الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسات في السنة النبوية
بقلم الشيخ/ محمد ضياء الرحمن الأعظمي
السنة اصطلاحا:
يختلف معنى السنة اصطلاحا حسب اختلاف الأعراض والمقاصد التي لأجلها توجه العلماء في البحث عنها. فالسنة بالنسبة إلى القرآن هي ما كانت منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم ينص عليها في الكتاب العزيز. وهي إما أن تكون بيانا لكتاب الله عز وجل أو تخصيصا له ولهذا السبب أطلق عليها الحديث بمقابلة القديم وهو كلام الله والعلم عند علام الغيوب.
وعند المحدثين: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية سواء قبل البعثة أو بعدها.
وعند الأصوليين: السنة هي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. والأمثلة على ذلك:
من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما أخرجه الترمذي عن عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى
لله مسجدا بنى الله مثله في الجنة" 1 قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. ومن فعله صلى الله عليه وسلم: ما أخرجه الترمذي أيضا عن البراء بن عازب قال: "كانت صلاة رسول الله صلى عليه وسلم إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود قريبا من السواء" 2.
ومن تقريره صلى الله عليه وسلم ما أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: "خرج رجلان في سفر. فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك" وقال للذي توضأ وأعاد: "لك أجر مرتين" 3.
ومن صفة النبي صلى الله عليه وسلم: ما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: "ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال الترمذي هذا حديث غريب4.
ومن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ما أخرجه الترمذي أيضا عن علي بن أبي طالب قال: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير، شثن5 القدمين والكفين. ضخم الرأس. ضخم الكراديس، طويل المشرُبَة، إذا مشى تكفّى تكفيا كأنما ينحط من صبب. لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم" قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح6.
وجه التفريق في معنى السنة عند الأصوليين والمحدثين هو راجع إلى الأغراض والمقاصد. فمثلا الأصولي جل همه أن يدور حول الأحكام الشرعية ليستنبطها من الأمر والنهي. فأوصاف النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وسيرته خارجة عن دائرة بحثه.
والسنة بهذا المعنى المذكور مطلوبة
1 تحفة الأحوذي ج2 ص262.
2 المصدر السابق ص153.
3 أبو داود ج1 ص143.
4 تحفة الأحوذي ج10 ص124.
5 قال في النهاية إنهما يمييلان إلى الغلط والقصر وقيل هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر يحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضتهم ويذم في النساء ج2 ص204.
6 تحفة _ ج10 _ ص116.
شرعا والأمة مأمورة باتباعها. فمن القرآن نذكر بعض الآيات المحرضة على اتباع السنة:
قال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1 روى عن عبد الرزاق قال أخبرني الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال عبد الله ابن مسعود: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" قال بلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب. فقال يا أبا عبد الله بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله. قالت: إني لأقرأ ما بين اللوحتين فما أجده. قال: إن كنت قارئة لقد وجدتيه. أما قرأت قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم2.
قال ابن كثير: "أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم"، ثم قال:"فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ومن لا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر"5.
قد يخيل إلى أحد أن الرد كما وجب إلى الله والرسول كذلك وجب إلى أولي الأمر. فهل أولو الأمر في مرتبة الله والرسول في التشريع! فأجاب العلماء على هذا السؤال بأقوال منها:
إن لفظ الطاعة ذكر مع الله والرسول
1 الحشر: 7.
2 جامع بيان العلم وفضله ج2 ص188_ فتح الباري ج1 ص317.
3 الأحزاب 36.
4 النساء 59.
5 ابن كثير ج1 ص551.
فقط ولم يُعَد مع أولي الأمر. إذا فالطاعة المطلقة مختصة بالله والرسول، أما أولوا الأمر فهم تبع لهما وإلى هذا أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"1.
ومنها: أن الرد لم يكرر مع أولي الأمر ويفيد هذا كذلك أن الرد لم يصح إلى أولي الأمر بل هو مختص بالله والرسول. ويؤيد هذا المعنى ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الأعمش والإمام أحمد في مسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: بعث رسول الله صلى عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار. فلما خرجوا وجد عليهم في شيء، قال فقال لهم:"أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ " قالوا: "بلى"، قال:"فاجمعوا إليّ حطبا" ثم دعا بنار فأضرمها فيه ثم قال: "عزمت عليكم لتدخلنها" قال: فقال لهم شاب منهم: "إنما فررتم إلى رسول الله من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها" قال: فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك فقال لهم: "لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف"2.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 3 فأعلمهم بأن مبايعتهم لرسول الله هي مبايعتهم له عز وجل.
قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} 4 قال الحافظ ابن كثير: "يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأن من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله، وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"5.
أخرج الشيخان عن الأعمش عن
1 بالمعنى تفسير ابن كثير ج1 ص549.
2 نقلا من تفسير ابن كثير ج1 ص549.
3 النساء 80.
4 الفتح 10.
5 تفسير ابن كثير ج1 ص562.
أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني"1.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على الأخذ بالسنة النبوية الناطقة بالحق المبينة للكتاب ولهذا أجمع المسلمون جيلا بعد جيل وعصرا بعد عصر على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وهي مبينة لكتاب الله عز وجل ومخصصة له، لأن الكتاب جاء مجملا ومعجزا فاقتضت حكمة الله العليا ان يرسل رسولا يفسر للناس كتابه ويوضح مراده بقوله وفعله وتقريره لقيم الحجة على عباده.
فقد قال الإمام الشافعي: "لا حجة في أحد خالف قولُه السنة"2 فلنذكر هنا بعض الأحاديث الدالة على حجية السنة.
أخرج أبو داود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه. لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلاّ أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعاقبهم (يعقبهم) بمثل قراه"3.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوني ما تركتكم. إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم"4.
وأخرج الدارمي عن عرباض بن سارية قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع،
1 خ كتاب الجهاد 109 م كتاب الإمارة 32.
2 الرسالة ص576.
3 دج4 ص279.
4 خ ج9 ص77.
فأوصنا. فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والمحدثات فإن كل محدثة بدعة. وقال أبو عاصم مرة وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"1.
وفي سنن النسائي قال النضر بن شيبان قال قلت لأبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني بشيء سمعته من أبيك سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بين أبيك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد: نعم. حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"2. وفي سنده أيضا عن عبد الله المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال عن الثالثة: لمن شاء" قال الراوي: كراهية أن يتخذها الناس سنة3 وإلي غير ذلك من السنن المذكورة في كتب الأحاديث فلو لم يكن للسنة قيمة ذاتية رفيعة في نظر الشارع لما وردت هذه الآثار إلى هذا الحد الكبير.
1 الدارمي ج1 ص44 اللفظ له، واعتصام 5، ت كتاب العلم 16.
2 ن ج 4 ص158.
3 حم ج5 ص55.