الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: السياسة الإدارية للدولة في خلافة عمر ابن الخطاب
الفصل الأول: الجهاز الإداري للدولة - الخليفة - الولاة - القضاة
الفصل الثاني: التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع
الفصل الأول: الجهاز الإداري للدولة - الخليفة - الولاة - القضاة
المبحث الأول: الخليفة
المطلب الأول: خلافته وما ورد فيها وكيفة استخلافه
المطلب الثاني: حقوق الخليفة على رعيته وواجباته نحوهم.
المبحث الثاني: الولاة
المطلب الأول: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة وعزلهم
المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة.
المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها.
المطلب الرابع: ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار
المبحث الثالث: القضاة
المطلب الأول: قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار
المطلب الثاني: توجيه عمر رضي الله عنه لقضاته وإرشاده لهم في صفة
المطلب الثالث: شروط القاضي وصفاته.
المبحث الأول: الخليفة
المطلب الأول: خلافته وما ورد فيها وكيفة استخلافه
المطلب الثاني: حقوق الخليفة على رعيته وواجباته نحوهم.
المطلب الأول: خلافته وما ورد فيها وكيفة استخلافه،
وفيه ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى: ما ورد من أحاديث فيها إشارة لخلافته رضي الله عنه.
لقد وردت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها إشارة إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه من بعده صلى الله عليه وسلم، وخلافة عمر رضي الله عنه من بعد أبي بكر رضي الله عنه، وأحقيتهما بالخلافة من بعده صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الأحاديث ليس فيها تصريح باستخلافه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر من بعده، بل إن عدم استخلافه صلى الله عليه وسلم لخليفة من بعده أمر ثابت.
قال عمر رضي الله عنه: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 248، مسلم / الصحيح / شرح النووي 12/ 204 - 206، وغيرهما.
قال ابن العربي رحمه الله: أجمعت الأمة على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما نص على أحد يكون بعده. العواصم من القواصم ص 185.
أما تلك الأحاديث فهي:
1 -
ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما من أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف
(1)
السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون
(2)
منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانطلق به ثم وصل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أعبر"، قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن وحلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك، فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً"، قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت قال: لا تحلف
(3)
.
(1)
تَنْطف: أي تقطر. ابن منظور / لسان العرب 14/ 188. أي: أنه رأى شيئاً يظله مثل السحابة يقطر منها السمن والعسل. المصدر السّابق 8/ 261.
(2)
يتكففون: تكفف الشيء طلبه بكفه. المصدر السابق 12/ 125.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 219، أحمد / المسند 1/ 236، أبو داود / السنن 4/ 208 وغيرهم.
قال ابن حجر رحمه الله: قال القاضي عياض: والسبب في اللغة الحبل والميثاق، والذين أخذوا به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واحداً بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل
(1)
.
2 -
حديث أبي بكرة
(2)
رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
فتح الباري 12/ 435.
(2)
أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة صحابي مشهور بكنيته، قيل اسمه مسروح، أسلم بالطائف ثم نزل البصرة، ومات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين. تق 565.
(3)
رواه الطيالسي / المسند ص 116، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 176، 177، 348، أحمد / المسند 4/ 63، 5/ 44، أبو داود / السنن 4/ 208، الترمذي / السنن 3/ 368، 369، الطحاوي / مشكل الآثار 4/ 312، الحاكم / المستدرك 3/ 70، 71، 4/ 393، 394.
وفي إسناده عند الطيالسي وأحمد من طريق والطحاوي عليّ بن زيد بن جدعان ضعيف. تق: 401. وبقية رجاله عند الطيالسي ثقات. وفي إسناده عند أبي شيبة عبيد الله بن مروان، ذكره ابن حبان في الثقات 7/ 151. وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكره فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 5/ 334. وفيه أبو عائشة لم أعرفه ولعله الذي ذكره ابن حجر في التقريب وقال: مقبول تق: 654. وبقية رجاله ثقات.
وفيه عند أبي داود والترمذي والحاكم، الأشعث بن عبد الله الحداني، وثّقه النسائي وابن معين والذهبي. وقال ابن حجر: صدوق. الكاشف 1/ 253 تق: 113. وبقية رجاله عند الترمذي وأبي داود ثقات.
ورواه أحمد من طريق آخر ورجال إسناده ثقات سوى شيخ الأسود بن هلال فهو مبهم، والأسود ثقة مخضرم من الثانية تق:111. ففي الإسناد: عن الأسود عن رجل من قومه كان يقول في خلافة عمر بن الخطاب لا يموت عثمان حتى يستخلف. قلنا من أين تعلم ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
…
الحديث.
والظاهر أن ذلك الرجل كان صحابياً فلا تضرّ. فالأثر صحيح من طريق الترمذي وأبي داود.
قال أهل العلم: قوله في الحديث: فرأينا الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما علم صلى الله عليه وسلم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور، وظهور الفتن بعد خلافة عمر رضي الله عنه، ومعنى رجحان كل من الآخران الراجح أفضل من المرجوح
(1)
.
(1)
انظر: أبو الطيب العظيم أبادي / عون المعبود 12/ 383 - 386، محمد المباركفوري / تحفة الأحوذي 6/ 566، 567.
وقد ذكر ابن العربي رحمه الله هذا الأثر والذي قبله في الاستدلال على إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لخلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
(1)
.
3 -
حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: إني لشاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة، وفي يده حصى، فسبحن في يده، وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فسبحن مع أبي بكر، سمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسبحن في يده، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر فسبحن في يده سمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان بن عفان فسبحن في يده، ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا
(2)
.
(1)
العواصم من القواصم ص 184 - 190.
(2)
رواه ابن أبي عاصم / السنة ص 529، الخلال / السنة ص 288، 289، الإطرابلسي / فضائل الصحابة ص 105، 106، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/ 152، 153، اللالكائي / شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/ 886، 887، البيهقي / دلائل النبوة 6/ 64، 65، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/ 179، 180، صحيح من رواية الطبراني.
قال: حدّثنا أحمد ثنا المنذر بن الوليد الجارودي ثنا أبي ثنا حميد بن مهران عن داود بن أبي هند عن رجل من أهل الشام يعني: الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي ذرّ قال: إني شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الأثر.
وقد استدل ابن أبي عاصم في السنة بهذا الأثر على خلافة الخلفاء الراشدين المهديين
(1)
.
4 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك"
(2)
. فالثلاثون سنة هي خلافة أبي بكر الصّدّيق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب والحسن بن عليّ رضي الله عنهم.
قال ابن كثير رحمه الله: "وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن عليّ، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأوّل من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين من موت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنه توفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأوّل سنة أحدى عشرة من الهجرة. وهذا من دلائل النبوّة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليماً".
(3)
(1)
السنة ص 520 - 530.
(2)
رواه الطيالسي / المسند ص 151، الجعد / المسند 2/ 1155، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 363، الترمذي / السنن 3/ 341، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 1/ 116، 119، الطبري / صريح السنة ص 24، وغيرهم، وسنده عند الترمذي متصل ورجاله ثقات سوى سعيد بن جهمان فهو صدوق، ومدار الحديث عليه، فالحديث حسن.
(3)
البداية والنهاية 8/ 17.
5 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "تدور رحى الإسلام على خمس وثلاثين أو ست وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن بقي لهم دينهم فسبعين عاماً"، قال عمر: يا رسول الله، بما بقي أو بما مضى؟ قال:"بما بقي"
(1)
.
(1)
رواه أحمد / المسند 1/ 393، أبو داود / السنن 4/ 98، الخطابي / غريب الحديث 1/ 549، الحاكم / المستدرك 3/ 114، 145، 4/ 521، صحيح من طريق الحاكم.
قال: حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا بكار بن قتيبة القاضي، ثنا أبو داود الطّيالسيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن منصور عن ربعي بن حراش عن البراء بن ناجية الكاهلي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
الحديث.
وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 703.
قال المباركفوري في كلامه على الحديث: وليس الهلاك فيه على حقيقته بل سمى أسباب الهلاك والاشتغال بما يؤدي إليه هلاكاً، ثم قال: فإن قلت في هذا الكلام موعدان الأول أنهم إن يهلكوا فسبيلهم سبيل من هلك، والثاني أنهم إن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً، وهذان الموعدان لا يوجدان معاً بل إن وجد الأول لا يوجد الثاني، وإن وجد الثاني لا يوجد الأول، فأي من هذين الموعدين وجد ووقع؟ قلت: قال القاري في المرقاة: قد وقع المحذور في الموعد الأول ولم يزل كذلك إلى الآن، قلت: لا شك في قوله فقد ظهر بعد انقضاء مدة الخلفاء الراشدين ما ظهر وجرى ما جرى، فلما وقع ما في الموعد الأول ارتفع ما في الموعد الثاني. عون المعبود 11/ 327، 328.
6 -
ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت مستخلفاً لاستخلفت أبا بكر أو عمر"
(1)
.
وقد رويت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تصريح باستخلافه صلى الله عليه وسلم أبا بكر من بعده وعمر من بعد أبي بكر، وهي غير ثابتة بل الثابت والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف خليفة من بعده.
ومن تلك الأحاديث الضعيفة ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسس مسجد قباء جاء بحجر فوضعه، وجاء أبو بكر بحجر فوضعه، وجاء عمر
(1)
رواه إسحاق بن راهويه / المسند 3/ 660، النسائي / السنن الكبرى 5/ 39، صحيح من طريق إسحاق.
قال: أخبرنا وكيع، نا أبو العميس عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو
…
الحديث.
ورواه أحمد/ المسند 6/ 36، والنّسائي/ السنن الكبرى 5/ 57، 58، والخلال/ السّنّة، ص: 272، والحاكم/ المستدرك 3/ 78.
وسنده عند أحمد متّصل ورجاله ثقات. قال: ثنا وكيع، ثنا أبو العميس عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لاستخلف أبا بكر أو عمر.
فالنّصّ فيه من كلام عائشة رضي الله عنها وليس مرفوعاً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ولا مانع أن تكون عائشة رضي الله عنها سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حكته هي.
بحجر فوضعه، وجاء عثمان بحجر فوضعه، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:"هذا أمر الخلافة من بعدي"
(1)
.
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: بعثني بنو المصطلق
(2)
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من ندفع صدقاتنا بعدك؟ قال: فأتيته، فسألته، فقال:"إلى أبي بكر"، فأتيتهم فأخبرتهم فقالوا: ارجع إليه، فسله، فإن حدث بأبي بكر حدث فإلى من؟ فأتيته فسألته فقال:"إلى عمر"، فأتيتهم فأخبرتهم
…
الحديث
(3)
.
(1)
رواه البخاري / التاريخ الكبير 3/ 117، عبد الله بن أحمد / السنة ص 244، 245، أبو يعلى / المسند 8/ 295، الحاكم / المستدرك 3/ 13، وفي إسناده عند جميع من رواه سوى عبد الله بن أحمد حشرج بن نباته صدوق يهم، وقال البخاري بعد إيراده للحديث في ترجمة حشرج: هذا لم يتابع عليه لأن عمر وعلياً قالا: لم يستخلف النبي صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده عند عبد الله بن أحمد هشيم بن بشير مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه رجل مبهم، فالأثر ضعيف.
وقال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث بهذا السياق غريب جداً. السيرة النبوية 4/ 310.
(2)
بنو المصطلق هم بنو جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة وهم بطن من خزاعة من القحطانية. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/ 1104.
(3)
رواه الحاكم /المستدرك 3/ 77، أبو نعيم / حلية الأولياء 8/ 358، وفيه إسناديهما نصر بن منصور المروزي، ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 13/ 286، وفيه المختار بن فلفل صدوق له أوهام. تق 523، وقال ابن حجر في التهذيب: تكلم فيه السليماني فعده من رواة المناكير عن أنس 10/ 609، فالأثر ضعيف.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل من أهل البادية إبلاً، فلقيه علي بن أبي طالب، فقال له: ما أقدمك؟ قال: قدمت بإبل، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنقدك؟ قال: لا، ولكن بعتها منه بتأخير، قال: ارجع فقل له يا رسول الله، إن حدث بك حدث من يقضيني؟ وانظر ما يقول لك، فارجع حتى تعلمني، فقال: يا رسول الله، إن حدث بك حدث من يقضيني مالي؟ قال:"أبو بكر"، فأعلم علياً، فقال له: ارجع اسأله إن حدث بأبي بكر حدث فمن يقضيني؟ فسأله فقال: "عمر"، فجاء فأعلم علياً، فقال له: ارجع فسله، إذا مات عمر فمن يقضيني؟ فجاء فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت"
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 226، الطبراني / المعجم الكبير 17/ 180، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 201، 202، وفي إسناده عند ابن سعد الواقدي وفيه عند الطبراني شيخه أحمد بن رشدين، قال ابن عدي: كذبوه. ميزان الاعتدال 1/ 233، وفيه الفضل بن المختار البصري قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها، وقال الأزدي: منكر الحديث جداً. الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 358، ورواه ابن عساكر من طريق الطبراني، فالأثر ضعيف جداً.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفصة بنت عمر رضي الله عنه: "أبشرك ببشارة، فإن أباك يلي من بعد أبي بكر إذا أنا مت"
(1)
.
ومن ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لم يقبض النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسر إلى أن الخليفة من بعده أبو بكر، ومن بعد أبي بكر عمر، ومن بعد عمر عثمان
…
الحديث
(2)
.
(1)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 12/ 117، العشاري /فضائل أبي بكر ص 47، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 199، 200، وفي إسناده عند الطبراني إسماعيل ابن عمرو البجلي، قال ابن عدي: له أحاديث لا يتابع عليها، وضعفه أبو حاتم، والدارقطني، وساق الذهبي له حديثاً باطلاً، وقال: هو الآفة. ميزان الاعتدال 1/ 239، 240، وفيه انقطاع الضحاك بن مزاحم لم يلق ابن عباس. انظر ميزان الاعتدال 2/ 325، وفي إسناده عند العشاري سيف بن عمر التميمي، ضعيف. تق 262، وفيه عند ابن عساكر موسى بن جعفر الأنصاري، قال العقيلي: مجهول النقل، لا يتابع على حديثه، ولا يصح إسناده، الضعفاء 4/ 155، وقال الذهبي: لا يعرف، وخبره ساقط، ثم ساق الحديث الذي أنا بصدد الكلام عنه، وقال: هذا باطل. ميزان الاعتدال 4/ 201، فالحديث ضعيف جداً.
(2)
رواه العشاري / فضائل أبو بكر ص 46، وفي إسناده إبراهيم بن راشد الآدمي، قل الذهبي: وثقه الخطيب، واتهمه ابن عدي. ميزان الاعتدال 1/ 30.
وفيه ليث بن أبي سليم زنيم صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك. تق 464، وفيه انقطاع مجاهد بن جبر المكي روايته عن علي بن أبي طالب مرسلة، فالأثر ضعيف.
وروي أن الزبير بن العوام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخليفة فيكم بعدي أبو بكر ثم عمر"
(1)
(1)
رواه العشاري / فضائل أبي بكر ص 48، وفي إسناده عبد الرحمن بن عمرو ابن جبلة قال أبو حاتم: كان يكذب، فضربت على حديثه، وقال الدارقطني: متروك يضع الحديث. ميزان الاعتدال 2/ 580، وقال الذهبي بعد ذكره للحديث الذي أتكلم عليه: هذا باطل، والآفة من عبد الرحمن فإنه كذاب. ميزان الاعتدال 1/ 315، فالحديث موضوع.
المسألة الثانية: ما ورد في فضل خلافته.
تعتبر خلافة عمر رضي الله عنه رمزاً لأمن واستقرار الدولة الإسلامية واتساعها، وعزة الأمة الإسلامية، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وشهد بذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عمر رضي الله عنه لأصحابه: "أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ " قال حذيفة بن اليمان
(1)
رضي الله عنه: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، قال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتنة الرجل في أهله، وماله، وجاره تكفرها الصلاة والصدقة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، قال عمر: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق، قال الصحابة رضوان الله عليهم: قلنا علم عمر الباب؟ قال حذيفة: نعم، كما أن دون غداً الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط
(2)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 181.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 102، 249، 2/ 277، 4/ 227، مسلم / الصحيح / شرح النووي 2/ 170 - 175، 18/ 16، 17، الترمذي / السنن 3/ 357، 358 وغيرهم.
ففي هذا الحديث إخبار بعدم وقوع الفتن في عهد عمر رضي الله عنه. فقد مثل حياة عمر بباب لحائط الفتنة وراءه ومثل موته رضي الله عنه بكسر هذا الباب وأنه إذا مات فإن الباب سوف لن يغلق، لأنه كسر كسراً ولم يفتح. وهو إشارة إلى أن الفتن سوف تظهر بعد موته ولن يكون لها مانع أو راد. وقد بدأت الفتنة بعد خلافته قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ثم تتابعت الفتن، وظهرت الأهواء والبدع في الأمة الإسلامية
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت الناس مجتمعين في صعيد واحد، فقام أبو بكر، فنزع ذنوباً
(2)
أو ذنوبين، وفي بعض نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها عمر، فاستحالت بيده غرباً
(3)
، فلم أر عبقرياً
(4)
في الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن"
(5)
.
(1)
انظر: ابن حجر / فتح الباري 6/ 603 - 607.
(2)
الذنوب الدلو الممتلئ. ابن منظور / لسان العرب 5/ 64.
(3)
فاستحالت غرباً: أي تحولت الدلو غرباً أي دلولاً عظيماً وهي المتخذة من جلد الثور. المصدر السابق 10/ 35.
(4)
العبقري: الشديد والقوي. المصدر السابق 9/ 24.
(5)
يقال ضربت الإبل بالعطن: إذا رويت ثم بركت حول الماء. المصدر السابق 9/ 273.
رواه البخاري / الصحيح 2/ 285، 290، 294، 4/ 215، 293، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/ 160 - 162 وغيرهما.
وقد ذكر أهل العلم أن تأويل رؤياه صلى الله عليه وسلم إخبار عن خلافة عمر رضي الله عنه، وما سوف تكون عليه من طول زمانها، وكثرة الفتوحات فيها، واتساع أمر الإسلام، واستقرار قواعده، وما يصيب المسلمين فيه من الخير والنعم الكثيرة
(1)
.
ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في فضل خلافة عمر رضي الله عنه: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن عمر كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه الإسلام ولا يخرج منه، فلما قتل عمر انثلم
(2)
الحصن، فالإسلام يخرج منه، ولا يدخل فيه
(3)
.
وقال رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان نصراً، وإن إمرته كانت فتحاً
(4)
.
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل ما يزداد إلا قرباً، فلما قتل عمر كان كالرجل المدبر ما يزداد إلا بعداً
(5)
.
(1)
انظر: ابن حجر / فتح الباري 12/ 412 - 414.
(2)
الثُلمة: الخلل في الحائط وغيره. ابن منظور / لسان العرب 2/ 124.
(3)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: 446.
(4)
حسن. تقدم تخريجه في ص: 448.
(5)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: 448.
وقالت أم أيمن
(1)
رضي الله عنها لما مات عمر رضي الله عنه: اليوم وهى الإسلام
(2)
.
المسألة الثالثة: استخلافه رضي الله عنه.
انتقلت الخلافة إلى عمر رضي الله عنه عن طريق الاستخلاف، فقد استخلف أبو بكر رضي الله عنه عمر قبل وفاته، قال عمر رضي الله عنه: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ولما علم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم باستخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما دخل عليه رجل من المهاجرين وهو يشتكي، فقال له: استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له؟! فكيف لو ملكنا كان أعتا وأعتا، فكيف تقول لله إذا لقيته؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: أجلسوني فأجلسوه فقال: أبالله تفرقوني؟! أقول إذا لقيته: استخفلت عليهم خير أهلك
(4)
.
(1)
تقدمت ترجمتها في ص: 447.
(2)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: 447.
(3)
صحيح. تقدم الكلام عليه في ص: 547
(4)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 199، 200، إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 504/أ، الفاكهي / أخبار مكة 3/ 73، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 231 - 233، البلاذري / أنساب الأشراف ص 72، 73، 147، 163، 164، الطبري / التاريخ 2/ 355، المروزي / تعظيم قدر الصلاة 2/ 842، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 82، 183، 184، الإمامة ص 276، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 149، صحيح من طريق إسحاق بن راهويه. قال: أنا عبد الرّزّاق أنا معمر عن الزهري عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: دخل رجل من المهاجرين
…
الأثر.
وجاء في رواية الطبري أن الذي دخل على أبي بكر هو طلحة بن عبيد الله، وفي إسنادها محمد بن حميد، الرازي ضعيف. تق 475، وفيه سلمة بن الفضل الأبرش صدوق كثير الخطأ. تق 248، وفيه محمد بن إسحاق مدلس، من الثالثة، ولم يصرح بالسماع فالرواية ضعيفة.
وروي أن أبا بكر استشار كبار المهاجرين والأنصار في استخلاف عمر رضي الله عنهما قبل استخلافه، فدعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، ثم قال: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فسأله عن عمر، فقال: اللهم إن علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: ولو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
(1)
، وأسيد بن حضير
(2)
، وغيرهما من
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 103.
(2)
أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأنصاري الأشهلي، صحابي جليل، مات سنة 20 هـ. تق 112.
المهاجرين والأنصار، وقال أسيد: لن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه
(1)
.
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أشرف على الناس من كنيفة
(2)
، وأسماء بنت عميس
(3)
رضي الله عنها ممسكته، موشومة اليدين، وهو يقول: أترضون بمن استخلف عليكم؟ وإني والله ما آلوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمعنا وأطعنا
(4)
.
وهذان الأثران ضعيفان ولكن ذلك لا يمنع أن يكون أبو بكر قد استشار كبار الصحابة رضوان الله عليهم في استخلافه عمر رضي الله
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 199، 200. البلاذري / أنساب الأشراف ص 70، 71، ومداره على الواقدي، فالأثر ضعيف.
(2)
كنيفه: أي ستره، وكل ما ستر من بناء أو حظيرة فهو كنيف. ابن منظور / لسان العرب 12/ 171.
(3)
أسماء بنت عميس الخثعمية صحابية، تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي رضي الله عنهم، وولدت لهم، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها. تق 743.
(4)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 352، 353، الخلال / السنة ص 276، وفي إسناديهما يونس بن إسحاق السبيعي صدوق يهم قليلاً، وفيه أبو السفر سعيد ابن يحمد ثقة من الثالثة لم تذكر له رواية عن أبي بكر، وذكر ابن معين أنه لم يلق عليا. التاريخ / رواية الدوري 2/ 195، فالأثر ضعيف.
عنه فوافقوه على ذلك، وعارض البعض تخوفاً من شدة عمر رضي الله عنه كما تقدم في الأثر، فبين لهم أبو بكر رضي الله عنه فضل عمر وأحقيته بالخلافة.
ثم أمر أبو بكر رضي الله عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه بكتابة وصية وعهد الخلافة لمن بعده، فأغمي على أبي بكر، فتعجل عثمان رضي الله عنه وكتب اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر رضي الله عنه قال لعثمان رضي الله عنه: من كتبت؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: كتبت الذي أردت أن آمرك به، ولو كتبت نفسك كنت لها أهلاً
(1)
.
وبعد ذلك خرج عمر رضي الله عنه ومعه مولى أبي بكر شديد، وبيده الصحيفة التي فيها استخلاف عمر، وعمر رضي الله عنه بيده عسيب نخل
(2)
، يقول: اسمعوا لقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل شديد يقرأ ما في الصحيفة، فقال: يقول أبو بكر: اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 199، 200، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 361، الحسن بن عرفة / جزء ص 62، البلاذري / أنساب الأشراف ص 72، الطبري / التاريخ 2/ 353، صحيح من طريق الحسن بن عرفة.
قال: حدّثنا شبابة بن سوار الغزالي حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كتب عثمان
…
الأثر.
(2)
عَسِيب النخل: جريد النخل إذا نحي عنه خوصه. ابن منظور / لسان العرب 9/ 197، 198.
الصحيفة، فوالله ما آلوتكم
(1)
، قال قيس بن أبي حازم
(2)
رحمه لله وهو راوي الخبر: فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر
(3)
.
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى عمر رضي الله عنه حين عهد إليه بالخلافة فقال: إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض، لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل المنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تجف يدك من دمائهم، وأن تضمر بطنك من أموالهم، وأن يجف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله
(4)
.
(1)
آلَوْتُكم: أي قصرت في أمركم. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 63.
(2)
قيس بن أبي حازم البجلي أبو عبد الله، ثقة، من الثالثة، مخضرم، ويقال له رؤية. تق 456.
(3)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 353، الخلال / السنة ص 277، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 219، صحيح من طريق الخلال. قال: أخبرنا محمّد أنا وكيع عن ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: قال: رأيت عمر بن الخطاب
…
الأثر.
(4)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 1/ 59، 60، وفي إسناده شيخ الطبراني عمرو ابن أبي الطاهر لم أجد له ترجمة، وفيه الأغر أبو مالك راوي الخبر عن أبي بكر رضي الله عنه لم أجد له ترجمة، وقال الهيثمي: والأغر لم يدرك أبا بكر. مجمع الزوائد 5/ 201، وبقية رجال السند ثقات، فالأثر ضعيف.
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى عمر رضي الله عنه أيضاً عند وفاته فقال: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عز وجل عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع في الباطل غداً أن يكون خفيفاً، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف ألا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوء أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء فيكون العبد راغباً راهباً لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته عز وجل، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يكن غائب أبغض إليك من الموت ولست بمعجزة
(1)
.
(1)
رواه أبو نعيم / حلية الألياء 1/ 36، ورجاله ثقات سوى خلاد بن يحيى، فهو صدوق. تق 196، ولكنه منقطع من رواية عبد الرحمن بن سابط، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن أبي بكر مرسلة. جامع التحصيل ص 222، فالأثر ضعيف.
وتوفي أبو بكر رضي الله عنه في ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من السنة الثانية عشر للهجرة، فتولى عمر رضي الله عنه خلافة المسلمين صبيحة يوم الثلاثاء لاثنين وعشرين يوماً خلت من شهر جمادى الآخرة من السنة الثالثة عشرة للهجرة
(1)
.
(1)
ذكر ذلك ابن سعد / الطبقات 3/ 274، البلاذري / أنساب الأشراف ص 165، 378، الطبري / التاريخ 2/ 348، 561، الطبراني / المعجم الكبير 1/ 70، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 192، 193، الحاكم / المستدرك 3/ 81، وهو عند ابن سعد والطبري وأبي نعيم من طريق الواقدي ولفظه: توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة، فاستقبل عمر بولايته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر.
وفي لفظ عند الطبري، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر، واحدى وعشرين ليلة من متوفى أبي بكر.
ورواه الطبراني بإسناد صحيح إلى يحيى بن بكير من كلامه وهو ثقة من العاشرة، ولفظه: استخلف عمر في رجب سنة ثلاث عشرة، ورواه الحاكم بإسناد حسن إلى ابن إسحاق من كلامه، ولفظه: استخلف عمر على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المطلب الثاني: حقوق الخليفة على رعيته وواجباته نحوهم.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حقوق الخليفة على رعيته.
إن من أعظم حقوق الخليفة على رعيته بعد مبايعتهم له طاعتهم إياه، وقد كان عمر رضي الله عنه يبايع رعيته على السمع والطاعة فيما استطاعوا
(1)
.
(1)
رواه أبو داود الطيالسي / المسند ص 286. ابن سعد / الطبقات 6/ 156، 21/ 7. ابن عبد البر / التمهيد 16/ 351.
وإسناده عند الطيالسي متصل ورجاله ثقات سوى علي بن زيد بن جدعان ضعيف من الرابعة. تق 401، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: والأرجح أنه ضعيف وبه جزم الحافظ في التقريب، ولكن ضعف بسبب سوء الحفظ لا لتهمة في نفسه، فمثله يحسن حديثه إذا توبع، السلسة الصحيحة 1/ 271، 272، ورواه سائر من رواه من طريق ابن جدعان سوى ابن سعد فإنه رواه من طريق آخر وفي إسناده سماك بن حرب، صدوق تغير بأخره، ولم يظهر لي هل سماع إسرائيل بن يونس الراوي عنه، كان قبل تغيره أم بعده، وفيه بشر بن قحيف ذكره ابن حبان في الثقات 4/ 69، وذكره ابن حجر في الإصابة 1/ 172، في القسم الثالث، ثم ذكر أثراً في مبايعة بشر لعمر وقال: هذا إسناد صحيح، وهو يدل على أنه لا صحبة له، إلا أن له إدراكاً، ووفد أيام عمر، فدلّ على أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كبيراً، وبقية رجال السند ثقات. فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
وقد بين عمر رضي الله عنه لرعيته أن من بايع أميره فقد بايعه، ولا يلزم من البيعة لقاء الخليفة بشخصه.
قال عمر رضي الله عنه لبشر بن قحيف: إذا بايعت أميري فقد بايعتني
(1)
.
وكان عمر رضي الله عنه يحذر رعيته من شق عصا الطاعة على الخليفة، ويأمرهم بلزوم طاعته وإن كان عبداً حبشياً، ولا شك أن تلك الطاعة مقيدة بما ليس فيه معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإذا أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة كما قال صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصيته، فإذا أمر بمعصيته فلا سمع ولا طاعة
(2)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 6/ 156، وفي إسناده سماك بن حرب صدوق تغير بأخره، ولكن سماع شعبة بن الحجاج الراوي عنه هنا روى عنه قبل تغيره، وفيه بشر بن قحيف، تقدم الكلام عليه في الحاشية السابقة، وبقية رجاله ثقات، وقد صححه الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة 1/ 172.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 234.
قال عمر رضي الله عنه لسويد بن غفلة
(1)
رحمه الله: يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع
(2)
فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر
(3)
.
وروي أن عمرو بن عطية قال: أتيت عمر وأنا غلام، فبايعته على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هي لنا وهي علينا، فضحك وبايعني
(4)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 442.
(2)
مُجّدع: أي مقطع الأطراف. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/ 247.
(3)
رواه الخلال / السنة ص 111، الآجري / الشريعة ص 48، 49، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 159، صحيح من طريق الخلال. قال: أخبرنا محمّد، قال: أنبأنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر: يا أبا أميه. ..
(4)
رواه ابن عبد البر / التمهيد 16/ 354، وقال: قال سنيد: حدثنا معتمر عن عاصم الأحول عن عمر أو عمرو بن عطية، وفي هذا الإسناد سنيد بن داود المصيصي، ضعيف مع إمامته ومعرفته. تق 257.
وعمرو بن عطية الراوي عن عمر رضي الله عنه ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 6/ 250، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 168، فالأثر ضعيف.
وقد بين عمر رضي الله عنه أن صلاح الوالي أو الحاكم وامتثاله أوامر الله عز وجل سبب في صلاح رعيته وامتثالهم طاعة الله عز وجل ومن ثم طاعته والانقياد له.
قال عمر رضي الله عنه: إن الناس لم يزالوا بخير ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم
(1)
.
ومن حقوق الخليفة على رعيته التي نبه عليها عمر رضي الله عنه النصيحة له من رعيته.
قال رجل لعمر رضي الله عنه: لا أخاف في الله لومة لائم خير لي، أم أقبل على نفسي؟ فقال عمر: أما من ولي من أمر المسلمين شيئاً فلا يخاف في الله لومة لائم، ومن كان خلواً، فليقبل على نفسه، ولينصح لولي أمره
(2)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 292، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 94، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 135، وشعب الإيمان/ زغلول 6/ 42، صحيح من طريق البيهقي في الشعب: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا عمرو بن السماك ثنا حنبل ابن إسحاق ثنا أبو نعيم ثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر عند موته ....
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 333، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 342، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب:
…
الأثر.
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حبه رضي الله عنه نصيحة رعيته له وحثه لهم على ذلك.
روي أن رجلاً وعظ عمر رضي الله عنه فقال: إنك وليت أمر هذه الأمة، فاتق الله فيما وليت من أمر هذه الأمة في رعيتك، وفي نفسك خاصة، فإنك محاسب ومسؤول عما استرعيت، وإنما أنت أمين، وعليك أن تؤدي ما عليك من الأمانة فتعطى أجرك على قدر عملك، فقال عمر: ما صدقني رجل منذ استخلفت غيرك
(1)
.
وروي أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه دخل على عمر رضي الله عنه وهو قاعد على جذع في داره، وهو يحدث نفسه فدنا منه فقال: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين؟
فقال: هكذا بيده، وأشار بها، قال حذيفة: قلت: الذي يهمك، والله لو رأينا منك أمراً ننكره قومناك، قال عمر: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم أمراً تنكرونه لقومتوه؟ فقلت: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمراً ننكره لقومناك.
(1)
رواه إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 487 / ب رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
قال: ففرح بذلك فرحاً شديداً، وقال: الحمدلله الذي جعل فيكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الذي إذا رأى مني أمراً ينكره قومني
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أيها الرعية، إن لنا عليكم حقاً النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه رد على أبي بن كعب قراءة آية، فقال أبي رضي الله عنه: لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت يلهيك الصفق بالأسواق بالبقيع، فقال عمر: صدقت، إنما أردت أن أجربكم هل فيكم من يقول الحق، فلا خير في أمير لا يقال عنده الحق ولا يقوله
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 99، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى يحيى بن عيسى التميمي.
قال الذهبيّ: قال: النّسائي وغيره: ليس بالقويّ. الكاشف 2/ 372. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ ورمي بالتّشيّع تق: 595. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 578، وإسناد رجاله ما بين ثقة وصدوق ولكنه منقطع من رواية سلمة بن كهيل وهو ثقة من الرابعة عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه إسحاق بن راهويه / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/ 51/ب، وفي إسناده خالد بن يزيد الفزاري مجهول الحال. تق 191، وفيه انقطاع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج من المسجد ومعه الجارود العبدي
(1)
رضي الله عنه، فإذا امرأة برزة
(2)
على ظهر الطريق، فسلم عليها، فردت عليه السلام، فقال: هيها يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميراً تصارع الصبيان في سوق عكاظ
(3)
، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فبكى عمر رضي الله عنه، فقال الجارود: هيه فقد اجترأت على أمير المؤمنين وأبكيته، فقال عمر رضي الله عنه: أما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت التي سمع الله عز وجل قولها من فوق سمواته، فعمر أحرى أن يسمع لها
(4)
.
(1)
الجارود العبدي اسمه بشر واختلف في اسم أبيه فقيل المعلى أو العلاء، وقيل عمرو، صحابي جليل، استشهد سنة إحدى وعشرين. تق 137.
(2)
بَرزَة: أي كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم. ابن منظور / لسان العرب 1/ 374.
(3)
تقدم التعريف به في ص: 97.
(4)
رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 2/ 13/14، 343، 344، وفي إسناده هارون بن عمر لم أجد له ترجمة، وفيه خليد بن دعليج السدوسي، ضعيف. تق 195، وفيه انقطاع من رواية قتادة بن دعامة، وهو ثقة من الرابعة عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
وذكر ابن عبد البر أن التي سمع الله قولها هي خولة بنت ثعلبة، وأن ما ورد في الأثر من أنها خولة بنت حكيم وهم. الاستيعاب 4/ 390، 391.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي
(1)
.
وروي أن أبا عبيدة ومعاذ بن جبل كتبا إلى عمر رضي الله عنه يعظانه: سلام عليك أما بعد، فإنا عهدناك وأمر نفسك لك مهم، وأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر، فإنا نحذرك يوماً تعنو فيه الوجوه، وتحف
(2)
فيه القلوب، وتقطع فيه الحجج، يملك قهرهم بجبروته، والخلق داخرون له،
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 293، الدارمي / السنن 1/ 160 - 163، البلاذري / أنساب الأشراف ص 231، وسنده عند ابن سعد صحيح إلى سفيان بن عيينة وهو ثقة من الثامنة روايته عن عمر معضلة، ورواه البلاذري من طريق ابن سعد، وفي إسناده عند الدارمي عبد الملك بن سليمان أبو عبد الرحمن الأنطاكي لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية عباد بن عباد الخواص الشامي أبو عتبة عن عمر رضي الله عنه وهو صدوق من التاسعة. تق 290، فالأثر ضعيف.
(2)
لعل المراد به ترقق فإن ذلك من معاني الحف في اللغة كما في لسان العرب لابن منظور 3/ 249.
يرجون رحمته، ويخافون عقابه وإنا كنا نحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع إلى آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، وإنا نعوذ بالله أن يترك كتابنا إليك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنا كتبنا به نصيحة لك، والسلام عليك.
فكتب إليهما: من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ومعاذ بن جبل سلام عليكما، أما بعد، فإنكما كتبتما إلي تذكران أنكما عهدتماني وأمر نفسي لي مهم وإني قد أصحبت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها يجلس بين يدي الشريف والوضيع، والعدو والصديق ولكل حقه من ذلك، وكتبتما فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر، وأنه لا حول ولا قوة عند ذلك لعمر إلا بالله، وكتبتما تحذراني ما حذرت به الأمم قبلنا، وقديماً كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقربان كل بعيد ويبليان كل جديد ويأتيان بكل موعود حتى يصير الناس إلى منازلهم من الجنة والنار، وكتبتما تحدثان أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، ليس هذا بزمان ذلك، وأن ذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة بعض الناس إلى بعض لصلاح دنياهم، ورهبة بعض الناس من بعض، كتبتما به نصيحة تعظاني بالله أن أنزل كتابكما سوى المنزل الذي نزل من قلوبكما، وإنكما
كتبتما به وقد صدقتكما، فلا تدعا الكتاب إلي، فإنه لا غنى بي عنكما، والسلام عليكما
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 94، وفي إسناده مروان بن معاوية الفزاري، ثقة من الثامنة وهو مدلس من الثالثة تق: 526، ولم يصرح بالسماع، وهو من رواية نعيم ابن أبي هند، (ثقة من الرابعة،) عن صحيفة عنده.
فالأثر ضعيف.
المسألة الثانية: واجبات الخليفة نحو رعيته.
كان عمر رضي الله عنه شديد الخشية والمراقبة لله عز وجل في جميع أحواله، ولقد كان في تعامله مع رعيته أشد خشية لله وخوفاً من أن يضيع ما استرعاه الله عز وجل.
قدم معاوية بن حديج
(1)
رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه بفتح الاسكندرية، وأناخ راحلته، فخرجت جارية لعمر رضي الله عنه فرأته وعليه أثر السفر، فأدخلته، فقربت إليه خبزاً وزيتاً وتمراً، فأكل، فقال عمر لمعاوية رضي الله عنهما: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت: إن أمير المؤمنين قائل
(2)
، قال عمر: بئس ما قلت أو بئس ما ظننت، لئن نمت النهار لأضيعن الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية
(3)
؟!
(1)
معاوية بن حُديج الكندي أبو عبد الرحمن رضي الله عنه، صحابي صغير. تق 537.
(2)
أي: نائمٌ نوم القيلولة.
(3)
رواه أحمد / الزهد ص 152، ابن عبد الحكيم / فتوح مصر ص 81، ومداره على موسى بن عُلي اللخمي. قال الذهبي: ثبت صالح. الكاشف 2/ 306. وقال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ تق 553، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر حسن.
وقال عمر رضي الله عنه: لو مات جمل من عملي ضياعاً، خشيت أن يسألني الله عنه
(1)
.
ولما كانت أخر حجة حجها عمر رضي الله عنه أناخ بالأبطح
(2)
ثم كوم كومة من بطحاء ثم طرح عليها رداءه، ثم استلقى ومد يديه إلى السماء، فقال: اللهم قد كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع
(3)
.
(1)
رواه مسدد / المطالب العالية لابن حجر ق 504/أ. ابن سعد / الطبقات 3/ 305، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 99، الطبري / التاريخ 2/ 566، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 304، ورجال إسناده عند مسدد وابن عساكر ثقات ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. ورواه ابن سعد من طريق الواقدي، وفي إسناده ابن أبي شيبة أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، وبقية رجاله ثقات، وفي اتصاله اختلاف فهو من رواية حميد بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من الثانية، قال العلائي روى عن عمر وكأنه مرسل، جامع التحصيل ص: 168، وفيه عند الطبري عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم ضعيف. تق 340، وبقية رجاله ثقات، فالأثر حسن لغيره بمجموع طرقه.
(2)
الأبطح: جزع من وادي مكة بين المنحى إلى الحجون، ثم تليه البطحاء إلى المسجد الحرام، وكلاهما من المعلاة، ثم المسفلة. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 13/ 14.
(3)
رواه مالك / الموطأ 2/ 21، مسدد / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 3/ 144/ب. ابن سعد / الطبقات 3/ 324 - 330، ابن أبي شيبة / المنصف 7/ 96، ابن شبة / تاريخ المدنية 3/ 90، البلاذري / أنساب الأشراف ص 338، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 1/ 107، 109، الحاكم / المستدرك 3/ 91، 92، ومداره على سعيد بن المسيب وقد اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه وبقية رجاله عند مالك ثقات، ورواه ابن سعد من طريق آخر رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
ولما حضرته الوفاة رضي الله عنه جعل الناس يثنون عليه بعدله في إمارته وقيامه بحقوق رعيته، فقال رضي الله عنه: أبالإمارة تغبطوني فوالله لوددت أني نجوت منها كفافاً لا علي ولا لي
(1)
.
ومن الآثار الدالة بمجموعها على خشية عمر رضي الله عنه من التفريط في رعيته ما روي من أنه رضي الله عنه كان يدخل يده في دَبَرَةِ البعير
(2)
ويقول: إني أخاف أن أسأل عما بك
(3)
.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: بينما أنا أمشي مع
(1)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص:321.
(2)
دَبَرة البعير: قرحة البعير. ابن منظور / لسان العرب 4/ 384.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 286، البلاذري / أنساب الأشراف ص 217، ومداره على سالم بن عبد الله بن عمر، ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات، فالأثر ضعيف.
عمر رضي الله عنه ذات يوم وهو يضرب وحشي قدمه
(1)
بالدرة، تنفس تنفسة ظننت أنها قد فضت أضلاعه فقلت: سبحان الله، وما أخرج هذا منك يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم، قال: ويحك يا ابن عباس، والله ما أدري كيف أصنع بأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: والله إنك بحمد لله لقادر على أن تصنع ذاك منها في البقية، قال: إنه والله يا ابن عباس ما يصح هذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل، يقول ابن عباس: والله ما أعرف غير عمر
(2)
.
وروي أن مالك الدار
(3)
قال: غدوت على عمر رضي الله عنه يوماً، فقال لي: يا مالك، كيف أصبح الناس؟ قلت: أصبح الناس بخير، قال: هل سمعت من شيء؟
فقلت: ما سمعت إلا خيراً، قال: ثم غدوت عليه اليوم الثاني فسألني، فأخبرته، واليوم الثالث سألني وأبرمني، فقلت: وما تخشى من
(1)
وحشي القدم، مالم يقبل عليك منها. الفيومي / المصباح المنير ص 249.
(2)
رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/ 96، ورجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق فهو صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع فالأثر ضعيف.
(3)
مالك بن عياض مولى عمر له إدراك، وسمع من أبي بكر الصديق روى عن الشيخين وكان خازناً لعمر رضي الله عنه. ابن حجر / الإصابة 3/ 484، 485.
الناس؟ فقال: ثكلتك أم مالك، هل خشيت أن يكون عمر يضرب عن بعض حقوق المسلمين فيغدون عليه براياتهم يسألون حقوقهم
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه لما ولي الخلافة خطب فقال: يا أيها الناس إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم، وأقواكم عليكم، وأشدكم استطلاعاً بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم، ويكفي عمر مُهِمّا محزناً انتظار موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها، ووضعها أين أضعها، وبالسير فيكم كيف أسير، فربي المستعان، فإن عمر أصبح لا يثق بقوة، ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده
(2)
.
وقد قام عمر رضي الله عنه بواجباته نحو رعيته خير قيام وأتمه، وقد تمثل ذلك في عدة أمور هي:
(1)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 348، وفي إسناده هارون بن عمر المخزومي لم أجد له ترجمة، وفيه محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع صدوق يخطئ، وهو مدلس من الطبقة الرابعة ولم يصرح بالسماع، وفيه بسير بن عبيدالله، ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 572، 573، وفي إسناده أبو معشر السندي، ضعيف أسن واختلط. تق 559، وفيه محمد بن المنكدر، ثقة من الثالثة، يروي عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه منقطعة، ورواه من طريق آخر وفيه يزيد ابن عياض بن جعدبة كذبه مالك وغيره. تق 604، فالأثر ضعيف.
أولاً: تعرفه رضي الله عنه على أحوال رعيته.
فقد كان عمر رضي الله عنه دائم التعرف على أحوال رعيته بنفسه يجلس للرعية، ويلتقي بهم ويعرضون عليه حاجاتهم، كبيرهم وصغيرهم، شريفهم ووضيعهم، ولم يكن رضي الله عنه يحتجب عنهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها
(1)
.
وكان رضي الله عنه يجلس بعد صلاة الفجر للنظر في أمور رعيته حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيدخل بيته
(2)
.
وكان بعض الرعية لا يستطيع أن يعرض حاجته على عمر رضي الله عنه هيبة منه، فاجتمع عدد من الصحابة رضوان الله عليهم لإعلامه بذلك، وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله،
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 288، أبو يعقوب بن شيبة بن الصلت / مسند عمر ص 98، البلاذري / أنساب الأشراف ص 221، الطبري / التاريخ 2/ 565، 566، ومداره على عاصم بن كليب بن شهاب، وهو صدوق. تق 486، يروي عن أبيه كليب وهو صدوق أيضاً، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات، فالأثر حسن.
(2)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 270، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى عبدالغفار بن إسماعيل، قال ابن أبي حاتم: لا بأس به. الجرح والتعديل 5/ 377، فالأثر حسن.
والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وكان أجرأهم عليه عبد الرحمن بن عوف، فقالوا له: لو كلمت أمير المؤمنين للناس، فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة، فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يقض حاجته، فدخل على عمر رضي الله عنه، فكلمه فقال: يا أمير المؤمنين، لن للناس، فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك، فقال عمر رضي الله عنه: يا عبد الرحمن أنشدك الله أعلي وعثمان وطلحة والزبير وسعد أمروك بهذا؟ فقال: اللهم نعم، قال: يا عبد الرحمن، والله لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت عليهم حتى خشيت الله في الشدة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يبكي يجر رداءه، يقول بيده أف لهم بعدك، أف لهم بعدك
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 287، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 246، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 200، الطبري / التاريخ 2/ 568.
وفي إسناده عند ابن سعيد والبلاذري سلمة بن دينار المدني صدوق تق: 306. وبقية رجال إسناديهما ثقات. ولكنهما منقطعان من رواية محمّد بن زيد ثقة من الثالثة تق: 479. روايته عن عمر منقطعة.
ورواه ابن شبه كذلك من طريق معمر بن محمّد بن زيد عن أبيه عن عمر. وإسناده عند الطبري متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. قال: حدّثني عبيد الله بن سعيد الزهري حدّثنا عمي حدّثني أبي إبراهيم بن سعد عن الوليد بن كثير القرشي عن محمّد بن عجلان أن زيد بن أسلم حدّثه عن أبيه أن نفراً من المسلمين
…
الأثر. فالأثر حسن.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يدعوا الله ويقول: اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه لما ولي الناس خطب فقال: يا أيها الناس إني قد علمت أنكم تونسون مني شدة وغلظة، وذلك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه، وكان كما قال الله:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
(2)
فكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني، فأكف وإلا أقدمت على الناس لمكان لينه
(3)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 274، وفيه الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه شداد المحاربي، لم أجد له ترجمة، فالأثر ضعيف.
(2)
سورة التوبة الآية 128.
(3)
رواه الحاكم / المستدرك 1/ 126، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 225 - 227، وفيه عندهما أبو صالح عبدالله بن صالح الجهني كاتب الليث، صدوق كثير الغلط. تق 308، ورواه ابن عساكر من طريق آخر وفيه أبو الأغر قراتكين بن الأسعد لم أجد له ترجمة، وذكر الذهبي تاريخ وفاته سنة: 524 وقال: المسند أبو الأغر قراتكين، تذكرة الحفاظ 2/ 1275، وفيه أبو محمد الجوهري لم أعرفه، وعبدالعزيز بن جعفر بن محمد بن حمدي لم أجد له ترجمة، ومدار الأثر على سعيد بن المسيب وسماعه من عمر مختلف فيه.
وأما من كان من الرعية بعيداً عن المدينة كأهل العراق والشام وغيرهما من أقطار المسلمين، فإن عمر كان يسأل عن أحوالهم ويستخبر عنها ويتعرف عليها ومن ثم يقضي حاجتهم.
كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله بالعراق: أن ابعث إلي برجلين جليدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم
(1)
.
بل لقد عزم رضي الله عنه على أن لا يدع بلداً من بلاد المسلمين إلا ويأتيه ويطلع على أحوال أهله بنفسه، ويقضي حاجاتهم
(2)
.
وقال عمر رضي الله عنه وقد عزم على قضاء حوائج رعيته قويهم وضعيفهم شريفهم ووضيعهم: لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي
(3)
.
(1)
صحيح تقدم الكلام عليه في ص: 80، 81.
(2)
رواه ابن أبي شيبه / المصنف 7/ 483، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 38، الطبري / التاريخ 2/ 565، ورجال إسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية أبي مجلز لاحق بن حميد عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. ومداره عند ابن شبة، والطبري على الحسن البصري وروايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند الطبري ثقات، فالأثر حسن لغيره بطريقه.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 297، 298، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 47.
وفي المدينة لم يقتصر عمر رضي الله عنه على الجلوس لرعيته للتعرف على أحوالهم بل كان رضي الله عنه يطوف بالمدينة ويراقب رعيته ويواسيهم ويخدمهم.
ذكر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه حرس بالمدينة ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبينما هم يمشون في طرقاتها إذ شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا نحوه، حتى إذا دنوا منه، إذا باب مغلق عليه قوم، ولهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال عبد الرحمن: لا، قال: هو ربيعة بن أمية بن خلف
(1)
، وهم الآن شرب، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهانا الله عنه، نهانا الله فقال:{وَلَا تَجَسَّسُواْ} ، فقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم
(2)
.
(1)
ربيعة بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة الجمحي القرشي أخو صفوان، كان شهد حجة الوداع، ثم شرب الخمر في عهد عمر رضي الله عنه، وهرب منه إلى الشام، ثم هرب إلى قيصر فتنصر ومات عنده. ابن حجر / الإصابة 1/ 350.
(2)
رواه عبد الرزاق / التفسير 2/ 232، 233، المصنف 10/ 231، 232، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 287، 288، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 481، الحاكم / المستدرك 4/ 277، 278، البيهقي/ السنن الكبرى 8/ 333، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن الزهري عن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف عن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن عوف.
وقال أسلم مولى عمر رضي الله عنه: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم
(1)
حتى إذا كنا بصرار
(2)
إذ نار، فقال عمر: إني لأرى ها هنا ركباً قصر بهم البرد والليل، انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان صغار، وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون
(3)
، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول أصحاب النار، فقال: وعليك السلام، فقال: أدنو؟ فقالت: إدن بخير أودع، فدنا، فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: ما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ما أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر، فقال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى عمر أمرنا ثم يغفل عنا، قال أسلم: فأقبل علي فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً
(4)
من دقيق وكبة من شحم، فقال: إحمله علي، فقلت: أنا
(1)
حرة واقِم: إحدى حرتي المدينة وهي الشرقية، سميت باسم رجل من العماليق، وفي هذه الحرة كانت وقعة الحرة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية سنة: 63 هـ. ياقوت الحموي / معجم البلدان 2/ 249.
(2)
صِرار: بئر على ثلاثة أميال من المدينة تلقاء حرة واقم. المصدر السابق 3/ 402.
(3)
يتضاغون: يتباكون. ابن منظور / لسان العرب 8/ 69.
(4)
العِدل: نصف الحمل يكون على إحدى جنبي البعير، والعديلتان الغرارتان لأن كل واحدة منهما تعدل صاحبتها. ابن منظور / لسان العرب 9/ 85.
أحمله عنك، فقال: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟ لا أم لك، فحملته عليه، فانطلق، وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر
(1)
.
وقال أسلم رضي الله عنه: بينما أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس بالمدينة إذا أعيا، فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء؟ فقالت لها: يا أمتاه، وما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته يا بينه؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى: أن لا يشاب اللبن بالماء؟ فقالت لها: يابنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها يا أمتاه: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، وعمر يسمع كل ذلك، فقال: يا أسلم: عَلّم الباب، واعرف الموضع، ثم مضى في عسسه، فلما أصبح قال: يا أسلم إمض إلى الموضع فانظر من القائلة؟ ومن المقول لها؟ وهل لهما من يعل؟ قال أسلم: فأتيت الموضع، فنظرت فإذا الجارية أَيّم لا بعل لها، وإذ تيك أمها، وإذ ليس لهم رجل، فأتيت عمر بن الخطاب، فأخبرته، فدعى ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه، ولو كان بأبيكم
(1)
حسن، تقدم الكلام عليه في ص:99. في ذكر صفة طول اللحية لعمر رضي الله عنه حيث أنها ذكرت في هذا الأثر.
حركة إلى النساء ما سبقه فيكم أحد إلى هذه الجارية، فقال عبدالله: لي زوجة، وقال عبدالرحمن: لي زوجة، وقال عاصم: يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فكانت جدة عمر بن عبد العزيز الخليفة رحمه الله
(1)
.
ومن مواساة عمر رضي الله عنه لرعيته إطعامه المحتاجين والفقراء منهم ومواساته لهم، قدم بعض الرسل إلى عمر رضي الله عنه مبشراً له بفتح بعض مدن فارس، فوجد عمر رضي الله عنه يطعم الناس، ويعاونه مولاه يرفأ
(2)
.
ومن أخباره رضي الله عنه في مراقبته لرعيته وتواضعه لهم ما حكاه سنان بن سلمة
(3)
قال: كنت في
أغيلمة نلتقط البلح، ففجئنا عمر، فتبعني الغلمان، فقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه مما ألقت الريح، فقال:
(1)
أورده ابن كثير في مسند الفاروق 1/ 392، نقلاً عن أبي بكر الآجري وإسناده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. قال: قال أبو بكر محمّد بن الحسين الآجري: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن عليّ الجصاص حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن عبد الحكم بن أعين أخبرني أبي حدّثنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه أسلم، قال: بينما أنا مع عمر
…
الأثر. فالأثر حسن.
(2)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص:264.
(3)
سنان بن سلمة بن المحبق البصري الهذلي، ولد يوم حنين، فله رؤية، وقد أرسل أحاديث، مات في آخر إمارة الحجاج. تق 256.
أرنيه، فلما أريته قال: انطلق، قلت: يا أمير المؤمنين فبين هؤلاء الغلمان الساعة؟ فإنك إذا انصرفت عني، انتزعوا ما معي، قال: فمشى معي حتى بلغت مأمني
(1)
.
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في ذلك، ما روي من أن عمر رضي الله عنه خرج في سواد الليل، فرآه طلحة، فذهب عمر، فدخل بيتاً، ثم دخل بيتاً آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل ببابك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع
(2)
؟
وروي أن عمر رضي الله عنه كان في سفر، فسمع صوت راع في جبل، فعدل إليه، فلما دنا منه صاح: يا راعي الغنم، فأجاب، فقال له
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 7/ 124، ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 294، ابن أبي الدنيا / العيال 1/ 418، الطبري / تهذيب الآثار / مسند علي بن أبي طالب ص: 250، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا معتمر عن قرة عن هارون بن رياب عن سنان بن سلمة، قال: نا وهو بالبحرين، قال: كنت في أغيلمة.
(2)
رواه ابن قدامة / الرقة ص 84، وفي إسناده يحيى بن عبد الله البابلتي، ضعيف. تق 593، وهو معضل من رواية عبد الرحمن الأوزاعي، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السابعة، فالأثر ضعيف.
عمر: إني مررت بمكان هو أخصب من مكانك، وإن كل راع مسؤول عن رعيته، ثم عدل صدور الركاب
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه افتقد أسيد بن حضير
(2)
رضي الله عنه من المسجد، فقال: انطلقوا بنا إلى أسيد، فقال: ما أقعدك عنا؟ فأخبره بشغل، فقال: لله الحمد، خشيت أن تكون تركت الصلاة معنا لأمر كرهته منا.
قال: معاذ الله أن أرى منك شيئاً منكراً ولا أنهاك عنه، فإن لم تنزع جاهدتك عليه
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يركب في كل جمعة ركبتين ينظر في أموال اليتامي
(4)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 291، 292، البلاذري / أنساب الأشراف ص 228، ومداره على عم قطن بن وهب، لم أجد له ترجمة وبقية رجاله عندهما ثقات.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 563.
(3)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 209، وفي إسناده غسان بن عبد الحميد، قال الذهبي: مجهول. ميزان الاعتدال 3/ 334، وفيه جعفر بن عبد الرحمن لم يظهر لي من هو، فالأثر ضعيف.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 2/ 349، وفي إسناده إبهام بشيخ ابن جريج حيث قال: حدثني بعض أهل المدينة. فالأثر ضعيف.
ومن الأقوال المروية عن عمر رضي الله عنه في اهتمامه برعيته قوله: إني والله لأكون كالسراج يحرق نفسه ويضيء للناس
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال في أول خطبة خطبها: إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم، وأبقاني فيكم بعد صاحبي، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيب عني فآلوا عن الجزء والأمانة، ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكلن بهم
(2)
.
(1)
رواه ابن شبة / تاريخ المدنية 2/ 349، وفي إسناده انقطاع بين عبد الله بن المبارك والحسن البصري، فابن المبارك ولد سنة 118 هـ، وتوفي الحسن سنة 110، وفيه انقطاع لأنه من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 326. ابن سعد / الطبقات 3/ 274، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 240، 241، وفي أسانيدهم حميد بن هلال ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات، ورواه ابن سعد من طريق ثانٍ، وفيه أشعث بن سوار، قال الذهبي رحمه الله: صدوق، لينه أبو زرعة الكاشف 1/ 253، وقال البزار: لا نعلم أحداً ترك حديثه إلا من هو قليل المعرفة. ابن حجر / تهذيب التهذيب 1/ 354، وقال ابن حجر: ضعيف. تق 113، وفيه انقطاع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه.
ثانياً: عنايته رضي الله عنه واهتمامه بجميع فئات المجتمع وتقريبه لأهل الفضل والتقوى والصلاح.
كان اهتمام عمر رضي الله عنه برعيته وقيامه بشؤونها ورعايته لمصالحها شاملاً لجميع فئاتها وطبقاتها، فلم يكن يفضل فئة على فئة ويحسن إلى واحدة دون الأخرى.
قال رضي الله عنه وهو يوصي الخليفة من بعده عند حضور أجله رضي الله عنه: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم وأن يعفي عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً فإنهم ردء الإسلام
(1)
وجباة المال، وغيظ العدو
(2)
، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم، وأوصيه بالأعراب خيراً فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي
(3)
أموالهم، وترد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم
(4)
.
(1)
ردء الإسلام: أعوانه وأنصاره. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/ 213.
(2)
غيظ العدو: يغيظونه بكثرتهم. ابن حجر / فتح الباري 7/ 68.
(3)
حواشي أموالهم: أي ليست بخيارها. المصدر السابق.
(4)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 297، 298، 3/ 199. ابن سعد / الطبقات 3/ 336، 337، وغيرهما.
وروي أن عمر رضي الله عنه أشار إلى ذلك في خطبة خلافته فقال: أيها الناس إني نظرت في أمر الإسلام فإذا هو إنما يقوم بخمس خصال، فمن حفظهن وعمل بهن وقوي عليهن فقد حفظ الإسلام، ومن ضيع منهن خصلة واحدة، فقد ضيع أمر الإسلام، ألا فمن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فإن حفظتهن وعملت بهن وقويت عليهن إلا وآزرني، ألا ومن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فإن ضيعت منهن خصلة واحدة إلا خلعني خلع الشعرة من العجين، فلا طاعة لي عليه.
فقام إليه عمار بن ياسر رضي الله عنه، فقال: وما هذه الخمس الخصال يا عمر؟
فقال: أما الأولى فهذا المال من أين آخذه أو من أين أجمعه، حتى إذا أخذته من مآخذه التي أمرني الله أن أضعه فيها
(1)
حتى لا يبقى عندي منه دينار ولا درهم ولا عند آل عمر خاصة، وأما الثانية، فالمهاجرون تحت ظلال السيوف أدر عليهم أرزاقهم، وأوفر عليهم فيئهم، ولا أجمرهم في المغازي، وأكون أنا أبو العيال حتى يقدموا، وأما الثالثة، فالأنصار الذي آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه وواسوه في دمائهم وأموالهم أدر عليهم أرزاقهم، وأوفر فيئهم، وأفعل فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل محسنهم
(1)
هكذا وردت العبارة في المصدر، ولعل هناك سقطاً في الكلام تقديره:"وضعته في مواضعه"، أو كلمة نحوها.
وأعفو عن مسيئهم، وأما الرابعة فالعرب، فإنهم أصل الإسلام، ومنبت العز أثبتهم على منازلهم وآخذ من أموالهم صدقة أطهرهم وأزكيهم، لا آخذ في ذلك ديناراً ولا درهما، إلا الشاة والبعير، ثم أرده على فقرائهم، وأما الخامسة فأهل الذمة، أوفي لهم بعهدهم، وأقاتل عدوهم من ورائهم، ولا أكلفهم إلا دون طاقتهم، فإذا فعلت ذلك كنت عند الله مصدقاً، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
(1)
.
وكان عمر رضي الله عنه إضافة إلى اهتمامه بجميع طبقات رعيته يقرب أهل الفضل والسابقة في الإسلام وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
حضر إلى بابه رضي الله عنه عدد من زعماء قريش في الجاهلية فيهم أبو سفيان، وسهيل بن عمرو
(2)
، والحارث بن هشام
(3)
، وحضره عدد من الموالي فيهم صهيب الرومي وبلال، فأذن عمر رضي الله عنه لصهيب وبلال ومن معهما، فغضب من كان واقفاً من أشراف قريش،
(1)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 240، وفي إسناده أحمد بن معاوية الباهلي، قال ابن عدي: حدث بأباطيل وكان يسرق الحديث. ميزان الاعتدال 1/ 157، وبقية رجاله لم أجد لهم تراجم، فالأثر ضعيف جداً.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 489.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 119.
فقال عمر أو سهيل
(1)
: دعي القوم ودعيتم، فأسرعوا وأبطأتم فلوموا أنفسكم
(2)
.
ومن تكريم عمر رضي الله عنه لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه نبيح العنزي قال: كنت عند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فذكر علي ابن أبي طالب ومعاوية فنيل من معاوية، وكان أبو سعيد مضطجعاً، فاستوى جالساً، فقال: كنا ننزل أو نكون مع النبي صلى الله عليه وسلم رفاقاً رفقة مع فلان ورفقة مع أبي بكر رضي الله عنه، فكنت في رفقة أبي بكر، فنزلنا بأهل بيت أو بأهل أبيات فيهن امرأة حبلى ومعنا رجل من أهل البادية، فقال لها البدوي: أيسرك أن تلدي غلاماً أن تعطيني شاة، فأعطته شاة، فسجع لها أساجيع، ثم عمد إلى الشاة فذبحها ثم طبخها، قال:
(1)
في رواية سعيد بن منصور أن القائل هو الحارث بن هشام رضي الله عنه، وفي رواية أحمد والطبراني أن القائل هو: سهيل بن عمرو رضي الله عنه، وفي رواية الفاكهي أن القائل هو: عمر بن الخطاب، ولا تعارض بين ذلك.
(2)
رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/ 123، أحمد / الزهد ص 142، الفاكهي / أخبار مكة 3/ 352، الطبراني / المعجم الكبير 6/ 211، ورجال إسناده عند الفاكهي ثقات لكنه منقطع من رواية الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، ثقة من الثالثة، عن عمر رضي الله عنه، ومداره عند بقية من رواه على الحسن البصري وروايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
فجلسنا أو جلسوا، فأكلوا، فذكروا أمر الشاة، فرأيت أبا بكر متبرزاً مستنثلاً
(1)
يتقيأ، ثم إن عمر رضي الله عنه أتى بذلك الأعرابي يهجو الأنصار، فقال عمر: لولا أن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفيتكموه، ولكن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك: أن عمر رضي الله عنه جمع الناس لقدوم الوفد فقال لآذنه عبد الله بن أرقم
(3)
: أنظر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأذن لهم أول الناس ثم الذين يلونهم
(4)
.
(1)
مُسْتَنْثِلاً: نَثَلْتُ البئر نثلاً: أي استخرجت ترابها، ونثل كنانته نثلاً: استخرج ما فيها من النبل. ابن منظور / لسان العرب 14/ 39. والمراد به هنا أنه أخرج ما في بطنه.
(2)
رواه الجعد / المسند 2/ 956، وسنده متصل ورجاله ثقات، ونبيح العنزي وثقه أبو زرعة والعجلي. ميزان الاعتدال 4/ 245، وقال الذهبي: ثقة، الكاشف 2/ 316، وقال ابن حجر: مقبول، فالأثر صحيح.
(3)
عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب الزهري، صحابي معروف ولاه عمر بيت المال. تق 295.
(4)
رواه إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق/487/ب، ورجال إسناده ثقات إلا أنه منقطع من رواية عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
وروي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سب المقداد بن عمرو
(1)
رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: علي نذر إن لم أقطع لسانه، فمشى إليه ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه، فقال: دعوني أقطع لسانه، فلا يسب بعدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وروي أن سلمان الفارسي رضي الله عنه قدم على عمر رضي الله عنه، فقال للناس: أخرجوا بنا نتلق سلمان
(3)
.
(1)
المقداد بن عمرو ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني الكندي ثم الزهري، حالف أبوه كندة وتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه صحابي مشهور من السابقين. تق 545.
(2)
رواه الخرائطي / مساوئ الأخلاق ص 37، وفي إسناده إسحاق بن منصور السلولي، صدوق تكلم فيه للتشيع، وفيه قيس بن الربيع الأسدي، صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. تق 457، وشيخه وائل لم أعرفه، وشيخ وائل عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير، ذكره ابن سعد في الطبقات 5/ 307، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات 4/ 80، وقال: شيخ يروي عن عمر، فالأثر ضعيف، وما فيه من سب ابن عمر رضي الله عنه للمقداد أمر يبعد وقوعه بين هذين الصحابيين الجليلين في تلك الفترة المباركة من الخلافة، ولعل المراد بالسب لو ثبت إغلاظ القول ونحوه، والله أعلم.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 4/ 86. قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن شمر بن عطية عن رجل من بني عامر عن خال له أن سلمان لما قدم
…
الأثر.
وفي إسناده الأعمش وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع، وفيه إبهام بشيخ شمر بن عطية، وشيخه. فالأثر ضعيف.
وروي أن خباب بن الأرت رضي الله عنه جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال له عمر: أدن، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر، فجعل خباب يريه آثاراً في ظهره مما عذبه المشركون
(1)
.
الطريق، فسلم عليها عمر، فردت عليه، أو سلمت عليه، فرد عليها، ثم قالت: هيه يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ
(2)
تصارع الصبيان، فلم تذهب الأيام والليالي حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب منه البعيد، ومن خاف
(1)
رواه ابن سعد /الطبقات 3/ 165، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 385، 7/ 337، ابن ماجه / السنن 1/ 54، أبو نعيم / حلية الأولياء 3/ 143، 144، وفي إسناده عند ابن سعد حبان بن علي العنزي، ضعيف. تق 149، وفيه مجالد بن سعيد ليس بالقوي، وهو منقطع من رواية الشعبي عن عمر رضي الله عنه ورجاله عند ابن أبي شيبة وابن ماجة، ثقات، ولكن فيه أبو أسحاق السبيعي، مدلس ولم يصرح بالسماع، وهو عند أبي نعيم منقطع من رواية الشعبي عن عمر، وفيه شيخ أبي نعيم لم أجد له ترجمة. فالأثر ضعيف.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 97.
الموت خشي الفوت، فبكى عمر رضي الله عنه، فقال الجارود: هيه، فقد أكثرت وأبكيت أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه: أو ما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت، التي سمع الله قولها من سمائه، فعمر والله أجدر أن يسمع لها
(1)
.
وكان عمر رضي الله عنه يكرم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ويجلهم.
قال عمر رضي الله عنه لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك
(2)
.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان عمر رضي الله عنه إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون
(3)
.
وكان رضي الله عنه يقرب أهل التقوى والصلاح ويجلهم ويرفع من شأنهم ومن ذلك سؤاله رضي الله عنه عن أويس القرني
(4)
رحمه الله
(1)
ضعيف، تقدم في ص:575.
(2)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص:467.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 301.
(4)
أويس بن عامر القَرني سيد التابعين مخضرم، قتل بصفين. تق 116.
تعالى، فقد أتاه أمداد
(1)
أهل اليمن فسألهم أفيكم أويس؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قَرن
(2)
؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قَرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي
…
الأثر
(3)
.
ومن ذلك تقريبه لأبي مسلم الخولاني
(4)
رحمه الله تعالى الذي
(1)
الأمداد: جمع مدد وهم الأعوان، والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد. ابن منظور / لسان العرب 13/ 51.
(2)
قَرن بن ردمان: بطن من مراد من القحطانية وهم بنو قرن بن ردمان بن ناجية ابن مراد. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/ 946.
(3)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 16/ 95، 96. ابن سعد / الطبقات 6/ 161 وغيرهما.
(4)
أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي اسمه عبدالله بن ثوب، ثقة عابد، من الثانية، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدركه، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية. تق 673.
حرقه الأسود العنسي المتنبي باليمن لعنه الله، وكان طلب منه الارتداد عن الإسلام والشهادة له بأنه رسول من عند الله عز وجل، فأبى ذلك فحرقه بالنار، ولكن الله عز وجل حماه فلم تحرقه النار، ثم قدم أبو مسلم المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأناخ راحلته بباب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل المسجد، فصلى إلى سارية، فبصر به عمر رضي الله عنه، فقام إليه، فقال: ممن الرجل؟ قال: من أهل اليمن، قال: ما فعل الرجل الذي أحرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذلك عبد الله بن ثوب، قال: أنشدك بالله أنت هو؟ قال: اللهم نعم، فاعتنقه عمر وبكى ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله عليه السلام
(1)
.
ومن تقريب عمر رضي الله عنه لأهل الصلاح والتقوى ما تقدم ذكره في قصة المرأة التي سمعها عمر رضي الله عنه وهو يعس بالليل وهي تقول لابنتها: يا ابنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فقالت لها: يا
(1)
رواه ابن حبان / الصحيح 1/ 392، أبو نعيم / حلية الأولياء 2/ 128، 129. ابن عبدالبر / الاستيعاب 4/ 320، ابن قدامة / الرقة ص 147، 148، وإسناده عند ابن عبد البر متصل ورجاله ثقات، سوى إسماعيل بن عياش الحمصي، صدوق. تق 109، وشيخه شرحبيل بن مسلم الخولاني الحمصي، صدوق. تق 265، ورواه سائر من رواه من طريق إسماعيل به مثله، فالأثر حسن.
أمتاه، وما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين؟ قالت: وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت: إنه أمر مناديه، فنادى: أن لا يشاب اللبن بالماء، فقالت لها: يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها: يا أمتاه: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، فسأل عمر رضي الله عنه عن هذه البنت، فدل على مكانها فأرسل إليها فزوجها ابنه عاصم، فكانت جدة عمر بن عبد العزيز الخليفة رحمه الله تعالى
(1)
.
وكان زيد بن صوحان العبدي
(2)
رضي الله عنه سيداً في قومه من فضلائهم ومن أهل الدين والخلق فيهم، فوفد على عمر رضي الله عنه وضفنه
(3)
على الرحل كما يفعل بالأمراء، وأمر الناس أن يصنعوا به وبأصحابه كذلك
(4)
.
(1)
حسن، تقدم الكلام عليه في ص:591.
(2)
زيد بن صوحان بن حجر العبدي كان مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قتل يوم الجمل، لا أعلم له صحبة ولكنه ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً، وكان فاضلاً ديناً سيد قومه هو وإخوته. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/ 124.
(3)
ضَفَن مع الضيف: جاء معه. ابن منظور / لسان العرب 8/ 74.
(4)
رواه ابن سعد / الطبقات 6/ 124. أخبرنا شهاب بن عبد الله العبدي، قال: حدّثنا محمّد بن فضيل بن غزوان عن الأجلح عن أبي الهذيل، وابن أبي شيبة / المصنف 5/ 239، وسنده عند ابن سعد متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وهو كذلك عند ابن أبي شيبة إلا أنه منقطع من رواية الشعبي عن عمر رضي الله عنه، فالأثر حسن عند ابن سعد.
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في إكرامه لأهل الفضل والتقوى: ما روي من أن بيرح بن أسد
(1)
خرج مهاجراً إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه عمر رضي الله عنه يطوف في سكك المدينة، فأنكره، فقال: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل عمان، فأخذ بيده، فذهب به إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر، هذا من الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إني لأعلم أرضاً يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر، بها حي من العرب، لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر"
(2)
.
وروي أن الطفيل بن عمرو
(3)
حارب المرتدين في موقعة اليمامة، ومعه ابنه عمرو، فجرح عمرو، وقطعت يده، فكان يوماً عند عمر بن
(1)
بيرح بن أسد الطاحي من أهل عمان، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد مات. ابن حجر / الإصابة 1/ 175.
(2)
رواه أحمد / المسند 1/ 44، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 4/ 272، 273، أبو يعلى / المسند 1/ 101، أبو نعيم / معرفة الصحابة 3/ 174، ومداره على أبي لبيد لمازة بن زبار، وهو صدوق من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند أبي يعلى ثقات. فالأثر ضعيف.
(3)
الطُّفَيل بن عمرو بن طريف الدوسي، أسلم بمكة ثم رجع إلى قومه، ثم هاجر إلى المدينة، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر، فلم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى استشهد باليمامة، وقيل باليرموك. ابن عبدالبر / الاستيعاب 2/ 311.
الخطاب رضي الله عنه فأتي بطعام، فتنحى عنه، فقال عمر: مالك تنحيت بمكان يدك؟ قال: أجل، قال: والله لا أذوقه حتى تسوط بيدك فيه، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو بالبصرة: بلغني أنك تأذن للناس جمعاً غفيراً، فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القوة والتقوى والدين، فإذا أخذوا مجالسهم فائذن للعامة
(2)
.
ثالثاً: الأخذ بمبدأ الشورى، ومشاركة الرعية في اتخاذ القرار.
إن العمل بمدأ الشورى من الأمور التي حض عليها الدين، قال تعالى:{وَشَاوِرْهُم فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
(3)
، وقال عز وجل:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}
(4)
، وعمل بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وشواهد ذلك أكثر من أن تقع تحت الحصر.
قال ابن كثير رحمه الله: ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور
(1)
رواه الحاكم / المستدرك 3/ 260، من كلام الواقدي. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه وكيع / أخبار القضاة 1/ 286، ابن كثير / مسند الفاروق 2/ 535، ومداره على الهيثم بن عدي عن شيخه أبي بكر، والهيثم بن عدي كذبه ابن معين، وأبو داود، وقال النسائي وغيره متروك. ميزان الاعتدال 4/ 324، وشيخه أبو بكر، قال ابن حجر: متروك. تق 625. فالأثر ضعيف جداً.
(3)
سورة آل عمران الآية (159).
(4)
سورة الشورى الآية (38).
أصحابه في الأمر إذا حدث تطييباً لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه
(1)
.
وعمل بذلك عمر رضي الله عنه في حياته، فلم يكن يتخذ قراراته ويمضي في تدبير شؤون رعيته بمفرده بل كان رضي الله عنه يشرك رعيته في ذلك خاصة أهل العلم والرأي والتقوى والصلاح منهم، وهو بذلك رضي الله عنه يتعرف على أرائهم والسديد من أقوالهم، إضافة إلى إطلاعه بمشاورته لهم على حاجاتهم ورغباتهم، وفي مشاورته رضي الله عنه لرعيته زيادة في تقوية حبال المودة والسمع والطاعة له رضي الله عنه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان القراء أصحاب مجالس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً
(2)
.
وقال محمد بن سيرين
(3)
رحمه الله تعالى: إن عمر رضي الله عنه كان يستشير في الأمر حتى إنه كان يستشير المرأة، فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه فيأخذ به
(4)
.
(1)
تفسير القرآن العظيم 1/ 419، 420.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 3/ 131.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 11.
(4)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 10/ 113 وإسناده حسن إلى ابن سيرين وروايته عن عمر رضي الله عنه مرسلة، وقد أثنى العلماء على مراسيله. العلائي/ جامع التحصيل ص:90.
قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا العباس بن محمّد بن يعقوب ثنا سعيد بن عثمان التنوخي ثنا معاوية بن حفص كوفي أنبأ يزيد بن هارون عن هشام عن ابن سيرين، قال: إن كان عمر
…
الأثر.
وقال الزهري
(1)
رحمه الله تعالى: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر دعا الفتيان فاستشارهم
(2)
.
وقال الشعبي
(3)
رحمه الله: من أراد أن يأخذ بالوثيقة من القضاء، فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير
(4)
.
(1)
محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري متفق على جلالته واتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة 125 هـ. تق 506.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 440، 441، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 113، صحيح عند عبد الرزاق إلى الزهري. قال: عن معمر عن الزهري.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 214.
(4)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 151، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 109، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 272، صحيح من طريق البيهقي إلى الشعبي.
قال: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أنبأ عبد الله بن جفعر ثنا يعقوب ابن سفيان ثنا قبيصة ثنا سفيان عن صالح يعني: ابن حي، قال: قال الشعبي من سرّه أن يأخذ
…
الأثر.
ومن صور استشارته رضي الله عنه لرعيته، استشارته رضي الله عنه المهاجرين والأنصار في الرجوع إلى المدينة عندما علم بوقوع الطاعون بالشام.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام حتى إذا كان بسرغ
(1)
لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى
(1)
سَرْغْ: سهل واسع تقع حالة عمار على طرفه الجنوبي، وبلدة المدورة الأردنية على طرفة الشمالي والمسافة بينهما تسعة عشر كيلاً، أو أن سرغ هو المدورة ذلك أنه لا تزال توجد بئر يستقي منها أهل المدورة تعرف باسم سرغ. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 136.
أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه
…
الأثر
(1)
.
ومن ذلك استشارته رضي الله عنه للهرمزان
(2)
في قتال الفرس هل يبدأ بأصبهان
(3)
أو فارس
(4)
أو
(1)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 15/206، مسلم / الصحيح / شرح النووي 14/ 208 - 212، أحمد / المسند 1/ 194 وغيرهم.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 243.
(3)
أصبهان أو أصفهان: تقع وسط هضبة إيران وتبعد عن العاصمة طهران حوالي: 700 كم باتجاه الجنوب، وهي من أعظم المدن التجارية، وهي مدينة تاريخية عريقة
…
لهج بذكرها المسافرون لصحة هوائها، وخلوها من جميع الهوام، ومنها تخرج مجموعة من العلماء فمنهم: أبو الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني، وأبو نعيم الأصبهاني صاحب حلية الأولياء وغيرهم. يحيى شامي / موسوعة المدن العربية الإسلامية ص: 256 - 258.
(4)
فارس: ولاية واسعة، وإقليم فسيح أوّل حدودها من جهة العراق أرجان، ومن جهة كرمان السِّرَجان، ومن جهة ساحل الهند سيراف، ومن جهة السند مكران. وقصبتها شيراز، وكورها المشهورة خمس فأوسعها كورة اصطخر ثم أزدشيرخره، ثم كورة داربجرد، ثم كورة سابور، ثم قباذ خره، وكان بداية فتح فارس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد الحكم بن أبي العاص رضي الله عنه ثم فتحت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. ياقوت الحموي / معجم البلدان 4/ 226 - 227.
أذربيجان
(1)
، فقال الهرمزان: يا أمير المؤمنين، إن أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت أحد الجناحين لاذ الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فابدأ بأصبهان
(2)
.
ومن ذلك استشارة عمر رضي الله عنه الناس في مضاعفة حد الخمر من أربعين جلدة إلى ثمانين.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين، وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر
(3)
.
(1)
أَذْرَبَيجان: إحدى جمهوريات الإتحاد السوفييتي سابقاً، تقع على بحر قزوين. مساحتها:86. 600 كم، عدد سكانها: 6 ملايين نسمة. عاصمتها باكو. موسوعة المدن العربيّة الإسلاميّة، ص: 256 - 258.
(2)
رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 148، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 559، ابن أبي عمر / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 4/ 115، الفسوي / المعرفة والتاريخ 3/ 380، الطبري / التاريخ 2/ 520، ابن حبان / الصحيح 7/ 123، 124، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عفان، قال: ثنا حماد بن سلمة أخبرنا أبو عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر
…
الأثر.
(3)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 11/ 214 - 216، مالك / الموطأ 2/ 45، الشافعي / المسند ص 285، 286، عبد الرزاق / المصنف 7/ 368، 377، 378، 379.
رابعاً: عدم الاستعلاء على الرعية والتميز عنهم.
فقد اعتبر عمر رضي الله عنه نفسه أحد الرعية له ما لهم وعليه ما عليهم.
قال الأحنف بن قيس
(1)
رحمه الله: كنا جلوساً عند باب عمر بن الخطاب، فخرجت جارية، فقلنا سرية عمر، فقالت: إنها ليست بسرية عمر، إنها لا تحل لعمر، إنها من مال الله، قال: فتذاكرنا بيننا ما يحل من مال الله، فبلغ ذلك عمر، فأرسل إلينا، فقال: ما كنتم تذاكرون؟ فقلنا: خرجت علينا جارية، فقلنا هذه سرية عمر، فقالت: إنها ليست بسرية عمر، إنها لا تحل لعمر، إنها من مال الله، فتذاكرنا بيننا ما يحل لك من مال الله، فقال: ألا أخبركم بما أستحل من مال الله؟ حلتين، حلة الشتاء والقيظ، وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم
(2)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 270.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 104، 105، أبو عبيد / الأموال ص 281. ابن سعد / الطبقات 3/ 275، 276، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 459، 460، ابن زنجويه / الأموال 2/ 600، 601، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 353، صحيح من طريق أبي عبيد.
قال: حدّثنا يزيد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن الأحنف بن قيس، قال: كنا جلوساً
…
الأثر.
وفي خلافته رضي الله عنه وقعت بالمدينة وما حولها من القرى مجاعة شديدة وكان ذلك في السنة الثامنة عشرة بعد عودة الناس من الحج، فحبس المطر من السماء وأجدبت الأرض، وهلكت الماشية، واستمرت هذه المجاعة تسعة أشهر حتى صارت الأرض سوداء فشبهت بالرماد
(1)
.
وقد واسى عمر رضي الله عنه الناس بنفسه فحرمها من الطعام الذي لا يجده الناس. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بأصبعه. وقال: تقرقر تقرقرك إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس"
(2)
.
(1)
ابن سعد / الطبقات 3/ 310 من رواية الواقدي.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 313 - 315، عبد الرّزّاق / المصنف 11/ 223. صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن ثابت البناني عن أنس بن مالك
…
وأكل رضي الله عنه الشعير فصوت بطنه، فضربه بيده وقال:"والله ما هو إلا ما ترى حتى يوسع الله على المسلمين"
(1)
.
وعمل عمر رضي الله عنه على جلب الطعام من الأرياف لأهل البوادي، وكان يدعو الله عز وجل أن يفرج عن المسلمين كربتهم. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو يصف عام الرمادة: "وكانت سنة شديدة ملمة
…
اجتهد عمر فيها بإمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف
(2)
كلّها، حتى بلحت
(3)
الأرياف كلّها مما جهدها ذلك، فقام عمر يدعو فقال:"اللهم اجعل رزقهم على رؤوس الجبال". فاستجاب الله له وللمسلمين. فقال حين نزل به الغيث: الحمد لله، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا
(1)
رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 2/ 309. وسنده متصل، ورجاله ثقات. قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا سلميان بن المغيرة عن ثابت عن أنس ابن مالك.
(2)
الأرياف: جمع رِيْف، وهو الخِصْب والسَّعة والرَيفُ: ما قارب الماء من أرض العرب وغيرها. ابن منظور / لسان العرب 5/ 392.
(3)
بَلَحَت: أي: نفذ ما فيها من زرع وأرزاق يقال: بلحت البئر أي: ذهب ماؤها، والبوالح من الأرضين التي قد عطلت فلا تزرع ولا تعمر. انظر: ابن منظور / لسان العرب 2/ 478.
أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحداً"
(1)
.
فعمر رضي الله عنه بعد أن واسى رعيته بنفسه وبذل جهده رضي الله عنه بإمداد الأعراب ومن أصابتهم المجاعة من أرياف المسلمين حتى نفد ما فيها قام يدعو الله ويستغيث به ويستسقيه حتى استجاب الله دعاءه، وكان عمر رضي الله عنه قد عزم إن استمرت هذه المجاعة أن يلزم كلّ أهل بيت عندهم أرزاق أن يقاسموا من أصابتهم المجاعة ويواسوهم وهذا منه رضي الله عنه عمل بالتكافل الاجتماعي بين المسلمين والتعاون على البرّ والتقوى.
(1)
رواه البخاري/ الأدب المفر، ص:198. وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أصبغ، قال: أخبرني ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالماً أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب قال عام الرمادة .... الأثر.
وقد روى الفقرة الأخيرة من الأثر وهي قول عمر: "فوالله لو أن الله
…
الخ ابن سعد / الطبقات 3/ 316. وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا محمّد بن عبيد، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر
…
ولفظه: "أن عمر قال: لو لم أجد للناس من المال ما يسعهم إلا أن أدخل على كلّ أهل بيت عدتهم فيقاسمونهم أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بحيا فعلت، فإنهم لن يهلكوا عن أنصاف بطونهم".
وقد رويت آثار كثيرة تشير إلى ما أصاب الناس من الجهد والمشقة في هذا العام وأنهم أكلوا الجرابيع والجرذان من الجوع، وأن الموت انتشر فيهم. وأن عمر رضي الله كتب إلى عمرو بن العاص بمصر، وسعد بن أبي وقاص بالكوفة، وأبي موسى الأشعري بالبصرة، ومعاوية بن أبي سفيان بالشام، يطلب منهم أن يمدّوه بالأطعمة والأكسية
(1)
.
وهذه الآثار لا تخلو من ضعف ولكن ما ورد فيها لا يستبعد وقوعه خصوصاً وأن أرض الجزيرة العربية وخاصة البوادي حول المدينة أرض قليلة الماء والكلأ والعشب، فإن انقطع عنها المطر أصبحت الحياة فيها منعدمة لعدم وجود الماء الذي هو عصب الحياة للإنسان والحيوان والنبات، حيث لا توجد أنهار ولا مصادر أخرى للمياه فتجف الأرض ويموت الزرع وتهلك الماشية فيضطر الإنسان لأكل ما يحيا به.
ولا مانع أن يكون عمر رضي الله عنه كتب إلى أمرائه في العراق والشام ومصر يطلب منهم إمداد المسلمين بالأرزاق بل إن هذا هو الذي لا يتصور غيره منه رضي الله عنه لشدة اهتمامه وحرصه على رعيته، وقد ثبت كما تقدم أنه اجتهد في إمداد الناس من الأرياف.
(1)
انظر: عبد السلام آل عيسى / النواحي المالية في خلافة عمر رضي الله عنه دراسة نقدية للرّوايات ص: 349 - 354.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في مواساته لرعيته أنه قال: إذا كنت في منزلة تسعني، وتعجز عن الناس فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوة الناس
(1)
.
خامساً: الاهتمام بالمصالح العامة للرعية، وسيأتي الكلام على ذلك مفصلاً في الفصل الثاني وهو: التنظيمات الإدارية العامة للمجتمع إن شاء الله تعالى.
(1)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 565، ورجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه فالأثر ضعيف.
المبحث الثاني: الولاة
المطلب الأول: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة وعزلهم
المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة.
المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها.
المطلب الرابع: ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار
المطلب الأول: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة وعزلهم،
وفيه مسألتان.
المسألة الأولى: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة.
كانت
سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة على الأمصار مبنية على اختيارهم من صفوة الرعية، وممن توفرت فيهم الخصال والشروط التالية:
1 - أن يكون الوالي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد لاحظ عمر رضي الله عنه في الوالي أن يكون صحابياً، وإن المتتبع لأخبار ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والأقطار الإسلامية مثل مكة والمدينة واليمن والشام، ومصر والعراق وعمان وغيرها يتضح لديه أنهم كانوا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وربما كان هناك عدد قليل من غير الصحابة ممن روى أن عمر رضي الله عنه أسند إليهم ولاية بعض المدن وسيأتي ذكرهم إن شاء الله عند الكلام على أسماء ولاة عمر رضي الله عنه.
قال عمر رضي الله عنه: قد علمت والله متى تهلك العرب، إذا ساس أمرهم من لم يصحب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعالج أمر الجاهلية
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 6/ 129، الجعد/ المسند 2/ 876، الحاكم/ المستدرك 4/ 428، أبو نعيم/ حلية الأولياء 7/ 243، ومداره على المستظل ابن الحصين البارقي يروي عن عمر رضي الله عنه، وقد وثقه ابن سعد فقال: كان ثقة قليل الحديث، الطبقات 6/ 129.
وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 8/ 429. وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 462، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات، فالأثر صحيح.
ولقد كان ابن حجر رحمه الله تعالى يستدل على كون الرجل صحابياً إذا نقل أن عمر بن الخطاب ولاه على مصر من الأمصار، فيقول: وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة
(1)
.
ولم يشترط عمر رضي الله عنه في الوالي قدم الصحبة والسابقة في الإسلام، ودليل ذلك أن عمر رضي الله عنه ولى بعض من أسلم عام الفتح كمعاوية بن أبي سفيان، وأخيه يزيد بن أبي سفيان
(2)
وغيرهما.
وما روي عنه رضي الله عنه أنه قال: وليس فيها لطليق ولا لولد طليق، ولا لمسلمة الفتح شيئاً
(3)
. أي الإمارة، فغير ثابت عنه رضي الله عنه.
(1)
الإصابة 1/ 336، 2/ 221.
(2)
يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي أخو معاوية، صحابي مشهور أمره عمر على دمشق حتى مات بها سنة تسع عشرة بالطاعون. تق 601.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 342، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 37، وفي إسناده عند ابن سعد راوٍ مبهم وهو شيخ حسين بن عمران حيث قال: عن شيخ، ورواه البلاذري من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف.
2 - أن لا يكون الوالي من قومه رضي الله عنه.
فلم يول عمر رضي الله عنه أحداً من قومه بني عدي سوى ما روي من توليته النعمان بن عدي بن نضلة
(1)
على ميسان
(2)
.
بل لقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يجنب قرابته الولاية والخلافة من بعده وأوصى مَنْ بَعْدَهُ من الخلفاء بعدم تولية قراباتهم وحملهم على رقاب الناس، فلما طعن رضي الله عنه، وطلب منه أن
(1)
النعمان بن عدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشي العدوي، من مهاجرة الحبشة، وهو أول وارث في الإسلام. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 65.
(2)
مَيْسان: اسم كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط وفي هذه الكورة أيضاً قرية فيها قبر عزير النبيّ عليه السلام
…
وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فتحت ميسان في أيامه ولاها النعمان بن عدي بن نضلة. ياقوت/ معجم البلدان 5/ 242، 243.
وفي المنجد مَيسان منطقة في جنوب العراق على شط العرب. ص 563/ الأعلام.
رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 4/ 14، 15، مؤرج السدوسي/ حذف من نسب قريش ص 82، 83. ابن سعد/ الطبقات 4/ 140، البلاذري/ فتوح البلدان ص 378، ابن أبي الدنيا/ ذم المسكر ص 69، وهو عند ابن إسحاق ومؤرج والبلاذري، وابن أبي الدنيا من غير إسناد وفيه عند ابن سعد الواقدي. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 65، من غير إسناد.
يوصي ويستخلف قال: ما أجد أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة سعداً وعبد الرحمن، وقال: ليشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء
(1)
.
وقال رضي الله عنه لعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهم: ثم إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس، وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس، فلا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي، فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس
(2)
.
3 - الاستقامة والصلاح.
فقد بين رضي الله عنه أن استقامة الوالي وصلاحه سبب لصلاح رعيته ومن تحت يديه وأن فساده وانحرافه سبب لفساد الرعية وانحرافهم.
قال رضي الله عنه: إن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 299.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 344، صحح. قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان، قال: قال ابن شهاب: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: دخل الرهط
…
الأثر.
ولاتهم وهداتهم
(1)
.
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: لا يستعمل الفاجر إلا فاجر، من استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو فاجر مثله
(2)
ولم يثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: نستعين بالمنافق وإثمه عليه
(3)
.
وأنه سئل: إنك تستعين بالرجل الفاجر؟ فقال عمر: إني أستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفانه
(4)
.
(1)
صحيح تقدم تخريجه في ص: 572.
(2)
رواه وكيع / أخبار القضاة 1/ 69، 3/ 209، من طريقين، الأولى فيها فرج بن فضالة، ضعيف. تق 444، وفيها النضر بن شفي وعمران بن سليم لم أجد لهما ترجمة، والثانية رجالها ما بين ثقة وصدوق سوى أبي بكر بن الحسين شيخ وكيع لم أجد له ترجمة.
(3)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 200، وفيه عبد الملك بن عبيد السدوسي، مجهول الحال من السادسة. تق 364، وروايته عن عمر رضي الله عنه معضلة، فالخبر ضعيف.
(4)
قَفّانة: أي أكون على تتبع أمره حتى أستقصي علمه وأعرفه. ابن منظور/ لسان العرب 11/ 267.
نقله ابن كثير رحمه الله في مسند الفاروق 2/ 539، عن أبي عبيد في غريب الحديث، وفي إسناده هشام بن حسان الأزدي القردوسيّ يروي عن الحسن البصري، وروايته عنه فيها مقال، لأنه قيل كان يرسل عنه. تق:572. ورواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه منقطعة، فالأثر ضعيف.
4 - القدرة والخبرة والسياسية.
فهي لازمة لمن يتولى أمر رعاية شؤون المسلمين ومصالحهم. ولا يكفي كونه مستقيماً في نفسه وكونه صحابياً إذا كان غير قادر على القيام بأمور الولاية لأي سبب من الأسباب، أو كان قليل الخبرة والحنكة السياسية بحيث يمكن مخادعته واستغفاله واستدراجه. جاء في الحديث الصحيح أن أبا
(1)
ذرّ رضي الله عنه قال للنبيّ صلي الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا تستعملني. قال: "فضرب على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذرّ إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها، وأدى الذي عليه فيها"
(2)
.
(1)
هو: أبو ذرّ الغفاري الزاهد المشهور الصادق اللهجة، مختلف في اسمه واسم أبيه، والمشهور أنه جندب بن سكن
…
كان من السابقين إلى الإسلام، يقال إن إسلامه بعد أربعة وانصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ووقعت بدر وأحد ولم تتأهيأ له الهجرة إلا بعد ذلك. وكانت وفاته بالربذة سنة إحدى وثلاثين، وقيل: في التي بعدها. وعليه الأكثر. ويقال: إنه صلى عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. ابن حجر/ الإصابة 4/ 64.
(2)
رواه مسلم/ شرح النووي 12/ 209، 210.
فقد عزل عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه بعد أن سأل عنه هل هو مجزي في ولايته، فقال جرير بن عبد الله
(1)
رضي الله عنه: والله لا هو بمجزي ولا عالم بالسياسة، فعزله وولى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه
(2)
.
وعزل عمر رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة
(3)
رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، أعن سخطة نزعتني؟ فقال: لا ولكن رأينا من هو أقوى منك، فتحرجنا من الله أن نقرك وقد رأينا من هو أقوى منك
(4)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 239.
(2)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 203، 550، الطبري/ التاريخ 2/ 544، 545، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن قيس، قال شهدت القادسية
…
الأثر.
(3)
شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الكندي حليف بني زهرة، وهو ابن حسنة، وهي أمه التي ربته، صحابي جليل. كان أميراً في فتح الشّام ومات بها سنة ثماني عشرة. تق 265.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 189، الطبري/ التاريخ 2/ 490، ورجال إسناده عند ابن أبي شيبة ثقات سوى عمر بن حمزة، فقد قال الذهبي: احتج به مسلم. ميزان الاعتدال 3/ 192، وقال المزي: استشهد به البخاري في الصحيح، تهذيب الكمال 21/ 312، وقال ابن حجر: مختلف في توثيقه ومثله يخرج له مسلم في المتابعات، فتح الباري 10/ 83، وقال في التقريب: ضعيف ص 411، ورواه الطبري من طريق سيف بن عمر وهو ضعيف، فالأثر حسن إن شاء الله.
وكان رضي الله عنه يقر الوالي على ولايته ويثبته عليها إذا كان متصفاً بالقدرة والخبرة والحنكة السياسية، ومن أمثلة ذلك: إقراره رضي الله عنه عمرو بن العاص على ولاية فلسطين ثم على مصر، ولم يبعث معه معاوناً، وذلك لما اتصف به عمرو من الدهاء والحنكة السياسية العالية.
قال الشعبي رحمه الله: دهاة العرب في الإسلام أربعة وذكر منهم عمرو بن العاص رضي الله عنه
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إني لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه
(2)
.
وروي عنه رضي الله عنه أنه أراد أن يستعمل رجلاً فقال: من يدلني على القوي الأمين
(3)
.
(1)
نقله عنه ابن حجر/ الإصابة 3/ 2.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 305، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 246، ومداره على الواقدي، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 363، 371، من طريقين الأولى من رواية الواقدي، والثانية فيها عثمان بن مقسم البُري تركه القطان وابن المبارك، وقال أحمد: حديثه منكر، وقال النسائي والدارقطني: متروك. ميزان الاعتدال 3/ 56، فالأثر ضعيف.
5 - الفطنة والذكاء.
ولا تخفى أهمية تحلي الوالي بالفطنة والذكاء والدهاء وسرعة البديهة بحيث يستطيع التعامل مع كلّ حدث بما يناسبه ويضع الأمور في نصابها.
فقد لقي عمر رضي الله عنه ركباً يريدون البيت الحرام، فقال: من أنتم؟ فأجابه أحدثهم سناً فقال: نحن عباد الله المسلمون، قال: من أين جئتم؟ قال: من الفج العميق، قال: أين تريدون؟ قال: البيت العتيق، قال عمر: تأولها لعمر الله، فقال: من أميركم؟ فأشار إلى شيخ منهم، فقال عمر رضي الله عنه: بل أنت أميرهم لأحدثهم سناً الذي أجابه بجيد
(1)
.
6 - الرحمة والشفقة.
وهي خصلة هامة وأساسية للوالي الذي جمع صفات الصلاح والقدرة والحنكة السياسية إذ بها يحسن التعامل مع الرعية ويقيم العدل فيهم ويحبهم ويحبونه ويقبلون إليه ويأنسون به ويرفعون إليه حوائجهم من
(1)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 2/ 390، 391، صحيح. قال: عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء بن عبيد بن عمير، قال: لقي عمر بن الخطاب ركباً
…
الأثر.
غير رهبة ووجل. قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُم وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
…
} الآية
(1)
.
استعمل عمر رضي الله عنه رجلاً من بني أسد على عمل، فدخل ليسلم على عمر رضي الله عنه فأتي عمر ببعض ولده، فقبله، فقال الأسدي: أتقبل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبلت ولداً لي قط، فقال عمر: فأنت والله بالناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملاً أبداً، فرد عهده
(2)
.
7 - الزهد في الدنيا والرغبة عنها، وعدم الحرص على الولاية.
ومن الصفات التي كان عمر رضي الله عنه يحب توفرها في الوالي الزهد في الدنيا.
وهي صفة حميدة من صفات المؤمنين الصادقين واتصاف الوالي بها تجعله أكثر إخلاصاً لله في عمله وأبعد عن مطامع الدنيا و التطلع إليها من خلال عمله ومنصبه.
(1)
سورة آل عمران آية: 159.
(2)
رواه هناد/ الزهد 2/ 619، وكيع/ الزهد 3/ 814، البيهقي/ السنن الصغرى 3/ 367، صحيح من طريق هناد.
قال: حدّثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن أبي عثمان (النّهدي)، قال: استعمل عمر
…
الأثر.
قال مالك الدار رحمه الله تعالى: أخذ عمر رضي الله عنه أربعمائة دينار، فجعلها في صرة، ثم قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تله
(1)
ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حوائجك. فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره ووجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل ثم تله في البيت ساعة حتى تنظر إلى ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذا في حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه، تعالي يا جارية، اذهبي إلى فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، فلم يبق في الخرقة إلا ديناران، فرمى بهما إليها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسر بذلك عمر، وقال: إنهم إخوة، بعضهم من بعض
(2)
.
(1)
تلّة، قال ابن الأعرابي: استتليت فلاناً أي انتظرته. ابن منظور/ لسان العرب 2/ 48.
(2)
رواه ابن المبارك/ الزهد ص 178، ورجاله ثقات، ومالك الدار ذكره ابن حجر في الإصابة 3/ 484، وقال: له إدراك وسمع من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وروى عن الشيخين، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 384.
وقدم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه وكان من أبيض الناس وأجملهم، فحج مع عمر رضي الله عنه فجعل ينظر إليه، ويعجب له، ثم يضع إصبعه على متنه، ثم يرفعها عن مثل الشراك، فيقول: بخٍ بخٍ، نحن إذاً خير الناس إن جمع لنا خير الدنيا والآخرة، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين سأحدثك: إنا بأرض الحمامات والريف، فقال عمر: سأحدثك ما بك، إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنك، وذوو الحاجات وراء الباب
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا استعمل عاملاً كتب له عهداً وأشهد عليه رهطاً من المهاجرين، والأنصار أن لا يركب برذوناً
(2)
، ولا يلبس رقيقاً، ولا يأكل نقياً
(3)
.
(1)
رواه ابن المبارك/ الزهد ص 202، 203، صحيح. قال: أخبرنا محمّد بن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر، قال: قدم
…
الأثر.
(2)
تقدم التعريف به ص: 304.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/ 342، 325، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 461، الطبري/ التاريخ 2/ 568، 569، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 6/ 24، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 235، وإسناده عند عبد الرزاق معضل من رواية عاصم بن أبي النجود عن عمر وهو صدوق له أوهام من السادسة، ورواه البيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرزاق، ورواه ابن أبي شيبة والطبري من طريق عاصم أيضاً ولكنه يرويه عندهما عن عمارة بن أبي خزيمة ابن ثابت الأنصاري وهو ثقة من الثالثة، وروايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
ولعل المراد بذلك لوثبت عدم الإسراف في التنعم لأن هذه الأمور هي من المباحات، ويبعد أن يشترط عمر رضي الله عنه على ولاته الامتناع عنها، ولكنه رضي الله عنه كان يكره الإسراف في التنعم، وتناول المباحات، ويرغب من ولاته أن يكونوا من أهل الزهادة في الدنيا والرغبة في الآخرة كما دلت على ذلك النصوص السابقة.
وإن من زهد الولاة الذي كان عمر رضي الله عنه يراعيه في تولية الولاة زهدهم في الولاية والتطلع إليها، واعتبر عمر رضي الله عنه من حرص على الولاية ورغب فيها غير قادر على القيام بأعباء الولاية والإخلاص في عمله.
وجاء عنه رضي الله عنه: من حرص على الإمارة لم يعدل فيها
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 420، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/ 74، أبو نعيم/ حلية الأولياء 10/ 25، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة انقطاع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ورجاله ثقات، وفي عند ابن شبة محمد بن مسلم الطائفي، صدوق يخطئ، وهو منقطع من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله عنه، وإسناده عند أبي نعيم متصل ورجاله ثقات سوى شيخ أبي نعيم إسحاق بن علي الديلمي لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات.
هذه أهم الصفات التي كان عمر رضي الله عنه يراعيها في ولاته الذين يوليهم ويؤمرهم على الأمصار.
وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى نماذج من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى فيهم الولاة المثاليين، وكان يأمل لو كان عنده مثلهم، فيوليهم شئون المسلمين.
قال رضي الله عنه لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملؤة ذهباً أنفقه في سبيل الله وأتصدق، وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجواهر فأنفقه في سبيل الله، وأتصدق، ثم قال عمر: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال: أتمنى لو أنها مملؤة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان فأستعملهم في طاعة الله
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 413، الحاكم/ المستدرك 3/ 226، 227، ورجال سنده عند ابن سعد ثقات ولكنه معضل من رواية عبد الله بن أبي نجيح عن عمر وهو ثقة من السادسة، وسنده عند الحاكم متصل ورجاله ثقات سوى أبي صخر حميد بن زياد الخراط فهو صدوق يهم. تق 181، وقال ابن عدي: إنما أنكر عليه هذان الحديثان: المؤمن يألف، وفي القدرية، وسائر حديثه أرجوا أن يكون مستقيماً. المزي/ تهذيب الكمال 7/ 369، 370، فالأثر حسن إن شاء الله.
وهؤلاء الذين ذكر عمر رضي الله عنه من خيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن السابقين إلى الإسلام، وممن اتصفوا بالورع والتقوى، والزهد وسعة العلم، والفقه في الدين، والشجاعة، وغيرها من الصفات الحميدة.
وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى جدارة بعض ولاته بالخلافة من بعده لما يتحلون به من صفات تؤهلهم لذلك.
قال رضي الله عنه: فإن أصابت الإمارة سعداً
(1)
فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أُمّر، فإني لم أنزعه عن عجز ولا خيانة
(2)
.
لذلك كان ولاة عمر رضي الله عنه مثلاً عالياً في التقوى والصلاح والزهد والورع وحسن القيام بأعباء الولاية والإخلاص لله في ذلك، وفوق كل ذلك ما تميزوا به من شرف صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر رحمهما الله: أن ابعث إلي بكتاب عمر بن الخطاب، وقضائه وسيرته في أهل العهد والذمة، فإني متبع أثره وسائر سيرته إن
(1)
هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 299.
أعانني الله على ذلك والسلام، فكتب إليه سالم: إنك لست في زمان عمر وليس عندك رجال عمر
…
الأثر
(1)
.
المسألة الثانية: سياسة عمر رضي الله عنه في عزل الولاة.
لقد أوضحت النصوص الثابتة عن عمر رضي الله عنه في عزله لولاته الأسباب التي كان عمر رضي الله عنه يعزل ولاته من أجلها وهي:
1 - عدم القدرة على سياسة الرعية أو التقصير في ذلك.
فقد عزل عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه حينما شهد جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه بعدم علمه بالسياسة وقيامه بواجبات الولاية
(2)
.
وعزل رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه فقال: أعن سخطة نزعتني؟ فقال: لا ولكن رأينا من هو أقوى منك
(3)
.
(1)
رواه أحمد/ الزهد ص 366، وفي إسناده علي بن ثابت الجزري، صدوق ربما أخطأ، وجعفر بن برقان، ثقة من السابعة، روايته عن عمر بن الخطاب معضلة. فالأثر ضعيف. ولم تذكر رواية عن سالم بن عبد الله بن عمر أو عمر بن عبد العزيز.
(2)
صحيح، تقدم تخريجه في ص:627.
(3)
حسن، تقدم تخريجه في ص:627.
2 - شكوى الرعية للوالي.
فحين شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر رضي الله عنه وزعموا أنه لا يحسن أن يصلي بهم، عزله عمر رضي الله عنه مع يقينه بعدم صدق هذه التهمة ولكنه رضي الله عنه فعل ذلك قطعاً للفتنة التي قد تقع بسبب كراهية الرعية للوالي وشق عصا الطاعة عليه
(1)
.
قال رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: قد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة، فقال سعد: أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الآخريين، وما آلوا ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: ذاك الظن بك، أو ذاك ظني بك
(2)
.
وقد بين عمر رضي الله عنه عند وفاته أنه لم يعزل سعداً عن عجز ولا خيانة
(3)
.
3 - عدم امتثال الوالي لأوامر الخليفة.
قال عمر رضي الله عنه وهو يخطب بالجابية
(4)
: إني أعتذر إليكم
(1)
انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 4/ 176.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 138، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 4/ 172، 173، مختصراً.
(3)
صحيح، تقدم في ص:635.
(4)
تقدم التعريف بها في ص 302.
وكان قدوم عمر رضي الله عنه الجابية في السنة الخامسة عشرة أو السادسة عشرة لعقد صلح بيت المقدس. خليفة خياط/ التاريخ ص 134، 135، الطبري/ التاريخ 2/ 448، 449.
من خالد بن الوليد، إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس، وذا الشرف، فنزعته وأمرت أبا عبيدة
(1)
.
فبين عمر رضي الله عنه أن من أسباب عزله خالد بن الوليد هو مخالفته لأمره له بشأن قسمة المال.
وروي أن عمر رضي الله عنه عزل العلاء بن الحضرمي
(2)
لأنه أغزى جيشاً في البحر، وقد نهى عمر رضي الله عنه عن ركوب البحر في الغزو
(3)
.
(1)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 5/ 452، 455، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 1/ 463، 464، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 2/ 27، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 161، 162، صحيح من طريق الفسوي.
قال: حدّثنا عبد الله بن عثمان، حدّثنا عبد الله، أخبرنا سعيد بن يزيد، قال: سمعت الحارث بن يزيد الحضرمي عن عُلي بن رباح عن ناشرة بن سمي اليزني، قال: سمعت عمر بن الخطاب
…
الأثر.
(2)
العلاء بن الحضرمي: اسم أبيه عبد الله بن عماد حليف بني أمية، صحابي جليل. تق 434.
(3)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 498 من رواية سيف بن عمر. سيأتي مزيد من التّفصيل عن ولاية العلاء على البحرين إن شاء الله في ص: 688.
4 - عزل الوالي إذا بلغه عنه أمراً يكرهه.
قدم أبو هريرة رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه، وكان قد ولاه بعض المهام بالبحرين - ومعه عشرة آلاف، فقال له عمر رضي الله عنه: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، فقال عمر: فمن أين هي لك، فقال: خيل لي تناتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي، فعزله عمر رضي الله عنه، ثم نظروا بعد ذلك فوجدوه كما قال أبو هريرة، فلما كان بعد دعا عمر رضي الله عنه أبا هريرة ليستعمله فأبى أن يعمل له
(1)
.
(1)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/ 380، 381، وابن سعد/ الطّبقات 4/ 335، 336، وأبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 380، 381.
وإسناده عند عبد الرّزاق رجاله ثقات ولكن ليس فيه تصريح بسماع ابن سيرين من أبي هريرة رضي الله عنه وإن كان قد ثبت سماعه منه.
قال عبد الرّزاق: عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل أبا هريرة رضي الله عنه.
وإسناده عند ابن سعد متّصل ورجاله ثقات سوى محمّد بن سليم أبو هلال الرّاسبيّ، فهو صدوق فيه لين تق:481.
قال ابن سعد: أخبرنا عمرو بن الهيثم (بن قطن القطيعي)، قال: حدّثنا أبو هلال عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت عاملاً
…
الأثر.
وفي إسناده عند أبي نعيم يحيى بن العلاء البجلي، قال أحمد بن حنبل: كذّاب يضع الحديث. وقال النّسائي والدّارقطنيّ: متروك. المزي/ تهذيب الكمال 31/ 484، 486. وقال ابن حجر: رمي بالوضع. تق: 595. فالأثر حسن إن شاء الله من طريقيه الأوّلين. إن لم يكن صحيحاً.
ومن ذلك ما روي من عزل عمر للنعمان بن عدي بن نضلة
(1)
لما تغنى بأبيات فيها مدح للخمر، ثم اعتذر من عمر وبين له أنه ما أراد مدح الخمر وإنما أراد مجرد التغني بالشعر، فقال عمر: إني لأظنك صادقاً ولكن لا تعمل لي عملاً
(2)
.
وعزل عمر رضي الله عنه قدامة
(3)
بن مظعون عن البحرين
(4)
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 623
(2)
تقدم تخريجه في ص: 623.
(3)
قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة الجمحي، خال حفصة وعبد الله ابني عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، هاجر إلى الحبشة ثم شهد بدراً، وسائر المشاهد. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 340.
(4)
البَحْرَين: كان اسماً لسواحل نجد بين قطر والكويت، وكانت هجر قصبته وهي الهفوف اليوم وقد تسمى (الحسا) ثم أطلق على هذا الإقليم اسم الأحساء حتى نهاية العهد العثماني. وانتقل اسم البحرين إلى جزيرة كبيرة تواجه الساحل من الشّرق كانت تسمى أُوَال وهي إمارة البحرين اليوم. وعندما تكوّنت المملكة العربيّة السّعوديّة أطلق على هذا الإقليم اسم المنطقة الشّرقيّة، وجعلت الدّمام قاعدتها. البلادي/معجم المعالم الجغرافيّة، ص 40، 41.
بعد أن شهد عليه الجارود العبدي سيد عبد القيس، وأبو هريرة رضي الله عنهما بأنه شرب الخمر، فحده عمر رضي الله عنه وعزله
(1)
.
وعزل عمر رضي الله عنه المغيرة بن شعبة
(2)
عن البصرة بعد أن شهد عليه أبو بكرة
(3)
ونافع
(4)
وشبل بن معبد
(5)
بالزنى، وأنهم رأوا
(1)
رواه الحاكم/ المستدرك 3/ 379، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 315، صحيح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبّار السكري ببغداد، أنبأ إسماعيل بن محمّد الصغار، ثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرّزّاق عن معمر عن الزّهري، أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة
…
أن عمر استعمل
…
الأثر.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 83.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 549.
(4)
نافع بن الحارث الثقفي أخو أبي بكرة، أسلم يوم الطائف. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 52.
(5)
شبل بن معبد بن عبيد بن الحارث البجلي، نسبه الطبري والعسكري، وقال: لا يصح له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن السكن: يقال له صحبة، وأمه سمية والدة أبي بكرة وزياد. ابن حجر/ الإصابة 2/ 163.
كالمرود في المكحلة، ونكل زياد
(1)
عن الشهادة وقال: رأيت مجلساً قبيحاً وانبهاراً
(2)
، فجلد عمر رضي الله عنه أبا بكرة ونافعاً وشبلاً حد القذف، وعزل المغيرة عن البصرة ولم يعده إلى ولايتها
(3)
.
5 - عزل الوالي إذا اعتذر عن الولاية لعذر شرعي.
ولي عمر رضي الله عنه النعمان بن مقرن المزني
(4)
رضي الله عنه
(1)
زياد بن أبي سفيان، ويقال زياد بن أبيه، قيل ولد عام الهجرة، وقيل قبل الهجرة، وقيل يوم بدر، ليس له صحبة ولا رواية. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 99، 100.
(2)
البُهرُ: تتابع النفس من الإعياء. ابن منظور/ لسان العرب 1/ 516.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 7/ 384، 8/ 362، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 544، 545.
الحاكم/ المستدرك 3/ 448، 449، البيهقي/ السنن الكبرى 8/ 234، 235. وسنده عند عبد الرزاق متصل ورجاله ثقات.
قال: عن الثّوري عن سليمان التّميمي عن أبي عثمان النّهديّ، قال: شهد أبو بكرة
…
الأثر.
وأمّا عزل عمر رضي الله عنه للمغيرة عن البصرة وتوليته أبا موسى الأشعري رضي الله عنهم، فقد ذكرها خليفة بن خياط في تاريخه، ص: 135، والطبري في تاريخه 2/ 492، 493. فالأثر صحيح.
(4)
النعمان بن مقرن بن عائذ أبو عمرو أو أبو حكيم المزني، صحابي مشهور، استشهد بنهاوند. تق 564.
كَسْكَر
(1)
، فكتب إليه النعمان: يا أمير المؤمنين، إن مثلي ومثل كسكر كمثل رجل شاب عند مومسة تلون له وتعطر، وإني أنشدك بالله لما عزلتني عن كسكر، وبعثتني في جيش من جيوش المسلمين، فعزله عمر، وكتب إليه: سر إلى الناس بنهاوند
(2)
، فأنت عليهم، فسار إليهم، فالتقوا، فكان رضي الله عنه أول قتيل
(3)
.
(1)
كَسْكَر: معناها عامل الزراعة، وقصبتها واسط التي بين الكوفة والبصرة، وكانت قصبتها قبل أن يمصر الحجاج واسط خسرو سابور، ومن مشهور نواحيها، المبارك، وعبد سي، والمذار، ونغيا، وميسان. الحموي/ معجم البلدان 4/ 461.
(2)
نهاوند: مدينة إيرانية غربي كرمنشاه. المنجد/ الأعلام ص 578.
(3)
رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص 172. ابن سعد/ الطبقات 6/ 18، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 552، بحشل/ تاريخ واسط ص 34، الطبري/ التاريخ 2/ 524، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عفان، ثنا عوانة، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا حصين عن أبي وائل، قال: جاء سعد بن أبي وقاص
…
الأثر.
المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة.
لقد قامت العلاقة بين عمر رضي الله عنه وبين ولاته على مبادئ وأسس هامة كان لها أثر كبير في استقرار دولة الخلافة، وانتشار الأمن في أرجائها الواسعة وسلامتها من الفتن الداخلية ومن أهم هذه المبادئ:
أولاً: طاعة الولاة للخليفة وانقيادهم له وعدم شق عصا الطاعة عليه.
وقد ضرب ولاة عمر رضي الله عنه في ذلك مثلاً فريداً ورائعاً، ومن الأخبار في ذلك أن عثمان بن حنيف
(1)
رضي الله عنه كان يكلم عمر في شيء، فأغضبه، فأخذ عمر رضي الله عنه من البطحاء قبضة فرجمه بها، فأصاب حجر منها جبينه فشجه، فسال الدم على لحيته، فكأن عمر رضي الله عنه ندم، فقال: امسح الدم عن لحيتك، فقال عثمان بن حنيف رضي الله عنه: لا يهلك هذا يا أمير المؤمنين، فوالله لما انتهكت ممن وليتني أمره أشد مما انتهكت مني، فكأن ذلك أعجب عمر، فزاده عنده خيراً
(2)
.
(1)
عثمان بن حنيف بن واهب الأنصاري، صحابي شهير، استعمله عمر على مساحة أرض الكوفة وعَليٌّ على البصرة قبل الجمل، ومات في خلافة معاوية. تق 383.
(2)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/ 332، 333، ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 256، الطبراني/ المعجم الكبير 9/ 15، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن معمر عن الزهري، قال: حدّثني نوفل بن مساحق، قال: بينا عثمان
…
الأثر.
وروي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو على مائدته جاثياً على ركبتيه، وأصحابه كلهم على تلك الحال، وليس في الجفنة فضل لأحد يجلس، فسلم عمرو على عمر، فرد عليه السلام، قال عمرو بن العاص؟ قال: نعم، فأدخل عمر يده في الثريد فملاها ثريداً ثم ناولها عمرو بن العاص، فقال: خذ هذا، فجلس عمرو، وجعل الثريد في يده اليسرى، ويأكل باليمنى، ووفد أهل مصر ينظرون إليه، فلما خرجوا، قال الوفد لعمرو: أي شيء صنعت؟!
فقال عمرو: إنه والله لقد علم أني بما قدمت به من مصر لغني عن الثريد الذي ناولني، ولكن أراد أن يختبرني، فلو لم أقبلها للقيت شراً
(1)
.
ثانياً: معاونته ومساعدته على أعباء الخلافة.
لقد بين عمر رضي الله عنه أنه إنما يستعمل الولاة ليعاونوه على
(1)
رواه ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 179، وفي إسناده عبد الله بن صالح الجهني، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، وفيه إعضال، فهو من رواية يزيد ابن أبي حبيب بن أبي ثابت عن عمر وهو ثقة، من الخامسة، فالأثر ضعيف.
أعباء الخلافة، والقيام بشئون الرعية، قال رضي الله عنه: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم عليهم، ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويقسموا فيئهم ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه دعا سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي
(2)
فقال: إني مستعملك على أرض كذا وكذا، فقال سعيد: يا عمر أو تقيلني يا أمير المؤمنين؟
فقال عمر: والله لا أدعك، قلدتموها في عنقي وتتركوني؟ ثم قال: ألا نفرض لك رزقاً؟ فقال: قد جعلت لي في عطائي ما يكفيني دونه، وفضلاً على ما أريد
…
الأثر
(3)
.
(1)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 5/ 5154، أحمد/ المسند 1/ 41، أبو داود/ السنن 4/ 183.
(2)
سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان الجمحي، يقال إنه أسلم قبل فتح خيبر، وشهدها وما بعدها من المشاهد، وكان خيراً فاضلاً. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 185.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/ 348، 349، إسحاق بن راهويه/ المسند/ المطالب العالية لابن حجر ق 491/أ، الفاكهي/ أخبار مكة 3/ 338، 339، الطبراني/ المعجم الكبير 6/ 58، أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 246، 247، معرفة الصحابة 1/ق 281/أ. ومداره عند من رواه سوى عبد الرّزّاق عليّ عبد الرحمن بن سابط الجمحي وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند إسحاق ثقات. ورواه عبد الرّزّاق من طريق معمر عن جعفر ابن برقان وهو ثقة من السابعة روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.
3 -
مراقبة الخليفة للولاة ومحاسبته لهم.
وكان عمر رضي الله عنه يراقب عماله وولاته وينظر كيف عملهم في الرعية، ويعاقب المفرطين منهم، ومن صور مراقبته رضي الله عنه لعماله وولاته سؤاله الوفود التي تقدم عليه من الأمصار المختلفة عن أمرائهم، يسأل كل وفد عن أميرهم، فيقولون خيراً، فيقول: هل يعود مريضكم؟ فيقولون: نعم، فيقول: هل يعود العبد؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف صنيعه بالضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا لخصلة منها لا، عزله
(1)
.
(1)
رواه هناد/ الزهد 2/ 415، الطبري/ التاريخ 2/ 579، البيهقي/ السنن الكبرى 10/ 108، صحيح من طريق الطبري. قال: حدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدّثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد، قال: كان الوفد
…
الأثر. وهذا الأثر فيه دلالة على عزل عمر رضي الله عنه للوالي إذا قصر في أداء واجبه نحو الرعية.
وأذن عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن يستعمل الربيع بن زياد
(1)
وأمره أن لا تأتي عليه عشراً إلا تعاهد عمله، وكتب إليه بسيرته في عمله حتى كأنه هو الذي استعمله
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم وأمرته بالعدل أقضيت ما علي؟ قالوا: نعم، قال: لا حتى أنظر في عمله، أَعَمل ما أمرته أم لا
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه كان يأمر عماله أن يوافوه بالموسم ليطلع على أخبارهم، وأخبار الرعية
(4)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 294.
(2)
رواه إسحاق بن راهويه/ المسند/ المطالب العالية لابن حجر ق 487/ب وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: أنا روح بن عبادة عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة أن عمر جمع الناس
…
صحيح.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/ 326، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 6/ 24، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 238، وإسناده عند عبد الرزاق رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية طاووس بن كيسان، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة، ومدار الأثر عليه، فالأثر ضعيف.
(4)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 293، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/ 23، 24، الطبري/ التاريخ 2/ 545، وفي إسناده عند ابن سعد عبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام، وهو منقطع من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر وهو ثقة من الثالثة، ورواه ابن أبي شيبة من طريق عطاء به مثله، وفي إسناده عند الطبري سيف بن عمر، ضعيف، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمير
(1)
بن سعد رضي الله عنه عامل عمر رضي الله عنه على حمص
(2)
مكث حولاً لا يبعث إلى عمر رضي الله عنه بأخباره، فقال عمر رضي الله عنه لكاتبه: أكتب إلى عمير، فوالله ما أراه إلا قد خاننا: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جئت من فيء المسلمين حين تنظر كتابي هذا
(3)
.
وكان هذا ظناً من عمر رضي الله عنه وتبين له خلافه. كما
(1)
عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن عوف الأنصاري. كان يقال له نسيج وحده صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وشهد فتوح الشام واستعمله عمر على حمص إلى أن مات. وكان من الزهاد. توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان. ابن حجر/ الإصابة 3/ 23.
(2)
حِمْص: مركز محافظة حمص ومن كبريات المدن السورية. يسكنها حوالي 400 نسمة. تقع على الطريق الرئيسة المعدة الآتية من دمشق باتجاه حلب. وهي قريبة جداً من الحدود السورية اللبنانية. وبها يمر نهر العاص. فتحت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: ياقوت الحموي/ معجم البلدان.
(3)
رواه أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 247، وفي إسناده عبد الملك بن هارون بن عنترة يروي عن أبيه، قال الدارقطني: هما ضعيفان، وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، وقال السعدي: عبد الملك بن هارون كذاب. ميزان الاعتدال 2/ 666، فالأثر ضعيف جداً.
سيأتي ذلك إن شاء الله عند ذكر ولاية عمير على حمص
(1)
.
وكان رضي الله عنه يعاقب عماله ويقتص منهم إذا ثبت لديه تعديهم وظلمهم.
كتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: من ظلمه أميره فلا إمرة له عليه، فكان الرجل يأتي المغيرة بن شعبة، فيقول: إما أن تنصفني من نفسك، وإلا فلا إمرة لك علي
(2)
.
ولكن هل يعارض هذا ما يثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: "من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج على السلطان شبراً مات ميتة جاهلية"
(3)
.
والظاهر أنه لا تعارض بينهما، لأنه - والله أعلم - أن المراد بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم:"فليصبر" يعني: إذا لم يستطع أن يأخذ حقّه بالحسنى
(1)
انظر ص: 745.
(2)
رواه الطيالسي/ المسند ص 11، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 171، 210، 246، الخلال/ السنة ص 118، صحيح من طريق الخلال.
قال: خبرنا محمّد، قال: أنبأ وكيع عن شعبة عن مخارق الأحمسي عن طارق بن شهاب، قال: كتب عمر
…
الأثر.
(3)
رواه البخاري/ الصحيح 4/ 221، 222، 224، ومسلم/ الصحيح/ شرح النووي 12/ 239، 240. وانظر فتح الباري لابن حجر 13/ 5، 6، 121.
والمعروف، ولم يجد أحداً يرد عليه حقّه من غير نزاع وقتال وخروج على الأمير والإمام.
أمّا خبر عمر رضي الله عنه فإن صاحب المظلمة تكفل له عمر رضي الله عنه وهو الإمام برد حقّه وأمره ألا يوافق أميره ولا يقرّه ظلمه له بل يرفع أمره إليه حتى يقتص منه، وحينئذٍ لن يكون هناك خروج ونزاع وقتال، لأن حقّ المظلوم قد ردّ إليه من غير ذلك، والمراد بنفي الإمرة في الأثر عدم طاعة الأمير وإقراره على الظلم، بل يرفع أمره إلى الإمام وهو عمر رضي الله عنه، وليس المراد أن يشق عصا الطاعة ويعلن الخروج والحرب على الأمير.
وقال رضي الله عنه: إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، وليشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا أذن له عليَّ، ليرفعها إلي حتى أقصه منه، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، أرأيت إن أدب أمير رجلاً من رعيته أتقصه منه؟! فقال عمر: وما لي لا أقصه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه
(1)
؟!
(1)
رواه الفزاري/ السير ص 291، أبو داود الطيالسي/ المسند ص 11، مسدد/ المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 4/ 47/أ، ابن سعد/ الطبقات 3/ 280، 281، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 461، أحمد/المسند 1/ 41، أبو داود/ السنن 4/ 183، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 168، 169، ابن الجارود/ المنتقى ص 214، صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر
…
الأثر.
وسعيد بن إياس الجريري اختلط ولكن رواية حماد بن سلمة الراوي عنه هنا كانت قبل اختلاطه، والربيع بن زياد الحارثي الراوي عن عمر رضي الله عنه أثبت ابن عبد البر صحبته وتقدمت ترجمته في ص: 268، فالأثر صحيح كما تقدم.
وفيه عند بقية من رواه أبو فراس يروي عن عمر رضي الله عنه، قال الذهبي: لا يعرف. ميزان الاعتدال 4/ 561، وقال ابن حجر: مقبول. تق 665.
وروي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال لرجل من تجيب
(1)
: يا منافق، فقال التجيبي: ما نافقت منذ أسلمت، ولا أغسل لي رأساً ولا أدهنه، حتى آتي عمر رضي الله عنه، فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عمراً نفّقني، ولا والله ما نافقت منذ أسلمت، فكتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو رضي الله عنه، وكان إذا غضب عليه يكتب:
(1)
تُجَيب: بطن من كِندة وهو أشرس بن شبيب بن السكون بن كندة، كانوا يسكنون الكَسْر في وسط حضرموت، عمر رضا كحالة/ معجم قبائل العرب 1/ 116.
إلى العاص بن العاص أما بعد، فإن فلاناً التجيبي ذكر أنك نفقته، وقد أمرته إن أقام عليك شاهدان أن يضربك أربعين أو قال سبعين، فقام الرجل، فقال: أنشد الله رجلاً سمع عمراً نفقني إلا قام فشهد، فقام عامة أهل المسجد، فقال له حَشَمُه: أتريد أن تضرب الأمير؟ قال وعرض عليه الأرض: لو ملئت لي هذه الكنيسة ما قبلت، فقال له حشمه: أتريد أن تضربه؟ فقال التجيبي: ما أرى لعمر رضي الله عنه ها هنا طاعة، فلما ولى قال عمرو بن العاص: ردوه، فأمكنه من السوط، وجلس بين يديه، قال: أتقدر أن تمتنع مني بسلطانك؟ قال: لا، فامض لما أمِرت به، قال: فإني أدعك لله
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان بمنى إذ دخل عليه رجل من أهل مصر، فقال: يا أمير المؤمنين، استبقت أنا ومحمد بن عمرو بن
(1)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 7/ 428، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/ 24، وإسناده عند عبد الرزاق معضل من رواية عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السادسة، وفي إسناده عند ابن شبة حيان بن بشر الأسدي، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 3/ 248، وفيه عبد الملك بن أبي القاسم راوي الخبر عن عمر رضي الله عنه، ذكره ابن حبان في الثقات 7/ 101، روايته عن عمر منقطعة، فالخبر ضعيف.
العاص، فسبقته، فعدا علي، فضربني بين ظهراني المسلمين وهو يقول: خذها وأنا ابن الكريمين، فجئت أباه أستأديه فيما صنع بي، فحبسني أربعة أشهر، ثم أرسلني، فخرجت في حاج المسلمين، فجئت إليك لتأخذ مظلمتي، فقال: أعجل علي بعمرو بن العاص وابنه، فأتى بهما.
قال عمر: ويحك ما بينتك على ما تقول؟ قال: الجند كلهم يا أمير المؤمنين من وافى الحاج منهم، فسأل الناس، فأخبروه بذلك، فدعا بمحمّد ابن عمرو فجرد من ثيابه، ثم أمكن المصري من السوط، ثم قال له: اضرب، فضرب المصري وعمر يقول: خذها وأنت ابن اللئيمين، حتى تركه
…
الأثر
(1)
.
وروي أن رجلاً من الدهاقين
(2)
شخص إلى عمر بن الخطاب في مظلمة له، فلما قدم المدينة سأل عن عمر، فقيل: هو ذاك، وإذا هو مستلق قد جمع إزاره تحت رأسه ودرته إلى جنبه، فقال: إني أريد أمير المؤمنين، قيل: فذاك أمير المؤمنين عمر، فقال في نفسه: لقد غررت بنفسي، وذهبت بنفقتي، ثم دنا من عمر فأخبره بقصته، فأخذ قطعة جلد، فكتب فيها
(1)
رواه أبو العرب/ المحن ص 303، وفي إسناده راوي مبهم حيث قال ابن إسحاق: حدثني رجل، وبقية رجاله ثقات، وسنده متصل. فالخبر ضعيف.
(2)
الدِهقان: رئيس القرية. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/ 145.
بخطه: لينصفن هذا الدهقان أو لأبعثن من ينصفه، فقال الدهقان: لقد خبت وخسرت، أنفقت مالي، وأتعبت نفسي وتجشمت هذا السفر البعيد الشديد، ثم رجعت بقطعة جلد من صحيفة، وهم أن يلقيها، فلما صار إلى العامل، ودفعها إليه، قام على رجليه، فلم يجلس حتى أنصفه، فقال الدهقان: هذا والله الملك، وهذه الطاعة، لا ما كنا فيه
(1)
.
ومن مراقبة عمر رضي الله عنه لعماله وولاته محاسبته لهم في مصادر أموالهم ومواردها حرصاً منه رضي الله عنه على أموال المسلمين وعلى أرزاق ولاته أن تكون مباحة لا تشوبها شائبة من مال حرام، فكان رضي الله عنه يقبض أموال ولاته إذا استكثرها حتى يستوثق من شرعية مصادرها.
استعمل عمر رضي الله عنه أبا هريرة على البحرين، فقدم على عمر رضي الله عنه ومعه عشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما.
(1)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 237، 238، ورجال إسناده ثقات سوى بكر بن الهيثم، شيخ البلاذري لم أجد له ترجمة، وفيه سعيد بن المسيب مختلف في سماعه من عمر.
قال عمر رضي الله عنه: فمن أين لك هي؟ قال: خيل لي تناتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي، فنظروه، فوجدوه كما قال، فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال: أتكره العمل، وقد طلب العمل من كان خيراً منك يوسف عليه السلام؟ قال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة، أخشى ثلاثاً أو اثنين، قال عمر: أفلا قلت خمساً؟ قال: لا، أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم ويضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي
(1)
.
وقول أبي هريرة رضي الله عنه في آخر الأثر: أخشى أن ينتزع مالي يدل على أن عمر رضي الله عنه قد أخذ ماله، وقد جاء ذلك مصرحاً به في روايات أخرى وفيها أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: فأخذ مني اثني عشر ألفاً
(2)
، وفي رواية أن عمر رضي الله عنه أخذ منه عشرة آلاف.
(1)
حسن تقدم في ص: 639، 640.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 4/ 335، ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص: 148، 149، ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات سوى أبي هلال الراسبي محمد بن سليم فهو صدوق فيه لين. تق 481، وسنده متصل، وإسناده عند ابن عبد الحكم متصل، ورجاله ثقات، وشيخ ابن عبد الحكم أسد بن موسى وثقه الذهبي، الكاشف 1/ 241، وقال ابن حجر: صدوق يغرب. تق 104، فالأثر صحيح.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: فأمر بها أمير المؤمنين فقبضت، فكان يقول: اللهم اغفر لأمير المؤمنين
(1)
.
ولكن طلب عمر من أبي هريرة رضي الله عنهما أن يتولى الإمارة مرة أخرى دليل على عدم اتهام عمر رضي الله عنه لأبي هريرة باكتساب أمواله من وجوه غير شرعية ولعل عمر رضي الله عنه أعادها إليه بعد ذلك أو أنه جعلها في مال المسلمين، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه أن تكون أموال أبي هريرة خالصة لا شبهة فيها خصوصاً وأن الوالي قد تأتيه بعض الهدايا والأموال التي لا حق له فيها، فيأخذها من غير علم أو قصد.
وممن روي أن عمر رضي الله عنه أخذ أموالهم وقاسمهم فأعطاهم شطرها، وقبض شطراً، عمال عمر رضي الله عنهم الذين شكاهم يزيد بن الصعق
(2)
في أبيات بعث بها إلى عمر رضي الله عنه يطلب منه أن
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 4/ 335، 336، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى هوذة بن خليفة وهو صدوق. تق 575، فالأثر حسن.
(2)
يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق، كنيته أبو المختار، والصعق لقب واسمه: عمرو بن الحرث بن خوليد بن نوفل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة الكلابي. ذكر المرزباني جدّه يزيد بن الصعق وأشد له هجواً في بني تميم وأنه كان في زمن النعمان بن المنذر ثم ذكر ابن حجر قصيدته التي اشتكى فيها العمال لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه. ابن حجر/ الإصابة 3/ 675.
ينظر في أموالهم، فقاسمهم عمر رضي الله عنه شطر أموالهم حتى أخذ نعلاً وترك نعلاً، وهم الحجاج بن عتيك الثقفي
(1)
وجزء بن معاوية
(2)
عم الأحنف، وبشر بن المحتفز
(3)
، وخالد بن الحارث
(4)
، وكان على بيت المال بأصبهان، وعاصم بن قيس بن الصلت
(5)
، وكان على مناذر
(6)
، وسمرة بن جندب
(7)
، وكان على سوق الأهواز
(8)
،
(1)
الحجاج بن عتيك الثقفي، قال ابن حجر: ذكره خليفة فيمن نزل البصرة والكوفة من الصحابة. الإصابة 1/ 312.
(2)
جزء بن معاوية التميمي قال ابن عبد البر: كان عامل عمر على الأهواز، وقيل له صحبة، ولا تصح، وقال ابن حجر: تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة. الإصابة 1/ 234.
(3)
بشر بن المحتفز المزني له ذكر في الفتوح، وأن عمر استعمله على السوس. المصدر السابق 1/ 151.
(4)
خالد بن الحارث بن أوس بن النابغة له وفادة، ثم نزل البصرة، وكان على بيت المال لعمر. المصدر السابق 1/ 411.
(5)
لم أجد له ترجمة.
(6)
مَنَاذر: بلدتان بنواحي خوزستان، مناذر الكبرى، والصغرى من كور الأهواز. ياقوت/ معجم البلدان 5/ 199.
(7)
سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، حليف الأنصار، صحابي مشهور، مات بالبصرة. تق 256.
(8)
الأَهْوَاز: سبع كور بين البصرة وفارس، وسمتها العرب الأحواز، وكان اسمها أيام الفرس خوزستان. ياقوت/ معجم البلدان 1/ 284. وفي المنجد الأهواز: مدينة في جنوب غربي إيران على كارون عاصمة خوزستان. الأعلام ص 80.
والنعمان بن عدي
(1)
، وكان على كور دجلة، ومجاشع بن مسعود
(2)
، وكان على صدقات البصرة، وشبل بن معبد
(3)
، وكان على الغنائم، وأبو مريم الحنفي
(4)
، وكان على رامهرمز
(5)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 623 ..
(2)
مجاشع بن مسعود بن ثعلبة، صحابي، قتل يوم الجمل. تق 520.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 641.
(4)
هو إياس بن صبيح بن المحرش الحنفي كان من أصحاب مسيلمة الكذاب، ثم تاب وحسن إسلامه، وولي قضاء البصرة. ابن حجر/ الإصابة 1/ 117.
(5)
رامهرمز: مدينة مشهورة بنواحي خوزستان تجمع النخل والجوز والأترج. ياقوت/ معجم البلدان 3/ 17.
رواه ابن معين/ التاريخ/ رواية ابن محرز 1/ 43، ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 147، 148، البلاذري/ فتوح البلدان ص 377، أنساب الأشراف ص 296، 298، العسكري/ الأوائل ص 116118، ورجال إسناده عند ابن معين ثقات سوى أبي كثير لم أعرفه، ولعله أبو لبيد لمازة بن زبار فهو الذي يروي عن الزبير بن الخريت كما في هذه الرواية فإن كان هو، فهو صدوق من الثالثة. تق 464، روايته عن عمر مرسلة، ورواه العسكري من طريق ابن معين به مثله، وفي إسناده عند ابن عبد الحكم عبد الملك بن مسلمة، قال ابن يونس: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي مناكير كثيرة عن أهل المدينة. ميزان الاعتدال 2/ 664، وفيه عبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه. تق 319، وفي إسناده عند البلاذري علي بن حماد لم أعرفه وسحيم بن حفص لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية المدائني المتوفى سنة 225، عن علي بن حماد وسحيم عن عمر رضي الله عنه، فالخبر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه قاسم عمرو بن العاص ماله، فكتب إليه: إنه قد فشت له فاشية من متاع، ورقيق وآنية، وحيوان لم يكن حين وليت مصر؟ فكتب إليه عمر: إنا أرضنا أرض مزدرع ومتجر نصيب فضلاً عما نحتاج لنفقتنا، فكتب إليه: إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى، وكتابك إلي كتاب من أقلقه الأخذ بالحق وقد سؤت بك ظناً، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة
(1)
ليقاسمك مالك، فأطلعه طعله، وأخرج إليه ما يطالبك بها، واعفه من الغلظة عليك، فإنه برح الخفاء، فقاسمه ماله
(2)
.
(1)
محمّد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي الأنصاري الخزرجي الحارثي شهد بدراً والمشاهد كلّها. كان أسمر شديد السمرة، طويلاً أصلع ذا جثة. وكان من فضلاء الصحابة. مات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين وهو ابن سبع وسبعين. وصلّى عليه مروان بن الحكم. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب 3/ 433.
(2)
رواه ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 146، البلاذري/ فتوح البلدان ص 220، 221، أنساب الأشراف/ ص 270، 271، العسكري/ الأوائل ص: 118120، وفي إسناده عبد الله بن عبد العزيز لم أجد له ترجمة، ووثقه تلميذه محمد بن سماعة الرملي، وهو ثقة من العاشرة. تق 482، حيث قال: حدثني عبد الله بن عبد العزيز شيخ ثقة، وهو معضل من رواية عبد الله المتقدم الذكر عن عمر رضي الله عنه، وإسناده عند البلاذري من رواية عبد الله بن المبارك عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثامنة روايته عن عمر معضلة، وفي إسناده عند العسكري عبد الله بن شبيب، قال الذهبي: إخباري علامة لكنه واهٍ. ميزان الاعتدال 2/ 438، وهو معضل من رواية محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ثقة من السادسة، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا ولي عماله كتب أموالهم، ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 307، البلاذري/ فتوح البلدان ص 220، 221، أنساب الأشراف ص 257، ومداره على الواقدي، ورواه البلاذري من طريق آخر بلفظ: كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب ماله. وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
ورواه في فتوح البلدان من رواية عبد الله بن المبارك عن عمر رضي الله عنه، وروايته عنه معضلة، فهو ثقة من الثامنة.
المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها.
إن من حقوق الولاة على الرعية الطاعة بالمعروف التي هي حق من حقوق الخليفة لأن طاعة الوالي طاعة لمن ولاه.
قال صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني"
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا استعمل الولاة كتب: إني بعثت إليكم فلاناً فأمرته بكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا
(2)
.
وأما حقوق الرعية وواجباتهم على الولاة فقد بينها عمر رضي الله عنه بقوله رضي الله عنه: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويقسموا فيئهم، ويرفعوا إلي ما أشكل من أمرهم
(3)
.
فبين عمر رضي الله عنه أن من واجبات الولاة على الرعية إقامة
(1)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 12/ 226.
(2)
رواه عبد الرزاق/المصنف 10/ 429، أحمد/ الزهد ص 226، هناد/ الزهد 2/ 415، الخلال/ السنة ص 112، ومداره على محمد بن سيرين رحمه الله وروايته عن عمر منقطعة، وأثنى العلماء على مراسيله وأنها صحاح، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات.
(3)
صحيح، تقدم في ص:646.
العدل بينهم، ونشر العلم بينهم وتفقيههم بشرع الله، وإعطاؤهم حقوقهم المشروعة لهم، والتعرف على حوائجهم وما ينوبهم من أمور ومعالجة ذلك إن أمكن أو رفعه إلى الخليفة بل أن عمر رضي الله عنه ألزم ولاته بالتعرف الدقيق على أحوال الرعية ومواساتهم وعدم الترفع عليهم وإهمال الضعفاء والفقراء، فكان رضي الله عنه يسأل الوفد إذا قدموا عليه عن أميرهم فيقول: هل يعود المريض؟ هل يعود العبد؟ كيف صنيعه بالضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا بخصلة واحدة منها: لا، عزله
(1)
.
ومن حقوق الرعية التي أوجبها عمر رضي الله عنه على ولاته عدم الاستئثار عليهم في مآكلهم ومشاربهم وسائر أحوالهم وأن لا يمنعوهم ولا يحرموهم شيئاً يستمتعون به.
بعث عتبة بن فرقد
(2)
رضي الله عنه مع مولاه من أذربيجان
(3)
بسلال فيها خبيص وهو نوع جيد من الحلوى، فتذوقه عمر رضي الله عنه، فقال: إن هذا لطيب لين، أفكل المهاجرين أكل منه شبعه؟ فقال: لا، إنما هو شيء خصك به، فكتب عمر رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه: أما بعد: فليس من كدك، ولا كد أمك، ولا كد أبيك،
(1)
صحيح، تقدم في ص:647.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 262.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: 612.
لا تأكل إلا ما شبع المسلمون منه في رحالهم
(1)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في بيان واجبات الولاة نحو الرعية:
أن عمر رضي الله عنه بعث أبا موسى الأشعري والياً فقال لمن بُعث إليهم: إن أمير المؤمنين بعثني إليكم أعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه استعمل معاذاً
(3)
على الشام،
(1)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 460، أحمد/الزهد ص 150، هناد/ الزهد 2/ 364، 365، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 188، فتوح البلدان ص 322، الدارقطني/ السنن 4/ 260261، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان، قال: لما قدم عتبة
…
الأثر.
(2)
رواه أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 257، وفي إسناده أبو عامر الخزاز صالح بن رستم صدوق، كثير الخطأ. تق 272، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3)
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا عبد الرّحمن. كان طويلاً حسن الشّعر عظيم العينين أبيض. شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلّها. مات بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب 3/ 459.
فكتب إليه: أن أعط الناس أعطياتهم واغز بهم
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا استعمل ولاته شرط عليهم أن لا يتخذوا أبواباً للمجالس التي يجلسون فيها للناس
(2)
. وذلك حتى لا يحتجبوا عنهم.
وروي أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة عندالله من شقيت به رعيته
(3)
.
(1)
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 20/ 77، وفي إسناده علي بن سعيد الرازي، قال الدراقطني: لم يكن بذالك في حديثه، وحدث بأحاديث لم يتابع عليها، تكلم فيه أصحابنا بمصر، الذهبي/ سير أعلام النبلاء 14/ 145، وفيه إبراهيم ابن هارون الرازي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 2/ 142، فالأثر ضعيف ويشهد له ما في الرواية الصحيحة المتقدمة من أمر الوالي بإعطاء الرعية أعطياتهم وما فيه من الأمر للوالي بأن يغزو بالرعية له ما يؤيده مما سيأتي بيانه إن شاء الله من أن ولاه عمر رضي الله عنه على الأمصار كانوا قادة الفتح في البلاد المفتوحة.
(2)
رواه ابن الجوزي/ المنتظم 4/ 137، وفي إسناده مبهمون.
(3)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 94، ورجال إسناده ثقات ولكنه معضل من رواية سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة، فالأثر ضعيف.
وروي أنه كتب لعمرو بن العاص وهو أمير لمصر: كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك 1.
رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 274، وفي إسناده رشاء بن نظيف والحسن المصري، وأبو بكر المالكي لم أجد لهم تراجم، وهو معضل من رواية سفيان بن عيينة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثامنة، ورواه من طريق آخر وهو معضل أيضاً من رواية المدائني، المتوفى سنة 225 هـ، عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
المطلب الرابع: ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار.
قبل البدء في ذكر ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن في الدولة الإسلامية أود الإشارة إلى النقاط التالية:
1 -
إن الغالب على الروايات والأخبار التي ذكرت ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن الإسلامية الضعف إما لورودها من غير أسانيد أو بأسانيد فيها كثير من الضعفاء والمجاهيل والمتروكين أو بأسانيد منقطعة أو معضلة والقليل منها نقل بأسانيد صحيحة أو حسنة ولا شك أن مثل هذه الأخبار لا يتشدد فيها خصوصاً وأن الولاة الواردة أسماؤهم ممن ثبتت صحبتهم وممن توفرت فيهم شروط عمر رضي الله عنه في تولية الولاة. وقد تأتي بعض القرائن التي تدل عدم ثبوت الرواية فحينئذٍ يمكن رد الرواية بهذه القرائن والحجج القوية.
2 -
يلاحظ تعاقب عدد من الولاة على بعض المدن في مدة قصيرة وذلك راجع لكثرة استبدال عمر رضي الله عنه الولاة في هذه المدن حسب ما تقتضيه مصلحة الرعية مما قد يوهم بتعارض الروايات أو عدم ثبوتها.
3 -
إن ولاة عمر رضي الله عنه على المدن والأمصار خارج الجزيرة العربية كانوا في الغالب هم قادة الفتح، وأمراء الجيوش في البلاد المفتوحة.
وهذه أسماء ولاته رضي الله عنه على المدن والأمصار الإسلامية:
1 - المدينة النبوية.
إن لمدينة النبيّ صلى الله عليه وسلم منزلة ومكانة متميزة عن بقية مدن الخلافة الإسلامية، فهي مقر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفيها مسكنه صلى الله عليه وسلم، وقبره، وفيها مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان مدرسة الإسلام الأولى التي تخرج منها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ملؤوا الأرض علماً وإيماناً ونوراً، فكانوا هم العلماء العاملين القادة الفاتحين.
والمدينة هي عاصمة دولة الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصّديق رضي الله عنه. وكذا كانت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لها مكانتها العالية فهي مقرّ الخلافة وفيها يقيم الخليفة عمر رضي الله عنه وأهل مشورته ووزراؤه من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها تدار شؤون الدولة الإسلامية، وتبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس والعراق والشام وإفريقية، وإليها ترسل الغنائم والفيئ والزكاة، ومنها يبعث الأمراء على البلدان والأقاليم.
وكان عمر رضي الله عنه يقيم بالمدينة وكان هو الذي يتولى أمر الرعية فيها ويقف على أحوالهم ويقضي حوائجهم، فلم يكن بحاجة لأمير يعاونه في ذلك، ولكنه رضي الله عنه كان يستخلف على المدينة من يقوم مقامه عند غيابه وممن استخلف عمر رضي الله عنه على المدينة:
1 - زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.
فكان رضي الله عنه يستخلفه إذا سافر
(1)
، وكان يستخلفه على المدينة إذا خرج حاجاً
(2)
، وحين خرج إلى بلاد الشام لما وقع بها الطاعون
(3)
.
2 - علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقد روي أن عمر رضي الله عنه استخلفه على المدينة عندما هم بالخروج لقتال الفرس بنفسه في موقعة القادسية
(4)
، وحينما خرج إلى بلاد الشام لعقد الصلح مع الروم في السنة الخامسة عشرة
(5)
، وكذلك
(1)
قال ابن حجر رحمه الله: روى البغوي بإسناد صحيح عن خارجة بن زيد: كان عمر يستخلف زيد بن ثابت إذا سافر. الإصابة 1/ 561، 562، ولم أقف عليه فيما بحثت.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153، 154، من كلامه. الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/ 476، 534 من كلامه.
(3)
خليفة بن خياط ص 135 من كلامه.
(4)
الطبري/ التاريخ 2/ 381، وفي إسناده شعيب بن إبراهيم فيه جهالة. ميزان الاعتدال 2/ 275، وفيه سيف بن عمر، ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ. تق 262.
القادسية: موقع في العراق غربي النجف. المنجد/ الأعلام ص 430.
(5)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 449، قال وعن عدي بن سهل، ولم يذكر سنداً، وعدي بن سهل لم أجد له ترجمة، وقد وافق الطبري على ذلك ابن الأثير في الكامل 2/ 348، وابن كثير في البداية والنهاية 7/ 57، وخالف اليعقوبي في تاريخه وقال: إن عمر استخلف عثمان بن عفان 2/ 147، واليعقوبي شيعي معروف بميوله للرافضة.
عندما خرج إلى الشام في السنة السابعة عشرة
(1)
، وهي غير المرة التي رجع فيها عندما علم بوقوع الطاعون، وكانت سنة ثمان عشرة للهجرة.
وإن مما يزيد اليقين بثبوت الرواية التي فيها استخلاف عمر لعلي رضي الله عنه، اقتداء عمر رضي الله عنه في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم في استخلافه علياً فقد استخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة يوم غزوة تبوك، فقال علي رضي الله عنه أتخلفني في الصبيان والنساء؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي
(2)
.
(1)
الطبري/ التاريخ 2/ 489، عن السري عن شعيب عن سيف بن عمر.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 3/ 86، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 15/ 175.
2 - مكة:
1 - عتاب بن أسيد
(1)
رضي الله عنه.
ذكر الطبري رحمه الله أن عتاباً كان والياً لعمر رضي الله عنه على مكة من السنة الثالثة عشرة وهي السنة التي ولي فيها عمر رضي الله عنه الخلافة حتى سنة اثنتين وعشرين أي قبل مقتله بسنة واحدة
(2)
.
والذي ذكره خليفة بن خياط
(3)
والذهبي
(4)
رحمهما الله: أن عتاباً وأبا بكر رضي الله عنهما توفيا في يوم واحد، ونقل ذلك ابن عبد البر رحمه الله عن الواقدي وَوَلد عتاب، قال: وقال محمد بن سلام وغيره: جاء نعي أبي بكر إلى مكة يوم دفن عتاب بها
(5)
، ويعني هذا أن عتاباً لم يتول الإمارة في خلافة عمر رضي الله عنه لأنه كان قد توفي.
(1)
عتاب بن أسيد ابن أبي العاص بن أمية أبو عبد الرحمن أو أبو محمد المكي له صحبة وكان أمير مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات يوم مات أبو بكر رضي الله عنه فيما ذكر الواقدي، لكن ذكر الطبري أنه كان عاملاً لعمر سنة إحدى وعشرين. تق 380.
(2)
التاريخ 2/ 380، 442، 457، 476، 506، 510، 511، 517، 534، 550 من غير إسناد.
(3)
التاريخ ص 122.
(4)
تاريخ الإسلام/ عهد الخلفاء الراشدين ص 97، 98، 144.
(5)
الاستعياب 3/ 143، 144.
فالتعارض بين الروايتين ظاهر، وبَيّن ولا يمكن الجمع بينهما فلا بد من ترجيح إحداهما على الأخرى، وكأن ابن حجر رحمه الله مال إلى ترجيح قول الطبري رحمه الله تعالى قال: وروى الطيالسي والبخاري في تاريخه من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار عن عمرو
(1)
بن أبي عقرب سمعت عتاب أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول: والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان. وإسناده حسن، ومقتضاه أن يكون عتاب عاش بعد أبي بكر، ويؤيد ذلك أن الطبري ذكره في عمال عمر في سني خلافته كلها إلى سنة اثنتين وعشرين، ثم ذكر أن عامل عمر على مكة سنة ثلاث وعشرين كان نافع بن عبد الحارث، فهذا يشعر بأن عتاباً مات في آخر خلافة عمر رضي الله عنه
(2)
.
(1)
عمرو بن أبي عقرب، سمع عتاب بن أسيد روى عنه سليط وأيوب ابنا عبد الله بن يسار حديثه عن أهل مكة، وليست له صحبة. البخاري/ التاريخ الكبير 6/ 356، ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 6/ 252.
(2)
الإصابة 2/ 451.
ولعل وجه الدلالة من كلام ابن حجر أن عمرو بن أبي عقرب لقي عتاباً وسمع منه وعمرو لا صحبه له فهذا يدل على صغر عمره في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم فكونه يلقي عتاباً ويسمع منه يدل على أنه كان كبير السن حين لقي عتاباً، وفي هذا دليل على أن عتاباً عاش بعد خلافة أبي بكر طويلاً حتى لقيه عمرو ابن أبي عقرب وسمع منه وهو شاب كبير. وفي هذا ترجيح للقول بأن عتاباً تولى إمارة مكّة معظم خلافة عمر رضي الله عنه، لأن مدة خلافة أبي بكر بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم سنتان.
2 - محرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى القرشي
(1)
.
استخلفه عتاب بن أسيد على مكة في سفر سافرها، ثم ولاه عمر بن الخطاب مكة في أول ولايته ثم عزله
(2)
. ولم تذكر مدة ولايته وهو أول ولاة عمر رضي الله عنه على مكة على قول من قال إن عتاباً توفي يوم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
3 - قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي رضي الله عنه
(3)
.
ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله محرز بن حارثة، ولم تذكر مدة ولايته أيضاً
(4)
.
(1)
مُحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، قتل يوم الجمل. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 23.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153، من غير إسناد، الفاكهي/ أخبار مكة، وقال: كان عاملاً لعمر فيما يقال. ابن حزم/ جمهرة النسب ص 78، من غير إسناد. ابن حجر/ الإصابة 3/ 368، نقلاً عن الفاكهي.
(3)
قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي له صحبة. ابن عبد البر/ الاستعياب 3/ 366.
(4)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153. ابن عبد البر/ الاستعياب 3/ 366. ابن حجر/ الإصابة 3/ 241، كلهم من غير أسانيد.
4 - نافع بن عبد الحارث الخزاعي رضي الله عنه
(1)
.
ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله قنفذ بن عمير، فخرج نافع إلى عمر، واستخلف مولاه عبد الرحمن بن أبزى، فقال له عمر رضي الله عنه: استخلفت على آل الله مولاك، فعزله
(2)
.
وعند الطبري أنه كان والياً على مكة في السنة التي قتل فيها عمر رضي الله عنه
(3)
.
وثبت أن نافعاً لقي عمر رضي الله عنه بعسفان فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال عمر بن الخطاب: من ابن أبزى؟ قال: رجل من مواليّ، قال: استخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله، وإنه لعالم بالفرائض. فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين
(4)
.
(1)
نافع بن عبد الحارث بن حُبالة بن عمير الخزاعي له صحبة ورواية، وكان من كبار الصحابة وفضلائهم. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 54.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/ 378. ابن عبد البر/ الاستعياب 4/ 54 كلهم من غير أسانيد.
(3)
التاريخ 2/ 587.
(4)
رواه مسلم في الصحيح/ شرح النووي كتاب المسافرين باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه 6/ 97 - 98، وعبد الرزاق/ المصنف 11/ 439، ابن سعد/ الطبقات 5/ 460، أحمد/ المسند 1/ 35، الفاكهي/ أخبار مكة 3/ 165، الدارمي/ السنن 2/ 443، الطبري/ تهذيب الآثار مسند عمر 2/ 779، 780، 781.
5 - خالد بن العاص بن هشام المخزومي
(1)
.
ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله نافع بن عبد الحارث
(2)
.
6 - طارق بن المرتفع الكناني
(3)
رضي الله عنه.
كان والياً لعمر رضي الله عنه على مكة
(4)
، استعمله عمر رضي
(1)
خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي، قتل أبوه يوم بدر كافراً، له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون لم يسمع منه. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 15.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153 من غير إسناد. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 15 من غير إسناد. ابن حجر/ الإصابة 1/ 408، وقال: يقال إن عمر رضي الله عنه استعمل خالد بن العاص هذا على مكة بعد نافع بن عبد الحارث الخزاعي.
(3)
طارق بن المريفع الكناني عامل عمر بن الخطاب على مكة، ومات في عهده، ولم أر من ذكره في الصحابة صريحاً وهو صحابي لا محالة لأنه من جيران قريش ولم يبق بعد حجة الفتح إلى حجة الوداع أحد من قريش ومن حولهم إلا من أسلم وشهد الحجة كما تقدم، ولولا صحبته لم يؤمره عمر رضي الله عنه. ابن حجر/ الإصابة 2/ 221، 222. ونقل ابن فهد كلام ابن حجر في غاية المرام 1/ 51، 52.
(4)
رواه الفاكهي/ أخبار مكة 3/ 166. ونقله عنه أبو الطيب الفاسي/ شفاء الغرام 2/ 255، ابن حجر/ الإصابة 2/ 221، وفي إسناده عند الفاكهي عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وفيه انقطاع من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر وهو ثقة من الثالثة، ونقله ابن حجر عن الفاكهي.
الله عنه عليها بعد عزله نافع بن عبد الحارث
(1)
. ولعلّه كان يتناوب الإمارة مع خالد بن العاص.
7 - الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
روي أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم فاستعمله على بعض عمله بمكة فأقره أبو بكر وعمر وعثمان، ثم انتقل إلى البصرة واختط بها داراً، ومات في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه، ولم يذكر متى كانت ولايته ولعلها كانت على بعض المهام وليس مطلق الإمارة
(2)
.
(1)
نقل ذلك ابن حجر عن الطبري في الإصابة 2/ 221، ولم أقف عليه عنده، والله أعلم.
(2)
ابن سعد/ الطبقات 4/ 56 من كلامه، ابن حجر/ الإصابة 1/ 292، قال: قال ابن سعد أخبرني علي بن عيسى بن عبد الله بن عبد الله بن الحارث، قال: صحب الحارث
…
الخ، وعلي بن عيسى لم أجد له ترجمة، وقد ترجم للحارث ابن نوفل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3/ 91، وابن عبد البر في الاستيعاب 1/ 355، ولم يذكرا تولية عمر رضي الله عنه له على مكة وكذلك لم يذكر أحد من المؤرخين فيما بحثت أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه وقال ابن حجر رحمه الله تعال في ترجمة الحارث بن عبد المطلب: قال ابن أبي حاتم: صحب النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله على بعض أعمال مكة، وولاه أبو بكر وعمر وعثمان مكة، ثم انتقل إلى البصرة، قال ابن حجر: قلت: وهم فيه وهماً شنيعاً، فإن هذه الترجمة لحفيده الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأما الحارث ابن عبد المطلب، فمات في الجاهلية. وانظر: ابن فهد/ غاية المرام 1/ 39 نقلاً عن ابن سعد.
وهؤلاء الولاة الذين تقدم ذكرهم كانوا ولاة على مكة من قبل عمر رضي الله عنه على ما ذكره بعض المؤرخين وأما الطبري رحمه الله فذهب إلى أن والي عمر رضي الله عنه على مكة منذ استخلف حتى سنة اثنتين وعشرين أي قبل مقتله رضي الله عنه بسنة واحدة هو عتاب بن أسيد وكان واليه على مكة سنة ثلاث وعشرين نافع بن عبد الحارث الخزاعي رضي الله عنه، فعلى قول الطبري رحمه الله تكون ولاية محرز بن حارثة وقنفذ بن عمير ولاية على بعض المهام وليس مطلق الولاية وذلك مع وجود الوالي الحقيقي وهو عتاب بن أسيد أو كانت ولاية قصيرة مؤقتة لغياب عتاب بن أسيد خصوصاً وأنه لم تذكر مدة ولايتهما ثم ولي عمر رضي الله عنه نافع بن عبد الحارث قبل مقتله بسنة فكان والياً على مكة في السنة التي قتل فيها رضي الله عنه.
ولم يعزله عمر رضي الله عنه حيث وردت قصة خروجه وإنابته مولى له بسند صحيح وليس فيها أن عمر رضي الله عنه عزله كما ذكر بعض المؤرخين أن عمر رضي الله عنه عزله بسبب ذلك وولى بعده خالد ابن العاص وطارق بن المرتفع
(1)
، وقد يوفق بينهما بأنه رضي الله عنه
(1)
تقدم الكلام على ذلك في ص: 610.
ولاهما بعض المهام الخاصة بنافع أو أنه عزل نافعاً وولى خالداً وطارقاً مدة قصيرة ثم أعاد نافع بن عبد الحارث فتوفي عمر رضي الله عنه وهو على مكة والله أعلم.
3 - الطائف:
1 - عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه
(1)
:
استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف فلم يزل عليها حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر وهما السنة الثالثة عشرة والرابعة عشرة
(2)
. ثم عزله وولاه عمان والبحرين.
(1)
عثمان بن أبي العاص الثقفي أبو عبد الله بن بشر بن عبد بن دهمان أبو عبد الله، نزيل البصرة أسلم في وفد ثقيف فاستعمله النبيّ صلى الله عليه وسلم على الطائف، وأقره أبو بكر ثم عمر، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين سنة خمس عشرة. ثم سكن البصرة حتى مات بها في خلافة معاوية. قيل: سنة خمس وقيل: سنة إحدى وخمسين. الإصابة 2/ 460.
(2)
ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 153. ابن حجر/ الإصابة 2/ 460 من غير إسناد، وذكر الطبري أن عثمان كان والياً على الطائف في سنة ثلاثة عشرة وستة عشرة، التاريخ 2/ 380، 476 ووالياً على اليمامة والبحرين في السنوات أربعة عشر، وخمسة عشر وسبعة عشر إلى سنة ثلاث وعشرين، التاريخ 2/ 442، 457، 506، 510، 511، 517، 534، 550، 587، والذي أراه راجحاً هو ما ذكره ابن عبد البر وابن حجر لأنه يبعد أن يولي عمر رضي الله عنه عثمان بن أبي العاص سنة ثلاثة عشرة على الطائف ثم يعزله في السنة الرابعة عشر ويوليه اليمامة والبحرين ثم يعزله في السنة السادسة عشرة، ويعيده والياً على الطائف ثم يعزله مرة ثالثة ويعيده لولاية اليمامة والبحرين في السنة السابعة عشر.
2 - يعلى بن أمية التميمي الحنظلي
(1)
رضي الله عنه:
كان والياً لعمر رضي الله عنه على الطائف سنة خمس عشرة
(2)
.
3 - سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي
(3)
رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على الطائف ومخاليفها
(4)
، وكان استعمال عمر رضي الله عنه له بعد عزله عثمان بن أبي العاص في السنة الخامسة عشر كما ذكر ابن عبد البر
(5)
، وابن الأثير
(6)
وأما يعلى بن أمية المتقدم ذكره والذي ذكره الطبري أن عمر رضي الله عنه استعمله سنة خمس عشرة فلعل ولايته كانت قصيرة لبضعة أشهر أو أنه كان نائباً عن سفيان في بعض الأحيان، وقد استمرت ولاية سفيان حتى سنة ثلاث
(1)
أسلم يوم الفتح، وشهد حنيناً والطائف وتبوك. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 147.
(2)
الطبري/ التاريخ 2/ 457، من غير إسناد.
(3)
له صحبة ورواية. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 190، 191.
(4)
رواه الفاكهي/ أخبار مكة 2/ 191، 192، حسن.
(5)
الاستيعاب 2/ 190، 191.
(6)
أسد الغابة 2/ 319، 320.
وعشرين حيث ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً لعمر سنة ثلاث وعشرين ولم يذكر المؤرخون أسماء ولاة الطائف في السنوات من السادسة عشرة إلى الثانية والعشرين فلا ريب أنه رضي الله عنه كان واليها في تلك السنوات خصوصاً وأنه لم ينص أحد على عزل عمر رضي الله عنه له.
4 - عتبة بن أبي سفيان بن حرب القرشي الأموي
(1)
أخو معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه.
ولاه عمر رضي الله عنه الطائف وصدقاتها
(2)
.
ولم تذكر متى كانت ولايته وكم استمرت والظاهر والله أعلم أنه كان من عمال الصدقة ولم يكن والياً.
(1)
قال ابن حجر رحمه الله: لم أر له بعد التتبع الكثير ذكراً قبل شهوده الدار حين قتل عثمان، ولم أر في ترجمته عند ابن عساكر ما يدل على أنه ولد في العصر النبوي، وهو محتمل. الإصابة 3/ 78.
(2)
ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 146. ابن حجر/ الإصابة 3/ 78 من غير سند.
4 - اليمن:
1 - يعلى بن أمية التميمي
(1)
رضي الله عنه:
كان عاملاً لعمر على اليمن في سنوات خلافته كلها
(2)
، وقد تقدم ذكره في ولاة عمر رضي الله عنه على الطائف في السنة الخامسة عشرة وذكرت بأن ولايته كانت قصيرة ربما لم تتجاوز عدة أشهر أو كان نائباً عن الوالي الحقيقي وهو سفيان بن عبد الله في غيابه
(3)
.
ومما يؤيد ذلك أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على اليمن في سنوات خلافته كلها.
2 - عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي
(4)
رضي الله عنه:
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 680.
(2)
الطبري/ التاريخ 2/ 380، 442، 476، 506، 587 من غير إسناد، وذكر أنه كان والياً على صنعاء في سنة 23، وقال الحاكم في الأسامي والكنى 4/ 239، 220، 301 إنه كان عاملاً لعمر رضي الله عنه على نجران. ونقل ذلك ابن حجر في الإصابة 3/ 668، 669. ولا إشكال في ذلك فإن نجران كانت مخلاف ومقاطعة من مقاطعات اليمن، كما ذكر ذلك ياقوت الحموي في معجمه 5/ 266.
(3)
تقدم في ص: 680.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: 226.
أقره عمر رضي الله عنه على الجَنَد
(1)
من اليمن بعد أن كان والياً عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه
(2)
.
3 - عدي بن نوفل بن أسد بن عبد العزى
(3)
.
(1)
الجَنَد: مدينة باليمن كبيرة حصينة كثيرة الخيرات، بها قوم من خولان وبها مسجد جامع بناه معاذ بن جبل رضي الله عنه حين نزلها. الحميري/ الروض المعطار ص: 175، 176. وانظر: ياقوت الحموي/ معجم البلدان 2/ 169، الهمداني/ الأكليل الحاشية ص:57.
(2)
ابن سعد/ الطبقات/ الرابعة 1/ 337، الطبقات الكبرى 5/ 444، وفيه ولاه عمر اليمن. الزبيري/ نسب قريش ص 317، خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154، كلهم بلفظ ولاه عمر اليمن، ومن غير إسناد، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/ 73، بلفظ: كان عبد الله بن أبي ربيعة عاملاً على الجند، فبعث إلى عمر بمسك
…
الخ، وفي إسناده غسان بن عبد الحميد ذكره البخاري في التاريخ الكبير 7/ 107، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات 9/ 2، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، فالخبر معضل، وقد ذكر الطبري عبد الله بن أبي ربيعة في ولاة عمر رضي الله عنه على الجند سنة ثلاث وعشرين فقط، التاريخ 2/ 587، وقال ابن عبد البر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه الجند ومخاليفها، فلم يزل والياً عليها حتى قتل عمر رضي الله عنه. الاستيعاب 1/ 31، 32، وقال ابن حجر: ولي الجند لعمر رضي الله عنه، الإصابة 2/ 305.
(3)
عَدِي بن نوفل بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي أخو ورقة بن نوفل لأبيه أسلم عام الفتح. ثم عمل لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان على حضرموت. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 171.
ذكر أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على حضرموت، وقيل إنه كان والياً لعثمان رضي الله عنه
(1)
.
5 - عُمان:
1 - بلال الأنصاري
(2)
رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه عمان، ثم عزله وضم عمان إلى عثمان ابن أبي العاص
(3)
.
2 - عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه:
تقدم أن عمر رضي الله عنه أقره سنتين من خلافته على الطائف، ثم عزله وولاه سنة خمس عشرة عمان والبحرين
(4)
.
(1)
الزبيري/ نسب قريش ص 209. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 171. ابن الأثير/ أسد الغابة 3/ 398. ابن حجر/ الإصابة 2/ 471 من غير إسناد.
(2)
ذكره ابن حجر في الإصابة في القسم الأول 1/ 165، وقال ابن عبد البر: لا أقف على نسبه في الأنصار. الاستيعاب 1/ 261.
(3)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/ 261، وقال: وخبره هذا مشهور. ابن الأثير/ أسد الغابة 1/ 209. ابن حجر/ الإصابة 1/ 165 من غير أسانيد.
(4)
تقدم الكلام في ذلك في ص: 679، ولم يذكره الطبري في ولاة عمر رضي الله عنه على عمان بل قال ولاه اليمامة البحرين.
وكانت له فتوح بفارس، فقد روى أنه كان يذهب للجهاد، ويخلف على عمان والبحرين أخاه المغيرة بن أبي العاص، ويقال حفص بن أبي العاص
(1)
.
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه ولاه البحرين وعمان، فوجه أخاه الحكم
(2)
إلى البحرين ومضى هو إلى عمان، فأقطع جيشاً إلى تانة
(3)
، فلما رجع كتب إلى عمر، فكتب إليه: يا أخا ثقيف، حملت دوداً على عود، وإني أحلف بالله أن لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم، ووجه عثمان أخاه الحكم إلى بروص
(4)
، وأخاه المغيرة إلى خور الديبل
(5)
، فلقي العدو، فظفر بهم
(6)
.
(1)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 92 من رواية الهيثم بن عدي، قال البخاري: ليس بثقة، كان يكذب، وقال أبو داود: كذاب، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال ابن المديني: هو أوثق من الواقدي، ولا أرضاه في شيء، وقال الذهبي: كان إخبارياً علامة. ميزان الاعتدال 4/ 324.
حفص بن أبي العاص تقدمت ترجمته في ص 226.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 222.
(3)
تانه: مدينة هندية في مهارشترا على بحر عمان. المنجد/ الأعلام ص 167.
(4)
لم أقف على تعريف لها، والظاهر أنها من مدن الساحل الهندية القريبة من الجزيرة العريبة.
(5)
الديبل: مدينة في جنوب البحر بفارس، وقيل هي في أرض السند، تقصدها مراكب العمانيين بأمتعتها وبضائعها. الحميري/ الروض المعطار ص 249.
(6)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 420، من كلام علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف، ولم أجد له ترجمة.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إليه لما ولاه عمان: أن سر بأهل البحرين - يعني للجهاد - إلى شهرك
(1)
.
وكان يغزو سنوات في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما يغزو صيفاً، فيرجع ويشتو بتوج
(2)
.
3 - حذيفة بن محصن الغلفائي
(3)
:
(1)
شهرك هو ابن بريشهر قائد من قادة الفرس، قتله المسلمون حينما فتحوا توج، بقيادة عثمان والحكم بن أبي العاص. خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 141، 142.
رواه الفسوي/ المعرفة والتاريخ 3/ 200، 201، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية سعيد بن يزيد الأزدي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة.
(2)
تَوَّجُ: مدينة بفارس، قريبة من كازرون، وهي مدينة بين شيراز والبحر، فتحها عثمان بن أبي العاص، وبنى بها مسجداً، وجعلها داراً للمسلمين، وأسكنها عبد القيس وغيرهم. ياقوت/ معجم البلدان 2/ 56.
رواه ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 153. ابن الأثير/ أسد الغابة 3/ 372، 373، 5/ 29، الذهبي/ سير أعلام النبلاء 2/ 374.
(3)
قال ابن عبد البر/ لا أعرفه بأكثر من أن أبا بكر الصديق عزل عكرمة بن أبي جهل عن عمان، ووجه إلى اليمن، وولى على عمان الغلفائي، فلم يزل عليها حتى توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الاستيعاب 1/ 394، 395.
ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على عمان من السنة التي ولي فيها الخلافة حتى سنة اثنين وعشرين ولم يذكر من ولي عمان في آخر سنة من خلافة عمر رضي الله عنه
(1)
.
والذي عليه خليفة بن خياط
(2)
، وابن عبد البر
(3)
، وابن الأثير
(4)
أنه كان والياً على عمان في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأن والي عمان في خلافة عمر رضي الله عنه هو عثمان ابن أبي العاص الثقفي واستمر والياً عليها حتى وفاة عمر رضي الله عنه.
ولعل حذيفة كان معاوناً ومساعداً لعثمان بن أبي العاص في بعض المهام خصوصاً أثناء غيابه لانشغاله بالفتوح، والله أعلم.
(1)
التاريخ 2/ 442، 457، 476، 506، 587.
(2)
التاريخ ص 122، 123.
(3)
الاستيعاب 2/ 153.
(4)
أسد الغابة 1/ 390، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 1/ 317.
6 - البحرين:
1 - العلاء بن الحضرمي
(1)
رضي الله عنه.
أقره عمر رضي الله عنه على البحرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه إياها وأبو بكر كذلك، ثم عزله عمر رضي الله عنه، وولاه البصرة، فمات قبل أن يصل إليها في أواخر سنة أربع عشرة وأوائل سنة خمس عشرة من الهجرة
(2)
.
وقيل إن العلاء توفي في سنة عشرين أو إحدى وعشرين، فولى عمر رضي الله عنه مكانه أبا هريرة رضي الله عنه
(3)
.
وقد ذكر الطبري رحمه الله أن العلاء كان والياً لعمر رضي الله عنه على البحرين في السنوات ثلاث عشرة وأربع عشرة وست عشرة،
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 638.
(2)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 92 من رواية أبي مخنف، قال الذهبي: تالف لا يوثق به. ميزان الاعتدال 3/ 419. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 192، 193. ابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 7، ابن كثير/ البداية والنهاية 7/ 123. ابن حجر/ الإصابة 2/ 497، التقريب ص 434 من غير إسناد.
(3)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 92، فقال: ويقال بأن عمر .... ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 193. ابن الأثير/ أسد الغابة 4/ 7، الذهبي/ سير أعلام النبلاء 1/ 263. ابن حجر/ الإصابة 2/ 497، 498، كلهم بلفظ، وقيل. وهي صيغة تضعيف.
وأن عمر رضي الله عنه عزله عن البحرين عندما أمره بعدم ركوب البحر بجند المسلمين لقتال الفرس، فلم يستجب لذلك فندب أهل البحرين إلى فارس، فتسارعوا إلى ذلك، وفرقهم أجنداً، وقاتل الفرس بإصطخر
(1)
، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم أراد الرجوع إلى البصرة بمن معه من المسلمين وقد غرقت سفنهم، فبلغ الخبر عمر رضي الله عنه، فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه يعزله، ويؤمر سعد بن أبي وقاص عليه، وأمره أن يلحق بجند سعد رضي الله عنهما، وكان ذلك في السنة السابعة عشرة من الهجرة
(2)
.
وهذا القول قريب من القول الأول وهو أن عزل العلاء كان في السنة الخامسة عشرة إذ أن الفارق التاريخي بينهما قليل وهذا يقع كثيراً بين المؤرخين للاختلاف في بداية التاريخ الهجري، وسرعة بلوغ الخبر عند البعض، وتأخره عند البعض الآخر، وأما القول بأن موت العلاء كان في سنة عشرين أو إحدى وعشرين فقد نقله المؤرخون بصيغة التمريض والتضعيف كما تقدم ذلك
(3)
.
(1)
اصطخر: بلدة بفارس، من أقدم مدن فارس، وأشهرها، وبين اصطخر وشيراز إثني عشر فرسخاً. ياقوت/ معجم البلدان 1/ 211.
(2)
التاريخ 2/ 498، 499 من رواية سيف بن عمر، ونقله ابن كثير/ البداية والنهاية 7/ 85، 86.
(3)
ص: 688 / الهامش.
2 - عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على البحرين بعد عزله العلاء بن الحضرمي، وقد تقدم الكلام عن ولايته على عمان والفتوحات التي قام بها وقد أورد المؤرخون خبر تولية عمر رضي الله عنه له عمان والبحرين معاً
(1)
.
واستمر عثمان رضي الله عنه والياً على البحرين حتى وفاة عمر رضي الله عنه حيث لم يذكر أحد من المؤرخين فيما بحثت فيه عزل عمر رضي الله عنه له.
3 - عياش بن أبي ثور
(2)
رضي الله عنه:
ذكر أنه من ولاة عمر رضي الله عنه على البحرين قبل قدامة بن مظعون
(3)
رضي الله عنه
(4)
، ويظهر أن ولايته كانت على جباية الأموال وعلى الصدقات كما كانت ولاية قدامة بن مظعون رضي الله عنه وأنها
(1)
انظر ذلك في ص: 684.
(2)
عياش بن أبي ثور له صحبة ولاه عمر رضي الله عنه البحرين قبل قدامة رضي الله عنه. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 301.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 640.
(4)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 38. ابن الأثير/ أسد الغابة ص 154. ابن حجر/ الإصابة 3/ 46 من غير أسانيد.
كانت قصيرة فأغفلها كثير من المؤرخين.
4 - قدامة بن مظعون رضي الله عنه:
ذكر في ولاة عمر رضي الله عنه على البحرين، ولم تذكر سنة ولايته والراجح عندي أنها كانت على جباية الأموال والصدقات حيث أن تلك المهمة كانت من خصوصيات الولاة، ولعل عمر رضي الله عنه بعثه على تلك المهمة لأن والي البحرين عثمان بن أبي العاص كان منشغلاً بالفتوح وبالقتال مع الفرس، وولى عمر معه معاوناً لعثمان أبا هريرة على القضاء والصلاة
(1)
.
ثم إن عمر رضي الله عنه عزل قدامة بعد أن شرب الخمر وشهد عليه الجارود القيسي
(2)
سيد عبد القيس
(3)
، وأبو هريرة رضي الله عنهما، قال عمر رضي الله عنه لأبي هريرة: بما تشهد؟ فقال: لم أره شرب، ولكني رأيته سكران يقيء، فقال: لقد تنطعت في الشهادة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين، فقدم قدامة، فأقام عليه عمر رضي الله عنه حد الخمر
(4)
وعزله.
(1)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 92، 93 من روايتي أبي مخنف والهيثم بن عدي.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 575.
(3)
تقدم التعريف بهم في ص: 509.
(4)
صحيح تقدم في ص: 641.
5 - أبو هريرة رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه عمل قدامة بن مظعون بعد عزله سنة عشرين من الهجرة ثم عزله عمر رضي الله عنه عن البحرين، وقاسمه ماله
(1)
. وأسند المهام التي كان يقوم بها لوالي البحرين الرسمي وهو عثمان ابن أبي العاص ولذلك ذكر المؤرخون أن عمر رضي الله عنه لما عزل أبا هريرة وولى البحرين عثمان
(2)
. أي أسند إليه مهام أبي هريرة وهذا يؤيد ما ذكره أهل التاريخ من أن عثمان بن أبي العاص كان والي البحرين لعمر بعد عزل العلاء وحتى وفاة عمر رضي الله عنه
(3)
.
7 - اليمامة:
1 - حذيفة بن محصن الغلفائي
(4)
:
ذكر الطبري أن عمر رضي الله عنه ولاه عمان واليمامة في السنة الثالثة عشر
(5)
.
(1)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 93، رواية الهيثم بن عدي. الطبري/ التاريخ 2/ 516 من رواية الواقدي، وقصة مقاسمة عمر رضي الله عنه لأبي هريرة أمواله وعزله إياه صحيحة تقدم ذكرها في ص:639.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 340.
(3)
انظر ص: 690.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: 686.
(5)
التاريخ 2/ 380 من غير إسناد، ونقل ابن حجر عن عمر بن شبة رحمه الله أن عمر رضي الله عنه ولاه اليمامة، الإصابة 1/ 317.
2 - عثمان بن أبي العاص الثقفي:
تقدم أن الطبري رحمه الله ذكر أن عمر رضي الله عنه ولى عثمان البحرين واليمامة بعد عزله عن ولاية الطائف في السنة الرابعة عشرة وأن غير الطبري ذكر ولايته على البحرين وعمان في السنة الخامسة عشرة حتى آخر خلافة عمر رضي الله عنه، ولم يذكروا ولايته على اليمامة
(1)
، فلعل اليمامة كانت تابعة من ناحية الإمارة للبحرين لقربها منها جغرافياً
(2)
.
3 - أبو هريرة رضي الله عنه:
ذكر الطبري أن عمر ولاه البحرين واليمامة بعد عزله قدامة بن مظعون عن البحرين وقد تقدم أن قدامة ولاه عمر رضي الله عنه البحرين وأن ولايته كانت لجباية الأموال ثم عزله وولى أبا هريرة ثم عزله وأسند المهام التي كلف بها قدامة وأبا هريرة للوالي الحقيقي وهو عثمان بن أبي العاص
(3)
.
(1)
انظر ذلك في ص: 679.
(2)
قال ياقوت الحموي رحمه الله: وربما عد بعضهم اليمامة من أعمالها أي البحرين
…
حتى قال فلما ولي بنو العباس صيروا عمان والبحرين واليمامة عملاً واحداً، معجم البلدان 1/ 346، 347.
(3)
تقدم في ص: 692.
وهذا يؤيد القول بأن اليمامة والبحرين كانت تحت ولاية واحدة وأن المراد بولاية أبي هريرة لليمامة هي ولاية جباية الصدقات وأن ذلك كان حين ولي ذلك في البحرين.
8 - البصرة:
1 - شريح بن عامر بن قيس السعدي
(1)
رضي الله عنه:
ذكر المؤرخون أن عمر رضي الله عنه ولاه البصرة حين بعثه مدداً لقطبة بن قتادة السدوسي
(2)
رضي الله عنه لما كتب إليه يستمده في قتال الفرس، فقال لشريح: كن ردءاً للمسلمين، فأقبل إلى البصرة، ثم سار إلى الأهواز
(3)
، فقتل بها فبعث عمر رضي الله عنه على عمله عتبة بن غزوان
(4)
.
(1)
شريح بن عامر بن قيس السعدي، صحابي ولاه عمر البصرة، فقتل بناحية الأهواز. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 258.
(2)
قطبة بن قتادة السدوسي، قال البخاري: له صحبة، وهو أول من فتح الأبلة، واستخلفه خالد بن الوليد رضي الله عنه على البصرة في سنة اثنتي عشر، ثم سار إلى السواد.
المصدر السابق 3/ 344. ابن حجر/ الإصابة 3/ 237.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: 658.
(4)
عتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني عبد شمس، من السابقين الأوّلين، وهاجر إلى الحبشة ثم رجع مهاجراً إلى المدينة رفيقاً للمقداد وشهد بدراً وما بعدها. وولاه عمر في الفتوح فاختط البصرة وفتح فتوحاً، وكان طويلاً جميلاً. ابن حجر/ الإصابة 2/ 455.
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 127، 154، عن المدائني عن أشياخه قالوا. ابن حجر/ الإصابة 2/ 147، وقال: روى عمر بن شبة من طريق قتادة، ثم ذكر النص، الطبري/ التاريخ 2/ 440، العسكري/ تصحيفات المحدثين 2/ 499 من غير سند.
2 - عتبة بن غزوان رضي الله عنه:
أمره عمر رضي الله عنه على البصرة بعد مقتل شريح بن عامر، وكان ذلك في السنة الرابعة عشرة من الهجرة
(1)
. وذلك لقطع المدد عن
(1)
ذكر ذلك خليفة بن خياط رحمه الله تعالى وهو محدث مؤرخ من المؤرخين الأوائل في أحداث سنة أربع عشرة. التاريخ ص: 129. وكذلك الطبري وهو شيخ المؤرخين ذكر هذا في أحداث سنة أربع عشرة. وقال على سبيل التضعيف: وزعم سيف أن البصرة مصرت سنة ست عشرة، وكذلك نقله البلاذري عن أبي مخنف في فتوح البلدان ص: 92، 93. وذكر البلاذري أيضاً أن عمر رضي الله عنه أرسل إلى عتبة بن عزوان وقال:
"إن الحيرة قد افتتحت وقتل عظيم من العجم يعني مهران، ومهران إنما قتل في معركة البويب سنة ثلاث عشرة كما ذكر ذلك الطبري في تاريخه". 2/ 372.
وكأن الدّكتور صالح العلي في كتابه: "خطط البصرة ص: 43" مال إلى هذا الرأي وهو تحديد إرسال عتبة بن غزوان إلى البصرة سنة أربع عشرة حيث إنه ذكر قول سيف بن عمر بأن البصرة مصرت سنة ست عشرة، وأطلق عليه صفة الادعاء، وإن لم يصرح بترجيحه أحد القولين. ونقل الدّكتور عبد العزيز العمري في كتابه:"الولاية علىالبلدان في عصر الخلفاء الراشدين 1/ 113" عن الدّكتور صالح العلي ترجيحه لإرسال عمر رضي الله عنه عتبة إلى البصرة سنة أربع عشرة. وذلك بعد أن وافقه على ذلك والنصّ الذي نقله عن صالح العلي هو قوله: "ويزعم بعض المؤرخين أن عتبة أرسل سنة 16 هـ بعد معركة القادسية أو جلولاء، ولكن الأغلبية المطلعةمن المؤرخين يؤكّدون أنه أرسل سنة أربع عشرة من الهجرة مما يجعلنا نرجح روايتهم".
جند الفرس بالمدائن
(1)
، فخرج عتبة رضي الله عنه من المدينة بثلاثمائة مقاتل في شهر صفر، وانضم إليه بعض الأعراب، فقدم البصرة ومعه خمسمائة جندي أو أقل أو أزيد في شهر ربيع الأول أو الآخر، فنزل عتبة بالخريبة
(2)
، وبالأبلة
(3)
خمسمائة من الأساورة
(4)
يحمونها، وكانت مرفأ
(1)
المدائن: تقدم التعريف بها في ص: 443.
(2)
الخريبة: تصغير خربة، موضع بالبصرة، وسميت بذلك لأن المرزبان كان قد ابتنى به قصراً، وخرب بعده، فلما نزل المسلمون البصرة، ابتنوا عنده، وفيه أبنية، وسموها الخريبة. ياقوت/ معجم البلدان 2/ 363.
(3)
الأُبُلّة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة، لأن البصرة مصرت أيام عمر بن الخطاب، وكانت الأبلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى. المصدر السابق 1/ 77.
(4)
الأساورة: قوم من العجم بالبصرة نزلوها قديماً، والأُسوار: الواحد من أساورة فارس وهو الفارس من فرسانهم المقاتل. ابن منظور/ لسان العرب 6/ 428.
السفن من الصين وما دونها، فسار عتبة، فنزل دون الأجّانة، فأقام نحواً من شهر، ثم خرج أهل الأبلة، فناهضهم عتبة، فهزمهم، ففروا، وخلوا المدينة، فدخلها المسلمون
(1)
.
وبعد دخولهم الأبلة خطب فيهم عتبة رضي الله عنه خطبة ذكرهم فيها بفناء الدنيا، وأن الناس منتقلون منها إما إلى جنة أو نار، وذكرهم بحالهم في بداية الإسلام، وما من الله به عليهم، قال رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حَذّاء
(2)
، ولم يبق منها إلا صُبَابة
(3)
كصبابة الإناء، يتصابها صحابها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم، فيهوي فيها سبعين عاماً لا يدرك لها قعراً، والله لتملأن، أفعجبتم، ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالنا من
(1)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 439، 440، من رواية أبي مخنف عن مجالد عن الشعبي.
(2)
حَذّاء: مسرعة الانقطاع. النووي/ شرح صحيح مسلم 18/ 102.
(3)
صُبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء. المصدر السابق.
طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة، فشققتها بيني وبين سعد بن مالك
(1)
، فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً، وعند الله صغيراً
(2)
.
ثم اختط عتبة بن غزوان البصرة، وكانت قبل ذلك تسمى الأبلة، وأمر محجن بن الأدرع
(3)
بخط المسجد، وبناه بالقصب، ثم خرج رضي الله عنه حاجاً، وخلف على البصرة مجاشع بن مسعود
(4)
، وأمره أن يسير إلى الفرات، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع، فجمع أهل مسيان
(5)
للمغيرة عليهم الفيلكان عظيم من عظماء الفرس، فظهر عليهم المغيرة، وكتب بالفتح إلى عمر، فأمر عمر عتبة أن يسير إلى عمله، فمات قبل أن يصل البصرة، فقدم غلامه سويد على عمر بمتاعه، فأقر عمر المغيرة على البصرة وكان ذلك في آخر سنة أربع عشرة وأول
(1)
هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 18/ 101 - 103.
(3)
محجن بن الأدرع الأسلمي رضي الله عنه صحابي اختط مسجد البصرة، مات في آخر خلافة معاوية. تق 521.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: 659.
(5)
مَيْسَان: تقدم التعريف بها في ص: 623.
سنة خمس عشرة من الهجرة
(1)
.
وكانت مدة ولاية عتبة بن غزوان رضي الله عنه على البصرة ستة أشهر
(2)
.
(1)
ابن سعد/ الطبقات 3/ 99، 7/ 5 من رواية الواقدي، خليفة بن خياط/ التاريخ ص 129، 154 من غير سند، البلاذري/ فتوح البلدان ص 92، 341، 342 من رواية أبي مخنف، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/ 441 عن عليّ بن زيد من غير إسناد، وذكر وفاته سنة أربع عشرة.
(2)
الطبري/ التاريخ 2/ 442.
وفي رواية الواقدي عند البلاذري في فتوح البلدان ص 345، أن عتبة بن غزوان رضي الله عنه كان مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فكتب عمر إلى سعد رضي الله عنهما أن اضرب قيروانك بالكوفة، ووجه عتبة إلى البصرة، فخرج عتبة في ثمانمائة، فضرب خيمة من أكسية، وضرب الناس معه، وأمده عمر بالرجال، فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن منها بالخريبة اثنتان، وبالزابوقة واحدة، وفي بني تميم اثنتان، وفي الأزد اثنتان ثم إن عتبة خرج إلى الفرات بالبصرة، فافتتحه، ثم رجع إلى البصرة، وكان سعد يكاتبه فغمه ذلك، فاستأذن عمر في الشخوص إليه، فلحق به، واستخلف المغيرة بن شعبة فلما قدم المدينة شكا إلى عمر تسلط سعد عليه، فقال له عمر: وما عليك أن تقر بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف، فأبى الرجوع، وأبى عمر إلا رده، فسقط عن راحلته في الطريق، فمات في سنة ستة عشر.
3 - المغيرة بن شعبة
(1)
رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على البصرة بعد وفاة عتبة بن غزوان رضي الله عنه وكانت مدة ولايته سنتين من السنة الخامسة عشرة إلى السنة السابعة عشرة، وكانت له عدة فتوح في بلاد العراق وفارس، ومنها فتح مدينة ميسان
(2)
، ثم عزله عمر رضي الله عنه بعد اتهامه بالزنى
(3)
.
4 - عبد الرحمن بن سهل بن يزيد بن كعب الأنصاري
(4)
رضي الله عنه:
قال ابن الأثير نقلاً عن أبي نعيم: ولاه عمر البصرة بعد موت عتبة ابن غزوان، ولم أقف على من ذكر ولايته على البصرة ممن ترجم له غير
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 83.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 623.
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 129 من غير إسناد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 238، 239 من رواية هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وهما ضعيفان، الطبري/ التاريخ 2/ 457، 456، 492، 493، الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 1/ 191 من غير إسناد. ابن حجر/ الإصابة 3/ 352 من غير إسناد.
(3)
تقدم ذكر ذلك في ص: 641، 642، وسيأتي إن شاء الله تعالى في ص: 715 أن عمر رضي الله عنه ولاّه الكوفة بعد عزله عن البصرة.
(4)
صحابي جليل شهد أحداً والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم. ابن الأثير/ أسد الغابة 3/ 299.
ما نقله ابن الأثير
(1)
.
5 - أبو موسى الأشعري رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه بعد عزله المغيرة بن شعبة عن البصرة في السنة السابعة عشرة واستمر والياً عليها حتى قتل عمر رضي الله عنه، وكانت له عدة فتوح ببلاد فارس ومنها فتح الأهواز
(2)
ثم أصبهان
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب مع أبي موسى حين ولاه كتاباً للمغيرة وفيه أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم، فبعثت أبا موسى أميراً، فسلم إليه ما في يدك والعجل، وكتب إلى أهل البصرة: أما بعد فإني قد بعثت أبا موسى أميراً عليكم، ليأخذ لضعيفكم من قويكم، وليقاتل بكم عدوكم، ويدفع عن ذمتكم وليحصي لكم فيئكم ثم يقسمه بينكم، ولينقي لكم طرقكم
(4)
.
(1)
المصدر السابق.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 658.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: 611.
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154، الطبري/ التاريخ 2/ 506، 510، 511، 517، 534، 550، 587. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 103، 104.
ابن الأثير/ أسد الغابة 3/ 245، 246. ابن حجر/ الإصابة 2/ 359 من غير أسانيد.
(4)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 93 من طريق سيف بن عمر.
وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى الخليفة من بعده ألا يقر أميراً من أمرائه أكثر من سنة إلا أبا موسى الأشعري
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه نزع أبا موسى عن البصرة وولاها عمر بن سراقة
(2)
، وولى أبا موسى الكوفة ثم أعاد أبا موسى على البصرة وصرف عمر بن سراقة إلى الكوفة
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه ولي أبا موسى الأشعري رضي الله عنه الكوفة بعد عزله عمار بن ياسر رضي الله عنه في سنة اثنتين وعشرين، وأنه رضي الله عنه مكث على ولاية الكوفة سنة واحدة ثم عزله بعد أن شكاه أهل الكوفة
(4)
. ولعل ما روي من نزع أبي موسى
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 359، 4/ 109. ابن عبد البر/ التمهيد 14/ 309 وفي إسناده عند ابن سعد مجالد بن سعيد ليس بالقوي، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وهو عند ابن عبد البر من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف.
(2)
لم أجد له ترجمة، ولعله عمرو بن سراقة العدوي، صحابي جليل شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 260، وذكره ابن حجر/ الإصابة 2/ 537 ولم يذكر تولية عمر رضي الله عنه له.
(3)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 499 من رواية سيف بن عمر.
(4)
الطبري/ التاريخ 2/ 544 من رواية سيف بن عمر.
عن البصرة وتولية عمر بن سراقة عليها كان لمدة قصيرة جداً وغير معتبرة ولذلك أهملها المؤرخون ثم أعاده عمر رضي الله عنه على البصرة كما ذكرت الرواية.
وأما الرواية التي فيها أنه ولى أبا موسى على الكوفة بعد نزع عمار عنها في سنة اثنتين وعشرين فإن الطبري قال: في قول بعضهم، وقد ذكرت ما قال الواقدي، والذي نقله الطبري عن الواقدي هو أن عمر رضي الله عنه ولى الكوفة بعد نزع عمار بن ياسر عنها المغيرة بن شعبة
(1)
. وهذا القول هو الذي اعتمده الطبري في ذكره لولاة الكوفة واعتمد أيضاً القول باستمرار ولاية أبي موسى على البصرة منذ ولاه إياها عمر حتى توفي عمر رضي الله عنه كما تقدم ذلك، وقد يوفق بين الروايتين بأن عمر رضي الله عنه لم يعزل أبا موسى عن البصرة بل ضم إليه الكوفة بعد عزل عمار عنها حتى عين والياً آخر عليها وهو المغيرة بن شعبة، والله أعلم.
(1)
المصدر السابق 2/ 534.
9 - الكوفة:
1 - المثنى بن حارثة الشيباني
(1)
رضي الله عنه:
ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً على الكوفة من قبل عمر رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة من الهجرة
(2)
، والكوفة إنما مصرت في السنة السابعة عشرة على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ومراد الطبري رحمه الله أنه كان والياً على موضع الكوفة وما جاوره من المناطق والمواضع التي كانت جيوش المسلمين ترابط بها، والتي كانت تحت قيادته رضي الله عنه، حيث قاد رضي الله عنه المسلمين في موقعة البويب
(3)
التي قتل فيها قائد الفرس مهران واحتز رأسه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
(1)
المثنى بن حارثة الشيباني كان إسلامه وقدومه في وفد قومه على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وقيل سنة عشر، وكان شجاعاً شهماً بطلاً، أبلى في حروب في العراق بلاءً لم يبلغه أحد. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 19.
(2)
الطبري/ التاريخ 2/ 380 من غير إسناد.
(3)
كانت موقعة البويب في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة من الهجرة. حسين مؤنس/الأطلس التاريخي ص 128، والبويب نهر كان بالعراق موضع الكوفة، يأخذ من الفرات. ياقوت/ معجم البلدان 1/ 512.
2 - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الكوفة في السنة الرابعة عشرة بعد عزل المثنى بن حارثة رضي الله عنه عن قيادة جيوش المسلمين وأمر عمر له بالانضمام تحت لواء سعد بن أبي وقاص الذي ولاه قيادة جيش المسلمين في موقعة القادسية
(1)
، ولكن المثنى رضي الله عنه توفي قبل أن يصل إليه سعد متأثراً بجراحه التي أصيب بها في موقعة الجسر
(2)
.
وجهود سعد رضي الله عنه في فتوح العراق وبلاؤه فيها أشهر من أن يكتب عنها، فهو قائد الموقعة العظيمة الفاصلة موقعة القادسية، والتي هزم فيها الفرس شر هزيمة، وهو قائد موقعة المدائن
(3)
التي دخل فيها المسلمون المدائن واستولوا على إيوان كسرى وعرشه، وقائد موقعة
(1)
تقدم التعريف بها في ص: 670.
(2)
كانت موقعة الجسر في آخر شهر رمضان وأول شوال سنة ثلاث عشرة من الهجرة في مكان يعرف بقس الناطف على نهر الفرات، قتل فيها قائد المسلمين أبو عبيد الثقفي رضي الله عنه وعدد كبير من المسلمين. انظر: خليفة بن خياط/ التاريخ ص 124، 125.
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 129، البلاذري/ فتوح البلدان ص 255، 256، من غير سند، الطبري/ التاريخ 2/ 376، 384 من رواية سيف ابن عمر.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: 443.
جلولاء
(1)
وغيرها من المواقع.
وهو الذي مصر مدينة الكوفة، وأنشأها، وكان ذلك في شهر محرم من السنة السابعة عشرة للهجرة.
وسبب بنائها ما ذكره الطبري رحمه الله أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالمدائن: أنبئني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟
فكتب إليه: إن العرب خدَدَهم
(2)
، وكفى
(3)
ألوانهم وخومة المدائن ودجلة. فكتب إليه عمر رضي الله عنه: إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان فابعث سلمان
(4)
رائداً، وحذيفة
(5)
- وكانا
(1)
جلولاء: بلدة في العراق جنوبي خانقين على شاطئ دجلة الأيمن، محطة هامة في خراسان بين العراق وإيران، عندها انتصر المسلمون على يزدجرد قائد الفرس الساسانيين، المنجد/ الأعلام ص 203 بتصرف.
وكانت موقعتي المدائن وجلولاء في السنة السادسة عشرة، الطبري/ التاريخ 2/ 381، 464، 468.
(2)
خَدَدّ لحمه تَخَدّد: هزل ونقص. ابن منظور/ لسان العرب 4/ 34.
(3)
يقال رأيته مكتفي اللون ومتكفف اللون أي متغير اللون. المصدر السابق 12/ 116.
(4)
هو سلمان الفارسي رضي الله عنه.
(5)
هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
رائدي الجيش - فليرتادا منزلاً برياً بحرياً، ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، فخرج سلمان حتى أتى الأنبار
(1)
فسار غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة وهي على حصباء، فنزلها فصليا، وقال كل واحد منهما: اللهم رب السماء وما أظلت، ورب الأرض وما أقلت، والريح وما ذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما جرت والشياطين وما أضلت، بارك لنا في هذه الكوفة، واجعلها منزل ثبات.
وكتبا إلى سعد بالخبر
(2)
.
ثم شرع سعد رضي الله عنه في بناء الكوفة، وبعث إلى أبي الهياج
(3)
، فأخبره بكتاب عمر رضي الله عنه في الطرق، وكان أول ما بنى فيها المسجد في وسط المدينة، وبقربه دار الإمارة، وحوله البنيان بعيداً عنه، حيث أمر برام شديد النزع فرمى حول المسجد بسهمه، وأمر من
(1)
الأَنبار: محافظة غرب العراق على الحدود السورية الأردنية، قاعدتها الرمادي، أقضيتها الرمادي، القائم، عَنَه، حديثه، هيت، الفلوجة، الرطبة. المنجد/ الأعلام ص 72، 73.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 6/ 12 مختصراً من غير إسناد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 274، 275، من رواية معمر بن المثنى عن أشياخه، الطبري/ التاريخ 2/ 477، 478، من رواية سيف. ابن الجوزي/ المنتظم 4/ 222 من رواية سيف أيضاً.
(3)
أبو الهياج حيان بن حصين الأسدي. ثقة من الثالثة. تق 184.
أراد البناء أن يبني خلف السهم، وأنزل القبائل العربية في الكوفة
(1)
.
وجاء من طريق صحيح أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أراد أن ينزل المسلمين المدائن فاجتووها وكرهوها، فبلغ عمر رضي الله عنه أن الناس كرهوها، فسأل: هل تصلح بها الإبل؟ قالوا: لا، لأن بها البعوض، فقال عمر: فإن العرب لا تصلح بأرض لا تصلح بها الإبل، فارجعوا، فلقي سعد بن أبي وقاص عباداً
(2)
، فقال: أنا أدلكم على أرض ارتفعت من البقعة
(3)
، وتطأطأت من السبخة
(4)
، وتسوطت الريف
(5)
، وطعنت في أنف التربة، أرض بين الحيرة
(6)
(1)
رواه البلاذري/ فتوح البلدان ص 274، 275، من رواية معمر بن المثنى عن أشياخه. الطبري/ التاريخ 2/ 479، 280 من رواية سيف.
(2)
العِباد: قوم من قبائل شتى من بطون العرب، اجتمعوا على النّصرانية، فأنفوا أن يتسموا بالعبيد، نزلوا الحيرة. ابن منظور/ لسان العرب 9/ 11.
(3)
البقاع: مواضع يستنقع فيها الماء. ابن منظور/ لسان العرب 1/ 462، ولعل المراد بعدها عن المستنقعات.
(4)
السَّبَخُ: المكان يسبخ، فينبت فيه الملح، وتسوخ فيه الأقدام، والسَبَخة هي الأرض تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. المصدر السابق 6/ 148.
(5)
الرّيفُ: ما قارب الماء من أرض العرب. المصدر السابق 5/ 392.
(6)
الحِيرة: أطلال قاعدة الملوك اللخميين بين النجف والكوفة في العراق المنجد/ الأعلام ص: 227.
والفرات
(1)
.
واستمرت ولاية سعد رضي الله عنه على الكوفة حتى سنة عشرين من الهجرة
(2)
. ثم عزله عمر رضي الله عنه لشكاية أهل الكوفة له أنه لا يحسن يصلي بهم ودعاه عمر رضي الله عنه إلى المدينة، فقدم سعد رضي الله عنه، فذكر له عمر رضي الله عنه له ما عابوا عليه من أمر الصلاة، فقال رضي الله عنه: إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها، إني لأركد بهم في الأوليين، وأحذف في الأخريين، فقال عمر رضي الله عنه: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل عمر رضي الله عنه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة وبعث معهم سعداً، فسألوا أهل الكوفة عن سعد، ولم يدعوا مسجداً إلا سألوا عنه، ويثنون معروفاً، حتى دخلوا مسجداً لبني عبس
(3)
، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا
(1)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 551، 552، خليفة بن خياط/ التاريخ 1/ 138، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا عفان، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا حصين عن أبي وائل، قال: جاء سعد
…
الأثر. وفيه عند خليفة إبهام بشيخه وبقية رجاله ثقات وفي آخر متنه عنده: فدلنا على الكوفة.
(2)
الطبري/ التاريخ 2/ 442، 457، 476، 506، 510، 511، 516 من غير إسناد.
(3)
هم بنو عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان من قيس عيلان كانت منازلهم بنجد، وتنسب إلى عبس هؤلاء محلة بالكوفة فيها مسجد عمر، عمر رضا كحالة/ معجم قبائل العرب 2/ 738.
سعدة، فقال: أما إذا نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسَّرِيَّة
(1)
، ولا يقسم بالسويّة ولا يعدل في القضية، فقال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبد ك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، فكان الرجل بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك أحد رواة الأثر: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن
(2)
.
وروي أن أهل الكوفة شكوا سعداً لعمر بأنه اتخذ باباً على قصره يحتجب به عن الناس وعن حاجاتهم، فبعث عمر رضي الله عنه محمد بن مسلمة
(3)
إلى الكوفة وأمره بإحراق باب سعد بن أبي وقاص، فأحرقه
(4)
.
(1)
هي القطعة من الجيش. ابن حجر/ فتح الباري 2/ 239.
(2)
صحيح تقدم في ص: 637.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 660.
(4)
رواه ابن المبارك/ الزهد ص 179181. ابن سعد/ الطبقات 5/ 62، إسحاق ابن راهويه/ المسند/ المطالب العالية لابن حجر ل 443/أ، أحمد/ المسند 1/ 54، البلاذري/ فتوح البلدان ص 277، الطبري/ التاريخ 2/ 480، 481، الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 144، القضاعي/ مسند الشهاب ص 67، 68 ورجال إسناده عند ابن المبارك ثقات ولكنه منقطع من رواية عباية بن رافع بن خديج عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ورواه سائر من رواه من طريق عباية سوى ابن سعد فقد رواه من طريق الواقدي، والبلاذري من رواية الكلبي عن أبي مخنف، فالأثر ضعيف.
وعلى الرغم من عزل عمر رضي الله عنه لسعد عن ولاية الكوفة، إلا أنه بين أنه لم يعزله بسبب تقصيره في أداء واجبه أو عجزه عن أداء مهمته أو خيانته. قال رضي الله عنه عن سعد رضي الله عنه: إني لم أعزله عن عجز ولا خيانة
(1)
.
ولكنه رضي الله عنه فعل ذلك قطعاً لدابر الفتنة التي قد يثيرها المرجفون ومن معهم من الغوغاء، فكان فعله ذلك رضي الله عنه إخراساً لألسنتهم وقطعاً لحجتهم، ولذا جاء عنه رضي الله عنه أنه قال لأهل الكوفة: لأبدلنكم حتى ترضون، أي بالأمير الذي يتولى أمركم
(2)
.
3 - عبد الله بن عبد الله بن عتبان رضي الله عنه
(3)
.
(1)
صحيح تقدم في ص: 635.
(2)
رواه الخلال/ السنة ص 317، ورجال إسناده ثقات سوى أسامة بن زيد الليثي فهو صدوق، وفي إسناده حميد بن عبد الرحمن بن عوف اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه، قال العلائي: نعم روى عن عمر، وكأنه مرسل، جامع التحصيل ص 168، ولو ثبت سماعه كان الأثر حسناً.
(3)
عبد الله بن عبد الله بن عتبان الأنصاري، كان من أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم، وهو الذي كتب الصلح بين المسلمين وبين أهل جي. ابن الأثير/ أسد الغابة 3/ 199.
4 - زياد بن حنظلة رضي الله عنه
(1)
:
قال الطبري رحمه الله تعالى نقلاً عن سيف بن عمر: وكان بين عمل سعد بن أبي وقاص، وبين عمل عمار بن ياسر أميران، أحدهما عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وفي زمانه كانت وقعة نهاوند، وزياد بن حنظلة حليف بني عدي بن قصي، وفي زمانه أمر بالانسياح وعزل عبد الله ابن عبد الله، وبعثه في وجه آخر من الوجوه، وولى زياد بن حنظلة، وكان من المهاجرين، فعمل قليلاً، وألح في الاستعفاء فأعفي، وولى عماراً
(2)
.
ولم تذكر مدة ولايتيهما ولعلها كانت قصيرة ولمدة عدد من الأشهر فقط.
5 - عمار بن ياسر رضي الله عنه:
ولاه عمر الكوفة في سنة إحدى وعشرين بعد عزله سعد بن أبي وقاص في سنة عشرين من الهجرة
(3)
.
ولما ولى عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه، بعث
(1)
زياد بن حنظلة التميمي حليف بني عدي له صحبة، وهو الذي بعثه النبيصلى الله عليه وسلم إلى قيس بن عاصم، والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على مسيلمة الكذاب. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 16.
(2)
التاريخ 2/ 530، 531، ونقله ابن حجر عن سيف في الردة. الإصابة 2/ 336.
(3)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 149، الطبري/ التاريخ 2/ 534.
معه عبد الله بن مسعود معلماً لأهل الكوفة، وكتب إليهم: أما بعد، فإني بعثت إليكم عمار أميراً وعبد الله معلماً ووزيراً، وهما من النجباء
(1)
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما واقتدوا بهما، وإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي
(2)
.
وكان من مهام عمار رضي الله عنه الصلاة بالناس، وقيادة الجيوش وعبد الله بن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف
(3)
على مساحة الأرض، وكان عطاؤهم كل يوم شاة، شطرها لعمار لأنه الأمير، وشطرها الباقي لابن مسعود وابن حنيف
(4)
.
(1)
النجيب من الرجال: الكريم الحسيب. ابن منظور/ لسان العرب 4/ 41.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 2/ 344، 6/ 7، 8، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 384، أحمد/ المسند 1/ 459، فضائل الصحابة 2/ 842، ابن أبي خيثمة/ التاريخ ص: 155، الطبراني/ المعجم الكبير 9/ 85، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، قال: قرئ علينا كتاب عمر
…
الأثر.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 644.
(4)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 10/ 333، أبو عبيد/ الأموال ص 73، 74. ابن سعد/ الطبقات 6/ 8، أحمد/ فضائل الصحابة 2/ 842، ابن زنجويه/ الأموال 1/ 209، ابن كثير/ مسند الفاروق 2/ 486 ومداره عند عبد الرزاق وأبي عبيد وابن زنجويه على قتادة بن دعامة مدلس ولم يصرح بالسماع وهو منقطع من رواية أبي مجلز لاحق بن حميد عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ورجاله عند عبد الرزاق ثقات، وسنده عند أحمد رجاله ثقات وفيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وليس فيه ذكر لجعل عمار على الصلاة والقتال ولكن هذه كانت من المهام التي يكلف بها الأمير كما مر ذلك في ذكر الأمراء السابقين. كما صرحت بذلك بقية مصادر الأثر.
ونقله ابن كثير عن حنبل بن إسحاق بسند متصل ورجاله ثقات سوى عامر ابن شقيق، فقد ضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ليس به بأس. ميزان الاعتدال 2/ 359، وقال ابن حجر: قواه البخاري والنسائي وابن حبان، وحكم البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل بأن حديثه حسن. النكت 1/ 421، 422، فالأثر حسن إن شاء الله. وقال ابن كثير رحمه الله: هذا إسناد صحيح.
واستمر عمار رضي الله عنه عاملاً لعمر رضي الله عنه على الكوفة لمدة سنة واحدة وبعض السنة، ثم عزله عمر رضي الله عنه في سنة اثنين وعشرين
(1)
.
وكان سبب عزل عمر رضي الله عنه له، شهادة جرير بن عبد الله رضي الله عنه بضعفه في سياسة الرعية، وذلك حينما سأل عنه عمر رضي الله عنه
(2)
.
(1)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 152، الطبري/ التاريخ 2/ 544.
(2)
صحيح تقدم الكلام عليه في ص: 627.
وفي رواية عند الطبري أن عمر رضي الله عنه قال لعمار رضي الله عنه حين عزله: أساءك حين عزلتك؟ فقال: والله ما فرحت به حين بعثتني، ولقد ساءني حين عزلتني، فقال عمر: لقد علمت ما أنت بصاحب عمل، ولكني تأولت قوله تعالى:{ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الورثين} ، وهي رواية ضعيف من طريق شعيب عن سيف بن عمر.
6 - المغيرة بن شعبة
(1)
رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الكوفة بعد عزله عمار بن ياسر رضي الله عنه
(2)
.
ولعل ذلك كان في بداية السنة الثانية والعشرين فقد ذكر المؤرخون أن ولايته استمرت نحواً من سنتين، وكان والياً على الكوفة حين قتل عمر رضي الله عنه
(3)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 83.
(2)
ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 203، 550، البلاذري/ فتوح البلدان ص 278، 279، الطبري/ التاريخ 2/ 534، 545، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا إسماعيل أخبرنا قيس، قال: قال عمر: ألا تخبروني
…
الأثر.
(3)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 278، 279 من رواية مجالد عن الشعبي، الطبري/ التاريخ 2/ 550، 587 من غير إسناد.
وقد تقدم ما رواه الطبري من أن عمر رضي الله عنه ولى الكوفة بعد نزعه عمار بن ياسر وقبل تولية المغيرة بن شعبة أبا موسى الأشعري، وتقدم الكلام على ذلك في ص:702.
وذكر خليفة بن خياط رحمه الله أن عمر رضي الله عنه ولي الكوفة بعد عزله عمار سعد بن أبي وقاص مرة أخرى، ثم عزله وولاها جبير بن مطعم، ثم عزله قبل أن يسير إليها وولاها المغيرة بن شعبة، التاريخ ص 154، 155 من غير إسناد.
وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى المغيرة لما بعثه على الكوفة فقال: ليأمنك الأبرار، وليخافك الفجار
(1)
.
وكان للمغيرة رضي الله عنه حين ولاه عمر رضي الله عنه عدة فتوح ببلاد فارس منها فتح مدينتي همذان
(2)
وأذربيجان
(3)
في قول بعض المؤرخين
(4)
.
(1)
الطبري/ التاريخ 2/ 545 من رواية سيف.
(2)
هَمَذان: مدينة إيرانية جنوب غربي طهران. المنجد/ الأعلام ص 597.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: 612.
(4)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 151 من طريق ابن إسحاق، على قول البعض وفي قول أن همذان من فتوح حذيفة بن اليمان أو جرير بن عبد الله وكذا أذربيجان قيل افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري، وقيل عتبة بن فرقد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 322 من رواية الواقدي.
10 - الموصل:
1 - عتبة بن فرقد السلمي
(1)
رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الموصل
(2)
بعد فتحه لها بعد أن فتح نينوى
(3)
وصالحه أهلها على الجزية في سنة عشرين من الهجرة
(4)
.
2 - عرفجة بن هرثمة البارقي
(5)
رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الموصل بعد عزله عتبة بن فرقد
(6)
، وقام عرفجة بخط الموصل وتمصيرها وأسكنها العرب
(7)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 262.
(2)
المُوصل: مدينة في شمال العراق على دجلة، قاعدة محافظة نينوى. المنجد/ الأعلام ص 556.
(3)
نِينَوى: محافظة في العراق قاعدتها الموصل لها ثمانية أقضية، الموصل، سنجار، تلعفر، القوش، تلكيف، الحمدانية، الشرقاط، البعاج، عين سفني. المصدر السابق ص 585.
(4)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 327 من غير إسناد.
(5)
عَرْفَجة بن هرثمة بن عبد العزى البارقي، أحد الأمراء في الفتوح، وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة. ابن حجر/ الإصابة 2/ 474.
(6)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 327، من طريق أبي موسى الهروي عن أبي الفضل الأنصاري عن أبي المحارب ولم أجد لهم تراجم.
(7)
المصدر السابق من رواية العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده وكلهم ضعفاء.
11 - مَيْسان:
1 - النعمان بن عدي بن نضلة
(1)
رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على ميسان
(2)
، فتغنى بأبيات فيها مدح للخمر وهي:
من ملبغ الحسناء أن خليلها
…
بميسان يسقي في زجاج وحنتم
(3)
إذا شئت غنتني دهاقين قرية
…
وصناجة
(4)
تجذو
(5)
على كلّ منسم
(6)
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
…
تنادمنا
(7)
بالجوسق
(8)
المتهدم
فبلغ ذلك عمر فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم {حم تَنزِيلُ
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 623.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 623.
(3)
الحَنْتَم: جرار خضر تضرب إلى الحمرة. ابن منظور/ لسان العرب 3/ 353.
(4)
الصَّنْجُ الذي تعرفه العرب هو الذي يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر، وقيل: الصنج ذو الأوتار الذي يلعب به. ابن منظور/ لسان العرب 7/ 418. وفي رواية ابن إسحاق ورقاصة تجذو.
(5)
جذا: ثبت قائماً، وقال الجوهري: الحاذي المقعي، فتنصب القدمين وهو على أطراف أصابعه. المصدر السابق 2/ 225.
(6)
المَنْسِم: طرف خف البعير والنعامة والفيل، وقد تطلق على مفاصل الإنسان إتساعاً. المصدر 14/ 129.
(7)
النَّديم: الشريب الذي ينادمه، وهو ندمانه أيضاً، ونادمني فلان على الشراب فهو نديمي. المصدر المصدر السابق 14/ 94.
(8)
الجَوْسَق: القصر. المصدر السابق 2/ 284.
الْكِتَبِ مِن اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}
(1)
.
أما بعد، فقد بلغني قولك: لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا في الجوسق المتهدم
وأيم الله لقد ساءني ذلك. وعزله، فلما قدم عليه المدينة، سأله فقال: والله ما كان من هذا شيء، وما كان إلا فضل شعر وجدته، وما شربتها قط.
فقال عمر: أظن ذلك، ولكن لا تعمل لي على عملاً أبداً
(2)
.
2 - حصين بن الحر بن مالك العنبري
(3)
رضي الله عنه:
كان عاملاً لعمر رضي الله عنه على ميسان
(4)
، ولم تذكر متى كانت ولايته.
(1)
سورة غافر الآيتان 201.
(2)
تقدم الكلام عليه في ص: 623.
(3)
قال ابن حجر: كان من عمال خالد بن الوليد رضي الله عنه على بعض نواحي الحيرة زمن الفتوح في خلافة أبي بكر، وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة 1/ 336.
(4)
ابن سعد/ الطبقات 7/ 125، وقال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال
…
وذكر ولاية حصين. وعمرو بن عاصم صدوق من صغار التاسعة.
12 - المدائن
(1)
.
1 - سلمان الفارسي رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن
(2)
، ولم تذكر السنة التي ولي فيها، وكم كانت مدة ولايته عليها.
ولا شك أن ولايته لم تستمر إلى آخر خلافة عمر رضي الله عنه، فقد استعمل عمر رضي الله عنه بعده ولاة آخرين سيأتي ذكرهم إن شاء الله.
وكان لسلمان رضي الله عنه دور كبير في فتح المدائن، فقد كان رائد الجيش، وداعية الفرس
(3)
.
وروي أن سلمان رضي الله
(1)
المدائن تقدم التعريف بها في ص: 443.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 4/ 88 من طريقين الأولى من طريق مسلم بن إبراهيم حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا ثابت بن أسلم البناني، وهذا السند رجاله ثقات، ورواية ثابت عن عمر رضي الله عنه منقطعة فهو ثقة من الرابعة، والثانية رجالها ثقات ولكنها منقطعة أيضاً من رواية عبادة بن نسي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
وقال ابن حجر في ترجمة سلمان رضي الله عنه: وشهد بنفسه المشاهد وفتوح العراق، وولي المدائن، الإصابة 2/ 62.
(3)
الطبري/التاريخ 2/ 463.
عنه كان يطلب من عمر رضي الله عنه أن يعفيه من الإمارة، فيأبى
(1)
، ولعل عمر رضي الله عنه أعفاه بعد ذلك، فقد ولي المدائن بعده ولاة آخرون.
2 - السائب بن الأقرع الثقفي
(2)
:
استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن
(3)
ولم أقف على مدة
(1)
أورده الذهبي/ سير أعلام النبلاء 1/ 547، تاريخ الإسلام/ الخلفاء الراشدون ص: 518، 519 عن شعبة عن سماك بن حرب عن عمه ورجاله ثقات وعم سماك بن حرب الراوي عن عمر رضي الله عنه لم أعرفه.
(2)
السائب بن الأقرع الثقفي كوفي شهد فتح نهاوند مع النعمان بن مقرن، وكان عمر بعثه بكتابه إلى النعمان بن مقرن ثم استعمله على المدائن، وقال البخاري: السائب بن الأقرع أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح برأسه. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 137.
(3)
رواه سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/ 186، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 555، وإسناده عند سعيد متصل ورجاله ثقات، وشيخ سعيد بن منصور في النسخة المطبوعة سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف من كبار التاسعة. تق 260، والذي رجحه الدكتور الأعظمي أنه سعيد بن عبد العزيز التنوخي، وهو ثقة وكذا قال ابن حجر رحمه الله، الإصابة 2/ 8، وإسناده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق سوى شيخ أبي إسحاق محمّد بن عبيد الله الشيباني راوي الخبر عن عمر رضي الله عنه لم أعرفه، وقال ابن حجر: أخرج ذلك ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، فالأثر صحيح.
ولايته ومتى كانت.
3 - حذيفة بن اليمان
(1)
رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن، واستمر والياً عليها حتى توفي بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه
(2)
.
وروي أن عمر لما استعمله كتب له عهداً للرعية وفيه: اسمعوا له وأطيعوا.
فقدم حذيفة المدائن على حمار، وفي يده عرق ورغيف يأكله، فاستقبله الناس، فقرأ عليهم كتاب عمر، فقالوا له: سلنا، فقال: أسألكم طعاماً آكله وعلف حماري هذا، فأقام عندهم ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر أن أقدم، فخرج فلما بلغ عمر قدومه، كمن له في مكان حيث يراه، فلما رآه على الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه عمر رضي الله عنه، فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك
(3)
.
كانت لحذيفة رضي الله عنه آثار عظيمة، ومواقع جليلة في
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 181.
(2)
الذهبي/ سير أعلام النبلاء 2/ 364. ابن حجر/ الإصابة 1/ 318.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 10/ 429، أحمد/ الزهد ص 226، هناد/ الزهد 2/ 415، الخلال/ السنة ص 112، ومداره على محمد بن سيرين رحمه الله، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقعطة وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات، فالأثر ضعيف، وقد أثنى العلماء على مراسيل محمد بن سيرين.
فتوح العراق، فقد كان أميراً على جيش المسلمين في نهاوند
(1)
بعد مقتل النعمان بن مقرن رضي الله عنه، وكان فتح همذان
(2)
والري
(3)
، والدينور
(4)
على يديه
(5)
.
(1)
تقدم التعريف بها في ص: 643.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 716.
(3)
الرّي: مدينة في شمال إيران بضاحية طهران، أطلال مدينة تاريخية قديمة. المصدر السابق ص 272.
(4)
الدِينَوَر: مدينة قديمة في الجبال بإيران، دخلها المسلمون، وازدهرت في أيامهم، خربها تيمور. المصدر السابق ص 255، بتصرف.
(5)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 147، 148، 150، 151، الذهبي/ سير أعلام النبلاء 2/ 364. ابن الأثير/ أسد الغابة 1/ 361. ابن حجر/ الإصابة 1/ 318.
13 - كسكر
(1)
.
وليها النعمان بن مقرن
(2)
رضي الله عنه، ولكنه اعتذر عن الولاية خوفاً من الافتتان بالدنيا، فكتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إن مثلي، ومثل كسكر كمثل رجل شاب عند مومسة تلون له وتعطر، وإني أنشدك بالله لما عزلتني عن كسكر، وبعثتني في جيش من جيوش المسلمين، فكتب إليه عمر: سر إلى الناس بنهاوند، فأنت عليهم، فسار إليهم، فالتقوا، فكان أول قتيل
(3)
.
ولم أقف على أسماء ولاة كسكر قبل النعمان أو بعده، ولعلها كانت تابعة لولاية البصرة، أو الكوفة أو المدائن لقربها منها.
14 - الأهواز
(4)
.
ليها في عهد عمر رضي الله عنه جزء بن معاوية التميمي
(5)
، وهو الذي أمد به عمر رضي الله عنه عتبة بن غزوان
(6)
واليه على
(1)
تقدم التعريف بها في ص: 643.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 642.
(3)
صحيح تقدم تخريجه في ص: 643.
(4)
تقدم التعريف بها في ص: 658.
(5)
تقدمت ترجمته في ص: 658.
(6)
تقدمت ترجمته في ص: 694.
البصرة عند قيامه بفتح الأهواز بقيادة حرقوص بن زهير السعدي
(1)
رضي الله عنه.
ولم تذكر مدة ولايته ومتى كانت، والظاهر أن ولايته على الأهواز كانت من قبل ولاة عمر رضي الله عنه على البصرة وذلك لقرب منطقة الأهواز من البصرة، وولاة البصرة هم الذين أوكل إليهم عمر رضي الله عنه قيادة جيوش المسلمين في منطقة الأهواز وما والاها.
15 - أصبهان
(2)
.
السائب بن الأقرع
(3)
: ولاه عمر رضي الله عنه أصبهان بعد أن فتحها عبد الله بن عتبان
(4)
، فأمره عمر رضي الله عنه بالتوجه إلى كرمان
(5)
، وأن يستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع، وذلك في سنة إحدى وعشرين من الهجرة
(6)
.
(1)
حرقوص بن زهير السعدي، قال ابن حجر رحمه الله: ذكر الطبري أن عتبة ابن غزوان كتب إلى عمر يستمده، فأمده بحرقوص بن زهير، وكانت له صحبه. الإصابة 1/ 320.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 611.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 269.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: 711.
(5)
كرمان: مدينة في إيران، قاعدة إقليم. المنجد/ الأعلام ص:461.
(6)
الطبري/ التاريخ 2/ 531، 532، ابن كثير/ البداية والنهاية 7/ 114، وتقدم في ذكر ولاة المدائن أن عمر رضي الله عنه ولاه المدائن فلعل ذلك كان قبل فتح أصبهان حيث إن فتحها كان متأخراً بعدة سنوات عن فتح المدائن.
16 - أذربيجان
(1)
.
1 - حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه أذربيجان بعد فتحها سنة اثنتين وعشرين
(2)
.
ولم أقف على مدة ولايته على أذربيجان.
وتقدم أن حذيفة كان والياً على المدائن حتى وفاة عمر رضي الله عنه
(3)
فلعله وليها بعد عزله عن أذربيجان أو أنه كان والياً أو أميراً على جيش من جيوش المسلمين التي فتحت أذربيجان حيث أنه ذكر فيمن تولى فتح أذربيجان
(4)
.
ولعل عمر رضي الله عنه ولاه أذربيجان مدة يسيرة إضافة لولايته المدائن ثم أسند ولاية أذربيجان لعتبة بن فرقد الذي كان من قادة
(1)
تقدم التعريف بها في ص: 612.
(2)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 321، 322، وفي إسناده مبهمون.
(3)
انظر: ص: 722.
(4)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 151، قال: وقال أبو عبيدة: افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري بأهل الشام عنوة، ومعهم أهل الكوفة وحذيفة بعد قتال شديد، قال: ويقال: فتحها عتبة بن فرقد.
وقال الطبري رحمه الله: إن الذي فتح أذربيجان عتبة بن فرقد، وبكير بن عبد الله، وأن عمر رضي الله عنه جمع أذربيجان لعتبة، التاريخ 2/ 539.
المسلمين في فتح أذربيجان ورد حذيفة لعمله على المدائن. والله أعلم.
2 - عتبة بن فرقد السلمي
(1)
رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه أذربيجان بعد عزله حذيفة رضي الله عنه
(2)
ولم أقف على تاريخ ولايته لأذربيجان وكم كانت.
له قصة مع عمر رضي الله عنه تدل على ولايته لأذربيجان، قال أبو عثمان النهدي
(3)
رحمه الله: كنت مع عتبة حين افتتح أذربيجان فصنع صفطين
(4)
فيهما خبيص، وألبسهما الجلود واللبود
(5)
، ثم بعث بهما إلى عمر مع سحيم مولاه، فلما قدم على عمر قال: ما الذي جئت به، أذهب أم ورق؟ وأمر به فكشف عنه، فذاق الخبيص، فقال: إن هذا لطيب لين، أفكل المهاجرين أكل منه شبعه؟ قال: لا، إنما هو شيء خصك به، فكتب إليه عمر: أما بعد، فليس من كدك ولا كد أمك ولا
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 262.
(2)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 322، ورجال إسناده ثقات سوى علي بن مجاهد فهو متروك. تق 404.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 178.
(4)
لعل الصفط شيء كالإناء أو الزنبيل يوضع في الطعام، وفي رواية ابن أبي شيبة بسلال خبيص عظيمة.
(5)
اللبود: ألبدت القربة، جعلتها في لبيد أي جوالق، والجوالق: وعاء من الأوعية. ابن منظور/ لسان العرب 2/ 333، 12/ 223.
كد أبيك، لا تأكل إلا ما شبع المسلمون منه في رحالهم
(1)
.
ممم
ثانياً: بلاد الشام.
1 - أبو عبيدة عامر بن الجراح:
كان خالد بن الوليد رضي الله عنه أميراً على جيوش المسلمين التي بعثها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في بداية السنة الثالثة عشرة لقتال الروم وهي: جيش يزيد بن أبي سفيان
(2)
ووجهته دمشق، وشرحبيل بن حسنة
(3)
ووجهته الأردن، وأبو عبيدة بن الجراح ووجهته حمص، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد أمره بالقدوم من العراق، فقدم خالد من العراق بتسعة آلاف مقاتل
(4)
وأمره على أجناد المسلمين المرابطة ببلاد الشام
(5)
، والتي تقدم ذكرها وفتح
(1)
صحيح تقدم تخريجه في ص: 664، 665.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 622.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: 627.
(4)
الطبري/ التاريخ 2/ 334، 335، من رواية سيف بن عمر.
(5)
الأزدي/ تاريخ فتوح الشام ص 85، 86، والذي ذكره الطبري من رواية سيف أن أمراء الأجناد هم الذين أمروا خالداً عليهم في موقعة اليرموك بعد أن خطب فيهم وحدثهم على توحيد صفوفهم وتأمير أحدهم وذلك في السنة الثالثة عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، والذي عليه كثير من المؤرخين أن موقعة اليرموك كانت في السنة الخامسة عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وأن أمير الأجناد فيها كان أبو عبيدة، ذهب إلى ذلك ابن إسحاق، نقل ذلك عنه ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 4، والأزدي في فتوح الشام، وقال: كانت في خلافة عمر بعد موقعة فحل ودمشق، وفتح حمص، وقبل فتح بيت المقدس ص: 217، وحدد خليفة بن خياط تاريخ وقوعها في السنة الخامسة عشرة ص: 130، وذهب إلى ذلك الإمام الذهبي رحمه الله في تاريخ الإسلام ص 139، وقال: وقيل سنة ثلاث عشرة وأراه وهماً، وقال ابن عساكر رحمه الله بعد أن ذكر من قال بأن وقعة اليرموك كانت سنة خمس عشرة: وهذه الأقوال هي المحفوظة في تاريخ اليرموك. تاريخ دمشق 2/ 142.
ولا مانع أن يكون أبا بكر ولى خالد بن الوليد رضي الله عنهما إمرة الأجناد ببلاد الشام وقيادتها ولما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة عزله وولى أبا عبيدة، ثم فوض أبو عبيدة قيادة الجيوش في موقعة اليرموك والتي كانت في خلافة عمر رضي الله عنه لخالد بن الوليد ووافقه على ذلك بقية أمراء الأجناد وذلك لخبرة خالد رضي الله عنه وحنكته القتالية.
خالد رضي الله عنه وهو في طريقه لبلاد الشام قادماً من العراق مدناً هامة منها دومة الجندل
(1)
، وتدمر
(2)
، وبصرى
(3)
، وكانت أولى المواقع
(1)
دَوْمة الجندل: قرية في الجوف، يشرف عليها حصن مارد أكيدر الكندي، والجوف منطقة زراعية شمال تيماء على قرابة 450 كم. عاتق البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 127، 128.
(2)
تَدمر: مدينة في قلب الصحراء السورية، شرقي حمص، واشتهرت بعروس الصحراء. المنجد/ الأعلام ص 199.
(3)
بُصرى: مدينة سورية قديمة في محافظة حوران. المصدر السابق ص 129.
الفاصلة التي قادها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، موقعة أجنادين
(1)
في شهر جمادى الأولى من السنة الثالثة عشرة للهجرة، والتي هزم فيها الروم هزيمة منكرة، ثم توفي الصديق رضي الله عنه، وبعد أن تولى عمر رضي الله عنه الخلافة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة المسلمين ببلاد الشام وولى عليهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
(2)
.
وقد بين عمر رضي الله عنه سبب عزله لخالد رضي الله عنه وهو يخطب بالجابية
(3)
قال رضي الله عنه: وإني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس وذا الشرف فنزعته، وأمرت أبا عبيدة بن الجراح، فقام أبو عمرو
(1)
أَجنادَيْن: من الرملة، من كورة بيت جبرين، وهي بالتحديد بين بيت المقدس والساحل. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 18.
(2)
ذكر الأزدي أن عزل خالد رضي الله عنه كان بعد موقعة أجنادين وأثناء حصار المسلمين لمدينة دمشق، تاريخ فتوح الشام ص 94105، وذكر خليفة رحمه الله أنه كان بعد عقد الصلح مع أهل دمشق، التاريخ ص 119، والذهبي في تاريخ الإسلام ص 123، وابن عساكر/ تاريخ دمشق 2/ 134، 135، وقال البلاذري والطبري إن عزل خالد كان بعد موقعة أجنادين وقبل موقعة فحل وحصار دمشق، فتوح البلدان ص 118122، التاريخ 2/ 355، 356.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: 302.
ابن حفص بن المغيرة
(1)
، فقال: والله ما اعتذرت يا عمر بن الخطاب، لقد نزعت غلاماً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغمدت سيفاً سله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعت لواءً نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطعت الرحم، وحسدت ابن العم، فقال عمر بن الخطاب: إنك قريب القرابة، حديث السن، مغضب في ابن عمك
(2)
.
(1)
أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي القرشي زوج فاطمة بنت قيس الفهرية، خرج مع علي رضي الله عنه إلى اليمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 282.
(2)
صحيح، تقدم تخريجه في ص: 638 مختصراً، وفي لفظه عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 2/ 27: لما قدم عمر الجابية نزع خالد بن الوليد، وهذا وهم فإن في إسناده إسحاق بن راشد يروي عن الزهري، وفي روايته عنه بعض الوهم. وذلك لأن المؤرخين مجمعون على أن عمر رضي الله عنه نزع خالداً بعد تولية الخلافة بيسير، وعمر رضي الله عنه إنما قدم الجابية بعد السنة الخامسة عشرة للهجرة، ورواية الثقات فيها أن عمر رضي الله عنه لما قدم الجابية اعتذر من عزل خالد فقط.
وذكر بعض المؤرخين أن العزل الأوّل كان عن قيادة الجيوش عامة، وأمّا العزل الثاني فكان عن المشاركة في القتال مطلقاً وهو الذي كان عند ما قدم عمر الجابية. انظر: صادق إبراهيم عرجون/ خالد بن الوليد ص: 269.
وفي هذا الأثر دلالة على حسن خلق عمر رضي الله عنه وصبره وحلمه حيث رد رداً جميلاً على أبي عمرو الذي أغلظ له القول، وفيه دلالة على مكانة خالد بن الوليد رضي الله عنه العالية بين جند المسلمين وقادتهم حيث أن عمر رضي الله عنه اعتذر إليهم من عزله توضيحاً للحقيقة، وتطييباً لخاطرهم وجبراً لكسرهم.
وأما السبب الآخر لعزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد فهو خشيته رضي الله عنه من افتتان الناس به، وأن النصر على الأعداء مقترن به، فيقل اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه واستنزالهم نصره.
قال رضي الله عنه: لأنزعن خالد بن الوليد، والمثنى مثنى بني شيبان، حتى يعلما أن الله إنما كان ينصر عباده، وليس إياهما النصر
(1)
.
أما ما روي من أن سبب عزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد رضي الله عنه هو غضبه عليه بعد قتله مالك بن نويرة وزواجه من امرأته في أحد حروب الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فهو خبر
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 284، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 9، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 200، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 2/ 27، ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات سوى مبارك بن فضالة فهو صدوق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وقال أبو بكر المروزي عن أحمد: ما روى عن الحسن يحتج به، المزّي/ تهذيب الكمال 27/ 185، وهو هنا يروي عنه وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، والأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره إن شاء الله.
ضعيف سنداً ومتناً وقد تقدم الكلام عليه
(1)
.
وبعد تولية عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة رضي الله عنه روى أنه كتب إليه: أوصيك بتقوى الله الذي يبقي ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد فقم بأمرهم الذي يحق عليك، لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلاً قبل أن تستريده لهم، وتعلم كيف مأتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس، وإياك إلقاء المسلمين في التهلكة وقد أبلاك الله بي، وأبلاني بك، فغمض بصرك عن الدنيا، وألن قلبك عنها، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك، فقد رأيت مصارعهم
(2)
.
وقيل إن أبا عبيدة رضي الله عنه لم يخبر خالداً رضي الله عنه بعزل عمر إياه ومكث عهد عمر رضي الله عنه عنده شهرين
(3)
.
هذا غير مستبعد على أولئك السلف الصالح الذين كان هدفهم الأول مصلحة المسلمين والحرص على وحدة صفوفهم وكلمتهم فلعل أبا
(1)
انظر: ص: 532 - 535.
(2)
رواه الطبري/ التاريخ 2/ 355، 356، وفي إسناده عيسى بن يزيد مقبول من السابعة. تق 441، وفيه انقطاع من رواية صالح بن كيسان عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة، فالأثر ضعيف، وليس في متنه ما يستنكر.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 5/ 483، وهو منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
عبيدة كتم عزل عمر لخالد حرصاً على وحدة صفوف المسلمين، وقوة معنوياتهم وهم يواجهون العدو، وهذا دليل على تواضع أبي عبيدة وعدم حرصه على الزعامة والرئاسة، والله أعلم.
وظل خالد رضي الله عنه جندياً مخلصاً لدينه وربه ولولاة أمره تحت إمرة أبي عبيدة يقاتل في صفوفه الروم حتى لقي وجه ربه صابراً محتسباً في السنة الحادية والعشرين من الهجرة بمدينة حمص. ولما توفي رضي الله عنه اجتمع نسوة في داره بالمدينة يبكينه فمر بهم عمر رضي الله عنه، فقال معترفاً بفضل خالد بن الوليد رضي الله عنه وبمنزلته في الإسلام: وما عليهن أن يرقن من أعينهن على أبي سليمان
(1)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح تعليقاً 224، التاريخ الصغير 1/ 71، الحاكم/ المستدرك 3/ 297، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 204، البيهقي/ السنن الكبرى 4/ 71، صحيح عند البخاري في التاريخ.
قال: حدّثنا عمر بن حفص ثنا أبي ثنا الأعمش عن شقيق قال: قيل لعمر: إن نسوة بني المغيرة. وفي النسخة المطبوعة خطأ مطبعي في السند حيث إن فيه: "عن الأعش عن شقيق" والصواب: عن الأعمش، كما في بقية مصادر الأثر. وتكلم ابن حجر رحمه الله على طرقه في تغليق التعليق 2/ 466، 467.
وقد اختلف في مكان وفاة خالد رضي الله عنه، فقيل بحمص وعليه الأكثر، وقيل بالمدينة، ويدل عليه الأثر المتقدم كما قال ابن حجر. الإصابة 1/ 415، ولا مانع أن تكون وفاة خالد بحمص بلغت أهل المدينة، فاجتمع النسوة في بيته يبكينه.
واستمر أبو عبيدة رضي الله عنه والياً على بلاد الشام، وقاد فيها المعارك الفاصلة مع الروم في اليرموك، وفتح دمشق وموقعة فحل
(1)
، وفتح حمص، وبعلبك وحلب، وإنطاكية
(2)
، وفتح بيت المقدس، حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه بطاعون عمواس
(3)
في السنة الثامنة عشرة للهجرة
(4)
.
2 - معاذ بن جبل رضي الله عنه:
استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه قبل وفاته بالطاعون، ولم تطل مدة ولايته رضي الله عنه، فقد توفي في العام الذي ولي فيه بالطاعون
(5)
.
(1)
فِحل: أطلال مدينة بيلا إحدى المدن العشر القديمة في فلسطين، جنوب شرق بيسان. المنجد/ الأعلام ص 407.
(2)
أنطاكية: مدينة على العاصي قرب مصبه في المتوسط. المصدر السابق ص 76، 77.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: 233.
(4)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 125، 126، 127، 130، 134، 135، 138، البلاذري/ فتوح البلدان ص 122150، الطبري/ التاريخ 2/ 380، 442، 457، 476، 489.
(5)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 155. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 461، ابن الجوزي/ المنتظم 4/ 264، 265، وفي رواية عند الطبراني/ المعجم الكبير 20/ 77، أن عمر استعمل معاذاً على الشام، وكتب إليه أن أعط الناس أعطياتهم واغز بهم، وفي إسناده علي بن سعيد الرازي قال الدارقطني: لم يكن بذاك في حديثه، وحدث بأحاديث لم يتابع عليها، وتكلم فيه أصحابنا بمصر. الذهبي/ سير أعلام النبلاء 14/ 145، فالأثر ضعيف، ومعناه صحيح واستخلاف عمر معاذاً أي إقراره عليه بعد أن استخلفه أبو عبيدة.
3 - يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه
(1)
:
ولاه معاذ بن جبل رضي الله عنه الشام قبل وفاته بالطاعون، فأقره عمر رضي الله عنه، ثم ما لبث يزيد رضي الله عنه أن توفي بالطاعون
(2)
.
4 - معاوية بن أبي سفيان:
بعد موت يزيد بن أبي سفيان تولى إمرة بلاد الشام أخوه معاوية، وكان قد أوصى بها إليه، وأمره عليها قبل وفاته، فأقره عمر رضي الله عنه
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه نعى يزيداً لأبيه أبي سفيان حينما دخل عليه أبو سفيان، فقال عمر رضي الله عنه: آجرك الله في ابنك يا أبا سفيان، فقال: أي بني يا أمير المؤمنين؟ قال: يزيد بن أبي سفيان، قال: فمن بعثت على عمله؟ قال: معاوية، وقال عمر رضي الله عنه: إنه لا يحل لنا أن ننزع مصلحاً
(4)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 622.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 155، ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 136.
(3)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 155.
(4)
رواه ابن سعد/ الطبقات 7/ 405، 406، الرابعة 1/ 113، 114، 132، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 55، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/ 382، وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية سعيد بن عمرو الأموي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من صغار الثالثة. تق 239، وفي إسناده عند ابن أبي عاصم حفص بن عمر الدمشقي، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 3/ 171، وهو منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى معاوية لما ولاه فكتب إليه بكتاب يوصيه فيه بتقوى الله في عمله
(1)
.
واستمر معاوية والياً على الشام حتى وفاة عمر رضي الله عنه
(2)
.
هؤلاء هم الولاة الذين نقل أن عمر رضي الله عنه جمع لهم ولاية الشام، والذي أرجحه أن أبا عبيدة رضي الله عنه هو الذي جمع له عمر رضي الله عنه ولاية أجناد الشام فقط وأما من جاء بعده فكانوا ولاة على بعض مناطق الشام، فمعاذ بن جبل استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه قبل وفاته على دمشق فقط، وكذلك من جاء بعده كيزيد ومعاوية لأن المؤرخين ذكروا إنابة أبي عبيدة ولاة آخرين لمناطق أخرى في الشام
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات/ الرابعة 1/ 133، 134، من طريق الواقدي، وأبو بكر بن أبي سبرة وهو متهم بالوضع. تق 623.
(2)
ابن سعد/ الطبقات 7/ 406 من غير إسناد، الرابعة ص 133، عن الواقدي. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 470، 471 من غير إسناد. ابن حجر/ الإصابة 3/ 433، وقال ولاه عمر الشام بعد أخيه يزيد وأقره عثمان.
قبل وفاته، وأيضاً ذكروا أن عمر رضي الله عنه ولى بعض مناطق الشام ولاة أخرين، وكانت لهم فتوح في مناطقهم التي ولاهم عليها، وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: دمشق:
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:
قال الزهري
(1)
: إنما ولاه عمر عمل يزيد، ولم يفرد له الشام، حتى كان عثمان فأفرد له الشام
(2)
. وقال الواقدي: هذا الأمر المجتمع عليه عندنا ولا خلاف فيه
(3)
.
وقال الذهبي رحمه الله: والمحفوظ أن الذي أفرد معاوية بالشام عثمان
(4)
. ونقل ذلك ابن كثير رحمه الله
(5)
.
وهو الذي رجحه الطبري رحمه الله حيث ذكر ولاية معاوية رضي الله عنه على دمشق في السنة الثالثة والعشرين، وهي آخر سنة من
(1)
محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبد الله بن شهاب الزهري، متفق على جلالته وإتقانه من رؤوس الطبقة الرابعة. تق 506.
(2)
ابن سعد/ الطبقات/ الرابعة 1/ 132، 133.
(3)
المصدر السابق.
(4)
سير أعلام النبلاء 3/ 133، وانظر: تاريخ الإسلام/ الخلفاء الراشدون ص 180.
(5)
البداية والنهاية 8/ 127.
خلافة عمر رضي الله عنه
(1)
.
ونقل الطبري عن ابن إسحاق رحمه الله قوله: ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة رضي الله عنه، ويزيد بن أبي سفيان، أمر معاوية بن ابي سفيان على جند دمشق
(2)
.
واستمر معاوية رضي الله عنه والياً على دمشق حتى نهاية خلافة عمر رضي الله عنه.
حيث لم يذكر أن عمر رضي الله عنه ولى دمشق بعده أحداً غيره.
(1)
التاريخ 2/ 587.
(2)
التاريخ 2/ 489.
ثانياً: حمص والجزيرة
(1)
.
1 - عياض بن غنم
(2)
رضي الله عنه:
استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه على حمص قبل وفاته، فأقره عمر رضي الله عنه.
وكانت لعياض فتوح كثيره في هذه المنطقة بل لقد ذكر المؤرخون أن فتح منطقة الجزيرة جميعاً كان على يديه، ولم يزل والياً عليها حتى توفي سنة عشرين من الهجرة، وأن عمر رضي الله عنه رزقه كل يوم ديناراً وشاة ومداً
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه لما أتاه نعي أبي عبيدة رضي الله
(1)
الجزَيرة: هضبة صحرواية على الحدود السورية العراقية التركية ما بين النهرين دجلة والفرات، كانت في الجاهلية وصدر الإسلام تتألف من ديار ربيعة في الشرق، وديار مضر في الغرب وديار بكر في الشمال، المنجد/ الأعلام ص 201.
(2)
عياض بن غنم بن زهير بن أبي شداد القرشي الفهري، اختلف في تايخ إسلامه، فقيل كان ممن هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، وشهد المشاهد كلها، ومات بالمدينة، وقيل أسلم قبل الحديبية وشهدها وتوفي بالشام سنة عشرين. ابن حجر/ الإصابة 3/ 50.
(3)
ابن سعد/ الطبقات 7/ 398، عن الواقدي، البلاذري/ فتوح البلدان ص: 176، 177 عن عبد الله بن أبي زياد الرصافي، صدوق من السابعة. تق 371، الطبري/ التاريخ 2/ 618 من رواية سيف بن عمر.
عنه أكثر الاسترجاع والترحم عليه، وقال: لا يسد مسدك أحد،، وسأل: من استخلف على عمله؟ فقالوا: عياض بن غنم، فأقره، وكتب إليه، إني قد وليتك ما كان أبو عبيدة بن الجراح عليه، فاعمل بحق الله عليك
(1)
.
2 - سعيد بن عامر بن حذيم
(2)
رضي الله عنه:
ولاه عمر على حمص والجزيرة بعد وفاة عياض بن غنم، ولم تطل مدة ولايته فقد توفي في السنة التي ولي فيها
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب له كتاباً يوصيه فيه بتقوى الله، والجد في أمر الله، والقيام بالحق الذي يجب عليه، والرفق بالرعية
(4)
.
ان رضي الله عنه زاهداً في الدنيا روي أن عمر رضي الله عنه
(1)
ابن سعد/ الطبقات 7/ 398، من غير إسناد، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 2/ 153، الطبري/ التاريخ 2/ 618، الطبراني/ المعجم الكبير 17/ 316، الحاكم/ المستدرك 3/ 289، 260، الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 1/ 183، وفي إسناده عند ابن أبي عاصم حفص بن عمر الدمشقي، قال الذهبي: أتى بخبر منكر. ميزان الاعتدال 1/ 565، وهو منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، ورواه الطبري والطبراني والحاكم من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف، ومعناه صحيح.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 646.
(3)
ابن سعد/ الطبقات 7/ 398 من غير إسناد.
(4)
المصدر السابق 4/ 269 من رواية الواقدي.
بلغه أنه يأتي عليه حين لا يدخن في تنوره، فبعث إليه بمال فاشترى ما يصلحه وأهله ثم قال لامرأته: لو أنا أعطيناها تاجراً لعله أن يصيب لنا فيها، فقالت: فافعل، فتصدق بها وأعطاها حتى لم يبق منها شيء، ثم احتاجوا، فقالت له امرأته: لو أنك نظرت إلى تلك الدراهم، فأخذتها، فإنا قد احتجنا إليها، فأعرض عنها، ثم عادت، فقالت أيضاً، فأعرض عنها، حتى استبان لها أنه قد أمضاها، قال: فجعلت تلومه، فاستعان عليها بخالد بن الوليد، فكلمها فقال: إنك قد آذيته، فقالت له أيضاً، فلما رأى ذلك سعيد برك على ركبتيه فقال: ما يسرني أن أحبس عن العنو
(1)
الأوّل يوم القيامة، ولا أن لي ما ظهر على الأرض، ولو أن خيرة من الخيرات أبرزت أصابعها لأهل الأرض من فوق السموات لوجد ريحهن، فأنا أدعهن لكُنَّ؟! فلما رأت ذلك كفت عنه
(2)
.
روي أن أهل حمص قدموا على عمر رضي الله عنه فقال: يا
(1)
العِنْو: يقال: أعناء من الناس وأعراء من الناس، واحدها عِنْوٌ وعِرْوٌ، أي: جماعات، ويقال: بها أعناء من الناس وأفناء أي: أخلاط، الواحد: عنو وفنو، وهم قوم من قبائل شتى. ابن منظور/ لسان العرب 9/ 444. والمراد به في الأثر: الناس والجماعة والأوائل الذين يدخلون الجنة.
(2)
رواه ابن أبي شيبة/المصنف 7/ 212 ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق ولكنه منقطع من رواية عبد الرحمن بن سابط الجمحي عن عمر وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
أهل حمص كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه، وكان يقال لحمص الكويفة الصغرى لشكايتهم العمال، فشكوا أربعاً، قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار.
قال: أعظم بها، قال: وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحداً بالليل، قال: وعظيمة، قال: وماذا؟ قالوا: له يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا، قال: وعظيمة، قال: وماذا؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام، أي تأخذه موتة، فجمع عمر بينهم وبينه، وقال: اللهم لا تقيل رأي فيه اليوم ما تشكون منه؟ فذكروا الشكوى الأولى، فقال سعيد: والله إن كنت لأكره ذكره، ليس لأهلي خادم، فأعجن عجيني، ثم أجلس حتى يخمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم، ثم ذكروا الثانية فقال: إني جعلت النهار لهم، والليل لله عز وجل، ثم ذكروا الثالثة فقال: ليس لي خادم يغسل ثوبي، ولا ثياب لي أبدلها، فأجلس حتى يجف، ثم أدلكها ثم أخرج إليهم من آخر النهار، ثم ذكروا الرابعة، فقال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري
(1)
بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، ثم حملوه على خشبة فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أنني في أهلي وأن
(1)
خُبَيب بن عدي الأنصاري من بني جحجبا بن عوف بن كُلفة، شهد بدراً، وأسر يوم الرجيع في السرية التي خرج فيها مرثد بن أبي مرثد، وعاصم بن ثابت، وخالد ابن البكير في سبعة نفر فقتلوا، وذلك في سنة ثلاث، ثم قتله عقبة بن الحارث. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 23، 24.
محمداً شيك بشوكة، ثم نادى، يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم، وتركي نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ذلك الذنب أبداً، فتصيبني تلك الغبطة فقال عمر: الحمد لله الذي لم يقيل فراستي، فبعث إليه بألف دينار، فقال: استعن بها على أمرك، فقالت امرأته: الحمدلله الذي أغنانا عن خدمتك فقال لها: هل أدلك على خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها، فقالت: نعم، فدعا رجلاً من أهله يثق به فصرها صرراً، ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان، فبقيت منها ذهبية، فقال لامرأته: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله، فقالت امرأته: ألا تشتري لنا خادماً، ما فعل ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين إليه
(1)
.
3 - عمير بن سعد
(2)
رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه حمص بعد وفاة سعيد بن عامر
(3)
،
(1)
رواه ابن الجوزي/ المنتظم 4/ 302، 303، ابن قدامة/ الرقة ص 134، 135، ومداره على الهيثم بن عدي اتهمه البخاري، وابن معين وأبو داود بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك. ميزان الاعتدال 4/ 324، فالأثر ضعيف جداً.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 649.
(3)
ابن سعد/ الطبقات 7/ 402، 403 من غير إسناد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 180 ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق وفيه جد الحجاج بن أبي منيع لم أجد له ترجمة. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 289، 290 من غير إسناد.
وكانت له فتوح في منطقة الجزيرة، فقد فتح عين الوردة بعد قتال شديد، وكذلك رأس العين
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب لعمير أن يقبل إلى المدينة وذلك حين تأخرت أخباره عن عمر رضي الله عنه حولاً كاملاً، فقدم المدينة ماشياً ومعه جرابه وقصعته، فأمره عمر رضي الله عنه أن يأتي بالخراج، فأخبره أنه لم يقدم بشيء منه، وأنه أنفقه في أهل حمص، ورأى عمر رضي الله عنه من زهده وورعه، ثم جدد له الولاية، وقال: وددت لو أن لي رجلاً مثل عمير أستعين به
(2)
.
واستمرت ولاية عمير بن سعد على حمص حتى آخر سنة من خلافة عمر رضي الله عنه
(3)
.
(1)
رأس العين/ مدينة سورية على الخابور قرب حدود تركيا، مركز قضاء بمحافظة الحسكه. المنجد/ الأعلام ص 259. البلاذري/ فتوح البلدان ص 180.
(2)
تقدم تخريجه في ص: 649.
(3)
الطبري/ التاريخ 2/ 587، وذكره في ولاة عمر رضي الله عنه على حمص سنة ثلاثة وعشرين، ونقل ابن حجر رحمه الله تعالى عن الكلبي أن عمر رضي الله عنه استعمله على حمص حتى مات، ونقل عن ابن سعد أنه قال: توفي في خلافة معاوية ونقل عن غيره أنه قال: توفي في خلافة عثمان، وقال: وجاء في رواية أخرى أنه مات في خلافة عمر، فصلى عليه قال ابن حجر: ولا يثبت ذلك، الإصابة 3/ 32.
وقد أوردت المصادر التاريخية أسماء
ولاة آخرين لحمص في عهد عمر بن الخطاب ولعلهم كانوا ينوبون عن الولاة المتقدم ذكرهم
أحياناً أو كانوا ولاة على بعض المهام كالقضاء ونحوه، وهم كالآتي:
1 - أبو الدرداء
(1)
.
روي أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على حمص، فبلغ عمر رضي الله عنه أنه ابتنى كنيفاً بحمص، فكتب إليه، أما بعد: يا عويمر، أما كانت لك كفاية فيما بنت الروم عن تزين الدنيا، وقد آذن الله بخرابها، فإذا أتاك كتابي هذا، فانتقل من حمص إلى دمشق
(2)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 182.
(2)
رواه أبو زرعة/ التاريخ 1/ 220 مختصراً، أبو نعيم/ حلية الأولياء 7/ 305، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 7/ 397، ورجال إسناده عند أبي زرعة ثقات ولكنه معضل من رواية مكحول الشامي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة، وفيه عند أبي نعيم والبيهقي أحوص بن حكيم ضيعف. تق 96، وهو منقطع من رواية راشد بن سعد عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. تق 204، فالأثر ضعيف.
وقد نقل ابن عبد البر أن عمر رضي الله عنه أَمّر أبا الدرداء على القضاء بدمشق، قال: وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 212.
2 - حبيب بن مسلمة الفهري
(1)
رضي الله عنه:
ذكر في ولاة عمر رضي الله عنه على حمص والجزيرة
(2)
.
3 - عبد الله بن قرط الثمالي رضي الله عنه
(3)
:
ولي حمص بعد عزل حبيب بن مسلمة
(4)
.
4 - عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه بعد عزله عبد الله بن قرط، ثم عزله وأعاد عبد الله بن قرط
(5)
.
(1)
حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر بن وهب القرشي الفهري، قال ابن معين: أهل الشام يثبتون صحبته، وأهل المدينة ينكرونها، وقال البخاري: له صحبة. ابن حجر/ الإصابة 1/ 309.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 155. ابن الأثير/ أسد الغابة 1/ 374، وزاد وقيل لم يستعمله عمر.
(3)
عبد الله بن قرط الثمالي الأزدي، قال البخاري وأبو حاتم وابن حبان: له صحبة، وروى الإمام أحمد بن حنبل بإسناد حسن أن اسمه كان شيطاناً فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. ابن حجر/ الإصابة 2/ 358.
(4)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 102، وقال: ولاه أبو عبيدة بن الجراح مرتين على حمص. ابن حجر/ الإصابة 4/ 38، وذكر قصة في ذلك.
(5)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155 من غير إسناد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 145، وقال: قال قوم: وولى عمر حمص عبادة بن الصامت.
وقال ابن عبد البر: وجهه عمر إلى الشام قاضياً ومعلماً، فأقام بحمص. الاستيعاب 2/ 355، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 2/ 269.
5 - خالد بن الوليد رضي الله عنه:
روي أن عمر رضي الله عنه استعمله على مناطق من منطقة الجزيرة على الرها
(1)
وحران
(2)
والرقة
(3)
وآمد
(4)
، فمكث سنة، فاستعفاه فأعفاه عمر
(5)
، ولم يذكر تاريخ ولايته رضي الله عنه ولا شك أنه كان قبل سنة إحدى وعشرين لأنها السنة التي توفي فيها رضي الله عنه.
وقيل إن سبب عزل عمر رضي الله عنه لخالد بن الوليد أنه اطِّلَى في حمام بآمد أو غيرها بشيء فيه خمر، قال الواقدي: وليس ذلك
(1)
هي مدينة أورفا التركية، وتقع ما بين نهري دجلة والفرات قرب الحدود السورية. المنجد/ الأعلام ص 83 بتصرف.
(2)
حران: مدينة قديمة في تركيا، موطن إبراهيم الخليل عليه السلام بعد هجرته من أور، وتقع ما بين نهري دجلة والفرات. المصدر السابق ص 214 بتصرف.
(3)
الرِّقّة: مدينة في شمال سورية على الفرات، قاعدة محافظة يتبعها قضاء تل أبيض. المصدر السابق ص 265.
(4)
ديار بكر: مدينة تركية على دجلة، شرقي الأناضول، هي آمد قديماً. المصدر السابق ص 252.
(5)
رواه الحاكم/ المستدرك 3/ 296، 297، ورجاله ثقات ولكنه معضل من رواية محمد بن عبد الله بن نمير، وهو ثقة من العاشرة.
بثبت
(1)
.
ثالثاً: فلسطين.
1 - يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه:
استخلفه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على فلسطين وناحيتها بعد أن ولاه عمر رضي الله عنه إمارة الشام
(2)
، وقيل إن الذي ولاه على فلسطين عمر رضي الله عنه بعد أن بلغه نبأ وفاة أبي عبيدة رضي الله عنه
(3)
.
وأمر عمر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان بغزو قيسارية
(4)
، فنهض إليها في سبعة عشر ألفاً، فقاتله أهلها، فحاصرهم، ثم مرض رضي الله عنه بالطاعون واستخلف أخاه معاوية على قيسارية ففتحها معاوية رضي الله عنه بعد ذلك ورجع يزيد إلى دمشق ومات بها بالطاعون في آخر سنة ثماني عشرة
(5)
.
(1)
رواه البلاذري/ فتوح البلدان ص 182 عن الواقدي، قال: وروي قوم.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 146، ابن حجر/ الإصابة 3/ 656.
(3)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 155 من غير إسناد. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/ 136.
(4)
مدينة بناها هيرودس الكبير بين حيفا ويافا. المنجد/ الأعلام ص 444.
(5)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 146، 147، الطبري/ التاريخ 2/ 511، وفي رواية أبي معشر عند الطبري أن فتحها كان سنة ستة عشر على يد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
2 - عمرو بن العاص:
ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلسطين بعد موت يزيد بن أبي سفيان سنة ثماني عشرة
(1)
.
وكان لعمرو بن العاص رضي الله عنه فتوحات كثيرة بفلسطين وغيرها من بلاد الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد فتح مدن غزة، وسبسطية
(2)
، ونابلس، واللد، وعمواس، وبيت جبرين، وقنسرين
(3)
.
وصالح أهل حلب ومنبج
(4)
وإنطاكية
(5)
.
وهو الذي فتح مصر، عندما أذن له عمر رضي الله عنه بغزوها
(1)
ابن سعد/ الطبقات 7/ 493، خليفة بن خياط/ التاريخ ص:155. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 268.
(2)
هي مدينة السامرة مدينة قديمة في فلسطين، جدد بناءها هيرودس، وسماها سبسطية. المنجد/ الأعلام ص 288.
(3)
قِنّسرين: قرية في سورية جنوبي حلب على نهر فويق. المصدر السابق ص 443.
رواه البلاذري/ فتوح البلدان ص 144.
(4)
مَنبِج: مدينة سورية مركز قضاء في محافظة حلب. المنجد/ الأعلام ص 547.
(5)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 144. ابن حجر/ الإصابة 3/ 2.
وكتب إليه أن يسير إليها فسار إليها في ثلاثة آلاف وخمسمائة من الجند ففتحها، وولاه عمر مصر وظل والياً عليها في خلافة عمر رضي الله عنه
(1)
، والظاهر أن ولاية عمرو بن العاص على فلسطين استمرت حتى بعد مسيره إلى مصر في العام التاسع عشر، وإمرته عليها، حيث لم تذكر المصادر تعيين عمر رضي الله عنه وال عليها غيره بعد خروجه إلى مصر، ولعل قرب منطقة فلسطين من مصر، وخبرة عمرو بن العاص رضي الله عنه بفلسطين وأهلها جعل عمر رضي الله عنه يقره عليها ويضم إليه مصر.
(1)
ابن سعد/الطبقات 7/ 493.
رابعاً: الأردن.
1 - شرحبيل بن حسنة
(1)
:
ولاه أبو عبيدة رضي الله عنه الأردن لما تولى إمرة بلاد الشام، وهو الذي فتح جميع مدن الأردن وحصونها، ففتح أفيق
(2)
وجرش، وبيت رأس
(3)
وغيرها، وغلب على سواد الأردن وجميع أراضيها.
وقد عزل عمر رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة لما خرج إلى الشام في خرجته إلى بلاد الشام سنة سبع عشرة، فقال شرحبيل: أعن سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا إنك لكما أحب، ولكني أريد رجلاً أقوى من رجل
(4)
.
2 - يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه:
لاه عمر رضي الله عنه الأردن بعد عزله شرحبيل بن حسنة
(5)
،
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 627.
(2)
أَفْيق: قرية من حوران في طريق الغور في أول العقبة المعروفة بعقبة أفيق والعامة تقول: فيق، تنزل من هذه العقبة إلى الغور، وهو الأردن. ياقوت/ معجم البلدان 1/ 233، وفي المنجد: فيق بلدة سورية مركز قضاء درعا ص 426.
(3)
بيت رأس: كورة بالأردن. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 1/ 520.
(4)
حسن تقدم تخريجه في ص: 627.
(5)
البلاذري/ فتوح البلدان ص 145.
وظل والياً عليها وعلى فلسطين حتى وفاته بالطاعون سنة ثماني عشرة
(1)
.
3 - عمرو بن العاص رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الأردن بعد وفاة يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه وتقدم أنه كان والياً أيضاً على فلسطين
(2)
، ويبدو أن ولايته عليها استمرت حتى وفاة عمر رضي الله عنه.
وقد أوردت المصادر أسماء ولاة آخرين على الأردن ولم تذكر متى كانت ولايتهم وكم استمرت ولعلهم كما مر من قبل كانوا معاونين للولاة الحقيقيين أو كانوا ولاةً على بعض المهام كالصدقات والقضاء وهؤلاء هم:
1 -
بلال بن رباح
(3)
رضي الله عنه.
2 -
خالد بن رباح
(4)
أخو بلال بن رباح رضي الله عنه.
(1)
المصدر السابق ص 145، 146.
(2)
خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 268.
(3)
ذكر ولايته على الأردن أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/ 270/ب بإسناد فيه محمد ابن الزبير الحنظلي وهو متروك من السادسة. تق 478.
(4)
العسكري/ تصحيفات المحدثين/ القسم الثاني ص 623 من غير إسناد، وقد ترجم له ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 19، وقال: له صحبة، ولا أعلم له رواية، ولم يذكر ولايته للأردن.
3 -
حصين بن نمير
(1)
.
خامساً: مصر.
1 - عمرو بن العاص رضي الله عنه:
بعثه عمر رضي الله عنه من فلسطين فاتحاً لمصر، فسار إليها في ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل، ففتح مصر وأمده عمر رضي الله عنه بإمدادات أخرى، وولاه مصر بعد فتحه لها في سنة عشرين وظل رضي الله عنه والياً عليها طوال خلافة عمر رضي الله عنه
(2)
.
2 - عبد الله بن أبي السرح
(3)
رضي الله عنه:
(1)
قال ابن حجر رحمه الله: ما أدري هو الذي قبله أي حصين بن نمير الأنصاري أو غيره، وقال: ذكره ابن عساكر في تاريخه وقال: كان عامل عمر على الأردن.
قال: وقد قدمنا أنهم ما كانوا يؤمرون في الفتوح إلا الصحابة، الإصابة 1/ 339.
(2)
ابن سعد/ الطبقات 7/ 493، خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155، البلاذري/ فتوح البلدان ص 214221، الطبري/ التاريخ 2/ 587 من غير إسناد.
(3)
عبد الله بن سعد بن أبي السرح بن الحارث العامري القرشي أسلم قبل الفتح، وهاجر وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد مشركاً، فلما كان عام الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فغيبه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمنه، وعفا عنه، وحسن إسلامه، وكان صاحب ميمنة عمرو بن العاص في فتح مصر، واعتزل الفتنة زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومات بعسقلان وهو يصلي الصبح سنة ست أو سبع وثلاثين. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 52.
كان والياً على الفيوم من الصعيد
(1)
، وكان صاحب الميمنة في جيش عمرو بن العاص، وكانت له مواقف محمودة في الفتح، وهو الذي افتتح إفريقية زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(1)
الصّعيد: منطقة في مصر بين القاهرة وشلالات أسوان، تضم محافظات: الجيزة، بني سُويف، الفيّوم، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، أسوان. المنجد/ الأعلام ص 345.
رواه ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 173 من كلام سعيد بن كثير بن عفير المصري، صدوق من العاشرة. تق 240.
المبحث الثالث: القضاة
المطلب الأول: قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار
المطلب الثاني: كيفية القضاء وآدابه
المبحث الثالث: القضاة
وفيه مطلبان
المطلب الأول: قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار.
كان ولاة المدن والبلاد التابعة للدّولة الإسلاميّة في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم هم المكلّفون بمهمة القضاء بين النّاس، خاصّة في المناطق البعيدة من المدينة حيث لا يتمكن النبيّ صلى الله عليه وسلم من النّظر في قضايا المسلمين والحكم فيها لبعدها، أما في المدينة وما حولها، وما قرب منها من المدن الإسلاميّة فإنه صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يقوم بالقضاء فيها بين النّاس.
وفي العام التاسع من الهجرة النّبويّة بعد أن فتح النبيّ صلى الله عليه وسلم مكّة وفرغ من غزوة حنين والطائف وتبوك وأسلمت قريش وثقيف جاءت وفود العرب تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام من جميع أنحاء الجزيرة العربيّة، وسمي هذا العام بعام الوفود. فانتشر الإسلام في الجزيرة العربيّة وأسلمت قبائلها المختلفة في شرقها وغربها، وشمالها ووسطها وجنوبها، كعبد القيس وتميم وطيئ وأسد وبني حنيفة وهمدان والأشعريين وغيرها من قبائل العرب.
وبذلك توحدت الجزيرة العربيّة سياسياً لأوّل مرّة في تاريخها تحت راية التوحيد بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمكن صلى الله عليه وسلم من تحقيق هذه الوحدة
بفضل الله عز وجل في أقلّ من عشر سنوات بالرغم من قوّة الروح الاستقلاليّة بين القبائل، وتغلغل العصبيّة القبليّة والنزاعات الجاهليّة
(1)
.
وكان لا بد من بعث أمراء على هذه القبائل والبلدان والمدن التي دخلت تحت راية الإسلام وعلماء يعلّمونهم أمور دينهم وقضاة يقيمون العدل فيهم ويحكمون فيما شجر بينهم.
فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل حجّة الوداع أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن كلّ منهما أمير على مخلاف
(2)
. واليمن مخلافان، ثم قال:"يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا". فانطلق كلّ واحد منهما إلى عمله، وكان كلّ واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريباً من صاحبه، فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، إذا هو جالس، وقد اجتمع إليه النّاس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم
(3)
هذا؟ قال:
(1)
انظر: د. أكرم العمري / السيرة النبويّة الصحيحة 2/ 541 - 548.
(2)
المِخْلاف: هي الكورة والإقليم والرُّسْتاق، وكانت جهة معاذ العليا صوب عدن، وكان من عمله الجَنَد، وله بها مسجد مشهور إلى اليوم، وكانت جهة معاذ السّفلى. ابن حجر / فتح الباري 8/ 61.
(3)
أَيْم هذا: أي: أي شيئ به؟ ابن منظور / لسان العرب 1/ 291.
هذا رجل كفر بعد إسلامه. قال: لا أنزل حتى يقتل. قال: إنما جيء به لذلك، فأنزل. قال: ما أنزل حتى يقتل. فأمر به فقتل
(1)
.
وفي هذا الحديث تصريح بإرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ أمرين كلّ منهما على ناحية من اليمن، وفيه إشارة إلى أنهما كانا يقضيان أيضاً بين النّاس، وذلك في حكمهما بقتل الذي الرجل ارتد عن إلاسلام فقتل.
وكان من مهامهما القيام بالدّعوة إلى الله، ونشر الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن:"إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول اله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"
(2)
.
وأما حديث تعليمه صلى الله عليه وسلم معاذاً القضاء لما بعثه إلى اليمن، وقال:"كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " قال: أقضي بكتاب الله. قال: "فإن
(1)
رواه البخاري / الصحيح / فتح الباري 8/ 61.
(2)
رواه البخاري / الصحيح / فتح الباري 2/ 64.
لم تجد في كتاب الله؟ " قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ " قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله"
(1)
.
فهو حديث ضعيف. لكن هذا لا يمنع أن يكون معاذ قام بالقضاء بين النّاس كما مرّ ذلك في حديث الرجل الذي ارتد عن إسلامه.
وأما عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه قاضياً قال رضي الله عنه: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً، فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ترسلني وأنا حديث السن ولا أعلم القضاء؟ فقال:"إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، وإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء". قال: فما زلت قاضياً، أو ما شككت في قضاء بعد
(2)
.
وكان من مهامه أيضاً القيام بالدّعوة، فقد أسلمت قبيلة همدان
(3)
على يديه، فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك فخر لله ساجداً، ثم رفع رأسه فقال:
(1)
ضعّفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص: 354، 355.
(2)
رواه أبو داود / السنن / صحيح سنن أبي داود 2/ 684.
(3)
همْدن: بطن من كهلان من القحطانية، وهم بنو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن كهلان، كانت ديارهم باليمن من شرقية، ومن بلادهم بها نجران، غرق، شروم، الخنق. عمر رضا حالة / معجم قبائل العرب 3/ 1225.
"السّلام على همدان"
(1)
. وكان رضي الله عنه والياً على ناحية من نواحي اليمن
(2)
.
ومما تقدم يتبيّن أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يفصل القضاء عن الولاة، فكان ولاته في الأقاليم هم القضاة، وكذلك أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه لم يؤثر عنه أنه عيّن قضاة مستقلّين عن الولاة في الأقاليم الإسلاميّة حيث لم تدعو الحاجة لذلك لقصر مدّة خلافته رضي الله عنه، وعدم توسع نفوذ الدّولة الإسلاميّة في عهده
(3)
.
(1)
قال ابن حجر رحمه الله بعد أن أورد ما رواه البخاري من حديث بعث عليّ إلى اليمن: "أورد البخاري هذا الحديث مختصراً، وقد أورده الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة بن أبي السفر سمعت إبراهيم بن يوسف" وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه فزاد فيه: "فكنت ممن عقب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا عليّ وصفنا صفّاً واحداً ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعاً
…
" الخ. فتح الباري 8/ 66.
(2)
قال ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث مقدم عليّ رضي الله عنه من اليمن في حجّة الوداع وفيه: "فقدم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بسعايته
…
الخ قال: بسعايته يعني: ولايته على اليمن لا بسعاية الصّدقة. فتح الباري 8/ 66.
(3)
انظر: ناصر الطريفي/ القضاء في عهد عمر رضي الله عنه 1/ 90، 96، وغالب القرشي/ أوّليّات الفاروق في القضاء 2/ 574.
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنّه أوّل من فصل القضاء عن الولاية، فعيّن قضاة مستقلّين في الأقاليم الإسلاميّة بجانب الولاة وفرض لهم رزقاً. ومن أسباب ذلك اتساع الدّولة الإسلاميّة في خلافته اتساعاً كبيراً وكثرة رعاياها، فكان لا بد من وجود قاضٍ يفصل في قضايا النّاس وخصوماتهم، لأن الأمير عنده من الأعمال والمهام الشيء الكثير الذي لا يستطيع معه الجمع بين مهمتي الولاية والقضاء، إضافة إلى أنّ الولاة في الغالب كانوا منشغلين بأمور الفتح وإعداد الجيوش والقيام بالدّعوة إلى الله عز وجل، والمحافظة على الأمن في مناطقهم وولايتهم. وكان فصل عمر للقضاء عن الولاية مركز بشكل كبير في مناطق الثغور حيث كثافة الجند، وانشغال الولاة بأمور الإعداد للجند والجهاد في سبيل الله.
وفي المدينة كان عمر رضي الله عنه يقوم بمهمة القضاء بين الرعية والنظر في منازعاتهم وخصوماتهم بنفسه حتى إذا كان آخر خلافته وكثرت رعيته رضي الله عنه وكبرت سنه، قال ليزيد بن أخت النمر
(1)
رضي الله عنه: اكفني بعض الأمور - يعني صغارها
(2)
.
(1)
يزيد بن ثمامة بن الأسود والد السائب بن يزيد، صحابي، شهد الفتح، واستقضاه عمر رضي الله عنه. تق 601.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 302. ابن سعد / الطبقات / الرابعة 2/ 711، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 259، وكيع / أخبار القضاة 1/ 105، 106، أبو يعلى / المسند 9/ 344، 345، الطبراني / المعجم الكبير 7/ 150، صحيح من طريق أبي يعلى. قال: "حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثني أبي عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر".
ولفظه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: "قال: وما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضياً ولا أبو بكر ولا عمر حتى كان في آخر زمانه قال ليزيد ابن أخت النمر رضي الله عنه: اكفني بعض الأمور يعني: صغارها.
وانظر: ناصر بن عقيل الطريفي / القضاء في عهد عمر بن الخطاب ص 90، 91، 165، 166.
وممن كان عمر رضي الله عنه يستشيرهم ويأخذ برأيهم في قضائه: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد شهد عمر رضي الله عنه بسعة علم علي رضي الله عنه بالقضاء، قال رضي الله عنه: علي أقضانا
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 339، الحاكم / المستدرك 3/ 305، وهو عند ابن سعد من عدة طرق ومنها ما رواه فقال: أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا شعبة عن حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، وهذا السند متصل ورجاله ثقات، فالأثر صحيح.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعوذ من معضلة لا أبا حسن لها
(1)
.
وممن روي أن عمر رضي الله عنه استقضاه بالمدينة وفرض له رزقاً زيد بن ثابت رضي الله عنه
(2)
.
وروي أن عمر كان إذا كثر عليه الخصوم صرفهم إلى زيد
(3)
.
وربما كان عمر رضي الله عنه يستشير زيداً في القضاء كما كان يستشير علياً رضي الله عنه، فقد كان زيد أحد فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم
(4)
، ولكن لم يأت ما يثبت أن عمر رضي الله عنه ولاه القضاء.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 339، وفي إسناده نوفل بن إسماعيل صدوق سيء الحفظ، وهو من رواية سعيد بن المسيب وسماعه من عمر مختلف فيه، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 359، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 259، ومداره على حجاج بن أرطاة صدوق كثير الخطأ، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 258، وفي إسناده حفص بن عمر لم أجد له ترجمة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه ويروي عنه ضمرة بن ربيعة، صدوق من التاسعة، ولا ريب أن الإسناد معضل، فالأثر ضعيف.
(4)
ابن عبد البر / الاستيعاب 2/ 112.
وأما ما ورد من أن عمر رضي الله عنه لم يتخذ قاضياً حتى كانت الفتنة فاتخذ معاوية
(1)
قاضياً فغير ثابت وما صح من استقضاء عمر رضي الله ليزيد بن أخت النمر مقدم عليه.
أما قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار الإسلامية فهم كالآتي:
أولاً: الكوفة.
1 - عروة بن عياض بن أبي الجعد
(2)
رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه قضاء الكوفة، ولم أقف على تحديد الزمان الذي ولي فيه
(3)
.
2 - سلمان بن ربيعة الباهلي
(4)
رضي الله عنه:
بعثه عمر رضي الله عنه معاوناً لعروة بن عياض
(5)
، ولم تذكر المصادر تحديد زمان ذلك.
(1)
رواه أبو زرعة /التاريخ 1/ 205، وكيع / أخبار القضاة 1/ 105، 110، 111، وهو عندهما من طريقين الأولى منقطعة من رواية الإمام مالك عن الزهري عن عمر رضي الله عنه، والثانية معضلة من رواية الإمام مالك بن أنس عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2)
عروة بن الجعد ويقال ابن أبي الجعد، وقيل اسم أبيه عياض البارقي صحابي، سكن الكوفة وهو أول قاض بها. تق 389.
(3)
ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 175.
(4)
سلمان بن ربيعة الباهلي رضي الله عنه، له صحبة. المصدر السابق 3/ 109.
(5)
خليفة بن خياط / التاريخ ص 155. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/ 193.
3 - شريح بن الحارث الكندي
(1)
:
استعمله عمر رضي الله عنه على قضاء الكوفة بعد عروة بن عياض، وروي أنه رزقه كل شهر مائة درهم وقيل: خمسمائة درهم، واستمر شريح رحمه الله على قضاء الكوفة حتى توفي في سنة ثمان وسبعين في إمارة عبد الملك بن مروان وله مائة وثمان سنوات
(2)
، وقيل إنه استعفى من القضاء قبل وفاته
(3)
.
ولم أقف على تحديد السنة التي ولي فيها القضاء، وذكر البعض أنه استمر قاضياً على الكوفة ستين سنة
(4)
، فتكون بداية توليه القضاء في سنة ثمان عشرة من الهجرة على القول بأنه استمر قاضياً حتى توفي في سنة ثمان وسبعين.
وقيل إن سبب استقضائه رضي الله عنه لشريح رحمه الله، أن عمر رضي الله عنه ساوم رجلاً بفرس، فركبه عمر رضي الله عنه، فعطب، فقال للرجل: خذ فرسك، فقال الرجل: لا، فقال عمر رضي الله عنه: اجعل بيني وبينك حَكَماً، فقال الرجل: شريح، فتحاكما إليه، فقال
(1)
شريح بن الحارث بن قيس الكوفي أبو أمية القاضي، مخضرم، ثقة، وقيل له صحبة. تق 265.
(2)
ابن كثير البداية والنهاية 9/ 24.
(3)
ابن حجر / الإصابة 2/ 146.
(4)
ابن عبد البر / الاستيعاب 2/ 257، 258.
شريح: يا أمير المؤمنين خذ ما ابتعت، أو رد كما أخذت، قال عمر: وهل القضاء إلا على هذا، فصيره إلى الكوفة قاضياً وإنه لأول يوم عرفة
(1)
.
4 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
روي أن عمر رضي الله عنه استعمله على قضاء الكوفة ولم تثبت الرواية في ذلك
(2)
، بل الثابت أن عمر رضي الله عنه بعثه معلماً لأهل الكوفة، ووزيراً لعمار بن ياسر، وقال لأهل الكوفة: وإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي إثرة
(3)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على عدم استقضاء عمر رضي الله عنه لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه رضي الله عنه قال
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 6/ 132، ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 507، 7/ 252، 271، وكيع / أخبار القضاة 2/ 189، أبو نعيم / حلية الأولياء 4/ 137، البيهقي / السنن الكبرى 5/ 274، ومداره على عامر الشعبي، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 100، 101، 10/ 333، وفي إسناده قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية أبي مجلز لاحق بن حميد عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(3)
صحيح تقدم تخريجه في ص 713.
لابن مسعود رضي الله عنه: بلغني أنك تقضي ولست بأمير؟ قال: بلى، قال عمر رضي الله عنه: فول حارها من تولى قارها
(1)
.
ولكن قيام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقضاء أحياناً أمر ممكن ولا غضاضة عليه رضي الله عنه في ذلك فهو من كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بسعة العلم، وقد بعثه عمر رضي الله عنه معلماً لأهل الكوفة.
ثانيا: البصرة.
1 - أبو مريم إياس بن صبيح الحنفي
(2)
:
وهو أول من استقضى عمر رضي الله عنه بالبصرة
(3)
، وروي أن
(1)
أي ول شرها من تولى خيرها، وول شديدتها من تولى هينتها، جعل الحر كناية عن الشر، والشدة والبرد كناية عن الخير. ابن منظور / لسان العرب 11/ 98.
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 301، وكيع / أخبار القضاة 1/ 83، ومداره على محمد بن سيرين روايته عن عمر منقطعة.
(2)
تقدمت ترجمته في ص 659.
(3)
رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 154، البلاذري / فتوح البلدان ص 107 من غير إسناد، وكيع/ أخبار القضاة 1/ 269، وفي إسناده شيخه أبو يعلى المنقري ذكره الخطيب البغدادي، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، تاريخ بغداد 8/ 459، وهو منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
عتبة بن غزوان
(1)
رضي الله عنه ولاه القضاء حين كان والياً على البصرة، فلم يزل قاضياً بها حتى تولى المغيرة بن شعبة إمرة البصرة
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن ينظر في قضاء أبي مريم ويتحقق منه، فكتب إليه أبو موسى: إني لا أتهم أبا مريم، فقال عمر رضي الله عنه: وأنا لا أتهمه، ولكن إذا رأيت من خصم ظلماً فعاقبه
(3)
.
وربما كان في هذا الأثر إشارة إلى ضعف أبي مريم في القضاء، ولذلك أمر عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بالنظر في قضائه باعتاره والياً على البصرة.
(1)
تقدمت ترجمته في ص 694.
(2)
رواه وكيع / أخبار القضاة 1/ 269، وإسناده كالرواية السابقة.
(3)
رواه وكيع / أخبار القضاة 1/ 270، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 108، وسنده عند البيهقي رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
ومما روي أيضاً وفيه دلالة على ضعف أبي مريم في القضاء: أن عمر رضي الله عنه شكي إليه ضعف أبي مريم فأمر بعزله
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال في أبي مريم: لأنزعن فلاناً عن القضاء، ولأستعملن رجلاً إذا رآه الفاجر فرقه
(2)
.
وروي أن أبا مريم اختصم إليه رجلان في دينار، فحمل ديناراً، فأعطاه المدعي فقال عمر رضي الله عنه: اعتزل قضاءنا
(3)
.
وهذه الآثار تدل مجتمعة على عزل عمر رضي الله عنه لأبي مريم عن القضاء بسبب ضعفه في القضاء.
(1)
رواه وكيع / أخبار القضاة 1/ 270، وسنده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، سوى شيخ وكيع أبي يعلى لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
(2)
رواه وكيع / أخبار القضاة 1/ 270، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 108، وفي سنده عند وكيع شيخه أبو يعلى تقدم في الذي قبله، وفيه انقطاع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. ورجال إسناده عند البيهقي ثقات. ولكنه منقطع أيضاً من رواية محمّد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 534، وكيع / أخبار القضاة 1/ 81، 272، 273، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند وكيع أبو حريز متهم بوضع الحديث. ميزان الاعتدال 4/ 251. فالأثر ضعيف.
وقال ابن سعد رحمه الله تعالى: إن أبا مريم تولى القضاء بعد عمران بن حصين
(1)
.
ولعل الصواب والله أعلم هو ما تقدم من أن أول من استقضى عمر بالبصرة أبا مريم الحنفي، وأما عمران بن حصين فإن عمر رضي الله عنه بعثه ليفقه أهل البصرة كما قال ابن حجر رحمه الله: إن الطبراني أخرج ذلك بسند صحيح
(2)
.
2 - كعب بن سور الأزدي
(3)
رحمه الله:
ولاه عمر رضي الله عنه قضاء البصرة بعد عزله أبي مريم، وظل والياً على قضاء البصرة حتى نهاية خلافة عمر رضي الله عنه
(4)
.
(1)
عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نجيد أسلم عام خيبر وصحب، وكان فاضلاً. تق 429.
الطبقات 7/ 91.
(2)
الإصابة 3/ 26، ولم أقف عليه فيما بحثت.
(3)
كعب بن سور بن بكر الأزدي، قال ابن مندة: يقال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: ليست له صحبة، وقال أبو عمر: كان مسلماً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره وهو معدود في كبار التابعين ونقل ابن حجر رحمه الله عن الزبير بن بكار أنه قتل يوم الجمل. ابن حجر / الإصابة 3/ 314، 315.
(4)
خليفة بن خياط / التاريخ ص 154 من غير إسناد، وكيع / أخبار القضاة 1/ 474، وفيه أبو يعلى المنقري ذكره الخطيب البغدادي، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، تاريخ بغداد 8/ 459، وفيه حسن بن فرقد لم أجد له ترجمة، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه.
وروي في سبب تولية عمر لكعب، أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: أشكو إليك خير أهل الدنيا إلا رجلاً سبقه بعمل، أو عمل بمثل عمله يقوم الليل حتى يصبح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم تجلاها الحياء، فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين، فقال: جزاك الله خيراً، قد أحسنت الثناء، قد أقلتك.
فلما ولت، قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: ما اشتكت؟ قال: زوجها، قال: عليّ المرأة، فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟! قال: إنك فطنت إلى ما لم أفطن، قال: إن الله يقول {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ}
(1)
، صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يوماً، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة، فقال عمر: لهذا أعجب من الأول، فرحل به أو بعثه قاضياً لأهل البصرة
(2)
.
(1)
سورة النساء، الآية (3).
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 7/ 92، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 252، ابن أبي الدنيا / العيال 2/ 688، 689، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 87، ومداره على الشعبي وروايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات. فالأثر ضعيف.
وممن كان يقضي بالبصرة في خلافة عمر أميرها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وسيأتي إن شاء الله ذكر كتاب عمر رضي الله عنه إليه في كيفة القضاء
(1)
.
3 -
مصر.
1 - قيس بن أبي العاص السهمي
(2)
رضي الله عنه:
وهو أول من استقضى عمر رضي الله عنه بمصر
(3)
، ذكر أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص أن يوليه قضاء مصر
(4)
، ولي القضاء في أول سنة ثلاث وعشرين، واستمر قاضياً حتى توفي في شهر ربيع الأول من تلك السنة
(5)
.
(1)
انظر: ص: 782 - 784.
(2)
قيس بن أبي العاص بن قيس بن عدي بن سعيد القرشي السهمي رضي الله عنه، أسلم يوم الفتح وشهد حنيناً. ابن حجر /الإصابة 3/ 254.
(3)
ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 220، نقلاً عن سعيد بن عفير وهو صدوق من العاشرة. تق 240، وكيع / أخبار القضاة 3/ 220، من طريق ابن عبد الحكم.
(4)
الكندي / تاريخ ولاة مصر وقضاتها ص 227، وفي إسناده عاصم بن رازح الخولاني شيخ الكندي، لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.
(5)
المصدر السابق ص 227، 228، ورجال إسناده لم أجد لهم تراجم.
2 - كعب بن يسار بن ضبة
(1)
رضي الله عنه:
كتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص أن يولي كعب بن يسار القضاء بمصر بعد وفاة قيس بن أبي العاص، فأقرأ عمرو بن العاص كعباً كتاب أمير المؤمنين، فقال كعب: والله لا ينجيه الله من أمر الجاهلية، وما كان فيها من الهلاك ثم يعود فيها أبداً، فأبى أن يقبل القضاء، فتركه عمرو
(2)
.
3 - عثمان بن قيس بن أبي العاص
(3)
:
ولاه عمرو بن العاص القضاء بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن امتنع كعب بن يسار، وظل والياً للقضاء حتى انقضاء خلافة عمر رضي الله عنه
(4)
.
(1)
كعب بن يسار بن ضبة العبسي، له صحبة، وشهد فتح مصر، وله خطة بمصر معروفة. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/ 383.
(2)
ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 220، 221، وكيع / أخبار القضاة 3/ 221، ابن الأعرابي / المعجم 2/ 25، ووقع فيه خطأً أن اسمه:(أبي بن كعب)، الكندي / تاريخ ولاة مصر وقضاتها ص 228، ومداره على عمار بن سعد التجيبي جهله ابن القطان. التهذيب 7/ 402، وقال ابن حجر: مقبول. تق 407. فالأثر ضعيف.
(3)
عثمان بن قيس بن أبي العاص السهمي، شهد فتح مصر مع أبيه. ابن حجر / الإصابة 2/ 464.
(4)
ابن عبد الحكم/فتوح مصر ص 230، من غير إسناد، الكندي / تاريخ ولاة مصر وقضاتها ص 230، ورجال إسناده لم أجد لهم تراجم.
ثالثا: بلاد الشام.
1 - دمشق:
كان القاضي بها في خلافة عمر رضي الله عنه أبو الدرداء
(1)
رضي الله عنه.
وكان عمر رضي الله عنه بعثه أيضاً لتفقيه أهل الشام، ونزل دمشق ومات بها
(2)
.
(1)
تقدمت ترجمته ص 182.
رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 146، أبو زرعة / التاريخ 1/ 198، 224، وكيع / أخبار القضاة 3/ 199. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 299، 300، الذهبي / سير أعلام النبلاء 2/ 335، وفي إسناده عند البلاذري الوليد ابن مسلم مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وهو معضل من رواية تميم ابن عطية عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من السابعة، وهو عند أبي زرعة وابن عبد البر ووكيع من رواية سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من السابعة، روايته عن عمر معضلة، وأورده الذهبي من غير إسناد. قال ابن حجر في ترجمة أبي الدرداء: "ولاه معاوية قضاء دمشق في خلافة عمر". الإصابة 3/ 45، 46.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 356، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية محمد بن كعب القرظي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة.
2 - حمص وقنسرين
(1)
.
1 - عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
ولى عمر رضي الله عنه قضاءهما عبادة بن الصامت رضي الله عنه
(2)
وكان يقوم بتعليم أهل حمص الفقه والدين
(3)
.
2 - حابس بن سعيد الطائي
(4)
رضي الله عنه:
روي أن عمر رضي الله عنه ولاه القضاء بحمص، فقال له: إني أريد أن أوليك قضاء حمص، فكيف أنت صانع؟ قال: أجتهد رأيي، وأشاور جلسائي، فقال: انطلق، فلم يمض إلا يسيراً حتى رجع، فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك، قال: هاتها، قال: رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق، ومعها جمع عظيم، وكأن القمر أقبل من المغرب ومعه جمع عظيم.
(1)
تقدم التعريف بها ص 750.
(2)
رواه البلاذري /فتوح البلدان ص: 146، تقدم الكلام على إسناده في ص 777/ الحاشية (1).
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 356، تقدم الكلام على إسناده في ص: 777 حاشية (1). قال ابن سعد: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس، حدثني سليمان بن بلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن محمّد بن كعب القرظي.
(4)
حابس بن سعد بن المنذر بن ربيعة الطائي، ذكره ابن سعد وأبو زرعة الدمشقي فيمن نزل الشام من الصحابة، وذكره ابن سميع في الطبقة الأولى من الصحابة، وقال البخاري: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. ابن حجر / الإصابة 1/ 272.
فقال عمر رضي الله عنه: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر، فقال عمر: كنت مع الآية الممحوة، لا والله لا تعمل لي عملاً أبداً ورده
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 180، 7/ 549، ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 221، 222 أبو العرب / المحن ص 124، ابن حزم / جمهرة النسب ص 403. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/ 344، ابن كثير / مسند الفاروق 2/ 548، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة رواة مبهمون، حيث قال فيه عطاء بن السائب: حدثني غير واحد: أن قاضياً
…
الخ، وليس فيه تحديد اسم الوالي، ولا مكان ولايته في الشام.
وفيه عند ابن أبي الدنيا شيخه بسام بن يزيد، قال الذهبي: تكلم فيه، وقال الأزدي: هو وسط في الرواية. ميزان الاعتدال 1/ 308، وفيه انقطاع لأنه من رواية محارب بن دثار وهو ثقة من الرابعة يرويه عن عمر رضي الله عنه وفيه أن عمر رضي الله عنه بعث حابساً على قضاء دمشق، وهو عند ابن كثير من طريق بسام بن يزيد به مثله، وفي إسناده عند أبي العرب إبهام بشيخه حيث قال: حدثني غير واحد عن أسد بن زياد، وأسد لم أجد له ترجمة، وفيه إبهام بالراوي عن عمر رضي الله عنه حيث قال الراوي: حدثني شيخ من طيء، وليس فيه ذكر للجهة التي بعثه عمر رضي الله عنه قاضياً عليها، وأما ابن حزم وابن عبد البر فذكرا الخبر من غير إسناد، وذكرا أن عمر رضي الله عنه بعثه قاضياً على حمص، فالخبر ضعيف، وعزل عمر رضي الله عنه لحابس بسبب الرؤيا التي رآها فيه بعد إلا أن يكون عمر رضي الله عنه رأى بفراسته عدم أهليته للقضاء أو بلغه عنه أمراً لا يرضاه.
3 - الأردن:
روي أن عمر رضي الله عنه استعمل على قضائها كريب
(1)
بن سيف الأنصاري.
4 - البحرين:
تقدم أن عمر رضي الله عنه بعث على قضائها أبا هريرة رضي الله عنه ثم عزله وقاسمه ماله، وأسند مهمة القضاء لوالي البحرين عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه
(2)
.
(1)
لم أجد له ترجمة.
رواه أبو زرعة الدمشقي / التاريخ 1/ 227، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه معضل من رواية سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السابعة، ولم أقف على تفاصيل أخرى في ولايته للقضاء.
(2)
انظر: ص (691) في ولاية قدامة بن مظعون على البحرين.
المطلب الثاني: توجيه عمر رضي الله عنه لقضاته وإرشاده لهم في صفة القضاء وآدابه.
إن القضاء مهمة عظيمة جليلة، وهي أيضاً مهمة ذات خطورة بالغة ومسؤولية عظيمة أمام الله عز وجل إذ إن القاضي محكّم في دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، لذلك جاءت نصوص السنة تحث القضاة على العدل في الحكم، وتحذرهم من الجور فيه، قال صلى الله عليه وسلم وهو يبين عظم شأن القضاء وخطورة هذا المنصب على من لم يتحر العدل فيه، والبعد عن الظلم:"من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين"
(1)
.
وأما عمر رضي الله عنه فإنه ما فتئ يحث قضاته على العدل ويحذرهم من الظلم ومن عواقبه المخزية في الدنيا والآخرة، قال رضي الله عنه: ويل لديان أهل الأرض من ديان أهل السماء يوم يلقونه، إلا من أم العدل وقضى بالحق، ولم يقض لهوى، ولا لقرابة، ولا لرغبة، ولا لرهبة، وجعل كتاب الله مرآة عينيه
(2)
.
(1)
رواه أبو داود / صحيح سنن أبي داود / الألباني 2/ 682، الترمذي / صحيح سنن الترمذي / الألباني 2/ 35.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 540، وكيع / أخبار القضاة 1/ 30، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 117، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا وكيع، قال: حدّثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن إسماعيل بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: قال عمر: ويل
…
الأثر.
وقال المسور بن مخرمة
(1)
رضي الله عنه: سمعت عمر وإن إحدى أصابعي في جرحه هذه أو هذه أو هذه، وهو يقول: يا معشر قريش، إني لا أخاف الناس عليكم إنما أخافكم على الناس، إني قد تركت فيكم ثنتين لن تبرحوا بخير مالزمتموهما: العدل في الحكم، والعدل في القسم
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى: إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائجهم، فأكرم من قبلك من وجوه الناس، وبحسب المسلم الضعيف من العدل أن ينصف في الحكم والقسم
(3)
.
وإن من أهم النصوص الواردة عن عمر رضي الله عنه والتي جمعت عدداً كبيراً من الوصايا الهامة في كيفة القضاء وآدابه، هو كتابه رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال رضي الله عنه: أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك فإنه
(1)
تقدمت ترجمته في ص 324.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 438، صحيح. قال: حدّثنا ابن إدريس عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن ابن مينا عن المسور بن مخرمة.
(3)
رواه الجعد / المسند 1/ 556، ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 212، الطبري / التاريخ 2/ 566، الخلال / السنة ص 118، ومداره على أبي عمران الجوني، وهو ثقة من الرابعة روايته عن عمر منقطعة تق 661. وبقية رجاله عند الجعد ثقات. فالأثر ضعيف وله ما يشهد له.
لا ينفع تكلم بحق لانفاذ له
(1)
، وآس بين الاثنين في مجلسك، ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس وضيع وربما قال: ضعيف من عدلك
(2)
، الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك، وربما قال: في نفسك، ويشكل عليك ما لم ينزل في الكتاب، ولم تجربه سنة، واعرف الأشباه والأمثال، ثم قس الأمور بعضها ببعض، فانظر أقربها إلى الله، وأشبهها بالحق فاتبعه، واعمد إليه
(3)
، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، راجعت فيه وهديت فيه لرشدك، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً حداً أو مجرباً عليه شهادة
(1)
قال ابن القيم رحمه الله: ومراد عمر بذلك التحريض على تنفيذ الحق إذ أفهمه الحاكم، ولا ينفع تكلمه به إن لم يكن له قوة تنفيذه. أعلام الموقعين 1/ 89.
(2)
وقال رحمه الله: إذا عدل الحاكم في هذا بين الخصمين، فهو عنوان عدله في الحكومة فمتى خص أحد الخصمين بالدخول عليه، أو القيام له، أو بصدر المجلس، والإقبال عليه، والبشاشة، والنظر إليه، كان عنوان حيفه وظلمه. المصدر السابق 1/ 89.
(3)
وقال رحمه الله: هذا أحد ما اعتمد عليه القياسيون في الشريعة، وقالوا: هذا كتاب عمر إلى أبي موسى، ولم ينكره أحد من الصحابة، بل كانوا متفقين على القول بالقياس وهو أحد أصول الشريعة، ولا يستغني عنه فقيه. المصدر السابق 1/ 130.
زور، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة
(1)
، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه أو بينة عادلة، فإنه أثبت للحجة، وأبلغ في العذر، فإن أحضر بينة إلى ذلك الأجل، أخذ بحقه، وإلا وجهت عليه القضاء، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، إن الله تبارك وتعالى، تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، وإياك والقلق والضجر، والتأذي بالناس والتنكر للخصم في مجالس القضاء، التي يوجب الله فيها الأجر، ويحسن فيها الذخر، من حسنت نيته، وخلصت فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، والصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراماً، أو حرم حلالاً، ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شانه الله، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل دنيا، وآجل آخرة والسلام
(2)
.
(1)
قوله: أو ظنيناً في ولاء أو قرابة، يعني متهم بأن يجر إلى نفسه نفعاً من المشهود له، كشهادة السيد لعتيقه بمال، أو شهادة العتيق لسيده إذا كان في عياله، أو منقطعاً إليه، يناله نفعه، وكذلك شهادة القريب لقريبه لا تقبل مع التهمة، وتقبل بدونها وهو الصحيح. المصدر السابق 1/ 110، 111.
(2)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 345. قال: حدّثنا عبد الله بن يزيد، قال: حدّثا عبد الملك بن الوليد بن معدان، قال: حدّثني أبي، قال: كتب عمر
…
البلاذري / أنساب الأشراف ص 302، 305. قال: حدّثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع عن سفيان عن رجل عن الشعبي أن عمر كتب
…
الأثر.
وإسناده عند الخطيب رجاله كذلك ما بين ثقة وصدوق سوى نعيم الضبي، البراز لم أجد لهما ترجمة. وهو من طريق سفيان عن أبي إدريس به مثله عن وكيع.
ورجال إسناده عند وكيع ثقات ويروي وجادة حيث قال فيه إدريس الأودي: أتيت سعيد بن أبي بردة، فسألته عن رسائل عمر وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة وأخرج إلي كتاباً
…
فذكره، وسعيد ابن أبي بردة روايته عن عمر معضلة، فهو ثقة من الخامسة تق 233، ولكن هذا الكتاب من كتب والده التي أوصى بها إليه جده أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، قال الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله: لكن قوله هذا كتاب عمر، وجادة وهي صحيحة من أصح الوجادات، وهي حجة. إرواء الغليل 8/ 241.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وكيع / أخبار القضاة 1/ 70 - 73. قال: حدّثي عليّ بن محمّد بن عبد الملك ابن أبي الشوارب، قال: حدّثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا إدريس أبو عبد الله بن إدريس، قال: أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى الأشعري وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة، وأخرج إليّ كتاباً فرأيت في كتاب منها: أما بعد، فإن القضاء
…
الأثر.
البيهقي / السنن الكبرى 10/ 106، 119، 135، 150، 182، 253. قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصغاني، ثنا ابن كنانة، ثنا جعفر بن برقان عن معمر البصري عن أبي العوام، قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما
…
الأثر.
ورواه من طريق آخر من طريق سفيان عن أبي إدريس به مثله عند وكيع، وأبي إدريس الصواب في اسمه: إدريس كما عند وكيع، وهو إدريس الأودي.
الخطيب / تاريخ بغداد 10/ 449.
وفي إسناده عند ابن شبة عبد الملك بن الوليد بن معدان، ضعيف. تق 366، وأبوه ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال يروي عن عمر رضي الله عنه مرسل، الجرح والتعديل 9/ 18.
وفيه عند البلاذري راو مبهم، وهو شيخ سفيان، حيث قال: عن رجل، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه.
ورجال إسناده عند البيهقي ما بين ثقة وصدوق سوى معمر البصري، وشيخه أبي العوام البصري وهو الراوي عن عمر رضي الله عنه لم أجد لهما ترجمة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا كتاب جليل، تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه، وإلى تأمله والتفقه فيه
(1)
.
ومن النصوص الهامة أيضاً في هذا الجانب كتابه رضي الله عنه لشريح القاضي في كيفة القضاء، قال رضي الله عنه: اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله، فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقض به
(1)
أعلام الموقعين 1/ 86.
الصالحون، فإن شئت، فتقدم، وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك، والسلام
(1)
.
ومما ورد عن عمر رضي الله عنه في حث القضاة على عدم الميل لأحد الخصمين، قوله رضي الله عنه: ما أبالي إذا اختصم إلي رجلان لأيهما كان الحق
(2)
.
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في كيفة القضاء وآدابه ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان بينه وبين أبي بن كعب خصومة، فقال عمر رضي الله عنه لأبي بن كعب رضي الله عنه اجعل بيني وبينك رجلاً، فجعلا بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنه، فأتياه فقال عمر: أتيناك لتحكم بيننا، وفي بيته يؤتى الحكم، فلما دخلوا عليه، أَجلس
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 543، 544، ابن أبي خيثمة / التاريخ ص 184، النسائي / السنن 8/ 231، الكبرى 3/ 468، وكيع / أخبار القضاة 2/ 189، 190، البيهقي / السنن الكبرى 3/ 468، صحيح من طريق النسائي. قال: أخبرنا محمّد بن بشار، قال: حدّثنا أبو عامر، قال: حدّثنا سفيان عن الشيباني عن الشعبي عن شريح.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 290، البلاذري / أنساب الأشراف ص 223، 224. ورجاله إسناده عند ابن سعد ثقات ولكنه معضل من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر رضي الله عنه عنه، وهو ثقة من الخامسة. وسنده عند البلاذري رجاله ثقات ولكنه من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه وقد اختلف في سماع سعيد من عمر رضي الله عنه.
زيد عمر معه على صدر فراشه، فقال عمر رضي الله عنه: هذا أول جورك، جرت في حكمك، اجلسني وخصمي مجلساً، فقصا عليه القصة، فقال زيد: اليمين على أمير المؤمنين، وإن شئت أعفيته، فأقسم عمر على ذلك، ثم أقسم له لا تدرك باب القضاء حتى لا يكون لي عندك على أحد فضيلة
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يحكم بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن وجد لأبي بكر قول وقضاء أخذ به وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم
(2)
.
وقال الشعبي رحمه الله تعالى: من أراد أن يأخذ بالوثيقة من القضاء، فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير
(3)
.
(1)
رواه الجعد / المسند 2/ 727، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 323، 324، وكيع / أخبار القضاة 1/ 108 - 110، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 136، 144، 145، ومداره على عامر الشعبي وروايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة وبقية رجاله عند الجعد ثقات فالأثر ضعيف.
(2)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 10/ 114، 115، وفي إسناده الشريف أبو الفتح العمري، وعبد الرحمن بن أبي شريح لم أجد لهما ترجمة، وبقية رجاله ثقات وفيه انقطاع، فهو من رواية ميمون بن مهران عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.
(3)
صحيح إلى الشعبي، تقدم تخريجه في ص 609.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبينات العدول، والأيمان القاطعة، ثم أدن الضعيف حتى ينبسط لسانه ويجترئ قلبه، وتعاهد الغريب، فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته، وانصرف إلى أهله، وإذا الذي أبطل حقه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح ما لم يتبين القضاء
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ردوا الخصوم إذا كانت بينهم القرابات فإن فصل القضاء مورث بينهم العداوة
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أرأيت لو كنت القاضي والوالي، ثم أبصرت إنساناً على حد،
(1)
رواه ابن أبي الدنيا / أشراف ص 156، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 238، وفيه عندهما محمد بن يزيد الضبي، ذكره ابن حبان في الثقات 9/ 35، ولم أر فيه توثيقاً لغيره، وهو عندهما معضل من رواية عروة بن رويم صدوق من الخامسة. تق 389، عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب بهذا الكتاب إلى معاوية بن أبي سفيان، رواه وكيع / أخبار القضاة 1/ 74، 75، ورجال إسناده لم أجد لهم تراجم، وهو منقطع من رواية الشعبي عن عمر رضي الله عنه.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 304، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 338، 339، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات ولكنه منقطع من رواية محارب بن دثار عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، ورواه ابن شبة من طريق عبد الرزاق. فالأثر ضعيف.
أكنت مقيماً عليه؟ قال: لا، حتى يشهد معي غيري، قال: أصبت، ولو قلت غير هذا لم نجز
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أرأيت لو رأيتُ رجلاً زنى أو سرق؟ قال: أرى شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: أصبت
(2)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في التحذير من الرشوة وقبول الهدايا في الحكم أن رجلاً كان يهدي لعمر رضي الله عنه كل عام فخذ جزور، فخاصم إليه رجلاً فقال: يا أمير المؤمنين، اقض بيننا قضاءً فصلاً، كما تفصل الرجل من سائر الجزور، فقضى عليه عمر، ثم كتب إلى عماله: إن الهدايا هي الرشا
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 550، وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي، صدوق يخطئ كثيراً، وهو منقطع من رواية عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 340، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية عكرمة مولى ابن عباس عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 251، 294، 295، وكيع / أخبار القضاة 1/ 55، 56، البيهقي/ السنن الكبرى 10/ 138، الصغرى 4/ 135، وهو عند ابن أبي الدنيا من طريقين الأول رجاله ثقات ولكنه معضل من رواية أبي حريز الأزدي عن عمر رضي الله عنه وهو صدوق يخطئ من السادسة، ورواه سائر من رواه من طريق أبي حريز ورواه ابن أبي الدنيا من طريق آخر وفي إسناده إسماعيل بن زياد الكوفي متروك. تق 107. فالأثر ضعيف
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى قضاته: اجعلوا الناس عندكم في الحق سواء قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم، وإياكم والرشا، والحكم بالهوى
(1)
.
وروي كذلك أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: لا تبيعن ولا تبتاعن، ولا تشارن، ولا تضارن، ولا ترشى في الحكم، ولا تحكم بين اثنين وأنت غضبان
(2)
.
(1)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 10/ 135، ورجال إسناده ثقات سوى يزيد بن أيهم فهو مقبول من الخامسة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه وروياته عنه معضلة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 300، وفي إسناده محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي، متروك من السادسة. تق 494. فالأثر ضعيف جداً، وما فيه من النهي عن البيع والشراء يبعد أن يأمر به عمر رضي الله عنه فإن كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا تجاراً وكان فيهم الولاة والقضاة.
الفصل الثاني: التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع
وفيه ستة مباحث
المبحث الأول: الاهتمام بالنواحي الدينية الفكرية
المبحث الثاني: الاهتمام بالنواحى الأخلاقية
المبحث الثالث: الاهتمام بالنواحي الإجتماعية
المبحث الرابع: الاهتمام بالحياة المعيشية
المبحث الخامس: معاملة العبيد والإماء وأهل الذمة.
المبحث السادس: الاهتمام بالنواحي الجهادية والقتالية
المبحث الأول: الاهتمام بالنواحي الدينية الفكرية
المطلب الأول: العناية بالكتاب والسنة.
المطلب الثاني: العناية بالعقيدة وسلامتها.
المطلب الثالث: إقامة شعائر الدين
المطلب الرابع: الاهتمام بالعلم والعلماء
المطلب الأول: العناية بالكتاب والسنة.
إنّ العناية بالكتاب والسنة مقصد عظيم من مقاصد الدين، فهما مصدر هداية المسلمين وعزتهم في الدنيا والآخرة.
وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده وسلف هذه الأمة على العناية بالكتاب والسنة، وحمايتهما من الضياع والتلف والنسيان، ومن التحريف والدس والتزوير.
وقد تكفل الله عز وجل بحفظ كتابه، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
(1)
.
وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العناية بها، والحفاظ عليها ورتب على ذلك الثواب العظيم، قال صلى الله عليه وسلم:"نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع"
(2)
. وحذر صلى الله عليه وسلم من التهاون بسنته ومن التعرض لها بشيء من التغيير أو التحريف أو الكذب، قال صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار"
(3)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"
(4)
.
(1)
سورة الحجر الآية (9).
(2)
رواه الترمذي / صحيح سنن الترمذي / الألباني 2/ 338.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 31.
(4)
رواه الترمذي / صحيح سنن الترمذي / الألباني 2/ 338.
وكان عمر رضي الله عنه شديد الحرص على حماية الكتاب والسنة من الضياع أو التحريف أوالتبديل أو الزيادة والنقص.
أما عنايته بالقرآن الكريم فقد تمثلت في عدة جوانب هامة هي:
أولاً: اهتمامه بجمع القرآن الكريم:
فقد أشار على الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن بعد مقتل عدد كبير من القراء في موقعة اليمامة وكان له الفضل بعد الله عز وجل في حفظ القرآن من الضياع والنسيان.
وقد كتب القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه في الصحف وكانت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت بعد وفاته عند عمر رضي الله عنه ثم كانت عند حفصة بعد وفاة عمر رضي الله عنه
(1)
.
وقد رويت بعض الآثار التي فيها إشارة إلى جمع عمر رضي الله عنه القرآن ولو ثبت تلك الآثار لكان المراد بها مشاركته في ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه كما قال ابن حجر رحمه الله عند تعقيبه على الأثر الذي فيه أن عمر رضي الله عنه سأل عن آية من كتاب الله، فقيل له: كانت مع فلان، قتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، وأمر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف
(2)
.
(1)
صحيح. تقدم الكلام على ذلك في ص (526).
(2)
رواه ابن أبي داود / المصاحف ص 16، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن خلاد ذكره ابن حبان في الثقات 8/ 368، وفيه مبارك بن فضالة صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
قال ابن حجر: هذا منقطع، فإن كان محفوظاً حمل على أن المراد بقوله:"فكان أول من جمع القرآن" أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر، فنسب الجمع إليه لذلك
(1)
.
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه لما أراد أن يكتب المصحف أقعد له نفراً من أصحابه، وقال: "إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر
(2)
، فإن القرآن نزل على رجل من مضر
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: "لا يملي في مصاحفنا إلا
(1)
فتح الباري 9/ 12، 13.
(2)
مضر بن نزار قبيلة عظيمة من العدنانية، كانت ديارهم حَيّز الحرم إلى السروات، وما دونها من الغور، وكانوا أهل الكثرة والغلب بالحجاز من سائر بني عدنان، وكانت لهم رئاسة مكة. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/ 1107.
(3)
رواه ابن أبي داود / المصاحف ص 17، وفي إسناده عبد الله بن فضالة الزهراني لم يوثقه سوى ابن حبان، الثقات 5/ 40، وذكره الذهبي في الكاشف ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/ 584، وقال ابن حجر: من أولاد الصحابة له رؤية، وروايته مرسلة. تق 317، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
غلمان قريش وثقيف"
(1)
.
وروي أن الأنصار جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالوا: نجمع القرآن في مصحف واحد، فقال:"إنكم أقوام في ألسنتكم لحن، وإني أكره أن تحدثوا في القرآن لحناً"، فأبى عليهم
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان لا يقبل في جمع القرآن من أحد شيئاً من القرآن يأتي به حتى يشهد شاهدان
(3)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور / السنن 3/ 939، ابن أبي داود / المصاحف ص 17، 18، ومداره على عبد الملك بن عمير وهو مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع. من جابر بن سمرة رضي الله عنه ورجال إسناده عند سعيد ثقات. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 116، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 271، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ضعيف. تق 411، وهو منقطع بين سالم بن عبد الله بن عمر وبين زيد بن ثابت رضي الله عنه راوي الأثر. العلائي / جامع التحصيل ص 180، وفيه عند ابن شبة، إسماعيل بن عياش الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم، وروايته هنا عن غيرهم، وهو منقطع زيد بن عبد الله العمري ثقة من الثانية تق: 224، لم يدرك عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 271، ابن أبي داود / المصاحف ص 17، وفي إسناديهما محمد بن عمرو بن علقمة صدوق له أوهام. تق 499، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
وروي أن الحارث بن خزيمة
(1)
جاء بالآيتين آخر سورة براءة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} إلى قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
(2)
إلى عمر رضي الله عنه فقال: من معك على هذا؟ قال: لا أدري والله إلا أني أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها، فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيتها، وحفظتها، ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا من القرآن فألحقوها فيها، فألحقتها في آخر براءة
(3)
.
(1)
الحارث بن خزيمة بن عدي بن غنم الخزرجي الأنصاري شهد بدراً والمشاهد، ومات بالمدينة سنة أربعين، الإصابة 1/ 277.
(2)
سورة التوبة الآيتان 128، 129.
(3)
رواه أحمد / المسند 1/ 199، ابن أبي داود / المصاحف ص 38، وفي إسناديهما محمد بن إسحاق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية عباد بن عبد الله بن الزبير عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
وجاء في رواية عند ابن أبي داود في المصاحف ص 17، من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، روايته عن عمر منقطعة، أن الذي جاء بالآيتين خزيمة ابن ثابت، وكان ذلك في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولابن حجر رحمه الله كلام مفيد في ذلك يطول ذكره، فتح الباري 9/ 12 - 22.
وروي أن عمر رضي الله عنه خشي الفتنة لما اختلفوا في القراءات فقال: من أعرب الناس؟ فقالوا: سعيد بن العاص
(1)
، قال: فمن أخطّهم؟ قالوا: زيد بن ثابت، فأمر بمصحف فكتب بإعراب سعيد، وخط زيد، فلما كان عثمان بن عفان وكثر اختلاف الناس أمرهم بقراءة هذا المصحف، وترك ما سواه
(2)
.
وأما ما روي من أن عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع القرآن في خلافة عمر رضي الله عنه فغير ثابت
(3)
.
وكذلك ما روي من أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ماتا ولم يُجمع القرآن فغير ثابت أيضاً
(4)
فإن جمع أبي بكر رضي الله عنه للقرآن ثابت في الصحيح، إلا أن يكون المراد الجمع الأخير الذي فعله عثمان رضي الله عنه من جمع الناس في جميع الأمصار على مصحف واحد، ومحو
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (244).
(2)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 359، وفي إسناده يزيد بن عياض كذبه مالك وغيره. تق 604، وهو منقطع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف جداً.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 1/ 356، من طريق الواقدي.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 25، وفي إسناده منصور بن عبد الرحمن صدوق يهم، وفيه انقطاع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وإحراق ما عداه من المصاحف كما ثبت ذلك في الصحيح
(1)
.
ثانياً: تحريه وتشدده في قبول القراءات التي كان الصحابة رضوان الله عليهم يقرؤون بها:
فكان رضي الله عنه إذا سمع من أحد من الصحابة رضي الله عنهم قراءة تخالف ما سمعه وأخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعه يقرأ بها حتى يتوثق ويتحقق من ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رضي الله عنه: سمعت هشام بن حكيم بن حزام
(2)
يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، وكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها، فقال لي:"أرسله"، ثم قال له:"اقرأ"، فقرأ، قال:"هكذا أنزلت"، ثم قال لي:"اقرأ": فقرأت، فقال:"هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا منه ما تيسر"
(3)
.
ووجد عمر رضي الله عنه مصحفاً في حجر غلام له، فيه:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أبٌ لَهُمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهاتُهُمْ}
(4)
، فقال:
(1)
رواه البخاري / الصحيح 3/ 225.
(2)
هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي، صحابي بن صحابي رضي الله عنه. تق 572.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 61، 3/ 226، 227، 234، 4/ 198، 308، 309، مسلم / الصحيح / شرح النووي 6/ 98، 101 وغيرهما.
(4)
سورة الأحزاب الآية (6).
أحِككها يا غلام، فقال: والله لا أحكها، وهي في مصحف أبي بن كعب، فانطلق عمر إلى أبي بن كعب، فقال كعب: شغلني القرآن وشغلك الصفق بالأسواق
(1)
.
وروي أن أبي بن كعب رضي الله عنه كان يقرأ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ}
(2)
فبلغ ذلك عمر، فأغلظ له، فقال: إنك لتعلم إني كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمني مما علمه الله، فقال عمر: بل أنت رجل عندك علم وقرآن، فاقرأ وعلم مما علمك الله ورسوله
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه سمع كثير بن الصلت
(4)
يقرأ: لو أن
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/ 181، التفسير 2/ 112، إسحاق بن راهويه / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 5/ 93، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 273. صحيح من طريق إسحاق. قال: أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ ابن جريج أخبرني عمرو ابن دينار عن بجالة التميميّ قال: وجد عمر
…
الأثر.
(2)
سورة الفتح الآية (26).
(3)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 274، النسائي / السنن الكبرى 6/ 463، 464، ابن أبي داود / المصاحف ص 174، ومداره على أبي إدريس الخولاني ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع كبار الصحابة. تق 289، وقد اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه، فقيل إن روايته عنه مرسلة، وقال البخاري لم يسمع من عمر. العلائي / جامع التحصيل ص 205، وبقية رجاله عند النسائي ثقات.
(4)
كثير بن الصلت بن عدي الكندي مدني ثقة من الثانية، ووهم من جعله صحابياً. تق 459.
لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. فقال عمر: ما هذا؟ قال في التنزيل، فقال عمر: من يعلم ذاك؟ والله لتأتين بمن يعلم ذاك أو لأفعلن كذا وكذا، قال أبي بن كعب، فانطلق إلى أبي، فقال: ما يقول هذا؟ قال: ما يقول؟ قال: فقرأ عليه، فقال: صدق، قد كان هذا فيما قرأ، قال: أكتبها في المصحف، قال: لا أنهاك، قال: أتركها؟ قال: لا آمرك
(1)
.
ثالثاً: كراهيته قراءة القرآن على وجوه غير معروفة:
فقد كان رضي الله عنه يكره قراءة القرآن بالقراءات التي لم يألفها الناس، ولم يسمعوها أو قراءة بعض الآيات التي نسخ رسمها وبقي حكمها، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه على سلامة عقيدة الرعية في كتاب ربها وقرآنها، وعدم إدخال الشك والريب إلى قلوب العامة، ومن قل حظهم من العلم.
(1)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 272، 273، من طريقين الأول فيه عثمان ابن موسى، وأبو قبيصة لم أعرفهما وهو منقطع من رواية عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، والثاني رجاله ثقات، ولكنه منقطع أيضاً من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه.
وفي صحيح البخاري 4/ 119 عن أبي بن كعب قال: كنا نرى هذا من القرآن أي قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب"، حتى نزلت ألهاكم التكاثر.
قال رضي الله عنه: إلا وإن ناساً يقولون: ما بال الرجم في كتاب الله الجلد، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون أو يتكلم متكلمون أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت
(1)
وقال ابن عباس رضي الله عنه: بينما أنا أقرأ آية من كتاب الله عز وجل وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة، فإذا أنا برجل ينادي من بعدي، أتبع
(2)
ابن عباس، فإذا هو أمير المؤمنين عمر، فقلت: أتبعك على أبي بن كعب، فقال: أهو أقرأكها كما سمعتك تقرأ، قلت: نعم، قال: فأرسل معي رسولاً، قال: اذهب معه إلى أبي بن كعب، فانظر أيقرئ أبي كذلك، قال: فانطلقت أنا ورسوله إلى أبي بن كعب، فقلت: يا أبي بن كعب، قرأتُ آيةً من كتاب الله، فنادى من بعدي عمر بن الخطاب، أتبع ابن عباس، فقلت أتبعك على أبي بن كعب، فأرسل معي رسوله، أفأنت أقرأتنيها كما قرأت؟ قال أبي رضي الله عنه: نعم، فرجع الرسول إليه، فانطلقت أنا إلى حاجتي، فراح عمر رضي الله عنه إلى أبي، فوجده قد
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 334، أحمد / المسند 1/ 29. صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا هشيم ثنا الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أخبرني عبد الله بن عباس حدّثني عبد الرحمن بن عوف أنّ عمر
…
الأثر.
(2)
أَتْبع: أي أسند قراءتك ممن أخذتها، وأحل على من سمعتها منه. ابن منظور / لسان العرب 2/ 15.
فرغ من غسل رأسه، ووليدته تدري لحيته
(1)
بمدراها فقال أبي: مرحباً يا أمير المؤمنين، أزائراً جئت أم طالب حاجة، فقال عمر رضي الله عنه: بل طالب حاجة، فجلس ومعه مَوْلَيان له، حتى فرغ من لحيته، وأدرت جانبه الأيمن من لمته، ثم ولاها جانبه الأيسر، حتى فرغ أقبل إلى عمر بوجهه، فقال: ما حاجة أمير المؤمنين؟ فقال عمر: يا أبي، علام تقنط الناس؟ فقال أبي: يا أمير المؤمنين، إني تلقيت القرآن من تلقاء جبريل، وهو رطب، فقال عمر: تالله ما أنت بمنته، وما أنا بصابر، ثلاث مرات، ثم قام فانطلق
(2)
.
وقال عمر رضي الله عنه: أبي أقرؤنا، وإنا لندع من لحن
(3)
أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء، قال تعالى:{مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}
(4)
.
(1)
أي تسرحه وتمشطه. المصدر السابق 4/ 343.
(2)
رواه الحاكم / المستدرك 2/ 225. وسنده متّصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا عليّ بن حمشاد العدل، ثنا محمّد بن غالب ثنا عفان بن مسلم وأبو الوليد الطيالسي قالا: ثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما أنا أقرأ
…
فالأثر صحيح.
(3)
اللّحن: أي اللغة. ابن منظور / لسان العرب 12/ 255.
(4)
سورة البقرة الآية (106).
رواه البخاري / الصحيح 3/ 228.
وروي أن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقرأ من سورة يوسف {عَتَا حِينٍ} ، فقال له عمر رضي الله عنه: من أقرأك هكذا؟ قال: ابن مسعود، فكتب إلى ابن مسعود: سلام عليك أما بعد، فإن الله أنزل هذا القرآن بلسان قريش، وجعله بلسان عربي مبين، أقرئ الناس بلغة قريش، لا تقرئهم بلغة هذيل
(1)
والسلام
(2)
.
(1)
هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، كانت ديارهم بالسروات وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/ 1213.
(2)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 276، قال: حدّثنا محمّد بن الصباح البراز قال: حدّثنا هشيم عن عبد الرحمن بن عبد الملك يعني: بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جدّه. وما ورد في الإسناد في اسم شيخ هشيم عبد الرحمن بن عبد الملك خطأ والصّواب: عبد الرحمن بن عبد الله.
الخطيب / تاريخ بغداد 3/ 405، 406، ومداره على هشيم بن بشير ثقة من السابعة، مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وفيه انقطاع بين هشيم وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب ثقة من الثالثة تق:344. فالأثر ضعيف.
رابعاً: حرصه على سلامة تعلم القرآن وأخذه عن المتقنين لقراءته وترتيله:
ومن صور ذلك:
ما رواه عبيد
(1)
بن عمير، قال: اجتمعت جماعة في بعض ماء حول مكّة، قال: حسبت أنّه قال: بأعلى الوادي ههنا، قال: وفي الحجّ فحانت الصّلاة، فتقدم رجل من آل أبي السائب المخزومي أعجمي اللسان، قال: فأخرّه المسور بن مخرمة
(2)
، وقدّم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب، فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة، فلما جاء المدينة عرفه بذلك، فقال المسور: أنظرني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجميَّ اللسان، وكان في الحجّ، فخشيت أن يسمع بعض الحاجّ قراءته، فيأخذ بعجمته، قال: أو هناك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت
(3)
.
(1)
عبيد بن عمر بن قتادة اللّيثي أبو عاصم المكّيّ، ولد على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله مسلم، وعدّه غيره في كبار التّابعين. وكان قاص أهل مكّة، مجمع على ثقته. مات قبل ابن عمر رضي الله عنهما. تق:377.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (324).
(3)
رواه الشافعي / المسند، ص: 54، عبد الرزاق / المصنف 2/ 400، ابن سعد / الطبقات الكبرى / الخامسة 2/ 142، 143، البيهقي / السنن الكبرى 3/ 89.
وسنده عند عبد الرزاق متصل ورجاله ثقات. قال: عن ابن جريج، أخبرني عطاء، قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: اجتمعت
…
الأثر. ورواه الشافعي والبيهقي من طريق ابن جريج به مثله.
وأما ابن سعد فقد رواه من طريق آخر، وفي نصّه اختلاف، ففيه أن المسور خرج تاجراً إلى سوق عكاظ أو ذي المجاز فإذا رجل من الأنصار يؤم الناس أرت أو ألثغ، فأخره وقدم رجلاً، فغضب الرجل المؤخر، فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن المسور أخرني وقدم رجلاً، فغضب عمر وجعل يقول: واعجباً لك يا مسور!
فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين فوالله ما أردت إلاّ خيراً، فقال: وأنى الخير في هذا؟ فقال: إن سوق عكاظ أو ذي المجاز، اجتمع فيها ناس كثير عامتهم لم يسمع القرآن، فكان الرجل أرت أو ألثغ، فخشيت أن يتفرقوا بالقرآن على لسانه، فأخرته، وقدمت رجلاً عربياً بيّناً. فقال عمر: جزاك الله خيراً. اهـ.
ومعنى: أرت أو ألثغ: اللّثْغَة: هو الذي لا يُبَيِّن الكلام، وقيل: هو الذي قصر لسانه عن موضع الحرف ولحق موضع أقرب الحروف من الحرف الذي يعثر لسانه عنه. ابن منظور / لسان العرب 2/ 235.
وإسناد ابن سعد فيه عبد الله بن جعفر المخزومي ليس فيه بأس تق: 298. وأم بكر هي ابنة المسور بن مخرمة.
قال الذهبي رحمه الله: تفرد عنها ابن أخيها عبد الله بن جعفر ولم يذكر فيها جرحاً ولا تعديلاً. ميزان الاعتدال، 4/ 611.
قال ابن حجر: مقبولة تق: 755. وبقية رجاله ثقات، فالأثر ضعيف بهذا اللّفظ.
وقدم قيس بن مروان الجعفي
(1)
على عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، جئت من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن
(1)
قيس بن أبي قيس مروان الجعفي الكوفي، صدوق من الثانية. تق 458.
ظهر قلب، فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل
(1)
، فقال: ومن هو؟ ويحك: قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسري عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: لا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة
(3)
، ولعل المراد به من كان يقرأ للناس ويعلمهم القرآن لأنه يبعد أن يلزم عمر رضي الله عنه كل قارئ للقرآن أن يكون عالماً باللغة.
وأما عناية عمر رضي الله عنه بالسنة فقد تمثلت في عدة أمور هي:
(1)
الشاعِبان: المنكبان لتباعدهما. ابن منظور / لسان العرب 7/ 128.
(2)
رواه أحمد / المسند 1/ 25، الترمذي / السنن 1/ 110، أبو يعلى / المسند 1/ 172، 173، ابن المنذر / الأوسط 5/ 194، والأثر حسن عند أحمد، رجاله ثقات سوى قيس بن أبي قيس الجعفي فهو صدوق. تق 458، ورواه أحمد من طريق آخر رجاله ثقات، ولكنه مرسل من رواية علقمة بن قيس عن عمر وروايته عنه مرسلة، العلائي / جامع التحصيل ص 240، ورواه سائر من رواه من هذين الوجهين.
(3)
ذكره الشاطبي / الاعتصام ص 144، وقال: وقد روى عن ابن أبي مليكة أن عمر
…
الخ، ولم يذكر سنداً وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، ثقة من الثالثة روايته عن عمر مرسلة. فالأثر ضعيف.
أولاً: الحرص الشديد على التوثق من صحة ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد كان عمر رضي الله عنه يستوثق أحياناً من صحة ما ينقله صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ويطلب منهم أن يأتوا بمن يشهد معهم على صحة ما نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مع يقينه رضي الله عنه بعدالتهم وصدقهم، وعدم احتمال صدور الكذب منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ذلك منه رضي الله عنه زيادة في التحري والتوثق من صحة المنقول وإبعاداً عن احتمال الوهم أو الخطأ أو النسيان أو الغفلة من الناقل.
ولعل عمر رضي الله عنه كان يلجأ إلى ذلك إذا بلغه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم استغربه أو علم خلافه ومن أمثلة ذلك قصته المعروفة مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عندما استأذن عليه ثلاثاً فلم يأذن له عمر رضي الله عنه، وكان مشغولاً، فرجع أبو موسى، ففزع عمر رضي الله عنه، فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس، إئذنوا له، قيل: قد رجع، فدعاه، فقال: كنا نؤمر بذلك، فقال عمر: تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلق إلى مجلس الأنصار، فسألهم، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، أبو سعيد الخدري، فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال عمر: أخفي علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألهاني الصفق بالأسواق
(1)
.
واستشار عمر رضي الله عنه أصحابه في إملاص المرأة
(2)
، فقال
(1)
تقدم تخريجه في ص: (261).
(2)
إملاص المرأة: أي المرأة الحامل التي تضرب، فتملص جنينها أي تزلقه قبل وقت ولادته. ابن منظور / لسان العرب 13/ 177.
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة
(1)
.
وقد قبل عمر رضي الله عنه الأخبار التي بلغته عن آحاد الصحابة رضوان الله عليهم ولم يطلب منهم توثيقاً لخبرهم من طرف آخر.
فقد خرج رضي الله عنه حاجاً، فاشتدت الريح عليه وعلى أصحابه وهم بالطريق، فقال عمر رضي الله عنه: من يحدثنا عن الريح؟ فلم يرجعوا إليه شيئاً، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فبلغني الذي سأله عنه عمر رضي الله عنه، فاستحثثت راحلتي حتى أدركته، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها، فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا من شرها"
(2)
. فأخذ عمررضي الله عنه بقوله.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (660).
رواه الشافعي / المسند ص 241، عبد الرزاق / المصنف 9/ 58، 59، 61، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 391، 6/ 8، أحمد / المسند 4/ 244. صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه المسور بن مخرمة، قال: استشار
…
الأثر.
(2)
رواه الشافعي / المسند ص: 81، 82، عبد الرزاق / المصنف 11/ 89، أحمد / المسند 2/ 267، 268، البخاري / الأدب المفرد ص 312. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن الزهري، قال: حدّثني ثابت بن قيس أن أبا هريرة قال: أخذت ريح
…
الأثر.
ولما خرج رضي الله عنه إلى الشام
(1)
، وعلم بوقوع الطاعون استشار كبار الصحابة، والمهاجرين والأنصار في الرجوع إلى المدينة أو الدخول إلى بلاد الشام، حتى جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان متغيباً في حاجة له، فقال: إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها فراراً منه".
فحمد الله عمر رضي الله عنه، وانصرف راجعاً إلى المدينة
(2)
.
وكان عمر رضي الله عنه يقول: إن المرأة لا ترث من دية زوجها شيئاً حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي
(3)
أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه: أن يورث امرأة أشيم الضبابي
(4)
من دية زوجها
(5)
.
(1)
كان خروجه ذلك رضي الله عنه في السنة الثامنة عشرة من الهجرة. 2/ 507.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 15، 206، مسلم / الصحيح / شرح النووي/ 14/ 208 - 212، أحمد / المسند 1/ 194 وغيرهم.
(3)
الضحاك بن سفيان بن عوف بن كلاب الكلابي، صحابي معروف، كان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم. تق 279.
(4)
أشيم الضِبابي، قتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً. ابن حجر / الإصابة 1/ 52.
(5)
رواه مالك/الموطأ 2/ 245، ابن المبارك/المسند ص: 101، 102، عبد الرزاق/ المصنف 9/ 397، أبو داود / السنن 3/ 129، 130، ابن ماجه / السنن 2/ 883، الترمذي/السنن 3/ 288، وسنده عند عبد الرزاق صحيح إلى سعيد ابن المسيب.
قال: عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب
…
الأثر.
ورواه سائر من رواه من رواية المسيب عن عمر رضي الله عنه وقد اختلف في سماعه عنه. وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 216.
وأتى عمر بامرأة تشم، فقام فقال: أنشدكم بالله من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الوشم؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا سمعت، قال: ما سمعت؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تشمن، ولا تستوشمن"
(1)
.
ثانياً: النهي عن كثرة التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ومن حرص عمر رضي الله عنه وعنايته بالسنة النبوية، وخشيته أن يدخل فيها ما ليس منها، نهيه عن كثرة التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك مظنة وقوع المتحدث في الوهم والخطأ، ومدعاة لعدم التحري والدقة في نقل الأخبار ولقد اتسعت الدولة الإسلامية في خلافة عمر رضي الله عنه وكثر الداخلون في الإسلام، وربما كان الكثير منهم حديثو عهد بكفر ومن غير العرب، فتفضي كثرة تحديثهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقوعهم في الحيرة والشك، وربما الانحراف عن الصراط المستقيم بسبب سوء الفهم وقلة الفقه
(2)
.
قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: إياكم وأحاديث إلا
(1)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 44.
والوَشْمُ: أن يغرز الجلد بإبرة ثم يُحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 5/ 189.
(2)
انظر: ابن كثير / البداية والنهاية 8/ 110.
حديثاً كان في عهد عمر، كان يخيف الناس في الله عز وجل
(1)
.
وقال قرظة بن كعب
(2)
رضي الله عنه: بعث عمر رضي الله عنه رهطاً من الأنصار إلى الكوفة، فبعثني معهم، فجعل يمشي معنا حتى أتى صرار
(3)
، وصرار ماء في طريق المدينة، فجعل ينفض الغبار عن رجليه ثم قال: إنكم تأتون الكوفة فتأتون قوماً لهم أزيز بالقرآن، فيأتونكم، فيقولون: قدم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شريككم
(4)
.
وقال عمر لأبي هريرة رضي الله عنهما، وكان من المكثرين من رواية الحديث: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض
(1)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 7/ 127، 128، أحمد /المسند 4/ 99 وغيرهما.
(2)
قرظة بن كعب بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري شهد أحداً، وما بعدها، وفتحت الري على يديه في خلافة عمر رضي الله عنه، وولاه علي رضي الله عنه الكوفة. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 365.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: (589).
(4)
رواه عبد الله بن المبارك / المسند ص 139، 140، الدارمي / السنن 1/ 85، ابن ماجه / السنن 1/ 12، ابن أبي خيثمة / التاريخ ق 158/أ، الطبراني / التاريخ 2/ 567. صحيح من طريق الدارمي. قال: أخبرنا يزيد بن هارون، أنا أشعث بن سوار عن الشعبي عن قرظة بن كعب.
دوس
(1)
، وقال لكعب
(2)
: لتتركن الأحاديث أو لألحقنك بأرض القردة
(3)
.
ومراد عمر بذلك - والله أعلم - نَهْي أبي هريرة رضي الله عنه من التحديث أو الإكثار منه بين عامة الناس، فإن فيهم العالم والجاهل وسيء الفهم والزائغ عن الحق فيفضي ذلك إلى مساوئ كثيرة، وإلاّ فإنه رضي الله عنه لم يمنع أبا هريرة من التحديث بين أهل العلم ومن يعي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر رضي الله عنه يقبل منه ما يحدث به كما تقدم، ولم يثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله لما حدث بأحاديث بعد وفاة عمر رضي الله عنه: أفإن كنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي، أما والله إذاً لألفيت المخفقة ستباشر ظهري
(4)
.
(1)
دَوْس: بطن من زهران إحدى قبائل عسير الكثيرة، وقدم وفد دوس على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بخيبر. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/ 394.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (317).
(3)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 16، أبو زرعة / التاريخ 1/ 544. صحيح من طريق أبي زرعة. واللفظ له. قال: حدّثني محمّد بن زرعة الرعيني، قال: حدّثني مروان بن محمّد، قال: حدّثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن السائب بن يزيد، قال: سمعت عمر
…
الأُثر.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 262، الذهبي / سير أعلام النبلاء 2/ 602، 603، وهو عند عبد الرزاق منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، وفيه عند الذهبي يزيد بن يوسف الرحبي، وشيخه صالح أبو الأخضر، ضعيف من السادسة. تق 271، فالإسناد معضل، والأثر ضعيف.
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: إن حذيفة
(1)
كان يحدث بأشياء كان يقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غضبه لأقوام، فأؤتى فأسأل عنها فأقول: حذيفة أعلم بما يقول، وأكره أن تكون ضغائن بين أقوام، فأُتى حذيفة فقيل له: إن سلمان لا يصدقك ولا يكذبك بما تقول، فجاءني حذيفة، فقال: يا سلمان بن أبي سلمان، فقلت: يا حذيفة ابن أم حذيفة، لتنتهين أو لأكتبَنّ فيك إلى عمر، فلما خوفته بعمر تركني، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولد آدم أنا، فأيما عبد من أمتي لعنته لعنة أو سببته سبة في غير كنهه
(2)
، فاجعلها عليه صلاة"
(3)
.
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه قال لابن مسعود وأبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهم: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم
(1)
هو ابن اليمان الصحابي الجليل رضي الله عنه. تقدمت ترجمته في ص: (181).
(2)
كُنْهه: نهاية الشيء وحقيقته. ابن منظور /لسان العرب 12/ 174. أي: لا يستحق اللعن والسبّ حقيقة.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 5/ 219/أ، البخاري / الأدب المفرد ص 91، 92، الطبراني / المعجم الكبير 6/ 260.
ومداره على عمرو بن قيس الماصر وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود والفسوي. تهذيب الكمال 21/ 484. وقال الذهبي: مرضي ثقة مرجئ الكاشف. 2/ 68. وقال ابن حجر: صدوق ربما وهم تق: 416. وبقية رجاله عند البخاري ثقات وسنده متصل. وقد حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد ص 104، 105.
لم يدعهم يخرجون من المدينة حتى مات
(1)
.
وفي آخره عند البلاذري زيادة "سوى ابن مسعود".
ولكن حبس عمر رضي الله عنه لأبي الدرداء، وأبي ذر أمر مستبعد، فإن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كان فيهم من المكثرين للحديث كأبي هريرة الذي أنكر عليه عمر رضي الله عنه كثرة تحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، ولم يؤثر عن عمر رضي الله عنه حبسه لهم، ثم إن أبا ذر، وأبا الدرداء، لم ينقل عنهم كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
، إضافة إلى أن المؤرخين وأهل التراجم ذكروا أن
(1)
رواه ابن سعد /الطبقات 2/ 336، البلاذري / أنساب الأشراف ص 151، أبو زرعة / التاريخ 1/ 545، أبو العرب / المحن ص 386، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 1/ 262، 263، أبو نعيم / الإمامة ص 325، ومداره على حجاج بن محمد المصيص، ثقة ولكنه اختلط قبل موته بسنة ولم أقف على من روى عنه قبل الاختلاط أو بعده، وبقية رجاله عند ابن سعد والبلاذري ثقات وسنده متصل.
(2)
ذكر أهل العلم أن الذين عرف عنهم كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته صلى الله عليه وسلم سبعة، هم: أبو هريرة، عبد الله بن عمر، أنس بن مالك، عائشة رضي الله عنها، عبد الله بن عباس، جابر بن عبد الله، أبو سعيد الخدري رضي الله عنهم. صبحي الصالح/ علوم الحديث ومصطلحه ص: 359 - 371.
عمر رضي الله عنه بعث أبا الدرداء قاضياً ومفقهاً لأهل دمشق، كما تقدم ذلك
(1)
.
وكذلك فإنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بعثه عمر رضي الله عنه معلّماً لأهل الكوفة ومفقّهاً كما ثبت بذلك الأثر
(2)
.
فهذا يضعف ما في هذا الحديث من حبس عمر رضي الله عنه للمذكورين في الأثر.
ثالثاً: همه رضي الله عنه بكتابة السنة صيانة لها من الضياع، ثم تركه ذلك خشية من الانشغال بها عن القرآن.
فقد أراد عمر رضي الله عنه كتابة السنة وجمع نصوصها في كتاب مكتوب حفاظاً لها من الضياع ولكنه رضي الله عنه خشي أن ينشغل الناس بذلك عن دراسة القرآن والعناية به حيث لا زال تدوين القرآن غضاً طرياً، وهو بحاجة إلى مزيد من العناية والاهتمام، ولا زال الناس في حاجة لمدراسة كتاب الله وحفظه في الصدور، ولم تكن هناك خشية من ضياع السنة وكبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين تلقوا عنه أقواله وأفعاله وعاصروا حياته صلى الله عليه وسلم متوافرون في كل بلد ومصر من أمصار المسلمين، يقومون بالجهاد في سبيل الله والدعوة إلى دينه، ويجلسون للناس في حلقات الدرس والعلم، لذلك أمر عمر رضي الله عنه بمحو ما
(1)
انظر: ص: 777، وانظر كلام الشيخ مصطفى السباعي في كتابه: السنة ومكانتها في الشرع الإسلامي، ص: 64، 65.
(2)
انظر ص: (769).
كتب من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 286، 287، 5/ 188، البلاذري / أنساب الأشراف ص 217، ابن أبي خيثمة / العلم ص 115، الخطيب البغدادي / تقييد العلم ص 50، ورجال إسناده عند ابن سعد والبلاذري ثقات ولكنه منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، ولفظه: أن عمر أراد كتابة السنن، فاستخار الله شهراً، ثم أصبح وقد عزم له، فقال: ذكرت قوماً كتبوا كتاباً، فأقبلوا عليه، وتركوا كتاب الله.
وهو عند الخطيب بهذا اللفظ ولكنه من رواية الزهري عن عروة بن الزبير، وعروة روايته عن عمر منقطعة فهو ثقة من الثالثة.
ورواه الخطيب من طريق آخر وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى شيخ الخطيب أبي الفتح عبد الملك بن عمر بن خلف، قال الخطيب: لم يكن بذاك. تاريخ بغداد 10/ 433، وهو من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه ابن أبي خيثمة من طريق رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية يحيى بن جعدة، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ولفظه أن عمر أراد كتابة السنة ثم كتب في الناس: من كان عنده شيء من ذلك فليمحه، وقد ورد الأمر بالمحو أو التحريق عند ابن سعد بإسناد رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر عنه، وهو ثقة من الثالثة.
فما ورد في الأثر من همّ عمر رضي الله عنه بكتابة السنة ثم تركه ذلك، وأمره بمحو ما كتب، يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
المطلب الثاني: العناية بالعقيدة وسلامتها.
لقد حرص عمر رضي الله عنه غاية الحرص على سلامة عقيدة رعيته وإيمانهم ويقينهم بالله عز وجل وتصديقهم لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشرع والدين وقد عمل رضي الله عنه على تحقيق ذلك بما يلي:
أولاً: التحذير من الإشراك بالله عز وجل وسده الذرائع الموصلة إليه:
فمن تحذيره رضي الله عنه عن الإشراك بالله عز وجل واعتقاد النفع والضر في غيره وحثه على إخلاص العبادة لله عز وجل قوله رضي الله عنه، وهو يطوف بالكعبة وقد قبل الحجر الأسود: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك
(1)
.
وذلك ليعلم رضي الله عنه من حوله من الناس هذا المبدأ العظيم، وهو أن النافع والضار هو الله عز وجل، وأن من سواه لا يملك نفعاً ولا ضراً، وإن بلغ ما بلغ من المكانة العظيمة عند الله عز وجل وعند خلقه.
ومن سده رضي الله عنه لذرائع الشرك أنه رأى أنس بن مالك رضي الله عنه يصلي، وأمامه قبر، فقال رضي الله عنه له وهو يصلي: القبر القبر
(2)
. وذلك لكي يتجنب الصلاة وراء هذا القبر فقد يراه من يمر
(1)
صحيح، تقدم تخريجه في ص:(166).
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 404، وابن أبي شيبة / المصنف 2/ 153، ابن المنذر / الأوسط 2/ 186. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن ثابت البناني عن أنس بن مالك، قال: رآني عمر
…
الأثر.
به من عامة الناس ويظن جواز فعل ذلك أو مشروعيته لفعل هذا الصحابي الجليل لذلك.
ولما ذهب رضي الله عنه إلى الشام، صنع له رجل من عظماء النصارى طعاماً ودعاه إليه، فقال عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها، يعني التماثيل
(1)
.
ومن حرص عمر رضي الله عنه على سلامة عقيدة رعيته في أفعالهم وأقوالهم وجميع أحوالهم، ما رواه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: كان عمر بالمخمص
(2)
فاستبق الناس، فسبقهم عمر فقال عبد الله: فانتهزت، فسبقته فقلت سبقته والكعبة، ثم انتهز فسبقني فقال: سبقته والله، ثم انتهزت فسبقته فقلت: سبقته والكعبة، ثم انتهز الثالثة فسبقني فقال: سبقته والله، ثم أناخ فقال: أرأيت حلفك بالكعبة، والله لو أعلم
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 411، 413، 10/ 398، مسدد / المسند / اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 3/ 154/أ، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 261، 7/ 10، البخاري / الأدب المفرد ص 427، الحاكم / المستدرك 3/ 82. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر أن عمر حين قدم الشام
…
الأثر.
(2)
المَخْمِص: طريق في جبل عير إلى مكة. ياقوت الحموي / معجم البلدان 5/ 73.
أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك، احلف بالله فآثم أو ابرر
(1)
.
روي أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يحلف بالكعبة فضربه ثم قال: الكعبة تطعمك، الكعبة تسقيك؟!
(2)
.
وروي عن خناس بن سحيم، قال: أقلبت مع زياد
(3)
بن حُدَير فقلت في كلامي: لا والأمانة. فجعل زياد يبكي فظننت أني أتيت أمراً عظيماً، فقلت له: أكان يكره هذا؟ قال: نعم. كان عمر ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 468، ابن أبي شيبة / المصنف 3/ 79، الفاكهي / أخبار مكة 1/ 353، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 29. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يخبر أنه سمع ابن الزبير يخبر أن عمر لما كان
…
الأثر.
(2)
رواه الفاكهي/ أخبار مكة 1/ 345، وفي إسناده شيخه إبراهيم بن أبي يوسف لم أجد له ترجمة، وفيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد صدوق يخطئ، تق:361. وهو من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما، وروايته عنه منقطعة، فالأثر ضعيف.
(3)
زياد بن حُدَير الأسدي، له ذكر في الصحيح، ثقة عابد من الثانية، تق:218.
(4)
رواه ابن المبارك/ الزهد ص: 70، 71، وأبو نعيم/ حلية الأولياء 4/ 196. وفي إسناده عند ابن المبارك شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً تق:266.
وفيه خناس بن سحيم ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/ 395، وذكره ابن حبان في الثقات 6/ 276، ورواه أبو نعيم من طريق ابن المبارك، فالأثر ضعيف.
ومن سد عمر رضي الله عنه لذرائع الشرك والاعتماد على غير الله عز وجل في جلب النفع ودفع الضر، محاربته رضي الله عنه للسحرة والمشعوذين الذين يصرفون الناس عن تعلقهم بربهم، وسؤاله، وتوكلهم عليه، إلى الاعتماد على الجن وسؤالهم، ويسعون في إفساد عقائد المسلمين وعقولهم، وأكل أموالهم بالباطل، فكانت عقوبته رضي الله عنه لهؤلاء المفسدين صارمة وقاطعة لدابرهم، فقد كتب رضي الله عنه قبل موته بسنة إلى عماله والقائمين بأمره: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه أخذ ساحراً فدفنه إلى صدره ثم تركه حتى مات
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 49، 10/ 180، 181، سعيد بن منصور / السنن 2/ 90 - 92. ابن سعد / الطبقات 7/ 131، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 562، 6/ 430، أحمد/ المسند 1/ 190، 191، أبو داود/ السنن 3/ 168، أبو يعلى/ المسند 2/ 166، 167، صحيح من رواية عبد الرزاق.
قال: عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال: سمعت بجالة التميمي قال: كنت كاتباً لجزء بن معاوية، فأتى كتاب عمر قبل موته بسنة: أن اقتلوا
…
الأثر.
(2)
رواه ابن حزم/ المحلى 12/ 414، وفي إسناده شيخه حمام لم أجد له ترجمة، وفيه المثنى بن الصباح اليماني الأبناوي نزيل مكّة ضعيف اختلط بآخره وكان عابداً تق: 519، وبقية رجاله ثقات، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماعه منه. فالأثر ضعيف.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في تحذيره من الشرك وصرفه الناس عنه، أنه رضي الله عنه بلغه أن الشجرة التي بويع عندها النبي صلى الله عليه وسلم يأتيها الناس، أي بقصد التبرك، فأمر بها عمر فقطعت
(1)
.
وروي أن المعرور بن سويد
(2)
رحمه الله تعالى قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر رضي الله عنه: ما شأنهم؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً، فمن عرض له فيه صلاة فليصل، ومن لم يعرض له فيه صلاة فليمض
(3)
.
وهذا الأثر والذي قبله فيهما دلالة على كراهية عمر رضي الله عنه إتيان المواضع التي أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة أو الجلوس، فيها والتي لم
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 2/ 100، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 150، الفاكهي / أخبار مكة 5/ 78، ابن وضاح / البدع ص 42، 43، ومداره على نافع مولى ابن عمر روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر ضعيف.
(2)
المعرور بن سويد الأسدي، أبو أمية الكوفي، ثقة من الثالثة. تق 540.
(3)
رواه ابن وضاح / البدع ص 41، 42، ابن كثير / مسند الفاروق 1/ 142، وفي إسناديهما الأعمش، مدلس ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله ثقات، ورواه ابن وضاح من طريق آخر سنده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق سوى شيخ ابن وضاح إبراهيم بن محمد بن عوف لم أجد له ترجمة.
يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإتيانها، لأن ذلك قد يفضي إلى الغلو فيها والتبرك بها، واعتقاد النفع والضر بها.
ثانياً: الحث على العمل بالسنة، ومجانبة الابتداع:
فقد عمل عمر رضي الله عنه على إلزام رعيته الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وترك الابتداع والإحداث في الدين.
كتب عامل لعمر رضي الله عنه: إن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أقبل بهم معك، فأقبل، وقال عمر رضي الله عنه للبواب: أعد سوطاً، فلما دخلوا على عمر رضي الله عنه، علا أميرهم ضرباً بالسوط
(1)
.
وجاء عنه رضي الله عنه أنه كان في نَعم من نَعم الصدقة، فمر به رجلان، فقال: من أين جئتما؟ قالا: من بيت المقدس، فعلاهما بالدرة، وقال: حج كحج البيت؟! قالا: يا أمير المؤمنين، إنا جئنا من أرض كذا وكذا، فمررنا به، فصلينا فيه، فقال: كذلك إذاً، فتركهما
(2)
.
(1)
رواه ابن وضاح / البدع ص 18، 19، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى معاوية بن هشام، فهو صدوق له أوهام. فالأثر حسن.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 5/ 133، الفاكهي / أخبار مكة 2/ 100. صحيح عندهما إلى سعيد بن السيب، وقد اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يضرب الرجبيين، الذين يصومون شهر رجب كله
(1)
.
ثالثاً: الحث على الاتباع وترك السؤال عن المشتبهات والخوض فيها:
قال عمر رضي الله عنه وهو يوضح ذلك لرعيته: فما لنا وللرمل
(2)
إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال رضي الله عنه: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه
(3)
.
وقرأ رضي الله عنه وهو بين أصحابه قوله تعالى {وَفَكِهَةً وَأَبًّا}
(4)
فقال: ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، وما عليك ألا
(1)
رواه ابن وضاح / البدع ص 44، وفي إسناده محمد بن مصفّى الحمصي، صدوق له أوهام وبقية رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2)
الرَمَلُ: رَمَل الرجل يَرْمل رَمَلاناً إذا أسرع في مشيته وهز منكبيه. ابن منظور / لسان العرب 5/ 320.
(3)
رواه البخاري /الصحيح 1/ 279، أحمد / المسند 1/ 45، ولفظه عند أحمد: فيما الرملان الآن والكشف عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناده حسن. وتقدم في ص 169.
(4)
سورة عبس، الآية (31).
تدري ما الأب
(1)
.
وقال عمر رضي الله عنه: اقرأوا القرآن ما اتفقتم عليه، فإذا اختلفتم فقوموا
(2)
.
وقال رضي الله عنه: يهدم الإسلام ثلاث، زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون
(3)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور / السنن 1/ 181. ابن سعد / الطبقات 3/ 327، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 136، البلاذري / أنساب الأشراف ص 329، 330، الحاكم / المستدرك 2/ 290، 514. صحيح من طريق البلاذري. قال: حدّثني خلف بن هشام، حدّثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وقد تقدم في 170.
(2)
رواه النسائي / السنن الكبرى 5/ 34، البيهقي / شعب الإيمان 5/ 212، 213. صحيح من طريق البيهقي. قال: أخبرنا أبو محمّد بن يوسف، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدّثنا الحسن بن محمّد الزعفراني، حدّثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، أخبرنا عون عن أبي عمران أن عبد الله بن الصامت قال: قال عمر اقرأوا
…
الأثر.
(3)
رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 4/ 196، ابن كثير / مسند الفاروق 2/ 661، صحيح من رواية ابن كثير عن جعفر الفريابي. قال جعفر: حدّثني زكريا بن يحيى البلخي، حدّثنا وكيع عن مالك بن مغول عن أبي الحصين عن زياد بن حُدَير، قال: قال عمر
…
الأثر.
وفي إسناده عند أبي نعيم شيخه وشيخه أحمد بن موسى وشيخه إسماعيل بن سعد لم أعرفهم. وفيه جرير عبد الحميد الضّبي موسى من الثالثة ولم يصرح بالسماع.
وقال رضي الله عنه: ثلاثة أشياء وددت أيها الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها، الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا
(1)
.
وذلك لكراهيته رضي الله عنه الخلاف الذي وقع في هذه المسائل، وما ينشأ عن ذلك من فرقة واختلاف.
ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه في حث رعيته على اتباع السنة وترك الخوض في المشتبهات موقفه رضي الله عنه من صبيغ التميمي
(2)
، فعن السائب
(3)
بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: أتى عمر بن الخطاب، فقيل: يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن، فقال عمر: اللهم مكّني
(1)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 18/ 165، ابن حبان / الصحيح 7/ 371، 372.
(2)
ترجم له ابن حجر وقال: صبيغ بن سهل الحنظلي له إدراك تم قصته مع عمر رضي الله عنه. الإصابة 2/ 198.
(3)
السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي يعرف بابن أخت النمر، استعمله عمر على سوق المدينة مات سنة اثنتين وثمانين، وقيل: بعد التسعين قيل سنة إحدى وقيل سنة أربع. وقال أبو داود: هو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. ابن حجر/ الإصابة 2/ 12، 13.
منه. قال: فبينما عمر ذات يوم جالساً يغدي الناس إذ جاء عليه ثوب وعمامة فتغدى حتى أفرغ. قال: يا أمير المؤمنين: {وَالذَّارِيتِ ذَرْوًا فَالْحَمِلتِ وِقْرًا}
(1)
.
فقال عمر: أنت هو؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته. فقال: والذي نفسي بيده لو وجدتك محلوقاً
(2)
لضربت رأسك. ألبسوه ثياباً واحملوه على قَتَب
(3)
ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم يقول إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك وكان سيد قومه
(4)
.
(1)
سورة الذّاريات آيتان: 1 - 2.
(2)
محلوقاً: أي: محلوق الرأس. قال ابن حجر رحمه الله: قال أبو أحمد العسكري: اتهمه عمر برأي الخوارج. الإصابة 2/ 199.
أقول: وقد ورد في الحديث أن سيما الخوارج التحليق. قال صلى الله عليه وسلم: "يخرج ناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فُوقه، قيل: ما سماهم؟ قال: سماهم: التحليق أو قال: التسبيد. البخاري/ الصحيح 4/ 311.
(3)
قَتَب: إكاف البعير، وقيل: هو الإكاف الصغير الذي على قدر سنام البعير. ابن منظور/ لسان العرب 11/ 28.
(4)
رواه الآجري/ الشريعة ص: 74، 75، واللالكائي/ شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/ 701، 702. وسنده عند اللالكائي متصل ورجاله ثقات.
قال: أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن محمّد البغوي، قال: ثنا داود بن وفي إسناده عند البزار سعيد بن سلام العطار متهم بالوضع. ميزان الاعتدال 2/ 141، وأبو بكر بن سبرة متهم كذلك بالوضع تق:623. فالسند ضعيف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رشيد، قال: ثنا مكّيّ عن الجعيد بن عبد الرحمن عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد. فالأثر صحيح. وصححه الحافظ ابن حجر في الإصابة 2/ 199.
وجاءت الرواية من طريق آخر وفيها: أن عمر ضرب صبيغاً حتى سال الدم على وجهه.
رواه الدارمي/ السنن 1/ 45، اللالكائي/ شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/ 702، 703، وأبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان الحجة 1/ 193، 194.
وسنده عن الدارمي رجاله ثقات، ولكنه من رواية سليمان بن يسار وهو ثقة من كبار الثالثة تق:255. وروايته عن عمر منقطعة. ورواه سائر من رواه من رواية سليمان بن يسار عن عمر رضي الله عنه. فالسند ضعيف.
وجاءت أيضاً من طريق ثالث وفيها أن عمر رضي الله عنه ضربه مائة سوط وحبسه في بيت، فلما برأ أخرجه فضربه مثلها، وأمر بعدم مجالسته حتى حلف بالأيمان المغلظة أنه ذهب عنه ما كان في صدره، فخلى عمر بينه وبين الناس.
رواه الدارمي/ السنن 1/ 54، 55، وابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص: 168، وابن وضاح/ البدع ص: 56، 57، والبزار/ المسند 1/ 423، 424.
وفي إسناده عند الدارمي وابن عبد الحكم، عبد الله بن صالح المصري كاتب اللّيث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه تق:308. وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما ولم يدركه.
ورواه ابن وضاح من طريق ابن وهب عن اللّيث بن سعد عن
ومما روي عنه في ذلك قوله رضي الله عنه: دعوا الربا والريبة
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنة أعلم بكتاب الله
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 448، 449، أحمد / المسند 1/ 49، 50، ابن ماجه / السنن 2/ 764، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند أحمد وابن ماجه قتادة بن دعامة وهو مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في سماعه منه.
(2)
رواه الدارمي / السنن 1/ 49، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 16، 17، الآجري / الشريعة ص 55، 58. ابن عبد البر / جامع بيان العلم وفضله 2/ 135، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة، وفي إسناده عند الدارمي عبد الله بن صالح الجهني صدوق كثير الغلط، وهو مرسل من رواية عمر بن عبد الله بن الأشج، قال ابن أبي حاتم في ترجمة عمر: روى عن عمر مرسل، وذكر الأثر الذي أنا بصدده ولم يذكر في الأشج جرحاً ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 172 وفي حاشية إتحاف المهرة نقل توثيق العجلي له 12/ 342، ورجال إسناده عند ابن شبة ثقات أيضاً ولكنه منقطع من رواية محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة وهو عند الآجري معضل من رواية بكير الأشج ثقة من الخامسة تق 128، وفي إسناده عند ابن عبد البر ابهام بشيخه حيث قال: أخبرني رجل من أهل المدينة، وفيه صدقة بن أبي عبد الله لم أعرفه ورواه من طريق آخر وفيه: عبد الرحمن بن شريك النخعي، صدوق يخطئ، وأبوه شريك صدوق يخطئ كثيراً، وفيه مجالد بن سعيد ضعيف، وفي إسناده عند أبي القاسم غالب بن عبيد الله العقيلي، قال ابن معين: ليس بثقة، وقال الدراقطني وغيره: متروك. ميزان الاعتدال 3/ 331.
رابعاً: تحذيره من التنطع والتعمق في الدين:
فقد كان عمر رضي الله عنه حريصاً على ابعاد الرعية عن التنطع في الدين والتشدد فيه والذي يفضي إلى الخروج عن الحق إلى الباطل بالزيادة في الدين والغلو فيه وترك ما جاء به الدين من الوسطية في العقائد والعبادات والمعاملات.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأيت أحداً كان أشد خوفاً على المتنطعين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشد خوفاً من أبي بكر، وإني لأرى عمر بن الخطاب كان أشد خوفاً عليهم ولهم
(1)
.
(1)
رواه إسحاق بن راهويه/ المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/ 72/أ صحيح. قال: قلت لأبي أسامة أحدّثكم مسعر، قال: أخرج إلى معن بن عبد الرحمن كتاباً فحلف أنه خطّ أبيه فإذا فيه: قال عبد الله: والذي لا إله غيره
…
الأثر.
ومعن بن عبد الرحمن هو: معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، ثقة من كبار السابعة، تق:542.
وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ثقة من صغار الثانية، تق: 344
خامساً: النهي عن مشابهة الكفار وموادتهم:
فإن مخالطة أهل الشرك وموادتهم مدعاة للتأثر بهم في عادتهم، وعقائدهم.
قدم الحارث بن معاوية
(1)
على عمر رضي الله عنه فقال له: كيف تركت أهل الشام؟
فأخبره عن حالهم، فحمد الله ثم قال: لعلكم تجالسون أهل الشرك؟ فقال: لا يا أمير المؤمنين، قال عمر: إنكم إن جالستموهم أكلتم وشربتم معهم، ولن تزالوا بخير ما لم تفعلوا ذلك
(2)
.
ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام أتى ببرذون فركبه، فهزه فكرهه، فنزل عنه وركب بعيره، فعرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأخذهما بيده وخاض الماء، وهو ممسك بعيره بخطامه، أو قال: بزمامه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: لقد صنعت اليوم صنيعاً
(1)
الحارث بن معاوية بن زمعة الكندي، مختلف في صحبته. ابن حجر / الإصابة 1/ 290، 291.
(2)
رواه البيهقي / شعب الإيمان /زغلول 7/ 42، 42. صحيح. قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر نا يعقوب بن سفيان أبو اليمان نا جرير عن سليمان عن الحارث بن معاوية أنه قدم على عمر
…
الأثر.
عظيماً عند أهل الأرض، فصك في صدره، ثم قال: أوه يمد بها صوته لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأقل الناس، وأحقر الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله
(1)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك أنه قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم
(2)
.
وروي أنه قال: لا يجاورنكم خنزير، ولا يرفع فيكم صليب، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر
(3)
.
(1)
صحيح تقدم تخريجه في ص: (302)، وانظر:351.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 411، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 7/ 43، السنن الكبرى 9/ 234، وإسناده عند عبد الرزاق والبيهقي معضل من رواية عطاء بن دينار عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السادسة، ورواه البيهقي من طريق آخر، وفيه محمد بن سليمان بن فارس لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وما فيه من النهي عن تعلم لغة الأعاجم يحمل لو ثبت على ما إذا خشي من تعلم لغة الأعاجم قراءة كتبهم والتأثر بهم، والميل إليهم، وإلا فإن تعلم لغة الأعداء يعين على معرفة مؤامراتهم وإبطالها ويفيد في دعوتهم للإسلام وبيان شرائعه لهم.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 61، 11/ 462، ابن أبي عمر / المسند/ المطالب العالية لابن حجر ص 490/أ، الحسن بن عرفة / جزء ص 90، البيهقي / السنن الكبرى 9/ 201، وفي إسناده عند عبد الرزاق زيد بن رفيع ضعفه الدارقطني، وقال النسائي: ليس بالقوي. ميزان الاعتدال 2/ 103، وفيه حرام ابن معاوية ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/ 282، وذكره ابن حبان في الثقات 4/ 185، وترجم له ابن حجر باسم حرام بن حكيم وقال: ثقة، من الثالثة. تق 155، روايته عن عمر مرسلة، ورواه سائر من رواه من طريق زيد بن رفيع به مثله، ورواه ابن أبي عمر من طريق آخر، وفيه ابن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وفيه أبو النميري، وشيخه الباهلي الراوي عن عمر رضي الله عنه لم أجد لهما ترجمة. فالأثر ضعيف.
وصح أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه اتخذ كاتباً نصرانياً، فانتهره عمر، وقرأ قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
(1)
.
(1)
سورة المائدة، الآية (51).
رواه البيهقي / السنن الكبرى 9/ 204، 10/ 127، من طريقين في الأولى شيخ البيهقي زيد بن جعفر العلوي، وشيخه عبد الواحد بن محمد النجار لم أجد له ترجمة، وفيه أسباط بن نصر الهمذاني، صدوق كثير الخطأ يغرب. تق 98، وفيه سماك بن حرب صدوق تغير بأخره، ولم يظهر لي هل رواية أسباط عنه قبل اختلاطه أم بعده.
ورواه من طريق آخر فقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو سعيد إسماعيل ابن أحمد الجرجاني أملاء أنبأ الحسن بن محمّد أبو علي الوشاء، ثنا علي بن الجعد، أنبأ شعبة عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياض الأشعري أن أبا موسى
…
الأثر. وهذا السند رجاله ثقات، والحسن الوشاء وثقه الدارقطني وضعفه ابن قانع. ميزان الاعتدال 1/ 520، وتابع فيه شعبة أسباط عن سماك وروايته عنه قبل الاختلاط، وعياضاً الأشعري قال عنه ابن حجر: صحابي له حديث، وجزم أبو حاتم بأن حديثه مرسل وأنه رأى أبا عبيدة بن الجراح فيكون مخضرماً تق 437، وقد صحح إسناد الأثر الشيخ الألباني في إرواء الغليل 8/ 255.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لكعب الأحبار
(1)
لما دخل بيت المقدس: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة، فصلى، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة
(2)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه النهي عن قراءة كتب أهل الكتاب خشية التأثر بهم. أن عمر رضي الله عنه أتي برجل من عبد القيس
(3)
، مسكنه بالسوس
(4)
، فقال له عمر: أنت فلان بن فلان
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (317).
(2)
رواه أحمد / المسند 1/ 38، المقدسي / المختارة 1/ 350، 351، فضائل بيت المقدس ص 87، وفي إسناده عند أحمد أبو سنان عيسى بن آدم ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 5/ 401، وفيه أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، ورواه المقدسي من طريق أحمد به مثله. فالأثر ضعيف.
(3)
تقدم التعريف بهم في ص: (509).
(4)
السُّوس: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبي عليه السلام. ياقوت / معجم البلدان 3/ 280، 281، وفي المنجد خوزستان: إقليم في غرب إيران على حدود العراق، قاعدة الأهواز ص 236 / الأعلام.
العبدي، قال: نعم، فضربه بعصاً معه، فقال الرجل: مالي يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: اجلس، فجلس، فقرأ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم {الر تِلْكَ ءَايتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءانَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَفِلِينَ}
(1)
، فقرأها عليه ثلاثاً، وضربه ثلاثاً، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين. فقال: لأنت الذي نسخت كتاب دانيال. فقال: مرني بأمرك أتبعه، قال: انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه أنت، ولا تقريه أحداً من المسلمين، فلأن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من المسلمين لأهلكنك عقوبة
(2)
.
وروي أن رجلين تحابا في الله بحمص في خلافة عمر، وكانا قد
(1)
سورة يوسف، الآيات (1 - 3).
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 114، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 291، البلاذري / أنساب الأشراف ص 273، أبو يعلى / المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/ 67/أ، المقدسي / المختارة 1/ 215، 216، ورجال إسناده عند عبد الرزاق والبلاذري ما بين ثقة وصدوق ولكنه معضل من رواية إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة شريك بن عبد الله النخغي صدوق يخطئ كثيراً، وهو منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند أبي يعلى والمقدسي عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ضعيف، تق 336، وخليفة بن قيس ذكره ابن أبي حاتم، وقال: شيخ ليس بالمعروف، الجرح والتعديل 3/ 376. فالأثر ضعيف.
اكتتبا من اليهود ملء صفنين
(1)
، فأخذاهما معهما يستفتيان فيهما أمير المؤمنين فقالا: يا أمير المؤمنين: إنا بأرض أهل الكتابين، وإنا نسمع منهم كلاماً تقشعر منه جلودنا، أفنأخذ منهم أم نترك؟ قال: لعلكما اكتتبتما منه شيئاً؟ فقالا: لا
…
(2)
، فلو أعلم أنكما اكتتبتما منهم شيئاً جعلتكما نكالاً لهذه الأمة، قالا والله لا نكتب منهم شيئاً أبداً، فخرجا بصفنيهما، فحفرا لهما من الأرض، فلم يألوا أن يعمقا ويدفنا، فكان آخر العهد منهما
(3)
.
خامساً: الحثّ على إخلاص العمل لله والحذر من الرياء الذي هو الشرك الأصغر الذي يبطل به العمل.
(1)
الصُّفْن: كالسفرة بين العيبة والقربة يكون فيها المتاع. ابن منظور / لسان العرب 7/ 368.
(2)
هذا نص من الرواية تركته خشية الإطالة وفيه ذكر عمر رضي الله عنه حادثة وقعت له مع النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 5/ 135، 136، وفي إسناده إسحاق بن إبراهيم زبريق، قال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: ليس بشيء، وكذبه محدث حمص محمد بن عوف، وقال أبو حاتم: لا بأس به، سمعت ابن معين يثني عليه. ميزان الاعتدال 1/ 181، وفيه شيخه عمرو بن الحارث بن الضحاك، قال الذهبي: غير معروف العدالة، وابن زبريق ضعيف. ميزان الاعتدال 3/ 251، وبقية رجاله ثقات. فالأثر ضعيف.
قال عمر رضي الله عنه: "أيّها الناس قد أتى عليّ زمان وأنا أرى من قرأ القرآن يريد الله عز وجل وما عنده، فيخيل ليّ أن أقواماً قرأوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا، ألا فأريدوا الله بأعمالكم"
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "من خلصت نيّته كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلم الله من قلبه شانه الله عز وجل فما ظنّك في ثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام"
(2)
.
سادساً: توضيحه لحقيقة الإيمان بالقضاء والقدر وتعنيفه لمن خاض فيه وذلك لأهمية هذا الركن العظيم من أركان الإيمان، وكثرة الهالكين فيه.
(1)
رواه سعيد بن منصور/ السنن 2/ 419، ومسدد/ المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 4/ 47/أ، وابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 124، وأبو يعلى/ المسند 1/ 174، 175، والبيهقي/ السنن الكبرى 9/ 42.
وسنده عند مسدد متصل ورجاله ثقات. قال: ثنا يزيد نا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما. فالأثر صحيح.
(2)
رواه أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 50. وفي إسناده السري بن إسماعيل الهمداني ابن عم الشعبي ولي القضاء، متروك الحديث تق: 230. وهو أيضاً من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وروايته عنه مرسلة كما في جامع التحصيل ص:204. فالأثر ضعيف.
فقد بيّن عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر، وأوضح له ما أشكل عليه منه، فلما قدم عمر رضي الله عنه الشام في العام الثامن عشر من الهجرة، الذي انتشر فيه وباء الطاعون، وعلم رضي الله عنه بوقوعه استشار رضي الله عنه الصحابة في دخول الشام أو الرجوع إلى المدينة، ثم شرح الله صدره للعودة إلى المدينة.
فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه أفراراً من قدر الله؟
فقال عمر رضي الله عنه: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله. أريت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان
(1)
إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله
…
" الأثر
(2)
.
ومما جاء عنه رضي الله عنه في توضيحه وتقريره للإيمان بالقضاء والقدر ما ثبت عنه أنه لما قدم الشام لعقد صلح بيت المقدس خطب بالجابية
(3)
فتشهد ثم قال: "من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له". فقال الجاثليق
(4)
: لا. فقال عمر: "ما قال؟ " فقالوا ما قال. فأعاد: "من
(1)
العُدْوَةُ: عُدْوة الوادي وعِدْوته جانبه وحافته. ابن منظور/ لسان العرب 9/ 79.
(2)
صحيح تقدم تخريجه في ص: (610، 611).
(3)
تقدم التعريف بها وتحديد السنة التي قدم فيها عمر رضي الله عنه الجابية في ص: (301).
(4)
الجاثليق: عند بعض الطوائف المسيحية الشرقية، مقدم الأساقفة. مجموعة من العلماء/ المعجم الوسيط 1/ 107
يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له" فقال الجاثليق بقميصه هكذا (ونفض إسماعيل ثوبه) وأخذه من صدره فنفضه وقال: إن الله لا يضل أحداً. فقال: "ما يقول؟ " فقالوا له ما قال: فقال: "كذبت عدو الله. خلقك والله، وأضلك ثم يميتك فيدخلك النار إن شاء الله، والله والله لولا وَلْث
(1)
عقد لك لضربت عنقك، ثم قال: إن الله خلق آدم فنثر ذريته في يديه، ثم كتب أهل الجنة وما هم عاملون، وكتب أهل النار وما هم عاملون، ثم قال هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه". فقال فتصدع الناس وما يُتنازع في القدر
(2)
.
(1)
وَلْثٌ: أي: لولا طرف من عقد لك أو يسير منه، والولث كل يسير من كثير. ابن منظور/ لسان العرب 15/ 391.
(2)
رواه عبد الله بن أحمد/ السنة ص: 142، والآجري/ الشريعة ص: 186، 187، واللالكائي/ شرح اعتقاد أصول أهل السنة 4/ 726 - 732، والخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 11/ 290 - 291، وأبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان الحجة 2/ 61، 62، وابن كثير/ مسند الفاروق 2/ 639، نقلاً عن الإمام محمّد بن الحسن الشيباني.
ورجال إسناده عند الله بن أحمد ثقات سوى عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ابن كريز القرشي، فلم يوثقه سوى ابن حبان. وذكره المزي في تهذيب الكمال ولم يذكر فيه توثيقاً لغير ابن حبان. ولم يذكر فيه جرحاً. 16/ 356. وذكره ابن حجر في التهذيب وزاد: وكان جواداً، 6/ 95. وقال في التقريب: مقبول 331.
وراه سائر من رواه من طريق عبد الأعلى بن عامر سوى الخطيب البغدادي وابن كثير، روياه من طريق محمّد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس
…
الأثر.
ومحمّد بن الحسن قال عنه الذهبي: العلامة فقيه العراق. وقال في الميزان: ليّنه النسائي وغير من قبل حفظه. سير أعلام النبلاء 9/ 134، ميزان الاعتدال 3/ 513.
وفي الإسناد أيضاً حماد بن أبي سليمان الأشعري وثقه العجلي. وقال: كان أفقه أصحاب إبراهيم (أي النخعي). ووثقه النسائي. المزي/ تهذيب الكمال 7/ 276، 277. وقال ابن حجر: فقيه صدوق له أوهام تق: 178.
وقال محقّق كتاب مسند الفاروق الدّكتور عبد المعطي قلعجي عن هذا الأثر: إنه في جامع مسانيد الإمام أبي حنيفة للخوارزمي، وإسناده صحيح.
أقول: - والله أعلم - فالأثر لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الله.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في التشديد في القدر: أنه قيل له: إن ناساً يتكلمون في القدر، فقام خطيباً فقال:"أيّها الناس، إنما هلك من كان قبلكم في القدر، والذي نفس عمر بيده لأسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما"
(1)
.
(1)
رواه اللالكائي/ شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/ 736. وفي إسناده محمّد بن حميد الرازي حافظ ضعيف حسن ابن معين الرأي فيه تق: 475. وفيه يعقوب بن عبد الله الأشعري صدوق يهم من الثامنة 608، وفيه جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي القمي صدوق يهم تق:141. فالأثر ضعيف.
وهذا الأثر فيه ضعف ويشهد له الأثر قبله في قول عمر للجاثليق: "ولولا ولث عقد لك لضربت عنقك". وهذا الأثر ليس فيه دلالة على ظهور بدعة القدر من القول بالجبر أو من نفي القدر وأن الأمر أنف في عهد عمر رضي الله عنه وإنما كانت هذه أحداث فردية لأن أوّل من أحدث بدعة نفي القدر والكلام فيه معبد الجهني في أواخر عهد الصحابة بالبصرة. فأنكر كلامه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وبين أنهم لا ينفعهم إيمانهم إن لم يؤمنوا بالقدر، لأنه ركن من أركان الإيمان
(1)
.
ومما روي عنه رضي الله عنه في معاقبة من احتجّ بالقدر: أنه أتى بسارق فقطع يده، وقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: القدر. فضربه أربعين سوطاً، ثم قال:"قطعت يدك لسرقتك، وضربتك لفريتك على الله"
(2)
.
(1)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 1/ 150. وانظر: محمّد بن صالح العثيمين/ شرح لمعة الاعتقاد ص: 114. والذهبي/ سير أعلام النبلاء 4/ 185.
(2)
رواه الخطيب البغدادي/ الجامع لأخلاق الراوي 2/ 169. وفي إسناده حماد المالكي نقل ابن أبي حاتم تكذيبه. الجرح والتعديل 3/ 153. وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف جداً.
المطلب الثالث: إقامة شعائر الدين:
لقد كان عمر رضي الله عنه شديد الحرص على إقامة رعيته لشعائر الدين وأركان الإسلام، وتطبيقها كما جاءت بها السنة النبوية الصحيحة من غير زيادة ولا نقص.
وسوف أتكلم إن شاء الله على ما فعله عمر رضي الله عنه وأمر به في سبيل إقامة هذه الشعائر وأدائها وهي الصلاة والصيام والحج والعمرة
(1)
.
المسألة الأولى: الاهتمام بالصلاة وأدائها.
لقد جاءت نصوص الكتاب والسنة دالة على عظم منزلة الصلاة في الإسلام وعلو منزلتها من الدين، وقد عرف السلف رضوان الله عليهم لهذه الفريضة العظيمة الجليلة مكانتها، وقد أولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الفريضة اهتماماً عظيماً من حيث التهيؤ لها وأداؤها في أوقاتها، ومن حيث الاهتمام بأماكن أدائها وهي المساجد والاهتمام أيضاً بالأئمة والمؤذنين.
وقد بين عمر رضي الله عنه عظم مكانة الصلاة في الإسلام، فقال رضي الله عنه:"لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"
(2)
.
(1)
أما الزكاة فإني تناولت موضعها في بحثي للماجستير لتعلقها بالنواحي المالية.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 3/ 125. ابن سعد / الطبقات 6/ 157، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 438. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت عمر يقول
…
الأثر.
وكتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها أو حافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: عرى الإيمان أربع: الصلاة والزكاة والجهاد والأمانة
(2)
.
وقد تمثل اهتمام عمر رضي الله عنه بالصلاة في عدة أمور هي:
1 - الاهتمام بالمساجد:
فإن المساجد بيوت الله التي تقام فيها الصلاة، ولا شك أن العناية
(1)
رواه مالك / الموطأ 1/ 26، عبد الرزاق / المصنف 1/ 536، 537، البيهقي / السنن الكبرى 1/ 445. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن مالك عن نافع أن عمر كتب إلى عماله، ثم ذكر الأثر، ثم ساق إسناداً آخر متصلاً فقال: عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله، أي: مثل الأثر السابق بالسند السابق.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 157، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية أبي زرعة عمرو بن حريز عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
بها فيها إعانة على إقامة الصلاة بسكون وطمأنينة، وحضور للقلب، وقد اعتنى عمر رضي الله عنه بالمساجد وعرف لها فضلها وحرمتها، وإن من أولى المساجد بالعناية والاهتمام مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقد اهتم به عمر رضي الله عنه وتمثل ذلك في زيادة مساحته بعد أن ضاق بالمسلمين، فقد كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه من الجريد، وعمده من خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر رضي الله عنه، وبناه على بنايته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وعمده من الخشب
(1)
، ونهى رضي الله عنه أن يزخرف بحمرة أو صفرة لئلا يفتن الناس في صلاتهم
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يجمر المسجد النبوي كل جمعة، ويطيبه بالبخور
(3)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 89، أحمد / المسند 2/ 130.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 89، معلقاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
قال ابن حجر رحمه الله: أما حديث أبي سعيد فهو طرف من حديثه في قصة ليلة القدر، وقد أسنده أبو عبد الله في الاعتكاف، وفي الصلاة، وفي الصوم مطولاً ومختصراً، تغليق التعليق 2/ 235، وانظر حديث أبي سعيد الذي أشار إليه ابن حجر رحمه الله في صحيح البخاري / فتح الباري 4/ 271، 256، 2/ 157، 298.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 141، أبو يعلى / المسند 1/ 170، ومداره على عبد الله بن عمر العمري، ضعيف من السابعة. تق 314، وبقية رجاله عند أبي يعلى ثقات. فالأثر ضعيف.
ولا شك أن تنظيف المساجد وتطهيرها وتطييبها أمر حث عليه الشارع وعمر رضي الله عنه أولى الناس بفعل ذلك.
ومن قيام عمر رضي الله عنه بحرمة المساجد ومعرفته لفضلها وخاصة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، زجره وتوبيخه لمن رفع صوته في المسجد.
قال السائب بن يزيد
(1)
رضي الله عنه: كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
(2)
وكان رضي الله عنه يأمر باجتناب اللغو من الحديث والكلام الذي لا فائدة فيه في المسجد، فكان رضي الله عنه إذا مر بنادٍ، وجماعة من الناس في المسجد قال: إياكم واللغط
(3)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (278).
(2)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 93، عبد الرزاق / المصنف 1/ 438، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/ 34 وغيرهم.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 438، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 182، 183، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/ 36، البيهقي / السنن الكبرى 2/ 429. صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا محمّد بن بشر، قال: نا عبيد الله ابن عمر عن نافع أن عبد الله أخبره أن عمر
…
الأثر.
ومر عمر رضي الله عنه بحسان بن ثابت
(1)
رضي الله عنه وهو ينشد في المسجد، فلحظه، فقال حسان: والله لقد أنشدت فيه، وفيه من هو خير منك، فخشي عمر رضي الله عنه أن يرميه برسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز وتركه
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه بنى مكاناً خارج مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لينشد فيه الشعر، وعرف بالرحبة أو البطيحاء
(3)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (187).
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 212، وعبد الرزاق/ المصنف 1/ 439، و 11/ 267، وغيرهما. واللفظ لعبد الرزاق. وفيه زيادة (فلحظه) وهي ليست في الصحيح. وفي رواية الصحيح أن عمر مر في المسجد وحسان ينشد فقال: كنت أنشد فيه، وفيه من خير منك. فمفهوم السياق أنه لامه. ورواية البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه وهو كذلك عند عبد الرزاق.
(3)
قال السمهودي: ذكر ابن شبة ما يبين أن البطيحاء كانت في جهة شرقي المسجد مما يلي مؤخره، وفاء الوفاء 1/ 498.
رواه مالك / الموطأ 1/ 226، الفاكهي / أخبار مكة 3/ 345، 346، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/ 36، ابن الأعرابي / المعجم 4/ 40، وسنده عند مالك رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة من الثالثة، عن عمر رضي الله عنه، ورواه ابن الأعرابي من طريق مالك، ورواه الفاكهي من رواية الزبير بن أبي بكر من كلامه، ولم أجد له ترجمة، ورجال إسناده عند ابن شبة ثقات، ولكنه معضل من رواية سالم أبي النضر عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه سمع ناساً من التجار يذكرون تجارتهم، والدنيا في المسجد، فقال: إنما بنيت هذه المساجد لذكر الله، فإذا ذكرتم تجارتكم ودنياكم فاخرجوا إلى البقيع
(1)
.
2 - الاهتمام بالمؤذنين والأئمة:
ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بالصلاة، اهتمامه بالأذان والمؤذنين إذ أن المؤذن هو الذي يعلم الناس بدخول وقت الصلاة، ويأتمنه الناس على ذلك، وقد بين عمر رضي الله عنه مكانة المؤذن، وعظم مهمته التي يقوم بها بقوله: لوكنت أطيق الأذان مع الخليفىأي الخلافة لأذنت
(2)
.
(1)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 1/ 36، وفي إسناده محمد بن إسحاق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 486. ابن سعد / الطبقات 3/ 290، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 203، 204. صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: أخبرنا زهير بن معاوية، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، قال: قال عمر
…
الأثر.
وفي رواية أنه قال: لولا أني أخاف أن يكون سنة، ما تركت الأذان
(1)
.
وقال عمر رضي الله عنه لقوم: من مؤذنوكم؟ قالوا: عبيدنا، وموالينا، فقال عمر: إن ذلك لنقص بكم كبيراً أو كثيراً
(2)
.
وكان عمر رضي الله عنه يوجه المؤذنين ويرشدهم، ومن ذلك: إرشاده لأبي محذورة المؤذن
(3)
رضي الله عنه أن يرفق بنفسه.
قدم عمر رضي الله عنه مكة، فأذن أبو محذورة ثم أتى عمر رضي الله عنه فسلم عليه، فقال له عمر: ما أندى صوتك، أما تخشى أن ينشق مريطاك
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 486 صحيح. قال: عن إسماعيل عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل أن عمر
…
الأثر.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 204، 486. ابن سعد / الطبقات 3/ 290، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 203، 204، ابن المنذر / الأوسط 3/ 41، 42، الطحاوي / مشكل الآثار 3/ 56. صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: نا يزيد ووكيع قالا: حدّثنا إسماعيل عن شبيل بن عون، قال: قال عمر
…
الأثر.
(3)
أبو محذورة الجمحي المكي المؤذن، صحابي مشهور، اسمه أوس، وقيل سلمة، وقيل سلمان، وأبوه مِعْير. تق 671.
(4)
مريطاك، المريطاوان: ما بين السرة والعانة وقيل هو ما خف شعره مما بين السرة والعانة، وقيل المريطاوان عرقان في مراق البطن عليهما يعتمد الصائح. ابن منظور / لسان العرب 13/ 82.
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 482. ابن سعد / الطبقات / الرابعة 1/ 409، 410، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 286، الفاكهي / أخبار مكة 2/ 141، 142، أبو يعلى / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/ 27/أ، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات ولكنه منقطع من رواية عكرمة بن خالد ابن العاص عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. تق 396، ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات أيضاً، وهو منقطع أيضاً من رواية ابن أبي مليكة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، وسنده عند الفاكهي رجاله ثقات سوى إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة فهو صدوق يخطئ. تق 91، وجده عبد الملك بن أبي محذورة قال عنه الذهبي في الكاشف: ثقة، 1/ 668، وقال ابن حجر: مقبول. تق 364، وفي إسناده عند أبي يعلى محمد ابن الحسن بن زبالة كذبوه. تق 474، والأثر يرتقي بطرقه الثلاثة لدرجة الحسن لغيره.
واهتم عمر رضي الله عنه بالأئمة وبحسن أدائهم للصلاة بأركانها وواجباتها وإن مما يدل على اهتمام عمر رضي الله عنه البالغ بالإمام وحسن صلاته بالناس وإعطائه الصلاة حقها من القراءة والقيام والركوع والسجود والجلوس عزله رضي الله عنه سعد
(1)
بن أبي وقاص رضي الله
(1)
هو سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري كان سابع سبعة في الإسلام أسلم بعد ستة. وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة شهد جميع المشاهد مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم. مات بالمدينة سنة خمس وخمسين. ابن حجر/ الاستيعاب 2/ 171.
عنه عن ولاية الكوفة بعد أن شكاه أهلها أنه لا يحسن يصلي بهم، حتى قدم سعد رضي الله عنه على عمر بالمدينة، وبين له كيفة صلاته بهم وأنه كان يصلي بهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرم عنها، فقال عمر: ذاك الظن بك أبا إسحاق
(1)
.
ومن الآثار الدالة على اهتمام عمر رضي الله عنه بأداء الإمام وحسن قراءته للقرآن، أن جماعة اجتمعت في ماء قريب من مكة بأعلاها في الحج، فحانت الصلاة، فتقدم رجل من آل أبي السائب المخزومي، أعجمي اللسان فأخره المسور بن مخرمة، وقدم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب، فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة، فعرفه بذلك، فقال المسور: أنظرني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجمي اللسان، وكان في الحج، فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته، قال: أوهناك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت
(2)
.
3 - الاهتمام بالصلاة بأدائها في أوقاتها، وعدم التشاغل عنها:
كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يعلمه بأوقات الصلاة، ويحذر من تأخير الصلاة عن وقتها والتشاغل عنها: صلِ الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يكون ظل كل شيء مثله، والعصر
(1)
صحيح تقدم الكلام عليه في ص: (637).
(2)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص:(809).
والشمس بيضاء نقية، قبل أن تدخلها صفرة، وفي رواية: قدر ما يسير الراكب فرسخين
(1)
أو ثلاثة، والمغرب حين تغرب الشمس، ويدخل الليل، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، وصلِ الصبح والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيه سورتين طويلتين من المفصل
(2)
.
وكتب رضي الله عنه: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، وكان عمر يضرب عليهما الرجال
(3)
.
ومما جاء عن عمر رضي الله عنه في بيان فضل أداء الصلاة في وقتها، وشهودها في جماعة المسلمين أنه رضي الله عنه فقد سليمان بن
(1)
الفَرْسخ: مقداره ثلاثة أميال، اثنا عشر ألف ذراع = 5544 م. محمد رواس قلعجي / معجم لغة الفقهاء ص 343.
(2)
رواه مالك / الموطأ 1/ 6، 7، عبد الرزاق / المصنف 1/ 536. صحيح من طريق عبد الرزاق.
ورد ذكر هذه المواقيت بإسنادين صحيحين مختلفين: الأوّل: قال فيه عبد الرزاق: عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أن عمر
…
الأثر.
والثاني: قال فيه: عن معمر عن أيوب عن ابن عمر
…
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 2/ 426، ابن المنذر/ الأوسط 2/ 393، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر.
أبي حثمة
(1)
في صلاة الصبح فغدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على الشفاء أم سليمان، فقال: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي، فغلبته عيناه، فقال عمر:"لأن أشهد صلاة الصبح أحب إلي من أن أقوم ليلة"
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه فقد رجلاً في صلاة الصبح، فأرسل إليه، فجاء فقال: أين كنت؟ فقال: كنت مريضاً، ولولا أن رسولك أتاني لما خرجت، فقال عمر: فإن كنت خارجاً إلى أحد فاخرج للصلاة
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الصلاة، فاستقبل الناس، فأمر المؤذن فأقام وقال: لا ننتظر لصلاتنا أحداً، فلما قضى صلاته أقبل على الناس، ثم قال: ما بال أقوام يتخلف بتخلفهم آخرون، والله لقد
(1)
سليمان بن أبي حثمة بن غانم بن عامر العدوي، هاجر صغيراً مع أبيه مع أمه الشفاء، وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم، واستعمله عمر على السوق. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/ 210.
(2)
رواه مالك / الموطأ 1/ 129، عبد الرزاق / المصنف 1/ 526، 527، البيهقي / شعب الإيمان 6/ 164. صحيح من طريق مالك. قال: عن ابن شهاب عن أبي بكر سليمان بن أبي حثمة أن عمر فقد سليمان
…
الأثر.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 303، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
هممت أن أرسل إليهم، فيجاء في أعناقهم، ثم يقال: اشهدوا الصلاة
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه جاء إلى سعيد بن يربوع
(2)
بمنزله، فعزاه بذهاب بصره، وقال: لا تدع الجمعة ولا الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ليس لي قائد، قال عمر: فنحن نبعث إليك بقائد، فبعث إليه غلاماً من السبي
(3)
.
وهذه الآثار دالة على حث عمر رضي الله عنه رعيته على أداء الصلوات في أوقاتها وفي جماعة المسلمين.
ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بأداء الصلاة، اهتمامه بالتهيؤ لها والتطهر بالوضوء، فقد كان رضي الله عنه يأمر بالتحري في الوضوء وإسباغه.
رأى رضي الله عنه رجلاً يتوضأ، قد ترك برجله لمعة لم يصبها الماء، فقال: أعد الوضوء
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 519، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية ثابت بن الحجاج الرقي، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2)
سعيد بن يربوع بن عنكثة المخزومي القرشي، صحابي، مات سنة 54، وله مائة وعشرون سنة أو أزيد. تق 242.
(3)
رواه ابن سعد /الطبقات / الرابعة 1/ 360، من طريق الواقدي.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 45، 46، الدارقطني / السنن 1/ 109، 110، البيهقي / السنن الكبرى 1/ 84، ورجال إسناده عند ابن أبي شيبة ثقات سوى حجاج بن أرطاة فهو صدوق، مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، ورواه من طريق آخر، ورجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية أبي قلابة الجرمي، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، ورواه من طريق ثالث ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وفيه الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع، ورواه الدارقطني والبيهقي بإسناد رجاله ما بين ثقة وصدوق، وفيه هشيم بن بشير ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع فالأثر حسن لغيره بمجموع طرقه.
وروي أنه رضي الله عنه: مر بقوم يتوضئون، فقال: خللوا
(1)
- يعني بين الأصابع
(2)
.
وروي أنه رضي الله عنه رأى رجلاً قد غسل ظاهر قدميه، وترك باطنهما، فقال: لم تركتهما للنار
(3)
؟
(1)
التخليل: التفريق بين شعر اللحية، وأصابع اليدين والرجلين في الوضوء. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/ 73.
(2)
رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 442/أ، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 19، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية مصعب بن سعد بن أبي وقاص ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، ورواه مسدد من طريق مصعب. فالأثر ضعيف، ويشهد له الذي قبله.
(3)
رواه أبو عبيد / الطهور ص 257، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 26، ومداره على شريك بن عبد الله النخعي، صدوق يخطئ كثيراً، وفيه أبو الغرباء لم أعرفه. فالأثر ضعيف.
ومن آداب الصلاة التي أوصى بها عمر رضي الله عنه ووجه إليها وعمل بها:
1 -
تعهد الصفوف وتسويتها، لما في ذلك من زيادة طمأنينة القلب وهو دليل على وحدة المسلمين وقوتهم، قال أبو عثمان النهدي
(1)
رحمه الله: ما رأيت أحداً كان أشد تعاهداً للصف من عمر رضي الله عنه، إن كان يستقبل القبلة، حتى إذا قلنا قد كبر، التفت فنظر إلى المناكب والأقدام، وإن كان ليبعث رجالاً يطردون الناس حتى يلحقوهم بالصفوف
(2)
.
وقال رحمه الله: كنت فيمن يقيم عمر قدامه لإقامة الصف
(3)
.
2 -
عدم إطالة الصلاة بالناس:
قال عمر رضي الله عنه: أيها الناس، لا تبغضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إماماً فيطول عليهم ما هم فيه
(4)
.
3 -
الاستعجال بصلاة العشاء قبل نوم المريض، وكسل العامل:
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (178).
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 309، صحيح. قال: حدّثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان، قال: ما رأيت
…
الأثر.
(3)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 1/ 309. صحيح. قال: حدّثنا وكيع عن عمران ابن حدير عن أبي عثمان، قال: كنت
…
الأثر.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 321، ورجال إسناده ثقات سوى محمد بن عجلان فهو صدوق، وهو متصل. فالأثر حسن.
قال رضي الله عنه: عجلوا العشاء قبل أن ينام عنها المريض، ويكسل العامل
(1)
.
4 -
عدم التكلف في الصلاة:
فقد رأى رضي الله عنه رجلاً قد أثر السجود بأنفه فقال: لا تقلب صورتك
(2)
.
وذلك أن عمر رضي الله عنه علم من حاله التكلف في السجود حتى يظهر ذلك في وجهه كما روي في رواية أخرى: أن الرجل كان يعتمد على وجهه وأنفه ليؤثر فيهما
(3)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 560، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 292، ابن المنذر / الأوسط 2/ 372. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة، قال: سمعت عمر بن الخطاب
…
الأثر.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 2/ 173، 174، الطبري / تهذيب الآثار / مسند العباس 1/ 196. صحيح من طريق الطبري. قال: حدّثنا ابن المثنى، قال: حدّثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حبيب عن أبي الشعثاء، قال: قال عبد الله: حبيب يرى أنه ابن عمر.
(3)
هي رواية عبد الرزاق المتقدم ذكرها وفي إسنادها الأعمش مدلس، ولم يصرح بالسماع. فالأثر ضعيف.
المسألة الثانية: الاهتمام بالصيام والقيام في شهر رمضان
كان عمر رضي الله عنه يهتم كثيراً بالتحري في ثبوت شهر رمضان وخروجه ويأمر رعيته بذلك، ويحثهم على عدم التفريط في ذلك، ولا تخفى أهمية هذه المسألة، إذ أن التهاون في التعرف على دخول شهر رمضان وخروجه والتحري في ذلك يفضي إلى إفطار ما يجب صومه، وصوم ما يجب إفطاره.
قال أبو وائل
(1)
رحمه الله تعالى: أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين
(2)
: إن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس
(3)
.
وكان رضي الله عنه يحث على عدم الفرقة والاختلاف في صيام شهر رمضان، وفطره قال رضي الله عنه: ليتق أحدكم أن يصوم يوماً من شعبان أو يفطر يوماً من رمضان، وأن يتقدم قبل الناس، فليفطر إذا أفطر الناس
(4)
.
(1)
أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة. تق 268.
(2)
خانَقِين: مدينة عراقية على حدود إيران، مركز قضاء في محافظة ديالي، المنجد / الأعلام ص 229.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 319، 320، صحيح. قال: حدّثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل، قال: أتانا كتاب عمر
…
الأثر.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 324، صحيح. قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن عاصم عن أبي عثمان، قال: قال عمر
…
الأثر.
وكان رضي الله عنه يحض الرعية، ويأمرهم باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطر وعدم تأخيره حتى تظهر النجوم لما في ذلك من مشابهة أهل الكتاب.
قال المسيب بن حزن
(1)
رضي الله عنه: كنت جالساً عند عمر إذ جاءه ركب من الشام، فطفق عمر يستخبر عن حالهم، فقال: هل يعجل أهل الشام الفطر؟ قال: نعم، قال: لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك، ولم ينتظروا النجوم انتظار أهل العراق
(2)
.
وناول عمر رضي الله عنه رجلاً كان إلى جنبه إناء حين غربت الشمس، فقال له: اشرب، ثم قال: لعلك من المسرفين
(3)
بفطره، سرف، سرف
(4)
.
(1)
المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي له ولأبيه صحبة، عاش إلى خلافة عثمان رضي الله عنه. تق 532.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 225 صحيح. قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن المسيب عن أبيه.
(3)
مراد عمر رضي الله عنه بذلك الإسراف الذي هو مجاوزة الحد والغلو في الإفطار وذلك بتأخيره عن وقته الذي هو غروب الشمس، حيث أن ابن أبي شيبة رحمه الله صنف الأثر تحت باب تعجيل الفطر.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 278، صحيح. قال: حدّثنا ابن فضيل عن بيان عن قيس، قال: ناول عمر
…
الأثر.
وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على تعجيل الفطر، قال صلى الله عليه وسلم:"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"، رواه البخاري / الصحيح 1/ 335، وقال ابن حجر رحمه الله: قال ابن دقيق العيد: في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم، فتح الباري 4/ 199.
وكان عمر رضي الله عنه يهتم بقيام رمضان وإحياء لياليه بالصلاة والعبادة فكان يحض رعيته على ذلك، ويرغبهم فيه، وإن مما يدل على ذلك، فعله رضي الله عنه في جمعه الناس في صلاة التراويح بعد أن رآهم يصلون أوزاعاً متفرقين يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب رضي الله عنه، ثم خرج رضي الله عنه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون بها
(1)
.
وكما يظهر من الأثر السابق أن عمر رضي الله عنه كان يفضل قيام آخر الليل على أوله وذلك في قوله: والتي ينامون عنها خير من التي يقومون بها
(2)
.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: دعاني عمر رضي الله عنه أتسحر عنده، وأتغدى في شهر رمضان، فسمع هيعة
(3)
الناس حين خرجوا من
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 342، مسلم / الصحيح/ شرح النووي 6/ 40، مالك / الموطأ 1/ 108، 109 وغيرهم.
(2)
انظر: ابن حجر / فتح الباري 4/ 253.
(3)
الهَيْعَة: الصياح والضجة. ابن منظور / لسان العرب 15/ 180.
المسجد فقال: ما هذا؟ فقلت: الناس حين خرجوا من المسجد، فقال: ما بقي من الليل أحب إلي مما ذهب
(1)
.
وكان الناس في عهد عمر رضي الله عنه يصلون التراويح إحدى عشرة ركعة.
وقد تقدم أن عمر رضي الله عنه أمر أبياً أن يصلي بهم، وكان تميم الداري
(2)
رضي الله عنه أيضاً ممن أمره عمر أن يؤم الناس بالتراويح.
قال السائب بن يزيد
(3)
رضي الله عنه: أمر عمر بن الخطاب أبي ابن كعب، وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: فكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 263، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 166. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس، قال: سمعت ابن عباس يقول: دعاني عمر، أتسحر
…
الأثر.
(2)
تميم بن أوس بن خارجة الداري، أبو رقية، صحابي مشهور، سكن بيت المقدس بعد مقتل عثمان. تق 131.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: (278).
(4)
رواه مالك / الموطأ 1/ 110، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 162، البيهقي / فضائل الأوقات ص 274، 275، صحيح من طريق مالك. قال: عن محمّد ابن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر
…
الأُثر.
وثبت أيضاً أنهم كانوا يقومون بإحدى وعشرين ركعة
(1)
.
وأشار أهل العلم أن الزيادة في عدد الركعات تكون عند التخفيف، والتقليل فيها يكون مع التطويل
(2)
.
المسألة الثالثة: الاهتمام بأداء فريضة الحج، وأداء العمرة
فكان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على أداء فريضة الحج والمسارعة في ذلك.
قال رضي الله عنه: إذا وضعتم السروج فشدوا الرحيل إلى الحج والعمرة، فإنه أحد الجهادين
(3)
.
وقال رضي الله عنه: كتب عليكم ثلاثة أسفار الحج، والعمرة، والجهاد في سبيل الله
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 260، صحيح. قال: عن داود بن قيس وغيره عن محمّد بن يوسف عن السائب بن يزيد.
(2)
انظر: ابن حجر / فتح الباري 4/ 253.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 5/ 7، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/ 136، البخاري / الصحيح تعليقاً 1/ 164. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن عباس بن ربيعة عن عمر، قال: إذا
…
الأثر.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 5/ 172، ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 467، وإسناده عند عبد الرزاق رجاله ما بين ثقة وصدوق، وحريث الراوي عن عمر الصواب في اسمه حجير، ثقة من الثالثة وروايته عن عمر منقطعة. وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ما بين ثقة وصدوق سوى عمرو بن عيسى أبي نعامة، صدوق اختلط ولم يتبين لي هل سماع وكيع الراوي عنه قبل اختلاطه أم بعده. فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
وروي أن عمر رضي الله عنه أراد أن يعرض على الناس عدة
(1)
في كل بلد، يوافون الحج في كل عام، فلما رأى تسارع الناس فيه كف عن ذلك، وقال: لو تركوه لجاهدناهم عليه كما نجاهدهم على الصلاة والزكاة
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه هم أن يبعث إلى الأمصار، فلا يوجد رجل قد بلغ سناً وله سعة، ولم يحج إلا ضربت عليه الجزية، والله ما أولئك بمسلمين، والله ما أولئك بمسلمين
(3)
.
(1)
العِدّة: الجماعة قلت أو كثرت. ابن منظور / لسان العرب 9/ 76.
(2)
رواه ابن أبي عمر / الإيمان ص 100، الفاكهي / أخبار مكة 1/ 384، ورجال إسناده عند ابن أبي عمر ثقات، ولكنه منقطع من رواية سعيد بن جبير عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ومدار الأثر عليه، فيكون ضعيفاً.
(3)
رواه ابن كثير / مسند الفاروق 1/ 293، نقلاً عن محمد بن إسماعيل البصري وإسناده رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة وهو ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف. وما فيه من نفي عمر رضي الله عنه صفة الإسلام عمن لم يحج وهمه بوضع الجزية عليهم يبعد صدوره من عمر رضي الله عنه، لأن من خرج من الدين يكون مرتداً ولا تضرب عليه الجزية التي تضرب على أهل الكتاب، إلا أن يكون المراد بنفي الإسلام عنهم هو كماله وصدقه، والمراد بالجزية: هي مجرد جزء من المال يؤخذ منهم عقوبة لهم، والله أعلم.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يحث رعيته على الرفق بالنفس في أداء الحج، والتهيؤ له، وينهى عن الغلو وتحميل النفس ما لا تطيق.
روى أنه رضي الله عنه رأى رجلاً أحرم من البصرة، وقدم محرماً على عمر رضي الله عنه، ورآه عمر سيئ الهيئة، فأغلظ له، فأخذ بيده وجعل يدور به في الحِلق ويقول: انظروا إلى ما صنع هذا بنفسه، وقد وسع الله عليه
(1)
.
ومن الأمور الهامة التي ينبغي الإشارة إليها والتي لها علاقة باهتمام عمر رضي الله عنه بأمور الحج والعمرة هو حده رضي الله عنه ميقات
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 3/ 126، من طريقين الأول: رجاله ثقات سوى شيخ إسماعيل بن أبي خالد واسمه مسلم لم أعرفه وهو يروي عن عمر رضي الله عنه.
والثاني: رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وفيه قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بسماعه من الحسن وهو من أعلم أصحابه بحديثه.
ذات عرق
(1)
لأهل العراق
(2)
.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: لما فتح هذان المصران
(3)
، أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً، وهو جور
(4)
عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا.
قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق
(5)
.
(1)
ذاتُ عرق: مهل أهل العراق، وهو الحد بين نجد وتهامة. ياقوت الحموي / معجم البلدان 4/ 107، 108.
(2)
وقد وافقه الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك وأقروه عليه، وعملوا به وهو دليل على حجية ما فعله رضي الله عنه. انظر: ابن قيم الجوزية / أعلام الموقعين 4/ 118، 119.
(3)
المِصْرَان: هما الكوفة والبصرة، والمراد غلبة المسلمين على أرضهما وإلا فهما من تمصير المسلمين. ابن حجر / فتح الباري 3/ 389.
(4)
جور: أي مائل. المصدر السابق 3/ 389.
(5)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 267، أحمد /المسند 2/ 3، 11، 50، وغيرهما
المطلب الرابع: الاهتمام بالعلم والعلماء:
إن منزلة العلم والعلماء في الإسلام منزلة عالية ورفيعة فقد حض القرآن الكريم والسنة المطهرة على تعلم العلم النافع، ورفع الإسلام من شأن العلماء وأعلى منزلتهم وقدرهم، وقد عرف عمر رضي الله عنه للعلم أهميته، وللعلماء قدرهم.
وسأتناول ذلك بالبيان في عدة مسائل:
المسألة الأولى: الحث على تعلم العلم:
فقد حث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلم العلوم النافعة فكان يحثهم على التفقه في الدين الذي هو شرط قبول العمل، فلا يقبل العمل إلا أن يكون موافقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سنته الصحيحة، ولاشك أن التفقه في الدين شامل للعقائد والعبادات والمعاملات، قال عمر رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا
(1)
، وقال رضي الله عنه: تفقهوا في الدين
(2)
.
(1)
رواه الدارمي / السنن 1/ 79، وكيع /الزهد 1/ 327، 328. صحيح من طريق وكيع. قال: حدّثنا ابن عون عن ابن سيرين عن الأحنف، قال: قال عمر
…
الأثر.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 323، سعيد بن منصور / السنن 2/ 314، س 315، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 116، وفي إسناده عند عبد الرزاق شيخه عبد الله بن كثير لم أعرفه، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، ورجاله عند سعيد ما بين ثقة وصدوق وهو منقطع أيضاً من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، ورجاله عند ابن أبي شيبة ثقات وهو منقطع من رواية عمرو بن دينار عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: كونوا أوعية الكتاب، وينابيع العلم
(1)
.
وحث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلم كتاب الله عز وجل، والتفقه فيه، والعمل به.
قال رضي الله عنه: تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإن فيهن الفرائض
(2)
.
وقال رضي الله عنه وهو يحث على قراءة القرآن وإتقان تجويده
(1)
رواه أحمد / الزهد ص 149، ابن أبي الدنيا / التواضع ص 36، الطبري / تهذيب الآثار / مسند العباس 1/ 301، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 7/ 368، ورجال إسناده عند أحمد ثقات وهو منقطع من رواية إسماعيل بن أبي خالد، وهو ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة، ورواه سائر من رواه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي، وعامر الشعبي روايته عن عمر منقطعة، فهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه الحاكم / المستدرك 2/ 395، البيهقي / شعب الإيمان 5/ 317، ورجال إسناده عند الحاكم ما بين ثقة وصدوق، وهو متصل، ورواه البيهقي من طريق الحاكم. فالأثر حسن.
وإقامة حروفه: أعربوا القرآن فإنه عربي
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه انتهى إلى قوم يقرئ بعضهم بعضاً، فقال: اقرؤوا ولا تلحنوا
(2)
.
ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه في قراءة القرآن وتعلمه والعمل به وإخلاص النية لله فيه أنه قال: "يا أيّها الناس، إنه قد أتى على زمان رأي أرى من قرأ القرآن يريد الله عز وجل وما عنده، فيخيل إليّ أن أقواماً قرأوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا، ألا فأريدوا الله بأعمالكم"
(3)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور / السنن 2/ 270، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 116، البلاذري / أنساب الأشراف ص 235، ورجال إسناده عند سعيد صدوقون ولكنه معضل من رواية عبيد الله الكلاعي، عن عمر وهو ثقة من السادسة، وهو عند ابن أبي شيبة منقطع من رواية عمرو بن دينار عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة، ورجال إسناده ثقات، وهو عند البلاذري منقطع أيضاً من رواية يحيى بن يعمر عن عمر وهو ثقة من الثالثة، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق. فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
(2)
رواه سعيد بن منصور / السنن 1/ 166، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 117، ومداره على سليمان بن يسار وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة، ورجال إسناده عندهما ثقات. فالأثر ضعيف، ويشهد له الذي قبله.
(3)
تقدم تخريجه في ص: (841).
وروي أنه قال: "تعلموا القرآن واعملوا به"
(1)
.
وروي أنه قال: اقرؤا كتاب الله عز وجل، وسلوا الله عز وجل به قبل أن يقرأه أقوام يسألون الناس به
(2)
.
وروي أنه رضي الله عنه قال: تعلموا سورة براءة، وعلموا نساءكم سورة النور
(3)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور / السنن 2/ 393، ابن أبي عمر / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 490/أ، البلاذري / أنساب الأشراف ص 250، وفي إسناده عند سعيد، خديج بن معاوية صدوق يخطئ، تق 154، وفيه أبو إسحاق السبيعي يروي عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه منقطعة فهو ثقة من الثالثة، وفيه عند ابن أبي عمر عبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وفيه الباهلي يروي عن عمر رضي الله عنه لم أعرفه، وهو عند البلاذري من كلام المدائني من غير إسناد. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه أحمد / الزهد ص 477، البلاذري / أنساب الأشراف ص 168، 169، ورجال إسناده عند أحمد ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وفيه عند البلاذري أبو شهاب الحناط، صدوق يهم، وفيه سعيد بن إياس الجريري، ثقة اختلط قبل موته ولم يتبين لي هل سمع منه الحناط قبل اختلاطه أم بعده، وشيخه مبهم حيث قال: عن رجل.
(3)
رواه البيهقي / شعب الإيمان 5/ 370، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى شيخ البيهقي لم أجد له ترجمة.
وكان عمر رضي الله عنه يأمر بتدارس القرآن وقراءته وعدم المجادلة فيه والاختلاف في نصوصه، قال رضي الله عنه:"اقرأوا القرآن ما اتّفقتم فإذا اختلفتم فقوموا عنه"
(1)
.
ومن العلوم الهامة التي حث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلمها اللغة العربية وأصولها، فبها يستطيع المسلم تعلم القرآن والسنة ومعرفة أحكامهما وفقههما.
كتب عمر رضي الله عنه إلى رعيته: أن تعلموا العربية
(2)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الحث على تعلم اللغة العربية والاهتمام بها: أن عمر رضي الله عنه مر بقوم يرمون رشقاً
(3)
فقال: بئس ما رميتم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قوم متعلمين، فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشد علي من لحنكم في رميكم
(4)
.
(1)
تقدم تخريجه في ص: (829).
(2)
حسن لغيره، تقدم تخريجه وهو جزء من الأثر المتقدم في ص:(869) بلفظ تفقهوا في الدين.
(3)
الرّشْق: الوجه من الرمي إذا رموا بأجمعهم وجهاً بجميع سهامهم في جهة واحدة، قالوا: رمينا رشقاً واحداً، ورموا رشقاً واحداً أي وجهاً واحداً بجميع سهامهم. ابن منظور / لسان العرب 5/ 221.
(4)
رواه القضاعي / مسند الشهاب 1/ 338، الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 2/ 24، وفي إسناده عند القضاعي يحيى بن هاشم الغساني كذبه ابن معين، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال ابن عدي: كان يضع الحديث ويسرقه. ميزان الاعتدال 4/ 412، وفيه عند الخطيب عيسى بن إبراهيم بن طهمان قال البخاري والنسائي: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وذكر الذهبي الأثر الذي أنا بصدده وقال: ليس بصحيح. ميزان الاعتدال 3/ 308. فالأثر ضعيف جداً.
وروي أنه رضي الله عنه مر برجلين يرميان، فقال أحدهما: أسبت، فقال عمر: سوء اللحن أشد من سوء الرمي
(1)
.
وروي أن رجلاً سأله رضي الله عنه فقال: ما علي بالضبي؟ قال: وما عليك لو قلت بالظبي؟ قال: إنها لغة، قال: انقطع العتاب
(2)
.
وروي أن كاتباً لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر: من أبو موسى فكتب إليه عمر: إذا أتاك كتابي هذا، فاضرب كاتبك سوطاً، واعزله عن عمله
(3)
.
(1)
رواه البخاري / الأدب المفرد ص 304، وفي إسناده عبد الرحمن بن عجلان، قال ابن حجر: بصري من الثالثة، أرسل حديثاً، وهو مجهول الحال. تق 346، وهو منقطع من رواية عبد الرحمن، المتقدم الذكر. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 1/ 293، وفي إسناده عثمان ابن عبد الرحمن لم أعرفه، وهو معضل من رواية إبراهيم بن زياد البغدادي ثقة من العاشرة. تق 89. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 341، أنساب الأشراف ص 188، وكيع / أخبار القضاة 1/ 286، البيهقي / شعب الإيمان 4/ 314. ورجال إسناده عند البلاذري ما بين ثقة وصدوق، ولكنه معضل من رواية يحيى بن أبي كثير عن عمر رضي الله عنه، ثقة من الخامسة. وإسناده عند وكيع رجاله ثقات ولكنه معضل من رواية عبد السلام بن حرب وهو ثقة من صغار الثامنة، عن رجل من أهل البصرة يقال له أبو يزيد عن عمر، ولم أجد لأبي يزيد ترجمة، ورواه البيهقي من غير إسناد فقال: ورُوّينا. فالأثر ضعيف.
وروي أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يتكلم الفارسية في الطواف فقال: ابتغ إلى العربية سبيلاً
(1)
.
وأذن عمر رضي الله عنه في معرفة أخبار الأمم الماضية وأخذ العبر والحكم من تاريخهم مع أخذ الحيطة والحذر، فإن تلك الأخبار قد يكون فيها كثير من الكذب والتزوير وهذا العلم هو ما يعرف بالقصص.
قال السائب بن يزيد
(2)
رضي الله عنه: لم يكن قص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه، كان أوّل من قص تميم
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 5/ 496، الفاكهي / أخبار مكة 1/ 197، البيهقي / شعب الإيمان 4/ 313، وفي سنده عند عبد الرزاق والبيهقي طلحة بن عمرو المكي متروك من السابعة، وهو منقطع من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ورجال إسناده عند الفاكهي ثقات، ولكنه معضل من رواية عبد الملك بن جريج، ثقة من السادسة روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (278).
الداري
(1)
رضي الله عنه، استأذن عمر رضي الله عنه أن يقص قائماً، فأذن له
(2)
.
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه عدة آثار تدل بمجموعها على إذنه رضي الله عنه لتميم الداري بأن يقص في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد تردده في ذلك وتخوفه منه، ولعل ذلك راجع لخوفه رضي الله عنه من انشغال الناس بذلك عن طلب العلوم الشرعية التي أمر الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم بتعلمها.
روي أن تميماً الداري استأذن عمر رضي الله عنه في القصص فقال: إنه على مثل الذبح، فقال: إني أرجو العافية فأذن له عمر
(3)
.
وروي أن تميماً استأذن عمر رضي الله عنه في القصص، فأبى أن يأذن ثم استأذنه فأبى أن يأذن له، ثم استأذنه، فقال: إن شئت وأشار
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (864).
(2)
رواه أحمد / المسند 3/ 449، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/ 10، ابن الجوزي / القصاص والمذكرين ص 177، وسنده عند أحمد متصل ورجاله ثقات سوى بقية بن الوليد فهو صدوق مدلس، وقد صرح بالسماع، وهو عند ابن شبة متصل ورجاله ثقات سوى موسى بن مروان الرقي، فهو صدوق، الكاشف 2/ 308، ورواه ابن الجوزي من طريق أحمد. فالأثر صحيح لغيره بطريقيه.
(3)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 508، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/ 11، ابن الجوزي / القصاص والمذكرين ص 193، 194، ومداره على نافع مولى ابن عمر، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة ورجاله عند ابن المبارك ثقات. فالأثر ضعيف.
بيده يعني الذبح
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه استأذن عمر رضي الله عنه في أن يقص فلم يأذن له، ثم استأذنه، فقال عمر: تقول ماذا؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وأذكرهم وأعظهم، قال: فأذن له في الأسبوع يوماً واحداً
(2)
.
وروي أن تميماً رضي الله عنه هو أول من قص على عهد عمر رضي الله عنه، فكان يقوم فيتكلم، فإذا جاء عمر أمسك، وقد علم ذلك عمر رضي الله عنه
(3)
.
وجاء في رواية صحيحة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لم يقص في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبي بكر ولا عمر، ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة
(4)
.
(1)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 2/ 49، 50، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية عمرو بن دينار عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي عاصم / المذكر والتذكير ص 65، 66، ورجال إسناده ثقات سوى أسامة بن زيد الليثي، فهو صدوق يهم، وفي اتصاله نظر فهو من رواية حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة من الثانية، قيل إن روايته عن عمر مرسلة. تق 182.
(3)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 1/ 14، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(4)
رواه ابن شبة /تاريخ المدينة 2/ 101، ابن وضاح / البدع ص 20، ابن حبان / الصحيح 8/ 53، الخطيب / تاريخ بغداد 2/ 101، ابن الجوزي / القصاص والمذكرين ص 178. صحيح من طريق ابن حبان.
قال: أخبرنا عمر بن محمّد الهمداني، حدثّنا محمّد بن عبد الملك بن نجويه، حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: لم يقص
…
الأثر.
والمراد بذلك هو التوسع في القصص والإكثار منها وانتشارها بحيث غلبت على الناس لأن القصص في عهد عمر رضي الله عنه ثابت كما تقدم.
ومن العلوم التي روي عن عمر رضي الله عنه أنه حض على تعلمها:
1 - تعلّم الشعر:
تقدم الكلام على أهمية الشعر ومنزلته عند العرب في الجاهلية وفي الإسلام، وتقدم كذلك الكلام على حبّ عمر للشعر واهتمامه به
(1)
.
وعمر رضي الله عنه لم يكره لرعيته تعلّم الشعر إذ لم يشغل عما هو أهمّ منه من تعلّم كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم والتفقه في دين الله.
مرّ عمر رضي الله عنه بحسان
(2)
بن ثابت رضي الله عنه وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره ذلك لأن المساجد وضعت للصّلاة وذكر الله ودراسة العلم الشرعي فيها، فلحظ إليه.
(1)
انظر: ص: (185 - 215).
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (187).
فقال حسان رضي الله عنه: "قد كنت أنشد فيه وفيه خير منك، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم التفت إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أجب عني، اللهم أيّده بروح القدس؟ قال: اللهم نعم"
(1)
.
ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه وفيه إشارة لكراهيته رضي الله عنه الإكثار من قول الشعر والاهتمام به: ما رواه عمرو
(2)
بن حريث رضي الله عنه قال: كان في عهد عمر رضي الله عنه شاعر يروي شعراً كثيراً، فقال عمر رضي الله عنه:"لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً"
(3)
.
(1)
صحيح. تقدم تخريجه ص 187.
قال النووي: "وفيه جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحاً، واستحبابه إذا كان في ممادح الإسلام وأهله، أو في هجاء الكفار والتحريض على قتالهم أو تحقيرهم ونحو ذلك. وهكذا كان شعر حسان".
(2)
عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان القرشي المخزومي رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسمع منه، مسح برأسه ودعا له بالبركة، وقيل: قبض النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، مات بالكوفة سنة خمس وثمانين. ابن حجر/ الاستيعاب 3/ 256.
(3)
رواه الطبري / تهذيب الآثار / مسند عمر 2/ 617، الدارقطني / العلل 2/ 189. صحيح من طريق الطبري.
قال: حدّثنا مجاهد بن موسى، حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت عمرو بن حريث يحدث أن شاعراً
…
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار فيها حض على تعلّم الشعر المحمود الذي فيه دعوة للإسلام والإيمان وفيه من العظات والعبر ما يتّعظ به المسلم.
وروي أنّه قال: "تعلّموا من الشعر ما يكون حِكَماً ويدلّكم على مكارم الأخلاق"
(1)
.
وروي أنه قال: "تعلّموا الشعر، فإنّ فيه محاسن تبتغى، ومساوئ تتّقى، وحكمة الحكماء"
(2)
.
وروي أنّه رضي الله عنه كتب إلى أهل الأمصار: "أن علّموا أولادكم الفروسية والعوم، وروّوهم الشعر"
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا/ مكارم الأخلاق ص: 57، وفي إسناده أبو عقيل يحيى بن المتوكل، ضعيف، تق:596. وفيه حفص بن عثمان ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 3/ 184. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه السمعاني / أدب الإملاء والاستملاء 1/ 346، 347. وفيه محمّد بن الحسن بن عمران، قال الخطيب البغدادي: كان يضع الحديث، تاريخ بغداد 2/ 244. فالأثر ضعيف جداً.
(3)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 281، وفي إسناده إسماعيل بن مجالد، صدوق يخطئ. تق 109، وأبوه مجالد بن سعيد، ليس بالقوي تق:520. وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
2 - تعلّم أخبار الجاهليّة:
روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كتب إلى سعد بن أبي وقاص: "أن جنب الناس أحاديث الجاهلية فإنّها تذكر الأحقاد، وتنشئ الضغائن وعظهم بآيات الله ما نشطوا للسماع"
(1)
.
وهذا الخبر لم يثبت عن عمر رضي الله عنه إلاّ أنه لا يتعارض لو ثبت مع ما تقدم من حرص عمر رضي الله عنه على معرفة أخبار الجاهلية
(2)
، لأنه كره هنا ذكر الأخبار التي فيها إشارة للعصبيات والضغائن بين الناس بذكر ما كان بينهم من ذلك في الجاهلية. أمّا ذكر أخبار الجاهلية لأخذ العظة والعبرة، ومعرفة ما له تعلّق بأحكام الدّين، فلم يكره عمر رضي الله عنه ولم ينه عنه.
3 - تعلّم علم النجوم:
اهتم العرب في الجاهلية بالنجوم وتعلّقوا بها واعتقدوا فيها النفع والضّرّ، بل وعبد وها من دون الله كما قال تعالى على لسان هدهد سليمان عليه السلام حكاية عن ملكة سبأ:{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}
(3)
.
ومما اعتقده العرب في الجاهلية في النجوم قدرتها على إنزال المطر.
(1)
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 197، 198، عن المدائني عن عبد الرحمن بن طلحة، وعبد الرحمن بن طلحة لم يتبيّن لي من هو.
(2)
انظر: ص: (216).
(3)
سورة النمل آية: 24.
فعن زيد
(1)
بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية
(2)
على أثر سماء
(3)
كانت من الليل، فلما انصرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال:"هل تدرون ماذا قال ربّكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"
(4)
.
وإن من الجاهلية الأولى ما نسمعه ونقرؤه في وسائل الإعلام من إذاعة وصحف ومجلات وغيرها من تعليق الخير والشعر والفلاح والسعادة والشقاوة وادعاء معرفة مستقبل الإنسان من معرفة برجه الذي ولد فيه، كالجوزاء والدلو والعقرب وغيرها، وكلّ ذلك إفك ودجل وكذب وصرف للعباد عن التعلّق بخالقهم وفاطرهم والتوكّل عليه.
وقد خلق الله النجوم لثلاث: علامات يهتدى بها، وزينة للسماء،
(1)
زيد بن خالد الجهني شهد الحديبية وكان معه لواء جهينة يوم الفتح مات سنة ثمان وسبعين بالمدينة وله خمس وثمانون سنة بالمدينة. ابن حجر/ الإصابة 1/ 565.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: (224).
(3)
إثر سماء، أي: مطر.
(4)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 183.
ورجوماً للشياطين، كما قال تعالى:{وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}
(1)
. وقال: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ}
(2)
.
قال قتادة
(3)
رحمه الله: "فمن تأوّل فيها بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به"
(4)
.
وعمر رضي الله عنه أثر عنه الحثّ على تعلّم علم النجوم للأغراض التي شرعها الله عز وجل روي أنه قال: "تعلّموا من النجوم ما تعرفون به ساعات الليل والنهار، وتهتدون به السبيل، ومنازل القمر"
(5)
.
المسألة الثانية: العمل على نشر العلم بين الرعية:
إن نشر العلم وتعليمه، ونشر الثقافة والمعرفة الدينية، بين أفراد الرعية مما حضت عليه الشريعة، وجاءت به نصوص الكتاب والسنة، ولقد قام سلفنا الصالح بذلك خير قيام، وإن من نشر عمر رضي الله عنه للعلم بين رعيته ما تقدم من حثه على تعلم العلم، ومن ذلك أيضاً، بعثه
(1)
سورة النحل آية: 17.
(2)
سورة الملك آية: 6.
(3)
قتادة بن دعامة السّدوسيّ البصري ثقة ثبت، رأس الطبقة الرابعة مات سنة مائة وبضع عشرة تق:453.
(4)
رواه البخاري/ الصحيح 2/ 208.
(5)
رواه ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/ 13. وفي إسناده الحارث بن نبهان متروك. تق 148. فالأثر ضعيف جداً.
من يفقه أهل الأمصار المختلفة، ويعلمهم القرآن والسنة.
فقد بعث عمر رضي الله عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه معلماً لأهل الكوفة، كتب رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: أما بعد فإني بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله معلماً ووزيراً، وهما من النجباء، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وإني آثرتكم بعبد الله على نفسي أثرة
(1)
.
وبعث عمر رضي الله عنه عمران بن حصين
(2)
ليفقه أهل البصرة
(3)
.
وممن نقلت إلينا المصادر بعث عمر رضي الله لهم إلى الأمصار لتعليم الرعية العلم، وتفقيههم في الدين:
1 -
حبان بن أبي جبلة، بعثه لتفقيه أهل مصر
(4)
.
2 -
عبادة بن الصامت رضي الله عنه، بعثه لتفقيه أهل حمص
(5)
.
(1)
صحيح تقدم تخريجه في ص (713).
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (773).
(3)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص (773).
(4)
ذكر ذلك ابن حجر نقلاً عن ابن يونس في ترجمة حبان، وقال: تابعي له إدراك، الإصابة 1/ 372.
(5)
تقدم تخريجه في ص (778).
3 -
أبو الدرداء
(1)
رضي الله عنه، بعثه إلى أهل دمشق لتعليمهم وإقرائهم القرآن
(2)
.
4 -
معاذ بن جبل، بعثه لتعليم أهل فلسطين
(3)
.
5 -
عبد الرحمن بن غنم
(4)
، بعثه لتفقيه الناس بالشام
(5)
.
6 -
أبو سفيان الفهري، بعثه يستقرئ أهل البادية القرآن
(6)
.
7 -
قسيط بن أسامة بن عمير، بعثه ليعلم أهل البادية القرآن
(7)
.
ومما لا شك فيه، أن ولاة عمر رضي الله عنه في الأمصار الإسلاميّة المختلفة
(1)
تقدمت ترجمته في ص (182).
(2)
تقدم تخريجه في ص (777).
(3)
ذكره ابن الأثير / أسد الغابة 3/ 106، الذهبي / سير أعلام النبلاء 2/ 6، ابن حجر / الإصابة 2/ 269، كلهم نقلاً عن محمد بن كعب القرظي، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر رضي الله عنه مرسلة.
(4)
عبد الرحمن بن غنم الأشعري رضي عنه مختلف في صحبته، و ذكره العجلي في كبار ثقات التابعين. تق 348.
(5)
ذكره الفسوي / المعرفة والتاريخ 2/ 309، الذهبي / سير أعلام النبلاء 4/ 40، نقلاً عن ابن سعد من غير إسناد.
(6)
ذكره ابن حزم / جمهرة أنساب العرب ص: 404، وزاد:"فقتله حريث بن زيد الخير الطائي" من غير إسناد، وابن حجر / الإصابة 1/ 83، نقلاً عن الكلبي.
(7)
ذكره ابن حزم / جمهرة أنساب العرب ص: 182 من غير إسناد.
وكذلك قضاته وقادة جنده كانوا من من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يقومون في الغالب بالدعوة إلى الله ونشر العلم بين الناس بأقوالهم وأفعالهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
المسألة الثالثة: الحث على التخلق بآداب العلم.
وكان عمر رضي الله عنه يحث العلماء وطلبة العلم على التخلق والالتزام بآداب العلم، سواء في تلقيه أو تعليمه ونشره.
فمن الآداب التي حث عمر رضي الله عنه العلماء على التحلي بها:
التواضع وعدم العجب بالنفس: جاء الحارث الكندي
(1)
رضي الله عنه فقال: إن قومي يريدوني أن أقرأ عليهم، وأقص، قال عمر: فإني أخاف عليك أن تقرأ عليهم، وتقص حتى تراهم منك كالثريا، فيجعلك الله تحتهم بقدر ذلك
(2)
.
(1)
انظر: ترجمته في دراسة سند الأثر.
(2)
رواه ابن الأشيب: جزء ص 152، أحمد / المسند 1/ 18، الزهد ص 152، وسنده عند ابن الأشيب متصل ورجاله ثقات، والحارث الكندي، وثقه ابن حبان والعجلي، وقال ابن حجر: مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ووفد في خلافة عمر رضي الله عنه، تعجيل المنفعة ص 80، وسنده عند أحمد رجاله ثقات سوى حجاج بن شداد فهو مقبول من السابعة. فالأثر صحيح من طريق ابن الأشيب.
ورأى عمر رضي الله عنه قوماً يتبعون أبي بن كعب رضي الله عنه يسألونه، فضربه عمر بالدرة فقال أبي لعمر: انظر ما تصنع، فقال عمر: على عمد أصنع، أما تعلم أن هذا الذي تصنع فتنة للمتبوع، مذلة للتابع
(1)
.
ولا شك أن تواضع العالم، ولين جانبه وحسن خلقه في تعامله مع
(1)
رواه ابن المبارك / الزهد، من زيادات أبي نعيم ص 13، الدرامي / السنن 1/ 132، 133، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 256، ابن أبي الدنيا / التواضع ص 77، البيهقي / الزهد الكبير ص 147، الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 1/ 395، 396، وإسناده عند الدارمي رجاله ما بين ثقة وصدوق، سوى سليم بن حنظلة فقد ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 4/ 212، والبخاري / التاريخ الكبير، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 4/ 123، وذكره ابن حبان في الثقات 4/ 332، وهو عند ابن المبارك، وابن أبي الدنيا، والبيهقي من طريق سليم بن حنظلة، ورجال إسناده عند ابن شبة ما بين ثقة وصدوق سوى أبي عمرو الجميلي ذكره البخاري في التاريخ الكبير، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 8/ 55 / الكنى، وقال أبو حاتم: مجهول، الجرح والتعديل 9/ 410، وفي إسناده عند الخطيب البغدادي حسين بن عبد الأول، قال أبو زرعة: لا أحدث عنه، وقال أبو حاتم: تكلم الناس فيه، وكذبه ابن معين. ميزان الاعتدال 1/ 539، وفيه الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع. فالأثر يرتقي من رواية الدارمي وابن شبة لدرجة الحسن لغيره.
تلاميذه من الأسباب الهامة والرئيسة لقبول العلم عنه ومحبة تلاميذه له وتوقيرهم إياه ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أعلم أهل الأرض، وأكثرهم تواضعاً لله عز وجل.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حث العلماء على التواضع أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، ومن قال: أنا عالم فهو جاهل
(1)
.
ومما روي في تواضع عمر رضي الله عنه في تعليمه العلم، ما رواه أبو رافع الصائغ
(2)
رحمه الله قال: كان عمر يجلس عندي، فيعلمني الآية، فأنساها، فأناديه يا أمير المؤمنين، قد نسيتها فيرجع فيعلمنيها
(3)
.
(1)
رواه مسدد / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/ 25/ب، الحارث بن أبي أسامة / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/ 25/ب، وفي سنده عند مسدد موسى بن عبيدة بن نشيط، ضعيف. تق 301، وفيه انقطاع من رواية طلحة بن عبيدالله بن كريز، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وإسناده عند الحارث رجاله ثقات لكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة، وهو ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2)
تقدمت ترجمته في ص 360.
(3)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 5/ 292، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق سوى دينار أبي فاطمة، ذكره البخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/ 247، وكذا ابن أبي حاتم ذكره ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/ 342، وذكره ابن حبان في الثقات 4/ 219
ومن الآداب التي روى أن عمر رضي الله عنه أرشد العلماء على التخلق بها في تدريسهم العلم، الترويح على طلبة العلم وعدم مواصلة الدرس حتى لا يملوا.
روى أن عمر رضي الله عنه كان يحدث الناس، فإذا رآهم قد تعبوا أو ملوا، أخذ بهم في غراس الشجر
(1)
.
ولا شك أن هذا هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم العلم، قال ابن مسعود رضي الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا
(2)
.
ومن الآداب التي وجه إليها عمر رضي الله عنه طالب العلم، توقير العلماء وإجلالهم، وأن يعرف لهم مكانتهم ومنزلتهم التي أنزلهم الله إياها.
ولقد كان عمر رضي الله عنه يجل أهل العلم ويوقرهم، ومن ذلك تكريمه رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن عباس
(1)
رواه الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 728، السمعاني / أدب الإملاء والاستملاء 1/ 341، وفي إسناده عند الخرائطي رواد بن الجراح العسقلاني، صدوق اختلط، وشيخه سعيد بن عبد العزيز ثقة، اختلط أيضاً، ولم يتضح لي هل سماع رواد من سعيد قبل اختلاطه أم بعده، وكذلك هل سماع الراوي عن رواد قبل اختلاطه أم بعده، وهو معضل من رواية مكحول الشامي عن عمر، وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 24.
رضي الله عنهما: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله، فقال: إنه ممن قد علمتم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فدعاهم ذات يوم، ودعاني معهم، وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، وقال: ما تقولون {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ
…
} حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يابن عباس، أكذلك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له، إذا جاء نصر الله والفتح، فتح مكة، فذاك علامة أجلك، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً. قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم 1.
ومن توقيره رضي الله عنه لأهل العلم، ما ورد من أن عمر رضي الله عنه جاء إلى زيد بن ثابت، فاستأذن عليه، فأذن له، ورأسه في يد جارية له ترجله، فنزع رأسه، فقال له عمر: دعها ترجلك، فقال: يا أمير المؤمنين: لو أرسلت إلي جئتك، فقال عمر: إنما الحاجة لي 2.
1 رواه البخاري / الصحيح 3/ 63، 91، 222، الترمذي / السنن 5/ 120 وغيرهما.
2 رواه البخاري / الأدب المفرد ص 442، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 247، ومداره على سليمان بن زيد بن ثابت، ذكره ابن حبان في الثقات 4/ 315، وقال ابن حجر: مقبول. تق 251، وبقية رجاله عند البخاري ثقات، وقد حسن الشيخ الألباني الأثر في صحيح الأدب المفرد ص 495.
وكان بين معاوية بن أبي سفيان، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما خلاف حول بيع الذهب بالدنانير، وبيع الفضة بالدراهم، فقال عبادة لمعاوية: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدثني عن رأيك، لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة.
فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر
(1)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في توقير العلماء ومعرفة فضلهم قوله: تعلموا العلم، وعلموه الناس،
وتعلموا الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمون منه العلم، وتواضعوا لمن تُعلِّموه العلم، ولا تكونوا جبابرة
(1)
رواه ابن ماجه / السنن 1/ 8، أبو زرعة الدمشقي / التاريخ 1/ 225، ورجال إسناده عند ابن ماجة ما بين ثقة وصدوق، سوى هشام بن عمار فهو صدوق، كبر فصار يلقن، ولم يظهر لي هل سماع ابن ماجه منه قبل اختلاطه أم بعده، وسنده عند أبي زرعة متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق.
قال: حدّثنا محمّد بن المبارك عن يحيى بن حمزة أنه حدّثهم عن برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤويب عن أبيه أن عبادة أنكر
…
الآثر.
وقد صحح الشيخ الألباني رحمه الله الأثر في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 8، 9.
العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لموت الف عابد أهون من موت عاقل عقل عن الله
(2)
.
وروي أن عمرو بن العاص قدم على مصر، واستخلف عليها مجاهد بن جبر، فقال له عمر: من استخلفت؟ فقال: مجاهد بن جبر، فقال عمر: مولى ابنة غزوان؟ قال: نعم، إنه كاتب، فقال عمر: إن القلم ليرفع
(1)
رواه أحمد / الزهد 2/ 538، وكيع / الزهد 2/ 538، الآجري / الشريعة ص 73، البيهقي / شعب الإيمان 4/ 416، الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 1/ 93، وإسناده عند أحمد ووكيع رجاله ثقات، ولكنه معضل من رواية العلاء بن عبد الكريم اليامي، ثقة من السادسة، روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة، وأورده الآجري من غير إسناد، وإسناده عند البيهقي رجاله ثقات، لكنه من رواية عمران بن مسلم عن عمر رضي الله عنه، ولم يظهر لي من هو، يروي عنه يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة من السابعة، وفي إسناده عند الخطيب إسماعيل بن عمرو البجلي، ذكره ابن حبان / الثقات، وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي: حدث عن مسعر وسفيان بأحاديث لا يتابع عليها، ثم ساق له ابن عدي أحاديث، فقال: هذه مع سائر رواياته التي لم أذكر عامتها مما لا يتابع عليه، وهو ضعيف. سير أعلام النبلاء 10/ 435، وهو منقطع من رواية المسيب بن رافع عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة.
(2)
رواه الحارث بن أسامة / المسند / بغية الباحث للهيثمي 2/ 813، وفي إسناده داود بن المحبر، متروك. تق 200. فالأثر ضعيف جداً.
صاحبه
(1)
.
وكان عمر رضي الله عنه يحثّ طلاب العلم على تلقيه وأخذه ممن عرف به وكان راسخ القدم فيه قد أمضى فيه وقته وأفنى فيه عمره، وكان جليل القدر كبير المنزلة بين أهل الدين والعلم. قال رضي الله عنه "فساد الدين إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير"
(2)
.
قال ابن حجر: "وذكر أبو عبيد أن المراد بالصغر في هذا صغر القدر لا صغر السن. والله أعلم".
ومن آداب العلم الهامة التي حث عليها عمر رضي الله عنه العالم والمتعلم:
1 -
إخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، وابتغاء وجهه دون الأغراض الدنيوية، والجد في طلب العلم، وعدم الزهد فيه والرغبة عنه لأي سبب كان.
قال رضي الله عنه: لا يتعلم العلم لثلاث ولا يترك لثلاث، لا يتعلم ليمارى به، ولا ليباهى به، ولا ليراءى به، ولا يترك حياء من طلبه
(1)
رواه ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 179، وهو معضل من رواية الليث بن سعد عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من السابعة. فالأثر ضعيف.
(2)
قال ابن حجر رحمه الله: "وفي مصنف قاسم بن أصبغ بسند صحيح عن عمر فساد الدين
…
" الأثر. فتح الباري 13/ 301، 302.
ولا زهادة فيه، ولا رضا بالجهل منه
(1)
.
2 -
تحري الحق والصواب عند تلقي العلم ونشره:
فقد حذر عمر رضي الله عنه طالب العلم ومتلقيه أن يحدث بكل ما سمعه من غير تروٍ وتوثق من صحة ما سمعه وصوابه وموافقته للحق.
قال رضي الله عنه: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع
(2)
.
وشبه عمر رضي الله عنه الخطيب الذي يتكلم بالكلام الكثير من غير تحقق من ثبوته من عدمه بالشيطان.
فقد خطب رجل عند عمر رضي الله عنه فكثر الكلام، فقال عمر:"إن كثرة الكلام في الخطب من شقائق الشيطان"
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص 83، حسن. قال: حدّثني أبو سلمة المخزومي يحيى بن المغيرة، حدّثني أخي محمّد بن المغيرة عن عبد الله بن الحارث الجمحي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر
…
الأثر.
(2)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 1/ 74، 75.
(3)
رواه البخاري / الأدب المفرد ص 302، ابن أبي الدنيا / الصمت ص 93، الغيبة ص 34. صحيح من طريق البخاري. قال: حدّثنا سعيد بن مريم، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: أخبرني حميد أنه سمع أنساً يقول
…
الأثر.
قال ابن منظور رحمه الله: جعل للشيطان شقائق، ونسب الخطب إليه، لما يدخل فيها من الكذب، قال أبو منصور: شبه الذي يتفيهق في كلامه، ويسرده، ولا يبالي ما قاله من صدق أو كذب بالشيطان، لسان العرب 7/ 167، 168.
ومن آداب العلم المروية عن عمر رضي الله عنه:
1 - العمل بالعلم:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إياكم والمنافق العالم، قالوا: وكيف يكون المنافق عليماً؟ قال: يتكلم بالحق، ويعمل بالمنكر
(1)
.
وهذا الأثر صحيح المعنى، فإن مدح العالم العامل بعلمه والثناء عليه، وذم من لا يعمل بعلمه، ويخالف قوله فعله جاءت به النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة.
2 - الاهتمام بحفظ العلم وتقييده:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قيدوا العلم بالكتاب
(2)
.
3 - الحث على حسن كتابة العلم وقراءته:
(1)
رواه البيهقي / شعب الإيمان 4/ 404، وفي إسناده شيخه محمد بن الحسين أبو عبد الرحمن السلمي، قال الذهبي قال الخطيب قال لي محمد بن يوسف القطان: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، وكان يضع للصوفية الأحاديث. سير أعلام النبلاء 17/ 247. فالأثر ضعيف جداً.
(2)
رواه الدارمي / السنن 1/ 127، الحاكم / المستدرك 1/ 106، الخطيب / تقييد العلم ص 87، 88، وفي إسناده عند الدارمي والخطيب، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية عمرو بن أبي سفيان عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ورواه الحاكم من غير إسناد. فالأثر ضعيف.
روي أنه رضي الله عنه قال: شر الكتابة المشق
(1)
، وشر القراءة الهذرمة
(2)
، وأجود الخط أبينه
(3)
.
4 - التهيؤ لطلب العلم بالتنظف والتطيب:
روي عنه رضي الله عنه أنه قال: يعجبني أن أرى القارئ النظيف
(4)
.
المسألة الرابعة: الاهتمام بالفتوى:
إن التصدي للفتوى، وبيان أحكام الدين من الحلال والحرام، من الأمور التي أمر الشارع العظيم بالتحري فيها، والتريث، وعدم القول على الله بغير علم، وكان عمر رضي الله عنه شديد الحيطة والحذر، كثير
(1)
المشق في الخط: المد فيه، وقيل الإسراع فيه. ابن منظور / لسان العرب 13/ 116.
(2)
الهذرمة: السرعة في القراءة. المصدر السابق 15/ 15.
(3)
رواه الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 1/ 262، وفي إسناده علي ابن منصور بن جعفر لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ثقة، مات سنة 276، روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.
(4)
رواه الجعد / المسند 2/ 1064، وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي، صدوق كثير الأوهام، وهو منقطع من رواية محمد بن المنكدر عن عمر رضي الله عنه، وهو، ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
التحري عند إصدار الفتوى، وبيان الأحكام الشرعية. قال رضي الله عنه وهو يحذر من خطأ العالم في فتواه وزلته: يهدم الإسلام ثلاث: زلة عالم، ومجادلة منافق بالقرآن، وحكم أئمة مضلين
(1)
.
وإن من تحري عمر رضي الله عنه في الفتوى استشارته الصحابة رضوان الله عليهم قبل أن يفتي في المسألة مع سعة علمه رضي الله عنه ومع ما أوتيه من فقه وحكمة ومن أمثلة ذلك:
قال قبيصة بن جابر
(2)
رحمه الله: كنت محرماً فرأيت ظبياً، فرميته فأصبت خششاه - يعني أصل قرنه، فركب ردعه
(3)
، فوقع في نفسي من ذلك شيء، فأتيت عمر بن الخطاب أسأله، فوجدت لما جئته رجلاً أبيض رقيق الوجه، وإذا هو عبد الرحمن بن عوف، قال: فسألت عمر: فالتفت إلى عبد الرحمن بن عوف فقال: ترى شاة تكفيه؟ قال: نعم، فأمرني أن أذبح شاة، فقمنا من عنده، فقال صاحب لي: إن أمير المؤمنين لم يحسن أن يفتيك حتى سأل الرجل، فسمع عمر كلامه، فعلاه بالدرة، ثم أقبل علي عمر ليضربني فقلت: يا أمير المؤمنين لم أقل شيئاً، إنما هو قاله، قال:
(1)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص (829).
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (183).
(3)
رَكب رَدْعه: أي سقط على رأسه، فاندقت عنقه. ابن منظور / لسان العرب 5/ 188.
فتركني، ثم قال: أردت أن تقتل في الحرم وتتعدى الفتيا، ثم قال: إن في الإنسان عشرة أخلاق تسعة حسنة، وواحدة سيئة، فيفسدها ذلك السيء، وقال: إياك وعثرة الشباب
(1)
.
وسأل عمر رضي الله عنه أصحابه، فقال: فيما ترون أنزلت {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}
(2)
، فقالوا: الله أعلم، فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن في النفس منها شيئاً يا أمير المؤمنين، فقال عمر: قل يابن أخي ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضُربت مثلاً لعمل، فقال عمر: أي عمل؟ قال: لعمل رجل عُني بعمل الحسنات، ثم بعث إليه شيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله
(3)
.
(1)
رواه مالك / الموطأ 1/ 485، عبد الرزاق / المصنف 4/ 406، 407، الطبراني / المعجم الكبير 1/ 127، الحاكم / المستدرك 3/ 310. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن عبد الملك بن عمير، قال: أخبرني قبيصة بن جابر الأسدي، قال: كنت محرماً
…
الأثر.
(2)
سورة البقرة الآية (266).
(3)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 546، 547، الحاكم / المستدرك 2/ 283. صحيح من طريق ابن المبارك. قال: عن ابن جريج، قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير أنه سمعه يقول: سأل عمر
…
الأثر.
ومما روي في تحري عمر رضي الله عنه في الفتوى، ما روي من قول أبي حصين
(1)
رحمه الله: إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر
(2)
.
وكان عمر رضي الله عنه يلوم ويعاقب من يتسرع في الفتوى ثم يخطئ فيها، فقد مر أبو هريرة رضي الله عنه بقوم محرمين، فاستفتوه في لحم صيد، وجدوا ناساً أحلة يأكلونه، فأفتاهم رضي الله عنه بأكله، ثم قدم على عمر رضي الله عنه، فسأله عن ذلك فقال عمر رضي الله عنه: فبما أفتيتهم؟ قال: بأكله، فقال عمر: لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك
(3)
.
وخرج عمر رضي الله عنه من الخلاء بعد أن قضى حاجته، ثم أخذ يقرأ القرآن فقال له أبو مريم الحنفي
(4)
: لو توضأت يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: أمسيلمة أفتاك بهذا
(5)
.
(1)
أبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي، ثقة من الرابعة. تق 384.
(2)
أورده الذهبي / سير أعلام النبلاء 5/ 416، وقال: قال أبو شهاب، سمعت أبا حصين.
(3)
رواه مالك / الموطأ 1/ 448، 449، سعيد بن منصور / السنن 4/ 1628، 1629. صحيح من طريق مالك. قال: عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين
…
الأثر.
(4)
تقدمت ترجمته في ص (659).
(5)
رواه مالك / الموطأ 1/ 90، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 98، ورجال إسناده عند مالك ثقات ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه ورجال إسناده عند ابن أبي شيبة ثقات، ولكنه منقطع أيضاً من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من رؤوس الطبقة الرابعة. فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
وكان رضي الله عنه يكره اختلاف العلماء في الفتوى، لما يسببه ذلك من اختلاف الأمة وتفرق كلمتها.
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: اختلف أبي بن كعب، وابن مسعود رضي الله عنهما في الصلاة في ثوب واحد، فقال أبي بن كعب: ثوب واحد، وقال ابن مسعود: ثوبين، فجاز عليهم عمر رضي الله عنه فلامهما وقال: إنه ليسوؤني أن يختلف اثنان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في شيء واحد، فعن أي فتياكما يصدر الناس، أما ابن مسعود فلم يأل، والقول ما قال أبي
(1)
.
وتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند عمر العزل، فاختلفوا فيه، فقال عمر رضي الله عنه: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم
(2)
.
(1)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 2/ 238، حسن.
قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد، أنبأ جعفر الرزاز، ثنا عليّ ابن إبراهيم الواسطي، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد، قال: اختلف أبي بن كعب
…
الأثر.
(2)
رواه الشافعي / السنن 2/ 290، الطحاوي / مشكل الآثار 2/ 373. صحيح من طريق الطحاوي.
قال: حدّثنا روح بن الفرج، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن اللّيث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الأثر.
وكان عمر رضي الله عنه يحث العلماء وأهل الفتيا على أن يكونوا قدوة للناس بأعمالهم قبل أقوالهم، فإن الناس يقتدون بهم في أفعالهم، ويرون أعمالهم موضع القدوة.
رأى عمر رضي الله عنه على طلحة رضي الله عنه ثوباً مصبوغاً وهو محرم، فقال: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين، إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله قد كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة
(1)
.
وكان عمر رضي الله عنه يسأل أصحابه أحياناً ويختبر قدراتهم على الفتيا في الأحكام حتى يعلم مدى كفاءتهم لذلك.
(1)
رواه مالك / الموطأ 1/ 412، 413، ابن المبارك / الزهد ص 516، البيهقي / السنن الكبرى 5/ 60. صحيح من طريق مالك.
قال: عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عن ابن عمر أن عمر
…
الأثر.
قال طارق بن شهاب
(1)
رحمه الله: خرجنا حجاجاً، فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضباً ففزر ظهره، فقدمنا على عمر رضي الله عنه، فسأله أربد فقال عمر: احكم يا أربد فيه، فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم، فقال عمر رضي الله عنه: إنما أمرتك أن تحكم فيه، ولم آمرك أن تزكيني. فقال أربد: أرى فيه جدياً
(2)
، قد جمع الماء والشجر، فقال عمر: فذلك فيه
(3)
.
المسألة الخامسة: وضع التأريخ الهجري:
إن من الأعمال الجليلة التي قام بها عمر رضي الله عنه خدمةً للعلم والمعرفة وضعه رضي الله عنه التأريخ الهجري الذي حفظ الله به للأمة تراثها وثقافتها.
وقد رويت في ذلك عدة آثار تدل بمجموعها على أن عمر رضي الله عنه هو أول من وضع التأريخ الهجري، فقد روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه صك محلة في شعبان فقال عمر: أي شعبان الذي هو آت، أو الذي نحن فيه؟ ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا للناس شيئاَ
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (221).
(2)
الجَدي: ولد المعز بعدما يفطم، ابن ستة أشهر. معجم لغة الفقهاء ص 161.
(3)
رواه الشافعي / المسند ص 134، البيهقي / السنن الكبرى 5/ 182، 185. صحيح من طريق الشافعي. قال: أخبرنا ابن عيينة، أخبرنا مخارق عن طارق ابن شهاب، قال: خرجنا
…
الأثر.
يعرفونه، فقال بعضهم: اكتبوا عن تاريخ الروم، فقيل إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول، وقال بعضهم: اكتبوا عن تاريخ الفرس، فقيل إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فوجدوه عشر سنين، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وروي أن عاملاً لعمر رضي الله عنه جاء من اليمن، فقال لعمر رضي الله عنه: أما تؤرخون، تكتبون في سنة كذا وكذا، من شهر كذا وكذا؟ فأراد عمر رضي الله عنه والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرادوا أن يكون ذلك من عند الهجرة، ثم قالوا: من أي شهر؟ فأرادوه أن يكون من رمضان، ثم بدا لهم، فقالوا من المحرم
(2)
.
(1)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 3. قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، حدّثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدّثنا خالد بن حيان أبو يزيد الخزاز عن فرات بن سليمان عن ميمون بن مهران، قال: رفع إلى عمر فذكر الأثر.
محمّد بن إسماعيل لعلّه الإمام البخاري. وقتيبة بن سعيد ثقة من العاشرة تق: 454. وخالد بن حيان أبو يزيد الخزاز صدوق يخطئ تق: 187. وفرات بن سليمان لعلّه الذي ذكره الذهبي، وقال: لا بأس به. ميزان الاعتدال 3/ 342. ميمون بن مهران الجزري ثقة من الرابعة تق: 556. روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضغيف.
(2)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 51. قال: أخبرنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، قال: نا قرة بن خالد عن محمّد بن سيرين، قال: قال عامل لعمر وذكر الأثر.
عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة تق: 331. وقرة بن خالد ثقة من السادسة تق: 455. ومحمّد بن سيرين ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. وقد أثنى العلماء على مراسيله.
ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 327. قال: حدّثنا وهب بن جرير، قال: حدّثنا قرة ابن خالد به مثله عن ابن شبه.
الطبري/ التاريخ 2/ 3. قال: حدّثنا أمية بن خالد وأبو داود الطيالسي عن قرة ابن خالد بالإسناد السابق. فالأثر ضعيف لانقطاعه.
وروي أن عمر رضي الله عنه جمع المهاجرين والأنصار، فقال: من أين نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك - يعني يوم هاجر، فكتب عمر رضي الله عنه
(1)
.
(1)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 51. قال: نا إسحاق بن إدريس، قال: نا عبد العزيز بن محمّد، نا عثمان بن عبيد الله عن سعيد بن المسيب، قال: جمع عمر
…
فذكر الأثر.
إسحاق بن إدريس الأسواري تركه ابن المديني. وقال أبو زرعة: واهٍ. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال يحيى بن معين: كذاب يضع الحديث. الميزان 1/ 184. وعبد العزيز محمّد الدراوردي صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ تق: 358. وعثمان بن عبيد الله بن أبي رافع ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 6/ 156. وذكره ابن حبان في الثقات 7/ 190. وسعيد بن المسيب أحد العلماء الأثبات من كبار الثانية اتفقوا على أن مرسلاته من أصحّ المراسيل تق: 241.
ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 327. قال: حدّثنا هارون بن معروف، حدّثنا عبد العزيز بن محمّد، قال: أخبرني عثمان بن عبيد الله، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول:
…
فذكر الأثر.
هارون بن معروف ثقة من العاشرة تق: 569. وقد تابع إسحاق في روايته خليفة المتقدمة. وبقية رجال السند تقدموا في السند السابق.
الطبري/ التاريخ 2/ 4، 5. قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدّثنا نعيم بن حماد، قال: حدّثنا الدراودري عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت سعيد بن المسيب.
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ثقة من الحادية عشرة. ونعيم بن حماد صدوق يخطئ كثيراً. وبقية رجال السند تقدموا.
فتبيّن من خلال هذه الأسانيد أن مدار الأثر على عبد العزيز بن محمّد الداروردي عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع. وقد تقدم الكلام عليهما. وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه وقد اختلف في سماعه منه.
وروي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر: إنه تأتينا كتب ما ندري ما تاريخها، فاستشار عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم من المبعث، وقال بعضهم من وفاته، فقال عمر: أرخوا من هجرته، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل
(1)
.
(1)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 51. قال: نا محمّد بن عبد الله بن الزبير،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال: نا حبان عن مجالد عن عامر، قال: كتب أبو موسى
…
فذكر الأثر.
محمّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي ثقة ثبت إلاّ أنه قد يخطئ في حديث الثوري تق: 487.
وحبان بن عليّ العنزي ضعيف من الثامنة تق: 149. ومجالد بن سعيد ليس بالقويّ وتغير في آخر عمره تق: 520. والشعبي عامر بن شراحيل ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة.
البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 189. قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثني محمّد بن عبد الله الأسدي، حدّثنا حبان عن مجالد عن الشعبي
…
فذكره.
عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة ثقة حافظ تق: 320. وبقية رجال السند تقدموا في الذي قبله.
الطبري/ التاريخ 2/ 3. قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا حبان بن عليّ العنزي عن مجالد عن الشعبي.
محمّد بن إسماعيل لعلّه البخاري. وأبو نعيم الفضل بن دكين ثقة ثبت تق: 446. ورجال السند تقدموا.
فتبيّن مما تقدم أن مدار الأثر على حبان بن عليّ العنزي عن مجالد بن سعيد، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
المبحث الثاني: الاهتمام بالنواحى الأخلاقية،
وفيه أربعة مطالب
المطلب الأول: الحثّ على مكارم الأخلاق، والبعد عن مساوئها
المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة، وانتشار الرذيلة
المطلب الثالث: معاملة الفساق والعصاة.
المطلب الرابع: إقامة الحدود
المطلب الأول: الحثّ على مكارم الأخلاق، والبعد عن مساوئها:
إن منزلة حسن الخلق في الدين منزلة عظيمة، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً وإن المجتمع الذي يتحلى أفراده بحسن الخلق مجتمع مثالي، تتجلى فيه مظاهر الود والرحمة والتآلف، والتكافل الاجتماعي، ويكون ذلك المجتمع موضع القدوة والتقدير من الغير، لذلك حرص عمر رضي الله عنه على أن يتحلى أفراد رعيته بمحاسن الأخلاق، ويبتعدوا عن مساوئها.
قال عمر رضي الله عنه وهو يذكر مقياس التفاضل بين الناس، والصفات التي يرتفع بها قدر المرء ومنزلته عند الله عز وجل: حسب المرء دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله
(1)
.
(1)
رواه مالك / الموطأ 1/ 367، سعيد بن منصور / السنن 4/ 1283، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 212، البلاذري / أنساب الأشراف ص 175، ابن أبي الدنيا / العقل وفضله ص 24، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 20، الدارقطني / السنن 3/ 304، البيهقي / الآداب ص 142، 143، وإسناده عند مالك معضل من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، وفي إسناده عند سعيد أبو إسحاق السبيعي مدلس، من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وفيه حسان بن فائد العبسي، ذكره ابن أبي حاتم، وقال عن أبيه: شيخ. الجرح والتعديل 3/ 233، وهي عبارة لا تفيد جرحاً ولا تعديلاً كما تقدم نقله عن الذهبي رحمه الله، وذكره ابن حبان في الثقات 4/ 163، وهو عنده بلفظ: كرم الرجل دينه، وحسبه خلقه، وإن كان فارسياً أو نبطياً.
وفي إسناده عند البلاذري مجالد بن سعيد ليس بالقوي، وبقية رجاله ثقات وهو عند الخرائطي وابن أبي شيبة منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه وإسناده عند الدارقطني متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق فالأثر حسن من طريقه.
قال: نا أبو بكر، نا محمّد بن إسحاق، نا موسى بن داود، نا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر، قال: سمعت الشعبي يقول: سمعت زياد بن حدير يقول: سمعت عمر بن الخطاب
…
الأثر.
فالصفات التي ذكرها عمر رضي الله عنه صفات شاملة وجامعة لكل خير وفضيلة، فإذا تحلى المرء بالالتزام الديني، وحسن خلقه ورزق من العقل الراجح ما يعرف به الخير والشر والمعروف والمنكر، فقد اجتمع له خيرا الدنيا والآخرة.
وقد جاءت عن عمر رضي الله عنه عدة نصوص فيها إرشاد لرعيته إلى بعض
الصفات الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يتحلى
بها وهي:
1 - الزهد:
فقد كان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على الزهد في الدنيا وحبها الذي هو مصدر كل شر وعلى حب الآخرة والعمل لها الذي هو مصدر كل خير وفضيلة في الدنيا والآخرة.
قال رضي الله عنه وقد رأى توسع الناس في متاع الدنيا: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل
(1)
ما يملأ به بطنه
(2)
، فذكرهم رضي الله عنه بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو خير من أقلت الغبراء وأظلت الخضراء من الأولين والآخرين من الزهد بالدنيا والإعراض عنها رجاء أن يقتدوا به في دنياهم ليلحقوا به في أخراهم.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الحث على الزهد في الدنيا، ما روي أنه قال: الزهادة في الدنيا راحة للقلب والجسد
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى رضي الله عنه: إنك لن تنال عمل الآخرة بشيء أفضل من الزهد في الدنيا
(4)
.
(1)
الدّقل: رديء التمر ويابسه، وما ليس له اسم خاص. ابن منظور / لسان العرب 4/ 380.
(2)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 18/ 109، الطيالسي / المسند ص 12.
(3)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 210، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 7/ 368، ومداره على بقية بن الوليد مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، فالأثر ضعيف.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 97، أحمد / الزهد ص 152، وكيع / الزهد 1/ 220، من رواية سفيان الثوري عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه معضلة، وهو ثقة من السابعة فالأثر ضعيف.
وروي أنه رضي الله عنه قال: ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب
(1)
.
وروي أنه قال: إياكم وكثرة الحمام، وكثرة إطلاء النورة، والتوطؤ على الفرش، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين
(2)
.
وروي أنه رضي الله عنه مر على مزبلة، فاحتبس عندها فكأنه شق على أصحابه، وتأذوا بها، فقال لهم: هذه دنياكم التي تحرصون عليها
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه رأى يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه كاشفاً عن بطنه، فرأى جلدة رقيقة فرفع الدرة عليه، وقال: أجلدة كافر
(4)
؟
(1)
نفج الأرنب: إذا ثار. ابن منظور / لسان العرب 14/ 224.
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 97، وفي إسناده عبد الملك بن عمير اللخمي، ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية أبي المليح عن عمر رضي الله عنه، هو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 263، وفيه رجال مبهمون، قال الراوي فيه وهو أرطأة بن المنذر، ثقة من السادسة: حدثني بعضهم، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه أحمد / الزهد ص 147، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(4)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 202، 203، عبد الرزاق / المصنف 11/ 86، 87، وهو منقطع من رواية طاووس بن كيسان عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات، فالأثر ضعيف.
2 - التواضع:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته وقال: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير وفي أنفس الناس كبير، وإن العبد إذا تعظم وعدا طوره، رهصه الله إلى الأرض، وقال إخسأ أخسأك الله، فهو في نفسه كبير وفي أنفس الناس صغير، حتى لهو أحقر عنده من خنزير
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إنه ليعجبني أن يكون الرجل في أهل بيته كالصبي، فإذا ابتغى منه وجد رجلاً
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 96، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 728، مساوئ الأخلاق ص 264، البيهقي / الأدب ص 165، 166، ابن أبي الدنيا / التواضع 102، 104، ومداره على محمد بن عجلان وهو صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 6/ 292، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، سوى شيخ البيهقي محمد بن ابي المعروف لم أجد له ترجمة، وهو منقطع من رواية يسار المكي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
3 - الورع:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن الدين ليس بالطنطنة من آخر الليل ولكن الدين الورع
(1)
.
وروي أن قال: من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه
(2)
.
4 - الصبر:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أولا يسكت أحدكم، فإن عوفي شكر، وإن ابتلي صبر
(3)
.
(1)
رواه أحمد /الزهد ص 155، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وفيه إبهام بشيخ يحيى بن سعيد الأنصاري، حيث قال: عمن حدثه عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 83، الحلم ص 78، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 8/ 281، ومداره على يزيد أو دريد أو دويد بن مجاشع لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ما بين ثقة، وصدوق.
(3)
رواه سعيد بن منصور / السنن 2/ 317، هناد / الزهد 1/ 256، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 51، وهو معضل من رواية إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، ورجاله عند سعيد ثقات، فالأثر ضعيف.
5 - محاسبة النفس:
روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله: أن حاسب نفسك قبل حساب الشدة، فإنه من حاسب نفسه في الرخاء، قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضى والغبطة
(1)
.
وروي أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه
(2)
.
وروي أنه قال: خذوا بحظكم من العزلة
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا / محاسبة النفس ص 38، البيهقي / الزهد الكبير ص 192، ومداره على جعفر بن برقان الكلابي، ثقة من السادسة، روايته عن عمر معضلة وبقية رجاله عند ابن أبي الدنيا ثقات، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 103، أحمد / الزهد ص 149، الترمذي / السنن 4/ 54، ابن أبي الدنيا/ محاسبة النفس ص 29، 30، وإسناده عند ابن المبارك معضل من رواية مالك بن مغول وهو ثقة من السابعة، روايته عن عمر معضلة، ومداره عند أحمد وابن أبي الدنيا على ثابت بن الحجاج الكلابي، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند أحمد ثقات، ورواه الترمذي من غير إسناد، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن أبي عاصم / الزهد ص 43، وكيع / الزهد 2/ 517، ومداره على حفص بن عاصم، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند وكيع ثقات، فالأثر ضعيف.
6 - تقوى الله:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أوصيكم بتقوى الله إذا خلوتم
(1)
.
وروي أنه قال: الأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقوا الله عز وجل، فإنما التقوى بالتوقي، ومن يتق الله يقه
(2)
.
7 - الرجوع إلى الحق:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من ينصف الناس من نفسه يعط الظفر في أمره، والذل في الطاعة أقرب إلى البر من التعزيز في المعصية
(3)
.
(1)
رواه البيهقي / شعب الإيمان 5/ 328، وفي إسناده أبو جنادة حصين بن مخارق الكوفي، قال الذهبي: قال الدارقطني: يضع الحديث، ونقل ابن الجوزي عن ابن حبان أنه قال: لا يجوز الاحتجاج به. ميزان الاعتدال 1/ 554، فالأثر ضعيف جداً ومعناه صحيح.
(2)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 572، وفي إسناده عمر بن مجاشع المدائني ذكره ابن حجر، ونقل عن ابن حبان توثيقه له، ونقل عن ابن الجنيد أنه سأل ابن معين عنه فقال: شيخ مدائني لا بأس به، تعجيل المنفعة ص 303، لسان الميزان 4/ 324، ولم يظهر لي هل سمع من عمر رضي الله عنه أم لا، وبقية رجاله ثقات.
(3)
رواه الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 363، وفي إسناده محمد بن كثير العجلي لم أجد له ترجمة، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث ضعيف. تق 336، وفيه عبيد الله القرشي لم أجد له ترجمة، وذكر في شيوخ عبد الرحمن بن إسحاق، وما ذكره محقق كتاب الخرائطي بأنه عبد الله القرشي الرقي، ثقة من العاشرة، فهو خطأ لأن تلميذ عبيد الله هو عبد الرحمن بن إسحاق من الطبقة السابعة، فالأثر ضعيف.
8 - ذكر الآخرة، وعدم الغفلة:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أكثروا ذكر النار، فإن حرها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها حديد
(1)
.
9 - الاستقامة على الدين:
روي أن عمر رضي الله عنه قرأ قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلئِكَةُ}
(2)
، فقال: استقاموا والله بطاعة الله، ثم لم يروغوا روغان الثعالب
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 53، الترمذي / السنن 4/ 104، وإسناده منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات، فالأثر ضعيف.
(2)
سورة فصلت الآية (30).
(3)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 110، أحمد / الزهد ص 144، ومداره على الزهري ثقة من الرابعة روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر ضعيف.
10 - البدء بإصلاح النفس قبل إصلاح الغير:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: كفى بالمرء عيباً أن يستبين له من الناس ما يخفى عليه من نفسه، ويمقت الناس فيما يأتي
(1)
.
11 - المسارعة في فعل الطاعات:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: التؤدة في كل خير إلا ما كان من أمر الآخرة
(2)
.
12 - الإنفاق في سبيل الله، وإفشاء السلام، والحلم:
روي عن عمر رضي الله عنه قوله: إن أجود الناس من جاد على من لا يرجو ثوابه، وإن أحلم الناس من عفا بعد القدرة، وإن أبخل الناس الذي يبخل بالسلام، وإن أعجز الناس الذي يعجز في دعاء الله
(3)
.
(1)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 233، 234، وهو معضل من رواية إسحاق بن راشد الجزري، ثقة من السابعة، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 234، أحمد / الزهد ص 148، ابن أبي الدنيا / ذم الدنيا ص 27، وفي إسناد ابن أبي شيبة وأحمد، الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه مالك بن الحارث السلمي، ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة، وفي إسناده عند ابن أبي الدنيا إسماعيل بن مسلم المكي، ضعيف الحديث، تق 110، وهو معضل من رواية إبراهيم النخعي، ثقة من الخامسة، روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 232، ورجاله ثقات لكنه منقطع من رواية أبي زرعة بن عمرو بن حريز، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
وروي عنه رضي الله عنه في الإنفاق: رحم الله من قدم فضل المال وأمسك عن فضل الكلام
(1)
.
13 - التحذير من فتنة المال، والحث على القناعة:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: للخرق
(2)
في المعيشة أخوف عليكم من العوز
(3)
. إنه لا يقل قليل مع الإصلاح، ولا يبقى كثير مع الإفساد
(4)
.
(1)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 262، وفي إسناده النضر بن إسحاق ذكره ابن حبان في الثقات 7/ 535، وفيه أبو المليح يروي عن عمر رضي الله عنه، لم أعرفه.
(2)
الخُرْق: الجهل والحمق، وخَرِق بالشيء يخرق: جهله ولم يحسن عمله. ابن منظور / لسان العرب 4/ 73، 74.
(3)
العَوَز: العدم وسوء الحال، وعوز الرجل وأعوز أي افتقر. المصدر السابق 9/ 472.
(4)
رواه هناد/ الزهد 2/ 654، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 175، وكيع/ الزهد 3/ 784، ومداره على سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من الخامسة. تق 230، روايته عن عمر معضلة، وبقية رجاله عند وكيع ثقات، فالأثر ضعيف.
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: الكفاف
(1)
مع القصد
(2)
أكفى من السعة مع الإسراف
(3)
.
وروي عنه أنه قال: من استغنى بالله اكتفى، ومن انقطع إلى غير الله يعمى، ومن كان من قليل الدنيا لا يشبع لم ينفعه كثير ما يجمع، فاكتف منها بالكفاف، والزم نفسك بالعفاف، ودع الغلول فإن حسابها غداً يطول
(4)
.
(1)
الكفاف من الرزق: القوت، وهو ما كف عن الناس أي أغنى. الرازي / مختار الصحاح ص 239.
(2)
القصد في الشيء خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير. المصدر السابق 11/ 179، 180.
(3)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 176، ورجال إسناده ثقات، ولكنه معضل من رواية أبي زبيد عبثر بن القاسم الزبيدي، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وذكر من شيوخه الأعمش فهو إما من الطبقة السادسة، أو الخامسة، الجرح والتعديل 7/ 43، فالأثر ضعيف.
(4)
رواه البيهقي / الزهد الكبير ص 88، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن النصر آباذي لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية عروة بن الزبير بن العوام عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
14 - العفو والصفح عن الناس:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد، ولولا القيامة لكان غير ما ترون
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك
(2)
.
وكان عمر رضي الله عنه يحذر رعيته من مساوئ الأخلاق كما كان يحضهم على محاسنها.
قال رضي الله عنه وهو يبين خطر سوء الخلق على المرء: إن المرء تكون فيه عشرة أخلاق تسعة صالحة، وخلق سيء فيفسد السيء التسعة
(3)
.
(1)
رواه ابن أدهم / المسند ص 46، أبو نعيم / حلية الأولياء 8/ 57، 58، ومداره على أبي عبد الله الخراساني يروي عن عمر رضي الله عنه لم أجد له ترجمة، وسماعه من عمر بعيد، فهو شيخ ابن أدهم، وابن أدهم من الطبقة الثامنة، فالإسناد معضل فيكون الأثر ضعيفاً.
(2)
رواه ابن عبد ربه / العقد الفريد 2/ 140، من غير إسناد.
(3)
صحيح تقدم تخريجه في ص (898). وهو بقية أثر قبيصة بن جابر: كنت محرماً فرأيت
…
الأثر.
وقد حذر عمر رضي الله عنه الناس ونهاهم عن التخلق ببعض
الأخلاق السيئة التي هي من الأمراض التي يكثر انتشارها في المجتمعات والتي لها مخاطر عظيمة على الفرد والمجتمع
ومنها:
1 - الكذب:
قال عمر رضي الله عنه: ليس فيما دون الصدق من الحديث خير، من يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك
(1)
.
وقال رضي الله عنه: أما في المعاريض
(2)
ما يغني الرجل من الكذب
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص 247، حسن.
قال: حدّثني محمّد بن إدريس، حدّثني عبد العزيز بن عبد الله العامري، حدّثنا إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان عمر
…
الأثر.
(2)
المعاريض من الكلام، ما عرض به، ولم يصرح به، وأعراض الكلام ومعاريضه: كلام يشبه بعضه بعضاً في المعاني، كالرجل تسأله: هل رأيت فلاناً؟ فيكره أن يكذب، وقدر رآه فيقول: إن فلاناً ليُرى. ابن منظور / لسان العرب 9/ 149.
(3)
رواه البخاري / الأدب المفرد ص 305، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 4/ 203، وإسناده عند البخاري متصل ورجاله ثقات، وفيه شك من سليمان ابن طرخان حيث قال: وفيما أرى قال عمر.
قال البخاري رحمه الله تعالى: حدّثنا الحسن بن عمر، قال: حدّثنا معمر، قال أبي: حدّثنا أبو عثمان عن عمر: (فيما أرى شك أبي) أنه قال: حسب امرئ.
ورجال إسناده عند البيهقي ما بين ثقة وصدوق، وهو أيضاً من طريق سليمان ابن طرخان من غير عبارة: فيما أرى.
قال البيهقي: أخبرنا ابن بشران، أنا إسماعيل الصغار، نا محمّد بن عبد الملك، نا يزيد بن هارون، أنا سليمان عن أبي عثمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
…
الأثر. فالأثر صحيح إن شاء الله.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى تدع الكذب
(1)
.
وروي أنه قال: لا تجد المؤمن كذاباً
(2)
.
2 - الغيبة:
قال رضي الله عنه وهو يحث رعيته على القيام بالأخذ على يد المغتابين وتحذيرهم من فعلهم: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 236، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية ميمون بن أبي شبيب عن عمر رضي الله عنه، وهو صدوق من الثالثة، فالأثر ضعيف ويشهد له الذي قبله.
(2)
رواه البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 4/ 230، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية حسان بن عطية المحاربي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة، فالأثر ضعيف.
الناس لا تغيروا عليه؟ قالوا: نتقي لسانه، قال: ذلك أدنى أن تكونوا شهداء
(1)
.
3 - الطمع والغضب:
وروي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على تحذير عمر رضي الله عنه من هاتين الخصلتين الذميمتين.
روي عنه رضي الله عنه أنه قال: قد أفلح منكم من حفظ من الهوى والطمع والغضب
(2)
.
وروي أن عمر قال: لا يغرنك خلق امرئ حتى يغضب، ولا دينه حتى يطمع
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة/المصنف 5/ 230، ابن أبي الدنيا/ الصمت ص: 137، الغيبة ص: 90، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن زيد بن صوحان، قال: قال عمر:
…
الأثر.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص 249، البيهقي / السنن الكبرى 3/ 215، ورجال إسناده عند ابن أبي الدنيا ما بين ثقة وصدوق، ولكنه معضل من رواية أبي بكر بن عياش عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السابعة، وسنده عند البيهقي متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق سوى أبي الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي، قال الخطيب البغدادي: ذكر أنه كان فيه لين، تاريخ بغداد 1/ 282، لسان الميزان 5/ 49.
(3)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 204، ورجال إسناده ثقات، وفيه بقية ابن الوليد، صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، فالأثر ضعيف.
4 - كثرة التمادح:
ومما حذر منه عمر رضي الله عنه رعيته من الخصال الذميمة مدح المرء لأخيه بحضرته لما في ذلك من إدخال الغرور والعجب إلى نفسه، وقد يفضي ذلك إلى الرياء في العمل لكسب ثناء الناس ومدحهم، فيبطل عمل المرء ويفسد ويذهب ثوابه.
قال رضي الله عنه: المدح الذبح
(1)
.
وقال رضي الله عنه لرجل أثنى على رجل بحضرته وفي وجهه: عقرت الرجل عقرك الله
(2)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حطه من نفوس أصحابه إذا رأى منهم إعجاباً بأنفسهم:
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 297، البخاري / الأدب المفرد ص 123، ابن أبي الدنيا / الصمت ص 347، صحيح من طريق البخاري. قال: حدّثنا عبد السلام، قال: حدّثنا حفص عن عبيد الله عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر يقول.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 297، البخاري / الأدب المفرد ص 123، ومداره على عمران بن سليم، صدوق ربما وهم، وبقية رجاله عند أبي شيبة، ثقات وسنده متصل، فالأثر حسن وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 136.
أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه دخل على عمر رضي الله عنه، وعليه حلة خضراء، فنظر إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك عمر رضي الله عنه، وثب إليه ومعه الدرة، فجعل ضرباً لمعاوية، ومعاوية يقول: الله، الله يا أمير المؤمنين، فيم فيم؟! فلم يكلمه حتى رجع، فجلس في مجلسه، فقال له القوم: لم ضربت الفتى يا أمير المؤمنين؟ ما في القوم مثله، فقال: والله ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خيراً، ولكني رأيته - وأشار بيده - فأحببت أن أضع منه
(1)
.
وروي أن ابناً لعمر رضي الله عنه دخل على عمر، وقد ترجل ولبس ثياباً حساناً فضربه عمر بالدرة، حتى أبكاه، فقالت له حفصة: لم يكن فاحشاً، لم ضربته؟ فقال: رأيته قد أعجبته نفسه، فأحببت أن أصغرها إليه
(2)
.
وروي أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كان إذا قدمت عليه العير من الشام تحمل الزيت تلقاها فادهن، فقدمت عير، فادهن منها،
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات / الرابعة 1/ 113، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية سعيد بن عمرو بن العاص، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/ 416، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية عكرمة بن خالد بن العاص، ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة.
فلقيه عمر رضي الله عنه، فأخذ بقفاه فقال: ادهنت بعد جفوف، ثم نظرت في حلتك فأعجبتك نفسك، لا تفارقني حتى أجز من شعرك
(1)
.
5 - تحذيره رضي الله عنه من هفوات الشباب:
وحذر عمر رضي الله عنه الشباب الذين هم عماد الأمة بعد الله عز وجل من الغفلة والطيش والانحراف عن الصراط المستقيم الذي يقترن بمرحلة الشباب غالباً، قال رضي الله عنه وهو ينصح رجلاً: إياك وعثرة الشباب
(2)
.
(1)
رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 6/ 109، وفي إسناده يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي، ضعيف. تق 593، وهو منقطع من رواية عثمان بن أبي سودة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2)
صحيح، تقدم تخريجه في ص (898). وهو جزء من أثر قبيصة بن جابر: كنت محرماً
…
الأثر.
المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة، وانتشار الرذيلة:
وإن من اهتمام عمر رضي الله عنه بالنواحي الأخلاقية في المجتمع، محاربته الرذيلة، وذلك بالقضاء على أسباب انتشارها، وذلك بما يلي:
1 - منع الاختلاط بين الرجال والنساء:
فالاختلاط من أكبر انتشار الرذيلة والفاحشة في المجتمع، سواءً بالاختلاط بهن في الأماكن العامة أو بالخلوة بهن.
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على قيامه رضي الله عنه بمحاربة الاختلاط بين الرجال والنساء.
روي عنه رضي الله عنه أنه أتى حياضاً عليها الرجال والنساء، يتوضؤون، فضربهم بالدرة، ثم قال لصاحب الحوض: اجعل للرجال حياضاً والنساء حياضاً
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه: نهى أن يطوف الرجال مع النساء،
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 75. ابن سعد / الطبقات 6/ 155، وإسناده عند عبد الرزاق رجاله ما بين ثقة وصدوق، وأبو سلامة الخبيبي الراوي عن عمر رضي الله عنه، ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 2/ 26، 4/ 243، وكذا ابن حجر في الإصابة 1/ 420، 4/ 93. وقال في التقريب: صحابي له حديث واحد. ص: 192. ورواه ابن سعد من غير إسناد.
فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة
(1)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على تحذيره رضي الله عنه من الدخول على المغيبات الذين غاب أزواجهن في الجهاد لما في ذلك الاختلاء من مظنة وقوع الفاحشة أو داوعيها.
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا يدخل على امرأة مغيبة إلا ذو محرم، ألا وإن قيل: حموها، ألا وإن حموها الموت
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: لا يدخل رجل على مغيبة، فقام رجل فقال: إن خالاً لي، او ابن عم لي خرج غازياً، وأوصاني بأهله، فأدخل عليهم، فضربه بالدرة، ثم قال: ادن كذا، ادن كذا، وقم على الباب، لا تدخل، فقل: ألكم حاجة؟ أتريدون شيئاً
(3)
؟
(1)
رواه الفاكهي / أخبار مكة 1/ 252، 253، وفي إسناده مغيرة بن مقسم الضبي، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو معضل من رواية إبراهيم ابن يزيد النخعي، ثقة من الخامسة، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 137، ورجال إسناده ثقات، وسماع حميد بن عبد الرحمن بن عوف من عمر مختلف فيه، قال ابن حجر: ثقة، قيل إن روايته عن عمر مرسلة. تق 182.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 137، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
وروي أنه رضي الله عنه قال: ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسراً وسادة عند امرأة مغزية، يتحدث إليها، وتتحدث إليه، عليكم بالجنبة، فإنها عفاف، إنما النساء لحم على وضم
(1)
، إلا ما ذب عنه
(2)
.
2 - منع النساء من التبرج وإبداء الزينة:
فقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حرصه رضي الله عنه على منع النساء من إبداء زينتهن لغير محارمهن، حتى لا تقع الفتنة بهن.
روي أن جارية جميلة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقال لها زيرا، خرجت وعليها قميص فكشفتها الريح، فشد عليها عمر بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله عمر بالدرة، فذهب سعد يدعو على عمر رضي الله عنه، فناوله عمر الدرة، وقال: اقتص، فعفا عنه
(3)
.
(1)
لحم على وضم، الوضم: الخشبة، أو البارية التي يوضع عليها اللحم، يقول: فهن في الضعف مثل ذلك اللحم الذي لا يمتنع من أحد إلا أن يذب عنه، أبو عبيد / غريب الحديث 2/ 85.
(2)
رواه أبو عبيد / غريب الحديث 2/ 84، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة، صدوق له أوهام، وبقية رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر مرسلة، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه أبو نعيم / الإمامة ص 317، وسنده صحيح إلى سعيد بن المسيب وقد اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه.
وروي أن عمر رضي الله عنه طاف في صفوف النساء، فوجد ريحاً طيبة من رأس امرأة فقال: لو أعلم أيتكن هي لفعلت، وفعلت، لتتطيب إحداكن لزوجها، فإذا خرجت لبست أطمار
(1)
وليدتها
(2)
.
وروي أن امرأة خرجت متطيبة على عهد عمر رضي الله عنه، فوجد ريحها فعلاها بالدرة، ثم قال: تخرجن متطيبات فيجد الرجال ريحكن، وإنما قلوب الرجال عند أنوفهم، أخرجن تفلات
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: يا معشر النساء إذا اختضبتن فإياكن النقش، ولتخضب إحداكن يديها إلى هذا، وأشار إلى موضع السوار
(4)
.
(1)
أطمار: الطِّمرة: الثوب الخَلِق. ابن منظور / لسان العرب 8/ 200.
(2)
الوليدة: الجارية أو الأمة. المصدر السابق 15/ 393.
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 373، 374، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 304، ورجال إسناديهما ثقات ولكنه معضل من رواية إبراهيم النخعي عن عمر وهو ثقة من الخامسة، فالأثر ضعيف.
(3)
تفلات: تاركات للطيب. ابن منظور / لسان العرب 2/ 38، 39.
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 370، 371، وفي إسناده أبو الزبير المكي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه انقطاع فهو من رواية يحيى بن جعدة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 318، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 204، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات، وفيه إبهام بالمرأة الراوية عن عمر. قال: عن معمر عن بديل العقيلي عن أبي العلاء بن عبد الله بن شخير، قال: حدّثتني امرأة أنها سمعت عمر
…
الأثر.
وفي إسناده عند ابن أبي شيبة أم شبيب لم أجد لها ترجمة، وأم عمر لم أعرفها، وبقية رجاله ثقات.
قال ابن أبي شيبة: حدّثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن أم شبيب عن أم عمر أن امرأة الزبير قالت: سمعت عمر يقول: يا معشر
…
الأثر.
ومن ذلك ما روي من نهيه رضي الله عنه من دخول النساء الحمامات
(1)
لما يحصل فيها من الاختلاط وتكشف العورات.
روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: بلغني أن نساء المؤمنين والمهاجرين يدخلن الحمامات، ومعهن نساء من أهل الكتاب، فازجر عن ذلك وحل دونه
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد: أن لا يدخل رجل الحمام إلا بمئزر، ولا امرأة إلا من سقم
(3)
.
(1)
الحمامات: مكان الاغتسال بالماء الحار، قد يكون الحمام عاماً يدخله من شاء من الناس، وقد يكون خاصاً في البيت لا يدخله إلا أهل البيت، وعند الإطلاق يراد به الحمام العام. معجم لغة الفقهاء ص 186.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 295، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية عبادة بن نسي، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 295، ابن أبي شيبة / المصنف 1/ 104، وفي إسناده عند عبد الرزاق سليمان بن موسى القرشي، صدوق، في حفظه لين، وخولط قبل موته. تق 355، وفيه انقطاع بين سليمان بن موسى وبين زياد ابن جارية الراوي عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة أسامة بن زيد بن أسلم، ضعيف من قبل حفظه. تق 98، والإسناد معضل من رواية مكحول الشامي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: وإياكم أن تدعوا نساءكم يدخلن الحمامات، فإن ذلك لا يحل
(1)
.
3 - نفي وإبعاد من يخش من الفتنة:
فقد أخرج عمر رضي الله عنه من المدينة من يخشى منه إثارة الفتنة بين الرجال والنساء ونشر الرذيلة والفاحشة، قطعاً لشره وحماية للأمة منه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتخنثين
(2)
من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً، وأخرج عمر فلاناً
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي عمر / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 490/أ، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه. تق 319، وفيه أبو النميري يروي عن الباهلي، لم أجد لهما ترجمة. فالأثر ضعيف.
(2)
خنث الرجل خنثاً، فهو خَنِثٌ وتخنث وانخنث، تثنى وتكسر. ابن منظور / لسان العرب 4/ 226.
(3)
رواه البخاري/ الصحيح 4/ 38، أحمد/ المسند 1/ 225، الدارمي/ السنن 2/ 280، 281.
ومن الآثار الدالة بمجموعها على إخراج عمر رضي الله عنه من يخشى منه الفتنة على النساء:
ما روي من أن عمر رضي الله عنه خرج يعس ذات ليلة، فإذا هو بنسوة يتحدثن فإذا هن يقلن: أي أهل المدينة أصبح؟ فقال امرأة منهن: أبو ذؤيب، فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سليم، فلما نظر إليه عمر إذا هو من أجمل الناس، فقال له عمر: أنت والله ذئبهن مرتين أو ثلاثاً، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها، قال: فإن كنت لا بد مسيرني فسيرني حيث سيرت ابن عمي - يعني نصر بن حجاج، فأمر له بما يصلحه وسيره إلى البصرة
(1)
.
وروي أن رجلاً يقال له معقل
(2)
، وكان رجلاً جميلاً، ويخشى منه على النساء الفتنة، فسمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول:
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 285، والبلاذري/ أنساب الأشراف ص: 211، وابن ديزيل/ جزء ص: 46 - 48.
ورجال إسناده عندهم ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية عبد الله ابن بريدة الأسلمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2)
هو: معقل بن سنان بن مظهر الأشجعي الغطفاني، ذكر ابن الكلبي وأبو عبيد أنه وفد على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأقطعه قطيعة، وذكر الواقدي من طريق زياد بن عثمان قال: كان معقل حامل لواء قومه يوم الفتح. وفي مغازي الواقدي أنه كان معه راية أشجع يوم حنين. وقال العسكري: نزل الكوفة وكان موصوفاً بالجمال. وقدم المدينة في خلافة عمر. قال البغوي عن هارون الحمال: قتل معقل أبو سنان معقل بن سنان الأشجعي في ذي الحجة سنة: 63. انظر: ابن حجر/ الإصابة 3/ 425 - 426.
أعوذ بالله من شر معقل إذا معقل راح البقيع مرجلاً فأرسل عمر رضي الله عنه إلى معقل أن الحق ببادية قومك، ولا ترح إلى المدينة ما دام هذا غازياً حتى يرجع
(1)
.
ومن ذلك ما روي أن عمر رضي الله عنه بينما كان يعسّ ذات ليلة إذا امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج.
فلما أصبح سأل عنه فإذا هو من أحسن الناس شعراً، وأصبحهم وجهاً، فأمره عمر أن يطم
(2)
شعره، ففعل فخرجت جبهته فازداد حسناً، فأمر عمر أن يعتم، ففعل، فازداد حسناً. فقال: "لا والذي نفسي بيده لا
(1)
رواه ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 329، 331، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية سعيد بن جبير
عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف، ويتقوى بما قبله.
(2)
طّمّ شعره: أي: جزّه وستأصله. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 3/ 139.
تجامعني بأرض أنا بها، فأمر له بما يصلحه، وأمر به إلى البصرة"
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 285، وابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 332، وابن ديزيل/ جزء ص: 46 - 48، وأبو نعيم/ حلية الأولياء 4/ 322 - 323.
قال ابن سعد: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، أخبرنا داود بن أبي الفرات، أخبرنا عبد الله بن بريدة الأسلمي، وذكر الأثر.
وهذا السند، رجاله ثقات سوى عمرو بن عاصم، فقد قال عنه ابن حجر: صدوق في حفظه شيء تق: 423. وهو منقطع؛ لأن عبد الله بن بريدة ثقة من الثالثة ورايته عن عمر مرسلة كما في جامع التحصيل ص: 207.
وحسن ابن حجر هذا الإسناد إلى عبد الله بن بريدة. الأصابة 3/ 579.
وفي إسناده عند ابن شبة الوضاح بن خيثمة، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. ميزان الاعتدال 4/ 334. وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه. وهو ثقة من الرابعة.
ورواه ابن ديزيل من ثلاث طرق؛ قال في الأولى: وبه حدّثني أبو بردة ولم يتّضح لي المراد بقوله: "به"، فإن كان المراد به الإسناد السابق - وهو قوله:"حدّثنا موسى بن إسماعيل المقري، حدّثنا داود بن أبي الفرات، حدّثنا عبد الله ابن بريدة"، فإني لم أعرف أبا بردة فلم أجده في شيوخ أو تلاميذ من ذكروا في الإسناد السابق، ولا في شيوخ إبراهيم بن ديزيل.
وأمّا الطريق الثانية؛ فقال فيها: حدّثنا إبراهيم، حدّثنا سعيد بن عفير، حدّثنا علوان بن داود البجلي، أن عمر وذكر القصّة.
وفي هذا الإسناد علوان بن داود البجلي، قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال أبو سعيد بن يونس: منكر الحديث. الميزان 3/ 108 - 109. والرواية أيضاً معضلة؛ فإن علوان هذا مات سنة: 180، كما في الميزان.
وأمّا الطريق الثالثة، فقال فيها: حدّثنا أحمد بن العباس الحريزي شيخ كان ببغداد يكتب الحديث، حدّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن سليمان، حدّثنا وهب بن بقية، حدّثنا خالد عن عوف، قال: بلغني وذكر القصّة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا السند رجاله ثقات، وأبو بكر محمّد بن محمّد هو الباغندي تُكلم فيه لكثرة تدليسه. انظر: الميزان 4/ 26، وسير أعلام النبلاء 14/ 383. وخالد هو: ابن عبد الله الواسطي. وعوف هو: ابن أبي جميلة، وهو ثقة من السادسة. روايته عن عمر معضلة.
وفي إسناده عند أبي نعيم الهيثم بن عدي الطائي، قال البخاري: ليس بثقة كان يكذب. وقال النسائي وغيره: متروك الحديث. ميزان الاعتدال 4/ 324. وهو أيضاً من راية عامر الشعبي، وروايته عن عمر منقطعة.
المطلب الثالث: معاملة الفساق والعصاة.
تعتبر فئة الفساق والعصاة من الفئات المنحرفة أخلاقاً، وقد عامل عمر رضي الله عنه هذه الفئة معاملة حكيمة عالجت انحرافها ووقت المجتمع مخاطرها، وتمثل ذلك بالآتي:
1 - الرأفة بأهل المعاصي:
لقد كان من المبادئ التي عامل عمر رضي الله عنه بها الفساق والعصاة الرفق بهم، وتقديم النصح والتوجيه لهم أملاً في رجوعهم إلى الحق ودعوتهم إلى الرشد والصواب من ذلك تلطفه مع بعض من ارتد عن الإسلام أملاً في رجوعه إلى الحقّ بالرغم من عظم إثمه وجرمه.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: بعثني أبو موسى بفتح تستر
(1)
إلى عمر رضي الله عنه فسألني عمر فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل
(2)
؟ وكان ستة نفر من بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا
(1)
تُستر: هي شوشتر، مدينة إيرانية في خوزستان شمالي الأهواز. المنجد / الأعلام ص:338.
(2)
بكر بن وائل: قبيلة عظيمة من العدنانية، كانت ديارهم من اليمامة إلى البحرين إلى سيف كاظمة إلى البحرين، فأطراف سواد العراق، فالأبلة، فهيت. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/ 93، 94.
بالمشركين، فأخذت في حديث آخر لأشغله، فقال: ما فعل النفر من بكر ابن وائل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر: لأن أكون أخذتهم سلماً أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وما كنت صانعاً بهم لو أخذتهم، قال: كنت عارضاً عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت منهم، وإلا استودعتهم السجن
(1)
.
ولعلّ عمر رضي الله عنه فعل بهم ذلك، لأنه علم أنهم قد غرر بهم وأنهم ارتدوا بسبب جهلهم وقلة علمهم، وأن استوداعهم السجن مع وعظهم وإرشادهم سبب في عودتهم ورجوعهم إلى الحقّ.
لأن عمر رضي الله عنه كان له موقف آخر من مرتدّين آخرين وهو قتلهم مباشرة إن لم يتوبوا.
فقد كتب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إليه في قوم من أهل العراق ارتدوا، فكتب إليه: أن اعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوها، فخل عنهم، وإن لم يقبلوها، فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/ 164، 165، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 438، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن الثوري عن داود عن الشعبي عن أنس رضي الله عنه قال: بعثني
…
الأثر.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/ 168، صحيح. قال: عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه، قال: أخذ ابن مسعود قوماً ارتدّوا
…
الأثر.
وجاء عن عمر رضي الله عنه أيضاً التلطف مع شارب الخمر أملاً في عودته للحقّ وحرصاً على عدم نفوره من الحقّ ولحاقه بأهل الفسق والكفر.
فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنت مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في حج أو عمرة، فإذا نحن براكب، فقال عمر رضي الله عنه: أرى هذا يطلبنا، فجاء الرجل، فبكى فقال عمر: ما شأنك؟ إن كنت غارماً أعناك، وإن كنت خائفاً أمناك، إلا أن تكون قتلت نفساً، فتقتل بها، وإن كنت كرهت جوار قوم حولناك عنهم، قال: إني شربت الخمر، وأنا أحد بني تميم، وإن أبا موسى جلدني، وحلقني، وسود وجهي، وطاف بي في الناس، وقال: لا تجالسوه، ولا تؤاكلوه، فحدثت نفسي بإحدى ثلاث، إما أن أتخذ سيفاً فأضرب به أبا موسى، وإما أن آتيك فتحولني إلى الشام، فإنهم لا يعرفوني، وإما أن ألحق بالعدو، وآكل معهم وأشرب، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: ما يسرني أنك فعلت وإن لعمر كذا وكذا، وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية، وإنها ليست كالزنى، وكتب إلى أبي موسى: سلام عليك أما بعد، فإن فلان بن فلان التميمي أخبرني بكذا وكذا، وايم الله لئن عدت لأسودن وجهك، ولأطوفن بك في الناس، فإن أردت أن تعلم صدق ما أقول لك فعد، وأمر الناس أن يجالسوه ويؤاكلوه وإن تاب قبلت شهادته، وحمله وأعطاه مائتي درهم
(1)
.
(1)
تقدم الكلام عليه في ص: 107.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إذا رأيتم أخاكم زل زلة فقوموه وسددوه وادعوا الله أن يتوب عليه ويراجع به إلى التوبة، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه
(1)
.
2 - الستر على أهل المعاصي وعدم التشهير بهم:
ومن الأساليب التي كان عمر رضي الله عنه يعامل بها العصاة والفساق، عدم التشهير بهم، وإبداء عوراتهم وفضح أسرارهم، وخاصة من تاب منهم، ورجع عن ذنبه، حرصاً منه رضي الله عنه على عدم شعورهم بالنقص، ونبذ المجتمع لهم، فيؤثرون المعصية على التوبة والطاعة.
(1)
رواه أبو نعيم/ حلية الأولياء 4/ 97، 98، والبيهقي/شعب الإيمان/ زغلول 5/ 290، وفي إسناده عند أبي نعيم محمّد بن سهل وعبد الله بن عمر لم أعرفهما، وفيه عند البيهقي علي بن ثابت الجزري صدوق ربما أخطأ. وفيه عندهما جعفر بن برقان صدوق يهم. تق 140، وبقية رجاله عند البيهقي ما بين ثقة وصدوق، وهو عندهما من طريق يزيد الأصم يروي عن عمر رضي الله عنه هنا، قال ابن حجر رحمه الله: يقال له رؤية، ولا يثبت، وهو ثقة من الثالثة، تق 599، ولم تذكر له رواية عن عمر رضي الله عنه، وذكر الواقدي أنه توفي سنة 103، وله 73 عاماً، فتكون روايته عن عمر منقطعة. وهذا اللفظ للبيهقي.
وفيه عند أبي نعيم زيادة فيها كتاب عمر لشارب خمر يذكره بأن الله غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول، فتاب وحسن توبته، فقال عمر: إذا رأيتم
…
الأثر.
كان شرحبيل بن السمط
(1)
رضي الله عنه على جيش قرب المدائن
(2)
، فقال لجنده: إنكم نزلتم أرضاً الشراب فيها فاش، والنساء فيها كثيرة، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا، فنقيم عليه الحد، طهوره، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه: لا أم لك، أنت الذي تأمر الناس أن يهتكوا ستر الله الذي سترهم
(3)
.
وتزوج رجل امرأة في عهد عمر رضي الله عنه ولها ابنة من زوج قبله، وكان له ابن من زوجة سابقة، ففجر ابنه ببنت زوجته الثانية فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فحد الابن، وأخر المرأة حتى وضعت ثم حدها، ثم حرص أن يتزوج كل منهما الآخر، ولكن الابن أبى
(4)
.
(1)
شرحبيل بن السِّمط الكندي الشامي، جزم ابن سعد بأن له وفادة، ثم شهد القادسية، وفتح حمص، وعمل عليها لمعاوية. تق 265.
(2)
تقدم التعريف بها في ص (443).
(3)
رواه هناد / الزهد 2/ 646، وكيع / الزهد 3/ 774، صحيح من طريق هناد.
قال: حدّثنا أبي عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه قال: كان شرحبيل ابن السمط
…
الأثر.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 203، 204، البيهقي / السنن الكبرى 7/ 155، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع سباع بن ثابت الزهري يقول: إن وهب بن رباح تزوج
…
الأثر.
وجاء رجل إلى عمر فذكر له أن ابنة له قد خُطبت، وكانت قد أحدثت، فقال عمر: ما رأيت منها؟ قال: ما رأيت إلا خيراً، فقال رضي الله عنه: زوّجها ولا تخبر
(1)
.
3 - معاقبة الفساق وإهدار حرمتهم:
ومما عامل به عمر رضي الله عنه العصاة والفساق إيقاع العقوبة عليهم، وإهدار حرمتهم، وذلك إذا تعدى فسقهم لغيرهم، وانتشر شرهم وبغيهم، وذلك حفاظاً على مصالح المسلمين، ولكي يكونوا عبرة لغيرهم.
روى عبيد بن عمير
(2)
أن رجلاً ضاف ناساً من هذيل
(3)
، فذهبت جارية لهم تحتطب، فأرادها عن نفسها، فرمته بفهر فقتلته، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال: ذاك قتيل الله، والله لا يودى أبداً
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 246، صحيح. قال: عن الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن رجلاً.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (289).
(3)
هُذَيْل بن مدركة بن إلياس بن مضر، بطن من العدنانية، كانت ديارهم بالسروات، وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف، وكان لهم أماكن وجبال في أسفلها من جهات نجد، وتهامة بين مكة والمدينة، ثم تفرقوا بعد الإسلام. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/ 1213.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 9/ 435، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 337، 338، صحيح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد، أنبأ أبو جعفر الرزاز وإسماعيل بن محمّد الصغار، قالا: ثنا سعدان بن نصر، ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن القاسم بن محمّد بن عبيد بن عمير أن رجلاً
…
الأثر ..
وأحرق عمر رضي الله عنه بيت رويشد الثقفي، وكان حانوتاً للشراب، وكان عمر رضي الله عنه قد نهاه. قال راوي الخبر: فلقد رأيته يلتهب كأنه جمرة
(1)
.
وروي أن رجلاً من الأنصار اسمه أشعث غزا في جيش من جيوش المسلمين، وكان له أخ فقالت له امرأته: هل لك في امرأة أخيك معها رجل يحدثها، فصعد فأشرف عليه، وهو معها على فراشها وهو يقول:
وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه يوم التمام
أبيت على حشاياها ويمسي على دهماء
(2)
لاحقة الحزام
كأن مواضع الربلات
(3)
منها تمام قد جمعن إلى تمامي
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 9/ 229. ابن سعد / الطبقات 5/ 56، صحيح عندهما واللفظ لابن سعد. قال ابن سعد: أخبرنا يزيد بن هارون ومعن بن عيسى ومحمّد بن إسماعيل بن أبي فديك، قالوا: أخبرنا ابن أبي ذئب عن سعد ابن إبراهيم عن أبيه أن عمر
…
الأثر.
(2)
الدهماء: الفَرس. ابن منظور / لسان العرب 4/ 430.
(3)
الربلات: كل لحمة غليظة، وقيل هي ما حول الضرع، والحياء من باطن الفخذ، وقيل أصول الأفخاذ. المصدر السابق 5/ 125.
فوثب إليه، فضربه بالسيف حتى قتله، ثم ألقاه فأصبح قتيلاً بالمدينة، فقال عمر: أنشد الله رجلاً كان عنده من هذا علم إلا قام به، فقام الرجل: فأخبره بالقصة، فقال: سحق، وبعد
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 449، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة فالأثر ضعيف.
المطلب الرابع: إقامة الحدود
إن إقامة الحدود، والأخذ على يد الفساق والبغاة من أهم عوامل الانضباط الخلقي لدى المجتمعات، وإن مجتمعاً تطبق فيه أحكام الدين بإقامة الحدود، يقل فيه الفساد والانحلال الخلقي، وارتكاب الجريمة، ويسود فيه الأمن والأمان، ويأمن فيه الخلق على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ولقد عمل عمر رضي الله عنه على إقامة الحدود بكل دقة وحزم في أنحاء الدولة الإسلامية التي اتسعت وترامت أطرافها، وكثر رعاياها من مسلمين وكتابيين وغيرهم على القريب والبعيد والشريف والوضيع.
وسأتكلم عن هذا المطلب في مسألتين:
المسألة الأولى: إقامة عمر رضي الله عنه الحدود على من استوجبها من العصاة
(1)
.
فقد أقام عمر رضي الله عنه الحدود المختلفة على من استوجبها من أهل الكبائر ومنها:
(1)
ملاحظة: ليس المراد من هذا المطلب حصر الروايات التي فيها ذكر لإقامة عمر رضي الله عنه الحدود المختلفة، وإنما المراد ذكر بعض الروايات التي تثبت إقامة عمر رضي الله عنه الحدود في دولته وعلى من استوجبها من رعيته. لأن حصر الروايات الواردة في إقامة عمر للحدود المختلفة يطول ذكرها كثيراً، وفيها تفصيلات تخرج بموضوع البحث إلى المواضيع الفقهية البحتة.
1 - حد شرب الخمر:
فقد حد عمر رضي الله عنه قدامة بن مظعون رضي الله عنه لشربه الخمر وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكان عمر رضي الله عنه استعمله على البحرين، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، إن قدامة شرب، فسكر ولقد رأيت حداً من حدود الله حقاً عليَّ أن أرفعه إليك، فقال عمر رضي الله عنه: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة، فدعا أبا هريرة فقال: أما تشهد؟ فقال: لم أره حين شرب، ولكني رأيته سكران يقيء، قال: لقد تنطعت في الشهادة يا أبا هريرة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم إليه، وأرسل عمر رضي الله عنه هند بنت الوليد يسألها، فأقامت الشهادة على زوجها فقال عمر رضي الله عنه لقدامة: إني جالدك يا قدامة، فقال: لئن كان كما يقولون فليس لك أن تجلدني، قال: لم؟ قال: لأن الله يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}
(1)
حتى قرأ الآية، فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله عليك، ثم استشار الناس فقال: ما ترون في جلد قدامة؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً، قال: لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن يلقاه وهو في عنقي، إيتوني بسوط فأمر بقدامة فجلد
(2)
.
(1)
سورة المائدة الآية (93).
(2)
صحيح، تقدم تخريجه في ص:(641).
وممن جلد عمر رضي الله عنه في شرب الخمر ابنه عبد الرحمن، قال ابن عمر رضي الله عنه: شرب أخي عبد الرحمن، وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث
(1)
، وهما بمصر في خلافة عمر رضي الله عنه، فسكرا، فلما أصبحا، انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر، فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، فقال عبد الله: فذكر لي أخي أنه سكر، فقلت: ادخل الدار أطهرك، ولم أشعر أنهما أتيا عمرواً فأخبرني أنه قد أخبر الأمير بذلك، فقال عبد الله: لا يحلق القوم على رؤوس الناس، ادخل الدار أحلقك، وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحدود فدخل الدار، فقال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو فسمع بذلك عمر فكتب إلى عمرو: أن ابعث إلي بعبد الرحمن على قتب
(2)
.
ففعل ذلك، فلما قدم على عمر جلده وعاقبه لمكانه منه، ثم أرسله فلبث شهراً صحيحاً ثم اصابه قدره فمات، فيحسب عامة الناس إنما مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد عمر
(3)
.
(1)
عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف المكي رضي الله عنه، صحابي من مسلمة الفتح. تق 394.
(2)
القتب: الإكاف الصغير، الذي على قدر سنام البعير. ابن منظور / لسان العرب 11/ 28.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 9/ 232، 233، ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 58، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 289، 290، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، قال: شرب أخي.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يقضي حاجته بأجياد
(1)
فوجد سكراناً، فطرق به عبيدالله بن أبي مليكة
(2)
، وكان جعله يقيم الحدود، فقال: إذا أصبحت فاجلده
(3)
.
وكان عمر رضي الله عنه ربما غرب في الخمر، فقد أتى عمر رضي الله عنه بشيخ شرب الخمر في رمضان، فقال: للمنخرين للمنخرين
(4)
، وولداننا صيام، فضربه ثمانين، ثم سيره إلى الشام
(5)
.
(1)
أَجْيَاد: شِعبان بمكة يسمى أحدهما أجياد الكبير والآخر أجياد الصغير، وهما حيان اليوم من أحياء مكة. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 19.
(2)
ذكره ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 136، وقال: روى له من رواية ابنه عنه أنه سأله النبي r عن أمه فقال: إنها كانت أبر شيء وأوصله، وأحسنه صنيعاً
…
الحديث.
(3)
رواه عبد الرزاق/ المصنف/18/ 342، والفاكهي/ أخبار مكة 3/ 233. وسنده عندهما رجاله ثقات لكنه منقطع من رواية عبيد الله بن أبي مليكة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة تق:312. وروايته عن عمر مرسلة. جامع التحصيل ص: 214. فالأثر ضعيف.
(4)
أي: كبه الله على منخريه. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 5/ 32.
(5)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 382، الجعد / المسند 1/ 415. ابن سعد / الطبقات 6/ 115، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 531، ومداره على سعيد بن سنان البرجمي، صدوق له أوهام. تق 236، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات، فالأثر حسن.
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه غرب ربيعة بن أمية بن خلف
(1)
في الشراب إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصر، فقال عمر: لا أغرب بعده مسلماً أبداً
(2)
.
وقد زاد عمر رضي الله عنه حد الخمر من أربعين جلدة إلى ثمانين جلدة باستشارة الصحابة رضوان الله عليهم، وذلك حينما رأى عمر رضي الله عنه أن الناس قد أكثروا من شرب الخمر وذلك بعدما خالطوا أهل البلاد المفتوحة من الفرس والروم ونزلوا أرضهم التي يكثر فيها الخمر ومن يتعاطاه.
(1)
ربيعة بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة القرشي، أخو صفوان بن أمية، أسلم يوم الفتح، وكان شهد حجة الوداع. ابن حجر / الإصابة 1/ 530، 531.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 314، 9/ 230، 231. قال عبد الرزاق: عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، وهذا السند رجاله ثقات.
ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 286 - 287. والنسائي/ السنن الكبرى 3/ 221، السنن 8/ 319.
ورواه سائر من رواه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر. وسماع سعيد من عمر مختلف فيه.
ورواه عبد الرزاق من طريق آخر عن ابن جريج عن عبد الله بن عمر ورواية ابن جريج عن عبد الله بن عمر معضلة.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: جلد النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر بالجريد والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر، ودنا الناس من الريف
(1)
والقرى، قال: ما ترون في حدّ الخمر؟ فقال: عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، فجلد عمر ثمانين
(2)
.
2 - حد الزنى:
قال عمر رضي الله عنه: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحمل، أو الاعتراف، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده
(3)
.
(1)
الرّيف: هو ما قارب الماء من أرض العرب، والرّيف حيث يكون الخضر والمياه، والرّيف أرض فيها زرع وخصب. ابن منظور / لسان العرب 5/ 392.
(2)
رواه البخاري/ الصحيح 4/ 171، 172، مسلم/ الصحيح/شرح النووي 11/ 214، 216 وغيرهما.
(3)
رواه البخاري/ الصحيح 4/ 179، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 11/ 191، 192، وغيرهما.
وجلد عمر رضي الله عنه وغرب من استحق الجلد من الزناة. فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب
(1)
.
3 - حد القتل:
فقد قتل عمر رضي الله عنه عدداً من الرجال، قتلوا رجلاً بصنعاء فقال رضي الله عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً
(2)
.
4 - حد السرقة:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أشهد لرأيت عمر قطع رِجل رجل بعد يد ورِجل، سرق الثالثة
(3)
.
(1)
رواه الترمذي/ السنن 2/ 446، 447، والنسائي/ السنن الكبرى 4/ 323، والبيهقي/ السنن الكبرى 8/ 223. وسنده عند الترمذي متّصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أبو كريب ويحيى بن أكثم قالا: حدّثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
…
الأثر.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 190، ولفظه أن غلاماً قتل غيلة، فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم. مالك / الموطأ 2/ 248، عبد الرزاق / المصنف 9/ 475.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/ 187، صحيح.
قال: عن معمر عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس، قال: شهدت
…
الأثر.
وقد جاء الأثر عند ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 490. بمعنى مختلف.
قال رحمه الله: حدّثنا ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس، قال: رأيت عمر بن الخطاب قطع يد رجل بعد يده ورجله. فذكر في هذه الرواية قطع عمر يد الرجل بعد قطعه ليده ورجله في المرتين السابقتين.
وفي رواية عبد الرزاق أنه قطع رجله بعد قطعه ليده ورجله، وكلتا الروايتين صحيحة. فلعلّ كلا الأمرين وقع منه رضي الله عنه.
وأمّا ما ذكر من أن عمر رضي الله عنه رجع عن القطع بعد قطع اليد والرجل واكتفى بالحبس في المرة الثالثة، فلم يثبت عنه رضي الله عنه. فقد روي أنه أتى برجل قد سرق يقال له: سدوم فقطعه، ثم أتى به الثانية فقطعه ثم أتى به الثالثة فأراد أن يقطعه، فقال له عليّ رضي الله عنه: لا تفعل إنما عليه يد ورجل ولكن احبسه.
رواه عبد الرزاق/ المصنف 10/ 186 عن إسرائيل بن يونس عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن عمر.
وسماك بن حرب صدوق تغير بآخره فكان ربما تلقن تق: 255. ولم أقف على رواية إسرائيل عنه هل هي قبل اختلافه أم بعده. انظر: الكواكب النيرات ص: 237 - 241.
وعبد الرحمن بن عائذ ثقة من الثالثة روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة. فالأثر ضعيف.
المسألة الثانية: كيفة إقامة الحدود:
ومما ورد عن عمر رضي الله عنه في كيفة إقامة الحدود:
1 - عدم إقام الحدود في المسجد:
فقد أتى عمر رضي الله عنه برجل في شيء اقترفه، فقال: أخرجاه من المسجد فاضرباه
(1)
.
2 - صفة السوط الذي يقام به الحد، وكيفة الجلد به.
أتى عمر رضي الله عنه برجل في حد، فأمر بسوط، فجيء بسوط فيه شدة، فقال: أريد ألين من هذا، فأتي بسوط فيه لين، فقال: أريد أشد من هذا، فأتي بسوط بين السوطين، فقال: اضرب به، ولا يرى أبطك، وأعط كل عضو حقه
(2)
.
وأمر عمر رضي الله عنه رجلاً بإقامة الحد على شارب الخمر، فجاء عمر رضي الله عنه وهو يضربه ضرباً شديداً، فقال: قتلت الرجل،
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/ 23، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 526، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/ 38، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال الثوري: عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، قال: أتى عمر
…
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 369، 370، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 326، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن الثوري عن عاصم الأحول عن عثمان النهدي، قال: أتى عمر
…
الأثر.
كم ضربته؟ قال: ستين، فقال: اقص عنه بعشرين، فأمره أن يجعل الستين ثمانين لشدة ضربه له
(1)
.
(1)
رواه ابن كثير / مسند الفاروق 2/ 521، نقلاً عن أبي عبيد في غريب الحديث، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 317، صحيح من طريق أبي عبيد. قال: حدّثنا أبو النضر عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أبي رافع عن عمر
…
الأثر.
المبحث الثالث: الاهتمام بالنواحي الإجتماعية
وفيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية، وفيه مسألتان
المطلب الثاني: العمل على الترابط الأسري، والتكافل الاجتماعي
المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء، وفيه مسألتان
المطلب الأول: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: عناية عمر رضي الله عنه بالنكاح واهتمامه به:
لقد أولى الشارع الحكيم أمور النكاح وما يتعلق به عناية كبيرة وعظيمة إذ هو أساس تكوين الأسرة ثم المجتمع المسلم، فالعناية به عناية بالأسرة والمجتمع، وقد اشتملت نصوص الكتاب والسنة على عدد كبير من النصوص التي تعالج مسائل النكاح وما يتعلق به، ونظراً للمكانة التي تحتلها قضية النكاح فقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بها عناية كبيرة وعظيمة تتناسب وأهمية هذه القضية وخطورتها وتمثل ذلك في عدة أمور هي:
1 - حثه رضي الله عنه على النكاح وعلى تيسير أموره:
قال رضي الله عنه وهو يحث رعيته على نكاح المرأة المسلمة الحسنة الخَلق والخُلق الودود الولود: والله ما أفاد رجل فائدة بعد الإسلام خير من امرأة حسناء حسنة الخلق، ودود، ولود، والله ما أفاد رجل بعد الشرك بالله شر من امرأة سيئة الخلق حديدة اللسان
(1)
.
(1)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 7/ 82، شعب الإيمان / زغلول 6/ 249، 416، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/ 243، صحيح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصنعاني، ثنا يحيى ابن بكير، ثنا شعبة، قال: معاوية بن قرة أبو إياس أخبرني، قال: سمعت أبي يحدّث عن عمر - وقد كان أدركه - قال: قال عمر
…
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على حثه على النكاح: ما روي من قوله رضي الله عنه لأبي الزوائد
(1)
: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور
(2)
.
وروي أنه قال: زوجوا أولادكم إذا بلغوا لا تحملوا آثامهم
(3)
.
وروي عنه قوله رضي الله عنه: اطلبوا الفضل في الباه، وتلا عمر {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
(4)
.
(1)
أبو الزوائد اليماني، ذكره مطين والدولابي في الكنى من الصحابة. ابن حجر / الإصابة 4/ 78.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 170، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية طاووس بن كيسان، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(3)
أورده ابن كثير / مسند الفاروق 1/ 397، عن محمد بن إسحاق الصاغاني، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(4)
سورة النور من الآية (32).
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 170، 171، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أبرزوا الجارية التي لم تبلغ، لعل بني عمها أن يرغبوا فيها
(1)
.
ومن حث عمر رضي الله عنه على النكاح واهتمامه به حثه أولياء الزوجات أو النساء على عدم المغالاة بالمهور، فغلاء المهور كثيراً ما يكون سبباً في إحجام كثير من الراغبين في النكاح عنه لقلة ذات اليد.
قال عمر رضي الله عنه: ألا لا تغالوا في صَدُقَة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم.
ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه، ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 156، وهو من قول عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة من السادسة، قال: أخبرت أن عمر قال:
…
، فالسند معضل.
(2)
الأوقية من الفضة = 119 غ، وأوقية الذهب = 29. 75 غ. رواس قلعجي / معجم لغة الفقهاء ص:97.
رواه الطيالسي / المسند ص 12، عبد الرزاق / المصنف 6/ 175، 180، الحميدي/ المسند ص: 13، 14، ابن أبي شيبة /المصنف 3/ 493، أحمد/ المسند 1/ 40، 41، 48، الدارمي/ السنن 2/ 141، أبو داود/ السنن 2/ 235، الترمذي/ السنن 2/ 291، الحاكم/ المستدرك 2/ 175، 176، ومدار الأثر على أبي العجفاء السلمي، وثقة ابن معين، والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم، وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال ابن حجر: مقبول. تق 658، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات، فالأثر صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 324.
وأما ما روي من أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صُدُق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل، فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين، كتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أو قولك؟!
قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً في صدق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه {وءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}
(1)
، فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس: إني نهيتكم أن تغالوا في صدق النساء، ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له
(2)
.
فهو أثر غير ثابت.
(1)
سورة النساء من الآية (20).
(2)
رواه سعيد بن منصور / السنن /الأعظمي 1/ 165 - 167، البيهقي / السنن الكبرى 7/ 233، 234، ومداره على مجالد بن سعيد ليس بالقوي وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وكذلك لا يثبت ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهاكم عن كثرة الصداق حتى عرضت لي هذه الآية: {وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا
…
} الآية
(1)
.
2 - حرصه على شرعية الأنكحة، وإلغاء الأنكحة الفاسدة ومعاقبته لمن يتعامل بها:
فمن الأنكحة المحرمة التي حرص عمر رضي الله عنه على تطهير المجتمع منها، نكاح المتعة، وهو نكاح المرأة لمدة مؤقتة على مهر معين.
قدم عمرو بن حريث
(2)
من الكوفة، وقد استمتع بمولاة من الموالي، فأتى بها إلى عمر وهي حبلى، فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو ابن حريث فسأله، فأخبره بذلك أمراً ظاهراً، فقال عمر: فهلا غيرها، فذلك حين نهى عمر رضي الله عنه عن المتعة
(3)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور /السنن 1/ 167، البيهقي / السنن الكبرى 7/ 233، 234، ومداره على حميد الطويل مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية بكر بن عبد الله المزني عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (879).
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 500، وسنده متصل، ورجاله ثقات سوى أبي الزبير المكي، فهو صدوق، فالأثر حسن.
ولعل عمر رضي الله عنه لم يعاقب من نكح نكاح المتعة كما مر في قصة عمرو بن حريث مراعاة لجهله بحكم التحريم حيث كان بعض الناس لا يعلمون بتحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فعلناهما أي متعة الحج، ومتعة النساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر رضي الله عنه فلم نعد لهما
(1)
.
قال النووي رحمه الله: هذا محمول على أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر، لم يبلغه النسخ
(2)
.
ولكن عمر رضي الله عنه أوضح للناس حقيقة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة حتى يعذر إليهم، وأوعد من فعل هذا النكاح بالرجم.
قال رضي الله عنه: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله
…
(3)
وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة
(4)
.
(1)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 9/ 183 - 184، النسائي / السنن الكبرى 3/ 326، وفيه زيادة: وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنه حتى نهانا عنهما، وسندها صحيح.
(2)
صحيح مسلم / شرح النووي 9/ 183، 184.
(3)
حذفته من النص لتعلقه بمتعة الحج.
(4)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 8/ 168، أحمد / المسند 1/ 17، وغيرهما.
وقال رضي الله عنه وهو يبين تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد إذ حرمها
(1)
.
ولعل عمر رضي الله عنه رجع عن توعده بإيقاع عقوبة الرجم بمن نكح نكاح المتعة، وقد أحصن لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لذلك.
فقد ثبت عنه رضي الله عنه قوله: لو كنت تقدمت في متعة النساء لرجمت
(2)
.
ولم ينقل أن عمر رضي الله عنه رجم أحداً نكح نكاح المتعة في خلافته، والله أعلم.
(1)
رواه ابن ماجة / السنن 1/ 631، البزار / المسند 1/ 246، 286، 287، البيهقي / السنن الكبرى 7/ 26، الضياء المقدسي / المختارة 1/ 330، ومداره على أبان بن أبي حازم، صدوق في حفظه لين، وبقية رجاله عند ابن ماجة ما بين ثقة وصدوق، فالأثر حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 332.
(2)
رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 468/أ، صحيح. قال: حدّثنا يحيى بن سعيد سمعت، نافعاً يحدث عن ابن عمر، قال: قال عمر
…
الأثر.
ومن الأنكحة الفاسدة التي توعد عمر رضي الله عنه من عمل بها، نكاح التحليل:
قال عمر رضي الله عنه: لا أوتى بمحلل
(1)
، ومحلل له إلا رجمتهما
(2)
.
ومما عاقب عليه عمر رضي الله عنه من الأنكحة، نكاح المرأة في عدتها.
فقد نكحت طليحة في عدتها بعد أن طلقها زوجها البتة، فضربها عمر رضي الله عنه وضرب زوجها بمخفقة ضربات، وفرق بينهما
(3)
.
(1)
المُحلِّل: الذي ينكح المطلقة ثلاثاً بشرط التحليل لمن طلقها، والزوج المطلق هو المحلل له. معجم لغة الفقهاء ص 413.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 265، سعيد بن منصور / السنن 2/ 49، ابن أبي شيبة / المصنف 3/ 552، 7/ 292، ابن حزم / المحلى 12/ 195، ورجال إسناده عند عبد الرزاق وسعيد ثقات وفيه الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع، ورواه ابن أبي شيبة بإسناد رجاله ثقات سوى مجالد بن سعيد، فهو ليس بالقوي، والأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
(3)
رواه مالك / الموطأ 1/ 583، ورجال إسناده ثقات، ولكنه من رواية سعيد ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في سماعه منه، وتابعه سليمان ابن يسار عن عمر رضي الله عنه بالطريق نفسه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر حسن لغيره.
ومنها نكاح المرأة عبد ها: فقد روي أن عمر رضي الله عنه أتى بامرأة تزوجت عبد ها، فقال: ما حملك على هذا؟ قالت: هو ملك يميني، أوليس الله قد أحل ملك اليمين، فأمر بها عمر رضي الله عنه فضربت، وكتب إلى أهل الأمصار ينهاهم عن ذلك
(1)
.
وروي أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين، إني امرأة كما ترى وغيري من النساء أجمل مني، ولي عبد قد رضيت دينه وأمانته، فأردت أن أتزوجه، فدعا عمر بالغلام فضربها ضرباً مبرحاً وأمر بالعبد فبيع في أرض غربة
(2)
.
وهذان الأثران يدلان على معاقبة عمر رضي الله عنه لمن نكحت عبد ها.
وكان عمر رضي الله عنه يعاقب من يحرم ما أحل الله من النكاح، جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه قال: كانت لي وليدة، وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها، فأرضعتها، فدخلت عليها وقالت: دونك قد
(1)
رواه سعيد بن منصور / السنن 1/ 192، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية بكر بن عبد الله المزني عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 537، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية أبي نوفل بن أبي عقرب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
والله أرضعتها، فقال عمر: أوجعها، وأت جاريتك وإنما الرضاعة رضاعة الصغير
(1)
.
3 - الحث على نكاح المسلمات العفيفات:
فقد حث عمر رضي الله عنه على نكاح النساء العفيفات المسلمات ذوات الدين والخلق، وقد تقدم قوله رضي الله عنه: ما أفاد رجل بعد الإسلام خيراً من امرأة حسناء، حسنة الخُلق ودود، ولود
(2)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: النساء ثلاثة، فامرأة عفيفة مسلمة هينة لينة، ودود ولود تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقلما تجدها، والأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئاً وأخرى غل، قمل
(3)
يجعلها الله في عنق من يشاء وينزعها إذا شاء
(4)
.
(1)
رواه مالك / الموطأ 2/ 11، 12، عبد الرزاق / المصنف 7/ 426، البيهقي / السنن الكبرى 3/ 177، صحيح من طريق مالك.
قال: عن عبد الله بن دينار، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير، فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال:
…
الأثر.
(2)
صحيح تقدم تخريجه في ص (959).
(3)
غُلُّ، قَمِل: كناية عن المرأة السيئة الخلق الكثيرة المهر. ابن منظور / لسان العرب 10/ 110.
(4)
رواه ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 227، 228، وفيه عبد الملك بن عمير مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية زيد بن عقبة، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
وكان عمر رضي الله عنه يكره نكاح الكتابيات، ويحث من تزوج بهن من أصحابه على مفارقتهن، وذلك حرصاً منه على نكاح المسلمة العفيفة، وخوفاً من توسع الناس في ذلك حتى ينكحوا المومسات منهن، فقد تزوج حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يهودية، فكتب إليه عمر: طلقها فكتب إليه حذيفة: لِمَ؟ أحرام هي؟ فكتب إليه: لا، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن
(1)
.
وأذن رضي الله عنه في نكاح المؤمنات التائبات من اقتراف الفاحشة، من غير ذكر ما أحدثن قبل توبتهن، فالتائب من الذنب كم لا ذنب له.
قال طارق بن شهاب
(2)
رحمه الله: أراد رجل أن يزوج ابنته فقالت: إني أخشى أن أفضحك، إني قد بغيت فأتى عمر، فأخبره فقال: أليس قد تابت؟ قال: نعم، قال: فزوجها
(3)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 78، 7/ 176، 177، 178، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/ 193، صحيح من طريق سعيد، قال: نا سفيان عن الصلت بن بهرام سمع أبا وائل شقيق بن سلمة يقول: تزوج حذيفة
…
الأثر.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (221).
(3)
رواه مالك / الموطأ 1/ 598، ابن أبي شيبة / المصنف 3/ 541، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا غندر عن شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن رجلاً
…
الأثر.
ولا شك أن هذه الآثار التي فيها الحث على نكاح العفيفات الطاهرات واللاتي يتصفن بحسن الخلق والخلق يشمل الرجال أيضاً، فالذي ينبغي للمرأة وولي أمرها أن يختار لها من الرجال أهل الصلاح والتقوى وممن اتصف بحسن الخلق، وأن لا يجبر الولي المرأة على من تكره من الرجال سواء في خَلقه أو خُلقه.
روي أن عمر رضي الله عنه قال: لا تكرهوا فتياتكم على الرجل الذميم فإنهن يحببن من ذلك ما تحبون
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه أتى بامرأة شابة، زوجوها شيخاً كبيراً فقتلته، فقال: يا أيها الناس، اتقوا الله ولينكح الرجل لمته من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال، يعني شبهها
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 196، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 338، ابن أبي الدنيا / العيال 1/ 272، ومداره على عروة بن الزبير رحمه الله، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/ 210، 211، وفي إسناده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، ضعيف. تق 623، وفيه أبو المجاشع الأزدي، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 9/ 445. فالأثر ضعيف.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد هذا المعنى فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه حينما خطب امرأة أن ينظر إليها، قال صلى الله عليه وسلم:"فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"
(1)
.
المسألة الثانية: الاهتمام بالعلاقة الزوجية:
كان عمر رضي الله عنه حريصاً على دوام السعادة والمحبة والألفة بين الزوجين، وذلك بحث كل من الزوجين على إعطاء الآخر حقوقه والتغاضي عن زلاته، وهفواته، والصبر عليها.
فمن حقوق الزوج على زوجته التي حث عمر رضي الله عنه الزوجات على التخلق بها والاتصاف بها في معاملة الزوج حسن الخلق معه وهي كلمة شاملة لحسن معاملة الزوج وإعطائه حقوقه الزوجية، وهذا المعنى مأخوذ من مدح عمر رضي الله عنه للمرأة الحسنة الخلق مع زوجها ووصفها بأنها الزوجة المثالية
(2)
.
ومن حقوق الزوج على زوجته التي هي من عوامل دوام المحبة والألفة بين الزوجين وثقتهما بأنفسهما، اعتراف الزوجة بالجميل الذي يقدمه لها زوجها وعدم إنكار فضله ومعروفه معها.
(1)
أي تكون بينكما المحبة والاتفاق. ابن منظور / لسان العرب 1/ 95.
رواه الترمذي / صحيح سنن الترمذي 1/ 315.
(2)
صحيح تقدم تخريجه في ص (959).
جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن زوجي كثر شره، وقل خيره، فقال لها عمر: ومن هو زوجك؟ قالت: أبو سلمة، قال: إن ذاك الرجل رجل له صحبة، وإنه لرجل صدق، ثم قال عمر لرجل جالس عنده: أليس كذلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا نعرفه إلا بما قلت، فقال عمر لرجل: قم فادعه لي، وقامت المرأة حين أرسل إلى زوجها، فقعدت خلف عمر، فلم يلبث أن جاءا معاً، حتى جلس بين يدي عمر، فقال عمر: ما تقول في هذه الجالسة خلفي، فقال: ومن هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه امرأتك، فقال: وتقول ماذا؟ قال: تزعم أنه قد قل خيرك، وكثر شرك، فقال: بئس ما قالت يا أمير المؤمنين، إنها لمن صالح نسائها، أكثرهن كسوة وأكثرهن رفاهية، ولكن فحلها بكي
(1)
، فقال عمر: ما تقولين؟ قالت: صدق، فقام إليها عمر بالدرة، فتناولها بها، ثم قال: أي عدوة نفسها، أكلت ماله، وأفنيت شبابه، ثم أتيت تخبرين بما ليس فيه، فقالت: يا أمير المؤمنين لا تعجل فوالله لا أجلس هذا المجلس أبداً، ثم أمر لها بثلاثة أثواب فقال: خذي لما صنعت بك، وإياك أن تشتكي هذا الشيخ، ثم أقبل على زوجها بعد أن قامت، فقال: لا يمنعك ما رأيتني صنعت بها أن تحسن إليها، انصرفا. فقال الرجل ما كنت لأفعل
(2)
.
(1)
بَكِيّ: بكأت الناقة والشاة: قل لبنها، وقيل انقطع، وبكأ الرجل: قل كلامه خِلْقَة. ابن منظور / لسان العرب 1/ 468، 469، ولعل المراد به في الأثر هو ضعفه عن الجماع، والله أعلم.
(2)
رواه الطيالسي / المسند ص 7، 8، صحيح.
قال: حدّثنا حماد بن زيد عن معاوية بن قرة المزني، قال: أتيت المدينة زمن الإقط والسمن والأعراب يأتون بالبرقاء فيبيعونها فإذا أنا برجل طامح بصره ينظر إلى الناس فظننت أنه غريب فدنوت منه فسلمت فردّ عليّ، وقال: من أهل هذه أنت؟ قلت: نعم. فجلست معه. فقلت ممن أنت؟ فقال: من هلال واسمي كهمس، أو من بني سلول واسمي كهمس. ثم قال: أحدّثك حديثاً شهدته من عمر بن الخطاب، فقلت: بلى. قال: بينما نحن جلوس عنده إذا جاءت امرأة
…
الأثر.
ومعنى طامح بصره، أي: رافع بصره. ابن منظور/ لسان العرب 8/ 198.
ومن حقوق الزوج على زوجته التي رويت عن عمر والتي يعتبر عدم تخلق الزوجة بها سبباً رئيساً لشقاء الحياة الزوجية، ومن ثم تفككها وانهيارها، وهذا الحق هو حفظ المرأة لزوجها في غيبته وعدم خيانته في نفسها وماله وأهله، روي عنه رضي الله عنه أنه قال: ثلاث هن فواقر
(1)
، جار سوء في دار مقامة، وزوجة سوء إن دخلت عليها آذتك، وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت إليه لم يقبل منك، وإن أسأت إليه لم يقلك
(2)
.
(1)
جمع فاقرة، وهي الداهية الكاسرة للظهر. ابن منظور / لسان العرب 10/ 300.
(2)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/ 301، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 7/ 81، ومداره على عبد الله بن المنكدر، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
ومما ذمه عمر رضي الله عنه في هذا الأثر أيضاً سوء تعامل الزوجة مع زوجها وإيذائها له، وعدم إعطائه حقه في حسن العشرة.
أما حقوق الزوجة على زوجها التي أشار إليها عمر رضي الله عنه فهي حسن تعامله معها وحسن عشرته لها، ويدل على ذلك ما مر في الأثر السابق من قول عمر رضي الله عنه لزوج المرأة التي جاءت تشكوه، فلامها عمر رضي الله عنه، ثم قال له: لا يمنعك ما رأيتني صنعت أن تحسن إليها
(1)
.
والإحسان إلى الزوجة هو إعطاؤها حقوقها التي شرعها الله عز وجل، وحسن التعامل معها في المبيت والسكن والنفقة.
ومن حقوق الزوجة على زوجها التي نبه عمر رضي الله عنه الأزواج إليها وألزمهم بها، لأن التقصير فيها غالباً ما يكون منهم، حق الزوجة في المبيت والفراش، الذي هو المقصد الأول من النكاح، والذي تحصل به عفة الفرج للرجل والمرأة.
خرج عمر رضي الله عنه يوماً في الليل يتفقد أحوال رعيته، فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني، إلا حبيب ألاعبه
(1)
صحيح، تقدم ص: 972، 973.
فجاء عمر رضي الله عنه إلى ابنته حفصة رضي الله عنها فقال: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها، فقالت: ستة أو أربعة أشهر، فقال عمر رضي الله عنه: لا أحبس الجيش أكثر من هذا
(1)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/ 174. قال: نا عطاف بن خالد، قال: نا زيد بن أسلم
…
أن عمر.
ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/ 328. قال: حدّثنا الهيثم بن خارجة، قال: حدّثنا العطاف بن خالد عن زيد بن أسلم، قال: خرج عمر
…
الأثر.
البلاذري / أنساب الأشراف ص 215. قال: المدائني عن يزيد بن عياض بن جعدبة عن عبد الله بن أبي بكر، قال: سمع عمر.
ابن أبي الدنيا/ العيال 2/ 684، 685. قال: حدّثنا عبد الله بن يونس بن بكير، حدّثنا أبي عن محمّد بن إسحاق عن سليمان بن جبير مولى ابن عباس، وقد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما زلت أسمع حديث عمر هذا فإنه خرج
…
الأثر.
البيهقي/ السنن الكبرى 9/ 29. قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا عليّ بن حمشاد العدل، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدّثني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، قال: خرج عمر
…
الأثر.
وفي إسناده عند سعيد وابن شبة من طريقٍ عطاف بن خالد صدوق يهم تق: 393. وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة تق: 222.
وفيه عند البلاذري يزيد بن عياض بن جعدبة كذّبه مالك وغيره. تق: 604.
وفيه عند ابن شبه من طريق آخر عمرو بن عاصم الكلابي صدوق في حفظ شيء تق: 423. وهو أيضاً منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر.
وفيه عند ابن أبي الدنيا عبد الله بن يونس بن بكير ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يروي عن وكيع وأبيه يروي عنه ابن أبي الدنيا 8/ 353.
وفيه أبوه يونس بن بكير صدوق يخطئ تق: 613.
وفيه سليمان بن جبير مولى ابن عباس لم أجد له ترجمة.
ورجال إسناده عند البيهقي ثقات سوى إسماعيل بن أبي أويس فهو صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه تق: 108. وسنده متصل. فالأثر حسن من طريقه.
وروي أن عمر رضي الله عنه مر في بعض طرق المدينة، فسمع امرأة تقول:
دعتني نفسي بعد خروج عمرو
…
إلى اللذات فاطلع التلاعا
(1)
فقلت لها: عجلت فلن تطاعي
…
ولو طالت إقامته رباعا
أحاذر أن أطيعك سب نفسي
…
ومخزاة تجللني قناعاً
فقال عمر رضي الله عنه، وأتي بالمرأة: أي شيء منعك؟ قالت: الحياء، وإكرام عرضي، فقال عمر رضي الله عنه: إن الحياء ليدل على
(1)
أَتْلَع رأسه: أطلعه فنظر، وتتلع في مشيته وتتالع: مد عنقه، ورفع رأسه. ابن منظور / لسان العرب 2/ 42، 43.
هنات
(1)
ذات ألوان، من استحيا استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وفى، وكتب عمر إلى صاحب زوجها فأقفله إليها
(2)
.
وروي أن امرأة جاءت عمر رضي الله عنه فقالت: زوجي رجل صدق يقوم الليل ويصوم النهار، ولا أصبر على ذلك فدعاه فقال: لها من كل أربعة أيام يوم، وفي كل أربع ليال ليلة
(3)
.
وروي كذلك أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن زوجها لا يصيبها فأرسل إليه، فسأله فقال: قد كبرت سني، وذهبت قوتي، فقال عمر: أتصيبها في كل شهر مرة؟ قال: في أكثر من ذلك، فقال عمر: كم؟ قال: أصيبها في كل طهر مرة، قال عمر: اذهبي فإن في هذا ما يكفي المرأة
(4)
.
(1)
هَنات: كلمات، وتطلق على الصفات. المصدر السابق 15/ 150.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 83، وفي إسناده عبد الله بن قسيم الجعفري، لم أجد له ترجمة، ومجالد بن سعيد، ليس بالقوي، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 150، ورجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 150، وفي إسناده زمعة بن صالح الجندي اليماني، ضعيف. تق 217، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
ومن حقوق الزوجة على زوجها التي ألزم عمر رضي الله عنه بها الأزواج، الإنفاق عليها، وعلى من يعول من عياله، وإعطائهم حقوقهم المالية.
كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد، أن ادع فلاناً وفلاناً ناساً قد انقطعوا من المدينة: إما أن يرجعوا إلى نسائهم، وإما أن يبعثوا إليهن بنفقة، وإما أن يطلقوا ويبعثوا بنفقة ما مضى
(1)
.
ومن حقوق الزوجة في مال زوجها غير الإنفاق عليها، نصيبها في الميراث من ماله بعد وفاته، فقد عاقب عمر رضي الله عنه من حرم نساءه من ميراثهن منه. طلق غيلان الثقفي
(2)
نساءه، وقسم ماله بين بنيه في خلافة عمر رضي الله عنه، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فقال له: طلقت نساءك وقسمت مالك بين بنيك؟ قال: نعم. قال: والله إني لأرى الشيطان فيما يسرق من السمع سمع بموتك فألقاه في نفسك، فلعلك أن لا تمكث إلا قليلاً، وايم الله لئن لم تراجع نساءك وترجع في مالك لأورثهن
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 93، 94، صحيح. قال: عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: كتب عمر
…
الأثر.
(2)
غَيْلَان هو: غيلان بن سلمة بن شرحبيل الثقفي، أسلم يوم الطائف. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 321.
منك، إذا مت، ثم لآمرن بقبرك فليرجمن كما رجم قبر أبي رغال
(1)
. فراجع نساءه وراجع ماله، قال نافع راوي الأثر: فما مكث إلا سبعاً حتى مات
(2)
.
ومن حقوق الزوجة على زوجها والتي تدخل ضمن حسن العشرة، الاستئذان على الزوجة خاصة عند القدوم من سفر أو غيبة طويلة، وعدم الدخول عليها ليلاً على غرة وغفلة، فقد يرى منها ما يكره ويكون ذلك سبباً لفراقه لها وطلاقه إياها.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه من غزوة سرغ
(3)
، حتى إذا بلغ الجرف
(4)
، قال: يا أيها
(1)
أبو رِغَال: هو الذي بعثته ثقيف مع أبرهة الحبشي، الذي قدم لهدم الكعبة في عام الفيل ليدله على طريق البيت الحرام، فمات بالمغمس، فرجم العرب قبره. ابن هشام / السيرة 1/ 87.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 66، 67، أحمد / المسند 2/ 14، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 337، 338، الترمذي / السنن 2/ 299، الدارقطني / السنن 3/ 272، 273، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر بن سالم بن عبيد الله عن ابن عمر، قال: طلق غيلان
…
الأثر.
(3)
تقدم التعريف بها في ص (610).
(4)
الجُرْف: ما بين محجة الشام إلى القصاصين أصحاب القصة على بعد ثلاثة أميال من المدينة بجهة الشام وبه تختلط العرصة التي بها بئر رومه، وبالجرف الآن بساتين غناء لكثير من أهل المدينة وآبارها غزيرة المياه. انظر / أحمد الخياري / تاريخ معالم المدينة ص 239.
الناس، لا تطرقوا النساء ثم بعث راكباً إلى المدينة، بأن الناس داخلون الغداة
(1)
.
وإن من اهتمام عمر رضي الله عنه بالعلاقة الزوجية وحرصه على دوامها واستمرارها في ظل المحبة والألفة بين الزوجين لما في ذلك من تماسك البيت المسلم والقضاء على أسباب الفرقة والعداوة في المجتمع المسلم، تشدده رضي الله عنه في أمر الطلاق، ومعاقبته لمن تسرع وتساهل فيه.
جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس، فقالت: لو أن الذي بيدك من أمري بيدي، لعلمت كيف أصنع، فقلت: إن الذي بيدي من أمرك بيدك، قالت: فأنت طالق ثلاثاً، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: أراها واحدة، وأنت أحق بالرجعة، وسألقى أمير المؤمنين عمر فلقيه فقص عليه القصة، فقال عمر: فعل الله بالرجال، وفعل الله بالرجال، يعمدون إلى ما في أيديهم فيجعلونه في أيدي النساء، بفيها التراب، ماذا رأيت؟ قال: أراها واحدة، وهو أحق بها، قال عمر رضي الله عنه: وأنا أرى ذلك
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 537، صحيح. قال: حدّثنا ابن نمير، قال: ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: أقبل عمر
…
الأثر.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 520، ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 86، الطبراني / المعجم الكبير 9/ 387، 388، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: أخبرنا الثوري عن منصور، قال: حدّثني إبراهيم عن علقمة أو الأسود عن ابن مسعود، قال: جاء إليه
…
الأثر.
وطلق رجل بالمدينة امرأته ألف مرة، وجاء إلى عمر رضي الله عنه وقال: إنما كنت ألعب، فعلا عمر رضي الله عنه رأسه بالدرة، وفرق بينهما
(1)
.
وطلق رجل امرأته ثلاثاً في مجلس واحد، فأوجعه عمر رضي الله عنه ضرباً وفرق بينهما
(2)
.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً، قبل أن يدخل بها هي ثلاث، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وكان عمر إذا أتى به أوجعه
(3)
.
ومن عناية عمر رضي الله عنه بأمر الطلاق وتشدده فيه، وحرصه على عدم تسرع الناس فيه، وتهاونهم بشأنه، أنه جعل الطلاق الثلاث في مجلس واحد تقع ثلاثاً تبين بها الزوجة من زوجها بينونة كبرى، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 62، صحيح. قال: نا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب أن رجلاً
…
الأثر.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 61، صحيح. قال: نا عليّ بن مسهر عن شقيق بن أبي عبد الله عن أنس، قال:
(3)
رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/ 264، البيهقي / السنن الكبرى 7/ 334، صحيح من طريق سعيد. قال: نا سفيان عن شقيق سمع أنس بن مالك يقول:
…
الأثر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم
(1)
.
ومما روي في حرص عمر رضي الله عنه على دوام العلاقة الزوجية أن عمر رضي الله عنه أخذ امرأة ناشزاً، فوعظها فلم تُقبل بخير فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام، ثم أخرجها فقال: كيف رأيت؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، لا والله ما وجدت راحة إلا هذه الثلاث، فقال عمر رضي الله عنه: اخلعها ويحك، ولو من قرطها
(2)
.
(1)
رواه مسلم / الصحيح 10/ 69 - 72، عبد الرزاق / المصنف 6/ 391 - 392، أحمد / المسند 4/ 96.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 505، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/ 336، البيهقي / السنن الكبرى 7/ 315، وفي إسناده عند عبد الرزاق والبيهقي كثير مولى سمرة، مقبول من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة وإسناده عند سعيد معضل من رواية الحكم بن عتيبة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.
المطلب الثاني: العمل على الترابط الأسري، والتكافل الاجتماعي:
وكما عمل عمر رضي الله عنه على نشر المحبة والمودة بين الأزواج وعلى استمرار العلاقة الزوجية الكريمة بين الزوجين فإنه رضي الله عنه حرص أيضاً على الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة وعلى توثيق حبال المودة والطاعة بين أفرادها وخاصة علاقة الأبناء بوالديهم.
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حرصه رضي الله عنه طاعة الأبناء لوالديهم وبرهم بهم.
روي أن عمر رضي الله عنه رد رجلاً من الطريق أراد الغزو بغير إذن أبويه، وكان أبوه حين خرج ابنه قال قولاً يلوم فيه ابنه على تركه والديه قال:
تركت أباك مرعشة يداه
…
وأمك ما تسيغ لها شراباً
فبلغ قوله ذلك عمر رضي الله عنه فرده
(1)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 134، الفاكهي / أخبار مكة 3/ 205، ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 174 - 176، وسنده عند عبد الرزاق وابن أبي الدنيا منقطع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ورجاله عند عبد الرزاق ثقات، وفي إسناده عند الفاكهي، أبو سعيد الأعور لم أجد له ترجمة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، ويروي عنه سفيان بن عيينة، فإن كان شيخه فالإسناد معضل، ورواه ابن أبي الدنيا من طريق آخر وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد تغير بآخره، وحديثه ببغداد مضطرب، والراوي عنه هنا داود بن عمر الضبي البغدادي ولعله ممن سمع منه ببغداد، وشيخ عبد الله بن ذكوان لم يذكر اسمه بل قال: ابن ذكوان عن الثقة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه.
وروي أن محمد بن طلحة
(1)
أراد الغزو، فأتت أمه عمر، فأمره أن يقيم
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يطوف بالكعبة إذا رجل يحمل أمه وهو يقول:
أحمل أمي وهي الحمالة
…
ترضعني الدِّرَّة
(3)
والعُلالة
(4)
.
(1)
لم أعرفه ولعله محمد بن طلحة بن عبيد القرشي، ذكر البخاري في الصحابة قتل يوم الجمل. ابن حجر، الإصابة 3/ 377.
(2)
رواه سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/ 132، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 518، ورجال إسنادهما ثقات، لكن فيه شك عندهما بشيخ موسى بن عقبة.
فعند ابن أبي شيبة موسى بن عقبة عن سالم أو عبد الله بن عيينة، وعند سعيد سالم بن عبد الله أو عبد الله بن عبد الله بأن محمّد بن طلحة أراد
…
الأثر.
أمّا سالم بن عبد الله، فلعله ابن عمر بن الخطاب ثقة من كبار الثالثة، فيكون الإسناد منقطعاً، وأما عبد الله بن عبد الله، أو عبد الله بن عيينة فلم أعرفهما.
(3)
الدِّرَّة: كثرة اللبن وسيلانه. ابن منظور / لسان العرب 4/ 324.
(4)
العَلُّ والعَلَل: الشربة الثانية، وقيل الشرب بعد الشرب تباعاً. المصدر السابق 9/ 365.
هل يجزين ولد فعاله
فقال عمر رضي الله عنه: لا ولا رضعة واحدة
(1)
.
وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال: إن لي أماً بلغ بها الكِبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، أوضئها وأحرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست عليها نفسي؟!، قال: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنع ذلك، وأنت تتمنى فراقها
(2)
.
(1)
رواه الفاكهي / أخبار مكة 1/ 311، 312، 313، ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 170، وفي إسناده عند الفاكهي حاتم بن منصور لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وهو معضل من رواية عامر بن يحيى المعافري عن عمر، وهو ثقة من السادسة، ورجال إسناده عند ابن أبي الدنيا ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 164، 165، ابن الجوزي / البر والصلة ص 35، 36، وفي إسناده عند ابن أبي الدنيا فرج بن فضالة التنوخي ضعيف. تق 444، وهو معضل من رواية معاوية بن صالح الحضرمي، صدوق من السابعة، روايته عن عمر معضلة وفي إسناده عند ابن الجوزي عبد الله بن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وفيه زرعة بن إبراهيم الدمشقي، قال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه، الجرح والتعديل 3/ 606، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، والظاهر أن روايته عن عمر معضلة أو منقطعة فإن تلميذه هو سعيد أبو هلال صدوق من السادسة. فالأثر ضعيف.
وروي أن رجلاً جاء إلى عمر فقال: إني قتلت نفساً، قال: ويحك، أخطأ أم عمداً؟ هل من والديك أحد حيٌ؟ قال: نعم، قال: أمك، قال: لا والله، إنه لأبي، قال: انطلق فبره وأحسن إليه، فلما انطلق قال عمر: والذي نفس عمر بيده لو كانت أمه حيّة فبرها وأحسن إليها رجوت أن لا تطعمه النار أبداً
(1)
.
وعمل عمر رضي الله عنه على تقوية أواصر الأخوة الإسلامية بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك بالحث على التقارب والتواصل ومصاحبة أهل التقوى والصلاح ومودتهم، ومجانبة أهل الشر والبغي والفساد.
قال رضي الله عنه: إذا رزقكم الله عز وجل مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها
(2)
.
(1)
رواه ابن الجوزي / البر والصلة ص 66، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية أبي نوفل بن أبي عقرب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا / الإخوان ص 114، وكيع / الزهد 2/ 609، ورجال إسناده عند ابن أبي الدنيا ثقات، وهو منقطع من رواية أبي حصين عثمان بن عاصم بن حصين عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة تق:384. ورجال إسناده عند وكيع ثقات أيضاً، وهو منقطع من رواية القاسم بن عبد الرحمن الهذلي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره.
وقال رضي الله عنه: لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحتفظ من خليلك إلا الأمين، فإن الأمين من القوم لا يعدله شيء، ولا تصحب الفاجر ليعلمك فجوره، ولا تفش سرك، واستشر في أمرك الذين يخافون الله
(1)
.
(1)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 491، عبد الرزاق / المصنف 7/ 10، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 94، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 340، البلاذري / أنساب الأشراف ص 339، ابن أبي الدنيا / الإخوان ص 125، 126، ابن حبان / روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص 89، 90، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 434، 866، مساوئ الأخلاق ص 309، البيهقي/ شعب الإيمان / زغلول 4/ 257، 7/ 56، بألفاظ متقاربة، وفي إسناده عند ابن المبارك، وابن عساكر، والبيهقي إبهام بمن روى عنهم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة من السابعة. تق 353، حيث قال: أخبرني بعض أشياخنا، وإسناده عند عبد الرزاق معضل من رواية جعفر بن برقان عن عمر رضي الله عنه، وهو صدوق من السابعة، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة محمد بن عجلان المدني، وهو ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، وهو عند ابن شبة معضل بين مسعر بن كدام، وهو ثقة من السابعة، وبين وديعة الأنصاري، صحابي جليل، الإصابة 4/ 632، ورجال إسناده عند البلاذري صدوقون، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند ابن حبان إبراهيم بن موسى المكي قال ابن حجر مجهول. لسان الميزان 1/ 116، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماعه منه وفي إسناده عند الخرائطي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، صدوق اختلط وسمع منه يزيد بن هارون بعد اختلاطه، وهو هنا يروي عنه، ورواه البيهقي من طريقين آخرين، الأول رجاله ما بين ثقة وصدوق، سوى أبي بكر الفحام لم أجد له ترجمة،، وهو منقطع من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، والثاني رجاله ثقات، سوى يحيى بن أبي طالب، قال فيه الدارقطني: لا بأس به عندي، لم يطعن فيه أحد بحجة. ميزان الاعتدال 4/ 367، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم العدوي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في بث المحبة والمودة في المجتمع الدعوة إلى مصاحبة الأخيار ومؤاخاتهم، وهجران أهل المعصية وأصحاب السوء ومفارقتهم.
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يصفي لك ود أخيك أن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس، وتسلم عليه إذا لقيته
(1)
.
(1)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/ 44، ابن أبي الدنيا/ مكارم الأخلاق ص: 213، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 5/ 308، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص:307.
وإسناده عند عبد الرزاق معضل من رواية إسحاق بن راشد، وهو ثقة من السابعة، روايته عن عمر معضلة، وبقية رجاله ثقات.
وفيه عند ابن أبي الدنيا شريك بن عبد الله النخعي، صدوق يخطئ كثيراً، وفيه أبو المجمل لم أجد له ترجمة، وهو منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه.
ورواه البيهقي من غير إسناد، فقال: وروينا عن مجاهد، وفيه عند ابن عساكر شهاب بن خراش صدوق يخطئ، وهو معضل من رواية العوام بن حوشب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السادسة. فالأثر ضعيف.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: عليك بإخوان الصدق، فعش في أكنافهم فإنهم زين في الرخاء، وعدة في البلاء
(1)
.
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا / الإخوان ص 116، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 844، مساوئ الأخلاق ص 314، وفيه عند ابن أبي الدنيا محمد بن عبد الملك بن حميد المكي، وعلي بن نوح لم أجد لهما ترجمة، وهو منقطع من رواية عكرمة مولى ابن عباس عن عمر رضي الله عنه، وفيه عند الخرائطي المنهال بن حماد السراج، لعله الذي ذكره ابن حبان في الثقات 9/ 100، وإن لم يكن هو، فلم أجد له ترجمة، وسليمان العجلي، لعله ابن كندير لا بأس به من الرابعة. تق 254.
(2)
رواه أحمد / الزهد ص: 149، وكيع / الزهد 2/ 544، وهو منقطع من رواية عون بن عبد الله بن عتبة، وهو ثقة من الرابعة روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات. فالأثر ضعيف.
وروي أنه قال: من يصحب صاحب السوء لا يسلم
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال في العزلة راحة من خلطاء السوء
(2)
.
ومن مبادئ الصحبة والصداقة التي أرشد إليها عمر رضي الله عنه، أن يكون المرء المسلم معتدلاً في محبته وبغضه فلا يحب لدرجة الكلف والغلو، ولا يبغض لدرجة العداوة الشديدة.
قال رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفاً، ولا بغضك تلفاً
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي عاصم / الزهد ص 45، وفي إسناده سلام بن أبي مطيع، ثقة في روايته عن قتادة ضعف. تق 261، وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه أحمد / الزهد ص 149، وكيع / الزهد 2/ 514، ابن أبي عاصم / الزهد ص 44، البيهقي / الزهد الكبير ص 93، وإسناده عند أحمد، ووكيع والبيهقي معضل من رواية إسماعيل بن أمية الأموي، ثقة من السادسة، روايته عن عمر معضلة.
وهو عند ابن أبي عاصم معضل أيضاً من رواية مسعر بن كدام عن وديعة الأنصاري رضي الله عنه، وهوثقة من السابعة. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه البخاري/ الأدب المفرد ص: 448، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 340، 341، الطبري / التاريخ/ تهذيب الآثار / مسند علي ص 286، صحيح من طريق البخاري.
قال: حدّثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا زيد ابن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب، قال: لا يكن
…
الأثر.
وحث عمر رضي الله عنه على التكافل الاجتماعي والتعاون وبذل الخير بين أفراد المجتمع لما في ذلك من إشاعة المودة والألفة والأخوة في المجتمع المسلم، وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل بمجموعها على هذا المعنى.
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه مر في السوق بعد صلاة الغداة، فسمع صوت مولود يبكي، فقام عليه فإذا عنده أمه، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: جئت إلى هذا السوق لبعض الحاجة، فعرض لي المخاض، فولدت غلاماً، وهي إلى جنب دار قوم في السوق، فقال عمر: هل شعر بك أحد من أهل هذه الدار؟ أما إني لو علمت أنهم شعروا بك ثم لم ينفعوك، فعلت بهم، وفعلت، ثم دعا لها بشربة سويق فقال: اشربي هذه تقطع الحشا، وتعصم الأمعاء، وتدر العروق
(1)
.
وروي أن الضحاك بن خليفة
(2)
رضي الله عنه ساق خليجاً له من العريض
(3)
، فأراد أن يمر في أرض محمد بن مسلمة
(4)
رضي الله عنه،
(1)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 6/ 201، وفي إسناده عارم بن الفضل، ثقة اختلط ولم يظهر لي هل سماع علي بن الحسن بن بيان وهو الراوي عنه هنا كان قبل اختلاطه أم بعده، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وسنده متصل.
(2)
الضحاك بن خليفة الأنصاري الأشهلي، شهد أحداً، وتوفي آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/ 294.
(3)
العُرَيض: ناحية من المدينة في طرف حرة واقم شملها اليوم العمران، ما زالت معروفة. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 205.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: (660).
فأبى محمد فقال الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب منه أولاً وآخراً، ولا يضرك؟! فأبى محمد، فكلم الضحاك عمر رضي الله عنه، فدعا محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال: لا، فقال عمر لمحمد بن مسلمة: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك منفعة تشرب منه أولاً وآخراً ولا يضرك؟! فقال محمد بن مسلمة: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به، ولو على بطنك، فأمر عمر أن يمر به ففعل الضحاك
(1)
.
وروي أن أناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سافروا فأرملوا
(2)
فمروا بحي من الأعراب، فسألوهم القرِى فأبوا، فسألوهم الشرى فأبوا، فضبطوهم، وأصابوا من طعامهم، فذهبت الأعراب إلى عمر رضي الله عنه يشكوهم، فأشفقت الأنصار، فقال عمر: تمنعون ابن السبيل ما يخلق الله بالليل والنهار في ضروع الإبل والغنم؟! لابن السبيل أحق من التأني عليه
(3)
.
(1)
رواه مالك / الموطأ 2/ 467، 468، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 157، ومداره على يحيى بن عمارة الأنصاري، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند مالك ثقات، فالأثر ضعيف.
(2)
أرمل القوم: نفذ زادهم. ابن منظور / لسان العرب 5/ 321.
(3)
رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 478/أ، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 3، 4، ومداره على عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ثقة من الثانية، روايته عن عمر مرسلة على الصحيح، وبقية رجاله عند مسدد ثقات. فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إذا كنتم ثلاثة، فأمّروا أحدكم يعني في السفر، فإذا مررتم براعي إبل، أو راعي غنم، فنادوه ثلاثاً فإن أجابكم أحد فاستسقوه، وإلا فانزلوا فاحلبوا واشربوا ثم صروا
(1)
.
وهذا الأثر والذي قبله يرتقي لدرجة الحسن لغيره ويدل على إلزام عمر رضي الله عنه لأهل البادية بإغاثة ابن السبيل الذي نفد زاده.
وروي أن رجلاً استقى على باب قوم، فأبوا أن يسقوه فأدركه العطش فمات فضمنهم
(2)
.
وحرص عمر رضي الله عنه على إزالة أسباب الشقاق والفرقة والبغضاء بين أفراد المجتمع المسلم، فكان يعاقب من يتعرض لأعراض الناس، ويذكر معائبهم ويقدح فيهم لما يسببه ذلك من العداوة والتقاطع والتدابر بين أفراد المجتمع المسلم.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 58، 59، ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 479، البيهقي / السنن الكبرى 9/ 359، ومداره على الأعمش، وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 452، وفي إسناده أشعث بن سوار، ضعيف. تق 113، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
قال أبو رجاء العطاردي
(1)
رحمه الله تعالى: كان عمر وعثمان رضي الله عنهما يعاقبان على الهجاء
(2)
.
وقد تقدم ما ورد من معاقبة عمر للحطيئة بحبسه وهمه بقطع لسانه لما هجا الزبرقان بن بدر
(3)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على معاقبة من يتعرض لأعراض الناس بالقدح والسب والشتم أن رجلاً هجا قوماً في زمان عمر رضي الله عنه، فجاء رجل منهم فاستأدى
(4)
عليه عمر فقال عمر رضي الله عنه: لكم لسانه، ثم دعا الرجل، فقال: إياكم أن تعرضوا له بالذي قلت، فإني إنما قلت ذلك عند الناس كيما لا يعود
(5)
.
(1)
أبو رجاء العطاردي عمران بن ملحان، ثقة مخضرم. تق 430.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 500، صحيح. قال: حدّثنا معاذ عن عوف عن أبي رجاء أن عمر
…
الأثر.
(3)
انظر ص: 198 - 200.
(4)
استأدى: آدَيْتُه على أفعلته، أي: أعنته، وآداني السلطان عليه أعداني، واستأديته عليه استعديته وآديته عليه أي: أعنته. ابن منظور/ لسان العرب 1/ 100.
(5)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 177، 178، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.
وروي أن رجلاً جاء إلى كعب
(1)
بن عجرة رضي الله عنه، فجعل يذكر عبد الله بن أبي سلول، وما نزل فيه من القرآن ويسبه، وكان بين كعب وعبد الله بن أبي حرمة وقرابة، وكعب ساكت، فانطلق الرجل إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، ألم تراني ذكرت ما نزل في عبد الله بن أبي، فلم يكن من كعب، فالتقى عمر كعباً، فقال: ألم أخبر أن عبد الله ابن أبي ذكر عندك، فلم يكن منك، فقال كعب: قد سمعت مقالته، فلما رأيته كأنه يعمد مساءتي، فقال عمر: وددت لو ضربت أنفه، أو وددت أني لو كسرت أنفه
(2)
.
(1)
هو: كعب بن عُجْرَة بن أمية بن عديّ بن عبيد بن الحارث البلوي ثم السواري، الأنصاري المدني، أبو محمد، صحابي مشهور. فيه نزل قوله تعالى:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} سورة البقرة آية: 196. شهد عمرة الحديبية. روى عنه أهل المدينة وأهل الكوفة. نزل الكوفة ومات بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة. تق 461.
انظر: الاستيعاب/ ابن عبد البر 3/ 1321، برقم: 2197، والإصابة/ ابن حجر 5/ 448 - 449، برقم:7434.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 193، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة من الثالثة، روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة على الصحيح. فالأثر ضعيف
المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الاهتمام بالأنساب:
إن معرفة النسب والاهتمام به من المقاصد التي جاء بها الدين، وحث عليها الشارع الحكيم، ذلك لما لها من أهمية ومكانة اجتماعية عظيمة، فبمعرفة الأنساب تمكن صلة الأرحام والقرابات، وتتوقف على معرفة النسب مسائل هامة في النكاح والميراث والولاء وغيرها، لذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من انتساب المرء لغير نسبه الذي يعلم صحته، قال صلى الله عليه وسلم:"ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار"
(1)
.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التفاخر بالأنساب، ومعرفتها بغرض الاستعلاء بها على الناس، ولأجل الشهرة والسمعة والطعن في أنساب الغير.
قال صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهما كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت"
(2)
.
ونظراً لهذه المكانة الاجتماعية الهامة التي تمثلها الأنساب فقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بها، والاهتمام بصحتها لتحقيق الغاية الاجتماعية الشرعية منها، وتمثل ذلك بما يلي:
(1)
رواه البخاري /الصحيح 2/ 266.
(2)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 2/ 57.
1 - الحرص على إلحاق الأبناء بآبائهم الشرعيين.
فقد جاء أن امرأة هلك عنها زوجها، فاعتدت أربعة أشهر وعشراً، ثم تزوجت حين حلت، فمكثت عند زوجها أربعة أشهر ونصفاً ثم ولدت له ولداً تاماً، فجاء زوجها عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فدعا عمر رضي الله عنه نسوة من نساء الجاهلية قدماء فسألهن عن ذلك، فقالت امرأة منهن: أنا أخبرك عن هذه المرأة، هلك عنها زوجها حين حملت، فهرقت الدماء، فحش
(1)
ولدها في بطنها، فلما أصابها زوجها الذي نكحت، وأصاب الولد الماء تحرك الولد في بطنها، وكبر، فصدقها عمر رضي الله عنه، وفرق بينهما، وقال لهما: أما إنه لم يبلغني عنكما إلا خيراً، وألحق الولد بالأول
(2)
.
فقد تحرى عمر رضي الله عنه في هذه القضية المشكلة، وسأل نساء الجاهلية وذلك لما للنساء من خبرات وتجارب في مسائل الحمل والوضع.
(1)
حش: أي يبس. ابن منظور / لسان العرب 3/ 188.
(2)
مالك / الموطأ 2/ 463، 464، البيهقي / السنن الكبرى 7/ 422، 444، صحيح من طريق مالك.
قال: عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التميمي عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أمية أن امرأة
…
الأثر.
وكان عمر رضي الله عنه يستعين في تحريه فيمن أشكل أمره من الأولاد حتى يلحقه بنسبه الصحيح بالقافة الذين يعرفون شبه الولد بأبيه.
جاء رجلان إلى عمر رضي الله عنه كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا عمر قائفاً فنظر إليهما، فقال القائف: لقد اشتركا فيه، فضربه عمر بالدرة وقال: وما يدريك؟ ثم دعا المرأة فقال: أخبريني خبرك، فقالت: كان هذا لأحد الرجلين يأتيها، وهي في الإبل لأهلها، فلا يفارقها حتى يظن وتظن قد استمر بها حمل، ثم انصرف عنها، فهرقت الدماء، ثم خلف هذا يعني الآخر، ولا أدري من أيهما هو، فكبر القائف، فقال عمر للغلام، والِ أيهما شئت
(1)
.
وروي أن ثلاثة من التجار، تداولوا جارية فولدت فدعا عمر القافة فألحقوا ولدها بأحدهم
(2)
.
(1)
رواه مالك / الموطأ 2/ 414، الشافعي / المسند 2/ 464 مختصراً، ورجال إسناده عند مالك ثقات، وهو منقطع من رواية سليمان بن يسار الهلالي، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وهو عند الشافعي منقطع أيضاً من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله ثقات، فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 224، وفي إسناده عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية عطاء ابن أبي رباح، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
وقد حذر عمر رضي الله عنه أولياء الإماء الذين ينكحوهن من إطلاقهن يخرجن من غير رقابة مما يعرضهن لأيدي الفساق، ووقوعهن في الفاحشة، وتوعد من فعل ذلك بإلحاق أولاد إمائه به، سواء أقر بذلك أم لم يقر، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه على محافظة الرجال على إمائهن وولائدهن حتى لا ينشأ منهن أبناء في المجتمع لا يعرفون آباءهم.
قال عمر رضي الله عنه: ما بال رجال يطأون ولائدهم، ثم يدعونهن يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فأمسكوهن بعد أو أرسلوهن
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه مر على غلمان على بئر يدلون فيها، ومعهم أمة تدلي معهم فقال: ها! لعل صاحب هذه أن يكون يصيب منها، ثم يبعثها فيما ترون، أما إنها لو جاءت بولد ألحقناه به
(2)
.
(1)
رواه مالك / الموطأ 2/ 461، الشافعي / المسند 223، 224، صحيح من طريق مالك.
قال: عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال
…
الأثر.
(2)
رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/ 64، ورجال إسناده ثقات، ولكنه معضل من رواية إبراهيم التيمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.
2 - إنكار عمر رضي الله عنه، ومعاقبته لمن ينتسب لغير أبيه:
فقد أنكر رضي الله عنه على صهيب الرومي
(1)
رضي الله عنه انتسابه للعرب ولسانه أعجمي، ولكن صهيباً أوضح لعمر رضي الله عنه صحة نسبه وحقيقته.
قال رضي الله عنه لصهيب: ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال لولاهن ما قدمت عليك أحداً، وذكر عمر منها وتنتسب عربياً ولسانك أعجمي، فقال صهيب رضي الله عنه: وأما انتسابي في العرب، فإن الروم سبتني وأنا صغير
(2)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 147.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 226، 227، أحمد / المسند 6/ 16، المعجم الكبير 8/ 37، 38، الحاكم/ المستدرك 4/ 278، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 6/ 478، وفي إسناده عند ابن سعد، وأحمد والحاكم والبيهقي عبد الله ابن محمد بن عقيل، صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخره. تق 321، وفيه حمزة بن صهيب مقبول من الثالثة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، وفي إسناده عند الطبري عبد الله بن مصعب بن عبد الله، قال الخطيب: ولاه الرشيد إمارة المدينة واليمن، وكان محموداً في ولايته جميل السيرة، مع جلالة قدره وعظم شرفه، وكان مالك إذا ذكره قال: المبارك، ونقل عن ابن معين أنه قال: كان ضعيف الحديث، لم يكن عنده كتاب إنما كان يحفظ، تاريخ بغداد 10/ 173، 176، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وسنده متصل، فالأثر حسن، وقد حسنه الحافظ الذهبي في تعليقه على الحاكم.
وعاقب عمر رضي الله عنه من انتسب لغير أبيه وقومه، فقد كان في زمانه مملوك يقال له كيسان، فسمى نفسه قيساً، وادعى نفسه إلى مواليه ولحق بالكوفة، فركب أبوه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين ولد على فراشي ثم رغب عني، وادعى إلى مواليه، ومولاي. فقال عمر رضي الله عنه: أزيد بن ثابت، ألم تعلم أنا كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، فقال زيد: بلى، فقال عمر: انطلق فاقرن ابنك إلى بعيرك، ثم انطلق به، فاضرب بعيرك سوطاً وابنك سوطاً
(1)
.
3 - الحث على تعلم النسب لصلة الأرحام والقرابات:
قال عمر رضي الله عنه: تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم والله ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء، ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرحم لأوزعه ذلك عن انتهاكه
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 9/ 51، 52، صحيح. قال: عن معمر عن أيوب عن عديّ بن عديّ عن أبيه أو عن عمه، أن مكحولاً
…
الأثر.
(2)
رواه البخاري / الأدب المفرد ص 39، وفي إسناده عتاب بن بشير، قال ابن حجر: صدوق يخطئ. تق 380، وقال أحمد بن حنبل: روى بآخره أحاديث منكرة، وما أرى أنها إلا من قبل خصيف، وفي روايته عنه أحاديث منكرة، وقال ابن عدي: روى عن خصيف نسخة، وفي تلك النسخة أحاديث ومتون أنكرت عليه. المزي / تهذيب الكمال 19/ 287، ومن حاشية بشار. وروايته هنا عن غيره، فهو يروي هنا عن إسحاق بن راشد الزهري. فالأثر حسن إن شاء الله، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 55.
4 - التحذير من التفاخر بالأنساب ومعاقبة من فعل ذلك، والإنكار عليه:
بلغ عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا آل بني تميم، فحرم عمر رضي الله عنه بني تميم العطاء سنة، ثم أعطاهم في رأس السنة عطاءين
(1)
، وذلك تأديباً لهذا الرجل الذي أراد إثارة العصبيات والحميات الجاهلية.
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه الدالة بمجموعها على معاقبة عمر رضي الله عنه من اعتز وتفاخر بقومه ونسبه.
روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد، فإنه بلغني أنه دعي في جندك بدعوى الجاهلية، وأنه قيل: يا آل ضبة، إن ضبة لم تجز خيراً قط، ولم تدفع سوءاً قط، فإذا جاءك كتابي هذا، فأنزل بهم عقوبة في أشعارهم وأبشارهم، لعلهم يعرفون إن لم يفقهوا
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / الأمالي ص 78، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 463، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أنا ابن المبارك عن عاصم عن أبي عثمان، قال: بلغ عمر
…
الأثر.
(2)
رواه عبد الرزاق / الأمالي ص 77، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 456، ومداره على عامر الشعبي روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
وروي أن رجلاً من قبيلة بلي حي من قضاعة بالشام نادى: يا آل قضاعة، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إلى عامل الشام، أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: من اعتز بالقبائل فأعضوه
(2)
.
وعاب عمر رضي الله عنه على من احتقر أهل النسب الوضيع من الموالي وغيرهم وتوعده بالعقوبة.
فقد روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على ذلك.
روي أن قوماً قدموا على عامل لعمر رضي الله عنه، فأجاز العرب وترك الموالي، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم
(3)
.
(1)
رواه ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 116، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى العباس بن طالب، قال أبو زرعة: ليس بذاك، ميزان الاعتدال 2/ 384، وذكره ابن حبان في الثقات 8/ 510.
(2)
أعضوه: أي أعيبوا عليه. ابن منظور / لسان العرب 9/ 256، 257.
رواه ابن أبي شيبة /المصنف 7/ 456، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية أبي مجلز لاحق بن حميد عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من كبار الثالثة. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه أحمد / الزهد ص 150، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وروي أن سعد بن أبي وقاص كان بينه وبين سلمان الفارسي رضي الله عنهما شيء، فقال سعد وهم في مجلس: انتسب يا فلان، فانتسب ثم قال للآخر: انتسب، حتى بلغ سلمان، فقال: انتسب يا سلمان، فقال: ما أعرف لي أباً في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام، فنمى ذلك عمر رضي الله عنه، فقال لسعد ولقيه: انتسب يا سعد، فقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين وكأنه قد عرف، فأبى أن يدعه حتى انتسب، ثم قال للآخر: انتسب حتى بلغ سلمان فقال: انتسب يا سلمان، فقال: أنعم الله علي بالإسلام، فأنا سلمان ابن الإسلام.
قال عمر: قد علمت قريش أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية، وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان في الإسلام، أما والله لولا لعاقبتك عقوبة يسمع بها أهل الأمصار، أما علمت أو أما سمعت أن رجلاً انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية، فكان عاشرهم في النار، وانتمى رجل إلى رجل في الإسلام، وترك ما فوق ذلك، فكان معه في الجنة
(1)
.
وروي أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فقال: استأذنوا لابن الأخيار، فقال عمر رضي الله عنه: ائذنوا له، فلما دخل قال له عمر
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 438، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.
رضي الله عنه: من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان بن فلان، فجعل يعد رجالاً من أشراف الجاهلية، فقال له عمر رضي الله عنه: أنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؟ قال: لا، قال: ذلك ابن الأخيار، وأنت ابن الأشرار، إنما تعد علي رجالاً من أهل النار
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج يمشي وإذا رجل يخطر بين يديه وهو يقول: أنا ابن بطحاء مكة كدياً فكداها
(2)
، فوقف عليه عمر رضي الله عنه فقال: إن يك لك دين فلك كرم، وإن يكن لك عقل فلك مروءة، وإن يكن لك مال، فلك شرف وإلا فأنت والحمار واحد
(3)
.
(1)
رواه الحاكم/ المستدرك 2/ 347، وفي إسناده محمد بن سنان القزاز، اتهمه أبو داود وعبد الرحمن بن خراش بالكذب، وقال أبو عبيدة: ليس عندي بثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال ابن حجر: ضعيف. تق 482، وهو منقطع من رواية عُلي بن رباح اللخمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2)
كدي وكداء: موضعان، وقيل جبلان بمكة. ابن منظور / لسان العرب 12/ 50.
(3)
رواه ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 211، وفي إسناده بكير بن بكر الغفاري، يروي عن أبيه لم أجد لهما ترجمة، وفيه نضلة لم أعرفه، ولعله نضلة الغفاري، قال ابن أبي حاتم حجازي له صحبة. الجرح والتعديل 8/ 499، وبقية رجاله ثقات.
المسألة الثانية: الاهتمام بالأسماء:
كان عمر رضي الله عنه حريصاً على أن تتسمى رعيته بالأسماء الحسنة والتي لا تدل على معنى مكروه أو مستقبح.
فقد غير رضي الله عنه اسم والد مسروق بن الأجدع إلى عبد الرحمن
(1)
.
وأراد رضي الله عنه أن ينهى أن يسمي ببركة، وأفلح، ويسار، ونافع، ثم تركه
(2)
.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن ينهى عن تلك الأسماء ثم ترك ذلك، والعلة في ذلك، ليست لمعنى سيء في الاسم، ولكن كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرء قد يسأل فيقول: أثم بركة أو أفلح، أو يسار، فيقال: لا، إذا كان غير موجود، فينفي بذلك وجود البركة والفلاح واليسر
(3)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 6/ 76، أحمد / المسند 1/ 31، ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات، وهو منقطع من رواية محمد بن المنتشر عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، وفي إسناده عند أحمد مجالد بن سعيد، ليس بالقوي. تق 520، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وسنده متصل، فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره.
(2)
رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 14/ 18.
(3)
انظر: مسلم / شرح النووي 14/ 117، 118.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدلّ على كراهيته لبعض الأسماء التي تحمل معنًى سيئاً أنه أراد أن يستعمل رجلاً، فسأله عن اسمه، واسم أبيه فقال: ظالم بن سراقة، فقال: تظلم أنت، ويسرق أبوك، ولم يستعن به
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه أتاه كتاب من دهقان يقال له: جوابابنه، فأراد عمر رضي الله عنه أن يكتب إليه فقال: ترجموا لي اسمه، فقالوا: هذا بالعربية خير الفتيان، فقال عمر: إن من الأسماء أسماءً لا ينبغي أن يسمى بها، اكتب من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى شر الفتيان
(2)
.
وروي أن عمر قال: لا تسموا الحكم ولا أبا الحكم، فإن الله هو الحكم
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه غير اسم كثير بن الصلت
(4)
إلى كثير بعد أن كان اسمه قليل
(5)
.
(1)
أورده ابن عبد ربّه/ العقد الفريد 2/ 157، من غير إسناد.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 41، 42، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 11/ 42، وفي إسناده ليث بن أبي سليم، صدوق اختلط جداً، ولم يتميز حديثه فترك، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، وروايته عنه معضلة، فهو من السابعة. فالأثر ضعيف.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: (804).
(5)
رواه ابن سعد / الطبقات 5/ 14، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
وكره عمر رضي الله عنه التسمي بأسماء الأنبياء فقد يحمل هذا الاسم من ليس له أهل.
فقد جمع عمر رضي الله عنه كل غلام اسمه اسم نبي، فأدخلهم داراً وأراد أن يغير أسماءهم فشهد آباؤهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم
(1)
.
ودعا عمر رضي الله عنه ابنه عبد الرحمن ليغير كنيته، وكان يكنى أبا عيسى، فقال: يا أمير المؤمنين، والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بن شعبة بها
(2)
.
وروي أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه جاء إلى عمر رضي الله عنه، فاستأذن عليه، فنادى: يستأذن أبو عيسى، فقال عمر رضي الله عنه: من أبو عيسى؟ قال المغيرة بن شعبة: أنا، فقال عمر: وهل لعيسى أب؟!
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 5/ 69، إسحاق بن راهويه / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 5/ 52/أ، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 321، ومداره على أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم، وبقية رجاله عند إسحاق ثقات، وسنده متصل، فالأثر حسن.
(2)
رواه أبو داود / السنن 4/ 291، ابن أبي خيثمة / التاريخ ص 158، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 2/ 60، صحيح من طريق ابن أبي عاصم.
قال: حدّثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي عن حبيب بن الشهيد عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: دعا عمر
…
الأثر.
أما في كنى العرب ما تكتنون بها؟! أبو عبد الله، أبو عبد الرحمن، فقال رجل: أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى بها المغيرة، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا في خلج
(1)
، ما ندري ما يفعل بنا، فكناه بأبي عبد الله
(2)
.
وهذا الأثر يخالف الأثر الصحيح المتقدم وفيه أن عمر رضي الله عنه أقر تكني ابنه عبد الرحمن بأبي عيسى بعد أن أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بها، وهذا هو الذي يظن بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا خالف قولهم.
(1)
اخْتَلَجَ الشيء في صدري وتخالج: احتكأ مع شك. ابن منظور / لسان العرب 4/ 169.
(2)
رواه الحاكم / المستدرك 3/ 450، وفي إسناده شيخ الحاكم أحمد بن يعقوب، وشيخه أبو مسلم لم أجد لهما ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
المبحث الرابع: الاهتمام بالحياة المعيشية
وفيه مطلبان
المطلب الأول: الاهتمام بالعمل والحث على الكسب وطلب الرزق
المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية، وفيه أربعة مسائل
المطلب الأول: الاهتمام بالعمل والحث على الكسب وطلب الرزق:
إن العمل والكسب وطلب الرزق من طرقه المشروعة، مما حث عليه ديننا القويم، وهو الذي تقوم عليه مصالح الناس، وتسير عليه دفة الحياة، وهو مصدر هام من مصادر الحياة المعيشية، فبالعمل تزدهر الحياة وترقى الأمم، وتنال عزتها، ولا تكون عالة على غيرها.
وقد حث رضي الله عنه الرعية على العمل والكسب، والاعتماد على النفس ونبذ الكسل والخمول، وبين رضي الله عنه أن ذلك لا يتعارض مع العبادة، والتقرب إلى الله عز وجل، وأداء ما أوجب، وأيضاً لا ينافي الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
قال رضي الله عنه: يا معشر القراء، ارفعوا رؤوسكم، ما أوضح الطريق فاستبقوا الخيرات، ولا تكونوا كلاً على المسلمين
(1)
.
وحث رضي الله عنه رعيته على الكسب، والمحافظة على مصادر الرزق وتنميتها.
قال الحارث بن لقيط النخعي
(2)
: كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذا؟! فجاءنا كتاب عمر: أن
(1)
رواه البيهقي / شعب الإيمان 3/ 418، وسنده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، صدوق اختلط ولكن سماع طلق بن غنام الراوي عنه هنا كان قبل اختلاطه، فالأثر حسن.
(2)
الحارث بن لقيط النخعي، ثقة مخضرم، من الثانية. تق 147.
أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر تنفساً
(1)
.
وحث عمر رضي الله عنه رعيته على العمل والكسب، وأن يتخذ المرء صنعة أو مصدر رزق له، وأن لا تكون نظرته قاصرة على يومه الذي يعيش فيه، فقد يكون لديه من المال والعطاء ما يغنيه عن العمل، ولكنه قد يفتقر، وقد ينقطع مصدر رزقه في يوم من الأيام.
قال عمر رضي الله عنه لأبي ظبيان
(2)
: كم مالك يا أبا ظبيان؟ قال: قلت: أنا في ألفين وخمسمائة، قال: فاتخذ شاءاً، فإنه يوشك أن تجيء أغيلمة من قريش يمنعون العطاء
(3)
.
(1)
رواه هناد / الزهد 2/ 655، البخاري / الأدب المفرد ص 168، وكيع / الزهد 3/ 785، صحيح من طريق البخاري.
قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا حنش بن الحارث عن أبيه، قال: كان الرجل منا
…
الأثر.
وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 180، 181.
(2)
أبو ظَبْيَان حصين بن جندب بن الحارث الجَنْبي، ثقة من الثانية. تق 169.
(3)
رواه يحيى بن معين / التاريخ /رواية الدوري، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 487، 525، من طريقين، البخاري / الأدب المفرد ص 202، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا عبد الله بن الوليد عن موسى بن عبد الله ابن يزيد عن أبي ظبيان الأزدي، قال: قال عمر
…
الأثر.
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه والدالة بمجموعها على حث عمر رضي الله عنه على العمل، وترك مسألة الناس، والاعتماد عليهم ما روي من أن عمر رضي الله عنه لقي ناساً من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، فقال: بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله عز وجل
(1)
.
وروي أن شاباً قوياً دخل المسجد، فقال: من يعينني في سبيل الله؟ فدعا به عمر رضي الله عنه، فأتي به، فقال: من يستأجر مني هذا بعمل في أرضه؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا أمير المؤمنين، فقال: بكم تأجره كل شهر؟ قال: بكذا وكذا، قال: خذه فانطلق به، فعمل في أرض الرجل شهراً ثم قال عمر للرجل: ما فعل أجيرنا؟ قال: صالح يا أمير المؤمنين، قال: ايتيني به، وبما اجتمع له من الأجر، فجاء به وبصرة من دراهم، فقال عمر للشاب: خذ هذه، فإن شئت فالآن فاغز، وإن شئت فاجلس
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا / التوكل ص 61، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية معاوية بن قرة المزني عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2)
رواه البيهقي / شعب الإيمان 3/ 418، 419، ورجاله ثقات، وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: فرقوا عن المنية واجعلوا الرأس رأسين
(1)
، ولاتلثوا بدار معجزة
(2)
، وأصلحوا مثاويكم
(3)
، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم، واخشوشنوا
(4)
.
وروي أنه قال: مكسبة فيها بعض الدنية خير من مسألة الناس
(5)
.
(1)
أي إذا اشتريتم الرقيق أو غيره من الحيوان، فلا تغالوا في الثمن واشتروا بثمن الرأس الواحد رأسين فإن مات الواحد بقي الآخر، فكأنكم قد فرقتم مالكم عن المنيّة، ابن منظور / لسان العرب 1/ 243.
(2)
لا تُلِثُّوا بدار معجزة: أي لا تقيموا بدار يعجزكم فيها الرزق والكسب، المصدر السابق 12/ 234.
(3)
أي أصلحوا بيوتكم، والهوام هي الحيات والعقارب. المصدر السابق 2/ 152.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 5/ 162، 164، أبو عبيد / غريب الحديث 2/ 68، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/ 304، ومداره على أبي العدبس الأشعري، منيع بن سليمان الأسدي، ذكره ابن حبان في الثقات 5/ 454، وقال ابن حجر: مقبول. تق 658، وبقية رجاله ما بين ثقة، وصدوق، وسنده متصل، وقد ورد الجزء من الأثر (وأصلحوا مثاويكم) عند البخاري في الأدب المفرد ص 159، بإسناد رجاله ثقات سوى محمد بن عجلان فهو صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، فترتقي هذه الفقرة لدرجة الحسن لغيره، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 171.
(5)
رواه البلاذري /أنساب الأشراف ص 227، وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد المؤمن الرام ذكره البخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 5/ 319، وذكره ابن حبان في الثقات 8/ 372، وبقية رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية بكر بن عبد الله المزني عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يمشي في طريق ومعه عبد الله ابن عمر رضي الله عنه، فرأى جارية تطيش مرة، وتقوم أخرى، فقال: ها بؤس لهذه هاه، من يعرف تياه؟ فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك، قال: بناتي؟! قال: نعم، قال: من هي؟ قال: بنت عبد الله بن عمر، قال: ويلك يا عبد الله بن عمر، أهلكتها هزلاً، قال: ما نصنع منعتنا من عندك، فنظر إليه فقال: ما عندي؟ عزك أن تكسب لبناتك كما تكسب الأقوام؟ لا والله مالك عندي إلا سهمك مع المسلمين
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الجار
(2)
، فوجد حبًّا منثوراً فجعل عمر يلتقطه حتى جمع منه مدّاً أو قريباً من مد، ثم قال لرجل من الصيادين ألا أراك تصنع مثل هذا، وهذا قوت رجل من المسلمين حتى الليل، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، لو ركبت لتنظر كيف نصطاد، فركب عمر رضي الله عنه معهم فجعلوا يصطادون، فقال عمر:
(1)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 375، ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 95، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات، فالأثر ضعيف.
(2)
مدينة تاريخية كانت تشبه جدة اليوم، فكان البحر الأحمر ينسب شرقيه إليها، فيقال بحر الجار، وظلت ميناء عامراً للمدينة المنورة حتى القرن السادس الهجري، وتقع على بعد عشرة أكيال شمالاً من الرايس وتسمى اليوم بالبُريكة. انظر / البلادي / على طريق الهجرة ص 209، 210.
تا الله إن رأيت كاليوم كسباً أطيب أو قال أحل
…
الأثر
(1)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 94، ورجال إسناده ثقات، وفيه أبو يزيد المدني، قال الذهبي: ثقة، الكاشف 2/ 472، وقال ابن حجر: مقبول. تق 685، وبقية رجاله ثقات، وفيه إبهام بالراوي عن عمر رضي الله عنه، ففي السند عن أبي يزيد المدني، حدثني رجل من الصيادين.
المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية، وفيه أربعة مسائل:
المسألة الأولى: الاهتمام بالأطعمة والأشربة:
لقد حرص عمر رضي الله عنه على أن تكون الأطعمة والأشربة التي يتناولها الناس مما أباحه الله عز وجل، ولا تشوبه شائبة حرام، خصوصاً بعد تفرق المسلمين في البلاد المفتوحة، من بلاد فارس والروم والتي تكثر فيها الأطعمة والأشربة المحرمة والمشبوهة.
كتب عمر رضي الله عنه إلى جنده بأذربيجان
(1)
: بلغني أنكم في أرض يخالط طعامها الميتة، ولباسها الميتة، فلا تأكلوا إلا ما كان ذكياً، ولا تلبسوا إلا ما كان ذكياً
(2)
.
وقد بين عمر رضي الله عنه لرعيته حل بعض الأطعمة التي كانت عند الكفار، وأجاز لهم تناولها وأكلها، ومن ذلك الجبن، وذبائح بعض الطوائف فقد وصف الجبن لعمر رضي الله عنه حين أصابه المسلمون من المجوس فأكلوا ولم يسألوا فقال رضي الله عنه: اذكروا اسم الله عليه، وكلوه
(3)
.
(1)
تقدم التعريف بها في ص (612).
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 6/ 102، 103. صحيح.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن زيد ابن وهب، قال: غزونا أذريبيجان
…
الأثر.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 539، الجعد / المسند 1/ 375، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 130، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا جرير عن مغيرة عن أبي وائل وإبراهيم، قالا: لما قدم
…
الأثر.
وكتب عامل لعمر رضي الله عنه فقال: إن ناساً قبلنا يدعون السامرة يقرأون التوراة، ويسبتون السبت، لا يؤمنون بالبعث، فما يرى أمير المؤمنين في ذبائحهم؟ فكتب إليه عمر: إنهم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب
(1)
.
ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بالأطعمة إرشاده لبعض الأطعمة التي فيها المنفعة الكبيرة مع قلة مؤنتها وسهولة حصول الفقير عليها من ذلك قوله رضي الله عنه: لا تنخلوا الدقيق فإنه طعام كله
(2)
.
فبين عمر رضي الله عنه أهمية هذا الطعام، وهو نخالة الدقيق، والتي ربما كان الناس لا يُعيرونها أهمية كبيرة، وقد أثبت الطب الحديث فوائد نخالة الدقيق لصحة الجسم وقوته.
ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه في الضب
(3)
: إن الله ينفع به
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/ 487، ورجال إسناده ثقات سوى أبي العلاء برد بن سنان فهو صدوق، فالأثر حسن.
(2)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 206، الجعد / المسند 2/ 130، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/ 261، ومداره على مبارك بن فضالة، صدوق. تق 519، وبقية رجاله عند ابن شبة ثقات، فالأثر حسن.
(3)
الضَّبّ: حيوان من جنس الزواحف من رتبة العَظَاء، غليظ الجسم خشنه، وله ذنب عريض حَرِش، أعقد، يكثر في صحاري الأقطار العربية. المعجم الوسيط 1/ 532.
غير واحد، فإنما طعام عامة الرعاء منه، ولو كان عندي لطعمته
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً سميناً في عام سنة، فقال: ما طعامك؟ قال: الضباب، قال عمر: وددت أن لي في كل حجر ضب ضبين
(2)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه التحذير من الإكثار من بعض الأطعمة لما في الإكثار منها من ضرر على الصحة.
فقد روي عن عمر رضي الله عنه التحذير من إكثار أكل اللحم، روي أنه قال لبنيه: لا تديموا أكل اللحم
(3)
.
وروي أنه قال: إياكم وكثرة اللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر
(4)
.
(1)
رواه مسلم / الصحيح 13/ 102، 103.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 124، 125، ورجال إسناده ثقات سوى سعيد بن معبد الراوي عن عمر رضي الله عنه، لم أعرفه، ولعله الذي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وقال يروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 4/ 63.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 141، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق سوى هشام بن حبيش الخزاعي الراوي عن عمر رضي الله عنه، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 9/ 53، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 501.
(4)
رواه مالك/ الموطأ 2/ 111، ورجال ثقات، وهو معضل من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، فالأثر ضعيف.
وكان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على الزهد في الأطعمة وعدم التوسع فيها، ويذكرهم بحال نبيهم صلى الله عليه وسلم.
قال رضي الله عنه: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يجد من الدقل
(1)
ما يملأ به بطنه
(2)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حثه رعيته على الزهد في الأطعمة أنه دخل على ابنه عاصم وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ فقال: قرمنا إلى اللحم، فقال عمر رضي الله عنه: كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما يشتهي
(3)
.
وروي أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مر على عمر رضي الله عنه بلحم قد اشتراه بدرهم، فقال عمر: ما هذا؟ قال: اشتريته بدرهم، قال: كلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟! لا تكون من أهل هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا}
(4)
.
(1)
تقدم التعريف به في ص (911).
(2)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: (911).
(3)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 266، أحمد / الزهد ص 153، ومداره على الحسن البصري، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، ورجاله ثقات، فالأثر ضعيف.
(4)
سورة الأحقاف من الآية (20).
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 140، ورجال إسناده ثقات، وفيه إبهام بشيخ الأعمش، حيث قال: عمن حدثه.
وروي أن عمر رضي الله عنه بلغه أن يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه يأكل ألوان الطعام، فقال عمر رضي الله عنه لمولاه يرفأ: إذا عملت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فلما حضر عشاؤه أعلمه، فأتى عمر، فسلم واستأذن، فأذن له، فدخل فقرب عشاؤه، فجاء بثريدة لحم، فأكل عمر معه منها، ثم قرب شواء، فبسط يزيد يده، فكف عمر، ثم قال: الله يا يزيد بن أبي سفيان، أطعام بعد طعام؟ والذي نفس عمر بيده لأن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقتهم
(1)
.
وأما اهتمام عمر رضي الله عنه بالأشربة فإنه قد حرص على إبعاد رعيته عن شرب ما حرم الله كشرب الخمر، وحذرهم من شربها، وحثهم على التحري في الأشربة مخافة الوقوع في الحرام، قال رضي الله عنه وهو يبين أنواع الأشربة التي يدخل فيها الخمر حتى لا يلتبس الأمر على الناس: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر ما خامر العقل
(2)
.
وعاقب عمر رضي الله عنه من باع الخمر، واتجر به، فقد بلغه
(1)
رواه ابن المبارك / الزهد ص 203، 204، وسنده متصل ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، سوى يحيى الطويل، شيخ إسماعيل بن عياش، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 9/ 200.
(2)
رواه البخاري/الصحيح 3/ 322، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 18/ 165.
رضي الله عنه أن رجلاً أثرى من بيع الخمر، فقال: اكسروا كل آنية له، وسيروا كل ماشية له
(1)
.
ونهى عمر رضي الله عنه رعيته عن الطعام مع من يشرب الخمر، خوفاً من التأثر به، ومشاركتهم في شربها، قال رضي الله عنه: لا يجاورنكم خنزير، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر
(2)
.
وأجاز عمر رضي الله عنه شرب النبيذ
(3)
ما لم يتخمر، وأمرهم إذا خشوا تخمره باشتداده بصب الماء عليه، قبل أن يتخمر، فإذا تخمر حرم مطلقاً
(4)
.
قال عبد الرحمن بن عثمان التيمي
(5)
رضي الله عنه: صاحبت عمر
(1)
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 4/ 413. صحيح.
قال: حدّثنا وكيع بن إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني، قال: بلغ عمر
…
الأثر.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 61. صحيح.
قال: عن معمر عن زيد بن رفيع عن حرام بن معاوية، قال: كتب إلينا عمر
…
الأثر.
(3)
النَّبيذ: الماء الذي ينبذ فيه التمر أو الزبيب أو نحوهما، ما لم ينقلب إلى مسكر، فإذا صار مسكراً فهو خمر. معجم لغة الفقهاء ص 474.
(4)
انظر ابن حجر / فتح الباري 10/ 40، 41.
(5)
عبد الرحمن بن عثمان التيمي ابن أخي طلحة، صحابي قتل مع ابن الزبير تق 346.
ابن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فأهدى له ركب من ثقيف
(1)
سطيحتين من نبيذ، فشرب عمر رضي الله عنه إحداهما طيبة، ثم أهدي له لبن فعدله عن شرب الأخرى حتى اشتد ما فيها، فذهب عمر رضي الله عنه يشرب منها، فوجده قد اشتد، فقال: اكسروه بالماء
(2)
.
وقد أذن عمر رضي الله عنه في شرب وتناول الطلاء
(3)
الذي طبخ حتى ذهب ثلثاه ولم يكن مسكراً.
كتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد فإنها قدمت عليَّ عير من الشام تحمل شراباً غليظاً أسود كطلاء
(1)
ثقيف: اسمه قيس بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة، كان مواطنهم بالطائف. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/ 148.
(2)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 9/ 266، البيهقي/ السنن الكبرى 8/ 305 صحيح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو اليمان، أخبرني شعيب، قال: وحدّثنا الحجاج ثنا جدي جميعاً عن الزهري، أخبرني معاذ بن عبد الرحمن التيمي أن أباه عبد الرحمن بن عثمان قال: صاحبت عمر بن الخطاب.
(3)
هو أن يطبخ العصير حتى يصير مثل طلاء الإبل، وهو الدبس، فإذا طبخ عصير العنب حتى تمدد أشبه طلاء الإبل، وهو على تلك الحالة لا يسكر غالباً. ابن حجر / فتح الباري 10/ 62 - 66.
الإبل، وإني سألتهم على كم يطبخونه، فأخبروني أنهم يطبخونه على الثلثين، ذهب ثلثاه الأخبثان، ثلث ببغيه، وثلث بريحه، فمر من قبلك يشربونه
(1)
.
وكتب رضي الله عنه: أما بعد، فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان، فإن له اثنين ولكم واحد
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 9/ 255، ابن أبي شيبة المصنف 5/ 92، النسائي / السنن الكبرى 3/ 240، صحيح من طريق النسائي.
قال: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله عن سليمان التميمي عن أبي مجلز عن عامر بن عبد الله أنه قال: قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى
…
الأثر.
(2)
رواه النسائي / السنن الكبرى 3/ 240، 241، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 301 صحيح من طريق النسائي.
قال: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله عن هشام عن ابن سيرين أن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كتب إلينا عمر
…
الأثر.
المسألة الثانية: الاهتمام بالألبسة.
لقد اهتم عمر رضي الله عنه بالألبسة التي ترتديها رعيته أن تكون مما أباحه الله عز وجل، وأن تكون على الصفة المشروعة، فمن الألبسة التي نهى عنها عمر رضي الله عنه رعيته:
1 - لباس الكفار، ولبس الحرير:
كتب عمر رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد
(1)
، ومن معه من جند المسلمين بأذربيجان
(2)
: يا عتبة بن فرقد إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبوس الحرير، وقال:"إلا هكذا"، ورفع لنا إصبعيه
(3)
.
وقال سويد بن غفلة
(4)
رضي الله عنه: كنا غزاة بالشام، فقضينا غزاتنا فقدمنا على عمر وهو بظهر المدينة يستقبلنا أو يتلقانا، فلما رآنا وعلينا الديباج
(5)
والحرير، جعل يرمينا فرجعنا فخلعناها، ولبسنا بروداً
(1)
تقدمت ترجمته في ص (262).
(2)
تقدم التعريف بها في ص (612).
(3)
رواه البخاري / الصحيح 4/ 30، 31، مسلم / الصحيح / شرح النووي 14/ 44 - 48، بالجزء الذي فيه النهي عن لبس الحرير فقط، وأما لفظ الأثر كاملاً فقد رواه أحمد / المسند 1/ 15/16، وإسناده صحيح.
(4)
تقدمت ترجمته في ص (442).
(5)
الديباج: الثياب المتخذة من الإبريسم. ابن منظور / لسان العرب 4/ 278، والإبريسم: أحسن الحرير. المعجم الوسيط 1/ 2.
يمانية، ثم أتيناه فلما رآنا قال: مرحباً بالمهاجرين إن الله عز وجل لم يرض الحرير والديباج لمن كان قبلكم فيرضاه لكم
(1)
.
2 - النهي عن لبس ما يدخل فيه جلود الميتة:
فقد كتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: بلغني أنكم في أرض يخالط طعامها الميتة، ولباسها الميتة، فلا تأكلوا إلا ما كان ذكياً ولا تلبسوا إلا ما كان ذكياً
(2)
.
ورأى عمر رضي الله عنه رجلاً عليه قلنسوة بطانتها جلود الثعالب، فألقاها عن رأسه، وقال: وما يدريك لعله ليس بذكي
(3)
.
وقد حرص عمر رضي الله عنه أن تكون الألبسة على هيئة شرعية، فنهى رضي الله عنه عن إسبال الإزار للرجال.
أى رضي الله عنه على عتبة بن فرقد قميصاً طويل الكم، فدعا بشفرة ليقطعه من أطراف أصابعه، فقال عتبة: يا أمير المؤمنين، إني أستحي
(1)
رواه الجعد / المسند 1/ 426، 427، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 425، البلاذري / أنساب الأشراف ص 275، صحيح من طريق الجعد.
قال: أنا شعبة أنا عبد الله بن أبي الفسر، قال: سمعت الشعبي يحدث عن سويد ابن غفلة، قال: كنا غزاة
…
(2)
صحيح تقدم تخريجه في ص: (1019).
(3)
رواه الطحاوي / مشكل الآثار 4/ 265. صحيح.
قال: حدّثنا يوسف بن يزيد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا يونس عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن عمر .. الأثر.
أن تقطع كمي أنا أقطعه، فتركه
(1)
.
ودخل شاب على عمر رضي الله عنه حينما طعن، فجعل يثني على عمر رضي الله عنه، فرأى عمر رضي الله عنه عليه إزاراً يمس الأرض، فقال له: يابن أخي ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك، وأبقى لثوابك
(2)
.
ونهى عمر رضي الله عنه عن لبس النساء ما يصف بشرتهن، قال رضي الله عنه: لا تلبسوا نساءكم القباطي
(3)
، فإنه لا يشف يصف
(4)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 169، ابن سعد / الطبقات 6/ 41، أحمد / الزهد ص 154، صحيح من طريق أحمد.
قال: حدّثنا يزيد حدّثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي عثمان النهدي أن عمر.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 297، 298، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 166، وإسناد ابن أبي شيبة صحيح.
قال: حدّثنا غندر عن شبعة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن ابن مسعود، قال: دخل شاب
…
الأثر. ولفظه: (وأنقى لثوابك).
(3)
القباطي: ثياب من كتان، بيض رقاق، كانت تنسج بمصر. المعجم الوسيط 2/ 711.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 51، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 164، البيهقي / السنن الكبرى 2/ 234، 235.
وفي إسناده عند عبد الرزاق الأعمش وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية سليمان بن مسهر عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة.
وفيه عند ابن أبي شيبة انقطاع فهو من رواية أبي صالح السمان عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وبقية رجاله ثقات.
وفيه عند البيهقي انقطاع أيضاً، فهو من رواية عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وبقية رجاله ثقات، فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
وحث عمر رضي الله عنه على الزهد في اللباس، وترك زيادة الترف والنعم، وحث على لبس ما ألفه المسلمون، قال رضي الله عنه: اتزروا وارتدوا، وانتعلوا، وألقوا الخفاف، والسراويلات، وذروا التنعم وزي العجم
(1)
.
ولم يرد بذلك رضي الله عنه ترك التمتع بما أباح الله عز وجل، وحرمان النفس والتضييق عليها، بل إنه رضي الله عنه حث على إظهار
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 84، 85، ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 171، أحمد / المسند 1/ 43، البلاذري / أنساب الأشراف ص 275، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 3/ 194، أبو يعلى / المسند 1/ 189، صحيح من طريقي أحمد وأبي يعلى.
قال أحمد: ثنا يزيد ثنا عاصم عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب
…
الأثر.
النعمة والتوسيع على النفس، والتجمل بما أباح الله من اللباس، قال رضي الله عنه، إذا وسع الله عليكم، فأوسعوا، جمع رجل عليه ثيابه، صلى رجل في إزار ورداء وقميص في إزار، وقباء
(1)
في تبان
(2)
، في تبان وقميص
(3)
.
المسألة الثالثة: الاهتمام بالمساكن:
حث عمر رضي الله عنه على الاهتمام بالمساكن وإصلاحها، والمحافظة على مرافقها حتى تبقى صالحة للعيش، والإقامة فيها، قال رضي الله عنه: أصلحوا مثاويكم
(4)
.
ولكنه رضي الله عنه نهى رعيته عن الإفراط في الاهتمام بالمنازل وتزيينها بما يصل لحد المباهاة والسرف والبذخ، وعاقب رضي الله عنه من فعل ذلك.
بلغه رضي الله عنه أن ابناً له ستر جدران منزله، وجللها زيادة في تزيينها وتجميلها، فقال رضي الله عنه: لئن كان ذلك لأحرقن بيته
(5)
.
(1)
القّبَاء: ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص. المعجم الوسيط 2/ 713.
(2)
التبان: سراويل قصيرة إلى الركبة، أو ما فوقها، تستر العورة. المصدر السابق 1/ 82.
(3)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 76، 77، مالك / الموطأ 2/ 81، 82، وغيرهما.
(4)
حسن لغيره، تقدم الكلام عليه في ص:(1016). وهو جزء من الأثر "فرقوا عن المنية
…
".
(5)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 204، صحيح. قال: حدّثنا يعلى بن عبيد عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر، قال: بلغ عمر
…
الأثر.
وروي عن عمر رضي الله عنه كراهيته لرفع بناء المساكن.
روي أن أهل الكوفة بعثوا إلى عمر رضي الله عنه يستأذنونه في البناء باللبن، فقال عمر: افعلوا، ولا يزيدن أحدكم عن ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا في البنيان، والزموا السنة، تلزمكم السنة، وكتب ألا يرفعوا بنياناً فوق القدر، قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف، ولا يخرجكم من القصد
(1)
.
وروي أنه قال: لا تطيلوا بيوتكم، فإنه من شر أعمالكم
(2)
.
وروي أن الناس استأذنوا عمر في البناء بالمدر، فكتب: إني كنت أكره لهم البناء، فأما إذا فعلوه فليقلوا السمك
(3)
، ويعرضوا الجدر، ويقاربوا بين الخشب في السقوف
(4)
.
(1)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 479، وفي إسناده شعيب بن إبراهيم فيه جهالة. ميزان الاعتدال 2/ 275، وفيه سيف بن عمر التميمي، ضعيف. تق 362.
(2)
رواه ابن سعد /الطبقات 8/ 486، البخاري / الأدب المفرد ص 161، البلاذري / أنساب الأشراف ص 348، 349، ومداره على عبد الله الرومي لم أعرفه، يروي عن أم طلق، قال ابن حجر: لا يعرف حالها. تق 757، فالأثر ضعيف، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الأدب المفرد ص 50.
(3)
السَّمْكُ: هو من أعلى البيت إلى أسفله. ابن منظور / لسان العرب 6/ 369.
(4)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 209، 210، وفي إسناده مسلمة بن محارب الزيادي، ذكر ابن أبي حاتم، ولم يذكره فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 8/ 266، وفيه بشير بن عبد الله بن أبي بكرة لم أجد له ترجمة.
المسألة الرابعة: الاهتمام بالصحة:
إن من اهتمام عمر رضي الله عنه برعيته، اهتمامه بصحتهم، وحرصه على خلوهم من الأمراض استبقاءً لهم وحرصاً على سلامة المجتمع المسلم وتمتع أفراده بالعافية التي يستطيعون معها القيام بواجباتهم، وما أراد الله منهم من العبادات، والقيام بنشر دين الله بالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله.
ومن الآثار الدالة على اهتمام عمر رضي الله عنه بصحة رعيته وعافيتهم وحمايتهم من انتشار الأوبئة والأمراض فيهم، وتعريضهم للهلكة، موقفه رضي الله عنه من الإقدام بجند المسلمين على طاعون عمواس الذي وقع بالشام، فإنه رضي الله عنه لما بلغ سرغ لقيه أمراء أجناد المسلمين بالشام، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه بوقوع وباء الطاعون، فاستشار عمر رضي الله عنه أصحابه فاختلفوا، ثم أشار عليه مهاجرة الفتح بالرجوع، فمال عمر رضي الله عنه إلى قولهم، وتجهز للرجوع، ثم جاء عبد الرحمن بن عوف وشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه"، فحمد الله عمر ثم انصرف
(1)
.
(1)
صحيح، تقدم الكلام عليه وتخريجه في ص (610، 611).
ومن عناية عمر رضي الله عنه برعيته إرشاده المرضى لما فيه شفاؤهم بإذن الله إن كان عنده علم من ذلك.
جاء رجل إليه رضي الله عنه يشتكي داء النقرس
(1)
، فقال له عمر رضي الله عنه: كَذَبَتْك الظهائر
(2)
، فبرئ في العام المقبل، وما يشتكي شيئاً
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً بيده جرحاً فقال: بطه
(4)
ولو بعظم
(5)
.
وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه وهو ينهج
(6)
، قد ركبه
(1)
النَقْرِس: مرض مؤلم يحدث في مفاصل القدم، وفي إبهامها أكثر، وهو ما كان يسمى داء الملوك، المعجم الوسيط 2/ 946.
(2)
الذي في نص الرواية: كذبتك الطهايين، والذي في لسان العرب: كذبتك الظهائر أي عليك بالمشي في الظهائر، وهي جمع ظهيرة، وهي شدة الحر. ابن منظور /لسان العرب 12/ 54، 55.
(3)
رواه الخلال / السنة ص 316، صحيح. قال عن مسعر عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم، قال: رأى عمر.
(4)
البَطُّ: شق الدمل والخراج ونحوهما.
(5)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 291، وفي إسناده محمد بن الخطاب ابن جبر الثقفي. قال أبو حاتم: لا أعرفه، وقال الأزدي: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 3/ 537، وفيه انقطاع من رواية بكر بن عبد الله المزني عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(6)
يَنْهَج: يربو من السِمَن ويلهث. ابن منظور / لسان العرب 14/ 301.
اللحم، فقال عمر: ما هذا؟ قال: بركة الله يا أمير المؤمنين، فقال: كذبت، بل هو عذاب الله
(1)
.
وكان رضي الله عنه ربما استدعى الأطباء لمعاينة المرض للذين اشتد مرضهم وتأخر برؤهم، حرصاً منه رضي الله عنه على شفائهم واستردادهم عافيتهم.
كان معيقب الدوسي
(2)
رضي الله عنه مصاباً بمرض الجذام
(3)
، فكان عمر رضي الله عنه يطلب له الطب من كل من سمع له بطب، حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن، فقال: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح؟ فإن هذا الوجع قد أسرع فيه، فقالا: أما شيء يذهبه فإنا لا نقدر عليه، ولكنا سنداويه دواء يقفه فلا يزيد، قال عمر: عاقبة عظيمة أن يقف فلا يزيد، فقالا له: هل تنبت أرضك الحنظل؟ قال: نعم، قالا: فاجمع لنا منه، فأمر من جمع لهما منه مكتلين عظيمين، فعمدا إلى كل حنظلة فشقاها بثنتين، ثم أضجعا معيقباً، ثم أخد كل رجل منهما بإحدى قدميه ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظلة، حتى إذا أمحقت أخذا أخرى، قال
(1)
رواه أحمد / الزهد ص 477، ابن الأعرابي / المعجم 2/ 45، ومداره على الحسن البصري روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر ضعيف.
(2)
معيقب بن أبي فاطمة الدوسي، من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد أحداً والمشاهد، وولي بيت المال لعمر رضي الله عنهما. تق 542.
(3)
الجُذام: علة تتآكل منها الأعضاء، وتتساقط. المعجم الوسيط 1/ 73.
الراوي: حتى رأينا معيقباً يتنخم أخضر مراً، ثم أرسلاه، فقالا لعمر: لا يزيد وجعه بعد هذا أبداً.
قال عبد الله بن جعفر
(1)
رضي الله عنه: فوالله ما زال معيقب متماسكاً لا يزيد وجعه حتى مات
(2)
.
وروي عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أنه قال: مرضت زمان عمر مرضاً شديداً، فدعا لي الطبيب، فحماني حتى كنت أمص النواة
(3)
.
وكان عمر رضي الله عنه يرشد بعض المرضى إلى ترك العلاج
(1)
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي، أحد الأجواد، ولد بأرض الحبشة، وله صحبة. تق:298.
(2)
رواه ابن سعد /الطبقات 4/ 117 - 118. ابن عبد البر / التمهيد 1/ 52 - 54، وسنده عند ابن سعد متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق فهو صدوق ومدار الأثر عليه فالأثر حسن.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد، قال: أمَّرني يحيى بن الحكم على جُرش فقدمتها فحدّثوني أن عبد الله بن جعفر، فقلت: يا أبا جعفر: ما حديث حدّثني به عنك أهل جرش؟ قال: فقال: كذبوا، والله ما حدّثتم هذا ولقد رأيت عمر يؤتى بالإناء فيه الماء فيعطيه معيبقباً
…
الأثر.
(3)
رواه الحاكم / المستدرك 4/ 207، 208، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى مسلم بن خالد الزنجي، فهو صدوق كثير الخطأ والأوهام. تق 529. فالأثر ضعيف.
والصبر على المرض إن كان المرض لا خطر فيه، ويزول من غير علاج، وكان العلاج يترتب عليه بعض الضرر.
فقد جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يشتكي من ذات الجنب، قد دعي له رجل يكويه، فأبى إلا أن يأذن له عمر رضي الله عنه، فأخبر عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه: لا تقربن النار، فإن له أجلاً لن يعدوه، ولن يقصر عنه
(1)
.
ولعل من اهتمام عمر رضي الله عنه بصحة رعيته وقوتهم ونشاطهم حثه لهم على إعطاء أنفسهم حقاً من الراحة والنوم بعد عناء العمل، والكدح في طلب الرزق.
فقد كان رضي الله عنه يحث رعيته على النوم بعد العشاء، وعدم السمر والحديث بعد صلاة العشاء لأن
في السمر بعدها مضار كبيرة، ومن أكبرها النوم عن صلاة الفجر وبالأحرى عدم قيام الليل، ومنها عدم
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 53، وسنده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وعمرو بن علقمة بن وقاص ذكره ابن حبان في الثقات 5/ 174، وقال الذهبي: وثق، الكاشف 2/ 84، وقال ابن حجر: مقبول. تق 424، وقال المعلق على الكاشف للذهبي: صحح له الترمذي حديثه، وكذا ابن حبان، وصحح له ابن خزيمة حديثاً آخر، فلا أقل من أنه صدوق، فالأثر حسن.
القدرة على الاستيقاظ المبكر، للعمل وطلب الرزق، والسعي في الأرض، وغير ذلك من المضار.
قال سليمان بن ربيعة الباهلي
(1)
رحمه الله: كان عمر يتجدب
(2)
لنا السمر بعد العتمة
(3)
.
وكان رضي الله عنه ينُشّ
(4)
الناس بعد العشاء بالدرة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم
(5)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص 767.
(2)
جدب الشيء: عابه، وذمه. ابن منظور / لسان العرب 2/ 196.
(3)
العتمة: ثلث الليل الأول، بعد غيبوبة الشفق. المصدر السابق 9/ 41.
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 562، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 78، 79، صحيح من طريقهما.
قال عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن الأعمش عن أبي وائل، قال: طلبت حذيفة
…
الأثر.
وقال ابن أبي شيبة: حدّثنا عبد ة عن الأعمش عن شقيق عن سليمان بن ربيعة، قال: كان عمر
…
الأثر.
(4)
يَنُشُّ: أي يسوق، والنش: السوق برفق. ابن منظور / لسان العرب 14/ 144.
(5)
رواه أبو عبيد / غريب الحديث 2/ 59، صحيح.
قال: حدّثنيه حجاج عن شعبة عن قتادة عن أبي رافع عن عمر أنه كان
…
الأثر.
وكان عمر رضي الله عنه يحذر الناس من النوم قبل العشاء وذلك خشية النوم عن صلاة العشاء.
كتب رضي الله عنه إلى رعيته وعماله: أن لا ينام قبل صلاة العشاء فمن نام، فلا نامت عينه
(1)
.
ومن ساعات النوم الهامة والمفيدة لراحة البدن، واسترداده نشاطه النوم بعد الظهر، أو القيلولة، فكان عمر رضي الله عنه يرغب رعيته فيها.
قال السائب بن يزيد
(2)
رضي الله عنه: ربما قعد على باب ابن مسعود رضي الله عنه رجال من قريش، فإذا فاء الفيء
(3)
، قال عمر رضي الله عنه: قوموا فما بقي فهو للشيطان، ثم لا يمر بأحد إلا أقامه.
وقال: كان عمر رضي الله عنه يمر بنا نصف النهار، أو قريباً منه، فيقول: قوموا، فقيلوا فما بقي للشيطان
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 563، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 120، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا الثقفي عن أيوب عن نافع عن أسلم، قال: كتب عمر
…
الأثر.
(2)
تقدمت ترجمته في ص 278.
(3)
الفيء: ما بعد الزوال من الظل. ابن منظور / لسان العرب 10/ 360.
(4)
رواه والذي قبله البخاري / الأدب المفرد ص 424، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى سعيد بن عبد الرحمن بن جحش، فهو صدوق، فالأثران في درجة الحسن.
ومما رأيت إلحاقه بمسألة الاهتمام بالصحة لعلاقته بالمرض والوفاة حث عمر رضي الله عنه من أصيب بوفاة قريب أو عزيز عليه بالصبر واحتساب الأجر على الله، وعدم الجزع والنياحة على الميت.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر يضرب فيه أي البكاء على الميت برفع الصوت والنوح عليه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثي التراب
(1)
.
وأذن عمر رضي الله عنه لأهل الميت بإظهار الحزن عليه والبكاء على فراقه من غير رفع الأصوات لأن ذلك من طبيعة البشر التي لا يستطيعون دفعها.
فلما توفي خالد بن الوليد رضي الله عنه مر عمر رضي الله عنه بنسوة من بني المغيرة، وهن يبكين خالد بن الوليد في داره، فقال رضي الله عنه: ما عليهن أن يهرقن دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقعاً
(2)
أو لقلقة
(3)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 227، 228.
(2)
النَّقْع: رفع الصوت، ونقع الصارخ بصوته تابعه وأدامه، وقيل المراد بالنقع في الأثر: أصوات الخدود إذا ضربت، وقيل هو: وضع رؤوسهن في النقع، وهو الغبار، وقيل النقع: شق الجيوب. ابن منظور / لسان العرب 14/ 267.
(3)
اللَّقْلَقة: الجلبة كأنها حكاية الأصوات إذا كثرت، فكأنه أراد الصياح والجلبة عند الموت. المصدر السابق 12/ 315.
رواه البخاري / الصحيح 1/ 224، البخاري / التاريخ الصغير 1/ 71، الحاكم / المستدرك 3/ 297، البيهقي / السنن الكبرى 4/ 71، وهو عند البخاري معلقاً بصيغة الجزم، وإسناده في التاريخ الصغير صحيح، وليس فيه قوله: ما لم يكن نقعاً ولا لقلقة، ورجال إسناده عند الحاكم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثقات سوى شيخ الحاكم محمد بن علي الصنعاني لم أجد له ترجمة، وإسناده عند البيهقي متصل ورجاله ثقات، وشيخه أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، قال الذهبي فيه: الإمام المحدث الصالح، سير أعلام النبلاء 17/ 239.
وأشار الحافظ ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق 2/ 466، 467 إلى رواية أبي عبيد له في غريب الحديث، ولم أقف عليه في المطبوع، وأشار رحمه الله إلى رواية ابن سعد له فقال: قال ابن سعد: أنا وكيع بن الجراح، وأبو معاوية الضرير، وعبد الله بن نمير، قالوا: ثنا الأعمش عن شقيق، قال: لما مات خالد ابن الوليد اجتمع نسوة
…
الأثر باللفظ الذي في المتن، وهذا الإسناد متصل، ورجاله ثقات. فالأثر صحيح.
المبحث الخامس: معاملة العبيد والإماء وأهل الذمة.
وفيه مطلبان
المطلب الأول: معاملة العبيد والإماء
المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة
المطلب الأول: معاملة العبيد والإماء،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معاملة العبيد:
لقد حض الإسلام على العناية بالعبيد، وإعطائهم حقوقهم، والتعامل معهم باعتبارهم أناساً أسوياء يتمتعون بكامل الحقوق الإنسانية، وأن ما وقع عليهم من الرق، والعبودية أمر طارئ، قد يقع على غيرهم من البشر.
قال صلى الله عليه وسلم: في العبيد: "إخوانكم خولكم
(1)
، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"
(2)
.
وعمر رضي الله عنه أولى العبيد العناية والرعاية والرحمة والشفقة، وأعطاهم حقوقهم، ورد عليهم ظلامتهم، وتمثل اهتمامه رضي الله عنه بهم في عدة أمور هي:
أولاً: العناية بالعبيد ومواساتهم، وإعطاؤهم حقوقهم.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان عمر رضي الله عنه إذا مر بالعبد قال: يا فلان، أبشر بالأجر مرتين
(3)
.
(1)
خولكم: من التخويل، وهو التمليك. ابن منظور / لسان العرب 4/ 251.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 15.
(3)
رواه البيهقي / السنن الكبرى 8/ 12، 13، وسنده متصل ورجاله ثقات، سوى شيخ البيهقي أبي الحسين بن بشران، فهو صدوق. سير أعلام النبلاء 17/ 161. فالأثر حسن.
وقال أبو محذورة رضي الله عنه: كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه، إذ جاء صفوان بن أمية بجفنة يحملها نفر في عباءة، فوضعها بين يدي عمر، فدعا عمر ناساً مساكين، وأرقاء من أرقاء الناس حوله، فأكلوا معه ثم قال عند ذلك: فعل الله بقوم، أو قال لحا الله
(1)
قوماً يرغبون عن أرقائهم أن يأكلوا معهم، فقال صفوان: أما والله ما نرغب عنهم، ولكن نستأثر عليهم، لا نجد والله من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم
(2)
.
وروي عن أبي رافع الصائغ رحمه الله أنه قال: مر بي عمر رضي الله عنه وأنا أصوغ، وأقرأ القرآن، فقال: يا أبا رافع، لأنت خير من عمر تؤدي حق الله، وحق مواليك
(3)
.
ومن الآثار الدالة على إنصاف عمر رضي الله عنه الرقيق، وإعطائهم حقوقهم والعناية بهم، أن رقيقاً لعبد الرحمن بن حاطب
(4)
(1)
لحاه الله لحْياً أي قبحه ولعنه. ابن منظور / لسان العرب 12/ 258.
(2)
رواه البخاري / الأدب المفرد ص 80 ورجال إسناده ثقات سوى شيخ البخاري بشر بن محمد السختياني، صدوق. فالأثر حسن وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 93.
(3)
رواه البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 6/ 386، وفي إسناده شيخ البيهقي أبو نصر بن قتادة لم أجد له ترجمة وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق، ضعيف. تق 361، وبقية رجاله ثقات. فالأثر ضعيف.
(4)
عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة له رؤية، وعدوه من كبار ثقات التابعين. تق 338.
انتحروا ناقة رجل من مزينة، فأمر عمر رضي الله عنه أن تقطع أيديهم، ثم أرسل فردهم، ثم قال لعبد الرحمن: أما والله لولا أني أظن أنكم تستعملونهم، وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم يجد ما حرم الله لأكله لقطعت أيديهم، ولكن الله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك، ثم قال للمزني: كم ثمنها؟ قال: كنت أمنعها من أربعمائة، فقال عمر رضي الله عنه لعبد الرحمن: أعطه ثمانمائة
(1)
.
وروي أن رجلاً أمر غلاماً له أن يسنو على بعير له، فنام الغلام، فجاء بشعلة من نار، فألقاه في وجهه، فتردى الغلام في بئر، فلما أصبح أتى عمر رضي الله عنه، فرأى الذي في وجهه فأعتقه
(2)
.
(1)
رواه مالك / الموطأ 2/ 470، عبد الرزاق / المصنف 10/ 238، 239، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 278. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن ابن جريج، قال: حدّثني هشام بن عروة عن عروة أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أخبره عن أبيه، قال: توفي حاطب
…
الأثر.
(2)
رواه البخاري / الأدب المفرد ص 68، من طريقين في الأول علي بن زيد بن جدعان، ضعيف وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في سماعه منه.
والثاني رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وقال محمد بن سيرين رحمه الله: كان عمر رضي الله عنه يعدي المملوك على سيده إذا استعداه
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يذهب إلى العوالي
(2)
كل سبت، فإذا وجد عبد اً في عمل لا يطيقه وضع عنه
(3)
.
وممن أولاهم عمر رضي الله عنه رعايته وعنايته اللقطاء ومن لا يعرف لهم أب، فقد جاء أبو جميلة
(4)
رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه بمنبوذ وجده، فاتهمه عمر رضي الله عنه، ثم سأله عنه، فأثنى عليه خيراً، فقال عمر رضي الله عنه: هو حر، وولاؤه لك، ونفقته من بيت المال
(5)
.
ثانياً: الحث على إعتاق العبيد المسلمين، وفك رقابهم.
وعمل عمر رضي الله عنه على فك رقاب العبيد، وإزالة الرق
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/ 467. صحيح إلى ابن سيرين، وروايته عن عمر منقطعة.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: 259.
(3)
رواه مالك / الموطأ 2/ 160 بلاغاً. فالأثر ضعيف.
(4)
سنين أبو جميلة السُلمي، صحابي صغير. تق 257.
(5)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 449، 450، 452، 9/ 14، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 295، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن معمر عن ابن شهاب، قال: حدّثني أبو جميلة أنه و جد
…
الأثر.
عنهم والعبودية، وحث رضي الله عنه رعيته على ذلك، وشدد عليهم فيه.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أعتق عمر كل من صلى من سبي العرب، فبت عتقهم، وشرط عليهم أنكم تخدمون الخليفة بعدي ثلاث سنوات
(1)
.
وكاتب سيرين والد محمد بن سيرين رحمهم الله أنس بن مالك رضي الله عنه علىعشرين ألف درهم يدفعها إليه، فيعتقه، فأتى سيرين أنساً بالعشرين ألفاً كاملة، فأبى أنس أن يقبلها إلا منجمة، ومفرقة، فأتى سيرين عمر رضي الله عنه، فشكا إليه أنساً، فكتب عمر إلى أنس أن اقبلها من الرجل، فقبلها أنس، وعتق سيرين
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 380، 381، 9/ 167، 168. صحيح.
قال: أخبرنا ابن جريج عن أيوب بن موسى، قال: أخبرني نافع عن عبد الله ابن عمر أن عمر
…
الأثر.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 85 معلقاً، عبد الرزاق / المصنف 8/ 371، 372. ابن سعد / الطبقات 7/ 119، 120، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 319، وفي إسناده عند عبد الرزاق إبهام بشيخ ابن جرير، حيث قال: أخبرني مخبر، وبقية رجاله ثقات، وفيه عند ابن سعد من طريق قتادة بن دعامة، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله ثقات، ورواه من طريق آخر متصل ورجاله ثقات سوى علي بن سويد بن منجوف، فهو صدوق. تق 402، فالأثر صحيح لغيره بطرقه.
وقال عمر رضي الله عنه: إذا أدى المكاتب إلا الشطر، لم يسترق
(1)
.
أي إذا أدى شطر ما كاتب عليه سيده فقد عتق.
ثالثاً: كراهية عمر رضي الله عنه لجلب العبيد، وخاصة من بقي منهم على الكفر.
كان عمر رضي الله عنه ينهى عن الإتيان بالعبيد البالغين إلى
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/ 410، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 325، ومداره على عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، صدوق اختلط، وهو عند البيهقي من رواية سفيان الثوري عن المسعودي، وقد سمع منه قبل الاختلاط، فالأثر حسن من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، ثنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم، ثنا محمّد بن سليمان بن الحارث، ثنا قبيصة بن عقبة السوائي، ثنا سفيان عن عبد الرحمن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن جابر بن سمرة عن عمر بن الخطاب، قال: إذا أدى المكاتب
…
الأثر.
وسماع القاسم بن عبد الرحمن من جابر بن سمرة أثبته العلائي في جامع التحصيل ص: 252، 253. فقول البيهقي رحمه الله في نهاية الأثر:"القاسم لا يثبت سماعه من جابر" فيه نظر. والله أعلم.
ومسألة عتق المكاتب إذا أدى الشطر، اختلف فيها السلف. انظر ابن حجر / فتح الباري 5/ 195.
المدينة، خصوصاً من كان منهم مقيماً على كفره، وذلك لأن البالغ أقدر من الصبي الصغير على الاطلاع على أسرار المسلمين، وكشف عوراتهم، وعلى التخطيط للنيل من الإسلام والمسلمين.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر رضي الله عنه، يكتب إلى أمراء الجيش: لا تجلبوا علينا من العلوج أحداً جرت عليه المواسي، فلما طعنه أبو لؤلؤة، قال: من هذا؟ قالوا: غلام المغيرة بن شعبة، قال: ألم أقل لكم لا تجلبوا علينا من العلوج
(1)
أحداً؟ فغلبتموني
(2)
.
(1)
العِلْج: الرجل من كفار العجم. ابن منظور / لسان العرب 9/ 349.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 349، 350، البلاذري / أنساب الأشراف ص 273. صحيح عندهما.
قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا العُمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان
…
الأثر.
والعمري، هو: عبيد الله بن عمر العمري، وهو ثقة تق:373.
وليس هو عبد الله بن عمر العمري. وهو ضعيف تق: 314. حيث ورد هذا المتن عند ابن سعد بسند آخر قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الأزرقي المكي، قال: أخبرنا مسلم بن خالد، قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن أسلم.
وقال البلاذري: المدائني عن حماد بن سلمة عن أيوب وعبد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر.
وهو عند البلاذري بلفظ: لقد كنت أنهى أن تجلبوا إلينا منهم أحداً، ثم قال: الحمدلله الذي لم أخاصم في دمي أحداً من المسلمين.
المسألة الثانية: معاملة الإماء.
واهتم عمر رضي الله عنه بالإماء كاهتمامه بالعبيد، وأحسن إليهن وأعطاهن حقوقهن، ومما قضى به عمر رضي الله عنه، والذي يظهر رأفته ورحمنه، وعنايته بالإماء، عتق أمهات الأولاد بموت ساداتهن وألا يوهبن ولا يبعن.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: قضى عمر في أمهات الأولاد
(1)
أن لا يبعن ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع بها صاحبها ما كان حياًّ، فإذا مات عتقت
(2)
.
وجاء عن عمر رضي الله عنه ما يدل على أن هذا العتق إنما تناله العفيفات المسلمات من أمهات الأولاد.
(1)
أم الولد: الأمة التي حملت من سيدها، وأتت بولد. معجم لغة الفقهاء ص 88.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 7/ 292، ابن حبان / الصحيح 7/ 265، الدارقطني / السنن 4/ 134، 196، الحاكم / المستدرك 2/ 458، البيهقي / السنن الكبرى 10/ 342، 343. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر عن نافع عن أبي عمر، قال: قضى
…
الأثر.
قال عمر رضي الله عنه: إن أحصنت وأسلمت عتقت، وإن هي فجرت وكفرت وزنت رقت
(1)
.
ومن عناية عمر رضي الله عنه بالإماء وإنصافهن ممن ظلمهن من أسيادهن، أن أمة جاءت إليه تشكو سيدها بأنه عذبها، فأقعدها على الجمر حتى احترقت مقعدتها، فأرسل عمر إلى سيدها، فأوجعه ضرباً، وأعتق الأَمة
(2)
.
ومن الأمور التي لاحظها عمر رضي الله عنه في الإماء هو عدم تشبههن بالحرائر، فكان يعاقب من يفعل ذلك من الإماء، لأن ذلك قد
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 411، ورجاله ثقات، ومالك بن عامر الهمداني الراوي عن عمر رضي الله عنه، قال عنه ابن معين: كوفي ثقة. ابن أبي حاتم / الجرح والتعديل 8/ 213. فالأثر صحيح.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 9/ 438، الخرائطي/ مساوئ الأخلاق ص 286، 321، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 4/ 288، 289، الحاكم / المستدرك 8/ 36، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات، ولكنه منقطع من رواية أبي قلابة الجرمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. تق 304.
ورجال إسناده عند الخرائطي ما بين ثقة وصدوق سوى شيخ أبي الزبير، فهو مبهم حيث قال عن شيخ من أهل مكة أنه أبصر عمر
…
الأثر.
وفيه عند الطبراني والحاكم عمر بن عيسى القرشي الأسدي، قال البخاري: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 30/ 216. فالأثر يرتقي بطريقيه عند عبد الرزاق والخرائطي لدرجة الحسن لغيره.
يوقع في الغرر والخداع بحيث تظن الأمة حرة، فتعامل معاملتها في الأحكام الشرعية، فكان رضي الله عنه ينهى الإماء أن يلبسن لبس الحرائر من الحجاب وغيره
(1)
.
(1)
ورواه عبد الرزاق / المصنف 3/ 135، البيهقي / السنن الكبرى 2/ 226، 227، وهو عند عبد الرزاق من ثلاث طرق، الأولى رجالها ثقات، وفيها عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، ولفظها: أن عمر رأى أمة لابنه عبد الرحمن خرجت من عند ابنته حفصة، فعاقبها، ونهاها عن أن تلبسها لبس الحرائر، والثانية رجالها ثقات، وهي منقطعة من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ولفظها: أن عمر رضي الله عنه كان ينهى الإماء عن الجلابيب أن يتشبهن بالحرائر، وأما الطريق الثالث فرجاله ثقات، وفيه قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة، لم يصرح بالسماع من أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه: أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة، فقال: إكشفي رأسك، لا تشبهين بالحرائر.
فهذه الطرق الثلاثة يرتقي ما فيها من نهي عمر رضي الله عنه الإماء عن أن يلبسن لبس الحرائر لدرجة الحسن لغيره، وإسناده عند البيهقي متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. فالأثر يرتقي لدرجة الصحيح لغيره بمجموع طرقه، سوى ما فيه من ذكر الضرب فهو ضعيف.
المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة
(1)
، وفيه ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى: عناية عمر رضي الله عنه، واهتمامه بأهل الذمة.
يعتبر أهل الذمة من رعايا الدولة الإسلامية، وفئة من فئاتها، إذ أنهم يعيشون على أراضيها، وينعمون بحمايتها، مقابل جزية يدفعونها، لأنهم ليسو من المسلمين، ولكن لهم ذمة وعهداً، وقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بأهل الذمة وحمايتهم، وإعطائهم حقوقهم التي كفلتها لهم شريعة الإسلام، وعدم تكليفهم بما لا يطيقون والرأفة بهم.
بعث عمر رضي الله عنه حذيفة بن اليمان، وعثمان بن حنيف
(2)
لجباية الخراج، ومسح أرض السواد، وقال لهما محذراً من تكليف أهل الذمة ما لا يطيقونه من الخراج: تخافا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. فقال عثمان: لو شئت لأضعفت، وقال حذيفة: لقد حملت الأرض أمراً هي له مطيقة، وما فيها كبير فضل، فجعل عمر يقول: انظر ما لديكما أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق
(3)
.
(1)
الذّمة: العهد والأمان، والحرمة والحق، وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/ 168.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (644).
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 337. صحيح.
قال: أخبرنا محمّد بن الفضيل غزوان الضبي، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن ميمون، قال: جئت فإذا عمر
…
الأثر.
ومن رأفة عمر رضي الله عنه بأهل الذمة وعنايته بهم، ومعرفته لحوائجهم أن أذن لهم بدخول المدينة ثلاثة أيام يتسوقون بها، ويقضون حوائجهم ولا يقيمون فوق ثلاث
(1)
.
وقد أوصى رضي الله عنه عند وفاته مَنْ بعده بالعناية بأهل الذمة، وإعطائهم حقوقهم، والرأفة بهم.
قال رضي الله عنه: وأوصي الخليفة من بعدي بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم
(2)
، ولا يكلفوا فوق طاقتهم
(3)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الرأفة بأهل الذمة أنه مر بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير، ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر رضي الله عنه بيده، وذهب به إلى منزله، فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن
(1)
رواه مالك / الموطأ 2/ 63، 64، عبد الرزاق / المصنف 6/ 51، أبو عوانة / المسند 4/ 164. صحيح من طريق مالك. قال: عن نافع عن أسلم مولى عمر ابن الخطاب أن عمر
…
الأثر.
(2)
أي يقاتل عنهم ويدافع، كما بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى بقوله: باب يقاتل عن أهل الذمة. الصحيح 2/ 178.
(3)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: 595.
بيت المال، فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم
(1)
.
المسألة الثانية: دعوة أهل الذمة للإسلام.
كان عمر رضي الله عنه يدعو أهل الذمة للإسلام، ويحرص على هدايتهم وإنقاذهم من النار رحمة بهم وشفقة عليهم، ومن الآثار في ذلك:
أن أسلم مولى عمر التمس وضوءاً لعمر رضي الله عنه، فلم يجده إلا عند نصرانية فاستوهبها، وجاء به إلى عمر رضي الله عنه، فأعجبه حسنه، فقال: من أين هذا؟ فقال له: من عند هذه النصرانية، فتوضأ عمر رضي الله عنه، ثم دخل عليها، فقال: أسلمي فكشفت عن رأسها كأنه ثغامة
(2)
بيضاء، فقالت: أبعد هذه السن
(3)
؟!
(1)
رواه أبو يوسف / الخراج ص: 136، قال: حدّثني عمر بن نافع عن أبي بكر. ابن زنجويه / الأموال 1/ 162، 163، ومداره على عمر بن نافع الثقفي، كوفي ضعيف من السادسة. تق 417، فقد نص المزي على أنه هو الراوي عن أبي بكر العبسي، وأما العدوي فهو ثقة. فالأثر ضعيف.
(2)
الثُّغامة: نبت أبيض الثمر، والزهر يُشّبه بياض الشيب به. ابن منظور / لسان العرب 2/ 105.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/ 78، الدراقطني / السنن 1/ 32، البيهقي / السنن الكبرى 1/ 32. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه التمس لعمر رضي الله عنه وضوءً
…
الأثر.
ومما روي في شفقة عمر رضي الله عنه على أهل الكتاب لكونهم ممن يعبد الله على ضلالة، وحزنه على مشقتهم في عبادتهم مع أن مصيرهم إلى النار.
روي أنه رضي الله عنه مر بدير راهب، فناداه: يا راهب، فأشرف عليه، فجعل عمر رضي الله عنه ينظر إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك، من هذا؟ قال: ذكرت قول الله عز وجل: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ}
(1)
، فذلك الذي أبكاني
(2)
.
المسألة الثالثة: الشروط التي صالح عليها عمر رضي الله عنه أهل الذمة.
إن من أهم النصوص، وأشملها لبنود الصلح التي عقدها عمر رضي الله عنه مع أهل الذمة، ذلك النص الذي نقل إلينا صلح عمر رضي الله عنه مع نصارى الشام، وفيه:
أن أهل الشام كتبوا لعمر رضي الله عنه: إنكم لما قدمتم علينا، سألناكم الأمان لأنفسنا، وذرارينا، وموالينا، وأهل ملتنا، وشرطنا على
(1)
سورة الغاشية الآيات (2 - 5).
(2)
ضعيف. تقدم تخريجه في ص: 330.
أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا، ولا فيما حولها ديراً، ولا كنيسة، ولا قلاية
(1)
، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها، ولا نجيء ما كان من خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا من أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل أو نهار، وأن نوسع أبوابها للمارة، وابن السبيل، وأن ننزل من مر بنا ثلاثة أيام من المسلمين نطعمهم، وأن نرشدهم، ولا نؤوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوساً، ولا نعلم أولادنا القرآن، وأن لا نظهر شركاً، ولا ندعو إليه أحداً، وأن لا نمنع أحداً من ذوي قراباتنا الدخول في الإسلام، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زيّنا حيث ما كنا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نظهر صلبنا وكتبنا في شيءٍ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، وأن لا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفياً، وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة
(1)
القلاّية: من بيوت عبادة النصارى. ابن منظور / لسان العرب 11/ 295.
المسلمين، وأن لا نخرج شعانين
(1)
، ولا باعوثاً
(2)
، وأن لا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين وأسواقهم، ولا نجاورهم بموتنا، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، ولا نطلع عليهم في منازلهم.
قال عبد الرحمن بن غنم الأشعري
(3)
: فلما أتيت عمر بن الخطاب بهذا الكتاب زاد فيه: ولا نضرب أحداً من المسلمين. شرطنا ذلك لكم على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا الأمان، فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطنا لكم، وضمنا على أنفسنا، فلا ذمة لنا، وقد حل لكم ما حل لأهل المعاندة والشقاق
(4)
.
(1)
شعانين: الصواب سعانين، وهو عيد لهم معروف، قبل: عيدهم الكبير بأسبوع، وهو سرياني معرب. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/ 369.
(2)
الباعوث: للنصارى كالاستسقاء للمسلمين، وهو اسم سرياني. المصدر السابق 1/ 139.
(3)
تقدمت ترجمته في ص 885.
(4)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 449، ابن الأعرابي / المعجم 1/ 382، 384، ابن حزم / المحلى 5/ 414، 415، البيهقي / السنن الكبرى 9/ 202، ابن عساكر / تاريخ دمشق 2/ 178، ابن كثير/ مسند الفاروق 2/ 488، 489، وهو عند الطبري من غير إسناد، بل قال: وعن خالد وعبادة قالا: ولم أعرف
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم، وتصغيرهم، وتحقيرهم، وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري، ثم ذكر الرواية التي ذكرت نصها. التفسير 2/ 346، 347.
وقال ابن تيمية رحمه الله عن شروط صلح عمر مع نصارى الشام: وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه، والعلم وهي مجمع عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين، وأصحابهم، وسائر الأئمة. اقتضاء الصراط المستقيم ص 121، 122.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وعبادة، ومتنه مختصر، وفيه أن عمر رضي الله عنه شرط عليهم أن لا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود. وفي إسناده عند ابن الأعرابي، وابن حزم، والبيهقي، وابن كثير، يحيى بن عقبة بن العيزار. قال ابن معين: كذاب خبيث، عدو الله، وقال أبو حاتم: يفتعل الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة. ميزان الاعتدال 4/ 397.
وقال ابن كثير رحمه الله: وهكذا رواه الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر، قاضي دمشق، في جزء جمعه في الشروط العمرية، أي من طريق يحيى بن عقبة، ثم نقل ابن كثير عن ابن زبر أنه قال: ووجدت هذا الحديث بالشام، رواه عبد الوهاب الحوطي عن محمد بن حمير عن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن السري بن مصرف، وسفيان الثوري، والوليد بن نوح عن طلحة بن مصرف عن مسروق الأجدع عن عبد الرحمن بن غنم. وهذا السند رجاله ثقات سوى محمد بن حمير فهو صدوق، ولكن لم يظهر مجالد حدثني سفيان الثوري، وطلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم، وهذا السند فيه إبهام الرجل الذي وجد عنده الكتاب، وفيه مجالد بن سعيد ليس بالقوي. ثم قال ابن زبر: حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، حدثني أبي، حدثنا بقية بن الوليد عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم. وهذا الإسناد فيه بقية بن الوليد مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وأيضاً فإن ابن زبر نفسه قال عنه الخطيب البغدادي: كان غير ثقة، وقال الذهبي: ما أتقن. سير أعلام النبلاء 15/ 315.
ورواه ابن عساكر بسند متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وشيخ ابن عساكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن عبد الواحد بن أبي الحديد المعدل. ذكره ابن عساكر في تاريخه وقال: خطيب دمشق. 1/ 3 نسخة المكتبة الظاهرية - فهرسة محمد بن رزق طرهوني، وشيخه هو جده الحسن بن أحمد بن أبي الحديد، ذكره أيضاً ابن عساكر في تاريخه 4/ 406، 407، وقال: حكم بين الناس بدمشق. وقال الذهبي: مسند دمشق. سير أعلام النبلاء 18/ 501. فالأثر حسن إن شاء الله.
وروي أن عمر رضي الله عنه اشترط على أهل الذمة إصلاح القناطير
(1)
، وإن قتل رجل من المسلمين فعليهم ديته، وضيافة المسلمين يوماً وليلة
(2)
.
(1)
القنطرة: الجسر، وقال الأزهري: هو أَزَجُ يبنى بالآجر، أو بالحجارة على الماء يعبر عليه. ابن منظور / لسان العرب 11/ 320.
(2)
مر في صلح عمر مع نصارى الشام أن الضيافة شرطت عليهم ثلاثة أيام، وهي الثابتة، ولو ثبتت هذه الرواية لحملت على أن ذلك راجع لمراعاة حال أهل الذمة من العسر واليسر، فأهل اليسر يضيفون ثلاثة أيام، والمعسرين يوماً وليلة.
رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق /471/ب، ورجال إسناده ثقات، وفيه قتادة بن دعامة، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع. فالأثر ضعيف.
ومما لا شك فيه أن هذه الشروط التي شرطها عمر رضي الله عنه على أهل الذمة كانت مع أدائهم الجزية عن يد وهم صاغرون. قال أسلم مولى عمر رضي الله عنه: ضرب عمر رضي الله عنه الجزية، وكتب بذلك إلى أمراء الأجناد أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، ولا يضربوها على صبي، ولا على امرأة
(1)
، وكان عمر رضي الله عنه يختم أهل الجزية في أعناقهم
(2)
.
وممن عاملهم عمر رضي الله عنه معاملة الذميين، المجوس، فقد
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 88، أبو عبيد / الأموال ص 41، ابن زنجويه / الأموال 1/ 151، 157، 158. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر.
(2)
رواه أبو عبيد / الأموال ص 57، أبو بكر بن أبي شيبة / المطالب العالية لابن حجر ق/471/ب. صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عبد ة عن عبيد الله عن نافع عن أسلم مولى عمر كتب عمر
…
الأثر.
أخذ عمر رضي الله عنه منهم الجزية بعد أن شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها منهم، وأمر عمر رضي الله عنه بالتفريق بين محارم المجوس
(1)
.
ونهى عمر رضي الله عنه المجوس عن الزمزمة
(2)
.
ويظهر من شروط الصلح التي صالح عليها عمر رضي الله عنه أهل الذمة أنها نصت على إذلال الكفار، وإظهار عزة المسلمين، والعمل على توقيرهم وخدمتهم، والنصح لهم، وعدم غشهم، وخيانتهم وموالاة أعدائهم.
ونصت على التمييز بين المسلمين وأهل الذمة في الهيئة واللباس، ولم تغفل الشروط حق أهل الذمة في العيش بكل حرية في ظل الدولة الإسلامية، وأدائهم لعباداتهم في معابدهم، وممارستهم لحياتهم الاعتيادية
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 200.
(2)
الزمزمة: كلام خفي يقولونه عند أكلهم بصوت خفي. ابن منظور / لسان العرب 6/ 85.
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/ 180، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 430، الدارقطني / السنن 8/ 247. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن معمر وابن عيينة عن عمرو بن دينار، قال: سمعت بجالة يحدث أبا الشعثاء وعمرو بن أوس عند صفة زمزم في إمارة مصعب بن الزبير، قال: كنت كاتباً لجزء عم الأحنف بن قيس، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة
…
الأثر.
في مآكلهم ومشاربهم، ومصالحهم الشخصية، بشرط عدم إظهار وإعلان الكفر والفسق.
ومن أهم ما كفلته هذه الشروط لأهل الذمة عيشهم تحت حماية الدولة الإسلامية، وأمنهم على أنفسهم وأعراضهم، وأموالهم لا يتميز المسلمون عليهم بشيء في ذلك، ما داموا أوفياء بعهدهم وذمتهم التي صالحوا عليها المسلمين.
وكان عمر رضي الله عنه صارماً شديد الحزم مع من نكث عهده، وخان ذمته من أهل الذمة، وذلك لما يترتب على هذه الخيانة من مفاسد دينية ودنيوية، ولأن ذلك دليل على خبث نية هذا الخائن، وفساد طويته.
ولقد كان من أسباب إجلاء عمر رضي الله عنه لليهود من خيبر اعتداؤهم على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: نقركم ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت
(1)
يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا
(1)
الفَدَعُ: زيغ بين القدم، وبين عظم الساق، وكذلك في المفاصل، وهي أن تزول المفاصل عن أماكنها. ابن منظور / لسان العرب 10/ 202.
وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم
(1)
.
وروي أن رجلاً من أهل الذمة نخس بامرأة من المسلمين، ونزع خمارها وجابذها، فحال بينه وبينها عوف بن مالك
(2)
، وضرب الذمي، ثم أتى عمر رضي الله عنه، فذكر له، فدعا عمر رضي الله عنه المرأة، فسألها فصدقت عوفاً، فأمر عمر رضي الله عنه بالذمي فصلب، ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله في ذمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تظلموهم، فمن فعل منهم مثل هذا، فلا ذمة له
(3)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 119، كتاب الشروط باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت، وأبو داود / السنن 3/ 158. وغيرهما.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 333.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/ 114، 115، الحارث / المسند / إتحاف الخيرة المهرة 3/ 102، الطبراني / المعجم الكبير 18/ 37، البيهقي / السنن الكبرى 9/ 201، ومدار الأثر على عامر الشعبي روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة، وكذا عن عوف بن مالك كما في جامع التحصيل ص 204. وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
المبحث السادس: الاهتمام بالنواحي الجهادية والقتالية
وفيه مطلبان
المطلب الأول: التعبئة القتالية والإعداد العسكري.
المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه
المطلب الأول: التعبئة القتالية والإعداد العسكري.
إن قيام عمر رضي الله عنه بالتعبئة القتالية، وتهيئة الجيوش للغزو والجهاد أمر لا يحتاج إلى دليل يثبته، وقرينه تؤيده، فلولا فضل الله ثم قيامه رضي الله عنه بذلك على أكمل وجه، لما كانت تلك الفتوحات العظيمة، التي أزالت دولة الفرس، وضمت أجزاء كبيرة وهامة من دولة الروم، كبلاد الشام، ومصر إلى حظيرة الدولة الإسلامية.
ولكن المراد بالحديث عن ذلك بيان الكيفية التي أعد بها عمر رضي الله عنه جنده، وجعل منهم جنداً أوفياء، وقادة أكفاء للقيام بتلك الفتوحات الجليلة، ولبيان سياسته رضي الله عنه في إعداد القوات، وشحن الثغور، ويمكن الحديث عن ذلك في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الاهتمام بالقدرة القتالية، واللياقة البدنية للجند.
فقد عمل عمر رضي الله عنه على تهيئة جنده عسكرياً، وتدريبهم على حمل السلاح واستخدامه بمهارة عالية.
كتب عمر رضي الله عنه: أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي
(1)
.
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 9/ 19، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/ 172، البلاذري / أنساب الأشراف ص 281، أحمد / المسند 1/ 46، ابن أبي الدنيا / العيال 2/ 579، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 214.
وفي إسناده عند عبد الرزاق عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف تق 361، وهو عند سعيد معضل من رواية حكيم بن حكيم الأنصاري صدوق، من الخامسة، وروايته عن عمر معضلة.
وإسناده عند ابن أبي الدنيا منقطع من رواية أبي قلابة الجرمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة.
ومداره عند سائر من رواه على عبد الرحمن بن عياش عن حكيم بن حكيم بن عباد، وهما صدوقان، وبقية رجاله عند أحمد ثقات وسنده متّصل. فالأثر حسن.
وكتب رضي الله عنه: وارموا الأغراض
(1)
.
فحث عمر رضي الله عنه على تعلم الرمي وإتقانه، لما له من أهمية بالغة في الحروب، فهو سلاح فعال في حسم المعارك، وقتل أعداد كبيرة من العدو بأقل عدد من الخسائر في الأرواح والمعدات، فربما قتل فرد واحد ماهر في استخدام هذا السلاح أعداداً من العدو، بخلاف السلاح المستخدم عند التحام الصفوف كالسيوف والخناجر وغيرها فإنه
(1)
الغَرض: الهدف الذي ينصب فيرمى فيه. ابن منظور / لسان العرب 10/ 53.
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 275، أبو يعلى / المسند 1/ 189. صحيح من طريق أبي يعلى.
قال: حدّثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، حدّثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان الهندي، قال: كتب عمر
…
الأثر.
تكثر باستخدامها الخسائر بين الجانبين، والرمي قديماً بالسهام والحراب، والمنجنيقات يعادل في الأهمية استخدام الرشاشات والمدرعات والراجمات في وقتنا الحاضر.
كما حرص عمر رضي الله عنه على رفع اللياقة البدنية لجنده، وذلك بحثهم على ممارسة الألعاب الرياضية، ومنها الفروسية وركوب الخيل حيث أن الخيل كانت هي المستخدمة في القتال، والكر والفر، وأمرهم بالنزو عليها والقفز على ظهرها، وهذا لا يتأتى إلا مع رشاقة الجسم وقوته، ولياقته البدنية.
وحث عمر رضي الله عنه جنده على عدم التنعم في اللباس، ومشابهة العجم لأنه يورث الليونة والنعومة في الأجسام، فيجعلها غير قادرة على مواجهة ظروف القتال والجهاد، والتي تستلزم قدراً كبيراً من الخشونة والغلظة والبأس للجندي المقاتل.
قال عمر رضي الله عنه: اتزروا وارتدوا، وانتعلوا، والقوا الخفاف، والسراويلات، وألقوا الركب
(1)
، وانزوا على الخيل نزواً، وعليكم بالمعدية
(2)
، وراموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير
(3)
.
(1)
ألقوا الرُكُب: الركاب للسّرج كالغرز للرحل. ابن منظور / لسان العرب 5/ 295.
(2)
المعَدّية: أي خشونة اللباس، ويقال: تمعددوا أي تشبهوا بعيش بني معد بن عدنان، وكانوا أهل قشف وغلظ في المعاش. المصدر السابق 13/ 139.
(3)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: (1030) ولفظه هنا أتم.
وحث رضي الله عنه على تعلم السباحة والعوم، وهي رياضة هامة للجندي تزيد من رفع قوته وقدرته الجسمية.
قال رضي الله عنه: علموا غلمانكم العوم
(1)
.
المسألة الثانية: المحافظة على الجند والعناية بهم، وحمايتهم من المهالك.
وكان عمر رضي الله عنه شديد العناية بجنده، وكان قريباً منهم، متواضعاً لهم رحيماً بهم، يعرف لهم فضلهم، ومكانتهم.
قال الحارث بن لقيط النخعي
(2)
رحمه الله: لما وجهنا عمر إلى الكوفة مشى معنا ساعة، فودعنا، ودعا لنا، ثم قعد ينفض رجليه من الغبار
(3)
.
(1)
حسن تقدم تخريجه في ص (1070).
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (1013).
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 541. صحيح.
قال: حدّثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا حنش بن الحارث عن أبيه قال: لما وجهنا
…
الأثر.
وقال قرظة بن كعب
(1)
رضي الله عنه: شيعنا عمر إلى صرار
(2)
.
ومن عناية عمر رضي الله عنه بجنده وقواته ورحمته بهم، إعطاؤهم حقوقهم، وواجباتهم، وعدم حرمانهم من أهلهم وقراباتهم، فكان رضي الله عنه يعقب بين الجيوش، فيأمر الجيش الذي كان مرابطاً بالقدوم، ويبعث مكانه غيره، وذلك في كل عام
(3)
.
وكان عمر رضي الله عنه يأمر قادة جيوش المسلمين بعدم تجمير
(4)
الجيوش.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (816).
(2)
تقدم التعريف بها في ص (589).
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 541. صحيح. قال: حدّثنا ابن عيينة عن بيان عن الشعبي عن قرظة، قال: شيعنا
…
الأثر.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 5/ 291، 292، أبو داود / السنن 3/ 138، البيهقي / السنن الكبرى 9/ 29. صحيح من طريق أبي داود.
قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، ثنا إبراهيم بن سعد، ثنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري أن جيشاً
…
ولعل ذلك كان قبل أن يأمر عمر رضي الله عنه بأن لا تحبس الجيوش فوق ستة أشهر كما تقدم ذلك بسند حسن في ص (975).
(4)
تجمير الجند: أن يحبسهم في أرض العدو، ولا يقفلهم من الثغر. ابن منظور / لسان العرب 2/ 351.
قال رضي الله عنه: ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض
(1)
فتضيعوهم
(2)
.
ومن عناية عمر رضي الله عنه بجنده تجنيبهم المهالك والمخاطر.
عن فضيل بن زيد الرقاشي
(3)
قال: سرت سرية على عهد عمر رضي الله عنه على أرجلهم، فأعيا رجل منهم، فأرادوا أن يقيموا عليه، فرفض أمير السرية، فنادى يا عمراه، فمضوا وتركوه، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فكتب إلى أبي موسى رضي الله عنه، أن ابعث إلي بالرجل، فبعث به إليه، فأخذ قناة فجعل يضربه بها، ويقول: يقول لك
(1)
الغياض: جمع غيضة، وهي الشجر الملتف، لأن الجند إذا نزلوها تفرقوا، فتمكن منهم العدو. المصدر السابق 10/ 158.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 280، 281، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 461، البلاذري / أنساب الأشراف ص 182، 186، الطبري / التاريخ 2/ 567. صحيح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن الربيع بن زياد الحارثي.
والربيع بن زياد الراوي عن عمر رضي الله عنه، ذكره ابن حجر في الإصابة 1/ 504، 505، وقال: قال أبو عمر: له صحبة، ولا أعرف له رواية، وذكره البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان في التابعين.
(3)
فضيل بن زيد الرقاشي، ثقة، روى عن عمر رضي الله عنه. ابن أبي حاتم / الجرح والتعديل 7/ 72.
الرجل انتظرني، فتذهب وتتركه، فينادي: يا عمراه؟ فجعل يعتذر إليه، فقال عمر: والله لصلاح رجل من المسلمين أحب إلي من هلاك كذا وكذا من أهل الشرك
(1)
.
وروي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على أنه كان يكره ركوب الجيش البحر خوفاً من هلاكهم.
روي أنه رضي الله عنه قال: عجبت لراكب البحر
(2)
.
وروي أنه قال رضي الله عنه: لا يسألني عن ركوب المسلمين البحر أبداً
(3)
.
(1)
رواه الشافعي/ المسندص 317، سعيد بن منصور/ السنن الأعظمي 2/ 225، 226، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 496، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 28، 29. صحيح من طريق ابن شبة.
قال: حدّثنا زهير بن حرب، قال: حدّثنا جرير عن عاصم عن فضيل بن زيد الرقاشي.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 213، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 284، ورجال إسناده ثقات وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وروي أنه رضي الله عنه عرض عليه أن يحمل جيشاً في السفن في البحر، فقال: أحمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على لوح، فأغرقهم، لا والله لا أفعل
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص يسأله عن ركوب البحر، فقال عمرو في جوابه لعمر: دود على عود، فإن انكسر العود، هلك الدود، فكره عمر أن يحملهم في البحر، وأمسك عن ذلك
(2)
.
وروي أن عثمان بن أبي العاص
(3)
أخرج جيشاً في البحر، فبلغ عمر فقال: حمل ناساً ليس بينهم وبين الماء إلا الألواح، والذي نفسي بيده لئن هلكوا لآخذن عدتهم من ثقيف
(4)
.
(1)
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 183، وفي إسناده عقبة بن عبد الله الأصم، ضعيف، وربما دلس، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 285، البلاذري / أنساب الأشراف ص 183، ومداره على الواقدي، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم العدوي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(3)
تقدمت ترجمته في ص (679).
(4)
رواه البلاذري /فتوح البلدان ص 420، الطبراني /المعجم الكبير 9/ 32، وهو عند البلاذري من كلام علي بن محمد بن عبد الله بن أسيف، ولم أجد له ترجمة، وفيه عند الطبراني شيخه سهل بن موسى لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
ومن عناية عمر رضي الله عنه بالجند والاهتمام بهم تكريمهم والإشادة بأهل البلاء والفضل منهم.
قال أسلم مولى عمر رحمه الله: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً
(1)
، ولا لهم زرع، ولا ضرع
(2)
، وخشيت أن تأكلهم الضبع
(3)
، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير
(4)
كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يغني حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، فقال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها حاصرا حصناً زماناً، فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهامنا منه
(5)
.
(1)
الكراع: ما دون الكعب من الشاة، ومعناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه، وأنهم ليس لهم كراع فينضجونه. فتح الباري 7/ 446.
(2)
ليس لهم ضرع: أي ليس لهم ما يحلبونه. المصدر السابق.
(3)
تأكلهم الضبع: أي تهلكهم السنة المجدبة. المصدر السابق.
(4)
أي قوي الظهر، معد للحاجة. المصدر السابق.
(5)
رواه البخاري / الصحيح 3/ 43، أبو عبيد / الأموال ص 276، ابن زنجويه الأموال 2/ 570، البيهقي /السنن الكبرى 6/ 351.
وقسم عمر رضي الله عنه مروطاً
(1)
بين نساء من نساء المدينة، فبقي مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك، يريدون أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: أم سليط أحق.
وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد، قال أبو عبد الله: تزفر: تخيط
(2)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان بين يديه مال يقسمه، فرأى رجلاً في وجهه ضربة، فقال: ما هذه الضربة؟ قال: ضربتها في غزاة كذا وكذا، فقال عمر: عدوا له ألفاً، ثم حرك المال، ثم قال: عدوا له ألفاً، حتى عدوا أربعة آلاف، فاستحيا الرجل مما يعطيه، فذهب فحرك المال، فقال: أين الرجل؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، استحيى مما تعطيه، فذهب، فقال: لو مكث لأعطيته ما بقي بين يدي درهم، رجل ضرب في سبيل الله ضربة خفرت وجهه
(3)
.
(1)
المرط: كساء من خز أو صوف أو كتان، وقيل الثوب الأخضر، والمرط: كل ثوب غير مخيط. ابن منظور / لسان العرب 13/ 83.
(2)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 150، أبو عبيد / الأموال ص 54.
(3)
رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/ 262، ابن زنجويه / الأموال 2/ 570، ومداره على عبد الله بن عبيد بن عمير، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات. فالأثر ضعيف.
وروي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر رضي الله عنه في ثمانية عشر بختياً
(1)
أصابها، فكتب إليه عمر: أن ضعها في أشجع حي من العرب، فوضعها في بني رباح حي من بني تميم
(2)
.
ومن ذلك ما روي في تكريم عمر رضي الله عنه لعبد الله بن حذافة
(3)
رضي الله عنه حين أسره الروم، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال له الطاغية: هل لك أن تتنصر وأشركك في ملكي وسلطاني؟ فقال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكت العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت. قال: إذاً أقتلك، فأمر به، فصلب، وقال للرماة: ارموه قريباً من يديه، قريباً من رجليه، وهو يعرض عليه، وهو يأبى، ثم أمر به، فأنزل، ثم دعا بقدر،
(1)
البُخْتِّية: الأنثى من الجمال البخت، وهي جمال طوال الأعناق. ابو منظور / لسان العرب 1/ 328.
(2)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 414، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(3)
عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سُعيد بن سهم القرشي السهمي، من قدماء المهاجرين. مات بمصر في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. تق 300.
وصب فيها ماء حتى احترقت، ثم دعا بأسيرين من المسلمين، فأمر أحدهما فألقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية، وهو يأبى، ثم أمر به أن يلقى فيها، فلما ذهب به بكى، فقيل له: إنه بكى، فظن أنه رجع، فقال: ردوه، فعرض عليه النصرانية، فأبى، قال: فما أبكاك؟ قال: أبكاني أني قلت هي نفسي نفس واحدة تلقى هذه الساعة في هذا القدر، فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى هذا في الله عز وجل. قال الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟ قال عبد الله: وعن جميع أساري المسلمين. قال: وعن جميع أسارى المسلمين.
قال عبد الله: فقلت في نفسي عدو من أعداء الله أقبل رأسه، ويخلي عني وعن أسارى المسلمين، لا أبالي فدنا منه، وقبل رأسه، فدفع إليه الأسارى، فقدم بهم على عمر رضي الله عنه، فأخبر عمر بخبره، فقال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه
(1)
.
(1)
رواه ابن سعد / الطبقات 4/ 190، أبو العرب / المحن ص 383، 384، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 351/أ، البيهقي / شعب الإيمان 4/ 268، 269، ابن الجوزي / المنتظم 4/ 320، 321. ابن الأثير / أسد الغابة 3/ 143.
وهو عند ابن سعد من كلام الواقدي ولفظه مختصر، وفيه اختلاف، وهو: وكانت الروم قد أسرت عبد الله بن حذافة، فكتب فيه عمر بن الخطاب إلى قسطنطين فخلى عنه.
وفي إسناده عند أبي العرب شيخه يحيى بن عبد العزيز لم أجد له ترجمة، وفيه أيضاً عبد الله بن محمد من ولد عبد الله بن حذافة لم أعرفه، وهو الذي يروي قصة عبد الله بن حذافة وبقية رجاله ثقات.
وفيه عند أبي نعيم شيخ أبي نعيم، وشيخه لم أجد لهما ترجمة، وفيه عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، قال الذهبي: أحد الضعفاء، وقال: ضعفه ابن عدي وغيره. ميزان الاعتدال 2/ 488، وفيه عطاء بن عجلان الحنفي. متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب. تق 391.
ورواه ابن الجوزي وابن الأثير من طريق أبي نعيم.
وفيه عند البيهقي ضرار بن عمرو ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. التاريخ الكبير 4/ 340، الجرح والتعديل 4/ 265، ولعله الملطي الذي ذكر في شيوخ عبد العزيز بن مسلم القسملي، قال ابن معين: لا شيء، وقال الدولابي: فيه نظر. ميزان الاعتدال 2/ 328، وبقية رجال السند ثقات.
المسألة الثالثة: تجهيز الجيوش وشحن الثغور، وإعداد العدة.
وعمل عمر رضي الله عنه على إعداد الجيوش وتجهيزها، وشحن الثغور بها، وكان ذلك شغله الشاغل، وهمه الدائم حيث كانت الجيوش الإسلامية تقاتل عدواً شرساً يفوقها في العتاد والعدة في بلاد الفرس والروم.
قال عمر رضي الله عنه: إني لأجهز الجيوش وأنا في الصلاة
(1)
.
وكتب أبو عبيدة رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه يعلمه بكثرة جمع الروم، فهمه ذلك الأمر حتى كان لا يستطيع النوم من الليل
(2)
.
وكان رضي الله عنه يحث الناس على الخروج للقتال والجهاد في سبيل الله، ويمد بهم جنود المسلمين الملتحمة مع العدو.
قال الحارث بن لقيط النخعي
(3)
رحمه الله تعالى: قدمنا من اليمن، ونزلنا المدينة، فخرج علينا عمر، فطاف في النخع
(4)
، ونظر إليهم، فقال:
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 186. صحيح.
قال: حدّثنا حفص عن عاصم عن أبي عثمان النهدي، قال: قال عمر: إني
…
الأثر.
(2)
ذكره ابن كثير نقلاً عن ابن أبي الدنيا عن ابن أبي خيثمة زهير بن حرب، وسنده متصل ورجاله ثقات.
قال: ثم رواه أبي ابن أبي الدنيا عن خيثمة عن ابن مهدي عن مالك عن زيد ابن أسلم عن أبيه أن أبا عبيدة
…
الأثر.
قال ابن كثير رحمه الله: هذا صحيح عنه رضي الله عنه. فالأثر صحيح. مسند الفاروق /1/ 184.
(3)
تقدمت ترجمته في ص (1013).
(4)
النّخع: بطن من مذحج من القحطانية. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/ 1176.
يا معشر النخع إني أرى الشرف فيكم متربعاً، فعليكم بالعراق وجموع فارس، فقلنا: يا أمير المؤمنين، لا بل الشام نريد الهجرة إليها، قال: لا بل العراق، فإني قد رضيتها لكم، قال: حتى قال بعضنا: يا أمير المؤمنين، لا إكراه في الدين. قال: فلا إكراه في الدين عليكم بالعراق فيها جموع العجم. قال لقيط: ونحن ألفان وخمسمائة، فأتينا القادسية
…
الأثر
(1)
.
وقال عمر رضي الله عنه لسعد بن عبيد القاري
(2)
، وكان لقي عدواً، فانهزم منهم: هل لك في الشام لعل الله يمن عليك، قال: لا إلا الذين فررت منهم، فشهد القادسية، وخطبهم، فقال: إنا لاقوا العدو إن شاء الله غداً، وإنا مستشهدون فلا تغسلوا عنا دماً، ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا
(3)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى جنده بالعراق، وهو يعد
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 553، 554. صحيح.
قال: حدّثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا حنش بن الحارث، قال: سمعت أبي يذكر، قال: قدمنا من اليمن
…
الأثر.
(2)
سعد بن عبيد الزهري، يكنى أبا عبيد، ثقة من الثانية، وقيل له إدراك. تق 231.
(3)
رواه عبد الرزاق / المصنف 3/ 543. صحيح.
قال: عن الثوري عن قيس بن مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعد ابن عبيد وكان يدعى في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم القاري.
لقتال الفرس بالقادسية، لا تدعوا في ربيعة
(1)
أحداً، ولا مضر
(2)
، ولا حلفائهم أحداً من أهل النجدات، ولا فارساً إلا جلبتموه، فإن جاء طائعاً، وإلا حشرتموه، احملوا العرب على الجد إذا جد العجم، فلتقوا جدهم بجدكم
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه قال: لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، فلم يدع رئيساً، ولا ذا رأي، ولا ذا شرف، ولا ذا سطة، ولا خطيباً، ولا شاعراً إلا رماهم به، فرماهم بوجوه الناس
(4)
.
وروي أنه ندب الناس إلى العراق، فجعلوا يتحامونه، ويتثاقلون عنه حتى هم أن يغزو بنفسه
(5)
.
(1)
ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، شعب عظيم، فيه قبائل عظام، وبطون وأفخاذ، ويعرف بربيعة الفرس. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 2/ 424.
(2)
مضر بن نزار بن معد بن عدنان، قبيلة عظيمة من العدنانية، وكانوا أهل الكثرة والغلبة بالحجاز، وكانت لهم رئاسة مكة، ويجمعهم فخذان عظيمان، خندف وقيس. المرجع السابق 3/ 1107.
(3)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 379 - 398. من طريق شعيب عن سيف، فالخبر ضعيف.
(4)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 385 بالطريق السابق.
(5)
رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 153، الطبري / التاريخ 2/ 360، 363، وهو عند البلاذري من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى، قال الذهبي: إخباري تالف، لا يوثق به. ميزان الاعتدال 3/ 419، وهو عند الطبري من رواية شعيب عن سيف، فالخبر ضعيف.
وعمل عمر رضي الله عنه على شحن الثغور بالقوات لمواجهة أي خطر يهدد الدولة الإسلامية، ووضع الحاميات بها، فكانت كل حامية ترابط مدة من الزمان ثم تعود، وتعقبها أخرى كما تقدم ذكر ذلك
(1)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في وضع الحاميات على الثغور أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة أن رتب بأنطاكية
(2)
جماعة من المسلمين أهل نيات وحسبة، واجعلهم بها مرابطة، ولا تحبس عنهم العطاء وذلك بعد أن فتحها المسلمون
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه كان يبعث في كل سنة غازية من أهل
(1)
انظر ص: (1073).
(2)
تقدم التعريف بها في ص: (735).
(3)
رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 153، وفي إسناده محمد بن سهم الأنطاكي، وشيخه أبو صالح الفراء، لم أجد لهما ترجمة، وفيه مخلد بن الحسين، لعله البصري، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 8/ 347، وذكره ابن حبان في الثقات 9/ 285، وفيه إبهام من روى عنهم حيث قال: سمعت مشايخ الثغر. فالأثر ضعيف.
المدينة ترابط بالإسكندرية
(1)
.
واهتم عمر رضي الله عنه بالخيل والإبل وإعدادها للمقاتلة، وإمدادهم بها، وربما وهبها لهم تكريماً لهم وتشجيعاً على الجهاد في سبيل الله.
قال ربيعة بن عبد الله بن الهدير رحمه الله
(2)
: كان عمر رضي الله عنه إذا حمل على فرس أو بعير في سبيل الله قال: إذا جاوزت وادي القرى
(3)
أو مثلها من طريق مصر، فاصنع بها ما بدا لك
(4)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في اتخاذ الخيل للمجاهدين في سبيل الله أن عمر رضي الله عنه كان له أربعة آلاف فرس على أري
(5)
(1)
رواه ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 192، وفي إسناده ابن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وهو معضل من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (303).
(3)
وادي القرى: يعرف اليوم بوادي العلا، مدينة عامرة، شمال المدينة على قرابة 350 كم. عاتق البلاذري / معجم المعالم الجغرافية ص 250.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 522. صحيح.
قال: حدّثنا أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر عن محمّد بن المنكدر عن ربيعة ابن عبد الله بن الهدير، قال: كان عمر
…
الأثر.
(5)
أَري: محبس الدابة، ومرابضها ومعلفها. ابن منظور / لسان العرب 1/ 126، 127.
بالكوفة موسومة على أفخاذها في سبيل الله، فإن كان في عطاء الرجل حقه، أو كان محتاجاً أعطاه الفرس، ثم قال: إن أجريته فأعييته أو ضيعته، فأنت ضامن، وإن قاتلت عليه، فأصيب أو أصبت، فليس عليك شيء
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 475، الطبري / التاريخ 2/ 482، 483، 571، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة أبو سعيد لعله البقال. ضعيف مدلس تق 341، وهو منقطع من رواية محمد بن عبد الله الثقفي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، وهو عند الطبري من طريق شعيب عن سيف، ورواه من طريق آخر وفيه الواقدي. فالأثر ضعيف.
المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه:
لقد جاءت عن عمر رضي الله عنه عدة نصوص تبين الأصول والآداب التي ينبغي للمجاهد والمقاتل أن يسير عليها، وأن يتحلى بها قائداً كان أو جندياً، حتى يكون مجاهداً مثالياً في دينه، وخلقه، بارعاً في قتاله، ومنازلته العدو، كما أراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فمن المبادئ الهامة في القتال والتي عمل بها عمر رضي الله عنه مبدأ الشورى، وهو مبدأ حض عليه القرآن الكريم، والسنة، وذلك لما للشورى من أهمية بالغة في استجلاء الحقيقة، ومعرفة الصواب والحق، والبعد عن التعجل والتهور، واتخاذ القرارات الفردية العشوائية.
فقد شاور عمر رضي الله عنه الهرمزان
(1)
في قتال الفرس، لعلمه ببلاد فارس، ومدنها وطبيعتها الجغرافية، ومراكز القوة والضعف فيها، ولأن الهرمزان كان قائداً عسكرياً ذا خبرة قتالية وعسكرية لا يستهان بها، فاستشاره عمر رضي الله عنه أيبدأ بقتال فارس أم أصبهان
(2)
أم أذربيجان
(3)
، فقال الهرمزان: أصبهان الرأس وفارس وأذربيجان الجناحان،
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 243.
(2)
تقد التعريف بها في ص: 611.
(3)
تقدم التعريف بها في ص: 612.
فإن قطعت أحد الجناحين، مال الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فابدأ بالرأس، فأخذ عمر رضي الله عنه بقوله، فأمر النعمان بن مقرن المزني
(1)
رضي الله عنه بالتوجه لقتال الفرس بنهاوند
(2)
، ومعه الزبير بن العوام، وعمرو بن معدي كرب
(3)
، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر والأشعث بن قيس
(4)
.
ومن المبادئ الأساسية التي حض عليها عمر رضي الله عنه المجاهدين إخلاص النية لله عز وجل، وأن يبتغوا بجهادهم وجه الله، وإعلاء دينه، قال رضي الله عنه، وهو يبين أن من لم يخلص نيته لله عز وجل في جهاده، وكان غرضه دنيوياً، فإنه لن ينال ما أعده الله عز وجل للمجاهدين: وأخرى تقولونها لمن قتل في مغازيكم أو مات فلان شهيداً،
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 642.
(2)
تقدم التعريف بها في ص: (643.
(3)
عمرو بن معدي كرب بن عبد الله بن عمرو الزبيدي، قال ابن ماكولا: له صحبة، ارتد يوم مات النبي r، ثم عاد إلى الإسلام، وله بلاء حسن يوم القادسية، وشهد فتوح العراق والشام. ابن حجر / الإصابة 3/ 18، 19.
(4)
الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، أبو محمد، الصحابي رضي الله عنه. تق 113.
صحيح. تقدم تخريجه في ص: 612.
ولعله أن يكون قد أوقر عجز دابته، أو دف
(1)
راحلته ذهباً أو ورقاً يطلب التجارة، فلا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل في سبيل الله أو مات فهو في الجنة
(2)
.
وبين عمر رضي الله عنه أنه ينبغي للمجاهد أن تكون نيته من جهاده هو إعلاء كلمة الله عز وجل، ونصرة دينه وإذلال الكفر وأهله، وليس مجرد أن يقتل في سبيل الله، قال رضي الله عنه: لأن أموت على فراشي صابراً محتسباً أحب إلي من أن أقدم على القوم، ولا أريد إلا أن يقتلوني، أوليس الله يأتي بالشهادة؟!
(3)
.
(1)
دفُّ الرحل: جانب كور البعير وهو سرجه. ابن منظور / لسان العرب 4/ 371.
(2)
رواه النسائي / السنن 6/ 117 - 119، الحاكم / المستدرك 2/ 109، البيهقي / السنن الكبرى 6/ 332، 9/ 168. صحيح من طريق النسائي.
قال: أخبرنا عليّ بن حجر بن إياس بن مقاتل بن مشمرخ بن خالد، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب وابن عون وسلمة بن علقمة وهشام بن حسان دخل حديث بعضهم في بعض عن محمّد بن سيرين نبئت عن أبي العجفاء، وقال: الآخرون: عن محمّد بن سيرين عن أبي العجفاء، قال: قال عمر:
…
الأثر. وصحّحه الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 705.
(3)
رواه الفزاري / السير ص 213، عبد الرزاق / المصنف 5/ 262. صحيح من طريق الفزاري.
قال: عن سفيان عن واصل الأسدي، قال: سمعت المعرور بن سويد يقول: سمعت عمر بن الخطاب
…
الأثر.
ومن المبادئ الهامة التي حرص عمر رضي الله عنه على ترسيخها في نفوس المجاهدين، أن يكون تعلقهم بالله عز وجل، واعتمادهم عليه، وأن لا يغتروا بقوتهم أو حنكة وخبرة قادتهم.
فقد كان من أسباب عزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد، اغترار الناس به حتى خشي عمر رضي الله عنه أن يعتقد الناس أن النصر مقترن به، وبقيادته فتتعلق قلوبهم به دون الله عز وجل.
قال رضي الله عنه بعد أن عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة جيوش المسلمين بالشام، وولى أبا عبيدة رضي الله عنه، وجاءته البشارة بنصر المسلمين، وهزيمة الروم، قال: الله أكبر رب قائل لو كان خالد بن الوليد
(1)
.
وقال رضي الله عنه: لأنزعن خالد بن الوليد والمثنى مثنى بني شيبان حتى يعلما أن الله كان ينصر عباده، وليس إياهما كان ينصر
(2)
.
وقد نبه عمر رضي الله عنه جنده، وقواته إلى أمور وأصول هامة،
(1)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 829، ورجال إسناده ثقات سوى هشام بن سعد صدوق له أوهام، يروي عن زيد بن أسلم، وهو من أثبت الناس فيه. فالأثر صحيح.
(2)
تقدم تخريجه في ص: 732.
لا غنى للمقاتل عن معرفتها، والعمل بها في ساحة القتال لأنها من أسباب النصر، وقهر العدو، وهي:
1 - الصبر والاعتماد على الله عز وجل، وعدم اليأس من رحمة الله وقرب فرجه ونصره.
كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه لما حصر وجنده بالشام، وأصابهم جهد شديد: سلام عليكم، أما بعد، فإنه لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها فرجاً، ولن يغلب عسر يسرين، وكتب إليه:{يأ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
(1)
.
(1)
سورة آل عمران الآية (200).
رواه مالك/ الموطأ 1/ 379، وابن أبي شيبة/ المصنف 7/ 8، 9، وأحمد/ المسند 1/ 49، وابن حبان/ الصحيح 7/ 130، 131، والحاكم/ المستدرك 2/ 300، 301، والمقدسي/ المختارة 1/ 377، 378.
وسنده عند مالك منقطع من روايته عن زيد بن أسلم، وهو ثقة من الثالثة. روايته عن عمر منقطعة.
وإسناده عند ابن أبي شيبة متّصل ورجاله ثقات سوى هشام بن سعد فهو صدوق له أوهام. وهو يروي عن زيد بن أسلم، وهو من أثبت الناس فيه.
وإسناده عند أحمد كذلك متّصل، ورجاله ثقات سوى سماك بن حرب، فهو صدوق تغير بآخره فكان ربما تلقن تق:255. ولكن رواية الثوري عنه قديمة وهي صحيحة مستقيمة وهو هنا يروي عنه. انظر: الكواكب النيرات ص: 237 - 240.
وراه الحاكم من طريق هشام بن سعد به مثله عند ابن أبي شيبة. ورواه المقدسي من طريق آخر. فالأثر صحيح لغيره بطرقه.
2 - الاستبسال في الجهاد، فقد أثنى عمر رضي الله عنه على من تحلى بذلك.
قدم الرسول إلى عمر رضي الله عنه، بنعي النعمان بن مقرن المزني رضي الله عنه، فسأله عمر رضي الله عنه عن الناس. فقال: أصيب فلان وفلان آخرون لا أعرفهم. فقال عمر: لكن الله يعرفهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ورجل شرى نفسه، فقال مدرك بن عوف
(1)
: ذلك والله خالي يا أمير المؤمنين، زعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كذب أولئك، ولكنه ممن شرى الآخرة بالدنيا
(2)
.
3 - التقوي على مجاهدة العدو.
فقد حث رضي الله عنه جنده على تقوية أبدانهم في أرض القتال
(1)
مدرك بن عوف البجلي الأحمسي، ذكره جعفر المستغفري وقال: له صحبة، وسبقه ابن حبان، فذكره في الصحابة، ثم ذكره في التابعين، وقال أبو عمر: مختلف في صحبته. ابن حجر / الإصابة 3/ 394.
(2)
رواه الفزاري / السير ص 208، 209، ابن أبي شيبة / المصنف 4/ 208، الفسوي / المعرفة والتاريخ 2/ 230، ومداره على مدرك بن عوف المتقدم ذكره، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر صحيح.
حتى يتمكنوا من مقاومة العدو، ومن ذلك أمره رضي الله عنه لجنده بالإفطار في رمضان، وكانوا يحاصرون حصناً للعدو
(1)
.
ومن التوجيهات الهامة التي وجه إليها عمر رضي الله عنه قادة جيشه، عدم المغامرة وتعريض قوات المسلمين للمخاطر والمهالك، والعمل على الإقلال من الخسائر البشرية بقدر المستطاع.
ومن ذلك إعلامه رضي الله عنه بجنده وقادتهم أن تراجعهم عن مواجهة العدو في أرض المعركة وانسحابهم إلى ديار المسلمين عند إحساسهم بعدم تكافء كفة القتال، وشعورهم بالخطر المحقق، أن ذلك
(1)
رواه عبد الرزاق / المصنف 5/ 302، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 462، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات، ولكنه منقطع من رواية سعيد بن جبير عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ولفظه: كتب عمر رضي الله عنه إلى قوم محاصرين العدو في رمضان ألا تصوموا، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة معاوية بن هشام، صدوق له أوهام. تق 538، وفيه البراء بن قيس الراوي عن عمر رضي الله عنه، ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. التاريخ الكبير 2/ 117، الجرح والتعديل 2/ 399، وذكره ابن حبان في الثقات 4/ 77، وبقية رجاله ثقات، ولفظه: عن البراء بن قيس قال: أرسلني عمر بن الخطاب إلى سلمان بن ربيعة آمره أن يفطر وهو محاصر. ففي الأثر تصريح بسماع البراء من عمر، والسند إليه حسن. فالخبر حسن إن شاء الله.
لا يعد فراراً من الزحف، وإنما هو من الرجوع إلى فئة، كما قال تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
(1)
.
فلما بلغ عمر رضي الله عنه مقتل أبي عبيد الثقفي
(2)
رضي الله عنه قائد موقعة الجسر
(3)
، وهزيمة جيشه، قال: إن كنت له فئة لو انحاز إلي
(4)
.
ولما رجع بعض جيشه إلى المدينة قال لهم عمر رضي الله عنه: أنا فئتكم
(5)
.
(1)
سورة الأنفال الآية (16).
(2)
أبو عبيد بن مسعود الثقفي قال ابن عبد البر: لا أعلم له رواية شيء، قتل هو وابنه جبر في صدر خلافة عمر رضي الله عنه يوم الجسر. الاستيعاب 4/ 271.
(3)
كانت موقعة الجسر في آخر شهر رمضان وأول شوال سنة ثلاثة عشر، في قس الناطف على شاطئ الفرات. خليفة بن خياط / التاريخ ص 154.
(4)
رواه عبد الرزاق / التفسير 1/ 155، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 541، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات، وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الطبقة الرابعة، وهو عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره.
(5)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 542، 549. صحيح.
قال: حدّثنا معاذ بن معاذ، قال: ثنا التيمي عن أبي عثمان، قال: لما قتل أبو عبيد
…
الأثر.
وأمر عمر رضي الله عنه قادة جيشه بعدم المغامرة بأنفسهم، وحذرهم من نزول الأماكن التي يمكن أن يكمن لهم فيها عدوهم، ويفرق جمعهم، وذلك كالغابات الكثيفة الشجر، والمستنقعات المائية، ونحوها، قال رضي الله عنه وهو يوصي قادة جيشه بجند المسلمين: ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم
(1)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في عدم الإقدام على المهالك، أنه قال: لا تستعملوا البراء بن مالك
(2)
على جيش من جيوش المسلمين، فإنه مهلكة من الهَلك يقدم بهم
(3)
.
ومن المبادئ التي روي عن رضي الله عنه توجيه قادته للتحلي بها هو التريث والتعقل والتؤدة في إدارة العمليات العسكرية، ولا شك أن هذا المبدأ مبدأ في غاية الأهمية، وما ثبت عن عمر رضي الله عنه من أخذه
(1)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: (1074).
(2)
البراء بن مالك بن النضر الأنصاري رضي الله عنه، أخو أنس بن مالك لأبيه، وأمه، شهد أحداً وما بعدها من المشاهد مع رسول الله r. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/ 237.
(3)
رواه ابن سعد / الطبقات 7/ 16، ورجاله ثقات سوى عمرو بن عاصم، فهو صدوق، وهو منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
بمبدأ الشورى
(1)
في القتال يدل عليه.
فالقائد الذي يشاور أصحابه، وأهل الرأي منهم، يبعد عنه التعجل والتهور، واتخاذ القرارات الفردية، ويكون أقرب إلى الصواب والحق.
روي عنه رضي الله عنه أنه لما بعث أبا عبيد إلى العراق، بعث معه سليط بن عمرو الأنصاري
(2)
رضي الله عنه، وقال له: لولا عجلة فيك لوليتك، ولكن الحرب زبون
(3)
لا يصلح لها إلا الرجل المكيث
(4)
.
وقد أمر عمر رضي الله عنه قادته وجنده وأوصاهم ببعض الآداب التي ينبغي أن يتحلوا بها في تعاملهم مع عدوهم في أرض المعركة.
وهي آداب أمر بها الله عز وجل في كتابه العزيز، وعمل بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1)
انظر ص: (1088).
(2)
سليط بن قيس بن عمرو النجاري الأنصاري، شهد بدراً، وما بعدها من المشاهد كلها، وقتل يوم جسر أبي عبيد. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/ 206.
(3)
زبون: أي تزبن الناس أي تصدمهم وتدفعهم، وقيل معناه أن بعض أهلها يدفع بعضهم بعضاً لكثرتهم. ابن منظور / لسان العرب 6/ 16.
(4)
رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 251، الطبري / التاريخ 2/ 361، وهو عند البلاذري من غير إسناد حيث قال: قالوا
…
، وعند الطبري من طريق شعيب عن سيف. فالأثر ضيعف.
ومن تلك الآداب دعوة العدو من أهل الكتاب ومن يلحق بهم إلى الإسلام قبل القتال فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالقتال.
قال رضي الله عنه وهو يوصي سلمة بن قيس الأشجعي
(1)
رضي الله عنه أحد قادته لقتال الفرس: وإذا انتهيت إلى القوم فادعهم إلى الإسلام والجهاد، فإن قبلوا فهم منكم، فلهم مالكم، وعليهم ما عليكم، وإن أبوا فادعهم إلى الإسلام بلا جهاد، فإن قبلوا فاقبل منهم، وأعلمهم أنه لا نصيب لهم في الفيء، فإن أبوا فادعهم إلى الجزية، فإن قبلوا فضع عنهم بقدر طاقتهم، وضع فيهم جيشاً يقاتل من روائهم، وخلهم وما وضعت عليهم، فإن أبوا فقاتلهم
(2)
.
ومن آداب القتال التي حث عمر رضي الله جنده على التخلق بها أثناء القتال، عدم الغدر بالعدو بعد إعطائه الأمان، قال رضي الله عنه لجنده: ولا تغدروا
(3)
.
وقد أوضح رضي الله عنه لجنده وقادتهم أن إعطاء الأمان يكون أماناً باللفظ الدال عليه سواء كان بالعربية أم بغيرها.
قال رضي الله عنه: إذا قال الرجل للرجل: لا تخف فقد أمنه، وإذا
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (264).
(2)
صحيح، تقدم الكلام عليه في ص:(266). وهو جزء من خبر سلمة حينما قدم المدينة وعمر يطعم الناس.
(3)
هذا جزء من خبر سلمة بن قيس المتقدم ذكره.
قال: مطرس، فقد أمنه، وإذا قال: لا تدحل
(1)
فقد أمنه، فإن الله يعلم الألسنة
(2)
.
وأجاز عمر رضي الله عنه أمان العبد، وبين رضي الله عنه أنه لا فرق بين أن يؤمن العدو حر أو عبد من المسلمين، وإليك هذه القصة الدالة على ذلك، وفيها دلالة أيضاً على شدة تحري عمر رضي الله عنه العدل وترك الظلم حتى مع أعداء الإسلام، وفيها دلالة واضحة على الهدف السامي، والغاية النبيلة من الفتح الإسلامي، وهي نشر الدين وليس نهب خيرات البلاد المفتوحة، وسبي ذراريها ونسائها.
قال فضيل بن زيد الرقاشي رضي الله عنه
(3)
، وكان غزا على عهد عمر رضي الله عنه سبع غزوات: بعث عمر جيشاً، فكنت في ذلك الجيش،
(1)
دَحَل، قال ابن منظور: قال شمر: سمعت علي بن مصعب يقول: لا تدحل بالنبطية، أي لا تخف. لسان العرب 4/ 302.
(2)
رواه مالك/ الموطأ 1/ 358، عبد الرزاق/ المصنف 5/ 219، سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/ 230، صحيح من طريق سعيد.
قال: نا أبو شهاب عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: أتانا كتاب عمر
…
الأثر.
ورواه أيضاً فقال: نا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق.
(3)
تقدمت ترجمته في ص: (1074).
فحاصرنا أهل سيراف
(1)
، فلما رأينا أنا سنفتحها من يومنا ذلك، قلنا: نرجع فنقيل ثم نخرج فنفتحها، فلما رجعنا تخلف عبد من عبيد المسلمين فراطنوه فراطنهم، فكتب لهم كتاباً في صحيفة ثم شده في سهم، فرمى به إليهم، فخرجوا، فلما رجعنا من العشي وجدناهم قد خرجوا، قلنا لهم ما لكم؟ قالوا: أمنتمونا، قلنا: ما فعلنا، إنما الذي أمنكم عبد لا يقدر على شيء، فارجعوا حتى نكتب إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: ما نعرف عبد كم من حركم، ما نحن براجعين، إن شئتم فاقتلونا، وإن شئتم قفوا لنا.
قال: فكتبنا إلى عمر فكتب إلينا: إن عبد المسلمين من المسلمين ذمته ذمتهم، فأجاز عمر أمانه
(2)
.
(1)
سِيرَاف: مدينة جليلة على ساحل بحر فارس، وبين سيراف والبصرة، إذا طاب الهواء سبعة أيام، ومن سيراف إلى شيراز ستون فرسخاً. ياقوت الحموي / معجم البلدان 2/ 294، 295. وفي المنجد سيراف: بلدة قديمة في إيران على الخليج خربتها الزلازل. الأعلام ص: (320).
(2)
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 140، سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/ 233، ابن أبي شيبة / المصنف 6/ 510. صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عاصم الأحول عن فضيل بن زيد الرقاشي وقد كان غزا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
…
الأثر.
ومن تلك الآداب عدم التمثيل بالقتلى، والنهي عن قتل الصبيان والنساء والشيوخ.
قال رضي الله عنه: ولا تمثلوا، ولا تقتلوا امرأة، ولا صبياً، ولا شيخاً هِمًّا
(1)
.
ومن الآداب التي حث عمر رضي الله عنه جنده بعد فراغهم من القتال ونصرهم على عدوهم عدم الغلول من الغنيمة والأخذ منها قبل قسمتها، وأخذ كل مقاتل سهمه الذي قرره كتاب الله عز وجل وسنة نبيه
(2)
صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من العدوان على حق الله عز وجل ورسوله في الفيء أولاً، وعلى حقوق جند المسلمين ثانياً.
هذا ما أردت كتابته فيما يتعلق بالنواحي الجهادية، وأشير هنا إلى أني لم أتطرق لمسألة قادة عمر رضي الله عنه العسكريين، وذلك لأن كبار قادة عمر رضي الله عنه الذين أوكل إليهم مهمة قيادة جيوش المسلمين الفاتحة، كانوا هم ولاة عمر رضي الله عنه في البلاد المفتوحة، كولاة العراق، والشام، ومصر أو ولاة المناطق القريبة من مناطق الفتح كعمان والبحرين، وقد تقدم ذكرهم في مبحث الولاة.
(1)
الهِمُّ: الشيخ الكبير البالي. ابن منظور / لسان العرب 15/ 138.
وهذا الأثر صحيح. تقدم تخريجه في ص 266 وهو جزء من أثر سلمة بن قيس.
(2)
ورد ذلك في جزء من الأثر المتقدم.
وفاة عمر رضي الله عنه واستشهاده.
إن الاستشهاد في سبيل الله مطلب نبيل، وغاية سامية يتطلع إليها كل مؤمن صادق الإيمان، موقن بما أعده الله عز وجل للشهداء في سبيله من عظيم الكرامات، ورفيع الدرجات في دار رضوانه، كما قال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّلِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}
(1)
.
ولقد كان عمر رضي الله عنه يسأل الله عز وجل الشهادة في سبيله، وأن يجعل موته في بلد رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال رضي الله عنه: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك
(2)
.
وفي رواية أنه قال: اللهم ارزقني قتلاً في سبيلك، ووفاة في بلد نبيك، فقالت حفصة رضي الله عنها: وأنى ذلك؟! فقال رضي الله عنه: إن الله يأتي بأمره أنى شاء
(3)
.
(1)
سورة النساء، الآية (69).
(2)
رواه البخاري / الصحيح 1/ 323.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 331، ورجاله ما بين ثقة وصدوق. فالأثر حسن.
قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنها سمعت أباها يقول
…
الأثر.
وكان رضي الله عنه يدعو بذلك مع بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بحيازة هذه المرتبة العظيمة، والمنزلة الرفيعة، وذلك لحرصه الشديد على الشهادة رضي الله عنه.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال: اثبت أحد، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان
(1)
.
ومكن الله عز وجل لعمر رضي الله عنه في الأرض، وفتح على يديه الفتوحات العظيمة، وانتشرت رعيته، وكبرت سنه رضي الله عنه، فأحس بدنو أجله وانقضاء أيامه، قال رضي الله عنه لما قفل من آخر حجة حجها بعد أن أناخ بالأبطح، وكوم كومة من البطحاء ثم طرح عليها رداءه، واستلقى عليها، ومد يديه إلى السماء: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع
(2)
.
وكان يدعو فيقول: اللهم توفني مع الأبرار، ولا تخلفني في الأشرار، وألحقني بالأخيار
(3)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 294، 295، 297.
(2)
حسن لغيره، تقدم الكلام عليه في ص: 580، 581.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 331، البخاري/ الأدب المفرد ص:220. صحيح من طريق البخاري.
قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا عمرون بن عبد الله أبو معاوية، قال: حدّثنا مهاجر أبو الحسن عن عمرو بن ميمون عن عمر أنه كان يدعو
…
الأثر.
ولما دنا أجله رضي الله عنه رأى رؤيا زادت من يقينه بدنو أجله.
خطب رضي الله عنه يوم الجمعة، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر ثم قال: إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي
(1)
.
ورأى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه رؤيا أحزنته، وأولها بوفاة عمر رضي الله عنه.
قال رضي الله عنه: رأيت كأني أخذت جواداً كثيرة، فاضمحلت حتى بقيت جادة واحدة، فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقه، وإلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله أمير المؤمنين.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه لأبي موسى: ألا تكتب بهذا إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعي له نفسه
(2)
.
(1)
رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 5/ 51 - 54، ابن سعد/ الطبقات 3/ 335 - 337.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 332، البلاذري / أنساب الأشراف ص 335، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 347. صحيح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري، قال: رأيت
…
الأثر.
ودنت ساعة القدر المحتوم التي أصيب فيها الصحابي الجليل، والخليفة العظيم، وهو يصلي صلاة الفجر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تقدم رضي الله عنه ليؤم الناس، فجعل رضي الله عنه يسوي الصفوف، ويقول: استووا، حتى اطمئن إلى عدم وجود الخلل، تقدم، فكبر رضي الله عنه، ودخل في الصلاة، فباغته أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله بيده الغادرة، وقد امتلأ صدره حقداً وغيظاً عليه رضي الله عنه فطعنه بسكين ذي طرفين، فسمعه مَن خلفه يقول: قتلني أو أكلني الكلب، وطعن أبو لؤلؤة لعنه الله وهو يحاول الهرب ثلاثة عشر رجلاً من المسلمين، فمات منهم سبعة، ثم نحر نفسه بعد أن ألقى عليه أحد المسلمين برنساً
(1)
، وظن أنه قد أخذ، فأخذ عمر رضي الله عنه بيد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة، فلما انصرف الناس من الصلاة، قال عمر رضي الله عنه لعبد الله بن عباس رضي الله عنه: انظر من قتلني، فجال في الناس ساعة، ثم جاء، فقال: غلام المغيرة
(2)
.
قال: الصَّنَعُ؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفاً
(3)
، ثم قال عمر: الحمد الله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، ثم
(1)
البُرْنُس: كل ثوب رأسه منه، ملتزق به. ابن منظور / لسان العرب 1/ 393.
(2)
هو ابن شعبة رضي الله عنه.
(3)
وجاء في رواية عند ابن سعد أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ضرب لغلامه أبي لؤلؤة لعنه الله عشرين ومائة درهم كل شهر، أربعة دراهم كل يوم، وكان خبيثاً إذا نظر إلى السبي الصغار، يأتي فيمسح رؤوسهم ويبكي ويقول: إن العرب أكلت كبدي، فلما قدم عمر من مكة جاء أبو لؤلؤة إلى عمر يريده، فوجده غادياً إلى السوق، وهو متكئ على يد عبد الله بن الزبير، فقال: يا أمير المؤمنين، إن سيدي المغيرة يكلفني ما لا أطيق من الضريبة. قال عمر: وكم كلفك؟ قال: أربعة دراهم كل يوم، قال: وما تعمل؟ قال: الأرحاء، وسكت عن سائر أعماله، فقال: في كم تعمل الرحى؟ فأخبره، قال: وبكم تبيعها؟ فأخبره، فقال: لقد كلفك يسيراً، انطلق فاعط مولاك ما سألك، فلما ولى قال عمر: ألا تجعل لنا رحى؟ قال: بلى، أجعل لك رحى يتحدث بها أهل الأمصار، ففزع عمر من كلمته. الطبقات الكبرى 3/ 347، من طريق الواقدي، ورواه من طريق آخر بإسناد حسن لكنه منقطع من رواية الزهري عن عمر بلفظ مقارب وفيه طول 3/ 345.
احتمل رضي الله عنه إلى بيته وأصاب الناس من الحزن والغم وكأنهم لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ.
فقائل يقول: لا بأس، وقال يقول: أخاف عليه، فأتى رضي الله عنه بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتى بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت
(1)
.
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه قال بعد أن علم بقاتله: الحمد الله الذي لم يبتلني بأحد يحاجني بقول لا إله إلا اله، أما نهيتكم أن تجلبوا
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 299.
إلينا من العلوج أحداً فغصبتموني
(1)
.
ولم يمنع عمر رضي الله عنه توكله على ربه عز وجل، وإيمانه المطلق بقضائه، وقدره وغلبة ظنه بحضور أجله، لم يمنعه ذلك من أن يعرض نفسه على الأطباء لعل أن يكون عندهم دواءٌ شافٍ.
فبعد أن طعن رضي الله عنه قال: أرسلوا إلي طبيباً ينظر إلى جرحي هذا، فأرسلوا إلى طبيب من العرب، فسقى عمر نبيذاً فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة، فدعوا طبيباً آخر من الأنصار من بني معاوية، فسقاه لبناً، فخرج اللبن من الطعنة صلداً أبيض، فقال له الطبيب: يا أمير المؤمنين اعهد، فقال عمر: صدقني أخو بني معاوية، ولو قلت غير ذلك كَذَّبتُك
(2)
.
ولم يتمالك أهل عمر رضي الله عنه وأصحابه أنفسهم، وهم ينظرون عظم مصابه، وعظم المصاب به، فجاشت أعينهم بالدمع، وارتفعت أصواتهم بالبكاء عليه فنهاهم عمر رضي الله عنه عن ذلك، ولم يمنعه ما هو فيه من البلاء والمحنة، ومعاينة الموت من إرشادهم للصواب وبيان الحق الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
رواه الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/ 253 - 255، ورجاله ثقات سوى مبارك بن فضالة صدوق وسند متّصل. فالسند حسن. وقد تقدم بسند صحيح في ص:1051.
(2)
رواه أحمد / المسند 1/ 42. صحيح.
قال: ثنا يعقوب، ثنا أبي عن صالح، قال ابن شهاب فقال سالم فسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال عمر: أرسلوا لي طبيباً
…
الأثر.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: لما طعن عمر رضي الله عنه عولت
(1)
عليه حفصة، فقال: يا حفصة، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"المعول عليه يعذب".
وعول صهيب
(2)
، فقال عمر: يا صهيب، أما علمت أن المعول عليه يعذب
(3)
.
وقبل وفاته رضي الله عنه طلب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم منه أن يستخلف عليهم خليفة، فقالوا: ألا تستخلف؟ فقال رضي الله عنه: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك، فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
ثم قال رضي الله عنه: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعداً، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمارة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة
(5)
.
(1)
العَويل: رفع الصوت بالبكاء، وقال شمر: الصياح والبكاء. ابن منظور / لسان العرب 9/ 479.
(2)
هو الرومي رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في ص:(147).
(3)
رواهما البخاري / الصحيح 1/ 223، 224، مسلم / الصحيح / شرح النووي 6/ 228، 230، 231. واللفظ له.
(4)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: (547).
(5)
صحيح. تقدم تخريجه في ص: (635).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "دخل الرهط على عمر قبيل أن ينزل به عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ والزبير وسعد، فنظر إليهم فقال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقاً إلا أن يكون فيكم، فإن كان شقاق فهو فيكم، وإنما الأمر إلى ستة: إلى عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ والزبير وطلحة وسعد، وكان طلحة غائباً في أمواله بالسراة.
ثم إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة لعبد الرحمن وعثمان وعليّ، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس، وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عليّ فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس.
ثم قال: قوموا فتشاورا فأمروا أحدكم.
قال عبد الله بن عمر: فقاموا يتشاورن فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر، ولا والله ما أحب أني كنت فيه، علماً أنه سيكون في أمرهم ما قال أبي، والله لقل ما رأيته يحرك شفتيه بشيء قط إلا كان حقاً.
فلما أكثر عثمان عليّ قلت له: ألا تعقلون؟ أتؤمرون وأمير المؤمنين حي؟! فوالله لكأنما أيقظت عمر من مرقد فقال عمر: أمهلوا فإن
حدث بيَ حدث فليصل لكم صهيب ثلاثاً، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه
(1)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه بعد أن رشح الستة: عثمان وعليّ وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد، أوصاهم واحداً واحداً بتقوى الله إن هم ولوا الخلافة، ثم دعا صهيباً فقال:"صل بالناس ثلاثاً، ليخل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه"
(2)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات، 3/ 344. وسنده متصل ورجاله ثقات. فالأثر صحيح.
قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان، قال: ابن شهاب: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال:
…
الأثر.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 340، وابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 140، 141، والطبري/ التاريخ 2/ 580، الخلال/ السنة، ص:278. ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، قال: شهدت عمر رضي الله عنه حين طعن
…
الأثر.
ورواه الخلال من طريق إسرائيل به مثله. وفيه تدليس أبي إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع. وهو عند ابن شبه من غير إسناد. وفي إسناده عند الطبري قتادة بن دعامة مدلس ولم يصرح بالسماع. وفيه يوسف ابن يزيد عن عباس بن سهل لم أعرفهما. وفيه انقطاع يونس بن أبي إسحاق لم يرو عنه عمرو بن ميمون، وإنما روى عنه أبوه كما في رواية ابن سعد والخلال. فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال للستة من أهل الشورى: "بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف، فإذا بايعتم لمن بايع له عبد الرحمن فمن أبى فاضربوا عنقه"
(1)
.
وروي أنه رضي الله عنه قال للأنصار بعد أن رشح الستة نفر من أهل الشورى: "أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام، فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم"
(2)
.
(1)
رواه الطبري/ مجمع البحرين 4/ 302. وفي إسناده عبد الله بن زيد بن أسلم، صدوق فيه لين، تق: 304. وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، تق:202. فالرواية ضعيفة.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 342، وابن شبة/ تاريخ المدينة 3/ 140، 141، والطبري/ التاريخ 2/ 580.
وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات سوى سماك بن حرب فهو صدوق تغير بآخره فكان ربما تلقن من الرابعة. يروي عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه منقطعة.
ورواه ابن شبة من غير إسناد، ورواه الطبري من طريق ابن شبة، فقال: حدّثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم ومحمّد بن عبد الله الأنصاري عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب وأبي مخنف عن يوسف بن يزيد عن عباس بن سهل ومبارك بنعبيد الله بن عمر هو: العمري ثقة لم تذكر له رواية عن عمرو بن ميمون.
ويونس بن أبي إسحاق السبعي صدوق يهم قليلاً، تق:613. ولم تذكر له رواية عن عمرو بن ميمون، وإنما الذي يروي عن عمرو هو أبوه عمرو بن أبي إسحاق السبعي. فالأثر ضعيف.
والذي يستنتتج من الروايات في خبر أصحاب الشورى الستة وهي رواية الصحيح الأولى أن عمر رضي الله عنه رشح للمسلمين بعده ستة نفر يختارون أحدهم خليفة.
فضالة عن عبيد الله بن عمر ويونس بن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي أن عمر لما طعن
…
الأثر.
عمر بن شبة؛ هو: صاحب تاريخ المدينة، ثقة، تق:413.
عليّ بن محمّد لعله المدائني صدوق. سير أعلام النبلاء 10/ 400. ونقل الذهبي في الميزان عن ابن معين توثيقه له 3/ 153.
وكيع هو: ابن الجراح ثقة تق: 581. الأعمش سليمان بن مهران ثقة، تق: 254. وهو مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع. إبراهيم؛ لم أعرفه.
ومحمّد بن عبد الله الأنصاري هو: ابن المثنى ثقة، تق:490.
ابن أبي عروبة؛ هو: سعيد ثقة. تق: 239. وقتادة هو ابن دعامة ثقة تق: 453. مدلس من الثالثة. ولم يصرح بالسماع.
وشهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، تق:269.
أبو مخنف لوط بن يحيى إضباري تالف لا يوثق به. ميزان الاعتدال 3/ 419.
يوسف بن يزيد لم أعرفه وكذلك عباس بن سهل، ومبارك بن فضالة صدوق يدلس ويسوي، تق:519. مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع.
وفي الرواية الثانية الصحيحة زيادة تفصيل وهو أن عمر رضي الله عنه أوصى الستة الذين رشحهم للخلافة بعده أن يتقي الله كل منهم إن اختاره المسلمون خليفة لهم ولا يحملون قرابته على رقاب الناس، وحذّرهم من الانشقاق، وأمرهم بضرب عنق من يريد أن يشقّ عصا المسلمين ويبايع بالخلافة من لم يبايعوه، أو من يتأمر من غير مشورة منهم كائناً من كان هذا الخارج والمنشق. وهذا هو الذي تدلّ عليه الرواية الثالثة.
أما الروايتان الأخيرتان، فإنهما لم تثبتا، ويبعد أن يأمر عمر رضي الله عنه الستة بمبايعة من بايعه عبد الرحمن بن عوف وهو قد جعل الأمر للمسلمين يختارون أحد الستة.
وكذلك يستحيل أن يأمر عمر رضي الله عنه الأنصار بإمهال هؤلاء النفر الستة وهم من خيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ليختاروا أحدهم، فإن فعلوا وإلا ضربوا أعناقهم، وكيف يكون حال المسلمين بعد ضرب أعناق جميع من هم أهل للخلافة من التفرق والخلاف والشقاق والفتنة. والله أعلم.
ثم أوصى عمر رضي الله عنه ابنه عبد الله بسداد دينه، فقال: يا عبد الله بن عمر، انظر ما علي من الدين، فحسبوه، فوجدوه، ستة وثمانين ألفاً أو نحوه
(1)
، فقال عمر رضي الله عنه: إن وفى مال آل عمر فأده من
(1)
وفي رواية عند البيهقي / السنن الكبرى 6/ 286، أن دين عمر رضي الله عنه كان ثمانين ألفاً. وفي إسناده أحمد بن محمد بن عبد وس، قال الحاكم: كان صدوقاً، وقال الذهبي: الشيخ المسند الأمين. سير أعلام النبلاء 15/ 519، وفيه عثمان بن سعيد الدارمي، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 6/ 153، وقال الذهبي: الإمام العلامة الحافظ الناقد، شيخ تلك الديار. سير أعلام النبلاء 13/ 319، وبقية رجاله ثقات. فالأثر حسن. ويوفق بين هذه الرواية ورواية الصحيح بأن رواية الصحيح محتملة الزيادة والنقص حيث فيها ستة وثمانين أو نحوها، فيحمل على أنها كانت بين الثمانين والستة والثمانين. والله أعلم.
أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال
(1)
.
وأمر رضي الله عنه ابنه عبد الله أن يستأذن عائشة رضي الله عنها في أن يدفن في بيتها بجوار صاحبيه، النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه.
قال رضي الله عنه: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّ به اليوم على نفسي. فلما أقبل عبد الله، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، فقال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال الذي تحب يا أمير المؤمنين، أَذِنَت، قال: الحمدلله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك،
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 299.
فإذا أنا قضيت، فاحملوني ثم سلم، فقل يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي، فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين
(1)
.
ووافت المنية عمر رضي الله عنه وانتقل إلى جوار ربه عز وجل مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وقد رويت عدة أقوال في تاريخ وفاته رضي الله عنه، روي أنه أصيب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة
(2)
.
وروي أنه طعن لثلاث بقين من ذي الحجة، فعاش ثلاثة أيام، وقيل سبعة
(3)
.
وروي أنه طعن يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ودفن يوم الأحد، صبيحة هلال المحرم، فكانت خلافته عشر سنوات، وخمسة أشهر، وإحدى وعشرين ليلة
(4)
.
(1)
رواه البخاري / الصحيح 2/ 299.
(2)
رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 152، الطبري / التاريخ 2/ 561، الحاكم / المستدرك 3/ 90، وفي إسناده عند خليفة والحاكم قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند الحاكم ثقات، وفيه عند الطبري أحمد بن ثابت الرازي، قال الذهبي: قال ابن أبي حاتم عمن حدثه: لا يشكون أنه كذاب. ميزان الاعتدال 1/ 86.
(3)
رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 152 من غير إسناد.
(4)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 160، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 378، الطبري / التاريخ 2/ 561، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 192، 193، كلهم نقلاً عن الواقدي.
وقيل إنه دفن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة
(1)
.
وقيل إنه توفي ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة
(2)
.
وهذه الأقوال متفقة على أنه طعن وتوفي في الأيام الأخيرة من شهر ذي الحجة، من السنة الثالثة والعشرين.
ثم غسل رضي الله عنه وكفن
(3)
.
وروي أنه غسل ثلاثاً بماء وسدر
(4)
.
وروي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هو الذي ولي غسل عمر وكفنه في خمسة أثواب
(5)
.
(1)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 1/ 70، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 201، وفي إسناديهما عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، وفيه رشدين بن سعد، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال الجوزقاني: عنده مناكير كثيرة، وقال النسائي: متروك، وقال الذهبي: كان صالحاً عابداً سيء الحفظ، غير معتمد. ميزان الاعتدال 2/ 49.
(2)
رواه أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 202، ومداره على عبد العزيز بن عمران ابن أبي ثابت الأعرج. متروك. تق 358.
(3)
رواه مالك / الموطأ 1/ 367، الشافعي / المسند ص 356، عبد الرزاق / المصنف 5/ 275، ابن سعد / الطبقات 3/ 366. صحيح من طريق مالك.
قال: عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر غسل
…
الأثر.
(4)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 366، من طريق الواقدي. فالأثر ضعيف.
(5)
رواه الطبراني / المعجم الكبير 1/ 70، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 202، وإسناده عند الطبراني رجاله ثقات، ولكنه معضل من كلام يحيى بن عبد الله ابن بكير، وهو ثقة من كبار العاشرة، وهو عند أبي نعيم من طريق الواقدي. فالأثر ضعيف.
وروي أنه أوصى أن لا يغسل بمسك
(1)
.
وروي كذلك أنه كفن في ثلاثة أثواب
(2)
.
وروي أنه كفن في قميص وحلة
(3)
.
(1)
رواه ابن سعد /الطبقات 3/ 366، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 461، البلاذري / أنساب الأشراف ص 380، 381، ومداره على حجاج بن أرطأة، صدوق كثير الخطأ والتدليس، ولم يصرح بالسماع، وفيه عبد الله بن معقل لعله ابن مقرن المزني، ثقة من كبار الثالثة. لم تذكر له رواية عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق / المصنف 3/ 425، ابن سعد /الطبقات 3/ 366، ابن أبي شيبة / المصنف 2/ 462، البلاذري / أنساب الأشراف ص 380، ومداره على عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ضعيف. تق 285، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
(3)
رواه ابن سعد /الطبقات 3/ 366، البلاذري / أنساب الأشراف ص 380، 381، ابن المنذر / الأوسط 5/ 361، وفيه عند ابن سعد، والبلاذري الواقدي، وفيه عند ابن المنذر قتادة بن دعامة مدلس، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر. فالأثر ضعيف.
وصلى عليه صهيب الرومي
(1)
رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وروي أنه صُلى عليه وهو على سريره
(3)
.
وروي أن الذي صلى عليه الزبير بن العوام رضي الله عنه، ولا يثبت ذلك
(4)
.
(1)
تقدمت ترجمته في ص: 147.
رواه عبد الرزاق / المصنف 3/ 471، ابن سعد / الطبقات 3/ 207، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 382، 383، أبو زرعة / التاريخ 1/ 181، 182. صحيح من طريق أبي زرعة.
قال: قال سليمان بن حرب فيما حدّثني العباس العنبري عنه، قال: حدّثنا وهيب عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن صهيباً
…
الأثر.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 367، 368، ابن أبي شيبة / المصنف 3/ 44، البلاذري / أنساب الاشراف ص 382. صحيح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن عمر صلّى
…
الأثر.
(3)
رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 157، وسنده متصل، ورجاله ثقات سوى شيخ ابن شبة الحسن بن عثمان لم أعرفه.
(4)
رواه عبد الرزاق / المصنف 3/ 471، ورجاله ثقات إلا أنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة، وهو مدلس من رؤوس الطبقة الرابعة روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
ثم أدخل رضي الله عنه حجرة عائشة رضي الله عنها، ودفن إلى جنب صاحبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، فأضع ثوبي، فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم، فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة على ثيابي حياءً من عمر
(1)
.
وروي أن قبره لحد
(2)
له رضي الله عنه
(3)
.
وروي أنه رضي الله عنه جعل رأسه في قبره عند حقوي
(4)
النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
.
(1)
رواه ابن سعد/ الطبقات 2/ 294، 3/ 364، أحمد/ المسند 6/ 202، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/ 162، الخلال / السنة ص 297. صحيح من طريق أحمد.
قال: ثنا حماد بن أسامة، قال: أنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كنت
…
الأثر.
(2)
اللَّحْد: الشق الذي يكون في جانب القبر، موضع الميت، لأنه قد أميل عن وسط إلى جانبه، وقيل الذي يحفر في عرضه. ابن منظور / لسان العرب 12/ 246.
(3)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 3/ 14، الطحاوي / مشكل الآثار 4/ 47، وفي إسناديهما حجاج بن أرطأة، صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر ضعيف.
(4)
الحقو: الخصر، ومشد الإزار من الجنب، ابن منظور / لسان العرب 3/ 265.
(5)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 209، 368، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 161، البلاذري / أنساب الأشراف ص 383، 384، كلهم من طريق الواقدي.
وروي أن القاسم بن محمد
(1)
رحمه الله قال لعائشة رضي الله عنها: يا أمه، اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لاطئة
(2)
مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدماً، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة من كبار الثالثة. تق 451.
(2)
لاطئة: لطيئ بالأرض، ولطأ بها إذا لزق. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 4/ 249.
(3)
رواه أبو داود / السنن 3/ 215، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/ 161، 162، أبو يعلى / المسند 8/ 53، الطبري / التاريخ 2/ 349، الحاكم / المستدرك 1/ 369، 370، كلهم من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عمرو ابن عثمان بن هانئ وعمرو بن عثمان ذكره ابن حبان في الثقات 8/ 478، وقال ابن حجر / مستور. تق 424.
وبقية رجاله عند أبي داود ثقات سوى محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك فهو صدوق تق: 468.
وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي. وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص: 326.
وقال ابن حجر عند ذكره لما رواه الآجري عن رجاء بن حيوة من قوله:: "وكان قبر أبي بكر وسط النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر خلف أبي بكر رأسه عند وسطه. وهذا ظاهره يخالف حديث القاسم فإن أمكن الجمع، وإلاّ فحديث القاسم أصحّ". فتح الباري 3/ 257.
وروي أن عثمان بن عفان وسعيد بن زيد
(1)
رضي الله عنهما نزلا في قبر عمر رضي الله عنه لما دفن
(2)
.
وكان عمره رضي الله عنه حين توفي ثلاثة وستين عاماً
(3)
.
ورويت أقوال أخرى في مقدار عمره رضي الله عنه وما تقدم هو الثابت.
فروي أنه توفي وعمره واحد وخمسون
(4)
، وقيل اثنان وخمسون
(5)
.
وقيل أربعة وخمسون
(6)
، وقيل خمسة
(1)
تقدمت ترجمته في ص: (103).
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 368، البلاذري / أنساب الأشراف ص 383. ومداره على الواقدي.
(3)
رواه مسلم /الصحيح / شرح النووي 15/ 101 - 103، عبد الرزاق / المصنف 3/ 599، أحمد / المسند 4/ 96.
(4)
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 16، ورجال إسناده ما بين ثقة، وصدوق، وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه.
(5)
رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 153، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه.
(6)
رواه ابن معين / التاريخ / رواية الدوري 2/ 427، ورجاله ثقات، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وكان مهتماً بأخباره.
وخمسون
(1)
، وقيل سبعة وخمسون
(2)
، وقيل تسعة وخمسون
(3)
، وقيل إحدى وستون
(4)
.
وقيل وهو ابن ستة وستين
(5)
، وقيل توفي وهو ابن ثلاثة وسبعين
(6)
.
(1)
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/ 69. صحيح.
قال: حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر، قال: لما مات عمر
…
الأثر. ورواية الصحيح مقدمة عليه.
(2)
ابن أبي شيبة / المصنف 7/ 14، الطبري / التاريخ 2/ 563، وفيه عند ابن أبي شيبة إبهام بشيخه حيث قال: حدثنا شيخ لنا، وهو منقطع من رواية محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثقة من الرابعة، وهو عند الطبري من طريق الواقدي.
(3)
رواه أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ 196، 197، وفي إسناده أبو حامد بن جبلة شيخ أبي نعيم، لم أجد له ترجمة، وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة من الثالثة.
(4)
رواه الطبري / التاريخ 2/ 563، الطبراني / المعجم الكبير 1/ 69، وهو عند الطبري من غير إسناد، وإسناده عند الطبراني منقطع من رواية قتادة بن دعامة، ورجاله ثقات.
(5)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 365، الطبري / التاريخ 2/ 563، ومداره على الواقدي. فالأثر ضعيف.
(6)
رواه الطبراني / مجمع البحرين 1/ 270، وفي إسناده محمد بن عبد الرحيم الديباجي شيخ الطبراني، لم أجد له ترجمة، وفيه حماد بن بحر السري، قال أبو حاتم: شيخ مجهول. الجرح والتعديل 3/ 133. فالأثر ضعيف.
ولعل سبب الاختلاف في مقدار سن عمر رضي الله عنه، راجع للاختلاف في سنة ولادته رضي الله عنه الذي تقدم ذكره
(1)
.
ولقد خيمت على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سحابة من الحزن والغم والكرب الشديد لفقد هذا الخليفة والقائد المظفر البار الراشد رضي الله عنه وأرضاه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه، وهو يخطب في أهل الكوفة: أما بعد، فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مات، فلم نر يوماً أكثر نشيجاً من يومئذ
(2)
.
وسعى عبيد الله بن عمر
(3)
رضي الله عنه للثأر من قاتل أبيه، فقام بقتل الهرمزان
(4)
، وجفينة النصراني، وابنة لأبي لؤلؤة المجوسي صغيرة، وذلك بعد أن سمع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
(5)
رضي الله عنهما
(1)
انظر ص 84.
(2)
رواه ابن سعد / الطبقات 3/ 63، ورجاله ثقات سوى عاصم بن أبي النجود، فهو صدوق. فالأثر حسن.
(3)
عبيدالله بن عمر بن الخطاب، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحفظ له رواية ولا سماعاً. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/ 132.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: 243.
(5)
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق شقيق عائشة رضي الله عنها، تأخر إسلامه إلى قبل الفتح وشهد اليمامة والفتوح، ومات في طريق مكة فجأة. تق 337.
يقول: انتهيت إلى الهرمزان وجفينة النصراني
(1)
وأبي لؤلؤة، وهم نجي
(2)
، فبغتُّهم، فثاروا، وسقط من بينهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا، فوجدوه خنجراً على النعت الذي نعت عبد الرحمن، فخرج عبيد الله مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني حتى تنظر إلى فرس لي، وكان الهرمزان بصيراً بالخيل، فخرج يمشي بين يديه، فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله، ثم أتى جفينة، وكان نصرانياً، فدعاه، فلما أشرف له علاه بالسيف، فصلب بين عينيه
(3)
، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة جارية صغيرة، تدعي الإسلام، فقتلها، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها، ثم أقبل عبيد الله بالسيف صلتاً في يده، وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبياً إلا قتلته، فجعلوا يقولون له: الق السيف، ويأبى، ويهابونه أن يقربوا منه، حتى أتاه عمرو بن العاص، فقال: أعطني السيف يابن أخي،
(1)
جفينة النصراني كان نصرانياً من أهل الحيرة ظئراً لسعد بن مالك أقدمه المدينة للصلح الذي كان بينه وبينهم، وليعلم بالمدينة الكتابة. الطبري/ التاريخ 2/ 587.
والظئر؛ هو: زوج المرضعة، ومنه حديث سيفٍ القين: ظئر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. ابن منظور/ لسان العرب 8/ 445.
(2)
انتجى القوم وتناجوا: تشاوروا. ابن منظور / لسان العرب 14/ 64.
(3)
أي ضربه على عُرضة حتى صارت الضربة كالصليب. ابن منظور / لسان العرب 7/ 382.
فأعطاه إياه، ثم ثار إليه عثمان، فأخذ برأسه فتناصيا
(1)
حتى حجز الناس بينهما، فلما ولي عثمان قال: أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام فتقاً، يعني عبيد الله ابن عمر، فأشار عليه المهاجرون أن يقتله، وقال جماعة من الناس: أيُقتل عمر أمس، وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم؟ أَبْعَدَ الله الهرمزان وجفينة، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، أعفاك الله أن يكون هذا الأمر ولك على الناس من سلطان، إنما كان هذا الأمر، ولا سلطان لك على الناس، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين.
فتفرق الناس على خطبة عمرو، وودى عثمان رضي الله عنه الرجلين والجارية
(2)
.
والأثر السابق استدل به على مشاركة الهرمزان وجفينة النصراني في التآمر على قتل عمر رضي الله عنه. وقد أضاف إليهم البعض
(3)
كعب الأخبار
(4)
لإخباره عمر رضي الله عنه بيوم وفاته.
(1)
أي أخذ كل واحد منهما بناصية صاحبه. المصدر السابق 14/ 170.
(2)
رواه عبد الرزاق/ المصنف 5/ 474 - 480، ابن سعد/ الطبقات 3/ 355 - 357، 5/ 17/18، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/ 110، البيهقي/ السنن الكبرى 7/ 47، 48. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن معمر عن الزهري فأخبرني سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر ولم نجرب عليه كذبة قط، قال: حين قتل عمر
…
الأثر.
(3)
انظر: علي الطنطاوي / أخبار عمر، ص:396.
(4)
تقدمت ترجمته في ص: (317).
فقد ورد أنّ عمر رضي الله عنه دعا أم كلثوم
(1)
بنت عليّ بن أبي طالب وكانت تحته فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت: يا أمير المؤمنين هذا اليهودي
(2)
- تعني كعب الأخبار - يقول: إنّك على باب من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء، والله إنّي لأرجوا أن يكون ربّي خلقني سعيداً ثم أرسل إلى كعب فدعاه، فلما جاءه كعب، قال: يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجّة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: أي شيء هذا، مرّة في الجنة ومرة في النّار؟ فقال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع النّاس أن يقعوا فيها فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة
(3)
.
(1)
تقدمت ترجمتها في ص: (229، 244).
(2)
لعلّ أم كلثوم قالت ذلك باعتبار ما كان عليه كعب من اليهودية أو لعلها لم تعلم بإسلامه.
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 332، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان، ص: 334، 335، أبو نعيم/ حلية الأولياء 6/ 23.
وإسناده عند ابن سعد متّصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا معن بن عيسى، أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أنّ عمر
…
الأثر.
وسعد الجاري قال عنه ابن حجر: "اختلف في صحبته". الإصابة 2/ 112. وذكره في تعجيل المنفعة ص: 150، وذكره ابن حبان في الثّقات 4/ 296، وابن حاتم/ الجرح والتّعديل 4/ 96 باسم سعد بن يربوع الجاري.
ورواه البلاذري من طريق مالك بن أنس، ولفظه مختصر حيث إنّه فيه قول كعب لعمر فقط: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع النّاس أن يقعوا فيها، فإذا لم يزالوا يقتحمونها إلى يوم القيامة.
وفي إسناده عند أبي نعيم شيخه إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني. ذكره الخطيب البغدادي ولم يذكر في جرحاً ولا تعديلاً. تاريخ بغداد 6/ 127.
وفي أثر آخر أنّ كعب الأخبار قال: يا أمير المؤمنين: اعهد فإنّك ميّت في ثلاثة أيام. قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عز وجل التّوراه. قال عمر: آلله إنّك لتجد عمر بن الخطاب في التّوراة؟ قال اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك، وأنّه قد فنى أجلك. وعمر لا يحسّ وجعاً ولا ألماً فلما كان من الغد جاءه كعب فقال: يا أمير المؤمنين، ذهب يوم وبقي يومان، ثم جاءه من غد الغد، فقال: ذهب يومان وبقي يوم وليلة، وهي تلك إلى صحبيحتها فلما طعن عمر دخل عليه كعب، فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول:
وبقية رجاله ثقات. ولكنه معضل من رواية عبد الله بن أبي جعفر المصري عن كعب الأخبار، وهو ثقة من الخامسة، تق:370. ولفظه أنّ كعباً كان يقول: إنّ عمر بن الخطاب على باب من أبواب النّار، فإذا هلك انفتح. وليس فيه أنّ الخطاب كان لعمر رضي الله عنه، أو أنّه ذكر له قرب وفاته.
فأوعدني كعب ثلاثاً أعدّها
…
ولا شكّ أنّ القول ما قال لي كعب
وما بي حذر الموت إنّي لميّت
…
ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب
(1)
.
ففي هذه الرّواية أخبر كعب عمر أنّه يجد في التّوراة صفته وأنّ أجله قد فني.
وأخبار كعب رحمه الله عمر رضي الله عنه بقرب وفاته لا يدل على مشاركته في التآمر لقتل عمر رضي الله عنه، فلعله وجد ذلك في التّوراة أو فهمه من نصوصها، أو سمعه من أهل الكتاب وإقسام كعب لعمر بذلك كما في الرّواية الأولى يدل على أنّه أخذ ذلك من علم صحيح، ولو كان إخباره له بذلك لاشتراكه في مؤامرة لقتله لما جزم بذلك، فقد تفشل المؤامرة، وتحل
(1)
رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 107، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان، ص: 361، 362، والطبري/ التاريخ 2/ 559.
وفي إسناده عند ابن شبه والطبري عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، وهو المعروف بعبد العزيز بن أبي ثابت، متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه، فاشتد غلطه. من الثّامنة تق:358.
وفيه عند البلاذري عاصم بن عمر لم أعرفه. وعبيد الله بن عمر لعله العمري، ثقة من الطبقة الخامسة تق: 173، يوي عن كعب الأخبار ولم يدركه. فالأثر ضعيف.
الدائرة على المتآمرين، وينجو عمر، وأيضاً لو كان الأمر كذلك لكتم كعب ذلك عن عمر حتّى لا يثير الشّبهات حوله، وعلى أية حالٍ فإنّ عمر رضي الله عنه وهو صاحب الحدس الصادق والمعرفة التامة بالرّجال لم يفهم من كلام كعب تهديداً له بل لقد كان كعب من جلساء عمر رضي الله عنه وأصحابه وكان يطلب منه أن يخونه ويذكره حتّى يرق قلبه
(1)
. والله أعلم.
وكذلك لم يثبت اشتراك عيينة
(2)
بن حصن في التآمر لقتل عمر رضي الله عنه كما فهمه البعض من الرواية التي فيها أنّ عيينة قال لعمر: إنّ الله جعلك فتنة على أمة محمّد، فقال: كذّب. إنّ رّبي ليعلم أنّي لم أضمر لها غير العدل والإحسان. وقال عيينة: لم أذهب هناك، ولكن يفقدون سيرتك، فيضرب بعضهم رقاب بعض، فقال: ما أنا لذلك بآمر. فقال: يا أمير المؤمنين، احترس من الأعاجم وأخرجهم من المدينة فإنّي لا آمنهم عليك
(3)
.
(1)
انظر ص: (317).
(2)
تقدمت ترجمته في ص: (251).
(3)
رواه ابن سعد/ الطبقات/ الطبقة الرابعة 2/ 562، وابن شبه/تاريخ المدينة 3/ 106، والبلاذري/ أنساب الأشراف، ص: 359، وابن عساكر/ تاريخ دمشق، ص:348.
ومداره عند ابن سعد والمبلاذري وابن عساكر على المدائني عن عامر بن أبي محمّد يروي عن عيينة، والمدائني هو: عليّ بن محمّد المدائني شيخ البلاذري ثقة، تقدمت ترجمته في ص:(1115).
وعامر بن أبي محمّد لم أجد له ترجمة، ورواه ابن شبه من غير إسناد. فالرواية غير ثابتة.
بعض الأخبار المتعلّقة بعمر رضي الله عنه بعد وفاته:
1 - نعي الجنّ له رضي الله عنه:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم فحججن في آخر حجة حجّها عمر رضي الله عنه، قالت: فلما ارتحل عمر رضي الله عنه من الحصبة
(1)
من آخر اللّيل أقبل رجل متلثم وقال وأنا أسمع: أين كان أمير
(1)
في رواية ابن سعد مكان الحصبة (المحصب) ذكر الشّيخ عبد الملك بن عبد الله ابن دهش في تحقيقه لكتاب أخبار مكة للأزرفي خمسة أقوال في تحديد مكان المحصب، ورجّح القول بأنّه ما بين شعب عمرو الذي هو الملاوي العليا الممتدة إلى جهة منى، إلى ثنية أذاخر، فيأخذ قضاء البياضية وموضع قصر السّقاف ثم يصعد في شعب أذاخر حتى يصل ربع ذاخر. 40/ 72، 73.
وقال البلاذري: المحصب: ما بين منى إلى المنحى، والمنحى حد المحصب من الأبطح، فمنذ أن تخرج من منى فأنت في المحصب حتى يضيق الوادي بين العيرتين فذاك المنحى.
وقال في تعريفه للأبطح: وقد سمي الشارع المار من المنحى إلى ريع الحجون (شارع الأبطح) وهو شار كثير العمائر والأسواق وعليه طريق الحاج من المسجد الحرام إلى منى. معجم المعالم الجغرافية، ص: 13، 14، 282، 283.
المؤمنين نزل؟ فقال له قائل وأنا أسمع: هذا كان منزله فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقبرته
(1)
ينغني:
عليك السّلام من أمير وباركت
…
يد الله في ذاك الأديم الممزق
فمن يجر أو يركب جناحي نعامة
…
ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها
…
نوائح في أكمامها لم تفتق
قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت لهم: اعلموا لي علم هذا الرجل فذهبوا فلم يروا في مناخه أحداً، فكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إنّي لا أحسبه من الجن
(2)
.
(1)
عقبرة الرجل: صوته إذا غنى أو قرأ أو بكى. ابن منظور/ لسان العرب 9/ 314.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 333، 334، والفاكهي/ أخبار مكة 4/ 76، 77، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 91 - 94، وابن أبي الدنيا/ الهواتف ص: 115، والخلال/ السنة ص: 315، 316.
صحيح من طرق ابن سعد والفاكهي وابن شبه.
قال ابن شبه: حدّثنا سليمان بن داد الهاشمي، قال: أنبأنا إبراهيم بن سعد الزهري عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة أنّه حدّثه عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنهما أنّها أخبرته عن عائشة رضي الله عنها.
وهذا السّند رجاله ثقات، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال ابن حجر عنه: مقبول تق: 91.
وفي حاشية تهذيب الكمال للمزّي بتحقيق بشار عواد: وقد ذكره ابن حبان من الثّقات. وقال مغلطاي: قال ابن خلفون: هو ثقة مشهور، وصحّح الحاكم حديثه في مستدركه. قال: وقد روى له البخاري حديثاً واحداً في كتاب الأطعمة، باب الرّطب والتّمر. قال: ولم يتابع ابن القطان فيما ذكره عن حاله (أي: قول عنه لا يعرف حاله). قال: فهو ثقة إن شاء الله. 2/ 133. فالأثر صحيح.
وروى الأثر ابن سعد والفاكهي من طريق إبراهيم بن سعد به.
وفي رواية ابن سعد: فكنا نتحدث أنّه من الجن.
وفي الأثر السّابق دلالة على أنّ الجن تنبئت بوفاة عمر رضي الله عنه وذلك في آخر حجة حجها رضي الله عنه، ونعته الجن بالأبيات السابقة، وهذا ليس من علمهم الغيب، فقد أخبر المولى العظيم أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب. قال تعالى:{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}
(1)
.
ولكن هذا مما يسترقه الجنّ من السّمع كما أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها: سأل أناس النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فال:"إنّهم ليسوا بشيء". فقالوا: يا رسول الله فإنّهم يحدّثون بالشّيء يكون حقّاً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"تلك الكلمة من الحقّ يخطفها الجنّيّ فَيُقَرقِرها في أذن وليه تقرقرة الدّجاجة، فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة"
(2)
.
(1)
سروة سبأ، آية:14.
(2)
رواه البخاري/ الصّحيح 4/ 311، كتاب التّوحيد/ باب قراءة الفاجر والمنافق.
ومن ذلك - والله أعلم - ما رواه جبير
(1)
بن مطعم، قال: بينما عمر واقف على جبل عرفة سمع رجلاً يصرخ يقول: يا خليفة، يا خليفة فسمعه رجل آخر وهم يعتافون
(2)
. فقال: ما لك فكّ الله لهواتك
(3)
، فأقبلت على الرّجل فصخبت عليه، فقلت: لا تسبن الرّجل، قال جبير بن مطعم: فإنّي الغد واقف مع عمر على العقبة يرميها، إذ جاءت حصاة عائرة
(4)
فنفقت
(5)
رأس عمر، ففصدت
(6)
فسمعت رجلاً من الجبل
(1)
جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي، أسلم يوم الفتح وقيل: عام خيبر. توفي سنة تسع وخمسين بالمدينة. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب 1/ 304، 305.
(2)
القائف: المتكهن، والعيافة: زجر الطّير والتفاول بأسمائها وأصواتها وممرّها، وهو من عادة العرب كثيراً. وهو كثير في أشعارهم، يقال: عاف يعيف عيفاً، إذا زجر وحدس وظن. ابن منظور/ لسان العرب 9/ 501.
(3)
اللَّهاةُ: لحمة حمراء في الحنَك معلقة على عَكَدَةِ اللّسان. والجمع: لَهَيات. واللَّهاة: الهنة المَطْبقة في أقصى سقف الفم، واللَّهاة من كلّ ذي حلق اللحمة المشرفة على الحلق، وقيل: هي ما بين منقطع أصل اللّسان إلى منقطع القلب من أعلى الفم. المصدر السّابق 12/ 349.
(4)
عَائِرة: أي: ضلت هدفها وضاعت ولا يعرف راميها. انظر: ابن منظور/ لسان العرب 9/ 493.
(5)
أي: جرحته وشقت جلده.
(6)
أي: سال الدّم منها. ابن منظور/ لسان العرب 10/ 270.
يقول: أشعرت
(1)
وربّ الكعبة، لا تقف عمر هذا الموقف بعد العام أبداً، قال جبير بن مطعم: فإذا هو الذي صرخ فينا بالأمس، فاشتد ذلك عليّ
(2)
.
2 - انكساف الشّمس يوم موته رضي الله عنه:
عن عبد الرّحمن بن يسار رحمه الله تعالى، قال: شهدت موت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فانكسفت الشّمس يومئذٍ
(3)
.
(1)
مراده أنّ عمر أعلم ووضع عليه مثل الشّعر والعلامة وذلك بسيلان دمه رضي الله عنه، ومراده أنّه سيقتل لأنّ العرب تقول: للملوك إذا قتلوا: أُشْعِروا. المصدر السّابق 7/ 135.
(2)
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/ 333، وابن أبي شيبه/ المصنف 6/ 173، والبلاذري/ أنساب الأشراف، ص: 336، وابن أبي عاصم/ الأحاد والمثاني 1/ 102.
صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري، قال: أخبرني ابن شهاب أنّ محمّد بن جبير حدّثه
…
الأثر.
(3)
رواه الطّبراني/ المعجم الكبير 1/ 71/ وفي إسناده سلمة بن الفضل ضعّفه ابن راهوية، وقال البخاري في حديثه بعض المناكير، وقال ابن معين: كتبنا عنه، وليس في المغازي أتم من كتابه، وقال النّسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: لم أجد لسلمة ما جاوز الحد في الأنكار، وقال ابن معين: كتبت عنه وليس به بأس. ميزان الاعتدال 2/ 192. وقال ابن حجر: قاضي الرّأي، صدوق كثير الخطأ، تق: 248. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
قال: حدّثنا القاسم بن زكريا المطرز، ثنا يوسف بن موسى القطان، ثنا سلمة ابن الفضل عن محمّد إسحاق، حدّثني عمي عبد الرحمن بن يسار قال: شهدت
…
الأثر.
وعبد الرحمن بن يسار وثّقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثّقات. تعجيل المنفعة، ص:259. فالأثر حسن.
وليس في هذا الأثر دلالة على أنّ الشّمس كسفت لموته رضي الله عنه وتعظيماً لشأنه، وإنما ذلك تخويف منه سبحانه وتعالى لعباده. قال صلى الله عليه وسلم:"إنّ الشّمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموها فصلّوا"
(1)
.
3 - رؤية العباس بن عبد المطلب له في منامه رضي الله عنه:
روي أنّ العباس بن عبد الملطب كان خليلاً لعمر، فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام، فرآه بعد حول هو يمسح العرق عن جبينه، فقال: ما فعلت؟ قال: هذا أوان فرغت، وإن كاد عرشي ليهد لولا أنّي لقيته رؤوفاً رحيماً
(2)
.
(1)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 184، باب الصّلاة في كسوف الشّمس.
(2)
رواه ابن سعد/الطبقات 3/ 375، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 389، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/ 162، 163، أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/ 54، قال ابن سعد: أخبرنا المعلي بن أسد، قال: أخبرنا وهيب بن خالد عن موسى بن سالم، قال: حدّثني عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال: كان العباس
…
الأثر.
وهذا الإسناد رجاله ثقات سوى موسى بن سالم أبو جهضم فهو صدوق تق: 550. وعبد الله بن عبيد الله بن العباس ثقة من الرّابعة لم تذكر له رواية عن جدّه العباس وإنما يروي وأما الطّريق الثانية: فقد قال فيها: حدّثنا أبو بكر أحمد بن السدي، ثنا الحسن بن علوية، ثنا إسماعيل بن عيسى، ثنا هياج بن بسطام عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنّه قال: ما كان شيء أحبّ إليّ أن أعلمه من أمر عمر
…
الأثر.
فالرّائي فيه هنا عبد الله بن عمر، وليس العباس أو ابنه عبد الله.
وفي هذا الإسناد إسماعيل بن عيسى العطار ضعّفه الأزدي وصحّحه غيره. ميزان الاعتدال 1/ 245. وفيه هياج بن بسطام التميمي البرجمي ضعيف من السّابعة تق: 576. فالسند ضعيف وكذلك متنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عن أبيه وعمّه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فالسند منقطع وهو مما يستاهل فيه.
ورواه من طريق آخر فقال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: أخبرنا أبو شهاب، قال: أخبرني يحيى بن سعيد عن محمّد بن عمارة عن ابن عباس، قال: دعوت الله
…
الأثر.
وهذا السند رجاله ثقات سوى أبو شهاب عبد ربّه بن نافع الحناط، صدوق يهم، تق: 335، ومحمّد بن عمارة لم أجد له ترجمة.
والرّائي للرّؤية في هذا الطّريق هو ابن عباس وليس العباس والده كما في الطّريق الأولى.
ورواه البلاذري من طريق ابن سعد. وهو عند ابن شبه كما عند ابن سعد.
ورواه أبو نعيم من طريقين مختلفين: قال في:
الأولى: حدّثنا أبو بكر الطّلحي، ثنا الحسن بن جعفر، ثنا المنجاب بن الحارث، ثنا عليّ بن شهر عن محمّد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن، قال: قال العباس بن عبد المطلب
…
الأثر.
وفي هذا الإسناد شيخ أبي نعيم أبو بكر الطّلحي وهو عبد الله بن يحيى الطّلحي لم أجد له ترجمة، والحسن بن جعفر لم أجد له ترجمة، ولعله الحسن ابن جعفر القتات فقد ذكر في تلاميذ المنجاب ولكني لم أقف على ترجمته أيضاً. وعليّ بن شهر، لعله عليّ بن مسهر فهو من شيوخ المنجاب. وهو ثقة من الثّامنة تق: 405، ومحمّد بن عمرو هو ابن علقمة اللّيثي صدوق له أوهام تق: 499، ويحيى بن عبد الرحمن هو ابن حاطب ثقة من الثّالثة تق: 593، لم تذكر له رواية عن العباس بن عبد المطلب.
وهذه الرّؤيا فيها منقبة لعمر رضي الله عنه في نجاته من شديد الحساب، ونيله رحمة ربّه به كيف لا، وهو من تحرى العدل بين رعيته في كلّ دقيقة وجليلة حتى شمل عدله البهائم.
4 - حفظ الله تعالى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في قبره وعدم أكل الأرض لجسده:
ومن مناقبه رضي الله عنه وفضائله التي أظهرها الله تعالى لخلقه بعد موته، عدم أكل الأرض لجسده وبقائه غضّاً طريّاً كيوم موته.
قال عروة
(1)
بن الزّبير رضي الله عنه: لما سقط عليهم
(1)
هو: عروة بن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية الزّبير بن العوام بن خوليد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب الإمام عالم المدينة الفقيه، أحد الفقهاء السّبعة. حدّث عن أبيه بشيء يسير لصغره، وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق، وعن خالته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولازمها وتفقه بها. توفي سنة ثلاث وتسعين، وله سبع وستون سنة. الذّهبي/ سير أعلام النبلاء 4/ 421 - 434.
الحائط
(1)
في زمان الوليد
(2)
بن عبد الملك أخذوا في بنائه، فبدت لهم قدم ففزعوا
(3)
وظنوا أنّها قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم
(4)
، فما وجدوا أحداً يعلم ذلك حتّى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ما هي إلاّ قدم عمر رضي الله عنه
(5)
.
(1)
أي: حائط حجرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ابن حجر/ فتح الباري 3/ 257.
(2)
الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي الدّمشقي، كانت ولايته لدولة بني أمية من عام 86 إلى 96 هـ. وكان واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز حتى عزله سنة 93 هـ. انظر: الذّهبي/ سير أعلام النبلاء 4/ 347، ومحمّد الخضري/ تاريخ الدّولة الأموية، ص:169.
(3)
قال ابن حجر: روى الآجري من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي
…
وفيه: فلما هدم بدت قدم بساق وركبة ففزع عمر ابن عبد العزيز، فأتاه عروة فقال: هذا ساق عمر وركبته فسري عنه. فتح الباري 3/ 257.
(4)
وهذا دليل على أنّ القدم التي خرجت كانت غضة طرية لم تأكلها الأرض، لأنّ الناس فزعوا وظنوا أنّها قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، لأنّه صلى الله عليه وسلم أخبر أنّ الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما روى ذلك ابن ماجه وغيره. صحيح سنن ابن ماجه 1/ 273. حتى أخبرهم عروة أنّها قدم عمر رضي الله عنه. ولو لم تكن معالم القدم من عظم ولحم وجلد ظاهرة لما عرفها عروة رضي الله عنه.
(5)
رواه البخاري/ الصحيح 1/ 241، وابن سعد/ الطبقات 3/ 368، 369، والبلاذري/ أنساب الأشراف، ص:384.
هذا آخر ما تيسّرت كتابته في هذا البحث، وأسأل الله العليّ القدير أن يجعله خالصاً لوجه الكريم، وأن ينفع به آمين.
وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخاتمة
وفيها
أهم نتائج البحث:
أولاً: النتائج المتعلقة بشخصية عمر رضي الله عنه:
1 -
ورد من طرق يقوي بعضها بعضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كنّى عمر رضي الله عنه بأبي حفص.
2 -
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر رضي الله عنه بالفاروق وهو رضي الله عنه جدير بهذا اللقب.
3 -
ثبت بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه هو أول من لقب بأمير المؤمنين، وأن أهل الكتاب يجدون لقبه في كتبهم.
4 -
الذي أرجحه والذي تدل عليه الآثار الصحيحة أن عمر رضي الله عنه ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً.
5 -
ثبت بسند حسن أن عمر رضي الله عنه كان آدم اللون أي أسمر اللون، وقد وردت صفة البياض له في خبر عند أبي نعيم بسند رجاله ثقات سوى شيخ أبي نعيم أحمد بن محمد بن حامد بن جبلة، لم أجد له ترجمة.
ولو ثبت صفة البياض لقلنا إن عمر رضي الله عنه تغير لونه بسبب إجهاده نفسه في مراقبته رعيته ومشيه في الرمضاء، وإجهاده رضي الله عنه نفسه في ذلك وقلة طعامه وشرابه.
6 -
كان عمر رضي الله عنه متصفاً بصفات خَلقية فيها معاني القوة والعزم والشدة والهيبة، فقد ثبت أنه كان طويل القامة، ضخم الجسم، قوي الجسم، أصلع الرأس، بعيدَ ما بين المناكب، جهوري الصوت، أعسر يسراً، طويل اللحية، إذا غضب فتل شاربه.
وجاء من طرق ضعيفة أنه كان يسرع في مشيته وأنه كان أروح الرجلين كثير الشعر، وكثير الشيب.
7 -
نشأ عمر رضي الله عنه في صغره حياة الفقر والعوز والشدة، وكان أبوه يقسو عليه، وعمل رضي الله عنه في رعي إبل والديه واشتغل رضي الله عنه في شبابه بالتجارة. ورد ذلك من طرق ثابتة.
8 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان في جاهليته شديد التمسك بالوثنية وكان يعذب السابقين إلى الإسلام، وذكر أنه كان يتعاطى الخمر، ولم يثبت عنه أنه وأد البنات، وكان بالرغم من ذلك عنده حس ديني وتعلق بربه عز وجل.
9 -
لم يرد من طرق ثابتة قيام عمر رضي الله عنه بالسفارة لقريش، ولا يستبعد وقوع ذلك منه لما كان يمتلكه من صفات خَلقية وخُلقية قويّة، إضافة لمعرفته القراءة والكتابة ورفه مكانته ومنزلته بين القرشيين.
10 -
لم تثبت رواية في كيفية إسلام عمر رضي الله عنه، ولكن وردت روايات ضعيفة وهي تدل بمجموعها على أن عمر رضي الله عنه أسلم متأثراً بسماعه القرآن.
11 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه أعلن إسلامه على ملأ قريش وقاموا إليه يضربونه ويضربهم، بل لقد هموا بقتله حتى حماه ودافع عنه العاص ابن وائل السهمي.
12 -
وردت عدة روايات ضعيفة تشير أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بعد إسلام أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة.
13 -
صح أن إسلام عمر رضي الله عنه كان فيه عزة للإسلام والمسلمين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن يعز الإسلام به أو بأبي جهل.
14 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه هاجر إلى المدينة هو وعياش ابن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل، وأنهم اتعدوا بمكان يعرف بالتناضب، وكانوا يخشون من حبس قريش لهم، فقالوا: أينا لم يصبح بذلك المكان فقد حبس، فليمض صاحباه. ولم يثبت أنه هاجر علانية، وأنه توعد من تبعه من قريش بالقتل.
15 -
صح أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه هاجر مع أبيه عمر رضي الله عنه وأمه، وأن عشرين راكباً من قرابة عمر رضي الله عنه وحلفائهم لحقوا بعمر رضي الله عنه مهاجرين.
16 -
صح أن عمر رضي الله عنه نزل بالمدينة بالعصبة من منازل الأوس.
17 -
صح أن عمر رضي الله عنه كان قوي الإيمان بالله عز وجل وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بقوة الإيمان وكماله، وكان رضي الله عنه شديد الحذر من الشرك وأسبابه، شديد التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه.
وكان كثير العبادة لله عز وجل والتقرب إليه بنوافل العبادات من صلاة وصيام وإنفاق وغير ذلك.
18 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان واسع العلم عظيم الفقه شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وشهد له بذلك كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه من أصحاب الفتوى من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
19 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان قوي الفراسة صادق الحدس، جيد القيافة.
20 -
كان عمر رضي الله عنه شديد الرقابة والملاحظة والعناية بأهل بيته وأسرته، مقيماً فيهم أوامر الله عز وجل، ونواهيه قبل إقامتها على رعيته، وكان مع ذلك عطوفاً ورحيماً بهم، كما دلت على ذلك النصوص الثابتة.
21 -
ورد من طريق ثابتة أن منزل عمر رضي الله عنه كان بالمدينة في منطقة عوالي المدينة، وأنه كان يتناوب هو وجار له من الأنصار النزول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أهل التاريخ أن عمر رضي الله عنه كانت له دار بغرب المسجد النبوي الشريف حول مسجده صلى الله عليه وسلم، وصارت بعد ذلك داراً للقضاء.
22 -
صح أن عمر رضي الله عنه عمل بالتجارة بعد قدومه المدينة وأنّه عمل بها أيضاً بعد تولِّيه خلافة المسلمين.
23 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان زاهداً في طعامه وشرابه وأنه كان يأكل التمر بحشفه، وكان رضي الله عنه يأكل الجراد ويأكل الثفل وهو الدقيق والسويق، وربما أكل اللحم الطري.
وثبت أنه كان لا يجمع بين لونين من الطعام. وكان يشرب النبيذ.
24 -
ثبت أن قرابة عمر رضي الله عنه وأصحابه عرضوا عليه أن يرفق بنفسه ويأكل أطايب الطعام، فأخبرهم رضي الله عنه أنه يخشى إن فعل ذلك أن يكون ممن عجلت لهم طيباتهم وأن لا يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.
25 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان زاهداً في لباسه يلبس القميص المرقع، وكان يلبس الإزار، وربما انخرق فرقعه، وكان رضي الله عنه يلبس الثوب القطني يوم الجمعة، وفي الأعياد، ولم يلبس رضي الله عنه الثياب التي خالطها الحرير.
وكان رضي الله عنه نظيفاً في ملبسه وهيئته.
26 -
ثبت أن بعض أصحاب عمر رضي الله عنه طلب منه رضي الله عنه أن يلبس ألين من ثيابه، فلامه عمر رضي الله عنه وعاتبه.
27 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يغتسل ويتنظف بالماء الحار، وكان يخضب رأسه ولحيته بالحناء أو بالحناء والكتم، وجاء في رواية حسنة أنه كان لا يغير شيبه ولعل ذلك كان أولاً، ثم خضب رضي الله عنه، ولم يثبت أنه خضب بالزعفران.
28 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه تختم بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت تختمه بغيره.
29 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان ينام بعد العشاء، ويضع بجواره إناء فيه ماء، فإذا استيقظ لصلاته من الليل وضع يده في ذلك الإناء ومسح وجهه، وأنه رضي الله عنه كان ينام نوم القيلولة.
30 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يركب البعير، وكان يعتني بدابته وينظفها ويداويها بنفسه، وركب عمر رضي الله عنه البرذون لما قدم الشام فهزه وتمايل به، فنزل عنه وعابه.
31 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان له سيف محلى، كان ابنه عبد الله يحمله بعد مقتل أبيه رضي الله عنهما.
32 -
ثبت لعمر رضي الله عنه من الصفات الخُلقية أنه كان صارماً في الحق شديد الغيرة على محارم الله عز وجل، وكان رضي الله عنه رجّاعاً للحق سريع الإنابة إليه إذا تبين له، وكان يحب الذكر
والوعظ، ومجالس قراءة القرآن، وكان رضي الله عنه شديد الخشية لله شديد الخوف من عقابه، يحقر أعماله، ويرجو ثواب الله عز وجل، وكان رضي الله عنه رقيق القلب، سريع البكاء من خشية الله عز وجل، شديد الورع والبعد عن الحرام، زاهداً في الدنيا كثير البعد عن زخارفها، وملذاتها، وكان صابراً مصابراً جواداً كثير الإنفاق في سبيل الله، يكرم أضيافه ورعيته.
وكان رضي الله عنه شجاعاً مغواراً، وكان يمتلك شخصية مهيبة يهابه أصحابه وتهابه رعيته.
وكان متواضعاً شديد التواضع والتذلل لله عز وجل يفر من الكبر ويبغضه ويحقر نفسه ويذلها في ذات الله عز وجل، وكان مع ذلك قوي النفس بعيداً عن الخور والضعف والتماوت، وكان مرح النفس سهل الخلق يمازح أصحابه ويلاطفهم.
33 -
من فضائل عمر رضي الله عنه الثابتة بالأحاديث والآثار الصحيحة والحسنة محبة الله عز وجل له ونزول القرآن موافقاً لأقواله وآرائه وتبشير الله عز وجل له بالجنة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمر رضي الله عنه ويجله ويوقره ويوافقه في أقواله وآرائه، وشهد له صلى الله عليه وسلم بصدق الإيمان والبراءة من النفاق وفرار
الشيطان منه، وبسعة علمه وصحته وفقهه، وحث على الاقتداء به والأخذ بسنته رضي الله عنه وأرضاه، وأبعد من جفاه وقلاه.
34 -
ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم عرفوا لعمر رضي الله عنه قدره ومنزلته من النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد له كبار الصحابة بالفضل مثل علي بن أبي طالب الذي توعد من انتقصه وفضله عليه بالجلد. وعبد الله بن العباس وابنه عبد الله بن عمر، وابن مسعود، وأبو طلحة الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأم أيمن بركة الحبشية حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
35 -
كان عمر رضي الله عنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً عظيماً أشد من حبه لنفسه وأهله وماله، ويجله ويوقره ويهابه، وكان عظيم الرحمة والرأفة بالنبي صلى الله عليه وسلم يدافع عنه وينافح عن مقامه. وهذا ثابت بالآثار الصحيحة.
36 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم أعمال جليلة ومواقف محمودة، فقد كان رضي الله عنه مستشاراً للنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ صلى الله عليه وسلم برأيه ومشورته وكان خازناً للنبي صلى الله عليه وسلم وأميناً على المال، وكان رضي الله عنه من جباة الزكاة، وعمال النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة.
37 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه شارك النبي صلى الله عليه وسلم في جميع مغازيه التي قاتل فيها المشركين، وكانت له فيها مواقف مشهودة.
38 -
كان عمر رضي الله عنه يوقر أبا بكر الصديق رضي الله عنه ويعرف له فضله ومنزلته ويتوعد من يفضله عليه بالعقوبة دلت على ذلك الآثار الثابتة.
39 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كانت له مشاركات ومواقف هامة وعظيمة في خلافة أبي بكر، فلقد كان له الفضل بعد الله عز وجل في مبايعة المهاجرين والأنصار أبا بكر رضي الله عنه يوم السقيفة. وكان له الفضل بعد الله عز وجل في الإشارة على أبي بكر بجمع القرآن بعد موت القراء في موقعة اليمامة.
40 -
ورد بأسانيد يقوي بعضها بعضاً أن عمر رضي الله عنه تخلف عن جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه ليعاون أبا بكر الصديق رضي الله عنه في إدارة شئون الدولة الإسلامية والقضاء على فتنة الردة.
41 -
لم يرد من طرق ثابتة استعمال أبي بكر رضي الله عنه عمر رضي الله عنه على القضاء، ووقوع ذلك أمر ممكن.
42 -
لم يثبت ما ورد عن عمر رضي الله عنه من مخاصمته خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتله مالك بن نويرة في موقعة البطاح، وتزوجه من امرأته، وما روي من إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بعزله عن قيادة جيوش المسلمين وإقادته من مالك بن نويرة.
ثانياً: النتائج المتعلقة بسياسة عمر رضي الله عنه في معاملة الرعية.
43 -
وردت عدة أحاديث صحيحة فيها إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بتولي أمر المسلمين من بعده أبي بكر ثم عمر، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً من بعده صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
44 -
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خلافة عمر رضي الله عنه وأثنى عليها وأشار إلى خلوها من الفتن، وإلى اتساع الدولة الإسلامية وكثرة الفتوحات فيها.
45 -
صح أن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي استخلف عمر رضي الله عنه على المسلمين، وأن بعض المهاجرين لامه في استخلافه عمر لكونه فظاً غليظاً، فكيف لو استخلف على الناس، ولكن أبا بكر رضي الله عنه رد ذلك وبين أنه استخلف خير أهل الله عليهم.
46 -
ثبت أن الذي كتب عهد الخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
47 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه بايع رعيته على السمع والطاعة فيما استطاعوا، ولم يشترط على رعيته مبايعته شخصياً بل من بايع أميره فقد بايعه، وكان رضي الله عنه يحث رعيته على السمع والطاعة للخليفة والصبر على ما يلقون منه، وعدم شق عصا الطاعة عليه، ما دام قائماً بأمر الله عز وجل وبين رضي الله عنه أن صلاح الرعية واستقامتهم سبب لصلاح واليهم وحاكمهم.
48 -
صح أن عمر رضي الله عنه حث رعيته على بذل النصح له وتقويمه.
49 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان شديد الخشية والحذر والخوف من الله عز وجل من التفريط في حقوق رعيته وواجباتها دقيقة كانت أو جليلة.
50 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يقوم بمراقبة رعيته وبتفقد أحوالها في المدينة بنفسه، وكان يتعرف على أحوال رعيته ويتفقد أوضاعها خارج المدينة ببعث من يقوم بهذه المهمة ويوافيه بأخبار الرعية وحاجاتها في الأمصار المختلفة، وكان يسأل من يقدم عليه من الأمصار عن أحوال المسلمين فيها، ويلبي حاجاتهم بل إنه رضي الله عنه عزم أن يأتي أمصار المسلمين بنفسه في كل عام ليقف على حوائجهم ويتعرف على أحوالهم.
51 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بجميع طبقات الرعية كبيرهم وصغيرهم شريفهم ووضيعهم، حرهم وعبدهم، ذكرهم وأنثاهم، حاضرهم وباديهم، مسلمهم وذميهم، وأعطى كل ذي حق حقه، وعرف له مكانته ومنزلته وكان رضي الله عنه يقرب أهل التقوى والصلاح والسابقة في الإسلام على غيرهم.
52 -
صح أن عمر رضي الله عنه كان يحب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ويجلهم ويوقرهم، ويحب القرب منهم، ويدني مجلسهم بل ثبت أنه
وكان رضي الله عنه دائم التفكير والتخطيط في إعداد الجيوش وتجهيز المقاتلين، وإمداد الثغور بالجند، وربما أقلقه ذلك الأمر حتى كان لا يستطيع النوم.
86 -
وثبت أن عمر رضي الله عنه كان دائم التوجيه لجنده يرشدهم لآداب الجهاد وأصوله، فقد حثهم على الأخذ بمبدأ الشورى وحث المقاتلين على إخلاص النية لله عز وجل، والاعتماد عليه في استجلاب النصر، والصبر والثبات عند لقاء العدو، وعدم اليأس من روحه، والاستبسال في قتال العدو، والتقوى لمجاهدته بإعطاء البدن حقه من المأكل والمشرب والراحة.
وبين رضي الله عنه أن انسحاب الجيش من مواجهة العدو عند الإحساس بالخطر المحدق والهلاك المحقق لا يعد فراراً من الزحف بل هو من التحيز إلى فئة.
وحث رضي الله عنه دعوة المقاتلين من أهل الكتاب للإسلام أو الجزية أو القتال، وحث المقاتلين وقادتهم على عدم الغدر والنكث بالعهد، ونهى عن التمثيل بالقتلى، وقتل النساء والشيوخ والصبيان، والغلول من الغنيمة.
57 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يشترط في ولاته وقادته التقوى والصلاح والخبرة والحنكة السياسية، والرحمة والرأفة بالرعية، والزهد في الدنيا والرغبة عنها.
58 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يعزل ولاته إذا ثبت تقصيرهم في أمر الرعية، وربما عزلهم لشكوى الرعية لهم حتى ولو كانت تلك الشكوى غير عادلة، وذلك خوفاً من وقوع الخلاف والشقاق بين الولاة والرعية، وثبت أنه كان يعزل الوالي إذا بلغه عنه أمرٌ يكرهه، وربما عزل الوالي إذا اعتذر عن الولاية لعذر شرعي.
59 -
ثبت أن علاقة عمر رضي الله عنه بولاته كانت مبنية على السمع والطاعة له، ومساعدته ومعاونته في أعباء الخلافة، وثبت أنه كان يراقبهم ويلاحظ تعاملهم مع الرعية، وإعطاءها واجباتها وحقوقها، وكان يعاقب من ثبت تقصيره وتعديه، وكان يراقب مصادر أموالهم ويقاسمهم إياها إذا ارتاب في أمرها.
60 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه أوضح أن من حقوق الولاة على الرعية السمع والطاعة لهم فيما أمر الله، وأن حقوق الرعية على الولاة إقامة العدل بينهم، ونشر العلم فيهم، وإعطاؤهم حقوقهم، والتعرف على حوائجهم، ومعالجة ذلك إن أمكن أو رفعه إلى الخليفة وعدم الترفع على الرعية والاستئثار عليهم.
61 -
ثبت أن ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن الإسلامية كانوا في الغالب الأكثر قادة عسكريين، قادوا الفتوح في بلاد فارس والروم.
62 -
صح أن عمر رضي الله عنه هو أول من اتخذ القضاة لمعاونته على أمور القضاء والنظر في القضايا المختلفة بعد أن اتسعت دولة الخلافة، وكثر رعاياها.
63 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه أولى القضاء والقضاة عناية عظيمة وكان يحذر القضاة من الجور في الحكم ويحثهم على تحري العدل والحق، وثبت أنه رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتاباً في كيفية القضاء وآدابه، وحثه على العمل به، وكتب كذلك إلى شريح القاضي كتاباً مختصراً في كيفية القضاء، وكانت تلك الكتب مصدراً هاماً في آداب القاضي وكيفية القضاء للعصور اللاحقة.
64 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان شديد الاهتمام بمصادر التشريع الكتاب والسنة وعلى سلامتها من الزيادة والتحريف والتبديل، فقد أشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن بعد مقتل القراء بموقعة اليمامة خشية ضياعه ونسيانه، وكان إذا سمع قراءة من أصحابه تخالف ما يقرأه وما تعارف عليه القراء منعه من ذلك حتى يتثبت من صحة تلك القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان يكره قراءة القرآن بالقراءات المختلفة لما تسببه من الاختلاف والبلبلة في عقول العامة، وكان حريصا على تعلم القرآن من أفواه القراء المتقنين لقراءته وأحكامها. وكان رضي الله عنه حريصا على صحة الأحاديث والأخبار المنقولة عن النبي، و كان يكره كثرة التحديث عنه خشية الوقوع في الخطأ، وثبت أنه رضي الله عنه أراد كتابة السنة خشية ضياعها ثم عدل عن ذلك خوفا من انشغال الناس بذلك عن مدارسة القرآن والعناية به، وما زال غض طريا لم يمض على جمعه سوى وقت
يسير.
65 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه حرص على سلامة عقيدة رعيته في
ربهم وتوحيدهم له، وخلوها من الشرك كبيره وصغيره، وعمل رضي الله عنه على سد ذرائع الشرك، والأسباب الموصلة إليه من تعظيم الأحجار والتبرك بالقبور، وتقديس الصور والأشخاص
والحلف بغير الله، واعتقاد النفع والضر بغيره من السحرة وغيرهم.
66 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه حث على الاتباع وترك الابتداع
وعلى ترك السؤال عن المتشابهات، والخوض فيها وحذر من التنطع في الدين، وشدة التعمق والتشدد فيه.
67 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه نهى رعيته عن مشابهة الكفار في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعن محبتهم ومودتهم ومعاشرتهم.
68 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان حريصاً على إقامة رعيته شعائر الدين في أنحاء الدولة الإسلامية إقامة صحيحة على وفق ما شرعه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فاهتم رضي الله عنه بإقامة الصلاة والتهيؤ لها، واعتنى بالأئمة والمؤذنين وبتحديد أوقات الصلاة وبالمساجد.
واهتم رضي الله عنه بالصيام وأدائه في أوقاته المشروعة، وحرص على إحياء شهر رمضان وقيامه، وجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح بعد أن رآهم يصلون أوزاعاً متفرقين وكان مع ذلك يفضل صلاة آخر الليل على أوله.
واعتنى رضي الله عنه بالحج وأدائه وحث رعيته على ذلك، وثبت أنه رضي الله عنه حد ذات عرق ميقاتاً لأهل العراق.
69 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه حرص على نشر العلم بين الرعية وخاصة العلم الشرعي والفقه في الدين وقراءة القرآن وتعلم العربية وقواعدها.
وأذن رضي الله عنه في تعلم أخبار الأمم السابقة وقصصهم وأخذ العبر منها، وكره الإكثار من تعلم الشعر والنظر فيه، والانشغال به عما سواه.
70 -
ثبت أنه رضي الله عنه بعث إلى أهل الأمصار خيار الصحابة وفقهاءهم لتفقيه أهل الأمصار.
71 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه حث طلبة العلم والعلماء على التحلي بآداب العلم والتخلق بأخلاقه.
72 -
ثبت أنه رضي الله عنه حرص على الاهتمام بالفتوى والتحري فيها وعدم التسرع في إصدارها وكره اختلاف العلماء في المسائل.
73 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه هو أول من وضع التاريخ الهجري.
74 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على تخلق رعيته بالأخلاق الفاضلة والحسنة وكان يحثهم على ذلك، ويحذرهم من الأخلاق السيئة، وبين رضي الله عنه أن حسن الخلق من مقاييس التفاضل بين الخلق.
75 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على محاربة أسباب انتشار الرذيلة والفاحشة بين الرعية، وعمل على القضاء عليها وتحذير الرعية منها.
76 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على الحد من ارتكاب المعاصي واقتراف المآثم بين الرعية، وعامل العصاة بتقديم النصح لهم وأخذهم باللين والرحمة والستر عليهم حتى يرجعوا إلى الحق، ولكنه رضي الله عنه عاقب من طغى منهم وتجاوز شره إلى غيره.
وأقام عمر رضي الله عنه الحدود بأنواعها على من استوجبها من العصاة على القريب والبعيد، والشريف والوضيع، والذكر والأنثى.
77 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالنواحي الاجتماعية فاعتنى بالأسرة ابتداءً من الزوجين فحرص على إفشاء النكاح بالطرق الشرعية، وحارب الأنكحة الفاسدة، وعاقب من عمل بها، وحث على نكاح المسلمات العفيفات وترك من سواهن، وحث على تيسير المهور، وعدم المغالاة فيها، وعمل رضي الله عنه على استمرار العشرة الزوجية الطيبة بين الزوجين، وحرص رضي الله عنه على استمرار العلاقة الحسنة بين الأبناء ووالديهم، وعلى تقوية أواصر الأخوة والمودة بين أفراد المجتمع.
78 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه حض على الاهتمام بالأنساب واعتنى بها، وحذر رضي الله عنه بل وعاقب من تعالى بنسبه وتفاخر به واحتقر الآخرين.
وحرص رضي الله عنه على تسمي رعيته بالأسماء الحسنة.
79 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالحياة المعيشية للرعية فحثهم على الاهتمام بالكسب والعمل على طلب الرزق من وجوهه المشروعة، وبين أن ذلك لا ينافي الزهد في الدنيا والعمل للآخرة، واعتنى عمر رضي الله عنه بالمطاعم والمشارب والملابس والمساكن والمراكب أن تكون مما أباحه الله عز وجل.
80 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالنواحي الصحية لرعيته فحرص رضي الله عنه على خلوهم من الأوبئة والأمراض وعدم تعريضهم لها حفاظاً على قدراتهم البشرية، حث رضي الله عنه المرضى على تقديم الوقاية على العلاج بقدر الإمكان، وعلى تناول العلاج إن اضطروا إلى ذلك، وعمل عمر رضي الله عنه على جلب الأطباء للمرضى لمعاينتهم، وحث عمر رضي الله عنه رعيته على إعطاء أبدانهم حقها من الدعة والراحة حتى لا تكون عرضة للإعياء والمرض.
فحث على النوم بعد العشاء، وعلى نوم القيلولة.
81 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالعبيد وأولاهم الرعاية ورفع من شأنهم وقدرهم، وأوصى بهم خيراً، وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم، وعدم إهانتهم واحتقارهم.
وحث رضي الله عنه على إعتاق العبيد وفك رقابهم وكان يكره جلب العلوج إلى المدينة وخاصة من بقي منهم على دينه.
82 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالإماء وأنصفهن ممن ظلمهن، وحث على إعتاقهن وقضى بعتق أمهات الأولاد إذا مات أسيادهن، وأنهن لا يوهبن ولا يبعن، وخاصة المسلمات منهن.
ونهى عمر رضي الله عنه الإماء من التشبه بالحرائر لما يترتب على ذلك من الغرر والغش.
83 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه اعتنى بأهل الذمة وأعطاهم حقوقهم وأوصى بعدم تكليفهم فوق طاقتهم، وحرص رضي الله عنه على دعوتهم للإسلام.
84 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه صالح نصارى الشام على الشروط التي عرفت بالشروط العمرية، وعامل رضي الله عنه المجوس معاملة أهل الكتاب، وكان رضي الله عنه شديد الصرامة والحزم مع من نكث عهده من الكتابيين.
85 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه أولى القضايا الجهادية عناية فائقة فعمل على إعداد الجند وتهيئتهم عسكرياً فحث رضي الله عنه على تعلم الغلمان العوم والسباحة، وعلى تعلم المقاتلة الرمي وحث على تعلم رمي الأغراض، وحث على تعلم ركوب الخيل والنزو عليها، وحث على عدم التنعم في المآكل والمشارب والألبسة.
واعتنى رضي الله عنه بجنده وكان يواسيهم ويتواضع لهم ويعطيهم حقوقهم ويأمر بعدم حبس الجيوش فوق ستة أشهر.
ونهى قادته عن الإقدام بالجند على المهالك والمخاطر، والتفريط بهم وتضييعهم، وعاقب من فعل ذلك، وكان رضي الله عنه يكرم جنده ويشيد بهم، وخاصة أهل البلاء منهم.
واهتم رضي الله عنه بإعداد العدة، فأعد الخيل للمقاتلة.
وكان رضي الله عنه دائم التفكير والتخطيط في إعداد الجيوش وتجهيز المقاتلين، وإمداد الثغور بالجند، وربما أقلقه ذلك الأمر حتى كان لا يستطيع النوم.
86 -
وثبت أن عمر رضي الله عنه كان دائم التوجيه لجنده يرشدهم لآداب الجهاد وأصوله، فقد حثهم على الأخذ بمبدأ الشورى وحث المقاتلين على إخلاص النية لله عز وجل، والاعتماد عليه في استجلاب النصر، والصبر والثبات عند لقاء العدو، وعدم اليأس من روحه، والاستبسال في قتال العدو، والتقوى لمجاهدته بإعطاء البدن حقه من المأكل والمشرب والراحة.
وبين رضي الله عنه أن انسحاب الجيش من مواجهة العدو عند الإحساس بالخطر المحدق والهلاك المحقق لا يعد فراراً من الزحف بل هو من التحيز إلى فئة.
وحث رضي الله عنه دعوة المقاتلين من أهل الكتاب للإسلام أو الجزية أو القتال، وحث المقاتلين وقادتهم على عدم الغدر والنكث بالعهد، ونهى عن التمثيل بالقتلى، وقتل النساء والشيوخ والصبيان، والغلول من الغنيمة.
وفاة عمر رضي الله عنه:
87 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يتمنى الاستشهاد في سبيل الله (والموت في بلدة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه الله عز وجل أمنيته.
88 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه رأى قبل موته كأن ديكاً نقره ثلاث نقرات، فأول ذلك بدنو أجله.
89 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن كبر واستفتح صلاة الفجر بسكين ذي طرفين، وطعن معه ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة، ثم نحر نفسه بعد أن ظن أنه قد أُخذ، ولما علم عمر رضي الله عنه بقاتله قال رضي الله عنه: الحمد لله الذي لم يبتلني بأحد يحاجني بقول لا إله إلا الله وعرض عمر رضي الله عنه نفسه على الأطباء فنظروا إلى جرحه وأخبروه بأنه ميت، فقال عمر للطبيب: صدقتني، ولو قلت غير ذلك كذبتك.
ونهى عمر رضي الله عنه أهله وأصحابه من البكاء عليه.
90 -
ثبت أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا منه أن يستخلف عليهم خليفة، فلم يستخلف أحداً، ولكنه رشح لهم ستة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو راضٍ عنهم: عثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ.
91 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه أوصى ابنه عبد الله بسداد دينه وكان مقداره ستةً وثمانين ألفاً أو نحوها من ماله، فإن لم يوف فيسأل بني عدي، فإن لم تف فيسأل قريشاً، ولا يتعداهم إلى غيرهم.
92 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله عنها أن يدفن في حجرتها بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأذنت له.
93 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه طعن وتوفي في أواخر شهر ذي الحجة من العام الثالث والعشرين من الهجرة.
94 -
ثبت أن عمر رضي الله عنه غسل وكفن، وصلى عليه صهيب الرومي رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأدخل حجرة عائشة رضي الله عنها ودفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان عمره رضي الله عنه يوم وفاته ثلاثة وستين عاماً.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
فهرس
المصادر والمراجع
- آثار المدينة المنورة لعبد لقدوس الأنصاري. المكتبة العلمية التجارية بالمدينة، ط/ الرابعة 1406 هـ.
- الآحاد والمثاني لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني. تحقيق: باسم الجوابرة. دار الراية. الرياض. ط/الأولى. 1411 هـ - 1991 م.
- الآداب. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية. بيروت. 1406 هـ.
- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة. لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني البوصيري. (مخطوط) نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة عن الأصل المحفوظ بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (232، 243).
- إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة. للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن محمّد بن حجر العسقلاني تحقيق الدكتور وصي الله محمّد عباس. الطبعة الأولى 1421 هـ - 2001 م.
فهرس المصادر والمراجع
- آثار المدينة المنورة لعبد لقدوس الأنصاري. المكتبة العلمية التجارية بالمدينة، ط/ الرابعة 1406 هـ.
- الآحاد والمثاني لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني. تحقيق: باسم الجوابرة. دار الراية. الرياض. ط/الأولى. 1411 هـ - 1991 م.
- الآداب. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية. بيروت. 1406 هـ.
- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة. لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني البوصيري. (مخطوط) نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة عن الأصل المحفوظ بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (232، 243).
- إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة. للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن محمّد بن حجر العسقلاني تحقيق الدكتور وصي الله محمّد عباس. الطبعة الأولى 1421 هـ - 2001 م.
الصالح. ط/ السابعة 1405 هـ، دار الثقافة.
-الإخوان. لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق محمد عبد الرحمن الطوالبة، إشراف د. نجم عبد الرحمن خلف، دار الاعتصام.
- أدب الإملاء والاستملاء لأبي سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني. دراسة وتحقيق أحمد محمد عبد الرحمن محمود. ط / الأولى. مطبعة المحمودية.
- الأدب المفرد. لمحمد بن إسماعيل البخاري، دار البشائر الإسلامية. ط/ الثالثة / 1409 هـ.
- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. بيروت ط/الثانية 1405 هـ.
- الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم الكبير محمد بن محمد بن أحمد. تحقيق: يوسف بن محمد الدخيل. مكتبة الغرباء الأثرية. المدينة المنورة. ط/الأولى: 1414 هـ.
- أسباب النّزول لأبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي. تحقيق السيد أحمد صقر. ط/
الثالثة 1407 هـ. مؤسسة علوم القرآن.
- الاستيعاب في أسماء الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي. تحقيق علي معوض وعادل عبد الجواد. ط/ الأولى 1415 هـ. دار الكتب العلمية.
- أسد الغابة لعز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن الأثير الشيباني. دار إحياء التراث العربي لبنان.
- الأشراف لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى. مكتبة الرشد الرياض.
- الأشربة لأحمد بن محمد بن حنبل. حققه صبحي الجاسم. مطبعة العاني. بغداد.
- الشريعة لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري. تحقيق محمد حامد الفقي. مكتبة دار السلام. ط/ الأولى 1413 هـ.
- الإصابة في تمييز الصحابة لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار صادر. مطبعة السعادة. ط/ الأولى.
- أضواء على التاريخ الإسلامي. لفتحي عثمان. دار العروبة. القاهرة.
- أطلس تاريخ الإسلام. د. حسين مؤنس. الزهراء للإعلام العربي. ط/ الأولى 1407 هـ.
- الاعتصام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي. ضبطه أحمد عبد الشافي. ط/ الثانية 1411 هـ. دار الكتب العلمية.
- الأعلام لخير الدين الزركلي. دار العلم للملايين. لبنان ط/الثامنة 1989 م.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين لشمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية. راجعه طه عبد الرؤوف. دار الجيل.
- الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. إخراج فرانز روزنثال. ترجمة د صالح أحمد العلي. ط/ الأولى 1407 هـ. مؤسسة الرسالة.
- الأغاني لأبي الفرج على بن الحسين الأصفهاني/ إعداد مكتب. تحقيق إحياء التراث العربي. ط/ الأولى 1415 هـ. وأيضاً ط/ دار الكتب المصرية ط/ الأولى 1357 هـ.
- اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. مطبعة المجد.
- الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير لأبي محمّد الحسن بن أحمد الهمداني. تحقيق محب الدين الخطيب ط/1368 هـ. الطبعة السلفية ومكتباتها - القاهرة.
- الأم. لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي. أشرف على تصحيحه محمد زهري النجار. دار المعرفة. لبنان.
- الأمالي للحسن بن محمد الخلال. دراسة وتحقيق مجدي فتحي السيد. ط/ الأولى 1411 هـ. دار الصحابة للتراث.
- الأمالي. لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة الساعي الرياض.
- الأمالي لأبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي. تحقيق د. إبراهيم القيسي. ط/ الأولى 1412 هـ. دار ابن القيم. المكتبة الإسلامية.
- الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم الأصبهاني. تحقيق د. علي بن محمد بن ناصر فقيهي. مكتبة
العلوم والحكم. ط/ الأولى 1407 هـ.
- الأموال لحميد بن زنجوية. تحقيق الدكتور: شاكر ذيب فياض. ط/الأولى 1406 هـ. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. الرياض.
- الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم الهروي. تحقيق: محمد خليل هراس. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1401 هـ.
- المحبر لأبي جعفر محمّد بن حبيب. دار الآفاق الجديدة. اعتنى بتصحيحه الدكتور إيلزه لبختن.
- أنساب الأشراف لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري. تحقيق د. إحسان صدقي العمد. مؤسسة الشراع العربي ط/ الأولى 1409 هـ.
- الأوائل لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1407 هـ.
- الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. تحقيق الدكتور أبي حماد صغير
أحمد بن محمد حنيف. دار طيبة. ط/ الثانية 1414 هـ.
- أيام العرب قبل الإسلام لأبي عبيدة معمر بن المثنى. تحقيق عادل جاسم البياتي. ط/ الأولى 1407 هـ. عالم الكتب. مكتبة النهضة العربية.
- الإيمان لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي. تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. نشر وتوزيع دار الأرقم ضمن مجموعة رسائل من كنوز السنة.
- الإيمان لمحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. دراسة وتحقيق محمد بن حمدي الجابري. ط/ الأولى 1407 هـ. الدار السلفية الكويت.
- البداية والنهاية لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي .. تحقيق: مجموعة من الباحثين. دار الكتب العلمية. بيروت. ط / الأولى 1405 هـ.
- البدع والنهي عنها لمحمد بن وضاح القرطبي. تحقيق: محمد أحمد دهمان. دار البصائر ط/الثانية 1400 هـ.
- البحر الزخار لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي البزار. تحقيق محفوظ
الرحمن زين الله. مؤسسة علوم القرآن. مكتبة العلوم والحكم.
- البر والصلة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي ابن الجوزي. تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض. ط/ الأولى 1413 هـ. مكتبة السنة.
- البر والصلة لعبد الله بن المبارك بن واضح المروزي. مطبوع مع كتاب المسند له. تحقيق د. مصطفى عثمان محمد. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1411 هـ.
- البعث والنشور لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق أحمد عامر حيدر. ط/ الأولى 1406 هـ مركز الخدمات والأبحاث.
- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث. لنور الدين علي بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق الدكتور: حسين أحمد الباكري. نشر مركز خدمة السنة النبوية والسيرة بالمدينة المنورة ط/الأولىعام 1413 هـ.
- البيان والتبيين لأبي عثمان بن بحر بن محبوب الجاحظ. قدم له د. علي أبو ملحم. دار مكتبة الهلال ط/ الأولى 1408 هـ.
- بيوت الصحابة حول المسجد النبوي الشريف
لمحمد بن إلياس عبد الغني. ط/ الأولى 1407 هـ مركز طيبة للطباعة.
- التاريخ لأبي بكر أحمد بن زهير بن أبي خيثمة. مخطوط، نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية عن الأصل المحفوظ بمكتبة القرويين بالمغرب.
- تاريخ ابن خلدون المسمى: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر. ط: 1399 هـ. مؤسسة جمال للطباعة والنشر.
- تاريخ أبي زرعة الدمشقي لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي. تحقيق: شكر الله بن نعمة الله القوجاني.
- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي. ط/ الأولى 1407 هـ.
- تاريخ الأمم والملوك. لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1407 هـ.
- تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. دار الكتب العلمية - لبنان.
- تاريخ خليفة بن خياط لخليفة بن خياط العصفري. تحقيق د. أكرم ضياء العمري. دار طيبة الرياض. ط/ الثانية 1405 هـ.
- تاريخ دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي. دراسة وتحقيق محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمرو. دار الفكر 1415 هـ، وأيضاً الجزء الخاص بترجمة عمر بن الخطاب تحقيق سكنية الشهابي. مؤسسة الرسالة. ط/ الأولى 1414 هـ. وأيضاً المخطوط نسخة المكتبة الظاهرية، فهرسة محمد بن رزق بن طرهوني.
- التاريخ الصغير. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار المعرفة. لبنان.
- تاريخ الطبري = تاريخ الأمم.
- تاريخ عمر بن الخطاب لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. قدم له وعلق عليه أسامة بن عبد الكريم الرفاعي. دار إحياء علوم الدين. دمشق.
- تاريخ فتوح الشام لمحمد بن عبد الله الأزدي. تحقيق عبد المنعم عبد الله عامر. مؤسسة سجل العرب.
- تاريخ قريش لحسين مؤنس. ط/ الأولى 1408 هـ. الدار السعودية للنشر والتوزيع.
- التاريخ الكبير لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. تصحيح وتعليق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. دار الكتب العلمية. بيروت.
- تاريخ المدينة لعمر بن شبة = أخبار المدينة
- تاريخ معالم المدينة قديماً وحديثاً لأحمد بن ياسين الخياري. ط/الرابعة 1414 هـ. مطابع مؤسسة المدينة للصحافة. دار العلم بجدة.
- تاريخ واسط لأسلم بن سهل الرزاز الواسطي بحشل. تحقيق كوركيس عواد. عالم الكتب.
- تاريخ ولاة مصر وقضاتها لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي المصري. مؤسسة الكتب الثقافية. ط/ الأولى 1408 هـ.
- التاريخ عن يحيى بن معين. ليحيى بن معين بن عون المري الغطفاني. رواية عباس بن محمد الدوري. دراسة وترتيب وتحقيق د. أحمد بن محمد نور سيف ط/ الأولى 1399 هـ. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.
جامعة الملك عبد العزيز. مكة المكرمة.
- تاريخ يحيى بن معين رواية أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز = معرفة الرجال.
- تاريخ اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن واضح. دار صادر.
- التبيين في أنساب القرشيين لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة. تحقيق وتعليق محمد نايف الديلمي. مكتبة النهضة العربية ط/ الثانية 1408 هـ
- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لأبي العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري. ضبطه وراجع أصوله عبد الرحمن بن محمد عثمان. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ط/ الثانية 1385 هـ.
- تخريج الدلالات السمعية لعلي بن محمد بن سعود الخزاعي. تحقيق د. إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي. ط/ الأولى 1405 هـ.
- تذكرة الحفاظ لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. دار الفكر العربي. لبنان.
- تصحيفات المحدثين
لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري. دراسة وتحقيق محمود أحمد ميرة ط/ الأولى. المطبعة العربية الحديثة. القاهرة.
- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار الكتاب العربي
- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق الدكتور: عبد الغفار سليمان البنداري والأستاذ: محمد أحمد عبد العزيز. دار الكتب العلمية. بيروت. ط/الأولى 1405 هـ.
- تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي. تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. مكتبة الدار. المدينة المنورة. ط/الأولى 1406 هـ.
- تغليق التعليق على صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دراسة وتحقيق سعيد عبد الرحمن موسى القزقي. المكتب الإسلامي. بيروت ودار عمار. الأردن ط/الأولى 1405 هـ.
- تفسير ابن كثير = تفسير القرآن العظيم.
- تفسير البغوي = معالم التنزيل.
- تفسير سفيان الثوري لسفيان بن سعيد الثوري. راجعه لجنة من العلماء بإشراف الناشر دار
الكتب العلمية. بيروت. ط/الأولى 1403 هـ.
- تفسير الطبري= جامع البيان.
- تفسير القرآن لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق د. مصطفى مسلم محمد ط/ الأولى 1410 هـ. مكتبة الرشد. الرياض.
- تفسير القرآن العظيم لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي. دار التراث. القاهرة. مكتبة الدعوة الإسلامية.
- تقريب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي. قدم له وقابله محمد عوامة. ط/ الرابعة 1412 هـ. دار الرشد ودار القلم.
- تقييد العلم لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق: يوسف العش. دار إحياء السنة النبوية. ط/الثانية عام: 1974 م.
- التمهيد لمافي الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي. تحقيق: مجموعة من العلماء.
- التنكيل لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني
ومحمد عبد الرزاق حمزة. دار الكتب السلفية.
- تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآثار لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. تخريج محمود محمد شاكر.
- تهذيب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. ط/ الأولى 1325 هـ. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية. حيد آباد الدكن.
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال لجمال الدين أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي. تحقيق: بشار عواد معروف. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط/الثانية 1403 هـ.
- التواضع والخمول لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط/ الأولى 1409 هـ. دار الكتب العلمية.
- التوكل لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق وتعليق جاسم الفهيد الدوسري. ط/ الأولى 1404 هـ. دار الأرقم. الكويت.
- الثقات لأبي حاتم محمد بن حبان البستي. طبع دائرة المعارف العثمانية. بحيدر آباد. بالهند. ط/الأولى 1402 هـ.
- جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري. دار الباز للنشر والتوزيع 1398 هـ. دار الكتب العلمية.
- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. ط/ الأولى 1412 هـ. دار الكتب العلمية.
- جامع التحصيل في أحكام المراسيل لصلاح الدين أبي سعيد خليل العلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. ط/ الثانية 1407 هـ. عالم الكتب.
- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق د. محمود الطحان. مكتبة المعارف 1403 هـ.
- الجرح والتعديل لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي الرازي. ط/ الأولى. دائرة المعارف العثمانية. الهند، تصوير: دار إحياء التراث العربي. بيروت.
- جزء ابن ديزيل تحقيق وتخريج: عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم البخاري. ط/ الأولى. مكتبة البخاري.
- جزء الحسن بن الأشيب لأبي علي الحسن بن موسى الأشيب. تحقيق: أبي ياسر خالد بن قاسم الردادي. دار علوم الحديث. الإمارات العربية. ط/الأولى 1410 هـ
- جزء الحسن بن عرفة تحقيق وتعليق وتخريج عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. مكتبة دار الأقصى. الكويت. ط/ الأولى 1406 هـ.
- جزء أبي مسهر لعبد الأعلى بن مسهر. دراسة وتحقيق مجدي فتحي السيد. دار الصحابة للتراث. ط/ الأولى 1410 هـ.
- جزء محمد بن عاصم الثقفي الأصبهانيتحقيق وتخريج: مفيد خالد عيد. دار العاصمة. الرياض. ط/ الأولى 1409 هـ.
- جمهرة النسب لأبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي. رواية السكري عن ابن حبيب. تحقيق د. ناجي حسن ط/ الأولى 1407 هـ. عالم الكتب.
- جمهرة النسب. لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. تحقيق: عبد السلام هارون. دار المعارف. ط/ الرابعة.
- الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة.
لأبي القاسم إسماعيل بن محمد المعروف بقوام السنة الأصبهاني. تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي عمير المدخلي. دار الراية. الرياض. ط/الأولى عام: 1411 هـ.
- حذف من نسب قريش لمؤرج بن عمر السدوسي. تحقيق صلاح الدين المنجد. دار الكتاب العربي الجديد. بيروت ط/ الثانية.
- الحلم لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن.
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. دار الكتب العلمية.
- الخراج لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم. نشره قصي محب الدين الخطيب ط/ الخامسة 1396 هـ. المطبعة السلفية.
- خطط البصرة ومنطقتها. للدكتور صالح أحمد العلي. مطبعة المجمع العلمي العراقي 1406 هـ.
- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات البوطي، لمحمد بن ناصر الدين الألباني. نشر مجلة التمدن الإسلامي بدمشق.
طبع ضمن مجموعة رسائل.
- دلائل النبوة لأحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبي نعيم الأصبهاني. تحقيق د. محمد رواس قلعجي وعبد البر عباس. دار النفائس. ط/ الثانية 1406 هـ.
- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة.
- لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. توثيق وتخريج /عبد المعطي قلعجي. دار الريان للتراث. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1408 هـ.
- ديوان الحطيئة/ شرح أبي سعيد السكري. دار صادر - بيروت 1401 هـ.
- ديوان النابغة الذبياني. صنعه ابن السكيت. تحقيق شكري فيصل. ط/ مطابع دار الهاشم/ بيروت.
- ديوان حاتم الطائي. شرحه وقدّم له أحمد رشاد. ط/ دار الكتب العلمية بيروت. ط/ الأولى 1406 هـ.
- ذم الدنيا لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق السيد إبراهيم. مكتبة الساعي.
- ذم المسكر لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى 1409 هـ. دار الراية.
- الرقة لموفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. حققه وعلق عليه: مسعد بن عبد الحميد السعدني. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1414 هـ.
- الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام. لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسين السهيلي. قدم له: طه عبد الروؤف سعد. دار المعرفة.
- الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد بن عبد المنعم الحميري. حققه إحسان عباس. مكتبة لبنان. ط/ الثانية 1984 م.
- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء. لأبي حاتم محمد بن حبان البستي. تحقيق وتصحيح محمد حامد الفقي. مطبعة السنة المحمدية.
- الزهد لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم. تحقيق د. عبد العلي عبد الحميد. الدار السلفية. بومباي. ط/الأولى 1403 هـ.
- الزهد لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني. دار الريان. ط / الأولى 1408 هـ.
- الزهد لعبد الله بن المبارك المروزي. حققه حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية.
- الزهد الكبير لأحمد بن الحسين البيهقي تحقيق وتخريج عامر أحمد حيدر. ط/ الأولى 1408 هـ. دار الجنان ومؤسسة الكتب الثقافية.
- الزهد لوكيع بن الجراح. تحقيق وتخريج عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي. ط/ الأولى. مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
- الزهد لهناد بن السري. تحقيق وتخريج عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي. دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ط/ الأولى 1406 هـ.
- الزهد وصفة الزاهدين لأحمد بن محمد بن زياد ابن الأعرابي. تحقيق مجدي فتحي السيد. ط/ الأولى 1408 هـ. مكتبة الصحابة.
- سلسلة الأحاديث الصحيحة
لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. ط/ الرابعة 1405 هـ.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة لمحمد ناصر الدين الألباني. مكتبة المعارف. ط/ الأولى 1408 هـ.
- السنة ومكانتها في الشرع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي. ط/ الثالثة 1402 هـ. المكتب الإسلامي.
- السنن لمحمد بن إدريس الشافعي. تحقيق وتخريج د. خليل إبراهيم ملا خاطر. مؤسسة علوم القرآن. ط/ الأولى 1409 هـ.
- سنن ابن ماجه لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجة القزويني. حققه محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر.
- سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. راجعه محمد محيي الدين عبد الحميد. دار إحياء التراث العربي.
- سنن الترمذي وهو الجامع الصحيح لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. حققه وصححه عبد الوهاب عبد اللطيف. دار الفكر. ط/ الثانية 1398 هـ.
- سنن الدارقطني.
لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني. وبذيله التعليق المغني على الدارقطني لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. دار المحاسن للطباعة. عني بتصحيحه عبد الله هاشم يماني.
- سنن الدارمي لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي. دار الكتب العلمية. طبع بعناية محمد أحمد دهمان. نشر دار إحياء السنة النبوية.
- سنن سعيد بن منصور لسعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي. تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية. ط/الأولى 1414 هـ. وأيضاً بتحقيق د. سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد. دار الصميعي. الرياض. ط/الأولى 1414 هـ.
- السنن الصغرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. تخريج وتعليق د. عبد المعطي أمين قلعجي. ط/ الأولى 1410 هـ. منشورات جامعة الدراسات الإسلامية. كراتشي - باكستان.
- السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. في ذيله الجوهر النقي. دار المعرفة. لبنان. مكتبة المعارف. الرياض.
- السنن الكبرى
لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. تحقيق د. عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن. دار الكتب العلمية. بيروت ط/ الأولى 1411 هـ.
- سنن النسائي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية السندي - دار الفكر ط/ الأولى 1348 هـ.
- السنة. لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال. دراسة وتحقيق د. عطية الزهراني. دار الراية. الرياض. ط/الأولى 1410 هـ.
- السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل. تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول - دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1405 هـ.
- السنة لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني. ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. بيروت ط/الثانية 1405 هـ.
- السير لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري. دارسة وتحقيق د. فاروق حماده. مؤسسة الرسالة. ط/ الأولى 1408 هـ
- سير أعلام النبلاء. لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. أشرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة. بيروت ط/الرابعة 1406 هـ - 1986 م.
- السيرة النبوية لأبي الفداء إسماعيل بن كثير. تحقيق مصطفى عبد الواحد. دار المعرفة 1403 هـ.
- السيرة النبوية لأبي محمد عبد الملك بن هشام الحميري النحوي. مع شرح أبي ذر الخشني. تحقيق د. همام عبد الرحيم سعيد ومحمد عبد الله أبو صعيلك. ط/ الأولى 1409 هـ. مكتبة المنار. وأيضاً بتحقيق مصطفى السقا. دار إبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي. دار/ الثالثة 1375 هـ. مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
- السيرة النبوية الصّحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري. 1412 هـ. مكتبة العلوم والحكم.
- السيرة النّبويّة في ضوء المصادر الأصليّة. للدكتور مهدي رزق الله. ط/ الأولى 1412 هـ. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلاميّة.
- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة
لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي. تحقيق د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي. ط/ الثالثة 1415 هـ. دار طيبة للنشر والتوزيع. الرياض.
- شرح السنة لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. المكتب الإسلامي.
- شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين. ط/الثالثة 1405 هـ. مؤسسة الرسالة. مكتبة الرشد.
- شرح معاني الأثار لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي. تحقيق: محمد زهري النجار. دار الكتب العلمية. بيروت. ط/الثانية 1407 هـ.
- شرف أصحاب الحديث لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق الدكتور: محمد سعيد خطيب أوغلي. دار إحياء السنة النبوية، كلية الإلهيات جامعة أنقرة.
- شعب الإيمان للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: أبي هاجر محمد السعيدبن بسيوني زغلول. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان.
ط/الأولى 1410 هـ وأيضاً بتحقيق عبد العلي بن عبد الحميد حامد باسم (الجامع لشعب الإيمان) الدار السلفية بومباي، الهند ط/ الأولى 1406 هـ.
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام. تأليف الإمام أبي الطيب تقي الدين محمّد بن أحمد القاسي. حققه د/ عمر تدمري 1405 هـ. دار الكتاب العربي.
- صحيح ابن حبان = الإحسان بترتيب.
- صحيح الأدب المفرد لمحمد ناصر الدين الألباني. ط/ الأولى 1414 هـ دار الصديق الجبيل.
- صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي وأولاده.
- صحيح سنن ابن ماجه لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية العربي لدول الخليج. بيروت. ط/الثالثة عام: 1408 هـ. المكتب الإسلامي.
- صحيح سنن أبي داود لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية العربي لدول الخليج. ط/ الأولى 1409 هـ
- صحيح سنن الترمذي لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية لدول الخليج العربي ط/ الأولى 1408 هـ.
- صحيح سنن النسائي لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية لدول الخليج العربي ط/ الأولى 1409 هـ. المكتب الإسلامي.
- صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. بحاشيته شرح محي الدين النووي. المطبعة المصرية ومكتباتها.
- صريح السنة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. حققه بدر بن يوسف المعتوق ط/ الأولى 1405 هـ. دار الخلفاء للكتاب الإسلامي.
- الصمت وآداب اللسان لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. تحقيق وتعليق د. محمد أحمد عاشور. دار الاعتصام. ط/ الثانية 1408 هـ.
الضعفاء الكبير لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. دار الكتب العلمية. بيروت ط/الأولى عام: 1404 هـ.
- ضعيف سنن أبي داود
لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. إشراف زهير الشاويش بيروت. ط/الأولى 1412 هـ.
- ضعيف سنن ابن ماجه لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. المكتب الإسلامي. بيروت. ط/ الأولى 1408 هـ
- ضعيف سنن الترمذي لمحمد اصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. المكتب الإسلامي ط/ الأولى 1411 هـ.
- طبقات الشعراء لأبي محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. تحقيق مفيد قميحة ط/ الأولى 1401 هـ. دار الكتب العلمية بيروت.
- طبقات فحول الشعراء. تأليف محمّد بن سلام الجمحي. شرح محمود بن محمّد شاكر. مطبعة المدني.
- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع البصري. دار صادر. بيروت. 1405 هـ.
- الطبقات الكبرى - الطبقة الخامس دراسة وتحقيق د. محمد بن صامل السلمي. نشر مكتبة الصديق. الطائف ط/ الأولى 1414 هـ.
- الطبقات الكبرى - الطبقة الرابعة تحقيق ودراسة د. عبد العزيز عبد الله السلومي. مكتبة الصديق. الطائف ط/ الأولى 1416 هـ.
- الطريق إلى دمشق لأحمد عادل كمال. دار النفائس. ط/ الرابعة 1411 هـ.
- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. تأليف ابن قيم الجوزية. تحقيق محمّد حامد الفقي. ط/ مطبعة السنة المحمّديّة 1372 هـ - 1395 هـ.
- الطهور لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق ودراسة صالح محمد الفهد المزيد ط/ الثانية 1414 هـ. مكتبة العلوم والحكم.
- عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي. المطبعة المصرية بالأزهر. ط/ الأولى 1350 هـ.
- عبقرية عمر لعباس محمود العقاد. المكتبة العصرية. بيروت.
- العقد الفريد لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي. تحقيق مفيد محمد قميحة. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1404 هـ.
- العقل وفضله واليقين
لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة الساعي. الرياض.
- على طريق الهجرة لعاتق بن غيث البلادي. دار مكة للنشر والتوزيع.
- العلل الواردة في الأحاديث النبوية لأبي الحسن علي بن عمر الدار قطني. تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي. دار طيبة الرياض. ط/الأولىعام 1405 هـ.
- العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب النسائي. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. نشر دار الأرقم. ضمن مجموعة رسائل من كنوز السنة.
- العمدة في محاسن الشعر وآدابه. لأبي الحسن بن رشيق الأزدي. تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد. دار الجيل بيروت. ط/ الخامسة 1401 هـ.
- عمل اليوم والليلة لأبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المعروف بابن السني. حققه وخرج أحاديث أبو محمد عبد الرحمن كوثر البرني. دار القبلة للثقافة الإسلامية. جدة
- العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي r للقاضي أبي بكر بن العربي 1405 هـ. المكتبة العلمية.
- عون المعبود لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي. ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. المكتبة السلفية بالمدينة. ط/ الثانية 1389 هـ.
- العيال لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى 1410 هـ. دار ابن القيم.
- غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام لعز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمّد بن فهد الهاشمي القرشي. تحقيق فهيم محمّد شلوّت ط/ الأولى 1406 هـ. مركز البحث التراث جامعة أم القرى.
- غريب الحديث لأبي سليمان حمد بن محمد إبراهيم الخطابي البستي. تحقيق عبد الكريم إبراهيم بن إبراهيم العزباوي. مركز البحث العلمي وإحياء التراث. جامعة أم القرى 1403 هـ.
- غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي. ط/ الأولى 1406 هـ. دار الكتب العلمية.
- الغيبة والنميمة لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه
عمرو علي عمر. الدار السلفية بومباي. الهند. ط/ الأولى 1409 هـ.
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي - قابله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. دار الفكر.
- فتح المغيث شرح ألفية الحديث لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. ط/ الأول 1403 هـ. دار الكتب العلمية.
- فتوح البلدان لأبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري. راجعه رضوان محمد رضوان. دار الكتب العلمية 1403 هـ.
- فتوح مصر وأخبارها لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم. طبعة ليدن 1920 م. مكتبة المثنى. بغداد.
- الفروسية لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب. تحقيق مشهور ابن حسن سلمان. دار الأندلس. ط/ الأولى 1414 هـ.
- فضائل الأوقات. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. دراسة وتحقيق عدنان عبد الرحمن مجيد القيسي. ط/الأولى 1400 هـ. مكتبة المنارة - مكة.
- فضائل بيت المقدس لضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي. تحقيق: محمد مطيع الحافظ. دار الفكر. ط/الأولىعام 1405 هـ.
- فضائل الصحابة لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل. حققه وخرج أحاديثه وصي الله محمد عباس. ط/ الأولى 1403 هـ. جامعة أم القرى. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.
- فضائل الصحابة لخيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي. في مجموعة من حديث خيثمة ابن سليمان. دراسة وتحقيق عمر بن عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي.
- فضائل الصديق لأبي طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي العشاري. تحقيق وتخريج عمرو بن عبد المنعم. ط/ الأولى 1413 هـ. دار الصحابة للتراث - طنطا.
- الفوائد. لأبي عمرو بن منده. تخريج مسعد بن عبد الحميد السعدني. ط/ الأولى 1412 هـ. دار الصحابة للتراث بطنطا.
- الفوائد
لتمام بن محمد الرازي. حققه وخرج أحاديثه حمدي بن عبد المجيد السلفي. مكتبة الرشد. ط/ الأولى 1412 هـ.
- القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي. المؤسسة العربية للطباعة والنشر. دار الجيل.
- القصاص والمذكرين لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. حققه وعلق عليه د. محمد بن لطفي الصباغ. المكتب الإسلامي. ط/ الثانية 1409 هـ.
- القضاء في عهد عمر بن الخطاب لناصر بن عقيل الطريفي. دار المدني. ط/ الأولى 1406 هـ.
- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. وحاشية لبرهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن محمد سبط بن العجمي. قدم له محمد عوامة وخرج نصوصه أحمد محمد نمر الخطيب. دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن. ط/الأولىعام 1413 هـ.
- الكامل في التاريخ. لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن الأثير. راجعه مجموعة من العلماء. دار الكتاب العربي. ط/ الرابعة 1403 هـ.
- الكامل في ضعفاء الرجال
لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني. دار الفكر. ط/الثانية 1405 هـ.
- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار. لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي. تقديم وضبط كمال يوسف الحوت. مكتبة العلوم والحكم. ط/ الأولى 1409 هـ.
- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. مؤسسة الرسالة. ط/الثانية 1404 هـ.
- الكفاية في أصول السماع والرواية. تأليف الحافظ الخطيب البغدادي. ط/ دار الكتب الحديثية.
- الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لأبي البركات محمد بن أحمد المشهور بابن الكيال. تحقيق: عبد القيوم بن عبد رب النبي. دار المأمون للتراث. ط/الأولىعام 1401 هـ.
- لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري. مكتبة تحقيق التراث - دار إحياء التراث العربي. مؤسسة التاريخ العربي. ط/ الثالثة 1413 هـ.
- لسان الميزان لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار الكتاب
الإسلامي. ط/الثانية.
- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التيمي البستي. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار الوعي. ط/الأولى عام 1396 هـ.
- مجمع البحرين في زوائد المعجمين لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق ودراسة عبد القدوس بن محمد نذير. مكتبة الرشد. الرياض. ط/الأولىعام 1413 هـ.
- مجمع الزوائد ومنع الفوائد لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. مكتبة المعارف 1406 هـ.
- محاسبة النفس لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن.
- المحلى بالآثار لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. تحقيق عبد الغفار البنداري. دار الفكر.
- المحن لمحمد بن أحمد بن تميم التميمي. تحقيق يحيى وهيب الجبوري. ط/ الثانية 1408 هـ. دار الغرب الإسلامي.
- مختار الصحاح
لمحمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي. إخراج دائرة المعاجم في مكتبة لبنان. مكتبة لبنان 1986 م. المختارة للضياء المقدسي. انظر: الأحاديث المختارة.
- مختصر منهاج السنة لعبد الله الغنيمان. مكتبة الكوثر. دار الأرقم. ط/ الثانية 1412 هـ.
- المذكر والتذكير والذكر لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم. تحقيق أبي ياسر خالد بن قاسم. ط/ الأولى 1413 هـ. دار المنار.
- مرويات العهد المكي. لعادل عبد الغفور. رسالة ماجستير بقسم السنة بكلّيّة الحديث. الجامعة الإِسلاميّة، بالمدينة المنورة.
- مسائل الإمام أحمد لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني. ط/ الثانية. الناشر. محمد أمين دمج.
- مساوئ الأخلاق ومذمومها لأبي بكر محمد بن جعفر بن سهل السامري الخرائطي. تحقيق وتخريج مصطفى أبي النصر الشلبي. ط/الأولى 1412 هـ. مكتبة السوادي. جدة.
- المستدرك على الصحيحين
لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. وفي ذيله تلخيص المستدرك للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. دار الفكر 1398 هـ.
- المسند لمحمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة بن أدهم. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن. القاهرة.
- المسند لأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفرائيني. دار الكتبي.
- المسند لعبد الله بن المبارك بن واضح المروزي. حققه وعلق عليه صبحي البدري السامرائي. مكتبة المعارف. ط/ الأولى 1407.
- المسند. لأحمد بن حنبل الشيباني. المكتب الإسلامي. بيروت. ط/ الخامسة. 1405 هـ.
- المسند. إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي. تحقيق: الدكتور عبد الغفور البلوشي. مكتبة الإيمان. المدينة المنورة. ط/ الأولى 1412.
- مسند ابن الجعد
لأبي الحسين علي بن الجعد الجوهري. تحقيق: الدكتور عبد المهدي بن عبد القادر. مكتبة الفلاح. الكويت. ط/الأولىعام 1405 هـ.
- مسند أبي يعلى لأحمد بن علي بن المثنى التميمي. حققه وخرج أحاديث حسين سليم أسد. دار المأمون. ط/ الأولى 1404 هـ.
- مسند البزار = البحر الزخار.
- مسند الحميدي لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. عالم الكتب. بيروت.
- مسند الشاشي لأبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي. تحقيق محفوظ الرحمن زين الله السلفي. ط/ الأولى 1410 هـ. نشر مكتبة العلوم والحكم بالمدينة.
- مسند الشافعي لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1400 هـ.
- مسند الشهاب لأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي. حققه وخرج أحاديثه حمدي ابن عبد المجيد السلفي. ط/ الأولى 1405 هـ. مؤسسة الرسالة.
- مسند الطيالسي
لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري. مكتبة المعارف. دار المعرفة.
- مسند عمر بن الخطاب لأبي يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت. تحقيق كمال يوسف الحوت. ط/ الأولى 1405 هـ. مؤسسة الكتب الثقافية.
- مسند الفاروق لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي. وثق أصوله وخرج أحاديثه د. عبد المعطي قلعجي ط/ الأولى 1411 هـ.
- مشكاة المصابيح. لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي بيروت. ط/الثالثة 1405 هـ
- مشكل الآثار لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي. ط/ الأولى. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدر أباد الدكن. 1333 هـ.
- المشيخة لإبراهيم بن طهمان. تحقيق د. محمد طاهر مالك. دمشق. 1403 هـ.
- المصاحف لأبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1405 هـ.
- المصباح المنير. تأليف أحمد بن محمد بن علي الفيُّومي. مكتبة لبنان.
- المصنف لأبي بكر بن أبي شيبة = الكتاب المصنف.
- المصنف لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. توزيع المكتب الإسلامي. بيروت. ط/الثانيةعام 1403 هـ.
- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. (مخطوط) لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. نسخة مصورة بمكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عن الأصل المحفوظ بالمكتبة السلمانية. مكتبة مراد بخارى باستنبول برقم 83/ 2.
- معالم التنزيل لمحي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي. حققه محمد بن عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان الحرش. دار طيبة للنشر والتوزيع 1411 هـ.
- المعجم لأبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي. تحقيق: الدكتور أحمد بن ميرين البلوشي. مكتبة الكوثر. الرياض. ط/الأولى عام 1412 هـ.
- معجم البلدان
لشهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي. دار صادر. بيروت. 1404 هـ.
- المعجم لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي. حققه حسين سليم أسد الداراني وعبده علي كوشك. دار المأمون للتراث. ط/ الأولى 1410 هـ.
- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لعمر رضا كحالة. مؤسسة الرسالة. ط/ السادسة 1412 هـ.
- المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. ط/ الثانية. مكتبة ابن تيمية. القاهرة.
- معجم لغة الفقهاء للدكتور محمد رواس قلعجي والدكتور حامد صادق قني-ب-ي. ط/ الثانية 1408 هـ. دار النفائس.
- معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية لعاتق بن غيث البلادي. دار مكة للنشر والتوزيع. ط/الأولى 1402 هـ.
- المعجم الوسيط لمجموعة من العلماء. ط/ الثانية. مطابع دار المعارف بمصر.
- معرفة الرجال
لأبي زكريا يحيى بن معين رواية أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز. تحقيق محمد كامل القصار 1405 هـ.
- معرفة الصحابة لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. تحقيق: محمد راضي بن حاج عثمان. مكتبة الدار بالمدينة، ومكتبة الحرمين بالرياض. ط/ الأولى عام 1408 هـ. وأيضاً النسخة المخطوطة وهي مصورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن الأصل المحفوظ بمكتبة أحمد الثالث بتركيا.
- المعرفة والتاريخ لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي. تحقيق: الدكتورأكرم ضياء العمري. مكتبة الدار. المدينة المنورة. ط/الأولىعام 1410 هـ.
- معرفة السنن والآثار لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، مصور عن المكتبة الآصفية، حيدر أباد الدكن.
- المعلقات العشر وأخبار شعرائها. جمع وتصحيح أحمد بن الأمين الشنقيطي. ط/ دار الكتب العلمية.
- المغانم المطابة في معالم طابة لمجد الدين أبي الطاهر محمّد بن يعقوب الفيروزابادي. تحقيق/ حمد الجاسر. ط/ الأولى 1389 هـ. منشورات دار اليمامة.
- المغني لموفق الدين ابن قدامة. دار الفكر. ط/ الأولى 1404 هـ.
- مقاييس نقد متون السنة. تأليف الدكتور سفر غرم الله الدميني ط/ الأولى 1404 هـ.
- مكارم الأخلاق لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن ابي الدنيا. تحقيق. محمد بن عبد القادر أحمد عطا. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1409 هـ.
- مكارم الأخلاق لأبي بكر محمد بن جعفر السامري الخرائطي. تحقيق سعاد سليمان إدريس ط/ الأولى 1411 هـ. مطبعة المدني.
- المنتخب من مسند عبد بن حميد لأبي محمد عبد بن حميد. تحقيق: صبحي السامرائي ومحمود الصعيدي. مكتبة السنة. ط/ الأولى 1408 هـ.
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي. دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا. ط/ الأولى دار الكتب العلمية 1412 هـ.
- المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله لأبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري. فهرسه وعلق عليه عبد الله بن عمر البارودي. ط/ الأولى 1408 هـ. مؤسسة الكتب الثقافية.
- المنجد في اللغة والأعلام. دار المشرق. بيروت. ط/ الثامنة والعشرون.
- المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ للدكتور محمد رشاد خليل. دار المنار. ط/ الأولى 1404 هـ.
- منهج النقد عند المحدّثين نشأته وتاريخه. تأليف د. محمّد مصطفى الأعظمي. ط/ المكتبة الكوثر. ط/ الثانية.
- الموطأ. مالك بن أنس الأصبحي. تحقيق وتعليق د. بشار عواد ومحمود محمد خليل. ط/ الثانية 1413 هـ. مؤسسة الرسالة.
- ميزان الاعتدال في نقد الرجال لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق علي بن محمّد البجاوي. دار المعرفة. بيروت.
- نسب قريش لأبي عبد الله مصعب بن عبيدالله الزبيري. عني بنشره: إ /ليفي بروفنسال. توزيع مكتبة ابن تيمية. ط/ الثالثة. دار المعارف.
- النكت لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: الدكتورربيع هادي عمير المدخلي. ط/ الأولى 1404 هـ. نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة.
- النهاية في غريب الحديث لمجد الدين المبارك بن محمد بن الأثير الجزري. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي و محمود الطناحي. دار الفكر. ط/ الثانية 1399 هـ.
- الورع لأحمد بن محمد بن حنبل. تحقيق د. زينب إبراهيم القاروط. دار الكتب العلمية. ط/الأولى 1403 هـ.
- وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى لنور الدين علي بن أحمد السمهودي. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. دار إحياء التراث العربي. بيروت. ط/ الرابعة 1404 هـ.