قالوا: فاعل الكبيرة ليس بمؤمن (1) خرج من الإيمان. كفر؟ قالوا: ما كفر. ليس بمؤمن وليس بكافر. هذا مثل قول ثمامة بن أشرف الذي تقدم معنا: الكافر ما خلقة الله طيب من خلقة؟ خلق نفسه؟ يقول: لا. لكن لا يجوز أن نقول خلقه الله. لم؟ يقول: الكافر هذا إنسان وكفر فلو قلنا خلقة الله للزم أن الله خلق الكفر (بياض) ما خلقهم العزيز القهار طيب من خلقهم؟ (بياض) نقول شيئا وهؤلاء نقول لهم: فاعل الكبيرة تقولون خرج من الإيمان. هل كفر؟ ـ كما قال الخوارج ـ قالوا: ما كفر. ليس بمؤمن. ما هو؟ قالوا: في منزلة بين منزلتين ليس بمؤمن وليس بكافر.

هذا القول لا يوجد نص في شريعة الله يدل عليه. النصوص أما أن تصف الإنسان بالإيمان أو بالكفران. أما أنه ليس بمؤمن وليس بكافر هذه قسمة ضالة باطلة ما سبقهم إليها أحد.

(1) - نحن لا زلنا نتكلم في أحكام الدنيا.

ص: 209

لذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله. هذا من مخترعاتهم ومن ابتداعهم الذي لم يسبقهم إليه أحد. أول ما حصلت هذه المسألة في زمن الحسن البصري عليه رحمة الله ولأجلها قيل للمعتزلة أنهم معتزلة. سئل الحسن البصري عن فاعل الكبيرة ما حكمة في الدنيا والآخرة. قال: أما في الدنيا مؤمن بإيمانه فاسق بعصيانه ـ كما نقول: مؤمن عاص ـ وأما في الآخرة فآمرة مفوض إلي ربه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وإن عذبه مآله إلى الجنة إذا ختم له بالتوحيد ـ وهذه عقيدة أهل السنة الكرام ـ فقام واصل بن عطاء الفراء وتبعه عمرو بين عبيد تلميذه وكانا من تلاميذ الحسن البصري. وكان الحسن يقول: نعم الفتى عمرو أي عمرو بن عبيد ـ لو لم يحدث (1) فقال واصل: أما أنا فأقول إنه ليس بمؤمن وليس بكافر فطرده الحسن البصري فذهب إلى ناحية في مسجد البصرة واعتزل الحسن البصري واجتمع إليه أتباعه أتباع الشيطان من عمرو بن عبيد وغيره. فقيل لهم معتزله. اعتزلوا الحسن البصري واعتزلوا أهل الحق واعتزلوا جماعة المسلمين عندما كونوا لأنفسهم مجلساً خاصاً فقيل لهم: المعتزلة.

وكان قتادة علية رحمة الله ـ من أئمة التابعين ـ إذا دخل إلى مسجد البصرة بقول: هؤلاء المعتزلة أي اعتزلونا واعتزلوا عقيدتنا والحق الذي عندنا وأتوا بقول مبتدع: فاعل الكبيرة ليس بمؤمن وليس بكافر هذا القول باطل قلت: لم يسبقهم إليه أحد.

خلاصة الكلام:

من فعل معصية كبيرة لا يستحق اسم الإيمان بإطلاق ولا ينفي عنه مطلق الإيمان. فهو مؤمن عاص. إطلاق الكفر عليه أو نفي الإيمان عنه أو وصفه بالنفاق أو أنه من الجاهلين أو ليس من عداد المسلمين محمول على واحدة من أمور خمسة قررها أئمتنا الكرام جمعاً بين نصوص الشرع لئلا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض هذا حكم الكبيرة في الدنيا ثلاث أثار:

? تكسب القلب ظلمة شديدة لا تزول إلا بالتوبة والطاعات العظيمة.

(1) - يقول أئمتنا: أحدث والله أعظم الحدث

ص: 210

العقوبات عليها تنقسم إلى قسمين: منها عليها عقوبات مقدرة. ومنها عقوبات مطلقة موكولة لرأى الإمام ليعزر فاعل الكبيرة بما يردعه.

? تزيل الاسم المطلق عن صاحبها في الإيمان عندما يرتكب الكبيرة ولا يزول عنه مطلق الاسم فيقال له: مؤمن. لكن بقيد العصيان والتقصير.

ثانياً: في الآخرة:

أما أثر الكبائر في الآخرة فالكبائر في الآخرة أثران وحكمان ،تقدم معنا أن للصغائر في الآخرة أثران أيضاً: لأول: تقع مغفورة. والثاني: لا تمنع من دخول الجنة. أما هنا:

1.

الأثر الأول والحكم الأول للكبائر في الآخرة:

بالنسبة للعقوبة عليها موكولة إلى الله جل وعلا. إن شاء عذب فاعل الكبيرة في الآخرة وإن شاء عفي عنه. قال الله جل وعلا ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (1) ما عدا الشرك تحت المشيئة. ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض لربه. وهذه الآية هي التي تقصم ظهور المبتدعة في القديم والحديث (2) .

(1) - النساء:116

(2)

- وهي أرجي آية في القرآن كما ذكرت هذا سابقاً فيم ثبت عن علي رضي الله عنه في سنن الترمذي وعن حفيده علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم أجمعين

ص: 211

أنظر لأهل البدع ماذا يقولون؟ يقولون: ((مَا دُونَ ذَلِكَ)) الشرك لا يغفره الله. والكبائر لا يغفرها الله!؟ طيب كيف تفعلون بهذه الآية؟ كيف تفعلون بها؟ أنظر كيف ترد عليهم رداً في منتهى الوضوح: ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) بتوبة أو بدون توبة؟ إن كان بتوبة فذكر الشرك لا فائدة له. لأن كل ذنب يغفر بالتوبة فما الداعي إذن ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) لو كان ((مَا دُونَ ذَلِكَ)) بتوبه كما يقولون أي إذا تاب ي-غفر له. لو كان بتوبه لما كان هناك فائدة لذكر الشرك. إذن ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) مما عدا الشرك إذا لم يتب منه. أما بالتوبة فالشرك وما عداه سواء ((قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ)) (1) طيب ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) ما دون ذلك من طاعات أو معاصي؟ معاصي.

الخوارج يقولون: المعصية كفر. أو ليس كذلك؟ أنظر كيف يصبح معني الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر أن يشرك به. هذا معني الآية عندهم. لأنه ما دون ذلك قلنا من معاصي: والمعاصي عندهم ـ تقدم معنا ـ كفر. إذن كيف يصبح معنى الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر أن يشرك به. إذن هذا يبطل قولكم ، إذا قلنا طاعات: أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر الطاعات. أنتم بين ثلاث احتمالات لا رابع لها إما أن تقولوا يغفر المعاصي بتوبة. نقول: ما الفائدة من ذكر الشرك؟ وإما أن تقولوا: المراد من المعاصي هنا المعاصي هنا ما دون ذلك غير الشرك بتوبة قلنا هذا بطل. لأن التوبة تشمل الشرك وسائر المعاصي إذن لا يصلح هذا التقدير.

التقدير الثاني:

(1) - الأنفال:38

ص: 212

((مَا دُونَ ذَلِكَ)) من المعاصي التي هي غير الشرك. وكل معصية عندكم تعتبر شركاً وكفراً ـ كما قررنا قولهم ـ فكيف يكون إذن ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) أي: إن الله لا يغفر الشرك ويغفر الشرك؟ هذا تناقض. وإذا قلتم ((مَا دُونَ ذَلِكَ)) هي الطاعات كيف سيغفر الله الطاعات؟ بين ثلاث احتمالات كل واحد يبطل قولكم. إذن ثبت المعني الحق وهو ((مَا دُونَ ذَلِكَ)) من المعاصي. إن شاء غفر وأن شاء عذب. مغفرته فضل وعذابه عدل ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) (1) قد وضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا غاية الإيضاح. ففي مسند الإمام احمد والكتب الستة باستثناء سنن أبى داود عن عابدة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابة: [بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تعصوا في معروف ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم. فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو الى الله إنا شاء عاقبه وإن شاء عفي عنه. فبايعناه على ذلك] هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام. إذن من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. ومن وفي والتزم بما بايع عليه النبي عليه الصلاة والسلام، أجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً وستره الله فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه.

هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا كقول الله: ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء))

إخوتي الكرام:

جميع الوعيدات الثانية في القرآن وفى أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام على كل معصية من المعاصي والمخالفات مقيدة بأمرين. كما دلّت على ذلك نصوص الشرع.

(1) - الأنبياء: 23

ص: 213

الأمر الأول: عدم التوبة. كل وعيد على كل ذنب لا يقع إلا إذا لم يتب الذنب. فإذا تاب تاب الله علية

الأمر الثاني: عدم مغفرة الله للمذنب: فإذن كل عقوبة على كل ذنب لا تقع إلا إذا انتفي أمران: عدم توبة العاصي ، وعدم مغفرة الله له. فإذا لم يتب. ولم يغفر الله له تقع عليه العقوبة إذا تاب لا تناله العقوبة. إذا غفر الله له لا تناله العقوبة. كما ورد الآن معاني الحديث [فهو الى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه] . أنظر لأهل البدع: الأمر الأول ولا قالوا: معتبر. إذا فعل ذنباً وتاب منه لا تناله العقوبة لَمِ؟ قالوا: دلت علي هذا نصوص الشرع (1) طيب وإذا غفر الله له؟ قالوا: لا يجوز لله أن يغفر للعصاة لَمِ. كما أن النصوص الشرعية دلت على أن العاصي إذا تاب يتوب الله عليه دلت نصوص الشرع على أن الله له أن يغفر عن العصاه كرماً منه وفضلاً سبحانه وتعالى كما أن هذا دلت عليه النصوص، هذا دلت عليه النصوص. فالله يقول ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ)) (2) وهو يقول:((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) هذا نص وهذا نص كما أخرجت تلك الصورة من الوعيد أخرج هذه الصورة من الوعيد. وهذا هو مسلك أهل السنة: إيمان بالكتاب كله. وأهل البدع: إيمان ببعضه وكفر ببعض. نسأل الله بفضله ورحمته أن يرزقنا الإيمان الكامل إنه أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين.

(1) - وسأذكرها إن شاء الله بأن التائب تسقط عنه العقوبة

(2)

- الشورى: 25

ص: 214

إذن: الحكم الأول للكبيرة في الآخرة: العقوبة على صاحبها هل ستقع علية وسيعفى منها؟ الذي دلت عليه النصوص الشرعية الثانية عن خير البرية علية صلوات الله وسلامة، وقررت هذا الآيات القرآنية. بأن من مات وهو عاص لربه فأمره مفوض إلي الله. إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه. فلا يجزم بعقوبته. ولا نجزم بحصول المغفرة له. أمره مفوض إلى الله جل وعلا. هذه العقوبة التي سيوقعها الله جل وعلا بالعاصي ـ بفاعل الكبيرة ـ إذا مات ولم يتب من كبيرته. ليست على سبيل الجزم ولا على سبيل الحتم. إن شاء غفر لإن شاء عذب مغفرته فضل وعذابه عدل.

وهذا الذي قرره أهل السنة الكرام فقالوا: جميع نصوص الوعيد مقيدة بقيدين اثنين:

القيد الأول:

ص: 215

عدم التوبة من العاصي وعدم إنابة المذنب إلى ربه جل وعلا، فمن عصي الله وتاب في الحياة فلا تناله العقوبة في الآخرة. بعد الممات. لورود أدلة قطعية شرعية على أن [التائب من الذنب كمن لا ذنب له](1) وأن الله يقبل التوبة عن عبادة سبحانه وتعالى. يقول الله جل وعلا ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (2) فمن تاب لا يناله الوعيد ولا يلق أثاماً ولا يضاعف له العذاب يوم القيامة ولا يخلد فيه مهاناً. مع أنه كان مشركاً، وفعل أيضاً الزنا، وقتل النفس دعا مع الله إلهاً لآخر وزنا، وقتل النفس ثم تاب الى الله جل وعلا (3) .

(1) - قلت: الحديث رواه ابن ماجه والطبراني من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [التائب من الذنب كمن لا ذنب له] ورواة الطبراني رواة الصحيح. ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي مرفوعاً أيضاً من حديث ابن عباس رضى الله عنهما وزا د: [والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمسهزيء بريه] راجع الترغيب والترهيب: 4/ (بياض)

(2)

- الفرقان: 68-70

(3)

- مبحث التوبة سيأتينا، إن شاء الله ـ في المبحث الذي في الجملة الثانية (بياض) يتعلق بالحسنة.

ص: 216

ويقول الله جل وعلا: ((إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)) (1) وإذا تابوا لا ينالهم هذا الوعيد قطعاً وجزماً. قال الحسن البصري عليه رحمات ربنا جل وعلا: أنظروا إلى كرم اله قتلوا أولياءه ثم يدعوهم إلى التوبة. وهكذا يقول الله جل وعلا: ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (2) فمن تاب لا يناله الوعيد.

وقد قرر أئمتنا الكرام أن التوبة مقبولة عند ذي الجلال والإكرام ما لم بصل الإنسان إلى إحدى حالتين. فإذا وصل إلى إحدى هاتين الحالتين لا تقبل منه التوبة إن كان مشركاً. ولا التوبة إن كان عاصياً. ويلق الله بالعمل الذي هو قبل هاتين الحالتين:

(1) - البروج: 10

(2)

- آل عمران: 135 - 136

ص: 217

الحالة الأولي: ما لم تصل الروح إلى الحلقوم. وأن يغرغر بنفسه عند احتضاره. فإذا وصلت الروح إلى الحلقوم وبدأ يغرغر بها كما يشرق الإنسان في الماء عندما يغرغر به. يكشف له الآن عن مقعده من الجنة أو من النار. ولذلك كل كافر في هذا الوقت يؤمن. قال الله جل وعلا: ((وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)) (1) الضمير في ((مَوْتِهِ)) يحتمل أمرين ـ كما قرر أئمتنا المفسرون ـ: الأول: يعود على المحتضر من أهل الكتاب. أي قبل أن يموت سيؤمن بعيسى وأنه عبد الله وكلمته. وليس بثالث ثلاثة. متي؟ عندما تصل روحه إلى الغرغرة ويرى مقعدة من النار. فيقول: آمنت أنك أنت الله الواحد وأن عيسي عبدك ورسولك وليس بإله معك. ولكن: ((فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ)) (2) والاحتمال الثاني ليس فيه شاهد على هذا المعني: ((قَبْلَ مَوْتِهِ)) أي قبل موت عيسي على نبينا وعلية صلوات الله وسلامة. فعيسى سينزل في آخر الزمان. فمن كان حياً بعد ذلك سيؤمن به. أو يعاملهم بالسيف.

(1) - النساء: 159

(2)

- ص: 3

ص: 218

وعلي التقدير والأول وهو محل الشاهد: كل كافر عندما تصل روحه إلى الحلقوم، وكل عاص يتوب لكن التوبة حجبت لأنه دخل في أول حالة من حالات الآخرة. وصار في دار الجزاء وانتقل من دار العمل. ولذلك قال الله جل وعلا في كتابه ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيما. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) (1) ثبت عن قتادة وأبى العالية ـ من أئمة التابعين عليهم جميعاً رحمات رب العالمين ـ قالا: أجمع أصحاب محمد علية الصلاة والسلام رضي الله عنهم أجمعين أن كل من عصى الله فهو جاهل. وأن كل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب. فكل عاص جاهل. وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب.

وهذا المعنى قرره نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر] هذه الحالة الأولى. فمن لم يصل إني الغرغرة ولم تصل روحه إلى الحلقوم فتوبته مقبولة باتفاق.

الحالة الثانية:

(1) - النساء 17 - 18

ص: 219

إذا طلعت الشمس من مغربها، ففي هذه الحالة لا تقبل التوبة. فذاك من أشراط الساعة الكبرى. بل قيل أنه آخر أشراط الساعة. وقد اتفق أئمتنا على أن آخر أشراط الساعة أحد أمرين (1) : إما طلوع الشمس من مغربها. أو خروج الدابة. تخرج متكلم الناس أنهم ((كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)) (2) وتختم على جبين كل مؤمن ومؤمنة، وكافر وكافرة. ومنافق ومنافقة. فتطلع الشمس من مغربها وهم على هذه الحالة. فالمؤمن مؤمن والكافر كافر ، وإما آن الأمر بالعكس. فتطلع الشمس من مغربها ولا تقبل التوبة فتخرج الدابة بعد ذلك فتختم الناس وتكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. فإذا طلعت الشمس من مغربها اختل نظام العالم الدنيوي وآذنت هذه الدنيا بالزوال (بياض) والانتقال. وصارت هي كالحامل المتم ولمن رفع لقمته إلى فيه. فقد تقوم الساعة ولا يضعها في فيه. ولا يطعمها. وإذا كان الأمر كذلك فلا تقبل التوبة.

(1) - اختلفوا فقط في أي منهما يكون بعد الأخر لكن بهذين الشرطين لا شرط آخر أو علامة أخري.

(2)

- النمل: 82

ص: 220

وقد أشار ربنا جل وعلا إلى هذا في كتابة فقال ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ (1) يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)) (2) وقد قرر نبينا صلى الله عليه وسلم هذا في مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن أبى داود وابن ماجة عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت وراها الناس آمنوا أجمعون ـ وفى رواية آمنو كلهم ـ ((فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)) وثبت في المسند وصحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه] وثبت في المسند أيضاً وصحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتي تطلع الشمس من مغربها] .

(1) - وهو طلوع الشمس من مغريها.

(2)

- الأنعام:158

ص: 221

إذن هذا الشرط الأول لصرف الوعيد عن صاحبه. وهذا المانع الأول لدفع الوعيد عن مرتكب الكبيرة. هو عدم التوبة. فإن تاب لا يناله الوعيد بالإجماع هذا محل اتفاق بين أهل السنة وأهل البدعة. لم أخرجنا هذه الصورة من عمومات نصوص الوعيد؟ لنصوص منفصلة والشرع يكمل بعضه بعضاً. فالله يخبرنا أن من شرب الخمر كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال وهي عصارة. أهل النار (1) فإن تاب لا يناله الوعيد. إذن هنا أخرجنا الوعيد ومنعناه عن صاحبه بدليل منفصل مع أن النص لم يقيد بالتوبة. لأن كل وعيد أصالة بقيد بالتوبة فإذا تاب لا يناله الوعيد.

(1) - قلت: الحديث ثابت فى صحيح مسلم وغيرة عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كل مسكر حرام. إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينه الخبال. قالوا. وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار]

ص: 222

القيد الثاني: الذي يقيد به الوعيد فإذا وجد ذلك المانع وذلك الأمر لا يقع الوعيد على فاعل الكبيرة هو: عدم مغفرة الله للعاصي. فإذا تاب العاصي لا يناله الوعيد. وإذا لم يتب وغفر الله له لا يناله الوعيد. عندكم دليل على هذا الشرط! عندنا دليل كالشرط الأول، الشرط الأول دللنا عليه بقرآن وسنة، وهنا عندنا قرآن وسنة تدل على هذا. فالمذنب إذا تاب وعفر الله له لا يناله الوعيد. المذنب إذا مات وغفر الله له لا يناله الوعيد. المذنب إذا مات وقد تاب لا يناله الوعيد. فإن تاب لا يناله الوعيد. وإن لم يتب وعفر الله له لا يناله الوعيد. قال الله جل وعلا:((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)) (1)((وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيدًا)) (2) ذنب واحد لا يغفر: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)) (3) وما عداه تحت المشيئة أن شاء الله غفر وان شاء (بياض) مغفرته فضل. عقابه عدل. وأفعال الله جلا وعلا تدور بين العدل والفضل. ولا دخل للجور ولا للظلم في أفعالة: [إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا](4)((وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) (5) . ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)) (6) الظلم والجور لا دخل له في فعل الله جل وعلا. بقى معنا فضل وعدل. إن عذب عدل وإن غفر فضل.

إذن إذا غفر الله للعاصي لا يناله الوعيد. هذا دليل يدل على أن العاصي إن غفر له لا يناله الوعيد.

(1) - النساء: 48

(2)

- النساء: 116

(3)

- المائدة: 72

(4)

- قلت: تقدم تخريجه صفحة 35

(5)

- الكهف: 49

(6)

- طه: 112

ص: 223

وتقدم معنا إخوتي الكرام أنه ثبت عن على رضي الله عنه في سنن الترمذي بسند حسن أن هذه الآية هي أرجي آية في القرآن الكريم. وهي أحب الآيات إلى هذه العبد الكريم المبارك ـ على رضي الله عنه ـ ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (1) وقلت ثبت هذا عن حفيده على بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم أجمعين أن هذه أرجي آية في القرآن ووضحت هذا

(2)

إذن عندنا دليل منفصل، هنا القرآن على أن ما عدا الشرك تحت مشيئة الرحمن إن شاء عذب فعدل وأن شاء غفر ففضل. وعندنا أيضاً أحاديث متوترة عن خير الأنام علية صلوات الله وسلامة تقرر هذا المعنى الذي دلت عليه آيات القرآن.

(1) - النساء: 116

(2)

- قلت: ما أشار إليه شيخنا هنا تقدم الكلام عليه. راجع صفحة 35

ص: 224

ثبت في المسند والكتب الستة باستثناء سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه [بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً وتسرقوا ولا تزنوا ولا تعصوا في معروف ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم فمن وفى منكم فأجره على الله. ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفي عنه وإن شاء عاقبه] إذن من وفى على بايع علية النبي عليه الصلاة والسلام والتزم وقام بالطاعات وترك المنهيات فأجره عند الله، وقع في زلة وهفوة تستوجب حداً. عوقب عليها في الدنيا فهذا مطهر له لأن الحدود زواجر وجوابر، تجبر الفاعل وتجبر الأمة فتطهره تاب أو لم يتب. المحدود إذا أقيم عليه الحد طَهّر. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن ماعز ـ والحديث في صحيح مسلم وسنن أبى داود ـ:[إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها] بعد أن أقيم حد الرجم. فإذا أقيم عليه الحد طهّر تاب أو لم يتب. والله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده مرتين (1) فإذا عاقبة فى الدنيا بتريده، أو قطع رقبته، أو جلد ظهره، أو رجم بالحجارة طُهّر. تاب أو لم يتب. زواجر وجوابر، تجبر الفاعل فتقيله عثرته وتغفر زلته. وتجبر الامة.

(1) - قلت: هذا الحديث ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم وصححه ووافقة الذهبي. عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من (بياض) في الدنيا ذنباً فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده. ومن أذنب ذنباً فستره الله فهو أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه] أخرج هذا الحديث أيضاً الإمام البغوي والإمام أحمد أيضاَ بمعناه حديثاً آخر..

ص: 225

لأن الامة إذا فعلت فيها المعاصي وما عيروها يعمهم الله بعقاب من عنده (1) .

(1) - قلت: يؤيد كلام شيخنا هذا ما ثبت في سنن أبي داود وابن ماجة وصحيح ابن حبان. والحديث رواه الاصبهاني وغيرة عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ما من رجل يكون فى قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيرون إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا] وعن أبى بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) المائدة: 160 وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده] رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ورواه إن ماجة والنسائي وابن حبان في صحيحة. ولفظ النسائي: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيره عمهم الله بعقاب] وفي رواية لأبي داود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب] . (انظر الترغيب والترهيب للمنذري: 3/229) .

ص: 226

فإزالة هذه المعصية تجبر الخلل الذي وقع في الأمة و [لحد يقام في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحاً] . [خير من أن يمطروا أربعين خريفاً] كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في سنن النسائي وغيره (1) .

وهي زواجر تزجر الفاعل وتزجر غيره. فالفاعل إذا علم أنه إن قتل يقتل. وإن زنا يرجم ينكف عن المعصية. ولو قدر أنه وقع وأقمنا عليه الحد ينكف غيره. تزجر الفاعل وتزجر الأمة. وتطهر الفاعل وتطهر الامة. زواجر وجوابر وهي كفارات لأهلها تاب المحدود أو لم يتب. إذن الحالة الثانية: من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فى الدنيا فهو كفارة له.

الحالة الثالثة:

أصاب من ذلك شيئاً: زنا، شرب الخمر، سرق. سترة الله. فأمره إلى الله. إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه.

(1) - قالت: الحديث الأول رواة النسائي من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. [لحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحاً] وفى رواية قال أبو هريرة رضي الله عنه[إقامة حد في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين ليلة] هكذا رواه النسائي مرفوعاً وموقوفاً. ورواه ابن ماجة بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [حد يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً] وروي ابن ماجة أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [إقامة حد من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله] وروى الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يوم من إمام عادل أفضل من عبادة سنة. وحد يقام في الأرض بحقه أربي فيها (بياض)

ص: 227

إخوتي الكرام: يخرج معنا في الحالة الثالثة أمر محل إجماع وهو الشرك. فلو أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله وما ظهر شركه. وما ظهر نفاقه الأكبر. وما ظهر كفره الذي يضمره فى قلبه. هذا أمره موكول الى الله أو مخلد قطعاً وجزماً فى نار جهم؟. هذا مخلد. فالشرك المستثني للنصوص الشرعية ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ))

فقول النبي علية الصلاة والسلام: [بايعوني علي ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تعصوا في معروف، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيدكم وأرجلكم.. ـ ثم قال في الحالة الثالثة ـ: فمن أصاب من ذلك شيئاً....](1) أخرج من هذه الخمسة الشرك. فهذا لا يعغر.. وتقدم معنا: الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفره الله أبداً وأهله خالدون مخلدون فى نار الجحيم (بياض) : الكفار والمشركون. خرج هذا يعني ما عدا هذا الزنا. السرقة. يعصون فى معروف. ولا يطعون النبي علية الصلاة والسلام: فيقصرون فى واجبات. يأتون ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم فينسبون من الأولاد ما ليس إليهم كل هذا من الكبائر. هذا ما عدا الأمر الأول يشمله قول النبي علية الصلاة والسلام: ومن أصاب من ذلك شيئا ً ـ غير الشرك ـ فهو إلى الله إنا شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. إذن ما عدا الشرك تحت المشيئة. إن شاء ربنا غفر ففضل. وإن شاء عذب فعدل. فلو غفر لا ينال الوعيد فاعل ذلك الذنب، إذن كل عقوبة على كل ذنب مقيدة بقيدين بشرطين: الأول عدم حصول توبة من الذنب، فمن تاب لا يناله الوعيد. الثاني: عدم مغفرة الله لذلك المذنب. فلو غفر الله له لا يناله الوعيد. لو تاب فى الدنيا لا يناله الوعيد لو مات بدون توبة وغفر الله له فى الآخرة لا يناله الوعيد. وهذه الآية ـ وكما قلت ـ هي أرجي آية فى القرآن.

(1) - (بياض)

ص: 228

وقد كان سلفنا الكرام يولونها عناية عظيمة وغيرت من مسلكهم عندما نزلت عليهم وسمعوها من نبينا علية الصلاة والسلام ثبت في مسند أبي يعلى وكتاب الاعتقاد للإمام البيهقي. وكتاب السنة لأبن أبى عاصم. ومسند البزار بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما. والأثر رواة الإمام الطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كل واحد منهما: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر (1) حتي سمعنا من النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم عندما تلا علينا الآية [إني إدخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي](2) وقال ابن عمر وابن عباس: فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا (3) ثم نطقنا بَعْدُ وَرَجَوْنَا.

(1) - أي من مات وعلة كبيرة لا تستغفر له.

(2)

- والحديث صحيح بل يصل إلى درجة التواتر كما سأورد له روايات كثيرة وطرقاً كثيرة.

(3)

- أي كنا نمسك عن الاستغفار فبدأنا بعد ذلك نطلق لأنفسنا العنان ونستغفر لمن مات وعلية ذنوب وآثام بعد أن نزلت هذه الآية

ص: 229

وهذا الحديث مروي عن غير هذين الصحابين رضي الله عنهما. لكن دون ذكر تلك المقدمة: [كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر..] فالحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه وقال حسن صحيح، ورواه أبو داود في سننه. وابن خزيمة في كتاب التوحبد. ورواه الحاكم في المستدرك. وأبو نعيم في الحلية. وابن أبى عاصم فى كتاب السنة. ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد ورواه الضياء المقدسي فى " الأحاديث المختارة الجياد " والحديث صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] . والحديث روي عن جابر بن عبد الله في سنن الترمذي بسند حسن، ورواه عنه ابن ماجه، والطيالسي في مسنده. والحاكم في المستدرك. وأبن خزيمة فى كتاب التوحيد:[شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] . وفي الحديث: قال جعفر الصادق: قال لي والدي (1) .. رضي الله عن آل البيت والصحابة الكرام أجمعين. قال لي جابر [يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فمما تعلقه بالشفاعة!] .

(1) - أي محمد الباقر والد جعفر.

ص: 230

إذن: من لم يكن من أهل الكبائر ـ تقدم معنا من لقي الله بالصغائر فهي مغفورة بنص القرآن. ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) (1) ـ ما تعلقه بالشفاعه؟ من الذي يتعلق بها؟ أهل الكبائر. والحديث روى عن كعب بن عجرة. وروى عن أبي الدرداء. والأحاديث صحيحة. وروى عن أبي موسي الأشعري فى سنن ابن ماجة بسند صحيح بلفظ. قال نبينا صلى الله عليه وسلم[خيّرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة. وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة ـ لأنها أعم وأشمل أترون أنها للمحسنين المتقين؟ لا. إنها للمذنبين الخطائين التلوثيين] . والحديث بهذا اللفظ رواه الإمام أحمد والبيهقي في كتاب الاعتقاد، والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما. وروى أيضاً عن صحابي ثامن. عن عوف بن مالك فى الترمذي بسند حسن رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة. فاخترت الشفاعة فهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً] . وتقدم معنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري وهو حديث تاسع في هذا المقام. عندما قال للنبي علية الصلاة والسلام. من أسعد الناس بشاعتك يوم القيامة؟ قال: [قد ظننت ألا يسألني عن هذا أحد قبلك يا أبا هريرة لما رأيت من حرصك. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه. أو صدقاً من قلبه] .

إذن إخوتي الكرام: إذا غفر الله للعاصي. وغفر للمذنب. وغفر للخطاء. لا يناله الوعيد. فكل وعيد مقيد بقيدين: عدم التوبة من المذنب. وعدم مغفرة الله لذلك المذنب. فإذا تاب لا يناله الوعيد. وإذا غفر الله له لا يناله الوعيد.

(1) - النساء: 31

ص: 231

إذا غفر الله له هل يقال: أخلف الله وعيده؟ هل يقال: إن هذا يعتبر كذباً في أحكامه وأخباره؟ لا لَمٍ؟ لأننا قلنا هو أصالة مقيد بعدم المغفرة. وما قال: أنا سأعاقبه حتي نقول: إذا لم يعاقبه فقد ألخلف وعيده. والله ((لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)) (1) في حق الوعد والوعيد لكننا نقول: كل وعيد مقيد بقيدين: بعدم التوبة. بعدم مغفرة. فمن تاب لا يناله الوعيد لا نقول: أخلف الله وعيده. نقول: الوعيد مقيد بعدم التوبة. فإذا تاب وجد مانع لنزول الوعيد. وهو التوبة. وإذا غفر الله له وجد مانع لحلول الوعيد وهو المغفرة هذا وضحه لنا نبينا علية الصلاة والسلام ففى مسند أبي يعلي والبزار وكتاب البعث للإمام البيهقي. والحديث رواه ابن عساكر في تاريخه. والخرائطي في مكارم الأخلاق. وفيه راو ضعيف، وهو سهيل بن أبي حزم القطيعى من رجال السنن الأربعة. حكم عليه الحافظ إبن حجر في التقريبي بأنه: ضعيف. لكن الحديث يشهد له حديث أبي عبادة. فيتقوى به ويصل إلى درجة الحسن إن شاء الله. عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من وعده الله علي عمل ثواباً فهو منجزه له (2) ومن وعده علي عمل عقاباً فهو فيه بالخيار إن شاء عذبه وان شاء غفر له] . هذا هو الخيار. وهذا تحت مشيئته: إن شاء أن يعذب. إن شاء أن يغفر. كما أنك إذا تبت لا ينالك الوعيد، فإذا غفر الله لك لا ينالك الوعيد تقدم معنا أن الخوارج قالوا: فاعل الكبيرة كافر. وخالف في هذا المعتزلة. قالوا: فاعل الكبيرة ليس بكافر لكنه ليس بمؤمن. وهذا الوعيد الذي سيناله في الآخرة يغفر الله له أولا؟ قالوا: يستحيل أن يغفر الله له، وإذا غفر الله له فهو كذاب وتنزه عن ذلك سبحانه وتعالى، لا بد أن يعذبه..!!. ما هو العذاب؟ قالوا: العذاب هو الخلود في النار (3) .

(1) - آل عمران: 9

(2)

- لا يوجد قيد هنا

(3)

- سيأتينا هذا في موضوع لاحق

ص: 232

لا بد من عقوبة العاصي عند المعتزلة والخوارج. وهو الخلود في النار. أما الخوارج فقالوا كافر مخلد. وأما المعتزلة فقالوا: ليس بكافر لكنه مخلد!!.

لذلك قال أئمتنا عن المعتزلة إنهم مخانيث الخوارج. لأنهم ما قالوا بقولهم. كيف تخلدون في النار من ليس بكافر؟

وهذا تدرون من يقول به أيضاً يقوله الاباضية. الشيخ أحمد الخليلي ـ وهو مفتي عُمان ـ في كتابه " الحق الدامغ " في صفحة 91. وأنا ما أعلم حقّ يدمغ حقاً. أو حق يدمغ باطلاً؟ لكن مثل هذه العناوين البارقة سبق إليها هؤلاء. تدرون من الذي ألف كتاب " الدامغ ""قبل الحق الدامغ" الذي هلك سنة 298 هـ قال الحافظ ابن حجر في اللسان: أجاد المؤلف (1) في حذفه. وإنما ذكرته لألعنه توفي إلى لعنة الله سنة 298 هـ ألف كتابه الدامغ يدمغ الآيات ويرد عليها. ويظهر في القرآن التناقض، أي تناقض؟ كما قال ابن الجوزى. قال: ليس في كتابه ما يعتبر شبهة وفضلاً عن أن يكون حجة لنجيب عليه. أي تناقض؟.

قال: يقول الله جلا وعلا في كتابة ((ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا)) (2) والله يقول في كتابه ((وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)) (3) إذن كان يجهل الله كم لبث هؤلاء!؟ وهكذا آيات كثيرة. يقول: ((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)) (4) ليظهر لنا كذا. ((فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) (5) يقول: هذه تتنافي مع الآيات التي يخبر الله فيها بإحاطة علمه؟ ! هذا من إنطماس قلبه وفساد عقله.

(1) - يعني الذهبي الأصل في الميزان

(2)

- الكهف: 12

(3)

- طه: 98

(4)

- الملك: 2

(5)

- العنكبوت: 3

ص: 233

العلم إخوتي الكرام عِلْمان: علم ظهور ومكاشفة. وعلم تقدير ووقوع. الله جل وعلا علم هذا قبل أن يقع لكن سيعلمه بعد ذلك كواقعة. إذن ((لِنَعْلَمَ)) لنعلم هذا واقعا ظاهراً بعد أن علمناه مقرراً في الازل. وهل يمكن أن يقع الواقع في هذه الحياة على خلاف ما في تقدير رب الأرض والسماوات؟.لا. لكن العقاب والثواب يرتبط على الواقع الظاهر الخارج لا علي ذلك التقدير. إذن ((فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا)) فليعلمن علم مشاهدة ورؤية بعد أن علمه علم تقدير في الازل أي تناقض؟ ! علي أن بعض أئمتنا قالوا: فليعلمن الله الذين صدقوا قال: المراد من ذلك: أن يعلم أولياءه ورسله وشهداؤه في خلقه حقيقة هذه الأمور، هؤلاء مؤمنون وهؤلاء كفار. وهذا فيه تكلف. لكن المعاني الأول: فلنعلمن هذا علم مشاهدة بعد أن علمناه علم تقدير.

" الدامغ " ألفه أحمد بن يحي بن إسحاق الرواندي. جاء هذا الآن يؤلف لنا " الحق الدامغ " تعرض فيه لثلاثة مسائل: رؤية الله في الآخرة. وقال: هذا مستحيل وكل من يقول بها فهو ضال خبيث، فالله لا يراه المؤمنون في الجنة؟ !!!

الثانية: القرآن مخلوق. وكل من قال إنه صفه لله وليس لمخلوق فهو ضال؟ !!!

والثالثة: في تخليد أهل الكبائر في النار؟ !!!

ص: 234

هو من الاباضية، والاباضية فرقة من الخوارج، لكن الاباضية في هذه المسألة كمخانيث الخوارج ـ وهم المعتزلة ـ انظر ماذا يقول وعقيدتنا معشر الاباضية أن كل من دخل النار من عصاة الموحدين والمشركين مخلدون فيها إلى غير أمد. كما أن من دخل الجنة من عباد الله الأبرار لا يخرجون منها. ما وجه قياس هذا على هذا؟ ـ يقول: إذا الداران دار خلود. ووافقنا علي ذلك المعتزلة والخوراج على اختلاف طوائفهم. وإنما خالفنا من حيث أنهم يحكمون على كل معصية تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرجه من الملة (1) فخالفوا (2) بذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة..؟!.

الخوارج خالفوا الكتاب والسنة وإجماع الأمة عندما قالوا: فاعل الكبيرة في النار لكنهم حكموا علية بالكفر. لكن نحن (3) نقول: مخلد في النار وليس بكافر؟ طيب ما الفارق بينكم وبينهم؟ يعنى هي تسمية فقط! أو نريد حقيقة؟ أنت أخرجه من النار وسمه ما شئت بعد ذلك. أما تقول: هو مخلد في النار. أما الخوارج يقولون: كافر. أما نحن نقول: ليس بكافر. لعنة الله علية. لكن ليس بكافر؟ في النار لا يخرج منها مع أبى جهل وإبليس لكن لا تقولون عنه كافر..!! من يقول عنه كافر خالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة؟ !

(1) - الخوارج يقولون: كفار. أما الاباضية يقولون: مؤمن لكنه مخلد في النار

(2)

- أي الخوارج

(3)

- أي الاباضية

ص: 235

وأنا أقول لهذا الشيخ: أسأل الله أن يلهمه وإيانا رشدنا: كما أنك إنفصلت عن الخوارج في هذه المسألة وأنصفت وأخبرت أن الخوارج خالفوا الكتاب والسنة وإجماع الامة ـ كما أنك تقول هذا في كتابك ـ عندما كفروا فاعل الكبيرة. فأنا أقول لك لعل الله يلهمك رشدك، ويلهمنا جميعا رشدنا فتقول: أن فاعل الكبيرة لا يخلد في النار ولا يمكن أن يسوى الله بين من وحّده وبين من جحده. يستحيل هذا قطعاً. فمآل العصاة إلى الجنة مهما طال تعذبيهم. ومن خالف هذا فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ـ كما سنذكر ـ فأنت قلت بقول المعتزلة تماماً. ولذلك تتذبذبون تارة مع الخوارج وتارة مع المعتزلة.

فالاباضية في الأصل فرقة من الخوارج لكن في هذه المسألة قالوا: لا نكفر فاعل الكبيرة لكن مخلد في النار؟ من زنا ومات على المعصية إن حج ستين حجة. وتصدق بجبال من ذهب واعتكف عن بيت الله الحرام ، ومات في سبيل الله بعد ذلك. مخلد في نار جهنم؟ !

يا أخوتى الكرام: الله يقول: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)) (1) أنتم عكستم!!

ويقول: ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)) (2) حسناته كلها طارت بهذا الذنب؟!

ما نقول إنه أحسن بذنبه، لكن أمره إلى إلى الله إن عفا عنه؛واسع الفضل والمغفرة، إن عذبه سنة، سنتين، ثلاثة، ثلاثين وبعدها؟ يعني يقول له: أنت وأبو جهل سواء، أنت وإبليس سواء؟ مآله إلى الجنة ـ كما سيأتينا ـ بنصوص نبينا عليه الصلاة السلام المتواترة، ولا ينكرها إلا كافر طمس الله على قلبه.

ولذلك عقيدتنا معشر أهل السنة في فاعل الكبيرة: أن من مات (بياض) ربه، إن شاء الله عذبه فعدل وإن شاء غفر له ففضل، إن عذب مآله إلى الجنة ولا يخلد من قال لا اله إلا الله في النار وإن لم يعمل خيرا قط (3) .

(1) - هود: 114

(2)

- الزلزال: 7

(3)

- وعجمة اللسان ليست بمذمة، لكن عجمة القلب، أي عدم الفقه عن الرب، هذا هو البلاء.

ص: 236

هذا كتاب الدامغ، وما أكثر الان الكتب الباطلة التي تنشر في هذا الحين.

الحبيب وبرقيبة في بلاد تونس في سنة1395 هـ عقد مؤتمر للمدرسين والمدرسات، وألقى كفراً بواحاً في ذلك المؤتمر، ورد علية المشايخ في ذلك الوقت برسالات وصلت إلى. وباستنكار بعد ذلك في العالم الاسلامى، إينما يقول: ثبت عندنا إن هذا القرآن متناقض. وذلك لابد لكم معشر المدرسين والمدرسات من أن تقرر وهذه إلا حقيقة في المدارس، وان تركزوا ما اقولة لكم للطلاب، لا بد من تطوير القرآن لسيما وقد أعطي الله ولاة الأمور سلطة، وجعل طاعتهم فريضة، فنحن ولاة أمور المسلمين نرشدكم إلى هذا الأمر. أولا: جعل الله للمرأة نصف الميراث وهذا شطط وسفاه وظلم، نعم هذا ما كان يصلح في عصر تسلط الرجل على المرأة، وأما في هذا الوقت، زوجتي هي التي ربت أخاها وانفقت علية حتى وصل إلى الهندسة، فهل يعقل إذا مات أبوها أن ترث نصف أخيها؟ وهي التي ربت أخاها. وهي الان اثبتت كفائة أكثر من الرجل؟.

ثم يقول: إن محمداً عليه صلوات الله وسلامة ـ كان بدوياً سازجاً، التقط كثيراً من الأخبار لا صحة لها ولا ثبوت، كقصة أصحاب الكهف، خرافة لا حقيقة لها على الإطلاق. وغيرها من القصص. فأنتم معشر المدرسين والمدرسات واجبكم تطوروا القرآن في هذا الوقت ونحن نبقى ننتمى للإسلام، لكن لا بد من تطوير، لا سيما وطاعة ولى الأمر فريضة واجبة؟ !!

هذا سيطور. وهذا دامغ، وذاك دامغ

يا عبد الله: الحق واضح أنت في هذا الكتاب استدللت بأحاديث في البخاري ومسلم ولعنة الله على من لا يقبل حديث البخاري ومسلم، فلنحتكم نحن وأنت إلى ما ذكرت، وإلى ما سنذكر، ونرى كيف سيكون الجمع بينهما، ومن الذي يؤمن بالكتاب كله ومن الذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.

ص: 237

إخواتي الكرام: هذا لابد الآن من المحاكمة، عند ذكرنا للأمر الثاني فيما يتعلق بمصير فاعل الكبيرة في الجنة في آخر الأمر إن شاء الله، إنما نحن لازلنا في الأمر الأول: العقوبة عدل، والمغفرة فضل، كل وعيد مقيد بقيدين: عدم التوبة، وعدم المغفرة.

أنظروا لهذه المناظرة المحكمة التي جرت بين شيخ أهل السنة في ذلك الزمان أبى عمرو بن العلاء وهو أحد القراء السبعة قارئ البصرة ـ وبين عمرو بن عبيد المؤسس الثاني لمذهب الاعتزال، اجتمعا في مجلس، فقال، عمرو بن عبيد ليرد علي مذهب أهل السنة: إن الله وعد وعدً، وأوعد وعداً إعاداً، فهو مجز إيعاده كما هو منجز وعده. أي كما أنه لا يخلف الميعاد في الموعد. ومن وعده ثواباً سيحققة له فمن وعده عقاباً وتهدده سينزله عليه، والله لا يخلف هذا ولا هذا، لأن كل منهما من باب الخبر، والله لا يخلف الخبر وسيحققه، فسيحقق وعده ووعيده.

فقال: أبو عمر بن العلاء لعمرو بن عبيد: إنك أعجمي، لا أقول انك اعجم اللسان لكنك اعجم القلب (1) إن خلف الوعيد كرم ولخف الوعد لؤم. ألم تسمع إلى قول الشاعر:

ولا يرهب ابن العم ما (بياض)

ولا يختشي من صولتي المتهدد

وإني وإن وعدته أو أوعدته

لمخلف إيعادى ومنجز موعدي (2)

(1) -

(2)

- يقول: أين عمي لا يختشي مني ضرراً، ولا يخاف من الغريب لأنني أنا أحمية. أنا وراء ظهره، ثم أنا إذا جرى مني لأن عمي وعد ووعيد، بشارة وتهديد، أحقق بشارتي ووعدي، أما وعيدي أخلفة ولا أحققه، هذا منقبة أم مذمة؟ منقبة.

ص: 238

العرب يتمدحون بهذا، هذا حال الكرام. إذا وعد يفى، وإذا أوعد يخلف، لأن كل وعد عند الكريم مقيد بعدم المغفرة. يقول: أنا سأفعل بك وأفعل إلا إذا عفوت هنا مقيد بمشيئتي. هذا بخلاف الإنزال في هذا الحين. إذا وعدك لا يفي، وإذا أوعدك يزيد فى عقوبتك. تستدعي من قبل من لا يخالفون الله. يقولون. مجرد تحقيق. وقد نعطيك كرامة بعد ذلك. تعال لننظر ونتباحث. فتذهب. ليت الأمر يقتصر على سب وشتم. ترى ما لا يخطر ببالك. الوعيد يضاعفه الوعد يخلفه.

جاء مرة بعض العتاة إلى بعض المسجونين من المؤمنين في بعض السجون ودخل عليهم بصورة طبيب لينظر إلى أحوال هؤلاء المسجونين. ووضع المعاملة لهم. وماذا عندهم من تذمر لأجل أن يفطم ألسنتهم. فيمر عليهم. مَرّ عل إنسان ومعه السماعة ـ علي أنه طبيب ـ يقول: ماذا بكم؟ كل واحد يقول: أنا سليم بالمائة مائة، لئلا يخبره ، لأنهم يعرفون أساليبهم. يقول أنا مرض فيزداد في ضربه. فجاء إلى بعض الناس الذي يظهر أنه حديث عهد بالسجون. قال: مالك؟ قال: ضربوني ضربوني حتي أن أذني هذه ما بقيت أسمع بها. قال: هذه ما تسمع بها؟ قال: ما أسمع. فرقع يده وصفعة علي الثانية فأصم له الثانية؟ !! هذا الذي جاء ليعالج!! هذا حال المؤمنين. والله إن السائمة أرفع قدرا في هذه الحياة من حال المؤمنين الذين ينكبون ويعذبون يشتكي لك بصورة طبيب وهو يتظاهر بالطب. إنما لينظر هل فيهم من يتذمر؟ فضربه علي الثانية فأفقده سمعه!.

ثم قال له (1) ألم تسمع إلى قول الأخر:

إذا وعد السراء أنجز وعده

وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه

ألم تسمع إلى هذا؟ العرب يتمدحون بهذا. فرب العالمين من باب أولي إذا لم يوقع وعيده على من توعده. هل يقال: كذاب أو يقال كريم؟ كريم. لأن هذا الوعيد مقيد في الأصل بمشيئة. إن شاء غفر له. وإن شاء عاقبه

(1) - قلت: أي قال أبو عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد

ص: 239

2 ـ الأثر الثاني من (بياض) لو قدر أنه عذب مآل إلى الجنة (بياض) فاعل الكبيرة في الآخرة (بياض) إما أن يعاقب وإما أن يغفر له. أما الجنة لا بد من أن، يدخلها قطعاً وجزماً على حسب فضل الله وكرمة. كما أخبرنا علي لسان رسلة عليهم صلوات الله وسلامة لكن ذلك الدخول قد لا يسبق بعقوبة. متي؟ إن غفر له، وقد تسبقة عقوبة. تطول ألف سنة ـ كما سيأتينا في عقوبة بعض العصاة. ـ بعد ألف سنة يخرجه الله وهو ينادي يا حنان يا منان (1) وإذا لم يغفر له لا بد من مطهر. والنار هي آخر المطهرات. قلبها تسع مطهرات. إذا ما طهرت لا بد من العاشر. المطهر الأول: توبة واستغفار. فإذا تاب [التائب من الذنب كمن لا ذنب له](2) فإن تاب طهر نفسه. إذا لم يتب. هل عنده حسنات ماحية أم لا؟ ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)) (3) . [واتبع السيئة الحسنة تمحوها] ما عنده حسنات. فقير حسناته يا الله يا الله أن تقبل. وما عنده تنفل وشيء زائد فما عنده حسنات تمحو المخالفات. نأتي لمطهر ثالث: هل نزل به مصائب في هذه الحياة فـ[لا يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة حتي يمشيا علي وجه الأرض وليس عليهما خطيئة] . وكل معصية تكفر من ذنوب الإنسان [حتي الشوكة يشاكها](4) .

(1) - كما ثبت هذا في المسند. ومسند أبي يعلي. وسأذكره إن شاء الله

(2)

- قلت: تقدم تخريجة. صفحة 107

(3)

- هود: 114.

(4)

- قلت: الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتي يلقي الله تعالي وما عليه خطيئة] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم وقال: صحيح علي شرط مسلم. ووافقه الذهب. وأخرجه أحمد وغيرهم (أنظر ترغب المنذي 4/286

ص: 240

((مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)) (1) قال هذا شيء شديد ـ أبو بكر رضي الله عنه ـ كما ثبت في السنن. قال [يا أبا بكر ألست تمرض، ألست تنصب. ألست تتعب، ألست تصيبك اللأواء ـ المرض والحمي ـ قال: بلي، قال: فذلك مما تجزون به](2) ولذلك حقيقة ـ وكلّ البلاء بالولاء، بولاية الله، من أراد الله أن يصطفيه وأن يواليه وألا يعاقبه في الآخرة ، يصب علية العقوبات والشدائد والمصائب واعتداء السفهاء في هذه الحياة ليلقي الله وليس عليه خطيئة. ولو كان المؤمن في جحر ضبّ لقبض الله له من سيؤذيه ليرفع بدرجته، قال نبي الله داود علي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه: يا رب كف ألسنة الناس عني.

(1) - النساء: 123

(2)

- قلت: روى مسلم في صحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت ((مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)) بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتي النكبة ينكبها. والشوكة يشاكها] . ورواه الإمام احمد والترمذي والنسائي وابن مردويه وغيرهم. وللبخاري ومسلم. عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن حتي الهم يهمه إلا كفر به به من سيئاته] وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي قال: أخبرت أن أبا بكر قال: يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كيف الصلاح بعد هذه الآية مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [غفر الله لك يا أبا بكر. ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء قال: بلي. قال: فهو مما تجوزن به] . والحديث رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحة. ورواه سعيد بن منصور. وأبو يعلي. والبيهقي. (أنظر الترغيب والترهيب: 4/294)

ص: 241

قال: هذا شيء ما ارتضيته (بياض) هم يتكلمون عليّ فمن؟ أنت؟ !. الله مع الأنس والجن في نبأ عظيم. يخلق ويعبد غيره يرزق ويشكر غيره. ولا أحد أصبر علي أذي سمعه من الله.

ولذلك قال الله في الإفك: ((إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)) (1) سبحان الله! أمنا زوجة نبينا علية الصلاة والسلام بنت أفضل الصديقين علي وجه الأرض، وخير خلق الله بعد النبيين والمرسلين يتكلم علي عرضها. وهذا خير لنا؟ تعم خير لنا. حقيقة خير لنا.

أولاً: هذه الخيرية تنال أجراً عند رب البرية، لعل الله أدخر لها مقاماً عظيماً لا تناله إلا بهذا ولذلك سيدة نساء هذه الأمة خديجة وابنتها فاطمة وأمنا عائشة. واختلف في تفضيل الواحدة منهن علي الباقي. والمعتمد أن كل واحدة أفضل من جهة من الجهات واعتبار من الاعتبارات. إذن هذه سيدة نساء هذه الأمة.

(1) - النور: 11

ص: 242

أمر ثان: هي تكون أسوة للمسكينات في آخر الزمان سيتكلم عليهن. فعندما تقول أمي تكلم عليها. من أنا؟ إذن أصبر كما صبرت، تظهر المعادن والحقائق بعد ذلك. كيف ثبت المؤمنون وقالت أم أيوب لزوجها أبي أيوب: يا أبا أيوب أما تسمع ما يتحدث الناس عن عائشة؟ ((لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)) (1) قال:يا أم أيوب، قد سمعت لو كنت مكانها أكنت تزنين؟ قالت أعوذ بالله! قال: فهي خير منك وأبوها خير من أبيك وزوجها خير من زوجك. أي أنت تنزهين نفسك، كيف بعدها تقولين: أما تسمع ما يتحدث الناس..؟ سمعت لكن كما قال الله ((ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا)) (2) أنظر لهذه المعادن وقال الصحابه: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إن الله لم يرض لك أن يكون القذى في خفيك. ونعليك. عندما صليت وفيها أذي نزل جبريل وقال لك: في تعليك أذي فاطرحمها. فطرحهما وهو يصلي. فكيف يرضي أن يكون الاذي في لباسك. وفيمن هو لباس لك وأنت لباس له؟ ! كيف هذا؟.

(1) - النور: 12

(2)

- قلت: الأثر مروي برويات عدة كلها متقاربه. منها ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله تعالي عنها؟ قال: بلي. وذلك الكذب. أكنت أنت فاعلة يا أم أيوب؟ قالت لا والله. فقال: (بياض) رضي الله عتها والله خير منك وأطيب إنما هذا كذب وإفك باطل. أخرجه ابن اسحق، وابن جرير. وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وابن مردويه. وابن عباس وروى قريباً منه الحاكم وابن عساكر أيضاً عن أفلح مولى أبي أيوب. والأثر رواه أيضاً (بياض) ابن عمر الواقدي ـ عليهم جميعاً رحمة الله ـ. (تفسير ابن كثير: 6/27،28. روح المعاني (بياض) .

ص: 243

أنظر لهذه المعادن كيف ظهرت مع أنها حقيقة مصيبة تتفطر منها الجبال. ثم ليظهر العفو والفضل.

من الذي خاض في الإفك؟ من جملة من خاض. مسطح ابن خالة أبي بكر. يتكلم على أمة وقريبته وزوجة النبي عليه الصلاة والسلام أجتمعت النقائض. لما قال الله: ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا)) (1) .

قالوا: عفونا وعفرنا وصفحنا. والله يعفو عنا وعنهم.

(بياض) مسطح

يحط قدر النجم من أفقه

وقد جري منه الذي قد جري

وعوقب الصديق في حقه

(1) - النور: 22

ص: 244

حقيقة هذا خير لنا. ولذلك البلاء. [أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل](1) فإذا أراد الله به خيراً طهره بمصيبة من المصائب. بمرض، باعتداء سفيه. بتهمه تنتشر عليه.. ببلاء من البلايا التي تنتشر في هذه الحياة. ما حصل له هذا يأتي البرزخ هناك مطهر:[القبر روضه من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار](2)

(1) - قلت: الحديث عن مصعب بن سعيد عن أبية رضي الله عنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاءً؟. قال: [الأنبياء ثم الامثل فالامثل، يبتلي الرجل علي حسب دينه. فان كان دينه صلباً أشتد بلاؤه. وان كان في دينه رقه ابتلاه الله علي حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتي يمشي على الأرض وما عليه خطيئة] رواه ابن ماجة وابن أبى الدنيا والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لابن حبان في صحيحة من رواية العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاءً؟ قال: [الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الناس علي حسب دينهم. فمن ثخن دينه إشتد بلاؤه. ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه. وان الرجل ليصيبه البلاء حتي يمشي في الناس ما عليه خطيئة] ورواه ابن ماجه والدامي بلفظ آخر قريب من هذا: عن سعد قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاءً؟ قال: [الأنبياء ثم الامثل فالامثل، يبتلي الرجل علي حسب دينه. فان كان صلباً في دينه إشتد بلاؤه، إن كان في دينه رقه هون عليه ما زال كذلك حتي يمشي علي الأرض ماله ذنب]

(2)

- قلت: هذا الحديث مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة نجلس إلي قبر منها فقال: [ما يأتي علي هذا القبر يوم إلا وهو ينادي بصوت ذلق طلق: يا ابن ادم نسيتني. ألم تعلم أني بيت الوحدة. وبيت الغربة. وبيت الوحشة. وبيت الدود. وبيت الضيق. إلا من وسعني الله علية..ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القبر أما روضه من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار] رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد ابن (بياض) بن سويد وهو ضعيف. وهناك شاهد آخر للجملة الأخيرة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنما القبر روضه من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار] رواة الترمذي واللفظ له البيهقي كلاهما من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو واه عن عطية وهو العوفي عن أبي سعيد. وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفة إلا من هذا الوجه. (أنظر ترغيب المنذري: 4/238)

ص: 245

وقد يعذب في النار البرزح يوماً، وقد سنة، وقد إلي يوم القيامة، وقد لا يكفيه التطهير، ينتقل بعد ذلك إلي عرصات الموقف، فإذا لم تطهرة المطهرات الأخرى يدخل النار. في البرزخ هذا مطهر رابع.

مطهر خامس: الدعاء من المؤمنين في هذه الحياة ، أما ندعوا نحن للمؤمنين والمؤمنات؟ أما تدعوا أن ينصر الله المسلمين وان يغفر لهم؟ كل مسلم يناله من هذه الدعوة نصيب، فإذا طهر بهذه الدعوة وصلت له تلك الحسنات ونفعته، نعمة، ما طهر، مطهر سادس بعد موته: أما نصلي عليه ونشفع له وندعوا؟ ونهدي له من الحسنات ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)) (1) في الحياة وبعد الممات. كل هذا ما نفع وصله وعليه ذنوب أمثال الجبال تهامة ، ما كفت المطهرات الست، مطهر سابع: أهوال يوم القيامة وشدائدها ((يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا)) (2) هذه كلها تخفف عن المؤمن. إن طهرت فالحمد لله. إذا ما طهر تأتي بعد ذلك شفاعة الشافعين من نبينا الأمين علية صلوات الله وسلامه، والصالحين. ما نفعته هذه الشفاعة، وذنوبه أكثر ، عفو الله ورحمته، أيضاً عنده ما يستوجب العذاب. بقي المطهر العاشر لا بد منه وهو: الكير. والكير هذا حقيقة يطهر من لا يقبل التطهير ما قبل مطهراً من المطهرات التسعة يدخل إلي الكير ليطهر.

إذن: إذا ادخل النار ولم يطهره مطهر من المطهرات المتقدمة، مآله إلي الجنة، فإن بياض ولدت نصوص تخبر بأنه لا يدخل الجنة، وهو يخلد في النار، كما تقدمت معنا نصوص في حالة في الدنيا نحو الإيمان اخرج من الإيمان وصف بالكفر بالنفاق، بالجاهلية ليس من عداد المسلمين وبين المعني الحق فيها جمعاً بينها وبن النصوص الأخرى، عندنا هنا نصوص أخبرتنا أن فاعل الكبيرة يخلد في النار، ولا يدخل الجنة وهذا هو ما استدل به في الظاهر الخوارج والمعتزلة الأباضية ـ الآن.

(1) - لا يوجد تخريج

(2)

- لا يوجد تخريج

ص: 246

لكن قلنا أشجعهم وأرذلهم الخوارج ومن عداهم مخانيث لهم، أما أولئك قالوا: النصوص كفرتهم فنحت نقول كفارهم مخلدون في النار. أما المعتزلة الاباضية قالوا: لا لا نكفرهم، لكن نقول: في النار، طيب لِمَ؟ لا تفرقون بين النصوص! لا خوارج ولا سنة؟ إما هذا وإما هذا.

ولذلك قلت لكم: قول المعتزلة وقول الاباضية في هذه المسألة ما سبقهم إليه مؤمن ولا كافر. لا انس ولا جن. أنهم يخلدون في النار وليسوا بكفار. كيف ستخلد الموحد في النار؟ ! فأولئك خلدون. قالوا: لأنة كافر، أما أنت تقول ليس بكافر ومخلد؟! وتقول: من قال انه كافر خالف الكتاب والسنة إجماع الأمة، كيف خالف الكتاب والسنة؟ وتقدم معنا أحاديث:[كفر بالله من انتقي من نسب](1) ، [اثنتان هما في أمتي كفر](2) إذا هذا خالف السنة؟ هذا اسعد بالسنة منك منة حيث الظاهر، أما أنت، أنت الذي تناقض نحو السنة فلا صرت خارجي ولا صرت سني، تذبذبت بين هؤلاء وهؤلاء، وما ثبتت قدمك لا علي حق ولا علي باطل، وإما باطل واضح، وإما حق واضح، جئت تخلط بين هذا. وقلت لا نكفره. كما قال أهل السنة لكن قلت: لا نقول يدخل الجنة. نخلده في النار. كيف تأخذ الطرف من قول الخوارج وطرف منة قول أهل السنة؟ هذا هو الضلال المبين.

إن قيل لنا: وردت نصوص. النصوص ذكرها هنا، ونحن لسنا ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضة، كما هو الحال في حق فاعل الكبيرة، هل ننفي عنه الإيمان أم لا؟ ذكرنا النصوص وأولناها جميعاً بين النصوص الاخري. لئلا نلغي شطراً من كلام النبي علية الصلاة والسلام. ونحن قنا: النصوص عندما تتعارض في الظاهر لا بد من الجمع بينها. لئلا نهمل كلام النبي علية الصلاة والسلام علي حسب الهوى والتشهي.

(1) - قلت: هذا الحديث تقدم خريجة. راجع صفحة 93

(2)

- قلت: تقدم تخريج هذا الحديث. راجع صفحة 90

ص: 247

فإن قيل: وردت نصوص تخبر بأن فاعل الكبيرة لا يدخل الجنة. منها ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل الجنة من لا يأمن جارة بوائقه] هذا من النصوص التي موردة هنا. وفي غيره من الكتب (1) .

وثبت في مسند الإمام أحمد (بياض) ويستدل به (2) ـ لا يدخل الجنة

(بياض) رحم] وثبت فى المسند (بياض) وسنن أبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل الجنة صاحب مكسْ] وهم أصحاب الضرائب ـ الرسوم ـ التي فرضت علي المسلمين في هذه الأيام. وهكذا الذي يعشّرون الناس، ويأخذون منهم ضرائب الجمارك وغيرها.

وثبت في المسند والمستدرك وشعب الإيمان للبيهقي بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه. والديوث. ومدمن الخمر.] وفي رواية بدل: مدمن الخمر: [رجلة النساء] .

(1) - قلت: قول شيخنا " هذا من النصوص التي موردة هنا " أي في كتاب الحق الدامغ وقوله (بياض)" وفي غيرة منة الكتب " يقصد في غير كتاب الحق الدامغ، كالدامغ وغيره من (بياض) الخوارج والمعتزلة وغيرهم.

(2)

- قلت: أي صاحب كتاب الحق الدامغ

ص: 248

إذن هؤلاء لا يدخلون الجنة. وهذا تصريح النبي علية الصلاة والسلام فقال الاباضية والمعتزلة والخوارج: لا يدخل الجنة. لكن نقول. وردت نصوص تكفر. كفرتموه كما كفره الخوارج: قال: لا نكفره. نؤمن ببعض الكتاب ونكفر بعض، نقول، وردت نصوص تخبر بأنه مآله إلى الجنة. يقول: نلغي النصوص التي تكفر ونلغي النصوص التي تدخله الجنة. نقول. فقط مخلد في النار ولا يدخل الجنة. وهل هي علي حسب الهوى فقط؟ ! نصوص أخري وردت بأنه يخلد في النار. قال الله في كتابه ـ وهذه عمدة المؤلف هنا في البحث الذي أورده في خلود أهل الكبائر في النار (1) مقدمه وثلاثة فصول وخاتمةـ ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) (2) إذن إذا قتل إنسان مؤمناً متعمداً فبه هذه العقوبة ((فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ)) ماذا قال الله فيه؟:

((خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) .

(1) - قلت: قول شيخنا: المؤلف. أي مؤلف كتاب الحق الدامغ

(2)

- النساء

ص: 249

وثبت في المسند والكتب الستة (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسَّ سُمّاً فقتل نفسه فسمّه فى يده يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تردي من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.] إذن عندما نصوص تقول: لا يدخل الجنة، وعندنا نصوص تقول: هو مخلد في النار فماذا تفعلون بها وأنتم تقولون إنه في الجنة؟

قلنا: لا يجوز النظر بعين وإغماض الاخري. فلا بد من أن ننظر بالعين. وأن نؤمن بما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام ورد عن نبينا علية الصلاة والسلام وتواتر أن العصاة يخرجون من النار بعد أن يدخلوها. فهذه الأحاديث إذن معناها: هذا لا يدخل الجنة ويخلد في النار إن استحل ذلك. لأنه كافر. والكافر لا يخرج إلي الجنة، ويخلد في النار. كما تقدم معنا في الدنيا يُنفي عنه الإيمان علي أحد الاعتبارات الخمسة: إن استحل

وهنا: [لايدخل الجنة صاحب مكس] . [لا يدخل الجنة قاطع رحم] إن استحل العقوق والضرائب فهو كافر يخلد فى نار جهنم. وإذا قال أنا مخطيء. عاصي. لعل الله يغفر لي هذا له حكم آخر. سيأتي إشارة نبينا علية الصلاة والسلام إليه.

(1) - وإذا كان في الكتب الستة الحديث صحيح فلا داعي لأن نقول بسند صحيح أو حسن. وماذا يقصد بالكتب الستة؟ الصحيحان والسنن الأربعة، الترمذي وأبو داود والنسائي بضاف إليها ابن ماجة. هذا اصطلاح الجمهور. وبعضهم أدخل موطأ مالك، وبعضهم أدخل الدامي. مالنا وللإصطلاحات الخاصة، لكن الكتب السنة يقصد بها: الصحيحان والسنن الأربعة.

ص: 250

الأمر الثاني: نقول: هو لا يدخل الجنة: ويخلد في النار إن لم يقم مانع يمنع من ذلك. والمانع توبة أو مطهر من المطهرات العشرة المتقدمة. فإذا تاب قطع رحمة ولعن والده ثم جاء وقبل رجليه ووضع رقبته تحت رجلي والدية وقال. أنا ما أرفع رقبتي حتى تستغفرا لي. فقالا: يا ولدي الله يغفر لك. وبقي بعد ذلك طول حياته يحمل حذاء والدية ويقبلهما ويدعوا لهما بعد موتهما.. يناله الوعيد؟ يا معشر الخوارج هذا في النار؟ قالوا: لا. يا معشر الاباضية في النار؟ قالوا: لا. يا معشر المعتزلة فى النار؟ قالوا: لا؟ لِمَ؟ يقولون. تاب نقول: إذن إذا وجد مانع يمنع وقوع الوعيد لا يناله الوعيد. فإذن هذا جزاؤه إذا لم يمنع من ذلك مانع. والموانع عندنا موجودة.

الأمر الثالث: ذكره الإمام أبن كثير في تفسيره نقلاً عن أبي هريرة. وعن جماعة من السلف رضي الله عنهم أجمعين: قالوا: هذا جزاؤه الذي يستحقه إن جازاه الله به. وقد أخبرنا أنه لن يجازي بهذا أحداً من أهل التوحيد، فأخبره بهذا الأمر ليتقطع قلبه. كما تقدم معنا هناك قلنا [كفر بالله من انتفي من نسب] زوال الأيمان وخروجه من المله واتصافه بالكفر إنما يقصد بذلك التخويف والتغليظ بأمر يخلع منه القلب. لأن كل واحد يكره الكفر. ولا يريد أن يزول عنه الإيمان. وبالتالي ينكف عن الذنوب والآثام. وهنا كذلك. هذا جزاؤه الذي يستحقه إن جازاه الله به. لكن أخبرنا أنه لن يجازي موحداً بهذا. ولن يخلد عاصياً فى النار. ما الدليل علي ما تقولون؟

ص: 251

اسمعوا للأحاديث التي استدل بمن خرج الأحاديث التي استدل بها الخوارج. فإذا كان (بياض) روي البخاري ومسلم. أخرج الطبراني. روي أحمد والبزار والحاكم. روي الشيخان. [من شرب الخمر فى الدنيا يحرمها في الآخرة] وهو كناية عن حرمانه من دخول الجنة. أخرج البخاري [من استرعاه الله رعية ثم لم يلحقها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة] أحاديث.. علي العين والرأس. روي الشيخان. [من قتل نفسه بحديده..] . [لا يدخل الجنة نمام..](1) أحاديث ذكرتها معزوة للبخاري ومسلم ونحن أمنا بها وذكرنها. والله لا يرد حديثا منها إلا من هو ضال. أضل من حمار. لكن تعال: إذا كنت تأخذ برواية البخاري ومسلم وأئمة أهل السنة. فاسمع لهذه الروايات وأخبرنا ماذا سنفعل بها؟ !

(1) - قلت: قول شيخنا: فإذا كان البخاري. روي البخاري ومسلم

الخ هذا في مسار المناظرة التي يقيمها شيخنا مع مؤلف الحق الدامغ ـ غيابياً ـ وهو هنا يقول: أي بما أنك تحتج لقولك بأحاديث أئمة الحديث كالبخاري ومسلم والإمام أحمد والبزار وغيرهم. فنحن نريد ألا نخرج عن نفس المصادر التي (بياض) بالأحاديث منها ـ وهي البخاري ومسلم وغيرها.. ـ وسنأتيك بأحاديث من هذه المصادر وتكون هي الحكم بيننا.

ص: 252

ثبت فى الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري. وبوب عليه البخاري فى كتاب الإيمان باباً يشير به إلي تفاوت المسلمين فى العمل الصالح فقال باب تفاصيل أهل الإيمان فى الأعمال وبعضهم يخطيء وبعضهم يحس. والحديث فى صحيح مسلم أيضاً. عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ثم يقول الله ـ إذن يقول متي؟ بعد أن دخلوا النار ـ: أخرجو من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في (بياض) (1) شك مالك ـ فينبتون كما تنبت الحِبَّة (2) في (بياض) السيل أو حميل السيل (بياض) تخرج صفراء ملتوية؟] هذا حديث في الصحيحين. وصرّح بأنهم يخرجون. فإذا كنت تؤمن ما رواه البخاري ومسلم ماذا تقول فى هذا؟ نكفر به؟ أم نجمع بين هذا وذالك؟ فأي الفريقين أهدي سبيلا؟ أهل البدع يستدلون بقسم ويكفرون بقسم ـ كما قلت لكم ـ هذا حالهم فى القديم والحديث يؤمنون بعض الكتاب ويكفرون ببعض.

(1) - بالقصر: الحياة وهو الماء. وبالمد الحيا الذي هو استحياء. وهو الذي يحصل فيه انقباض نفس وانكماشها. شك مالك أي اللفظين نقله عن شيوخه عن النبي علية الصلاة والسلام وتحمله عنهم. بالقصر: الحياة: أو بالمد الحيا. وقال أئمتنا: الحياة وهو الماء. وهو المناسب للمعني، فيلقون فيه لأجل أن يزول الإسوداد الذي حصل لهم.

(2)

- الحِبَّة: جمع حَبَة. والحبة هي بزور مالا يؤكل. بزور الأعشاب التي تكون في البادية الحِبَّة جمع حَبَة. كما أن الَحَبّ وهو البر جمع حَيّة فالمفرد واحد في حبة القمح وحبة البزور التي تكون في البادية والبرية. لكن الجمع يختلف. جمع الحَبَّة (القمح) حَبّ. وجمع الجَبَّة (التي هي بزور النبات الذي لا يؤكل) حِبَّة. [كما تنبت الحِبَّة] أي بزور الأعشاب التي لا يأكلها بنو آدم. السيل عندما ينحسر ويبقي الطين أما ترون كيف يخرج العشب فيه؟ من البزور التي يحملها الماء. تمتليء الأرض خضرة.

ص: 253

وأمنا به كل من عند ربنا.

حديث آخر رواه الإمام البخاري أيضاُ في صحيحة. وبوّب عليه فى كتاب الإيمان باباً يشير به إلي هذا فقال: باب في زيادة الإيمان ونقصانه، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[يخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير (1) ويخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّه (2) من خير، ويخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن ذَرَّةٍ من خير (3) ] الحديث في صحيح البخاري ماذا تعمل به؟. كما قلنا إذن يدخل النار لكنه لا يخلد. هذا إن دخل.

(1) - انتبه للترتيب في الوزن.

(2)

- وهي: القمح.

(3)

- وصحّف أبو بسطام ـ شعبة ـ شيخ المحدثين هذا اللفظ فقال: [وزن ذُرَةٍ] لأنه لما مرَّ معه ذكر الشعير والحب ظن أن هذه ذرَة. وهي: وزن ذَرَّةٍ. والمراد من الذَرَّة ـ كما قرر أئمتنا هي أقل الموزون. وقيل: هو ما يتطاير في شعاع الشمس. فيقال له: ذر. وقيل: هو صغار النمل. وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذرة أن تضع يدك علي التراب وأن تنفخها وما تطاير فهو (بياض) .وقال أئمتنا أربعة ذرات تعدل خردلة أهـ.

ص: 254

وثبت في مسند الإمام أحمد (1) ورواة أبو يعلي (2) والحديث حسن شواهده: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يقول بعض أهل النار وينادي ويستغيث ويصرخ ألف سنة: يا حنان يا منان. فيقول الله لجبريل ـ علي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ـ ليأتي بهذا الذي ينادي من ألف سنة. فيذهب جبريل. ـ علي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ـ ليأتي بهذا الإنسان. فيري أهل النار منكبين يبكون لا يميز واحداً من آخر فيقول: يا رب ما عرفته. فيقول: هو في مكان كذا فأتني به. فيحضره جبريل إلي ربنا الجليل ـ علي جبريل وعلي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ـ فيقول الله لهذا العبد. كيف وجدت منزلك، ومقيلك يا عبدي؟ يقول: شر منزل وشر مقيل يا رب فيقول الله: أعيدوه إليها. فيقول: يا رب ما كان هذا ظني بك. يقول. وما كان ظنك؟ يقول. ظني إذا أخرجتني ألا تعيدني، فيقول الله: دعوه](3) ماذا نفعل بهذه الأحاديث ومثلها كثير؟ والأمر حقيقة يستدعي أن نذكر شيئا من الأحاديث التي تفيد التواتر في هذا وأن فاعل الكبيرة إن عذب مآله إلي الجنة ، ولن يخلد احد من عصاه الموحدين في النار الجحيم.

(1) - في مسند أحمد 20/23

(2)

- كما في (بياض) :10/384

(3)

- قلت: الحديث له شاهد عند مسلم في كتاب الأيمان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [يًخرج أربعة من النار، قال أبو عمران ـ أحد رواة الحديث ـ: أربعة وقال ثابت ـ راو آخر ـ: رجلان. فيعرفون علي الله، ثم يؤمر بهم الي النار، فيلتفت أحدهم فيقول: أي رب لقد كنت أرجو إذا أخرجتني منها ألا تعيدني فيها، قال فينجيه الله منها.] وله شاهد أيضاً عند الترمذي والبغوي من حديث أبي هريرة هذا الحديث. وسيأتي ذكره.

ص: 255

ثبت في الصحيحين وغيرها من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث الشفاعه، وفيه يقول ربنا لنبينا عليه الصلاة والسلام:[ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فيقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حية من بُرَّة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلي ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً، فيقال لي: يا محمد. ـ علية الصلاة والسلام ـ ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها. فأنطلق فأفعل. ثم أعود إلي ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً ـ للمرة الثالثة ـ فيقال لي: يا محمد ـ علية الصلاة والسلام ـ ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبة أدني أدني أدني من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل.] هذا الحديث رواه أنس رضي الله عنه للتابعين بعد وساطة. قال معبد بن هلال العنزي: انطلقنا إلي انس بن مالك وتشفعنا بثابت البناني (1) إلي انس ليحدثنا فنتهينا إلية وهو يصلي الضحي فأستأذن لنا ثابت فدخلنا علية واجلس ثابت معه علي سريره وقال له يا أبا حمزة إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة فحدثهم بهذا الحديث يقول معبد فقلنا لو ملنا إلي الحسن فسلمنا علية وهو مستخف في دار أبي خليفة (2)

(1) - ثابت البناني تلميذ أنس

(2)

- كان متخفياً من الحجاج في ذلك الوقت في البصرة..

ص: 256

فدخلنا علية فسلمنا علية قلنا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبا حمزة فلم نسمع بمثل حديث حدثناه في الشفاعة قال هيه ما هو؟ فحدثناه الحديث فقال هيه قلنا ماذا دنا؟ قال: قد حدثنا ـ يعني ماحدثنا إلا هذا الحديث ما له زيادة؟ قلنا ماذا دنا اقتصر إلي هنا (فقال الحسن البصري قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع (1) ولقد ترك شيء ما ادري: انسي الشيخ أم كرهه أن يحدثكم فتتكلوا؟ فقلنا له حدثنا فضحك وقال: خلق الإنسان من عجل. ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن احدثكموه قال: ثم ارجع إلي ربي ـ في الرابعة ـ فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً. فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. قال: فليس ذلك لك. أو قال الله له: ليس ذلك إليك. ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من قال لا إله إلا الله (2) ] أي هذه شفاعتي الأن ليست شفاعتك ـ قال فأشهد علي الحسن انه حدثنا به انه سمع انس ابن مالك أراه قال: قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع. الحديث في الصحيحين فماذا نفعل يا صاحب كتاب " الحق الدامغ "؟ نردّه؟ نرد هذا الحديث وندمغه، وهو كلام النبي علية الصلاة والسلام.

(1) - بياض

(2)

- أي ما عنده الآن أدني أدني أدني ذرة من خير، مجرد: لا اله إلا الله. ثبت في مسند البزار وغيره والحديث في درجة الحسن: [من قال لا اله إلا الله نفعه يوماً من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه] . أهـ

ص: 257

حديث آخر: رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يمتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس إصابتهم النار بذنوبهم، أو قال: بخطاياهم، فأماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً إذن بالشفاعه فجيء بهم ضبائر ضبائر (1) ، فبثوا علي انهار الجنة، ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، فقال رجل من القوم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية (2) ]

حديث آخر: في سنن الترمذي وقال: حسن صحيح. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يعذب أناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونون فيها حمَمَاً ـ فحماً محترقاً ـ ثم تدركهم الرحمة فيخرجون منها فيطرحون علي أبواب الجنة، فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبوت كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة](3) .

حديث آخر: في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن قوماً يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم حتى يدخلوا الجنة] . ولا يعذب الله وجوه الموحدين لأمرين: إما سجدوا لله في حياتهم وصلوا له، ولو قدر أنه لم يحصل. فهذه الوجوه ستري رب العالمين في النهاية، فلا يجعل الله عليها أثر مساءة ومذلة إكراماً لما سيحصل لهذه الوجوه من الكرامة، لا تتغير الوجوه (4) .

(1) - يعني جماعات جماعات، أفواجاً أفواجاً

(2)

- يعني يعرف أحوال الزورع والحشائش والنباتات.

(3)

- قلت: الحديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في المسند والبغوي في " شرح السنة ".

(4)

- فدارات الوجوه تبقي بيضاء. والباقي فحماً محترقاً.

ص: 258

حديث آخر: في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[يخرج من النار قوم بالشفاعة كأنهم الثعارير قلنا: وما الثعارير؟ قال: الضغابيس] ما الثعابير والضغابيس؟ هي صغار القثاء ـ من فصيلة الخيار ـ إشارة إلي أن أجسامهم هزيلة ضعيفة من كثرة العذاب، وفي رواية:[إن الله يخرج ناساً من النار فيدخلهم الجنة] وفي أخري: [إن الله يخرج قوماً من النار بالشفاعه] .

وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة، ويسمون الجهنميين (1) ](2) وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [يخرج من النار قوم بعد ما مسّهم منها سفْعٌ. فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة: الجهنميين] .وهذا في أول الأمر ثم يزول عنهم الاسم بعد ذلك.

(1) - أي الذين كانوا في جهنم

(2)

- قلت: روي الحديث أيضاً؟ ابن ماجة والبغوي. وللإمام أجمد والبخاري والبغوي أيضاً بنحوه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [بياض من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، فيقال لهم: الجهنميون.]

ص: 259

والأحاديث في هذا كثيرة أختمها بحديث الترمذي الذي هو حسن بشواهده. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إن رجلين ممن دخلا النار يشتد صياحهما فقال الرب: أخرجوهما، فقال لهما: لأي شيء إشتد صياحكما؟ قالا: فعلنا ذلك لترحمنا. قال: فإن رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار. فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه، فيجعلها الله علية برداً وسلاماً، ويقوم الآخر فلا يلقي نفسه، فيقول له الرب تبارك وتعالي: ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقي صاحبك؟ فيقول: رب أني لأرجو ألا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني، فيقول له الرب ـ تبارك وتعالي ـ: لك رجاؤك فيدخلان جميعاً الجنة برحمة الله]

هذه الأحاديث. ماذا نعمل بها؟ أنا أريد أن أعلم: إذا كنت تؤمن بصحيح البخاري والترمذي وغيره، ماذا تعمل بهذه الأحاديث؟؟.

إخوتي الكرام: أنظروا الموقف أهل السنة المهتدين، قال أهل السنة: من آتي ببدعة مكفرة. فنفي لله صفه ثابته. أو قال شيئاً بتأويل (1) لكن حكم عليه بالكفر، يقول المحققون من أهل السنة: مع أننا حكمنا عليه بالكفر لن يسوى الله بينه وبين الكافر الحقيقي. فهذا أتي ببدعة مكفرة. فلآجل الحكم الظاهري قلنا أنه كافر. لكن هذا سجد لله وصام وصلي. لكنه من هؤلاء الجهميه، يقول: القرآن مخلوق. الله لا يتصف بصفه، الله ما قدّر شيئاً.... من أهل البدع الذين قالوا بدعاً كثيرة وضلوا فحكم عليهم بالكفر لأجل بدعتهم المكفرة. في موضوع الخلود في النار قال أئمتنا:(بياض) نمسك ، فأمرهم إلي الله. وبعضهم قال: نرجوا لهم أن يخرجون مع أننا حكمنا عليهم بالكفر. لأن ظاهر الحكم في الدنيا ينطبق عليهم أنهم كفار.

(1) - الصفة ثابته ونفاها. لكن له تأويل (بياض) .

ص: 260

أنظر للإمام الذهبي في ترجمة العبد المخذول بشر المريسي (1) ـ من قضاة وأركان المعتزلة من الجهميه ـ يقول في ترجمة: هذا بشر الضلالة والشر. كما أن بشر الحافي هو بشر الهدي والخير. وهكذا أحمد بن أبي دؤاد هو أحمد الضلالة. كما أن احمد بن حنبل هو أحمد الهداية. وختم الإمام الذهبي ترجمة بشر بقوله (2) ومن كُفَّر ببدعة وان جلّت ليس هو مثل الكافر الأصلي ولا اليهودي والمجوس. أبا الله أن يجعل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر وصام وصلي وحج وزكي، وإن ارتكب العظائم وضل وابتدع كمن عاند الرسول صلى الله عليه وسلم وعبد الوثن ونبذ الشرائع وكفر. ولكن نبرأ إلي الله من البدع وأهلها. أهـ. نبرأ: لا شك فيه، لكن مع هذا من كُفَّر اعتقادنا: لن يجعل الله مآله في النهاية كنهاية الكافر الأصلي واليهودي والنصراني والمجوس ومن عاند الرسول صلى الله عليه وسلم وعبد الوثن. كيف سيجعل الله من وحده كمن جحده وكفره؟ ّ أسال الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا وأن يرزقنا إيماناً كاملاً ويقيناً صادقاً وأن يرزقنا استقامة علي الإيمان والعمل الصالح وأن يفرج كروبنا وأن يغفر ذنوبنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتي الكرام تقدم معنا أن الذنوب تنقسم إلي ثلاثة أقسام، علي بعض الاعتبارات فهي إما أن تكون في دائرة إذا وقع الإنسان فيها لا يغفر له. وهو يخلد في نار جهنم. وهذا في معصية الشرك. وإما أن تكون المعصية التي يقع فيها لا بد من وقوع المقاصة عليها والعقوبة. وهي إذا كانت بين العبد وبين العباد والمخلوقات. والأمر الثالث: إذا كانت بين العبد وربه فيما بينه وبين خالقه مما ليس بشرك. فالعفوا فيه أقرب. كما تقدم معنا.

(1) - في سير أعلام النبلاء: 10/220. والَمرٍيٍٍسٍٍيٍ بالتخفيف. والبعض ينطقها: (بياض) ، وهو غلط.

(2)

- وهذا الكلام ـ خاصة طلاب العلم ـ انتبهوا له في هذا المكان وقيدوه ولا يغيب عنكم طرفة عين

ص: 261

وقلت أيضاً: إن الذنوب علي كثرتها وتنوعها لا تخرج عن شكل من أشكال أربعة:

إما أن تأخذ شكل الاتصاف بالصفات البهيمية. أو الصفات السبعيه. أو بالصفات الشيطانية. أو أن يتصف المخلوق بما لا ينبغي له أن يتصف به من الصفات التي هي خاصة بربنا جل وعلا كالكبر وحب المدح والعظمة وغير ذلك.

والآن أقول:

الذنوب تنقسم ـ أيضاً ـ إلي أربعة أقسام: ذنب لا يغفره الرحمن وهو الشرك والكفر وذنب تقدم معنا أن الله جل وعلا يغفره لعبده بشرط وهو الصغائر، تغفر بشرط اجتناب الكبائر ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (1) الشرك لا يغفر. والصغائر مغفورة بكرم الله إذا إجتنب الكبائر.

بقي معنا نوعان من أنواع الذنوب: الكبائر والبدعة. وعلي صاحب هاتين المعصيتين سنتكلم الآن:

صاحب الكبيرة وصاحب البدعة لا نخرجه من حظيرة الإسلام. ولا نحكم عليه بالخلود في النيران مهما كانت بدعته إذا لم تكن مكفرة، وفيها إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة. وهكذا في حق فاعل الكبيرة إذا لم يستحل هذه المعصية فلا نحكم علية بالكفر ولا نقول إنه مخلد في نار جهنم، ففاعل الكبيرة والمتلبس ببدعة هو لا يخرج من الإيمان في هذه الحياة. ومآله إلي نعيم الجنات بعد الممات مهما عذب في نار جهنم. ولن يخلد موحد من الموحدين (2) .

فمن حُكِمَ عليه أيضاً بالكفر من أجل بدعته بما أنه صدر منه توحيد لله جل وعلا. وصدر منه شيء من الطاعة. لكنه ضل في بعض الجوانب. بما أنه له اسم الإسلام، نرجو له أن يدخله الله غرف الجنان في المآل. ولا يخلد في النار، كحال اليهودي والنصراني وسائر الكفار الأشرار.

وعليه إخوتي الكرام: ينبغي أن نحذر أمرين إذا كنا من أهل الإيمان:

الأمر الأول: ألا نكفر أهل الإسلام.

الأمر الثاني: ألا نحكم لواحد منهم بالخلود في النيران.

(1) - النساء: 31

(2)

- كما سبق كلام الإمام الذهبي.

ص: 262

هذان الأمران ينبغي أن يكونا علي بالنا، لا سيما في هذا الزمان، لا نحكم علي مسلم بالكفر مهما فعل من المعاصي والقاذورات إذا لم يستحل. ولا نحكم علية بالخلود في النار، أمره مفوض إلي ربه جلا وعلا.

? أما الأمر الأول إخوتي الكرام: فقد ذكرت أدلته. إنما أريد أن أوضحه زيادة إيضاح هنا: الحكم علي الناس بالكفر إذا لم يستوجبوا ذلك، الحكم علي الناس بالكفر إذا فعلوا المعاصي والموبقات، كبير خطر فظيع، خذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منه. ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وموطأ الإمام مالك وسنن الترمذي، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث أخرجه البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[من قال لأخية يا كافر فقد باء بها أحدهما] وفي رواية [إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان قال، وإلا رجعت عليه.] أي إذا كان هذا المقول له هذه المقولة كافراً في الحقيقة فقد أخبر إذن عما ينطبق عليه الحال، وعما يتصف به الإنسان، وإذا لم يك يكن المقول له هذه المقوله كافراً يرجع شؤم هذه المقاله علي قائلها [إن كان كما قال وإلا رجعت عليه] وفي رواية البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه عنه [إن كان كما قال صاحبه، وإلا ارتدت عليه إذا لم يكن صاحبه كذلك] . فإذن من قلت عنه إنه كافر، كافراً في الحقيقة فقد انطبق علية هذا الوصف، وأخبرت عن الحكم الذي ينطبق عليه ويتصف به، وإذا لم يكن الأمر كذلك ترجع علي القائل هذه الكلمة ويكون شؤمها ووزرها قبحها علية.

ص: 263

إخوتي الكرام: وليس في الحديث تعلق لأهل الضلال، لأن من ارتكب كبيرة فهو كافر. لأن النبي علية الصلاة والسلام أخبرنا أن الذي يقال له هذه الكلمة إذا لم تكن كافراً ترجع هذه الكلمة علية الصلاة والسلام أخبرنا أن الذي يقال له هذه الكلمة إذا لم تكن كافراً ترجع هذه الكلمة إلي القائل. وإذا رجعت إلية هو غاية ما فعل أنه فعل كبيرة، فهل يكفر بكبيرته؟ لا. تعليلنا لهذا الحديث ما عللنا الأحاديث السابقة، وجمعنا بينها وبين كلام النبي صلى الله عليه وسلم فنقول:

من عرف من غيره الإسلام، ولم تقم عنده شبهة في تكفيره ثم استحل تكفير وأطلق عليه لفظ الكفر فهو كافر حقيقة. وأما إذا قام عنده شبهة أو لم يستحل إطلاق هذا اللفظ عليه. إنما قاله من باب المشاتمة والمسابّه ، فيبقي أن هذا الأمر عاد عليه. لا لأنه كفر كفراً يخرجه من الملة، وهو كفر جحود المنعم، إنما كَفَرَ كُفْرَ النعمة وجحود النعمة كما تقدم. معنا وهو الذي يقال له كفر دون كفر. أو يُخش عليه إذا أطلق هذا الفظ علي من لا يستحقه أن يتصف بالكفر في المستقبل خشية أن يستحل هذا فيقع في الكفر، أو أن نقول رجعت عليه نقيصة قوله وشؤم قوله ومعصيته دون أن يكون كافراً خارجاً من الملة، أو أن نقول: إنه أطلق عليه هذا من باب الزجر والتغليظ بما يخلع القلب، لئلا يقع الإنسان في هذه المعصية الشنيعة الكبيرة.

يوضح هذه ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ثابت بن الضحاك صلى الله عليه وسلم ـ وكان من أهل بيعة الشجرة رضي الله عنهم أجمعين ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لعن المؤمن كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله] . وتقدم معنا أن قتل مؤمنا ولم يستحل قتله فاعل كبيرة، وأمره مفوض إلي الله جل وعلا.

أخوني الكرام: وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من أطلق لفظ الكفر علي من لا يستحقه. وأخبرنا أننا إذا تساهلنا بهذا سنتطاول بعد ذلك إلي شيء آخر وبالتالي سنخسر الدنيا والآخرة.

ص: 264

عندما نكفر فاعل الكبيرة ونحكم عليه بالكفر، ماذا سيترتب علي هذا؟ استحلال دمه. وما حصل هذا بين المسلمين في هذا الحين إلا عندما كفر بعضهم بعضاً، فأستحل بعضهم دماء بعض، وترى أحيانا بعض الأخوة المسلمين الذين يجمعهم حب واحد أحياناً في الدعوة إلي الله جل وعلا. به يختلفان في أمر، فيكفر الواحد منهما الآخر. ثم ماذا يترتب علي هذا؟ استحلال دمه. وقتله بعد ذلك..! وهذا حقيقة من أعظم الفظائع وأقبح الكبائر فإذا تساهلنا في إطلاق لفظ الكفر عل فاعل الكبيرة أو علي المبتدع (بياض) دمه وذلك أمر خطير!! ولذلك حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا. ففي الصحيحين وسنن أبي داود من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال:[قلت يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرأيت إن لقيت مشرفاً فقاتلته وقاتلني فضرب احدي يدي فقطعها ثم لا ذمني بشجرة وقال: أسلمت لله. أأقتله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا (1) . فقلت: يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنه قطع يدي! فقال: إن قتلته بعد أن قال أسلمت لله فأنت بمنزلته قبل أن يقول تلك الكلمة، وهو بمنزلتك قبل أن تقتله.] أي هو من أهل التوحيد ويموت إلي الجنة ، لأنه يموت شيهداً، وأنت بعد ذلك –ترتكب موبقة وكبيرة. إنما يقصد ما أشار إليه الإمام الخطابي علية رحمة الله:: [أنت بمنزلته] يعني دمك حلال هدر عندما تقتله بعد أن يقول أسلمت لله، فإذا قتلته يصبح دمك هدراً ومباحاً كما كان دم هذا المشرك هدراً ومباحاً، ولا يقصد نبينا عليه الصلاة والسلام أن القاتل في هذه الحالة كافراً، إلا إذا استحل، فهذه مسألة ثانية.

(1) - مع انه عندنا قرينه أنه آمن تقية من أجل أن يتخلص من ضربة السيف

ص: 265

فانتبة أخي المسلم كيف حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من التساهل في إطلاق هذه الأحكام، لأنني عندما يقول: أسلمت له. ويقوم في ذهني وفي قلبي من المعاني التي لا يرضاها الله فأقول: لعله أسلم تقيه، لعله أسلم خوفاً من السيف.. أنا شققت عن قلبه؟؟ فأنا عندما أبقية في وقت الكفر، ولا أقبل إسلامه، هذا يدعوني إلي ضرب رقبته بعد ذلك، وهذه جناية عظيمة.

ص: 266

وثبت في الصحيحين أيضاً وسنن أبي داود من حديث أسامة بن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبّه رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة أجمعين. قال: [بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم بسرية فنذروا (1) فتفرقوا وانصرفوا. فلقينا واحداً منهم، فتبعناه فلما غشيته وتجليته بالسيف قال: أشهد ألا اله إلا الله. قال أسامة. فضربته فقتلته. ثم جئت إلي النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته. فقال النبي علية الصلاة والسلام: من لك بلا اله إلا الله، وصار من الموحدين كيف قتلته؟ [فقلت يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنما قالها مخافة السلاح] وحقيقة عنده قرينة علي أنه قالها مخافة السلاح، يضاف إلي هذا عنده قرينه أخري، أنه قال هذه الكلمة إيمان المضطر، كإيمان فرعون، فصار حاله كحال المحتضر إذا وصلت روحة إلى الحلقوم علي حسب اجتهاده. أي هذا ما بقي علية إلا لحظات حتى تقطع رقبته ويموت فإذن إيمانه إيمان اضطراري ليس فيه اختيار. فلا يقبل عند العزيز الغفار، فعند أسامة رضي الله عنه شيء من التأويل؟. فقال النبي علية الصلاة والسلام:[أفلا شققت عن قلبه لتعلم مِنْ أجل ذلك قالها أم لا؟ ثم أعاد النبي علية الصلاة والسلام عليه: من لك بلا اله إلا الله يا إسامة.. حتى قال أسامة رضي الله عنه: تمنيت أنني لم أكن أسلمت إلا يومئذ لعظم معاتبته النبي علية الصلاة والسلام إياي] مع انه ـ إخوتي الكرام ـ كما قلت عنده قرينه واضحة علي انه قالها مخافة السلاح. عندنا بعد ذلك تعليل ثان علي أنه قالها في حال الاضطرار فحاله كحال فرعون فإيمانه لا يقبل. لكن هل نحن نعلم ما في القلوب؟ لا يعلم هذا إلا علام الغيوب لنا الظاهر والله يتولى السرائر: فإذا قال لا اله إلا الله كفّ عنه.

(1) - أي نَذِرَ هؤلاء الناس المشركون وعلموا بأننا جئنا.

ص: 267

فكيف بمن يقول: لا اله إلا الله محمد رسول الله علية الصلاة والسلام. ويصوم ويصلي ويدعوا إلي الله، واختلف معه في مسألة من المسائل كفرته ثم سعيت بعد ذلك في إراقه دمه؟ ! هذا والله مما يقصم الظهور. فاحذروه أخوتي الكرام في هذه العصور التي نعيش فيها.

كفوا عن أهل لا اله إلا الله. فحذار حذار أن تطلقوا عليهم لفظ الكفر. وإذا جرى منهم شيء من الوزر، فيبقي أنهم عصاه لا يستحقون ـ كما تقدم معنا ـ الاسم المطلق للإيمان. فهذا لا تصرف إلا إلي الكامل التقي، إنما لا ننفي عنهم مطلق الاسم فنقول، مؤمنون عصاه مؤمنون ـ مسرفون، أمرهم مفوض للحي القيوم، فإذن هذا الأمر يجب أن نحذره: عدم تكفير المسلمين.

? الأمر الثاني: عدم الحكم عليهم بالخلود في نار الجحيم.

إخوتي الكرام: تقدم معنا حديث نبينا علية الصلاة والسلام بأن [من قال لا اله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه] والحديث رواة الإمام البزار والطبراني في الصغير والأوسط. والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من قال لا اله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه] .

وتقدم معنا أن بعض العصاة يصيح في النار ألف سنة يا حنان يا منان (1) .... ثم تنفعه بعد ذلك هذه الكلمة ويخرجه الله من دركات النبران. فمن قال لا اله إلا الله نفعته يوماً من دهرة.. وإياك إياك أن تنصب نفسك حكماً علي العباد. فتقول: هذا في الجنة وهذا في النار. وأنت لا تعلم مصيرك إلي أي الدارين ستصير. فاتق ربك واعرف قدرك.

(1) - راجع الحديث صفحة 124.

ص: 268

ثبت في مسند أبي داود. والحديث رواة الإمام أحمد وبوب عليه الإمام أبو داود في كتاب الأدب باباً لطيفاً يشير به إلي ما نحن بصده فقال: باب النهي عن البغي. كأنه يشير بهذا الباب إلي أن من حكم علي مؤمن بالنار فقد بغي عليه واعتدي. لأن هذا غيب لا يعلمة إلا الرب ، والحديث سنده صحيح جيد كما قال الإمام زين الدين عبد الرحيم الأثري العراقي عليه رحمة الله (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين. أحدهما يذنب والأخر يجتهد في العبادة. فكان إذا مر المجتهد في العبادة علي أخيه المذنب المقصر يقول له: يا هذا اتق الله واقصر ـ وهذا واجب عليه. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح ـ فكان المسرف المقصر يقول: يا هذا خلني وربي. فإن الله ما بعثك عليّ حسيباً ولا رقيباً] وفي هذا الكلام مخطيء قطعاً لكن ما يقول لك ذاك إنه رقيب وحسيب، إنما ينصحك ويحذرك. رقيبك وحسيبك هو الله جل وعلا. وأنت لا يجوز أن تتعلل بالقدر في فعل الأوزار والمنكر كما انك لا تعلل بالقدر في البقاء علي الجوع. الجوع بقدر الله أم لا؟ ندفعه بأي شيء؟ بالطعام. بقدر الله أم لا؟ ندفع القدر بالقدر. والمعصية بقدر الله أدفعها بالتوبه والطاعة، [واتبع السيئة الحسنة تمحها] وهذا حال المؤمن. لكن أهل الأرض الحمقى إلا من رحم (بياض) أقدار الله فيما يتعلق بالدنيا (بياض) الله وأما فيما يتعلق بمعاملة الآخرة فركنوا إلي الغرور والي الشيطان الغرور، فتقول لأحدهم: كف عن المعصية، يقول: قدَّر الله عليّ. وتقول له: ابق جائعاً يقول: أمرني ربي ـ الله ـ بالسعي ّ طيب لماذا هنا لا تصبر علي القدر ودفع القدر بالقدر. وهناك تركن إليه وتتواكل وتتخاذل؟.

(1) - في تخريج أحاديث الإحياء.

ص: 269

ولذلك أهل الحق يدفعون قدر الله بقدر الله جل وعلا طلباً لرضوان الله جلا وعلا كما قال الشيخ عبد القادر الجيلاني علية رحمة الله: كان الناس إذا وصلوا إلي بحث القدر وقفوا يقول: وأما أنا فانفتحت لي رَوْزَنَة (1) فنازعت أقدار الحق بالحق للحق أي تركت المعصية بما يقابلها من الطاعة طلباً لرضوان الله. والتقي هو الذي ينازع أقدار الله بأقدار الله طلياً لرضوان الله جل وعلا.

[فمر عليه في يوم من الأيام فرآه في معصية فقال: يا هذا أقصر ، فقال: خلني وربي. ما بعثك الله عليّ حسيباً ولا رقيباً. فقال له أخوه المجتهد: والله لا يغفر الله لك. أو قال: لا يدخلك الجنة] هذا من حقك؟ هذا ليس من حقك، أنت لست إلا له لتنزل الناس في جنة أو في النار. نعم عليك البلاغ. وأما ما عدا هذا فقف عند حدّك. ليس من حقك أن تقول: الله لن يهديك، وليس من حقك أن تقول: الله لن يغفر لك وليس من حقك أن تقول: الله لن يدخلك الجنة.. قل: يا عبد الله أخشي عليك من ناره ولعنته. أما أنك تقول: أنت من أهل اللعنة وأهل النار! من الذي أطلعك علي ما في غيب العزيز الجبار سبحانه وتعالى؟؟.

(1) - يعني طاقة ونافذة.

ص: 270

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [فإذا كان يوم القيامة أتي الله جل وعلا بهذين الأخوين المتآخين. فيقول للمقصر المسرف اذهب فادخل الجنة برحمتي. ويقول للمجتهد: أكنت بي عالماً. أو كنت علي ما في يدي خازناً ـ وفي رواية أبي داود: أو كنت علي ما في يدي قادراً (1) ـ اذهب فادخل النار. قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لقد قال كلمة أوبقت دنياه وأخرته] . فاتق الله في نفسك، وقف عند حدك. الله لا يغفر لك الله لا يدخلك الجنة، الله سينزلك قعر جهنم.. هذا ليس في علمك. وليس في وسعك. فلا تشتط وتنزل نفسك منزلة الله جل وعلا لتحكم علي العباد بجنة أو نار. فاحذروا وتجنبوا تكفير المسلمين، واحذروا وتجنبوا تخليد العصاة في نار الجحيم. أو الحكم عليهم بأنهم لا يدخلون جنة النعيم. ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض إلي ربه. لكننا نرجوا فقط للمحسن الجنة، ونخش علي المسيء من النار، ولا نجزم لهذا بذلك، ولا نجزم لهذا بتلك الدركه، إنما هنا نرجو، وهنا نخشى.

(1) - أي أنت كنت بي عالم أو أنت الخازن لما في يدي والقادر علية تدخل هذا جنات النعيم وهذا الجحيم؟ أهذا في وسعك؟ أنت الخازن وأنت القادر وتتصرف في ملكي؟ !.

ص: 271

هذا الأمر إخوتي الكرام لا بد من أن نعيه في هذه الأيام. لا نطلق تكفيراً علي مسلم من المسلمين ولا نحكم علي واحداً منتهم بنار الجحيم، ولا يعني أننا إذن نخالط المبتدعين ونوافقهم ونكون معهم. وهكذا أيضاً العصاة، ونقول: بما أن أمرهم لا يعلمة إلا الله فلا ننكر عليهم ما هم فيه لا ثم لا. لا وحدة إلا علي التوحيد: ولا اتفاق إلا علي طاعة الله المجيد. ليس بيننا وبين أحد وحدة واجتماع إلا علي طاعة الكريم الخلاق سبحانه وتعالى. لكننا نحن لا نتهم ولا نظلم. فمن ظهر منه الإيمان حكمنا عليه بالإيمان ومن ظهر منه الفسوق والعصيان حكمنا عليه بذلك دون أن نتجاوز الحدود التي شرعها الرحمن فلا ظلم ولا طغيان. فالعاصي عاصي ليس بكافر، والمؤمن هو صالح، مؤمن صالح، ونحكم علي الناس حسبما يظهر منهم فلا إتهام ولا ظلم ولا عدوان، إن عصي الله نحكم عليه حسبما ظهر منه فلا داعي بعد ذلك لنبذه بأنه كافر، ولا داعي للحكم عليه بأنه من أهل النار فهذا لا يعلمة إلا العزيز الغفار، نعم نزن بالقسطاس المستقيم، لا نوالي المبتدعين، وهكذا أيضاً لا نكفرهم ونحكم عليهم بالخلود في نار الجحيم. ديننا يأمرنا ألا نُفْرِطَ وألا نُفْرِطَ يجب علينا ألا نهوّل ولا نهوّن، وأن نزن بميزان الله جل وعلا. فالعاصي عاصي والتقي تقي والمبتدع مبتدع ، فهولاء ما خرجوا من حظيرة الإسلام. وأمرهم مفوض بعد ذلك إلي الرحمن أما: من ابتدع ببدعة خرج من الإسلام ويخلد في النيران، من فعل كبيرة خرج من الإسلام ويخلد في النبران....

ص: 272

هذا حقيقة من باب الشطط كما انه يقابله شطط آخر الذي فيه تفريط كما إن ذاك فبه إفراط ـ نقول: مبتدع أخونا ونحن منه وهو منا! وصاحب الكبيرة نؤاكلة ونباسطه ونضاحكه ولا ننكر عليه حاله لأنه قد يكون في عليين ّ هذا ضلال وذالك ضلال ولا بد من تحكم ذي العزة والجلال في جميع الأحوال نحب المؤمن بمقدار ما فيه من طاعة الله ونكرهه ونبغضه بمقدار ما فيه من معصية لله. ولا يدعونا أن نغلب أحد الجانبين علي حسب عواطفنا وأهوائنا وميولتنا الشخصية. إنما نزن الناس بالقسطاس المستقيم إذا ابتدع أبغضناه لأجل بدعته. لكنت بقي بيننا وبينه ولاية عامة ، هو مؤمن ونحن مؤمنون، وإذا فعل كبيرة أبغضناه لأنه عاص. وبقي بيننا وبينه ولاية عامه فهو مؤمن ونحن مؤمنون. وأما أنه ابتدع نستحل دمه. وأنه أتي بكبيرة نستحل دمه ثم نحكم عليه بالخلود في النيران!! فهذا والله هو أعظم الشطط والخسران. لا تهويل ولا تهوين. لا اتهام ولا ظلم ولا عدوان. لا إفراط ولا تفريط. نزن بالقسطاس المستقيم.

إخوتي الكرام: وينبغي؟ أن نعلمه أيضاً علم اليقين أن الحكم علي القول وعلي الفعل بأنه بدعة أو انه ضلال وكفر. لا يلزم من هذا أن يكون القائل والفاعل مبتدعاً أو ضالاً. أو كافراً. هذا لا بد من وعيه. هذا الفعل كفر. ليس كل من فعله هو كافر. وهذا الفعل بدعة ليس كل من فعلة مبتدع كيف هذا؟ هذا قرره أئمة الإسلام وشهدت له أصول الشريعة الحسان:

ص: 273

أولا: لا نحكم علي الإنسان أنه عصي وأنه ابتدع إلا إذا قامت عليه الحجه. ولا نحكم عليه بأنه كفر وارتد إلا إذا قامت عليه الحجة، إنسان أسلم ثم بدأ يشرب الخمر، قلنا: لم تشرب؟ قال الخمر حلال. نأخذ السيف ونضرب رقبته ونقول استحل ما حرم الله؟ هو يجهل هذا ولا بد من تعليمة وإقامة الحجة علية فكون الخمر حراماً عندنا وذاك يجهل حكمها لا يعني أنه عندما يستحلها فهو كافر. مع أننا نحن نقول: استحلال الحرام كفر. لكن بعد قيام الحجة علي المستحل. فإذن لا بد من أن يبلغه الحكم وأن يعلمة.

ثانياً: لابد في حال بلوغه أن يثبت عنده من وجه معتمد. وأن تبلغه هذا بنص صحيح ثابت في كتاب الله وسنة نبيه علية الصلاة والسلام. وإذا قال أنا في شك من نقلك فما قامت علية حجتك. لا بد إذن أن تقوم عليه الحجة التي بها يقطع عذر الإنسان. وأما إذا شك في خبرك. وأنت تنتقل تحريم الخمر، وأنا لا أثق بك. لا بد الآن من إيضاح الأمر له عن طريق غيرك وغيرك ليتضح له الحق ويثبت عنده من طريق واضح. إذن قد لا يكون بلغة هذا الأمر قد يبلغه ولكن لم يثبت عنده.

ثالثاً: قد يبلغة ويثبت عنده لكنه لم يفهمه علي وجه التمام، فلا بد إذن من أن يكون عنده فرصة لأجل أن يستوعب هذا الأمر، وأن يقول: فهمت، والنص ثبت عندي، وبلغني، ومع ذلك أستحل الحرام، فهو كافر.

ص: 274

رابعاً: إذا بلغه وثبت عنده وفهمه. لا يعتبر كافراً إذا تركه من أجل عذر قام عنده من الأعذار التي يراها عارضة لهذا الحكم، فبقي عنده شبهة، فيقول: أنا عندي ما يعارض هذا من أمور أري أنني إذا سلمت بهذا يلزم من ذلك محذور ويلزم من هذا مشكلة، ويلزم من هذا ضلال، وهذا هو حال المبتدعة، عندما (بياض) ويقول: القرآن مخلوق، تقول له: القرآن كلام الله، يقول: يلزم من هذا تعدد القدماء! كيف يكون هذا كلاماً لله جل وعلا والله يقول ((اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)) (1) وهو شيء من الأشياء؟ هذا الكلام ضلال لا شك فيه، ونحن نقول: الله بصفاته خالق كل شيء وكلامه صفه من صفاته. فالصفة إذن ليست مخلوقه. إنما تتبع الموصوف سبحانه وتعالى. لكن هو عندما يقول هذا الحجة بلغته وثبتت عنده. وفهمها لكن هو يقول: أنا عندي شبهة. حولها تدعوني لهذا التأويل الذي أقوله. فماذا نقول؟ لا نقول إنه مهتد، نقول: هذا القول ضلال. ولا نحكم عليه بالكفر وبعد ذلك أمر هذا الإنسان يفوض إلي ربه جل وعلا.

وهذا المبحث إخوتي الكرام قرره الإمام ابن تيمية (2) عندما تكلم علي هذا المسألة يقول: وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبه لمعرفة الحق. وقد تكون عنده ولم تثبت عنده ـ أي بلغته ولم تثبت عنده ـ أو لم يتمكن من فهمها. وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ. فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء كان ذلك في المسائل النظرية أو العملية. هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام. ثم قرر هذا بأحاديث ثبتت عن نبينا علية الصلاة والسلام.

(1) - الرعد: 16

(2)

- في خمس صفحات متتالية في مجموع الفتاوى في الجزء 23/345 ـ350 فانظروا إلية لزاماً، فهو حقيقة مما ينبغي أن ينقشة طلبة العلم في هذه الأيام علي القلوب.

ص: 275

ثبت في الصحاح عن النبي علية الصلاة والسلام حديث الذي قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني الله عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين. فأمر الله البر والبحر برد ما أخذ منه. وقال: ما حملك علي ما صنعت؟ قال خشيتك يا رب، فغفر الله له (1) .

فهذا شك في قدرة الله وفي المعاد. ظن أنه لن يعود، وأنه لا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك. وغفر الله له. وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع، ثم بعد ذلك بقول: بل نصوص الإمام أحمد صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم. وإنما كان يكفر الجهميه المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول علية الصلاة والسلام ظاهرة بيّنه. ولأن حقيقة قوله تعطيل الخالق. وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم. وأنه يدور علي التعطيل، (بياض) وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة، وتقدم معنا أخوتي الكرام في حكم فاعل الكبيرة في الدنيا وفيما يتعلق بحالة في الإيمان. قلت: أظهر القولين كما قال الإمام أبن تيمية: أن الجهمية أيضاً لا يكفرون كفراً يخرجهم من الملة. إنما أطلق عليهم هذا من باب كفر دون كفر. أي سيؤدي بهم في النهاية إلي الكفر، أو ما شاكل هذا من التعليلات التي ذكرناها.

(1) - قلت: الحديث في صحيح البخاري ومسلم والموطأ وشرح السنة للبغوي وغيرها. وهو مروي من غير واحد من الصحابة منهم أبو سعيد الخدري. وأبو هريرة رضي الله عنهم أجمعين

ص: 276

فإذن القول قد يكون بدعة، وقد يكون ضلالاً وكفر، ولا يحكم علي قائلة بأنه مبتدع أنه ضال، كافر، لعذر قام عنده، أما أنه ما ثبت عنده النص، ما بلغه، بلغه ولم يثبت عنده، بلغة وثبت عنده لم يفهمه وما استوعبه، بلغه وثبت عنده وفهمه لكن عنده شبهة يعذر بها ويعارض هذا، وبذل ما في وسعه للوصول إلي مراد ربه. أمره يفوض إلي الله جل وعلا. فإذن لا بد من التريث في أمة محمد علية الصلاة والسلام وفي المسلمين وألا نكفرهم، وأن نحكم عليهم بنار الجحيم.

الإمام ابن تيمية كتابة " شرح حديث النزول " وهو حديث متواتر عن نبينا الرسول علية صلوات الله وسلامة، بأن الله ينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر فيقول:[من يدعوني فأستجب له. من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. حتى يطلع الفجر (1) ]

الإمام ابن تيمية علية رحمة الله في شرح هذا الحديث (2) تعرض حقيقة لمسألة مهّمة ترتبط بهذا، وهي الحكم علي القول بأنه كفر وضلال وبدعة لا يلزم أن نحكم علي القائل بأنه كافر وضال ومبتدع إلا إذا ثبت عندنا أنه صاحب هوي. الإمام ابن تيمية علية رحمة الله. في هذا الكتاب تعرض للذين خاضوا في تأويل صفات الله جلا وعلا كإمام الحرمين والغزالي والفخر الرازي عليهم جميعاً رحمة الله. وقد رجعوا جميعاً إلي الهدي في نهاية أمرهم بعد أن خاضوا في الردي فترة طويلة من حياتهم، يقولون بالتأويل. ويؤولون صفات الخالق الجليل. ثم رجعوا بعد ذلك إلي الحق الذي كان علية السلف الصالح الأبرار، وهذا مما يدل إن شاء الله أن خطأهم ما كان متعمداً بسوء قصد وخبث نفس وفساد قلب، إنما بذلوا ما في وسعهم، ولما لاح لهم أن ما هم عليه ليس بهدي تركوه ورجعوا إلي جادة الصواب.

(1) - قلت: الحديث في صحيح البخاري ومسلم وسنن الترمذي وغيرهم من حديث أب هريرة رضي الله عنهم

(2)

- قي صفحة 175 وما بعدها.

ص: 277

يقول الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله: وأما الرازي وإن كان يقرر بعد ذلك فالغالب علي ما يقرره أنه ينقده في موضع آخر. لكن هو أحرص علي تقرير الأصول التي يحتاج إلي معرفتها من الآمدي، ولو جُمع ما تبرهن في العقل الصريح من كلام هؤلاء وهؤلاء لو جد جميع موافقاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ووحد صريح المعقول مطابقاً لصحيح المنقول ،لكن لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام وحصل اضطراب في المعقول به فحصل نقص في معرفة السمع والعقل، وإن كان هذا النقص هو منتهي قدرة صاحبه لا يقدر علي إزالته العجز قد يكون عذراً للإنسان في أن الله لا يعذبه إذا اجتهد الاجتهاد التام هذا علي قول السلف والأئمة في أن من اتقي الله ما استطاع إذا عجز عن معرفة بعض الحق لم يعذب به. وأما من قال من الجهميه ونحوهم (بياض) العجزين. ومن قال من (بياض) ونحوهم من القدرية: إن كل مجتهد فإنه لا بد أن يعرف الحق. وأما من لم يعرفه فبتفريطه لا لعجزه. فهما قولان ضعيفان وبسببهما صارت الطوائف المختلفة من أهل القبلة يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً.

ص: 278

وقال قبل ذلك ـ علية رحمة الله ـ: وليس هذا ـ أي التذبذب والاضطراب في مسلك الرازي ـ تعمداً منه لنصر باطل. بل يقوله بحسب ما توقفه الأدلة العقلية في بحثة ونظره فإذا وجد في المعقول بحسب نظره ما يقدح به في كلام الفلاسفة قدح به، فإن من شأنه البحث المطلق بحسب ما يظهر له فهو يقدح في كلام هؤلاء بما يظهر له أنه قادح فيه من كلام هؤلاء وكذلك يطمع في الآخرين ومن الناس من يسيء به الظن. وهو أنه يتعمد الكلام الباطل، وليس كذلك، بل تكلم بحسب مبلغة من العلم والنظر. والبحث في كل مقام بما يظهر له. وهو متناقض في عامة ما يقوله، يقرر هنا شيئا ثم ينقضه في موضع آخر لأن المواد العقلية التي كان ينظر فيها من كلام أهل الكلام المبتدع المذموم عند السلف ومن كلام الفلاسفة الخارجين عن الملة يشتمل علي كلام باطل كلام هؤلاء وكلام هؤلاء، فيقرر كلام طائفة ثم ينقضه في موضع آخر بما ينقص به ولهذا اعترف في آخر عمره فقال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفة فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طرقة القرآن أقرأ في الإثبات:((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) (1)، ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)) (2) وأقرأ في النفي:((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) (3) ، ((وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)) (4) ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

(1) - طه:5

(2)

- فاطر: 10

(3)

- الشورى: 11

(4)

- طه: 110

ص: 279

وشيخنا علية رحمة الله في "أضواء البيان"(1) حكي رجوع الرازي وقبله الغزالي وقبله إمام الحرمين. وقبله الباقلاني، وقبله إمام أهل السنة في زمنه أبو الحسن الاشعري عليهم جميعاً رحمة الله إلي الحق وجادة الصواب ومسلك السلف في نهاية أمرهم مما يدل علي أن ما كان من الخطأ في قلوبهم الذي قالوا به، قالوه بحسب ما بلغهم وهم مخطؤن قطعاً، وذاك القول ضلال ممن صدر، لكن كما قلنا: لا بد من أن نفرق بين القول بالإضلال ـ علي القول ـ وبين أن نقول إن قائلة ضال كافر فلا بد من التفريق بين هذا وذاك هل بلغه؟ هل ثبت عنده؟ هل فهمه؟ هل له عذر في تركه؟ إن كان كذلك نقول: هذا القول يعتبر ضلالاً ممن صدر لكن هذه عندنا ما يمنع من إطلاق لفظ الضلال عليه. فلنتق الله ولنقف عند قدرنا.

والإمام الرازي عليه رحمة الله في آخر حياته. في الوصية التي أملاها بخط يده قال: اللهم إن كنت تعلم أنني فيما قررته من العلوم أردت به نصرت الباطل أو معارضة حق (2) فافعل بي ما أنا أهله. وإذا كنت قررت ما قررت طلبا للحق وأخطأت فليكن عفوك ورحمتك لي حسب قصدي لا حسب حاصلي وسعي. يعني كان خطأ لكنني ما قصدته ورحمتك واسعة وأنت أرحم الراحمين. وهكذا أئمة الهدي.

إخوتي الكرام:

(1) - الجزء 7/470.

(2)

- هذا وهو علي فراش الموت يكتب وصيته.

ص: 280

هذا لا بد من وعيه في هذه الأيام. طلبه العلم في هذه الأيام يتطاولون، حقيقة جاوزوا قدرهم بمراحل وتركوا عقولهم عندما فقدوا الهادي البصير الذي يتبعون علي بصيرة ويمشون خلفه علي هدي وبيّنه، يذكر أمامهم الإمام الذهبي الذي ذهب خالص. تدرون ماذا يقول السَّقَطّة، بعض طلية العلم في معاهد عالية في هذه الأيام؟: الذهبي تالف في الاعتقاد؟ !! الذهبي تالف؟ ! يذكر ينكر النووي، شيخ الإسلام في زمنه بالا نزاع، يقال: مخرف من المخرفين.؟! يذكر الإمام ابن حجر شارح السنة، وليس بعد شرحه شرح كما قال الإمام الشوكاني عندما طلب منه أن يشرح صحيح البخاري: قال: قال علية الصلاة والسلام: [لا هجرة بعد الفتح](1) أي كيف نشرح صحيح البخاري بعد أن شرحه حزام المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث ابن حجر في " فتح الباري "؟ هذا يقال عنه إنه مخرف من المخرفين؟ ! وهذا مخرف من المخرفين! وذال تالف في الاعتقاد! وهذا ضال! وذاك زائغ!. فلنتق الله في أنفسنا.

إخوتي الكرام: نعم ليس عندنا أيضاً تساهل في دين الرحمن فمن جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة نكفره بلا توقف. ومن استحل ما أجمع علي تحريمه نكفره بلا توقف.

ومن لمعلوم ضرورة جحد

من ديننا يقتل كفراً ليس حد

ومثل هذا من نفي لمجمع

أو استباح كالزنا فلتسمع

(1) - قلت: الحديث في البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: [لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا]

ص: 281

فجاء وقال: الصلاة عبث ولعب ما فرضها الله، أو فرضها ولا ينبغي أن نصليها؟ فماذا نقول عنه؟ كافر بلا تردد، لا يفهم منا أننا عندما نقول أننا لا نكفر الموحدين العصاة أو الذين يتلبسون ببدع أننا نوسع الأمر. فمن بلغ في الكفر زيادة علي إبليس نتورع أيضاً نحوه ولا نكفره. ويصير حالنا كحال الورع البارد الذي قيل له: ما تقول في إبليس؟ هل هو خبيث أو طاهر نفيس؟ قال أسمع كلاماً كثيراً عنه، والله أعلم بسريرته.!! هذا ضلال. وتقدم معنا أخوتي الكرام كلام عتاة الأرض في هذه الأيام عندما يقول: القرآن فيه خرافات، القرآن متناقض القرآن لا يصلح أن يُحكم به في هذه الأوقات. عندما يقول: محمد ـ علية صلوات الله وسلامة وفداه آباؤنا وأمهاتنا ـ ساذج بدوي كان يتلقي الخرافات. عندما يقول: رئيس الدولة له حق أن يطور القرآن وأن يعدله، لأن الله أمرنا بطاعة ولا الأمور.؟! قلنا: إنه دجال كافر بلا شك ممن صدر هذا القول.

فلابد من التفريق لكن نحن نقول: مؤمن عاصي يشرب الخمر، يزني، عندما تقول عندما تقول له: اتق الله يقول: سل الله لي التوبة، لعل الله يوفقني في المستقبل، تقول له: كافر لجهنم حطباً؟ اتق الله في نفسك، وهكذا مبتدع قامت عند شبهة من الشبه في بدع من البدع وحكمت علية بالضلال، قف عند حدك. لا تقول إنه خرج من دائرة الإسلام واستوجب الخلود في النيران.

إخوتي الكرام (بياض) من هذين الأمرين: عدم تكفير أهل الإسلام، وعدم الحكم عليهم بالخلود في النيران، وهذا الأمر ينبغي أن نقف عنده. هنا وهناك بعض الأمور دعتني إلي الكلام

عليه لإيضاح هذه المسألة.

إخوتي الكرام:

قابلني بعض طلبة العلم وسأل عن تكفير أهل البدع من الخوارج والاباضية. فقال: هل هم كفار؟

ص: 282

قلت: يا عبد الله أنت تريد أن توقعنا فيما فرننا منه، نحن نرفع أصواتنا بأننا لا نكفر أهل القبلة، ونفوض أمرهم إلي ربهم جل وعلا، وتقدم معنا: قلنا حتى من حُكم عليه بأن بدعته مكفرة ـ بكلام الإمام الذهبي ـ مع ذلك نرجو له ألا يخلد في النار وألا يكون حاله كحال اليهودي والنصراني والمجوس والوثني. فأنت تريد أن توقعنا في هذا. هذا سبب، لذلك لا بد من وضوح المسألة إخوتي الكرام.

سبب ثان: جاءتني رسالة من بعض الأخوة في بعض البلاد. يسأل عدة أسئلة ويعترض علي بعض الأمور. ثم يقول: ما عقيدك، بين لنا عقيدتك؟ والرسالة عندي، وكنت ذكرت لكم أن بعض ذوي الشطط عندما كنت في أبها انتظروني علي باب المسجد وما سمحت أنفسهم أن يصلوا معنا. ولما سألتهم قالوا: لا نعلم هل أنت مؤمن أو كافر. ما استبان لنا أنك مؤمن أو كافر؟ !

ص: 283

وأنا أقول لهذا الأخ الذي أريد أن أقول إنه مغفل. ويكفية هذا: إن أردت أن تعرف عقيدتنا فسل أعداءنا لا تسلنا. أعداؤنا يخبرونك عن عقيدتنا. فإذا كان أعداؤنا عرفوا عقيدتنا ما هي وأنت أيها المسكين الذين تزعم أنك تتابع وتسمع ما عرفت من خلال سماع هذه المواعظ اعتقاد هذا الإنسان المسكين؟ وأنا أقول لك: إن عقيدتي وعقيدة كل مسلم: الإيمان بالله ورسوله علية الصلاة والسلام وبما جاء عنهما. وتقدم ذلك علي قول كل واحد ومع ذلك نحن نعترف لسلفنا الكرام من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والتابعين ومن تبعهم، منزلتهم ومكانهم، فوالله لولا أن مَنَّ الله علينا بهم لما وصلنا هذا الدين. فنحن نؤمن بالله ورسوله علية الصلاة والسلام ونفهم كتاب الله وكلام رسول الله عليه الصلاة والسلام علي حسب ما فهمه سلفنا وأئمتنا ومن أراد أن يتسور علي كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم برأيه وعقله وهواه دون الرجوع لما فيه سلفنا من صحابة وتابعين وأئمة المسلمين فهو ضال بلا شك قطعاً ويقيناً أن خير من فهم كلام الله وكلام رسوله علية الصلاة والسلام من خوطبوا به ونزل عليهم وعملوا به، وأعظم عمل عندنا وأرجي عمل لدينا نتقرب به إلي ربنا جل وعلا حب الصحابة وحب السلف الصالح الكرام رضوان الله عليهم.

هذه عقيدتنا، وهذه عقيدة المسلمين. وما عندنا أسم خاص نتسمي به من شيعة ولا صوفية. ولا خوارج ولا جهمية، كما قال الإمام مالك علية رحمة الله (1) . يقول: أهل السنة ليس لهم أسم خاص يعرفون به، وليس لهم لقب خاص يعرفون به، لا جهمي ولا رافضي. ولا مرجئي. إنما هم أهل سنة.

(1) - كما هو موجود في ترتيب المدارك في طبقات الإمام مالك.

ص: 284

فأنت تسأل عن اعتقادنا؟ نبيّن لك هذا الاعتقاد. سبحان الله العظيم!! المسلم في هذه الأيام يبحث عن اعتقاده؟ أعداؤنا عرفوا اعتقادنا وبعضنا ما عرف للأن اعتقاد بعض؟ ! وكل واحد يضع حول أخيه ألف علامة إستفهام. ماذا في قلبه؟ ! سبحان الله!!

وقد قال بعض الذين لهم شأن عن بعض المساكين. قال لا تغتروا به فهو صاحب فلسفة وصاحب كلام. وهو يتستر ولا ينشر الضلال الذي في قلبه؟ ! من الذي أدراك عن الضلال الذين في قلبه؟ من الذين أدراك عنه؟ نزل عليك وحي أخبرك؟ نعم نزل علية الشيطان الرجيم ((هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ. تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)) (1)، ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) (2) أنت ما دمت تصرح أن هذا في قلبه. كيف اطلع عليه أو من أين علمت أيها الإنسان؟ ! أما تتقي الله في نفسك! أما تتقي الله وقف عند حدك؟ فهذا الأمر ينبغي أن نعبه إخوتي الكرام:

نخن في هذه العصور: المؤمن الذي يظهر أيمانه ـ لا صاحب الكبيرة ولا صاحب البدعة ـ وعلية في الظاهر الالتزام بهدي السلف الكرام بقول: لا تفتروا بظاهرة. وقلبه فيه وفيه؟! فكيف فيمن أظهر بدعة أو ظهر منه كبيرة؟ هذه الأحوال التي نعيش فيها.

إخوتي الكرام: لابد من صفاء القلوب، والتألف بين المؤمنين. وهذا من أعظم الأمور عند رب العالمين. وهذا الذي يحقق لنا العزة في الدنيا والسعادة في الآخرة.

(1) - الشعراء: 221، 222

(2)

- النحل: 105

ص: 285

ثبت في سنن الترمذي، وقال: صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقه](1) وفي سنن الترمذي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم. الحسد والبعضاء وهي الحالقة. أما إني لا أقول إنها تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين](2) وفي سنن الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلي يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة](3) .

(1) - قلت: الحديث أخرجه الترمذي ـ كما قال شيخنا ـ، وأخرجة البغوي من رواية أب هريرة أيضاُ رضي الله عنه وللحديث شواهد كثيرة ذكرها المنذري في ترغيبه: 3/487 وما بعدها فانظر ها.

(2)

- قلت: الحديث مروي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه وقد أخرجة الإمام أحمد والبزار. ورواه البغوي والبيهقي والمنذري وهو في المصنف، وقال الهيثمي في المجمع والمنذري في الترغيب إسناد هـ جيد أهـ وصدر الحديث في صحيح مسلم.

(3)

- قلت: الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه أخرجة أبو داود والبخاري في " الأدب المفرد " ورجاله ثقات وصحيحة الترمذي وابن حجر ورواه البغوي والمنذري وقال: إسناده جيد. ورواه ابن حبان في صحيحة

ص: 286

نعم إخوتي الكرام: إن الفساد الذي وقع في الأمة الإسلامية عندما تفرقوا وانقسموا ليس عليهم مسئول واحد. أمير واحد يقودهم. فحكامهم انقسموا وتفرقوا. الأمة بعد ذلك وجد فيها هذه الوطنيات المزيفة الضالة فانقسموا وتفرقوا، ثم في الوطن الواحد اتجاهات لا تحصي، هذا البلاء الذي حصل فينا والضياع الداخلي والجفوه بين قلوبنا والعداوة والبغضاء هي أخطر بكثير كثير من تداعي الأمم علينا لان تلك الأمم عندما تتداعي علينا ونحن صف واحد. بنيان مرصوص. الله معنا ((فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ. أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ. فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)) (1) إذا كنا نتمسك بالهدي ونحن أخوة متحابون، الله جل وعلا إذا لم يمتعنا بخذلان الكفرة وقتلهم بأيدينا فسيأتي الجيل الذي بعدنا ويحقق هذه الأمنية، وانتقام الله سيقع بهم عاجلاً أو آجلاً. وإذا منّ الله علينا وحقق عذابهم علي أيدينا ففضل وإحسان منه ((أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ)) الواجب عليك في الحالتين ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)) إن الكفار بعضهم أولياء بعض. والمؤمنون بعضهم أولياء بعض. عندما نتخلى نحن عن الولاية فيما بيننا هذا حقيقة: هي قاسمة الظهور ((وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلَاّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)) (2) فهم أولياء ونحن لبعضنا أولياء. فإذا صار بعضنا لبعض أعداء. ما هي الحالة، ستكون فتنة في لبعضنا أولياء، فإذا صار بعضنا لبعض أعداء، ما هي الحالة، ستكون فتنة في الأرض وفساد كبير. عندما يعادي بعضنا بعضاً، ماذا سينجح؟ سنتدرس بعد ذلك بين أرجل الكفرة كما هو الحاصل.

(1) - الزخرف: 41: 43

(2)

- الأنفال: 73

ص: 287

أما وجد في هذه الأيام من يطعن في أهل الإسلام، ويزرع حولهم التهم والبهتان.؟ ثم تأتي بعد ذلك لمفاهيم الوطنية فصارت عنده ماسخة. وكأنها مقررة في الآيات القرآنية. كيف أيها الإنسان نحو معصية أو نحو بدعة أو نحو سوء ظن منك بأخيك إتهمه وحكمت عليه وحكمت؟ ثم جئت بعد ذلك لما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه ضلال أقررته؟ ! مَنْ الذي ينكر مفاهيم الوطنية في هذه الأيام؟ ومن الذي يقول للمسؤلين: قفوا عند حدكم واخشوا ربكم، بلاد الإسلام مفتوحة لكل من يقول لا اله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام من الذي يقول هذا؟ هذا كله تركناه وجئنا بعد ذلك: احذروا هذا فعنده سبحه! واحذروا هذا يحلق لحيته! واحذروا هذا عنده معصية واحذروا هذا ففي قلبه مشاكل!.. يا عبد الله أنت تدعوا إلي كفر بواح وتتساهل في هذا. ثم تأتي بعد ذلك إلي شرائب وقعت الأمة فيها ففخمتها وفرقت بين صفوفها من أجلها! ألا دعوت للقضاء علي البلاء الذي انتشر فيها! متي وجدت حواجز بين المسلمين! أما قال الله ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (1) أنت إذا ذهب إلي بيت أخيك يغلق الباب في وجهك أم يستقبلك؟ أنت إذا ذهبت إلي بيت أخيك وجلست ساعة زيارة يشتكي عليك لأنك جلست بغير إقامة وبغير كفيل!! هذا يقع في بلدان المسلمين. وفي رعايا المسلمين: ولا استنكار من أحد من خلق الله. وتراهم يجمعون بعد ذلك: الله والمسئول والوطن!! أين المسلمون؟ ! أين الموحدون! لا ذكر لهم ولا وجود. هذه المفاهيم الضالة التي انتشرت ثم أعرضنا بعد ذلك عن دين الله لما بم يتخذ بعضنا بعضاً أولياء فتوالي الكفار. ثم بعد ذلك ماذا ستكون النتيجة؟ سينتج بعد ذلك عن هذا حرب وقتل وتشريد ودمار. لآن الكفار لعضهم لبعض أولياء. وكافر فقط يحرك أصبعه الأن حتي يسمع من التأييد والموافقة ما لا يخطر ببالنا.

(1) - الحجرات: 10

ص: 288

وانظر بعد ذلك للمسلمين فنحن تفرقنا وأولئك يد واحدة، فرقتنا أعظم من اتفاقهم، فجاءتنا الضربة منهم من يد واحدة. ونحن متفرقون. فنحن صرنا بين أرجلهم نضرب كما تضرب الكرة بين أرجل الصبيان ((إِلَاّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)) الفتنة أنه سيوالي بعضنا الكفار عندما ننحرف عن موالاة المؤمنين الأبرار. الفتنة هي أننا سنسحق بالأرض ونوطأ من قبل هؤلاء الذين تآمروا وتداعوا علينا عندما تفرقنا سيصبح بعد ذلك فساد كبير، ستعلوا كلمة الكفر. وكلمة الجاهلية علي كلمة الإسلام، وعلي كلمة الشريعة الإسلامية. وهذا ما نعيشه هذه الأيام، كفانا فرقة إخوتي الكرام، أهل لا اله إلا الله اتقوا الله فيهم، الذين آمنوا بنبينا محمد علية الصلاة والسلام اتقوا الله فيهم وراقبوا رسولكم صلى الله عليه وسلم فيهم، فلا تكفير لموحد، ولا الحكم عليه بالخلود في النار، نعم نحب كل إنسان بمقدار ما فيه من طاعة، ونبغضه بمقدار ما فيه من معصية.

ص: 289

إخوتي الكرام: وهذا المسلك كان واضحاً عند أئمة الإسلام. أنظروا لهذه الجملة الجليلة التي يوردها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (1) فر ترجمة شيخ أهل السنة في زمانه الإمام أبي الحسن الأشعري علي بن إسماعيل الذي توفي سنة 324 هـ وقيل بقي إلي سنة 330هـ علية رحمات الله رب العالمين (2) يقول الإمام الذهبي في ترجمته: رأيت للإمام الأشعري كلمة أعجبتني، وهي ثابتة رواها الإمام البيهقي، قال: سمعت أبا حازم العبدري قال: سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فأتيته، فقال: اشهد عليّ أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة لأن الكل يشترون إلي معبود واحد، وإنما هذا كلة اختلاف العبادات. أي هذه الفرق التي حصل بينها ما حصل كما قال نبينا علية الصلاة والسلام. [ستفترق إلي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة](3) وهذه التي في النار ما أخرجها نبينا علية الصلاة والسلام من أمته، وهم من أهل الوعيد.

(1) - 15/88

(2)

- وقد أفصح في كتابه " مقالات الإسلاميين " في آخر الجزء الأول: 320 ـ 325 تحت عنوان بارز: مقالة أصحاب الحديث وأهل السنة، ثم بعد أن أورد مقالتهم واعتقادهم قال: وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول والية نصير وما توفيقنا إلا بالله علية توكلت واليه أينيب. وذكره إذا أيضاً في كتابه الابانه، أنه في اعتقاده علي مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه هذا الذي استغفر عليه هذا الإمام المبارك بعد أن قضي أربعين سنة علي مذهب الاعتزال والضلال ثم رأي النبي علية الصلاة والسلام في العشر الأخير من رمضان في ثلاث ليال متوالية بقول له يا أبا الحسن ذب عن سنتي ـ فعكف في بيته ونظر في أمر الاعتقاد ثم هداه الله لترك الإضلال والاعتزال والالتزام بمذهب أهل السنة والجماعة.

(3)

- سبق الحديث بتمامه وتخريجه صفحة 62

ص: 290

يعذبون ثم يخرجون حسبما يشاء الحي القيوم، حالهم كحال أهل الكبائر. وأن كانوا أشنع منهم واشد وأفظع والله أعلم بحقيقة أمور عبارة، ويقول: فهؤلاء عندما قالوا: استوى صفه تليق بجلاله وجماله! استواء معلوم وكيف مجهول وأولئك ضلوا وقالوا استولي، لا نكفرهم أرادوا أن ينزهوا المعبود علي حسب زعمهم، فليسوا بكفار، ولا يخلدون في النار قلت ـ الإمام الذهبي ـ وبنحو هذا أدين وكذا كان شيخنا الإمام ابن تيمية في أواخر أيّامه يقول: أنا لا أكفر أحداً من الأمة ـ أي من امة محمد علية الصلاة والسلام ـ ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لا يحافظ علي الوضوء إلا مؤمن](1) فمن لا زم الصلوات بوضوء فهو مؤمن.

هذا اعتقاد أبي الحسن الأشعري وبنحوا هذا يدين الإمام الذهبي. وهذا هو الذي كان يقوله شيخه شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليهم جميعاً رحمات ربنا الرحمن.

(1) - قلت: الحديث عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ ـ وفي لفظ ولن يحافظ ـ علي الوضوء إلا مؤمن] أخرجه الإمام أحمد في المسند والإمام مالك في الموطأ. وابن ماجه بإسناد صحيح. الدرامي، والبيهقي وابن حبان في صحيحة، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح علي شرطهما ولا علة له سوي وهم أبي بلال الأشعري، أهـ. أخرجه أبضاَ البغوي والمنذري في الترغيب والترهيب.

ص: 291

وقال الإمام الذهبي فر ترجمته الإمام أبي الحسن الأشعري (1) : قلت: رأيت لأبي الحسن تواليف ـ أي تأليف ـ في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات وقال فيها: تمر كما جاءت إيماننا بصفات ربنا يقوم علي دعامتين: إقرار وإمرار نقر بالصفة كما وردت ونمرها دون بحث عن كيفيتها. ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) إمرار ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (2) إقرار. يقول: ثم قال ـ أي أبو الحسن ـ: وبذلك أقول وبه أدين ولا يؤول. قلت ـ الذهبي ـ: مات ببغداد سنة 324 حط علية ـ يعني إنتقصه وتكلم فيه وذمه ـ جماعة من الحنابلة والعلماء، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا من عصم الله ـ وهم رسل الله عليهم صلوات الله وسلامة ـ اللهم إهدنا وارحمنا

فإذا أخطأ أبو الحسن وغيره وأخذ من قوله وترك. كان ماذا؟ ! والإمام إبن كثير تلميذ الحافظ إبن تيمية عليهم جميعاً رحمات رب البرية، عندما ترجمه في كتابه ((البداية والنهاية)) في حوادث سنة 728 هـ قال:

واعترض علية بعض الناس لوجود أخطاء عنده. قال: وإذا أخطأ الإمام ابن تيمية كان ماذا؟ وما خطؤه في جانب صوابه إلا كقطرة في بحر لجيّ وكل واحد يخطيء ويصيب، ويخذ من قوله ويترك. وتكفل الله لنا بأن من بذل ما في وسعه للوصول إلي مرضاة ربة وأخطأ يغفر الله له خطأه وثييبه علي اجتهاده ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

لا نكفر أحداً من أهل القبلة ولا نحكم عليه بنار.

إخوتي الكرام:

(1) - سير أعلام النبلاء: 15/88

(2)

- الشوري: 11

ص: 292

وهذا المسلك كان واضحاً عند أئمتنا الأبرار، يقررونه في كتبهم ومصنفاتهم، فالإمام الذهب أيضاً في سير أعلام النبلاء (1) في ترجمة شيخ الإسلام أبي العباس محمد بن إسحق السّراج، وكان يقال له: إنه سّراج، وهو سراج الإسلام. ونور الإسلام ونعته الإمام الذهبي في السير بأنه: لا شيخ الإسلام (2) .

(1) - سير إعلام النبلاء: 14/396.

(2)

- ومن فضائله وحبه لنبينا علية الصلاة والسلام أنه ضحي عن نبينا علية الصلاة والسلام باثني عشر ألف أضحية، فكان كل أسبوع يضحي أضحية ويهدي ثوابها لنبنا علية الصلاة والسلام ويجمع طلاب العلم فيأكلون منها وختم أيضاً اثني عشر ألف ختمة وأهداها لنبينا علية الصلاة والسلام وإهداء القرب من أعمال بدنية أو مالية أو مؤلفة منها ـ من بدنه ومالية ـ يصح عند أهـ السنة كما قرر هذا أئمتنا في كتب التوحيد، لكن في خصوص إهداء القرب إلي نبينا علية الصلاة والسلام بحث عند أئمتنا، فالإمام ابن أبي العز في شرح الطحاوية صفحة 411 ذكر أن من علماء الإسلام من استحب إهداء الأعمال والقرب والطاعات إلي نبنا علية الصلاة والسلام ومنهم من كره هذا، لأن السلف لم يفعلوه ولأن هذا تحصيل حاصل، فأنت وان لم تهد جميع ثواب عملك سيكتب لنبنا علية الصلاة والسلام، لأن من دل علي خير فله كمثل أجر فاعلة لكننا نقول: إذا كان الأمر كذلك فليس في الإهداء بدعة. إنما في الإهداء شيء من الأخبار عن مزيد التعلق بالنبي المختار علية صلوات الله وسلامة.أذن ما ابتدع..الإهداء حاصل إن أهدي وان لم يهي والثواب مكتوب لنبنا علية الصلاة والسلام إنما هو من باب أن يخبر أنه فرح بكتابة هذا الثواب لنبنا علية الصلاة والسلام وراض ومسرور ومبتهج، وهذا منّة عظيمة علية أن وفق لفعل الطاعات التي يكتب أجرها لخير البريات، علية صلوات الله وسلامة ايضاً فهذا عمل عظيم، والإمام ابن القيم علية رحمة الله في كتابه " الروح " تعرض لهذه المسألة في موضعين في صفحة 132 وذكر أن إهداء والقرب والطاعات إلي نبينا علية الصلاة والسلام يجوز ولم يحك خلافاً في ذلك ثم أعاد المسألة في صفحة 143، وذكر ما نقلة شارح الطحاوية من أن علماء الإسلام علي قولين في هذا منهم من استحب إهداء الأعمال إلي نبينا علية الصلاة والسلام ومنهم من كرة ذلك ورآه بدعة للأمرين المتقدمين.

ص: 293

يقول الإمام الذهبي عن العبد الصالح: قال هذا الإمام المبارك: من لمن يقر بأن الله يعجب ـ أي يتصف بصفة العجب. يعجب ربك من شاب ليست له صبوة ـ ويضحك وينزل كل ليله إلي السماء الدنيا فيقول: من يسألني فأعطية؟ فهو ذنديق كافر يستتاب. فأن تاب وآلا ضربت عنقه، ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.

قلت ـ الإمام الذهبي ـ: لا يكفر إلا إن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ـ كما تقدم معنا، بلغه من وجه يثبت عنده وفهمه وليس عنده شبهه نحوه ـ فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند نسأل الله الهدي، وإن اعترف أن هذا حق لكن لا أخوض في معانية، فقد أحسن ـ هذه هي عقيدة أهل الهدي (1) ـ وإن آمن قال ورد أنه ينزل ويضحك ويغضب ويعجب وأول ذلك كله (2) أو تأول بعضه فهو طريقة معروفة. يقصد (بياض)

بهذا أي هذه الطريقة سلكها بعض الناس لوجود شبهه عندهم. طريقة معروفة. وحكمها معلوم. وهو أن هذا لا يجوز وأن هذا لا ينبغي، وتقدم معنا أن الحكم علي القول بأنه لا يجوز وخطأ وضلال لا يلزم منه أن نحك علي القائل بأنه ضل لاحتمال أن يوجد عنده مانع يمنع من إطلاق ذلك الحكم عليه وقد كنت سألت شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي علية رحمة الله عن الذين خاضوا في التأويل في العصر المتقدم في القرن الثالث وما بعده من أئمة الإسلام ثم رجعوا عنه بعد ذلك. قال لي رحمه الله ونور الله قبره وقبور المسلمين أجمعين:

(1) - فعقيدتهم إقرار وامرار، يعجب أي يعجب، يضحك: يضحك، ينزل: ينزل، النزول معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه، وهكذا الضحك وغير ذلك من صفات الله.

(2)

- أي اشتعل بالتأويل. فقال مثلاًَ: ينزل أي تنزل رحمنه، أو ينزل مَلَكَهُ.

ص: 294

نحن نجزم يقيناً أنهم ما خاضوا في التأويل ودخلوا فيه إلا لضرورات توهموها، فلما رأوا تعلق الزنادقة بظواهر هذه النصوص قالوا نحن نؤلها من أجل أن ندفع ضلالهم ولغطهم عند العامة، فنأولها بما نأولها به، ثم بعد فتره تبين لهم أن هذه الطريق عقيم، وهو طريق سقيم. فرجعوا إلي الهدي فهم عندما أولوا ما قصدوا الباطل ولا أرادوا الضلال لكننا نقول هذه الطريقة خطأ ممن صدرت، والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين، لكن يبقي من أخطأ من أئمتنا الذين شهد لهم بخير تستغفر له ونتلمس له عذراً، ونسأل الله أن يرحمه، ونقف عند هذا، لكننا لسنا بمتعهدين بإتباع قول أحد كائناً من كان [عليكم بالسواد الأعظم] و [يد الله مع الجماعة](1)

(1) - قلت: روي ابن ماجه وأحمد من حديث أنس بن مالك رضي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن أمتي لا تجتمع علي ضلالة فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم] . قال الهيثمي في المجمع: في إسناده أبو خلف الاعمي واسمه حازم بن عطاء وهو ضعيف. أهـ ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة عن أبن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما كان الله ليجمع هذه الأمة علي الضلالة أبداً. ويد الله علي الجماعة هكذا. فعليكم بالسواد الأعظم. فإنه من شذ شذ في النار] . وروي هذا الحديث أيضاً الحاكم والبيهقي في " الأسماء " وغيرهم. وروي الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لن تجتمع أمتي علي ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله علي الجماعة] .قال البيهقي في المجمع (5/221) : ورواه أي الطبراني ـ بإسنادين ـ رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولي آل طلحة وهو ثقة..أهـ وروي الترمذي عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله لا يجمع أمتي أو قال: أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ علي ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار. قال الترمذي: حديث حسن غريب. أه ـ ورواه النسائي بلفظ: عن شريح الاشجعي: [رأيت النبي صلى الله عليه وسلم علي المنبر يخطب الناس فقال إنه سيكون بعدي هنات وهنات فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يرد يفرق أمر أمة محمد كائناً من كان فاقتلوه فإن يد الله علي الجماعة فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض] . وروي الطبراني عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يد الله عز وجل علي الجماعة فإذا شذ الشاذ منهم إختطفه الشيطان كما يختطف الذئب الشاة من الغنم] قال الهيثمي: وفيه عبد الاعلي بن أبي المساور وهو ضعيف أهـ. وروي الطبراني أيضاً عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [يد الله مع الجماعة والشيطان مع من خالف يركض] ورجاله ثقات (انظر مجمع الزوائد 5/224)

ص: 295

ونتبع ما كان عليه السلف الصالح من صحابة وتابعين عليه رضوان الله أجمعين.

إذن: من علم وعاند، حقيقة هذا جاحد وصاحب هوي. كافر زنديق ـ كما قال الإمام السّراج ـ نسأل الله العافية، من علم ولآمن وقال: لا أخوض في معناه، فقد أحسن، فهذا فوّض؟، من آمن ثم أوّله كله أو بعضه طريقة معروفه، ومعروف حكمها، وأن هذا ما ينبغي أن يسلكه الإنسان، وطريقة خاطئه، ولا يلزم من أن هذه الطريقة باطلة أن نحكم علي من سلكها بوجود عذر عنده بأنه ضال كافر.

إخوتي الكرام:

هذا الأمر ينبغي أن يرسخ عندنا في هذه الأيام: لا نكفر أحداً مهن أهل الإسلام، ولا نتطاول علي عباد الله ،فلا نحكم علي واحد منهم بالنيران أو بالخلود فيها، نسأل الله أن يرزقنا خشيته في السر والعلن، وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغني والفقر، وأن يجعل خير أيامنا يوم نلقاه أنه أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين.

إخوتي الكرام:

وهذا الأمر لا بد من وعيه في هذه الأيام بعد أن ضاعت دولة الإسلام في هذه الأيام، وتداعي اللئام علينا من كل جانب، عدا عن كل هذا، حصل 221نا فرقة، بكفر بعضنا بعضاً ويضلل بعضنا بعضاً.

ولا غرو في ذلك لأننا عندما نحن علمنا هذا الجيل إطلاق ألسنتهم فيمن سبقهم، أطلقوا ألسنتهم بعد ذلك فينا، ولذلك تشهدون في هذه الأيام الضجيج الذي تعيشه هذه الأمة. هذا يصدر كتاباً في تكفير بعض العلماء، وذلك يصدر كتاباً في الرد عليه، وأن هذا من شيوخ الإسلام. لماذا؟ لأننا نحن في أول الأمر ـ إخوتي الكرام ـ لم نتأدب بأداب الإسلام في علمنا، ولم نتق الله، وهذه الأمة حقيقة تعيش الأن بلا راع، وما مر علي الأمة الإسلامية وقت أفظع ولا أشد ولا انكي ولا أمّر من هذه الأيام التي تعيش فيها، ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتي الكرام: قررت هذا ، فانتبهوا له.

ص: 296

وُجِدَ في طلبة العلم في هذه الأيام ـ كما قلت ـ من يطلق لسانه فيقول: إن الذهبي تالف في العقيدة!!. من يطلق لسانه فيقول: أن الإمام النووي مخرف لا يعوّل عليه!!. من يطلق لسانه فيقول: أن حجر الأشعري مؤول ضال!!. ابن حجر العسقلاني مؤول ضال؟ سبحان الله! أئمة الإسلام كيف تتجرؤن عليهم هذه الجرأة؟ ولا أعني أن العصمة لهؤلاء. فإذا ثبت الخطأ عن أحد منهم فليطرح ممن صدر. لكن ينبغي أن نتقي الله نحو القائل، فالقائل إن كامن من أئمة الهدي نلتمس له عذراً ونستغفر له، وأمره موكول إلي ربه، وأن كان من أئمة الضلال المعروفين بالهوي والزيغ، فلنا بعد ذلك معه موقف أخر، نقول إنه ضال. ولا داعي ـ كما قلت ـ للتكفير ولا الحكم علية بالخلود في نار الجحيم. أما إذا كان من أهل الهدي والرشاد والاستقامة والصلاح فلا يجوز أن نقول: إنه مبتدع، وإن كان القول الذي قال به بدعة.

إخوتي الكرام:

قبل أن انتقل إلي مبحث الحسنة. سأقرر هذا بمثالين (1) ليكونا تكملة لما سبق:

إخوتي الكرام:

الحلف بغير الله، والقسم بغير الله حرام عند جمهور أئمة الإسلام. لما ثبت في الصحيحين وفي الكتب السنن الأربعة باستثناء سنن أبي داود، من حديث ابن عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت] . وهذا الذي قرره الإمام أبو حنيفة والشافعي والإمام مالك وأتباعهم علي هذا القول.

الإمام أحمد ـ رحمة الله ونور قبره ونضر وجهه، وجميعنا معه في جنات النعيم نع عباد الله المقربين ـ خالف في هذه المسألة، فهل يجوز لصعلوك في هذا الوقت ان يتهجم علي هذا الإمام المبارك؟

(1) - قلت: قول شيخنا: سأقرر هذا.. أي الذي سبق الكلام عليه من نقاط متعددة كالكلام علي أئمة الإسلام وغيرها من النقاط.

ص: 297

استمع إلي ما يقره الحنابلة في كتاب المغني (1) يقول الإمام ابن قدامة: ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق كالكعبة والأنبياء وسائر المخلوقات، ولا تجب الكفارة بالحنث فيها، هذا ظاهر كلام الخرقي. وهو قول أكثر الفقهاء، وقال أصحابنا: الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم فحنث فعليه الكفارة.

سبحان الله الإمام احمد إمام أهل السنة يقول هذا القول؟ ! وأنالا أتردد في أن هذا القول خطأ وباطل وليرد علي من قاله، لكن هل يجرؤ واحد منا أن يقول: إن الإمام أحمد مبتدع. ضال صاحب هوي، خالف حديث النبي علية الصلاة والسلام وردّه؟؟ !

والله لأن أخر من السماء، ولأن أتلبس بكل ذنب ـ خلا الشرك ـ أيسر عليّ من أن أقول شيئاً من هذه الأقوال، وهذا الهراء.

لماذا تقول أيها الإمام المبارك: يجوز الحلف برسول الله عليه الصلاة والسلام؟ وإذا حلف برسول الله عليه صلوات الله وسلامه فهذه يمين منعقدة تجب الكفارة فيها إذا حنث، لماذا تقول وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله؟ حلف تقول هذا من باب الهوي؟.

قال: لا، عندي تعليل ـ وهذا التعليل الذي أتي به من أجله كما قلت لا نحكم علي القائل بأنه مبتدع. وإن كان هذا التعليل مردوداً عندنا ـ يقول الإمام أجمد عليه رحمة الله وهو قول الحنابلة:

(1) - الجزء 11/209.

ص: 298

لأن الإيمان برسول الله عليه صلوات الله وسلامه أحد شرطي الشهادة. فالحلف به موجب للكفارة. الحالف باسم الله، الشهادة لها ركنان وشرطان تقوم عليها: لا اله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يصح إيمان إنسان حتي يؤمن بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام ، فكما إن الحلف بالله يجوز ويمين منعقد فالحلف بالشطر الثاني الذي هو شرط لقبول الشهادة، وهو الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يمين منعقدة فيها الكفارة إذا حنث الحالف، هل قال هذا الحكم أخذ من توراة. أو انجيل، أو من كتاب لينين. أو كار لماركس، أو من عُرْف أو من عادة جاهلية؟ !! ربط هذا بدليل شرعي، أصاب أو أخطأ؟ هذه مسألة ثانية. فاتق ربك وقف عند حدك. فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وخطؤه مغفور له ورحمة الله واسعة.

والوجه الأول: أي قول الجمهور أنه لا يجوز الحلف بغير الله:

قول النبي علية الصلاة والسلام: [من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت](1) ولأنه حَلِفٌ بغير الله فلم يوجب الكفارة كسائر الأنبياء، ولأنه مخلوق فم يجب الكفارة بالحلف به كإبراهيم علية السلام، ولأنه ليس بمنصوص عليه، ولا في معني المنصوص، ولا يصح قياس اسم غير الله علي اسمه لعدم الشبه وانتفاء المماثله.

حقيقة: قول الجمهور أقوي، بل هو الحق، وهذا ينبغي أن يطرح ويلغي، لكننا نستغفر لقائله ونترحم عليه ونترضي عنه ونقف عند حدنا، قول قاله فيما يتعلق بأمر اعتقاد. وهو أن الحلف بالمخلوق يجوز وتنعقد اليمين، وفيها الكفارة إذا حنث، هذا صادم الأدلة.

(1) - سبق تخريجة في الصفحة السابقة.

ص: 299

ونقول: هذه العلة التي ذكرتها (1) ردها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله [من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت] و [من حلف بغير الله فقد أشرك](2) فتعليلك إذن أنت مأجور عليه. وما قصدت بهذا التعليل، ولا بهذا الحكم معارضة النبي علية الصلاة والسلام، ولا إبطال شرعة فإذا كان الأمر كذلك نقف عند حدنا لا يلزم من أن يكون القول بدعة أن يكون القائل مبتدعاً.

ولذلك ـ إخوتي الكرام ـ قلت: إن تأوبل نصوص الصفات بدعة وضلال، ولا نتوقف في هذا، فلو قيل لنا: أن الإمام الننوي ـ علية رحمات ربنا القوي ـ يؤول، هل نجرؤ علي الحكم علية بالبدعة؟ نقف. وكنت ذكرت لكم ما أجابني به شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي علية رحمة والله بأننا نجزم ونقطع بأن أولئك ما خاضوا في التأويل إلا لضرورة دعتهم لكنهم أخطأوا. هذا أمر آخر. لكن إنسان يخطيء ويصيب ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي علية صلوات الله وسلامة. لكن بما أنه من أهل الهدي فإن أخطأ فلنطرح هذا الخطأ، ولنستغفر لقائلة، ثم بعد ذلك نأخذ بما يشهد له الدليل وبما يتمشي مع الدليل، هذا المثال الأول فلنكن منه علي بال، (بياض)

أما المثال الثاني:

(1) - قلت: قول شيخنا: العلة التي ذكرتها.. يخاطب هنا الإمام أحمد رحمة الله

(2)

- قلت: الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك] . أخرجه الإمام أحمد في المسند. والإمام الترمذي، والنسائي. وابن ماجه، وأبو داود، والدارمي ورواه الترمذي وابن حبان بلفظ:[فقد كفر وأشرك] للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك.

ص: 300

فيما يتعلق بالإمام ابن قدامة (1) يقول الإمام الذهبي علية رحمة الله في سير أعلام النبلاء في ترجمته (2) قال أبو شامة (3) في كتابه " الذيل علي الروضتين" في صفحة 139 كان ـ أي الإمام ابن قدامه صاحب كتاب المغني ـ إماماً علماً في العلم والعمل، صنف كتباً كثيرة، لكن كلامة في العقائد علي الطريقة المشهورة عن أهل مذهبه ، ـ يعني الحنابلة (4) ـ فسبحان من لم يوضح له الأمر فيها علي جلالته في العلم، ومعرفته بمعاني الأخبار.

سبحان الله! هل صارت طريقة السلف التي التزم بها الإمام ابن قدامة طريقة فيها خفاء وطريقة مردوده حتي أنك تعظم الله وتتعجب من مسلك الإمام ابن قدامة كيف أن الله ما أظهر له الحق في أمر الاعتقاد وما أوّل كما أولت أنت؟ ّّ هذا كلام باطل.

(1) - الإمام المبارك شيخ الإسلام الإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة الذي توفي سنة 620 هـ، وهوة محقق المذهب الحنبلي، وشارح نختصر الإمام الخرقي في كتابه " المغني " في مجلداته الكبيرة، وهو في هذه الطبعة أثني عشر مجلداً

(2)

- في الجزء 22 صفحه 172، بعد أن نعته بأنه شيخ الإسلام، وأن الكرامات متواترة عنه رضي الله عنه وأرضاه.

(3)

- الإمام أبو شامة علية رحمة الله، صاحب كتاب " إبراز المعاني من حرز الأماني " التي هي أحسن شروح الشاطبة في القراءات السبع، وصاحب كتاب " المرشد الوجيز " لقب بأبي شامة لشامة كبيرة كانت علي حاجبة الأيسر علية رحمة الله، أبو شامة وهو عبد الرحمن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي، توفي سنة 665 هـ يعني بعد الإمام ابن قدامة بقرابة خمس وأربعين سنة.

(4)

- يعني أنه لا يؤول. يقول: الاستواء معلوم، والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهكذا النزول والضحك والعجب والغضب والرضي والرحمة وسائر صفات الله التي يتصف بها سبحانه وتعالى.

ص: 301

أنظر لكلام الإمام الذهبي وتعليقة عليه ، الذي هو ذهب خالص (1) يقول الإمام الذهبي قلت: هو وأمثاله متعجب منكم مع علمكم وذكائكم كيف قلتم (2) وكذا كل فرقة تتعجب من الاخري، ولا عجب في ذلك.

طيب ما موقفك يا إمام ،أنت تلميذ الإمام ابن تيمية، وسلكت مسلك السلف في صفات رب البرية، ما موقفك نحو هذين المختلفين في هذا الأمر؟

قلا الإمام الذهبي، ولا عجب في ذلك، ونرجو لكل من بذل جهده غي تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة.

أقول لكم ولا أبالغ: لو أن صغار بعض طلبة العلم الذين حملوا السّلم في العرض، وأطلقوا ألسنتهم أمتاراً، لا أشباراً ،وقف علي هذا الكلام للعن الإمام أبا شامة. قبل أن يفرغ من قراءة تعليق الذهبي للعنه!! أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم. نحو أمة نبينا محمد علية الصلاة والسلام. وخاصته نحو هذه الأمة، والله لا يرتع في أعراض العلماء الصالحين إلا من لعنه الله وغضب عليه، اعلم أخي إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصهم معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالسلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (3) .

(1) - وحذار حذار من لفظ طلية علم هذا الزمان أن الذهبي تالف في الاعتقاد؟!! احذروا هذا إخوتي الكرام.

(2)

- أي انتم تتعجبون منه، وهو وأمثاله ممن سار عليه طريقة السلف الذين يؤمنون بصفات الله جل وعلا علي الكيفية الشرعية: إقرار وامرار. ((َليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) ــ (الشورى: 11) ـ يقرون بالصفة كما ثبتت عن نبينا علية الصلاة والسلام. ويمرونها دون البحث في كنهها وكيفيتها. فالعجز عن درك الإدراك إدراك. والبحث في كنه ذات الإله إشراك. وكل ما خطر ببالك فالله غير ذلك سبحانه وتعالى.

(3)

- النور: 63

ص: 302

إن لم يكن العلماء العاملون أولياء الله فليس لله ولي في الدنيا ولا في الآخرة، فلنتق الله نحو علماء الإسلام، فإذا أخطأوا كان ماذا؟ ولا شيء علي الإطلاق، وهذا هو حال البشر: يخطيء ويصيب، لكن النية إذا كانت تريد الحق وتقصده غفر الله لنا بفضله ورحمته. إذا قصدنا الحق ولم نصب غفر الله لنا عدم إصابتنا ومنّ علينا بأجر علي قصدنا، وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتي الكرام:

هذا الإمام المبارك ـ اعني ابن قدامة علية رحمة الله ـ كما أنه كان يقول في آيات الصفات بمسلك وطريقة السلف، وكان أيضاً يسلك مسلك السلف الصالح في عدم الحكم بالخلود في النار علي المبتدعين الذين كُفَّروا ببدعتهم، وتقدم.

وتقدم معنا كلام الإمام الذهبي (1) : كل من حكم عليه بكفر من أجل بدعته فنجوا أن لا يخلد في النار، وليس هو كاليهود والنصاري والمجوس وعباد الوثن.. وقرر هذا وختم ترجمته ذلك العبد ـ بشر المريسي ـ بهذا الكلام الحق.

الإمام ابن قدامة علية رحمة الله جري بينه وبين بعض الحنابلة المعاصرين له شيء من الخلاف في هذه المسألة وهو الإمام محمد الخضر بن تيمية، من أجداد الإمام شيخ الإسلام احمد بن عبد الحليم بن تيمية، وهذا الذي كان معاصراً للإمام ابن قدامة توفي سنة 622 هـ (2) ينقل لنا حاصل الخلاف بينهما الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه "الذيل علي طبقات الحنابلة"(3) .

يقول الإمام ابن رجب:

(1) - الجزء10/202 عند ترجمة العبد المخذول بشر المريسي الذي هو بشر كما أن بشر الحافي هو بشر الخير، والإمام أحمد هو احمد السنة كما أن أحمد بن أبي دؤاد هو أحمد الضلال.

(2)

- يعني بعد الإمام ابن قدامة بسنتين اثنين.

(3)

- الجزء 2/154. والإمام ابن رجب توفي سنة 795 هـ

ص: 303

ووقع بين الشيخين أيضاً تنازع في مسألة تخليد أهل البدع المحكوم بكفرهم في النار (1) وكان الشيخ الموفق أبن قدامة لا يطلق عليهم الخلود (2) فأنكر ذلك عليه الشيخ الفخر ابن تيمية وقال: إن كلام الأصحاب مخالف لذلك، وأرسل يقول للشيخ موفق الدين ـ ولخص الإمام ابن رجب هذه الرسالة في قرابة ثلاث صفحات أقرأ المهم منها (3) كتاباً أوله:

إخوه في الله عبد الله بن أحمد يسلم علي أخيه الإمام الكبير فخر الدين جمال الإسلام ناصر السنة أكرمة الله بما أكرم به أولياءه، وأجزل من كل خير عطاءه، وبلغه أجله ورجاءه، وأطال في طاعة الله بقاءه.

سبحان الله! بينكما خلاف وهذه الألفاظ تثني بها علي من خالفك؟ هذه حال السلف ولا داعي بعد ذلك للتنابز بالألقاب والهجاء المرير، لنتعلم الأدب من مراسلات علمائنا المتقدمين: أخوة في الله. فإذا اختلفنا سيبقي قول الله يشد أزرنا ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (4) إلي أن قال:

إنني لم أَنْهَ عن القول بالتخليد نافياً له، ولا عدت القول به منصراً لضده، إنما نهيت الكلام فيها من الجانبين إثباتاً أو نفياً كفاً للفتنة بالخصام فيها، وإتباعاً للسنة في السكوت عنها، إذا كانت هذه المسألة من جملة المحدثات فأشرت علي من قبل نصيحتي بالسكوت عما سكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والأئمة المقتدي بهم من بعدهم..

(1) - أي تنازعوا: هل نخلدهم في النار أولا؟ هذا فيمن حُكرم بكفره من اجل بدعته.

(2)

- أي يتوقف. يقول بدعة مكفرة، نكفرهم. لكن الخلود نتجنبة، الحكم عليهم بأنهم مخلدون: نبتعد عنه.

(3)

- أنظر كيف تستدرك هذه الهفوة

(4)

- الحجرات: 10

ص: 304

إلي أن قال: واما قوله وفقه الله: أني كنت مسألة أجماع (1) فإنني إذا كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حزبه متبعاُ لسنته، ما أبالي من خالفني، ولا من خالف فيّ، وتركوها وعادوني من أجلها، لما أردت لها إلا لزوماً، ولا بها إلا ارتباطاً، إن وفقني الله لذلك، فإن الأمور كلها بيديه، وقلوب العباد بين أصبعيه.

وأما قوله ـ أي قول هذا الأخ الناصح ـ إن هذه المسألة مما لا تخفي، وهي أن من يحكم بكفره من أجل بدعته يخلد في النار، فقد صدق وبرّ، ما هي بحمد الله عندي خفيه، بل هي مُنْجَلَيَة. مُضٍيَّة، ولكن إن ظهر عنده بسعادته تصويب الكلام فيها تقليداً للشيخ أبي الفرج ـ أي ابن الجوزي ـ وأبن الزغاوني، فقد تيقنت تصويت السكوت عن الكلام فيها (2) إتباعاً لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ومن هو حجة علي الخلق أجمعين، ثم لخلفائة الراشدين، وسائر الصحابة والأئمة المرضيين، لا أبالي من لا مني في إتباعهم، ولا من فارقني في وفاقهم، فأنا كما قال الشاعر:

أجد الملامة في هواك لذيذة

حباً لذكرك فليلمني اللَوَمُ

(1) - يقول ابن قدامة لفخر الدين محمد بن الخضر بن تيمية: تقول لي إنني كنت محل إجماع، يعني جميع العلماء يقبلون قولي، وأنا لا يخالفني احد ، فلما قلت إن من يحكم بكفرهم لبدعتهم لا يخلدون في النار خالفني من خالفني وما بقيت الكلمة مجمعة عليّ

(2)

- أي أنا متيقن أن السكوت هو الواجب

ص: 305

فمن وافقني علي متابعتهم، وأجابني إلي مرافقتهم وموافقتهم فهو رفيقي (بياض) وصديقي، ومن خالفني في ذلك فليذهب حيث شاء، وقوله سعادته: إن (بياض) بأن لفظ التخليد لم ترد، ليس بشيء (1) فأقول لكن عندي أنا هو الشيء الكبير (2) والأمر الجليل الخطير، فأنا أوافق أئمتي في سكوتهم كموافقتي لهم في كلامهم، الأول إذا قالوا، وأسكت إذا سكتوا، ولا أسير إذا ساروا، وأقف إذا وقفوا، وأحتذي طريقهم في كل أحوالهم جهدي، ولا أنفرد عنهم خيفة الضيعة إن سرت وحدي فأما قوله ، فهذا متضمن أن قول الأصحاب ـ يعني الحنابلة ـ هو الحجة القاطعة. وهذا عجب (بياض) الأصحاب علي مسألة فرعية. أكان ذلك حجه (بياض)(3) ويكتفي بذكرها؟ فإن كان فخر الدين يري هذا فما يحتاج في تصنيفة إلي ذكر دليل، سوي قول الأصحاب وأن كان لا يري ذلك حجة في الفروع فكيف جعلة حجه في الأصول؟ وهب أنا عذرنا العامة في تقليدهم الشيخ أبا الفرح وغيرة من غير نظر في دليل، فكيف يعذر من هو أمام يرجع إليه في ألواح العلوم؟

(1) - يعني قوله إنه لفظ التخليد لم يرده وورد في الحديث [كلها في النار الا واحدة] * ولم يقل النبي علية الصلاة والسلام أنهم مخلدون أي فرق الأهواء ـ هذا ليس بشيء أي ليس بأمر كبير. إذا ما ورد هذا فنحن نأخذ هـ من النصوص ونحكم عليهم بالخلود.

(2)

- أي قولك لم يرد لفظ التخليد، وهذا ليس بشيء فنحن إذا أطلقناه لا حرج

* قلت: تقدم الحديث صفحة 62

(3)

- أي لو أجمعوا علي فرع من فرع الشريعة هل هذا يكفي؟ لا يكفي إلا أن يجمع علماء الأمة جميعاً

ص: 306

ثم بعد ذلك يقول له: ثم إن اتفق الكل علي تكفيرهم (1) فليس التخليد من لوازمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق التكفير في مواضع لا تخليد فيها ـ وذكر حديث [سباب المسلم فسوق وقتاله كفر](2) وغيره من الأحاديث كنا ذكرناها وبينا قول أهل السنة فيها ـ وقال أبو نصر التجزي، اختلف القائلون بتكفير القائل بخلق القرآن، فقال بعضهم: كفر ينقله من الملة وقال بعضهم كفر لا ينقل عن الملة، ثم أن الإمام أحمد الذي هو أشد الناسي علي أهل البدع قد كان يقول للمعتصم (3) يا أمير المؤمنين، ويرى طاعة الخلفاء الداعين إلي القول بخلق القرآن. وصلاة الجُمع والأعياد خلفهم. ولو سمع الإمام أحمد من يقول هذا القول (4) الذي لم برد عن النبي علية الصلاة والسلام. ولا عن أحد مثله لأنكره أشد الإنكار، فقد كان ينكر أقل منة هذا، ثم إن علمتم أنتم هذا أفيحل لي ولمثلي ممن لا يعلم صحة هذا القول أن يقول به؟ أما من قد أطلع علي الإسرار، وعلم ما يفعله الله علي جِلَيتِهِ فما أنكرت عليه، ولا يبقي له أن يأمرني أن لأقول بمقاله مع جهلي بما قد علمه.. الخ

(1) - أي هب أن جميع العلماء حكموا علي فاعل البدعة بالكفر ومن قال بدعة مكفرة كفروه

(2)

- قلت: تقدم الحديث صفحة 90.

(3)

- الذي تبني بعد المأمون محنة الناس بخلق القرآن. وفي عهده ضرب الإمام أحمد فماذا كان يقول الإمام احمد لذلك الخليفة المبتدع.

(4)

- أي أن القائل بخلق القرآن كافر يخلد في النار.

ص: 307

وأما قولك بسعادتك (1) فإن قنع مني بالسكوت فهو مذهبي وسبيلي، وعليه تعويلي وقد ذكرت عليه دليلي، وإن لم يرض مني إلا أن أول مالا أعلم، وأسلك السبيل الذي غيرة أسدّ وأسلم، وأخلع عذاري في سلوك ما فيه عتاري وبسخط عليّ الباري، ففي هذا التلاقي تلاقي، وتكرير صافي أو صافي، لا يرضاه لي الأخ المصافي، ولا من يريد إنصافي، ولا من سعي في إسعافي، والتابعة ولو أنه بشر الحافي.... إلي أن قال ـابن قدامه ـ:

واعلم أيها الأخ الناصح أنك قادم علي ربك ومسؤول عن مقالتك هذه، فانظر من السائل، وانظر ما أنت له قائل، فأعد للمسألة جواباً، ولا تظن أنه يقنع منك في الجواب بتقليد بعض الأصحاب.. إلي إن قال:

وانتم إن كنتم أظهركم الله علي غيبه، وبرأكم من الجهل وعيبه، وأطلعكم علي ما هو صانع بخلقه فنحن قوم ضعفاء قد قنعنا بقول نبينا صلى الله عليه وسلم وسلوك سبيله، ولم نتجاسر علي أن تتقدم بين يدي الله ورسوله، فلا تحملوا قوتكم علي ضعفنا، ولا علمكم علي جهلنا، وهذه رسالة (بياَض) هذا القدر.

هذا الأمر ينبغي أن نعيه ـ أخوتي الكرام ـ في هذه الأيام، لا يلزم من الحكم علي القول بأنه بدعة أو انه ضلال، أو أنه كفر، أن يكون من قال به ضالاً، مبتدعاً، كافراً، أحذروا أمرين: لا تطلقوا لفظ الكفر علي أخذ من أهل القبلة، علي أحد من أمة نبينا محمد علية الصلاة والسلام، ما لم يستحل ما حرم الله، ويتهزيء بشريعة الله، واياكم اياكم أن تطلقوا لفظ الخلود بالنار، الحكم بالخلود بالنار علي مبتدع إذا صدر من مهتدي، ولا يعني هذا أننا نأخذ بالخطأ إذا صدر من أمام صالح، لا ثم لا، الخطأ والبدعة ترد علي كل أحد والحجة في النصوص الشرعية لكن هذا الأمر ينبغي أن يرسخ في أذهاننا.

(1) - أنظر كيف تتلافى هذه الهفوة. وتزيل تكدير الصفوة.

ص: 308

وأقول لكم، عندما أُدَرّسُ محاضرات التوحيد الاخواتي الطلاب، وأتكلم علي بطلان تأويل نصوص الصفات، وأن هذا ضلال وبدعة، قلَّ أن القي محاضرة حول هذا إلا ويتبعني عدد من الطلاب يقول: يا شيخ إذن الاشعرية نكفرهم؟ ! سبحان الله! يا أخي الكريم نقول: هذا القول بدعة وضلال، فما الذي أخذك بعد ذلك إلي تكفير هؤلاء العلماء الذين أخطأوا في هذا المسلك، خطأهم يرد عليهم، فنحن الأن الواجب علينا أن نحصّن أنفسنا مما لا يدل عليه شرع ربنا، أما الحكم علي غيرنا، مالك ولهذا؟ أناس أخطاوا لهم أعذار. الله يعفو عنهم، يثيبهم، يعاقبهم، لا تنصب نفسك حكماً علي عباد الله، هذا القول عندنا خطأ وباطل فمن صدر، من كبيرا وصغير، فالقسم بغير الله لا يجوز سواء قال الإمام أحمد أو الشافعي: انه يجوز أولا يجوز، عندنا نصوص شريعة نحتكم إليها. وُجِدَ بعد ذلك خطأ، الإمام أحمد معروف عندنا، إمام أهل السنة الإمام الشافعي كذلك، فإذا أخطأ في تعليل شرعي يطرح هذا الخطأ ونستغفر له وما كلفنا الله إلا بإتباع شرعية ((وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ)) (1) انتبهوا لهذا إخوتي الكرام في هذا الأيام، احذروا تكفير المسلمين، واحذروا الحكم عليهم بالخلود في نار الجحيم.

أسأل الله أن يجعل قلوبنا وألسننا سليمة نحو امة نبينا محمد علية الصلاة والسلام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرامين، وصلي الله وسلم الله علي نبينا محمد وعلي جميع الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.

(1) - الأحزاب:25

ص: 309