الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة معالي مدير الجامعة الإسلامية
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن أشرف ما تتجه إليه الهمم العالية هو طلب العلم، والبحث والنظر فيه، وتنقيح مسائله، وسلوك طريقه، لأن ذلك هو الذي يوصل إلى السعادة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة". وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} .
وأول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وحي الله إليه بالعلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وقال تعالى يخاطبه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
…
} وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} .
وما قامت الحياة السعيدة في الحياة الدنيا والآخرة إلَّا بالعلم النافع.
ولذا كان التعليم هو الهدف الأعظم المؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز رحمه الله، ولأبنائه كذلك من بعده، ففي عهد خادم الحرمين الشريفين، أول وزير للمعارف بلغت مسيرة التعليم مستوى عالية، وازدهر التعليم العالي وارتقت الجامعات، ومن هذه الجامعات العملاقة، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فهي صرح شامخ، يشرف بأن
يكون إحدى المؤسسات العلمية والثقافية، التي تعمل على هدي الشريعة الإسلامية، وتقوم بتنفيذ السياسة التعليمية بتوفير التعليم الجامعي والدراسات العليا، والنهوض بالبحث العلمي والقيام بالتأليف والترجمة والنشر، وخدمة المجتمع في نطاق اختصاصها.
ومن هنا، فعمادة البحث العلمي بالجامعة تضطلع بنشر البحوث العلمية، ضمن واجباتها، التي تمثل جانبا هاما من جوانب رسالة الجامعة ألا وهو النهوض بالبحث العلمي والقيام بالتأليف والترجمة والنشر.
ومن ذلك كتاب: "دراسات نقديّة في المروّيات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب له وسياسته الإدارية"، تأليف: الدكتور عبدالسلام بن محسن آل عيسى.
نفع الله بذلك ونسأله سبحانه أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
معالي مدير الجامعة الإسلامية
د/ صالح بن عبد الله العبود
مقدمة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهير الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فإن دراسة تاريخ الخلفاء الراشدين أمر في غاية الأهمية وذلك لما للخلفاء الراشدين من منزلة رفيعة في الدين، فهم من أجلَّة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه. قال تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
(1)
.
(1)
سورة الفتح الآية (29).
وهم أيضًا ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفوز في الآخرة برضوان الله عز وجل ودخول جنته
(1)
.
وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، قال صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"
(2)
.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فقرن سنة خلفائه بسنته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر أن يعض عليها بالنواجذ، وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للأمة، وإن لم يتقدم فيه من نبيهم شيء، وإلا كان ذلك سنة ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم، لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون، ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد، فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو سنة الخلفاء الراشدين"
(3)
.
كلّ هذا يعطي الفترة التاريخية التي عاش فيها أولئك الخلفاء الراشدون مزية ومكانة هامة ليست للفترات التاريخية التي تليها.
ثم إن دراسة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لها أهمية أخرى فعمر رضي الله عنه أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.
(1)
ثبت ذلك في حديث العشرة المبشرين بالجنة، وهو حديث صحيح، انظر: ص: 347.
(2)
صحيح انظر تخريجه في ص: 429.
(3)
أعلام الموقعين 4/ 118، 119.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها"، قلت: ثم من؟ قال: "عمر"
…
الحديث
(1)
.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كنا نخير بين الناس زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان بن عفان
(2)
.
وشهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه بسعة علمه وصوابه وصدق حدسه.
قال صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا نائم إذ أتيت بقدح لبن، فقيل لي: اشرب، فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر". قالوا: فما أولت ذلك؟
قال: "العلم"
(3)
.
قال ابن القيم: ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفه في فتيا أو حكم لا يعلم أحدا من الصحابة خالفه فيه، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الشهادة
(4)
.
(1)
صحيح النظر تخريجه في ص: 391.
(2)
صحيح. انظر تخريجه في ص: 440.
(3)
صحيح. انظر تخريجه في ص: 180.
(4)
أعلام الموقعين 4/ 145، 146.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه"
(1)
.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحدِّثُون
(2)
، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمر بن الخطاب
(3)
.
ولمكانة عمر رضي الله عنه الدينية والعلمية وكثرة الآثار المروية عنه في فترة خلافته والتي تتناول جوانب هامة من حياة المسلم في علاقته بر به وعلاقته بولاة الأمر وعلاقته بإخوانه، وأهل بيته، وكانت هذه الآثار موضع القدوة والأسوة الحسنة، كان لا بد من التحقيق والتدقيق في ثبوتها وصحة نسبتها لعمر رضي الله عنه.
وإن مما ساعد على حفظ هذه الآثار وتخليصها من الكذب والدس وبيان حقيقة ثبوتها من عدمه أن سلفنا الصالح من المحدِّثين والمؤرخين نقلوها إلينا مسندة، وكانوا رحمهم الله ورضي عنهم، لا يقبلون شيئا من الأخبار إلَّا مسندًا.
(1)
صحيح، انظر: ص 217.
(2)
محدثون: أي ملهمون. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 350.
(3)
صحيح انظر تخريجه في ص: 217.
ومن أقوالهم في ذلك:
1 -
قول محمّد بن سيرين
(1)
رحمه الله: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم
(2)
.
2 -
قول شعبة
(3)
بن الحجاج رحمه الله: كل حديث ليس فيه حدثنا وحدثنا فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام
(4)
3 -
قول عبد الله
(5)
بن المبارك رحمه الله: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
(6)
.
وقال: إن بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد
(7)
.
4 -
قول بهز
(8)
بن أسد رحمه الله: لا تأخذوا الحديث عمن لا يقول ثنا
(9)
.
(1)
محمد بن سيرين الأنصاري، ثقة، ثبت، عابد، من الثالثة. تق 483.
(2)
مسلم الصحيح / شرح النووي 1/ 84.
(3)
شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، ثقة حافظ متقن، كان النووي يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، من السابعة. تق 266.
(4)
ابن حبان / المجروحين 1/ 27.
(5)
عبدالله بن المبارك المروزي، ثقة ثبت، عالم جواد، مجاهد جمعت فيه خصال
الخير من الثامنة. تق 320.
(6)
مسلم الصحيح / شرح النووي 1/ 87، 88
(7)
المصدر السابق.
(8)
بهز بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة من التاسعة. تق 128.
(9)
ابن حبان / المجروحين 1/ 27.
فبالإسناد يعرف حال نقلة الخبر من القوة والضعف، فيؤخذ ما نقله أهل الصدق والأمانة والعدالة ويترك ما نقله الضعفاء والمتروكون.
قال ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم
(1)
.
ولقد كان كبار المؤرِّخين من كبار علماء الحديث، وممن تكلموا في الرجال كعروة بن الزبير، والزهري، وابن سعد، وخليفة بن خياط، وابن أبي شيبة، وابن شبة، والفسوي، وابن أبي خيثمة، وأبي زرعة والطيري، وابن عساكر، والذهبي، وابن كثير، وممن عنوا بسرد الأخبار التاريخية بأسانيدها، إبراء لعهدتهم من المسؤولية عن صحة ما ينقلونه من عدمها، لأن من أسند لك فقد أحالك.
ولا يعني إيرادهم للأخبار الباطلة والضعيفة قبولهم لها واعتقادهم ثبوتها.
قال الطبري رحمه الله: فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يوت في ذلك من
(1)
المصدر السابق.
قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا
(1)
.
وقد انتقد أهل العلم من لم يتحر من المؤرِّخين في نقله للأخبار وروايته لها، وقبوله إياها وبينوا أن كتب التاريخ تحتوي على الحق والباطل، والصدق والكذب، وأنها مشتملة على الأخبار الموضوعة التي وضعها الكذابون من أجل مصالحهم.
قال السخاوي رحمه الله تعالى: وبالجملة فالمؤرخون كغيرهم من سائر المصنفين في كلامهم الحمير العفين
…
نعم قد ظهر الكثير من الخلل، وانتشر من المناكير ما اشتمل على أقبح العلل، حيث انتدب لهذا الفن الشريف من اشتمل على التحريف، والتصحيف لعدم إتقانهم شروط الرواية والنقل، وائتمانهم من لا يوصف بأمانة ولا عقل، بل صاروا يكتبون السمين مع الهزيل، والمكين مع المزلزل العليل
(2)
.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله عند كلامه على خبر التحكيم بين علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم: هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه
(1)
تاريخ الرسل والملوك 1/ 13.
(2)
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ ص: 104/ 105.
المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانية والمهارة بمعاصي الله والبدع
(1)
.
وإن مما يستنكر ويستغرب ظهور بعض من يدعو في وقتنا الحاضر المقاومة الدراسات النقدية للتاريخ الإسلامي والتي تهدف لتمحيصه وتخليصه من كذب الضالين، وافتراء الحاقدين بدعوى أن ذلك يؤدي الرفض الكثير من الأخبار التاريخية وبالتالي فقدان الأمة لتراثها وتاريخها، وهذه دعوي باطلة فإن الدراسات النقدية والتي تتبع فيها طرق الحبير من مصادر متعددة حديثية وتاريخية وأدبية، وغيرها تؤدي لزيادة توثيق الخبر. وإبراز معلومات جديدة لم تكن معروفة من قبل، وقد تؤدي إلى دفع التعارض والإشكال الذي يقع فيه كثير من المؤرِّخين الذين لا يتحرون صحة الخبر من عدمه بدراسة الإسناد، فيكون أحد الخبرين ضعيفًا وباطلًا فيترك ويؤخذ الصحيح والثابت، ودراسة الأخبار دراسة نقدية لا تعني تطبيق المنهج الحديثي على جميع الأخبار التاريخية بل إن هناك من الأخبار ما تعتبر دراسته دراسة نقدية من قبيل العمل الذي لا فائدة فيه، ولا طائل من ورائه ولذلك تساهل في قبوله السلف الصالح، ومن أمثلة ذلك:
(1)
العواصم من القواصم ص: 177.
تحديد أماكن الغزوات والمعارك، وعدد الجند، وعدد القتلى والجرحى، وتحديد زمان المعركة، و كيفية سيرها والتخطيط لها، وما شابه ذلك.
ولكن هناك من الأخبار التاريخية ما يجب التحري في قبوله ومعرفة ثبوته من عدمه وذلك مماله تعلق بالعقيدة والأحكام والحلال والحرام وعدالة الصحابة، وقادة الأمة وعلمائها، وكذلك ما نقل عن السلف الصالح، وهو موضع الأسرة والقدوة في شتى المجالات.
إذ كيف يبيح للمسلم دينه وورعه نسبة قول أو فعل لحليفة من الخلفاء أو لأمير من الأمراء أو حتى لأي أحد من الناس دون توثق وتحقق؛ فإن الله عز وجل قد نهانا عن ذلك، قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع"
(2)
.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام، والسنن والأحكام، تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن
(1)
سورة الحجرات الآية (6).
(2)
رواه مسلم الصحيح / شرح النووي 1/ 73.
النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال، وما لا يضع حكمًا ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد
(1)
.
وإن مما يطيب الخاطر ويحيي الأمل دعوة بعض مفكري الأمة وعلمائها لتطبيق المنهج النقدي الحديثي على الروايات التاريخية.
يقول الدكتور محمد رشاد خليل: وما فتئ العلماء المدققون ينبهون إلى مراعاة المنهج العلمي الفريد في الجرح والتعديل المعروف لدى علماء الحديث في علاج الروايات التاريخية، وفي مصر كتب الأستاذان الجليلان محب الدين الخطيب، ومحمود شاكر فصولا متعددة يدعوان في حرارة وأمانة للأخذ بهذا المنهج العلمي السلفي الدقيق
(2)
.
ويقول الدكتور فتحي عثمان: إن من أعظم المفارقات في دينا أن نكون أغنى الأمم بالنصوص السليمة التي نستطيع أن نصحح بها تاريخنا، فنبنية على أساس قويم من الحقائق العلمية التي لا يتطرق الشك إليها، وأن نكون مع ذلك أشد أمم الأرض إهمالًا للإفادة من ذلك ليبقي تاريخنا مضطربًا كما أراده الذين دسوا فيه ما ليس منه، وشوهوا جماله مما جعل المسلمين يسيئون الظن بأمحد صفحات ماضيهم، ويجهلون أن الجيل المثالي
(1)
انظر: الخطيب البغدادي الكفاية في أصول السماع والرواية ص: 213.
(2)
المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ وتفسيره ص: 60.
الوحيد الذي عرفته الإنسانية في تاريخها منذ وجد الإنسان في الأرض إلى الآن هو الجيل الذي شوه المغرضون سيرته، بما دسوه من باطل وما اختزلوه من حق
(1)
.
ويقول الأستاذ محب الدين الخطيب: إنما ينتفع بأخبار الطبري من يرجع إلى تراجم رواته في كتب الجرح والتعديل
…
، ولا نعرف أمة عني مؤرخوها بتمحيص الأخبار، وبيان درجتها، وشروط الانتفاع بها كما عني بذلك علماء المسلمين، وإن العلم بذلك من لوازم الاشتغال بالتاريخ الإسلامي، أما الذين يحتطبون الأخبار بأهوائهم، ولا يتعرفون إلى رواتها، ويكتفون بأن يشيروا في ذيل الخبر إلى الطبري رواه في صفحة كذا من جزئه الفلاني، ويظنون أن مهمتهم انتهت بذلك، فهؤلاء من أبعد الناس عن الانتفاع بما حفلت به كتب التاريخ الإسلامي من ألوف الأخبار، ولو أنهم تمكنوا من علم مصطلح الحديث، وأنسوا بكتب الجرح والتعديل، واهتموا برواة كل خبر اهتمامهم بذلك الخبر لاستطاعوا أن يعيشوا في جو التاريخ الإسلامي، ولتمكنوا من التمييز بين غث الأخبار وسمينها، ولعرفوا للأخبار قدرها بوقوفهم على قدر أصحابها
(2)
.
(1)
أضواء على التاريخ الإسلامي ص: 292.
(2)
أضواء على التاريخ الإسلامي ص: 72.
بهذا تتبيَّن أهمية ودراسة الأخبار التاريخية من ناحية السند، وأهمية مراعاة منهج المحدِّثين في ذلك.
ومما لا شكّ فيه أن مما تتحقق به أيضًا معرفة صحيح الأخبار من سقيمها تطبيق الشق الآخر من منهج المحدِّثين في دراسة الأخبار التاريخية وهو نقد المتن أو النص وكذلك الاستفادة من منهج المؤرِّخين في ذلك.
يقول الدكتور مسفر الدميني وهو يعرض لذكر نقد المحدِّثين للنصوص وعدم اقتصارهم على نقد الأسانيد:
"اعتناء المحدِّثين بالإسناد ليس لذاته بل لمصلحة المتن فمتي كان رواة الحديث من الثقات الأثبات كان الاطمئنان إلى صحّة ما نقلوه أكثر، وهذا أمر طبيعي في البشر أن يقع الخبر الذي ينقله الصادق من أنفسهم موقعا حسنا، وما ينقله الكاذب المستهتر موقع الشكّ والريبة، وعلى هذا فاعتناء المحدِّثين بالإسناد هو من صميم اعتنائهم بالمتن"
(1)
.
ويقول: "ليس ما صحَّ سنده صحّ متنه هذه قاعدة للمحدثين أكَّدوها جميعًا، وعملوا بها في نقد الحديث من جهة متنه حيث لم يلههم عن صحة الإسناد غرابة المتن أو شذوذة ونكارته، ولم أجد واحدًا منهم يخالفها أو ينكر العمل بها".
(1)
مقاييس نقد متون السّنّة ص: 245، 246.
ثم ذكر من كلام علماء الحديث ما يدلّ على تلك القاعدة ومن ذلك:
قول الإمام ابن الصلاح رحمه الله: "قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصحّ لكونه شاذًا أو معلَّلًا".
وقول النووي رحمه الله: "لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد دون المعين لشذوذ أو علّة"
وقول الصنعاني رحمه الله: "إعلم أن من أساليب أهل الحديث أن يحكموا بالصحة والحسن والضعف على الإسناد دون متن الحديث فيقولون: (إسناد صحيح دون حديث صحيح) ونحو ذلك، أي: حسن أو ضعيف لأنه قد يصح الإسناد لثقة رجاله ولا يصح الحديث لشذوذ أو علّة"
وقوله: "والحاصل أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شرائطهما، ولا يصح المتن لشذوذ أو علّة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طرق أخرى"
(1)
.
ويقول الدكتور مصطفى الأعظمي: "ويبدو للوهلة الأولى أن جهود المحدِّثين كانت منصبة حول الأسانيد وقلما تكلموا على المتون أو
(1)
المصدر السابق ص: 247 - 249.
بمعنى آخر قلما استعملوا عقولهم في نقد المتون والأمر على عكس ذلك، إذ ما من عملية نقد النص إلَّا وقد استعمل فيها العقل لكن ما كان اعتمادهم على العقل فقط في قبول الحديث أو رده إلَّا في أقل النادر، ولا يمكن أن يكون المنهج العملي في نقد الأحاديث إلَّا هكذا إذ من المستحيل استعمال العقل من الناحية العقلية نفسها في تقويم كل حديث"
(1)
.
وقال في موضع آخر: "ومن ناحية أخرى إن المحدِّثين لم يقفوا على الأسانيد فقط وأصدروا أحكامهم على الأحاديث بل دائمًا كانوا ينظرون إلى المتن، حتى حكموا على الأحاديث بالبطلان بالرغم من نظافة الأسانيد. ومن أمثلة ذلك:
قول الذهبي: "محمد بن الفضل البخاري الواعظ عن حاشد بن عبد الله روي بإسناد نظيف مرفوع: قيام الليل فرض على حامل القرآن. فكذا فليكن الكذب".
ثم قال الأعظمي في ضوء هذه النصوص: "يفهم بوضوح أن المحدِّثين راعوا العقل وأعطوه حقه في كافة منازل الرواية والراوي، وعلى هذا يمكن القول بكل وثوق أن منهجهم علمي بكل معنى الكلمة، ولا يبدو أن منهج النقد في العالم تمكن حتى الآن أن يضيف إليه شيئا قيمًا"
(1)
منهج النقد عند المحدِّثين ص: 41 - 42.
لكن الذين يرون عكس ذلك يدعون إلى الاستفادة من مناهج المؤرِّخين وتطبيق قواعدهم"
(1)
.
أما منهج المؤرِّخين في نقد النصوص فقد لخصه ابن خلدون رحمه الله في مقدمته، ومن ذلك قوله:
"إعلم أن فنّ التاريخ فنّ عزيز المذهب، جمّ الفوائد إذ يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم حتّى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن المزلات والمغالط. لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحديث عن جادة الصدق وكثيرًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها محرد النقل غثًا أو سمينًا لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات و تحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط
(1)
المصدر السابق ص: 83، 89.
سيما في إحصاء الأعداد من الأحوال والعساكر إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنة الكذب ومطية الحذر، ولا بدّ من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد"
(1)
.
وقد جاءت كتابات المتأخرين من المتخصصين في الدراسات التاريخية موضحة ومفصلة لمنهج المؤرِّخين، ومما ذكروه في ذلك أنهم قسموا النقد التاريخي للنصوص التاريخية إلى قسمين: نقد ظاهر، ونقد باطن. وقسموا النقد الباطن إلى قسمين: نقد إيجابي، ونقد سبي.
فأما النقد الظاهر فهو الذي يتناول عدة أمور هي:
1 -
إثبات صحّة الأصل أو الكتاب أو النص التاريخي لمؤلفه، وسلامته من التزوير والانتحال، ومما يساعد في ذلك معرفة نوع الورق والقلم والخط الذي خط به، ولغة الكتاب، وهل هذه الأمور - وهي الورق، والخط، والقلم، واللغة - مما كان سائدا في عصر المؤلف؟ وهل هو خطه الذي عرف به من خلال كتبه الأخرى إن وجدت؟
2 -
التعرف على شخصية المؤلف ومنزلته العلمية، ومكانته الاجتماعية، وكونه ثقة مأمونًا فيما ينقله، ومدى مقدرته على تصوير الحديث التاريخي، بحيث لا يبعد عن الحقيقة.
(1)
ابن خلدون / التاريخ 1/ 7، 8.
3 -
معرفة زمان ومكان الكتابة، فتدوين المؤرّخ الحدث التاريخي بعد وقوفه عليه، وقربه منه زمانًا ومكانًا يجعل كتابته أكثر قبولًا وأكثر مطابقة للواقع، بخلاف فيما لو كان التدوين عن ناقل للحدث التاريخي بحيث لم يعاصر الكاتب الحدث بنفسه بل كان بعيدا عنه زمانًا أو مكانًا، فإن هذا يجعل خيره أكثر عرضة لتطرق الوهم والمبالغة ومخالفة الحقيقة وبالتالي فقدان الكتاب أهميته ومكانته العلمية.
ثانيًا: النقد الباطن:
أوَّلا: النقد الباطني الإيجابي: وهو عبارة عن تحليل الأصل أو النص التاريخي بقصد تفسيره وإدراك معناه ويمر في مرحلتين:
1 -
تفسير ظاهر النص وتحديد المعنى الحرفي له.
2 -
إدراك المعنى الحقيقي للنص ومعرفة غرض المؤلف مما كتبه لذلك يجب الإلمام بلغة الكتاب وأسلوبه، ومعرفة لغة عصر المؤلف ويمكن الاستعانة بمؤلفات المؤرّخ الأخرى أو مؤلفات عصره، ومعرفة البيئة التي عاش فيها أيضًا، وينبغي دراسة المعنى في جزئيات النص لفهم معناه العام كما أنه لا بد من دراسة معناه العام لفهم جزئياته.
ولا بد من معرفة غرض المؤلف من مؤلفه، والمعنى الحقيقي الذي يريده من كتابه، فمن الجائز أنه كتب بعض الأساليب والتراكيب غير الواضحة وفي هذه الحالة لا يؤدي ظاهر النص إلى المعنى المقصود،
وتعرض المؤرّخ حالات كثيرة من هذا النوع تحتوي على تشبيه أو محاز أو استعارة أو كنية أو رمز أو هزل أو مداعبة أو تلميح أو تعريض وعلى ذلك فإن فهم المعاني الحقيقة للعبارات الغامضة في الأصول التاريخية هو من أهم واجبات النقد التفسيري الإيجابي.
ثانيًا: النقد الباطني السلبي: وفيه يتحقق المؤرّخ من أمرين:
1 -
التثبت من صدق المؤلف فيما نقله وهل كذب فيه أم لم يكذب؟
2 -
التثبت من صدق المعلومات التي أوردها و مبلغ دقتها، وهل أخطأ في نقله أو خدع بشأنها. لأن المؤلِّف قد يكذب طمعًا في نوال فائدة شخصية فيعمد بالكذب إلى خداع القارئ لكي يسوقه إلى استنتاج خاطئ، وأشد أنواع الكذب تأثيرًا في النفس ما احتوى على عنصر من الحقيقة، واحتوى على تبديل وتغيير وعرض بأسلوب خاص.
وقد يكذب المؤرّخ ويخالف الحقيقة لوجوده في ظروف اضطرته لذلك كالظروف السياسية أو الحربية أو الوطنية.
وقد يذكر جزء من الحقيقة حسب ما تقتضيه المصلحة، وقد يكره المؤلف أو يحب فئة معينة أو أسرة أو حزبًا أو طبقة اجتماعية خاصة أو شعبا أو دولة، وقد يكون من أنصار مبدأ أو مذهب معين، فيتصرف في الخبر ويصوره بما يوافق هواه.
وقد يغيِّر المؤرّخ الحقيقة التاريخية لغروره الشخصي أو مباهاته بأهله وعشيرته، فيصور نفسه أو أهله أو عشيرته بأنهم أهل للتقدير والثناء والتبجيل، وذلك بأن ينسب إليهم ما لم يفعلوا أو يقولوا من الأفعال والأقوال الحميدة، ويعطيهم دورًا في التاريخ ليسوا أهلًا له.
وقد يذكر المؤرّخ أخبارًا مخالفة للحقيقة أو فيها نوع من المبالغة والخيال والنوادر والعجائب لشد أسماع الناس إليه والاهتمام بأخباره.
وقد يذكر المؤرّخ أخبار مخالفة للحقيقة لعدم مقدرته على نقل الحقيقة كما وقعت لعدم تمتعه بحواس ونفسية سليمة، أو لعدم مقدرته على التعبير وتصوير الحدث كما وقع.
وقد لا يصف المؤرّخ الحقيقة التاريخية كما وقعت لعدم وقوفه عليها وإن كان قريبا من الحدث زمان ومكان ولكنه تصوره وتخيله ونقل ذلك كخبر تاريخي
(1)
.
وقد ظهر مما تقدم من عرض منهج المحدِّثين والمؤرخين في نقد النصوص اشتراك المنهجين ظاهريا في نقد المتن وعدم قبول أي نصّ من غير تحليله وبيان إمكانية مطابقته للواقع من عدمها و تحكيم العقل في ذلك ويستثنى من ذلك نصوص الوحي التي لا يمكن تحكيم العقل فيها كأمور المغيّبات وما شابهها.
(1)
انظر حسن عثمان/ منبح البحث التاريخي ص: 83 - 135 بتصرف واختصار.
وقد تميز المحدّثون بصرامتهم في نقد أسانيد الأخبار وعدم اعتبار أي وثيقة أو حديث أو كتاب قابل للبحث والاعتناء ما لم ينقل بالسند المتصل لقائله، ثم لا يمكن الاعتماد على النص أو الكتاب إذا لم يكن جميع الأشخاص الوارد ذكرهم في سلسة الإسناد من المعروفين بالصدق والعدالة ولا شك أن هذه الصرامة في نقل الأسانيد تزيد القلب طمأنينة بصحة ما نقل من أخبار بهذه الأسانيد. ثم إن المحدِّثين لم يكونوا يقبلون الخير لمجرد صدق الراوي وورعه وتدينه بل كانو يخبرون أحاديثه ويزنونها ثم ينزلون كلًّا منزلته، قال أبو
(1)
الزناد رحمه الله: "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله".
وقال مطرف
(2)
: أشهد لسمعت مالكًا يقول: "أدركت بهذه البلاد مشيخة من أهل الصلاح والعبادة يحدثون ما سمعت من واحد منهم حديثا قط، قيل: فلم يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكونوا يعرفون ما يُحدِّثُون".
(1)
هو عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الله المزني ثقة فقيه من الخامسة مات سنة مائة وثلاثين وقيل بعدها. تعد 302.
(2)
مطرف بن عبد الله بن مطرف اليساري أبو مصعب المدني ابن أخت مالك، ثقة من كبار العاشرة. مات سنة: مائتين وعشرين. تق 534.
أما منهج المؤرِّخين فإنه لا يشترط معرفة رجال السند وعدالتهم بل يكتفي المورخ بصدق راوي الخبر وعدالته فيما روي ثم لا ينظرون إلى حاله فيما عدا ذلك هل يكذب أم يصدق؟
(1)
.
وإنه بتطبيق منهج المحدِّثين على الروايات التاريخية سندًا ومتنًا، والاستفادة من منهج المؤرِّخين في نقد المتون خاصة فيما لا يمكن تطبيق المنهج الحديثي عليه من الروايات لوروده مثلا من غير إسناد وهو مما يتساهل فيه، تكمل الفائدة، وتستجلي الحقيقة، وتكون النصوص التاريخية أقرب إلى الحقيقة والصواب وأبعد عن الوهم والخرافة والأساطير. والله أعلم
(1)
انظر: الأعظمي / منهج النقد عند المحدِّثين ص: 101، 102.
أسباب اختيار الموضوع:
1 -
الرغبة في جمع وتحقيق النصوص الواردة في شخصية عمر رضي الله عنه وأحداث خلافته، وذلك للخروج بصورة أكثر واقعية ووضوحًا يمكن الاعتماد عليها في دراسة هذه الفترة المباركة من تاريخ الأمة الإسلامية.
فإني لم أقف على كتاب متخصص يعني بدراسة شخصية عمر رضي الله عنه وأحداث خلافته بشكل موسع وشامل مع دراسة النصوص الواردة بطرقها وأسانيدها دراسة نقدية حديثية يتبين بها ثبوت النص من عدمه.
2 -
أن هذه الدراسة إكمال للدراسة التي قمت بها في مرحلة الماجستير، والتي تناولت فيها دراسة المرويات المتعلقة بالنواحي المالية في خلافة عمر رضي الله عنه.
منهجي في البحث:
1 -
قمت بجمع المادة العلمية لهذا البحث باستقراء ما يزيد على مائي مصدر من مصادر السنة والتاريخ المسندة، وبعض المصادر في العقيدة، والأنساب والرجال والأدب، وكانت في غالبها من القسم المطبوع. وفيها بعض المصادر المخطوطة.
2 -
قمت بدراسة الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه بعد جمع طرق كل أثر إن وجد له طرق، ودراسة كل طريق على حدة، ثم الحكم على الأثر بالصحة أو الحسن أو الضعف أو الوضع بعد اجتهادي في تطبيق قواعد المحدِّثين وأسأل الله عز وجل أن يغفر لي خطأي.
3 -
قد يتبين لي بعد جمع طرق الأثر ودراسة بعضها عدم الحاجة الدراسة جميع طرقه لوروده بسند صحيح من أحد تلك الطرق، فأقتصر على هذا الطريق وألتزم إيراد نص الأثر الذي ورد بها، وأقول صحيح من طريق الحاكم مثلا، وذلك بعد ذكر من خرج هذا الأثر، ولا أعني بقولي هذا عدم ورود الأثر صحيحًا من طرق أخرى.
أما إذا لم أقف على طريق صحيح من تلك الطرق، فإني أقوم بدراسة جميع طرقه التي قمت بحصرها، فإن كان يرتقي لدرجة الحسن لغيره بينت ذلك، وإن كان مما لا يتقوى حكمت بضعفه.
4 -
لم أورد عند دراسة الأسانيد أسانيد الطرق التي رويت بها الآثار، وذلك لكثرة هذه الطرق والتي سيطول بذكر أسانيدها تخريج الآثار كثيرًا، إلَّا إن رأيت أن الحاجة ماسة لذكر الأسناد تتضح الدراسة للقارئ فإني أذكرها.
5 -
إن غالب الطرق التي رويت بها الآثار في هذا البحث والتي قد يتقوى بها الأثر لدرجة الصحة أو الحسن لغيره هي من الشواهد وما كان من المتابعات صرحت به.
6 -
توقفت في الحكم على بعض الآثار التي لم يترجح لي في الحكم عليها شيء أو لورودها من غير إسناد.
7 -
حاولت بقدر المستطاع تتبع أقوال أئمة الجرح والتعديل في رجال السند الذي أقوم بدراسته وغالبًا ما أعتمد على قول ابن حجر، إلَّا إذا ترجح لي أن الصواب في قول غيره من أئمة الجرح والتعديل.
8 -
إذا كان الأثر في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بذلك عن دراسة طرق الأثر.
9 -
قمت بالتخلي عن عدد ليس بالقليل من الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه بأسانيد ضعيفة بعد دراستها، وذلك لوجود ما يغني عنها، وخشية الإطالة بذكرها. أو لورودها من طرق الكذابين والوضاعين.
10 -
راعيت في سرد أسماء من خرج الأثر الترتيب الزمني، فقدمت الأسبق وفاة إلَّا أن يكون الأثر في الصحيحين أو أحدهما فإني أقدمه.
11 -
لم أستخدم في هذا البحث سوي رمز واحد وهو (تق) التقريب التقريب لابن حجر.
12 -
اعتمدت في بعض المصادر على أكثر من تحقيق أو طبعة لأن في كل تحقيق أو طبعة ما ليس في الآخر من الآثار التي أخرجها مصنف المصدر، وهذه المصادر هي:
1 -
سنن سعيد بن منصور. بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
وأيضًا بتحقيق الدكتور سعد بن عبدالله آل حميد.
فإن كان الأثر في الأوَّل أشرت له بقولي: سعيد بن منصور السنن / الأعظمي. وإن كان في الثاني أطلقت.
2 -
شعب الإيمان للبيهقي. تحقيق الدكتور علي عبدالحميد حامد.
وأيضًا بتحقيق محمد بسيوني زغلول.
فإن كان الأثر في الأوَّل أطلقت، وإن كان في الثاني أشرت له بقولي: البيهقي / شعب الإيمان / زغلول.
3 -
تاريخ دمشق لابن عساكر. جزء خاص بترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحقيق سكينة الشهابي.
وطبعة محققة بتحقيق محب الدين عمر العمروي.
فإن كان الأثر في الأوَّل أشرت له بذكر الصفحة فقط لأنه جزء واحد، وإن كان الأثر في الثاني أذكر الجزء والصفحة لتعدد أجزائه.
وقد اعتمدت في موضع واحد فقط على النسخة المخطوطة التاريخ ابن عساكر، وقد ذكرت هذا في ذلك الموضع.
13 -
استدللت في إثبات المسائل والقضايا الواردة في البحث على الآثار الثابتة الصحيحة والحسنة، وقد يرد فيها آثار ضعيفة تؤيد المعنى الثابت فإني أوردها مع بيان ضعفها.
وقد لا يكون في المسألة التي أتناولها سوى آثار ضعيفة، فإن كانت تدل بمجموعها على المعنى المراد إثباته وتجعل له أصلا ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره فإني أستدل بها مع بيان ضعف كل منها، بناء على قاعدة تقوية الحديث الضعيف الذي يكون ضعفه يسيرا وليس فيه متروك أو كذاب، واعتمادًا على قاعدة تقوية الخبر المنقطع إذا تعددت مخارجه، كما قال الإمام البيهقي رحمه الله:"ونحن لا نقول بالمنقطع إذا كان مفردا، فإذا انضم إليه غيره أو انضم إليه قول بعض الصحابة، أو ما يتأكد به المراسيل ولم يعارضه ما هو أقوى منه، فإنا نقول به"
(1)
.
(1)
معرفة السنن والآثار 1/ 564، باب ما يستدل به على أن النهي يختص ببعض الأيام دون بعض.
وكما تقدم في هذه المقدّمة
(1)
من بيان منهج المحدِّثين في عدم التشدد في الأمور التي لا علاقة لها بالأحكام والحلال والحرام، ولا تمسّ عدالة الصحابة رضي الله عنهم، فإني أتساهل في الاحتجاج بها وقد سلكت منهج المؤرِّخين في النقد التحليلي لبعض النصوص التي لم تثبت من الناحية الحديثية.
14 -
ترجمت للأعلام غير المشهورين في أول مرة يرد فيها ذكر العلم، فإن تكرر ذكره بعد ذلك فإني أحيل إلى مكان ترجمته بذكر الصفحة وقد لا أحيل اعتمادًا على وضعي فهرسًا للأعلام، وعرفت بأسماء الأماكن، والقبائل، وشرحت معنى الغريب من الكلمات والألفاظ.
(1)
انظر: ص: (12).
خطة البحث:
قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد وبابين وخاتمة.
أمّا المقدّمة فقد ذكرت فيها شيئًا من أهمية دراسة تاريخ الخلفاء الراشدين دراسة نقدية تميز فيها الأخبار الثابتة من الباطلة، وأهمية دراسة خلافة عمر رضي الله عنه خاصة. وذكرت فيها سبب اختياري لموضوع هذه الرسالة، وذكرت أيضًا منهجي في كتابة الرسالة. وذكرت في نهاية المقدمة نبذة عن أهم الدرسات السابقة التي تناولت الحديث عن شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأحداث خلافته أو المرويات الواردة عنه.
أمّا التمهيد فإني تكلمت فيه عن منزلة أهل عمره وعشيرته في مكة قبل الإسلام.
أمّا بابا الرسالة فهما:
الباب الأوَّل: في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه ثلاثة فصول.
الفصل الأوَّل: نشأته، وصفاته الخلقية والخلقية. وفيه مبحثان:
المبحث الأوَّل: نشأته، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأوَّل: اسمه، نسبه، لقبه، ولادته، وصفاته الخلقية.
المطلب الثاني: حياته في الجاهلية.
المطلب الثالث: إسلامه وهجرته.
المطلب الرابع: أحواله المعيشية.
المبحث الثاني: صفاته الخلقية، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأوَّل: صفاته الخلقية الدالة على قوة إيمانه.
المطلب الثاني: صفاته الخلقية الدالة على عزمه، وقوة إرادته وكمال شخصيته.
المطلب الثالث: صفاته الخلقية الدالة على سماحته ولين جانبه.
الفصل الثاني: فضائله، وفيه مبحثان.
المبحث الأوَّل: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالفضل، وفيه مطالبان.
المطلب الأوَّل: الأحاديث الدالة على علو منزلته، ورفعة مكانته.
المطلب الثاني: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسعة علمه.
المبحث الثاني: شهادة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين ومن بعدهم له بالفضل، وفيه مطلبان.
المطلب الأوَّل: شهادة الصحابة رضي الله عنهم له بالفضل.
المطلب الثاني: شهادة التابعين ومن بعدهم له بالفضل.
الفصل الثالث: حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه وفيه مبحثان. المبحث الأوَّل: حياته رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته به، وتوقيره له وفيه مطلبان:
المطلب الأوَّل: حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته به، وتوقيره له.
المطلب الثاني: أهم أعماله ومشاركاته في حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: حياته مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفيه مطلبان:
المطلب الأوَّل: توقير عمر رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه ومعرفته لفضله.
المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه.
الباب الثاني: السياسة الإدارية للدولة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه فصلان.
الفصل الأوَّل: الجهاز الإداري للدولة، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأوَّل: الخليفة، وفيه مطلبان.
المطلب الأوَّل: خلافته وما ورد فيها، وكيفية استخلافه.
المطلب الثاني: حقوقه على رعيته، وواجباته نحوهم.
المبحث الثاني: الولاة، وفيه أربعة مطالب.
المطلب الأوَّل: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة وعزلهم.
المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة.
المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها.
المطلب الرابع: ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار.
المبحث الثالث: القضاة، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأوَّل: قضاة عمر في الأمصار.
المطلب الثاني: كيفية القضاء وآدابه.
المطلب الثالث: شروط القاضي وصفاته
[*]
.
الفصل الثاني: التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع، وفيه ستة مباحث:
المبحث الأوَّل: الاهتمام بالنواحي الدينية والعلمية، وفيه أربعة مطالب.
المطلب الأوَّل: العناية بالكتاب والسنة.
المطلب الثاني: العناية بالعقيدة.
المطلب الثالث: الاهتمام بإقامة شعائر الدين.
المطلب الرابع: الاهتمام بالعلم والعلماء.
المبحث الثاني: الاهتمام بالنواحي الأخلاقية، وفيه أربعة مطالب.
[*](تعليق الشاملة): هذا المطلب المذكور هنا لم يُثبت في موضعه من البحث، بل قال هناك (2/ 759): وفيه مطلبان
المطلب الأوَّل: الحث على مكارم الأخلاق، والبعد عن مساوئها.
المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة وانتشار الرذيلة.
المطلب الثالث: معاملة الفساق والعصاة.
المطلب الرابع: إقامة الحدود.
المبحث الثالث: الاهتمام بالنواحي الاجتماعية، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأوَّل: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية.
المطلب الثاني: الحث على التكافل الاجتماعي وإزالة أساب الفرقة، والاختلاف.
المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء.
المبحث الرابع: الاهتمام بالحياة المعيشية، وفيه مطلبان.
المطلب الأوَّل: الاهتمام بالكسب وطلب الرزق.
المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية، وفيه أربعة مسائل.
المسألة الأولى: الاهتمام بالأطعمة والأشربة.
المسألة الثانية: الاهتمام بالألبسة.
المسألة الثالثة: الاهتمام بالمساكن.
المسألة الرابعة: الاهتمام بالصحة.
المبحث الخامس: معاملة العبيد والإماء وأهل الذمة، وفيه مطلبان.
المطلب الأوَّل: معاملة العبيد، والإماء.
المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة.
المبحث السادس: الاهتمام بالنواحي الجهادية والقتالية، وفيه مطلبان.
المطلب الأوَّل: التعبئة القتالية، والإعداد العسكري.
المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه.
وقد ذكرت عقب هذا الفصل وفاة عمر رضي الله عنه واستشهاده.
وأمّا الخاتمة فقد ذكرت فيها أهم نتائج البحث.
وقد ألحقت بهذا البحث بعض الفهارس المساعدة وهي:
1 -
فهرس الآيات القرآنية.
2 -
فهرس الأحاديث النبوية.
3 -
فهرس الآثار.
4 -
فهرس الأعلام.
5 -
فهرس رجال السند المتكلم فيهم.
6 -
فهرس الأماكن.
7 -
فهرس الموضوعات
كلمة تقدير وشكر
هذا وأخيرا فإني أحمد الله عز وجل أولًا وآخرًا الذي منَّ عليَّ بإتمام هذا البحث، ووفقني للقيام بهذا العمل الجليل، أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبله مني، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به أهل العلم.
كما أني أشكر القائمين على هذه المؤسسة العلمية المنيفة؛ الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، أسأل الله أن يجزل لهم المثوبة على ما قدموه من خدمة للعلم وطلبته، وأن يمدهم بالقوة لبذل المزيد من العمل من أجل رفعة هذا الصرح العلمي الكبير.
كما أتقدم بخالص الشكر وعظيم الامتنان لمشرفي على هذا البحث فضيلة الشيخ الجليل الدكتور عمر بن حسن بن عثمان فلاته، الذي أفادني بجميل خلقه وعظيم تواضعه، قبل أن يفيدني بفريد توجيهاته وإرشاداته، وبذل لي الكثير من ثمين وقته، أسأل الله العلي القدير أن يثيبه على ذلك الثواب الجزيل، وأن ينفعني بتوجيهاته وإرشاداته، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته.
كما أشكر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري المشرف السابق على هذا البحث الذي أفدت كثيرًا من توجيهاته السديدة في وضع الخطوط العريضة لهذا البحث، أسأل الله العلي القدير أن يجعل ذلك امتدادا لحسناته وذخرا له في دنياه وأخراه.
كما أشكر كل من أعاني على إتمام هذا البحث وإنجاز هذه
الرسالة العلمية بإعارة لكتاب أو بنصيحة أو توجيه أو مشورة، وأخص منهم الشيخ الدكتور صالح بن حامد الرفاعي، والأخ الدكتور طلال بن سعود الدعجاني حفظهما الله، وأسأل الله للجميع عظيم الأجر والمثوبة في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
نبذة مختصرة عن أهم الدراسات السابقة التي تناولت خلافة عمر رضي الله عنه أو الحديث عن شخصيته والآثار الواردة عنه رضي الله عنه
-.
لقد تعددت الدراسات التي كتبت في خلافة عمر رضي الله عنه أو تحدثت عن شخصيته رضي الله عنه أو الآثار الواردة عنه رضي الله عنه، وتنقسم هذه الدراسات إلى قسمين هما:
أوَّلًا: دراسات اهتم أصحابها ببيان حال النصوص والآثار المنسوبة إلى عمر رضي الله عنه من حيث الصحة والحسن والضعف، ومعرفة ثبوتها عنه من عدمه ومن تلك الدراسات:
1 مسند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تحقيق الدكتور مطر بن أحمد الزهراني.
والكتاب جزء من جامع المسانيد للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى.
وقد قام الدكتور بتحقيق الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب ودراسة أسانيدها دراسة حديثية نقدية، والحكم عليها في رسالته المقدمة
للدكتوراة بجامعة أم القرى.
والكتاب مرتب على الأبواب الفقهية، وهو ألصق بكتب السنة والفقه منه بكتب التاريخ، وقد اشتمل على عدد كبير من الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه والتي يتعلق أكثرها بالمسائل الفقهية، واشتمل أيضًا على عدد من الأحاديث التي أسندها عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد طبع هذا الكتاب في جزئين بتحقيق الدكتور عبدالمعطي قلعجي، والتحقيق الأوَّل أكثر دقة وشمو"، ولم أقف عليه مطبوعًا.
2 -
فصل الخطاب في فضائل عمر بن الخطاب لابن عبدالهادي الدمشقي رحمه الله. ت 909 هـ.
دراسة وتحقيق الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفريح، وإشراف فضيلة الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري.
وهي رسالة تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتواره بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1415 هـ.
والكتاب كما يظهر من عنوانه مؤلف لإبراز فضائل عمر رضي الله عنه، ولم يحرص مؤلفه على ذكر أحداث خلافة عمر رضي الله عنه وسردها تاريخيًا أو استقصاء أو حصر المرويات والأخبار الواردة في ذلك، أو في شخصية عمر رضي الله عنه، لذلك فإنه لم يذكر مسائل هامة في خلافة عمر رضي الله عنه وحياته، وإن كان قد أورد ما يزيد على الألف
أثر مما يتعلق بشخصية عمر رضي الله عنه، وأقواله في العقيدة والفقه والأخلاق، والمعاملات، وقد تطرق لذكر الفتوحات في عهده رضي الله عنه، وأسماء قضاته بشكل سريع وموجز. وقد أكثر المؤلف من تكرار الآثار التي يوردها عن عمر رضي الله عنه في أبواب الكتاب ومسائله كما أشار إلى ذلك المحقق.
وقد بذل المحقق جهدًا مشكورًا في تحقيق النصوص والآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه، فخرج الآثار وعزاها إلى مصادرها في الغالب، ولم يلتزم بالحكم على الأسانيد، وإن كان قد قام بذلك غالبًا، ونقل أقوال العلماء إن وجدت في الحكم على الأسانيد.
3 -
عصر الخلافة الراشدة للدكتور أكرم ضياء العمري.
وهو كتاب مختصر شامل لتاريخ الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. واهتم فيه المؤلف بتوثيق النصوص والآثار وتخريجها وعزوها إلى مصادرها، وحاول فيه تطبيق منهج المحدِّثين في نقد الروايات المتعلقة بالقضايا الهامة في خلافة الخلفاء الراشدين، وقام بالتوفيق بين الروايات المتعارضة أو ترجيح بعضها على بعض معتمدًا في ذلك على منهج النقد الحديثي والمنهج النقدي التاريخي للمتون.
وقد رتب المؤلف كتابه ترتيبًا موضوعيًا فقد تكلم على التعريف بالخلفاء الأربعة في بداية الكتاب ثم تكلم على بيعة الخلفاء الأربعة، وكيف تمت وسار على هذا في بقية الكتاب فهو يجمع النصوص الواردة في فترة الخلفاء الأربعة في كل موضوع على حده، كالولاة في عهدهم والفتوحات في عهدهم، والإصلاحات الداخلية، والفتن الداخلية. وقدم المؤلف لفصول الكتاب مقدمات قيمة وهامة.
ثانيًا: دراسات عن أصحابها بدراسة خلافة عمر رضي الله عنه وأخباره والآثار الواردة عنه، وأخذ الفوائد والعبر منها دون التحقق في الغالب من ثبوت تلك الأخبار والآثار عن عمر رضي الله عنه من ناحية السند. وهذه الدراسات منها التاريخي، ومنها الفقهي التي عينيّ أصحابها بأخذ الأحكام الفقهية من الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه.
أما الدراسات التاريخية فمنها ما هو شامل لفترة الخلفاء الراشدين، ومنها ما هو خاص بخلافة عمر رضي الله عنه.
ومن الدراسات الشاملة لفترة الخلفاء الراشدين:
1 -
جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين. تأليف الدكتور: محمد السيد الوكيل.
تناول فيه المؤلف الحديث عن فترة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعرض الأحداث عرضًا قصصيًا مشوقًا، وحاول التوفيق بين النصوص المتعارضة أو ترجيح بعضها على طريقة المؤرِّخين في النقد التحليلي، والردّ على الروايات الباطلة، والتي فيها قدح بسلف الأمة، وقام باستخراج الفوائد والعبر والعظات من الأخبار، ورتب كتابه ترتيبًا زمنيًا بتقديم الأقدم وفاة من الخلفاء، وقد أكثر المؤلف من نقله عن كتب التاريخ المتقدمة، ككتاب التاريخ الطبري، والبداية والنهاية لابن كثير وغيرها من كتب التاريخ، وأحال إلى مصادر الأخبار في الحاشية وهو يخرج الأحاديث أحيانًا.
2 -
الخلفاء الراشدون. تأليف عبدالوهاب النجار.
وهو كالذي قبله شامل لعصر الخلفاء الراشدين، وهو يسوق الأخبار سوقًا قصصيًا تاريخيًا، ويرجح بين الروايات المتعارضة أو يوفق بينها إن أمكن وهو ينقد النصوص نقدًا تاريخيًا أحيانًا، وينقل عن المصادر التاريخية المتقدمة، والمراجع الحديثية، ويستدل بأقوال من سبقه من المؤرِّخين مع العزو إليهم، ويربط أحيانًا بين التاريخ والواقع المعاصر.
3 -
خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم. تأليف خالد محمد خالد.
وهو كتاب شامل أيضًا لعصر الخلفاء الراشدين، وعرض فيه المؤلف الأخبار عرضًا أدبيًا تحليليًا، ولم يرجع فيه النصوص إلى مصادرها.
4 -
عصر الخلفاء الراشدين. تأليف الدكتورة فتحية النبراوي.
تناولت فيه المؤلفة عصر الخلفاء الراشدين الأربعة، وتكلمت على الإصلاحات الداخلية في عصرهم، وكذلك الفتوحات، وهي تعزو الأخبار إلى مصادرها التاريخية.
* * *
وهناك عدد من المؤلفات الشاملة للتاريخ الإسلامي منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الدولة العباسية وما بعدها من دول الإسلام المتأخرة، وهي لا تختلف في مناهجها عن كونها لا تعني بالنقد الحديثي للنصوص، وتهتم بسرد الأحداث سردًا تاريخيًا، ونقد النصوص نقدًا تاريخيًا وأخذ الفوائد والعبر والعظات من الأحداث. ومن تلك المؤلفات:
1 -
التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر.
2 -
موسوعة التاريخ الإسلامي لأحمد شلبي.
* * *
أمّا الدراسات الخاصة بخلافة عمر رضي الله عنه ودراسة شخصيته رضي الله عنه فهي:
1 -
أخبار عمر رضي الله عنه. تأليف: علي الطنطاوي، وناجي الطنطاوي.
جمع فيه المؤلفان أخبار عمر رضي الله عنه التي تناولت الحديث عن حياته في جاهليته وإسلامه، وخلافته حتى وفاته رضي الله عنه، وعزوا فيه النصوص المصادرها في كتب التاريخ والأدب والرجال و كتب السنة.
وعرضا فيه أخبار عمر رضي الله عنه عرضًا قصصيًا تحت عناوين قصيرة جذابة.
2 -
عمر بن الخطاب. تأليف محمد أحمد أبو النصر.
وهو كتاب تكلم فيه مؤلفه عن حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجاهلية والإسلام وسياسته في خلافته ثم وفاته ثم عقب ذلك بفصول تكلم فيها عن منزلة عمر رضي الله عنه العلمية وبلاغته وفصاحته وحبه للأدب والشعر، وأيضًا العهود التي أبرمها عمر رضي الله عنه، وعزا المؤلف النصوص والآثار إلى مصادرها.
وفي الكتاب توجيهات وتحليلات مفيدة للأخبار الواردة عن عمر رضي الله عنه.
3 -
شهيد المحراب عمر بن الخطاب. تأليف عمر التلمساني.
عرض فيه مؤلفه سيرة عمر رضي الله عنه منذ ولادته حتى وفاته عرضًا قصصًا مشوقًا مليئًا بالعبر والمواعظ من سيرة عمر رضي الله عنه مقارنًا ما كان عليه رضي الله عنه بحال المسلمين اليوم في شتى المجالات، وهو يذكر مصادر الآثار من كتب التراجم والتاريخ والسنة.
4 -
عمر بن الخطاب. تأليف محمد رضا.
بدأ فيه المؤلف الكلام عن حياة عمر رضي الله عنه في الجاهلية، ثم ذكر إسلامه، وذكر صفاته رضي الله عنه ثم أهم أعماله، وقيامه على شؤون رعيته ثم ذكر عنوانًا: خلافة عمر رضي الله عنه، وذكر فيه الفتوحات الإسلامية في خلافته رضي الله عنه وبنائه المدن الإسلامية، ووضعه التأريخ الهجري، ثم عرض لخروجه رضي الله عنه إلى الشام، وناقش بعض الروايات، وقام بتحليلها ثم ختم الكتاب بذكر وفاة عمر رضي الله عنه وقصة الشورى، ولم يذكر المؤلف مصادر معلوماته.
5 -
عبقرية عمر رضي الله عنه. تأليف عباس محمود العقاد.
أظهر العقاد في هذا الكتاب كيف أن عمر رضي الله عنه كان عبقريًا بمعنى العبقرية، وأنه جمع من الصفات العظيمة التي يندر وجودها إلَّا في القلائل من العظماء من قوة الشخصية وسعة الإدراك، والوعي، وسرعة البديهة، والفطنة، إضافة إلى التواضع والحلم، وفرط الشفقة والرحمة على الرعية، والعدل بينها.
ثم بين حال عمر رضي الله عنه مع رعيته، ومع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، وتكلم عن علم عمر رضي الله عنه وثقافته، ولم يذكر مصادر معلوماته.
6 -
الفاروق القائد. تأليف محمود شيث خطاب.
وهذه الدراسة تاريخية عسكرية تكلم فيها المؤلف على سياسة عمر رضي الله عنه العسكرية، وبين ما تميز به عمر رضي الله عنه من حكمة وحنكة عسكرية فائقة بالمقاييس العسكرية العالمية، وتحدث عن الصفات التي تحلى بها عمر رضي الله عنه، والتي جعلت منه قائدًا بكل معاني القيادة المدنية والعسكرية.
وأحال المؤلف النصوص إلى مصادرها ورجع إلى المراجع الحديثة.
7 -
عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة الحديثة. دراسة مقارنة. تأليف الدكتور سليمان محمد الطماوي.
تناول المؤلف في كتابه الصفات الجسمية والخُلقية التي تميز بها عمر رضي الله عنه، والتي جعلت منه سياسيًا بارعًا، وقياديًا ناجحًا في إدارة شؤون الدولة الإسلامية الفتية، ثم تعرض لسيرة عمر رضي الله عنه وسياسته الإدارية في شتى المجالات، وقارن بينها وبين الأصول والمبادئ التي تسير عليها الإدارة الحديثة، وبين كيف أن عمر رضي الله عنه استطاع تطبيق هذه الأصول والمبادئ قبل مئات السنين، بل إن سياسة عمر رضي الله عنه في إدارة شؤون المجتمع والدولة كانت أكثر فاعلية في سعادة المجتمع وأمنه ورقيه. والمؤلف لم يهتم كثيرًا بإحالة النصوص المصادرها.
8 -
إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه دراسة تحليلية في الإدارة التربوية. تأليف الشريف حسن محمد القناوي.
وهي دراسة تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير من كلية التربية جامعة أمّ القرى.
افتتح المؤلف كتابه بكلام مختصر عن سيرة عمر رضي الله عنه الشخصية، ثم تكلم عن بعض الأسس العامة التي استخلصها من إدارة عمر رضي الله عنه، وكيف يستفاد من تلك الأسس في مجال الإدارة التربوية وأثبت المؤلف مصادر النصوص في الحاشية، واعتمد كثيرًا على المراجع الحديثة، وخاصة كتاب أخبار عمر للطنطاويين.
9 -
أوليات الفاروق السياسية. تأليف غالب عبدالكافي القرشي.
وهي رسالة أعدها المؤلف لنيل درجة الماجستير بإشراف الشيخ مناع خليل القطان بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية.
بدأ الباحث كتابه بالكلام عن شخصية عمر رضي الله عنه في قرابة عشرين صفحة، ثم تكلم عن بعض اجتهادات عمر رضي الله عنه، ثم بدأ بالحديث عن أوليات عمر رضي الله عنه في المجالات المختلفة والتي لم يسبق إليها رضي الله عنه وذلك في السياسة العامة وفي الطلاق، والرضاع، والنفقة على الزوجات والفرائض، وأحكام أمهات الأولاد، وأولياته رضي الله عنه في معاملة غير المسلمين أو العلاقات الدولية، ثم
أولياته رضي الله عنه في السياسة الحربية ثم أولياته في السياسة المالية، والعقوبات والديات.
وبذل الباحث جهدًا كبيرًا في جمع النصوص والكلام عليها وشرحها، ونقل أقوال العلماء، والجمع بين المتعارض منها وترجيح البعض، وقام بتخريجها وعزوها لمصادرها، ونقل أقوال العلماء عن درجة ثبوتها أحيانًا.
10 -
أوليات الفاروق في الإدارة والقضاء. تأليف غالب عبدالكافي القرشي.
وهي رسالة المؤلف لنيل درجة الدكتوراة بإشراف الشيخ مناع خليل القطان بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وتناول فيه المؤلف أوليات عمر رضي الله عنه في الإدارة في تخطيط المدن والبناء، وفي تعيين الولاة والقادة، والتأديب، وبعض الأمور المتعلقة بالمساجد، ثم تناول أوليات عمر رضي الله عنه في القضاء وقد سار المؤلف على منهجه في كتابه السابق.
11 -
سياسة المال في الإسلام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومقارنتها بالأنظمة الحديثة. تأليف عبدالله جمعان السعدي.
وهي رسالة ماجستير تقدم بها الباحث إلى جامعة الأزهر بالقاهرة، وهذه الدراسة تاريخية اقتصادية.
تناول فيها المؤلف مصادر الدول الإسلامية المالية في عهد عمر رضي الله عنه، وهي الزكاة والجزية والخراج والعشور، وتكلم عن هذه الموارد في العصور التي قبل الإسلام وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ثم شرع بالكلام عنها في عهد عمر رضي الله عنه وسياسة عمر رضي الله عنه في تحصيلها، وحاول التوفيق بين الروايات المتعارضة أو ترجيح بعضها على بعض، ثم تكلم باختصار عن بيت مال المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ثم تكلم عن نفقات الدولة الإسلامية في عهد عمر رضي الله عنه.
وتناول في الباب الأخير سياسة المال في الإسلام على ضوء الأنظمة المالية الحديثة. والباحث يذكر مصادر معلوماته و مراجعه.
12 -
موسوعة فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تأليف الدكتور محمد رواس قلعجي.
قام مؤلفه بجمع الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه في القضايا الفقهية المختلفة وحرص على تخريج تلك الآثار من مصادرها الأصلية ولم يتوسع في ذلك، وقد رتب المؤلف القضايا الفقهية في الكتاب علي الحروف الهجائية، وهو يذكر الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه في كل قضية على حده، ويتناولها من جميع نواحيها.
13 -
فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه موازنًا بفقه أشهر المجتهدين. تأليف الدكتور رويعي بن راجح الرحيلي.
وهذا الكتاب بحث تقدم به الباحث لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة أمّ القرى.
والكتاب خاص بفقه عمر رضي الله عنه في الحدود وملابساتها، والجنايات وأحكامها، وقد قدم المؤلف بمقدمة ذكر فيها منزلة عمر رضي الله عنه العلمية والفقهية، ومنزلته من الاجتهاد في الأحكام الشرعية والمؤلف يذكر قول عمر رضي الله عنه وما أثر عنه في الحكم الشرعي بعد تعريفه بذلك الحكم، والفعل الذي يستوجبه عند الفقهاء ثم يذكر أقوال الفقهاء في الحكم ثم يرجح ما يراه راجحًا.
وقد قام المؤلف بتخريج الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه بعزوها إلى مصادرها ونقل أقوال العلماء على درجة ثبوتها من الصحة أو الحسن أو الضعف أو غير ذلك إن وجد ذلك.
14 -
القضاء في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تأليف الدكتور ناصر بن عقيل الطريفي.
والكتاب قدم لنيل درجة الدكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
وافتتح المؤلف الكتاب بتمهيد عرف فيه القضاء ومشروعيته، وكيف كان القضاء عند العرب قبل الإسلام، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم عرف بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وحياته ووفاته.
وهو يذكر الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه المتعلقة بالقضاء ويحيل النصوص إلى مصادرها ويخرج الآثار، وقد يذكر أقوال العلماء على درجة الأثر من الصحة أو الحسن والضعف.
وتكلم المولف على قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار وترجم لهم، وذكر توجيهات عمر رضي الله عنه لهم ونماذج من أقضيتهم.
الباب الأول: في شخصيّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: نشأته وصفاته الخَلقية والخُلقية. وفيه مبحثان:
الفصل الثاني: فضائله
الفصل الثالث: حياة عمر رضي الله عنة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه
الفصل الأول: نشأته وصفاته الخَلقية والخُلقية
وفيه مبحثان
المبحث الأول: نشأته
وفيه أربعة مطالب
المطلب الأول: اسمه ونسبه، كنيته، لقبه، مولده، صفاته الخلقية.
المطلب الثاني: حياته في الجاهلية
المطلب الثالث: إسلامه وهجرتة
المطلب الرابع: حياته في الإسلام
المبحث الثاني: صفاته الخلقية
وفيه ثلاث مطالب
المطلب الأول: صفاته الخُلقية الدالة على كمال دينه وإيمانه وفيه خمسة مسائل.
المطلب الثاني: صفات عمر الخُلقية الدالة على عزمه وقوة إرادته وكمال شخصيته.
المطلب الثالث: صفاته الخُلقية الدالة على سهولته ولين جانبه
تمهيد
تمهيد
قبل البدء بالحديث عن شخصية عمر رضي الله عنه أود أن أشير هنا بإيجاز إلى المنزلة والمكانة التي كانت لقوم عمر وأهله وعشيرته في مكة قبل الإسلام وهذه الإشارة تتناول بني عدي قوم أبيه، وأخواله بني مخزوم.
فأما بنو عدي فهم بنو عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة يلتقون في النسب مع بني هاشم، وبني مخزوم، وبني سهم في كعب بن لؤي
(1)
.
وبنو عدي من قريش الأباطح الذين تزعمهم قصي بن كلاب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزلهم أباطح مكة، وحول الحرم، وأقطعهم الدور، وأما قريش الظواهر فقد ظلوا بدواً خارج مكة، ولم تكن لهم المنزلة التي كانت لقريش الأباطح في الجاهلية والإسلام
(2)
.
وبنو عدي لم يكن لهم من الزعامة والشرف والثراء وكثرة العدد ما لبني هاشم، وبني سهم، وبني مخزوم، ولكنهم لم يكونوا بعيدين عن الساحة القرشية بل كانوا من قبائل قريش التي لها مكانتها ومنزلتها العالية وكلمتها المسموعة.
(1)
الزبيري/ نسب قريش ص 12، 13، 346، 347.
(2)
حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص 88.
ومما يدلّ على ذلك أن عمر رضي الله عنه لما أسلم قامت إليه قريش يضربونه، فمر بهم العاص بن وائل السهمي فقال: أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟!
(1)
.
أي أن بني عدي عندهم من القوة والقدرة والمكانة التي يستطيعون بها إنقاذ عمر من القرشيين.
وكانت بنو عدي ممن شارك قريشاً في قتال هوازن في حرب الفجار وكان الخطاب بن نفيل والد عمر بن الخطاب، وابن أخيه زي
(2)
ابن عمرو بن نفيل على زعامتهم
(3)
، وقتل في هذه الحرب أخو الخطاب واسمه عبد نهم
(4)
.
وحين تنازع أبناء قصي بن كلاب من بعده فيمن يلي أمر السقاية والرفادة والحجابة واللواء، حتى كادوا أن يقتتلوا، وتعاقدوا على الحرب،
(1)
حسن انظر تخريجه في ص 14.
(2)
زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى والد سعيد بن زيد بن عمرو أحد العشرة، وابن عم عمر بن الخطاب، كان يتعبد في الجاهلية ويطلب دين إبراهيم عليه السلام ومات قبل مبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم. انظر: ابن الأثير/ أسد الغابة 2/ 236 - 238.
(3)
أبو عبيدة معمر بن المثنى/ أيام العرب قبل الإسلام ص 515.
(4)
الزبيري/ نسب قريش ص 347.
فتحالفت بنو عبد مناف مع أسد، وزهرة، وتيم، ضد بني عبد الدار وبني مخزوم، وسهم، وجمح، وعدي
(1)
الذين كانوا حلفاً واحداً.
ولما جددت قريش بناء الكعبة جعلت لكل قبيلة أو أكثر جزءاً منها، فكان شق الباب لبني عبد مناف، وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود، والركن اليماني لبني مخزوم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم، وكان شق الحِجر لبني عبدالدار، ولبني أسد، ولبني عدي بن كعب.
وبعد فراغ قريش من بناء البيت تنازعوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه، وعظم الخلاف، وتعاقدوا على الحرب، فقربت بنو عبدالدار جفنة مملوءة دماً، وتحالفوا مع بني عدي بن كعب على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم، فسموا لعقة الدم
(2)
.
واشتهر بنو عدي بالبسالة والشجاعة. قال حفص بن الأخيف من بني عامر بن لؤي يمدح بني عدي:
وبنو عدي لا أرى مثلهم
…
عند القتال إذ القنا متحطم
(3)
(1)
ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 179، 180.
(2)
المصدر السابق 1/ 254.
(3)
الفاكهي/ أخبار مكة 3/ 331.
وكان فيهم من اشتهر برجاحة العقل ومنهم جد عمر رضي الله عنه وهو نفيل بن عبدالعزى، فقد كان ممن تتحاكم إليه قريش في الجاهلية
(1)
.
وكان فيهم من هو من مشيخة قريش وعلمائها بالنسب، كأبي جهم بن حذيفة بن غانم من بني عويج بن عدي بن كعب
(2)
.
وكان منهم الشعراء كحفص بن حذافة
(3)
.
وكان في بني عدي من تمسك بالوثنية عند مجيء الإسلام وآذى المسلمين كما كان يفعل الخطاب بن نفيل والد عمر رضي الله عنه، فقد روى ابن إسحاق أن الخطاب بن نفيل كان قد وكل صفية بنت الحضرمي بزيد بن عمرو بن نفيل، فكان إذا أراد الخروج من مكة لطلب دين الحنفية آذنته به فمنعه من ذلك، وآذى الخطاب زيداً فكان يخرجه من مكة ويأمر شبان مكة وسفهاءها أن يمنعوه من دخولها، فكان لا يدخلها إلا سراً
(4)
.
(1)
الزبيري/ نسب قريش ص: 347، أبو جعفر بن حبيب/ المحبر ص: 133، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 135، 136.
(2)
أبو الجهم بن حذيفة، قال البخاري وجماعة اسمه عامر، وقيل اسمه عُبيد قاله الزبير ابن بكار، وابن سعد، وقالا: إنه من مسلمة الفتح. ابن حجر/ الإصابة 4/ 35.
(3)
الزبيري/ نسب قريش ص: 375.
(4)
ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 291، 292.
وكان فيهم أيضاً النساك الحنفاء كزيد بن عمرو بن نفيل. قال ابن إسحاق: "وأمّا زيد بن عمرو بن نفيل فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل الموؤدة، وقال: أعبد رب إبراهيم"
(1)
.
ومن السابقين إلى الإسلام من بني عدي نعيم بن عبدالله المعروف بالنَّحَّام
(2)
.
ومما تقدم يتبين أن بني عدي كانوا من أشراف قريش ومن أهل الحل والعقد في المجتمع المكي، وكان فيهم أهل العلم بالنسب والشعر، وكان فيهم الحنفاء، وأهل العقل والحكمة الذين تركوا ونبذوا ما كانت عليه قريش من عبادة الأوثان.
يقول الدكتور حسين مؤنس رحمه الله وهو يبيّن مكانه عشيرة عمر رضي الله عنه، وذلك عند كلامه على الهجرة إلى الحبشة:
(1)
المصدر السابق 1/ 286، 287.
(2)
نُعَيم بن عبدالله بن أسيد من بني عويج بن عدي، كان إسلامه قبل عمر ولكنه لم يهاجر إلا قبيل الفتح، وذلك لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم. ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 321، 322، ابن حجر/ الإصابة 3/ 567. وروي بسند ضعيف أنّه سمي بالنَّحَّام لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"سمعت نحمه في الجنة". انظر تخريج الحديث في حاشية سيرة ابن هشام 1/ 321، 322.
وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر قليل من المؤمنين، وثبت للمحنة وهم لم يستطيعوا إيذاءه أو إيذاء حمزة أو أبي بكر أو عمر ومن إليهم لأنهم كانوا ينتمون إلى بطون كبيرة من بطون مكّة ذات السلطان والعزّة، وقد أدرك أولئك القرشيون أنهم لو آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحداً من كبار المسلمين من حوله لحدث صدع في بنيان قريش
(1)
.
أمّا بنو مخزوم وهم أخوال عمر رضي الله عنه فهم أشهر من أن يكتب عنهم وهم بنو مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي يلتقون مع بني عدي في كعب بن لؤي، وهم الذين كان فيهم الشرف وكانت فيهم السيادة، فمنهم أبو جهل عمرو بن هشام
(2)
، لعنه الله، كان من سادات قريش وزعمائها وهو الذي نزل فيه قول الله عز وجل:{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ كَغَلْيِ الحَمِيمِ} إلى قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ}
(3)
.
(1)
تاريخ قريش ص: 284.
(2)
الزبيري/ نسب قريش ص: 299، 300.
(3)
سورة الدخان الآيات 43 - 49، وانظر ابن كثير/ تفسير القرآن العظيم 4/ 145، 146.
ومنهم زعيم قريش وسيدها الوليد بن المغيرة المخزومي وهو الذي قال: أينزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وأترك وأنا كبير قريش وسيدها، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي، ونحن عظيما القريتين، فنزل قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَينِ عَظِيمٍ}
(1)
.
واشتهر بنو مخزوم بالعمل بالتجارة ولذلك كانوا من أثرياء قريش، وكان الوليد بن المغيرة، وأبو جهل من أثرياء قريش، فقد قدرت ثروة كلّ منهما بمائة ألف دينار، وكان فيهم أهل العلم بالكتابة، وذلك بحكم عملهم بالتجارة وما تتطلبه من الكتابة
(2)
.
وكان في بني مخزوم ممن وقف في وجه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وحاربها كما تقدم وكما هو معروف من موقف أبي جهل، والوليد بن المغيرة وغيرهما.
إلا أنّهم كان فيهم من هم من خيرة السابقين إلى الإسلام، وممن قدموا الخدمات الجليلة للدعوة الإسلامية وأهلها في أيامها الأولى.
فكان منهم الأرقم بن أبي الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وهو الذي جعل داره مركزاً للهاربين من بطش القرشيين من المستضعفين من المسلمين في بداية الدعوة حتى قويت شوكتهم فخرجوا منها.
(1)
الزخرف الآية (31).
ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 444.
(2)
حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 194، 200.
ومن السابقين إلى الإسلام من بني مخزوم أبو سلمة بن عبدالأسد ابن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وزوجته أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها رضي الله عنهما، ومنهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي
(1)
، رضي الله عنهم.
(1)
ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 318، 319، 402، 403.
عيّاش بن أبي ربيعة واسم أبي ربيعة عمر بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وهو أخو أبي جهل لأمّه وابن عمه، كان إسلامه قديماً أول الإسلام، قبل أن يدخل النبي r دار الأرقم. ابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 161.
المبحث الأول: نشأته
المطلب الأول: اسمه ونسبه، كنيته، لقبه، مولده، صفاته الخلقية.
المطلب الثاني: حياته في الجاهلية
المطلب الثالث: إسلامه وهجرتة
المطلب الرابع: أحواله المعيشية
المبحث الأول: نشأته،
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: اسمه ونسبه، كنيته، لقبه، مولده، صفاته الخَلقية.
المسألة الأولى: اسمه ونسبه:
تقدمت الإشارة إلى المكانة العالية والمنزلة الرفيعة التي كانت لعشيرة عمر رضي الله عنه وآبائه وأجداده في المجتمع القرشي بمكّة، وقريش التي ينتمي إليها عمر رضي الله عنه هي من أشرف قبائل العرب في الجاهلية والإسلام وأعزها مكانة ومنزلة فهم أهل البيت الحرام الذي هو مهوى الأفئدة، وكفاهم فخراً وشرفاً أن اختار الله عز وجل منهم نبيّه ورسوله محمّداً صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم من أشرفهم نسباً وأهلاً وبيتاً، ومنهم أيضاً صاحباه الصّديق رضي الله عنه وعمر ابن الخطاب رضي الله عنه فهو يلتقي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في نسبه في الجدّ السابع وهو كعب بن لؤي.
إذ هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي
(1)
(1)
الزبيري/ نسب قريش ص: 346، 347، من غير إسنادٍ، وعنه الحاكم/ المستدرك 3/ 80، 81.
ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/ 109، قال: حدّثني حسين المروزي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نا حجاج بن منيع عن جدّه عن الزهري، وهذا السند حسن إلى الزهري، لأن حسين بن حسن المروزي صدوق، وحجاج ثقة وجده عبيد الله بن أبي زياد صدوق.
ورواه من طريق آخر فقال: حدّثنا يعقوب بن حميد بن كاسب أنا ابن فليح عن موسى بن عقبة عن الزهري، وهذا السند فيه ضعف يسير، لأن يعقوب بن حميد صدوق ربما وهم تق: 607، ومحمّد بن فليح قال عنه أبو حاتم: ما به بأس، وليس بذاك القوي. وقال البخاري: وثقه بعضهم، وهو أوثق من أبيه. وقال ابن معين: ليس بثقة. وروى أحمد بن أبي خيثمة عن ابن معين قوله: ثقة قد كتبت عنه. ميزان الاعتدال 4/ 10، ورواه الطبري/التاريخ 2/ 561، بأسانيده عن محمّد بن إسحاق بإسناد فيه سلمة بن الفضل الأبرش، وهو صدوق يخطئ كثيراً. تق:248. وعن الواقدي وهو متروك مات سنة: 207، وعن المدائني وهو ثقة مات سنة: 254 هـ وهذان الإسنادان معضلان، ورواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 64، 65، بإسناد حسن إلى ابن إسحاق من رواية زياد بن عبد الله البكائي عنه.
قال الطبراني: حدّثنا أحمد بن عبد الرحيم البرقي ثنا عبد الملك بن هشام ثنا زياد ابن عبد الله عن ابن إسحاق. أحمد بن عبد الرحيم البرقي الصحيح في اسمه: عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قال الذهبي: كان صدوقاً من أهل العلم وكان الطبراني يهم في اسمه ويقول: أحمد بن عبد الرحيم ولم يلق أحمد وإنما كان الذي يروي عنه هو أخوه عبد الرحيم. سير أعلام النبلاء 13/ 48 - 49. عبد الملك بن هشام بن أيوب هو صاحب المغازي، قال الذهبي: العلامة النحوي الأخباري أثنى عليه القفطي وغيره. سير أعلام النبلاء 10/ 428، وانظر: مقدّمة السيرة لابن هشام بروية أبي ذر الهروي 1/ 20 - 32. زياد بن عبد الله البكائي قال فيه أحمد: حديثه حديث أهل الصدق. وقال ابن معين: لا بأس به في المغازي. وضعّفه ابن المديني وأبو حاتم والنسائي، وقال صالح جزرة: ضعيف ثقة في المغازي. ميزان الاعتدال 2/ 91.
وجاء النسب عند أبي نعيم في معرفة الصحابة 1/ 190 بسياق مختلف وهو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي. أي: بتقديم عبد الله بن قرط على رياح.
قال أبو نعيم: حدّثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدّثني أبي قال: قرئ على يعقوب بن إبراهيم بن سعد في مغازي بن إسحاق فيما رواه عن أبيه عنه. وهذا السند رجاله ثقات، وقول أحمد رحمه الله: قرئ على يعقوب، يحمل على السماع، لأنه من صيغ السماع ولم يعرف عنه رحمه الله التدليس فالإسناد صحيح إلى إسحاق.
وسياق النسب الذي في المتن جاء عن الزبيري وهو من علماء الأنساب قال ابن معين: الزبيري عالم بالنسب. المزي/ تهذيب الكمال 28/ 37. وقال ابن حجر: صدوق عالم بالنسب، من العاشرة تق: 533، وجاء عن الزهري بسندٍ حسنٍ وهو ثقة متفق على جلالته وإتقانه من رؤوس الطبقة الرابعة تق: 506، وعن ابن إسحاق بسندٍ حسنٍ وهو إمام المغازي صدوق من صغار الخامسة تق: 467، فرواية هؤلاء هي الأصحّ، وهي مقدّمة على رواية أبي نعيم السابقة.
رضي الله عنه.
وأمّه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية
(1)
.
وجاء في رواية أنها: حنتمة بنت هشام
(2)
. والصواب الأوّل
(3)
.
(1)
رواه الحاكم في المستدرك 1/ 80، 81 بإسناد رجاله ثقات إلى الزبيري وهو: مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن ا لعوام صدوق عالم النسب. مات سنة: 263 هـ تق: 533.
ورواه الطبري في تاريخه 2/ 561، بالطرق الثلاث المتقدّمة في الحاشية السابقة في ص:64.
(2)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 561. فقال: حدّثنا ابن حميد حدّثنا سلمة عن محمّد ابن إسحاق. وابن حميد هو: محمّد بن حميد التميمي حافظ ضعيف كان ابن معين حسن الرأي فيه تق: 475، وسلمة بن الفضل صدوق بخطئ كثيراً. تق:248.
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 64، 65، فقال: حدّثنا أحمد بن عبد الرحيم البرقي ثنا عبد الملك بن هشام ثنا زياد بن عبد الله عن إسحاق. وهذا السند حسن إلى ابن إسحاق تقدّم في الحاشية (1) في ص: 63، 64.
ورواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 190، 191، من طريق الطبراني به مثله.
(3)
وقد رجّح العلماء القول بأنه حنتمة بنت هاشم. قال ابن عبد البرّ رحمه الله في الاستيعاب 2/ 458: أمه حنتمة بنت هاشم
…
وقالت طائفة: حنتمة بنت هشام ومن قال ذلك فقد أخطأ. وقال ابن الجوزي رحمه الله في تاريخ عمر بن الخطاب ص: 19: وقد حكى أبو نعيم عن ابن إسحاق أنه قال: أمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة، وأبو جهل خاله. فتأملت فإذا هو غلط.
وقد رجّح القول بأنها حنتمة بنت هاشم مؤرج السدوسي في حذف من نسب قريش ص: 80، والكلبي في جمهرة النسب ص: 105، وابن قدامة في التبيين في أنساب القرشيين ص: 302، وقال: وقيل: هي بنت هشام بن المغيرة لقول عمر: أنا قتلت خالي بيدي العاص بن هشام ثم ذكر القول بأنها حنتمة بنت هاشم ورجّحه.
أقول: وهذا الأثر الذي ذكره ابن قدامة رحمه الله واحتج به من قال أنها حنتمة بنت هشام ر واه ابن إسحاق في السيرة 2/ 336، سيرة ابن هشام وقال: حدّثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي: أن عمر
…
فالأثر مقطوع السند وقد ضعّفه العلماء. انظر: السيرة النبويّة لابن هشام بتحقيق الدكتور/ همام عبد الرحيم سعيد، ومحمّد عبد الله أبو صعيليك.
المسألة الثانية: كنيته:
أمّا كنيته رضي الله عنه فقد اشتهر بـ (أبي حفص)، وقد وردت عدة أخبار تفيد أن الذي كناه بهذا النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر
(1)
: "إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد
(1)
بَدْر: هي اليوم بلدة بأسفل وادي الصفراء تبعد عن المدينة بـ 155 كيلاً، وعن مكّة المكرّمة بـ 310 أكيال، وعن سيف البحر بـ 45 كيلاً. عاتق البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص:41.
ويوم بدر هو: يوم غزوة بدر الكبرى التي كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان بين قريش بزعامة أبي جهل - لعنه الله - والمسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عدد المشركين فيها ما بين ألف وتسعمائة وخمسين رجلاً معهم مئتا فرس، وكان عدد جيش المسملين ثلثمائة وتسعة عشر رجلاً معهم فرسان وسبعون بغيراً، وكان النصر فيها لجند الله ورسوله، وهزم المشركون وقتل من صناديدهم عدد كبير منهم: أبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وشبيبة بن ربيعة، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف. انظر: مهدي رزق الله/ السيرة النبويّة في ضوء المصادر الأصلية ص: 337 - 366.
أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً" فقال أبو حذيفة
(1)
: أنقتُل آباءنا، وأبناءنا، وإخواننا، وعشيرتنا، ونترك العباس! والله لئن لقيته لألحمنه السيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لعمر بن الخطاب: "يا أبا حفص - قال عمر: إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف
(2)
.
(1)
أبو حُذيفة بن عُتبة بن ربيعة القرشي العَبْشَمِي كان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين شهد المشاهد كلها وقتل يوم اليمامة، ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 197.
(2)
رواه ابن إسحاق/ سيرة ابن هشام 1/ 224، قال: حدّثني العباس بن عبد الله ابن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس. وهذا السند رجاله ثقات، ولكن فيه إبهامُ بالبعض الذين يروي عنهم العباس بن عبد الله بن معبد، ورواه جميع من رواه من طريق العباس بن عبد الله بن معبد وهم: ابن سعد/ الطبقات 4/ 11، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/ 34، البيهقي/ دلائل النبوة 3/ 140، 141.
ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 223 أيضاً من طريق محمّد بن إسحاق عن العباس بن معبد غير أنه قال فيه: عن أبيه عن ابن عباس فيكون السند متصلاً لكن الحاكم خالف في ذلك جميع من روى الخبر ورجال سنده هم رجال السند عند البيهقي وغيره بل رواه البيهقي من طريق الحاكم وهو شيخه، فإن ثبت ما في سند الحاكم كان السند متصلاً والأثر حسناً، وإلا فإن السند ضعيف لإبهام الراوي عن ابن عباس.
وأمّا ما وقع في سند الحاكم من تسمية شيخ محمّد بن إسحاق بالعباس بن معبد فقد خالف فيه أيضاً جميع من روى الأثر، حيث إنهم قالوا:"العباس بن عبد الله بن معبد". والذي اتضح لدي بعد الرجوع إلى كتب التراجم وكتب المؤتلف والمختلف في الأسماء أنه رجلٌ واحدٌ وقد نسبه الحاكم لجده، لأن العباس بن عبد الله بن معبد يروي عن أبيه كما في رواية الحاكم، ويروي عن بعض أهله كما نصّ على ذلك المزي في تهذيب الكمال. والله أعلم.
ومنها: أنّ عمر سمع صوت امرأة تبكي على ميت لها، فنهاها عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعها يا أبا حفص فإن العهد قريب، والعين باكية"
(1)
.
(1)
رواه الحميدي/ المسند 2/ 445 من طريق محمد بن عجلان عمن سمع أبا هريرة رضي الله عنه. وابن عجلان صدوق اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة تق 585. وفيه إبهام بالراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وعند ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "دعها يا عمر" ضعفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. ضعيف ابن ماجه ص 120. وليس فيه تكنية النبي صلى الله عليه وسلم له بأبي حفص. والحديث له طرق آخرى يحسَّن بها. انظر: ص: 310.
وروي كذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب لما أسلم: "قد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز بك الدين"
(1)
.
المسألة الثالثة: لقبه:
وأمّا لقبه رضي الله عنه فهو (الفاروق)، وهو رضي الله عنه جدير بهذا اللقب فإنه ممن فرق الله به بين الإسلام والكفر بعد إسلامه
(1)
رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة/ القسم المخطوط 1/ 260، 261، البخاري/ التاريخ الصغير 1/ 250 من طريق عبد الله بن شرحبيل عن رجل عن زيد بن أبي أوفى. قال ابن حجر في الإصابة 1/ 560 في ترجمة زيد بن أبي أوفى: روى حديثه ابن أبي حاتم والحسن بن سفيان والبخاري في التاريخ الصغير من طريق ابن شرحبيل عن رجل من قريش عن زيد بن أبي أوفى ولحديثه طرق عن عبد الله بن شرحبيل، وقال ابن السكن: روي حديثه من ثلاث طرق ليس فيها ما يصح، وقال البخاري: لا يعرف سماع بعضهم من بعض ولا يتابع عليه، رواه بعضهم عن ابن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى ولا يصح.
وبعد توليه الخلافة وظهر به الإسلام وخفقت راياته في أرجاء المعمورة.
وقد اختلف فيمن لقّبه بهذا اللقب فقيل إن الذي لقّبه بذلك هم أهل الكتاب. قال الزهري رحمه الله: وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئاً
(1)
.
وقيل: إن الذي لقّبه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال: "إن الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحقّ والباطل"
(2)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 270، وابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 227، البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان 152، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/ 562، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 45، ابن الأثير الجزري/ أسد الغابة 4/ 57.
قال ابن سعد: "أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان، قال: قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر: الفاروق، وكان المسلمون يؤثرون ذلك
…
" الخ.
وسند ابن سعد رجاله ثقات صحيح إلى الزهري، ولكنه بلاغاً والبلاغات منقطعة. وراه سائر من رواه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن مثلة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 270، وابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 227، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/ 562، أبو نعيم/ دلائل النبوة ص 194، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 44، ابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 57. ابن حجر/ الإصابة 2/ 519، وهو عند ابن سعد من طريقين:
الأولى: من طريق أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص وهو ثقة، من السادسة تق 119، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال:"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق" فالإسناد معضل.
والثانية: من طريق الواقدي وهو متروك عن أبي ذكوان قال: قلت لعائشة من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم. وهو عند بن شبه من طريقي ابن سعد المتقدّمتين، وفيه عند الطبري الواقدي، وفيه عند أبي نعيم إسحاق بن أبي فروة متروك تق:102.
ورواه ابن عساكر من طريق أيوب بن موسى المتقدّم عند ابن سعد ورواه ابن الأثير من طريق ابن أبي فروة فالأثر ضعيف.
وكلتا الروايتين لم تثبتا، ولعل الصواب أن الذين لقّبه بذلك هم المسلمون، لأن الإسلام عز وظهر بإسلامه كما ثبت ذلك في الصحيح ولا مانع أن يكون أهل الكتاب لقبوه بذلك لما رأوا من عدالته وظهور الحقّ على يديه.
ومن ألقابه رضي الله عنه بعد الخلافة (أمير المؤمنين) وهو أول من لقب بهذا اللقب وسبب ذلك أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عامله بالعراق: أن ابعث إليّ برجلين جلدين، نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراق بلبيد
(1)
بن ربيعة،
(1)
لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك من بني عامر بن صَعْصَعَة أبو عقيل الشاعر المشهور. قال الشعر في الجاهلية دهراً ثم أسلم وتوفي سنة 41 هـ وعمره 145 سنة، الإصابة 3/ 326.
وعدي
(1)
بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فوجدا عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو، فدخل على عمر، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت. قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين. فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه إنه الأمير ونحن المؤمنون. فجرى الكتاب من ذلك اليوم
(2)
.
(1)
عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي أسلم سنة تسع وقيل عشر وكان نصرانياً. صحابي جليل مات بعد الستين وله 120 سنة، الإصابة 2/ 468.
(2)
رواه البخاري/ الأدب المفرد، ص: 353 بإسناد صحيح.
قال: حدّثنا عبد الغفّار بن داود، قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرّحمن عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب أنّ عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة لِمَ كان أبو بكر يكتب: "من أبي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ كان عمر يكتب من بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر. من أوّل من كتب أمير المؤمنين؟ ".
قال: حدّثتني جدّتي الشّفاء وكانت من المهاجرات الأوّل، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السّوق دخل عليها، قالت: كتب عمر
…
الأثر.
وصححه الشيخ الألباني/صحيح الأدب المفرد 390، ورواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 244، 245، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/ 97، الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 64، الحاكم/ المستدرك 3/ 81، 82 وغيرهم.
وقيل: إنه لقب بذلك بعد اجتماع المسلمين وتشاورهم ثم اتفاقهم بعد ذلك على أن يدعوا عمر بأمير المؤمنين وذلك بعد أن كان يقال لأبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستثقلوا أن يقولوا لعمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وقيل: إن عمر رضي الله عنه هو الذي أشار بذلك على أصحابه وقال لهم: أنتم المؤمنون وأنا أميركم
(2)
.
(1)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان ص 190 بإسناد واهٍ فيه هشام ابن محمد بن السائب الكلبي، قال الدارقطني: متروك. وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة. وقال أحمد: إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحداً يحدث عنه. وقال الذهبي: وهشام لا يوثق به. ميزان الاعتدال 4/ 304، وهو يروي عن أبيه محمّد بن السائب الكلبي وهو متهم بالكذب. تق 479.
(2)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 243، الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/ 569 بإسنادين الأول فيه جويبر بن سعيد الأزدي ضعيف جداً تق 143، وهو معضل من رواية الضحاك بن مزاحم صدوق من الخامسة. تق 280 وعن عمر رضي الله عنه والآخر فيه أحمد بن عبد الصمد الأنصاري الزرقي، قال الذهبي: لا يعرف. ميزان الاعتدال 1/ 117 وفيه أم عمرو بنت حسان الكوفية عن أبيها ولم أجد لهما ترجمة.
وذكر أن أوّل من حيا عمر بن الخطاب (بأمير المؤمنين) هو المغيرة بن شعبة
(1)
.
ولا مانع أن يكون المسلمون قد اجتمعوا واتفقوا على تلقيب عمر رضي الله عنه بهذا اللقب، بعد أن لقبه به المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ثم قدم الرجلان من
(1)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 242، 243 بإسنادين.
قال: حدّثنا الحسن بن عثمان قال حدّثنا محمّد بن حرب الأبرش قال حدّثنا محمّد بن الوليد الزبيري عن الزهري. وهذا السند رجاله ثقات ورواية الزهري عن عمر منقطعة. ورواه من طريق آخر فقال: حدّثنا محمّد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن أبيه عن جدّه. وفي هذا السند عبد العزيز بن عمران الزهري متروك احترقت كتبه فحدّث من حفظه فاشتد غلطه، وكان عارفاً بالنسب، تق:358. وأبو عمران بن عبد العزيز بن عمر الزهري قال فيه يحيى ابن معين: منكر الحديث. وكذا قال البخاري. ميزان الاعتدال 3/ 239. وجده عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري مقبول من الثالثة. وروايته عن عمر منقطعة، فالسند ضعيف. ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 221 موقوفاً على الزهري فالأثر ضعيف.
والمغيرة بن شعبة، هو ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي، أسلم عام الخندق وقدم مهاجراً، وقيل: إن أوّل مشاهده الحديبية، توفي سنة: 50 هـ. الاستيعاب 4/ 7 - 9.
أهل العراق ولقبا عمر أيضاً بهذا اللقب فأقرّ عمر هذا، وقال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم.
ولقب عمر أمير المؤمنين مذكور في كتب أهل الكتاب، فقد جاء رجل من أهل الكتاب إلى عمر فقال: السلام عليك يا ملك العرب، فقال عمر رضي الله عنه: وعليك، كذلك تجده في كتابكم؟! أليس تجد نبياً، ثم خليفة ثم أمير المؤمنين، ثم الملوك. قال: بلى
(1)
.
المسألة الرابعة: مولده:
تعددت الأخبار في تحديد العام الذي ولد فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقيل إنه ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً
(2)
.
وعام الفيل هو العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، قال قيس
(3)
بن
(1)
رواه ابن شبه 2/ 245 بإسناد متصل رجاله ثقات غير حيان بن بشر بن المخارق شيخ ابن شبه سئل عنه أبو زكريا فقال: ليس به بأس. تاريخ بغداد 8/ 284، وفيه تدليس الأعمش سليمان بن مهران لكن روايته هنا عن إبراهيم النخعي وهي محمولة على الاإتصال لكونه من المكثرين عنه. ميزان الاعتدال 2/ 224. فالأثر حسن.
(2)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153 بإسناد ضعيف فيه عبد العزيز بن عمران الزهري وهو متروك، احترقت كتبه فساء حفظه. تق 358.
(3)
قيس بن مَخْرَمَة بن المطلب بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ، ولد هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. وهو أحد المؤلّفة قلوبهم ومن حسن إسلامه منهم. الاستيعاب 3/ 358.
مخرمة رضي الله عنه: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل
(1)
.
فعلى هذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسن من عمر بثلاثة عشر عاماً وهذا يشهد له ما ثبت في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ماتوا وهم أبناء ثلاث وستين
(2)
حيث أن عمر رضي الله عنه مكث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً فيكون عمره يوم وفاته مساوياً لعمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل ولد قبل حرب الفِجار الأعظم بأربع سنين
(3)
.
(1)
حسن لغيره. انظر: السيرة النبوية الصحيحة. أكرم العمري 1/ 96.
عام الفيل: سمي بهذا الاسم لأن أبرهة الحبشي النصراني قدم بجيشه ومعه الفيلة لهدم الكعبة الشريفة، فأرسل الله عليه وعلى جنده الطير الأبابيل، فأهلكهم الله عز وجل وذكر الله تعالى هذا في سورة الفيل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ
…
} السورة. وحدد العلماء هذه الحادثة بعام: 571 م. انظر: مهدي رزق الله/ السيرة النبويّة في ضوء المصادر الأصلية ص: 109، 110.
(2)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 15/ 101 - 103.
(3)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 225، 226، البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان 145، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/ 562 - 563 كلّهم من طريق الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم، والواقدي متروك. تق 498 وأسامة بن زيد بن أسلم ضعيف من قبل حفظه. تق 98. فالخبر ضعيف.
وحرب الفجار وقعت في الجاهلية وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم عشرين عاماً
(1)
.
وقيل كان عمره صلى الله عليه وسلم أربعة أو خمسة عشر عاماً
(2)
.
فعلى القول الأول يكون النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من عمر بستة عشر عاماً وعلى الثاني يكون أكبر منه بأحد عشر عاماً أو عشرة أعوام.
وفي رواية أنه ولد بعد الفجار بأربع سنوات
(3)
.
والقول الأول هو الراجح لموافقته ما في الصحيح كما تقدم والله أعلم.
(1)
ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 243 من كلام ابن إسحاق.
وسميت هذه الحرب بالفجار، لأن قريشاً وبني كنانة قاتلوا قبيلة هوزان في الشهر الحرام، فسموا الفجار من الفجور. انظر: ابن هشام/ السيرة النبويّة 1/ 242، 243.
(2)
المصدر السابق 1/ 241 من كلام ابن هشام.
(3)
ابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 53 من غير سند، قال: روي عن عمر أنه قال: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين.
وأما مكان مولده: فقد ذكر أنه ولد في دار والده الخطاب
(1)
.
وكانت تلك الدار بالحثمة
(2)
، قال عمرو بن العاص رضي الله
(1)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ 156 من غير إسناد. وزاد عن يسار الداخل من بابها.
(2)
الحَثْمَة: صخرات في رَبَع عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الفاكهي/ أخبار مكة 4/ 208، 209، وقال محقق الكتاب عبد الملك بن عبدالله بن دهيش: لم يعد لها وجود اليوم، فتلك الصخرات كانت في ربع عمر بن الخطاب، وربع عمر كان عند الجبل المسمى بجبل عمر وقد نحت منه الكثير لتوسعات شتى في الطرق والشوارع. المرجع السابق 4/ 207.
ونقل ابن سعد أن منازل بني عدي بمكة بجوار الجبل الذي كان يسمى في الجاهلية بالعاقر، ويسمى الآن بجبل عمر. رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 266. قال: سألت أبا بكر بن محمّد بن أبي مرة المكّيّ وكان عالماً بأمور مكّة عن منزل عمر بن الخطاب في الجاهلية
…
الخ.
وأبو بكر بن محمّد لم أقف على ترجمته، وعند الأزرقي في أخبار مكّة 2/ 292، في ذكر شق مسفلة مكّة اليماني وما فيه قال: جبل عمر الطويل المشرف على ربع عمر اسمه العاقر، وقد قال الشاعر:
هيهات من ألم خيالها
سلمى إذا نزلت بسفح العاقر
وقال في ص: 296: "جبل عمر: الجبل المشرف على حق آل عمر، وحق آل مضيع بن الأسود وآل كثير بن الصلت الكندي
…
وكان يسمى في الجاهلية أعاصير".
وقد أرفقت خلف هذه الصّفحة صورة توضيحية لمكان جبل عمر.
عنه: إنا بالحثمة، إذ سمعت صارخاً من دار الخطاب قال: فقلت: ما هذا؟ قالوا: ولد للخطاب مولود: يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(1)
.
(1)
رواه الفاكهي/ أخبار مكة 4/ 208، 209. فقال: حدّثني أبو زرعة الجرجاني، قال: ثنا عبد الرّحمن السّكريّ، قال: ثنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت عمرو بن دينار أو في مجلس عمرو بن دينار قال: قال عمرو بن العاص.
وهذا السّند رجاله ثقات سوى عبد الرحمن السكري لم أعرفه، وفي إسناده شك من سفيان بن عيينة في سماعه من عمرو بن دينار حيث قال: سمعت عمرو بن دينار أو في مجلس عمرو بن دينار وعمرو بن دينار ثقة من الرابعة تق 421 لم تذكر له رواية عن عمرو بن العاص، وابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 13، 14 بالإسناد السابق ولكن فيه أوسمعت في مجلس عمرو بن دينار من داود ابن شابور المكي: قال: قال عمرو ابن العاص:
…
وداود بن شابور ثقة من السادسة. تق 198 وهذه الطبقة أي السادسة لم يثبت لأحد منهم أن لقي أحداً من الصحابة رضوان الله عليهم. وفيه عند ابن عساكر وهم أو خطأ حيث فيه أن عمرو بن العاص قال: إنا لجلوس بالشام إذ سمعنا صارخاً فقلنا: ما هذا؟ فقالوا: ولد للخطاب غلام - يعني عمر بن الخطاب. فالأثر ضعيف لكنه مما يتساهل فيه.
المسألة الخامسة: صفاته الخَلقية:
لقد كانت صفات عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخَلقية صفاتٍ دالة على قوته وشدته وحزمه وصرامته وهيبته ووقاره رضي الله عنه.
فمن صفاته رضي الله عنه أنه كان آدم اللون
(1)
.
(1)
الأُدْمَةُ: السُمرة، والادم من الناس الأسمر. ابن منظور/ لسان العرب 1/ 97.
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 326، 327.
قال: حدّثني عبيد الله بن معاذ بن معاذ، حدّثني أبي عن شعبة عن سماك بن حرب، قال: أخبرني هلال بن عبد الله، قال: رأيت عمر
…
الأثر.
وفي إسناده سماك بن حرب صدوق تغير بأخره، فكان ربما تلقن الحديث، ولكن رواية شعبة عنه صحيحة مستقيمة. المزي/ تهذيب الكمال 12/ 20 وفيه هلال بن عبد الله يروى عن عمر رضي الله عنه ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 9/ 73، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 505 وبقية رجاله ثقات. ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 18، 19 من طريق شعبة عن سماك به مثله. وقد جاءت صفة الأدمة لعمر رضي الله عنه في أثر آخر عن زر بن حبيش رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 325 عن زر بن حبيش، الطبري/ التاريخ 2/ 562، الحاكم/ المستدرك 3/ 81، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 203 وإسناده عند البلاذري متصل رجاله ثقات سوى عاصم بن أبي النجود وثقه أحمد وأبو زرعة وقال الذهبي: قلت: هو حسن الحديث. ميزان الاعتدال 2/ 357. وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. تق 258 ورواه سائر من رواه من طريق عاصم. فالأثر الثاني حسن. وهو يشهد للأثر الأوّل في إثبات صفة الأدمة لعمر رضي الله عنه.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إنما جاءتني الأدمة من قِبل أخوالي
(1)
.
وذكرت بعض الأخبار: أن عمر رضي الله عنه كان أبيض اللون
(2)
ولكن الأخبار التي في صفة الأدمة والسمرة وردت من طرق
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات الكبرى 3/ 324 بإسناد ضعيف فيه محمد بن عمر الواقدي وهو متروك.
(2)
رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 205، 206، ابن عساكر/ تاريخ دمشق، ص:14.
قال أبو نعيم في روايته: حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن جبلة، ثنا أبو العباس السراج "محمّد ابن إسحاق بن إبراهيم" ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق ثنا حسين بن محمّد "ابن بهرام التميمي" ثنا جرير بن حازم عن أبي رجاء العطاردي قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه طويلاً، جسيماً، أصلع شديد الصلع، أبيض شديد حمرة العينين في عارضيه خفة، سبلته كثيرة الشعر في أطرافها صهبة. وهذا السند رجاله ثقات سوى شيخ أبي نعيم أحمد بن محمد أبو حامد لم أجد له ترجمة.
ورواه ابن عساكر من طريق إبراهيم الجوهري به مثله عند أبي نعيم وفي سنده أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز لم أجد له ترجمة وفيه عمر بن الحسن الأشناني ضعفه الدارقطني والحسن بن الخلال. ميزان الاعتدال 3/ 185.
ورويت صفة البياض عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عمر رجلاً أبيض أمهق تعلوه حمرة روى ذلك ابن سعد/ الطبقات 3/ 324، الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/ 562، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 203، 204، ابن عساكر: تاريخ دمشق ص: 14 كلهم من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو متروك.
ثابتة ووفق البعض بين ما ورد من صفة بياض لون عمر بن الخطاب وبين ما ورد من سمرة لونه بما ذكرته بعض الروايات من أن عمر كان أبيض اللون ولكن لونه تغير عام الرمادة فصار أسمر بسبب الجهد وقلة الطعام
(1)
.
وأقول ليس هناك ما يمنع أن يكون عمر رضي الله عنه في شبابه أبيض اللون لو ثبت ما ورد في صفة البياض له ثم تغير لونه لما كبر بسبب أعباء الخلافة وما كان يقوم به من تفقد لأحوال رعيته ومشيه في شدة الرمضاء وما كان يناله من التعب والجهد والمشقة إضافة إلى ما عرف عنه من زهد في الطعام والشراب وغيرهما من متع الحياة.
(1)
ابن سعد/ الطبقات 3/ 324، البلاذري/ أنساب الأشراف. صفحة 325 كلاهما عن محمد بن عمر الواقدي.
وكان رضي الله عنه أصلع الرأس
(1)
، طويل القامة
(2)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 324، 326، الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 65، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 204، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 14.
وهو عند ابن سعد من طريقتين: الأولى فيها الواقدي.
والثّانية، قال فيها: أخبرنا عبد الوهّاب بن عطاء العجلي، قال: أخبرنا ابن جريج عن عثمان بن أبي سلمان عن نافع بن جبير بن مطعم، قال: صلع عمر.
وفي هذا الإسناد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مدلّس من الثالثة، ولم يصرّح بالسّماع. ونافع بن جبير ثقة، روايته عن عمر منقطعة.
وقال الطبراني في روايته حدثنا يحيى بن أيوب العلاف ثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى ابن أيوب بن بادي الخولاني عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب أصلع شديد الصلع. ورجال السند ما بين ثقة وصدوق، وأما سعيد بن المسيب فروايته عن عمر بن الخطاب أثبتها أحمد حيث أثبت سماعه منه، وقال ابن حجر في التهذيب 4/ 87: وقد وقع لي بإسناد صحيح لا مطعن فيه تصريح سعيد بسماعه من عمر، وقال مالك بن أنس رضي الله عنه: لم يدرك عمر ولكنه ولد في زمانه، فلما كبر أكب على السؤال عن شأنه وأمره حتى كأنه. وقال العلائي: أحد الائمة الكبار المحتج بمراسيلهم، جامع التحصيل في أحكام المراسيل.
والأثر عند أبي نعيم من طريق يحيى بن أيوب العلاف به مثله عند الطّبراني.
ورواه ابن عساكر من طريقي زر بن حبيش المتقدّم عند البلاذري في ص: (89) حاشية (1)، وطريق أبي رجاء العطاردي عند أبي نعيم والذي تقدم في ص:(90) حاشية (2). وهما طريقان حسنان. فالخبر صحيح بمجموع طرقه.
(2)
تقدم ذكر صفة الطول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأثر المروي عن زر ابن حبيش رضي الله عنه بإسناد حسن في الصفحة (89) الحاشية (1) وأيضاً في الأثر المروي عند أبي نعيم في معرفة الصحابة 1/ 205، 206 عن أبي رجاء العطاردي وتقدم الكلام عليه في صفحة (90) حاشية (2).
وقد رويت نصوص فيها ذكر صفة الطول لعمر رضي الله عنه عند ابن سعد/ الطبقات 3/ 324، 325، البلاذري/ أنساب الأشراف 326، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/ 562 كلهم من طريق محمد بن عمر الواقدي وتقدم أنه متروك.
وكان رضي الله عنه ضخم الجسم
(1)
، بعيد ما بين
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 325، قال أخبرنا سليمان بن أبي داود الطيالسي عن شعبة عن سماك بن حرب قال: أخبرني هلال قال: رأيت عمر رجلاً جسيماً كأنه من رجال سدوس، وهذا السند رجاله ثقات سوى سماك بن حرب صدوق تغير بآخره. فكان ربما يلقن الحديث ولكن رواية شعبة عنه صحيحة مستقيمة وهو هنا يروي عنه وفيه هلال بن عبد الله ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. والجرح والتعديل 9/ 73، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 505.
ورواه سائر من رواه من رواية سماك بن حرب عن هلال به مثله، وهم: البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 326، وابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/ 198، وأبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 205.
ورواه ابن سعد من طريق آخر عن شعبة عن سماك عن بشر بن قحيف وإسناد رجاله ثقات سوى سماك وتقدم ما فيه وبشر بن قحيف ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/ 363، وذكره ابن حبان = في الثقات وقال: روى عن عمر والمغيرة وروى عنه سماك بن حرب 4/ 69.
وقد تابع سماكٌ في هذا السّند هلال بن عبد الله في السند السابق.
فالأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
وقد رويت صفة ضخامة جسم عمر رضي الله عنه في الأثر الحسن الوارد عن أبي رجاء العطاردي والذي رواه أبو نعيم، وقد تقدم الكلام عليه في ص (90) حاشية (2).
المنكبين
(1)
.
= في الثقات وقال: روى عن عمر والمغيرة وروى عنه سماك بن حرب 4/ 69.
وقد تابع سماكٌ في هذا السّند هلال بن عبد الله في السند السابق.
فالأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
وقد رويت صفة ضخامة جسم عمر رضي الله عنه في الأثر الحسن الوارد عن أبي رجاء العطاردي والذي رواه أبو نعيم، وقد تقدم الكلام عليه في ص (90) حاشية (2).
(1)
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 282 فقال: حدثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: كنت أنشده يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف أصحابه حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع، فقيل لي: أسكت .... إنه عمر بن الخطاب .... الحديث.
وأبو يزيد القراطيسي هو يوسف بن يزيد ثقة واسد بن موسى قال ابن حجر: صدوق يغرب تق 104، ووثقه ابن يونس وقال: حدث بأحاديث منكرة وهو ثقة فأحسب الآفة من غيره، وقال العجلي: مصري ثقة، وكان صاحب سنة، ووثقه ابن قانع، ورد الذهبي على من ضعفه فقال: الحافظ الملقب بأسد السنة، وقد استشهد به البخاري واحتج به النسائي وأبو داود وما علمت به بأساً إلا أن ابن حزم ذكره في كتاب الصيد فقال: منكر الحديث، وقال ابن حزم أيضاً: ضعيف، وهذا تضعيف مردود. ميزان الاعتدال 1/ 207.
وأما مبارك بن فضالة فهو صدوق كما قال ابن حجر وهو مدلس من الثالثة كما ذكر ابن حجر في تعريف أهل التقديس، لكن نقل الذهبي عن المروزي=
وكان جهوري الصوت
(1)
.
وكان إذا غضب فتل شاربه ونفخ
(2)
.
= عن أحمد قوله: ما روي عن الحسن يحتج به. ميزان الاعتدال 3/ 431 وذلك لأنه والله أعلم من المكثرين عن الحسن البصري، فقد قال مبارك: جالست الحسن ثلاث عشرة سنة 3/ 431، فالأثر حسن إن شاء الله.
(1)
رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 4/ 399، 401 فقال: حدثني ابن شهاب حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود. وهذا الإسناد رجاله ثقات وعبد الله بن زمعة صحابي جليل استشهد يوم الدار مع عثمان رضي الله عنه. تق 303 فالأثر صحيح.
ورواه الفسوي/ المعرفة والتاريخ 1/ 243، 244، 453.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 326 فقال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: جاء رجل من أهل البادية إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية، وأسلمنا عليها في الإسلام ثم تحمى علينا؟ فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه. وهذا إسناد صحيح.
ورواه أبو عبيد/ الأموال صفحة 310، ابن زنجويه/ الأموال 2/ 668، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 56، البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان 327.
وروي بلفظ: كان عمر إذا غضب فتل شاربه، رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 326، البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان 327 كلاهما من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو متروك، رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 1/ 100 فقال: حدثنا محمد بن الفضيل نا معن، نا مالك عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه وهذا السند رجاله ثقات سوى شيخ ابن أبي عاصم فلم أجد له ترجمة، ورواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 66 فقال: حدثني عبد الله بن أحمد عن أبيه حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع، قال: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك، فقال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير: أن عمر كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ، وهذا السند رجاله ثقات غير أن عامر بن عبد الله بن الزبير لم يدرك عمر ففي السند انقطاع.
ورواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 206 من طريق ابن أبي عاصم به مثله عنده.
وكان أعسر يسراً
(1)
.
وكان رضي الله عنه قوي الجسم والبنية
(2)
.
(1)
أعْسَر يَسَرا: هو الذي يعمل بيديه جميعاً، ويسمى الأضبط. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث والأثر 5/ 97.
جاءت هذه الصفة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأثر الذي رواه زر بن حبيش وهو أثر حسن تقدم الكلام عليه في صفحة (89) حاشية (1) والذي رواه البلاذري وجاء عند الطبراني/ المعجم الكبير 4/ 233 أن عمر كان أضبطاً وفيه إبراهيم بن عثمان العبسي وهو متروك. تق 92.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 71، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 5/ 192، كتاب التيمم والبيهقي/ السنن الكبرى 1/ 218، 219، ولفظ البخاري وكان جليداً والجليد هو القوي في نفسه وجسمه. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 284 ولفظ مسلم وكان أجوف جليداً.
قال النووي: الأجوف هو الذي يخرج صوته من جوفه، وقال ابن الأثير: الأجوف: كبير الجوف عظيمه. النهاية في غريب الحديث 1/ 316.
وهناك آثار تدل بمجموعها على قوة جسم عمر وبنيته، من ذلك:
ما روي أن عمر رضي الله عنه خرج في الجاهلية مع عمارة
(1)
بن الوليد بن المغيرة إلى الشام، فشذت ناقة له، فلحقها عمر بعد طلب، فاعتقلها وطرحها لجنبها يسيراً، فحسده عمارة على ما رأى من قوته
…
الخ
(2)
.
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان يصارع في سوق عكاظ
(3)
.
(1)
هو: عمارة بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي. مات كافراً، ولم يسلم بعثته قريش إلى النجاشي، فجرت له معه قصة فأصيب بعقله وهام مع الوحش. قال ابن حجر:"وقد بينت أنّه ممن دعا عليهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما وضع عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو يصلي". ابن حجر/ الإصابة 3/ 171.
(2)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 202 وفي إسناده الأثرم شيخ البلاذري لم أجد له ترجمة وهو معضل من رواية أبي وجزة وهو ثقة من الخامسة عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3)
عُكَاظ: أشهر أسواق العرب كان يوجد في الجهة الشمالية من بلدة الحوية اليوم، ويمكن تحديده بأنه يقع شمال شرقي الطائف على قرابة 35 كم في أسفل وادي شرب، وأسفل وادي العرج عندما يلتقيان هناك. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 215.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 325، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 13، 14، 347، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 326، وفي سنده عند ابن سعد والبلاذري أبو هلال الراسبي صدوق فيه لين. تق 481، وفيه أبو التياح يزيد بن حميد الضبي ثقة من الخامسة يروي عن عمر رضي الله عنه، روايته عنه معضلة، وفيه عند ابن شبة خليد بن دعليج ضعفه أحمد، وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن حبان: كان كثير الخطأ. ميزان الاعتدال 1/ 663، وفيه قتادة بن دعامة، ثقة من الرابعة يروي عن عمر رضي الله عنه، روايته عنه منقطعة فالأثر ضعيف.
وعكاظ لم تكن مجرد سوق تجارية بل كانت مناسبة سنوية للتسلية واللهو والتفريج عن النفس. وهذا الذي اجتذب الشعراء إليها
(1)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "يا عمر، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر وتؤذي الضعيف
…
" الحديث
(2)
.
(1)
حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 256.
(2)
رواه عبدالرزاق/ المصنف 5/ 36، ابن أبي شيبه/ المصنف 3/ 171، أحمد/ المسند 1/ 28، الطحاوي/ شرح معاني الآثار 2/ 178، البيهقي/ السنن الكبرى 5/ 80، ابن كثير/ مسند الفاروق 1/ 314، 315.
وهو في المسند من رواية عبد الله بن أحمد قال: ثنا وكيع ثنا سفيان (بن عيينة) عن أبي يعفور العبدي قال: سمعت شيخاً بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر
…
، وهذا السند رجاله ثقات سوى الشيخ الذي يحدث عنه أبو يعفور فهو مبهم ورواه سائر من رواه من طريق أبي يعفور عن هذا الشيخ المبهم، سوى البيهقي فإنه رواه بإسناد آخر وفيه أبو الحسن محمد بن إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي وعلي بن عبد الله بن صالح الدهان لم أجد لهما ترجمة، وفيه مفضل بن صالح الأسدي، قال أبو حاتم والبخاري: منكر الحديث، تهذيب الكمال 28/ 410 وقال ابن حجر: ضعيف 544. فالأثر ضعيف.
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان إذا ركب فرسه أخذ بأرنبة أنفه أو بأذنه ثم وثب وثوباً على متن فرسه
(1)
.
وكان رضي الله عنه ذا لحية عظيمة
(2)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 293 من طريق الواقدي ورواه البلاذري/ أنساب الأشراف 201، 202 فقال: حدثني الأثرم أبو الحسن حدثني الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء بن عمرو بن العريان عن أبي وجزة يزيد بن عبيد، قال: رأيت عمر بن الخطاب أمسك أرنبة أنفه
…
وشيخ البلاذري الأثرم لم أجد له ترجمة، وأبو وجزة ثقة من الخامسة فروايته عن عمر معضلة.
ورواه ابن أبي الدنيا/ مكارم الأخلاق 153، 154، الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 66، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 207 كلهم من طريق عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف. تق 314. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه أحمد/ فضائل الصحابة 1/ 290، قال: ذكر مصعب بن عبد الله الزبيري قال: حدّثني أبي عبد الله بن مصعب بن ربيعة بن عثمان الهديري عن زيد بن أسلم عن أبيه، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/ 567، 568. قال: حدّثني
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أحمد بن حرب قال: حدّثنا مصعب بن عبد الله الزبيري بإسناد أحمد السابق.
ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 301، 302، قال: أخبرنا أبو القاسم عليّ ابن إبراهيم أنا رشأ بن نظيف أنا الحسن ابن إسماعيل أنا أحمد بن مروان نا محمّد بن سليمان الواسطيّ نا سعيد بن منصور نا عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه.
ابن قدامة/ الرقة 81 - 82، قال: أخبرنا أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد السلمي قراءة عليه أنبأ أبو القاسم عليّ بن إبراهيم به عند ابن عساكر بالإسناد السابق.
ابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 67. من غير إسناد فقال: روى زيد بن أسلم عن أبيه وذكر المتن.
وفي إسناده عند أحمد والطبري وابن عساكر عبد الله بن مصعب الزبيري، لينه ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ من بابة عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد الرحمن قال عنه ابن أبي حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به/ الجرح والتعديل 5/ 252، وقال الخطيب البغدادي عن عبد الله ابن معين: ولاه الرشيد إمارة المدينة واليمن، وكان محموداً في ولايته، جميل السيرة مع جلالة قدره وعظم شرفه، وذكر عن الإمام مالك أنه كان يسميه المبارك وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 56 ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 5/ 178، الخطيب/ تاريخ بغداد 10/ 173، وقال الذهبي: الأمير الكبير كان محتشماً فصيحاً مفوهاً وافر الجلالة، محمود الولاية/ سير أعلام النبلاء 8/ 517. ميزان الاعتدال 2/ 505 وقال ابن كثير: كان من أعدل الولاة/ البداية والنهاية 10/ 192.
وفيه ربيعة بن عثمان الهديري التيمي وثقة ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: منكر الحديث يكتب حديثه. المزي/ تهذيب الكمال 9/ 132، 133، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. تق 207 وبقية رجاله عند أحمد والطبري ثقات. وفي إسناده عند ابن قدامة الحسن بن إسماعيل الضراب، ضعفه الدارقطني. لسان الميزان 2/ 197، وفيه أحمد بن مروان الدينوري ضعفه الدارقطني، سير أعلام النبلاء 15/ 427 وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف. تق 340 فالأثر حسن من طريقي أحمد والطبري.
ومما روي في صفات عمر الخَلقية أنه كان: يسرع في مشيته، وكان في رجليه روح
(1)
.
وأنه كان كثير الشيب
(2)
، وقال: أسرع إلى الشيب من قبل
(1)
الرَّوَح: إتساع ما بين الفخذين، أو سعة في الرجلين، وهو دون الفحج والأروح الذي تتدانى عَقِباه، وتتباعد صدور قدميه، ابن منظور/ لسان العرب 5/ 364.
رواه البلاذري أنساب الأشراف ص 326، 327، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 18، 19 وإسناده عند البلاذري رجاله ثقات سوى سماك بن حرب وهلال بن عبد الله. وقد تقدّم الكلام عليهما في ص:(89).
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 324، الطبري/ التاريخ 2/ 562 من رواية الواقدي.
أخوالي
(1)
. وأنه كان رجلاً أهلب
(2)
، فكان يحلق عنه الشعر
(3)
.
وأنه كان بفخذه شامة سوداء
(4)
.
(1)
رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 200 وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن الحسن بن علي بن محمد لم أجد له ترجمة. وأخواله رضي الله عنه هم: بنو مخزوم.
(2)
أَهْلَب: أي غليظ الشعر، وكثير شعر الرأس والجسد، ابن منظور/ لسان العرب 15/ 111.
(3)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 1/ 105 ورجاله ثقات سوى علي بن أبي عائشة الراوي عن عمر رضي الله عنه صوابه العلاء بن أبي عائشة لم أجد له ترجمة.
(4)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 326، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 328، ابن أبي الدنيا/ الأشراف ص 326، الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 66، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 204، 205، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 234 ومداره على عمرو بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة مدلس، من الثالثة تق: 423، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات. فالأثر ضعيف.
المطلب الثاني: حياته في الجاهلية،
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تمسكه بالوثنية ومقاومته دعوة التوحيد.
نشأ عمر رضي الله عنه بمكة وتربى في ربوع بطاحها بين أهله وأبناء عشيرته بني عدي بن كعب وشب كغيره من فتيان قريش وساداتها يدين بدين الوثنية بل إنه كان ممن قاوم دعوة التوحيد التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم واضطهد من آمن بها، من بني عدي بن كعب، فكان ممن نالهم إيذاء عمر على الإسلام أقرب الناس إليه أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
(1)
وأم سعيد فاطمة بنت بعجة
(2)
.
(1)
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله القرشي العدوي، ابن عم عمر بن الخطاب وصهره. يكنّى أبا الأعور. كانت تحته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر. وكانت أخته عاتكة بنت زيد تحت عمر بن الخطاب. كان من المهارجين الأوّلين، وكان إسلامه قديماً قبل عمر. وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة. توفي بالمدينة سنة خمسين أو إحدى وخمسين. وهو ابن بضع وسبعين. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب 2/ 178 - 182.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 79 وفيه أن التعذيب وقع على سعيد وزوجته أخت عمر بإسناد متصل ورجاله ثقات، قال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: ....
ورواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 442، ورواه البخاري/ الصحيح 2/ 323، 324 وفيه اقتصار التعذيب على سعيد بن زيد.
ورواه الحاكم/ المستدرك 3/ 440 وفيه أن التعذيب كان على سعيد وأمه، وإسناد الحاكم صحيح. قال رحمه الله: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا أبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعيد، وهذا الإسناد رجاله ثقات سوى الحسن بن علي فقد وثّقه الدارقطني ومسلمة بن القاسم. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن حجر: صدوق. تق 162.
قال ابن حجر رحمه الله في الإصابة 2/ 46: وسعيد بن زيد كانت تحته أخت عمر، وكانت أمه من السابقين إلى الإسلام وهي فاطمة بنت بعجة.
وممن روى تعذيب عمر لهم، جارية بني المؤمل وهم حي من بني عدي بن كعب فكان عمر يضربها حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة
…
فابتاعها أبو بكر فأعتقها
(1)
.
(1)
ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 393، 394، قال ابن إسحاق: حدثني هشام بن عروة عن أبيه وهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أن عروة بن الزبير روايته عن عمر منقطعة، ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. ورواه ابن سعد/ الطبقات 8/ 356، وأحمد/ فضائل الصحابة 1/ 118 ـ 120، وأبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان المحجة 2/ 329 ـ 331 من طريق ابن إسحاق به مثله، فالسند ضعيف لانقطاعه.
ومن الأخبار المروية في تعذيب عمر للمستضعفين ما روي عن أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: والله إنا لنرتحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر
(1)
في بعض حاجتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه - قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا. قالت: فقال: إنه للانطلاق يا أم عبدالله. قالت: فقلت: نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا، وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا مخرجاً. قالت: فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أرها، ثم انصرف، وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا قالت: فجاء عامر بحاجته تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفاً، ورقته وحزنه علينا قال: أطمعت في إسلامه؟ قالت: قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت: يأساً منه، لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام
(2)
.
(1)
هو: زوجها عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة العَنَزي حليف بني عدي ثم الخطاب والد عمر، كان آحد السابقين الأوّلين وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدراً وما بعدها. مات سنة سبع وثلاثين. ابن حجر/ الإصابة 2/ 249.
(2)
رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 423، قال ابن إسحاق: حدثني عبد الرحمن ابن الحارث بن عبد الله بن عياش عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: إنا لنرتحل
…
الخ.
وعبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام من الطبقة السابعة. تق 338، وعبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة هو العدوي، ذكره البخاري في التاريخ الكبير 6/ 13 وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 5/ 385، وابن حجر في لسان الميزان 4/ 33. وتعجيل المنفعة ص 261، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 110.
وأمه ـ الظاهر أن المراد بها أم عبد الله بن عامر وليس أم عبد العزيز، لأن المزي ذكر في ترجمة عبد الله بن عامر بن ربيعة أن أمه هي أم عبد الله بنت أبي حثمة زوجة الصحابي الجليل عامر بن ربيعة، تهذيب الكمال 15/ 141، فالسند ضعيف للجهالة بحال عبد العزيز بن عبد الله.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر رضي الله عنه: "قد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص، فدعوت الله أن يعز بك الإسلام"
(1)
.
فتبين من النصوص السابقة أن عمر رضي الله عنه كان ممن يقوم في جاهليته بتعذيب المؤمنين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم من المستضعفين وخاصة من بني عدي وهم قومه والناظر في سيرة النبي وما تعرض له السابقون إلى الإسلام من التعذيب يجد أن هذا التعذيب إنما كان يقع من أشراف قريش وساداتها على من آمن من قومهم
(2)
.
(1)
ضعيف، تقدم تخريجه والكلام عليه في صفحة (78).
(2)
انظر: أكرم العمري/ السيرة النبوية الصحيحة 1/ 147 ـ 152.
وكذلك فإن صرامة عمر رضي الله عنه وقوة جسمه وبأسه وشدته مع تمسكه بالوثنية كان لها دور في تعذيبه للمسلمين السابقين وذلك قبل أن يدرك بفضل الله ثمّ بما أوتي من رجاحة رأي وعقل صدق دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبطلان ما هو عليه من الشرك، فأسلم وتحولت صرامته وقوته على أعداء الله
(1)
.
وفي هذا دلالة على مكانة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قريش وفي بني عدي بن كعب بالأخص.
ومن مساوئ الجاهلية التي ذكر أن عمر اتصف بها في جاهليته، تعاطي الخمور وشربها، فقد روي عنه قوله: وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية
(2)
.
(1)
انظر: سليمان الطماوي/ عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة ص: 25، 26.
(2)
رواه البيهقي/ السنن الكبرى 10/ 214، فقال: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا إسحاق بن الحسن الحربي ثنا عفان ابن مسلم ثنا حماد بن سلمة ثنا سماك بن حرب عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن عمر
…
، وهذا السند رجاله ثقات سوى أبي سهل فهو صدوق وأيضاً سماك بن حرب صدوق وروايته عن عكرمة مضطربة وقد تغير بأخره فكان ربما تلقن. تق 255، ولم يظهر لي هل سماع حماد بن سلمة منه قبل اختلاطه أم بعده.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك ما رواه ابن إسحاق في السيرة النبوية لابن هشام 1/ 427 قال عمر: كنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن أصحابه عطاء ومجاهد أو عمن روى ذلك. ورجال السند ثقات ولكن فيه الشك بمن روى عنهم عبد الله بن أبي نجيح وأيضاً عطاء ومجاهد روايتهم عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
ولا شكّ أنّ العرب في الجاهلية عرف عنهم حبّ الخمر والتلذّذ بشربها، وعدم مفارقتها لها في حضرهم أو سفرهم وفي نواديهم وحفلاتهم، ولا تكاد تخلو أشعارهم من التغني بها وذكر أوصافها، ومن ذلك قول عمرو
(1)
بن كلثوم.
ألا هي بصحنك فاصبحيناً
…
ولا تبقى خمور الأندرينا
مشعشعة كأن الحصَّ فيها
…
إذا ما الماء خالطها سخينا
(2)
.
(1)
هو: عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد التغلبي كان شاعراً فارساً أحد فتاك العرب وهو صاحب أحد المعلقات العشر. أحمد الأمين/ شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها ص: 31.
(2)
المصدر السابق ص: 97.
ومعنى البيتين: أنه يأمر المرأة أن تهب من نومها وأن تصبحهم، أي: تسقيهم الصبوح. وهو شراب الغداة. بالصحن وهو: القدح الواسح من خمر الأندرينا وهي: قرية جنوب حلب في طرف البرية. كانت مشهورة بالخمر، ومعنى مشعشة: أي: ممزوجة بالماء. رائق مزجها. والحُصّ هو: الورس، أو هو: الزعفران، شبه صفرتها بصفرته، وسخينا: أي: شراباً ساخناً. حاشية الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني 11/ 34.
ويقول حاتم الطائي:
أماوي إمامت فاسعي بنطفه
…
من الخمر رياً فانضحن بها قبري
(1)
.
ومما يدلّ على تأصل حبّ الخمر وشربها في نفوس العرب أن الله عز وجل لم يحرمها دفعة واحدة وإنما كان تحريمها بالتدرج حتى تعتاد النفوس ذلك. وكان عمر رضي الله عنه بعد إسلامه من أبعد الناس عن شرب الخمر وأكثرهم كراهية لها. يدعو الله ويقول: "اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً حتى نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}
(2)
.
فقال عمر رضي الله عنه: "انتهينا انتهينا"
(3)
.
(1)
ديوان حاتم الطائيّ ص: 20.
(2)
سورة المائدة الآيتان: 90 - 91.
(3)
صحيح. سيأتي تخريجه في ص: (372).
ومنها وأد البنات
(1)
، وهي عادة عرف بها العرب، لتفضيلهم الذكور على الإناث فهم يعتمدون على الذكور في الصيد والغزو والحرب والتجارة وغيرها. أما الإناث فلم يكونوا يعتمدون عليهن في ذلك. وقد ذكر الله عز وجل كراهيتهم للإناث في قوله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}
(2)
.
وكان الرجل منهم يئد انته فيحفر لها الحفرة ثم يضعها فيها وهي حية ثم يهيل عليها التراب، وشاعت هذه العادة في تميم وقيس وهذيل، وكندة، وبكر وقريش، وكانوا يئدون البنات خشية العار إذا كبرت البنات ثم تعرضن للسبي. وكذلك خشية الفقر
(3)
.
وكانت بعض قبائل العرب تكره هذه العادة بل كان فيهم من يأخذ البنات من آبائهم ويعتني بهن، ويحميهن من الوأد كصعصعة بن ناجية بن عقال، وكان يعرف بالذي أحيا الموؤوادات فبعث الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم
(1)
وأد البنات: دفنهن وهن أحياء. النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير 5/ 143.
(2)
سورة النحل الآيتان: 58 - 59.
(3)
السيد عبد العزيز سالم/ تاريخ العرب في عصر الجاهلية ص: 447، 452.
وعنده مائة جارية وأربع جوار أخذهن من آبائهن لئلا يوأدن، وفيه يقول الفرزدق:
جدي الذي منع الوائدات
…
وأحيا الوئيد فلم يوأد
(1)
.
وأما عمر رضي الله عنه فقد ذكر عنه أنه وأد ابنة له في الجاهلية.
ولم أجد من روى ذلك عن عمر فيما اطلعت عليه من المصادر ولكني وجدت الأستاذ عباس محمود العقاد أشار إليها في كتابه عبقرية عمر، فقال: وخلاصتها: أنه رضي الله عنه كان جالساً مع بعض أصحابه إذ ضحك قليلاً، ثم بكى، فسأله من حضر؟ فقال: كنا في الجاهلية نصنع صنماً من العجوة
(2)
، فنعبده، ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي، أما بكائي، فلأنه كانت لي ابنة، فأردت وأدها، فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية ....
وقد شكك العقاد في صحة هذه القصة لأن الوأد لم يكن عادة شائعة بين العرب وكذلك لم يشتهر في بني عدي ولا أسرة الخطاب التي عاشت منها فاطمة أخت عمر وحفصة أكبر بناته وهي التي كنى
(1)
أبو جعفر بن حبيب/ المحبر ص: 141.
(2)
العجوة: نوع من تمر المدينة أكبر من الصَّيْماني يضرب إلى السواد. النهاية في غريب الحديث/ ابن الأثير 3/ 188.
أباحفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة .. ! لماذا انقطعت أخبارها فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخالاتها
(1)
.
وعلى الرغم من تمسك عمر رضي الله عنه بالوثنية ومقاومة دعوة التوحيد وأتباعها وما روي من تعاطيه الخمر وغيرها من عادات الجاهلية السيئة إلا أنه كان ممن يعظم شعائر الله ويعرف لها فضلها وهذا مما بقي من ملة الخليل إبراهيم عليه السلام على الرغم من تفاوته في النفوس، فقد كان القرشيون في الجاهلية يعظمون البيت الحرام، ويطوفون به ويحجون ويعتمرون ويقفون بعرفة والمزدلفة ويهدون الهدي
(2)
.
فقد سأل عمر رضي الله عنه بعد إسلامه النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية وهو أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يوفي بنذره
(3)
.
(1)
عباس محمود العقاد/ عبقرية عمر ص 221، 222.
(2)
انظر: ابن كثير/ البداية والنهاية 2/ 174، 175، 178.
(3)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 345، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 11/ 125، 126، أحمد/ المسند 2/ 20 وغيرهم.
المسألة الثانية: عمله بالرعي والتجارة.
إن الاشتغال بالرعي والتجارة من المهن الفاضلة التي عرفت عند العرب في الجاهلية والإسلام، وكان أفضل الخلق نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم ممن عمل برعي الغنم. قال صلى الله عليه وسلم: "كنت أرعاها على قراريط
(1)
لأهل مكة"
(2)
.
وأمّا التجارة فقد اشتهرت بها قريش وأصبحت من قبائل العرب التي امتازت على غيرها بالغنى والثراء الذي كان مصدره الثروة المالية من الذهب والفضة وغيرها من الأقمشة والعطور إضافة إلى الإبل والغنم والخيل
(3)
.
وامتن الله تبارك وتعالى على قريش بهذه النعمة وهي تجارتهم إلى بلاد الشام واليمن، قال تعالى:{لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}
(4)
.
فكانوا يقومون برحلة الشتاء إلى اليمن للتجارة ورحلة الصيف إلى
(1)
قراريط: جزء من الدينار أو الدرهم. ابن حجر/ فتح الباري 4/ 441.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح/ فتح الباري 6/ 438، 9/ 576، ومسلم/ الصحيح/ شرح النووي 14/ 5 - 6.
(3)
انظر: حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 194.
(4)
سورة قريش.
الشام
(1)
.
وقيل: إنهم كانوا يرحلون في الشتاء إيضاً إلى الحبشة والعراق
(2)
.
ولذلك فقد ظهر في قريش من يمتلك ثروات هائلة كالوليد
(3)
بن المغيرة، وعبد الله
(4)
بن أبي ربيعة، وعبد الله
(5)
بن جدعان، وأبو
(6)
(1)
حسن إبراهيم/ تاريخ الإسلام 1/ 62.
(2)
نبيه عاقل/ تاريخ العرب القديم ص: 252.
(3)
الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، من قضاة العرب في الجاهلية ومن زعماء قريش وزنادقتها. يقال له: العدل. لأنه كان عدل قريش كلّها، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم فعاداه وقاوم دعوته وهلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر. الزركلي/ الأعلام 5/ 122.
(4)
هو: عبد الله بن ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عبد الرحمن المكّيّ. من مسلمة الفتح. ولي الجند لعمر واستمر إلى أن جاء لينصر عثمان فسقط عن راحلته بقرب مكّة فمات. ابن حجر/ الإصابة 2/ 305.
(5)
هو: عبد الله بن جدعان التميمي القرشي أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوّة. الزركلي/ الأعلام 4/ 76.
(6)
هو: أبو سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أسلم يوم فتح مكّة وشهد حنيناً، والطائف. استعمله النبيّ صلى الله عليه وسلم على نجران، فمات النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو والٍ عليها. ورجع إلى مكّة فسكنها برهة ثم رجع إلى المدينة فمات بها. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 270.
سفيان بن حرب، وهاشم
(1)
بن عبد مناف
(2)
.
وقد عرف الثراء في عدد من الأسر القرشية قبل الإسلام وهم: بنو عبد شمس، وبنو نوفل، وبنو مخزوم
(3)
، وكان هناك من الأسر القرشية من عرف بقله المال، ولم يعرف فيهم الثراء كبني المطلب أخو هاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم
(4)
، وذكر أيضاً عن أبي طالب أنه لما قام بكفالة النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قليل المال كثير العيال
(5)
.
(1)
هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي أحد من انتهت إليهم السيادة في الجاهلية ومن بنيه النبيّ صلى الله عليه وسلم، اسمه: عمرو، وغلب عليه لقبه هاشم، لأنه أوّل من هشم الثريد لقومه بمكة. وهو أوّل من سن الرحلتين لقريش للتجارة. مات بغزة بفلسطين. الزركلي/ الأعلام 8/ 66.
(2)
انظر: السيد عبد العزيز سالم/ تاريخ العرب في عصر الجاهلية ص: 360 - 364.
(3)
أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة 1/ 81.
(4)
حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 143.
(5)
ابن سعد/ الطبقات 1/ 119، 120، من رواية الواقدي، وانظر: أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة 1/ 81.
ولعل قيام النبيّ صلى الله عليه وسلم بالرعي في شبابه مقابل أجر يأخذه كان فيه إعانة مالية لعمه أبي
(1)
طالب، وعمل صلى الله عليه وسلم كذلك بالتجارة في الجاهلية. وخرج في تجارة لخديجة رضي الله عنها إلى جرش
(2)
كل سفرة بقلوص
(3)
.
وكذلك عمل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الجاهلية بالتجارة، وكان يتاجر بالثياب، وبلغ رأس ماله حين أسلم أربعين ألف درهم
(4)
.
وأما عمر رضي الله عنه فقد عاش في صغره حياة الفقر والعوز وشدة العيش وقسوته وهي حياة تجعل الفرد أكثر مقاومة للصعاب، وأشد تحملاً للمسؤولية، وأبعد عن حب الدعة والراحة والترف، يقول عمر رضي الله عنه وهو يصف حياة الفقر والشدة التي كان يعيشها في الجاهلية وعمله
(1)
أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة 1/ 106.
(2)
قال ابن القيم: لعلها التي بالشام. زاد المعاد 1/ 61.
(3)
قلوص: هي الناقة الشابة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 100.
رواه الحاكم/ المستدرك 3/ 182، والبيهقي/ السنن الكبرى 6/ 118، بإسنادٍ صحيحٍ. انظر: عادل عبد الغفور/ مرويات العهد المكي ص: 303.
(4)
أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة ص: 63.
برعي الإبل: لقد رأيتني وأخية لنا، وإنا لنرعى على أبوينا ناضحاً
(1)
لهما، فنغدوا فتعطينا آمنا يَمِينَيها
(2)
من الهبيد
(3)
، وتلقى علينا نقبة
(4)
لها، فإذا طلعت الشمس، ألقيت النقبة على أختي، وخرجت أتبعها عرياناً ثم نرجع إليها، وقد صنعت لنا لفيتة
(5)
من ذلك الهبيد، فنتعشاها، فيا خصباه
(6)
.
(1)
النواضح: الإبل التي يسقى عليها، واحدها ناضح. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 5/ 69.
(2)
يمينيها: أي أعطت كل واحد كفاً واحدة بيمينها، فهاتان يمينان. الهروي/ غريب الحديث 2/ 31.
(3)
الهبيد: حب الحنظل يعالج حتى يمكن أكله، ويطيب. المصدر السابق 2/ 32.
(4)
النقبة: قطعة من الثوب قدر السروال، تجعل لها حجزة مخيطة، وليس لها نيفق ولا ساقان. المصدر السابق 1/ 31.
(5)
لَفِيتَة: هي العصيدة المغلظة، وقيل هي ضرب من الطبيخ يشبه الحساء ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 259.
(6)
فيا خصباه: لعل مراد عمر رضي الله عنه والله أعلم - مدحه صلى الله عليه وسلم لهذا الطعام وأنه طعام خصب. أي: لين وناعم من الخصب وهو رفاهية العيش ولينه. انظر: ابن منظور/ لسان العرب 4/ 106.
رواه أبو عبيد/ الأموال ص 559، 560. قال حدّثنا يزيد بن الصعق بن حزن عن فيل بن عرادة عن جراد بن شبيط قال: كنت عند عمر فأتاه
…
الأثر. وشيخ أبي عبيد هو يزيد بن هارون السلمي ثقة والصعق بن حزن وثقة ابن معين وأبو زرعة، والنسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن حجر: صدوق يهم. المزي/ تهذيب الكمال 13/ 176، 177 تق 276، وفيل بن عرادة، وجراد شبيط بن طارق، قال عنهما ابن حاتم: لا بأس بهما. الجرح والتعديل 7/ 89، 2/ 538. فالأثر حسن.
ومر عمر رضي الله عنه بشعب ضجنان
(1)
، ووقف، ووقف الناس، فقال: لقد رأيتني في هذا المكان، وأنا في إبل الخطاب، وكان فظاً غليظاً، أخبط عليها مرة وأحطب أخرى، ثم أصبحت اليوم يضرب الناس بجنباتي ليس فوقي منهم أحد، ثم تمثل هذا البيت:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته
…
يبقى الإله ويفنى المال والولد
(2)
(1)
ضجنان: حرة شمال مكة، يمر الطريق غربها على مسافة 54 كم على طريق المدينة، تعرف اليوم بحرة المحسنية. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية في السيرة ص:183.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 266 ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 221 وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات إلا أنه منقطع من رواية سليمان بن يسار وهو ثقة من الثالثة عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال أخبرنا هارون وعفان بن مسلم وعارم بن الفضل قالوا: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار. وفي إسناده عند ابن شبه عبد الوهاب بن عطاء صدوق ربما أخطأ ومحمّد ابن عمرو بن علقمة صدوق له أوهام تق 268، 499 وبقية رجاله ثقات، وسنده متصل. قال: أخبرنا سعيد بن عامر وعبد الوهّاب بن عطاء قالا: أخبرنا محمّد بن عمرو بن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه. فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
ورواه الطبري في تاريخه 2/ 575 بنصّ فيه زيادة ثلاثة أبيات ولكن لم أورده لضعفه الشديد ففي إسناده يزيد بن عياض بن جعدبة كذّبه الإمام مالك وغيره تق: 604.
وفي العمدة لابن رشيق ص: 33، 34: أن عمر لبس برداً جديداً فنظر الناس إليه وقد روى لورقة بن نوفل في أبيات:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويفني المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له والجن والأنس فيما بينهما ترد
حوض هنالك مورود بلا كذب لا بد من ورده يوماً كما وردوا
واشتغل عمر رضي الله عنه في الجاهلية بالتجارة فقد كان رضي الله عنه عند هجرته يمتلك ثروة كبيرة، فقد قال رضي الله عنه لعياش بن أبي ربيعة
(1)
حينما أراد الرجوع إلى مكة بعد هجرته: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما، أي مع أبي جهل والحارث بن هشام
(2)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 68
(2)
الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي من مسلمة الفتح استشهد بالشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تق 148.
رواه ابن إسحاق السيرة النبوية لابن هشام 2/ 129 صحيح.
والذي يظهر أن عمر رضي الله عنه اكتسب هذا المال من عمله بالتجارة فقد وردت نصوص عديدة تفيد أن عمر رضي الله عنه كان يعمل بالتجارة في الجاهلية من ذلك ما روي أن كعب بن عدي التنوخي
(1)
كان شريكاً لعمر في الجاهلية في تجارة البز
(2)
.
(1)
كعب بن عدي التنوخي قال ابن السكن: يقال له صحبة. ابن حجر/ الإصابة 3/ 298، 299.
(2)
البَزّ: نوع من الثياب، وقيل الثياب خاصة من أمتعة البيت، وقيل أمتعة التاجر من الثياب، الفيومي/ المصباح المنير ص 19.
رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 160/أ. قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يوسف الصرصريّ، ثنا عبد الله بن محمّد البغويّ، ثنا أبو الأحوص محمّد بن الهيثم، ثنا سعيد بن كثير بن عفير المصريّ، حدّثني عبد الحميد بن كعب بن علقمة بن كعب بن عديّ التنوخيّ عن عمرو بن الحرث عن نافع بن أجيل عن كعب بن عديّ.
وفي إسناده ختن الصرصري شيخ أبي نعيم، قال الخطيب: قال البرقاني: تكلم فيه ابن البقال وغيره، فذلك الذي زهدني فيه، وسألته عنه مرة أخرى فقال: كان عندي ثقة حتى حدثني أبو بكر بن البقال أنه غلط في روايته وروى من كتاب لم يكن سماعه فيه صحيحاً، وقال محمد بن الفرات كان الصرصري جميل الأمر إلى الثقة ما هو. تاريخ بغداد 5/ 123، 124 وفيه سعيد بن كثير صدوق. تق 240 وفيه عبد الحميد بن كعب بن علقمة، لم أجد له ترجمة، وعمرو بن حريث مصري مختلف في صحبته كما قال ابن حجر، وقال: أخرج حديثه أبو يعلى وصححه ابن حبان، وقال ابن معين وغيره تابعي وحديثه مرسل. تق 420، وبقية رجاله ثقات وقال ابن عبد البر في ترجمة كعب بن عدي. روى عنه ناعم حديثاً حسناً. الاستيعاب 3/ 379 ونقل ابن حجر أن البغوي وابن قانع روياه فقال: حدثنا أبو الأحوص به مثله عن أبي نعيم. الإصابة 3/ 298 ـ 300.
وروي أنه خرج في تجارة إلى الشام قبل إسلامه فاعتدى عليه أناس وأخذوا ماله.
(1)
.
(1)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 158، 159. قال البلاذري: المدائني عن عيسى بن يزيد بن داب وابن جعدبه عن صالح بن كيسان وغيره قالوا:
…
وفي السند عيسى بن يزيد ابن داب حديثه واه. قال البخاري: منكر الحديث، الذهبي/ الميزان 3/ 328، وابن جعدبه يزيد بن عياض، قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، ورماه مالك بالكذب وقال النسائي وغيره: متروك. ميزان الاعتدال 4/ 436.
وذكره ابن حجر في الإصابة 1/ 551 وقال: رواه الزبير بن بكار في الموفقيات عن المدائني عن هشام بن الكلبي عن أبيه. وهشام بن محمد بن السائب الكلبي. قال الدارقطني: متروك.
وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، وقال أحمد: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدث عنه. ميزان الاعتدال 4/ 304، ومحمد بن السائب الكلبي قال ابن معين: ليس بثقة، وقال الجوزجاني وغيره: كذاب، وقال الدارقطني وجماعة: متروك، وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه. ميزان الاعتدال 3/ 558، 559، وابن حبان في المجروحين 2/ 255. فالأثر ضعيف جداً.
وروي كذلك أنه خرج في تجارة إلى الشام في الجاهلية ومعه ثلاثين من قريش فنسي قضاء حاجة له فعاد إلى مكّة وانطلق أصحابه ثم لحق بهم ثم عاد هو وأصحابه من الشام إلى الحجاز
(1)
.
وروي كذلك أنه خرج في الجاهلية في تجارة إلى العراق فاعتدى عليهم أناس وسرقوا أمتعتهم حتى ردّها عليهم ملك المدائن وابتاع منهم تجارتهم بربح
(2)
.
(1)
رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 4. قال أخبرنا أبو القاسم عليّ بن إبراهيم أنا رشاء بن نظيف أنا الحسن بن إسماعيل أنا أحمد بن مروان نا محمّد ابن عبد العزيز نا أبي نا الهيثم أخبرني أسامة بن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أن عمر قال:
…
الأثر.
وفي هذا الإسناد أحمد بن مروان المالكي ضعّفه الدارقطني. سير أعلام النبلاء 15/ 427، 428. وفيه الهيثم بن عدي الطائي كذّبه البخاري وابن معين وأبو داود. وقال النسائي: متروك. وقال الذهبي: قلت كان إخبارياً علامة. وقال ابن المديني: هو أوثق من الواقدي ولا أرضاه في شيء. ميزان الاعتدال 4/ 324. فالأثر ضعيف وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 60.
(2)
رواه أبو هلال العسكري/ الأوائل ص 14، 15، وقال: روى بعض الشيوخ فالسند ضعيف فيه لإبهام الشيوخ.
المسألة الثالثة: قيامه بالسفارة:
روي أن عمر رضي الله عنه كانت إليه السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشاً كانوا إذا وقع بينهم حرب، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر
(1)
أو فاخرهم مفاخر رضوا به، وبعثوه منافراً ومفاخراً
(2)
.
وهذا الخبر وإن ورد من طرق ضعيفة إلا أن احتمال تكليف
(1)
المنَافَرةُ: المفاخرة والمحاكمة، يقال: نافَره فَنفره، يَنْفْرُه بالضم، إذا غلبه. ابن الأثير/النهاية في غريب الحديث والأثر 5/ 93.
(2)
رواه ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 235 من غير سند، وقال: قال الزبير:
…
وذكره.
ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 220 من طريق الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن نصر بن مزاحم عن معروف بن خربوذ، وهذا السند ضعيف، فيه محمد بن الحسن بن زبالة، كذبه أبو داود وقال النسائي متروك، وقال أبو حاتم: واهي الحديث. ميزان الاعتدال 3/ 514، وفيه نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جلد، قال الذهبي: تركوه. المصدر السابق 4/ 253، ومعروف بن خربوذ صدوق ربما وهم إخباري علامة من الخامسة، تق 540، رواه ابن الجوزي/ تاريخ عمر ص 22 من الطريق السابق. ونقله ابن الجوزي في المنتظم 4/ 13، من غير إسناد ونقله كذلك ابن حجر في الإصابة 2/ 518. فالأثر ضعيف.
قريش عمر بهذه المهمة العظيمة والهامة أمر وارد وذلك لما له من مكانة عالية ومنزلة رفيعة في قريش، وما كان لأبيه وجدّه من مكانة تقدم ذكرها
(1)
، ولما تميز به رضي الله عنه من صفات خَلقية قويّة وخُلقية حميدة وما اتصف به من رجاحة العقل وصواب الرأي.
(1)
انظر ص: (61).
المطلب الثالث: إسلامه وهجرته،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: إسلامه:
ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى إسلام عمر رضي الله عنه بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة والتي كانت في
شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة
(1)
.
وروي أن إسلامه رضي الله عنه كان في السنة السادسة من
(1)
ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 422، وقال ابن حجر رحمه الله: جعل ابن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة، وقد ذكر من وجه آخر أن إسلامه كان عقب هجرة الحبشة الأولى فتح الباري 7/ 1.
وكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة في شهر رجب. وكانت بسبب اشتداد إيذاء قريش للمؤمنين، وعدم قدرة النبيّ صلى الله عليه وسلم على دفع الأذى عنهم، وأمره صلى الله عليه وسلم لهم بالهجرة إليها لأن بها ملكاً لا يظلم أحد عنده. وكان عدد المهاجرين فيها اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، ثم عاد هؤلاء المهاجرون بعد أن أشيع أن قريشاً أسلمت وذلك في شهر شوال من السنة نفسها، ثم أذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهم ولغيرهم بالهجرة إلى الحبشة مرة ثانية بعد أن تبين لهم كذب ما أشيع من إسلام قريش. وكان عدد المهاجرين في الهجرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة امرأة. مهدي رزق الله/ السيرة في ضوء المصادر الأصلية ص: 196 - 206.
البعثة
(1)
.
وثبت في الصحيح
(2)
أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد ما تعرض له عمر رضي الله عنه من ضرب قريش له لما أسلم وعقل ذلك، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ولد بعد البعثة بسنتين لأن عمره كان يوم غزوة أحد أربعة عشر عاماً
(3)
، وكانت أحد بعد البعثة بستة عشر عاماً، فإذا كان إسلام عمر رضي الله عنه في السنة الخامسة من البعثة يكون عمرُ ابن عمر ثلاث سنوات وهو سن لا يعقل فيه الطفل غالباً
(1)
ابن سعد/ الطبقات 3/ 269، 270، من طريق الواقدي.
(2)
البخاري 2/ 323.
(3)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 30، وانظر: ابن حجر/ فتح الباري 7/ 392.
غزوة أحد، نسبة إلى الجبل الذي وقعت بجواره وهو جبل أحد الذي يقع شمال المدينة ويبعد عن المسجد النبويّ بخمسة ونصف كيلومتر وطوله ست كيلومترات وارتفاعه ثلاثمائة وخمسين متراً. انظر: عبد العزيز كعكي/ معالم المدينة المنورّة 1/ 118 - 138.
وكانت في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، وكان عدد المسلمين فيها ألف رجل انحذل منهم ثلاثمائة من المنافقين بزعامة عبد الله بن أبي بن سلول، وعاد إلى المدينة. وهزم فيها المسلمون بسبب مخالفة الرماة لأمره صلى الله عليه وسلم بعدم مغادرة أماكنهم. مهدى زرق الله/ السيرة في ضوء المصادر الأصلية ص:379.
والذي أرى أنه أقرب للصواب أن يكون إسلام عمر في السنة السادسة أو السابعة
(1)
.
أما تحديد اليوم والوقت الذي أسلم فيه، فروي أنه كان يوم الثلاثاء
(2)
.
وقيل يوم الخميس
(3)
، وقيل يوم الجمعة
(4)
، وقيل إن إسلامه كان
(1)
وانظر: ابن كثير/ البداية والنهاية 3/ 79. حيث رجح رحمه الله تأخر إسلام عمر رضي الله عنه حتى السنة التاسعة من البعثة.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 242، البزار/ المسند 400 ـ 403، الحاكم/ المستدرك 3/ 502، 503، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 27 - 29، ابن قدامة/ الرقه 78 - 80. وفي إسناده عند ابن سعد والحاكم الواقدي، ورواه بقية من رواه من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده، وإسحاق بن إبراهيم ضعيف. تق 99 وكذا أسامة بن زيد. تق 98 فالأثر ضعيف.
(3)
رواه الإطرابلسي/ فضائل الصحابة ص 127، 129، التيمي/ الحجة في بيان المحجة 2/ 340، 343، ابن قدامة/ الرقة ص 68 - 70، وفي إسناده عند الإطرابلسي شيخه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري، رماه النسائي بالكذب. ميزان الاعتدال 3/ 15. وفيه عند التيمي وابن قدامة عمران بن موسى بن طلحة، ذكره البخاري في التاريخ الكبير 6/ 422، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 142، وفيه عندهما من لم أجد لهم تراجم. فالأثر ضعيف.
(4)
رواه ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 224، الطبراني/ مجمع البحرين 6/ 240، الضياء المقدسي/ المختارة 7/ 142، كلهم من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، قال أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك. والقاسم ابن عثمان قال عنه البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها، وقال الذهبي: قلت حدث عنه إسحاق الأزرق بمتن محفوظ، وبقصة إسلام عمر وهي منكرة جداً. ميزان الاعتدال 3/ 375. فالأثر ضعيف.
بعد صلاة المغرب
(1)
.
أما كيفية إسلامه رضي الله عنه فقد وردت فيها نصوص عديدة مختلفة من طرق ضعيفة وهي بمجموعها تفيد أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بسبب سماعه القرآن وتأثره به، وأما الروايات فهي:
الرواية الأولى:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ: {إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ
(1)
رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 31، 32، وفي إسناده كافور الليثي شيخ ابن عساكر لم أجد له ترجمة، وأبو العباس عبد الله بن عبد الله البخاري لم أجد له ترجمة كذلك، وفيه عيسى بن موسى غنجار، قال الذهبي: صدوق، وقال الدارقطني: لا شيء. ميزان الاعتدال 3/ 325، وأبو طيبة عبد الله بن مسلم السلمي صدوق يهم. تق 323، وإبراهيم بن عبيد قاضي مرو، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 113 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ}، فقلت: كاهن، فقال:{وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}
(1)
إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع
(2)
.
الرواية الثانية:
قال عمر: كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة
(3)
(1)
سورة الحاقة. الآيات من 40 - 47.
(2)
رواه أحمد/ المسند 1/ 17، قال: ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان بن عمرو السكسكي ثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب:
…
، وهذا السند رجاله ثقات، ولكن شريح بن عبيد لم يدرك عمر رضي الله عنه كما قال ابن كثير نقلاً عن أبي زرعة الرازي وغيره. مسند الفاروق 2/ 619، وانظر: العلائي/ جامع التحصيل ص 195، وابن حجر/ تهذيب الكمال 4/ 329، فرواية شريح عن عمر منقطعة. ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 24، وابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 53، 54، وابن كثير/ مسند الفاروق 2/ 618، وابن حجر/ الإصابة 1/ 244 كلهم من طريق أحمد به مثله. فالأثر ضعيف.
(3)
الحَزْوَرَة: هي ما يعرف اليوم باسم القشاشية، مرتفع يقابل المسعى من مطلع الشمس كان ولا يزال سوقاً من أسواق مكة. عاتق البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 98. أقول: وقد أزيل الآن في توسعة المسجد الحرام.
عند دور آل عمر بن عبد الله بن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحداً، فقلت: لو أني جئت فلاناً الخمار وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمراً فأشرب منها، فخرجت فجئته فلم أجده فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعاً أو سبعين، فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام
(1)
، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني، فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه، فجئت من قبل الحجر،
(1)
كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل أن تفرض عليه الصلوات الخمس صلاة بالغداة وصلاة بالعشي انظر: ابن حجر/ فتح الباري 8/ 671.
وكان صلى الله عليه وسلم يتجه في صلاته إلى بيت المقدس حتى حوله الله عز وجل إلى الكعبة لما نزل قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} سورة البقرة الآية: 144. فتوجه صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة وكان ذلك بعد الهجرة على رأس ثمانية عشر شهراً بعد أن صلّى صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً. السيرة في ضوء المصادر الأصلية ص: 335، 336.
فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة
(1)
، فلما سمعت القرآن رق له قلبي، فبكيت، ودخلني الإسلام، فلم أزل قائماً في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن حسين، وكانت طريقه حتى يجزع
(2)
المسعى ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري
(3)
، ثم على دار الأخنس بن شريق
(4)
حتى يدخل بيته، وكان
(1)
وهذا يدلّ على أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية وتسدل عليها ثيابها فقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة: أن قريشاً كانت تكسو الكعبة في الجاهلية، ويلزمون القبائل بدفع ما يستطيعون من أجل كسوتها حتى تكفل بذلك أبو ربيعة ابن المغيرة المخزومي وكان ثرياً، فكان يأتي بالحبرة الجيدة من الجند باليمن فيكسوها الكعبة. 1/ 251.
(2)
جَزَع المسعى: قطعه، ولا يكون إلا عرضاً. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 269.
(3)
أَزْهَرُ بن عوف بن عبد الحارث الزهري عم عبد الرحمن بن عوف، كان ممن بعثهم عمر لنصب أعلام الحرم. الإصابة 1/ 29، 30.
(4)
الأَخْنَس بن شريق بن عمرو الثقفي حليف بني زهرة، كان من المؤلفة، وشهد حنيناً ومات في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ابن حجر/ الإصابة 1/ 25.
مسكنه في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان، قال عمر: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار أزهر أدركته، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تتبعته لأوذيه، فنهمني
(1)
، ثم قال:"ما جاء بك يابن الخطاب هذه الساعة"؟ قلت: جئت لأومن بالله ورسوله، وبما جاء من عند الله، فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:"هداك الله يا عمر"، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته
(2)
.
(1)
نهمني: النّهْمُ والنّهِيمُ: صوت وتوعد وزجر، الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 4/ 186.
(2)
رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 1/ 427، 428، قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن أصحاب عطاء ومجاهد أو عن من روى ذلك، وهذا السند رجاله ثقات ولكن فيه الشك بمن حدث ابن أبي نجيح وعطاء ومجاهد ثقتان روايتهما عن عمر مرسلة، فالسند ضعيف.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة/ المطالب العالية ق 511/أ بلفظ ضرب أختي المخاض ليلاً فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة حارة
…
الخ.
قال ابن أبي شيبة حدثنا: يحيى بن يعلى الأسلمي ثنا عبد الله بن المؤمل بن وهب عن أبي الزبير عن جابر قال: كان أول إسلام عمر
…
، وفي السند يحيى ابن يعلى شيعي ضعيف. تق 598، وعبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث. تق 325، وأبو الزبير مسلم بن تدرس مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع من جابر بن عبد الله، فالأثر ضعيف، ورواه أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 39، 40، وابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 25 من طريق يحيى بن يعلى به مثله.
الرواية الثالثة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرج عمر متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة
(1)
قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمّداً، قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة
(2)
وقد قتلت محمداً؟ فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال:
(1)
في رواية ابن إسحاق، وكان نعيم بن عبد الله النحام رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم
…
حتى قال فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد يا عمر
…
الأثر.
والذي في رواية ابن سعد وابن شبه وأبي يعلم والحاكم ورجل من بني زهرة، فلعل عمر رضي الله عنه مرّ به رجلين نعيم العدوي والرجل من بني زهرة. هذا لو ثبتت هاتان الروايتان، ولكنهما لم تثبتا.
(2)
وذلك لأن بني هاشم أعمام النبي صلى الله عليه وسلم فهو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم. وأما بنو زهرة فهم أخوله لأن أمّه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة.
أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك
(1)
وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر ذامراً حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب
(2)
، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهينمة
(3)
التي سمعتها عندكم؟ وكانوا يقرأون (طه) فقالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا قال: فلعلكما قد صبوتما، فقال له ختنة: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟
فوثب عمر على ختنة، فوطئه وطئاً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها
(4)
بيده نفحة، فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟!
أتشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أن محمداً رسول الله؟ فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه قال: وكان عمر يقرأ
(1)
جاء مصرحاً باسمه في رواية ابن إسحاق وهو زوج أخت عمر فاطمة، سعيد بن ز يد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه.
(2)
خَبّاب بن الأرت التميمي أبو عبد الله من السابقين إلى الإسلام كان يعذب في الله. تق 192.
(3)
الهَيْنَمَة: الكلام الخفي الذي لا يفهم. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 290.
(4)
النَّفْح: الضرب والرمي. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 5/ 89.
الكتب فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، قم فاغتسل أو توضأ، فقام عمر ثم أخذ الكتاب، فقرأ (طه) حتى انتهى إلى قوله:{إنّني أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِم الصَّلوة لِذِكْرِي}
(1)
فقال: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس:"اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام"، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا
(2)
. فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى باب الدار حمزة وطلحة، وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى حمزة وَجل القوم من عمر، قال: نعم فهذا عمر، فإن يرد الله بعمر خيراً يسلم، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن غير ذلك يكن قتله علينا هيناً، والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يومئ إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل
(1)
سورة (طه) الآية 14.
(2)
هي دار الأرقم بن أبي الأرقم فقد كانت على الصفا، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يدخلها ويتوارى فيها عن المشركين، ويجتمع فيها هو وأصحابه و يقرؤهم القرآن ويعلمهم فيها، وفيها أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الأزرقي/ أخبار مكّة 2/ 260، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 2/ 519.
السيف
(1)
فقال: "أما أنت منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، اللهم هذا عمر ابن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب"، فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، فأسلم وقال: أخرج يا رسول الله
(2)
.
(1)
حمائل السيف: العواتق والصدر والأضلاع. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 442.
(2)
رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 1/ 423 - 426، قال ابن إسحاق رحمه الله: كان إسلام عمر فيما بلغني، والبلاغ منقطع فالسند ضعيف.
ورواه ابن سعد/الطبقات 3/ 267 - 269 فقال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال:
…
وهذا السند ضعيف تقدم الكلام عليه في ص: (127، 128)، ورواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 222 - 224 من طريق إسحاق الأزرق به مثله، ورواه البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان ص: 137 - 141 من طريق الواقدي وهو متروك، ورواه أبو يعلى/ المطالب العالية ق 511/أ من طريق إسحاق الأزرق به مثله والدارقطني/ السنن 1/ 123 من الطريق السابق، ورواه الحاكم/ المستدرك 4/ 59، 60 فقال: أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب ثنا محمد بن أحمد بن الوليد الأنطاكي ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، وهذا السند ضعيف فيه محمد بن أحمد الأنطاكي قال ابن أبي حاتم سئل أبي عنه فقال: شيخ. الجرح والتعديل 2/ 74.
قال الذهبيّ رحمه الله: قوله: (يعني: أبا حاتم) شيخ ليس هو عبارة جرح، ولكنها أيضاً ما هي عبارة توثيق. وبالاستقراء يلوح لك أنّه ليس بحجّة.
ميزان الاعتدال 2/ 385. وانظر: عبد العزيز اللعبد اللطيف/ ضوابط الجرح والتّعديل ص: 141.
وفيه إسحاق الحنيني ضعيف. تق 99، وفيه أيضاً أسامة بن زيد بن أسلم ضعيف من قبل حفظه، تق 98، وأيضاً فإن زيد بن أسلم ثقة لكن روايته عن عمر مرسلة، وقال الذهبي رحمه الله في استدراكه على الحاكم واهٍ منقطع. ورواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة ق 362 ب، ق 363 أ من طريق الحنيني به مثله، ورواه كذلك في دلائل النبوة ص 241 وفي سنده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك. تق 102، رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 26 من طريق إسحاق بن أبي فروة وكذلك في ص 30 - 34 من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق به مثله عند ابن سعد. فالأثر ضعيف.
الرواية الرابعة:
وهذه الرواية لا تختلف في مضمونها عن الرواية السابقة، إلا أن فيها أن عمر رضي الله عنه لما ضرب أخته وقرأ الصحيفة التي معها فإذا فيها:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} حتى بلغ
{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولهِ وأنفقوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}
(1)
.
(2)
الرواية الخامسة:
وهي لا تختلف عن الروايتين السابقتين في كيفة الإسلام ولكن فيها أن عمر رضي الله عنه لما دخل على أخته وضربها حتى ظن أنه قتلها ثم قام من السحر فسمع صوتها تقرأ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ، فقال: والله ما هذا بشعر
…
الخ
(3)
.
(1)
سورة الحديد الآية 1، 7.
(2)
رواه البزار/ المسند 1/ 400 - 403، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 27 - 29، ابن قدامة في الرقة ص 78 - 80، ابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 54، 55 كلهم من طريق إسحاق ابن إبراهيم الحنيني عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده، وهذا السند ضعيف، تقدم الكلام عليه في الورقة السابقة.
(3)
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 2/ 97، فقال: حدثنا أحمد بن محمد بن حمزة ثنا إسحاق ابن إبراهيم حدثنا يزيد بن ربيعة الرحبي، ثنا أبو الأشعث الصنعاني عن ثوبان مولى رسول الله، وهذا السند فيه يزيد بن ربيعة قال البخاري: أحاديثه مناكير، وقال أبو حاتم وغيره ضعيف، وقال النسائي متروك ميزان الاعتدال 4/ 422 فالأثر ضعيف.
الرواية السادسة:
وفيها أن قريشاً اجتمعوا فقالوا: من يدخل على هذا الصابئ، فيرده عما هو عليه فيقتله؟ فقال عمر بن الخطاب: أنا، فأتى العين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن عمر يأتيك فكن منه على حذر، فلما أن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، قرع عمر الباب، وقال افتحي يا خديجة: فلما دنت قالت: من هذا، قال: عمر، قالت: يا نبي الله هذا عمر، فقال من عنده من المهاجرين وهم تسعة صيام وخديجة عاشرهم: ألا نشتفي يا رسول الله، فنضرب عنقه؟
قال: "لا"، ثم قال:"اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب"، فلما دخل قال: ما تقول يا محمد؟ قال: "أقول أتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وتؤمن بالجنة والنار، والبعث بعد الموت" فبايعه وقبل الإسلام، وصبوا عليه الماء حتى اغتسل، ثم تعشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات يصلي معه، فلما أصبح اشتمل على سيفه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه، والمهاجرين خلفه حتى وقف على قريش وقد اجتمعوا، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فتفرقت حينئذ قريش من مجالسها
(1)
.
(1)
رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 31، 32، ضعيف تقدم الكلام على إسناده في ص (128) عند ذكر إسلام عمر بعد صلاة المغرب وهو جزء من هذا الخبر.
إيذاء قريش لعمر بعد إسلامه:
وبعد دخول عمر رضي الله عنه في الإسلام جهر بدينه على ملأ قريش
(1)
قال ابن عمر رضي الله عنهما لما أسلم أبي قال: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه فغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت، ودخلت دين محمّد؟
قال: فوالله ما رجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش - وهم في أنديتهم حول الكعبة - ألا إن عمر قد صبا
(2)
وعمر خلفه يقول:
(1)
جاء في رواية عند الطبراني/ المعجم الكبير 11/ 16 عن ابن عباس رضي الله عنهما "أول من جهر بالإسلام عمر" وفي سنده شيخ الطبراني أحمد بن يحيى الرقى لم أجد له ترجمة وفيه عبد الله بن لهيعة، صدوق اختلط بعد احتراق كتبه. تق 319.
(2)
صَبَأَ: يقال صبأ فلان إذا خرج من دينٍ إلى دينٍ غيره. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 3/ 3.
كذب، ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
وبعد إعلان عمر رضي الله عنه إسلامه وعلم قريش بذلك قامت قريش إلى عمر فضربوه وضربهم وقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤسهم وتعب عمر رضي الله عنه فكف عنهم وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم فاحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا.
ولقد كان في شيوخ قريش ورجالاتها من يتصف بصفات حميدة كإغاثة الملهوف وحماية المظلوم ورفع الظلم والوفاء بالعهود والمواثيق مع تمسكهم بوثنيتهم وشركهم، ولم يكن ذلك ديناً فيهم، وإنما كان في كثيرٍ من الأحيان حمية وعصبية، فقد مر بعمر رضي الله عنه وهو يضرب شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى
(1)
، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر. فقال: فمه، رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟! خلوا عن الرجل، قال: فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه، قال ابن عمر رضي
(1)
الحَبِير من البرود: ما كان موشياً مخططاً وهو برد يماني ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 328.
الله عنهما لأبيه بعد هجرتهما: يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك؟
فقال: أي بني، العاص بن وائل السهمي
(1)
.
غير أن تذكير ذلك الشيخ قريشاً بمنزلة عمر وقبيلته وحثه قريشاً على ترك عمر وشأنه لم يمنع قريشاً من ملاحقة عمر رضي الله عنه فيما بعد، وخوف عمر رضي الله عنه على نفسه منهم، قال ابن عمر رضي الله عنه: بينما عمر رضي الله عنه في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية
(2)
، فقال: ما بالك؟ قال: زعم قومك
(1)
رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 1/ 428 ـ 430، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 42، 43، البزار/ المسند 1/ 260، 261، الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 72، مجمع البحرين 6/ 241، 242، الحاكم/ المستدرك 3/ 85، أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 41، البيهقي/ السنن الكبرى 6/ 205، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 37، 38 ابن الأثير/ أسد الغابة 1/ 260، 261 المقدسي/ المختاره 1/ 331، صحيح من رواية ابن إسحاق. قال: حدّثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر
…
الأثر.
(2)
وذلك لأن أبناء عبد مناف بن قصيّ، وعبد الدار بن قصيّ اختلفوا فيمن يلي أمور السقاية والرفادة والحجابة واللواء والندوة، وذلك بعد وفاة عبد مناف وعبد الدار، فانقسمت قريش قسمين: قسم مع بني عبد مناف وهم: بنو أسد وزهرة وتميم والحارث فكانوا حلفاً، وكان بنو مخزوم وسهم وجمع وعدي مع بني عبد الدار حلفاً آخر. ابن هشام/ السيرة النبويّة 1/ 180.
أنهم سيقتلوني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك، وبعد أن قالها أمنت فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟.
فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ، قال: لا سبيل إليه، فكَّر الناس
(1)
.
وكان إسلام عمر رضي الله عنه فيما روي بعد تسعة وثلاثين رجلاً
(2)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 323.
(2)
رواه الإطرابلسي/ فضائل الصحابة 127، 129، الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 306، الحاكم/ المستدرك 3/ 504، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 381، أبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان المحجة 2/ 340، 343، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 35، 36، 39، ابن قدامة/ الرقه 68 ـ 70، الضياء المقدسي/ المختارة 4/ 84. وفي سنده عند الإطرابلسي شيخه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العُمَري رماه النسائي بالكذب. ميزان الاعتدال 3/ 15، وفيه عند الطبراني والحاكم وأبو نعيم وابن عساكر والضياء المقدسي عثمان بن عبد الله ابن الأرقم ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/ 155، والبخاري في التاريخ الكبير 6/ 232 ولم يذكرا فيه جرحاً وتعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 198 فهو مجهول العين، وفيه عند أبي القاسم التيمي وابن قدامة في الرقه عمران بن موسى بن طلحة ذكره البخاري في التاريخ الكبير 6/ 422، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 242 فهو أيضاً مجهول وفي إسنادهما أيضاً ممن لم أجد له تراجم. ورواه ابن عساكر أيضاً من وجه آخر بمتن مختلف وفيه أن عمر أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً فصاروا أربعين فنزل جبريل بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وفي إسناد محمد بن داود بن خلف الهمداني لم أجد له ترجمه وإسحاق بن بشر الأسدي لم أجد له ترجمة كذلك وإن كان هو الكاهلي فهو متهم بالكذب والوضع كما في ميزان الاعتدال 1/ 186 وفيه أيضاً خلف بن خليفة صدوق اختلط. تق:194.
وفي متنه أيضاً نكارة حيث قال ابن كثير رحمه الله: وقد روى سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير أن هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} أنزلت حين أسلم عمر، وفي هذا نظر، لأن الآية مدنية وإسلام عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة، التفسير 2/ 324.
وقيل: إن إسلامه كان بعد أربعين رجلاً
(1)
.
وقيل: بعد خمسة وأربعين رجلاً
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 12، 340، البلاذري/ أنساب الأشراف 136 بإسناد رجاله ثقات ولكنه من رواية هلال بن إساف وهو ثقة من الثالثة، وهي طبقة تلي كبار التابعين. تق 576 روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 269، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 225، الطبري/ التاريخ 2/ 565، ابن عساكر/تاريخ دمشق ص 36 كلهم من طريق الواقدي وهو متروك.
وأمّا عدد النساء اللاتي سبقن عمر بالإسلام فقيل إنهن إحدى عشرة إمرأة
(1)
. وقيل إحدى وعشرين
(2)
.
وهذه الروايات لا تخلو من ضعف كما هو مبين في الهامش ولكنها متقاربة في تحديد العدد، فالرواية الأولى حددت عدد الرجال السابقين لعمر بالإسلام بتسعة وثلاثين والثانية حددتهم بأربعين والثالثة بخمسة وأربعين وهذا فارق غير معتبر إذ إنّ زيادة العدد أو نقصه بواحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أمر معتاد في الإحصاء حيث إن بعض المسلمين كان يخفي إسلامه فيعلم به البعض ويخفي على البعض.
وعلى أيّ حال فإن إسلام عمر رضي الله عنه كان في السنة السادسة أو السابعة كما تقدم ذلك
(3)
. إلاّ أن تحديد عدد من أسلم من الرجال بأربعين
(1)
رواه ابن أبي شيبة/المصنف 7/ 12، 340، البلاذري/ أنساب الأشراف 136، تقدم الكلام عليه في الصفحة السابقة حاشية (1)، في ذكر تحديد من أسلم من الرجال قبل عمر بخمسة وأربعين.
ورواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 269، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 225 كلاهما من طريق الواقدي.
(2)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 565 من طريق الواقدي.
(3)
انظر ص: (125، 126).
أو نحوها والنساء بعشرة أو عشرين فيه نظر، فإن ابن إسحاق رحمه الله ذكر أن عدد المهاجرين إلى الحبشة الهجرة الثانية كانوا ثلاثة وثمانين رجلاً
(1)
.
ونقل ابن حجر عن ابن جرير الطبري أن نساءهم وأبناءهم كانوا معهم، فقال: وقيل: إن عدة نسائهم ثمان عشرة امرأة
(2)
.
وقد ذكر ابن إسحاق أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة. لذلك قال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر إسلام عمر كان بعد الهجرة الثانية للحبشة: "وهذا يرد قول من زعم أنه (أي: إسلام عمر) كان تمام أربعين من المسلمين، فإن المهاجرين إلى الحبشة كانوا فوق الثمانين، اللهم إلا أن يقال: إنه كان تمام الأربعين بعد خروج المهاجرين"
(3)
.
ولعلّ مما يؤيّد كلام ابن كثير رحمه الله قول ابن إسحق رحمه الله بعد ذكره لأسماء المهاجرين إلى الحبشة وهم ثلاثة وثمانون رجلاً
(4)
. ثم ذكر إسلام عمر رضي الله عنه فقال: "وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من
(1)
السيرة النبويّة 1/ 408.
(2)
فتح الباري 7/ 189.
(3)
السيرة النبويّة 2/ 33.
(4)
السيرة النبويّة 1/ 408.
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة"
(1)
.
وكان في إسلام عمر رضي الله عنه عز ورفعة ومنعة للإسلام والمسلمين وذلك لمنزلته العالية وشخصيته المهيبة في أوساط المجتمع الجاهلي.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر
(2)
.
وروي عن صهيب بن سنان الرومي
(3)
رضي الله عنه أنه قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا
(4)
.
(1)
المصدر السابق 1/ 422.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 294، ابن أبي شيبة: المصنف 6/ 354، ابن شبه/ تاريخ المدنية 2/ 226 وغيرهم.
(3)
صهيب بن سنان الرّوميّ يعرف بذلك لأنّه أخذ لسان الرّوم إذ سَبَوْه وهو صغير وهو نمريّ من النّمر بن قاسط، هرب من الرّوم وقدم مكّة فحالف عبد الله بن جدعان التميمي وأقام معه، وكان يكنّى بأبي يحيى، أسلم بعد بضعة وثلاثين رجلاً. مات صهيب بالمدينة سنة ثمان وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين ودفن بالبقيع. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب 2/ 282 - 287.
(4)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 269، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 225، البلاذري/ أنساب الأشراف 144، 145، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 40، كلّهم من طريق الواقدي وهو متروك.
وروي كذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أسلم عمر قال المشركون: اليوم انتصف القوم منا
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه لما أسلم في دار الأرقم خرج المسلمون بعد إسلامه من الدار وطافوا بالبيت ظاهرين وهم يكبرون
(2)
.
وجاء في رواية أخرى: أن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم: يا رسول الله
علام نخفي ديننا ونحن على الحق، ويظهر دينهم
(1)
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 11/ 255، الحاكم/ المستدرك 3/ 85، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 39 كلهم من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني عن النضر أبي عمر الخزار وهو متروك. تق 562.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 242، ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 224، البزار/ المسند 6/ 57، ابن الأعرابي/ المعجم 2/ 156، الطبراني/ مجمع البحرين 6/ 240، الحاكم/ المستدرك 3/ 502، 503، الضياء المقدسي/ المختاره 7/ 142، 143، وفي سنده عند ابن شبه والطبراني والمقدسي القاسم بن عثمان البصري، قال البخاري له أحاديث لا يتابع عليها، قال الذهبي: قلت: حدث عنه إسحاق الأزرق بمتن محفوظ، وبقصة إسلام عمر وهي منكرة جداً، ميزان الاعتدال 3/ 375.
وفيه عند ابن سعد والحاكم الواقدي وهو متروك، وعند البزار إسحاق بن إبراهيم الحنيني وهو ضعيف. تق 99، وأسامة بن زيد بن أسلم وهوكذلك ضعيف. تق 98. فالأثر ضعيف.
وهم على الباطل، فخرج عمر، فطاف بالبيت ثم مر بقريش وهي تنتظره، فقال أبو جهل: زعم فلان إنك صبوت، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون إليه، فوثب على عتبة بن ربيعة، فبرك عليه، فجعل يضربه، وأدخل إصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وكانت تلك العزة بإسلام عمر استجابة من الله لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعز الله دينه وينصره بأحب الرجلين إليه بأبي جهل أو عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(2)
.
(1)
رواه الإطرابلسي/ فضائل الصحابة 127، 129، أبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان المحجة 2/ 340، 343، ابن قدامة/ الرقه 68 ـ 70، وقد تقدم الكلام على أسانيدهم في ص (143) حاشية (2).
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 267، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق أخبرنا أبو القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال: خرج عمر
…
إلى آخره. وفي هذا الإسناد القاسم بن عثمان البصري قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها. قال الذهبي: حدّث عنه إسحاق الأزرق بمتنٍ محفوظٍ وبقصة إسلام عمر وهي منكرة جداً. ميزان الاعتدال 3/ 375.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أحمد/ المسند 2/ 95، قال: ثنا أبو عامر العقدي ثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر. وفي هذا الإسناد خارجة بن عبد الله ضعّفه أحمد والدارقطني، وقال ابن عديّ: لا بأس به. وقال ابن معين: ليس به بأس. ميزان الاعتدال 1/ 625.
قال ابن أبي خيثمة: قلت: لابن معين: إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف. قال: إذا قلت لك: ليس به بأس فهو ثقة. لسان الميزان 1/ 13.
وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. وبقية رجال السند ثقات. فضائل الصحابة 1/ 249، 250، 405.
قال أحمد: قثنا أبو كريب الهمداني محمّد بن العلاء قثنا يونس بن بكير عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس. وفي هذا الإسناد يونس بن بكير، صدوق يخطئ، تق: 613، وفيه النضر أبو عمرو ضعّفه أحمد والدّارميّ. وقال البخاري: ضعيف ذاهب الحديث. وقال أبو داود: أحاديثه بواطيل. وقال النسائي: متروك. الميزان 4/ 260. وقال ابن حجر: متروك تق: 562. وبقية رجال السند ثقات.
عبد بن حميد/ المنتخب من المسند ص: 245، قال: حدّثنا عبد الملك بن عمر ثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر تقدم دارسة هذا السند عند الكلام على سند أحمد في المسند.
ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 224، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك تقدمت دراسته في سند ابن سعد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الترمذي/ السنن 5/ 279، 280، قال: حدّثنا محمّد بن بشار ومحمّد بن رافع قالا: أخبرنا أبو عامر العقدي أخبرنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر. تقدمت دراسته في سند أحمد في المسند.
وقال التّرمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر. البزار/ المسند 6/ 57. قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر البرمكي قال: أنا إسحاق بن يوسف قال: نا القاسم ابن عثمان عن أنس بن مالك عن خباب بن الأرت. تقدم الكلام عليه في سند ابن سعد.
ابن الأعرابي/ المعجم 2/ 156. أخبرنا أحمد بن عبد الجبار نا يونس بن بكير عن النضر أبي عمر عن عكرمة بن عباس. تقدمت دراسته في سند أحمد في فضائل الصحابة.
ابن حبان/ الصحيح 9/ 17. قال: أخبرنا الحسن بن سفيان حدّثنا عبد الرحمن ابن معروف حدّثنا زيد بن الحباب حدّثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت سمعت نافعاً يذكر عن ابن عمر. تقدمت دراسته في سند أحمد في المسند.
الطبراني/ المعجم الكبير 10/ 196، 197. قال: حدّثنا محمّد بن العباس الأصبهاني ثنا عمر بن محمّد بن الحسن الأسدي حدّثنا أبي ثنا يحيى بن زكريا ابن أبي زائده عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود. محمّد بن العباس الأصبهاني الأخرم ترجم له الذهبي في السير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. 14/ 144. عمر بن محمّد بن الحسن بن الزبير الأسدي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
صدوق ربّما وهم. تق: 417. يحيى بن زكريا بن أبي زائده ثقة متقن تق: 590. مجالد بن سعيد ليس بالقوي. تغير في آخر عمره تق: 520. وبقية رجاله ثقات.
مجمع البحرين 6/ 240، 241. قال: حدّثنا أحمد ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن القاسم بن عثمان أبي العلاء البصري عن أنس ابن مالك. تقدمت دراسته في سند ابن سعد.
الحاكم/ المستدرك 3/ 83. قال: حدّثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأنا عبيد الله بن حاتم العجلي الحافظ ثنا عمر بن محمّد الأسدي ثنا أبي ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائده عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود. تقدمت دراسته في سند الطبراني في المعجم.
أبو نعيم/ الإمامة ص: 287، 288. قال: حدّثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبد الله ابن حفص الحراني ثنا أبو كريب ثنا يونس بن بكير عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس. تقدمت دراسته في سند أحمد في الفضائل.
حلية الأولياء 5/ 361. قال: حدّثنا محمّد بن عمر بن سلم ثنا محمّد بن سهل أبو عبد الله ثنا مضارب بن بديل حدّثني أبي ثنا مبشّر بن إسماعيل عن نوفل ابن أبي الفرات الحلبي عن عمر بن عبد العزيز عن سالم عن أبيه. محمّد بن عمر ابن سلم ومحمّد بن سهل أبو عبد الله وأبوه لم أجد لهم تراجم. مبشر بن إسماعيل قال فيه ابن سعد: كان ثقة مأموناً. وقال الذهبي: تكلم فيه بعضهم بلا حجّة. السير 9/ 201 - 202. نوفل بن الفرات ذكره ابن حبان في الثقات 9/ 221. عمر بن عبد العزيز هو: الخليفة الأموي المعروف. سالم بن عبد الله ابن عمر ثقة. وعبد الله بن عمر هو: الصحابي المعروف. ورجال إسناد الأثر عند أحمد في المسند والترمذي في السنن ثقات سوى خارجة بن عبد الله الأنصاري فهو صدوق له أوهام كما تقدم.
فالأثر حسن بهذا الطريق. وأمّا أسانيد بقية من رواه فلا تخلو من متكلم فيه كما تقدم. وقد صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي 3/ 204. وضعّفه في ضعيف الترمذي ص: 493. ووافق الترمذي في قوله: "حديث حسن صحيح غريب" في مشكاة المصابيح 3/ 1707 حيث قال: "وهو كما قال الترمذي".
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دعا أن يعز الدين بعمر بن الخطاب خاصة
(1)
.
(1)
رواه أحمد/ فضائل الصحابة 1/ 262، ابن ماجه/ السنن 1/ 39، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 3/ 266، الخلال/ السنة 311، ابن الأعرابي/ المعجم 1/ 311، ابن حبان/ الصحيح 9/ 17، الطبراني/ المعجم الكبير 2/ 97، الحاكم/ المستدرك 3/ 83. البيهقي/ السنن الكبرى 6/ 370.
ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 22 ـ 24، 44، 51، 52. وإسناده عند أحمد رجاله ثقات لكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة.
وفيه عند ابن ماجة والفسوي وابن حبان والحاكم والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون صدوق له أغلاط. تق 364، وفيه مسلم بن خالد الزنجي صدوق كثير الأوهام. تق 529، وفي إسناده عند الخلال عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، صدوق اختلط قبل موته، قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ابن معين: وأحاديثه عن القاسم صحاح وهو هنا يروي عن القاسم ابن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود، تهذيب الكمال 17/ 223، 224، الكواكب النيرات ص:296. وقال أبو الحسن القطان: اختلط حتى كان لا يعقل، فضعف حديثه، وكان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعد.
وقال ابن المديني: ثقة يغلط فيما روي عن عاصم وسلمة بن كهيل. ميزان الاعتدال 2/ 574، 575.
وقال ابن حجر وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط. تق 344.
وبقية رجال السند ما بين ثقة وصدوق. وفي سنده عند ابن الأعرابي مبارك ابن فضالة صدوق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله ثقات.
وفي إسناده عند الطبراني شيخه أحمد بن محمّد بن يحيى بن حمزة البلتهي الدمشقي قال ابن حجر: له مناكر. وقال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر. وحدّث عنه أبو الجهم الشعراني ببواطيل. لسان الميزان 1/ 295.
وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي الدمشقي قال البخاري: أحاديث مناكير. وقال أبو حاتم وغيره: ضعيف. وقال النسائي: متروك. وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة. وأمّا عديّ فقال: أرجو أنه لا بأس به. ميزان الاعتدال 4/ 422.
وراه ابن عساكر من طريق آخر وفيه شيخه أبو طالب عليّ بن حيدرة ذكره الذهبي في السير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. سير أعلام النبلاء 2/ 520. ولكنه هنا قد تابعه أبو القاسم نضر بن أحمد السوسي. قال عنه ابن عساكر: شيخ مستور لم يكن الحديث من شأن. السير 2/ 248. وفيه أبو العلاء بن هلال الباهلي قال ابن حجر فيه: لين. تق: 436. والأثر عند أحمد وابن ماجة والفسوي والخلال وبن الأعرابي وابن عساكر والطبراني ليس فيه قوله: "خاصة". فالأثر حسن من غير العبارة: "خاصة" وصحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 24.
وجاء في رواية ضعيفة أنه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو عامر
(1)
(1)
عامر بن الطُفَيل: ابن مالك بن جعفر العامري من بني عامر بن صعصعة فارس قومه، وأحد فتاك العرب وشعرائهم، وسادتهم في الجاهلية، الزركلي/ الاعلام 3/ 252.
وروى ابن إسحاق قصته في حادثة بئر معونة، وطلبه من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبعث إلى أهل النجد من يبلغهم الإسلام ويعلمهم دينهم، وتعهد عامر بحمايتهم ثم ذكر غدره بالقراء وقتله لهم. ابن هشام/ السيرة النبويّة 3/ 260، 266. وذكر هذه القصة أيضاً البخاري في صحيحه. وذكر أيضاً تهديد عامر بن الطفيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه سيغزوه بغطفان. وأن الله أخذه فطعن فمات. كتاب المغازي/ باب غزوة الرجيع 2/ 27 - 29. وذكر خبره أيضاً ابن كثير في تفسير 2/ 506 عند تفسير قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا
…
} الآية، وأنه أراد مع إربد بن قيس العامري قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم، فحماه الله وقتل إربد بالصاعقة وطعن عامر في بيت سلولية في مكان يعرف بالجرم، وخرجت غدة كغدة. الجمل في حلقه فمات منها. وذكر ذلك أيضاً ابن هشام في السيرة 4/ 285، 286.
ابن الطفيل
(1)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعمر رضي الله عنه بعد إسلامه، وقال:"اللهم أخرج ما في صدره من غل، وابدله له إيماناً، ثلاث مرات، وضرب صدره بيده"
(2)
.
ثانياً: هجرته.
تقدم أن عمر رضي الله عنه تعرض بعد إسلامه للإيذاء من قبل مشركي قريش وذلك بعد أن أعلن إسلامه ولم يكف عنه المشركون حتى أجاره العاص بن وائل السهمي، فلما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة كان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين على الرغم من منزلته ومكانته بمكة التي تنكر لها القرشيون بعد إسلامه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: لما قدم المهاجرون الأولون من مكة إلى المدينة نزلوا
(1)
رواه أحمد/ فضائل الصحابة 1/ 263، ورجاله ثقات إلا أنه من مرسل محمد ابن سيرين.
(2)
رواه الطبراني/ مجمع البحرين 6/ 243، الحاكم/ المستدرك 3/ 84، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 34، 35 كلهم من طريق عبد الله بن محمد النفيلي عن خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وخالد ابن أبي بكر قال فيه ابن حجر: فيه لين. تق 187، وقال الذهبي في استدراكه على الحاكم: خالد له مناكير. وبقية رجاله عند الحاكم ثقات.
بالعصبة
(1)
إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان أكثرهم قرآناً، فيهم عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبدالأسد
(2)
.
وهاجر رضي الله عنه مستخفياً كالمهاجرين قبله والمهاجرين بعده ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه.
قال رضي الله عنه وهو يحكي قصة هجرته: اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة
(3)
، وهشام بن العاص بن وائل
(1)
العُصْبة: مكان كان من منازل بني جحجبا بالمدينة: قال البلادي: كانت العصبة أرضاً زراعية معروفة إلى عهد قريب، وهي من جهات قباء مما يلي قربان أو كذا قيل لي. معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 210، وبنو جَحْجَبا بطن من الأوس من بني عوف بن عمرو. عمر رضا كحالة، معجم قبائل العرب 1/ 168.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 2/ 352، 3/ 87، 88، ابن أبي شيبة/ المصنف 1/ 302، 303، ابن شبه/ تاريخ المدينة 1/ 48، 49، أبو نعيم/ معرفة الصحابة/ مخطوط 1/ 365/أ،، البيهقي/ السنن الكبرى 3/ 89، وسنده عند ابن سعد متصل ورجاله ثقات. قال أخبرنا أنس بن عياض وعبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. فالأثر صحيح، ورواه البخاري في الصحيح 1/ 128 من غير ذكر لعمر بن الخطاب.
(3)
تقدمت ترجمته في ص (68).
السهمي
(1)
التناضب من أضاة بني غفار
(2)
، فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه، قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، ففتن فافتتن
(3)
.
ولحق بعمر رضي الله عنه عدد من قرابته وحلفائهم وعددهم عشرون.
(1)
هشام بن العاص بن وائل السهمي كان قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة، وقتل شهيداً يوم أجنادين. ابن حجر/ الإصابة 3/ 604.
(2)
التَنَاضُب وأضاة بني غفار موضع واحد، الأضاة أرض تمسك الماء، فيتكون فيها الطين، والتناضب: شجرات في هذه الأضاة، وهي لا زالت مشاهدة على جانب وادي سرف الشمالي إلى جوار قبر أم المؤمنين ميمونة، وقد صارت التناضب والأضاة أرضاً زراعية لأناس من لحيان
…
وقدم قام بجانبها الغربي اليوم حي على بعد 13 كيلاً من مكة. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 64، 65.
(3)
رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 2/ 129، ابن سعد/ الطبقات 3/ 271، 272، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 228، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 3/ 272، البزار/المسند 1/ 258، 259 وغيرهم، صحيح من طريق ابن إسحاق. قال: فحدّثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال البراء بن عازب
(1)
رضي الله عنه: أول من قدم علينا - يعني المدينة - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وممن هاجر مع عمر رضي الله عنه ابنه عبد الله، فلما فرض عمر رضي الله عنه العطاء فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه
(3)
.
(1)
البراء بن عازب الأنصاري الخزرجي استصغر يوم بدر وشهد مع علي رضي الله عنه الجمل وصفين والنهروان ومات بالكوفة. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/ 239، 240.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 337، 3/ 214 وغيره. وانظر: فتح الباري 7/ 261.
(3)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 335، وقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ص 46 أن رجلاً قال لابن عمر: أنت هاجرت قبل أم عمر؟ قال: فغضب، فقال: لا بل هو هاجر قبلي، وهو خير مني في الدنيا والآخرة، وفي إسناد ابن عساكر أبو الفضل بن البقال وفرات بن أبي بحرلم أجد لهما ترجمة، وفيه أبو عبد الله يروي عن وكيع بن الجراح لم أعرفه، والنص السابق يدل على أن ابن عمر هاجر بعد عمر بن الخطاب وهو يعارض ما جاء في رواية الصحيح المذكورة في المتن ولكن هذا الخبر جاء عند البخاري في الصحيح 2/ 336، وابن شبه/ تاريخ المدنية 2/ 82، 83، بلفظ مختلف وفيه أن ابن عمر كان إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب وليس فيه أنه قال:"لا بل هو هاجر قبلي" وفيه ذكر لمبايعته عبد الله وأبيه عمر النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان.
ولما وصل عمر رضي الله عنه المدينة نزل ومن معه العُصبة
(1)
وهي من منازل الأوس، وجاء في رواية أنه نزل على رفاعة
(2)
بن عبد المنذر. ولا تعارض في ذلك فرفاعة من الأوس سكان العصبة.
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه هاجر علانية وهي رواية مشهورة ولكنها لم تأت من طرق ثابته، وفيها أن عمر رضي الله عنه لما هم بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى
(3)
في يده أسهماً،
(1)
تقدم الكلام عليها في ص (157).
(2)
رِفَاعة بن عبد المنذر بن زَنْبَر بن زيد بن أمية، من بني عمرو بن عوف من الأوس، نقيب شهد العقبة وبدراً وسائر المشاهد. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/ 79، 80. رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 157 من غير سند.
(3)
انْتَضَى: أي استخرج من كنانته. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 5/ 72، 73.
واختصر عنزته
(1)
ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ثم أتى المقام فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس
(2)
، من أراد ان تثكله أمه ويؤتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه
(3)
.
(1)
اختصر عنزته: أي: أمسك عنزته بيده، وهي شبه العكازة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 36.
(2)
المعاطس: هي الأنوف واحدها معطس لأن العطاس يخرج منها. المصدر السابق 3/ 256، 257.
(3)
رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 45، ابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 58، وفي إسناده عندهما الزبير بن محمد بن خالد العثماني وعبد الله بن القاسم الأيلي وأبيه القاسم لم أجد لهم تراجم وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً، دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 42، 43. وأشار الدكتور أكرم العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة إلى ضعف هذه القصة 1/ 206. وهذه القصة لم يذكرها ابن إسحاق وابن هشام وابن كثير في السيرة والذهبي في السيرة وابن حجر في الإصابة في ذكرهم لهجرة عمر رضي الله عنه.
وكان وصول عمر رضي الله عنه المدينة قبل وصوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء بن عازب المتقدم الذكر
(1)
حيث ذكر وصوله صلى الله عليه وسلم بعد قدوم عمر وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يصف حال المسلمين بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم: كنا قد استبطأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدوم علينا، وكانت الأنصار يغدون إلى ظهر الحرة، فيجلسون حتى يرتفع النهار، فإذا ارتفع النهار وحميت الشمس رجعت إلى منازلها، قال عمر: وكنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل من اليهود قد أومأ على أطم من آطامهم، فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا صاحبكم الذي تنتظرون، قال عمر: وسمعت الوجبة في بني عمرو بن عوف فأخرج من الباب، وإذا المسلمون قد لبسوا السلاح، فانطلقت مع القوم عند الظهر، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، حتى نزل في بني عمرو بن عوف
(2)
.
(1)
ص: (159).
(2)
رواه البزار/ المسند 1/ 406 وفي سنده محمد بن عيسى لم أجد له ترجمة وعبد الله بن شبيب إخباري علامه لكنه واه. ميزان الاعتدال 2/ 438، لكنه مقرون بالذي قبله، وفيه إسحاق بن محمد الفروي، صدوق كف فساء حفظه. تق 102، وفيه عبد الله بن زيد بن أسلم صدوق فيه لين. تق 304، وبقية رجاله ثقات.
وقد روى نحو حديث عمر رضي الله عنه البخاري في صحيحه من طريق عروة بن الزبير عن أبيه. فتح الباري 7/ 239، باب هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة شرع الله له المؤخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من الهجرة، وذلك بسبب ما لقيه المهاجرون من فقد أموالهم، وهجرهم لأوطانهم وأهليهم وإصابتهم بالحمى. فأصبح لكلّ مهاجري أخاً من الأنصار. وترتب على المؤخاة حقوق خاصة كالمواساة والتعاون على أعباء الحياة بين الاثنين وكذلك توارثهما دون ذوي الرحم. فلما ألف المهاجرون الحياة في المدينة، وعوضهم عن بعض ما فقدوه من أموالهم بعد موقعة بدر ألغى الله تعالى التوارث بنزول قوله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ
…
} الآية
(1)
.
وقد جاءت روايات متعددة في ذكر من أخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين عمر رضي الله عنه وبين بعض الصحابة فروي أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين عمر وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما
(2)
، وروي أنه آخى بينه وبين عتبان بن
(1)
سورة الأحزاب آية: 6.
انظر: أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة 1/ 241 - 247.
(2)
رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 4/ 274، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 157، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 2/ 91، الحاكم/المستدرك 3/ 14، وهو عند ابن هشام من غير إسناد، وكذا عند البلاذري وفيه عند ابن أبي عاصم أبو عبدالله الباهلي وغياث بن سفيان لم أجد لهما ترجمة، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وفيه عند الحاكم إسحاق بن بشر الكاهلي، متروك، متهم بالوضع. ميزان الاعتدال 1/ 186، وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي بكر وبين خارجة بن زيد الخزرجي رضي الله عنهما، السيرة النبوية لابن هشام 2/ 171.
مالك
(1)
وقيل بينه وبين عويم بن ساعدة
(2)
رضي الله عنهما. وقيل
(1)
عِتْبَان بن مالك بن عمرو العجلاني الأنصاري، شهد بدراً، كان ضرير البصر ثم عمي، مات في خلافة معاوية. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 305.
رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 2/ 173، ابن سعد/ الطبقات 3/ 272 وهو عند ابن إسحاق من غير سند، ورواه ابن سعد من طريق الواقدي. فالأثر ضعيف.
(2)
عويم بن ساعدة بن عائش الأنصاري شهد بدراً وأحداً والخندق ومات في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ابن خمس أو ست وستين. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 315، 316.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 272، البخاري/ التاريخ الصغير 1/ 69، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 229، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 111/ب.
وفي إسناده عند ابن سعد وابن شبه الواقدي، وفيه عند البخاري وأبي نعيم عاصم بن سويد الأنصاري مقبول. تق 285، وفيه الصفراء بنت عثمان بن عتبة بن عويم بن ساعدة لم أجد لها ترجمة. فالأثر ضعيف.
آخى بينه وبين معاذ بن عفراء
(1)
رضي الله عنه فالله أعلم.
وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أنه كانت هناك مؤاخاة أولى بين المهاجرين بعضهم بعضاً، لأن بعضهم كان أقوى بالمال والعشيرة، فعلى هذا يحمل ما ورد من مؤخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر، وهي مؤاخاة أولى
(2)
.
وأمّا أخو عمر رضي الله عنه من الأنصار فلم يرد في تحديده نصّ ثابت. ولا شكّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين أحد الأنصار، والذي أرجحه - والله أعلم - أنه عتبان بن مالك، لأنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان له جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم
(3)
، ووضح العلماء أن هذا الجار هو عتبان بن مالك، وذكر ابن حجر أنه ورد في كتاب الصلاة من صحيح البخاري أن عمر قال: كان لي أخ من الأنصار
(4)
.
وهذا هو الذي رجّحه ابن كثير وتابعه ابن أسحاق فيه
(5)
.
(1)
معاذ بن عفراء هو معاذ بن الحارث بن رفاعة الأنصاري البخاري المعروف بابن عفراء وهي أمه صحابي عاش إلى خلافة علي وقيل بعدها، وقيل بل استشهد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. تق 535.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 272 من رواية الواقدي.
(2)
فتح الباري 7/ 271.
(3)
رواه البخاري في الصحيح 1/ 28، 3/ 258.
(4)
فتح الباري 7/ 271، ولم أقف عليه.
(5)
انظر: ابن كثير/ السيرة النبويّة 2/ 325.
المطلب الرابع: حياته في الإسلام
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: التزامه الديني.
1 - قوة إيمانه:
لقد كان عمر رضي الله عنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المقربين وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بكمال الإيمان وصدق اليقين وذلك ثابت بالأحاديث الصحيحة التي سوف يأتي الكلام عليها في ذكر فضائل عمر رضي الله عنه بمشيئة الله تعالى.
ومن أقواله وأفعاله رضي الله عنه الدالة على صدق إيمانه واتباعه وتحقيقه التوحيد:
قوله رضي الله عنه وهو يستلم الحجر الأسود ويقبله: "أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"
(1)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 278، 279، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 9/ 15 - 17 وغيرهم، ورواه الحاكم/ المستدرك 1/ 457، 458، وفيه زيادة وهي أن علي بن أبي طالب قال لعمر بعد قوله ذلك: بلى يا أمير المؤمنين، إنه يضر وينفع، قال عمر: بم؟ قال: بكتاب الله، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قال الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} خلق الله آدم، ومسح على ظهره، فقررهم بأنه الرب وأنهم العبيد، وأخذ عهودهم ومواثيقهم، وكتب ذلك في رق، وكان لهذا الحجر عينان ولسان، فقال له: افتح فاك، قال: ففتح فاه، فألقمه ذلك الرق، فقال: أشهد لمن وفاك بالموافاة يوم القيامة، وإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود، وله لسان ذلق، يشهد لمن يستلمه بالتوحيد"، فهو يا أمير المؤمنين يضر وينفع، فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن، وفي إسناد هذه الرواية عند الحاكم: عمارة بن جوين أبو هارون العبدي، قال الذهبي: أبو هارون ساقط. وقال ابن حجر: متروك، ومنهم من كذبه شيعي من الرابعة. تق 408، ورواه البيهقي/ شعب الإيمان 5/ 587، 589 من طريق الحاكم.
ر
وهو رضي الله عنه بقوله هذا يعلن براءته من الإشراك بالله وعبادة الأحجار والأوثان والتبرك بها، ويظهر طاعته وانقياده لأوامر الله ورسوله والتسليم لها.
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يقول عند استلام الحجر: آمنت بالله وكفرت بالطاغوت
(1)
.
ومن ذلك قوله رضي الله عنه: فيما الرملان الآن والكشف عن
(1)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 81، الفاكهي/ أخبار مكة 1/ 99، وفي إسناديهما موسى بن عبيدة الربذي، ضعيف. تق 552، وهو من رواية سعيد ابن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماعه منه. كما تقدم ذلك في ص (92). فالأثر ضعيف.
المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
(1)
رواه الشافعي/ المسند ص 128، قال: أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب
…
إلى آخره. سعيد بن سالم بن القداح صدوق يهم التقريب ص: 236. عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة تق: 362. مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع. عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ثقة من الثالثة تق: 312. حديثه عن عمر بن الخطاب مرسل جامع التحصيل ص: 214.
أبو داود الطيالسي/ المسند ص 7. قال: حدّثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر أنه طاف
…
إلى آخره. زمعة بن صالح الجندي ضعّفه أحمد وابن معين وقال مرة: صويلح الحديث. وقال أبو زرعة: لين واهي الحديث. وقال البخاري: يخالف في حديث تركه ابن مهدي أخيراً. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بالقوي كثير الغلط عن الزهري. الميزان 2/ 81. وقال ابن حجر: ضعيف حديثه عند مسلم مقرون تق: 217. سلمة بن وهرام صدوق تق: 248. عكرمة مولى ابن عباس تقدم.
أحمد/ المسند 1/ 45. قال: حدّثنا عبد الملك بن عمرو ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه. عبد الملك بن عمرو القيسي أبو عامر العقدي ثقة من التاسعة تق: 364. هشام بن سعد صدوق له أوهام تق: 572. وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم. المزي/ تهذيب الكمال 30/ 280. زيد بن أسلم العدوي ثقة من الثالثة تق: 222 أسلم مولى عمر ثقة مخضرم.
الفاكهي/ أخبار مكة 2/ 211. حدّثنا يعقوب بن حميد قال: ثنا إسماعيل بن داود عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه. تقدمت دراسته في سند أحمد.
أبو داود/ السنن 2/ 178، 179. قال: حدّثنا أحمد بن حنبل حدّثنا عبد الملك ابن عمرو حدّثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه. تقدمت دراسته في سند أحمد.
البزار/ المسند 1/ 392. حدّثنا أحمد بن المثنى وعمر بن عليّ قالا: نا هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر. تقدمت دراسته في سند أحمد.
البيهقي/ السنن الكبرى 5/ 79. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدّثني محمّد بن صالح بن هاني ثنا أبو سعيد الحسن بن عبد الصمد ثنا يحيى بن يحيى أنبأنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه. تقدمت دراسته في سند أحمد. فالأثر حسن من طريق أحمد الذي تقدم الكلام عليه.
وهشام بن سعد حسن الشيخ الألباني رحمه الله حديثه في عدة مواضع عن كتابه السلسلة الصحيحة وهي: 1/ 325، 3/ 8، 4/ 285، 4/ 377. قال في 3/ 8: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ولولا أن هشاماً هذا له أوهام لحكمت عليه بالصحة.
وهو رضي الله عنه بين أن اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم ليس مقيداً بمعرفة الحكمة والسؤال عنها في الأمر المتبع، ولكنه اتباع وطاعة مطلقة مصدرها
الإيمان المطلق بكل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الواجب على كل مؤمن ومؤمنه.
وقرأ رضي الله عنه قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}
(1)
فقال: ما االأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأب
(2)
.
ومن الأخبار الدالة على تحقيقه رضي الله عنه التوحيد وبعده عن الشرك دقيقة وجليلة، ما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر رضي الله عنه في ركب وعمر يحلف بأبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً
(3)
.
(1)
سورة عبس الآية (31).
(2)
رواه عبدالرزاق/ التفسير 2/ 349، سعيد بن منصور/ السنن 1/ 181، ابن سعد/ الطبقات 3/ 327، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 136، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 329، 330، الحاكم/ المستدرك 2/ 290، 514، البيهقي/ شعب الإيمان 5/ 229، 230، صحيح من طريق البلاذري.
قال البلاذري: حدّثنا خلف بن هشام حدّثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس. خلف بن هشام ثقة تق: 194. حماد بن زيد ثقة تق: 178. ثابت البناني ثقة تق: 132.
(3)
ذاكراً ولا آثراً: أي ما حلفت بها مبتدئاً من نفسي، ولا رويت عن أحد أنه حلف بها. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 22.
رواه البخاري/ الصحيح 4/ 151، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 11/ 104، 105 وغيرهما.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الإيمان بالقضاء والقدر والرضا به قوله: ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره
(1)
.
2 - اجتهاده في الطاعات:
كان عمر رضي الله عنه كثير فعل الطاعات والقربات من الصلاة والصيام والصدقة كثير التضرع والدعاء لله عز وجل، فكان رضي الله عنه يداوم على قيام الليل وهي خصلة أثنى الله عز وجل على من اتصف بها وداوم عليها ووصف الله عز وجل بها عباده المقربين، قال تعالى:{كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
(2)
. سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقال: متى توتر؟ فقال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر: متى توتر؟ قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر: أخذ هذا بالحزم، وقال لعمر:
(1)
رواه ابن المبارك/ الزهد ص 143، وإسناده رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية لاحق بن حميد أبو مجلز، وهو ثقة من كبار الثالثة، روايته عن عمر مرسلة.
(2)
سورة الذاريات الآيتان: 17 - 18.
أخذ هذا بالقوة
(1)
.
(1)
رواه مالك/ الموطأ 1/ 120، 121، الشافعي/ المسند 1/ 279، 280، أبو داود الطيالسي/ المسند ص 233، عبدالرزاق/ المصنف 3/ 14، ابن أبي شيبة/ المصنف 2/ 80، 81، أبو داود/ السنن 2/ 66، ابن ماجه/ السنن 1/ 379، أبو يعلى/ المسند 3/ 353 ابن المنذر/ الأوسط 5/ 171، 173، ابن حبان/ الصحيح 4/ 73، الطبراني/ المعجم الكبير 17/ 303، 304، البيهقي/ السنن الكبرى 3/ 35، 36.
وأسانيده عند مالك وعبد الرزاق والشافعي وأبي يعلى رجالها ثقات، إلا أنه عندهم من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه وقد اختلف في سماعه منه. كما تقدم ذلك في ص:(82، 83).
ورجاله عند الطيالس وابن أبي شيبة وابن ماجة ثقات سوى عبد الله بن محمّد ابن عقيل فهو صدوق في حديثه لين. ويقال تغير بآخره تق: 321. وسنده متصل. وفي إسناده عند أبي داود وابن حزم، والبيهقي من طريق يحيى بن إسحاق السليحني أبو زكريا، قال الذهبي: ثقة حافظ. الكشاف 2/ 361. وقال ابن حجر: صدوق تق: 587. وبقية رجاله عند أبي داود ثقات.
وإسناده عند ابن المنذر وابن حبان والبيهقي من طريق آخر محمّد بن عباد بن الزيرقان المكي صدوق يهم تق: 486. وفيه يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيء الحفظ تق: 591. وبقية رجاله عن ابن حبان ثقات. وفيه عند الطبراني شيخه أحمد بن محمّد بن زغبة لم أجد له ترجمة، وكذلك في السند زيد عن أبي المصعب لم أعرفهما. وفيه عبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه. وفيه عند أبي نعيم محمّد بن حمدان النصيبي لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات وسنده متصل.
فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الصحيح لغيره. وقد صحّحه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 269.
فكان رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا خشي الفجر أيقظ أهله فصلوا ما شاء الله
(1)
.
وجاء عنه رضي الله عنه أنه كان يتهيأ لصلاة الليل فإذا صلى العشاء أمر أهله أن يضعوا عند رأسه إناء فيه ماء ثم يرقد، فإذا تعار
(2)
من الليل وضع يده في الماء ومسح به وجهه وذكر الله عز وجل ثم ينام حتى تأتي الساعة التي يقوم فيها لصلاة الليل
(3)
.
(1)
رواه مالك/ الموطأ 1/ 113، البيهقي/ شعب الإيمان 6/ 330، صحيح عند مالك. وقال: عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: كان عمر
…
الأثر.
(2)
أي هب من نومه واستيقظ. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 190.
(3)
رواه أبو عبيد/ الطهور ص 65، أحمد/ الزهد ص 148، الطبراني/ المعجم الكبير 9/ 32، البيهقي/ شعب الإيمان 4/ 175، وسنده عند أحمد رجاله ثقات سوى حزم القطيعي فهو صدوق وسماع الحسن البصري من عثمان بن أبي العاص الراوي عن زوجة عمر سابقاً مختلف فيه، وهو أيضاً يرويه عنه حكاية، ولم يصرح بالسماع. قال: حدّثنا موسى حدّثنا حزم قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول: تزوج عثمان بن أبي العاص امرأة من نساء عمر ابن الخطاب. وسنده عند أبي عيبد رجاله ثقات، وهو من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه منقطعة. ورواه الطبراني من طريق حزم القطيعي به مثله عند أحمد. ورواه البيهقي عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن، ففيه إبهام وهو أيضاً منقطع.
وروي عنه رضي الله عنه أنه ربما فاتته الصلاة من الليل فيقضيها من النهار، فقد روي أن رجلاً استأذن على عمر بالهاجرة، فحجبه طويلاً ثم أذن له، فقال: إني كنت نمت عن حزبي فكنت أقضيه
(1)
.
وجاء عنه أنه كان يأتي مسجد قباء فيصلي فيه كل يوم اثنين وخميس
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 1/ 416، وإسناده رجاله ثقات إلا أن راويه عن عمر وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم روايته عن عمر معضلة، فهو ثقة من الخامسة، تق 624.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 1/ 244، البزار/ المسند 1/ 430، وفي سنده عند ابن سعد الواقدي وهو متروك، وفيه عند البزار عبدالعزيز الداروردي، صدوق يحدث من كتب غيره فيخطئ. تق 358، وفيه إسحاق بن المستورد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه شيء. الجرح والتعديل 2/ 235، وفيه عبدالرحمن ابن عمرو بن جارية لم أجد له ترجمة، فالخبر ضعيف.
والثابت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يأتي مسجد قباء كلّ يوم سبت فيصلّي فيه، وكان صلى الله عليه وسلم يأتيه أحياناً راكباً وأحياناً ماشياً. رواه البخاري/ الصّحيح/ فتح الباري 368، حديث رقم: 9191، 9193.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "من تطهّر في بيته ثمّ أتى مسجد قباء فصلّى فيه صلاة كان له كأجر عمرة". رواه ابن ماجة/ صحيح سنن ابن ماجة 1/ 238.
وكان عمر رضي الله عنه يصوم من التطوّع ما شاء الله فكان يصوم الأيام البيض من كل شهر
(1)
.
وجاء في رواية صحيحة أن عمر رضي الله عنه سرد الصوم قبل موته بسنتين
(2)
.
وروي عنه أنه كان يجهد نفسه وهو صائم في الحر ويقول: أبشري بالري
(3)
.
(1)
رواه الحارث بن أبي أسامة/ بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث/ الهيثمي 1/ 219، الطبري، تهذيب الآثار/ مسند عمر بن الخطاب 2/ 856، 858، صحيح من طريق الطبري. قال: حدّثنا محمّد بن بشار وابن المثنى قالا: حدّثنا محمّد جعفر الهذلي حدّثنا شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس عن صوم
…
الأثر.
(2)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 2/ 274، 328، الطبري/ تهذيب الآثار/ مسند عمر 1/ 315، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا عبيدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر
…
الأثر.
(3)
رواه ابن المبارك/ الزهد ص 98 من زيادات نعيم بن حماد، وفي إسناده عبدالله ابن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، وفيه رجل مبهم. فالأثر ضعيف.
وقال زياد بن حدير
(1)
: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكثر الناس صياماً وأكثر الناس سواكاً
(2)
.
وكان رضي الله عنه كثير الصدقات فقد قال رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله.
قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أبقيت لأهلك؟ " قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً
(3)
.
(1)
زياد بن حُدير الأسدي، ثقة عابد له في ذكر في الصحيح، من الثانية. تق 218.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 290، ابن أبي شيبة/ المصنف 2/ 295، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 224، 225، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى أبي نهيك القاسم بن محمد الأسدي، ذكره ابن حبان في الثقات 5/ 306، وقال ابن حجر: مقبول. تق 679.
(3)
رواه أبو داود/ السنن 2/ 129، الترمذي/ السنن 5/ 277، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى هشام بن سعد تقدمت ترجمته في ص:(152، 153). فالأثر حسن، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 315.
وأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال:"إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها"، فتصدق بها عمر أنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول
(1)
.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: تصدق عمر بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً
(2)
. وقد بين عمر مصدر هذا المال فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالاً لم أصب مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها، وإني قد أردت أن أتقرب بها إلى الله عز وجل
…
الحديث
(3)
.
(1)
مُتَمَوِّل: مال الرجل وتَمَوّل، إذا صار ذا مال. وتَمَوَّلهْ أي: اجعله لك مالاً. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 372 - 373. والمراد به في الأثر: أي غير متخذٍ مالاً.
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 44، 124، 131، 132، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 11/ 85 - 87، أبو داود/ السنن 3/ 116، 117 وغيرهم.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 131.
(3)
رواه النسائي/ السنن وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 764.
وكان عمر رضي الله عنه كثير الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، فكان يدعو الله بجوامع الدعاء ومن دعائه ما رواه أبو العاليه
(1)
رحمه الله قال: أكثر ما كنت أسمع عمر يقول: اللهم عافنا واعف عنا
(2)
.
وكان يسأل الله عز وجل المغفرة وأن يبدل الله سيئاته حسنات.
قال عبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي
(3)
: سمعت عمر بن الخطاب يقول: اللهم إن كنت كتبت علي ذنباً أو إثماً أو ضغناً فاغفره لي، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب
(4)
.
(1)
أبو العاليه: هو رُفَيع بن مهران أبو العالية الرِّياحي، ثقة كثير الإرسال، من الثانية، مات سنة تسعين، وقيل ثلاث وتسعين، وقيل بعد ذلك. تق 210.
(2)
رواه أحمد/ الزهد 143، 147 صحيح. قال: حدّثنا عبد الصمد حدّثنا أبو خلدة حدّثنا أبو العالية قال: أكثر ما كنت
…
الأثر.
(3)
أبو عثمان النهدي ثقة عابد مخضرم من الثانية تق 351.
(4)
رواه البخاري/ التاريخ الكبير 7/ 63، قال البخاري: قال عبدالله نا أبو عامر قال نا قرة عن عصمة قال قال أبو عثمان ....
وعبدالله هو ابن محمد السندي ثقة. تق 321، وأبو عامر هو العقدي ثقة، وقرة هو ابن خالد السدوسي ثقة، وعصمة هو أبو حكيمة الغزال، قال ابن أبي حاتم محله الصدق. الجرح والتعديل 7/ 20.
ورواه الفاكهي/ أخبار مكة 1/ 229، 230، الطبري/ التفسير 7/ 401 بلفظ: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف بالبيت وهو يقول: اللهم إن كان كتابي في كتاب أهل السعادة فاثبته، وإن كان كتابي في أهل الشقاء فامحه واجعله في كتاب أهل السعادة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، وسنده عند الفاكهي رجاله ثقات سوى عبدالجبار بن العلاء البصري، قال ابن حجر: لا بأس به. تق 332، وفيه أبو حكيمة يروي عن أبي عثمان النهدي كما في رواية البخاري. فالأثر حسن أيضاً بهذا اللفظ.
وقد ذكر الطبري رحمه الله هذا الأثر بعد أن ذكر أقوال العلماء في المراد بقوله تعالى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِت} معنى ذلك: أن الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتاب سوى أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء. ثم قال: وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء ويثبت كل ما أراد ثم أورد هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه، التفسير 7/ 401، 402، ونقله أيضاً ابن كثير في تفسيره من غير تعليق 2/ 519، وقد عزا البغوي في تفسيره القول بمحو السعادة والشقاء لعمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما 4/ 324.
المسألة الثانية: في علمه وفقهه رضي الله عنه
كان عمر رضي الله عنه ممن أوتي علماً كبيراً وفقهاً عظيماً. ولا شكّ أن ما اتصف به عمر رضي الله عنه من صدق الإيمان بالله واليقين التام
وخلوص العقيدة من الشرك بأنواعه والبدع والشبهات وما اتصف به كذلك من حسن الالتزام بشعائر الدين والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات من أسباب سعة علمه وفقهه رضي الله عنه. فقد شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم"
(1)
.
ومن شهادة الصحابة رضوان الله عليهم له بالعلم قول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: لو وضع علم الناس في كفة ميزان، وعلم عمر في كفة لرجح علم عمر
(2)
.
وقال: إن عمر كان أعلمنا بالله، وأقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 27، 2/ 294، 4/ 213، 216، 217، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 15/ 159، 160، الترمذي/ السنن 3/ 367، 368، 5/ 282 وغيرهم.
(2)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 357، ابن أبي خثيمة/ العلم ص 123، أبو نعيم/ الإمامة ص 284، 285، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 241، 242، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله (أي: ابن مسعود) لو وضع
…
الأثر. وتدليس الأعمش لا يضرّ لأنه يروي عن شقيق أبي وائل وهو من المكثرين عنه.
دين الله
(1)
.
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: إن كنا نحسب أن عمر قد انفرد بتسعة أعشار العلم
(2)
.
وروي عن حذيفة بن اليمان
(3)
أنه قال: كأن علم الناس مدسوس
(1)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 355 وسنده متصل ورجاله ثقات سوى عبدالملك الرواي عن زيد بن وهب فإنه إما أن يكون ابن أبي سليمان صدوق له أوهام. تق 363 أو ابن أبي ميسرة فهو ثقة، فالأثر لا ينزل عن درجة الحسن، والله أعلم.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 2/ 336، الدرامي/ السنن 1/ 101، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 150، أبو نعيم/ الإمامة ص 285، وسنده عند ابن سعد رجاله ثقات، ولكن إبراهيم النخعي روايته عن ابن مسعود منقطعة.
ورواه سائر من رواه من رواية النخعي عن ابن مسعود، ونقل العلائي عن البيهقي قوله: إن مراسيل النخعي عن ابن مسعود صحاح، جامع التحصيل ص 141، 142.
(3)
حُذَيْفَة بن اليمان العبسي. يكنى أبا عبد الله. واسم اليمان: حسيل بن جابر العبسي. كان عمر رضي الله عنه يسأله عن المنافقين. وهو معروف في الصحابة بصاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد نهاوند فلما قتل النعمان بن مقرن آخذ الراية وكان فتح همذان والري والدينور على يده. مات سنة ست وثلاثين. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/ 393، 394.
في حجر مع علم عمر
(1)
.
وشهد له بذلك التابعون ومن بعدهم، قال مسروق بن الأجدع
(2)
رحمه الله: انتهى علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء النفر الستة: عمر وعلي وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء
(3)
، وزيد بن ثابت
(4)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 2/ 336، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 359، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 150، 151، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 243، وفي إسناده عندهم سليمان الأعمش وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه شمر بن عطية الأسدي، صدوق من السادسة، يروي عن حذيفة وروايته عنه معضلة. فالأثر ضعيف.
(2)
مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة ثلاث وستين. تق 528.
(3)
أبو الدرداء اسمه عُوَيْمِر بن عامر بن مالك الخزرجي تأخر إسلامه قليلاً، شهد أحداً وما بعدها من المشاهد. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 4/ 211
(4)
رواه ابن سعد/ الطبقات 2/ 351، ابن أبي خيثمة/ التاريخ ص 155، الحاكم/ المستدرك 3/ 365، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 166، الخطيب البغدادي/ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 288، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 240، صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا الفضل بن دكين أخبرنا القاسم بن معن عن منصور عن مسروق.
وقال قبيصة بن جابر
(1)
: ما رأيت رجلاً أعلم بالله، ولا أقرأ لكتاب الله وأفقه في دين الله من عمر
(2)
.
وروي عن أيوب السختياني
(3)
أنه قال: إذا بلغك اختلاف عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر فشد يدك به فهو الحق وهو السنة
(4)
.
وعن رجل من أهل المدينة قال: دفعت إلى عمر بن الخطاب، فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه
(5)
.
(1)
قَبِيصَة بن جابر بن وهب الأسدي، ثقة من الثانية، مخضرم، مات سنة تسع وستين. تق 453.
(2)
رواه ابن ابي شيبة/ المصنف 6/ 355، أبو نعيم/ الإمامة ص 294، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 243، 244، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا حسين بن عليّ عن زائدة قال: قال عبد الملك حدّثني قبيصة بن جابر قال: ما رأيت
…
الأثر.
(3)
أيوب بن أبي تَمِيمَة: كيسان السختياني، ثقة حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة. تق 117.
(4)
رواه ابن المنذر/ الأوسط 1/ 223، وفيه إبهام بشيخ ابن المنذر حيث قال: حدثني بعض أصحابنا، وبقية رجاله ثقات.
(5)
رواه ابن سعد/ الطبقات 2/ 336، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 151، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 240، وسنده عن ابن سعد رجاله ثقات ولكن فيه الإبهام بالرجل من أهل المدينة، ورواه بقية من رواه من طريق ابن سعد
ولمكانة عمر رضي الله عنه العلمية العالية فقد كان من أهل الفتوى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال مسروق بن الأجدع
(1)
رحمه الله: كان أصحاب الفتوى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعلي، وابن مسعود، وزيد، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم
(2)
.
وجاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله: إنما يفتي الناس أحد ثلاثة، رجل علم ناسخ القرآن من منسوخه، قالوا: ومن ذاك؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: وأمير لا يخاف، أو أحمق متكلف
(3)
.
وكان رضي الله عنه شديد الحذر في الفتوى، قال ابن سيرين رحمه الله تعالى: لم يكن أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أهيب لما لا يعلم من أبي بكر،
(1)
تقدمت ترجمته في ص (182).
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 2/ 351. صحيح. قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا حسن بن صالح بن مطرف حدّثني عامر عن مسروق.
(3)
رواه عبدالرزاق/ المصنف 11/ 231، الدارمي/ السنن 1/ 61، 62، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 243، وسنده عند عبدالرزاق رجاله ثقات إلا أنه من مراسيل ابن سيرين عن حذيفة وسنده عند الدارمي رجاله ثقات أيضاً وهو أيضاً من رواية ابن سيرين إلا أنه يرويه عن أبي عبيدة بن حذيفة بن اليمان عن أبيه فالسند متصل، وأبو عبيدة وثقه العجلي وابن حبان، وقال ابن حجر: مقبول. فالأثر حسن إن شاء الله.
ولم يكن أحد أهيب لما لا يعلم من عمر
(1)
.
ومن العلوم التي كان عمر رضي الله عنه يجيدها علم القراءة والكتابة وهما فنان لم يكن يجيدهما إلا القلائل من العرب في الجاهلية وأوائل الإسلام. ففي قصة همرة عمر رضي الله عنه مع عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص أنه كتب بيده قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
…
} الآية
(2)
. وبعثها إلى هشام بن العاص بمكة
(3)
.
وإن كانت قريش من أكثر قبائل العرب كتابة راءة وذلك لتحضرها وانشغالها بالتجارة التي تسلتزم ذلك
(4)
.
ومن العلوم التي نقل عن عمر رضي الله عنه اهتمامه بها. ومعرفته لها الشعر. والشعر هو: ديوان العرب وصحيفة مفاخرهم، وسجل مناقبهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصل يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم، به يفتخرون، وبنابغيه يعتزون، لم تخل قبيلة من قبائلهم من شاعر يحمى
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 177، 178 صحيح.
قال: أخبرنا الفضل بن عنبسة الخزاز الواسطي وعارم بن الفضل، قالا: أخبرنا حماد بن زيد، قال: أ خبرنا سعيد بن أبي صدقة عن ابن سيرين
…
(2)
سورة الزمر الآية: 53.
(3)
صحيح تقدم تخريجه في ص: (158) حاشية (3).
(4)
انظر: حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 210.
ذمارها، ويفاخر بأمجادها، ويصور عواطفها، وكانت القبيلة تزهو ويرتفع شأنها إذا نبغ منها شاعر ينافح عنها، ويشيد بمفاخرها، وكان للشعر تأثير كبير في نفوسهم يدلّ على ذلك أن الشاعر قد يخض بشعره شأن قبيلة ويرفع شأن قبيلة أخرى. ومن أمثلة ذلك:
قول جرير
(1)
في بني نمير من عامر بن صعصعة:
فغض الطرف إنك من نمير
…
فلا كعباً بلغت ولا كلاباً
جعل هذا البيت كلّ نميري إذا سئل عن نسبه قال: إنه عامري.
وعكس ذلك قول الحطيئة
(2)
:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
…
ومن يساوى بأنف الناقة الذنبا
(1)
جرير بن عطية بن الخَطَفَى والخَطَفَى لقب واسمه: حذيفة بن بدر بن سلمة ابن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة التميمي الخنظلي. أبو الفتح الأصفهاني/ الأغاني 8/ 229.
(2)
هو: جرول بن أوس بن مالك بن حيوة العبسي كان من فحول الشعراء ومقدّميهم وفصحائهم. وكان يتصرف في جميع فنون الشعر من مدح وهجاء وفخر ونسب. ويجيد في جميع ذلك. وكان كثير الهجاء حتى هجا أباه وأمّه وأخاه وزوجته ونفسه. وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. وكان أسلم في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم ارتد، ثم أسر وعاد إلى الإسلام. وكان يلقب الحطيئة لقصره. ابن حجر/ الإصابة 1/ 397.
فقد رفع هذا البيت شأن بني أنف الناقة وجعلهم يفاخرون بقبيلتهم بعد أن كان الواحد منهم إذا سئل عن نسبه قال: من بني قريع. وهو نسب آخر لهم.
وبعد مجئي الإسلام كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم مدى تأثير الشعر في نفوس العرب. فيأمر حسان
(1)
بن ثابت رضي الله عنه أن يدافع وينافح عنه وعن صحابته، وأن يهجو المشركين. فيقول له صلى الله عليه وسلم:"اهجهم وهاجهم وجبريل معك"
(2)
. ودعا له صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم أيده بروح القدس"
(3)
.
وقد أوجد الإسلام الكثير من المعاني والأغراض بما جد من شؤون وأحداث لم تكن عند العرب من قبل، وكان من أهم هذه الأغراض الدعوة للجهاد وتحميس الجند وحضّهم على الاستبال والاستشهاد في
(1)
هو: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد بن مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان شاعر الأنصار في الجاهلية. وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم في أيام النبوّة، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام. مات قبل الأربعين، وقيل: سنه أربعين، وقيل: خمسين، وقيل: أربع وخمسين. عاش مائة وعشرين سنة. ابن حجر/ الإصابة 1/ 326.
(2)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 16/ 4.
(3)
المصدر السابق 16/ 45.
سبيل الله
(1)
.
ومما جاء عن عمر رضي الله عنه في بيان أهمية الشعر ما روي من قوله رضي الله عنه: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه"
(2)
.
وقد روي عنه رضي الله عنه آثار فيها دلالة على حبّه سماع الشعر الذي لا لغو فيه. ومن ذلك أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يتغنى بفلاة من الأرض، فقال عمر رضي الله عنه:"الغناء زاد الراكب"
(3)
.
(1)
انظر: أبو زيد شلبي/ تاريخ الحضارة الإسلامية ص: 252 - 254.
(2)
أخرجه ابن سلام الجمحي/ طبقات الشعراء 1/ 24، وقال: قال ابن عون عن ابن سيرين قال: قال عمر:
…
الأثر.
وابن عون هو: عبد الله بن عون ثقة تق: 317. وابن سيرين هو: محمّد بن سيرين ثقة من الثالثة تق: 483. لكن روايته عن عمر منقطعة. وقد أثنى العلماء على مراسيله. وقالوا: إنها صحيحة. العلائي/ جامع التحصيل ص: 90.
(3)
رواه البيهقي/ السنن الكبرى 5/ 68. قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم أنبأ أبو عبد الله محمّد بن يعقوب ثنا محمّد بن عبد الوهّاب، أنبأ جعفر بن عون أنبأ أسامة بن زيد عن زيد بن أسلم عن أبيه سمع عمر رجلاً
…
الأثر.
وأسامة بن زيد لعله الليثي فهو صدوق، أو هو: أسامة بن زيد بن أسلم فهو ضعيف تق: 98. وجعفر بن عون صدوق تق: 140. وبقية رجال السند ثقات.
وروي عن خوات
(1)
بن جبير رضي الله عنه قال: خرجنا حجاجاً مع عمر ابن الخطاب، فسرنا في ركب فيهم أبو
(2)
عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن
(3)
بن عوف رضي الله عنهما، فقال القوم: غننا يا خوات، فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار
(4)
. فقال عمر رضي الله عنه: "دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده". يعنى: من شعره. قال: فما زلت أغنيهم
(1)
خوات بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة الأنصاري الأوسي شهد أحداً والمشاهد بعدها. مات سنة أربعين وعمره أربع وسبعين سنة بالمدينة. ابن حجر/ الإصابة 1/ 457، 458.
(2)
هو: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال القرشي الفهري من العشرة السابقين إلى الإسلام هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها. قال فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم:"لكلّ أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". أخرجاه في الصحيح. اتفقوا على أنه مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة. ابن حجر/ الإصابة 2/ 252 - 254.
(3)
عبد الرحن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحرث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. أسلم قديماً قبل دخول النبيّ صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وشهد بدراً وسائر المشاهد. مات سنة إحدى وثلاثين. ودفن بالبقيع. ابن حجر/ الإصابة 2/ 416، 417.
(4)
ضرار بن جبير بن مرادس الفهري. كان من فرسان قريش وشجعانهم المطبوعين المجودين. وكان من مسلمة الفتح. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 300، 310.
حتى إذا كان السحر قال عمر رضي الله عنه: "ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا"
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه بينما هو يسير في طريق مكّة في خلافته، ومعه المهاجرون والأنصار فترنم عمر ببيت. فقال له رجل من أهل العراق ليس معه عراقي غيره:"غيرك فليقلها يا أمير المؤمنين". فاستحيا عمر رضي الله عنه من ذلك وضرب راحلته حتى انقطعت من الموكب
(2)
.
وكان عمر رضي الله عنه كثيراً ما يتمثل بأبيات الشعر لذلك روي أنه كان
(1)
رواه البيهقي/ السنن الكبرى 5/ 69. وفي إسناده فليح بن سليمان صدوق كثير الخطأ. وفيه قيس بن أبي حذيفة ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 7/ 95، وبقية رجاله ثقات سوى أبي الأزهر أحمد بن الأزهر صدوق تق:77. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه البيهقي/ السنن الكبرى 5/ 69. ورجاله ثقات. سوى محمّد بن خالد الحمصي، فهو صدوق. وإبراهيم بن عبد الرحن بن عبد الله بن أبي ربيعة. ذكره ابن حبان في الثقات 6/ 6. ووثقه مغلطاي. وقال ابن خلفون: ثقة مشهور. وقال ابن حجر: مقبول. وفيه الحارث بن عبد الله بن عياش.
ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. 3/ 77. وذكره ابن حبان في الثقات 4/ 131.
لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر
(1)
.
ومن الأخبار الواردة عنه في ذلك:
ما روي من أنه رضي الله عنه خرج في الجاهلية مع عمارة
(2)
بن الوليد بن المغيرة إلى الشّام، فشذت ناقة له فلحقها عمر بعد طلب، فاعتقلها وطرحها لجنبها يسيراً فحسده عمارة على ما رأى من قوته، فقال: انحرها وهي لنا طعاماً، فاختبز عمر وطبخ وقدم إلى عمارة طعاماً، فقال له: الشحم الحار على الخبز الحار في اليوم الحار، ما تريد إلا قتلي، ثم وثب إليه يضربه، فبادر عمر إليه بالسيف، فهرب عمارة من بين يديه وعمر يقول:
والله لولا شعبة الكرم
…
وسبطة
(3)
في الحي من خال وعم
لضمني الشر إلى مضم
…
وما أساء مطعم ولا ظلم
(1)
نقله الجاحظ عن محمّد بن سلام عن بعض أشياخه. قالوا: كان عمر
…
الخ. البيان والتبيين 1/ 202، 203.
(2)
عمارة بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. مات عمارة كافراً لأن قريشاً بعثوه إلى النجاشي فجرت له معه قصة، فأصيب بعقله، وهام مع الوحش، وقد بينت أنه ممن دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم من قريش لما وضع عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو يصلي. ابن حجر/ الإصلابة 3/ 171.
(3)
السِبْطُ: واحد الأسباط، وهم ولد الولد. أبو بكر الرازي/ مختار الصحاح ص 120.
إذ خلط الخبز بلحم ودسم
(1)
ومما قال عمر رضي الله عنه يتمثل به من الشعر وهو محرم:
إليك تعدو قلقاً وضينها
(2)
…
معرضاً في بطنها جنينها
مخلفاً دين النصارى دينها
(3)
وروي أنه رضي الله عنه كان يتمثل أيضاً وهو محرم وقد ركب راحلته، فتدلت فجعلت تقدم يداً وتؤخر أخرى بهذا البيت:
(1)
ضعيف، تقدم تخريجه في ص (97).
(2)
القَلَقُ: الانزعاج، والوَضِين: حِزام الرحل. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 103.
(3)
رواه الشافعي/ المسند ص 373، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 275، البيهقي/ السنن الكبرى 5/ 126. وسنده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات سوى محمّد بن فضيل، فهو صدوق. تق: 502. فالأثر حسن.
وفي رواية البيهقي كان عمر يوضع في محسر وهو يتمثل بهذا البيت، قال ابن الأثير وضع البعير يضع وضعاً، وأوضعه راكبه إيضاعاً، إذا حمله على سرعة السير. النهاية في غريب الحديث 5/ 196.
وهذا البيت من الشعر الذي تمثل به عمر رضي الله عنه لابن رئيس نجران الذي كان في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم أسلم وحجّ وقال هذا البيت. انظر: ابن هشام/ السيرة النبويّة 2/ 256.
كأن راكبها غصن بمروحةٍ
(1)
إذا تدلت به أو شارب ثمل
(2)
.
وروي عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع عمر بن
(1)
المَرْوحة بالفتح: الموضع الذي تخترقه الريح. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 273.
(2)
ثَمَل: الذي أخذ منه الشراب والسُكر. المصدر السابق 1/ 222.
رواه الشافعي/ المسند ص 366، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/ 7، 8، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 160، أبو نعيم/ حلية الأولياء 9/ 151، البيهقي/ السنن الكبرى 5/ 68.
وفي إسناده عند الشافعي شيخه عبد الرحمن بن الحسن الأزرقي ذكره ابن حجر ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. تعجيل المنفعة ص: 247. وأبيه الحسن الأزرقي، قال ابن حجر: غير مشهور. المصدر السابق ص: 95.
وفيه عند ابن شبه أحمد بن معاوية ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/ 76، وفيه أبو عمرو بن العلاء يروي عن عمر وهو ثقة من الخامسة، روايته عن عمر منقطعة، وفيه عند البلاذري سالم بن حفص لم أجد له ترجمة، وهو يروي عن أشياخ حدثوه، ففيه إبهام بالأشياخ.
ورواه أبو نعيم عن الشافعي. ورواه البيهقي من طريق عبدالرحمن الأزرقي به مثله عند الشافعي. فالأثر ضعيف.
وأمّا قائل البيت، فقد نقل ابن منظور عن ابن بري أنّ البيت لعمر رضي الله عنه قال: وقيل: لغيره. وتمثل به هو وأنه قديم. لسان العرب 5/ 356.
الخطاب إلى الشام، فاستيقظنا به ليلة، وقد رحّل
(1)
رواحلنا، وهو يرحل لنفسه ويقول:
لا يأخذ الليل عليك بالهم
…
والبس له القميص واعتم
وكن شريك رافع وأسلم
(2)
…
واخدم القوم حتى تخدم
فقال أسلم: فقلت - رحمك الله - يا أمير المؤمنين لو أيقظتنا كفيناك
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه كان يعظ نفسه ويتمثل بهذا البيت:
لا يغرنك عشاء ساكن
…
فقد توافى بالمنيات السحر
(4)
.
(1)
رَحّل البعير: شَدَّ على ظهره الرحل، أبو بكر الرازي/ مختار الصحاح ص:100.
(2)
رافع وأسلم: خادمين للنبيّ صلى الله عليه وسلم. أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 252، ابن الأثير/ أسد الغابة 1/ 75، ابن حجر/ الإصابة 1/ 38، وذكر ابن سعد أن رافعاً هو مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الطبقات 5/ 299.
(3)
رواه الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 6/ 333، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 252، ابن الأثر/ أسد الغابة 1/ 75، ابن حجر/ الإصابة 1/ 38. ومداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف. تق: 340. وبقية رجاله عند الخطيب ثقات. فالأثر ضغيف.
(4)
رواه البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 7/ 367، وفي إسناده يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيئ الحفظ. وفيه إعضال لأنه من رواية سفيان الثوري عن عمر وهو ثقة من السابعة تق:244.
ومما ثبت تمثله به من الشعر ما تقدم ذكره من أنه رضي الله عنه مرّ بشعب ضجنان وذكر ما كان عليه في طفولته من الشيء وما هو عليه من النعمة والرخاء والخلافة فتمثل بهذا البيت:
لا شيء من الدنيا تبقى بشاشته
…
يبقى الإله ويفنى المال والولد
(1)
.
ومما روي تمثله به قوله:
هون عليك فإن الأمور
…
بكف الإله مقاديرها
فليس بآتيك مَنْهِيُّها
…
ولا حاضر عنك مأمورها
(2)
.
وكان عمر رضي الله عنه مع حبّه للشعر وتمثله به في مناسبات عديدة فإنه أثر عنه أنه كان ناقداً للشعر وعالماً بمعانيه.
فال الجاحظ: قال العائشي: كان عمر بن الخطاب أعلم الناس بالشعر
(3)
.
وقال ابن رشيق: كان عمر من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة
(4)
.
(1)
تقدم تخريجه والكلام عليه في ص: (118).
(2)
أورده ابن رشيق/ العمدة ص: 33. وقال: يروى للأعور الشَّنِّيِّ.
(3)
البيان والتبيان 1/ 202.
(4)
العمدة ص: 33.
ومن الأخبار التي جاءت عنه رضي الله عنه والدالة على علمه بمعاني الشعر، وأغراضه، وأهدافه، ونقده لذلك، وثنائه ومدحه للشعر المشتمل على المعاني والأغراض الخيرة الحسنة، ونقده وذمّه للشعر ذي المعاني السيئة ومعاقبته لمن قاله:
1 -
موقف عمر رضي الله عنه من شعر النابغة الذبياني
(1)
.
روي أن ربعي بن خراش قال: لما أتينا عمر بن الخطاب في نفر من غطفان قال: من أشعر شعرائكم؟
قلنا: أنت أعلم يا أمير المؤمنين.
قال: من الذي يقول:
أتيتك عارياً خلقاً ثيابي
…
على خوف تظن بي الظنون
فألفيت الأمانة لم تخنها
…
كذلك كان نوح لا يخون
(2)
(1)
النابغة الذبياني هو: زياد بن معاوية بن ضباب بن جناب بن يربوع بن غيظ ابن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن ريث بن غطفان شاعر جاهلي. كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها. الزركلي/ الأعلام 3/ 54، 55. والشنقيطي/ شرح المعلقات العشر ص:141.
(2)
انظر: البيتين في ديوان النابغة ص: 264، 265. وفيه مكان "أتيتك" في البيت الأوّل:"فجئتك".
قلنا: النابغة.
قال: فمن الذي يقول:
كن كسليمان إذ قال الإله له
…
قم في البرية فاحجزها عن الفند
(1)
قلنا: النابغة.
قال فمن الذي يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
…
وليس وراء الله للمرء مذهب
(2)
قلنا: النابغة.
قال: هذا أشعر شعرائكم حين ذهب إلى هذا المذهب
(3)
.
(1)
البيت في ديوان النابغة ص: 13. وصيغته:
إلا سليمان إذ قال الإله له قم في البريّة فاحددها عن الفند
والفَنَد: الخطأ في الرأي والقول. وأفنده: خطَّأ رأيه. ابن منظور/ لسان العرب 10/ 332.
(2)
البيت في ديوان النابغة الذبياني ص: 76.
(3)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 274، ابن شبه/ تاريخ المدينة 1/ 4، 5، ابن أبي الدنيا/ الأشراف ص: 307، الطبري/ تهذيب الآثار/ مسند عمر بن الخطاب 2/ 665 - 668، كلّهم من طريق مجالد بن سعيد عن الشعبي عن ربعي ابن خراش. ومجالد بن سعيد قال عنه ابن حجر: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره. تق 520.
2 -
موقفه من هجاء الحطيئة
(1)
للزبرقان بن بدر التميمي
(2)
.
فقد جاء أن الحطيئة هجا الزبرقان بن بدر فشكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إنه هجاني. فقال عمر رضي الله عنه: وما قال لك؟ فقال: قال:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر رضي الله عنه: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة جميلة.
فقال الزبرقان: وما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس، والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشدّ عليّ منه. سل ابن الفريعة يعنى حسان ابن ثابت
(3)
.
فقال عمر رضي الله عنه: علي بحسان. فجيئ به، فسأله عمر رضي الله عنه. فقال: لم يهجه ولكن سَلَح
(4)
عليه. فأمر به عمر رضي الله عنه فجعل في نقير
(1)
تقدمت رجمته في ص: (186).
(2)
هو: الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدله التميمي السعدي. كان اسمه: الحصين ولقب بذلك لحسن وجهه. وهو اسم من أسماء القمر. وذكر ابن إسحاق قدومه في وفد بني تميم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عمر بن عبد البر: ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه فأداها في الردة إلى أبي بكر فأقره عمر. ابن حجر/ الإصابة 1/ 544.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: (187).
(4)
سَلْح: السّلاح بالضم: النجو ومن سَلَم يَسْلَم سَلْمًا. ابن منظور/ لسان العرب 6/ 322.
وسَلَح: راث فهو سالح والسُّلاح كلّ ما يخرج من البطن من الفضلات. المعجم الوسيط 1/ 443.
وفي بعض ألفاظ الأثر: ذرق عليه. والذرق أيضاً هو: ذرق الحباري بسلحه. وأذرق الطائر يَذْرُق ويَذْرِق ذَرْقاً وأذرق: خذق بسلحه، وقد يستعار في السبع و الثعلب. ابن منظور/ لسان العرب 5/ 39.
بئر
(1)
ثم ألقى عليه حفصة
(2)
. فقال الحطيئة:
ما ذا تقول لأفراخ
(3)
بذي مرخ
(4)
…
حمر الحواصل
(5)
لا ماء ولا شجر
(1)
نَقير بئر: المِنقَرُ والمُنْقَرُ: بئر صغيرة، وقيل: بئر ضيقة الرأس، تحفر في الأرض الصُّلبة لئلا تهشم. ابن منظور/ لسان العرب 14/ 256، 257. وفي رواية ابن سلام في طبقات فحول الشعراء 1/ 116: فألقاه عمر في حفرة اتخذها محبساً.
(2)
الحَفْصُ: زبيل من جلود، وقيل: زبيل صغير من آدم. ابن منظور/ لسان العرب 3/ 41. ولعل المراد أنه ألقى عليه قطعة من جلد حتى يحجب عنه النور.
(3)
الفَرْخ: ولد الطائر. هذا الأصل وقد استعمل في كلّ صغير من الحيوان والنبات والشجر وغيرها. المصدر السابق 10/ 212.
(4)
ذي مَرَخ: هو وادٍ بين فدك والوابشية خضر نضر كثير الشجر. قال ياقوت: وقال الحفصي في كتابه: الخارجة قرية لبني يربوع باليمامة وفيها يمر ذو مَرَخ. قال ياقوت: وأظن الوادي قرب فدك هو ذو مرخ. معجم البلدان 5/ 103.
(5)
حمر الحواصل: في رواية الطبري في تهذيب الآثار 2/ 668: زغب الحواصل. والزَّغَبُ: الشعيرات الصفر على ريش الفرخ. وقيل: هو صغار الشعر والريش ولينه. وقيل: الزغب أوّل ما يبدو من شعر الصبيّ والمهر وريش الفرخ. ابن منظور/ لسان العرب 6/ 50.
والحواصل: جمع حوصلة. وهي في الطائر ما يجتمع فيه الطعام. المصدر السابق 3/ 208.
والحطيئة يصف أبناءه بصغر السن كالطائر الصغير الذي ما زال الزغب عليه ولم يغط الشعر حمرة لحم حوصلته.
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
…
فاغفر عليك سلام الله يا عمر
فأخرجه عمر وقال: إياك وهجاء الناس. قال: إذن تموت عيالي جوعاً، هذا كسبي ومنه معاشي. قال: فإياك والمقذع من القول. قال: وما المقذع؟ قال: أن تخاير بين الناس فتقول: فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان. قال: أنت والله أهجى مني. ويقال إن عمر رضي الله عنه قال: والله لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك
(1)
.
(1)
رواه ابن سلام الجمحي/ طبقات فحول الشعراء 1/ 114، 117، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 121، 122، 3/ 1 - 3، الطبري/ تهذيب الآثار/ مسند عمر ابن الخطاب 2/ 668، 669، الخرائطي/ مساوئ الأخلاق ص: 37، 38.
وليس فيه عند الطبري والخرائطي ذكر للبيت الذي هجا فيه الحطيئة الزبرقان. أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 2/ 447 - 453، ابن الأثير/ أسد الغابة 2/ 194، 195، ابن حجر/ الإصابة 1/ 174.
وإسناده عند ابن سلام معضل. قال: أخبرني يونس النحوي قال: خرج
…
الأثر.
جرحاً ولا تعديلاً. وهي معضلة من رواية ابن الأعرابي محمّد بن زياد اللغوي عن عمر، وهو متوفى سنة: 321 هـ. السير 10/ 687.
ورواه من طريق خامس ولكن ليس في متنه ذكر للبيت الذي هجا به الحطيئة الزبرقان، وفي الإسناد شيخ الأصفهاني أحمد بن عبد العزيز الجوهري لم أجد له ترجمة، وفيه حبيب بن نصر المهلبي ذكره الخطيب ولم يذكره فيه جرحاً ولا تعديلاً. تاريخ بغداد 8/ 253. وفيه أحمد بن معاوية ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/ 76. وبقية رجال السند تكلم عليهم عند دراسة سند ابن شبه حيث يرويه عن أحمد بن معاوية عن أبي عبد الرحمن الطائي عن عبد الله بن عياش عن الشعبي قال: شهدت زياداً
…
الخ.
وأورده ابن الأثير وابن حجر من غير إسناد. وطرق الخبر المتقدّمة تثبت له أصلاً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويونس النحوي هو: أبو عبد الرحن يونس بن حبيب الضبيّ إمام النحو. توفي عام: 193 وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. 8/ 191.
وفي إسناده عند ابن شبه محمّد بن عباد بن عباد المهلبي قال الذهبي: قال الحربي وجماعة لم يكن بصيراً بالحديث. ميزان الاعتدال 3/ 589. وفيه محمّد بن الزبير الحنظلي متروك تق: 478.
ورواه من طريق آخر وفيه أحمد بن معاوية شيخ ابن شبه ذكره ابن أبي حاتم لم يذكره فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/ 76.
وفيه أبو عبد الرحمن الطائي لم أجد له ترجمة. وفيه عبد الله بن عياش لم أعرفه ولعله القتباني صدوق يغلط. تق: 377. وفيه أبو علاثة التيمي لم أجد له ترجمة. وفيه قيس بن فهد الأنصاري ذكره ابن حبان في الثقات 3/ 339. وقال: له صحبة. وذكره البخاري في التاريخ الكبير 7/ 142. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وذكر ابن حجر الاختلاف في اسمه قيس بن عمرو أو قيس ابن قهد، أو قيس بن فهد. الإصابة 3/ 255، 257.
ورواه من طريق ثالث رجاله ثقات ولكنه معضل. من رواية عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ثقة من السابعة. تق: 257. روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة، وليس فيه ذكر للبيت الذي هجا به الحطيئة الزبرقان، بل فيه ذكر لإخراج عمر له من حبسه بعد تعطف الحطيئة له بأبيات ذكرها.
وفي إسناده عند الطبري محمّد بن الضحاك بن عثمان ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 7/ 290. وذكره ابن حبان في الثقات 9/ 59. يروي عن أبيه الضحاك بن عثمان الأسدي القرشي وهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
صدوق من كبار العاشرة مات على رأس المائتين. تق: 279. وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، فروايته عنه معضلة.
ورواه من طريق آخر رجاله ثقات ولكنه معضل أيضاً من رواية عبد الحكم ابن أعين بن عبد الله صاحب التاريخ عن عمر رضي الله عنه. وتوفي عبد الحكم سنة: 237. السير 11/ 162.
وإسناده عند الخرائطي رجاله ثقات. لكنه فيه إعضال بين الزبير بن بكار وهو ثقة من صغار العاشرة. تق: 214 وبين زيد بن أسلم العدوي وهو ثقة من الثالثة. تق: 222.
ورواه الأصفهاني من عدة طرق: الأولى معضلة من رواية محمّد بن سلام الجمحي صاحب طبقات الشعراء عن عمر وهو صدوق توفي سنة: 231. السير 10/ 651.
والثانية: من طريق محمّد بن سلام الجمحي عن يونس وهو معضلة.
يونس: هو ابن حبيب الضبيّ النحوي. توفي سنة: 183. وقد مرّت هذه الطريق عند ابن سلام.
والثالثة: فيها محمّد بن الحسن بن دريد الأديب قال الذهبي: قال الدارقطني: تكلموا فيه. السير 15/ 96، وهي معضلة من رواية أبي عبيدة. معمر بن المثنى النحوي توفي سنة:209. السير 9/ 445.
والرابعة: يروي فيها الأصفهاني عن اليزيدي عن عمه عبيد الله لم أجد لها ترجمة. وفيها أبو حبيب الصواب في اسمه: اسمه ابن حبيب، وهو: محمّد بن حبيب بن أمية. ذكره ابن النديم في الفهرست ص: 136 ولم يذكر فيه لأحد
قال ابن سلام الجمحي رحمه الله في سؤال عمر رضي الله عنه لحسان: ما تقول أهجاه؟ قال: وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان ولكنه أراد الحجة على الحطيئة
(1)
.
وقال العقاد رحمه الله: في قول عمر رضي الله عنه للزبرقان بن بدر رضي الله عنه: ما أسمع هجاء ولكنها معاقبة. قال: فنسي أنه الأديب الراوية ولم يذكر إلا أنه القاضي الذي يدرأ الحدود بالشبهات، ولا يحكم بما يعلم ون ما يعلمه
(1)
طبقات فحول الشعراء 1/ 116.
أهل الصناعة
(1)
.
3 -
ما روي من نقد عمر رضي الله عنه لشعر الحطيئة وتكذيبه فيه.
روي الأصفهاني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سبق على فرس له فجثا
(2)
على ركبته وقال: إنه لبحر
(3)
.
فقال عمر رضي الله عنه: كذب الحطيئة يقول:
وإن جياد الخيل لا تستفزنا
(4)
…
ولا جاعلات
(1)
عبقرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ص: 194، 195. وانظر: محمّد أحمد أبو النصر/ عمر بن الخطاب ص: 222.
(2)
جَثَا يَجْثو، وَيَجْثِي جَثُوت وجثياً جلس على ركبته للخصومة ونحوها. ابن منظور/ لسان العرب 2/ 180.
(3)
بَحْر: يسمى الفرس الواسع الجري بحراً. قال الأصمعي: يقال فرس بحر وفيض وسكب و حَثٌّ إذا كان جواداً كثير العدو. ابن منظور/ لسان العرب 1/ 324.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان فزع بالمدينة فاستعار النبيّ صلى الله عليه وسلم فرساً من أبي طلحة يقال هل: المندوب، فلما رجع قال: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحراً. فتح الباري 5/ 241.
(4)
لا تَسْتَفزنا: استفزه: استخفه، ورجل فزٌّ، أي: خفيف. ابن منظور/ لسان العرب 10/ 257. ولعل المراد في البيت أي: تستخفنا بأن نهواها ونعجب بها، وتأخذ بعقولنا وفي ذلك نوع من الاستخفاف.
الريط
(1)
فوق المعاصم
(2)
لو ترك هذا أحد لتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
الرَّيْطه: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ولم تكن لفقين، وقيل: هي كلّ ثوب دقيق. المصدر السابق 5/ 390.
(2)
المَعَاصِم: جمع معصم، وهو موضع السوار من اليد. المصدر السابق 9/ 248.
(3)
رواه أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 2/ 445. قال: نسخت من كتاب لحماد ابن إسحاق حدّثني به أبي وأخبرني به عمي عن الكراني عن الرِّياشي قال: حدّثني محمّد بن الطفيل عن أبي بكر بن عياش عن الحارث بن عبد الرحمن عن مكحول قال: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
حماد بن إسحاق لعله التميمي المعروف بالموصلي ذكره الخطيب وقال: روى عن أبيه كتاب الأغاني ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. تاريخ بغداد 8/ 159. وأبوه هو: إسحاق بن إبراهيم بن ميمون أبو محمّد التميمي المعروف والده بالموصلي. قال إبراهيم الحربي كان إسحاق الموصلي ثقة صدوقاً عالماً. وهو صاحب كتاب الأغاني الذي يرويه عنه ابنه حماد. توفي سنة: 235 هـ. المصدر السابق 6/ 338.
والكراني لم أجد له ترجمة.
والرِّياشي هو: عباس بن الفرج الرِّياشي أبو الفضل البصري ثقة من الحادية عشرة تق: 293.
ومحمّد بن الطفيل هو: ابن مالك النخعي صدوق من العاشرة تق: 285.
وأبو بكر بن عياش لم أعرفه، ولعله الأسدي ثقة من السابعة، أو السلمي مقبول من السابعة.
والحارث بن عبد الرحمن لعله الدوسي أو العامري وكلاهما صدوق من الخامسة تق: 624.
ومكحول لعله الشامي ثقة من الخامسة تق: 545. روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة.
والاحتمال الذي ذكرته في ترجمة أبي بكر بن عياش والحارث ومكحول، لأني لم أجد ذكراً لأبي بكر بن عياش في شيوخ محمّد بن الطفيل الذي روى عنه هنا. وكذلك لم أجد لابن الطفيل ذكراً في تلاميذ أبي بكر. وكذلك الحال في كلّ من الحارث بن عبد الرحمن الذي يروي عنه أبو بكر بن عباش، ومحكول الذي يروي عنه الحارث. ومكحول إن كان هو الشامي فروايته عن عمر معضلة فيكون الأثر ضعيفاً.
ورى أن عمر رضي الله عنه أنشد قول الحطيئة:
متى تأته تعشو
(1)
إلى ضوء ناره
…
تجد خير نارٍ عندها خير موقد
فقال عمر: كذب بل تلك نار موسى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
عشا النار: رآها ليلاً على بعد فقصدها مستضيئاً بها، ومعنى البيت: أي: متى تأته لا تتبين ناره لضعف بصرك. ابن منظور/ لسان العرب 9/ 226.
(2)
رواه أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 2/ 461. قال أخبرني الحسن بن عليّ حدّثنا محمّد بن موسى قال: حدثّنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني عن عليّ بن مجاهد عن هشام بن عروة أن عمر
…
الأثر.
أحمد بن الحارث الخزاز لم جد له ترجمة. و علىّ بن مجاهد لم أعرفه. وإن كان هو عليّ بن مجاهد بن مسلم القاضي الكابلي الذي ذكرته كتب التراجم فهو متروك تق: 405. وهشام بن عروة ثقة من الخامسة تق: 573، روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة. فالأثر ضعيف.
4 -
موقفه من شعر زهير
(1)
بن أبي سلمى.
فال الجاحظ: قال العائشي: ولقد أنشدوه أي: عمر بن الخطاب رضي الله عنه شعراً لزهير، وكان شعره مقدماً فلما انتهوا إلى قوله:
وإن الحقّ مقطعه ثلاث
يمين
(2)
أو نفار
(3)
أو جلاء
(4)
قال عمر رضي الله عنه كالمعتجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها وإقامته أقسامها -:
وإن الحقّ مقطعه ثلاث: يمين أو نفار أو جلاء
(1)
هو: زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني من مضر حكيم الشعراء في الجاهلية وفي أئمة الأدب من يفضله على شعراء العرب كافة. قال ابن الأعرابي: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة. ولد في بلاد مزنية بنواحي المدينة. وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد. الزركلي/ الأعلام 3/ 52.
(2)
يمين: أي: حَلِفاً باليمن.
(3)
نِفَار: نافر الرجل منافرة ونِفاراً: حاكمه. ابن منظور/ لسان العرب 14/ 232.
(4)
جلاء: الوضوح، وأراد به في البيت البينة والشهود. وقيل: أراد الإقرار. المصدر السابق 2/ 343.
يردِّد البيت من التعجب
(1)
.
وذكر أن عمر رضي الله عنه قال لابنة زهير: ما فعلت حلل هرم
(2)
بن سنان التي كساها أباك؟
قالت: أبلاها الدهر. قال: لكن ما كساه أبوك هرماً لم يبله الدهر.
وقيل: إنه رضي الله عنه قال لبعض ولد هرم بن سنان: أنشدني ما قال فيكم زهير. فأنشده، فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن. قال: يا أمير المؤمنين: إنا كنا نعطيه فنجزل. قال عمر: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم
(3)
.
(1)
البيان والتبيان 1/ 202.
(2)
هرم بن سنان بن أبي حارثة المري من أجود العرب في الجاهلية يضرب به المثل وهو ممدوح زهير بن أبي سلمى. الزركلي/ الأعلام 8/ 82.
(3)
رواه أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني فال: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدّثنا عمر بن شبه، وقال المهلبي في خبر له عن الأصمعي: قال أنشد عمر
…
الأثر.
أحمد بن عبد العزيز الجوهري لم أجد له ترجمة.
وحبيب بن نصر المهلبي، ترجم له الخطيب البغدادي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. تاريخ بغداد 8/ 253.
وعمر بن شبه هو: النميري صدوق من كبار الحادية عشرة تق: 413.
والأصمعي هو: عبد الملك بن قريب الباهلي صدوق من التاسعة تق: 364.
فالسند ضعيف للجهالة بحال المهلبي، وعمر بن شبه روايته عن عمر معضلة. وكذلك الأصمعي روايته عن عمر معضلة.
وأورد الخبر ابن رشيق في العمدة ص: 81 من غير سند.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال عمر بن الخطاب ليلة مسيره إلى الجابية: أين ابن عباس؟ قال: فأتيته
…
ثم قال: هل تروي لشاعر الشعراء؟ قلت: ومن هو؟ قال الذي يقول:
ولو أن حمداً يخلد الناس أخلدوا ولكن حمد الناس ليس بمخلد
قلت: ذاك زهير. قال فذاك شاعر الشعراء. قلت: وبم كان شاعر الشعراء؟ قال: لأنه كان لا يعاظل في الكلام، وكان يتجنب وحشي الشعر ولم يمدح أحداً إلا بما فيه.
قال الأصمعي: يعاظل بين الكلام: يداخل فيه، ويقال: يتبع حَوشِيَّ الكلام وَوَحْشِيَّ الكلام والمعنى واحد
(1)
.
(1)
رواه محمّد بن سلام/ طبقات فحول الشعراء 1/ 63. فقال: أخبرني عيسى بن يزيد بن داب بإسناد له عن ابن عباس قال: قال لي عمر
…
الأثر.
عيسى بن داب هو الليثي. قال الذهبي: كان إخبارياً علامة نسابة، لكن حديثه واه. قال خلف الأحمر: كان يضع الحديث. وقال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 3/ 327، 328، لسان الميزان 4/ 408.
وفي الإسناد أيضاً جهالة بالرجال بين ابن داب وابن عباس رضي الله عنهما.
ورواه أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 10/ 443 فقال: أخبرني أحمد بن عبدالعزيز الجوهري
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
، قال: حدّثنا عمر بن شبه، قال: حدّثنا هارون بن عمر قال: حدّثنا أيوب بن سويد، قال: حدّثنا يحيى بن يزيد عن عمر بن عبد الله الليثي عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب
…
الأثر.
وفي هذا السند أحمد بن عبد العزيز الجوهري شيخ أبي الفرج الأصفهاني لم أجد له ترجمة، وكذلك هارون بن عمر شيخ ابن شبه لم أجد له ترجمة، وأيوب بن سويد لم أعرفه. ولعله الرملي صدوق يخطئ من التاسعة تق:118. وفيه كذلك يحيى بن يزيد وشيخه عمر بن عبد الله الليثي لم أجد لهما ترجمة. وبهذا السند روى أبو الفرج الكلام الذي دار بين عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما.
ورواه أبو الفرج من طريق آخر فقال: أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عبد الله بن عمرو القيسي، قال: حدّثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان عن زيد بن ثابت عن عبد الله بن سفيان عن أبيه عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر
…
الأثر.
وفي هذا السند عبد الله بن عمرو القيسي لم أجد له ترجمة، ولم أجده في تلاميذ خارجة ولا في شيوخ ابن شبه.
وخارجة بن عبد الله صدوق له أوهام، وزيد بن ثابت المذكور في السند لم أعرفه. ولم أجده في شيوخ خارجة، وإنما روى خارجة عن أبيه عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت. وكذلك لم أجده في تلاميذ عبد الله بن أبي سفيان.
وعبد الله بن أبي سفيان لعله ابن أبي أحمد مقبول من الرابعة تق: 306. وأبوه لعله أبو سفيان مولى أبي أحمد. قيل: اسمه: وهب، وقيل: قزمان. ثقة من الثالثة. تق: 645. لم تذكر له روايته عن عمر رضي الله عنه.
وأورد هذا الخبر ابن رشيق في العمدة ص: 98 نقلاً عن ابن سلام الجمحي.
5 -
موقفه رضي الله عنه من هجاء النجاشي
(1)
لبني العجلان قوم تميم
(2)
بن مقبل.
روي أن بني العجلان كان يفخرون بهذا الاسم لقصة كانت لصاحبه في تعجيل قرى الأضياف إلى أن هجاهم به النجاشي فضجروا منه وسبوا به فاستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، هجانا فقال: وما قال؟ فأنشدوه:
إذا الله عادى أهل لؤم وَرِقَّةٍ
…
فعادى بني عجلان رهط ابن مقبل
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما دعا عليكم ولعله لا يجاب، فقالوا: إنه قال:
قبيلة لا يغدرون بذمة
…
ولا يظلمون الناس حبة خردل
فقال عمر: ليتني من هؤلاء أو قال: ليت آل الخطاب كذلك أو كلاماً يشبه هذا. قالوا: فإنه قال:
(1)
النجاشي، هو: قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب بن كهلان شاعر هجاء مخضرم. اشتهر في الجاهلية والإسلام. أصله من بخران، وانتقل إلى الحجاز. قال البكري: النجاشي من أشراف العرب إلا أنه كان فاسقاً، وكانت أمه من الحبشة فنسب إليها. الزركلي/ الأعلام 5/ 207.
(2)
تميم بن مقبل بن عوف بن حنفي بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أدرك الإسلام فأسلم. ابن حجر/ الإصابة 1/ 187.
ولا يردون الماء إلا عشية
…
إذا صدر الوُرَّاد عن كلّ منهل
فقال عمر: ذلك أقل للسكاك. يعني: الزحام، قالوا فإنه قال:
تعاف الكلاب الضاريات لحومهم
…
وتأكل من كعب بن عوف ونهشل
فقال عمر: كفى ضياعاً من تأكل الكلاب لحمه. قالوا: فإنه قال:
وما سمي العجلان إلا لقولهم
…
خذ القعب واحلب أيها العبد واعجل
فقال عمر: كلنا عبد وخير قوم خادمهم. فقالوا: يا أمير المؤمنين هجانا فقال: ما أسمع ذلك. فقالوا: فاسأل حسان بن ثابت. فسأله فقال: ما هجاهم ولكن سلح
(1)
عليهم
(2)
.
قال ابن رشيق: وكان عمر رضي الله عنه أبصر الناس بما قال النجاشي
(1)
تقدم شرحها في ص: (199).
(2)
ذكره ابن قتيبة/ الشعر والشعراء ص: 152، من غير إسناد. وكذلك بان رشيق/ العمدة ص: 52 من غير إسناد. ونقل ابن حجر/ الإصابة 1/ 187 عن ثعلب في فوائده من رواية أبي الحسن بن مقسم عنه قال: قال أصحابنا
…
وذكر الرواية باختلاف يسير عما نقله ابن قتيبة وابن رشيق.
وثعلب هو: أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم البغدادي. قال الذهبي: العلامة المحدّث إمام النحو. قال الخطيب: ثقة حجة دين صالح مشهور بالحفظ. مات في 291 هـ. السير 14/ 5. روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة. فالأثر ضعيف.
ولكن أراد أن يدرأ الحد بالشبهات. فلما قال حسان ما قال، سجن عمر النجاشي وقيل: إنه حده.
وقال: كان عمر رضي الله عنه عالماً بالشعر، قليل التعرض لأهله، استعداه رهط تميم بن أبي مقبل على النجاشي لما هجاهم، فأسلم النظر في أمرهم إلى حسان بن ثابت، فراراً من التعرض لأحدهما، فلما حكم حسان أنفذ عمر حكمه على النجاشي كالمقلد من جهة الصناعة، ولم يكن حسان على علمه بالشعر أبصر من عمر رضي الله عنه بوجه الحكم
(1)
.
ولما ذكر من حبّ عمر رضي الله عنه لسماع الشعر وتمثله بأبيات منه في مناسبات عديدة ونقده له وعلمه بمعانيه روي أنه رضي الله عنه كان شاعراً.
قال الشعبي
(2)
رحمه الله: "كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان عليّ بن أبي طالب شاعراً
(3)
. أي: عالماً بالشعر وبمعانيه
(1)
العمدة ص: 76.
(2)
عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، مشهور، فقيه، فاضل من الثالثة. قال مكحول: ما رأيت أفقه منه. مات بعد المائة وله نحو من ثمانين. تق: 287.
(3)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 159، 160، الطبري/ تهذيب الآثار/ مسند عمر بن الخطاب 2/ 637.
وسنده عند البلاذري رجاله ثقات سوى أبي الجحاف داود بن أبي عوف وثقه أحمد ويحيى. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن عدي: ليس هو عندي ممن يحتج به شيعي عامه ما يرويه في فضائل أهل البيت. ميزان الاعتدال 2/ 18. وقال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ تق: 199.
ورجال إسناده عند الطبري ثقات سوى عبيد بن أسباط القرشي فهو صدوق تق: 377. فالأثر صحيح بطريقيه إلى الشعبي.
وأغراضه متذوقاً له".
لأن أهل النقد والأدب والشعر قديماً وحديثاً لم يذكروا عمر رضي الله عنه في الشعراء ولم تثبت عنه قصائد وأبيات من نظمه
(1)
، بل روي عنه رضي الله عنه أنه قال لمتمم بن نويرة أخي مالك
(2)
بن نويرة: "لو كنت شاعراً أثنيت على أخي
(3)
كما أثنيت على أخيك متمم". فقال: لو كان مهلك أخي
(1)
انظر: محمّد أحمد أبو النصر/ عمر بن الخطاب ص: 209 - 217.
(2)
مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد ثعلبه بن يربوع التميمي كان شاعراً شريفاً فارساً معدوداً في فرسان بني يربوع في الجاهلية. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات قومه، فلما بلغته وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم أمسك الصدقة وفرقها في قومه. قتله ضرار بن الأزور الأسدي صبراً بأمر خالد بن الوليد بعد فراغه من قتال الردة. ابن حجر/ الإصابة 3/ 357.
(3)
أخو عمر رضي الله عنه هو: زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي، وكان أسن من عمر، وأسلم قبله وشهد بدراً، والمشاهد، واستشهد باليمامة. وكانت راية المسلمين معه سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر. وحزن عيله عمر حزناً شديداً. ولما قتل قال عمر: سبقني إلى الحسنيين: أسلم قبلي، واستشهد قبلي. ابن حجر/ الإصابة 1/ 565.
كمهلك أخيك لتعزيت عنه. فقال عمر: "ما رأيت تعزية أحسن من هذه"
(1)
.
وكان لعمر رضي الله عنه اهتمام بأخبار الجاهلية وخاصة ما له تعلق بالإسلام وأحكام الدين، فقد أرسل عمر رضي الله عنه إلى شيخ من بني زهرة كان قد أدرك الجاهلية فجاء الشيخ إلى عمر وهو في حِجر الكعبة، فسأله عمر رضي لله عنه عن أولاد من أولاد الجاهلية فقال
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 378، ابن قتيبة/ الشعر والشعراء ص: 157، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 208، 413، 414، فتوح البلدان ص: 107، 108، أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 15/ 205، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 7/ 252.
وفي إسناده عند ابن سعد والبلاذري الواقدي، وهو متروك.
ورواه ابن قتيبة من غير إسناد. ورجال إسناده عند أبي الفرج لم أجد لهم تراجم.
وفي إسناده عند البيهقي محمّد بن هانئ الطائي ذكره الخطيب البغدادي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً تاريخ بغداد 3/ 370. وهو معضل من رواية خالد ابن سعيد بن عمرو بن سعيد عن عمر رضي الله عنه. وهو صدوق من الثامنة تق: 188. فالأثر ضعيف.
الشيخ: أما النطفة فمن فلان، وأما الولد فعلى فراش فلان، فقال عمر: صدقت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالفراش، فلما ولى الشيخ دعاه عمر، فقال: أخبرني عن بناء الكعبة، فقال: إن قريشاً تقربت لبناء الكعبة، فعجزوا واستقصروا فتركوا بعضاً في الحجر، فقال عمر: صدقت
(1)
.
ومما اختص به عمر رضي الله عنه من العلم صدق الحدس، وهو علم جِبلِّي خلقي، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك عن عمر حيث قال: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحَدَّثُون
(2)
، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب
(3)
.
(1)
رواه عبدالرزاق/ المصنف 5/ 128، 129، الحميدي/ المسند 1/ 15، البيهقي/ السنن الكبرى 7/ 402، وسنده عند عبد الرزاق متصل ورجاله ثقات، وراويه عن عمر أبو يزيد المكي وثقه العجلي وابن حبان ويقال: له صحبة. تق 685. فالأثر صحيح. قال: عن ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: حدّثني أبي أن عمر
…
الأثر.
(2)
محدثون: هم الملهمون، والملهم هو الذي يلقى في نفسه الشيء، فيخبر به حدساً وفراسةً، وهو نوع يختص به الله عز وجل من يشاء من عباده الذين اصطفى مثل عمر. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 350.
(3)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 261، 295، مسلم/ الصحيح/شرح النووي 15/ 166 وغيرهما.
ومن الأخبار الدالة على اختصاص عمر رضي الله عنه بذلك، ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط: إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن
(1)
.
وقال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر
(2)
.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأيت عمر إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدده
(3)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 323.
(2)
رواه الجعد/ المسند 2/ 885، عبد الرزاق/ المصنف 11/ 222، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 354، 223، أحمد/ المسند 1/ 106، فضائل الصحابة 2/ 330، 395، 401، 410، 442، 444، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 1/ 461، 462، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عبد الله بن إدريس عن الشّيباني عن الشّعبي، قال: قال عليّ:
…
(3)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 354، أحمد/ فضائل الصحابة 1/ 247، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 1/ 462، الطبراني/ المعجم الكبير 9/ 181، 183، 186، صحيح عند ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا وكيع عن سفيان عن واصل عن أبي وائل، قال عبد الله: ما رأيت
…
الأثر.
وقال عبد الله بن سلمة المرادي
(1)
رحمه الله: دخلنا على عمر معاشر مذحج
(2)
، وكنت من أقربهم منه مجلساً، فجعل عمر ينظر إلى الأشتر
(3)
ويصرف بصره، فقال: أمنكم هذا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: ماله قاتله الله، كفى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم شره، والله إني لأحسب أن للناس منه يوماً عصيباً
(4)
.
ولعلّ مما يلتحق بذلك وهو من كرامات عمر رضي الله عنه ما رواه عبد الله ابن عمر أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعث جيشاً وأمّر
(1)
عبدالله بن سلمة المرادي، صدوق من الثانية. تق 306.
(2)
مَذْحِج هو مالك بن أدد بن زيد بن يَشْجُب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ. ابن حزم/ جمهرة النسب ص 485.
(3)
الأَشْتر: هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي، كان من شيعة علي رضي الله عنه، وشهد معه الجمل وصفين ومشاهده كلها، وكان رئيس قومه، وله بلاء حسن في وقعة اليرموك، وذهبت عينه يومئذ وكان ممن سعى في الفتنة، وألب على عثمان رضي الله عنه، وشهد حصره، وروي أن عائشة رضي الله عنها دعت عليه. المزي/ تهذيب الكمال 27/ 127.
(4)
رواه أبو بكر الخلال/ السنة ص 516، 517، ورجاله ثقات سوى عبدالله بن سلمة، فهو صدوق وسنده متصل. فالأثر حسن.
عليهم رجلاً يدعى سارية
(1)
، فبينما عمر يخطب الناس يوماً فجعل يصيح وهو على المنبر:"يا ساري الجبل يا ساري الجبل". قال: فقدم رسول الجيش، فسأله فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمناهم، فإذا بصائح يصيح:"يا ساري الجبل" فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله
(2)
.
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال ابن من؟ قال ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقه، قال: أين مسكنك؟ قال: الحرة، قال بأيها؟ قال: بذات لظى، قال: أدرك أهلك فقد
(1)
سارية بن زنيم بن عبد الله بن جابر الدؤلي كان مخضرماً وقال العسكري: روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يلقه. الإصابة 2/ 3.
(2)
رواه ابن سعد الطبقة الرابعة/ 2/ 474 - 475، أحمد/ فضائل الصحابة 1/ 269 - 270، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص:289.
وهو عند ابن سعد من طريق الواقدي، وسنده عند أحمد رجاله ثقات، سوى يحيى بن أيوب فقد وثّقه ابن معين والبخاري والحربي. وقال أبو حاتم: محله الصدق ولا يحتج به. وقال أبو داود: صالح. ميزان الاعتدال 4/ 362. وقال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ تق 588.
وفيه محمّد بن عجلان صدوق تق: 496.
وهو عند ابن عساكر من طريق يحيى بن أيوب به. فالأثر حسن. وقد حسّنه ابن حجر في الإصابة 2/ 2 - 3. وحسّنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 101.
احترقوا، فرجع الرجل، فوجد أهله قد احترقوا
(1)
.
وقال طارق بن شهاب
(2)
رحمه الله تعالى: كان رأي عمر كيقين
(1)
رواه مالك/ الموطأ 2/ 152، عبدالرزاق/ المصنف 11/ 43، 44، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 322، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 176، 177، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 239، وسنده عند مالك فيه إعضال بين يحيى بن سعيد الأنصاري وهو ثقة من الخامسة. تق 591، وبين عمر بن الخطاب وعند عبدالرزاق فيه رجل مبهم حيث أن معمر يرويه عن رجل عن سعيد بن المسيب، لكن قال ابن حجر في الإصابة 1/ 263: رواه عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، ولم أجده.
والسند الذي ساقه ابن حجر رجاله ثقات ولكن سماع سعيد من عمر مختلف فيه كما تقدم في ص: (92).
وفيه عند البلاذري هشام بن محمد بن السائب الكلبي، تقدمت ترجمته في ص:(108).
وأبوه محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب، ورمي بالرفض. تق 479.
ورواه ابن شبه وابن عساكر من طريق مالك به مثله، وقال ابن حجر في الإصابة: وروينا في فوائد أبي القاسم بن بشران من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر. . . . . . . . . . .
وهذا السند رجاله ثقات، ولكني لم أعرف حال الرجال بين أبي القاسم وموسى بن عقبة.
(2)
طارق بن شهاب بن عبد شمس الأحمسي قال أبو داود رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه. تق 281.
آخر
(1)
.
وجاء عنه أنه قال: إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به أنه كذب فهو عمر
(2)
.
(1)
رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 239، 240، فقال: أخبرنا أبو البركات عبدالوهاب بن المبارك أنا أبو الفضل بن خيرون أنا أبو القاسم عبدالملك بن محمد بن بشران أنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف أنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة نا أبي نا وكيع نا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، وهذا الإسناد رجاله ثقات سوى محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وثقه صالح جزرة، وقال ابن عدي: لم أرى له حديثاً منكراً، وهو على ماوصف ابن عبدان لا بأس به، وقال الخطيب: له معرفة وفهم، وله تاريخ كبير.
وكذبه عبدالله بن أحمد بن حنبل، وقال عطية: هو عصا موسى تلقف ما يأفكون. ميزان الاعتدال 3/ 642.
وقد دافع عنه المعلمي في التنكيل فقال: وأما التكذيب فإنه تفرد بنقله أحمد بن محمد بن سعيد بن عقده وليس بعمدة، ولا يقبل من ابن عقده ما ينقله من الجرح، ولا سيما إذا كان في مخالفه في المذهب كما هنا، ويؤكد ذلك هنا أن ابن عقده نقل التكذيب عن عشرة مشهورين من أهل الحديث، وتفرد بذلك كله فيما أعلم، فلم يروي غيره عن أحد منهم تكذيب محمد بن عثمان
…
الخ 1/ 474. فالأثر حسن إن شاء الله.
(2)
رواه العسكري/ تصحيفات المحدثين 1/ 269، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 240 وسنده عند العسكري فيه الحسين بن أحمد بن بسطام شيخ العسكري لم أجد له ترجمة، وفيه محمد بن ميمون الخياط البزار، صدوق ربما أخطأ، وبقية رجاله ثقات.
ومن العلوم التي وهبها الله تعالى لعمر وعرف بها علم القيافة، قال الحكم بن أبي العاص
(1)
: كنت قاعداً مع عمر بن الخطاب، فأتاه رجل فسلم عليه، فقال له عمر: بينك وبين أهل نجران
(2)
قرابة؟ قال الرجل: لا، قال عمر: بلى، قال الرجل: لا، قال عمر: بلى والله، أنشد الله كل رجل من المسلمين يعلم أن بين هذا وبين أهل نجران قرابة لما تكلم. فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين بلى بينه وبين أهل نجران قرابة من قبل كذا وكذا، فقال له عمر: مه فإنا نقفو الآثار
(3)
.
(1)
الحكم بن أبي العاص الثقفي قال ابن سعد يقال له صحبه، وولاه أخوه عثمان البحرين فافتتح فتوحاً كثيرة. ابن حجر/ الإصابة 1/ 345، وقال أبو حاتم له صحبه. الجرح والتعديل 3/ 121.
(2)
نَجْرَان: من مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا سمي بنجران بن زيدان بن سبأ ابن يشجب ابن يعرب بن قحطان، كان أول من عمرها ونزلها. ياقوت/ معجم البلدان 5/ 266.
أقول: وهي الآن من مدن المملكة العربية السعودية الحدودية الجنوبية.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 289، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 224، وسنده عند ابن سعد متصل ورجاله ثقات. فالأثر صحيح. قال: أخبرنا عارم ابن الفضل، قال: أخبرنا القاسم بن الفضل، قال: حدّثني معاوية بن قرة عن الحكم بن أبي العاص الثقفي، قال: كنت قاعداً مع عمر
…
الأثر.
وروي أن عمر رضي الله عنه مر به رجل ضخم طويل سبط
(1)
، ثم اتبعه رجل نحيف جعد أسود، فقال عمر: هما أخوان، فنظر فإذا هما أخوان، وكان عمر قائفاً
(2)
.
المسألة الثالثة: أسرته وحياته المعيشية.
أولاً: أسرته.
1 - زوجاته رضي الله عنه:
كان عدد من تزوج بهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أربع عشرة امرأة وهن:
1 -
أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، كانت زوجته رضي الله عنه في الجاهلية.
2 -
قريبة بنت أبي أمية المخزومية وكانت أيضاً زوجة له قبل الإسلام، وهاتان الزوجتان طلقهن عمر رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
(3)
، وذلك بعد صلح
(1)
السَّبْط من الشعر: المنبسط المسترسل. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 334.
(2)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 283، وفيه سنده أشياخ المدائني مبهمون، قال البلاذري: المدائني عن أشياخه عن شريح. فالأثر ضعيف.
(3)
سورة الممتحنة آية: (10).
الحديبية
(1)
من السنة السادسة للهجرة
(2)
.
3 -
زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية، وهي التي رافقت عمر رضي الله عنه في هجرته إلى المدينة
(3)
.
(1)
الحُدَيْبِيَة: على 22 كم غرب مكة على طريق جدة القديم وهو الطريق الذي يمر بالحديبية ثم حداء على بضع أكيال من الحديبية ثم على بحرة منتصف الطريق ثم على أم السلم فجده. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 94، 95.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 119 - 123، بلفظ:
…
فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ} حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} ، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. وأما تحديد اسم المرأتين فقد أورده البخاري من كلام الزهري حيث قال الزهري: بلغنا. ورواه أيضاً عبد الرزاق/ التفسير 2/ 288، المصنف 5/ 101، 106، 340، من كلام الزهري، والطبري/ التاريخ 2/ 124، 125 من كلام ابن إسحاق. وروى البخاري في الصحيح 3/ 275 تحديد اسم قريبة فقط موصولاً عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت قريبة بنت أبي أمية عند عمر فطلقها فتزوجها معاوية بن أبي سفيان.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 8/ 81، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 391، من غير سند، وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: قال أبو عمر هي زوجة عمر بن الخطاب ووالدة ولديه عبدالله وحفصة، ذكر الزبير أنها كانت من المهاجرات، وأخشى أن يكون وهماً لأنه قد قيل إنها ماتت بمكة قبل الهجرة، قلت: بل الوهم ممن قال ذلك، فقد ثبت عن عمر أنه قال في حق ولده عبدالله هاجر به أبواه، أخرجه البخاري من طريق نافع عن ابن عمر وذلك لما فضل أسامة بن زيد على عبدالله في القسم. الإصابة 4/ 319.
4 -
جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية تزوجها عمر رضي الله عنه سنة سبع من الهجرة ثم طلقها
(1)
.
(1)
رواه مالك/ الموطأ 2/ 516، 517، قال: عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت القاسم بن محمّد يقول وذكر الأثر. يحيى بن سعيد الأنصاري ثقة ثبت من الخامسة تق: 591. القاسم بن محمّد بن أبي بكر ثقة أحد الفقهاء السبعة تق: 451.
سعيد بن منصور/ السنن 2/ 109. قال: نا سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم به.
ابن أبي شيبة/ المصنف 4/ 180. رواه من طريقين:
الأولى: من طريق مالك المتقدم، والثانية قال فيها: نا محمّد بن بشر قال: نا سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة عن سعيد بن المسيب.
محمّد بن بشر العبدي ثقة، تق:469. سعيد بن أبي عروبة ثقة كان من أثبت الناس في قتادة، تق: 239.
ورجاله عند مالك وسعيد ابن منصور ثقات كما تقدم. لكن رواية القاسم بن محمّد بن أبي بكر عن عمر بن الخطاب منقطعة وإسناده عند ابن أبي شيبة فيه قتادة بن دعامة مدلّس، من الثالثة ولم يصرّح بالسماع، وسماع سعيد بن المسيب من عمر مختلف فيه. وقد تقد الكلام على ذلك في ص (92) وفي هذا الخبر ذكر لمخاصمة عمر لزوجته جميلة في ابنه منها عاصم فقضى أبو بكر رضي الله عنه بالحضانة لأم عاصم وبالنفقة على عمر.
وروى ابن سعد في طبقاته 3/ 266 بإسناد رجاله ثقات فيه انقطاع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم جميلة امرأة عمر من عاصية إلى جميلة، فالخبر ضعيف.
5 -
ابنة حفص بن المغيرة
(1)
تزوجها عمر رضي الله عنه بعد أن طلقها زوجها عبد الله بن أبي ربيعة
(2)
، فلما عرف عمر أنها عاقر لاتلد طلقها
(3)
.
(1)
لم أقف على اسمها فيما بحثت.
(2)
عبدالله بن أبي ربيعة واسمه عمرو وقيل حذيفة المخزومي، وهو أخو عياش بن أبي ربيعة لأبويه، ولي الجند لعمر بن الخطاب، واستمر إلى أن جاء لينصر عثمان بن عفان رضي الله عنهم، فسقط عن راحلته بقرب مكة فمات. ابن حجر/ الإصابة 2/ 305.
(3)
رواه الشافعي/ المسند ص 377، ابن أبي شيبة/ المصنف 4/ 195، البيهقي/ السنن الكبرى 6/ 276، وفي سنده عند ابن أبي شيبة قتادة بن دعامة يروي عن عمر بن الخطاب، وروايته عنه منقطعة، وفيه عند الشافعي والبيهقي عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج، وهو ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع وفيه نافع مولى ابن عمر، روايته عن عمر منقطعة، فالخبر ضعيف، وهو مما يتساهل فيه.
6 -
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية تزوجها عمر رضي الله عنه بعد أن ولي الخلافة
(1)
. وكانت قد تبتلت وامتنعت من الأزواج بعد وفاة زوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما
(2)
، وكانت عاتكة رضي الله عنها تصلي العشاء والفجر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يكره خروجها، فقيل لها: تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار، قالت: وما يمنعه أن ينهاني، قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا مساجد الله إماء الله"، وطعن عمر رضي الله
(1)
حدد ابن عبدالبر زواجه منها بسنة 12 هـ، الاستيعاب 4/ 433.
(2)
عبدالله بن أبي بكر الصديق شقيق أسماء بنت أبي بكر، ذكره ابن حبان في الصحابة، وثبت ذكره في البخاري في قصة الهجرة وقال عمر لم أسمع له بمشهد إلا في الفتح وحنين والطائف، مات في خلافة أبيه. انظر/ الإصابة 2/ 283.
رواه ابن سعد/ الطبقات 8/ 266، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة صدوق له أوهام، وفيه يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة.
عنه وزوجته عاتكة تصلي معه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
7 -
أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد استشهاد زوجها خالد بن سعيد بن العاص
(2)
رضي الله عنه بموقعة مرج الصفر ببلاد الشام
(3)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 160، وليس فيه تصريح باسم عاتكة بل فيه أن امرأة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. ورواه أحمد/ المسند 2/ 7 بإسناد متصل رجاله ثقات، وفيه زيادة أن عمر طعن وهي في المسجد، وأما تحديد اسمها بأنها عاتكة، فقد رواه مالك/ الموطأ 1/ 213، وفي سنده إعضال بين يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة من الخامسة وبين عمر بن الخطاب ولم تذكر له رواية عن عاتكة، ورواه أحمد/ المسند 1/ 40، وسنده رجاله ثقات سوى يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي فهو صدوق، وهو منقطع من رواية سالم ابن عبدالله بن عمر عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورواه ابن سعد/ الطبقات 8/ 217، من رواية الواقدي.
(2)
خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، أسلم قديماً، يقال إنه أسلم بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قتل بأجنادين في جمادى الأول سنة 13 هـ، وقيل بمرج الصفر سنة 14 هـ. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/ 7، 8.
(3)
انظر: ابن سعد/ الطبقات 5/ 50 حيث ذكر أن أم حكيم هي والدة فاطمة ابنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ترجم لأم حكيم ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/ 7، وابن الأثير/ أسد الغابة 5/ 577، وابن حجر/ الإصابة 4/ 443، ولم يذكروا زواج عمر منها. وسيأتي ذكر ابنتها فاطمة في ذكر بنات عمر رضي الله عنه في ص:(114).
مَرْج الصُّفَّر: سهل واسع جنوبي دمشق يبعد عنها حوالي 38 كم بين قريتي الكوة وغباغب. أحمد عادل كمال/ الطريق إلى دمشق ص 293.
8 -
أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها، تزوجها عمر رضي الله عنه سنة سبع عشرة من الهجرة
(1)
وكان عمر رضي الله عنه يبتغي من نكاحه أم كلثوم رضي الله عنهما القرب من نسب النبي صلى الله عليه وسلم، قال رضي الله عنه لما تزوجها: ألا تهنوني؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سبب و نسب منقطع إلا سببي ونسبي، فأحببت أن يكون بيني وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب))
(2)
(1)
الطيري التاريخ 4/ 443، من غير سنده، وروي أن عمر رضي الله عنه شاور العباس بن عبدالمطلب والحسين بن علي بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم في زواجه من أم كلثوم. وراه الطبراني و المعجم الكبير 3/ 444 وإسناده رجاله ثقات، سوي شيخ الطبراني جعفر بن محمد بن سليمان التوفلي لم أجد له ترجمة.
(2)
رواه عبد الرزاق المصنف 6/ 163، قال: عن معمر عن أيوب عن عكرمة معمر بن راشد الأسدي ثقة، أيوب بن أبي تميمة ثقة، عكرمة مولى ابن عباس =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة.
سعيد بن منصور/ السنن 1/ 146، 147. قال: نا عبد العزيز بن محمّد عن جفعر ابن محمّد عن أبيه عن عمر وذكر الحديث.
عبد العزيز بن محمّد الدراوردي صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، تق:358. وهو لا يروي عنه هنا. جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين الصادق صدوق تق: 141. وأبوه محمّد بن عليّ بن الحسين أبو جعفر الباقر، ثقة من الرابعة تق: 497. وروايته عن عمر منقطعة.
ابن سعد/ الطبقات 8/ 463. قال: أخبرنا أنس بن عياش الليثي عن جعفر ابن محمّد عن أبيه فذكره.
إسحاق بن راهويه/ المسند/ المطالب العالية لابن حجر 506/ أ قال: أنا سفيان عن جعفر بن محمّد عن أبيه به مثله.
الطبراني/ مجمع البحرين 6/ 331، 332. قال: حدّثنا محمّد بن الله الحضرمي ثنا الحسن بن سهل الخياط ثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر، محمّد بن عبد الله الحضرمي لقبه مطين الثقة الحافظ الكبير. تذكرة الحفاظ 662. الحسن بن سهل الخياط لعله الجعفي ذكره ابن حبان في الثقات 8/ 18. وعند ابن أبي حاتم 3/ 17: الحسن بن سهل الجفري ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. سفيان بن عيينة هو العالم الجليل المعروف. جعفر بن محمّد الصّادق وأبوه تقدما في سند سعيد بن منصور، وسماع محمّد بن عليّ أبي جعفر الباقر من جابر بن عبد الله رضي الله عنه ممكن فإنه ولد سنة: 56 هـ. ومات جابر بن عبد الله رضي الله عنه بعد السبعين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحاكم/ المستدرك 3/ 142. حدّثنا الحسن بن يعقوب وإبراهيم عصمة العدلاني قالا: ثنا السّري بن خزيمة ثنا معلى بن راشد ثنا وهيب بن خالد عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن عليّ بن الحسين. الحسن بن يعقوب البخاري قال الذهبي: الشيخ الصدوق النبيل ولم ينقل فيه كلاماً لأحد. السير 15/ 433. السري بن خزيمة بن معاوية الإمام الحافظ الحجة قال الحاكم: هو فوق الثقة. سير أعلام النبلاء 13/ 245. المعلى بن راشد قال النسائي ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن حجر: مقبول. تهذيب الكمال 27/ 285. تق: 541. وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي ثقة ثبت لكنه تغير قليلاً بآخره. تق: 586. جعفر بن محمّد الصادق وأبوه تقدما. وعليّ بن الحسين زيد العابدين ثقة من الثالثة. تق: 400. روايته عن عمر منقطعة.
أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 231، 232. حدّثنا أبو أحمد بن جعفر ثنا محمّد ابن يونس ثنا بشر بن مهران ثنا شريك عن شبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين أن عمر فذكره.
أبو أحمد بن جعفر لم أجد له ترجمة. محمّد بن يونس الكديمي البصري أحد المتروكين. قال ابن عدي: اتهم بالوضع. وقال أبو عبيد الآجري: رأيت أبا داود يطلق في الكديمي الكذب. ميزان الاعتدال 3/ 74 - 75. بشر بن مهران الخصاف قال ابن أبي حاتم: ترك أبي حديثه. ميزان الاعتدال 1/ 325. شريك ابن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة تق: 266. شبيب بن غرقدة ثقة تق: 264. المستظل بن حسين البارقي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقال: روى عن عمر وعليّ وروى عنه شبيب بن غرقدة. الجرح والتعديل 8/ 429.
وروي أن مهر أم كلثوم رضي الله عنها الذي أمهرها إياه عمر رضي الله عنه كان أربعين ألفاً كما ذكر في بعض الروايات
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 8/ 463، ابن أبي شيبة/ المصنف 3/ 494، البيهقي/ السنن الكبرى 7/ 233، وفي إسناده عند ابن سعد وابن أبي شيبة عطاء بن أبي مسلم الخرساني، صدوق يهم. تق 392، وروايته عن عمر منقطعة، وفي سنده عند البيهقي محمد بن داود بن دينار، اتهمه ابن عدي بالكذب. ميزان الاعتدال 3/ 540، وأورده ابن كثير في مسند الفاروق 1/ 392، نقلاً عن إسحاق بن المنذر وفي سنده محمد بن عبدالملك الأنصاري، قال يحيى الوحاظي: كان أعمى يضع الحديث ويكذب، وقال البخاري والنسائي: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 3/ 631، فالخبر ضعيف.
حلية الأولياء 2/ 34. قال: حدّثنا سليمان بن أحمد ثنا جعفر بن سليمان النوفلي ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ثنا عبد العزيز بن محمّد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه. سليمان بن أحمد هو: الطبراني. جعفر بن محمّد النوفلي لم أجد له ترجمة. إبراهيم بن حمزة الزبيري صدوق تق: 89. عبد العزيز بن محمّد الدراوردي صدوق كان يحدّث من كتب غيره فيخطئ حديثه عن عبيد الله العمري منكر تق: 358. زيد بن أسلم ثقة تق: 228. أسلم مولى ابن عمر ثقة مخضرم تق: 104.
البيهقي/ السنن الكبرى 7/ 63، 64، 114. قال: أخبرنا أبو عبد الله ثنا الحسن بن يعقوب وإبراهيم بن عصمة ثنا السري بن خزيمة ثنا معلى بن أسد ثنا وهيب بن خالد عن جعفر بن محمّد عن أبيه تقدمت دراسته في سند بن منصور. فالأثر يرتقي بطرقه عند عبد الرّزّاق وسعيد بن منصور والطبراني والحاكم لدرجة الحسن لغيره.
وقال الإمام البيهقي رحمه الله في معرفة السنن والآثار 1/ 564: ونحن لا نقول بالمنقطع إذا كان مفرداً فإذا انضم إليه غيره أو انضم إليه قول بعض الصحابة أو ممن تتأكد به المراسيل ولم يعارضه ما هو أقوى منه فإنا نقول به.
9 -
فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية تزوجها عمر رضي الله عنه بعد وفاة زوجها الحارث بن هشام المخزومي
(1)
بطاعون عمواس
(2)
، وتربى ابنها عبد الرحمن في حجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(3)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (119).
(2)
عِمَوَاس: ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 4/ 17، وفي المنجد عَمواس أو عمَّاوس قرية في فلسطين قرب القدس. ص 380/ الأعلام.
(3)
أورده ابن سعد/ الطبقات 5/ 5 من دون إسناد، الطبري/ التاريخ 2/ 516، من غير إسناد، الحاكم/ المستدرك 3/ 278 من طريق الواقدي، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 3/ 66.
10 -
أم هنيدة الخزاعي
(1)
.
11 -
سبيعة الأسلمية
(2)
.
12 -
لهية أو نهية وهي من أهل اليمن، وقيل إنها كانت جارية لعمر وأم ولد
(3)
.
(1)
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في ترجمة هنيدة الخزاعي: قال أبو إسحاق كانت أمه تحت عمر بن الخطاب ونقل ذلك أيضاً عن ابن حبان في الثقات. الإصابة 3/ 612، ابن حبان/ الثقات 5/ 515.
(2)
قال ابن حجر: ذكر الفاكهي أن سبيعة بنت الحارث أول امرأة أسلمت بعد الحديبية، وتزوجها عمر بن الخطاب. الإصابة 4/ 324.
والذي وجدته في أخبار مكة للفاكهي: أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} نزلت في سبيعة بنت الحارث يوم الحديبية، حلت مهاجرة، وزوجها اسمه مسافر بن أسلم. 5/ 74.
وليس فيه ذكر لزواج عمر منها ولعل ذلك والله أعلم من كلام ابن حجر، وقد ترجم لها ابن عبدالبر في الاستيعاب 4/ 414، وابن الأثير في أسد الغابة/5/ 473، ولم يذكرا زواج عمر منها.
وفي إسناد الفاكهي مبهمان يرويان عن الكلبي عن أبيه. والكلبي هو هشام بن محمد. تقدمت ترجمته وأبوه في ص: (82).
(3)
الطبري/ التاريخ 2/ 564، وقال: قال المدائني: ولدت له عبدالرحمن الأصغر، ويقال كانت أم ولد، وقال: وقال الواقدي: ولدت له عبدالرحمن الأصغر، وعبدالرحمن الأوسط، وهي أم ولد.
وقال ابن حجر: جارية عمر أم عبدالرحمن أبي شحمة وقيل إنها نهية. الإصابة 4/ 399.
13 -
سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو بن عبيد الأنصارية
(1)
.
14 -
فكيهة أم ولد لعمر
(2)
.
أما
النساء اللاتي خطبهن عمر رضي الله عنه ولم يتزوج منهن
فهن:
1 -
أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية خطبها عمر رضي الله عنه بعد وفاة زوجها أبي سلمة بن عبدالأسد المخزومي عقب غزوة أحد من جرح أصابه فيها
(3)
، فأرسل إليها فأبت
(4)
.
(1)
ذكرها الزبيري في نسب قريش، وذكر أن ولدها من عمر بن الخطاب عبدالله الأصغر ص 350.
(2)
الطبري/ التاريخ 2/ 564، من غير سند، وقال: ولدت له زينب.
(3)
ابن عبدالبر/ الإستيعاب 4/ 244.
(4)
رواه أحمد/ المسند 6/ 313، أحمد بن منيع/ المسند، البوصيري/ إتحاف الخيره المهرة 3/ 96، 97، النسائي/ السنن الكبرى 3/ 286، أبو يعلى/ المسند 12/ 334، البيهقي/ السنن الكبرى 3/ 286، الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 11/ 354، 355، وسند ابن منيع متصل ورجاله ثقات. قال: ثنا أبو النضر ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت أخبرني عمر بن أبي سلمة قال: جاء أبو سلمة
…
الأثر. فالأثر صحيح.
2 -
فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم قال بريدة بن الحصيب
(1)
رضي الله عنه خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنها صغيرة" فخطبها علي فزوجها منه
(2)
.
3 -
أم أبان بنت عتبة
(3)
بن ربيعة فقد روي أن عمر رضي الله
(1)
بُرَيْدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج الأسلمي. أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد الحديبية وكان ممن بايع بيعة الرضوان. مات بمرو غازياً في إمارة يزيد بن معاوية. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/ 263.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 8/ 19، النسائي/ السنن 6/ 62، السنن الكبرى 3/ 265، الطبراني/ المعجم الكبير 4/ 34، ابن حبان/ الصحيح 9/ 51، الحاكم/ المستدرك 2/ 167، 168، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 196/أ، صحيح من طريق النسائي. قال: أخبرنا الحسين بن حريث، قال: حدّثنا الفضل ابن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خطب عمر
…
الأثر. وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 678.
قال الإمام السندي رحمه الله في تعليقه على سنن النسائي: ففيه أن الموافقة في السن أو المقاربة مرعية لكونها أقرب إلى المؤالفة، نعم قد يترك ذاك لما هو أعلى منه كما في تزويج عائشة رضي الله عنها.
(3)
أم أبان بنت عتبة بن زمعة بنت عبد شمس العبشية خالة معاوية. قال أبو عمر: لما قدمت الشام خطبها عمر وعليّ والزبير وطلحة، فأبت إلا من طلحة فتزوجها. لا أعلم لها رواية. قال ابن حجر: قلت هي والدة إسحاق بن طلحة وكانت زوج أبان بن سعيد بن العاص. فاستشهد في حرب الروم. الإصابة 4/ 429.
ولعل الصواب في اسم أبيها كما ورد عند الطبري والحاكم عتبة بن ربيعة، وليس ابن زمعة.
عنه خطبها فأبته فقيل لها: ولم؟ قالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج ببأس قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينيه
(1)
.
4 -
أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه روي أنه خطبها وأرسل إلى عائشة رضي الله عنها فكلمتها، فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه، فقالت عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين! قالت: نعم، إنه
(1)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 564، من غير سند وقال: قال المدائني: وخطب عمر
…
الخ الحاكم/ المستدرك 3/ 377، وفي سنده شيخه عبيدالله بن محمد ابن أحمد البلخي لم أجد له ترجمة، وسليمان بن أيوب القرشي صدوق يخطئ، وأبوه أيوب بن سليمان القرشي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح 2/ 248، ولم يذكر جرحاً ولا تعديلاً، وابن حبان/ الثقات 8/ 127، وقال إمام مسجد سلمية بحمص، وجده سليمان بن عيسى ذكره البخاري في تاريخه الكبير 4/ 30، ولم يذكر جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات 6/ 394، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 4/ 429.
خشن العيش، شديد على النساء
…
الخ
(1)
.
وقد روي أن عمر رضي الله عنه كان يحرص على كثرة النساء رغبة في الولد وتكثير النسل، فقد روي عنه قوله: إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح الله
(2)
.
ورويت بعض الآثار التي تدل على شكوى عمر من نسائه وشدته
(1)
ذكره الطبري/ التاريخ 2/ 564، من غير سند وقال: قال المدائني: وخطب
…
الخ، وابن قدامة/ التبيين في أسماء القرشيين ص 317، وأورد ابن حجر ترجمتها ولم يذكر خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لها. الإصابة 4/ 493، وكذلك ابن عبدالبر/ الاستيعاب 4/ 414، وابن الأثير/ أسد الغابة 5/ 473.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 325، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 227، ابن أبي الدنيا/ العيال 2/ 571، 573، البيهقي/ السنن الكبرى 7/ 79، وفي سنده عند ابن سعد الواقدي وهو متروك وفيه عند البلاذري شيخه بكر بن الهيثم لم أجد له ترجمه وهو من كلام الزهري موقوف عليه وفيه عند ابن أبي الدنيا فهد ابن حبان النهشلي جرحه ابن المديني، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال أبو زرعة: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 3/ 366، وهو من مرسل عروة بن الزبير عن عمر، وفيه عند البيهقي الهجنع بن قيس، قال الدراقطني: لا شيء. المصدر السابق 4/ 293. فالخبر ضعيف ولا شك أن طلب الولد الصالح كان من أسمى مقاصد سلفنا الصالح من النكاح وتعدد الزوجات.
عليهن وتأديبه لهن من ذلك أن جرير بن عبد الله
(1)
جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو إليه ما يلقى من النساء، فقال عمر: إنا لنجد ذلك حتى إني لأريد الحاجة، فيقال لي: ما تذهب إلا إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن، فقال له عند ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أما بلغك أن إبراهيم شكا إلى الله عز وجل ذرا
(2)
خلق سارة فقيل له: إنما خلقت من ضلع، فالبسها على ما كان فيها ما لم تر عليها خزية في دينها، فقال له عمر: لقد حشى الله بين أضلاعك علماً كثيراً
(3)
.
(1)
جرير بن عبدالله بن جابر بن مالك بن نصر البَجلي كان إسلامه في العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه حين أقبل عليه واعداً: "يطلع عليكم خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك". توفي سنة: إحدى وخمسين. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/ 309.
(2)
في بعض الروايات (دَرْءاً) وهو: الخلاف والنشوز من الزوجة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 110.
(3)
رواه عبدالرزاق/ المصنف 7/ 303، ابن أبي شيبة/ المصنف 4/ 197، إسحاق ابن راهويه/ المسند/ البوصيري/ إتحاف الخيرة المهرة 3/ 78، ابن أبي الدنيا/ العيال 2/ 662، الطبراني/ المعجم الكبير 9/ 395، وفي سنده عند عبدالرزاق مبهمان. قال: عن عيينة عن شيخ منهم عن أبيه قال: جاء
…
الأثر.
رواه الطبراني من طريق عبد الرّزّاق.
وفيه عند ابن أبي شيبة عبيدة بن حميد التيمي صدوق ربما أخطأ. تق 379، وفيه نعيم بن حنظلة، قال الذهبي: لا يعرف، تفرد عنه دكين بن الربيع لكن وثقه العجلي وابن حبان. ميزان الاعتدال 4/ 270. قال ابن أبي شيبة: نا عبيدة بن حميد عن دكين عن نعيم بن حنظلة، قال: قدم جرير بن عبد الله.
وفيه عند ابن راهويه وابن أبي الدنيا أبو طلق عدي بن حنظلة بن نعيم الزهري، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 7/ 3،، وفيه عند ابن راهويه حنظلة بن نعيم العنزي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/ 240، وأوس بن ثريب التغلبي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/ 304.
قال ابن راهويه: قلت لأبي أسامة، أحدّثكم أبو طلق عن حنظلة: حدّثني أبي عن أوس بن ثريب؟ قال: أكريت جرير بن عبد الله في الحجّ فقدم على عمر
…
الأثر.
وقال ابن أبي الدّنيا: حدّثنا عليّ بن الجعد، حدّثنا ابن عيينة عن أبي طلق عن رجل سمع جريراً.
وروي عن الأشعث
(1)
بن قيس قوله: ضفت عمر ليلة، فلما كان جوف الليل قام إلى امرأته يضربها، فحجزت بينهما، فلما آوى إلى فراشه، قال لي: يا أشعث، إحفظ عني شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل الرجل فيما يضرب امرأته
…
" الحديث
(2)
.
(1)
الأَشْعَثُ بن قَيْس بن مَعْدِي كرِب الكندي قدم علىرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة: 10 في وفد كندة. كان رئيسهم. مات سنة: 42 هـ وقيل: 40 هـ بالكوفة. وصلى عليه الحسن بن عليّ رضي الله عنهما. ابن البر/ الاستيعاب 1/ 220.
(2)
رواه الطيالسي/ المسند ص 10، 20، ابن ماجه/ السنن 1/ 639، البزار/ المسند 1/ 356، الحاكم/ المستدرك 4/ 175، المقدسي/ المختارة 1/ 189. ومداره على عبد الرحمن المسلمي. قال الذهبي: لا يعرف إلا في حديثه عن الأشعث عن عمر: لا يسأل الرجل
…
الخ. تفرد عنه داود بن عبد الله الأودي. ميزان الاعتدال 2/ 602. قال ابن حجر: مقبول. تق 353، وبقية رجاله عند الطيالسي ثقات، وقد ضعف الأثر الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص 151.
وروي أن امرأة لعمر تكلمت في شيء من الأمر فانتهرها وقال: ما أنت وهذا، إنما أنتن لعب، فأقبلي على مغزلك، ولا تعرضي فيما ليس من شأنك
(1)
.
ومن المعروف أن الحياة الزوجية قد يعرض لها ما يعكر صفوها بين الزوجين بسبب خطأ منهما أو من أحدهما، ولا يعتبر ذلك قادحاً في أحد الزوجين ونقصاً من قدره ومما لا شك فيه أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من رجال ونساء كانوا من أكمل الأمة وأفضلها ديناً وخُلقاً وحسن معاشرة لأهليهم ومجتمعهم.
(1)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 189 وفي سنده أبو هلال الراسبي، صدوق فيه لين، والحسن البصري روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضيعف.
2 - أبناؤه:
1 -
عبد الله بن عمر الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، وهو أكبر ولد عمر رضي الله عنه وأمه زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية، شهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى بدر وأحد حيث أنه استصغر يوم أحد وشهد غزوة الخندق، وما بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وهاجر مع أبيه وأمه إلى المدينة وهو ابن عشر سنين، وبقي حتى مات سنة (73) هـ
(2)
.
وجاء في رواية أن عبد الله رضي الله عنه كان أحب ولد عمر إليه، فروي أنه قال ما من أهل ولا مال، ولا ولد إلا وأنا أحب أن أقول عليه: إنا لله وإنا إليه راجعون إلا عبد الله بن عمر فإني أحب أن يبقى في الناس بعدي
(3)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 3/ 30. وانظر: ابن حجر/ فتح الباري 7/ 392.
(2)
الزبيري/ نسب قريش ص 348، 350، الطبري/ التاريخ 2/ 562، 564 من كلام الواقدي، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي. وتقدم ما يتعلق بهجرته رضي الله عنه مع أبيه في ص:159.
(3)
رواه ابن أبي الدنيا/ العيال 1/ 302، وإسناده رجاله ثقات لكنه منقطع بين سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وهو ثقة من الثالثة. تق 239، وبين عمر بن الخطاب وأثبتها أبو أحمد الحاكم، وقال ابن عساكر: هو وهم. العلائي/ جامع التحصيل ص 183.
2 -
عبد الرحمن الأكبر وأمه هي أم عبد الله زينب بنت مظعون
(1)
.
3 -
عبيدالله بن عمر أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، ولد في عهد عمر، وثبت أنه غزا في خلافة أبيه، وهو الذي قتل الهرمزان
(2)
وجماعة من الفرس لما قتل أبو لؤلوة والده، وقتل مع معاوية بصفين
(3)
.
4 -
عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمه جميلة بنت ثابت بن الأقلح، وهي التي طلقها عمر رضي الله عنه، وتخاصمت هي وعمر في عاصم، فقضى أبو بكر بالنفقة على عمر، وبالحضانة على
(1)
الزبيري/ نسب قريش ص 348، الطبري/ التاريخ 2/ 563، 564، من كلام الواقدي، وهشام الكلبي.
(2)
الهرمزان الفارسي: كان من ملوك فارس وأسر في فتح العراق وأسلم على يد عمر ثم كان مقيماً عنده بالمدينة وقتله عبيد الله بن عمر بن الخطاب يوم قُتل عمر. ابن حجر/ الإصابة 3/ 618، 619.
(3)
صِفّين: موضع بقرب الرقه على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالس، وكانت فيه وقعة صفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهم في سنة 37 هـ في غرة صفر. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 2/ 414. انظر: الزبيري/ نسب قريش ص 349، 355، 356، وابن حجر/ الإصابة 3/ 75.
جميلة
(1)
.
5 -
زيد بن عمر بن الخطاب أمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، توفي هو وأمه في يوم واحد، وصلى عليها عبد الله بن عمر بن لخطاب رضي الله عنه وكان والي المدينة يومئذ سعيد بن العاص
(2)
.
(1)
تقدم الكلام على هذا الأثر في في ص: 226. وانظر: الطبري/ التاريخ 2/ 564، الزبيري/ نسب قريش ص 353.
(2)
سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي، كان عمره يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وقتل أبوه يوم بدر، وولي الكوفة، وغزا طبرستان ففتحها وغزا جرجان، وكان في عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة، وولي المدينة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم. ابن حجر/ الإصابة 2/ 47.
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 3/ 8، ابن سعد/ الطبقات 8/ 464، النسائي/ السنن 4/ 71، 72، ابن الجارود/ المنتقى ص 142، الدارقطني/ السنن 2/ 79، 80، الحاكم/ المستدرك 4/ 345، 346، البيهقي/ السنن الكبرى 7/ 70، 71، وسنده عند النسائي متصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا محمّد بن رافع، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريج، قال: سمع نافعاً يزعم أن ابن عمر
…
الأثر. فالأثر صحيح.
وقال ابن حجر: وماتت أم كلثوم وولدها في يوم واحد، أصيب زيد في حرب كانت بين بني عدي، فخرج ليصلح بينهم، فشجه رجل وهو لايعرفه فعاش أياماً، وكانت أمه مريضة، فماتا في يوم واحد، الإصابة 4/ 492.
6 -
عبد الرحمن الأوسط ولقبه أبو شحمة، وأمه لهية أم ولد لعمر
(1)
.
7 -
عبد الرحمن الأصغر وأمه هي أم عبد الرحمن الأوسط ولقبه أبو المجبر
(2)
.
8 -
زيد الأصغر، أمه أم كلثوم بنت جرول
(3)
.
9 -
عبد الله الأصغر أمه سُعيده بنت رافع بن عبيد الأنصارية
(4)
.
10 -
عياض بن عمر أمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل
(5)
.
بناته:
1 -
حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضي الله عنهما وأمها زينب بنت مظعون وهي شقيقة عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وكانت زوجةً لخنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنه
(6)
، فلما توفي
(1)
الزبيري/ نسب قريش ص 349، 356، البلاذري/ أنساب الأشراف ص:409. من غير سند.
(2)
الزبيري/ نسب قريش ص 349، 356، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 409، الطبري/ التاريخ 2/ 564 من غير إسناد.
(3)
الزبيري/ نسب قريش ص 349.
(4)
المصدر السابق ص 350.
(5)
المصدر السابق ص 349.
(6)
خُنَيس بن حُذَافة بن قيس بن عدي بن سهم القرشي السهمي، كان على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المهاجرين الأولين، شهد بدراً بعد هجرته إلى أرض الحبشة ثم شهد أحداً، ونالته جراح مات منها بالمدينة. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/ 35.
زوجها عرضها عمر رضي الله عنه على عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فقال عثمان: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، فعرض عمر حفصة على أبي بكر، فلم يرجع إليه شيئاً، قال عمر: فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبث ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت على حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها
(1)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 3/ 12، 246، 248، 249، 251، النسائي/السنن 6/ 77، 78، 83، 84، وغيرهما، وفي رواية أن عثمان رضي الله عنه هو الذي خطب حفصة من عمر رضي الله عنهما، فرده فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أن راح إليه عمر، قال:"يا عمر، ألا أدلك على ختن خير لك من عثمان، وأدل عثمان على خير له منك؟ "، قال: نعم يا رسول الله، قال:"زوجني ابنتك، وأزوج عثمان ابنتي". رواه الحاكم/ المستدرك 3/ 106، 107، المقدسي/ المختارة 1/ 462. وإسناده عند المقدسي متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق.
قال: أخبرنا أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل بن الحسين بن محمّد الخفاف قراءة عليه ببغداد قيل له أخبركم أبو بكر محمّد بن عبد الباقي بن محمّد البزار قراءة عليه وأنت تسمع أنا أبو الفرج أحمد بن عثمان بن الفضل بن جعفر المجتري، أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمّد بن حبان أنا أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي حدّثنا يوسف بن موسى وأحمد بن منصور وغيرهما، قالوا: أنا عبيد الله بن موسى عن أبي سيدان عبيد بن الطفيل، قال: حدّثني ربعي بن خراش عن عثمان أنه خطب
…
الأثر.
ورواه الحاكم من طريق عبيد الله بن موسى عن أبي سيدان ولكن في إسناده أحمد بن مهران الأصبهاني ذكره ابن حبان في الثقات 8/ 52، وذكره ابن حجر في اللسان ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/ 316. فالأثر حسن من طريق المقدسي.
وقال الذهبي رحمه الله في استدراكه على الحاكم: قلت ما في الصحيحين بخلاف هذا من أن عمر هو الذي عرضها على عثمان فامتنع.
أقول: ولعل عثمان خطبها من عمر قبل أن يعرضها عليه فامتنع عمر ثم عرضها بعد ذلك على عثمان فامتنع. لأنه علم برغبة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الزواج منها.
وماتت حفصة رضي الله عنها لما بايع الحسن معاوية رضي الله عنهما في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، وقيل بل بقيت إلى سنة خمس وأربعين
(1)
.
(1)
ابن حجر/ الإصابة 4/ 273، 274.
2 -
فاطمة بنت عمر أمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وزوجها ابن عمها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب
(1)
.
3 -
عائشة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها أمها لهية أم ولد لعمر، ولم تتزوج
(2)
.
4 -
صفية بنت عمر بن الخطاب، ولم أجد ذكراً لاسم أمها، روي أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر
(3)
.
5 -
جميلة بنت عمر رضي الله عنهما، ولم أجد ذكراً لاسم أمها،
(1)
ابن سعد/ الطبقات 5/ 50، الزبيري/ نسب قريش ص 356، ابن حزم/ جمهرة النسب ص 150، 151.
(2)
الزبيري/ نسب قريش ص 349، 356.
(3)
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 24/ 324، وفي إسناده محمد بن عثمان بن أبي شيبة، صدوق، اتهمه البعض بالكذب، ورُد عليهم، وتقدم الكلام في ذلك في ص:(199، 200). وفيه محمد بن الحسن الأسدي صدوق فيه لين. تق 474، وشريك بن عبدالله النخعي، صدوق يخطئ كثيراً. تق 267، وعبدالكريم بن أبي المخارق ضعيف. تق 361، فالخبر ضعيف. وقال ابن حجر: ذكرها الطبراني وتبعه أبو نعيم ثم أبو موسى. الإصابة 4/ 351، وانظر ابن الأثير/ أسد الغابة 5/ 493.
كان اسمها عاصية، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة
(1)
.
6 -
رقية بنت عمر أمها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم شقيقة زيد الأكبر، تزوجها إبراهيم بن نعيم بن عبد الله بن النحام
(2)
، وماتت وهي عنده، ودفنت بالبقيع
(3)
.
7 -
زينب بنت عمر أمها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، شقيقة عياض بن عمر، وزوجها عبد الرحمن بن معمر بن عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول
(4)
، ثم خلفه عليها عبد الله بن عبد الله بن سراقة العدوي
(5)
.
(1)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 14/ 119، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 4/ 266، ولم أجد ذكر اسم أمها أو شيئاً عن حياتها.
(2)
إبراهيم بن نُعَيم بن النحام العدوي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قتل يوم الحرة. ابن حجر/ الإصابة 1/ 96.
(3)
ابن سعد/ الطبقات 5/ 171، الزبيري/ نسب قريش ص 349، 361.
(4)
لم أجد له ترجمة.
(5)
ابن سعد/ الطبقات 5/ 243، ابن حجر، الإصابة 3/ 61، 62، 480، وروى الطبري في تاريخه 2/ 564، من غير إسناد أن فكيهة مولاة عمر ولدت له ابنة اسمها زينب، ونقل عن الواقدي قوله: إنها أصغر ولد عمر رضي لله عنه، فتكون هذه أخرى غير ابنة عاتكة بنت زيد، والله أعلم.
عناية عمر رضي الله عنه بأهله وأسرته.
كان عمر رضي الله عنه شديد العناية والرعاية والرقابة على أهله، يقيم فيهم أحكام الدين ويلزمهم بها قبل أن يلزم بقية رعيته.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء، دخل إلى أهله - أو قال جمع أهله - فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم، ومن شاء فليتأخر
(1)
.
وقال أسلم مولى عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا بعثني إلى بعض ولده قال لي: لا تخبره لم بعثتك إليه، فلعل الشيطان يعلمه كذبه، فجاءت أم ولد لعبد الرحمن إلى عمر، فقالت: إن أبا عيسى لا ينفق علي ولا يكسوني، قال: ويحك من أبو عيسى؟ قالت: ابنك عبد الرحمن، فقال:
(1)
رواه عبدالرزاق/ المصنف 11/ 343، 344، ابن سعد/ الطبقات 3/ 289، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 199، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 319، 320، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 222، الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/ 568، صحيح عند عبدالرزاق. قال: عن معمر عن الزهري عن سالم عن أيبه.
وهل لعيسى من أب؟ قال أسلم: فأرسلني إليه فقال: قل له أجب، ولا تخبره لأي شيء دعوته، قال: فأتيته، وعنده ديك ودجاجة هنديان، فقلت له: أجب أباك أمير المؤمنين، قال: وما يريد مني؟ فقلت: لا أدري، قال: إني أعطيك هذا الديك والدجاجة على أن تخبرني ما يريد مني، فاشترطت أن لا يخبر عمر، فأخبرته، وأعطاني الديك والدجاجة، فلما جئت عمر رضي الله عنه قال لي: أخبرته، فوالله ما استطعت أن أقول لا، فقلت نعم، قال: أرشاك شيئاً، قلت: نعم، قال: ما رشاك؟ قلت: ديكاً ودجاجة، فقبض بيده اليسرى على يدي، فجعل يضربني بالدرة، وجعلت أنزو، وجعل يضربني وأنا أنزو، فقال: إنك لجدير، ثم جاء عبد الرحمن، فقال هل لعيسى من أب! يُكتنى أبا عيسى؟ هل لعيسى من أب؟
(1)
وبالرغم من صرامة عمر رضي الله عنه في مراقبة أهله وتطبيق تعاليم الدين عليهم فإنه رضي الله عنه لم يخلُ من شفقة ورحمة لأهل بيته، رآه عيينة
(2)
بن حصن يوماً يقبل أحد أبنائه وقد وضعه في حجره وهو
(1)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 321 صحيح.
قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: كان عمر
…
الأثر.
(2)
عُيَيْنَة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، أسلم بعد الفتح، وقيل قبل الفتح، وشهد الفتح مسلماً، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من الأعراب الجفاة، وكان ممن ارتد في عهد أبي بكر ثم عاد إلى الإسلام. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 316، 317. ابن حجر/ الإصابة 3/ 54.
يحنو عليه، فقال عيينة: أتقبل وأنت أمير المؤمنين؟ لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولداً. فقال عمر: الله، الله حتى استحلفه ثلاثاً، فقال عمر: فما أصنع إن كان الله نزع الرحمة من قلبك؟ إن الله إنما يرحم من عباده الرحماء
(1)
.
3 - مواليه.
1 -
أسلم مولى عمر بن الخطاب، اشتراه عمر سنة إحدى عشرة من أناس من الأشعريين حين بعثه أبو بكر رضي الله عنه للحج في تلك السنة
(2)
.
(1)
رواه عبدالرزاق/ المصنف 11/ 299، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 195، 196، صحيح من طريق عبدالرزاق. قال: عن معمر بن عاصم عن أبي عثمان النهدي أن عيينة بن حصن قال لعمر
…
الأثر.
(2)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 117، البخاري/ التاريخ الكبير 2/ 124، ابن أبي خيثمة/ التاريخ ص 120، الحاكم/ الأسامي والكنى 4/ 241، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 249، وسنده عند أبي نعيم متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن أسحاق فهو صدوق.
قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد بن الحسن، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا أبو جعفر النفيليّ، ثنا محمّد بن سلمة عن محمّد بن إسحاق، قال: بعث أبو بكر الصّديق رضي الله عنه كما حدّثني نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب سنة إحدى عشرة
…
الخ.
وهو عند خليفة والبخاري من طريق ابن إسحاق، وهو عند الحاكم من غير إسناد. وفيه عند أبي خيثمة طمس لم أتمكن من قراءته. فالأثر حسن.
وروي أن عمر رضي الله عنه اشتراه من سوق ذي المجاز
(1)
، وأنه كان حبشياً بجاوياً
(2)
، ومات وهو ابن مائة وأربع عشرة سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم
(3)
.
2 -
يرفأ مولى عمر، وكان حاجبه
(4)
.
(1)
ابن معين/ التاريخ/ رواية الدوري 2/ 29 من غير سند.
ذو المَجاز: من أشهر أسواق العرب في الجاهلية ولازال موضعه معلوماً بسفح جبل كبكب من الغرب، يراه من يخرج من مكة على طريق نخلة اليمانية. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية. ص 278، 279.
(2)
بَجَاوَة: أرض بالنُّوبة بها إبل فُرْهَة، وإليها تنسب الإبل البَجَاوية، منسوبة إلى البَجَاء وهم أمم عظيمة بين العرب والحبش والنوبة. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 1/ 339.
رواه ابن سعد/ الطبقات 5/ 11، بإسناد فيه الواقدي.
(3)
أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 249 من غير سند.
(4)
الحاجب: البواب. الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 1/ 54.
رواه البخاري/ الصحيح 3/ 16، خليفة بن خياط/ التاريخ ص 156، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 229.
3 -
مهجع مولى عمر أصله من عك
(1)
أصابه رِق فمن عليه عمر، فأعتقه وكان من السابقين إلى الإسلام، وشهد بدراً وكان أول شهيد بها
(2)
.
4 -
هُنَيّ مولى عمر رضي الله عنه، وهو الذي استعمله عمر رضي الله عنه على الحمى وقال له: اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة
…
الخ
(3)
.
5 -
مالك بن عياض وهو مالك الدار، أصله من جبلان من حمير،
(1)
عَكّ: بطن اختلف في نسبه فقيل من الأزد من القحطانية، وقيل من العدنانية، كانت مواطنهم بنواحي زبيد وغيرها من مدن اليمن التهامية. عمر رضا كحالة/ معجم قبائل العرب 2/ 802.
(2)
رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 2/ 425، من كلام ابن إسحاق، ابن سعد/ الطبقات 2/ 18، 3/ 391، 392، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 360، الطبراني/ المعجم الكبير 9/ 221، وسنده عند ابن سعد رجاله ما بين ثقة وصدوق، ولكن فيه انقطاع بين القاسم بن عبدالرحمن المسعودي، وهو ثقة من الرابعة، وبين عمر بن الخطاب ورواه الطبراني من طريق المسعودي، وفيه عند ابن أبي شيبة على بن زيد بن جدعان ضعيف يروي عن سعيد بن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماع سعيد عن عمر رضي الله عنه.
(3)
البخاري/ الصحيح 2/ 180، الشافعي/ المسند ص 381 وغيرهما.
وكان خازناً لعمر
(1)
.
روي أن عمر رضي الله عنه ضربه بالدرة، لأنه اشترى من أهل اليمن أشياء كان قد نهى الناس عن شرائها
(2)
.
6 -
رافع مولى عمر بن الخطاب
(3)
.
7 -
ذكوان مولى عمر بن الخطاب
(4)
.
8 -
فرقد مولى عمر بن الخطاب
(5)
.
9 -
فروخ مولى عمر بن الخطاب
(6)
.
10 -
وسق الرومي أو أسبق الرومي، روي أنه قال: كنت مملوكاً لعمر بن الخطاب، وكنت نصرانياً، فكان يقول لي: يا وسق أسلم، فإنك لو أسلمت وليتك بعض أعمال المسلمين، فإنه لا يصلح أن يلي أمرهم من
(1)
ابن سعد/ الطبقات 5/ 12. ابن حجر/ الإصابة 3/ 484، 485. من غير إسناد.
(2)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 319 بإسناد رجاله ثقات، ولكنه منقطع بين سالم بن عبدالله بن عمر وجده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فالأثر ضعيف.
(3)
ابن سعد/ الطبقات 5/ 299 من غير سند.
(4)
ابن سعد/ الطبقات 1/ 71. ابن حجر/ الإصابة 1/ 491.
(5)
البخاري/ التاريخ الكبير 7/ 130. ابن حجر/ الإصابة 3/ 213.
(6)
ابن حجر/ الإصابة 3/ 213.
ليس على دينهم فأبيت عليه، فقال لي: لا إكراه في الدين، فلما حضر أعتقني
(1)
.
11 -
سارية مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(2)
.
وكان عمر رضي الله عنه حسن العشرة لين الجانب مع مواليه، معيناً لهم على فك رقابهم بالمكاتبة، فقد كاتب رضي الله عنه مولى له يكنى بأبي أمية على أقساط يدفعها على فترات متفاوتة، فجاء العبد بجزء من المال حين حل وقته إلى عمر رضي الله عنه، فأخذ عمر المال ودفعه إليه، وقال له: استعن به في مكاتبتك وهو يقرأ {وَءَاتُوهُمْ مِن مَالِ اللهِ الَّذِي آتاكم}
(3)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور/ السنن 3/ 962، ابن أبي شيبة/ المصنف 3/ 108، أبو نعيم/ حلية الأولياء 9/ 34، وفي أسانيدهم شريك بن عبدالله النخعي صدوق يخطئ كثيراً. تق 266. فالأثر ضعيف، ووسق ذكره ابن حجر في الإصابة 1/ 104 باسم أسبق، وذكره في الطبقة الثالثة الذين ثبتت عدم صحبتهم.
(2)
ذكره ابن عبدالحكم/ فتوح مصر ص 133 وقال: إن معاوية بن أبي سفيان أقطع سارية مولى عمر بن الخطاب في الزقاق الذي يعرف بحيز الوز. ولم أجد له ذكر فيما سوى ذلك.
(3)
سورة النور الآية (33).
رواه ابن سعد/ الطبقات 7/ 118، 119، الحاكم/ الأسامي والكنى 1/ 356، البيهقي/ السنن الكبرى 10/ 329، 330، وفي إسناده عند ابن سعد والحاكم فضالة بن أبي أمية، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 7/ 77، وابن حبان/ الثقات 5/ 566، وأبو أمية مولى عمر ذكره البخاري في التاريخ الكبير 7/ 125، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وابن حبان/ الثقات 5/ 566، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وسنده عند البيهقي فيه أحمد بن عبدالجبار، قال ابن حجر: ضعيف وسماعه للسيرة صحيح. تق 81، وقال ابن عدي: ولا يعرف له حديث منكر، وإنما ضعفوه لأنه لم يلق من يحدث عنهم، وقال الدراقطني: لا بأس به قد أثنى عليه أبو كريب، وكذبه مطين، وقال ابن عدي: رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه. ميزان الاعتدال 1/ 112، 113. وبقية رجاله ثقات سوى أبي شبيب فهو صدوق تق:556. فالأثر يرتقي بطريقه لدرجة الحسن لغيره.
ولما حضرته رضي الله عنه الوفاة أعتق جميع مملوكيه، وهذا من كمال إحسانه رضي الله عنه إلى هذه الفئة المستضعفة من المجتمع وعملاً بما حض عليه الدين من فك الرقاب.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا أول من دخل على عمر حين طعن فقال لي: يا بن عباس، إحفظ عني ثلاثاً، إني لم أستخلف على الناس خليفة ولم أقض في الكلالة قضاء، وكل مملوك لي عتيق
(1)
.
(1)
رواه الطيالسي/ المسند ص 6، 7 ابن سعد/ الطبقات 3/ 353، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 140، صحيح من طريق ابن شبه. قال: حدّثنا أبو داود حدّثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، قال: خطبنا ابن عباس
…
الأثر.
إماؤه:
1 -
لُهية
(1)
.
2 -
فكيهة
(2)
.
3 -
أمة لعمر كان لها اسم من أسماء العجم، فسماها عمر رضي الله عنه جميلة فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر تسمية عمر لها
(3)
.
هؤلاء اللاتي وقفت عليهن ممن ذكرن في إماء عمر رضي الله عنه وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى لأمهات أولاده من أمائه بأربعة آلاف
(4)
.
(1)
تقدم الكلام عليها عند ذكر زوجات عمر رضي الله عنه ص (235).
(2)
تقدم الكلام عليها عند ذكر زوجات عمر رضي الله عنه ص (235).
(3)
رواه ابن أبي عمر/ المسند/ البوصيري/ إتحاف الخيرة المهمرة، 5/ 52/أ، أبو نعيم/ حلية الأولياء 8/ 301، صحيح من طريق ابن أبي عمر. قال: ثنا بشر ابن السّريّ ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت عن أنس.
(4)
رواه الدارمي/ السنن 2/ 423، وفي إسناده حميد الطويل وهو ثقة مدلس من الطبقة الثالثة، ولم يصرح بالسماع، والحسن البصري روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
ثانياً: حياته المعيشية.
1 - منزله:
كان منزل عمر رضي الله عنه بالمدينة بجوار منازل الأوس في منطقة العوالي، قال عمر رضي الله عنه: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة
(1)
، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك
(2)
.
وقيل إن منزل عمر رضي الله عنه كان خطة وإقطاعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
، وروي أن عمر رضي الله عنه سكن في مكة بدار الندوة في
(1)
قال ابن حجر رحمه الله: بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس. والعوالي: جمع عالية وهي قرى بقرب المدينة مما يلي المشرق، وكانت منازل الأوس واسم الجار المذكور (أوس بن خولي بن عبدالله بن الحارث) فتح الباري 9/ 281. والعوالي اليوم حي من أحياء المدينة، تقع في الجهة الجنوبية الشرقية كما حدده عبدالقدوس الأنصاري. آثار المدينة ص 267.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 28، 3/ 258، ابن سعد/ الطبقات 8/ 281.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 272، وفي إسناده الواقدي وهو متروك.
وذكر السمهودي أن رحبة القضاء التي كانت في غرب المسجد النبوي كانت داراً لعمر رضي الله عنه، وأمر حفصة وعبدالله ابنيه أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه، فإن بلغ ثمنها دينه وإلا فليسألوا فيه بني عدي بن كعب حتى يقضوه، فباعوها من معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. فكانت تسمى دار القضاء، أي: دار قضاء الدّين. وفاء الوفاء 2/ 698. وانظر محمد إلياس/ بيوت الصحابة حول المسجد النبوي ص 135 - 137. وقد أرفقت في الخلف صورة توضيحية لمكان منزله رضي الله عنه.
سنة من سني خلافته
(1)
.
2 - عمله بالتجارة.
لقد عمل عمر رضي الله عنه بالتجارة في الجاهلية كما تقدم، وكان رضي الله عنه يشتغل بها بعد إسلامه وأخبر عن ذلك رضي الله عنه بنفسه فقد استأذن عليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ثلاثاً، فلم يأذن له عمر رضي الله عنه لانشغاله، فرجع أبو موسى، ثم فتح عمر رضي الله عنه الباب، فلم يجد أبا موسى، فانطلق، فدعاه وسأله عن سبب
(1)
رواه الفاكهي/ أخبار مكة 3/ 310 من غير سند، وروي الشافعي/ الأم 2/ 195، والفاكهي/ أخبار مكة 3/ 311، والبيهقي/ السنن الكبرى 5/ 205، أن عمر رضي الله عنه قدم مكة، فدخل دار الندوة في يوم الجمعة، وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد، وفي إسناديهم طلحة بن أبي حفصة، نقل ابن حجر في تعجيل المنفعة أنه مجهول ثم قال: قلت ذكره ابن حبان في الثقات ص 199. وانظره في ابن حبان/ الثقات 4/ 394، وبقية رجاله ثقات.
رجوعه، وعدم انتظاره حتى يفتح له، فقال أبو موسى رضي الله عنه: كنا نؤمر بذلك، فقال عمر: تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلق أبو موسى إلى مجلس الأنصار، وسألهم فقالوا: لا يشهد على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري، فقال عمر رضي الله عنه: أخفي علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ألهاني الصفق بالأسواق، يعني الخروج في التجارة
(1)
.
وعمل رضي الله عنه بالتجارة بعد توليه الخلافة: قالت عائشة رضي الله عنه: لما استخلف عمر أكل هو وأهله من المال، واحترف
(2)
في مال نفسه
(3)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 5، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 14/ 130 - 135.
قال ابن حجر رحمه الله: وكان احتياج عمر رضي الله عنه إلى الخروج للسوق من أجل الكسب لعياله، والتعفف عن الناس، فتح الباري 4/ 299.
(2)
الاحتراف: حَرَف الرجل لأهله واحْتَرَف كسب وطلب واحتال، وقيل الاحتراف: الاكتساب أياً كان. ابن منظور/لسان العرب 3/ 130.
(3)
رواه ابن سعد/الطبقات 3/ 185، ابن زنجويه/ الأموال 2/ 597، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 260، وفي إسناده عند ابن سعد الواقدي، وفيه عند ابن زنجويه نعيم بن حماد صدوق يخطئ كثيراً، وبقية رجاله ثقات واسناده عند ابن شبه رجاله ثقات سوى إبراهيم بن المنذر الحزامي فهو صدوق. فالأثر حسن.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يبعث بتجارته إلى الشام وهو خليفة، وأنه جهز عيراً في تجارة له، وبعثها إلى الشام
(1)
.
3 - طعامه وشرابه.
كان عمر رضي الله عنه زاهداً في طعامه مكتفياً بالقليل والغليظ من الطعام الذي لا يصبر عليه الكثير من الناس.
قال عتبة بن فرقد رضي الله عنه
(2)
وهو يحكي غلظ طعام عمر: قدمت على عمر رضي الله عنه بسلال خبيص
(3)
عظام، ما ألوان أحسن وأجيد، فقال: ما هذه؟ قلت: طعام أتيتك به، لأنك رجل تقضي من حاجات الناس أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام، فتصيب منه، فقواك، فكشفت عن سلة منها، فقال: عزمت عليك يا عتبة إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين مثل السلة، فقلت: والذي
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 278، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 180، 181، وإسناده رجاله ثقات، ولكنه معضل من رواية إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، وهذا مما يتساهل فيه، وقد جاء ما يؤيده من عمل عمر رضي الله عنه بالتجارة في الجاهلية. انظر ص:(119).
(2)
عتبة بن فرقد بن يربوع السلمي أبو عبدالله. شهد خيبر. ولاه عمر الفتوح ففتح الموصل. انظر: ابن حجر/ الأصابة 2/ 455.
(3)
خَبِيص: نوع من الحلوى يعمل من التمر والسمن، الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 2/ 311.
يصلحك يا أمير المؤمنين لو أنفقت مال قيس كلها ما وسع ذلك. قال: فلا حاجة لي فيه، ثم دعا بقصعة
(1)
ثريد خبزاً خشناً ولحماً غليظاً، وهو يأكل معي أكلاً شهياً، فجعلت أهوى إلى البضعة البيضاء أحسبها سناماً فإذا هي عصبة، والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها، فإذا هو غفل عني جعلتها بين الخوان
(2)
والقصعة، ثم دعا بعس
(3)
من نبيذ قد كاد يكون خلاً، فقال: اشرب، فأخذته وما أكاد أسيغه، ثم أخذه فشرب، ثم قال: أتسمع يا عتبة، إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما ودكها وأطايبها، فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر يأكل هذا اللحم الغليظ، ويشرب هذا النبيذ الشديد يقطعه في بطوننا أن يؤذينا
(4)
.
(1)
القَصْعَة: الإناء الضخمة التي تشبع العشرة، ابن منظور/ لسان العرب 11/ 193.
(2)
الخِوَان: ما يوضع عليه الطعام عند الأكل. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 89.
(3)
العُسْ: القدح الكبير. المصدر السابق 3/ 236.
(4)
رواه هناد/ الزهد 2/ 364، 365، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 252، ابن الجوزي/ المنتظم 4/ 253. صحح من طريق هناد. قال: حدّثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ثنا عتبة بن فرقد
…
ولما قدم رسول سلمة بن قيس الأشجعي
(1)
الذي بعثه سلمة بالبشارة بفتح بعض مدن فارس و بالغنائم إلى عمر وجد عمر رضي الله عنه يطعم الناس بالمدينة ويعاونه مولاه يرفة، قال: فدخل عمر دارا ثم انتهى إلى حجرة من الدار، فدخلها، فقمت ملي حتى ظننت أن أمير المؤمنين قد تمكن في مجلسه، فقلت: السلام عليك، فقال: وعليك، فدخلت، فإذا هو جالس على وسادة مرتفق
(2)
أخرى، فلما رآني نبذ
(3)
إلي الذي كان مرتفقا، فجلست عليها، فإذا هي تغرزني
(4)
، فإذا حشوها ليف، فقال: يا جارية، أطعمينا، فجاءت بقصعة فيها فدر
(5)
من حبز بابس، فصب عليها زيتا مافيه ملح ولا خل، فقال: أدن، فدنوت، فذهبت أتناول منها قدرة فلا والله إن استطعت أن أسيغها، فجعلت ألوكها مرة من ذا الجانب ومرة من ذا الجانب، فلم أقدر على أن أسبغها، وأكل أحسن الناس أكله
…
حتى رأيته يلطع
(6)
جوانب القصعة، ثم قال: يا
(1)
سلمة بن قيس الأشجعي رضي الله عنه له صحبة، يقال: نزل الكوفة وله رواية عن النبي، ابن حجر الإصابة 2/ 67.
(2)
مرتفقا منكا على المرفقة، وأصله من المرفق، كأنه استعمل مرفقه واتكأ عليه. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 246.
(3)
نبذ: رمي. المصدر السابق 5/ 6.
(4)
تغرزتي: غرزة بالإبرة تخسة بها، الفيروزآبادي القاموس المحيط 2/ 191.
(5)
فدر: الفدرة: القطعة من كل شيء، اين منظور لسان العرب 10/ 202.
(6)
يلطع: الأطع: لطعك الشيء يلسانك وهو اللحس، لطعت الشيء الطعه لطعأ، إذا لعنته، اين منظور لسان العرب 12/ 282.
جارية اسقينا، فجاءت بسويق سلت
(1)
، فقال: اعطه، فناولنيه فجعلت إذا أنا حركته ثارت له قشار
(2)
، وإن تركته تند، فلما رآني قد بشعت
(3)
ضحك، فقال: مالك؟ أرنيه إن شئت فناولته، فشرب حتى وضع على جبهته هكذا، ثم قال: الحمدلله الذي أطعمنا، فأشبعنا وسقانا فأروانا، وجعلنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
سُلْت: ضرب من الشعير، وقيل هو الشعير، وقيل هو الشعير الحامض. المصدر السابق 6/ 320.
(2)
قشار: أي قشر. المصدر السابق 11/ 171.
(3)
بشعت، البَشَعُ: تضايق الحلق بطعام خشن. المصدر السابق 1/ 416.
(4)
رواه سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/ 179 - 185 صحيح.
قال: نا شهاب بن خراش بن حوشب عن الحجاج بن دينار عن منصور بن المعتمر، قال: حدّثني شقيق بن سلمة الأسدي عن الرسول الذي جرى بين عمر بن الخطاب وسلمة بن قيس الأشجعي.
وعدم تصريح شقيق بن سلمة وهو ثقة مخضرم من الثانية. تق 268، باسم الرسول الذي بعثه سلمة بن قيس إلى عمر بالبشارة والغنائم لا يضر لأنه لو لم يكن ثقة لما بعثه سلمة وهو صحابي جليل بالغنائم إلى عمر رضي الله عنه، ولا شك أن ذلك الرسول من كبار التابعين ولا يبعد أن يكون له إدراكاً أو يكون صحابياً. وقد صحح هذا الإسناد الحافظ ابن حجر في الإصابة 2/ 67.
وقال حفص بن أبي العاص
(1)
رضي الله عنه: كان عمر يغدينا بالخبز والزيت والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد
(2)
، وكان يقول: مالكم لا تأكلون؟!
فقلت: يا أمير المؤمنين، إنا نرجع إلى طعام ألين من طعامك، فقال: يابن أبي العاص، أما تراني عالماً أن أرجع إلى دقيق ينخل في خرقة، فيخرج كأنه كذا وكذا؟ أما تراني عالماً أن أعمد إلى عناق
(3)
سمينة، فيلقى عنها شعرها، فتخرج كأنها كذا وكذا؟ أما تراني عالماً أن أعمد إلى صاع أو صاعين من زبيب، فأجعله في سقاء وأصب عليه من الماء فيصبح
(1)
حفص بن أبي العاص بن بشر بن عبيد بن دهمان الثقفي أخو عثمان بن أبي العاص الصحابي المشهور، ذكره ابن سعد في الطبقات الصغرى فيمن نزل البصرة من الصحابة، وقال في الكبرى كتبناه مع إخوته عثمان والحكم، ولما يبلغنا أن له صحبة، قال ابن حجر رحمه الله قلت: تقدم غير مرة أنه لم يبق قبل حجة الوداع أحد من قريش ومن ثقيف إلا أسلم، وكلهم شهد حجة الوداع، وهذا القدر كاف في ثبوت صحبته، قال: وروى البلاذري بإسناد لا بأس به أن حفص بن أبي العاص كان يحضر طعام عمر. ابن حجر/ الإصابة 1/ 342.
(2)
القَديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 22.
(3)
العَناق: الأنثى من ولد المعز مالم يتم له سنة. المصدر السابق 3/ 311.
كأنه دم الغزال
…
والله لولا مخافة أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في لين عيشكم ولكني سمعت الله يذكر قوماً فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتكم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا}
(1)
.
وروي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: مررت والناس يأكلون ثريداً ولحماً، فدعاني عمر إلى طعامه، فإذا هو يأكل خبزاً غليظاً وزيتاً، فقلت منعتني أن آكل مع الناس الثريد، ودعوتني إلى هذا؟! قال: إنما دعوتك لطعامي وذاك للمسلمين
(2)
.
(1)
سورة الأحقاف الآية (20).
وراه ابن سعد/ الطبقات 3/ 280، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 261، 262، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 186، أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 49، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 252، 253، 255، صحيح من طريقي ابن سعد وابن شبه. قال: ابن سعد: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن يونس عن حميد بن هلال أن حفص بن أبي العاص كان يحضر
…
الأثر. وقال ابن شبه: حدّثنا حبان بن هلال، قال: حدّثنا مبارك بن فضاله، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثني حفص بن أبي العاص
…
(2)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 461، أحمد/ الزهد ص 150، وفي إسناديهما سليمان بن مهران الأعمش وهو مدلس ولم يصرح بالسماع.
وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر ضعيف ولكن يشهد له ويقويه الأثر الذي قبله.
وروي أن شريك بن نميلة الكوفي
(1)
قال: ضفت عمر ليلة، فأطعمني كسوراً من رأس بعير بارد وأطعمنا زيتاً
(2)
.
وروي عن السائب بن الأقرع
(3)
أنه قال: دخلت على عمر رضي الله عنه، فإذا بين يديه جفنة
(4)
فيها خبز غليظ، وكسوراً من بعير أعجف، فقال لي: كل، فأكلت قليلاً ثم لم أستطع أن آكل، فقال: كل فليس بدرمك
(5)
العراق الذي تأكل أنت وأصحابك
(6)
.
(1)
شريك بن نميلة الكوفي مقبول من الثانية. تق 266.
(2)
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 74 وفي إسناده الصعب بن حكيم بن شريك ابن نملة الكوفي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: لا يعرف. ميزان الاعتدال 2/ 315.
وفيه حكيم بن شريك، قال الذهبي: لا يكاد يعرف. المصدر السابق 1/ 586، وقال ابن حجر: مستور. تق 177. فالأثر ضعيف.
(3)
السائب بن الأقرع بن عوف بن جابر الثقفي، قال البخاري: مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، واستعمله عمر على المدائن. ابن حجر/ الإصابة 2/ 8.
(4)
الجفْنة: أعظم ما يكون من القصاع. ابن منظور/ لسان العرب 2/ 310. وقد تقدم التعريف بالقصعة في ص: 238.
(5)
الدَرمك: الدقيق أو الخبز الحواري وهو الذي نخل مرة بعد مرة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 458، 2/ 114.
(6)
رواه سعيد بن منصور/ السنن 2/ 186، 187، وفي سنده سويد بن عبدالعزيز السلمي، قال أحمد: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حجر: ضعيف. ميزان الاعتدال 2/ 248. تق 260. فالأثر ضعيف.
وكان عمر رضي الله عنه ربما أكل اللحم الغريض
(1)
، ولكن ذلك لم يكن من عادته رضي الله عنه، قال الأحنف بن قيس
(2)
رضي الله عنه: كنا نشهد طعام عمر فيوماً لحماً غريضاً، ويوماً قديداً، ويوماً زيتاً
(3)
.
وكان عمر رضي الله عنه يأكل الدقيق الذي لم ينخل
(4)
سواء كان من القمح أو الشعير، قال أسلم مولى عمر رحمه الله: ما نخلت لعمر طعاماً قط إلا وأنا له عاصٍ
(5)
.
(1)
الغريض: الطري. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 3/ 360.
(2)
الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصن التميمي السعدي أبو بحر، اسمه الضحاك وقيل صخر، مخضرم ثقة. تق 96.
(3)
رواه أحمد/ الزهد 142، 143، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 260، 261، صحيح عند ابن شبه. قال: حدّثنا معاذ بن معاذ، حدّثنا عون عن الحسن عن الأحنف.
(4)
النخالة: قشر الحب. الفيومي/ المصباح المنير ص 228. فمعنى ينخل أي: يزال عنه قشره.
(5)
رواه عبدالله بن المبارك/ الزهد ص 206، ابن سعد/ الطبقات 3/ 319، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 95، هناد/ الزهد 2/ 362، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 318.
صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو معاوية بن عن الأعمش عن شفيق عن يسار بن نمير، قال: ما نخلت
…
الأثر. وروي في أثر ضعيف أن عمر قال: لا ينخل لي دقيق، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل غير المنخول، رواه ابن سعد/ الطبقات 1/ 393، 394، أحمد/ الزهد ص 152، 153، وفي إسناديهما عمرو بن عبدالله بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة مدلس، من الطبقة الثالثة، ولم يصرح بالسماع وروايته عن عمر منقطعة.
وكان رضي الله عنه يكثر أكل التمر وكان يأكله بعد أن يزال عنه قشره، قال أسلم رحمه الله تعالى: كنت آتي عمر بالصاع
(1)
من التمر، فيقول: حت عني قشره
(2)
.
وربما أكله بحشفه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أكل عمر صاعاً من تمر بحشفه
(3)
.
(1)
الصاع: 2. 172 كغم. محمد رواس قلعجي/ معجم لغة الفقهاء ص 270.
(2)
حت عني قشره: أي أقشره. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 337.
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 99. صحيح. قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن حمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنت
…
الأثر.
(3)
الحَشَفُ: اليابس الفاسد من التمر، وقيل الضعيف الذي لا نوى له. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 391.
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 99، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 316، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 5/ 35، 36. صحح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن طلحة عن أنس قال: رأيت عرم
…
الأثر.
ومن طعام عمر رضي الله عنه الذي كان يحبه الجراد، قال عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت عمر يتحلب فوه
(1)
، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما شأنك؟ قال: أشتهي جراداً مقلياً
(2)
.
وسئل عن أكل الجراد فقال: وددت أن عندنا منه قفعة
(3)
نأكل منه
(4)
.
وقال رضي الله عنه في الضب: لو كان عندي لطعمته
(5)
.
(1)
يتحلب فوه: يتهيأ رضابه للسيلان. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 423.
(2)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 144، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 315، الحارث بن أبي أسامة/ المسند/ بغية الباحث/ الهيثمي 1/ 481، صحح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا زكريا عن الشعبي عن ابن عمر قال: رأيت عمر
…
الأثر.
(3)
القفعة: شيء شبيه بالزنبيل من الخوص ليس له عرى، وليس بالكبير، وقيل هو شيء كالقفة تتخذ واسعة من الأسفل ضيقة من الأعلى. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 91.
(4)
رواه مالك/ الموطأ 2/ 111، ابن سعد/ الطبقات 3/ 318، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 144، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 315، 316، البيهقي/ السنن الكبرى 9/ 258. صحح من طريق مالك. قال: عن عبد الله بن دنيار عن عبد الله بن عمر، قال: سئل عمر
…
الأثر.
(5)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 13/ 102، 103.
وكان أحب الطعام إلى عمر الثفل
(1)
.
وروي عن عمر أنه اشتهى الحوت يوماً، فقال: لقد خطر على قلبي شهوة الطري من حيتان، فخرج يرفأ
(2)
في طلب الحوت لعمر رضي الله عنه، ورحل
(3)
راحلته، فسار ليلتين مدبراً، وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً
(4)
، وجاء بالحوت، ثم غسل يرفأ الدابة، فنظر إليها عمر فرأى عرقاً تحت أذنها، فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله
(1)
الثُفْل: الدقيق والسويق ونحوهما، وقيل هو الثريد. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 215.
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 317، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 5/ 96، وسنده عند البلاذري متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا عفان بن مسلم، حدّثنا حماد بن سلمة، حدّثنا حميد عن أنس، قال: كان
…
الأثر. فالأثر صحيح، وما فيه من عنعنة حميد الطويل وهومدلس من الثالثة، يحمل على الاتصال لأن الواسطة فيه معروفة وهي ثابت البناني أو قتادة بن دعامة وكلاهما ثقتان. انظر: العلائي/ جامع التحصيل ص 168، وابن حجر/ تعريف أهل التقديس ص 86.
(2)
يرفأ: حاجب عمر ومولاه. انظر ص (253).
(3)
رَحَّل راحلته: شد عليها رحله وهو ما يعد للرحيل من وعاء للمتاع، ومركب للبعير وحلس ورسن. الفيومي/ المصباح المنير ص 85.
(4)
المِكْتَل: الزنبيل الكبير، قيل إنه يسع خمسة عشر صاعاً. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 150.
لا يذوقه عمر، عليك بمكتلك
(1)
.
من آداب طعامه:
ومن آداب طعامه رضي الله عنه أنه كان لا يجمع بين لونين من الطعام، روي ذلك عنه في عدة نصوص تدل بمجموعها على ذلك.
فقد جاء أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام، صنع له دِهقان
(2)
طعاماً، ولأصحابه، ثم جاء يدعوهم، فقال عمر للناس: من شاء منكم فليجبه، وقال له: ابعث إلي برغيفين ولون واحد من طعامك، ففعل، فأتاه الطعام وهو يمرن
(3)
بعيراً له ببعر وقطران، فدلك يده بالتراب ثم نفضها
(1)
رواه أحمد/ فضائل الصحابة 1/ 319، 320، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 256، 257، وفي إسناديهما عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف. تق 98. وبقية رجاله عند ابن عساكر ثقات.
قال: أخبرنا أبو سهل محمّد بن إبراهيم (سعدوية)، أنا أبو الفضل الرّازي (عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسن العجلي)، أنا جعفر بن عبد الله (الفناكي)، نا محمّد ابن هارون (الرّوياني)، نا يونس بن عبد الأعلى، نا عبد الله بن وهب، نا عبد الرّحمن بن زيد عن أبيه عن جدّه، قال: قال عمر
…
الأثر. فالأثر ضعيف.
(2)
الدِّهقان: رئيس القريه. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 145.
(3)
يمرن: مَرَنَ البعير والناقة: دهن أسفل خفها بدهن. ابن منظور: لسان العرب 13/ 87.
وأكل
(1)
.
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان إذا أتي بألوان من الطعام خلطها جميعاً وجعلها لوناً واحداً
(2)
.
وروي أنه رضي الله عنه دخل على ابنته حفصة، فقدمت إليه
(1)
رواه أحمد/الزهد ص: 155. قال: حدّثنا جرير عن مغيرة عن مجاهد قال: لما قدم عمر فذكر الأثر. جرير بن عبد الحميد ثقة تق: 139. مغيرة بن مقسم ثقة متقن تق: 543. وهو مدلّس من الثالثة. ولم يصرّح بالسماع. مجاهد بن جبر ثقة من الثالثة تق: 520. روايته عن عمر منقطعة. هناد/ الزهد 2/ 360. قال: حدّثنا وكيع عن أبيه عن رجل عن أبي وائل. وكيع بن الجراح ثقة حافظ تق: 581. أبوه الجراح بن مليح قال الذهبي: كان فيه ضعف وعسر الحديث، وثقه ابن معين مرة وضعّفه أخرى. وقال الدارقطني: ليس بشيء كثير الوهم، قال النسائي وغيره: ليس به بأس. قال البرقاني: قلت للدارقطني يعتبر؟ قال: لا. وقال أبو داود: ثقة. ميزان الاعتدال 1/ 389. وأبو وائل شقيق ابن سلمة ثقة. قال العلائي: عدّ الحاكم أبا وائل ممن أدرك العشرة وسمع منهم. جامع التحصيل ص: 197. فالأثر حسن إن شاء الله.
(2)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 98، هناد/ الزهد 2/ 360 وفي إسناديهما إبهام بشيخ حبيب بن أبي ثابت حيث قال: عن بعض أصحابه، وفيه سليمان الأعمش، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع من حبيب بن أبي ثابت. فالأثر ضعيف.
مرقاً بارداً وخبزاً وصبت على المرق زيتاً، فقال عمر: أأدمان في إناء واحد، لا أذوقه حتى ألقى الله
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أتي بلحم فيه سمن، فأبى أن يأكله، وقال كل واحد منهما أدم
(2)
.
ومن آداب طعامه المروية عنه رضي الله عنه أنه كان لا يعيب طعاماً قط، فقال غلامه يرفأ أو أسلم: لأجعلنه حتى يعيبه، فجعل لبناً حامضاً ثم قربه إليه، فأخذ عمر منه، فقطب
(3)
، ثم قال: ما أطيب هذا من رزق الله عز وجل
(4)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 319. قال: أخبرنا الوليد بن الأغر المكي أخبرنا عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم قال: دخل عمر فذكر الأثر. البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 318. من طريق الوليد به مثله.
وفي إسناديهما أبو الوليد بن الأغر ذكره ابن أبي حاتم في الجرح ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/ 9. وفيه عبد الحميد بن سليمان الخزاعي، قال ابن حجر: ضعيف تق: 333. وفيه أبو حازم سلمة بن دينار ثقة من الخامسة، روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 319، وفي إسناده سعيد بن محمد الثقفي، ضعيف تق 240. فالأثر ضعيف.
(3)
قَطّب: أي قبض ما بين عينيه كما يفعله العبوس. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 79.
(4)
رواه أحمد/ الزهد ص: 353. قال: حدّثنا حفص بن غياث عن حنش بن الحارث، قال: كان عمر
…
الأثر. وفي سنده إعضال بين حنش بن الحارث وهو ثقة من السادسة. تق 183، وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يأكل وهو جالس على الأرض تواضعاً لله عز وجل
(1)
.
وكان رضي الله عنه إذا أكل لعق أصابعه ومسح يديه مع بعضهما البعض ويقول هذه مناديل آل عمر.
قال ابن عمر رضي الله عنه: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يؤتى بخبزه ولحمه ولبنه، وزيته، وبقله، وخله، فيأكل ثم يمص أصابعه، ويقول هكذا فيمسح يديه بيديه ويقول: هذه مناديل آل عمر
(2)
.
وربما مسح عمر رضي الله عنه يديه بعد أكله بقدميه، قال
(1)
رواه الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 6/ 318، وفي إسناده إسحاق بن عيسى ابن أبي هند، صدوق يخطئ. تق 102، وهو معضل، من رواية الأعمش، وهو ثقة من الخامسة تق 254، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 97، وإسناده متصل رجاله ثقات وفيه الربيع بن قزيع، قال عنه أبو حاتم: شيخ، وقال يحيى بن معين: ثقة. الجرح والتعديل 3/ 467. فالأثر صحيح.
السائب بن يزيد
(1)
رضي الله عنه: ربما تعشيت عند عمر بن الخطاب فيأكل الخبز واللحم ثم يمسح يده على قدمه، ثم يقول: هذا منديل عمر وآل عمر
(2)
.
ولعل ذلك كان من عمر رضي الله عنه عند فقد الماء أو المناديل، وربما كان الطعام الذي يأكله ليس له زفر أو غمر كما نص على ذلك
(1)
السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي. له ولأبيه صحبة. قال مصعب الزبيري: استعمله عمر على سوق المدينة ابن حجر/ الإصابة 2/ 12، 13.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 318، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، قال ابن حجر: صدوق يحدث من كتب غيره فيخطئ تق 358، وقيد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله خطأه فيما إذا روى عن عبيد الله بن عمر العمري، وهو ثقة فإن الصواب أنه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، فكان يقلب السند، فيجعل حديث عبد الله بن عمر لعبيد الله بن عمر. وقال النسائي: ليس به بأس، وحديثه عن عبيدالله بن عمر منكر. المزي/ تهذيب الكمال 18/ 193، 194، وهو هنا لا يروي عن العمري وإنما يروى عن محمّد بن يوسف عن السائب بن يزيد، فالأثر حسن، وحسن الشيخ الألباني حديث الدراوردي وقال فيه كلام يسير، السلسلة الصحيحة 3/ 172.
وجاء في رواية ضعيفة عند ابن سعد/ الطبقات 3/ 318، أن عمر كان إذا أكل مسح يديه بنعليه وفي إسنادها عاصم بن عبيدالله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو ضعيف. تق 285.
أهل العلم
(1)
.
أما شرابه رضي الله عنه:
فمن الأشربة التي كان عمر رضي الله عنه يحبها النبيذ
(2)
بل كان من أحب الشراب إليه
(3)
.
مر عمر رضي الله عنه ومعه مولاه أسلم على عبد الله بن عياش المخزومي
(4)
بطريق مكة فرأى أسلم عند عبد الله نبيذاً فقال له: إن هذا الشراب يحبه عمر رضي الله عنه، فحمل عبد الله بن عياش قدحاً عظيماً، فجاء به إلى عمر فوضعه في يده، فقربه عمر إلى فيه، ثم رفع رأسه فقال: من صنع هذا؟ فقال عبد الله: نحن صنعناه، فقال عمر: إن هذا لطيب،
(1)
انظر: ابن حجر/ فتح الباري 9/ 577 ـ 580.
(2)
النَبِيذ: هو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب، والعسل، والحنظة والشعير، وغير ذلك، يقال: نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، وسواء كان مسكراً أو غير مسكر فإنه يقال له نبيذ. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 5/ 706.
(3)
تقدم الكلام على هذا الأثر في ص: 273 أنّه صحيح، ونص الأثر: كان أحب الطعام إلى عمر الثفل وأحب الشراب إليه النبيذ.
(4)
عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي رضي الله عنه، كان أبوه قديم الإسلام فهاجر إلى الحبشة، فولد له هذا بها، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وغيره. ابن حجر/ الإصابة 2/ 356.
فشرب منه ثم ناوله رجلاً عن يمينه
(1)
.
وكان عمر يشرب النبيذ بعدما يتخلل
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قدمت إليه إداوة
(3)
فيها نبيذ، فقبض وجهه عنها لأنها قد تخللت
(4)
والأثر السابق هو الثابت.
وجاء عنه أنه قال: لأن أشرب من قمقم
(5)
أحرق ما أحرق،
(1)
رواه مالك/ الموطأ 2/ 64، 65، الفاكهي/ أخبار مكة 2/ 262، صحيح من طريق مالك. قال: عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أن أسلم مولى عمر أخبره أنه زار
…
الأثر.
(2)
تخلل: أي صار حامضاً، ابن منظور/ لسان العرب 4/ 198.
رواه يحيى بن معين/ التاريخ/ رواية الدوري 1/ 280، النسائي/ السنن 8/ 326، ومداره على عبدالصمد بن عبدالوارث وهو صدوق. وبقية رجاله عند النسائي ثقات. فالأثر حسن.
(3)
الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة ونحوها. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/ 33.
(4)
رواه ابن أبي الدنيا/ ذم المسكر ص 65، البيهقي/ السنن الكبرى 8/ 306، وفي إسناديهما أسامة بن زيد بن أسلم، ضعيف تق 98، ونافع مولى ابن عمر روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(5)
القُمْقُم: هو ما يسخن فيه الماء، من نحاس وغيره، ويكون ضيق الرأس. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 110.
أبقى ما أبقى أحب إلي من أن أشرب نبيذ الجر
(1)
.
وروي أنه كان ينبذ له عشية فيشربه بالغداة
(2)
.
(1)
رواه أحمد/ الأشربة ص 88، 89، ابن أبي الدنيا/ ذم المسكر ص 64، وإسناده عند أحمد رجاله ثقات سوى عبدالله بن أبي تميم الراوي عن عمر بن الخطاب لم أجد له ترجمة. ولفظه:"لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إليّ من أن أشرب نبيذ الجر". وفيه عند ابن أبي الدنيا علي بن زيد بن جدعان ضعيف. تق 401، ويوسف بن مهران قال ابن حجر: لين الحديث. تق 612، ووثقه أبو زرعة وابن سعد، وقال أحمد: لا يعرف. المزي/ تهذيب الكمال 32/ 463، وبقية رجاله ثقات.
قال ابن الأثير رحمه الله: وفي حديث الأشربه أنه نهى عن نبيذ الجر جمع جرة، وهو الإناء المعروف من الفخار، وأراد بالنهي عن الجرار المدهونة لأنها أسرع في الشدة والتخمير. النهاية في غريب الحديث 1/ 260، وقال ابن حجر: وذلك أن الجرار تسرع التغيير لما ينبذ فيها، فقد يتغير من قبل أن يشعر به. فتح الباري 10/ 61.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 6/ 153، ابن أبي الدنيا/ ذم المسكر ص 65، الدارقطني/ السنن 4/ 259، البيهقي/ السنن الكبرى 8/ 301، 302، وفي إسناده عند ابن سعد جابر بن يزيد الجعفي، ضعيف رافضي. تق 137، وفيه سعيد بن ذي لعوة قال الذهبي: ضعفه يحيى وأبو حاتم وجماعة وفيه جهالة. ميزان الاعتدال 2/ 134، وله شاهد عند ابن أبي الدنيا، وفيه عبد الله بن عمر العمري ضعيف. تق 314، ورواه بقية من رواه من طريق ابن أبي الدنيا. فالأثر ضيعف.
وما ورد في هذا الأثر من أن النبيذ الذي كان عمر يشربه ينبذ له بالليل ويشربه في أول النهار يدل هذا على أن النبيذ لم يكن يترك حتى يتخمر لأن هذه المدة القصيرة غير كافية للتخمير، قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: والنبيذ مباح ما لم يغل أو تأتي عليه ثلاثة أيام، المغني 10/ 336، 337، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء من ليلة الإثنين فيشربه يوم الإثنين والثلاثاء إلى العصر. رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 13/ 173، 174.
وأنه نبذ له يوماً فتأخر عليه فوجده قد اشتد فدعا بجفان
(1)
فصبه ثم صب عليه الماء
(2)
.
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يشرب النبيذ بعدما يتردى غليه
(3)
.
(1)
جفان: جمع جفنة وهي كالقصعة. الرازي/ مختار الصحاح ص 45.
(2)
رواه الدارقطني/ السنن 4/ 260، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان ضعيف. تق 401. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه يحيى بن معين/ التاريخ/ رواية الدوري 1/ 280، وإسناده رجاله ثقات وفيه عمرو بن عبدالله بن أبي إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع من عمرو بن ميمون. فالأثر ضعيف.
ولعل المراد بتردي الغليان هو سكونه وهدؤه، وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أن قول أكثر السلف أن النبيذ يشرب ما لم يتغير وعلامة التغير أن يأخذ في الغليان وبهذا قال أبو يوسف، وقيل إذا انتهى غليانه وابتدأ في الهدوء بعد الغليان، وقيل إذا سكن غليانه. فتح الباري 10/ 64.
ولم يثبت أن عمر رضي الله عنه شرب من إداوة نصراني بالشام نبيذاً بعد أن شمه فوجده منكر الريح وصب عليه الماء ثلاثاً
(1)
.
وتبين مما تقدم أن عمر رضي الله عنه كان يشرب النبيذ وكان يحبه وكان النبيذ يصنع له ويترك حتى يتخلل ويصير حامضاً، ولم يشرب عمر رضي الله عنه النبيذ الذي تخمر كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة وحاشاه رضي الله عنه من ذلك.
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: إنا لنشرب من النبيذ نبيذاً يقطع لحوم الإبل في بطوننا أن يؤذينا
(2)
.
وكان عمر رضي الله عنه زاهداً في شرابه، فقد استسقى يوماً، فأتى بإناء من عسل فوضعه على كفه، وجعل يقول: أشربها، فتذهب حلاوتها، وتبقى نقمتها، قالها ثلاثاً، ثم رفعه إلى رجل من القوم
(1)
رواه الحاكم/ المستدرك 3/ 82، 83، وفي إسناده مسلم بن كيسان أبو عبدالله الضبي الملائي الأعور، قال ابن حجر: ضعيف. تق 531، وقال الفلاس والنسائي: متروك، وقال أحمد: لا يكتب حديثه. ميزان الاعتدال 4/ 106. فالأثر ضعيف جداً.
(2)
رواه ابن أبي خيثمة/ التاريخ ص 185، الدارقطني/ السنن 4/ 260، البيهقي/ السنن الكبرى 8/ 299، ومداره على أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع. فالأثر ضعيف.
فشربه
(1)
.
(1)
رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص 219. قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت أن عمر فذكر الخبر. سليمان بن المغيرة ثقة تق: 254. ثابت بن أسلم ثقة عابد من الرابعة تق: 132. مات سنة بضع وعشرين ومائة وله ست وثمانون سنة.
أحمد/الزهد ص: 149. حدّثنا سيار حدّثنا جعفر حدّثنا حوشب عن الحسن. سيار بن حاتم العنزي البصري قال الذهبي: صالح الحديث وثقه ابن حبان وقال عبيد الله القواريري: لم يكن له عقل كان معي في الدكان. قيل للقواريري أتتهمه؟ قال: لا. قال الحاكم: كان سيارٌ عابد عصره، وقد أكثر عنه أحمد بن حنبل. وقال الأزدي عنده مناكير. قال الذهبي قلت: هو راوية جعفر ابن سليمان. ميزان الاعتدال 2/ 254. جعفر بن سليمان الضبعي صدوق، تق: 140. حوشب بن سلم الثقفي صدوق تق: 184. كان من كبار أصحاب الحسن. تهذيب الكمال 7/ 464. والحسن البصري ثقة من الثالثة. روايته عن عمر منقطعة.
ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 19، 20. قال: حدّثنا موسى بن مروان، قال: حدّثنا المعافى بن عمران عن أسامة بن زيد قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن ابن زرارة عن مشيخته. موسى بن مروان مقبول تق: 553. المعافى بن عمران الأسدي ثقة عابد تق: 537. أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم. تق: 38. محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة ثقة من السادسة. تق: 492.
ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 251. من طريق ابن المبارك المتقدم بألفاظ مختلفة. وإسناده عند ابن المبارك رجاله ثقات. ولكنه منقطع من رواية ثابت البناني، وهو ثقة من الرابعة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإسناده عند أحمد رجاله ما بين ثقة وصدوق. وهو منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه، وإسناده عند ابن شبه فيه موسى بن مروان، قال الذهبي: صدوق. الكاشف 2/ 308، و قال ابن حجر: مقبول تق 553، وفيه إبهام بشيوخ محمّد بن عبدالرحمن بن زرارة حيث قال عن مشيختهم، فالأثر يرتقي بطريقيه الأوليين لدرجة الحسن لغيره.
جاء في رواية أنّ قرابة عمر رضي الله عنه وأصحابه يشفقون عليه من شدته على نفسه في مطعمه ومشربه، فربما كلموه في ذلك ونصحوه بأن يرفق بنفسه ويأكل من الطعام ويشرب من الشراب ما يتقوى به.
قال له يوماً ابنه عبد الله وابنته حفصة وعبد الله بن مطيع
(1)
رضي الله عنهم: لو أكلت طعاماً أطيب كان أقوى لك على الحق، فقال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم، قال: قد علمت أنه ليس منكم إلا ناصح، ولكني تركت صاحبيَّ على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل
(2)
.
(1)
عبدالله بن مطيع بن الأسود له رؤية، وكان رأس قريش يوم الحرة. تق 324.
(2)
رواه البيهقي/ السنن الكبرى 9/ 42، شعب الإيمان/ زغلول 5/ 35، 159.
قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل بن محمّد الصفار ثنا أحمد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ابن منصور ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ابن طاووس عن عكرمة بن خالد أن حفصة. وهذا السند رجاله ثقات ولكن رواية عكرمة بن خالد عن عمر رضي الله عنه منقطعة. فهو ثقة من الثالثة.
وجاء في رواية أخرى أن حفصة بنت عمر رضي الله عنه قالت لعمر رضي الله عنه: يا أبت إنه قد وسع الله الرزق، وفتح عليك الأرض وأكثر من الخير فلو طعمت طعاماً ألين من طعامك، ولبست ألين من لباسك. فقال: سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش؟ فما زال يذكرها حتى أبكاها. ثم قال: إني قد قلت لك إني والله لئن استطعت لأشاركنهما في عيشهما الشديد لعلي ألقى معهما عيشهما الرضي.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 277. قال: أخبرنا يزيد بن هارون أبو أسامة حماد بن أسامة قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد، قال: قالت حفصة. وهذا السند رجاله ثقات لكنه منقطعة من رواية مصعب بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة من الثالثة عن حفصة، ولم تذكر له رواية عنها. وروى الخبر من سائر من رواه من طريق مصعب بن سعد عن حفصة وهم: إسحاق بن راهوية/ المطالب العالمية/ ل: 490/ ب، أحمد/ الزهد ص:154. هناد/ الزهد 2/ 360، 361، عند ابن حميد/ المنتخب ص: 38، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 17، 18، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 179، الحاكم/ المستدرك 1/ 123، 124، أبو نعيم/ الحلية 1/ 48، البيهقي/ السنن الكبرى 5/ 159.
وفي رواية ثالثة أن ناساً أو المسلمين كلموا حصفة أن تكلم أباها أن يلين من عيشة شيئاً أو أن يأخذ من فيء المسلمين ما شاء وهو في حل من المسلمين فدخلت حفصة على عمر فأخبرته، فقال عمر: غششت أباك، ونصحت لقومك.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 278، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 180، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص:247. ومداره على الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. ورجاله عند ابن سعد ما بين ثقة وصدوق.
قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل أخبرنا حماد بن زيد عن غالب يعني: القطان عن الحسن. وهذا السند رجاله ثقات سوى غالب القطان فهو صدوق.
فهذه الطرق تثبت أصلاً لخبر تكليم حفصة لعمر رضي الله عنه أن يلين من عيشة وأن عمر رضي الله عنه رفض ذلك ولامها على قولها وذكرها بحال النبيّ صلى الله عليه وسلم.
4 - لباسه.
كان عمر رضي الله عنه في لباسه مثلاً عالياً في الزهد والبعد عن الإسراف والمفاخرة مع حرصه على التنظف والتطيب في ملبسه، فقد كان رضي الله عنه يلبس القميص وربما انخرق فرقعه، قال أسلم مولاه: لما نزل عمر رضي الله عنه بالشام جاءه صاحب الارض، فأعطاه عمر قميصه ليغسله، ويرفوه
(1)
، وفي عاتقه خرق، فانطلق به فغسله ثم رقعه، وقطع
(1)
يرفوه: رفأ الثوب: أصلحه. الرازي/ مختار الصحاح ص 104.
قميصاً جديداً، فأتاه به، وأعطاه الجديد، فرآه عمر ثم رده، قال: إيتيني بقميصي
(1)
.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع بين كتفيه ثلاث رقاع لبد
(2)
بعضها فوق بعض
(3)
.
(1)
رواه عبدالله بن المبارك/ الزهد ص 208، ابن سعد/ الطبقات 3/ 329، 330، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 11، أحمد/ الزهد ص 147، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 48، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 332، 280، وسنده عند ابن شبه متصل ورجاله ثقات سوى هشام ابن سعد المدني فهو صدوق له أوهام يروي عن زيد بن أسلم، وهو من أثبت الناس فيه، فالأثر حسن، وفي رواية ابن المبارك وأحمد والبلاذري أن عمر رضي الله عنه لمس القميص الجديد، فوجده ليناً فرده، وقال: لا حاجة لي فيه هذا - أي قميصه - أنشف للعرق، وسنده عند ابن المبارك رجاله ثقات، ومداره عندهم على عروة بن الزبير يرويه عن صاحب أذرعات: أن عمر قدم عليهم
…
ولم أقف على اسم صاحب أذرعات، وهل أدركه عروة أم لا.
(2)
لبد: الرقعة، يقال: لَبَدْتُ القميص ألْبُدُه وَلَبَّدته، ويقال للخرقة التي يرقع بها صدر القميص اللبْدَة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 224.
(3)
رواه مالك/ الموطأ 2/ 91، ابن سعد/ الطبقات 3/ 327، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 329، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 223، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 5/ 158، صحيح من طريق مالك. قال: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: قال أنس بن مالك
…
الأثر.
وقال رضي الله عنه: لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميص له
(1)
.
وروي عنه رضي الله عنه أنه لبس قميصاً طويل الكمين، فقطع ما زاد على أصابع يديه
(2)
.
وروي أنه أبطأ يوم الجمعة، فخرج وعليه قميص ثمنه أربعة دراهم لا يجاوز كمه رسغه
(3)
.
(1)
رواه ابن المبارك/ الزهد ص 208، ابن سعد/ الطبقات 3/ 327، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 329، ابن أبي الدنيا/ التواضع ص 173، 174، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 258، صحيح من رواية ابن سعد. قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس.
(2)
رواه أبو نعيم/حلية الأولياء 1/ 45، وفي إسناده المقدام بن داود، قال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن يونس: تكلموا فيه. ميزان الاعتدال 4/ 174، وفيه يحيى بن المتوكل ضعفه ابن المديني والنسائي، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أحمد: واهٍ. المصدر السابق 4/ 404، فالأثر ضعيف.
(3)
الرُّسْغ: مفصل ما بين الكف والساعد. الفيومي/ المصباح المنير ص 86.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 329، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 21، ومداره على عبدالعزيز بن أبي جميلة الأنصاري، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 5/ 379، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 124، وبقيه رجاله عند ابن سعد ثقات.
ولبس رضي الله عنه الإزار
(1)
وربما انخرق فرقعه.
قال عبيد بن عمير رضي الله عنه
(2)
: رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمار عليه إزار مرقع عند مقعدته
(3)
.
وقال أبو عثمان النهدي رضي الله عنه
(4)
: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهن بأديم أحمر
(5)
.
(1)
الإزار: ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن. مجموعة من العلماء/ المعجم الوسيط 1/ 16.
(2)
عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مجمع على ثقته. تق 377.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 328، أحمد/ الزهد ص 151، هناد/ الزهد 2/ 367، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 21، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 330. صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي، قال: أخبرنا أبو عوانة عن بشر عن عطاء عن عبيد بن عمير، قال: رأيت عمر
…
الأثر.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: 178.
(5)
رواه عبدالله بن المبارك/ الزهد ص 343، من زيادات حسين المروزي عليه، ابن سعد/ الطبقات 3/ 328، أحمد/ الزهد ص 153، 154، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 20، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 330، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 259، وسنده عند ابن سعد والبلاذري متصل ورجاله ثقات، إلا أن فيه سعيد الجريري، ثقة اختلط ولم يظهر لي هل سماع مهدي بن ميمون الراوي عنه قبل اختلاطه أم بعده، فإن كان قبله فالسند صحيح.
وإسناده عند ابن المبارك رجاله ثقات، إلا أنه منقطع لأن الحسن البصري روايته عن عمر منقطعة، ورواه أبو نعيم وابن عساكر من طريق الحسن البصري، وفي سنده عن ابن شبه يوسف بن عطية الباهلي وهو متروك. تق 611، والأثر بطريقيه الأوليين يرتقي لدرجة الحسن، وإن كان سماع مهدي ابن ميمون عن الجريري قبل الاختلاط. فالأثر صحيح.
وروي أنه لبس إزاراً فيه ثلاثة عشر رقعة
(1)
، وقيل إن إزاره كان فيه أربعة عشر رقعة
(2)
، وقيل كان فيه إحدى وعشرين رقعة
(3)
.
(1)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 20، 21، وفي سنده العوام بن جويرة، قال ابن حبان: كان يروي الموضوعات، روى عنه أبو معاوية، ولم يكن ممن يعتمد. ميزان الاعتدال 3/ 303. فالأثر ضعيف جداً.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 330، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 178، 179، 332، ابن أبي الدنيا/ التواضع ص 172، 173، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 259، وفي سنده عند ابن سعد الواقدي وهو متروك، ومداره عند بقية من رواه على سليمان الأعمش وهو مدلس لم يصرح بالسماع وبقية رجاله عند البلاذري وابن أبي الدنيا ثقات. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 259، وفي إسناده مختار بن نافع التميمي، قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال البخاري والنسائي وأبو حاتم: منكر الحديث. المزي/ تهذيب الكمال 27، 322، 323. فالأثر ضعيف.
وكان عمر رضي الله عنه يلبس الثوب، ولعل ذلك كان في الجمع والأعياد غالباً، قال زر بن حبيش رحمه الله
(1)
: خرج عمر بن الخطاب في يوم فطر أو في أضحى في ثوب قطن متلبباً
(2)
به يمشي
(3)
.
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه أبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره
(4)
.
(1)
زرّ بن حُبيش بن حُباشة الأسدي الكوفي أبو مريم، ثقة جليل مخضرم. تق 215.
(2)
مُتلبباً يقال: لببه وأخذ بتلبيبه وتلابيبه، إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره ثم جررته. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 193.
(3)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 1/ 486، ابن المنذر/ الأوسط 4/ 263، ورجاله عند ابن أبي شيبة ثقات سوى عاصم بن بهدلة، فهو صدوق له أوهام، ورواه ابن المنذر من طريق ابن أبي شيبة. فالأثر حسن.
(4)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 329، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 297، أحمد/ الزهد ص 154، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 331، وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات، إلا أن رواية بديل بن ميسرة البصري، وهو ثقة من الخامسة. تق 120 عن عمر بن الخطاب معضلة، وسنده عند أحمد رجاله ثقات، إلا أن رواية قتادة بن دعامة وهو ثقة من الرابعة تق 453، عن عمر منقطعة، ورواه البلاذري من طريقين الأولى من طريق ابن سعد المتقدم، والثانية رجالها ثقات إلا عبدالعزيز بن أبي جميلة الأنصاري، فقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 5/ 379، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 124، وهذه الطرق تدل على أن للخبر أصلاً.
ولبس عمر رضي الله عنه ثوب القطن كما تقدم في الأثر السابق ولم يلبس رضي الله عنه ثياب الخز
(1)
تورعاً منه وزهداً، قال عامر بن عبيدة الباهلي
(2)
: سألت أنساً
(3)
عن الخز، فقال: وددت أن الله لم يخلقه وما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد لبسه ما خلا عمر وابن عمر
(4)
.
(1)
الخَزّ: ثياب تنسج من صوف وإبريسم. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 28، والإبريسم هو الحرير. المنجد ص 1.
(2)
عامر بن عبيدة الباهلي البصري القاضي بها، ثقة من الرابعة. تق 228.
(3)
هو ابن مالك الصحابي الجليل رضي الله عنه.
(4)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 330، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 332، 333 صحيح من رواية ابن سعد. قال: أخبرنا سليمان بن دواد الطيالسي، قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرني عامر بن عبيدة الباهلي.
قال ابن حجر رحمه الله: وهو (أي تحريم لبس الثوب الذي خالطه الحرير) قول بعض الصحابة كابن عمر والتابعين كابن سيرين، وذهب الجمهور إلى جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير الأغلب، قال: وقد ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة وغيرهم، قال أبو داود: لبسه عشرون نفساً من الصحابة وأكثر، وأورده ابن أبي شيبة عن جمع منهم وعن طائفة من التابعين بأسانيد جياد. قال: والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها حرير ولحمتها من غيره، وقيل: تنسج مخلوطة من حرير وصوف أو نحوه، وقيل: أصله اسم دابة يقال لها الخز سمي الثوب المتخذ من وبره خزاً لنعومته، ثم أطلق على ما يخلط بالحرير لنعومة الحرير، وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير ما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه السلف كان من المخلوط بالحرير، والله أعلم. فتح الباري 10/ 294، 295.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يلبس العمامة ويرخي طرفها خلفه
(1)
.
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يلبس النعل، وكان لنعله قبالان
(2)
.
وكلم بعض أصحاب عمر عمر أن يلبس ثياباً لينة رقيقة تتناسب مع منزلته وكونه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، ولكنه أبى ذلك، ولامهم على كلامهم ذلك.
(1)
رواه البيهقي/ السنن الكبرى 3/ 281، وسنده رجاله ثقات سوى إسماعيل بن عياش الحمصي فهو صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، وهو هنا يروي عن محمد بن يوسف بن أخت النمر المدني. فالأثر ضعيف، وهو مما يتساهل فيه.
(2)
القِبال: زمام النعل، وهو السير الذي يكون بين الأصبعين. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/ 8.
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 176، الطبراني/ مجمع البحرين 7/ 157، وسنده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكن فيه انقطاع بين محمد بن سيرين وهو ثقة من الثالثة. تق 483، وبين عمر بن الخطاب ومراسيل ابن سيرين أثنى عليها العلماء.
وفي إسناده عند الطبراني شيخه إبراهيم بن إسحاق لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق. وسنده متصل عن أبي هريرة عن عمر
…
فقد قدم الربيع بن زياد الحارثي
(1)
على عمر رضي الله عنه، فأعجبت عمر هيئة الربيع وشكا عمر رضي الله عنه طعاماً غليظاً أكله، فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين لأنت، فرفع عمر جريدة معه، فضرب بها رأسه وقال: أما والله ما أراك أردت بها الله، وما أردت إلا مقاربتي إن كنت لأحسب أن فيك
(2)
.
وروي أن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت لعمر رضي الله عنهما: لو لبست ألين من ثوبك هذا، وأكلت أطيب من طعامك هذا، قد فتح الله عليك، وأوسع عليك الرزق، قال: أخاصمك إلى نفسك، أما تعلمين ما كان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة العيش، وجعل يذكرها شيئاً مما كا يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبكاها، ثم قال: إنه كان
(1)
الربيع بن زياد بن الربيع الحارثي له صحبة، ولا أقف له على رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، استخلفه أبو موسى سنة سبع عشرة على قتال مناذر فافتتحها عنوة، وقتل وسبى. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/ 68.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 280، 281، إسحاق بن راهويه/ المسند/ البوصيري/ إتحاف الخيرة المهرة ق 41/ب، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/ 262، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 186، 187، صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن الرّبيع بن زياد الحارثيّ.
لي صاحبان سلكا طريقاً، فإني إن سلكت غير طريقهما، سُلك بي غير طريقهما، فإني والله لأشاركهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك معهما عيشهما الرضي
(1)
.
5 - تجمله وتنظفه
لقد كان عمر رضي الله عنه زاهداً في طعامه وشرابه ولباسه ولكنه رضي الله عنه كان يتنظف ويتطهر ويتجمل بالذي أباح الله عز وجل، فكان رضي الله عنه يغتسل ويستحم ويسخن له الماء للاستحمام في قمقم
(2)
له
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه كان يكره الحمام
(4)
ولعل ذلك لما قد
(1)
تقدم تخريجه في ص: 286.
(2)
تقدم التعريف به في ص: 281.
(3)
رواه عبدالرزاق/ المصنف 1/ 174، 175، أبو عبيد/ الطهور ص 192، 193، ابن أبي شيبة/ المصنف 1/ 31، ابن المنذر/ الأوسط 1/ 251، الدارقطني/ السنن 1/ 37، البيهقي/ السنن الكبرى 1/ 6 صحيح من طريق عبدالرزاق. قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر
…
الأثر.
(4)
الحمام: واحد الحمامات، مكان الاغتسال بالماء الحار، قد يكون عاماً يدخله من شاء من الناس، وقد يكون خاصاً في البيت لا يدخله أحد إلا أهل البيت، وعند الإطلاق يراد به الحمام العام. رواس قلعجي/ معجم لغة الفقهاء ص 186.
يحصل فيه من التكشف وزيادة التنعم والإسراف في ذلك
(1)
.
ومن تجمله رضي الله عنه أنه كان يخضب رأسه ولحيته بالحناء
(2)
، وربما خضب بالحناء والكتم
(3)
.
وجاء في رواية أنه رضي الله عنه كان لا يغير شيبه
(4)
، ولعل
(1)
رواه مسدد/ المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/ 84 أ، الخرائطي/ مساوئ الأخلاق ص 369، وفي سنده عند مسدد عبد الرحمن بن أبي رواد لم أجد له ترجمة وفيه انقطاع فهو من رواية محمد بن سيرين، وهو ثقة من الثالثة عن عمر رضي الله عنه، وسنده عند الخرائطي رجاله ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع أيضاً من رواية نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة من الثالثة عن عمر رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم/ الصحيح 15/ 94 ـ 96، ابن سعد/ الطبقات 3/ 189، 190، أحمد/ المسند 3/ 100، وغيرهم.
(3)
الكَتَمُ: نبات يخلط مع الوسمة للخضاب الأسود. ابن منظور/ لسان العرب 12/ 31.
رواه أحمد/ المسند 3/ 160 صحيح. قال: ثنا محمّد بن مسلمة الحراني عن هشام عن محمّد بن سيرين، قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب
…
الأثر.
(4)
رواه إسحاق بن راهويه/ المسند/ المطالب العاليه لابن حجر ص 475/ب، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/ 101، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 210، المقدسي/ المختارة 1/ 234، 235.
ومداره عند إسحاق وابن أبي عاصم وأبي نعيم على سويد بن عبد العزيز الدمشقي. قال البخاري: في بعض حديثه نظر. وقال أحمد: ضعّفوه. وقال مرة: متروك. وقال ابن عدي: يقرب من الثقات. وقال الذهبي: قلت ولا كرامة بل هو واه جداً. وقال النسائي: ليس بثقة. ميزان الاعتدال 2/ 251، وقال ابن حجر: ضعيف. تق: 260.
وفي سنده عند المقدسي شيخه محمّد بن أحمد الصيدلاني صدوق. سير أعلام النبلاء 21/ 430. وكذلك محمّد بن حميد وثابت بن العجلان صدوقان تق: 475، 132. وبقية رجاله ثقات فالأثر حسن.
وجاء في رواية ضعيفة أن مولاة لعمر عرضت عليه أن تصبغ لحيته، فقال: ما أراك إلا تطفئي نوري. رواه الحاكم/ المستدرك 3/ 89، الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 66، وفي إسناديهما بقية بن الوليد، صدوق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وفيه عبدالرحمن بن عمرو السلمي، مقبول من الثالثة. تق 347. فالأثر ضعيف.
ذلك كان في أولاً ثم خضب رضي الله عنه.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه خضب بالزعفران
(1)
، ولم
(1)
الزعفران: جنس نبات بصلي زهره أحمر إلى الصفرة جيد يستخدم لتطيب بعض أنواع المرق أو الحلويات، وبنوع خاص لتلوينها بالأصفر. المنجد ص:299.
ورواه ابن الأعرابي/ المعجم 2/ 85، 86، وفي سنده موسى بن سيار الأسواري، ضعفه يحيى القطان، وقال أبو حاتم: مجهول. ميزان الاعتدال 4/ 206. فالأثر ضعيف.
يثبت ذلك عنه، ومن تجمله رضي الله عنه تختمه، فقد لبس خاتم النبي صلى الله عليه وسلم وكان من فضة نقشه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان له خاتم نقشه كفى بالموت واعظاً
(2)
، وأنه كان يتختم في يساره
(3)
.
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه لم يتختم حتى لقي الله عز وجل
(4)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 4/ 35 - 37، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 14/ 67، 68، أبو داود/ السنن 4/ 88 وغيرهم.
(2)
رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 229، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 221، وفي إسناده عند أبي نعيم إعضال بين الزبير بن بكار الزبيري، وهو ثقة من العاشرة، وبين عمر بن الخطاب وفيه عند ابن عساكر إسحاق بن إبراهيم الختلي، قال الحاكم: ليس بالقوي، وقال مرة: ضعيف، وقال الدارقطني: ليس بالقوي. ميزان الاعتدال 1/ 180، وفيه إعضال بين محمد بن المتوكل العسقلاني، وهو صدوق له أوهام من العاشرة تق (504)، وبين عمر بن الخطاب. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 330، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 333، وسنده عندهما رجاله ثقات، لكنه منقطع لأن محمد بن علي بن الحسين، وهو ثقة من الرابعة، لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(4)
رواه ابن سعد/ الطبقات 1/ 477، 478، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 206، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، ولكنه من رواية سعيد بن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماعه منه.
ورواه ابن سعد كذلك من طريق سعيد بن المسيب، وهذا الأثر يخالف ما ثبت في الصحيح من تختم عمر رضي الله عنه بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل المراد بذلك هو أن عمر رضي الله عنه لم يتختم بخاتم مستقل به، ولم يتخذ خاتماً له خاص به، والله أعلم.
ومن التجمل الذي روي أن عمر رضي الله عنه كان يتجمل به أنه كان يزيل شعر جسده ويحلقه، ولا يتنور
(1)
زهداً منه وتركاً للتنعم
(2)
.
(1)
النُّورة: من الحجر الذي يحرق ويسوى منه الكلس ويحلق به شعر العانة. ابن منظور/ لسان العرب 14/ 324.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 1/ 442، بلفظ ما تنور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان 3/ 290، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 229، البيهقي/ السنن الكبرى 1/ 152، بلفظ: أن عمر بن الخطاب دعا بحلاق فحلقه بموس يعني جسده، فاستشرف له الناس فقال: أيها الناس إن هذا ليس من السنة، ولكن النورة من النعيم فكرهتها، وفي إسناده عند ابن سعد باللفظ الأول أبو هلال الراسبي، صدوق فيه لين. تق 481، وفيه قتادة بن دعامة وهو ثقة من الرابعة. تق 453، روايته عن عمر منقطعة، فيكون ضعيفاً.
وفيه عند ابن سعد وبقية من رواه باللفظ الآخر أبو العلاء بن أبي عائشة الجزري، ذكره ابن حبان في الثقات 5/ 247، والبخاري في التاريخ الكبير 6/ 508، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً وبقية رجاله عند ابن سعد والبلاذري ثقات.
6 - نومه رضي الله عنه.
جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا صلى العشاء أمر أهله، فوضعوا إناء فيه ماء، ثم ينام، فإذا استيقظ من الليل وضع يده في الإناء، ومسح به وجهه
(1)
.
وكان رضي الله عنه يقيل قائله الظهر، فكان يصلي الظهر ثم ينام حتى العصر
(2)
.
(1)
تقدم الكلام على هذا الأثر في ص (156، 157).
(2)
رواه مالك/ الموطأ 1/ 81، وسنده متصل، ورجاله ثقات. قال: عن عمه أبي سهل بن مالك عن أبيه أنه قال: كنت أرى طنفسه
…
الأثر. فالأثر صحيح.
ولفظه: أن مالك بن أبي عامر الأصبحي قال: كنت أرى طنفسة (هي بساط له خمل رقيق. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 3/ 140) لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب، ثم يرجع بعد صلاة الجمعة فيقيل قائلة الضحى.
فهذا الأثر دليل على أن عمر رضي الله عنه كان يقيل أي ينام نوم القيلولة بعد الظهر، وليس في الأثر دليل على تخصيص ذلك بيوم الجمعة، والله أعلم.
7 - مراكبه.
كان عمر رضي الله عنه يركب البعير وهي الدابة التي كانت تركب في ذلك العهد، فقد قدم رضي الله عنه الشام على بعير، فعرضت له مخاضة
(1)
، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه
(2)
، فأمسكها بيده، فخاض في الماء ومع بعيره
(3)
.
وكان قدومه الشام في سنة ست عشرة من الهجرة عند ما قدم لعقد صلح بيت المقدس، فقدم من المدينة إلى الجابية
(4)
، وكتب إلى أمراء
(1)
مخاضة، الخَوْض: المشي في الماء. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 88. فالمخاضة هي الماء المستقر في الأرض.
(2)
مُوقَيْه: خفيه. المصدر السابق 4/ 372.
(3)
رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص 207، 208، هناد/ الزهد 2/ 417، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 10، الحاكم/ المستدرك 1/ 61، 62، 3/ 82، أبو نعيم/ حلية الألياء 1/ 47، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 6/ 291، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 302، صحح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمّد الصغار، نا سعدان بن نصر نا سفيان عن أيوب الطائي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، قال: لما قدم عمر
…
الأثر.
(4)
الجَابية: هي قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيرو من ناحية الجولان قرب مرج الصغر في شمالي صوران. إذا وقف الإنسان في الضمنين واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضاً، وبالقرب منها تل يسمى: تل الجابية
…
وفي هذا الموضع خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطبته المشهورة. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 2/ 91.
الأجناد أن يوافوه بها، وكتب صلح بيت المقدس وهو بالجابية ثم سار إلى بيت المقدس
(1)
.
وكان لون بعيره أورق
(2)
كما جاء ذلك في رواية
(3)
، وروي أنه كان أحمر اللون
(4)
.
وكان رضي الله عنه يعتني بدابته، وينظفها، قال ربيعة بن عبد الله ابن الهدير
(5)
:
(1)
انظر: ابن كثير/ البداية والنهاية 7/ 56 - 61، أحمد عادل كمال/ الطريق إلى دمشق ص: 525 - 528.
(2)
الأَوْرَق من الإبل: ما في لونه بياض إلى سواد، الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 3/ 298.
(3)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 41، 42، وفي سنده موسى بن مروان الرقي قال ابن حجر: مقبول. تق 553، وفيه عبدالله بن مسلم بن هرمز المكي، ضعيف تق 323، وأبو الغالية الدمشقي لم أجد له ترجمة. فالأثر ضعيف.
(4)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 42، وفيه شيخ ابن شبه عبيد بن قتادة لم أجد له ترجمة، ولعله عبيد بن جناد ذكره ابن حبان في الثقات 8/ 432، وفيه عطاء ابن مسلم الخفاف، صدوق يخطئ كثيراً. تق 203، وروايته عن عمر مرسلة، فالأثر ضعيف، وهو مما يتساهل فيه.
(5)
ربيعة بن عبدالله بن الهدير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث التيمي ولد في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم وله رواية عن أبي بكر وعمر وغيرهما. وهو معدود في كبار التابعين. ابن حجر/ الإصابة 1/ 523، 524.
رأيت عمر بن الخطاب يقرد
(1)
بعيراً له في طين بالسقيا
(2)
وهو محرم
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه ركب الحمار
(4)
.
ولما قدم رضي الله عنه الشام قدم إليه
(1)
يقرد: قَرد بعيره، نزع عنه القِرْدان وهي دويبة تعض الإبل. ابن منظور/ لسان العرب 11/ 94.
(2)
السُقْيَا: كانت تعرف بسقيا مزينة، وهي المرحلة الثامنة من مكة عن طريق مستورة، وقد ظهرت اليوم شبه ميتة، وبها مركز حكومي يتبع إمارة الفرع. عاتق البلادي/ على طريق الهجرة ص 81، 82.
(3)
رواه مالك/ الموطأ 1/ 468، الشافعي/ المسند ص 365، صحيح من طريق مالك.
قال: عن يحيى بن سعيد عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر يقرد
…
الأثر.
(4)
رواه الأطرابلسي/ فضائل الصحابة ص 103، الطبراني/ المعجم الكبير 5/ 192، مجمع البحرين 6/ 235، 236، ومداره على عبد الأعلى بن أبي المساور الزهري مولاهم، وهو متروك وكذبه ابن معين. تق 332، فالأثر ضعيف جداً، ولكن هذا لا يمنع أن يكون عمر رضي الله عنه ركب الحمار لاسيما وقد ركبه النبي صلى الله عليه وسلم وخيار الصحابة رضي الله عنهم.
برذوناً
(1)
ليركبه، فركبه رضي الله عنه فهزه وتمايل به، فنزل رضي الله عنه وقال: قبح الله من علمك ما أرى
(2)
.
8 - سلاحه رضي الله عنه
كان لعمر رضي الله عنه سيف محلى، وكان ابنه عبد الله رضي الله عنه يحمله بعد مقتل أبيه
(3)
.
وروي أن النجاشي
(4)
أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حربات، فوهب منها
(1)
البرذون: البراذين من الخيل ما كان من غير نتاج العرب. ابن منظور/ لسان العرب 1/ 370.
(2)
رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص 206، 207، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 10، أحمد/ الزهد ص 150، الخلال/ السنة ص 318، وسنده عند أحمد متصل ورجاله ثقات.
قال: حدّثنا أبو معاوية حدّثنا أبو إسحاق الشيباني عن بشير بن عمر قال: لما قدم عمر
…
الأثر. فالأثر صحيح. وبشير بن عمرو الصواب في اسمه يسير بن عمرو المحاربي أبو الخيار، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية. تق 607.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 5/ 296، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 197، الطحاوي/ مشكل الآثار 2/ 167، البيهقي/ السنن الكبرى 4/ 143، 144، صحح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا وكيع، قال: حدّثنا ابن مغول عن نافع، قال: كان سيف عمر محلى، فقلت له: عمر حلاه قال: قد رأيت ابن عمر يتقلده.
(4)
أصحمة النجاشي ملك الحبشة أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي ببلاده قبل فتح مكة وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكبر عليه أربعاً. ابن الأثير/أسد الغابة 1/ 99.
حربة
(1)
لعمر رضي الله عنه، ثم صارت لأهله
(2)
.
(1)
الحَربة: رُمحٌ صغير. ابن القيم/ الفروسية ص 152.
(2)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 1/ 137، وفي إسناده عبدالعزيز بن عمران بن عبدالعزيز، وهو متروك، احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه. تق 358. فالأثر ضعيف جداً.
المبحث الثاني: صفاته الخلقية
المطلب الأول: صفاته الخُلقية الدالة على كمال دينه وإيمانه وفيه خمسة مسائل.
المطلب الثاني: صفات عمر الخُلقية الدالة على عزمه وقوة إرادته وكمال شخصيته.
المطلب الثالث: صفاته الخلقية الدالة على سماحته ولين جانبه
المبحث الثاني: صفاته الخلقية
وفيه ثلاث مطالب
المطلب الأول: صفاته الخُلقية الدالة على كمال دينه وإيمانه وفيه خمسة مسائل.
المسألة الأولى: شدته في الدين وغيرته على محارم الله.
من صفات عمر رضي الله عنه التي اشتهر بها الشدة في الدين، والصرامة في الحق، وشدة الغيرة على محارم الله عز وجل، ومواقفه الدالة على ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وفي خلافته كثيرة، وسيأتي إن شاء الله ذكر الكثير منها وأشير هنا إلى بعض تلك المواقف.
فمن ذلك أن عمر رضي الله عنه أتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والحبشة يلعبون فيه بحرابهم
(1)
، فأهوى رضي الله عنه إلى الحصى، فحصبهم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:"دعهم يا عمر"، وكانت عائشة رضي الله عنها تنظر إليهم والنبي صلى الله عليه وسلم يسترها
(2)
.
(1)
الحراب: جمع حربة، تقدم الكلام عليها في ص (149).
(2)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 176، 2/ 153، 154، مسلم / الصحيح 6/ 186، 187، النسائي / السنن 3/ 196، وغيرهم.
وكان صلى الله عليه وسلم في جنازة ومعه عمر رضي الله عنه، فرأى عمر امرأة فصاح بها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعها يا عمر، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب"
(1)
.
(1)
رواه الطيالسي / المسند ص 339، 351، عبد الرزاق / المصنف 3/ 553، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 482، أحمد / المسند 1/ 335، ابن شبه / تاريخ المدينة 1/ 103، النسائي / السنن 4/ 19، ابن المنذر / الأوسط 5/ 388، ابن حبان / الصحيح 5/ 62، 63، البيهقي / السنن الكبرى 4/ 70، 71، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا وكيع عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان وعن محمّد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة
…
الحديث.
وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجنازة يبكى عليها ومعه عمر بن الخطاب، فانتهر عمر اللائي يبكين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"دعهن يا ابن الخطاب، فإن النفس مصابة، والعين دامعة"، وفي إسناده عند أحمد علي بن زيد بن جدعان ضعيف. تق 401، ويوسف بن مهران، لين الحديث. تق 612، وفيه عند عبد الرزاق والنسائي سلمة بن الأزرق، مقبول تق 246، وبقية رجاله ثقات، وفيه عند الطيالسي قيس بن الربيع، صدوق تغير حفظه لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به. تق 457، وبقية رجاله ثقات، فالأثر بهذا اللفظ يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
وقال الأسود
(1)
بن سريع رضي الله عنه: كنت أنشده يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أعرف أصحابه، حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب، أصلع، فقيل لي: اسكت، فقلت: واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فقيل: إنه عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي، فيسحبني إلى البقيع
(2)
.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن مثل عمر مثل نوح عليه السلام، كان أشد في الله من الحجر"
(3)
.
(1)
الأسود بن سَريع بن حمير بن عبادة بن النزال بن مرة السعدي التميمي غزا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا عبد الله نزل. وكان قاصاً محسناً. هو أوّل من قص في مسجد البصرة. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/ 181، 182.
(2)
تقدم الكلام على هذا الأثر في ص (94). وهو أثر حسن.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 410، ابن أبي عاصم / السنة ص 604، أبو نعيم / حلية الأولياء 4/ 304، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، ولكن محمد بن علي بن أبي طالب لم تذكر له رواية عن عمر رضي الله عنه، وذكر المزي أنه دخل على عمر، وكان مولده في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقيل في خلافة عمر رضي الله عنه، تهذيب الكمال 26/ 147، وفيه عند أبي عاصم وأبي نعيم رباح بن أبي معروف، صدوق له أوهام. تق 205، وسعيد بن أبي عجلان، قال الأزدي: فيه نظر، وقال ابن حبان: يخطئ ويخالف. ميزان الاعتدال 2/ 151، الثقات 6/ 360، وعند ابن أبي عاصم، وأبي نعيم، زيادة وهي قوله صلى الله عليه وسلم:"ومثلك يا عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالبأس"، فالحديث حسن لغيره بطريقيه إن شاء الله، وأما زيادة ابن أبي عاصم فهي ضعيفة.
ومن النصوص التي فيها دلالة على شدة غيرة عمر رضي الله عنه على محارم الله عز وجل قوله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته، فوليت مدبراً"، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله
(1)
؟!
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "عمر غيور وأنا أغير منه، والله أغير منا"
(2)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 216، 217، 3/ 265، 4/ 215، 216، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 163، 164، الترمذي / السنن 5/ 282، 283 وغيرهم.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/ 409، الطبراني / مجمع البحرين 5/ 205، وسنده عند عبد الرزاق رجاله ثقات، ورواية طاووس بن كيسان عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلة، وفيه عند الطبراني المقدام بن داود بن عيسى الرعيني ضعفه النسائي والدراقطني، وقال سلمة بن القاسم: رواياته لا بأس بها، ابن أبي حاتم /الجرح 8/ 303، الذهبي / ميزان الاعتدال 4/ 175، ابن حجر / لسان الميزان 6/ 84، وفيه عبد الرحمن بن أشرس الأفريقي، قال ابن حجر: مجهول الحال، وقال ابن الجنيد: ليس به بأس، وضعفه الدارقطني 3/ 405، وفيه عبد الله بن عمر العمري، ضعيف. تق 314، فالأثر ضعيف، ومعناه صحيح.
وروي عن عمر رضي الله عنه قوله: لقد لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد ولقد اشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر
(1)
.
المسألة الثانية: قبول عمر رضي الله عنه للحق وسرعة رجوعه إليه.
ومن صفاته رضي الله عنه الخُلقية والدالة على كمال دينه وإيمانه رجوعه للحق إذا تبين له، وإذا ذكر بالله عز وجل على الرغم من شدته رضي الله عنه وصلابته حيث إن تلك الشدة لم تكن إصراراً على الخطأ وتعصباً للرأي، وإنما كانت شدة وصلابة في التمسك بالحق والدفاع عنه.
ومن أمثلة ذلك موقفه رضي الله عنه من عيينة بن حصن الفزاري
(2)
حينما قدم عليه ونزل على ابن أخيه الحر بن قيس
(3)
، وكان الحر من النفر
(1)
رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 50، 51، وفي إسناده أبو حامد بن جبلة، شيح أبي نعيم لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وفيه انقطاع فإن رواية عامر بن شراحبيل الشعبي، وهو ثقة من الثالثة عن عمر رضي الله عنه منقطعة، فالأثر ضعيف، ومعناه تؤيده مواقف عمر رضي الله عنه في حياته.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 251.
(3)
الحر بن قيس بن حصن بن حذيفة الفزاري هو أحد الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من تبوك. ابن الأثير / أسد الغابة 1/ 393، 394.
الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه الحر: يابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه، فأذن له عمر، فلما دخل عيينة على عمر قال: هي يابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
(1)
. وإن هذا من الجاهلين، قال ابن عباس رضي الله عنه: فوالله ما جاوزهما عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله
(2)
.
وفي الأثر السابق دلالة أيضاً على تحلي عمر رضي الله بصفة الحلم.
ومن المواقف الدالة على قبول عمر رضي الله عنه الحق ورجوعه إليه، موقفه مع جرير
(3)
بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، فقد كان عمر رضي الله عنه ومعه نفر من أصحابه فيهم جرير بن عبد الله رضي الله عنهم في بيت، فوجد عمر رضي الله عنه ريحاً، فقال: عزمت على صاحب هذه
(1)
سورة الأعراف، الآية:(199).
(2)
رواه البخاري / الصحيح 3/ 131.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 239.
الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أويتوضأ القوم جميعاً، فقال عمر: رحمك الله، نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام
(1)
.
وروي أن عمر ذكر بني تميم
(2)
فذمهم، فقام الأحنف
(3)
فقال: يا أمير المؤمنين إئذن لي فأتكلم، قال: تكلم، قال: إنك ذكرت بني تميم
(1)
رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 442/ب، ابن سعد / الطبقات / الرابعة 2/ 738، البلاذري / أنساب الأشراف ص 219، ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 189، الطبراني / المعجم الكبير 2/ 292، وسنده عند ابن سعد وابن أبي الدنيا رجاله ثقات، ولكن فيه مغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة ولكنه مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه عند البلاذري عاصم ابن أبي النجود، صدوق له أوهام، وشيخ عاصم مبهم، حيث قال عن رجل من أصحابه عن عمر وبقية رجاله ثقات، وفيه عند مسدد والطبراني مجالد بن سعيد ضعيف. تق 520، وبقية رجاله ثقات، فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
(2)
بنو تميم بن مُرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/ 126.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 270.
فعممتهم بالذم، وإنما هم من الناس، فمنهم الصالح والطالح، فقال عمر: صدقت، فعفا بقول حسن
(1)
.
المسألة الثالثة: حبه للذكر وسماع الموعظة.
ومن صفاته رضي الله عنه الدالة على كمال دينه، حبه لذكر الله عز وجل وسماعه لموعظة الواعظين، فإن ذلك يرقق القلب، ويزيد اليقين، فكان رضي الله عنه يجمع أصحابه ويقول لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: شوقنا إلى ربنا، فيقرأ أبو موسى رضي الله عنه من القرآن ما شاء الله
(2)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 7/ 94، ورجاله ثقات ولكن رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه منقطعة، فالأثر ضعيف، ولكن العلماء أثنوا على مراسيل ابن سيرين، انظر: العلائي / جامع التحصيل ص 89، 90.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 4/ 109 بطرق متعددة، أحمد / الزهد ص 148، الدارمي: السنن 2/ 472، 473، الطحاوي / مشكل الآثار 2/ 161، ابن حبان / الصحيح 9/ 163، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 231.
ورجال إسناده عن ابن سعد ثقات. قال: أخبرنا عثمان بن عمر، قال: حدّثنا يونس عن الزهري عن أبي سلمة أن عمر
…
الأثر. ولكنه منقطع من رواية أبي سلمة بن عبد الرحن بن عوف وهو ثقة من الثالثة تق: 645. ولم يدرك عمر رضي الله عنه. انظر: هامش جامع التحصيل ص: 213.
ومن طريق أبي سلمة رواه الدارمي. قال: أخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن، قال: حدّثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة.
ورواه ابن سعد من طريق آخر رجاله ثقات ولكنه منقطع أيضاً من رواية أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة وهوثقة من الثالثة تق: 546. ولم تذكر له رواية عن عمر رضي الله عنه. ورواه الطحاوي وأحمد من طريق أبي نضرة.
فالأثر يرتقي بطريقه ابن سعد إلى درجة الحسن لغيره.
وكان رضي الله عنه يقول لكعب الأحبار
(1)
: خوفنا يا كعب، فيقول كعب: يا أمير المؤمنين، أليس فيكم كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحكمة؟!
فيقول عمر: بلى، ولكن خوفنا، فيجعل كعب يذكر عمر أهوال القيامة، وعذاب النار، ويصغي له عمر رضي الله عنه، وهو مطرقٌ رأسه متأملٌ ما يقوله كعب، ثم يقول: زدنا
(2)
.
(1)
كعب الأحبار: هو كعب بن ماتع الحميري، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم في خلافة أبي بكر أو عمر، والراجح أن إسلامه كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ابن حجر / الإصابة 3/ 315.
(2)
رواه عبد الله بن المبارك /الزهد ص 75، 76، عبد الرزاق / التفسير 1/ 363، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 54، أحمد /الزهد ص 151، المروزي / تعظيم قدر الصلاة 1/ 302، أبو نعيم / حلية الأولياء 5/ 368، 369، 371، ابن الجوزي / القصاص والمذكرين ص 194، 195، وسنده عند ابن المبارك رجاله ثقات،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولكن شريح بن عبيد الحضرمي وهو ثقة من الثالثة. تق 265 روايته عن عمر منقطعة، وإسناده عند عبد الرزاق وأحمد وأبي نعيم وابن الجوزي متصل ورجاله ثقات سوى علي بن زيد بن جدعان، قال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره، وقال يعقوب بن أبي شيبة: ثقة صالح الحديث، وإلى اللين ما هو، وقال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين، وقال الذهبي: أحد الحفاظ وليس بالثبت، وقال ابن حجر: ضعيف. المزي / تهذيب الكمال 20/ 434، الذهبي / الكاشف 2/ 40. تق 140.
وإسناده عند ابن ابي شيبة رجاله ثقات وفيه انقطاع لأن عمرو بن قيس الملائي وهو ثقة من السادسة روايته عن عمر منقطعة، وإسناده عند المروزي متصل ورجاله ثقات، سوى أبي خالد الدلاني، فهو صدوق يخطئ كثيراً تق 636، وفي لفظه اختلاف حيث فيه أن ابن مسعود ذكر الجنة ونعيمها عند عمر رضي الله عنهما فقال عمر لكعب: يا كعب إن القلوب قد استرخت فاقبضها، فذكر كعب جهنم وعذابها.
ورواه أبو نعيم من طريق آخر وفي إسناده محمّد بن شبل لم أجد له ترجمة. وفيه محمّد بن عمرو بن علقمة بن قصاص الليثي صدوق له أوهام تق: 499. وبقية رجاله ثقات وسنده متصل.
فما في الأثر من طلب عمر من كعب من وعظه وذكر كعب لعذاب النار يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يأخذ بيد الرجل أو الرجلين من أصحابه فيقول: قم بنا نزداد إيماناً
(1)
.
المسألة الرابعة: خشيته لله عز وجل.
كان عمر رضي الله عنه شديد الخشية لله دائم الخوف والوجل من لقائه شديد المحاسبة لنفسه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: خرجت مع عمر بن الخطاب حتى دخل حائطاً
(2)
، فسمعته يقول وبيني وبينه الجدار، وهو في جوف الحائط: أعمر أمير المؤمنين بخٍ بخٍ
(3)
، والله يا بُنَيَّ الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك
(4)
.
(1)
رواه أبو بكر بن أبي شيبة / الإيمان ص 36، البيهقي / شعب الإيمان 1/ 181 - 182، وإسناد ابن أبي شيبة رجاله ثقات سوى محمد بن طلحة بن مصرف، صدوق له أوهام، وفيه انقطاع ذر ابن عبد الله المرهبي، ثقة من السادسة. تق 203، روايته عن عمر معضلة، ورواه البيهقي من طريق محمّد بن طلحة. فالأثر ضعيف.
(2)
الحائط: الجدار لأنه يحوط ما فيه، والحائط البستان من النخيل إذا كان عليه حائط. ابن منظور / لسان العرب 3/ 395.
(3)
بخٍ بخٍ: معناها تعظيم الأمر وتفخيمه. المصدر السابق 1/ 329.
(4)
رواه مالك / الموطأ 2/ 170، ابن سعد / الطبقات 3/ 292، أحمد / الزهد ص 144، البلاذري / أنساب الأشراف ص 230، ابن أبي الدنيا / محاسبة النفس ص 30، 31، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 216، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 214، صحيح من طريق مالك. قال: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك.
وقال عبد الله بن عمر لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(1)
رضي الله عنهم: هل تدري ما قال أبي لأبيك؟ قال: لا، قال: فإن أبي قال لأبيك: يا أبا موسى، هل يسرك إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهجرتنا معه وجهادنا معه، وعملنا كله معه بَرَد
(2)
لنا، وان كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافاً
(3)
رأساً برأس؟ قال: لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلينا وصمنا، وعملنا خيراً كثيراً، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجوا ذلك، قال عبد الله: فقال أبي: لكني أنا والذي نفسي بيده، لوددت أن ذلك برد لنا، وأن كل شيء عملناه بعد نجونا منه كفافاً رأساً برأس.
(1)
أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل اسمه عامر، وقيل الحارث، ثقة من الثالثة، مات سنة أربع ومائة، وقيل غير ذلك، جاز الثمانين. تق 621.
(2)
بَرَدَ لنا: أي ثبت لنا. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 115.
(3)
كفافاً: الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقد الحاجة إليه. المصدر السابق 4/ 191.
قال أبو بردة: قلت: إن أباك والله خير من أبي
(1)
.
ولما حضرت الوفاة عمر رضي الله عنه أثنى عليه الناس في إمارته وخلافته، فقال: بالإمارة تغبطوني؟! فوالله لوددت أني أنجو كفافاً لا علي ولا لي
(2)
.
ودخل عليه ابن عباس رضي الله عنهما لما طعن، فقال: يا أمير المؤمنين، أبشر بالجنة، أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً، فقال عمر رضي الله عنه: أعد علي، فأعاد عليه، فقال عمر: والذي لا إله غيره، لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطَّلع
(3)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 335، 336.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 351، الحميدي / المسند 1/ 17 - 19، ابن أبي عمر / المسند/ المطالب العالية لابن حجر 504/أ، صحح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا معن بن عيسى، قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أيبه، قال: لما حضرت عمر الوفاة
…
الأثر.
(3)
المُطَّلع: الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت، فشبهه بالمطَّلع الذي يُشرف عليه من موضعٍ عال. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 3/ 123، 133.
رواه الطيالسي / المسند ص 6، 7، ابن سعد / الطبقات 3/ 351، 352، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 100، أحمد / الزهد ص 154، البلاذري / أنساب الأشراف ص 358 - 365 - 364 - 367، الحاكم / المستدرك 3/ 92، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 52، 3/ 354، 355، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 4/ 227، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو خالد الأحمر عن داود عن عامر عن ابن عباس، قال: دخلت
…
الأثر.
وقال رضي الله عنه لابنه عبد الله، وكان رأسه في حجره لما طعن: ضع خدي بالأرض، فقال عبد الله: فخذي والأرض سواء، فقال: ضع خدي على الأرض لا أم لك
(1)
في الثانية والثالثة، ثم شبك بين رجليه، وقال: ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي
(2)
.
(1)
لا أم لك: ذم وسب أي أنت لقيط لا تعرف لك أم، وقيل قد يقع بمعنى التعجب منه وفيه بعد. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 68. وهذا من السب والدعاء الذي لا يراد معناه كقولهم: تربت يداك.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 360، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 374، صحيح.
قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي، قال: أخبرنا مالك بن أنس، قال: وأخبرنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حماد بن زيد جميعاً عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه عثمان ابن عفان، قال: أنا آخركم عهداً بعمر
…
الأثر.
وجاء في رواية أن عمر قال: وددت أن أمي لم تلدني، رواها ابن المبارك / الزهد ص 79، 80، 147، مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 504/ب، الجعد / المسند 1/ 476، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 98، أحمد / الزهد ص 147، أبو العرب / المحن ص 76، أبو نعيم / حلية الألياء 1/ 52، ومداره على عاصم بن عبيدالله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ضعيف. تق 285، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه أخذ تبنة من الأرض، وقال: يا ليتني هذه التبنة
(1)
.
وروي أنه قال: يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديداً، ثم أكلوني، فأخرجوني عذرة، ولم أك بشراً
(2)
.
ومن خشية عمر رضي الله عنه حرصه الشديد على أداء فرائض الله عز وجل، والوقوف عند حدوده.
(1)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 79، ابن سعد / الطبقات 3/ 360، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 98، البلاذري / أنساب الأشراف ص 375، البيهقي / شعب الإيمان 3/ 78، 79، ومداره على عاصم بن عبيدالله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ضعيف. تق 285، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه هناد / الزهد 1/ 258، البيهقي / شعب الإيمان 3/ 77، ومداره على جويبر بن سعيد الأزدي، ضعيف جداً. تق 143، وعلى الضحاك بن مزاحم وهو صدوق من الخامسة. تق 280، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
قال المسور
(1)
بن مخرمة رضي الله عنه: دخلت أنا وابن عباس على عمر بعدما طعن، وقد أغمي عليه، فقلنا: لا يتنبه لشيء أفزع له من الصلاة، فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فانتبه، وقال: لا حظ في الإسلام لامرئ ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دماً
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه تأخر يوماً عن صلاة المغرب حتى طلع نجمان، فلما فرغ من صلاته تلك أعتق رقبتين
(3)
.
(1)
المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين سمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة في العاشر من ربيع الآخر. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 455 - 456.
(2)
يثعب: يجري دماً. ابن منظور / لسان العرب 2/ 79.
رواه مالك / الموطأ 1/ 44، عبد الرزاق / المصنف 1/ 150، ابن سعد / الطبقات 3/ 350، 351، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 438، الإيمان ص 34، أحمد / الزهد ص 154، البلاذري / أنساب الأشراف ص 356، 357، ابن المنذر / الأوسط 1/ 166، 167، ابن الأعرابي / المعجم 1/ 415، الدارقطني / السنن 1/ 224، 406، المروزي / تعظيم قدر الصلاة 2/ 892، 897، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 215، صحيح من طريق مالك. قال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر
…
الأثر.
(3)
رواه عبد الله بن المبارك / الزهد ص 187، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 265، وفي إسناده عند ابن المبارك محمد بن عبد الرحمن بن أبي مسلم الأزدي، ذكره ابن أبي حاتم والبخاري ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح 7/ 320، التاريخ الكبير 1/ 151، وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 410، وفيه جده أبو مسلم لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، ورواه ابن عساكر من طريق ابن المبارك.
ومن خشية عمر رضي الله عنه أنه كان إذا غضب ثم ذكر الله عنده هدأ عنه الغضب وذهب كما مر ذلك في قصة دخول عيينة بن حصن عليه
(1)
.
وروي أن أسلم مولى عمر رضي الله عنه قال: صاح عمر يوماً، وعلاني بالدرة، فقلت: أذكرك الله فطرحها
(2)
.
وروي كذلك أن بلال بن رباح رضي الله عنه قال لأسلم: يا أسلم، كيف تجدون عمر؟ فقال: خير الناس إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم، فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب، قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.
(1)
انظره في ص: (313، 314).
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 309، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 255، 256، من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف.
وروي أيضاً أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما رأيت عمر غضب قط، فَذُكِرَ الله عنده أو خُوّف، أو قرأ عنده إنسان آية من قرآن إلا وقف عما كان يريد
(1)
.
ورويت آثار تشير إلى كثرة ذكر عمر رضي الله عنه للموت، فروي عنه أنه قال: ما ترك الموت لذي لب قرة عين
(2)
.
ورُوي أنه كان يتمثل بهذا البيت:
لا يغرنك عشاء ساكن
…
فقد توافى بالمنيات السحر
(3)
(1)
رواه والأثر الذي قبله ابن سعد / الطبقات 3/ 309، البلاذري / أنساب الأشراف ص 255، 256، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 264، ومدارهما على الواقدي.
(2)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 209، وفي إسناده شيخه أبو موسى إسحاق العروي، لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين، وهو ثقة من الثالثة، عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وما ورد في السند أيوب بن محمّد بن سيرين خطأ والصواب: أيوب عن محمّد ابن سيرين. وهو أيوب بن أبي تميمة.
(3)
تقدّم تخريجه في ص: 194.
ومما لا شك فيه أن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا أكثر الخلق ذكراً للموت واستعداداً له.
المسألة الخامسة: رقة قلبه وخشوعه.
وكان عمر رضي الله عنه خاشع القلب، رقيقه، كثير الدمع، سريع البكاء من خشية الله.
قال عبد الله بن شداد بن الهاد
(1)
رضي الله عنه: سمعت نشيج
(2)
عمر وأنا في آخر الصفوف، وهو يقرأ سورة يوسف حين بلغ {قَالَ إنما أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
(3)
.
(1)
عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين. تق 307.
(2)
النشيج: أشد البكاء. ابن منظور / لسان العرب 14/ 137.
(3)
سورة يوسف الآية (86).
رواه عبد الرزاق / المصنف 2/ 111، ابن سعد / الطبقات 6/ 126، يحيى بن معين / التاريخ/ رواية الدوري 2/ 313، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 312، الطبري / تهذيب الآثار/ مسند العباس 1/ 353، 354، البيهقي / السنن الكبرى 2/ 251، صحيح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن محمّد بن سعد بن أبي وقاص سمع عبد الله بن شداد بن الهادي يقول: سمعت نشجَ عمر
…
الأثر.
ومن الآثار المروية في ذلك والدالة على اتصاف عمر رضي الله عنه برقة القلب والخشوع، ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان يعس المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحداً إلا أخرجه، إلا رجلاً قائماً يصلي، فمر بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبي بن كعب، فقال عمر: من هؤلاء؟ قال أبي: نفر من أهلك يا أمير المؤمنين، قال: ما خلفكم بعد الصلاة؟! قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: فجلس معهم، ثم قال لأدناهم إليه: خذ، قال: فدعا فاستقرأهم رجلاً رجلاً يدعون، حتى انتهى إلي وأنا إلى جنبه، فقال: هات، فحصرت
(1)
وأخذني من الرعدة أفكل
(2)
، حتى جعل يجد حس ذلك مني، فقال: ولو أن تقول اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، قال: ثم أخذ عمر يدعو، فما كان في القوم أكثر دمعة، ولا أشد بكاء منه، ثم قال: إيهاً، الآن فتفرقوا
(3)
.
(1)
حصر الرجل: تعب، وقيل حصر: لم يقدر على الكلام، وحصره صدره ضاق. ابن منظور/لسان العرب 3/ 200.
(2)
أَفكل: على وزن أفعل، الرعدة، أفكل إذا أخذته رعدة، فارتعد من برد أو خوف. المصدر السابق 10/ 309.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 294، البلاذري / أنساب الأشراف ص 236، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 263، كلهم من طريق يزيد بن هارون السلمي وهو ثقة، ولكن روايته عن سعيد الجريري بعد اختلاطه. ابن الكيال / الكواكب النيرات ص 189، وفيه عندهم أبو سعيد مولى أبي أسيد، قال ابن حجر في الإصابة: ذكره ابن منده في الصحابة، ولم يذكر ما يدل على صحبته، لكن ثبت أنه أدرك أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فالأثر ضعيف لاختلاط الجريري.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يمر بالآية فتخنقه العبرة
(1)
، فيبكي حتى يسقط ثم يلزم بيته، حتى يعاد، يحسبونه مريضاً
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان في وجهه خطان أسودان من البكاء
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه خرج ليلة يعس بالمدينة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائماً يصلي، فوقف فسمع قراءته يقرأ {وَالطُّورِ} حتى بلغ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ}
(4)
، فقال: قَسَمٌ وربُ
(1)
العَبرة: الدمعة. ابن منظور / لسان العرب 9/ 18.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 95، أحمد / الزهد ص 149، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 51، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 263، ومداره على الحسن البصري روايته عن عمر منقطعة. ورجاله عند ابن أبي شيبة ثقات سوى جعفر الضبي فهو صدوق. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه أحمد / الزهد ص 150، الفاكهي / أخبار مكة 2/ 319، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 51، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 262، ومداره على عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة من السادسة. تق 317، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(4)
سورة الطور الآية (7، 8).
الكعبة حقٌ، ونزل عن حماره واستند إلى حائط، فلبث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فلبث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه مر بدير راهب فوقف، فنودي الراهب، فقيل له: هذا أمير المؤمنين، قال: فاطلع، فإذا إنسان من الضر، والاجتهاد، وترك الدنيا، فلما رآه عمر بكى، فقيل له: إنه نصراني، فقال عمر: قد علمت، ولكن رحمته ذكرت قول الله:{عَامِلَة نَاصِبَة تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}
(2)
، فرحمت نصبه واجتهاده وهو في النار
(3)
.
(1)
رواه ابن كثير / مسند الفاروق 1/ 607 نقلاً عن ابن أبي الدنيا، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 262، ابن قدامة / الرقة ص 81، ومداره على صالح بن بشير المري، قال ابن المديني وابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف الحديث، وقال مرة: متروك الحديث. المزي / تهذيب الكمال 13/ 16 - 18، وقال ابن حجر: ضعيف. تق 271، فالأثر ضعيف جداً.
(2)
سورة الغاشية الآية (3، 4).
(3)
رواه عبد الرزاق / التفسير 2/ 368، الحاكم / المتسدرك 2/ 521، 522، ابن كثير / مسند الفاروق 2/ 620، 621، ومداره على عبد الملك بن حبيب الأزدي، أبو عمران الجوني، وهو ثقة من الرابعة. تق 362، روايته عن عمر منقطعة، وقال الذهبي في تعليقه على الحاكم: الجوني لم يدرك عمر، فالأثر ضعيف.
ومن ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر الأسود، فاستلمه ثم وضع شفتيه يبكي طويلاً، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي، فقال:"يا عمر ههنا تسكب العبرات"
(1)
.
المسألة السادسة: ورعه.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على كمال دينه وورعه وشدة تحرزه في دينه وتركه الشبهات استبراءاً لدينه وعرضه، ومن أخباره رضي الله عنه الدالة على ذلك:
أنه رضي الله عنه كان له ناقة يحلبها ويشرب لبنها، فأتى له غلامه يوماً بلبن أنكره، فقال عمر رضي الله عنه: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها، فشربها، فحلبت لك ناقة من مال الله، فقال عمر رضي الله عنه: ويحك، تسقني ناراً
(2)
.
(1)
العَبرات: جمع عبرة وهي الدمعة. ابن منظور / لسان العرب 9/ 18.
رواه عبد بن حميد / المنتخب من المسند ص 245، الفاكهي / أخبار مكة 1/ 114، 115، ابن ماجه / السنن 2/ 982، البيهقي / شعب الإيمان 7/ 602، 603، ومداره على محمد بن عون الخراساني وهو متروك. تق 500. فالأثر ضعيف جداً.
(2)
رواه ابن زنجويه / الأموال 2/ 602، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/ 268. وفي إسناده عند ابن زنجويه أبو قيس مالك بن الحكم لم أجد له ترجمة، ولعله مالك ابن أبي مريم الحكمي. ذكر في تلاميذ عبد الرحمن بن غنم وهو هنا يروي عنه. انظر: تهذيب الكمال 17/ 338 - 340.
ومالك بن أبي مريم الحكمي مقبول من الخامسة ق: 518.
وعبد الرحمن بن غنم الأشعري مختلف في صحبته. وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين تق: 348. وهو هنا يروي عن عمر رضي الله عنه حديثاً قال: نزلت على عمر رضي الله عنه فكانت لعمر ناقة
…
الأثر.
وإسناده عند ابن شبه متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وفيه ابن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرها ويروي عنه هنا عبد الله بن وهب، فالأثر حسن.
وروي أن عمر رضي الله عنه شرب لبناً فأعجبه، فسأل الذي سقاه من أين لك هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سَماه، فإذا نعم من نعم الصدقة، وهم يسقون، فجعلوا لي من ألبانها، فجعلته في سقائي هذا، فأدخل عمر رضي الله عنه إصبعه في فيه واستقاء
(1)
.
(1)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 7/ 14، شعب الإيمان / زغلول 5/ 60، وفي إسناده أبو بكر محمد بن جعفر المزكي لم أجد له ترجمة، ويحيى بن بكير، ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك، وهو هنا يروي عنه وفيه زيد بن أسلم، ثقة من الثالثة. تق 222، روايته عن عمر منطقعة، فالأثر ضعيف.
وروي أن عوف بن مالك الأشجعي
(1)
رضي الله عنه قال: كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل
(2)
، فصحبت أبا بكر وعمر، فمررت بقوم على جزور قد نحروها، وهم لا يقدورن على أن يعضوها
(3)
، وكنت امرأً لبقاً
(4)
جازراً، فقلت: أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم؟ قالوا: نعم، فأخذت الشفرتين، فجزأتهما مكاني، وأخذت منها جزءاً، فحملته إلى أصحابي، فأطبخناه، فأكلناه، فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: أنى لك هذا اللحم يا عوف؟ فأخبرتهما خبره، فقالا: والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيآن ما في بطنيهما من ذلك
(5)
.
(1)
عوف بن مالك الأشجعي أبو عبد الرحمن، صحابي جليل أول مشاهده خيبر، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 298.
(2)
ذات السلاسل: اسم مكان من أرض بني عذرة أو بني جذام، وديار بني عذرة من وادي القرى (وادي العلا) إلى تبوك إلى تيماء، وتقرب من خيبر شمالاً، وديار جذام كانت بين تبوك والبحر، عاتق البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص:159.
(3)
يعضّوها: عضّيت الذبيحة: جعلتها أعضاءً. الفيومي / المصباح المنير 158.
(4)
اللبق واللبيق: الحاذق في عمله. المصدر السابق ص 208.
(5)
رواه ابن إسحاق / السير النبوية لابن هشام 4/ 362. قال: أخبرني يزيد بن أبي حبيب أنه حدّث عن عوف بن مالك. البيهقي / دلائل النبوة 4/ 404، 405، ومداره على يزيد بن أبي حبيب وهو ثقة من الخامسة، روايته عن عوف الأشجعي معضلة وبقية رجاله عند ابن إسحاق ثقات، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر وعثمان رضي الله عنهما دعيا إلى طعام فلما خرجا، قال عمر لعثمان: لقد شهدت طعاماً، وددت أني لم أشهده، فقال عثمان: وما ذاك؟ قال عمر: خشيت أن يكون جعل مباهاة
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام
(2)
.
(1)
رواه عبد الله بن المبارك /الزهد ص 66، 67، أحمد / الزهد ص 157، ومداره على حميد بن نعيم بن عبد الله كاتب عمر بن عبد العزيز، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/ 230، وقال ابن حجر: مقبول من السادسة، وأورده باسم نعيم بن عبد الله القيني. تق 565، وروايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 152، ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 449، البلاذري / أنساب الأشراف ص 201، 202، 254، ومداره على عيسى بن المغيرة التميمي الحزامي مقبول من السادسة. تق 441، وفيه انقطاع بين عامر الشعبي وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
وروي أن المسور بن مخرمة
(1)
رضي الله عنهما قال: كنا نلزم عمر نتعلم منه الورع
(2)
.
ففي هذه الآثار دلالة على تخلق عمر رضي الله عنه بهذه الصفة الجليلة ومما لا مراء فيه أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم هم أكثر هذه الأمة ورعاً وتقوى لله، وبالأخص صاحبي النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 324.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 290، الطبقة الخامسة ص 156، البلاذري / أنساب الأشراف ص 226، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 245، ومداره على الواقدي، فالأثر ضعيف.
المطلب الثاني: صفات عمر الخُلقية الدالة على عزمه وقوة إرادته وكمال شخصيته.
وفيه خمسة مسائل:
المسألة الأولى: زهده.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على عزمه وقوة إرادته إضافة إلى قوة دينه وإيمانه الزهد في الدنيا وزينتها، والرغبة فيما عند الله، وقد تقدم ذكر شيء من ذلك عند الكلام على طعام عمر رضي الله عنه وشرابه ولباسه.
ومن الآثار الدالة على زهده في الدنيا ما ذكره رضي الله عنه عن نفسه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذه فتموله
(1)
، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك"
(2)
.
(1)
تموله: اجعله لك مالاً. ابن منظور / لسان العرب 13/ 224.
(2)
لا تتبعه نفسك: أي إن لم يجيء إليك فلا تطلبه بل اتركه. ابن حجر / فتح الباري 13/ 152.
رواه البخاري / الصحيح 1/ 257، 4/ 238، مسلم / الصحيح /شرح النووي 7/ 134 - 137، النسائي / السنن 5/ 102، 105، وغيرهم.
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه والدالة بمجموعها على اتصاف عمر رضي الله عنه بهذه الصفة ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان ذات يوم في إبل الصدقة، يمرن أخفافها
(1)
، فجاع، فاشتد عليه الجوع والحر، فدخل منزله، فقال: هل عندكم من شيء فآكله؟ قالوا: نعم، قباع
(2)
من تمر، فأتوه به، فأكل منه، ثم شرب ماء، ومسح بطنه وقال: ويل لمن أدخله بطنه النار، إنما يكفي الرجل ما يسد جوعته
(3)
.
وروي أن عبد الله بن عامر بن ربيعة
(4)
قال: كنت أفطر مع عثمان بن عفان رضي الله عنه في شهر رمضان، فكان يأتينا بطعام
(1)
يَمّرَن أخفافها: أي يدهن أسفل خفها بالودك. ابن منظور / لسان العرب 13/ 87.
(2)
قُبَاع: مكيال واسع كبير. ابن منظور / لسان العرب 11/ 17.
(3)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 209، وفي سنده محمد بن حاتم بن ميمون المروزي، صدوق ربما وهم. تق 472، وبقية رجاله ثقات، وفيه إنقطاع فإن رواية محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة من الثالثة. تق 479، عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(4)
عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي، حليف بني عدي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولأبيه صحبة مشهورة، ووثقه العجلي. تق 309.
هو ألين من طعام عمر رضي الله عنه قد رأيت على مائدة عثمان الدرمك الجيد
(1)
، وصغار الضأن كل ليلة، وما رأيت عمر قط أكل من الدقيق منخولاً، ولا أكل من الغنم إلا مسانها، فقلت لعثمان في ذلك، فقال: يرحم الله عمراً، ومن يطيق ما كان يطيق عمر
(2)
.
ومن ذلك ما روي في قصة قدوم عمر رضي الله عنه الجابية
(3)
على جمل أورق
(4)
تلوح صلعته لا حقبة
(5)
ولا خشبة تصطفق رجلاه، ليس له ركاب
(6)
، وطاؤه فروة كبش ذات صوف، وهي فراشه إذا نزل،
(1)
الدَرمك: الدقيق الحواري وهو الذي ينخل مرة بعد مرة. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 458، 2/ 114.
(2)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 681، من طريق الواقدي وفيه أيضاً ابو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، وهو متهم بالوضع، فالأثر ضعيف جداً.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: (302).
(4)
تقدم شرحها في ص: (303).
(5)
حَقبة: الحقيبة تكون على عجز البعير، تحت حقوي القتب، والحقب: حبل تشد به الحقيبة. ابن منظور / لسان العرب 3/ 252، 253.
(6)
الرِكاب للسرج كالغرز للرحل. المصدر السابق 5/ 295.
وحقيبة نمرة
(1)
أو شملة
(2)
محشوة ليفاً هي وسادته إذا نزل، وحقيبته إذا ركب
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام لقيه العجم من أهل الشام، فقالوا: أين أمير المؤمنين، فقالوا: قدامكم حتى جاوزوه، فسألوا: فقيل هذا أمير المؤمنين، فرجعوا فنظروا إليه في رجل أو اثنين، أو ما شاء الله، فقالوا: هذه والله الرهبانية لا رهبانيتكم
(4)
.
(1)
نمرة، النمِرةُ: شملة فيها خطوط بيض وسود، وهي أيضاً: بردة من صوف يلبسها الأعراب. المصدر السابق 14/ 290.
(2)
الشَّملة: كساء يتغطى به، ويتلفف به، المصدر السابق 7/ 202، 203.
(3)
رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/ 42، ابن قدامة / الرقة ص 87، وفي إسناده عند ابن شبه عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي، ضعيف. تق 3/ 42. وفيه أبو الغالية الشامي لم أجد له ترجمة. وفي إسناده عند ابن قدامة أبو الحسن محمّد بن عبد الواحد بن جعفر لم أجد له ترجمة. وفيه يحيى بن سعيد بن أبان صدوق يغرب من التاسعة تق:590. وفيه رواه مبهمون حيث قال يحيى بن سعيد بن أبان: وبلغنا في بعض الحديث عمن شهد ذلك قال: قدم عمر الجابية
…
الأثر.
(4)
رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/ 42، وفي إسناده عتاب بن بشر، صدوق يخطئ. تق 380، وفيه سالم بن عجلان الأفطس، ثقة من السادسة. تق 227، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.
ومن ذلك ما روي من أن عمرو بن العاص كتب لعمر رضي الله عنهما: إنا قد اختططنا لك داراً عند المسجد الجامع، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أنّى لرجل بالحجاز تكون له دارٌ بمصر؟! وأمره أن يجعلها سوقاً للمسلمين
(1)
.
ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في زهد عمر رضي الله عنه ما روي من قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيه: والله ما كان بأقدمنا إسلاماً، ولكن قد عرفت بأي شيء فضلنا، كان أزهدنا في الدنيا
(2)
.
(1)
رواه ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 92، وفي إسناده عبد الملك بن مسلمة المصري، قال ابن أبي حاتم: مضطرب الحديث ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي منكر الحديث، الجرح والتعديل 5/ 371، وفيه الحجاج بن راشد الصنعاني، قال ابن حجر: مقبول. تق 153، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 358، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 244. ابن الأثير / أسد الغابة 4/ 60، وإسناده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن عمرو بن علقمة الليثي، صدوق له أوهام. تق 499، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من الثالثة لم تذكر له رواية عن سعد ابن أبي وقاص، ولكن إمكان اللقاء بينهم موجود فإن أبا سلمة ولد سنة بضع وعشرين، وتوفي سنة أربع وتسعين، وتوفي سعد ابن أبي وقاص سنة خمس وخمسين.
وهو عند ابن عساكر وابن الأثير من كلام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وليس من كلام سعد أبي وقاص رضي الله عنه، وفي إسناديهما علي بن عمر ابن محمد الحربي، قال الذهبي: موصوف بالزهد، والعبادة، سير أعلام النبلاء 17/ 609، ولم أر فيه توثيقاً لأحد وفيه أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات.
وروي أن ابن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقول: اين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة، فأخذه بيده، وأقامه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال: عن هؤلاء تسأل
(1)
.
وروي عن عمرو بن العاص أنه قال وهو يذكر خلافة عمر رضي الله عنه: ثم ولي عمر فبعجت له الدنيا عن بطنها، وألقت إليه
…
كبدها، ففرص منها فرصاً وجانب غمرتها، ومشى في ضحضاحها، فخرج والله منها، وما بلت عقبه
(2)
.
(1)
رواه أحمد / الزهد ص 477، هناد / الزهد 1/ 314، ابن الأعرابي / الزهد ص: 41، أبو نعيم/ حلية الألياء 1/ 306، 307، ومداره على عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة من الرابعة. تق 285. وقال في حديثه: بلغني أن ابن عمر سمع رجلاً، والبلاغ منقطع فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/ 310. قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر بن حفص، قال: حدّثني أبي، قال: لما قدم عمرو بن العاص
…
الأثر. وفي إسناده محمد بن حفص بن عائشة، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/ 236، وذكره ابن حبان في الثقات 9/ 62، وهو منقطع بين محمد ابن حفص المذكور وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومما روي في زهده رضي الله عنه أنه رضي الله عنه حج فما ضرب فسطاطاً
(1)
يستظل به حتى رجع
(2)
.
وروي أنه رضي الله عنه أنفق في حجه ستة عشر ديناراً
(3)
فاستكثرها
(4)
.
(1)
الفُسطاط: بيت من الشعر. ابن منظور / لسان العرب 10/ 262.
(2)
رواه الشافعي / المسند ص 365، البلاذري / أنساب الأشراف ص 181، 182، الخلال / السنة ص 318، البيهقي / السنن الكبرى 5/ 70، وسنده عند الشافعي والبيهقي رجاله ثقات ولكن فيه انقطاع بين يحيى بن سعيد الأنصاري وهو ثقة من الخامسة. تق 591، وبين عبد الله بن عياش بن ربيعة، راوي الخبر عن عمر رضي الله عنهما. وهو صحابي جليل روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعن عمر رضي الله عنه. انظر: ابن حجر / الإصابة 2/ 356. وسنده عند البلاذري والخلال رجاله ثقات، ولكن فيه إبهام بشيخ يحيى بن سعيد الأنصاري حيث قال: حدثنا شيخ لنا، فالأثر ضعيف.
(3)
الدينار: نوع من النقود الذهبية زنته عشرين قيراطاً = 4. 25 غرام، معجم لغة الفقهاء ص 212.
(4)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 308، أبو نعيم / حلية الأولياء 6/ 377، وفي سنده عند ابن سعد الواقدي، وإسناده عند أبي نعيم رجاله ثقات ولكنه معضل لأنه من كلام سفيان الثوري رحمه الله وهو ثقة من السابعة. تق 244، فالأثر ضعيف.
وقد رويت عنه رضي الله عنه أقوال في الزهد منها:
ما روي من قوله رضي الله عنه: نظرت في هذا الأمر، فجعلت إذا أردت الدنيا أضررت بالآخرة، وإذا أردت الآخرة أضررت بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية
(1)
.
وروي أنه قال: لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جنبي لله في التراب أو أجالس قوماً يلتقطون طيب الكلام كما يلتقطون طيب التمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله
(2)
.
(1)
رواه أحمد / الزهد ص 155، 156، وفي إسناده شجاع بن الوليد صدوق له أوهام وفيه إعضال لأن خلف بن حوشب، ثقة من السادسة. تق 194، روايته عن عمر معضلة.
(2)
رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/ 309، ابن سعد / الطبقات 3/ 290، ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 214، أحمد / الزهد ص 145، 146، البلاذري / أنساب الأشراف ص 225، وكيع / الزهد 1/ 315، 316، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 267، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، لكن مدار الحديث على يحيى بن جعدة المخزومي، وهو ثقة من الثالثة. تق 588، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه خطب أم أبان بنت عتبة
(1)
، فردته، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج ببأس، قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينيه
(2)
.
المسألة الثانية: صبره.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الصبر، والصبر من الصفات الحميدة التي حض الله تبارك وتعالى عليها في مواضع كثيرة من كتابه ورتب عليها الأجر والثواب العظيم، واتصاف عمر رضي الله عنه بالصبر أمر ثابت وله شواهد أكثر من أن تحصر حيث إن اتصاف عمر رضي الله عنه بالصفات السابقة الذكر كشدة الخشية لله والمراقبة له والورع، والزهد دليل على شدة صبره وعزمه لأن تلك الصفات تستلزم الصبر.
وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال: وجدنا خير عيشنا بالصبر
(3)
.
(1)
وتقدم ذكرها فيمن خطبهن عمر ص: (237).
(2)
تقدم الكلام عليه ص (237).
(3)
رواه عبد الله بن المبارك / الزهد ص 222، 354، أبو مسهر / جزء ص 62، أحمد / الزهد ص 146، البخاري / الصحيح 4/ 124 تعليقاً، وكيع / الزهد 2/ 449، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 50، ومداره على مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند ابن المبارك ثقات، وقال ابن حجر ورواه الحاكم عن مجاهد عن سعيد بن المسيب، فتح الباري 11/ 303، تغليق التعليق 5/ 172، 173، وسماع سعيد بن المسيب من عمر مختلف فيه، وكان له اهتمام كبير بأخبار عمر رضي الله عنه، وقد تقدم ذكر ذلك في ص:92. ولم أقف على رواية الحاكم التي ذكرها ابن حجر.
المسألة الثالثة: هيبته.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته الهيبة، فقد كان رضي الله عنه ذا هيبة عظيمة، يهابه من حوله من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن بقية رعيته.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له
(1)
.
وقال عمرو بن ميمون
(2)
رحمه الله تعالى: شهدت عمر يوم طعن، فما منعني أن أكون في الصف المتقدم إلا هيبته وكان رجلاً مهيباً، فكنت في الصف الذي يليه
(3)
.
(1)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 10/ 85، أبو يعلى / المسند 1/ 176.
(2)
عمرو بن ميمون الأودي أبو عبد الله، ويقال أبو يحيى مخضرم مشهور ثقة عابد، نزل الكوفة، مات سنة أربع وسبعين. تق 427.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 2/ 120، ابن سعد / الطبقات 3/ 340، ابن أبي خيثمة / التاريخ ص 185/ب، الحارث، ابن أبي أسامة / المسند / بغية الباحث عن زوائد الحديث للهيثمي 2/ 622، 623، وإسناده عند عبد الرزاق وابن أبي خيثمة والحارث فيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس من الطبقة الثالثة، ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله ثقات وفيه عند ابن سعد الأعمش، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
وانظر: الأثرين في ص: 202، 219. وفيهما ذكر لهيبة النبيّ صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه وإنما أخّرتهما لصلتهما بالموضوع الذي ذكرا فيه وهو شهادة النبيّ صلى الله عليه وسلم لعمر بالفضل.
المسألة الرابعة: كراهيته المدح والثناء.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته وكمالها كراهيته المدح والثناء.
دخلت عليه ابنته حفصة رضي الله عنهما لما طعن، فجعلت تثني عليه وتقول: يا صاحب رسول الله، ويا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويا أمير المؤمنين وجعلت تثني عليه، فقال عمر رضي الله عنه لابنه عبد الله: أجلسني، فلا صبر لي على ما أسمع، فأسنده إلى صدره، فقال عمر لحفصة رضي الله عنهم: إني أحرج عليك بما لي عليك من الحق أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأما عينيك فلن أملكها
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 361، أحمد بن منيع / المسند / المطالب العالية لابن حجر ل: 504/أ، صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز بن عثمان، قال: أخبرنا حبيب بن عبد الله الرحبي عن المقدام بن معدي كرب.
وروي أن رجلاً أثنى على عمر رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه: تهلكني وتهلك نفسك
(1)
.
وروي أن رجلاً قال لعمر رضي الله عنه: لو قدرت جعلت خدي نعلاً لك، فقال عمر: إذاً يهنك الله
(2)
.
المسألة الخامسة: كرمه.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على كمال شخصيته سماحته وكرمه.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص 280، وفي إسناده الأعمش، وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع وفيه انقطاع الحسن البصري لم يدرك عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص: 281، الطبري / التاريخ 2/ 569، تهذيب الآثار / مسند علي بن أبي طالب ص:112. وفي إسناده عند البلاذري شيخ المدائني مبهم حيث قال: عن رجل، وهو معضل من رواية سفيان الثوري عن عمر. وهو ثقة من السابقة. تق: 244. وفي إسناده عند الطّبري شيخه محمّد بن حميد الرازي، حافظ ضعيف حسن ابن معين الرأي فيه. تق 475، وفيه جابر بن يزيد الجعفي، رافضي ضعيف. تق 137، فالأثر ضعيف.
فقد كان رضي الله عنه سخياً كثير الإنفاق في سبيل الله، وفي وجوه الخير وإكرام رعيته ومواساتهم.
وقد تقدم ذكر شيء من حبه للإنفاق في سبيل الله، حيث كان يتسابق مع الصديق رضي الله عنه في الصدقة، وتصدق بأغلى وأحب مال عنده، وهو أرضه بخيبر
(1)
.
ومن كرمه لأضيافه ومواساته لرعيته ما تقدم ذكره في خبر قدوم عتبة بن فرقد على عمر رضي الله عنه وفيه قال عمر رضي الله عنه: إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما ودكها وأطايبها، فلمن حضرنا من آفاق المسلمين
(2)
.
وفي قصة قدوم رسول سلمة بن قيس الأشجعي بغنائم بعض فتوح فارس ذكر أنه قدم على عمر رضي الله عنه وهو يطعم الناس، وهو متكئ على عصا ويعاونه مولاه يرفأ، وعمر يقول: ضع هنا يا يرفأ، ضعها هنا
(3)
.
(1)
صحيح تقدم تخريجه في ص: 177.
(2)
صحيح تقدم تخريجه في ص: 264.
(3)
صحيح تقدم تخريجه في ص: 226.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجد ولا أجود من عمر رضي الله عنه
(1)
.
المسألة السادسة: شجاعته.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته، شجاعته فقد اتصف عمر رضي الله عنه بصفات خلقية فيها كل معاني القوة والقارئ لسيرته رضي الله عنه وحياته في الجاهلية والإسلام، ومواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم وعدم تخلفه عنه في سلم أو حرب وجرأته على أعداء الله وانتقامه منهم، وما فتح الله على يديه من فتوحات في خلافته ما كانت تحقق لولا عون الله عز وجل وما منحه الله عز وجل لهذا الخليفة الراشد من صفات القوة والحزم والجلادة والصبر والشجاعة والإقدام.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 295، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 356.
المطلب الثالث: صفاته الخُلقية الدالة على سهولته ولين جانبه،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تواضعه.
ومن صفات عمر رضي الله عنه والتي فيها معنى السهولة واللطف ولين الجانب، تواضعه لربه عز وجل وعدم تكبره على رعيته بالرغم مما كان يمتلكه من صفات القوة والهيبة، وما كان تحت ملكه وتصرفه من البلاد التي شملت الجزيرة العربية، وبلاد فارس من أقصاها إلى أدناها، وبلاد الشام ومصر فلم يزده الملك إلا تواضعاً لربه تبارك وتعالى وخوفاً وخشية منه.
قدم الهرمزان المدينة وكان من ملوك فارس، فرأى عمر رضي الله عنه مضطجعاً على الأرض في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمير المؤمنين، وليس حوله خدم ولا حرس ولا حاجب قد أمن رعيته وأمنته، فرأى منظراً عجيباً ملأ قلبه هيبة وإجلالاً، فقال: هذا والله الملك الهني
(1)
، أي ليس
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 293، 5/ 89، البلاذري / أنساب الأشراف من غير إسناد ص: 232، الطبري/ التاريخ 2/ 500 - 502، الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 3/ 85، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 272، وإسناده عند ابن سعد متصل ورجاله ثقات، وتدليس حميد الطويل وهو مدلس من الثالثة عن أنس لا يضر لأن الواسطة فيه معروفة وهي ثابت بن أسلم البناني، أو قتادة بن دعامة وهما ثقتان، انظر: العلائي جامع التحصيل ص 168. ابن حجر / تعريف أهل التقديس ص 86، فالأثر صحيح.
ملوك فارس الذين امتلأت قصورهم بالحرس والخدم وامتلأت قلوبهم خوفاً وقلقاً تخافهم رعيتهم ويخافونهم.
ولما قدم عمر رضي الله عنه بلاد الشام عرضت له في طريقه وهو راكب على بعيره مخاضة فنزل رضي الله عنه عن بعيره، ونزع موقيه فأمسكهما بيده، فخاض الماء، ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: قد صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك في صدره وقال: آوه لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأصغر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله
(1)
.
واستقبله رضي الله عنه الناس بالشام، وهو على بعيره فقالوا له: يا أمير المؤمنين، لو ركبت برذوناً
(2)
حتى يلقاك عظماء الناس ووجوهم،
(1)
صحيح تقدم تخريجه ص: (302).
(2)
البِرذَون: من الخيل ما كان من غير نتاج العرب. ابن منظور / لسان العرب 1/ 370.
فقال عمر: لا أراكم ها هنا إنما الأمر من ها هنا، وأشار بيده إلى السماء، ثم قال: خلوا سبيل جملي
(1)
.
ومن صور تواضعه ما رواه ربيعة بن الهدير أنه رأى عمر رضي الله عنه يقرد بعيراً له وينظفه بالطين وهو محرم
(2)
.
وقال مالك بن ابي عامر الأصبحي
(3)
رحمه الله: رأيت عمر وعثمان إذا قدما من مكة ينزلان بالمعرص
(4)
، فإذا ركبوا، ليدخلوا
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 9، الخلال / السنة ص 317، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 47، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 2، ابن قدامة / الرقه ص 86، صحيح من طريق الخلال. قال: أخبرنا محمّد، قال: ثنا وكيع عن ابن أبي خالد عن قيس، قال: لما قدم عمر
…
الأثر.
(2)
صحيح تقدم تخريجه في ص: 304.
(3)
مالك بن أبي عامر الأصبحي، سمع عمر رضي الله عنه. ثقة من الثالثة. تق 517.
(4)
المعرص: العَرْصَة كل جَوْبه متسعة ليس فيها بناء فهي عرصة، والعرصتان، بالعقيق من نواحي المدينة من أفضل بقاعها، وكان سعيد بن العاص قد ابتنى فيها قصاراً واحتفر فيها بئراً. ياقوت الحموي / معجم البلدان 4/ 101، 102، وانظر: السمهودي / وفاء الوفاء 3/ 10377 - 1042.
المدينة، لم يبق منهم أحدٌ إلا أردف وراءه غلاماً فدخلا على ذلك، فقال له ابنه نافع: هل كانا يفعلان ذلك إرادة التواضع؟
فقال: نعم
(1)
، ثم ذكر ما أحدث الناس من أن يمشوا غلمانهم خلفهم وهم ركبان، ويعيب ذلك عليهم.
وقد رويت أخبار في تواضع عمر رضي الله عنه وفيها ضعف من ذلك:
ما روي في قصة مجيء عمر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه ليستشيره في ميراث الجد، وفيها أن عمر رضي الله عنه استأذن على زيد ورأسه في يد جارية له ترجله، فلما رأى عمر نزع رأسه، فقال له عمر: دعها ترجلك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي جئتك، فقال عمر: إنما الحاجة لي
(2)
.
(1)
رواه البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 6/ 291 وسنده رجاله ثقات سوى حرملة بن يحيى التجيبي، فهو صدوق فالأثر حسن.
قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أحمد بن سهل، نا إبراهيم بن معقل، أنا حرملة، أنا ابن وهب، حدّثني مالك عن عمه عن أبيه أنه رأى عمر وعثمان.
(2)
رواه البخاري / الأدب المفرد ص 442، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 247، وفي إسناديهما يحيى بن أيوب الغافقي، صدوق ربما أخطأ، وفيه سليمان بن زيد بن ثابت، قال ابن حجر: مقبول. تق 251، وذكره ابن حبان في الثقات 4/ 315، وقد حسن الأثر الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 495.
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج يوم الجمعة، فقطر عليه ميزاب العباس، وكان على طريق عمر إلى المسجد، فقلعه عمر رضي الله عنه، فقال له العباس رضي الله عنه: قلعت ميزابي، والله ما وضعه حيث كان إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال عمر: لا جرم
(1)
أن يكون لك سُلم غيري، ولا يضعه إلا أنت بيدك، فحمل عمر العباس على عنقه، فوضع رجليه على منكبي عمر، ثم أعاد الميزاب حيث كان فوضعه موضعه
(2)
.
(1)
لا جرم: لا بد ولا محالة، ثم حولت وصارت بمعنى حقاً. الفيومي / المصباح المنير ص 38.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 4/ 20، 21، أحمد / المسند 1/ 210، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/ 511، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 66، المقدسي / المختارة 8/ 390، 391، وفي إسناده عند ابن سعد والفسوي والبيهقي موسى بن عبيدة الربذي، ضعيف. تق 552، وفيه إعضال يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي صدوق من الخامسة. تق 608، روايته عن عمر منقطعة، وإسناده عند أحمد والمقدسي معضل هشام بن سعد المدني صدوق له أوهام، من السابعة. تق 572، يروي عن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وهو من صغار الصحابة، توفي في خلافة يزيد بن معاوية. فالأثر ضعيف.
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر بعد أن جمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني ومالي من آكال
(1)
يأكله الناس إلا أن لي خالات من بني مخزوم، فكنت أستعذب لهن الماء، فيقبضن لي القبضات من الزبيب، ثم نزل عن المنبر، فقيل له: ما أردت إلى هذا يا أمير المؤمنين؟
قال: إني وجدت من نفسي شيئاً، فأدرت أن أطأطئ منها
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لسلمان الفارسي رضي الله عنه: يا سلمان ما أعلم من أمر الجاهلية شيئاً إلا وضعه الله عنا بالإسلام
(1)
آكال: ما يؤكل وما ذاق أكالاً أي ما يؤكل. ابن منظور / لسان العرب 1/ 171.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 293، البلاذري / أنساب الأشراف ص 232، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 268، وسنده عن ابن سعد والبلاذري فيه أبو عمير الحارث بن عمير وثقه الجمهور وفي أحاديثه مناكير ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما فلعله تغير حفظه في الآخر. تق 147.
وشيخه مبهم، وفيه عند ابن عساكر محمد بن عبد العزيز الدينوري، قال الذهبي: منكر الحديث ضعيف كان ليس بثقة، يأتي ببلايا. ميزان الاعتدال 3/ 629، فالأثر ضعيف.
إلا أنا لا ننكح إليكم، ولا ننكحكم، فهلم فلنزوجك ابنة الخطاب، أفر والله من الكبر
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه كان يشتري اللحم لأهله ويعلقه في يده اليسرى ويحمل درته بيده اليمنى ويدور في الأسواق
(2)
.
وروي أن الزبير بن العوام خرج بغلس يريد أرضاً له، فلما كان ببعض الطريق إذا هو بعمر رضي الله عنه على عنقه قربة من ماء، فعرفه الزبير، فقال له: والله ما أعلم هذا يسعك، لقد أغناك الله عن هذا وأقناك بما خولك وأعطاك، فما يحملك على هذا؟ قال عمر: لما رأيت هؤلاء الوفد سامعين لأمري، مطيعين لي، وما كنا نرى أنه لا تنجح لنا بطاعة،
(1)
رواه عبد الله بن المبارك / الزهد، من زيادات نعيم بن حماد ص 52، وفي إسناده إبهام بشيخ ابن المبارك وفيه إعضال بين يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة من الخامسة. تق 600، وبين عمر بن الخطاب، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا / التواضع والخمول ص 132، 133، وفي إسناده الأصبغ ابن نباتة التميمي الحنظلي، وهو متروك، ورمي بالرفض. تق 113، فالأثر ضعيف جداً.
ولا تطيع لنا أمراً
(1)
، دخلتني لذلك نخوة، فأردت أن أكسرها، قال الزبير: فمال بالقربة إلى حجرة أرملة من الأنصار، فأفرغها في جرارها
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج في يوم حار، واضعاً رداءه على رأسه، فمر به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لا، اركب وأركب خلفك تريد أن تحملني على المكان الوطئ، ولكن اركب أنت، وأكون أنا خلفك، فدخل المدينة وهو خليفة والناس ينظرون إليه
(3)
.
(1)
قوله: وما كنا نرى أنه لا تنجح لنا بطاعة، ولا تطيع لنا أمراً، لعلّ مراد عمر رضي الله عنه أنّه كان يستبعد أن تخضع له رقاب الناس ويذلون لطاعته.
(2)
رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 271، ابن قدامة / الرقة ص 84، وفي إسناده عند ابن عساكر أحمد بن مروان ضعيف، الذهبي / سير أعلام النبلاء 15/ 427، وفيه رشاء بن نظيف لم أجد له ترجمة، وهو معضل حماد بن سلمة، ثقة من الثامنة، روايته عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه معضلة، وفيه عند ابن قدامة هشام بن زياد أبو المقدام، متروك. وهو أيضاً منقطع من رواية عروة بن الزبير بن العوام عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. تق 572، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن أبي الدنيا / ذم الدنيا ص 104، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 271، ومداره على الحسن البصري، ورواية الحسن عن عمر رضي الله عنه منقطعة وبقية رجاله عند ابن أبي الدنيا ما بين ثقة وصدوق، فالأثر ضعيف.
وروي كذلك أنه رضي الله عنه فقد عمار بن ياسر رضي الله عنه، فجاءه في منزله، وهو يبني داره، فوجده ينقل طيناً ولبناً، فنقل عمر رضي الله عنه معه بنفسه طيناً ولبناً
(1)
.
ومما لا شك فيه أن تواضع عمر رضي الله عنه لم يكن تواضعاً فيه الضعف والخور والتماوت بل كان رضي الله عنه مع تواضعه قوياً شديداً ذا وقار وهيبة، وسيرته رضي الله عنه دالة على ذلك، وروي أن الشفاء بنت عبد الله
(2)
رأت فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلمون رويداً، فقالت: ما هؤلاء؟ قالوا: نساك، فقالت: كان والله عمر بن الخطاب إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو والله الناسك حقاً
(3)
.
(1)
رواه ابن شبه / تاريخ المدنية 1/ 235، ولم يسق إسناداً، بل قال: كان عبيد الله ابن أبي عبيدة بن محمد بن عمار يذكر
…
وذكر الأثر، وعبيد الله المذكور لم أجد له ترجمة.
(2)
الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية، أسلمت قبل الهجرة، وهي من المهاجرات الأول، وكان عمر يقدمها في الرأي، ويرعاها، ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق. ابن حجر / الإصابة 4/ 341.
(3)
رواه ابن سعد الطبقات 3/ 290، البلاذري / أنساب الأشراف ص 226، الطبري/ التاريخ 2/ 571، 572، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 245، ومدار الأثر على الواقدي فيكون ضعيفاً، غير أن معناه صحيح.
وروي أن عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله كانا لا يعرف فيهما البر حتى يقولا أو يفعلا، فسئل الزهري عن المراد بذلك؟ فقال: لم يكونا مؤنثين ولا متماوتين
(1)
.
المسألة الثانية: مرحه:
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على سماحته ولين جانبه، مرحه ومداعبة أصحابه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ربما قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفساً ونحن محرمون
(2)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 291، البلاذري / أنساب الأشراف ص 226، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 53، وفي إسناده عند ابن سعد، والبلاذري عبد الله ابن أبي أويس المدني، صدوق يهم. تق 309، وقال الدارقطني في بعض حديثه عن الزهري شيء. المزي / تهذيب الكمال 15/ 170، وروايته هنا عن الزهري، وفيه انقطاع سالم بن عبد الله بن عمر روايته عن جده منقطعة، وفيه عند أبي نعيم عبد العزيز بن محمد الدراوردي، صدوق روايته عن عبيد الله بن عمر العمري منكرة. تق 358، وروايته هنا عنه، وفيه انقطاع، لأن نافعاً مولى ابن عمر لم يدرك عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف، ولكنه مما يتساهل فيه.
(2)
رواه الشافعي / المسند ص 117، ابن أبي شيبة / المصنف 3/ 141، البيهقي / السنن الكبرى 5/ 63، وإسناده عند الشافعي متصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا ابن عيينة عن عبد الحكم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لي عمر بن الخطاب
…
الأثر. فالأثر صحيح.
فكان رضي الله عنه يتنافس مع ابن عباس رضي الله عنهما بإدخال رأسيهما في الماء أيهما أطول نفساً يستطيع البقاء في الماء.
وقال أبو رافع الصائغ
(1)
: كان عمر يمازحني يقول: أكذب الناس الصائغ يقول اليوم غداً
(2)
.
وروي عن أبي مسعود الأنصاري
(3)
أنه قال: كنا جلوساً في نادينا، فأقبل رجل على فرس يركضه يجري حتى كاد يوطئنا، فارتعنا لذلك وقمنا، قال: فإذا عمر بن الخطاب، فقلنا: فمن بعدك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما أنكرتم؟ وجدت نشاطاً، فأخذت فرساً فركضته
(4)
.
(1)
أبو رافع الصائغ: اسمه نفيع، وهو مدني، نزل البصرة، وهو مولى، قال ابن سعد: خرج قديماً من المدينة وهو ثقة، قال ابن حجر: قلت: أكثر عن أبي هريرة، وروى أيضاً عن الخلفاء الأربعة. ابن حجر / الإصابة 4/ 74.
(2)
قال ابن حجر: أخرج إبراهيم الحربي في غريب الحديث بسند جيد عن أبي رافع. وذكر الأثر، الإصابة 4/ 74. ولم أقف عليه في القسم المطبوع. ولعل مراد عمر رضي الله عنه بذلك أنّه يماطل في وعده.
(3)
أبو مسعود الأنصاري البدري، هو عقبة بن عمرو صحابي جليل مات قبل الأربعين. تق 395.
(4)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 326، ورجال إسناده ثقات لكن فيه الأعمش وهو مدلس ولم يصرح بالسماع من عدي بن ثابت الأنصاري فالأثر ضعيف.
وروي عن خوات بن جبير رضي الله عنه
(1)
أنه قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، فقال القوم: غننا ياخوات، فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار
(2)
، فقال عمر رضي الله عنه: دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده، يعني من شعره، قال: فما زلت أغنيهم حتى إذا كان السحر قال عمر رضي الله عنه: ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا
(3)
.
وروي أن سعيد بن المسلم
(4)
كان يقص شارب عمر رضي الله عنه فبخ في وجهه يعني قال: بَخْ، ففزع سعيد فضرط، فقال: يا أمير المؤمنين أفزعتني، فقال عمر رضي الله عنه: ما أردت ذلك، سنعقل لك، فأعطاه أربعين درهماً
(5)
.
(1)
خوات بن جبير الأنصاري، صحابي، قيل إنه شهد بدراً، مات سنة تسع وأربعين وقيل قبلها. تق 196.
(2)
تقدم التّعريف به في ص: 189.
(3)
تقدم تخريجه في ص: 189.
(4)
لم أجد له ترجمة.
(5)
رواه ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 190، وفي إسناده مزاحم بن داود بن علبة قال الذهبي: قال أبو حاتم: لا يحتج به. ميزان الاعتدال 4/ 95، وفيه أبوه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
داود بن علبة الحارثي ضعيف. تق 203، وهو معضل من رواية إسماعيل ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص، ثقة من السادسة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
الفصل الثاني: فضائله
المبحث الأول: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالفضل
المطلب الثاني: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسعة علمه
المطلب الأول: الأحاديث الدالة على علو منزلته ورفعة مكانته
المبحث الثاني: شهادة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعيين ومن بعدهم له بالفضل
المطلب الأول: شهادة الصحابة رضي الله عنهم رضي الله عنه بالفضل.
المطلب الثاني: شهادة التابعين ومن بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل.
المبحث الأول: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالفضل
المطلب الثاني: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسعة علمه
المطلب الأول: الأحاديث الدالة على علو منزلته ورفعة مكانته
المبحث الأول: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالفضل
وفيه مطلبان
المطلب الأول: الأحاديث الدالة على علو منزلته ورفعة مكانته،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: مكانته عندالله عز وجل:
إن مكانة عمر رضي الله عنه ومنزلته عند ربه عز وجل منزلة عالية ورفيعة يدل على ذلك أمور هي:
1 - نزول القرآن بموافقته:
فقد نزلت آيات عديدة من القرآن الكريم موافقة لرأي عمر رضي الله عنه وما يميل إليه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 354، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 251، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/ 467، الترمذي / السنن 5/ 280، أبو يعلى / المعجم ص 276، 277، أبو نعيم / الإمامة ص 297. وفي إسناده عند ابن أبي شيبة شريك بن عبد الله النخعي صدوق تق:266. وفيه إبراهيم بن المهاجر صدوق لين الحفظ تق: 94. وهو منقطع من رواية مجاهد بن جبر عن عمر، وهو ثقة من الثالثة. وفي إسناده عند سائر من رواه خارجة بن عبد الله الأنصاري وهو صدوق له أوهام. تق:186. وبقية رجاله عند الترمذي وأحمد ثقات. وقد صحّح الأثر الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 204.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن في القرآن من كلام عمر لكثير
(1)
.
ومن الآيات التي نزلت موافقة لرأي عمر رضي الله عنه ما أخبر به هو عن نفسه، قال عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت {وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبراهِيمَ مُصَلًّى}
(2)
، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن
(3)
، فنزلت هذه الآية
(4)
.
(1)
رواه أبو نعيم / الإمامة ص 297، وفي إسناده شيخه أبو حامد أحمد بن محمّد بالوية لم أجد له ترجمة وفيه عبد الله بن عمير كذلك لم أجد له ترجمة ولعله عبد الله بن عمر بن أبان صدوق تق:315. و فيه عبيدة بن الأسود الهمداني صدوق تق: 78. وهو مدلّس من الثالثة عند ابن حجر في تعريف أهل التقديس ص: 98، ولم يصرّح بالسماع. وفيه مجالد بن سعيد قال ابن حجر: ليس بالقوي. تق 520. فالأثر ضعيف.
(2)
سورة البقرة الآية (125).
(3)
سورة التحريم الآية (5).
(4)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 82، 3/ 99، أحمد / المسند 1/ 24، ابن أبي عاصم / السنة ص 572، 573 وغيرهم.
وفي نزول آية الحجاب قالت عائشة رضي الله عنها: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع
(1)
وهو صعيد أفيح
(2)
، فكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أحجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة، حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب
(3)
.
وقالت عائشة رضي الله عنها: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيساً
(4)
،
(1)
المناصع: جمع مَنْصَع وهي أماكن معروفة من ناحية البقيع، سميت بذلك لأن الإنسان ينصع فيها أي يخلص. ابن حجر / فتح الباري 1/ 249.
وقال الفيروزآبادي: هي موضع بعينه خارج المدينة. وكان النساء يتبرزن إليه بالليل على مذاهب العرب في الجاهلية. وفي حديث الإفك قال: وكان متبرز النساء بالمدينة قبل أن تتخذ الكنف في البيوت المناصع. المغانم المطابق ص: 392، 393.
(2)
قال ابن حجر: والظاهر أن التفسير مقول عائشة رضي الله عنها، والأفيح المتسع، فتح الباري 1/ 249.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 40، 3/ 176، النسائي / السنن الكبرى 6/ 435.
(4)
الحَيْس: طعام يتخذ من التمر والإقط والسمن، وقد يجعل عوض الإقط الدقيق. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 467.
فمر عمر فدعاه، فأكل، فأصابت يده إصبعي، فقال: حس
(1)
، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزل الحجاب
(2)
.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وطريق الجمع بينهما أن أسباب نزول الحجاب تعددت
(3)
.
ومن القضايا التي نزل فيها القرآن موافقاً لرأي عمر رضي الله عنه قضية أسارى بدر
(4)
.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما أسروا الأسارى، قال
(1)
حِسِّ: بكسر السين والتشديد: كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما أحرقه غفلة كالجمرة والضربة ونحوها. ابن منظور / لسان العرب 3/ 171.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 8/ 175، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 358، 359، البخاري / الأدب المفرد ص 362، 363. وفي إسناده عند ابن سعد الواقدي. وسنده عند ابن أبي شيبة والبخاري رجاله ثقات سوى موسى بن أبي كثير الأنصاري، صدوق. تق 553، ومجاهد بن جبر المكي، أثبت العلائي سماعه من عائشة رضي الله عنها، جامع التحصيل ص 273، فالأثر حسن.
(3)
فتح الباري 1/ 249.
(4)
بَدْر: بلدة بأسفل وادي الصفراء تبعد عن المدينة 155 كيلاً وعن مكة 310 أكيال، وتبعد عن سيف البحر قرابة 45 كيلاً، وكان ميناؤها الجار، فلما اندثرت قامت بالقرب منها بلدة الرايس. البلادي / معجم المعالم الجغرافية في السيرة ص 41.
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "ما ترون في هؤلاء الأسارى"؟
فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما ترى يابن الخطاب"؟
فقال عمر: قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت يا رسول الله: أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم، أدنى من هذه الشجرة (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إلى قوله:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا}
(1)
.
(1)
سورة الأنفال الآيات 67 - 69.
رواه مسلم / الصحيح 12/ 74 - 78، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 497، أحمد / المسند 1/ 383 - 384، والطبري/ التاريخ 2/ 46.
ومنها تحريم الخمر:
فقد كان عمر رضي الله عنه يرغب في تحريم الخمر ويأمل أن ينزل الوحي بتحريمها فقال رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية:{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثم كبير}
(1)
فدعى عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وأنتم سُكَارَى}
(2)
، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت هذه الآية:{فَهَلْ أَنتُمْ مُنْتَهُونَ}
(3)
، فقال عمر: إنتهينا
(4)
.
(1)
سورة البقرة الآية (219).
(2)
سورة النساء الآية (43).
(3)
سورة المائدة (91).
(4)
رواه أحمد / المسند 1/ 53، أبو داود / السنن 3/ 325، الترمذي / السنن 4/ 319، 320، النسائي / السنن 8/ 286، الطبري / التفسير 5/ 34، 35، الدارقطني / العلل 2/ 184، 186، الحاكم / المستدرك 2/ 278، 4/ 143، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 285، الصغرى 3/ 327، المقدسي / المختارة 1/ 368، 369، ومدار الحديث على عمرو بن عبدالله أبي إسحاق السبيعي، وهو مدلس من الطبقة الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن أبي داود والنسائي والطبري ثقات. وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 699.
ومن موافقات القرآن لعمر رضي الله عنه موافقته له في عدم الصلاة على زعيم المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول
(1)
.
فلما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، فقال: آذني أصلي عليه، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه، فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم:"أنا بين خيرتين قال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم"، فصلى عليه، فنزلت {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}
(2)
.
(1)
هو: عبد الله بن أبي بن سلول. قال ابن هشام: "سلول امرأة من خزاعة وهي أم أبي مالك بن الحارث. وهو من بني عوف بن الخزرج. قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان سيد أهلها لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام. وكان عبد الله قد نظم له قومه الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم. فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك. فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكه، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارهاً مصرّاً على نفاق وضغن". السيرة النبويّة 2/ 446، 526، 584.
(2)
سورة التوبة الآية (84).
رواه البخاري / الصحيح 1/ 220، 237، 3/ 137، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 167، 168، الترمذي / السنن 4/ 342، 343، وغيرهم.
وروي أن سبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيمانكم وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ
…
}
(1)
، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً له من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليدعوه، فانطلق إليه، فوجده نائماً فدفع الباب، وسلم فاستيقط عمر، وانكشف منه شيء، ورآه الغلام، وعرف عمر أنه رآه فقال: وددت أن الله عز وجل نهى أبناءنا، ونساءنا أن يدخلوا هذه الساعات، فنزلت هذه الآية
(2)
.
وروي في سبب نزول قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
…
}
(3)
، أن رجلين احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لأحدهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم انطلقوا إلى عمر، فانطلقا، فلما أتينا عمر، قال الذي قضى عليه: يابن الخطاب، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لي، وإن هذا قال: ردنا إلى عمر، فردنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر للذي قضى عليه: كذاك؟ فقال
(1)
سورة النور الآية (58).
(2)
رواه أبو نعيم / معرفة الصحابة 2/ 209 /ب. ابن الأثير / أسد الغابة 4/ 341، 342، وانظر ابن حجر / الإصابة 3/ 395، نقلاً عن ابن منده ومداره على محمد بن السائب الكلبي وهو متهم بالكذب. ونقله الواحدي في أسباب النزول من غير إسناد ص:380.
(3)
سورة النساء الآية (65).
عمر: مكانك حتى أخرج فأقضي بينكما، فخرج مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عمر صاحبي ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما كنت أظن عمر يجرؤ على قتل مؤمن"، فأنزل الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ
…
} الآية
(1)
.
(1)
رواه ابن كثير / مسند الفاروق 2/ 575، نقلاً عن ابن دحيم في تفسيره، وإسناده رجاله ما بين ثقة وصدوق، ولكنه مرسل فيه ضمرة بن حبيب ثقة من الرابعة، روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة، ورواه في تفسيره 1/ 521، نقلاً عن ابن أبي حاتم وفي إسناده عبدالله بن لهيعة خلط بعد احتراق كتبه، وأبو الأسود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل، وهو ثقة من السادسة روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلة فالحديث ضعيف.
2 - تبشير الله عز وجل لعمر بالجنة:
ومن كريم مكانة عمر رضي الله عنه عند ربه عز وجل وعظم منزلته تبشيره بالجنة التي أعدها الله عز وجل لأوليائه جعلنا الله منهم.
قال صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته، فوليت مدبراً"، فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!
(1)
.
وخرج أبو موسى الأشعري رضي الله عنه من بيته وتوضأ وتبع النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل معه بئر أريس
(2)
، وقضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته وجلس أبو موسى رضي الله عنه عند باب البئر، وكان من الجريد، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على البئر وتوسط قفها
(3)
، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، فجاء أبو بكر، فدفع الباب، فقال أبو موسى: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقال:
(1)
صحيح، تقدم تخريجه في ص 312.
(2)
بئر أريس: هذه البئر تنسب إلى رجل من اليهود اسمه أريس، وهو الفلاح بلغة أهل الشام، وقال ابن النجار، والغزالي وتبعهما من بعدهما: أن بئر أريس هي المقابلة لمسجد قباء في غربيه، وذكر ابن النجار: أن طول قفها الذي جلس عليه النبي وصاحباه ثلاثة أذرع، وهي تحت أطم عال خراب من جهة القبلة في أعلاه سكن، ولهذه البئر درج إلى أسفل الماء، جددت في عام 714 هـ، وجدد طيها في عهد الدولة العثمانية، فطمث الدرج لتقادمه. الخياري / تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً ص 179، 181.
(3)
قُف البئر: هي الدكة التي تجعل حولها. ابن منظور / لسان العرب 11/ 260.
على رسلك، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا أبو بكر يستأذن، فقال:"إئذن له وبشره بالجنة"، فأقبل أبو موسى رضي الله عنه حتى قال لأبي بكر رضي الله عنه: أدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف، ودلى رجليه في البئر،
…
فإذا إنسان يحرك الباب، فقال أبو موسى: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقال: على رسلك، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال:"إئذن له وبشره بالجنة"، فجاء، فقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أدخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة
…
الحديث
(1)
.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر سيدا كهول
(2)
أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين"
(3)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 292، 4/ 83، 254، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 170 - 173 وغيرهما.
(2)
الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين وخطه الشيب، ابن منظور / لسان العرب 12/ 177.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 175، أحمد / المسند / من زيادات ابنه عبد الله 1/ 80، فضائل الصحابة 1/ 148، 149، 158، 159، 185، 216، 237، 346، 347، 377، 399، 409، 410، 424.
ابن ماجه / السنن 1/ 38، الترمذي / السنن 5/ 272، 273، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 28، 35، ابن أبي عاصم / السنة ص: 603، البزارالأولى: فيها إبراهيم بن أبي الوزير ومحمّد بن أبان، لم أعرفهما. وفيه أبو جناب يحيى ابن أبي حية ضعّفوه لكثرة تدليس، وهو من مدلّسي الطبقة الرابعة عن ابن حجر في تعريف التقديس ص:146. ولم يصرح بالسماع من الشعبي.
والثانية: من طريق الشعبي عن الحارث الأعور عن عليّ. وتقدمت دراستها عند أحمد.
والثالثة: رجالها ثقات سوى طلحة بن عمرو الحضرمي فهو متروك تق: 283.
وفي إسناده عند ابن حبان خنيس بن بكر بن خنيس قال: صالح جزرة ضعيف. ميزان الاعتدال 1/ 669. وذكره ابن حبان في الثقات. وبقية رجاله ثقات وسند متصل.
ورواه الطبراني في معجمة الكبير من طريق خنيس بن بكر.
وفي إسناده عنده في مجمع البحرين مقدام بن داود بن عيسى قال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن يونس وغيره: تكلموا فيه. وقال سلمة بن القاسم: روايته لا بأس بها. وضعّفه الدارقطني. ميزان الاعتدال 4/ 175، لسان الميزان 6/ 84. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
ومحمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ولد سنة ست وخمسين أو قريباً من ستين. وجابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي يروى عنه الباقر مات بعد السبعين. فإمكان اللقاء بينهما موجود. ورمز المزي بـ (ع) عند ما ذكر في شيوخ الباقر جابر بن عبد الله أي: أن روايته عنه عند الجماعة.
فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الصحيح لغيره. وقد صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي 3/ 201.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
/ المسند 2/ 132، 3/ 67، 68، 69، أبو يعلى / المسند 1/ 405، 406، الطحاوي / مشكل الآثار 2/ 391، 392، ابن حبان / الصحيح 9/ 25، الطبراني / المعجم الكبير 22/ 104، مجمع البحرين للهيثمي 6/ 229.
ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات ولكنه مرسل من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر مرسلة.
وفي إسناده عند أحمد في المسند عبد الله بن عمر اليمامي لم أعرفه، والحسن ابن زيد بن حسن بن عليّ بن أبي طالب ذكره ابن حبان في الثقات، ونقل الذهبي عن ابن معين قوله في: ضعيف الحديث. وقال ابن عديّ: أحاديثه معضلة. ميزان الاعتدال 1/ 492. وفي حاشية تهذيب الكمال: وثقه ابن سعد والعجلي 6/ 162. وبقية رجاله ثقات.
وهو عند أحمد في فضائل الصحابة من ثمانية طرق:
الأولى: كالتي عند أحمد في المسند، ولكن ليس فيها ذكر لعبد الله اليمامي شيخ عمرو بن يونس والسند فيه عن عمرو بن يونس عن الحسن بن زيد.
الثانية: فيها شيخ أحمد أبو العباس الفضل بن صالح الهاشمي ذكر الذهبي أنه كان نائب دمشق ثم مصر للمهدي، قال: وهو الذي عمل أبواب جامع دمشق وقبة المهدي بالجامع ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. سير أعلام النبلاء 9/ 122. وفيه هدية بن عبد الوهّاب صدوق ربما وهم تق: 571، وفيها محمّد ابن كثير أبو عطاء الثقفي صدوق كثير الغلط تق: 405، وبقية رجالها ثقات. لكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة السدوسي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الثالثة: من زيادة عبد الله ورجال إسنادها ثقات إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه سوى الحارث بن عبد الله الأعور شيخ الشعبي كذّبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض. وفي حديثه ضعف تق: 146.
الرابعة: رجال إسنادها ما بين ثقة وصدوق، وفيها يونس بن أبي إسحاق السييعي صدوق يهم قليلاً تق: 613، وفيها الشعبي يروي عن أبي هريرة رضي الله عنه ورايته عنه في الصحيحين، وأنكر سماعه منه الإمام أحمد. انظر: هامش جامع التحصيل ص: 204.
الخامسة: من زيادات عبد الله، وفيها محمّد بن عبد الرحمن بن أبي مليكة لم أعرفه. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق. إلا أنها منقطعة من رواية عليّ بن الحسين زيد العابدين عن عليّ رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. قال أبو زرعة: لم يدرك جده عليّاً بن أبي طالب. جامع التحصيل ص: 240.
السادسة: رجال إسنادها ما ثقة وصدوق. ولكن فيها إبهام بشيخ زبيد اليمامي ففي السند عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليمامي عمن حدّثه عن عليّ رضي الله عنه.
السابعة: فيه محمّد بن يونس الكديمي ضعيف. تق: 515. وعبد الرحمن بن جبلة بن خالد الباهلي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4/ 221 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وبقية رجالها ثقات.
الثامنة: رجالها ثقات ولكنها منقطعة من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة.
ورجال إسناده عن ابن ماجة ما بين ثقة وصدوق، وسنده متصل. قال: حدّثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي ثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس ثنا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مالك بن مقول عن عوف بن أبي جحبفة عن أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر
…
" الحديث.
وفي إسناده عن الترمذي الوليد بن محمّد الموقري متروك تق: 583. وهو منقطع من رواية عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ثقة من الثالثة روايتيه عن عليّ رضي الله عنه منقطعة.
ورواه البلاذري من طريق ابن سعد المتقدم.
ورواه ابن أبي عاصم من طريقين:
الأولى: فيها موسى بن عبيدة الربذي ضعيف تق: 552. وفيه أبو معاذ وخطاب أو أبو خاطب لم أعرفهما.
والثانية: فيها كثير بن إسماعيل النواء ضعيف. تق: 459. وعبد الله مليل ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 5/ 168. وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 43.
ورواه البزار كذلك من طريقين:
الأولى: من طريق الشعبي عن الحارث الأعور عن عليّ رضي الله عنه وقد سبق الكلام عليها عند أحمد.
والثانية: فيها شيخ البزار إسحاق بن زياد الأيلى وشيخه عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم وعبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي بكر لم أجد لهم تراجم.
وفيه إسناده عند أبي يعلى يونس بن أبي إسحاق صدوق يهم قليلاً تق: 613. وبقية رجاله ثقات. وهو من رواية عامر الشعبي عن عليّ رضي الله عنه وأثبت العلائي سماعه منه. جامع التحصيل ص: 204.
ورواه الطحاوي من ثلاث طرق:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأولى: فيها إبراهيم بن أبي الوزير ومحمّد بن أبان، لم أعرفهما. وفيه أبو جناب يحيى ابن أبي حية ضعّفوه لكثرة تدليس، وهو من مدلّسي الطبقة الرابعة عن ابن حجر في تعريف التقديس ص:146. ولم يصرح بالسماع من الشعبي.
والثانية: من طريق الشعبي عن الحارث الأعور عن عليّ. وتقدمت دراستها عند أحمد.
والثالثة: رجالها ثقات سوى طلحة بن عمرو الحضرمي فهو متروك تق: 283.
وفي إسناده عند ابن حبان خنيس بن بكر بن خنيس قال: صالح جزرة ضعيف. ميزان الاعتدال 1/ 669. وذكره ابن حبان في الثقات. وبقية رجاله ثقات وسند متصل.
ورواه الطبراني في معجمة الكبير من طريق خنيس بن بكر.
وفي إسناده عنده في مجمع البحرين مقدام بن داود بن عيسى قال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن يونس وغيره: تكلموا فيه. وقال سلمة بن القاسم: روايته لا بأس بها. وضعّفه الدارقطني. ميزان الاعتدال 4/ 175، لسان الميزان 6/ 84. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
ومحمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ولد سنة ست وخمسين أو قريباً من ستين. وجابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي يروى عنه الباقر مات بعد السبعين. فإمكان اللقاء بينهما موجود. ورمز المزي بـ (ع) عند ما ذكر في شيوخ الباقر جابر بن عبد الله أي: أن روايته عنه عند الجماعة.
فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الصحيح لغيره. وقد صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي 3/ 201.
وهو رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة
(1)
.
(1)
رواه الحميدي / المسند 1/ 45، ابن سعد / الطبقات 3/ 383، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 350، أحمد / المسند 1/ 187، 188، فضائل الصحابة 1/ 111 - 121، ابن ماجة/ السنن 1/ 48. صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا محمّد بن بشر، قال: ثنا صدقة بن المثنى، قال: سمعت جدي رباح ابن الحارث يذكر أنه شهد المغيرة بن شعبة وكان بالكوفة في المسجد الأكبر، وكانوا أجمع ما كانوا يميناً وشمالاً حتى جاء رجل من أهل المدينة يدعى سعيد ابن زيد ابن نفيل، فرحب به المغيرة وأجلسه عند رجله على السرير، فبينا هو على ذلك إذ دخل رجل من أهل الكوفة يدعى قيس بن علقمة، فاستقبل المغيرة، فسب فسب، فقال له المدني: يا مغير بن شعب! من يسب هذا الشاب؟ قال: سب عليّ بن أبي طالب. قال له مرتين: يا مغير بن شعب، ألا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك لا تنكر ولا تغير. فإني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمعت أذناي، وبما وعى قلبي، فإني لن أروي عنه من بعده كذباً، فيسألني عنه إذا لقيته أنه قال:
أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، وطلحة في الجنة، و الزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وآخر تاسع لو شاء أن أسميه لسميته.
قال: فخرج أهل المسجد يناشدون بالله يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التاسع؟ قال: نشدتموني بالله والله عظيم أنا تاسع المؤمنين، ونبيّ الله العاشر، ثم أتبعها والله لمشهد شهده الرجل منهم يوماً واحداً في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح.
ونصّ الحديث هنا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو العاشر وليس فيه ذكر لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وقد روى التّرمذيّ في سننه 5/ 311 - 312 هذا الحديث وفيه: أن العاشر هو أبو عبيدة بن الجراح.
قال: حدّثنا قتيبة (وهو ابن سعيد ثقة تق: 454)، أخبرنا عبد العزيز بن محمّد (وهو الداووديّ صدوق تق: 358)، عن عبد الرحمن بن حميد (ابن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من السادسة، تق: 319)، عن أبيه (حميد بن عبد الرّحمن بن عوف، ثقة من الثّانية. تق: 182)، عن عبد الرّحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
ورواه من طريق آخر فقال: حدّثنا صالح بن ممار (السّلميّ المروزيّ صدوق من العاشرة، تق: 274)، أخبرنا ابن أبي فديك (محمّد بن إسماعيل بن مسلم صدوق. تق: 468)، عن موسى بن يعقوب (بن عبد الله بن وهب بن زمعه، صدوق سيّء الحفظ، تق: 554)، عن عمر بن سعيد (بن أبي حسين القرشيّ ثقة من السّادسة تق: 413)، عن عبد الرّحمن بن حميد عن أبيه أن سعيد بن زيد حدّثه في نفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
الحديث.
فالحديث بهذا اللفظ يرتقي لدرجة الصّحّة وقد صحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن التّرمذيّ 3/ 218.
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: مشيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى امرأة رجل من الأنصار، فرشت لنا أصول نخل، وذبحت لنا شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليدخلن رجل من أهل الجنة"، فدخل أبو بكر رضي
أفضل عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح.
ونصّ الحديث هنا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو العاشر وليس فيه ذكر لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وقد روى التّرمذيّ في سننه 5/ 311 - 312 هذا الحديث وفيه: أن العاشر هو أبو عبيدة بن الجراح.
قال: حدّثنا قتيبة (وهو ابن سعيد ثقة تق: 454)، أخبرنا عبد العزيز بن محمّد (وهو الداووديّ صدوق تق: 358)، عن عبد الرحمن بن حميد (ابن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من السادسة، تق: 319)، عن أبيه (حميد بن عبد الرّحمن بن عوف، ثقة من الثّانية. تق: 182)، عن عبد الرّحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
ورواه من طريق آخر فقال: حدّثنا صالح بن ممار (السّلميّ المروزيّ صدوق من العاشرة، تق: 274)، أخبرنا ابن أبي فديك (محمّد بن إسماعيل بن مسلم صدوق. تق: 468)، عن موسى بن يعقوب (بن عبد الله بن وهب بن زمعه، صدوق سيّء الحفظ، تق: 554)، عن عمر بن سعيد (بن أبي حسين القرشيّ ثقة من السّادسة تق: 413)، عن عبد الرّحمن بن حميد عن أبيه أن سعيد بن زيد حدّثه في نفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
الحديث.
فالحديث بهذا اللفظ يرتقي لدرجة الصّحّة وقد صحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن التّرمذيّ 3/ 218.
الله عنه، ثم قال: "ليدخلن رجل من أهل الجنة، فدخل عمر
…
" الحديث
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة، فتضيء الجنة لوجهه كأنها كوكب دري، وإن أبا بكر وعمر لمنهما وأنعما"
(2)
.
(1)
رواه مسدد / المسند / البوصيري / إتحاف الخيرة المهرة 3/ق 52/ أ، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 351، أحمد / المسند 3/ 331، فضائل الصحابة 1/ 209، ابن أبي عاصم / السنة ص: 610، الحاكم / المستدرك 3/ 136، وسنده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات سوى عبدالله بن محمد بن عقيل فهو صدوق، فيه لين 321، وحسن الذهبي حديثه في ميزان الاعتدال 2/ 485، ورواه سائر من رواه من طريق ابن أبي شيبة فالأثر حسن.
(2)
رواه ابن طهمان / المشيخه ص 154، الجعد / المسند 2/ 790، أحمد / المسند 3/ 26، 27، 61، 72، 93، فضائل الصحابة 1/ 168، 169 - 171، 196، 374، 379 - 381، 385، 393، 409، 415، 417، 426، 442، أبو داود / السنن 4/ 34، الترمذي / السنن 5/ 268، البلاذري / أنساب الأشراف ص 30، ابن أبي عاصم / السنة ص 602، أبو يعلى / المسند 2/ 369، الخلال / السنة ص 306، 307، ابن الأعرابي / المعجم 1/ 434، 2/ 104 - 106، 127، 251، 252، الأطرابلسي / فضائل
ومن الأحاديث الضعيفة المروية في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه بالجنة:
ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد منكم جنازة؟ قال عمر: أنا، قال: من تصدق؟ قال عمر: أنا، قال: من أصبح منكم صائماً؟ قال
الصحابة ص: 200، ابن منده / الفوائد ص: 90، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/ 233، المعجم الكبير 2/ 254، البيهقي / البعث والنشور ص: 174، 175، وإسناده عند ابن طهمان وأبي داود والترمذي والبلاذري وابن أبي عاصم، وأبي يعلى والخلال والأطرابلسي وابن منده والبيهقي فيه عطية بن سعد العوفي، صدوق يخطئ كثيراً تق 393، وبقية رجاله عند الترمذي ما بين ثقة وصدوق، وفي إسناده عند أحمد في طريق والجعد مجالد بن سعيد ليس بالقوي تق 520، وفيه عند أحمد في طريق والطبراني في مجمع البحرين محمد ابن خداش صدوق يغرب تق 475، ويونس بن أبي إسحاق السبيعي صدوق يهم قليلاً، وبقية رجاله عند أحمد ما بين ثقة وصدوق، وفيه عند ابن الأعرابي من طريق محمد بن يونس الكديمي، قال أبو زرعة وابن أبي حاتم: منكر الحديث، الجرح والتعديل 4/ 442، وفيه عنده من طريق آخر سليمان الأعمش، وهو ثقة مدلس ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، فالحديث بمجموع طرقه صحيح لغيره، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 199.
عمر: أنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وجبت، وجبت"
(1)
.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وهو معتمد على أبي بكر وعمر، فقال:"هكذا ندخل الجنة"
(2)
.
وروي أن قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مَتَقَابِلِينَ}
(3)
نزلت في عشرة منهم أبو بكر وعمر
(4)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 444، 6/ 358، أحمد / المسند 3/ 118، فضائل الصحابة 1/ 387، البزار / كشف الأستار للهيثمي 1/ 489، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 116، 122، ومداره على سلمة بن وردان الليثي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال ابن حجر: ضعيف. تق 248، وقال أبو حاتم: عامة ما عنده عن أنس منكر. ميزان الاعتدال 2/ 193، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 3/ 138، 139، وفيه أبو جعفر محمد بن عاصم صاحب الخانات ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، التاريخ 3/ 138، وفيه الوليد أبو همام الكندي لم أجد له ترجمة.
(3)
سورة الحجر الآية (47).
(4)
رواه الثوري / التفسير ص 160، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 145، الأطرابلسي / فضائل الصحابة ص 95، العشاري / فضائل الصديق ص 71، وفي إسناده عند الثوري محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب تق 479، وفيه باذام أبو صالح ضعيف تق 120، وفيه عند أحمد محمد بن سليمان ابن خالد القمام لم أجد له ترجمة، وفيه كثير النواء ضعيف تق 459، وفيه عند العشاري عثمان بن عمير بن أبي حميد البجلي، قال ابن حجر: ضعيف واختلط وكان يدلس. تق 386، فالحديث ضعيف.
ومن الأحاديث الضعيفة المروية في رفعة مكانة عمر رضي الله عنه عند الله عز وجل ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة"
(1)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يباهي بالناس يوم عرفة عامة ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة"
(2)
.
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 408، ابن ماجه / السنن 1/ 39، ابن أبي عاصم / السنة ص 566، الحاكم / المستدرك 3/ 84، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 136، 137، وفي إسناده عند أحمد وابن ماجه وابن أبي عاصم إسماعيل بن محمد الطلحي صدوق يهم تق 109، وفيه داود بن عطاء المدني، قال ابن حجر: ضعيف تق 199، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وذكر الحديث الذي أنا بصدد الكلام عنه وقال: هذا منكر جداً 2/ 12، وفي إسناده عند الحاكم أحمد بن محمد بن عبد الحميد ترجم له الذهبي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. ميزان الاعتدال 1/ 143، وفيه الفضل بن جبير، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. ميزان الاعتدال 3/ 350، فالحديث ضعيف، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص:10.
(2)
رواه ابن أبي عاصم / السنة ص 572، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/ 249، المعجم الكبير 11/ 182.
وفي إسناده عند ابن أبي عاصم الوليد بن الوليد العنسي القلانسي، قال أبو حاتم: صدوق، وقال الدارقطي وغيره: متروك، وقال الذهبي: روى له نصر المقدسي في أربعينه حديثاً منكراً، وقال: تركوه. ميزان الاعتدال 4/ 350، وفي سنده عند الطبراني عبدالرحمن بن إبراهيم القارئ يروى عن العلاء بن عبد الرحمن ضعفه الدارقطني وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، روى حديثاً منكراً عن العلاء، وقال أبو داود: وهو عندي منكر الحديث، وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء، لسان الميزان 3/ 401، 402، وفيه عند الطبراني من رواية أخرى رشدين بن سعد المهري المصري، ضعيف تق 209، وفيه عنده من طريق ثالث أبو سعد خادم الحسن البصري، قال الذهبي: لا يدري من ذا، وخبره باطل، ثم ذكر الذهبي الحديث الذي أتكلم عليه. ميزان الاعتدال 4/ 529، فالخبر ضعيف.
وروي أن جبريل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم عمر فقال: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر
(1)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر،
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 269، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 258، 347، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/ 223 - 225، ابن حبان / الصحيح 9/ 18، الحاكم / المستدرك 3/ 84، ومداره على عبد الله بن خراش الشيباني ضعفه الدارقطني وغيره، وقال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 2/ 413. فالخبر ضعيف جداً.
ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفر من عمر
(1)
. "
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة بنت عمر رضي الله عنه جاءه جبريل عليه السلام فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر
(2)
. "
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً
(1)
رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 74، وفي إسناده موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني، قال الذهبي: ليس بثقة، فإن ابن حبان قال فيه: دجال وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير، وقال ابن عدي: منكر الحديث، وذكر ابن عدي هذا الحديث وغيره، وقال هذه الأحاديث بواطيل، ميزان الاعتدل 4/ 211/212، فالحديث موضوع.
(2)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 17/ 291، 292، أبو نعيم / حلية الأولياء 2/ 50، 51، وفي سنده عند الطبراني أحمد بن طاهر بن حرملة كذبه الدارقطني، وقال ابن عدي: حدث عن جده عن الشافعي بحكايات بواطيل يطول ذكرها. ميزان الاعتدال 1/ 105، وفيه عند أبي نعيم أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري، قال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه، وقال ابن يونس: لا تقوم به حجة. ميزان الاعتدال 1/ 112 - 114، فالحديث ضعيف جداً.
فجعلهم خير أصحابي
(1)
.
وروي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب
(2)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد سمعوا صوت مناد يهتف من نحو العرش: ألا لا يرفعن أحد كتابه قبل أبي بكر وعمر
(3)
. "
(1)
رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 3/ 162، وفي إسناده محمد بن عمرو ابن نافع أبو جعفر المعدل لم أجد له ترجمة، وفيه أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط تق 308، وقال النسائي: ولقد حدث أبو صالح عن نافع بن يزيد عن زهرة بن معبد عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اختار أصحابي
…
الحديث، ثم قال: حديث بطوله موضوع. المزي / تهذيب الكمال 15/ 104.
(2)
رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 5/ 430، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص: 63، ومداره على محمد بن عبدالله أبو لقمان النحاس، قال الخطيب: كان ضعيفاً يروي المنكرات عن الأثبات، وفيه أبو إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، فالحديث ضعيف.
(3)
رواه أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 355، 356، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 138، وفي إسناديهما الفضل بن جبر الوراق، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، لسان الميزان 4/ 437، وفيهما داود بن الزبرقان، متروك تق 198، فالأثر ضعيف جداً.
المسألة الثانية: منزلة عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم
-
إن رفعة مكانة عمر رضي الله عنه وعلو منزلته وقدره عند النبي صلى الله عليه وسلم أمر معروف عند سلف الأمة وخلفها لا ينازع فيه إلا ضال مكاير، فقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث الثابتة الدالة على ذلك، وهذه المكانة تتمثل في أمور هي:
1 - محبة النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه وثناؤه عليه وتوفيره إياه، فمن الأحاديث الواردة في ذلك:
ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم علي جيش ذات السلاسل
(1)
، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر
…
الحديث
(2)
.
وقال عبدالله بن شقيق
(3)
رضي الله عنه: قلت لعائشة رضي الله
لا يتابع على حديثه، لسان الميزان 4/ 437، وفيهما داود بن الزبرفان، متروك تقي 198، فالأثر ضعيف جدًا.
(1)
تقدم التعريف بها في ص 302.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 3/ 57، مسلم في الصحيح / شرح النووي 15/ 153، 154، ابن أبي عاصم / السنة ص 564، وغيرهم.
(3)
عبدالله بن شقيق العقيلي بصري، ثقة من الثالثة، تقي 307.
عنها: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر
…
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "هذان السمع والبصر"
(2)
.
(1)
راه أحمد / المسند 6/ 218، الترمذي / السنن 5/ 268، النسائي / السنن الكبرى 5/ 57، أبو يعلى / المسند 8/ 178، 229، الأطرابلسي / فضائل الصحابة 1/ 198، الحاكم / المستدرك 3/ 73، تمام الرازي / الفوائد 2/ 9، صحيح من طريق الترمذي. قال: حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري عن عبد الله بن شقيق.
(2)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 382، الترمذي / السنن 5/ 275، ابن أبي عاصم / السنة ص 561، 562، الحاكم / المستدرك 3/ 69، 74، أبو نعيم / حلية الأولياء 4/ 72، 73، 93، العشاري / فضائل أبي بكر ص 60، الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 8/ 459، 460، وفي سنده عند أحمد والعشاري وأبي نعيم من وجه فرات بن السائب الجزري متروك متهم بالكذب. ميزان الاعتدال 3/ 341، لسان الميزان 4/ 430، وفيه عند ابن أبي عاصم بقية بن الوليد صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه عبد الله بن نسير الكندي لم أجد له ترجمة، وإسناده عند الحاكم رجاله ما بين ثقة وصدوق سوى شيخ محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك الحسن بن عبد الله بن عطية السعدي لم أجد له ترجمة، وسنده عند الخطيب رجاله ما بين ثقة وصدوق، وعلي بن عبد الرحمن بن عثمان (ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 6/ 195)، فهذا يدل على أن ابن أبي فديك لم يسمعه من عبد العزيز، وقد رواه أحمد بن صالح المصري وآخرون عن ابن أبي فديك هكذا وسموا المبهمين: على بن عبد الرحمن، وعمرو بن أبي عمرو، وأخرجه الحاكم من طريق آدم عن ابن أبي فديك، فسمى الواسطة: الحسن بن عبد الله بن عطية ا. هـ تهذيب الكمال 5/ 192، 193، الإصابة 2/ 298.
وقد صحح الحاكم هذا الحديث وحسنه الذهبي في تعليقه على الحاكم 3/ 69، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 472.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سوى زكريا بن يحيى بن مخلد الساجي، ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وفيه عند أبي نعيم من طريق آخر الوليد بن الفضل العنزي قال ابن حبان: يروي الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به بحال. ميزان الاعتدال 4/ 343، وإسناده عند الترمذي رجاله ما بين ثقة وصدوق يرويه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عبدالعزيز بن المطلب عن أبيه عن جده عن عبد الله ابن حنطب، والصواب عن جده عبد الله بن حنطب كما ذكر ذلك المزي في تهذيب الكمال 14/ 435، وقال الترمذي: هذا حديث مرسل وعبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تكلم الحافظ ابن حجر رحمه الله على علل هذا السند وأجاب عنها قال رحمه الله: قال ابن أبي حاتم: عبدالله بن حنطب له صحبة، وكذا قال ابن عبدالبر وزاد: وحديثه مضطرب الإسناد لا يثبت قال رحمه الله:
قلت: أخرجه ابن منده من طريق موسى بن أيوب عن ابن أبي فديك وقال فيه: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم (أي عبد الله بن حنطب) فهذا يقتضي ثبوت صحبته، قال: وقد سقط بين ابن أبي فديك وبين عبد العزيز واسطة، فقد رواه داود بن صبيح والفضل بن الصباح عن ابن أبي فديك: حدثني غير واحد عن عبد العزيز، وهكذا رواه علي بن مسلم، ويوسف بن يعقوب الصفار عن ابن أبي فديك، قال: حدثني غير واحد ورواه ابن منده أيضاً من طريق دحيم عن ابن أبي فديك حدثني غير واحد عن عبد العزيز بن المطلب وكذا هو عند البغوي وسمى منهم عمرو بن أبي عمرو (ميسرة مولى المطلب ثقة ربما وهم. تق 425)
وقال علي رضي الله عنه وقد دخل على عمر رضي الله عنه بعد أن كفن: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عمر"
(2)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 294، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 158، أحمد / المسند 1/ 109، 112 وغيرهم.
(2)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 168، 268، 295، البخاري / الأدب المفرد ص: 123، الفسوي / المعرفة والتاريخ 3/ 228، الترمذي / السنن 5/ 317، 331، النسائي / السنن الكبرى 5/ 64، 67، ابن حبان / الصحيح 9/ 69، 130، 131، الحاكم / الأسامي والكنى 2/ 403، الحاكم / المستدرك 3/ 268، صحيح من طريق البخاري. قال: حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدّثني عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل عن أبيه عن أي هريرة. وصحّحه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 222.
وخطب عمر رضي الله عنه والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه امرأة فرد أهل المرأة عمر رضي الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم:"لقد ردوا خير هذه الأمة"
(1)
.
وكان صلى الله عليه وسلم يوقر عمر رضي الله عنه ويجله، قالت عائشة رضي الله عنها: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة
(2)
قد طبختها له، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك، فأبت،
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 357، 358، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 430، وسنده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، وفيه انقطاع بين الحسن البصري وعمر رضي الله عنه وهو كذلك عند أحمد رجاله ثقات لكنه منقطع لأن ثابت بن الحجاج الرقي ثقة من الثالثة روايته عن عمر بن الخطاب منقطعة. فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره غير أنه شاذ لمخالفته الأحاديث الصحيحة في كون أبي بكر أفضل هذه الأمة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
(2)
خَزِيرة: لحم يقطع صغاراً، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذُر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، وقيل هي: حساً من دقيق ودسم، وقيل: إذا كان من دقيق فهو حريرة، وإذا كان من نخالة فهو خزيرة. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/ 28.
فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع بيده لها، وقال لها: الضخي وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها، فمر عمر فقال: يا عبد الله، يا عبدالله، فظن أن سيدخل فقال:"قوما، فاغسلا ما وجوهكما"، فقال عائشة رضي الله عنها: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 349، 350، النسائي / السنن الكبرى 5/ 291، أبو يعلى/ المسند 7/ 449، 450، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 78، 79.
ومدار هذا الحديث على محمد بن عمرو بن علقمة، قال ابن معين: كانوا يتقون حديثه قيل له: وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة. المزي / تهذيب الكمال 26/ 216، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. تق 499، ويروي محمد بن عمرو هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة رضي الله عنها وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي الله عنها.
قال أحمد: حدّثنا عليّ بن الحسن القطبعي، (قال الخطيب: كان ثقة. تاريخ بغداد 11/ 377)، قال: نا موسى بن عبد الرحمن أبو عيسى المسروقي (ثقة تق: 552)، ثنا أبو أسامة (حماد بن أسامة ثقة تق: 177)، حدّثني محمّد بن عمرو ابن علقمة، حدّثني يحيى بن عبد الرحمن، قال: قالت عائشة
…
الحديث.
وقال النّسائي: أخبرنا محمّد بن معمر بن ربعي القيس البحراني صدوق تق: 508)، قال: ثنا خالد بن الحارث (بن عبيد الهجيمي ثقة ثبت تق: 187)، قال: ثنا محمّد بن عمرو عن أبي سلمة قال: قالت عائشة:
…
الحديث). فالأثر حسن.
وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة فيها إشارة لمحبته صلى الله عليه وسلم لعمر وتوقيره له، وعظم ثواب المحبين لعمر رضي الله عنه.
فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المسجد، فلا يرفع إليه أحد بصره إلا أبو بكر وعمر ينظران إليه، وينظر إليهما، ويتبسمان إليه ويتبسم إليهما
(1)
.
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 212، 213، عبد بن حميد / المنتخب من المسند ص 388، الترمذي / السنن 5/ 274، أبو يعلى / المسند 6/ 116، الحاكم / المستدرك 1/ 121، 122، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص: 106، 107، ومدار الحديث على الحكم بن عطية العيشي البصري، قال أحمد: لا بأس به إلا أن أبا داود روى عنه أحاديث منكرة ووثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: سمعت سليمان بن حرب يقول: عمدت إلى حديث المشايخ فغسلته، فقيل: مثل من؟ قال: مثل الحكم بن عطية، وقال الترمذي: قد تكلم فيه بعضهم، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع ضعيف، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: يكتب حديثه وليس بمنكر الحديث، وكان أبو داود يذكره بجميل، قلت: يحتج به؟ قال: لا من ألف شيخ يحتج بواحد ليس هو بالمتين. المزي / تهذيب الكمال 7/ 120، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. تق 132، فالأثر ضعيف، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 490، 491.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً فأقبل أبو بكر وعمر، فقال:"الحمد لله الذي أيدني بكما"
(1)
.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب عمر فقد أحبني"
(2)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحب أبو بكر وعمر منافق ولا يبغضهما مؤمن"
(3)
.
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 73، 74، 384، الطبراني / المعجم الكبير 22/ 369، مجمع البحرين للهيثمي 6/ 228، والحاكم / الأسامي والكنى 2/ 84، 85، الحاكم / المستدرك 1/ 73، 74، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص: 57، 58، ومداره على عاصم بن عمر بن حفص العمري ضعيف. تق 286، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 248، الطبراني / مجمع البحرين 6/ 249، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 110، 168، وفي سنده عند البلاذري بكر بن الهيثم لم أجد له ترجمة وهو أيضاً من مراسيل الزهري وفيه عند الطبراني أبو سعد خادم الحسن البصري، قال الذهبي: لا يدري من ذا وخبره باطل ثم ساق الذهبي الحديث الذي أتكلم عليه. ميزان الاعتدال 4/ 529.
وفي إسناده عند ابن عساكر أحمد بن بكر البالسي، قال ابن عدي: روى مناكير عن الثقات، ثم ذكر الحديث المتكلم عليه، وقال أبو الفتح: كان يضع الحديث. ميزان الاعتدال 1/ 86.
(3)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 393، 415، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 192، ومداره على معلى بن هلال بن سويد الطحان، رماه ابن عيينة والثوري بالكذب واتهمه ابن المبارك وابن المديني بالوضع، وقال النسائي: متروك. ميزان الاعتدال 4/ 152، فالحديث موضوع.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"
(1)
. وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: يؤتى بأقوام يوم القيامة، فيوقفون بين يدي الله تعالى، فيؤمر بهم إلى النار، فإذا همّ الزبانية بأخذهم وقربوا من النار، وهمّ مالك بأخذهم قال الله تعالى لملائكة الرحمة: ردوهم، فيردونهم فيقفون بين يدي الله تعالى طويلاً، فيقول:"عبادي، أمرت بكم إلى النار بذنوب سلفت لكم، واستوجبتم بها، وقد روعتكم، وقد ذهبت ذنوبكم بحبكم أبا بكر وعمر"
(2)
.
(1)
رواه عبد بن حميد / المنتخب من المسند ص 426، 427، أحمد / الورع ص 81، فضائل الصحابة 1/ 427، وفي إسناده عندهما يزيد بن حبان النبطي البلخي صدوق يخطئ. تق 600، وفيه انقطاع عطاء بن أبي مسلم الخراساني، صدوق يهم كثيراً من الخامسة تق:392. روايته عن أبي هريرة رضي الله منطقعة، فالحديث ضعيف.
(2)
رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 191، وفي إسناده محمد بن علي بن خلف الوراق، قال الخطيب: ضعيف جداً. ميزان الاعتدال 3/ 671، وفيه محمّد بن السري بن عثمان التمار، قال الذهبي: يروي المناكير والبلايا، ليس بشيء. ميزان الاعتدال 3/ 559، فالحديث ضعيف جداً.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متكأً على علي رضي الله عنه، فاستقبله أبو بكر وعمر، فقال له: يا علي، "أتحب هذين الشيخين"؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال:"أحبهما تدخل الجنة"
(1)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت في السماء خيلاً موقوفة، مسرجة، ملجمة، لا تروث، ولا تبول، ولا تعرق رؤوسها من الياقوت الأحمر، حوافرها من الزبرجد الأخضر، أبدانها من القيعان الأخضر، ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبريل: هذه لمحبي أبي بكر وعمر
(1)
رواه ابن الأعرابي / المعجم 1/ 521، العشاري / فضائل أبي بكر ص 62، الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 1/ 246، 5/ 440، 441، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 190، 191، وفي إسناده عند ابن الأعرابي محمد بن أحمد ابن سعيد بن فرقد، قال الذهبي: له مناكير. ميزان الاعتدال 3/ 459، وفيه عمر بن حفص أبو حفص العبدي، قال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث ليس بقوي هو على يدي عدل، الجرح والتعديل 6/ 103، وقال الساجي متروك، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، تاريخ بغداد 11/ 193، 194، وفيه عند العشاري الحسن بن مكي اللخمي، ذكر الذهبي له الحديث الذي أتكلم عليه وقال: باطل. ميزان الاعتدال 1/ 524، وفي سنده عند الخطيب محمد بن عبدالله بن ثابت أبو بكر الأشناني، قال الخطيب: كان كذاباً يضع الحديث، فالحديث موضوع. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 69.
يزورون الله عليها يوم القيامة"
(1)
.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر"
(2)
.
وروي أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أقرئ عمر السلام، وأخبره أن رضاه عز وغضبه حكم"
(3)
.
(1)
رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 11/ 242، 243، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 191، ومداره على محمد بن عبيد الله بن مرزوق الخلال، قال الذهبي: لا يعي ما يحدث به، روى عن عفان حديثاً كذباً يقال أُدخل عليه، ثم ذكر الذهبي الحديث الذي أتكلم عليه. ميزان الاعتدال 3/ 638، فالحديث موضوع. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 67 - 68.
(2)
رواه الترمذي / السنن 5/ 281، ابن أبي عاصم / السنة ص 572، البزار / المسند 159، 194، الحاكم / المستدرك 3/ 90، ومداره على عبد الله بن داود الواسطي، قال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وذكر له ابن عدي الحديث الذي أتكلم عليه وقال هذا كذب. ميزان الاعتدال 2/ 415، وفيه عبد الرحمن ابن أخي المنكدر مجهول تق 353، وقال الشيخ الألباني: موضوع. السلسلة الضعيفة 3/ 533.
(3)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 12/ 60، 61، مجمع البحرين للهيثمي 6/ 247، المروزي / تعظيم قدر الصلاة 1/ 262 - 265، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 221، الإمامة ص 293، حلية الأولياء 4/ 277، وفي سنده عند الطبراني خالد بن يزيد العمري كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. ميزان الاعتدال 1/ 646، وفيه عند المروزي: عبدالملك بن قدامة: ضعيف تق 364، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار: صدوق يخطئ تق 344، وفي إسناده عند بقية من رواه جعفر بن أبي المغيرة القمي عن سعيد بن جبير، قال الذهبي: صدوق، وذكره ابن أبي حاتم وما نقل توثيقه بل سكت. وقال ابن منده: ليس هو بالقوي في سعيد بن جبير. ميزان الاعتدال 1/ 417، وهذا الحديث من رواية جعفر عن سعيد بن جبير عن أنس ابن مالك رضي الله عنه، ورواه بعض من رواه موقوفاً على سعيد، فالحديث ضعيف.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء بعد النبيين على رجل خير منك يا عمر"
(1)
.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن لهذا الدين إقبالاً وإدباراً، ألا وإن من
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 432. ابن الأثير / أسد الغابة 2/ 147، وفي إسناده عند أحمد عبدالله بن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه. تق 319، وفيه علي بن عمر بن علي بن الحسن وثقه ابن حبان، وقال ابن حجر: مستور، من الثامنة. تق 404، وهو أيضاً معضل من رواية علي بن عمر المذكور عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، ونقله ابن الأثير عن ابن منده بسنده عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه ونصه:"ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، ولا ولد النساء بعدي أفضل من أبي بكر ثم عمر"، وهذا السند رجاله ثقات ولكني لم أطلع على رجال السند من ابن منده إلى هدبة، فالأثر ضعيف من لفظ أحمد.
إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها، حتى لا يبقى إلا الفاسق، والفاسقان ذليلان فيها، إن تكلما قهرا أو اضطهدا، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها، فلا يبقى إلا الفقيه والفقيهان فهما ذليلان، إن تكلما قهرا واضطهدا، ويلعن آخر هذه الأمة أولها، ألا وعليهم حلت اللعنة حتى يشربوا الخمر علانية، حتى تمر المرأة بالقوم، فيقوم إليها بعضهم فيرفع بذيلها كما يرفع بذنب النعجة، فقائل يقول يومئذ: ألا وار منها وراء الحائط، فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم
…
"
(1)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من حجة الوداع صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا
(1)
رواه الفزاري / السير ص 316، 317، أحمد بن منيع / المسند، إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 3/ 187، 188، الطبراني / المعجم الكبير 8/ 234، الحاكم / المستدرك 4/ 495، وفي سنده عند الفزاري وابن منيع عبيدالله بن زحر، قال ابن المديني: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. ميزان الاعتدال 3/ 6، وفيه عندهما وعند الطبراني علي بن يزيد الألهاني، قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال الدراقطني: متروك. ميزان الاعتدال 3/ 161، وفيه عند الحاكم سليمان بن أبي سليمان اليمامي، قال الحاكم: هالك، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: ضعيف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. ميزان الاعتدال 2/ 202، فالحديث ضعيف جداً.
ذلك له، يا أيها الناس إني راض عن أبي بكر وعمر
…
"الحديث
(1)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "لا يتأمر عليكما أحد بعدي"
(2)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر حين استأذنه في العمرة: "أي أخيَّ أشركنا في دعائك ولا تنسا"
(3)
.
(1)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 6/ 104، الخطيب / تاريخ بغداد 2/ 118، 119. ابن الأثير/ أسد الغابة 2/ 369، كلهم من طريق خالد بن عمرو القرشي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال صالح جزرة: يضع الحديث، وقال ابن الأثير بعد ذكره لهذا الأثر خالد بن عمرو: منكر الحديث متروكه، فالحديث ضعيف جداً، ومعناه صحيح.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 211، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 351، البلاذري / أنساب الأشراف ص 85، 86، تمام الرازي / الفوائد 2/ 230، 231، وإسناده عند ابن سعد وابن أبي شيبة والبلاذري رجاله ثقات لكنه معضل يرويه عن عمر بسطام بن مسلم ثقة من السابعة لم يدرك زمان عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند تمام إسحاق بن الحسن الطحان، لم أجد له ترجمة، وفيه موسى بن ناصح ذكره الخطيب البغدادي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، تاريخ بغداد 13/ 39، ومعنى الأثر صحيح فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يتأمر عليها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
روا ابن سعد / الطبقات 3/ 273، أحمد / المسند 1/ 29، عبد بن حميد / المنتخب ص: 241، الفاكهي / أخبار مكة 1/ 407، الترمذي / السنن 5/ 220، البلاذري / أنساب الأشراف ص 162، البزار / المسند 1/ 231، أبو يعلى / المسند 6/ 376، ابن السني / عمل اليوم والليلة ص 342، البيهقي / شعب الإيمان 6/ 502، وفي إسناده عند ابن سعد سعيد بن حميد الثقفي الوراق ضعيف. تق 240، وفيه إعضال فإن الوليد بن أبي هشام، صدوق من السادسة لم يدرك عمر رضي الله عنه، ومداره عند بقية من رواه علي عاصم بن عبيد الله بن عاصم ضعيف من الرابعة. تق 285، فالأثر ضعيف، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي ص 468.
وروي أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: يا محمد لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثل لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفذت فضائل عمر"
(1)
.
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 429، أبو يعلى / المسند 3/ 179، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/ 252، ومداره على الوليد بن الفضل العنزي، قال ابن حبان: يروي الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به بحال. ميزان الاعتدال 4/ 343، فالحديث موضوع.
ثانياً: موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لرأي عمر رضي الله عنه وقوله:
وذلك في مواقف هي:
1 - مشروعية الأذان:
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم، فنادي بالصلاة
(1)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 113، 114، مسلم / الصحيح 4/ 75، 76، أحمد / المسند 2/ 148، وغيرهم.
وفي رواية عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه: "أنه رأى الأذان في المنام، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى فقال صلى الله عليه وسلم: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك"، قال فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد"، رواه محمد بن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 2/ 176 - 178، عبد الرزاق / المصنف 1/ 455، 456، وابن سعد/ الطبقات 1/ 247، 248، أحمد/ المسند 4/ 43، 5، 232، 246، أبو داود / السنن 1/ 134 - 140، الترمذي / السنن 1/ 122، 123، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 3/ 476، 477، وسنده عند ابن إسحاق متصل ورجاله ثقات سوى ابن إسحاق فهو صدوق، ورواه أبو داود والترمذي من طريق ابن إسحاق ورواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات إلى ابن المسيب باختلاف يسير وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة من الثانية ولكنه لم يسمع من عبد الله بن زيد واختلف في سماعه من عمر، فالحديث بمجموع طرقه صحيح لغيره، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 98، 99، وقد ذكر العلماء أن رؤيا عبد الله بن زيد للأذان ورؤيا عمر رضي الله عنه أتت بعد تشاورهم في كيفية النداء للصلاة الواردة في الصحيح، انظر: ابن حجر / فتح الباري 2/ 76 - 82.
2 - عدم تبشير الناس بفضل لا إله إلا الله:
قال أبو هريرة رضي الله: عنه كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً
(1)
للأنصار، لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد له، فإذا ربيع
(2)
يدخل في جوف الحائط من بئر خارجه، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أبو هريرة؟ " قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما "شأنك؟ " قلت: كنت بين
(1)
الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 461، 462.
(2)
الربيع: الجدول. ابن منظور / لسان العرب 5/ 116.
أظهرنا، فقمت، فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي، فقال:"يا أبا هريرة"، وأعطاني نعليه، فقال:"اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة"، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثدي، فخررت لأستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجهشت بكاء، وركبني عمر، فإذا هو على إثري، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مالك يا أبا هريرة؟ " قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثدي ضربة خررت لأستي، قال: ارجع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عمر، ما حملك على ما فعلت؟ " فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بَشره بالجنة؟ قال:"نعم"، قال: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فخلهم"
(1)
.
(1)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 1/ 233، 240، أحمد / المسند 4/ 402، 411 وغيرهما.
3 - جمع أزواد الجيش والدعاء عليها يوم تبوك.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: لما كانت غزوة تبوك
(1)
أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا
(2)
، فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"افعلوا"، فجاء عمر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم ثم أدع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فدعا بنطع، فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم قال: خذوا أوعيتكم، فأخذوا أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤوه، فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد
(1)
تَبوك: أصبحت اليوم مدينة من مدن شمال الحجاز الرئيسية لها إمارة تعرف بإمارة تبوك، تبعد عن المدينة شمالاً 778 كم على طريق معبده. عاتق البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 59.
وكانت غزوة تبوك في رجب سنة تسع من الهجرة. مهدي رزق الله/ السيرة في ضوء المصادر، ص:614.
(2)
الناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه الماء. ابن منظور / لسان العرب 14/ 174. والمراد به في الحديث البعير.
غير شاك فيحجب عن الجنة
(1)
.
4 - إعطاء أبي قتادة
(2)
رضي الله عنه سلب قتيله يوم حنين
(3)
.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: "من قتل كافراً فله سلبه" فقتل أبو طلحة"
(4)
يومئذ عشرين رجلاً، فأخذ أسلابهم، وقال أبو قتادة: يا رسول الله: إني ضربت رجلاً على حبل العاتق وعليه درع، فأجهضت
(5)
عنه، فانظر من أخذها، فقام رجل، فقال: أنا أخذتها، فارضه منها وأعطنيها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، أو
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 167، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 1/ 221 - 226، وغيرهما.
(2)
أبو قتادة الأنصاري الحارث بن ربعي، شهد أحداً وما بعدها، مات سنة 54 هـ-. تق 666.
(3)
حُنين: واد من أودية مكة يقع شرقها بقرابة 30 كم يسمى وادي الشرائع على 28 كم من المسجد الحرام على طريق الطائف. انظر: البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 107.
وكانت غزوة حنين في العاشر من شوال سنة ثمان من الهجرة. مهدي رزق الله / السيرة في ضوء المصادر، ص:583.
(4)
أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل من كبار الصحابة، شهد بدراً وما بعدها، مات سنة 34 هـ. تق 223.
(5)
فأجهَضه عن مكانه: أي أزاله. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 322.
سكت، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: لا والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"صدق عمر"
(1)
.
5 - ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فقام رجل يصلي بعدها فأخذ عمر بن الخطاب بردائه أو ثوبه،
وقال: اجلس، فإنما هلك أهل الكتاب قبلكم لأنه لم يكن لصلاتهم فصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق ابن الخطاب"
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 419، أحمد / المسند 3/ 279، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 4/ 242، ابن حبان / الصحيح 7/ 161 - 163، الحاكم / المستدرك 2/ 130، وسنده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا عفان، قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن هوازن
…
الأثر. فالحديث صحيح.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 2/ 432، أحمد / المسند 5/ 368، أبو داود / السنن 1/ 264، أبو يعلى / المسند 13/ 107، الطبراني / مجمع البحرين 2/ 258، 259، البيهقي / السنن الكبرى 2/ 190، وإسناده عند عبد الرزاق وأبي يعلى متصل ورجاله ثقات سوى عبد الله بن سعيد بن أبي هند فهو صدوق. تق 306، وفيه إبهام بشيخ عبد الله بن رباح الأنصاري حيث قال فيه عن رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يضر ذلك الإبهام لعدالة الصحابة رضوان الله عليهم، وفي إسناده عند بقية من رواه المنهال بن خليفة ضعيف. تق 547، فالحديث حسن من طريق عبدالرزاق وأبي يعلى، وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث في ضعيف سنن أبي داود ص 98، 99.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف"، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وهكذا بيده"، وجمع كفيه، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم:"وهكذا"، وجمع كفيه، فقال عمر: حسبك يا أبا بكر، فقال أبو بكر: دعني يا عمر، ما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا، فقال عمر: إن الله إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق عمر"
(1)
.
وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال: إن امرأة جاءت تبايعني فأدخلتها الدولج
(2)
، فأصبت منها ما دون الجماع، فقال: ويحك لعلها مغيب في سبيل الله؟ فقال: أجل، قال: فأت أبا بكر فاسأله. قال: فأتاه فسأله، فقال: لعلها مغيب في سيبل الله؟ قال: أجل. قال: فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "لعلها مغيب في سبيل
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 286، أحمد / المسند 3/ 165، 193، فضائل الصحابة 1/ 445، ابن أبي عاصم / السنة ص 262، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 7/ 166، أبو نعيم / معرفة الصحابة 2/ق 107/ أ، ومداره على قتادة بن دعامة وهو مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالحديث ضعيف.
(2)
الدَّولجَ: المخدع وهو البيت الصغير داخل البيت الكبير. ابن منظور / لسان العرب 4/ 386.
الله"؟ قال: أجل، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قوله تعالى:{وأقم الصَّلوة طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
(1)
.
فقال الرجل: ألي خاصة يا رسول الله أم للناس عامة؟
فضرب عمر صدره وقال: لا ولا نعمة عين بل للناس عامة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"صدق عمر"
(2)
.
ومن الأحاديث المروية في علو منزلة عمر رضي الله عنه ومكانته من النبي صلى الله عليه وسلم ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيري من أهل الأرض فأبو بكر وعمر"
(3)
.
(1)
سورة هود الآية 114.
(2)
رواه أحمد / المسند 1/ 245، الحارث بن أبي أسامة / المسند / بغية الباحث للهيثمي 2/ 723، الطبراني / المعجم الكبير 12/ 215، 216، ومداره على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. تق 401، فالحديث ضعيف. وأصل الحديث في صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 355) وفيه أن الرجل قال لما نزلت الآية: ألي هذه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لمن عمل بها من أمتي وليس فيه ذكر لعمر رضي الله عنه.
(3)
رواه الجعد/ المسند 2/ 789، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 134، 164، 425، الترمذي / السنن 5/ 278، 279، البلاذري / أنساب الأشراف ص 254، الطبراني / المعجم الكبير 11/ 79، بحشل / تاريخ واسط ص 230، 231، وفي إسناده عند الجعد سوار بن مصعب الهمداني، قال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، الجرح والتعديل / ابن أبي حاتم 4/ 271، 272، وفيه عند أحمد معلى بن هلال بن سويد الحضرمي، اتفق الأئمة على تركه وتكذيبه. تق 541، وفيه عند الترمذي تليد بن سليمان المحاربي، قال ابن حجر: رافضي ضعيف. تق 130، وفيه عطية بن سعد بن جنادة العوفي من مدلسي الطبقة الرابعة، وهو صدوق يخطئ كثيراً تق: 393، وتعريف أهل التقديس ص 130. ولم يصرح بالسماع، وفيه عند البلاذري، وبحشل ليث بن أبي سليم زنيم، صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه، فترك تق 464، وفيه عند الطبراني محمد بن مجيب الثقفي الصايغ متروك تق 505، فالحديث ضعيف جداً، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 492.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن كل نبي أعطي سبعة نجباء
(1)
، رفقاء أو قال: رقباء، وأعطيت أنا أربعة عشر، قلنا: من هم؟ قال: علي بن أبي طالب رضي الله عنه (راوي الحديث): أنا وابناي، وجعفر وحمزة، وأبو بكر، وعمر
…
" الحديث
(2)
.
(1)
النجيب: الفاضل. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 5/ 17.
(2)
رواه عبد الرزاق / التفسير 2/ 290، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 136، 137، 227، 228، المسند 1/ 142، 148، 149، الترمذي / السنن 5/ 329، ابن أبي عاصم / السنة ص 603، الآحاد والمثاني 1/ 190، الطحاوي / مشكل الآثار 4/ 17 - 19، الطبراني / المعجم الكبير 6/ 215، 216، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 128، ومداره علي عبد الله بن مليل البجلي ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 5/ 168، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 43، وفيه عند بعضهم أيضاً كثير النواء ضعفه أبو حاتم والنسائي، وقال السعدي: زائغ. ميزان الاعتدال 3/ 402، وقد ضعف الشيخ الألباني هذا الحديث في ضعيف الترمذي ص 509.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبي خاصة، وإن خاصتي من أمتي أبو بكر وعمر
(1)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر يحفر، فقال:"قبر من هذا"؟ قالوا قبر فلان الحبشي، قال:"سبحان الله سبق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها".
قال الرواي: ما أعلم لأبي بكر وعمر فضيلة أفضل من أن يكونا خلقا من التربة التي خلق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 10/ 94، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 104، وفي سنده عند الطبراني عبد الله بن معمر البصري، قال الأزدي: متروك الحديث. ميزان الاعتدال 2/ 507، وفيه عند ابن عساكر عبد الرحيم بن حماد الثقفي السندي، قال الذهبي: هذا شيخ واهٍ. المصدر السابق 2/ 604، فالحديث ضعيف جداً.
(2)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 360، 361، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 355، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 105، 106، وإسناده عند أحمد فيه إعضال يرويه عبد الله بن سوار بن عبد الله العنزي، وهو ثقة من التاسعة. تق 207، عن عمر رضي الله عنه، وفيه عند أبي القاسم التيمي محمد ابن الحسن النقاش متهم بالكذب والوضع. ميزان الاعتدال 5/ 380، وفيه عند ابن عساكر أحمد بن الحسن بن أبان متهم بالوضع والكذب. ميزان الاعتدال 1/ 89، 90، وفيه موسى بن سهل بن هارون الرازي، قال الذهبي: عن أبي إسحاق الأزرق بخبر باطل عن الثوري، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله مرفوعاً: خلقت أنا وأبو بكر وعمر من تربة واحدة وفيها ندفن. ميزان الاعتدال 4/ 206، فالحديث موضوع.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد وأبو بكر وعمر، وهو آخذ بأيديهما، فقال:"هكذا نبعث"
(1)
.
وروي كذلك عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبا بكر ثم عمر"
(2)
.
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 105، 164، 202، 395، الترمذي/ السنن 5/ 274، ابن أبي عاصم / السنة ص 602، 603، الطبراني / مجمع البحرين / الهيثمي 6/ 232، الحاكم/ المستدرك 3/ 68، 4/ 280، الخطيب / تاريخ بغداد 4/ 365، وفي إسناده عند سائر من رواه سوى الطبراني سعيد بن مسلمة الأموي، ضعيف. تق 241، وفيه عند الطبراني خالد بن يزيد العمري كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. ميزان الاعتدال 1/ 646. فالأثر ضعيف جداً.
(2)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 150، 231، 351، 411، الفاكهي / أخبار مكة 3/ 70، 71، الترمذي / السنن 5/ 285، الطبراني / المعجم الكبير 12/ 305، الحاكم / المستدرك 2/ 465، 3/ 68، ابن عساكر / تاريخ دمشق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ص: 161، 162، ومداره على عاصم بن عمر العمري، ضعيف. تق 286، ورواه ابن عساكر من طريق آخر وفيه القاسم بن عبدالله بن عمر بن حفص العمري، متروك تق 450. فالأثر ضعيف.
المطلب الثاني: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسعة علمه،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الأحاديث الدالة على كمال دينه وقوة إيمانه وفرار الشيطان منه.
ومن فضائل عمر رضي الله عنه شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بصدق الإيمان وكمال الدين وفرار الشيطان منه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال: "بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها، فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم، فإني أومن بهذا وأبو بكر وعمر وما هما ثم، وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب، فذهب منها بشاة، فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب: هذا استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري، فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم، فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم"
(1)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 45، 46، 261، 290، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 156، 157، الترمذي / السنن 5/ 279، وغيرهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض على عمر وعليه قميص اجتره"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "الدين"
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر"
(2)
.
وأخبر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وهو صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببراءته من النفاق.
فقال حذيفة رضي الله عنه: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد، فقال لي: يا حذيفة، إن فلاناً قد مات، فاشهد، ثم مضى
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 295، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 159، الدارمي / السنن 2/ 127، وغيرهم.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 225، ابن سعد / الطبقات 3/ 291، أحمد / المسند 3/ 184، فضائل الصحابة 1/ 446، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/ 479، البلاذري / أنساب الأشراف ص 223، ابن أبي عاصم / السنة ص 568، النسائي / السنن الكبرى 5/ 67، 68، أبو يعلى / المسند 10/ 141، الطبراني / مجمع البحرين / الهيثمي 6/ 418، 419، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة به عن أنس وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 227.
حتى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إلي فرآني وأنا جالس، فعرف، فرجع إلي، فقال: يا حذيفة: أنشدك بالله، أمن القوم أنا؟ قلت: اللهم لا، ولن أبرئ أحداً بعدك، قال حذيفة: فرأيت عيني عمر جادتا
(1)
.
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصحابي من لا يراني، ولا أراه بعد أن أموت أبداً"، فأتاها عمر رضي الله عنه، فقال: أنشدك بالله أنا منهم؟ فقالت: لا، ولن أبرئ أحداً بعدك
(2)
.
ومن فضائل عمر رضي الله عنه التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرار الشيطان منه، فقد استأذن رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة يكلمنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فقال عمر رضي الله عنه: أضحك الله
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 481، الفسوي / المعرفة والتاريخ 2/ 769، وكيع / الزهد 3/ 791، الخرائطي / مساوئ الأخلاق ص 144، 145، وإسناده عند وكيع متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا ابن أبي خالد، قال: سمعت زيد بن وهب الجهني عن حذيفة، فالأثر صحيح.
(2)
رواه أحمد / المسند 6/ 290، أبو يعقوب بن الصلت / مسند عمر ص 90، 91، أبو يعلى/ المسند 12/ 435، 436، الطبراني / المعجم الكبير 22/ 317، 318، 394، صحيح من طريق أحمد. قال: حدّثني أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش عن شقيق عن أم سلمة.
سنك يا رسول الله، فقال:"عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب"، قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن، ثم قال: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجّاً إلا وسلك فجّاً غير فجك"
(1)
.
وكان الحبشة يلعبون بالحراب والنبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها ينظران إليهم، فلما جاء عمر تفرقوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لما جاء عمر تفرقت الشياطين"
(2)
.
وجاءت أمة سوداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من بعض مغازيه، فقال: إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف،
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 223، 249، 3/ 63، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 164، 165، أحمد / المسند 1/ 171، 182، 187 وغيرهم.
وفي هذا الأثر دلالة على غلظة عمر وشدته في الدين.
(2)
رواه الحميدي / المسند 1/ 123، 124، الترمذي / السنن 5/ 284، 285، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 71، 72، 84، صحيح من طريق الحميدي. قال: ثنا سفيان، قال: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 206، 207.
فقال صلى الله عليه وسلم: "إن كنت فعلت فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي" فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ودخل غيره وهي تضرب، ثم دخل عمر، فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن الشيطان ليفر منك يا عمر"، أنا جالس ها هنا ودخل هؤلاء، فلما دخلت فَعَلت ما فَعَلت"
(1)
.
ومن الأحاديث الضعيفة الواردة في كمال دين عمر رضي الله عنه ما روي من أن المراد بصالح المؤمنين في قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}
(2)
هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 356، أحمد / المسند 5/ 353، فضائل الصحابة 1/ 333، 334، 392، الترمذي / السنن 5/ 283، 384، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا زيد بن الحباب ثنا حسين حدّثني عبد الله بن بريدة عن أبيه أن أمه
…
الأثر. وصحّحه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 206.
(2)
سورة التحريم الآية (4).
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 356، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 128، 129، 167، 246، 259، 341، 400، 416، الطبراني / المعجم الكبير 10/ 253، مجمع البحرين للهيثمي 6/ 78، 79، 228، 229، الحاكم / المستدرك 3/ 69، 70، وسنده عند ابن أبي شيبة فيه خلف بن خليفة شيخ ابن أبي شيبة صدوق اختلط ولم يتبين لي هل رواية ابن أبي شيبة عنه قبل اختلاطه أم بعده، وفيه انقطاع فهو من رواية سعيد بن جبير وهو ثقة من كبار التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أحمد من طرق عدة لا تخلو من مقال، ففي أحدها مقاتل بن سليمان متروك متهم بالكذب. ميزان الاعتدال 4/ 173، وفي الثانية وهي من زيادات عبد الله بن أحمد، محمد بن أبان بن صالح بن عمير ضعفه أبو داود وابن معين، وقال البخاري: ليس بالقوي. ميزان الاعتدال 3/ 453، وفي الثالثة الضحاك بن مزاحم الهلالي صدوق من الخامسة، روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة، وفي إسناده عند الحاكم موسى بن عمير، قال الذهبي: واهٍ، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث كذاب. ميزان الاعتدال 4/ 215، وفيه عند الطبراني موسى بن جعفر بن أبي كثير مجهول، قال ابن حجر: لم أقف على اسمه ولا أعرف حاله، لسان الميزان 6/ 114، وقال الذهبي: خبره ساقط، ميزان الاعتدال 4/ 201، وله عنده طريق آخر وفيه فرات بن السائب ضعيف، منكر الحديث كما قال البخاري، وقال الدارقطني وغيره: متروك. ميزان الاعتدال 3/ 341، فالحديث ضعيف.
وروي كذلك أن الصادقين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
(1)
هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
(2)
.
(1)
سورة التوبة الآية 119.
(2)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 341، وفي إسناده العلاء بن سلمة بن عثمان الراسبي، قال الأزدي: لا تحل الرواية عنه، وقال ابن طاهر: كان يضع لحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. ميزان الاعتدال 3/ 105، وفيه إسحاق بن بشر بن مقاتل، قال مطين: ما سمعت أبا بكر بن أبي شيبة كذب أحداً إلا إسحاق بن بشر، وكذبه موسى بن هارون، وأبو زرعة، وقال الدارقطني: هو في عداد من يضع الحديث، فالحديث موضوع.
المسألة الثانية: الأحاديث الدالة على سعة علمه وأن الحق يؤيده.
ومن فضائل عمر رضي الله عنه، شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بسعة علمه وصحته وصوابه، وأن قوله وعمله يوافق الحق، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم"
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه"
(2)
.
(1)
صحيح، تقدم تخريجه في ص:162.
(2)
رواه أحمد / المسند 2/ 53، 95، 401، 5/ 145، 165، فضائل الصحابة 1/ 250، 251، 299، 356، 357، 358، 359، 431، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/ 227، الترمذي / السنن 5/ 280، البلاذري / أنساب الأشراف ص 150، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/ 467، ابن أبي عاصم / السنة ص 567، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 861، 862، ابن حبان / الصحيح 9/ 21، 22، الطبراني / المعجم الكبير 1/ 354، مجمع البحرين / للهيثمي 6/ 244، 245، 246، وغيرهم.
وهو عند أحمد في المسند مروي من عشرة طرق وهي كالآتي:
1 -
قال: ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر. ورجاله ثقات سوى نافع بن أبي نعيم فهو صدوق تق: 558.
ومن طريق نافع بن أبي نعيم رواه الخرائطي.
2 -
حدّثنا أبو عامر، حدّثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر. رجاله ثقات سوى خارجة فهو صدوق. وتابع فيه خارجة نافع بن أبي نعيم عن نافع مولى ابن عمر ومن طريق خارجة رواه الترمذي.
3 -
ثنا نوح بن ميمون أنا عبد الله يعنى العمري عن جهم بن أبي الجهم عن مسور بن مخرمة عن أبي هريرة.
وفي الإسناد عبد الله العمري ضعيف تق: 314. وجهم بن أبي الجهم ذكره ابن حبان في الثقات 4/ 113. وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 521. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وبقية رجاله ثقات. ومن طريق الجهم رواه الطبراني في مجمع البحرين.
4 -
ثنا يزيد ثنا محمّد بن إسحاق عن محكول عن غضيف بن الحارث.
وفي الإسناد محمّد بن إسحاق بن يسار صدوق مدلّس ولم يصرح بالسماع. وغضيف بن الحارث هو السكوني ويقال: الثمالي، مختلف في صحبته. قال ابن حبان:"من قال الحارث بن غطيف وهم. ومنهم من فرق بينه وبين غطيف ابن الحارث فأثبت صحبته، وغطيف بن الحارث فقال: إنه تابعي وهو أشبه تق: 443". ولعل الصواب في الاسم الأخير: الحارث بن غطيف.
5 -
نا هارون بن معروف المروزي قتنا عبد العزيز بن محمّد الدراوردي، قال: أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
وفي الإسناد عبد العزيز الدراوردي صدوق يحدث من كتب غيره فيخطئ تق: 358. وسهيل بن أبي صالح صدوق تغير حفظه بآخره. تق: 259. وبقية رجاله ثقات.
6 -
قثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري قثنا ابن أبي حازم عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر. وفي الإسناد الضحاك بن عثمان صدوق يهم تق: 279. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
7 -
قثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قثنا محمّد بن أبي فديك عن عبد الرحمن بن الزناد عن ابن أبي عتيق عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
وفي الإسناد عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق مقبول تق: 344. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
8 -
حدّثنا جعفر، قال: حدّثني الحسن بن عليّ الرزار الواسطي قثنا يعقوب بن محمّد الزهري قثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر.
وفي الإسناد الحسن بن عليّ، لم أجد له ترجمة. ويعقوب بن محمّد صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء تق:608. والضحاك بن عثمان صدوق يهم تق: 279.
9 -
نا العباس بن جعفر بن أبي طالب نا قبيصة عن سفيان عن عبد الله بن سعيد عن مكحول عن أبي ذر.
وفي الإسناد قبيصة بن عقبة صدوق ربما خالف. وهو أيضاً منقطع لأن رواية مكحول عن أبي ذر مرسلة. انظر: جامع التحصيل ص: 285.
10 -
حدّثنا جعفر، قال: نا محمّد بن أبي السّريّ العسقلاني، قال: نا بشر بن بكر، قال: نا أبو بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد الرحبي عن غطيف بن الحارث عن بلال.
وفي الإسناد محمّد بن المتوكل بن عبد الرحمن صدوق له أوهام كثيرة تق: 504. وفيه بشر بن بكر التنيسي ثقة يغرب تق: 122. وفيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف كان بيته قد سرق فاختلط تق: 623.
ورواه ابن شبه فقال: أخبرنا أحمد بن محمّد الأزرقي، قال: خبرنا عبد الرحمن ابن حسن عن أيوب بن موسى.
وفي الإسناد عبد الرحمن بن حسن بن القاسم لم أجد له ترجمة وأيوب بن موسى لم أعرفه.
ورواه ابن أبي عاصم فقال: ثنا محمّد بن عبد الوهّاب الأزهري من ولد عبد الرحمن بن الأزهر، ثنا عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال أبو هريرة.
وفي الإسناد محمّد بن عبد الوهّاب الأزهري لم أجد له ترجمة وكذلك عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى العامري لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات.
ورواه الطبري فقال: حدّثنا محمّد بن الحسن ثنا عليّ بن سعيد المقري العكاوي، ثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ثنا مسعر عن وبرة بن عبد الرحمن عن غطيف.
وفي الإسناد عليّ بن سعيد المقري لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات.
ورواه من طريق آخر، فقال: حدّثنا جعفر بن إلياس بن صدقة الكباش ثنا عبد الله بن صالح حدّثني ابن وهب عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر.
وفي الإسناد عبد الله بن صالح الجهني صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه تق: 308.
فالحديث يرتقي بطرقه لدرجة الصحيح لغيره.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 - قال: ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر. ورجاله ثقات سوى نافع بن أبي نعيم فهو صدوق تق: 558.
ومن طريق نافع بن أبي نعيم رواه الخرائطي.
2 -
حدّثنا أبو عامر، حدّثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر. رجاله ثقات سوى خارجة فهو صدوق. وتابع فيه خارجة نافع بن أبي نعيم عن نافع مولى ابن عمر ومن طريق خارجة رواه الترمذي.
3 -
ثنا نوح بن ميمون أنا عبد الله يعنى العمري عن جهم بن أبي الجهم عن مسور بن مخرمة عن أبي هريرة.
وفي الإسناد عبد الله العمري ضعيف تق: 314. وجهم بن أبي الجهم ذكره ابن حبان في الثقات 4/ 113. وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 521. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وبقية رجاله ثقات. ومن طريق الجهم رواه الطبراني في مجمع البحرين.
4 -
ثنا يزيد ثنا محمّد بن إسحاق عن محكول عن غضيف بن الحارث.
وفي الإسناد محمّد بن إسحاق بن يسار صدوق مدلّس ولم يصرح بالسماع. وغضيف بن الحارث هو السكوني ويقال: الثمالي، مختلف في صحبته. قال ابن حبان:"من قال الحارث بن غطيف وهم. ومنهم من فرق بينه وبين غطيف ابن الحارث فأثبت صحبته، وغطيف بن الحارث فقال: إنه تابعي وهو أشبه تق: 443". ولعل الصواب في الاسم الأخير: الحارث بن غطيف.
5 -
نا هارون بن معروف المروزي قتنا عبد العزيز بن محمّد الدراوردي، قال: أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
وفي الإسناد عبد العزيز الدراوردي صدوق يحدث من كتب غيره فيخطئ تق:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
358. وسهيل بن أبي صالح صدوق تغير حفظه بآخره. تق: 259. وبقية رجاله ثقات.
6 -
قثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري قثنا ابن أبي حازم عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر. وفي الإسناد الضحاك بن عثمان صدوق يهم تق: 279. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
7 -
قثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قثنا محمّد بن أبي فديك عن عبد الرحمن بن الزناد عن ابن أبي عتيق عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
وفي الإسناد عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق مقبول تق: 344. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
8 -
حدّثنا جعفر، قال: حدّثني الحسن بن عليّ الرزار الواسطي قثنا يعقوب بن محمّد الزهري قثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر.
وفي الإسناد الحسن بن عليّ، لم أجد له ترجمة. ويعقوب بن محمّد صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء تق:608. والضحاك بن عثمان صدوق يهم تق: 279.
9 -
نا العباس بن جعفر بن أبي طالب نا قبيصة عن سفيان عن عبد الله بن سعيد عن مكحول عن أبي ذر.
وفي الإسناد قبيصة بن عقبة صدوق ربما خالف. وهو أيضاً منقطع لأن رواية مكحول عن أبي ذر مرسلة. انظر: جامع التحصيل ص: 285.
10 -
حدّثنا جعفر، قال: نا محمّد بن أبي السّريّ العسقلاني، قال: نا بشر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بن بكر، قال: نا أبو بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد الرحبي عن غطيف بن الحارث عن بلال.
وفي الإسناد محمّد بن المتوكل بن عبد الرحمن صدوق له أوهام كثيرة تق: 504. وفيه بشر بن بكر التنيسي ثقة يغرب تق: 122. وفيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف كان بيته قد سرق فاختلط تق: 623.
ورواه ابن شبه فقال: أخبرنا أحمد بن محمّد الأزرقي، قال: خبرنا عبد الرحمن ابن حسن عن أيوب بن موسى.
وفي الإسناد عبد الرحمن بن حسن بن القاسم لم أجد له ترجمة وأيوب بن موسى لم أعرفه.
ورواه ابن أبي عاصم فقال: ثنا محمّد بن عبد الوهّاب الأزهري من ولد عبد الرحمن بن الأزهر، ثنا عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال أبو هريرة.
وفي الإسناد محمّد بن عبد الوهّاب الأزهري لم أجد له ترجمة وكذلك عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى العامري لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات.
ورواه الطبري فقال: حدّثنا محمّد بن الحسن ثنا عليّ بن سعيد المقري العكاوي، ثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ثنا مسعر عن وبرة بن عبد الرحمن عن غطيف.
وفي الإسناد عليّ بن سعيد المقري لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات.
ورواه من طريق آخر، فقال: حدّثنا جعفر بن إلياس بن صدقة الكباش ثنا عبد الله بن صالح حدّثني ابن وهب عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر.
وفي الإسناد عبد الله بن صالح الجهني صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه تق:: 623.
ورواه ابن شبه فقال: أخبرنا أحمد بن محمّد الأزرقي، قال: خبرنا عبد الرحمن ابن حسن عن أيوب بن موسى.
وفي الإسناد عبد الرحمن بن حسن بن القاسم لم أجد له ترجمة وأيوب بن موسى لم أعرفه.
ورواه ابن أبي عاصم فقال: ثنا محمّد بن عبد الوهّاب الأزهري من ولد عبد الرحمن بن الأزهر، ثنا عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال أبو هريرة.
وفي الإسناد محمّد بن عبد الوهّاب الأزهري لم أجد له ترجمة وكذلك عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى العامري لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات.
ورواه الطبري فقال: حدّثنا محمّد بن الحسن ثنا عليّ بن سعيد المقري العكاوي، ثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ثنا مسعر عن وبرة بن عبد الرحمن عن غطيف.
وفي الإسناد عليّ بن سعيد المقري لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات.
ورواه من طريق آخر، فقال: حدّثنا جعفر بن إلياس بن صدقة الكباش ثنا عبد الله بن صالح حدّثني ابن وهب عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر.
وفي الإسناد عبد الله بن صالح الجهني صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه تق: 308.
فالحديث يرتقي بطرقه لدرجة الصحيح لغيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا"، قال ذلك ثلاث مرات
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمر بن الخطاب"
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر"
(3)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 278، 279، الجعد / المسند 2/ 1096، 1099، ابن سعد / الطبقات 1/ 180 - 182، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 412، 413، أحمد / المسند 5/ 298، 302، أبو يعلى / المسند 7/ 234، 235، 236، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
(2)
تقدم تخريجه في ص: 195.
(3)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 346، ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 288، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/ 462، 2/ 500، الترمذي / السنن 5/ 281، 282، الطبراني / المعجم الكبير 17/ 180، مجمع البحرين / للهيثمي 6/ 247، 248،، الحاكم / المستدرك 3/ 85، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 358، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 100 - 102. ابن الأثير / أسد الغابة 4/ 64، وسنده عند الترمذي متصل ورجاله ثقات سوى مشرح ابن عاهان، قال أحمد بن حنبل: معروف ووثقه ابن معين والعجلي، وقال الدارمي: ليس بذاك، وهو صدوق، وقال ابن حجر: مقبول، ومداره عند أحمد وابن عبد الحكم والفسوي والحاكم والبيهقي وابن الأثير على مشرح، ولا تخلوا بقية طرقه من مقال ففيه عند الطبراني عبد المنعم بن بشير الأنصاري، ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن حبان وابن يونس: منكر الحديث، واتهمه الحاكم بالوضع، وكذبه أحمد. ميزان الاعتدال 2/ 669، لسان الميزان 4/ 74، وفيه عند الطبراني في المعجم الكبير أحمد بن محمد بن الحجاج، قال ابن عدي: كذبوه. ميزان الاعتدال 1/ 258، وفيه الفضل بن المختار أبو سهل البصري، قال الأزدي: منكر الحديث جداً، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها. ميزان الاعتدال 3/ 358، وفيه عند ابن عساكر زكريا بن يحيى أبو يحيى الوقار، قال ابن عدي: يضع الحديث، الكامل 3/ 1071، فالحديث حسن من طريق الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"
(1)
.
(1)
رواه أحمد / المسند 4/ 126، 127، الدارمي / السنن 1/ 44، 45، أبو داود / السنن 4/ 200، 201، ابن ماجه / السنن 1/ 16، الترمذي / السنن 4/ 149، 150، الحاكم / المستدرك 1/ 96، 97، وفي إسناده عند أحمد معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام. تق 538، وفيه عبدالرحمن بن عمرو السلمي وثقه ابن حبان، وقال الذهبي في الكاشف: صدوق 1/ 638، وقال ابن حجر: مقبول تق 347، وبقية رجاله ثقات، وإسناده عند أبي داود متصل، ورجاله ثقات سوى عبد الرحمن بن عمرو السلمي المتقدم، وقال تابعه حُجْر بن حُجْر الكلاعي الحمصي، ذكره ابن حبان في الثقات 4/ 177، ووثقه الحاكم في المستدرك 1/ 96، 97، وقال ابن حجر: مقبول تق 154، فالحديث صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 8/ 107.
وقال صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر"
(1)
.
(1)
رواه الحميدي / المسند 1/ 214، ابن سعد / الطبقات 2/ 334، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 433، أحمد / المسند 5/ 382، 385، 399، فضائل الصحابة 1/ 186، 187، 238، 332، 333، 359، 426، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/ 480، الترمذي/ السنن 5/ 271، 272، البلاذري / أنساب الأشراف ص 25، 26، عبدالله بن أحمد / السنة ص 238، الخلال / السنة ص 274، 275، الطحاوي / مشكل الآثار 2/ 83 - 85، ابن حبان / الصحيح 9/ 24، 25، الطبراني / المعجم الكبير 9/ 67، 68، الحاكم / المستدرك 3/ 75، 76، أبو نعيم / حلية الأولياء 9/ 109، 110، وغيرهم.
وسنده عند الحميدي وابن سعد وأحمد رجاله ثقات، وفيه عبد الملك بن عمير ثقة مدلس، من الثالثة ولم يصرح بالسماع من ربعي بن حراش، ومدار الحديث عليه عند الترمذي والفسوي، وعبد الله بن أحمد والطحاوي والحاكم من طريق وأبي نعيم، وفيه عند ابن سعد من طريق سالم بن عبد الواحد المرادي الأنعمي أبو العلاء ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول. تق 227، وبقية رجاله ثقات.
وفي إسناده عند البلاذري والطبراني والحاكم من طريق آخر يحيى بن سلمة بن كهيل متروك تق 591، فالحديث بطريقيه الأوليين يرتقي لدرجة الحسن لغيره، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي 3/ 200، والله أعلم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ستحدث بعدي أشياء، فأحبها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر"
(1)
.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقولها بالحق عمر
…
"
(2)
.
(1)
رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 238، وفي إسناده عبد الملك بن أبي عياش عن عرزب رجل له صحبة، قال الذهبي: ذكره ابن أبي حاتم، مجهول. ميزان الاعتدال 2/ 661، وانظر: الجرح والتعديل 5/ 362، ونقل ابن حجر عن أبي حاتم قوله: عبد الملك بن أبي عياش عن عرزب وذكر الحديث الذي أتكلم عليه، وقال: هو وشيخه مجهولان، الإصابة 2/ 473، فالحديث ضعيف.
(2)
رواه الترمذي / السنن 5/ 297، ابن أبي عاصم / السنة ص 567، البزار / المسند 3/ 51، 52، أبو يعلى / المسند 1/ 418، 419، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 317، 318، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 121، ومداره على المختار بن نافع التيمي ويقال العكلي، قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال البخاري والنسائي، وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك. المزي / تهذيب الكمال 27/ 322، وقال ابن حجر: ضعيف تق 523، فالأثر ضعيف جداً، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 497.
وروي عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عمر يقول الحق، وإن كان مراً"
(1)
.
وروي كذلك عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "عمر بن الخطاب معي حيث أحب، وأنا معه حيث يحب، والحق بعدي مع عمر بن الخطاب حيث كان"
(2)
.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم"
(3)
.
(1)
رواه الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/ 456، بحشل / تاريخ واسط ص 131، الخلال / الأمالي ص 49، 50، الطبراني / المعجم الكبير 18/ 280، 281، مجمع البحرين للهيثمي 2/ 380 - 382، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 109، 110، 168، ابن الجوزي / المنتظم 4/ 28 - 30، ومداره على القاسم ابن يزيد بن عبد الله بن قسيط، قال الذهبي: حديثه منكر، ذكره العقيلي بطرق معللة، ثم ذكر الحديث الذي أتكلم عليه. ميزان الاعتدال 3/ 381، فالحديث ضعيف.
(2)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 37 وفي إسناده جعفر بن الزبير الشامي. متروك. تق 240 فالأثر ضعيف جداً.
(3)
رواه أحمد / المسند 1/ 108، 109، الحاكم / المستدرك 3/ 70، 142، الخطيب / تاريخ بغداد 3/ 31، 32، 11/ 47، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 200، 201. ابن الأثير / أسد الغابة 4/ 30، 31، الضياء المقدسي / المختارة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
2/ 86، وفي إسناده عند أحمد عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: شيخ، الجرح والتعديل 6/ 17، وهي عبارة لا تفيد جرحاً ولا تعديلاً كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال 2/ 385، وفيه أبو إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، ورواه ابن الأثير والمقدسي من طريق أحمد به مثله، ورواه الحاكم من طريقين في أحدهما تدليس أبي إسحاق، وفي الآخر علي بن عبد الله الحكيمي ذكره الخطيب في تاريخ بغداد ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 130/ 5، وفيه شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً، وفيه عثمان بن عمير ضعيف تق 386، وفي إسناده عند ابن عساكر عمرو بن عبد الغفار الفقيمي قال أبو حاتم: متروك الحديث واتهمه ابن عدي وابن المديني بالوضع. ميزان الاعتدال 3/ 272، فالأثر ضعيف.
المبحث الثاني: شهادة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعيين ومن بعدهم له بالفضل
المطلب الأول: شهادة الصحابة رضي الله عنهم لعمر رضي الله عنه بالفضل.
وفيه مطلبان
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون لعمر رضي الله عنه منزلته ومكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرفون له فضله وبلاءه في الإسلام، قال عبد الله بن حوالة
(1)
رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بجب رومة
(2)
، وهو يكتب الناس، فرفع رأسه إلي، فقال: يا عبد الله بن حوالة،
(1)
عبد الله بن حوالة، نسبه الواقدي في بني عامر بن لؤي، وقال الهيثمبن عدي: هو من الأزد وهو الأشهر في ابن حوالة أنه أزديّ، ويشبه أن يكون حليفاً لبني عامر بن لؤي. توفي بالشّام سنة ثمانين. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب 3/ 30.
(2)
الجُبُّ: البئر، وقيل: هي البئر التي لم تطو. وقيل: هي الجيدة الموضع من الكلأ. وقيل: مما وجد لا مما حفره الناس. ابن منظور / لسان العرب 2/ 162.
أما بئر رومة فهي: البئر التي اشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه عن أحد المزنيين وتصدق بها في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي بئر جاهلية قديمة. انظر: السمهودي / وفاء الوفاء. تقع هذه البئر في عرصة العقيق الكبرى، بقرب مجمع الأسيال (زغابة) بشمالي غربي المدينة، يبعد عنها نحو نصف ساعة، وقطرها 4 أمتار وعمقها 12 متراً، وهي غزيرة المياة، وماؤها عذب صافي خفيف للغاية، ولعذوبة مائها وغزارته رغب النبي صلى الله عليه وسلم في شرائها وجعلها وقفاً للمسلمين، وتستأجرها اليوم في سنة 1392 هـ وفيما قبلها وزارة الزراعة والمياة السعودية، وجعلتها حديقة عامة. عبد القدوس الأنصاري / آثار المدينة ص 240، 241، وانظر: أحمد الخياري / تاريخ معالم المدينة ص: 183.
أكتبك؟ فقلت: ما خار الله لي ورسوله، فجعل عليّ يرفع رأسه إلي فقال: أكتبك؟ فقلت: ما خار الله لي ورسوله، فرأيت في الكتاب أبا بكر وعمر، فقلت: إنهما لا يكتبان إلا في خير، فقلت: نعم، فكتبني
(1)
.
وقال أبو شريح الكعبي
(2)
رضي الله عنه: أذن لنا رسول الله في قتال بني بكر
(3)
حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 338، 449، ابن شبه / تاريخ المدينة 3/ 325، الفسوي / المعرفة والتاريخ 3/ 525، 526، ابن أبي عاصم / السنة ص 576، 577، الآحاد والمثاني 4/ 275. صحيح من طريق ابن أبي عاصم.
قال: ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن حواله، قال:
…
الحديث.
(2)
أبو شريح الخزاعي الكعبي اسمه خويلد بن عمرو أو عكسه، وقيل: عبد الرحمن ابن عمرو، وقيل: هانئ، وقيل: كعب، صحابي نزل المدينة مات سنة 68 هـ. تق 648.
(3)
بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/ 92.
برفع السيف، فلقي رهط منا الغد رجلاً من هذيل
(1)
في الحرم، يؤم
(2)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم، وكان قد وترهم
(3)
في الجاهلية، وكانوا يطلبونه، فقتلوه، وبادروا أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمن، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً، والله ما رأيته غضب غضباً أشد منه، فسعينا إلى أبي بكر وعمر نستشفعهم وخشينا أن نكون قد هلكنا
…
الحديث
(4)
.
(1)
هُذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان كانت ديارهم بالسروات، وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف، المصدر السابق 3/ 1213.
(2)
يؤم: أَمَّهُ يَؤُمه أَماً إذا قصده. ابن منظور / لسان العرب 1/ 212.
(3)
الوَتْر والوِترُ والوتيرة: الظلم في الذَّحل، والمَوتُور: الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه. المصدر السابق 15/ 204، 205.
(4)
رواه أحمد / المسند 4/ 31، 32، الفاكهي / أخبار مكة 2/ 253، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/ 398، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 71، وإسناده عند أحمد متصل ورجاله ثقات سوى مسلم بن نذير أو يزيد السعدي، قال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: صالح، وقال ابن حجر: مقبول. المزي / تهذيب الكمال 27/ 546، الكاشف 2/ 260. تق 531.
ورواه الفسوي والبيهقي من طريق مسلم بن يزيد وإسناده عند الفاكهي رجاله ثقات سوى محمد بن أبي عمر العدني فهو صدوق، وبقية رجاله ثقات، وفيه انقطاع لأنه من رواية عطاء بن يزيد الليثي، - وهو ثقة من الثالثة - عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالأثر حسن.
وقد شهد كبار الصحابة رضوان الله عليهم وخيارهم بعظم منزلة عمر رضي الله عنه بينهم وبفضله عليهم بعد صاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ابن أبي قحافة الصديق رضي الله عنه:
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نخير بين الناس زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان
(1)
.
وقال محمد بن الحنفية
(2)
رحمه الله تعالى: قلت لأبي: أي الناس خير بعدرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين
(3)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 289، 297، يحيى بن معين / التاريخ / رواية ابن محرز 2/ 61، 231، 232، أحمد / المسند 2/ 26 وغيرهم.
(2)
محمد بن علي بن أبي طالب أبو القاسم ابن الحنفية المدني، ثقة عالم من الثانية. تق 497.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 291، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 350، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 153، 154، 321، 382 وغيرهم.
وقال علي رضي الله عنه: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر
(1)
.
وقال رضي الله عنه: سبق رسول الله، وصلى
(2)
أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة ما شاء الله
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 351، أحمد / المسند 1/ 106، 110، 113، 114، 115، 125 - 128، فضائل الصحابة 1/ 76 - 80، 300، 301، ابن ماجه / السنن 1/ 39، ابن أبي عاصم / السنة ص 555 - 558، عبد الله ابن أحمد / السنة ص 237، 239، 240 - 242. صحيح من طريق عبد الله ابن أحمد. قال: حدّثني عمرو بن محمّد الناقد، حدّثنا سفيان بن أبي خالد عن الشعبي عن أبي جحيفة. وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه 1/ 24.
(2)
قال ابن الأثير رحمه الله: المُصَلِّى في خَيل الحلبة هو الثاني، سمي به لأن رأسه عند صَلا الأول، وهو ما عن يمين الذنب وشماله. النهاية في غريب الحديث 3/ 50.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 6/ 130، أحمد / المسند 1/ 124، 132، فضائل الصحابة 1/ 214 - 216، 387، البلاذري / أنساب الأشراف ص 40، ابن أبي عاصم / السنة ص 29، 230، 232، 233، الخلال / السنة ص 312، 313، المحاملي / الأمالي ص 215، 216، الطبراني / مجمع البحرين / الهيثمي 6/ 232، 233، أبو نعيم / حلية الأولياء 5/ 74، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 522، وهذا الأثر رواه سائر من رواه من ثلاث طرق اثنان منها عند أحمد في مسنده، والثالثة عند الطبراني الأولى فيها أبو هشام القاسم ابن كثير الخارفي، قال أبو حاتم: صالح، ووثقه النسائي، وقال الفسوي: لا بأس به. تهذيب الكمال 23/ 419. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول. تق 451، وفيها قيس الخارفي وثقه العجلي وابن حبان. تهذيب الكمال 24/ 91/ الحاشية. وقال ابن حجر: مقبول تق 458، وبقية رجالها ثقات ولا انقطاع فيها، وأما الثانية ففيها أبو إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وفيها شجاع بن الوليد صدوق له أوهام تق 264، وبقية رجالها ثقات. والثالثة متصلة ورجالها ما بين ثقة وصدوق سوى محمد بن مصطفى الحمصي فهو صدوق له أوهام تق 507، فالأثر حسن.
وقال سويد بن غفلة الجعفي
(1)
لعلي رضي الله عنه وقد دخل عليه في خلافته: يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له أهل من الإسلام، لأنهم يرون أنك تضمر لهما على مثل ذلك، وأنهم لم يجترؤا على ذلك إلا وهم يرون أنك موافق ذلك، ثم ذكر حديث خطبة علي رضي الله وكلامه في أبي بكر وعمر، وقوله في آخره: ألا ولن يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري
(2)
.
(1)
سويد بن غفلة أبو أمية الجعفي مخضرم من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مسلماً في حياته ثم نزل الكوفة. تق 260.
(2)
رواه الفزاري / السير ص 327، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 83، 294، 336، 337، ابن أبي عاصم / السنة ص 465، 466، 561، عبد الله بن أحمد / السنة ص 229، صحيح من طريق الفزاري. قال: ثنا شعبة عن سلمة ابن كهيل عن أبي الزعراء أو عن زيد بن وهب أن سويد بن غفلة الجعفي دخل على عليّ بن أبي طالب
…
الخ.
وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلغه أن رجلاً نال من أبي بكر وعمر فأتي به، فجعل يُعّرض بذكرهما، وفطن الرجل، فأمسك، فقال له علي: أما لو أقررت بالذي بلغني عنك لألقيت أكثرك شعراً
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه بلغه أن ابن السوداء (عبدالله بن سبأ
(2)
) يتنقص أبا بكر وعمر، فدعا به، ودعا بالسيف وهم بقتله، فكُلم فيه، فقال: لا يساكنني في بلد أنا فيه، فسيره إلى المدائن
(3)
.
(1)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 264، العشاري / فضائل أبي بكر ص 53، ومداره على سُلمى بن عبد الله الهذلي صاحب الحسن، قال الذهبي: واهٍ. ميزان الاعتدال 2/ 194، فالأثر ضعيف.
(2)
عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة، ضال مضل، أحسب أن علياً حرقه بالنار، وقد قال الجوزجاني: زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي، فنهاه علي بعدما هم به. ميزان الاعتدال 2/ 426.
(3)
المَدائِن: موقع أثري في العراق جنوبي بغداد على ضفتي مدينتي سلوقيه وقسطيفون عاصمة الفرثيين فتحها المسلمون بعد معركة القادسية، نقل المنصور أنقاضها لبناء بغداد. مركز قضاء بمحافظة بغداد. المنجد/ الأعلام ص 525 بتصرف.
رواه العشاري / فضائل الصديق ص 73، وفي إسناده مغيرة بن مقسم الضبي، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع وفيه إعضال لأنه من رواية شباك الضبي وهو ثقة من السادسة عن علي رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
وروي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: من فضل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أزرى
(1)
على المهاجرين والأنصار وأثنى عشر ألفاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كنا نعد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر
(3)
.
(1)
أزريت به إزراءً إذا قصرت به وتهاونت. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/ 302.
(2)
رواه الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/ 229، العشاري / فضائل أبي بكر ص: 65، ابن عساكر/تاريخ دمشق ص 323، ورجاله عند الطبراني ثقات سوى حازم بن جبلة بن أبي نضرة العبدي لم أجد له ترجمة، ومدار الأثر عليه.
(3)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 85، الحارث / المسند / بغية الباحث للهيثمي 2/ 888، 889، ابن أبي عاصم السنة ص 555، ابن الأعرابي / المعجم 2/ 408، وفي إسناده عند ابن أبي عاصم عبدالوهاب بن الضحاك، متروك كذبه ابن أبي حاتم. تق 368، ورواه سائر من رواه من طريق عمر بن عبيد صاحب الخُمر أبو حفص البصري، قال أبو حاتم: شيخ ضعيف الحديث، وذكره العقيلي في الضعفاء وقال: في حديثه اضطراب، الجرح والتعديل 6/ 123، لسان الميزان 4/ 316، فالأثر ضعيف ومعناه صحيح.
وأما الآثار الدالة على ثناء الصحابة رضوان الله عليهم ومحبتهم لعمر رضي الله عنه فكثيرة:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما دخل على عمر رضي الله عنه وقد كفن: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر
(1)
.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض، كان أجد ولا أجود حتى انتهى من عمر رضي الله عنه
(2)
.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان أحبهم إلي
(3)
.
(1)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص 394.
(2)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص 349.
(3)
رواه مسلم / الصحيح 6/ 110، 111، أحمد / المسند 1/ 20، 21، أبو داود / السنن 2/ 24.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كان عمر إذا سلك بنا طريقاً وجدناه سهلاً
(1)
.
وقال رضي الله عنه: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر
(2)
.
وقال: كان عمر للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه، ولا يخرج منه، فلما قتل انثلم الحصن
(3)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/ 37، 38، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 241، الدارمي / السنن 2/ 344، 345، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 227، 228، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 240، 241، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنه قال: كان عمر
…
الأثر.
(2)
رواه عبدالرزاق / المصنف 11/ 231، يحيى بن معين / التاريخ رواية الدوري 3/ 45، 46، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 354، 355، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 263، 268، 231، الخلال / السنة ص 293، 314، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 863، أبو العرب / المحن ص 75، 76، الطبراني / المعجم الكبير 9/ 180، 181، 182، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا محمّد ابن جعفر نا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله إذا ذكر
…
الأثر.
(3)
رواه عبدالرزاق / المصنف 7/ 289، 290، ابن سعد / الطبقات 3/ 371، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 354 - 357، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 270، 271، 338، 339، البلاذري / أنساب الأشراف ص 253، 386، الشاشي / المسند 2/ 275، الطبراني / المعجم الكبير 9/ 176، 177، 188، الحاكم / المستدرك 3/ 93، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا عبد الله بن نمير عن عبد الملك بن أبي سليمان عن واصل الأحدب عن زيد بن وهب عن عبد الله قال: إن عمر
…
الأثر.
وقالت أم أيمن بركة الحبشية
(1)
حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها لما مات عمر: اليوم وهى الإسلام
(2)
.
وقال أبو طلحة رضي الله عنه
(3)
يوم مات عمر: ما أهل حاضر ولا باد إلا وقد دخل عليهم نقص
(4)
.
(1)
أم أيمن بركة الحبشية خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها عبيد الحبشي فولدت له أيمن. ثم تزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة. وكان أبو بكر وعمر يزورانها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها. انظر: ابن عبد البر / الاستيعاب 4/ 356 - 357.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 369، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 354، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 245، البلاذري / أنساب الأشراف ص 384، الطبراني/ المعجم الكبير 25/ 86، ابن عساكر/تاريخ دمشق ص 396، وإسناده عند ابن شيبة متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أبو أسامة عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قالت أم أيمن
…
الأثر. فالأثر صحيح.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 411.
(4)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 373، 374، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 355، البلاذري / أنساب الأشراف ص 388، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 395، 396، وإسناده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات، وتدليس حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه لا يضر لأن الواسطة فيه معروفة، وهي ثابت البناني أو قتادة بن دعامة وكلاهما ثقة.
قال ابن أبي شيبة: حدّثنا أبو خالد الأحمر والثقفي عن حميد عن أنس، قال: قال أبو طلحة. فالأثر صحيح.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان نصراً، وإن إمارته كانت فتحاً، وايم الله ما أعلم على الأرض شيئاً إلا وقد وجد فقد عمر حتى العضاة
(1)
، وايم الله لو أعلم كلباً يحب عمر لأحببته
(2)
.
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل
(3)
.
(1)
العِضَاة: اسم يقع على شجر من شجر الشوك له أسماء مختلفة. ابن منظور / لسان العرب 9/ 258.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 372، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 355، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 80، 81، 247، 335، 336، البلاذري / أنساب الأشراف ص 386، 387، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/ 226، النسائي / السنن الكبرى 6/ 435، الطبراني / المعجم الكبير 9/ 178، 179، ومدار الأثر على عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام تق 285، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. قال: حدّثنا حسين بن عليّ عن زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن عبد الله قال: إذا ذكر الصالحون. فالأثر حسن.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 273، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 359، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 331، ابن شبه / تاريخ المدينة 3/ 159، 160، البلاذري / أنساب الأشراف ص 388، الحاكم / المستدرك 3/ 84، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو داود عمر بن سعد عن سفيان عن منصور عن ربعي، قال: سمعت حذيفة يقول: ما كان
…
الأثر.
وقال رضي الله عنه: ما أبالي على كف من ضربت بعد عمر
(1)
.
وقالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها
(2)
، اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغنائها في ئاستخلف أبو بكر رحمة الله على أبي بكر، فأقام واستقام، ثم استخلف عمر، رضي الله على عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 474 صحيح. قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: حدّثنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن حذيفة.
(2)
الهَضُى والهضض: كسر دون الهد وفوق الرض. ابن منظور / لسان العرب 15/ 98.
(3)
ضرب الدين بجرانه: أي قر قراره واستقام، كما أن البعير إذا برك واستراح مد عنقه على الأرض. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 263.
رواه أحمد / المسند 1/ 114، 128، فضائل الصحابة 1/ 332، ابن أبي عاصم / السنة ص 561، عبدالله بن أحمد / السنة ص 231، 233، بحشل / تاريخ واسط ص 178، الحاكم / المستدرك 3/ 104، العشاري / فضائل أبي بكر ص 34، وإسناده عند عبدالله بن أحمد متصل ورجاله ثقات، وفيه قتادة ابن دعامة مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع يروي عن الحسن البصري وهو من أثبت أصحابه وأكبرهم، وسنده أيضاً عند العشاري متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. قال: حدّثنا عليّ حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدّثنا محمود بن خداش، حدّثنا مروان بن معاوية، حدّثنا عبد الملك بن سلع الهداني، حدّثنا عبد خير، قال: قام عليّ على المنبر
…
الأثر. فالأثر صحيح.
وقالت عائشة رضي الله عنها: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر
(1)
.
وبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على أخيه لما مات، فقيل له: أتبكي؟ فقال أخي وصاحبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب الناس إلي إلا ما كان من عمر بن الخطاب
(2)
.
(1)
رواه أحمد / المسند 6/ 148، صحيح. قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الأسود بن شيبان عن أبي نوفل قال: سألت عائشة
…
الأثر.
(2)
رواه الطبراني / مجمع البحرين 2/ 403، الحاكم / المستدرك 3/ 257، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 322 - 323. ابن الأثير / أسد الغابة 3/ 367. ومدار الأثر على محمّد بن ربيعة الكلابي وثقه ابن معين وأبو داود. وقال ابن حجر: صدوق تق: 478. وبقية رجاله عند الحاكم ثقات. فالأثر صحيح.
وقال عوف بن مالك الأشجعي
(1)
رضي الله عنه: رأيت في المنام كأن الناس جمعوا فكأني برجل قد فرعهم، فوقهم بثلاثة أذرع، قلت: من هذا؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قلت: لم؟ قالوا: إنه لا تلومه في الله لومة لائم، وإنه خليفة مستخلف، وشهيد مستشهد، قال: فأتيت أبا بكر، فقصصتها عليه، فأرسل إلى عمر ليبشره، فقال لي: أقصص رؤياك، فلما بلغت إلى خليفة زبرني عمر وانتهرني، قال: تقول هذا وأبو بكر حي، فسكت، فلما ولي عمر كان بعد بالشام مررت به، وهو على المنبر، فدعاني فقال لي: أقصص رؤياك، فلما بلغت لا يخاف في الله لومة لائم قال: إني لأرجو أن يجعلني الله منهم، وأما خليفة مستخلف فقد والله استخلفني فأسأله أن يعينني على ما ولاني، فلما بلغت وشهيد مستشهد، قال: وإنى لي الشهادة وأنا في جزيرة العرب، وحولي يغزون، ثم قال: يأتي الله بها إن شاء الله
(2)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 303.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 331، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 267، من زوائد ابنه عبد الله، ابن شبه / تاريخ المدينة 3/ 87 - 89، البلاذري / أنساب الأشراف ص 334، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 345، 346، صحيح من طريق أحمد. قال: حدّثني محمّد بن حسان الأزرق مولى زائدة بن معن بن زائدة الشيباني، قثنا حسين بن عليّ الجعفي عن زائدة عن عبد الملك ابن عمير، قال: حدّثني أبو بردة وآخر عن عوف بن مالك الأشجعي.
وقال سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى: قلت لأبي
(1)
: ما تقول في رجل سب أبا بكر رضي الله عنه؟ قال: يقتل، قلت: سب عمر رضي الله عنه؟
(1)
عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم رضي الله عنه صحابي صغير، وكان في عهد عمر رضي الله عنه رجلاً، وكان على خراسان لعلي رضي الله عنه تق 336.
وقد ذكر فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أن سب الصحابة رضوان الله عليهم على ثلاثة أقسام هي:
1 -
أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا فهذا كفر لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متيقن لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار أو فساق.
2 -
أن يسبهم باللعن والتقبيح ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.
3 -
أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل فلا يكفر ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك. شرح لمعة الاعتقاد ص 101، 102.
قال: يقتل
(1)
.
(1)
رواه محمد بن عاصم الأصبهاني / جزء ص 103 وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أبو أسامة عن سفيان بن عيينة عن حلف بن جوشب عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبي ما تقول في رجل
…
فالأثر صحيح.
المطلب الثاني: شهادة التابعين ومن بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل.
لقد شهد التابعون ومن جاء بعدهم لعمر بالفضل كما شهد له بذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا له قدره ومنزلته في الإسلام.
قال سالم بن أبي حفصة
(1)
رحمه الله: سألت أبا جعفر
(2)
وجعفر
(3)
عن أبي بكر وعمر، فقالا لي: يا سالم تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى. قال: وقال لي جعفر: يا سالم أبو بكر جدي أيسب الرجل جده؟! قال: وقال لي: لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة إن لم أكن أتولهما وأبرأ من عدوهما
(4)
.
(1)
سالم بن أبي حفصة العجلي أبو يونس صدوق في روايته إلا أنه شيعي غالٍ، من الرابعة. تق 226.
(2)
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جفعر الباقر، ثقة من الرابعة. تق 497.
(3)
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق، صدوق من السادسة. تق 141.
(4)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 175، عبد الله بن أحمد / السنة ص 227. وسنده عند أحمد متصل ورجاله صدوقون. قال: ثنا محمّد بن فضيل قثنا سالم يعني ابن أبي حفصة، قال: سألت أبا جعفر وجعفراً عن أبي بكر
…
الأثر. فالأثر حسن.
وقال مسروق بن الأجدع
(1)
رحمه الله: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة
(2)
.
وقال محارب بن دثار
(3)
رحمه الله: بغض أبي بكر وعمر نفاق
(4)
.
وقال مجاهد بن جبر المكي
(5)
رحمه الله: كنا نتحدث أو نحدث أن الشياطين كانت مصفدة في زمن عمر رضي الله عنه
(6)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 182.
(2)
رواه عبد الله بن أحمد / السنة ص 238، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 336، 337، وسنده عند عبدالله بن أحمد متصل ورجاله ثقات سوى خالد بن سلمة المخزومي فهو صدوق، فالأثر حسن.
(3)
محارب بن دِثار السدوسي الكوفي القاضي، ثقة إمام زاهد من الرابعة، مات سنة 116. تق 521.
(4)
رواه وكيع / أخبار القضاة 3/ 28، الخلال / السنة ص 290، وسنده عند الخلال متصل ورجاله ثقات سوى علي بن حرب فهو صدوق، ومدار الأثر عليه فالأثر حسن.
(5)
مجاهد بن جبر المكي المخزومي مولاهم ثقة إمام في التفسير والعلم، من الثالثة، مات سنة 104 هـ وله 83 سنة. تق 520.
(6)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 354. وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا وكيع عن سفيان عن واصل عن مجاهد قال: كنا
…
فالأثر صحيح.
وقال أبو جعفر الباقر
(1)
رحمه الله: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة
(2)
.
وقال جعفر الصادق
(3)
رحمه الله: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر
(4)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 454.
(2)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 135، 136، وهو من زيادات عبد الله بن أحمد. قال: حدّثني عند الرحمن بن صالح قثنا يونس بن بكير ومحمّد بن إسحاق عن أبي جعفر، قال: من جهل
…
الأثر. وفي إسناده يونس بن بكير، قال ابن معين: صدوق، وقال مرة: ثقة، وسئل أبو زرعة أي شيء ينكر عليه؟ قال: أما في الحديث فلا أعلمه، وقال أبو حاتم: محلة الصدق. المزي / تهذيب الكمال 32/ 496، وقال ابن حجر: صدوق يخطئ، وتابعه في هذا السند محمد بن إسحاق وهو صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع وبقية رجال السند ثقات، فالأثر حسن.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 454.
(4)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 160، عبد الله بن أحمد / السنة ص 227، المحاملي / الأمالي ص 240، 241، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا أسباط عن عمرو بن قيس، قال: سمعت جعفر بن محمّد بن عليّ يقول: برئ
…
الأثر.
وقال: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير
(1)
.
وقال عمرو بن عبد الله بن أبي إسحاق السبيعي
(2)
رحمه الله: بغض أبي بكر وعمر من الكبائر
(3)
.
وقال محمد بن يحيى بن فارس
(4)
رحمه الله: سألت أحمد بن حنبل فقال: أبو بكر وعمر وعثمان ولو قال قائل وعلي لم أعنفه، يعني في التفضيل
(5)
.
(1)
رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 330، وسنده رجاله ثقات سوى السري ابن يحيى فهو صدوق. ابن أبي حاتم / الجرح والتعديل 4/ 285، وقبيصة بن عقبة صدوق. تق 453، فالأثر حسن.
(2)
عمرو بن عبد الله بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة مكثر عابد، من الثالثة، مات سنة 126 هـ، وقيل قبلها. تق 423.
(3)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 293، 294، العشاري / فضائل الصديق ص: 84، وسنده عند أحمد متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وهو من زيادات ابنه عبد الله. قال: حدّثني أبو حميد الحمصي أحمد بن محمّد قثنا معاوية ابن حفص، قال: نا أبو الأحوص وعمرو بن ثابت قالا: سمعنا أبا إسحاق يقول: بغض
…
الأثر. فالأثر حسن.
(4)
محمد بن يحيى بن فارس بن ذؤيب الذهبي النيسابوري، ثقة حافظ جليل من الحادية عشر، مات سنة 258، وله ست وثمانون سنة. تق 512.
(5)
رواه أبو داود السجستاني / مسائل الإمام أحمد ص 277، الخلال / السنة ص 397، صحيح من طريق أبي داود. قال: سمعت أحمد قال له رجل
…
الأثر.
ومن الآثار المروية في شهادة التابعين ومن جاء بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل ما روي عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يُعلمون السورة من القرآن
(1)
.
وروي عن الحسن البصري
(2)
رحمه الله أنه قال: حب أبي بكر وعمر فريضة
(3)
.
(1)
رواه أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 338، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 328، وفي إسناديهما أبو العيناء محمد بن القاسم، قال الذهبي: إخباري شهير، قال الدارقطني: ليس بالقوي في الحديث. الميزان 4/ 13، وفيه محمد بن خالد بن عثمة الحنفي البصري، قال ابن حجر: صدوق يخطئ تق 476، فالأثر ضعيف.
(2)
الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور رأس الطبقة الثالثة. تق 160.
(3)
رواه الأطرابلسي / فضائل الصحابة ص 171، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 337، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 326، وفي إسانيدهم محمد بن إسرائيل الجوهري، والوليد بن المفضل، وعبد العزيز بن جعفر اللؤلؤي وجميعهم لم أجد لهم تراجم.
وروي عن طاووس
(1)
رحمه الله أنه قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة
(2)
.
وروي عن زيد بن علي
(3)
رحمه الله أنه قال: البراءة من أبي بكر وعمر البراءة من علي
(4)
.
(1)
طاووس بن كيسان اليماني ثقة فقيه فاضل من الثالثة، مات سنة 106. تق 281.
(2)
أورده ابن الجوزي في تاريخ عمر بن الخطاب ص 51، ولم أقف على إسناده.
(3)
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثقة من الرابعة، وهو الذي تنسب إليه الزيدية، قتل بالكوفة سنة 122 هـ. تق 224.
(4)
رواه العشاري / فضائل الصديق ص: 74. قال: حدّثنا عليّ حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي، وحدّثنا عبد الرحمن بن قيس الملائي، حدّثنا محمّد بن كثير عن هاشم بن البريد عن زيد بن عليّ قال: قال لي يا هاشم اعلم. أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 352، وسنده عند العشاري فيه محمد بن كثير الكوفي، قال أحمد: خرقنا حديثه، وقال البخاري: كوفي منكر الحديث، وقال ابن عدي: الضعف على حديثه بيّن، ورواه أبو القاسم من غير إسناد بل قال: وعن هاشم بن البريد أ، زيد بن عليّ قال له يا هاشم. فالأثر ضعيف.
وروي أن كثير النواء
(1)
سأل زيد بن علي عن أبي بكر وعمر فقال: تولهما، قال: كيف تقول فيمن تبرأ منهما؟ قال: تبرأ منه حتى يتوب
(2)
.
وروي أن الرافضة قالت لزيد بن علي: إبرأ من أبي بكر وعمر يضرب معك مائة ألف سيف، فقال: لا والله، ولكن أتولاهما، وأبرأ مما يبرأ منه
(3)
.
وروي أن إبراهيم النخعي
(4)
رحمه الله قال: من فضل علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى
(5)
على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ولا أدري هل يعطب أم لا
(6)
.
(1)
كثير بن إسماعيل أو ابن نافع النَّوّاء أبو إسماعيل، ضعيف من السادسة. تق 459.
(2)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 160، 161، عبد الله بن أحمد / السنة ص 226، ومدراه على كثير بن إسماعيل النواء، وتقدم أنه ضعيف، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 348، 349، وفي إسناده أبو الجارود زياد ابن المنذر، رافضي كذبه ابن معين. تق 221، فالأثر ضعيف جداً.
(4)
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة من الخامسة. تق 95.
(5)
أزرى: من زريت عليه زراية إذا عبته، وأزريت به إزراءً إذا قصرت به وتهاونت. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/ 302.
(6)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 248، 249، وفي إسناده الوليد بن بكر التميمي أبو جناب، قال الذهبي: ما رأيت من وثقه غير ابن حبان، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال الدراقطني: متروك. ميزان الاعتدال 4/ 336، تهذيب التهذيب 11/ 132، وقال ابن حجر: لين الحديث. تق 581. فالأثر ضعيف.
وروي عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: من سب أبا بكر وعمر جلد
(1)
.
وهناك من الآثار الضعيفة غير ما ذكرته ولم أوردها خشية الإطالة، وقد ذكرت من الآثار الصحيحة والثابتة ما فيه الكفاية والغنية.
(1)
رواه ابن حزم / المحلى 2/ 440، وفي إسناده أحمد بن إسماعيل بن دليم الحضرمي، وأحمد بن الخلاص لم أجد لهما ترجمة، وفيه الحسن بن علي الهاشمي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف. ميزان الاعتدال 1/ 505، وفيه محمد بن سليمان الباغندي، قال الدارقطني: لا بأس به، وقال مرة: ضعيف. ميزان الاعتدال 3/ 571، وفيه شيخه هشام بن عمار الدمشقي كبر فصار يلقن، فحديثه القديم أصح، ولم يتبين لي هل رواية الباغندي عنه قبل اختلاطه أم بعده. فالأثر ضعيف.
الفصل الثالث: حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه
المبحث الأول: حياته رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته به وتوقيره له
المطلب الأول: محبة عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وعنايته ورأفته به وتوقيره له.
المطلب الثاني: أهم أعمال عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: حياته مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه
المطلب الأول: في معرفة عمر رضي الله عنه لفضل أبي بكر وتوقيره له.
المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه
المبحث الأول: حياته رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته به وتوقيره له
المطلب الأول: محبة عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وعنايته ورأفته به وتوقيره له.
المطلب الثاني: أهم أعمال عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
المبحث الأول: حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه مطلبان
المطلب الأول: محبّة عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وعنايته ورأفته به وتوقيره له.
لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في نفس عمر رضي الله عنه منزلة عالية لا تدانيها منزلة أحد من الخلق، فكان صلى الله عليه وسلم أحب الخلق إليه قال رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيده: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الآن يا عمر"
(1)
.
وقال رضي الله عنه لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك
(2)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 148، أحمد / المسند 4/ 233، البيهقي / شعب الإيمان 3/ 540.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 432، الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 4/ 401، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا محمّد بن بشر نا عبيد الله بن عمر، حدّثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم.
ومن مواقفه رضي الله عنه الدالة على محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، موقفه من إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه، ومعاتبته لابنته حفصة في ذلك، فقد دخل رضي الله عنه على حفصة رضي الله عنها، فقال لها: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالت: نعم، قال: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟! قالت: نعم. قال: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؟! فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة رضي الله عنها
(1)
.
(1)
رواه أحمد / المسند 1/ 33، 34، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 5/ 409، أبو يعلى / المسند 1/ 159، 160، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا عبد الرّزّاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس.
وفيه عند ابن أبي عاصم وأبي يعلى أن عمر قال لحفصة: والله لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبداً. وفي إسناديهما يونس بن بكير وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: محلة الصدق، وفيه الأعمش، وهو ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع عن أبي صالح السمان ولكنه من المكثرين عنه، فروايته عنه محمولة على السماع فالزيادة حسنة إن شاء الله.
ومن تلك المواقف موقفه من أم سلمة رضي الله عنها حينما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقد قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيَّ خلالاً ثلاثاً، أنا امرأة مُصْبِية، وأنا امرأة شديدة الغيرة، وأنا امرأة ليس ها هنا من أوليائي أحد شاهد فيزوجني، فغضب عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما غضب لنفسه حين ردته، فأتاها، فقال: أنت التي تردين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تردينه
(1)
.
ومنها موقفه من وفاته صلى الله عليه وسلم، فقد قام رضي الله عنه حينما أذيع خبر وفاته صلى الله عليه وسلم وهو يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب، فكشف عن وجهه، ثم قبله، وخرج وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى أن يجلس، فأقبل الناس إلى أبي بكر وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت،
(1)
رواه أحمد بن منيع / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 508/ب، أبو يعلى / المسند 12/ 337، 338، صحيح من طريق أبي يعلى. قال: حدّثنا هدبة بن خالد حدّثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: حدّثني ابن أم سلمة أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة.
(1)
.
قال عمر رضي الله عنه: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعُقِرت
(2)
حتى ما تقلني رجلاي
(3)
، وأهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات
(4)
.
فلعظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند عمر رضي الله عنه أصابه ما أصابه من السقوط إلى الأرض عندما علم بوفاته صلى الله عليه وسلم مع ما عرف عنه من القوة والجلادة وشدة البأس رضي الله عنه وأرضاه
(5)
.
ومن محبة عمر رضي الله عنه للنبي محبته لما يحبه النبي صلى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: فوالله
(1)
سورة آل عمران الآية (144).
(2)
عُقِرت: أي هلكت وفي رواية بفتح العين، أي دهشت وتحيرت، ويقال: سقطت. ابن حجر/ فتح الباري 8/ 146.
(3)
ما تقلني رجلاي: أي ما تحملني. المصدر السابق.
(4)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 216، 2/ 290، 291، 3/ 94، 95. ابن هشام / السيرة النبوية 4/ 406، 407، أحمد / المسند 3/ 196.
(5)
انظر: فتح الباري 3/ 113، 7/ 19، 8/ 145.
لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب
(1)
.
وكان عمر رضي الله عنه رؤوفاً رحيماً بالنبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على دفع الأذى والمشقة والعنت عنه صلى الله عليه وسلم.
ومن الآثار الدالة على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس:"سلوني عما شئتم"، فقال رجل: من أبي؟ قال: "أبوك حذافة"، فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: "أبوك سالم مولى شيبة"، فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل
(2)
.
(1)
رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/ 64، إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 513/ب، الطبري / التاريخ 2/ 157، البيهقي / دلائل النبوة 5/ 32 - 34، وإسناده عند إسحاق متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق فهو صدوق. قال: أنا وهب بن جرير بن حازم حدّثني أبي ثنا محمّد بن إسحاق حدّثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث. فالأثر حسن.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 29، 4/ 107، 226، 227، 259، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 111 - 116، عبد الرزاق / المصنف 11/ 379، 380، وغيرهم.
وفي رواية عند البخاري في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقول: "سلوني ما شئتم"، فبرك عمر على ركبتيه وجعل يقول: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضب النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ولما حُضر النبي صلى الله عليه وسلم ودنا أجله قال: "هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده"، وكان عنده رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال عمر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب ربنا
(2)
.
(1)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 8/ 49 - 51، أبو داود / السنن 2/ 321، 322.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 3/ 291، 4/ 71، 271، مسلم / الصحيح / شرح النووي 11/ 95، عبد الرزاق / المصنف 5/ 438، 439، أحمد / المسند 1/ 334، 335، وغيرهم.
قال ابن حجر رحمه الله: اتفق قول العلماء على أن قول عمر: حسبنا كتاب الله من قوة فقهه ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا ينسد باب الاجتهاد على العلماء، قال: وفي تركه أي النبي صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويب رأيه، ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه إذ لو كان من هذا القبيل لم يتركه لأجل اختلافهم، ولا يعارض ذلك قول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم، لأن عمر كان أفقه منه قطعاً. فتح الباري 8/ 133، 134.
ودخل رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حصير، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، قال: فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما يبكيك"؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم:"أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة"
(1)
.
وجاء في قصة إسلام زيد بن سعنة
(2)
رضي الله عنه أنه قال:
…
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه،
(1)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 10/ 87، أحمد / المسند 2/ 298، الزهد ص 476، البخاري / الأدب المفرد ص 398 وغيرهم.
(2)
زيد بن سعنة الحبر أحد أحبار يهود، ومن أكثرهم مالاً، أسلم فحسن إسلامه وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة، وتوفي في غزوة تبوك مقبلاً إلى المدينة. ابن الأثير / أسد الغابة 2/ 231.
فلما صلى على الجنازة، ودنا من جدار ليجلس أتيته، فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي، فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، وتبسم، ثم قال: "يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة
…
" الحديث
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 4/ 110، 111، ابن حبان / الصحيح 1/ 253، 254، الطبراني / المعجم الكبير 25/ 202، 203، الحاكم / المستدرك 3/ 604، 605، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ق 259/أ، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 52، ومداره على حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، وثقه ابن حبان، وقال ابن حجر: مقبول. تق 181.
وبقية رجاله عن ابن أبي عاصم ثقات سوى محمد بن حمزة بن يوسف فهو صدوق، وقد روى المزي هذا الأثر في تهذيب الكمال، وقال: هذا حديث حسن مشهور 7/ 346، 347.
والمراد بالتباعة في الحديث: المطالبة بالحقّ والظلامة ونحوها. ابن منظور/ لسان العرب 2/ 15.
وروي في قصة إسلام عمير بن وهب الجمحي
(1)
أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد قتله بعد أن تكفل له صفوان بن أمية
(2)
بقضاء دينه، ونفقة عياله، فجهز عمير سيفه وشحذ له سماً، فانطلق حتى قدم المدينة، فبينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف
(3)
، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا
(4)
للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على
(1)
عمير بن وهب الجمحي أبو أمية، كان له قدر وشرف في قريش وشهد بدراً كافراً، وشهد فتح مكة، وقيل إنه اسلم بعد وقعة بدر، وشهد أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم وعاش إلى صدر من خلافة عثمان رضي الله عنه. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 294، 295.
(2)
صفوان بن أمية الجمحي، قتل أبوه يوم بدر كافراً، وهرب يوم فتح مكة وأسلمت امرأته وأسلم بعد موقعة حنين ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم امرأته بعد أربعة أشهر. ابن حجر / الإصابة 2/ 187.
(3)
توشح الرجل سيفه: إذا وضع حمائل سيفه على عاتقه اليسرى وكشف الأيمن. ابن منظور / لسان العرب 15/ 306.
(4)
حزر الشيء يَحْزُرُه ويَحْزِرُه حزراً، قدره بالحدس. ابن منظور / لسان العرب 3/ 150.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فأدخله علي"، فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث
(1)
.
وكان عمر رضي الله عنه يهاب النبي صلى الله عليه وسلم ويجله ويوقره.
(1)
رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 2/ 372، الطبري / التاريخ 2/ 45، تهذيب الآثار / مسند علي ص 72 - 74، الطبراني / المعجم الكبير 17/ 56 - 62، وإسناده عند ابن إسحاق رجاله ثقات لكن رواية عروة بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة فهو ثقة من الثالثة، ورواه الطبري والطبراني من طريق ابن إسحاق، ورواه الطبراني من وجه آخر عن أبي عمران الجوني، وهو ثقة من كبار الرابعة، ورجاله ثقات سوى شيخ الطبراني أحمد بن زهير التستري، لم أجد له ترجمة، ورواية أبي عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة، وقال الطبراني عن الحديث: لا أعلمه إلا عن أنس بن مالك، وقال ابن حجر: قال ابن منده: غريب لا نعرفه عن ابن عمران إلا من هذا الوجه، ولعل الصواب أبي عمران، الإصابة 3/ 36، 37، ورواه الطبراني من وجه آخر أيضاً وهو من مراسيل الزهري.
وفيه شيخ الطبراني الحسن بن هارون، لم أجد له ترجمة. وفيه محمّد بن فليح صدوق يهم. تق 502، وبقية رجاله ثقات.
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يده عليها، وكان في الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه
…
الحديث
(1)
.
وحينما قدم وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم اختلف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إلى قوله تعالى:{عَظِيمٌ}
(2)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 217، 4/ 85، الحميدي / المسند 2/ 433، أحمد / المسند 4/ 77، أبو داود / السنن 1/ 264، وغيرهم.
وجاء في أثر آخر أن أبا بكر وعمر كانا من أجرأ القوم على النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الطبراني / المعجم الكبير 8/ 342، 343، وفي إسناده علي بن سعيد الرازي قال الدراقطني: ليس بذاك تفرد بأشياء. ميزان الاعتدال 3/ 131، وفيه إسماعيل ابن إبراهيم بن المغيرة المروزي لم أجد له ترجمة، وفيه علي بن الحسن بن واقد، صدوق يهم تق 400، وفيه أبو غالب البصري حزور صدوق يخطئ تق 664، فالأثر ضعيف، وقد يحمل ما ورد فيه من الجرأة على التي لا تنافي التوقير والهيبة وحسن الأدب بل لعظم منزلتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وقربهما منه يستطيعان التحدث معه وسؤاله أكثر من غيرهما.
(2)
سورة الحجرات الآيتان (2، 3).
فكان عمر بعد إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه
(1)
.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق، حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً ولا ميتاً أو كلمة نحوها
(2)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 260، الترمذي / السنن 5/ 63، البزار / المسند 6/ 146، 147، أبو يعلى / المسند 12/ 193، 194 وغيرهم.
(2)
رواه ابن ماجه / السنن 1/ 497، وفي إسناده عبيد بن طفيل المقري مجهول تق 377، وعبد الرحمن بن أبي مليكة القرشي ضعيف، وأبو بكر بن أبي مليكة مقبول تق 623، فالأثر ضعيف.
وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 260 لوروده من طرق عند أحمد في المسند 3/ 139، والبغوي في شرح السنة 5/ 388، يرتقي بها لدرجة الحسن لغيره، ولكن لفظه عند أحمد والبغوي ليس فيه ذكرٌ لكلام عمر رضي الله عنه المستشهد به.
المطلب الثاني: أهم أعمال عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد كان لعمر رضي الله عنه دور هام، ومكانة متميزة في حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم وسأعرض لذكرها هنا إن شاء الله.
أولاً: كان رضي الله عنه مستشاراً للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "لو اتفقتما لي ما شاورت غيركما"
(2)
.
(1)
رواه الترمذي / السنن 1/ 110، وإسناده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أحمد بن منيع حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر ابن الخطاب، قال: كان
…
الأثر. فالأثر صحيح وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 55.
(2)
رواه إسحاق بن راهويه / المسند 2/ 88، 89، أحمد / المسند 4/ 227، وإسناده عند إسحاق فيه محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب تق 333، وفيه عند أحمد شهر بن حوشب صدوق كثير الأوهام تق 269، وقال الترمذي: قال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر ابن حوشب، تهذيب الكمال 12/ 584، وشهر هنا يروي عنه عبد الحميد وقد رمز الذهبي لشهر بن حوشب بـ (صح) وهي علامة تعني ترجيح التوثيق، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر حسن.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمرني أن أتخذ عمر مشيراً"
(1)
.
ثانياً: كان عمر رضي الله عنه من جباة الزكاة وعمال الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وممن يأتمنه النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمول المسلمين.
استعمل رضي الله عنه عبد الله بن السعدي
(2)
على الصدقة، فلما فرغ من عمله أعطاه عطاءه، وعمالته، فقال: إنما عملت وأجري على الله، فقال عمر: خذ ما أعطيت، فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَمَّلني
(3)
،
(1)
رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 104، وفي إسناده محمد بن عبد الله بن أحمد بن عمر بن كعب بن مجبر لم أجد له ترجمة، ودريد بن مجاشع لم أجد له ترجمة كذلك وفيه أبو أيوب العتكي، ثقة من الثالثة تق 620، يروي عن علي رضي الله عنه ولم يظهر لي هل سمع منه أم لم يسمع منه.
(2)
عبد الله بن السعدي القرشي العامري اسم أبيه وقدان وقيل غير ذلك، صحابي يقال مات في خلافة عمر رضي الله عنه، وقيل عاش إلى خلافة معاوية رضي الله عنه. تق 305.
(3)
عَمَّلني: أي أعطاني أجرة عملي. النووي / شرح مسلم 7/ 137.
فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأل فكل وتصدق"
(1)
.
ولم يبين عمر رضي الله عنه العمل الذي استعمله عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لجباية الصدقات
(2)
.
ثالثاً: كتابته للوحي.
فقد ذكر أهل السير أنه كان من كتاب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ومن المهام التي روي أن عمر رضي الله عنه قام بها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
- بعث النبي صلى الله عليه وسلم له مبلغاً عنه.
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت فأرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام عمر على الباب فسلم
(1)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 257، 4/ 238، مسلم / الصحيح / شرح النووي 7/ 134 - 137، النسائي / السنن 5/ 102 - 105 وغيرهم.
(2)
ثبت ذلك عند مسلم في الصحيح، فعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة
…
الحديث / شرح النووي 7/ 56.
(3)
ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في السيرة النبوية 4/ 692، والخزاعي في تخريج الدلات السمعية ص 457، ولم أقف على نص مسند في ذلك، والله أعلم.
عليهن، فرددن عليه السلام، فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن
…
الحديث
(1)
.
- قيامه بالفتوى والقضاء.
فقد روي أن عمر رضي الله عنه كان من أهل الفتوى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان من قضاة النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
رواه أحمد / المسند 5/ 85، أبو داود / السنن 1/ 296، أبو يعلى / المسند 1/ 196، 197، البيهقي / السنن الكبرى 3/ 184، شعب الإيمان 7/ 21 / زغلول، المقدسي / المختارة 1/ 402، 403، ومداره على إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية الأنصاري، ذكره ابن حبان في الثقات 4/ 18، وقال ابن حجر: مقبول تق 108، وبقية رجاله عند أبي يعلى ثقات. وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص 110.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 334، 335، من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف، ولكن قيام عمر رضي الله عنه بالفتيا والقضاء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمر ممكن لشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالعلم وموافقة الحق وكم من القضايا التي أفتى فيها عمر رضي الله عنه ووافقه عليها القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر بن العربي رحمه الله: وقع في بعض نسخ الترمذي: أن عثمان قال لابن عمر: أقض بين الناس، قال: لا أقض بين رجلين، قال: إن أباك كان يقضي، قال: إن أبي كان يقضي فإن أشكل عليه شيء سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أشكل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل، وإني لا أجد من أسأل، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من عاذ بالله فقد عاذ"، وإني أعوذ بالله منك أن تجعلني قاضياً فأعفاه.
وقال: لا تخبرن أحداً. عارضة الأحوذي 6/ 64، وانظره في مشكاة المصابيح 2/ 1105، ولم يتكلم عليه الشيخ الألباني.
- مشاركته في بناء مسجد قباء ومسجده صلى الله عليه وسلم.
روي أن عمر رضي الله عنه كان يأتي مسجد قباء يوم الاثنين والخميس فجاء يوماً فلم يجد فيه أحداً من الناس، فقال: مالي لا أرى في هذا المسجد أحداً من الناس، والذي نفسي بيده لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وأناساً من أصحابه ونحن ننقل حجارته على بطوننا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أسسه بيده وجبريل يؤم له الكعبة
(1)
.
(1)
رواه البخاري / التاريخ الكبير 1/ 401، 402، البزار / المسند 1/ 430، وفي إسناديهما عبد العزيز بن محمد الدراوردي، صدوق يحدث من كتب غيره فيخطئ. تق 358، وفيه إسحاق بن المستورد ذكره البخاري في تاريخه الكبير 1/ 401، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 235، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات 6/ 52، وفيه عبد الرحمن بن جارية قيل اسمه محمد بن عبد الرحمن بن جارية وقيل محمد بن عمرو بن جارية ولم يتبين لي من هو ولم أجد له ترجمة، فالحديث ضعيف، وذكر السهيلي أن ابن أبي خثيمة ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسس مسجد قباء كان أول من وضع حجراً في قبلته، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر، ثم أخذ الناس في البنيان. الروض الأنف 2/ 246، ولم أقف عليه في تاريخ ابن أبي خيثمة، وقد روى نحو هذا الحديث في بنائه مسجده صلى الله عليه وسلم وهو حديث ضعيف سيأتي الكلام عليه عند ذكر تولي عمر الخلافة إن شاء الله. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم شارك الأنصار في نقل حجارة مسجده صلى الله عليه وسلم لما بناه. فتح الباري 1/ 524، ولا شكّ أنّ بقية الصحابة من المهاجرين وخاصة أبو بكر وعمر شاركوا في نقل الحجارة والبناء معه صلى الله عليه وسلم.
- مشاركته رضي الله عنه في الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد شارك عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه في جميع غزواته وكان له في تلك الغزوات مواقف خلدها القرآن الكريم والسنة المطهرة.
فقد شارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الكبرى
(1)
وهي الغزوة التي فرق الله بها بين الحق والباطل، ومن مواقفه المشهورة فيها موقفه من أسارى بدر من المشركين، فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال:"ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله
(1)
كانت غزوة بدر الكبرى في يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان من السنة الثانية للهجرة. ابن هشام / السيرة النبوية 2/ 320.
صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يابن الخطاب"؟ فقال عمر: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل
(1)
فيضرب عنقه، وتمكني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر رضي الله عنهما، فلما كان من الغد جاء عمر رضي الله عنه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، فقال: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذ الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا}
(2)
.
(1)
عَقيل بن أبي طالب بن عبد مناف القرشي أخو علي وجعفر وكان الأسن، تأخر إسلامه إلى عام الفتح، وقيل أسلم بعد الحديبية، مات في خلافة معاوية ابن أبي سفيان. ابن حجر/ الإصابة 2/ 494.
(2)
سورة الأنفال الآيات (17 - 19).
صحيح تقدم تخريجه في ص: (372).
وكان رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد
(1)
ومن مواقفه الفاضلة فيها بعد أن أصاب المسلمين ما أصابهم من القرح واثخنت فيهم الجراح وكثر شهداؤهم وهدأ القتال قام أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر رضي الله عنه نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسؤك
(2)
.
وقاتل رضي الله عنه المشركين يوم الخندق
(3)
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شغلوا عن صلاة العصر، فجعل رضي الله عنه يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فوالله إن صليتها"، فنزلنا بطحان
(4)
، فتوضأ
(1)
كانت غزوة أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة. ابن هشام / السيرة النبوية 3/ 86.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 175، عبد الرزاق / المصنف 5/ 363، أحمد / المسند 1/ 288، 4/ 293 وغيرهم.
(3)
كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة. ابن هشام / السيرة 3/ 298.
(4)
بُطَحان: يصدر بطحان من ذي حدر، فجفاف وهي قرية قربان، ثم يسيل في فضاء متسع ويستبطن بعده وادي بطحان، ويذهب حتى غربي مسجد الفتح، حيث منتهى وادي بطحان، ثم يسير إلى زغابه. عبد القدوس الأنصاري / آثار المدينة ص 229.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوضأنا، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب
(1)
.
وفي غزوة بني المصطلق
(2)
كان لعمر رضي الله عنه موقف حازم من زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، فقد حدث في هذه الغزوة أن رجلاً من المهاجرين كسع
(3)
رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما بال دعوا الجاهلية"؟ قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال:"دعوها فإنها منتنة"، فسمع بذلك
(1)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 112/118، 119، مسلم / الصحيح / شرح النووي 5/ 131، 132.
(2)
كانت غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست من الهجرة. ابن هشام / السيرة 3/ 401.
وبنو المصطلق هم: بنو جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بطن من خزاعة من القحطانية، واسم المصطلق جذيمة. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/ 1104، 1105.
(3)
الكَسْعُ: أن تضرب بيدك أو برجلك بصدر قدمك على دبر إنسان أو شيء. ابن منظور / لسان العرب 12/ 92، 93.
عبد الله بن أبي، فقال: فعلوها، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعه لا يتحدث الناس أن محمّداً يقتل أصحابه"
(1)
.
وكان رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية
(2)
وهو اليوم الذي عقد فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصلح بين المسلمين وبين كفار قريش.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، فبايعناه (أي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري
(3)
أختبأ تحت بطن بعيره
(4)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 268، 3/ 203، 204، ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/ 402، 403، عبد الرزاق / المصنف 8/ 468، أحمد / المسند 3/ 392 وغيرهم.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 224.
(3)
الجد بن قيس بن صخر بن خنساء الأنصاري السلمي ابن عم البراء بن معرور، وكان ممن يظن فيه النفاق، وفيه نزل قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} الآية، وقيل إنه تاب وحسنت توبته وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه. ابن الأثير / أسد الغابة 1/ 274، 275.
(4)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 13/ 2، 3، أحمد / المسند 3/ 396 وغيرها.
وموقفه رضي الله عنه من صلح الحديبية مشهور، فقد أعطت بنود هذا الصلح قريشاً حقوقاً وصلاحيات حرم منها المسلمون، فكان من تلك البنود: أن من أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً من قريش رده إليهم، فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟! فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف
(1)
في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل
(2)
: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"فأجزه لي"، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال:"بلى فافعل"، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز
(3)
: بل قد أجزناه، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً
(1)
يَرسف: مشي المقيد إذا جاء يتحامل برجله مع القيد. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/ 222.
(2)
سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري، كان أحد أشراف قريش، وكان من مسلمة الفتح. ابن حجر / الإصابة 2/ 93، 94.
(3)
مُكَرِّز هو ابن حفص ذكر في أول الحديث، أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل قريش، ليتفاوض معه وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذا مكرز وهو رجل فاجر".
شديداً في الله
(1)
، فقال عمر بن الخطاب: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال:"بلى"، قلت: فلم نعط الدنية في ديننا إذا؟!
قال: "إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري"، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام"؟ قلت: لا، قال:"فإنك آتيه ومطوف به"، قال عمر: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعط الدنية في ديننا إذاً؟!
(1)
وفي رواية: أن عمر رضي الله عنه قام يمشي إلى جنب أبي جندل، وأبوه يتلوه وعمر يقول: أبا جندل، اصبر فإنما هم المشركون، إنما دم أحدهم دم كلب وجعل عمر يدني منه قائم السيف، قال عمر: رجوت أن يأخذه، فيضرب به أباه فضن بأبيه. رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/ 441، 442. البيهقي / السنن الكبرى 9/ 227، وإسنادها عند ابن إسحاق موقوف على الزهري وفي إسنادها عند الطبري أحمد بن عبد الجبار ضعيف وسماعه للسيرة صحيح، وفيه يونس بن بكير صدوق يخطئ. تق 613، ووثقه ابن معين وابن أبي حاتم، وقال الذهبي: أحد أئمة الأثر والسير. ميزان الاعتدال 4/ 477، وبقية رجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق فهو صدوق، فالرواية حسنة.
قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه
(1)
، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، فأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به
(2)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عمر رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة عام الحديبية، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، وأنه إنما جاء لزيارة البيت، وليس للحرب، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحداً يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان
(3)
.
(1)
استمسك بغرزه: أي اعتلق به وامسكه، واتبع قوله وفعله ولا تخالفه، فاستعار له الغرز كالذي يمسك بركاب الراكب ويسير بسيره. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 3/ 359.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 119، 120، 205، 3/ 190، مسلم / الصحيح / شرح النووي 12/ 139 - 142، ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/ 439 - 441 وغيرهم.
(3)
رواه محمد بن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/ 436، 437، الطبري / التاريخ 2/ 121، وفي إسناديهما إبهام بشيخ ابن إسحاق حيث قال: حدثني من لا أتهم، وهي عبارة لا تكفي في التوثيق، انظر: السخاوي / فتح المغيث 1/ 312، 313، فالأثر ضعيف.
وشارك عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر
(1)
، قال صلى الله عليه وسلم يوم خيبر:"لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه"، فقال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتساورت لها رجاء أن أدعى لها
(2)
، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها
…
الحديث
(3)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الصديق برايته البيضاء إلى بعض حصون خيبر، فقاتل، فرجع ولم يك فتح، وقد جهد، ثم بعث الغد عمر
(1)
كانت غزوة خيبر في محرم من السنة السابعة، ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/ 455.
(2)
قال النووي رحمه الله: إنما كانت محبته لها لِمَا دلت عليه الإمارة من محبته لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهما له، والفتح على يديه، شرح صحيح مسلم 15/ 176، 177.
(3)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 176، 177، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/ 179.
ابن الخطاب، فقاتل ثم رجع، ولم يك فتح، وقد جهد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه، ليس بفرار"
(1)
.
(1)
رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/ 465، الطبري / التاريخ 2/ 136، 137، الحاكم / المستدرك 3/ 37، 38، وفي إسناده عند ابن إسحاق بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، قال الدراقطني: متروك، وقال البخاري: فيه نظر، وقال أبو داود: لم يكن بذاك. ميزان الاعتدال 1/ 306، وقال ابن حجر: ليس بالقوي، تق 121، وفيه والده سفيان بن فروة ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 4/ 219، وفيه عند الطبري ميمون أبو عبد الله البصري الكندي، قال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عنه، فحمض وجهه وقال: زعم شعبة أنه كان فسلاً، وقال في موضع آخر: كان يحيى لا يحدث عنه، وقال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يحيى القطان: سيئ الرأي فيه. المزي / تهذيب الكمال 29/ 231، 232، وقال ابن حجر: ضعيف. تق 556.
ورواه الحاكم من طريقين بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى خيبر بعث عمر رضي الله عنه وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم، فقاتلوهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبنونه ويجبنهم.
وطريق الحاكم الأول فيه سعيد بن مسعود المروزي لم يوثقه سوى ابن حبان، الثقات 8/ 271، وفيه نعيم بن حكيم المدائني صدوق له أوهام. تق 564، وأبو مريم الحنفي القاضي، وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول. تق 672، وبقية رجاله ثقات.
والطريق الثاني فيه القاسم بن محمد بن أبي شيبة قال الذهبي: حدث عنه أبو زرعة وأبو حاتم ثم تركا حديثه، وقال محمد بن أبي شيبة: سألت عمي يحيى ابن القاسم فقال لي: عمك ضعيف يا بن أخي. ميزان الاعتدال 3/ 379.
وقال الذهبي في تعليقه على الحاكم: قلت القاسم واهٍ، وفيه يحيى بن يعلى القطواني، قال ابن حجر: شيعي ضعيف. تق 598، فالأثر ضعيف.
وهذا اللفظ يخالف ما ثبت في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث في بداية الأمر علياً رضي الله عنه وكان عمر رضي الله عنه يأمل ويتمنى أن تكون له الإمرة. وما في الصّحيح هو الثّابت والمتقدم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه بعد غزوة خيبر في سرية من ثلاثين رجلاً إلى عجز هوازن بتربة
(1)
، وخرج معه دليل من بني
(1)
كانت سرية تربة في شعبان سنة سبع من الهجرة، ابن سعد / الطبقات 2/ 117.
وتُرَبَةُ: وادٍ من أودية الحجاز الشرقية طويل ذو مياه وزروع وهو يسيل من سراة غامد قرب الباحة ويتعرج بين الشرق والشمال حتى يجتمع من بيشة ورنية في مكان يسمى الفَرشة. البلادي / معجم المعالم الجغرافية في السيرة ص: 62.
هلال، فكان عمر يسير بالليل ويكمن بالنهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر محالهم، فلم يلق منهم أحداً، فانصرف راجعاً إلى المدينة
(1)
.
وفي السنة الثامنة من الهجرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل
(2)
، وبعث تحت إمرته عدداً من أجلة الصحابة رضوان الله عليهم فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
(3)
.
(1)
رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/ 341، ابن سعد / الطبقات 2/ 117، 3/ 272، خليفة بن خياط / التاريخ ص 78، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/ 230، الفسوي / المعرفة والتاريخ 3/ 303، البيهقي / دلائل النبوة 4/ 292، وأورده ابن إسحاق وخليفة وابن سعد من وجه من غير إسناد، ورواه ابن سعد من طريق آخر فيه الواقدي، وبهذا الطريق رواه ابن شبه والبيهقي، فالأثر ضعيف.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 333.
وكانت غزوة ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة ثمان، ونقل ابن عساكر الإتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق، فقال: قبلها. ابن حجر / فتح الباري 8/ 74، 75.
(3)
رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/ 359، 360، ابن سعد / الطبقات 2/ 131، إسحاق بن راهويه / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 4/ 49، الطحاوي / مشكل الآثار 3/ 171، الحاكم / المستدرك 3/ 42، 43، البيهقي / السنن الكبرى 9/ 41، دلائل النبوة 4/ 397، 398، وأورده ابن إسحاق وابن سعد في الطبقات من غير إسناد، وإسناده عند إسحاق بن راهويه رجاله ثقات وفيه انقطاع فهو من رواية عبد الله بن بريدة، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. وإسناده عند الطبري متصل ورجاله ثقات سوى عبد الله بن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه. تق 319، وإسناده عند الحاكم متصل وفيه أحمد بن عبد الجبار العطاردي، ضعيف وسماعه للسيرة صحيح، ويونس بن بكير وثقه ابن معين وابن أبي حاتم، وقال الذهبي: أحد أئمة الأثر والسير. ميزان الاعتدال 4/ 477، وقال ابن حجر: صدوق يخطئ، وفيه محمد بن إسحاق، صدوق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله ثقات، وفي إسناده عند البيهقي في الدلائل أحمد بن عبد الجبار، ويونس بن بكير المتقدم الكلام عليهما، وفيه محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن الحصين التميمي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان صواماً قواماً من المتقنين الثقات 7/ 413، وذكره البخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/ 156، ورواه البيهقي من وجه آخر وسنده متصل ورجاله ثقات سوى علي بن عاصم بن صهيب فهو صدوق يخطئ. تق 403، فالأثر حسن لغيره بطرقه.
وروي أن عمر رضي الله عنه شارك في سرية الخبط، والتي كانت بإمرة أبي عبيدة بن الجراح في السنة الثامنة من الهجرة
(1)
.
(1)
كانت سرية الخبط في رجب سنة ثمان من الهجرة، وسميت بهذا الاسم لأنهم أكلوا فيها الخبط وهو ورق الشجر الذي يخبط ليسقط، فكانوا يبلونه بالماء فيأكلونه، وأصل قصة سرية الخبط ثابت في صحيح البخاري / فتح الباري 8/ 77، 78، وصحيح مسلم شرح النووي 13/ 84، وأوردها ابن إسحاق في السيرة النبوية 4/ 371، وليس فيها إشارة لمشاركة عمر رضي الله عنه في هذه السرية والذي أورد مشاركة عمر رضي الله عنه فيها ابن سعد في طبقاته 2/ 132، من غير إسناد.
ومن مواقفه رضي الله عنه قبل غزوة الفتح، موقفه من حاطب بن أبي بلتعة لما أعلم قريشاً بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فحين أراد النبي صلى الله عليه وسلم التجهز للمسير إلى مكة عمَّى الأخبار عن قريش حتى لا تعلم بمسيره إليهم، فيتجهزون لقتاله بل أراد صلى الله عليه وسلم مباغتتهم وأخذهم على غرة، وحدث أن أخبر حاطب
(1)
بن أبي بلتعة قريشاً بمسير النبي صلى الله عليه وسلم ونزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً له بفعل حاطب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً فسأله عن ذلك، فاعتذر وقبل عذره، فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم:"إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"
(2)
.
(1)
حاطب بن أبي بَلْتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى
…
كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدراً والحديبية مات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عثمان. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/ 374، ابن حجر / الإصابة 1/ 300.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 170، 3/ 7، 59، 200، 4/ 91، مسلم / الصحيح / شرح النووي 16/ 54، 56، ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/ 58، 59، بتفاصيل لم أذكرها خشية الإطالة.
وشارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره لفتح مكة
(1)
، ومن مواقفه في هذه الغزوة الدالة على شدته على الكفار وأعداء الدين موقفه من أبي سفيان رضي الله عنه، فقد خرج النبي بعشرة آلاف من المسلمين حتى نزل بمر الظهران
(2)
، وأوقد الجيش النيران، وقد عمت الأخبار على قريش ولا يدرون ما هو فاعله، فخرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام
(3)
، وبديل بن ورقاء الخزاعي
(4)
، يتحسسون الأخبار، فرأى العباس ابن عبد المطلب أبا سفيان، فأركبه على دابته، وكان يركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
كانت غزوة الفتح في رمضان من السنة الثامنة للهجرة. ابن هشام / السيرة النبوية 4/ 45.
(2)
مَرّ الظّهران: وادٍ فحل من أودية الحجاز، يأخذ مياه النخلتين، فيمر بشمال مكة على 22 كم، ويصب في البحر جنوب جدة بقرابة 20 كم، وفيه عشرات العيون بل مئاتها، وكذلك القرى ومنها حداء وبحرة والجموم وغيرها، البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 288.
(3)
حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ابن أخي خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها أسلم عام الفتح، وصحب وله أربع وسبعون سنة. تق 176.
(4)
بديل بن ورقاء بن عبد العزى الخزاعي أسلم هو وابنه عبد الله يوم الفتح بمر الظهران، وقيل إنه أسلم قبل الفتح. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/ 235.
البيضاء، فقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في طريقه يمر بجيش المسلمين وهم قد أوقدوا النيران، وأبو سفيان ينظر إليهم، فلما مر بنار عمر رضي الله عنه، قال عمر: من هذا؟ وقام إلى العباس فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة عرفه، فقال: والله عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك، فخرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليه في مكانه الذي نزل فيه، واشتد العباس ومعه أبو سفيان حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه: هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه في غير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه، فقال العباس: قد أجرته يا رسول الله
…
فلما أكثر عمر، قال العباس: مهلاً يا عمر، فوالله لو كان رجلاً من بني عدي ما قلت هذا، ولكنه من بني عبد مناف، فقال عمر: مهلاً يا عباس، لا تقل هذا، فوالله لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم، وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب
(1)
.
(1)
حسن، تقدم الكلام عليه في ص:471.
وكان عمر رضي الله عنه أميراً على حرس النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح
(1)
. وبعد فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء عمر رضي الله عنه أن يأتي الكعبة فيمحوا كل صورة فيها، ولم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 398، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة. قال الذهبي: شيخ مشهور حسن الحديث. ميزان الاعتدال 3/ 673. وقال ابن حجر: صدوق تق: 499. فهو صدوق له أوهام، وبقية رجاله ثقات وفيه انقطاع فهو من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة من الثالثة، عن عمر رضي الله عنه ولكن تابعه يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وهو أيضاً ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة.
قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمّد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى ابن عبد الرّحمن بن حاطب، قالا: كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث. فالأثر حسن لغيره إن شاء الله.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 142، أحمد / المسند 3/ 336، أبو داود / السنن 4/ 74، أبو نعيم / حلية الأولياء 4/ 79، البيهقي / السنن الكبرى 5/ 158، والأثر صحيح من طريق البيهقي. قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: ثنا أبو العباس ثنا العباس بن محمّد ثنا حجاج الأعور، قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يزعم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وشارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في غزوة حنين
(1)
، وكان له موقف كريم في هذه الغزوة التي أعجبت المسلمين فيها كثرتهم فكادت أن تحل بهم الهزيمة، لولا لطف الله عز وجل بهم ورحمته كما قال سبحانه:{لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}
(2)
.
فكان رضي الله عنه ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم ونافح عنه في هذا الموقف العصيب
(3)
، وذلك دليل على قوة إيمانه وصدق يقينه وشجاعته.
(1)
تقدم التعريف بمكانها في ص: 410.
وكانت غزوة حنين سنة ثمان من الهجرة بعد فتح مكة. ابن هشام / السيرة 4/ 114.
(2)
سورة التوبة الآية (25).
(3)
رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/ 121، 122، أحمد / المسند 3/ 376، 377، الفاكهي / أخبار مكة 5/ 93، 94، ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 126، 127، والأثر صحيح من طريق ابن إسحاق. قال: حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله، قال: لما استقبلنا وادي حنين
…
الأثر.
ومن مواقفه رضي الله عنه في هذه الغزوة موقفه من ذي الخويصرة
(1)
التميمي فبعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من القتال في حنين والطائف نزل بالجعرانة
(2)
، وفيها قسم غنائم حنين، فأتاه ذو الخويصرة فقال: يا رسول الله إعدل، فقال:"ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل"، فقال عمر رضي الله عنه: ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: "دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم
…
"
(3)
الحديث.
(1)
انظر ترجمته في: الإصابة 1/ 320، 485. ولم يذكر فيها ابن حجر رحمه الله زيادة على اسمه ونسبه ذو الخويصرة التميمي. وأورد حديث تقسيم الغنائم الذي أنا بصدده، وذكر أن ابن الأثير ذكر في موضع أن اسمه: حرقوص بن بن زهير، وأنه وقع عند البخاري أيضاً عبد الله بن ذي الخويصرة.
(2)
الجِعْرَانة: لازالت تعرف في رأس وادي سَرِف، في الشمال الشرقي من مكة يعتمر منها المكيون وبها مسجد. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 83.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 281، 4/ 75، مسلم / الصحيح / شرح النووي 7/ 159 - 167، أحمد / المسند 2/ 219، وغيرهم.
وكان عمر رضي الله عنه مع المسلمين في غزوة تبوك
(1)
، سئل رضي الله عنه فقيل له: حدثنا من شأن العسرة، فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى نظن أن رقبته ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله قد عودك الله في الدعاء خيراً، فادع لنا، فقال:"أتحب ذلك"؟ قال: نعم، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم فلم يرجعهما حتى أطلت سحابة، فسكبت، فملؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر
(2)
.
(1)
كانت غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة في شهر رجب. ابن هشام / السيرة النبوية 4/ 215. وقد تقدم التعريف بمكانها في ص: 409.
(2)
رواه البزار / المسند 1/ 331، ابن حبان / الصحيح 2/ 331، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 5/ 132، البيهقي / السنن الكبرى 9/ 357، دلائل النبوة 5/ 231، المقدسي / المختارة 1/ 278 - 280، 325، وسنده عند البيهقي في الدلائل متصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد، قال: أخبرنا أبو محمّد دعلج بن أحمد بن دعلج، حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب: حدّثنا
…
الأثر.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان ممن انتدبه النبي صلى الله عليه وسلم للخروج في جيش أسامة بن زيد
(1)
رضي الله عنه لقتال الروم في أطراف الشام حينما جهز ذلك الجيش قبل وفاته صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، الأمير أبو محمد وأبو زيد صحابي مشهور، مات سنة أربع وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة. تق 98.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 189، 190، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 415، وهو عند ابن سعد من غير إسناد، وسنده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، ولكنه منقطع لأنه من رواية عروة بن الزبير، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو ثقة من الثّالثة.، فالأثر ضعيف. وله ما يشهد له بسند حسن. انظر: ص: 527، 528.
وقال ابن تيمة رحمه الله تعالى في رده على الرافضة في زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد إخراج أبي بكر وعمر من المدينة قبل وفاته مع أسامة لئلا ينازعا علياً الخلافة: وأبو بكر رضي الله عنه لم يكن في جيش أسامة باتفاق أهل العلم، لكن رُوي أن عمر كان فيهم، وكان خارجاً مع أسامة لكن طلب منه أبو بكر أن يأذن له في المقام عنده لحاجته إليه فأذن له. مختصر منهاج السنة 2/ 541، 542، وأصل قصة بعث النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد ثابت في صحيح البخاري وليس فيه ذكر لبعث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما معه. فتح الباري 8/ 151، 152.
هذا ما أردت الإشارة إليه من حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ظهر مما تقدم ما كان عليه عمر رضي الله عنه من توقير وإجلال للنبي صلى الله عليه وسلم ومن تفانيه في خدمته والدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وملازمته له في حربه وسلمه، وما كان لعمر رضي الله عنه من منزلة ومكانة عالية ورفيعة عند النبي صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: حياة عمر رضي الله عنه مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وفيه مطلبان
المطلب الأول: توقير عمر رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه ومعرفته لفضله.
المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه -
المبحث الثاني: حياة عمر رضي الله عنه مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وفيه مطلبان
المطلب الأول: في معرفة عمر رضي الله عنه لفضل أبي بكر وتوقيره له.
إن فضل أبي بكر رضي الله عنه، وعظم منزلته جاءت به نصوص الكتاب والسنة، وعرف الصحابة رضوان الله عليهم لأبي بكر منزلته الرفيعة من الإسلام وأهله، ومن أفضل من عرف لأبي بكر هذه المنزلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن أقواله في ذلك قوله رضي الله عنه:
أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا - يعني بلالاً
(1)
.
وقال رضي الله عنه: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتقدم قوماً فيهم أبو بكر
(2)
.
وقدم عليه رضي الله عنه وفد عبد القيس
(3)
، فأذن لهم، فدخلوا عليه، فقضى بينهم، وقضى من حوائجهم، فبينا هم كذلك، غلبته عينه،
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 306.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 179، 180، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 369.
(3)
عبد القيس: هم بنو عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، كانت مواطنهم بتهامة، ثم خرجوا إلى البحرين. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 2/ 726.
فقال رجل منهم: ما رأيت امرأً قط خيراً من هذا، فاستيقظ عمر رضي الله عنه فقال: أكنت رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه؟ قال: لا، فقال: أما والله لو كنت رأيته لنكلت بك
(1)
.
وقال رضي الله عنه: لا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته جلد المفتري
(2)
.
وقال رضي الله عنه: يوم من أبي بكر خير من آل عمر
(3)
.
(1)
رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/ 55، 56، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى أحمد بن عيسى بن حسان المصري، فهو صدوق. تق 83، فالأثر حسن.
(2)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 61، عبد الله بن أحمد / السنة ص 234، وإسناده عند البلاذري رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية الشعبي، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وكذلك إسناده عند عبد الله بن أحمد رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 352، الحاكم / المستدرك 3/ 6، ابن قدامة / الرقة ص 72، 73، وسنده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. وإسناده عند الحاكم فيه أحمد بن إسحاق الضبعي، قال الذهبي: الإمام العلامة، المفتي المحدّث شيخ الإسلام. سير أعلام النبلاء 15/ 483، وفيه موسى بن الحسن بن عباد، قال الدراقطني: لا بأس به. المصدر السابق 13/ 378، وبقية رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. وسنده عند ابن قدامة فيه فرات بن السائب، قال الدراقطني: متروك، فالأثر بطريقيه الأوليين يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
وذكر رضي الله عنه أبا بكر يوماً وهو يخطب على المنبر، فقال: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً
(1)
.
وروي أن نفراً أثنوا على عمر رضي الله عنه فقالوا: أنت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي
(2)
.
(1)
رواه أحمد / الزهد ص 138، من زيادات ابنه عبد الله، وفي إسناده محمد بن عباد المكي. قال: أحمد: حديثه حديث أهل الصدق وأرجو أن لا يكون به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن معين: لا بأس به. تهذيب الكمال 25/ 834. وقال صالح جزرة: لا بأس به. وقال ابن قانع: كان ثقة. تهذيب الكمال 9/ 245. وقال ابن حجر: صدوق يهم. تق 486، وفيه حاتم ابن إسماعيل المدني، قال الذهبي: ثقة مشهور، صدوق. ميزان الاعتدال 1/ 428، وقال ابن حجر: صدوق يهم. تق 144، فالأثر حسن.
(2)
رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 5/ 134. قال: حدّثنا سليمان بن أحمد ثنا موسى ابن عيسى بن المنذرالحمصي ثنا أبو عيسى ثنا بقية بن الوليد ثنا يحيى ابن سعيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير. وفي إسناده موسى بن عيسى الحمصي، قال النسائي: لا أحدث عنه شيئاً ليس هو شيئاً. لسان الميزان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
6/ 126، وفيه أبو عيسى بن المنذر الحمصي مقبول. تق 441، ورواه في الإمامة ص: 270 وفيه محمّد بن علي بن حبيش، وموسى بن هارون، وسليمان بن آدم، لم أجد لهم تراجم.
المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه،
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: موقفه رضي الله عنه من استخلاف أبي بكر رضي الله عنه.
لقد كان لعمر رضي الله عنه موقف جليل ومقام محمود من بيعة أبي بكر رضي الله عنه، فقد كان له الفضل الأكبر بعد فضله سبحانه وتعالى في إخماد نار الفتنة وإزالة أسباب الشقاق والفرقة التي كادت أن تعصف بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فقد اختلفوا فيمن له الحق في تولي إمرة المسلمين بعده صلى الله عليه وسلم، فاجتمع الأنصار رضي الله عنهم في سقيفة بني ساعدة
(1)
، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، وتخلف عنهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال المهاجرون لأبي بكر: انطلق بنا إلى
(1)
سقيفة بني ساعدة قرب بئر بضاعة، والمبنى الذي كان قائماً هناك يعرف باسم سقيفة بني ساعدة وتحديده بالدقة أنه كان بخارج باب الشامي في الطريق المعروف بالسحيمي، وهو بناء ذو شرفات مكشوف وبابه مسدود. عبد القدوس الأنصاري / آثار المدينة ص 151 - 153.
أقول: وقد دخلت تلك الأماكن الآن في توسعة الحرم النّبويّ الشّريف من الجهة الشّمالية.
إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقوا يريدونهم، وكان معهم عمر بن الخطاب، قال رضي الله عنه: فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان
(1)
، فذكرا ما تمالى
(2)
عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل
(3)
بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة
(4)
؟ فقلت: ماله؟ قالوا: يوعك
(5)
.
فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فنحن أنصار الله، وكتيبة
(6)
الإسلام، وأنتم معشر
(1)
هما عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي. ابن حجر / فتح الباري 12/ 15.
(2)
تمالأ: أي الذي صنع القوم من اتفاقهم على أن يبايعوا سعد بن عبادة رضي الله عنه. المصدر السابق 12/ 151.
(3)
مُزمَّل: أي ملفف. ابن حجر/ فتح الباري 12/ 15.
(4)
سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري، أحد النقباء وسيد الخزرج، مات بالشام سنة خمس عشرة وقيل غير ذلك. تق 231.
(5)
يُوعك: أي يحصل له الوعك، وهو الحمى بتنافض. المصدر السابق.
(6)
الكتيبة: جمع كتائب، وهي الجيش المجتمع الذي لا ينتشر وأطلق عليهم ذلك مبالغة كأنه قال لهم: أنتم مجتمع الإسلام. المصدر السابق.
المهاجرين رهط
(1)
، وقد دفت دافة
(2)
من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا
(3)
من أصلنا، وأن يحضنوننا
(4)
من الأمر.
فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت زورت
(5)
مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد
(6)
، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها حتى سكت، فقال: ما ذكرتم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو
(1)
رهط: أي قليل، وهو يقال للعشرة فما دونها. المصدر السابق.
(2)
دافة: أي عدد قليل وأصله من الدف، وهو السير البطيء في جماعة. المصدر السابق.
(3)
يختزلونا: أي يقتطعونا من الأمر وينفردوا به دوننا. المصدر السابق.
(4)
يحضنونا: أي يخرجونا. المصدر السابق.
(5)
زورت: هيأت وحسنت. المصدر السابق 12/ 152.
(6)
أي: الحدة وسرعة الغضب.
جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلى نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار
(1)
: أنا جذيلها المحكك
(2)
، وعذيقها المرجب
(3)
، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار، ونزونا
(4)
على سعد بن عبادة، فقال قائل
(1)
هو الحباب بن المنذر. ابن حجر / فتح الباري 12/ 152، 153.
(2)
جُذَيْلها المُحَكّك: تصغير جذل وهو العود الذي ينصب للإبل الجربى لتحتك به، أي أنا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الإبل الجربى بالاحتكاك بهذا العود. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 251.
(3)
الرُّجْبةَ: هو أن تُعْمد النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خشي عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع، والعُذيق: تصغير عذق، وهي النخلة، وقيل أراد بالترجيب التعظيم. المصدر السابق 2/ 197.
(4)
نزونا: أي وثبنا. ابن حجر / فتح الباري 12/ 153.
منهم: قتلتم سعد بن عبادة
(1)
، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرض، وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا
(2)
.
(1)
قوله قتلتم سعد بن عبادة: أي كدتم أن تقتلوه، وقيل هو كناية عن الإعراض والخذلان، وقول عمر: اقتلوه، قتله الله لم يرد حقيقته. المصدر السابق 7/ 153.
(2)
تَغِرة: أي حذراً من القتل والمعنى أن من فعل ذلك أي مبايعة من يريد مبايعته من غير مشورة المسلمين فقد غرر بنفسه وصاحبه، وعرضهما للقتل، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه في هذا الخبر قوله: فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها كانت كذلك، ولكن وقى الله شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر.
ومراد عمر رضي الله عنه بذلك أن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت سريعة، وغاب عنها من كان ينبغي أن يشاور، ويؤخذ رأيه، ووقى الله شر تلك السرعة التي لم تكن فيها مشورة جميع من ينبغي أن يشاور، فأطاع الناس أبا بكر كلهم من حضر البيعة ومن غاب عنها، ولم يقع اختلاف ومعارضة ممن غاب عن المشورة، فيحدث الشر بذلك وبيّن عمر رضي الله عنه أن ذلك كان من خصوصيات أبي بكر لأنه ليس في الناس مثله، وأفضل منه، فلا يغتر أحد بذلك، ويبايع أحداً بالإمارة والخلافة من غير أن يشاور أهل الرأي والحل والعقد لأنه بذلك يعرض نفسه ومن بايعه للقتل، وقد بين عمر رضي الله عنه السبب في إسراع الناس في مبايعة أبي بكر، وهو خشية الفتنة، ووقوع الاختلاف لأن الأنصار كانوا يريدون مبايعة سعد بن عبادة. انظر: ابن حجر / فتح الباري 12/ 144 - 156.
رواه البخاري / الصحيح 2/ 291، 338، 4/ 179، 265، عبد الرزاق / المصنف 5/ 439، ابن أبي شيبة /المصنف 7/ 431 وغيرهم.
وقد بين عمر رضي الله عنه للأنصار أنه لا يمكن أن يكون للمسلمين خليفتان ويستحيل أن يفعل المسلمون ذلك، لأنه سبيل إلى الفرقة والخلاف، فقال رضي الله عنه: سيفان في غمد واحد لا يصطلحان
(1)
.
وذلك عندما طلب الأنصار أن يكون منهم أمير، ومن المهاجرين أمير، وذكرهم رضي الله عنه بفضل أبي بكر، وبأحقيته في الخلافة، فقال رضي الله عنه: ثم إن أبا بكر رحمه الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين، وإنه أولى الناس بأموركم، فقوموا فبايعوه، قال أنس بن مالك
(1)
رواه النسائي / السنن الكبرى 5/ 37، 6/ 355، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 144، 145، صحيح من رواية النسائي. قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد أنا حميد بن عبد الرحمن عن سلمة بن نبيط عن نعيم عن نبيط عن سالم بن عبيد وكان من أصحاب الصفة قال: قالت الأنصار.
رضي الله عنه، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر
(1)
.
ومن الأمور التي ذكر بها عمر رضي الله عنه الأنصار وهي من فضائل أبي بكر رضي الله عنه قوله رضي الله عنه: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر
(2)
.
وبهذا أذعن الأنصار رضوان الله عليهم واستجابوا لبيعة الصديق رضي الله عنه.
وروي أن عمر رضي الله عنه ذكر الأنصار بقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه أحقية قريش بالخلافة، فقال: نشدتكم بالله يا معشر الأنصار ألم
(1)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 248، عبد الرزاق / المصنف 5/ 437، 438، الطبراني / المعجم الكبير 7/ 56، 57 وغيرهم.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 224، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 432، أحمد / المسند 1/ 396، فضائل الصحابة 1/ 182، النسائي / السنن 2/ 75، ومدار الأثر على عاصم بن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، وبقية رجاله عند النسائي ثقات وسنده متصل، فالأثر حسن، وقد حسنه ابن حجر رحمه الله في فتح الباري 12/ 153، والشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح سنن النسائي 1/ 168.
تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من سمعه منكم وهو يقول:"الولاة من قريش ما أطاعوا الله، واستقاموا على أمره"
(1)
.
وأما علي والزبير فإنهما كما ذكر عمر رضي الله في حديثه الذي تقدم في الصحيح تخلفا عن المهاجرين، وكانا يأتيان بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتشاوران معها في أمرهما، وفي بيعة أبي بكر رضي الله عنه، فعلم بذلك عمر رضي الله عنه، وخشي من تفرق كلمة المسلمين إذا رأوا اجتماع علي والزبير في بيت فاطمة، وذلك لمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم ولمنزلتها في قلوب المسلمين فذهب رضي الله عنه إليها وقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد
(1)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 8/ 143، وفي إسناده أحمد بن عبد الجبار ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح. تق 81، وفيه يونس بن بكير صدوق يخطئ. تق 613، وهو معضل من رواية محمد بن إسحاق صدوق من صغار الخامسة. تق 467، فالأثر ضعيف، ولكن معناه صحيح، رواه البخاري في الصحيح ولفظه: أن رسول الله r قال: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين. 3/ 233 كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش.
وفي رواية أخرى عنده: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان. ابن حجر / فتح الباري 6/ 533.
أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعى إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، فلما خرج عمر رضي الله عنه جاؤوها، فقالت رضي الله عنها: تعلمون أن عمر قد جاءني وحلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف، وأمرتهم أن ينصرفوا عنها، ويتشاوروا في أمرهم بأنفسهم ولا يرجعوا إليها، فلم يرجعوا إليها بعد ذلك حتى تشاوروا في أمرهما، ثم بايعوا أبا بكر رضي الله عنه
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 432، أحمد / فضائل الصحابة 1/ 364، صحيح من رواية ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا محمّد بن بشر نا عبيد الله بن عمر، حدّثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع. وإسناده عند أحمد متصل ورجاله ثقات سوى شيخه محمد بن إبراهيم بن إسحاق الأصبهاني ذكره الخطيب في تاريخه ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/ 401، ورواية أحمد ليس فيها ذكر للإحراق وفي الأثر دلالة على أن علياً رضي الله عنه بايع أبا بكر في حياة فاطمة، وقد ورد في الصحيح عند البخاري من حديث عائشة أن علياً رضي الله عنه لم يبايع حتى توفيت فاطمة رضي الله عنها بعد ستة أشهر، فتح الباري 7/ 493، وجمع أهل العلم بين ذلك بأن مراد عائشة رضي الله عنها من عدم بيعة علي في تلك الأشهر هو عدم ملازمته لأبي بكر وحضوره عنده لأن ذلك يوهم من لا يعرف حقيقة الأمر أن ذلك بسبب عدم الرضا عن الخلافة، فلذلك أظهر علي رضي الله عنه البيعة مرة أخرى بعد وفاة فاطمة حتى يقطع ذلك الوهم. ابن حجر / فتح الباري 1/ 495.
وقد ثبت أن علياً والزبير بايعا أبا بكر رضي الله عنهم بالخلافة بعد أن وعظهما، وذكرهما بأن في تخلفهما عن البيعة شقاً لعصا المسلمين
(1)
.
وبذلك يمكن القول بأن تخلف علي والزبير رضي الله عنهما واجتماعهما في بيت فاطمة رضي الله عنها، كان في بداية الأمر ثم بايعا بعد ذلك.
المسألة الثانية: موقف عمر رضي الله عنه من قتال المرتدين.
كان لعمر رضي الله عنه موقف معارض من قتال أبي بكر رضي الله عنه لمانعي الزكاة من المرتدين الذين ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال رضي الله عنه لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله"، حيث كان رأيه رضي الله عنه في بداية الأمر عدم قتال من نطق
(1)
رواه الحاكم / المستدرك 3/ 76. حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ثنا جعفر ابن محمّد بن شاكر ثنا عفان بن سلم ثنا وهيب ثنا داود بن أبي هند ثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما توفي
…
الأثر. وإسناده متصل ورجاله ثقات فالأثر صحيح.
بالشهادتين ومنع الزكاة ولم يعارض في قتال من ارتد عن الإسلام بادعاء النبوة والرجوع إلى عبادة الأوثان لأن إباحة قتال هؤلاء لا مرية فيه
(1)
.
ولكن أبا بكر رضي الله عنه أصر على قتال من منع الزكاة سواءً كان جاحدًا لوجوبها أو مقراً، وبين رضي الله عنه أن من حق المال الزكاة، فمن لم يؤد حقه لم يكن معصوماً من القتل، وقال رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً
(2)
كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها
(3)
.
وتبين لعمر رضي الله عنه أن الصواب والحق فيما ذهب إليه أبو بكر، وعزم عليه من قتال مانعي الزكاة، فكان خير معين له في القضاء على فتنة الردة.
وفي موقف عمر رضي الله عنه ذلك دليل على شدة تعظيمه رضي الله عنه لحرمات الله، وحفاظه على حرمات المسلمين ودمائهم
(1)
انظر: ابن حجر / فتح الباري 12/ 276، 277، 278.
(2)
العَناق: هي الأنثى من ولد المعز ما لم يتم له سنة. ابن منظور / لسان العرب 9/ 433.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 243، 253، 254، 4/ 196، 257، مسلم / الصحيح / شرح النووي 1/ 200 - 212.
وأموالهم، وعدم التعرض لها إلا بحق وشدة تحريه في ذلك، وفيه دليل على سرعة رجوعه للحق والصواب إذا ظهر له.
المسألة الثالثة: إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن بعد موقعة اليمامة
(1)
.
كانت موقعة اليمامة إحدى المواقع التي قاتل فيها المسلمون المرتدين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت في أواخر السنة الحادية عشرة وأول الثانية عشرة، وقتل فيها مسيلمة الكذاب، وقتل فيها من المسلمين ستمائة وقيل سبعمائة، وكان فيهم عدد كبير من قراء القرآن رضوان الله عليهم
(2)
.
(1)
اليمامة: معدودة من نجد وقاعدتها حَجْر، وتسمى جوا والعروض، وبينها وبين البحرين عشرة أيام. ياقوت الحموي / معجم البلدان 5/ 442. وقال في المنجد: العارض منطقة سعودية في نجد عرفها الأقدمون باسم اليمامة، قاعدتها الرياض ومن مدنها العيينة، والدرعية، يجري فيها وادي حنيفة. الأعلام ص 362.
(2)
انظر: ابن كثير / البداية والنهاية 6/ 330. ابن حجر / فتح الباري 9/ 12/ وقد ذكر الذهبي رحمه الله أسماء ممن استشهد في موقعة اليمامة من الصحابة رضوان الله عليهم. تاريخ الإسلام / عهد الخلفاء الراشدين ص 54 - 73.
فخشى عمر من استمرار مقتل القراء واستشهادهم في حروب الردة، كما حدث في يوم اليمامة فيفضي ذلك لضياع القرآن الذي حفظه القراء في صدورهم وتلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة غضاً كما نزل، وحيث إن القرآن الذي كتب لم يكن مجموعاً في مكان واحد، بل كان متفرقاً، فأشار رضي الله عنه على أبي بكر بجمع القرآن، ثم شرح الله صدر أبي بكر لذلك، فأمر زيد بن ثابت بجمع القرآن.
قال زيد رضي الله عنه: أرسل إلى أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر
(1)
يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك رأي عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من ا لجبال ما كان أثقل
(1)
اسْتحّر القتل: اشتد وكثر. ابن منظور / لسان العرب 3/ 116.
علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب
(1)
واللخاف
(2)
، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري
(3)
لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه
(4)
.
(1)
العُسب: جريد النخل كانوا يكتشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، وقيل العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص، والذي ينبت عليه الخوص هو السعف. ابن حجر / فتح الباري 9/ 14.
(2)
اللِخاف: الحجاة الرقاق، وقيل صفائح الحجارة الرقاق. المصدر السابق 9/ 14.
(3)
أبو خزيمة بن أوس بن زيد البخاري الأنصاري، شهد بدراً وما بعدها من المشاهد، وتوفي في خلافة عثمان. ابن عبد البر / الاستيعاب 4/ 205.
(4)
رواه البخاري / الصحيح 3/ 139، 225، 4/ 243، الترمذي / السنن 4/ 346، 347 وغيرهما.
وكان جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه من حفظ الله عز وجل لكتابه العزيز وحمايته من الضياع، والفضل بعد الله في ذلك لأبي بكر ولعمر رضي الله عنه الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنه بذلك، وكان ذلك منه الرأي الصائب الذي وافقه عليه بقية الصحابة رضوان الله عليهم بعد جزمهم بصواب ذلك الرأي وأهميته البالغة
(1)
.
المسألة الرابعة: ما ورد في معاونة عمر رضي الله عنه لأبي بكر في إدارة شئون الرعية.
لا ريب أن عمر رضي الله عنه كان من أهل مشورة أبي بكر رضي الله عنه وكان ممن يعاونه ويعضده في إدارة شئون الرعية بقوله وفعله ومن الأخبار الدالة على ذلك ما جاء أن أبا بكر الصّديق رضي الله عنه طلب من أسامة بن زيد رضي الله عنه أن يأذن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجلس في المدينة ليعاونه على إدارة شؤون المسلمين ومواجهة ما قد يحدث من ردة الأعراب حول المدينة
(2)
.
(1)
انظر: ابن حجر / الإصابة 9/ 12 - 14.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 5/ 482، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/ 318. ابن سعد / الطبقات 2/ 189، 191، 4/ 67، إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 443/ب، خليفة بن خياط / التاريخ ص 100، وإسناده عند عبد الرزاق وإسحاق رجاله ثقات، ولكن من رواية الزهري عن أبي بكر رضي الله عنه، وروايته عنه منقطعة. فهو من رؤوس الطبقة الرابعة. وإسناده عند سعيد رجاله ثقات وهو منقطع أيضاً من رواية سليمان بن يسار، وهو ثقة من الثالثة. تق:255. روايته عن أبي بكر صلى الله عليه وسلم منقطعة.
ورواه ابن سعد من غير إسناد، وسنده عند خليفة رجاله ثقات، لكنه منقطع من رواية عروة بن الزبير بن العوام عن أبي بكر، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
ومن المهام التي روي أن أبا بكر رضي الله عنه أسندها لعمر رضي الله عنه:
1 -
القضاء:
فروي أنه رضي الله عنه لما ولي الخلافة ولى عمر القضاء، وأبا عبيدة بيت المال، وقال: أعينوني، فمكث عمر سنة لا يأتيه اثنان، أو لا يقضي بين اثنين
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 184، خليفة بن خياط / التاريخ ص 123، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/ 230، البلاذري / أنساب الأشراف ص 43، 44، وكيع / أخبار القضاة 1/ 103، 104، الطبري / التاريخ 2/ 351، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 87، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 232، وإسناده عند ابن سعد والبلاذري رجاله ثقات ولكنه معضل من رواية عطاء بن السائب عن أبي بكر رضي الله عنه، وهو صدوق من الخامسة. ورواه ابن شبه وخليفة وابن عساكر من غير إسناد وفي إسناده عند وكيع أبو أحمد الزهري، لم أجد له ترجمة، وهو منقطع أو معضل من رواية محارب بن دثار عن أبي بكر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. ورواه البيهقي عن محارب بن دثار أيضاً وسنده عند الطبري معضل من رواية مسعر بن كدام، وهو ثقة من السابعة عن أبي بكر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
2 -
استخلافه لعمر عند خروجه من المدينة:
فقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه خرج معتمراً في العام الثاني عشر من الهجرة، واستخلف على المدينة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(1)
.
3 -
صلاته بالناس عند غياب الصديق رضي الله عنه:
روي أن عمر رضي الله عنه كان يصلي بالناس عند غياب أبي بكر ومرضه رضي الله عنه
(2)
.
(1)
رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 119 من غير إسناد.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 186، 202، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 46، 47، الطبري / التاريخ 2/ 354، وفي إسناده عند ابن سعد والبلاذري الواقدي، وفيه عند الطبري أبو قدامة عثمان بن محمد بن عبد الله العمري، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 6/ 165، وفيه أبو وجزة يروي عن أبيه، لم أجد لهما ترجمة.
4 -
حجه بالناس في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما:
روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف استعمل عمر رضي الله عنه على الحج ثم حج هو من عام قابل
(1)
.
وهذه المهام الأربعة الأخيرة، وإن لم ترد بسند ثابت إلاّ أن وقوعها أمر غير مستبعد ولا غرابة فيه. وكان الخلفاء الرّاشدون ومن بعدهم ينيبون من يرون فيه الكفاءة في مثل هذه الأمور ومن قبلهم كذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 177، البلاذري / أنساب الأشراف ص 41، 42، وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات سوى عبد الله بن عمر العُمري ضعيف. تق 314، ورواه البلاذري من طريق ابن سعد فالأثر ضعيف.
المسألة الخامسة: ما روي عن عمر رضي الله عنه من مواقف من بعض قادة أبي بكر رضي الله عنه:
1 -
موقفه من تولية أبي بكر رضي الله عنه لخالد بن سعيد بن العاص
(1)
رضي الله عنه لقيادة المسلمين بالشام.
روي أن خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه قدم من اليمن إلى المدينة بعد أن بويع لأبي بكر، فقال لعلي وعثمان رضي الله عنهما: أرضيتم بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟! فنقلها عمر إلى أبي بكر، فلم يحملها أبو بكر على خالد، وأقام خالد ثلاثة أشهر لم يبايع أبا بكر، ثم بايعه، وكان رأي أبي بكر فيه حسناً، وكان معظماً له، فلما بعث الجنود على الشام عقد له على المسلمين، وجاء باللواء إلى بيته، فكلم عمر أبا بكر وقال: تولي خالداً، وهو القائل ما قال؟! فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدوسي
(2)
، فقال: إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: أردد إلينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه وقال: والله ما سرتنا ولايتكم،
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 228.
(2)
أبو أروى الدوسي حجازي كان ينزل ذا الحليفة، مات في آخر خلافة معاوية، وكان عثمانياً. ابن عبد البر / الاستيعاب 4/ 158.
ولا ساءنا عزلكم، وإن المُليم لغيرك، ثم دخل أبو بكر على خالد يعتذر إليه، ويطلب منه ألا يذكر عمر بحرف
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكر لما عقد اللواء لخالد ابن سعيد: إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب، فعزله أبو بكر
(2)
.
2 -
موقفه من خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد قتله مالك بن نويرة التميمي ومن معه من الأسرى في موقعة البطاح
(3)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 4/ 97، البلاذري / أنساب الأشراف ص 152، الحاكم / المستدرك 3/ 249، 250، وفي إسناده عند ابن سعد الواقدي، ونقله البلاذري عن المدائني، وفي إسناده أبو زكريا العجلاني لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية صالح بن كيسان، وهو ثقة من الرابعة. تق 273، عن أبي بكر رضي الله عنه، وفي إسناده عند الحاكم يونس بن بكير وهو صدوق يخطئ. تق 613، وفيه محمد بن إسحاق بن يسار صدوق مدلس، من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه محمد بن عبد الله بن أبي بكر يروي عن أبيه لم أجد له ترجمة ولعله محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 7/ 299، وأبوه مقبول من الثالثة. تق 310، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 116، من غير إسناد بلفظ: قالوا.
(3)
البُطاح: منزل لبني يربوع، وقيل ماء في ديار بني أسد بن خزيمة. ياقوت الحموي / معجم البلدان 1/ 445.
روي أن خالداً رضي الله عنه لما قاتل المرتدين يوم البطاح، بزعامة مالك بن نويرة وقع مالك في الأسر في نفر من قومه، فجيء بهم إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه، واختلف في أمرهم، فقال بعض جند خالد وفيهم أبو قتادة
(1)
: أن مالكاً ومن معه أذنوا، وأقاموا، وصلوا، وقال بعضهم: لم يفعلوا ذلك، فأمر خالد رضي الله عنه بهم، فحبسوا حتى يستوثق من أمرهم، وكانت تلك الليلة شديدة البرد، فأمر خالد رضي الله عنه بأن يدفأ الأسرى، وكانت كلمة أدفئوا في لغة أهل تلك الناحية بمعنى اقتلوا، فقتلوا جميع الأسرى، فقال أبو قتادة رضي الله عنه لخالد بن الوليد رضي الله عنه: هذا عملك! فزبره خالد، فغضب ومضى إلى أبي بكر بالمدينة، فغضب عليه، وأمره أن يرجع إلى خالد ولا يعود إلا معه، وتزوج خالد من زوجة مالك بن نويرة، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره، فقال عمر لأبي بكر: إن في سيف خالد رهقاً
(2)
، فإن لم يكن هذا حقاً حق عليه أن تقيده، وأكثر عليه في ذلك، وكان أبو بكر لا يقيد من عماله، فقال: هيه يا عمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد،
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 410.
(2)
رهقاً: أي عجلة. ابن منظور / لسان العرب 5/ 346.
وودى مالكاً، وكتب إلى خالد أن يقدم إليه ففعل، فأخبره خبره، فعذره وقبل منه، وعنفه في التزويج الذي كانت تعيب عليه العرب
(1)
.
وروي أن أبا بكر قال لعمر لما أكثر عليه في شأن خالد رضي الله عنهم: لم أكن لأشم سيفاً سله الله على الكافرين
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال - لما بلغه مقتل مالك، وتزوج خالد لامرأته -: عدو الله عدا على امرئ مسلم، فقتله، ثم نزا على امرأته، وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد، وعليه قباء له عليه صدأ الحديد، معتجراً
(3)
بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهماً، فلما دخل المسجد قام إليه عمر، فانتزع الأسهم من رأسه، فحطمها ثم قال: أرئاء قتلت امرأً مسلماً ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك،
(1)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 273، 274، وفي إسناده شعيب بن إبراهيم، قال الذهبي: فيه جهالة. ميزان الاعتدال 2/ 275، وفيه خزيمة بن شجرة العقالي، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 3/ 382، وفيه عثمان بن سويد لم أجد له ترجمة، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 273، وفي إسناده شعيب بن إبراهيم المتقدم ذكره، وهو منقطع من رواية عروة بن الزبير عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3)
الاعْتِجَار: لف العمامة دون التحلي ومن غير إدارة تحت الحنك. ابن منظور / لسان العرب 9/ 56.
وخالد لا يكلمه، ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه، حتى دخل على أبي بكر، فأخبره الخبر، واعتذر إليه، فعذره أبو بكر
(1)
.
والروايات الواردة في موقف عمر رضي الله عنه من خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد قتله مالك بن نويرة لم تثبت وأيضاً فإن فيها أن السرية التي كانت مع خالد رضي الله عنه اختلفت في أمر مالك وأصحابه هل عادوا إلى الدين وأذنوا وأقاموا أم تمسكوا بما هم فيه من الردة، ومنع الزكاة.
وقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وليس عندنا أخبار صحيحة ثابتة بأن الأمر جرى على وجه يوجب قتل خالد، وأما ما ذكر من تزوجه بامرأته ليلة قتله، فهذا مما لم يعرف ثبوته
(2)
.
(1)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 273، 274، وفي إسناده محمد بن حميد الرازي، ضعيف تق 475، وفيه سلمة بن الفضل الأبرش، صدوق كثير الخطأ. تق 248، وفيه محمد بن إسحاق صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، مقبول من الثالثة. تق 282، فالأثر ضعيف.
(2)
انظر: مختصر منهاج السنة ص 422 - 425.
هذه هي أهم مواقف عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياته مع أبي بكر رضي الله عنه وهي دالة على الدور العظيم والهام الذي قام به رضي الله عنه في تثبيت قواعد الدولة الإسلامية الناشئة والمحافظة على سلامة الأمة ووحدتها وصيانة دينها وعقيدتها.