الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسات في السنَّة النبوِيَّة
بقلم الشيخ محمد ضياء الرحمان الأعظمي
السنة في اللغة: الطريقة حسنة كانت أمْ سيئة يقال فلان من أهل السنة قال نصيب:
من الناس إذ أحببت بينهم وحدي
…
كأني سننت الحب أوَّل عاشق
ومن معانيها: السيرة حسنة كانت أمْ سيئة قال خالد بن عتبة الهذلي:
فأوَّل راض سنة من يسيرها
…
فلا تجزعن عن سيرة أنت سرتها
ومن معانيها: الوجه أي الشيء البارز من الجسم قال ذو الرمة:
تريك سنة وجه غير مقرفة
…
ملساء ليس بها خال ولا ندب
وبهذا المعنى أنشد ثعلب:
بيضاء في المرآة سنتها
…
في البيت تحت مواضع اللمس
ومثله قول الأعشى:
كريماً شمائله من بني
…
معاوية الأكرمين السنن
ومن معانيها التصوير يقال أسنُّه سنّاً إذا صورته. قد أنشد عبد الرحمن ابن حسان:
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء
…
تمشي في مرمر مسنون
وقال في اللسان: "كل من ابتدأ أمراً عمل به قوم بعده هو السنة"1
1 - ج 13 ص 225.
ويمكن أن نحمل قول نصيب الماضي على هذا.
قال شيخ الإسلام بن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) : "السنة هي العادة وهي الطريقة التي تبتكر لنوع من الناس مما يعدُّونه عبادة أولا يعدُّونه عبادة".
فهذه المعاني الكثيرة كلها تنطبق على السنة النبوية وهي متوفرة في الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} 1. ومثل قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} 2 يعني العذاب كما قال الزجاج: "سنة الأولين أنهم عاينوا العذاب فطلب المشركون إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء"3.
ومنه قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} 4. ومنه قوله تعالى: {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} 5. وغيرها من الآيات البينات فإنها تدل على معنى الطريقة والعادة والأمر والعذاب وما شاكل ذلك فالآن نرجع إلى الحديث النبوي لنرى فيه معاني السنة.
أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم". قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى قال: "فمن."6. وفيه عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة فعُمِل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعُمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء".7
ففي هذا الحديث الشريف حثٌّ على إبداع سنَّة حسنة محمودة وكذلك
1 - الفتح 32
2 -
الكهف: 55
3 -
اللسان ج 13ص 225.
4 -
الأحزاب: 38.
5 -
غافر: 85.
6 -
مسلم كتاب العلم باب اتباع اليهود والنصارى ص 57 ج 8.
7 -
مسلم كتاب العلم باب من سن سنة حسنة أو سيئة ص61 ج8.
حثٌّ على إتباعها وهي بمعنى الطريقة والعادة والمنهاج القويم.
وفي اللسان: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض على الصدقة فقال رجل قبيح السُنَّة: أي قبيح الصورة"1. وفي صحيح البخاري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكان خبيب هو الذي سنَّ الركعتين لكل امرئ مسلم" 2. وفي موطأ الإمام مالك قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المجوس: "سَنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب" 3 يعني خذوا منهم الجزية. وفي صحيح البخاري أيضا قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الناس مبتغ في الإسلام سُنَّة الجاهلية"4. وأخرج الترمدي عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا: "يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط"، فقال عليه الصلاة والسلام: "سبحان الله.. هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. والذي نفسي بيده لتركبن سَنَنَ من كان قبلكم" 5. أي لتتبعن البدعات والخرافات. وفيه أيضا عن ابن جرير بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَنَّ سُنَّة خير فاتبع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئاً ومن سن سنة شر فاتُّبِع عليها كان عليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئاً" 6. واللفظ للترمذي. إلى غيرها من الأحاديث الكثيرة المروية في الجوامع والسنن والمسانيد وكلها تشير إلى أن السنة قد استعملت بمعنى الطريقة والعادة والبدعة والخرافات والصورة والتقاليد وما شابه ذلك. فإن هذه المعاني كلها معانٍ لغوية لكلمة السنة في القرآن والحديث.
1 - ج 13 ص 224.
2 -
البخاري جهاد ص 170، مغازي 10، 27.
3 -
الموطأ زكاة 43.
4 -
ديات 9.
5 -
الترمذي أبواب الفتن 18.
6 -
الترمذي أبواب العلم 15، أحمد 2:505.