الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الآراء في الزكاة
، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تحريم الذهب المحلق
المبحث الثاني: عدم وجوب زكاة عروض التجارة
المبحث الثالث: عدم وجوب زكاة الأوراق النقدية
قال الفضيل بن عياض: (ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس وكره أن يُذكر أحد بخير). جامع بيان العلم (1/ 571).
قال ابن تيمية في مجموع فتاويه (10/ 216): (فترضيه الكلمة وتغضبه الكلمة، ويستعبده من يثني عليه ولو بالباطل، ويعادي من يذمه ولو بالحق).
المبحث الأول: تحريم الذهب المُحلَّق
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل
قال عمر رضي الله عنه لزياد بن حدير: (هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قال: قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين).
أخرجه الدارمي (220)
المبحث الأول: تحريم الذهب المُحلَّق
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
المُحلَّق في اللغة: (موضع حلق الرأس بمنى)
(1)
، قال الأزهري:(وأنشد: كلا وربِّ البيت والمُحلَّق، وقال الله جل وعز: {آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ})
(2)
، وقال الفرزدق:
(بمَنْزِلَةٍ بينَ الصَّفا كنْتُما بهِا
…
وزَمْزمَ والمَسْعَى، وعندَ المُحلَّقِ)
(3)
.
(والمُحلَّق من الإبل: الموسوم بحلْقة في فخذه، أو في أصل أذنه)
(4)
، وفي معجم اللغة العربية المعاصرة
(5)
ذكروا في معنى مُحلَّق: الـ (مُشَكَّل من حلقات، أو أجزاء، أو أقسام شبيهة بالحَلَقَة)
(6)
، فالمحلَّق على ذلك مأخوذة من الحَلْقة وهي: (كل شيء استدار، كحلْقة الحديد والفضة والذهب
…
وقد حكى سيبويه في الحلْقة فتح اللام، وأنكرها ابن السكيت وغيره)
(7)
.
(1)
العين (3/ 49)، وانظر: تهذيب اللغة (4/ 38)، لسان العرب (10/ 64).
(2)
تهذيب اللغة (4/ 38).
(3)
ديوان الفرزدق ص (404)، وانظر: تاج العروس (25/ 196).
(4)
تهذيب اللغة (4/ 38)، لسان العرب (10/ 64).
(5)
وهو معجم جاء في مقدمته (1/ 9) أن فكرته جاءت (ليكون معجمًا عصريًّا يقف على الكلمات المستعملة في العصر الحديث، والاستعمالات المستحدثة التي لم تفقد الصحة اللغويَّة)، وجاء أيضاً:(والمتتبِّع الآن للغة المعاصرة -وما يصيب دلالة مفرداتها من تطوُّر مستمرّ، بالإضافة إلى استحداث كلمات جديدة لمسايرة التقدُّم العلميّ والتكنولوجيّ الهائل- يجد أنَّ معظمها لم يثبت في المعاجم بعد) انتهى، ومن ذلك كلمة المُحلّق للدلالة على المُشكّل من حلقات، فإني لم أقف عليها في كتب اللغة والمعاجم القديمة.
(6)
معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 547).
(7)
المحكم والمحيط الأعظم (3/ 6 - 7)، لسان العرب (10/ 61).
- أما الذهب المُحلَّق؛ فهذا اصطلاحٌ ابتدأه الألباني (ت 1420) فيما يظهر سنة (1371) هـ
(1)
، ولم أقف عليه بعد البحث عند من سبقه من العلماء
(2)
، في كتب التفسير والحديث، والشروح والغريب، والفقه ومذاهبه، و اللغة ومعاجمها.
- ويقصد الألباني بالذهب المحلق: (الذي يُحيط، [و] يصبح حلْقة حول العضو)
(3)
، ومن أمثلته: (خاتم الذهب
…
ومثله السوار والطوق من الذهب)
(4)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
نُقل الإجماع على تحريم استعمال آنية الذهب والفضة للرجال والنساء في الأكل والشرب وغيرهما من الاستعمالات، كما سبق في المبحث الخامس من الطهارة.
2.
…
(واتفقوا على إباحة تحلي النساء بالفضة ما لم يكثر منها، واتفقوا على إباحة تختم الرجال بالفضة، واتفقوا على إباحة تحلى النساء بالجوهر والياقوت)
(5)
.
(1)
انظر: آداب الزفاف ص (237)، وهو يحيل على هذا الكتاب في تقرير المسألة، كما في السلسلة الصحيحة (4/ 481)، وتمام المنة ص (362)
(2)
جاء في رسالة "آراء الشيخ الألباني الفقهية"- قسم المعاملات، للمشعان (1/ 519):(ولم أجد أثناء بحثي في هذه المسألة من تكلّم عليها بمفردها، وأول من تكلّم عليها الشيخ الألباني في كتابه آداب الزفاف).
(3)
سلسة الهدى والنور الشريط (536)، الدقيقة (60: 58).
(4)
آداب الزفاف ص (222)، وفي ص (223) حاشية (3):(وقد توضع الحلقة في الأذن وتسمى حينئذ قرطاً، كما يأتي، فالظاهر أن الحديث لا يشمله، لكن رويت أحاديث تقتضي التحريم فيها ضعف)، وفي سلسلة الهدى والنور الشريط رقم (259)، الدقيقة (39: 40): (الذهب المُحلَّق اللي هو خاتم، أو سوار، أو طوق، هذا المحرم، ما سوى ذلك أزرار ذهبية، شَكْلات، مشط
…
ما إلى آخره كله حلال).
(5)
مراتب الإجماع ص (150)، وانظر: الإقناع لابن القطان (2/ 301).
3.
قال ابن عبدالبر: (وأما التختم بالذهب؛ فلا أعلم أحداً من أئمة الفتوى أجاز ذلك للرجال)
(1)
، وقال:(ولا خلاف بين العلماء أن التختم بالذهب جائز للنساء، وقد جاء في كراهيته للنساء حديث شاذ منكر)
(2)
، وذهب بعض المعاصرين إلى تحريم تختم النساء بالذهب أو لبسهن الإسوارة أو الطوق ونحوه من الذهب المشكّل على شكل حلْقة، وحُكم على قولهم بالشذوذ، وهذا هو المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
الاستذكار (8/ 303)، وقال:(8/ 392): (فالتختم به منسوخ، والمنسوخ لا يحل استعماله).
(2)
الاستذكار (8/ 393)، وانظر: الإقناع (2/ 301).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
القائل بهذا الرأي من المعاصرين هو:
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (ت 1420)
(1)
رحمه الله.
(1)
قال في آداب الزفاف ص (222): (تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء: واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم خاتم الذهب عليهن ومثله السوار والطوق من الذهب)، وقال في ص (237):(شبهات حول تحريم الذهب المحلق وجوابها)، وقال في تمام المنة ص (362):(التحريم له شواهد كثيرة، وقد جمعتها في فصل خاص ذهبت فيه تبعاً لبعض السلف إلى استثناء الذهب المحلق من عموم حل الذهب للنساء، وقد أودعته في رسالتي "آداب الزفاف في السنة المطهرة" وقد أجبت فيه عن شبهات المخالفين والمقلدين، فراجعه فإنه هام جداً)، وقال في السلسلة الصحيحة (4/ 481):(فالذهب بالنسبة للنساء حلال إلا أواني الذهب كالفضة، فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقاً، وكذلك الذهب المحلق على الراجح عندنا، عملاً بالأدلة الخاصة المحرمة، ودعوى أنها منسوخة مما لا ينهض عليه دليل كما هو مبين في كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة "، ومن نقل عني خلاف هذا فقد افترى).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه ونحوه من الألفاظ، ومن ذلك:
- محمد بن إبراهيم (ت 1389) بقوله: (بعض الناس ذهب إلى المنع من تحلي النساء بالذهب، وكتب في ذلك، وهذا خلاف ما في الأحاديث المصرحة بذلك. والذي كتب في ذلك ناصر الدين الألباني ـ وهو صاحب سنة ونصرة للحق ومصادمة لأهل الباطل، ولكن له بعض المسائل الشاذة، من ذلك هذه المسألة وهو عدم إباحته)
(1)
.
- وعبدالله بن حميد (ت 1402) بقوله: (عنده شيء من الشذوذ في بعض مؤلفاته، يقول: المرأة مايجوز أن تلبس الحلي و أنها ممنوعة
…
وخالف إجماع الأمة في إباحة الحلي للنساء مما جرت به العادة، والأحاديث صريحة في هذا)
(2)
.
- وإسماعيل الأنصاري (ت 1417) في رسالته"إباحة التحلي بالذهب المحلّق للنساء": (رأيت إخراج هذا البحث في كتاب مستقل؛ لئلا يغتر بكلام الألباني من هو خالي الذهن من حكم هذه المسألة، فيقع فيما وقع فيه الألباني من الشذوذ ومخالفة الإجماع)
(3)
.
(1)
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم (4/ 92).
(2)
شرح كتاب التوحيد، الشريط (12)، بعد مرور (1: 27: 30) من التسجيل الموجود في موقع طريق الإسلام لشرحه على كتاب التوحيد.
(3)
إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء، ص (52).
- وقال عبدالمحسن العباد تحت عنوان: (موقف أهل السنَّة من العالم إذا أخطأ أنَّه يُعذر فلا يُبدَّع ولا يُهجَر)، فذكر بعض العلماء ثم قال:(ومن المعاصرين الشيخ العلاَّمة المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني، لا أعلم له نظيراً في هذا العصر في العناية بالحديث وسعة الاطِّلاع فيه، لَم يسلم من الوقوع في أمور يعتبرها الكثيرون أخطاء منه)، وعدّ أموراً منها:(وكذا تحريمه الذهب المحلَّق على النساء، ومع إنكاري عليه قوله في هذه المسائل، فأنا لا أستغني وأرى أنَّه لا يستغني غيري عن كتبه والإفادة منها)
(1)
.
- وقال مصطفى العدوي: (الفتوى الغريبة التي صدرت من الشيخ الفاضل ناصر الدين الألباني، ألا وهي فتواه بتحريم الذهب المحلّق على النساء، تلكم الفتوى التي لم يسبق إلى مثلها -فيما نعلم-
…
نأمل أن يرجع الشيخ الكريم عن فتواه)
(2)
.
(1)
"رفقاً أهل السنة بأهل السنة" ص (35 - 36)، وذكر مسائل كلها معدودة من الشذوذ إلا واحدة، والتي ذكرها: مسألتنا هذه، وبدعية وضع الكفين على بعضهما بعد الرفع من الركوع -وقد سبق بحثها-، وبدعية ترك ما زاد في اللحية عن القبضة -وقد سبق بحثها-، وعدم وجوب ستر وجه المرأة.
(2)
"المؤنق في إباحة تحلي النساء بالذهب المحلق وغير المحلق" ص (4 - 5)، ووصفها كذلك بالخطأ.
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بجواز الذهب المُحلًّق للنساء:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}
(1)
.
وجه الاستدلال:
- أنه (ذكر سبحانه أن الحلية من صفات النساء)
(2)
، (وأباح لهن الحلية بإطلاق، فدخل في ذلك الذهب المحلّق، وغير المحلّق)
(3)
، قال مجاهد بن جبر:(رُخّص للنساء في الحرير، والذهب ثم قرأ {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ})
(4)
.
(1)
من الآية (18) من سورة الزخرُف، و (معنى من {يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} من تُجعل له الحلية من أول أوقات كونه ولا تفارقه، فإن البنت تتخذ لها الحلية من أول عمرها، وتستصحب في سائر أطوارها، وحسبك أنها شقت طرفا أذنيها؛ لتجعل لها فيهما الأقراط، بخلاف الصبي فلا يحلى بمثل ذلك، وما يستدام له). التحرير والتنوير (25/ 181).
(2)
فتاوى ابن باز (6/ 348).
(3)
إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء للأنصاري، ص (54).
(4)
أخرجه عبدالرزاق في التفسير (2758)، وابن أبي شيبة (24786)، والطبري في تفسيره (20/ 564) من طريق سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد به، قال السيوطي في الدر المنثور (7/ 370):(وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية رضي الله عنه أنه سئل عن الذهب للنساء؟ فقال: لا بأس به، يقول الله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}).
- قال إلكيا الهراسي (ت 504) في تفسير الآية: (فيه دليل على إباحة الحلي للنساء، والإجماع منعقد عليه، والأخبار في ذلك لا تحصى)
(1)
.
2/ واستدلوا: بحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حُرِّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأُحلَّ لإناثهم»
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن الحديث فيه عموم مستفاد من الاستغراق في قوله: «الذهب» ، فـ (لم يستثن من الذهب شيئاً، محلقاً ولا غير محلق)
(3)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
بأن الحديث (من حيث دلالته ليس على عمومه، بل قد دخله التخصيص في بعض أجزائه، فالذهب بالنسبة للنساء حلال إلا أواني الذهب كالفضة، فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقاً،
(1)
أحكام القرآن للكيا الهراسي (4/ 369)، وانظر: تفسير القرطبي (16/ 71).
(2)
أخرجه أحمد (19515)، والترمذي (1720) وهذا لفظه، والنسائي (5148)، وغيرهم، من طريق نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى به، قال الترمذي:(وحديث أبي موسى حديث حسن صحيح)، وصححه ابن حزم في المحلى (1/ 176)، وقال ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 295):(وإسناده جيد على شرط الشيخين)، وقد أُعلّ بالانقطاع قال ابن عبدالهادي في المحرر في ص (292):(قيل: إِنّه مُنقطع) انتهى، قال أبوحاتم كما في المراسيل لابنه ص (75):(لم يلق سعيد بن أبي هند أبا موسى الأشعري)، وقال الدارقطني في العلل (7/ 241):(لم يلق سعيد بن أبي هند أبا موسى الأشعري)، وقد أخرج الإمام أحمد (19503) هذا الحديث من طريق نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن رجل، عن أبي موسى به، قال الدارقطني في العلل (7/ 241):(وهو أشبه بالصواب)، ولكن للحديث شواهد، كما قال الترمذي:(في الباب عن عمر، وعلي، وعقبة بن عامر، وأنس، وحذيفة، وأم هانئ، وعبد الله بن عمرو، وعمران بن حصين، وعبد الله بن الزبير، وجابر، وأبي ريحانة، وابن عمر، والبراء).
(3)
المؤنق ص (9).
وكذلك الذهب المحلق على الراجح عندنا، عملاً بالأدلة الخاصة المحرمة)
(1)
.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة: بأن تخصيص الذهب المحلق من الإباحة جاء بأدلة لا تخلو من ضعف في الثبوت، أو الدلالة، وسيأتي مناقشة ذلك في أدلة القول الآخر.
3/ ومن أدلتهم: حديث ابن عباس رضي الله عنه المتفق عليه في موعظة النساء في العيد، وفيه أنهن جعلن:(يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال)
(2)
، قال البخاري:(قال عبد الرزاق: الفتخ: الخواتيم العظام كانت في الجاهلية)
(3)
، وجاء في الصحيحين أيضاً عن عطاء في حديثه عن جابر:(تلقي فتَخَها، ويلقين)
(4)
.
وجه الاستدلال:
أن الخاتم والفتَخ مما كانت تلبسه النساء، و هما مما وُضع على شكل حلْقة، ولم ينكر عليهن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد ترجم البخاري لحديث ابن عباس في أحد المواضع، بقوله:(باب الخاتم للنساء، وكان على عائشة، خواتيم ذهب)
(5)
.
(1)
سلسة الأحاديث الصحيحة (4/ 481)، وانظر: آداب الزفاف ص (254).
(2)
أخرجه البخاري (979)، ومسلم (884).
(3)
كما في صحيحه (979)، وفي مصنف عبدالرزاق (3/ 279):(قلنا له: ما الفتخ؟ قال: خواتيم من عظام كن يلبسن في الجاهلية)، قال ابن حجرفي الفتح (2/ 468):(لم يذكر عبد الرزاق في أي شيء كانت تُلبس، وقد ذكر ثعلب أنهن كن يلبسنها في أصابع الأرجل؛ ولهذا عطف عليها الخواتيم؛ لأنها عند الإطلاق تنصرف إلى ما يلبس في الأيدي)، وقال ابن رجب في الفتح (9/ 52):(وقيل: "الفَتَخَة" حلقة من ذهب أو فضة لا فص لها، وربما اتخذ لها فص. وقيل: إنها تكون في أصابع اليدين والرجلين من النساء. وهي بفتح الفاء والتاء والخاء المعجمة).
(4)
أخرجه البخاري (978)، ومسلم (885)، وفي لفظ لمسلم:(يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن).
(5)
صحيح البخاري (7/ 158).
ونوقش هذا الاستدلال بأمور:
- (أولًا: ليس في الحديث التصريح بأن تلك الحلي كانت من الذهب، وعليه فلا تعارض بينها وبين الأحاديث المحرمة.
- ثانيًا: لإثبات نسخ التحريم بالأحاديث المبيحة، لا بد من التحقق من تأخر هذه الأحاديث، ودون ذلك خرط القتاد، بل العكس هو الصواب، لما يأتي.
- ثالثًا: لو فرضنا أنه جاء في حديث أو أحاديث التصريح بذلك، فينبغي أن يحمل ذلك على الأصل الأول، وهو الإباحة، ثم طرأ عليها ما أخرجها من هذا الأصل إلى التحريم، بدليل أحاديث التحريم، فإن مثل هذه الأحاديث لاتصدر من الشارع في الغالب، إلا لرفع ذلك الأصل؛ وهو الإباحة في الأمور التي نص على تحريمها، ولذلك يقول علماء أصول الفقه:"إذا تعارض حاظر ومبيح، قدم الحاظر"، وفي هذه الحالة لا يلزمنا أن نثبت تأخر النص المحرم على النص المبيح؛ لأن النص المحرم يتضمن في الواقع الإشارة إلى رفع ما تضمنه النص المبيح كما هو ظاهر)
(1)
.
ويمكن الجواب عن ذلك:
- أما كون الخاتم والفتخ لم يُصرّح في الأحاديث بأنها من الذهب، فهذا صحيح، ولكن الحديث يحتمل ذلك ولا ينفيه، وهناك ماهو نصٌ في الذهب كما في الدليل الثالث.
- وأما النسخ؛ فحديث: «أحل لإناثهم» فيه إشارة للنسخ، يؤيده قول
(1)
جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة، ص (61).
مجاهد: (رُخّص للنساء في الحرير، والذهب)، والرخصة تكون بعد حظر وتدل على رفعه، يؤكد ذلك أن الإباحة هو فهم السلف قاطبة، كما سيأتي في الدليل الرابع.
- قال ابن مفلح بعد أن ذكر تحريم الذهب: (ما يدل لهذا القول من الأخبار= يُحمل بتقدير صحتها على تحريم سابق؛ لصحة أحاديث الإباحة وتأخرها)
(1)
.
- أما إعمال الحاظر على المبيح؛ فهذا ترجيح، والترجيح فيه فرضٌ للتعارض، وهو غير متحقق هنا؛ لأن من شروط تحقق التعارض: (التساوي في الثبوت
…
[و] التساوي في القوة)
(2)
، والنهي معارض بما هو أقوى منه، ولم يطرد الشيخ، فقد سبق له ترجيح المبيح على الحاظر في الأخذ من اللحية؛ لمعارضة الحاظر بما هو أقوى من عمل السلف، فليكن ذلك هنا.
4/ الدليل الرابع على جواز الذهب المحلق للنساء، حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم حلية من عند النجاشي أهداها له، فيها خاتمٌ من ذهب فيه فصٌ حبشي، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بعود ببعض أصابعه معرضاً عنه، ثم دعا أمامة بنت أبي العاص، ابنة ابنته، فقال:«تحلَّي بهذا يا بُنيّة»
(3)
، ويؤيده قول القاسم بن محمد:(والله لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات، وتلبس خواتم الذهب)
(4)
.
(1)
الآداب الشرعية (3/ 497).
(2)
البحر المحيط (8/ 120).
(3)
أخرجه أحمد (24880)، وأبوداود (4235)، وابن ماجه (3644)، وغيرهم، من طريق محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه عباد بن عبد الله، عن عائشة به، وصرّح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أبي داود، وسكت عنه أبوداود، والبيهقي في الكبرى (4/ 382)، وابن حجر في الفتح (10/ 317)، وذكره الإشبيلي في الوسطى ولم يعله (4/ 194).
(4)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 56) بسند حسن، قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد قلت: إن ناساُ يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن الأحمرين العصفر والذهب، فقال لا كذبوا
…
فذكره، وعلقه البخاري في صحيحه (7/ 158) بصيغة الجزم، قال الألباني في آداب الزفاف ص (260):(وهو عندي حسن).
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس أمامة خاتماً من ذهب؛ ولم يكن ليلبسها ماحرّمه على نساء أمته، وهذا مافهمته أعرف النساء به صلى الله عليه وسلم، في حياته وبعد مماته، حيث تحلّت بخاتم الذهب، والقاسم وُلد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وتربى في حجر عمته عائشة، فعُلم تأخر وقوعه منها.
ونوقش هذا الاستدلال:
- أما تحليته لأمامة؛ فلا يتم الاستدلال به (إلا بعد أمرين: الأول: إثبات أن أمامة كانت بالغة. والثاني: إن ذلك كان بعد تحريم الذهب على النساء
…
بل الظاهر أنه كان قبل التحريم)
(1)
.
- وأما أثر عائشة رضي الله عنها؛ فهذه رواية عبدالعزيز بن محمد، و (رواه غير عبد العزيز بلفظ:"كانت تلبس الأحمرين: المذهب والمعصفر". أخرجه ابن سعد أيضاً: وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن عمرو به، وهذا الإسناد أصح؛ لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز)
(2)
.
- وعلى فرض ثبوت لبسها لخاتم الذهب (فهو محمول على الذهب المقطع وهو جائز لهن اتفاقاً)
(3)
، وليس فيه (أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه وسلم بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه، فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لأن القاسم لم يدركه صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
المؤنق ص (18).
(2)
آداب الزفاف ص (261).
(3)
المرجع السابق.
(4)
المرجع السابق (262).
- وقد يخفى على عائشة بعض السنة (فكم من سنن فعلية وأقوال نبوية خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم
(1)
، وقد كانت ترى أن الأقراء هي الأطهار (وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض)
(2)
فهذا قد خفي عليها.
- بل قد تخالف حديثها؛ كما جاء في فتخات الورِق التي كانت تلبسها، ولا تؤدي زكاتها والوعيد على ذلك، و (قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث
…
أن عائشة كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة. سنده صحيح جداً
…
فهذه مخالفة صريحة عن عائشة رضي الله عنها لحديثها، فإذا جاز في حقها ذلك، فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها لم تروه هي)
(3)
.
وأجيب عن المناقشة:
- بأن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يروضون صغارهم على الطاعات لا على المحرمات، ولم يقبل النبي أن يأكل الحسن من تمر الصدقة وهو صغير وقال له:«كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟»
(4)
، هذا فيما هو جائز للمحتاج، فكيف بما هو محرم مطلقاً، أفيتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم (يدرّب ابنة ابنته عليه)
(5)
؟!.
- أما قوله: (قبل التحريم)؛ فلا يوافق أنه كان هناك تحريم أصلاً، وعلى فرض وجوده، فمن أين له أن التحريم هو المتأخر، كيف
(1)
المرجع السابق.
(2)
المرجع السابق (263).
(3)
المرجع السابق (264 - 265).
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1491)، ومسلم (1069) وهذا لفظه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
المؤنق ص (19).
والصحابة لم يفهموا ذلك، وفعل عائشة المتأخر يدل على ذلك
(1)
.
- وأما مخالفة عبدالعزيز بن محمد لسليمان بن بلال المذكورة، فلايُسلم بها وليس بين (تلبس المذهب) و (تلبس خواتم الذهب) تعارض، فالثاني فيه زيادة بيان لا تعارض الرواية التي قبلها، وقد جزم البخاري بأنها تلبس (خواتيم الذهب) فلو كان هذا الحرف عنده محل شذوذ، أو نكارة لمرّضه، أو أعرض عنه.
- والشيخ من (منهجه في السلسلة الصحيحة التوفيق بين الروايات ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وها أنا ذاكر لك مثالاً لم يخالف فيه راوٍ راوياً غيره، بل خالف ثمانية أو أكثر من الثقات والأثبات، ومع ذلك فقد صحح الشيخ ناصر حديثه)
(2)
.
- وعلى فرض التعارض فإن مورد الروايتين مختلف
(3)
، فقوله:(تلبس المذهب) في لباس المُحرِمة
(4)
، وقوله:(تلبس خواتم الذهب) في الرد على من ادعى تحريم الذهب
(5)
.
- أما حمله للأثر على الذهب المقطع؛ فهو تحكم مخالف للظاهر،
(1)
انظر: المؤنق ص (19).
(2)
المؤنق ص (13)، ثم ذكر العدوي المثال، وهو حديث:«نهى عن الوحدة؛ أن يبيت الرجل وحده، أو يسافر وحده» صححه الألباني، وقد خالف أبو عبيدة واصل الحداد فيه ثمانية من الرواة، بعضهم أو أكثرهم أوثق من واصل بكثير، رووه بلفظ:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ماسار راكب بليل وحده» .
(3)
انظر: "آراء الشيخ الألباني الفقهية"- قسم المعاملات، للمشعان (1/ 514).
(4)
قال ابن سعد في الطبقات (8/ 55): (أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو قال: سمعت القاسم بن محمد يحدث أن عائشة كانت تلبس الأحمرين، المذهب والمعصفر، وهي محرمة).
(5)
قال ابن سعد (8/ 56): (حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد قلت: إن ناساً يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن الأحمرين العصفر والذهب، فقال: لا كذبوا، والله لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات وتلبس خواتم الذهب).
وأما فرض الاحتمالات على فعل عائشة وأنها قد يخفى عليها السنة، فيقال: لم ندع العصمة للصحابة رضي الله عنهم، وماوجد من مخالفة أحد الصحابة للسنة، فقد وجد من يردها منهم، كقول بعضهم في متعة الحج، ونكاح المتعة، والتطبيق في الصلاة وغيرها، وكلام الشيخ سيكون متوجهاً لو أوجد منكراً على عائشة ومخالفاً لها، ولم يوجد
(1)
.
- وفي خصوص مسألتنا أيضاً، أُنكر على من لم يعرف تحريم الذهب على الرجال، ولم يُنكر على عائشة، فقد أخرج البخاري أن ابن مسعود رضي الله عنه:(التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب، فقال: ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى؟ قال: أما إنك لن تراه علي بعد اليوم، فألقاه)
(2)
.
5/ والدليل الخامس على جواز الذهب المحلق وغيره للنساء، هو الإجماع.
وقد نقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد من العلماء:
1.
قال الجصاص (ت 370): (الأخبار الواردة في إباحته للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أظهر وأشهر من أخبار الحظر، ودلالة الآية أيضا ظاهرة في إباحته للنساء، وقد استفاض لبس الحلي للنساء منذ لدن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى يومنا هذا، من غير نكير من أحد عليهن،
(1)
انظر: المؤنق ص (17).
(2)
أخرجه البخاري (4391)، قال ابن حجر في الفتح (8/ 101):(في الحديث منقبة لابن مسعود، وحسن تأنيه في الموعظة والتعليم، وأن بعض الصحابة كان يخفى عليه بعض الأحكام، فإذا نبه عليها رجع، ولعل خباباً كان يعتقد أن النهي عن لبس الرجال خاتم الذهب للتنزيه، فنبهه ابن مسعود على تحريمه فرجع إليه مسرعاً).
ومثل ذلك لا يعترض عليه بأخبار الآحاد)
(1)
.
2.
وقال البيهقي (ت 458): (هذه الأخبار وما ورد في معناها تدل على إباحة التحلي بالذهب للنساء، واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة)
(2)
.
3.
وقال ابن عبدالبر (ت 463): (ولا نعلم خلافاً بين علماء الأمصار في جواز تختم الذهب للنساء، وفي ذلك ما يدل على أن الخبر المروي
…
في نهي النساء عن التختم بالذهب، إما أن يكون منسوخاً بالإجماع، وبأخبار العدول في ذلك على ما قدمنا
…
أو يكون غير ثابت)
(3)
، وقال:(ومعلوم أن التختم من اللباس وقد جاء عنه نص النهي عن التختم بالذهب وأجمعوا أنه للنساء مباح فلم يبق إلا الرجال)
(4)
، (ولا خلاف بين العلماء أن التختم بالذهب جائز للنساء، وقد جاء في كراهيته للنساء حديث شاذ منكر)
(5)
.
4.
وقال إلكيا الهراسي (ت 504): (فيه دليل على إباحة الحلي للنساء، والإجماع منعقد عليه، والأخبار في ذلك لا تحصى)
(6)
.
5.
وقال النووي (ت 676): (يجوز للنساء لبس الحرير، والتحلي بالفضة، وبالذهب بالإجماع)
(7)
، وقال: (أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الفضة والذهب جميعاً؛ كالطوق، والعقد، والخاتم، والسوار
…
وكل ما يعتدن لبسه، ولا خلاف في
(1)
أحكام القرآن (3/ 513)، وقد اعتبره ابن باز إجماعاً كما في فتاويه (6/ 349).
(2)
السنن الكبرى (4/ 238).
(3)
التمهيد (16/ 115).
(4)
الاستذكار (8/ 304).
(5)
الاستذكار (8/ 393)، وانظر: الإقناع (2/ 301).
(6)
أحكام القرآن للكيا (4/ 369).
(7)
المجموع (4/ 442).
شئ من هذا، وأما لبسها نعال الفضة والذهب ففيه وجهان)
(1)
، وقال:(أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء)
(2)
.
6.
وقال الطيبي (ت 743): (أجمعوا على إباحة خاتم الذهب للنساء)
(3)
.
7.
وقال ابن الملقن (ت 804): (قام الإِجماع على إباحة خاتم الذهب للنساء)
(4)
.
8.
وقال ابن حجر (ت 852): (فالنهي عن خاتم الذهب، أو التختم به، مختص بالرجال دون النساء؛ فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء)
(5)
.
9.
وقال الهيتمي (ت 974) عن الذهب والحرير للنساء: (لأنهما حلالان لهن إجماعاً)
(6)
.
10.
وقال محمد بن عبدالهادي السندي (ت 1138): (لولا الإجماع لكان الظاهر أن يقال: أولاً كان الذهب حلالاً للكل، ثم حرم على الرجال فقط، ثم حرم على النساء أيضاً، وقول ابن شاهين: أنه كان أولاً حلالاً للكل، ثم أبيح للنساء دون الرجال، باعتبار النسخ مرتين، مع أن العلماء على أنه إذا دار الأمر بين نسخ واحد ونسخين لا يحكم بنسخين، فإن الأصل عدم النسخ، فتقليله أليق بالأصل، لكن الإجماع ها هنا داع إلى اعتبار النسخين، والله تعالى أعلم)
(7)
.
(1)
المجموع (6/ 40).
(2)
شرح صحيح مسلم (14/ 65).
(3)
شرح المشكاة (9/ 2912).
(4)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (10/ 254).
(5)
فتح الباري (10/ 317).
(6)
الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 255).
(7)
حاشية السندي على النسائي (8/ 157).
11.
وقال الشوكاني (ت 1250): (من أعظم الأدلة الدالة على ترجيح أحاديث التحليل ما روي من أنه قد قام الإجماع على ذلك)
(1)
.
12.
وقال الشنقيطي (ت 1393): (لا يخفى أن الفضة والذهب يمنع الشرب في آنيتهما مطلقاً، ولا يخفى أيضاً أنه يجوز لبس الذهب والحرير للنساء ويمنع للرجال. وهذا مما لا خلاف فيه; لكثرة النصوص الصحيحة المصرحة به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين على ذلك، ومن شذ فهو محجوج بالنصوص الصريحة، وإجماع من يعتد به من المسلمين على ذلك)
(2)
، وقال عن حديث سعيد بن أبي هند عن أبي موسى في إباحة الحرير والذهب للنساء: (ولو فرضنا أنه لم يسمع منه فالحديث حجة; لأنه مرسل معتضد بأحاديث كثيرة
…
وبإجماع المسلمين)
(3)
.
13.
وقال ابن باز (ت 1420): (ونقل غير واحد الإجماع على جواز لبس المرأة الذهب)
(4)
.
ونوقش الاستدلال بالإجماع:
- أن الإجماع على غير المعلوم في الدين بالضرورة مما لا يمكن تصوره فضلاً عن وقوعه
(5)
، ولهذا قال أحمد:(من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا).
(1)
الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (9/ 4278)، وبها رسالته "القول الجلي في حل لبس النساء للحلي".
(2)
أضواء البيان (2/ 350).
(3)
المرجع السابق (2/ 352).
(4)
فتاوى ابن باز (6/ 349).
(5)
الألباني يستبعد صحة مثل هذا الإجماع، ولا ينكر الاحتجاج به، ويؤكد ذلك قوله في أحكام الجنائز ص (173):(ولكنني في شك كبير من صحة الاجماع المذكور، وذلك لأمرين: الأول: أن الاجماع بالمعنى الاصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي علمت من الدين بالضرورة، كما حقق ذلك العلماء الفحول، كابن حزم في (أصول الاحكام) والشوكاني في (إرشاد الفحول) والاستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه (أصول الفقه) وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك الامام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من أدعى الاجماع - ورواها عنه ابنه عبد الله بن أحمد في (المسائل). الثاني: أنني سبرت كثيراُ من المسائل التي نقلوا الإجماع فيها، فوجدت الخلاف فيها معروفاً!).
- ولو سُلّم به، فلا يمكن أن يوجد إجماع صحيح على خلاف سنة صحيحة، دون وجود ناسخ صحيح كما في مسألتنا؛ فلو كان الحديث الذي ادُعي أنه مجمع على تركه وأنه منسوخ، ولم نعلم ناسخه، لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ، وهذا باطل.
- ثم إن الإجماع المنقول منقوض، فقد خالف في المسألة: أبوهريرة كما صح عنه أنه قال لابنته: (لا تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب)، وحكى البغويُ الخلاف في هذه المسألة، فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء، وتحليهن به عند الأكثرين قال:(وكره ذلك قوم)، وهي كراهة التحريم في اصطلاح السلف، ويحتمل التحريم أيضاً من قول عمر بن عبدالعزيز حين قال لابنته: (إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك
…
)
(1)
.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة:
- أما قول الإمام أحمد؛ فقبل الجواب عنه، يحسنُ إيراده بتمامه، ومعرفة سياقه، فقد قال عبدالله:(سمعت أبي يقول: ما يدعي الرجل فيه الإجماع هذا الكذب، من ادعى الاجماع فهو كذب؛ لعل الناس قد اختلفوا، هذا دعوى بشر المريسي، والأصم، ولكن لا يعلم الناس يختلفون، أو لم يبلغه ذلك، ولم ينته إليه، فيقول: لا يعلم الناس اختلفوا)
(2)
.
(1)
انظر: آداب الزفاف ص (238 - 246)، وجميع ماسبق من مناقشة ملخصة من كلامه.
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبدالله ص (438 - 439).
- فيقال أولاً: إن الإمام أحمد يحتج بالإجماع ونص على ذلك في مسائل، قال القاضي أبويعلى:(الإِجماع حجة مقطوع عليها، يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمَّةُ على الخطأ، وقد نص أحمد رحمه الله على هذا)
(1)
، وقال أبو الوفاء ابن عقيل:(والإجماع حجة مقطوع بها، فإذا اتفق الفقهاء على حكم حادثة، كانت حجة معصومة ودلالة قطعية متبعة، نص عليه صاحبنا أحمد بن حنبل)
(2)
.
- وأما تكذيب الإمام لدعوى الإجماع كما في رواية عبدالله، (وكذلك نقل المروذي عنه، أنه قال: "كيف يجوز للرجل أن يقول: أجمعوا؟! إذا سمعتهم يقولون: أجمعوا فاتهمهم، لو قال: إني لم أعلم لهم مخالفاً جاز"، وكذلك نقل أبو طالب عنه: أنه قال: "هذا كذب، ما علمه أن الناس مجمعون، ولكن يقول: لا أعلم فيه اختلافاً، فهو أحسن من قوله: إجماع الناس"وكذلك نقل أبو الحارث: "لا ينبغي لأحد أن يدعي الإِجماع، لعل الناس اختلفوا"، وظاهر هذا الكلام أنه قد منع صحة الإِجماع، وليس ذلك على ظاهره، وإنما قال هذا على طريق الورع، نحو أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف؛ لأنه قد أطلق القول بصحة الإِجماع في رواية عبد الله وأبي الحارث)
(3)
.
- قال أبو الخطاب الكلوذاني: (كلام أحمد أراد به في حق من لا معرفة له بأقوال الناس، ولا عناية له بالاستخبار عن المذاهب، إذا
(1)
العدة (4/ 1058 - 159).
(2)
الواضح في أصول الفقه (5/ 104).
(3)
العدة لأبي يعلى (4/ 1060).
قال ذلك فهو كذب كبشر والأصم. أو قال ذلك على وجه الورع؛ ولهذا قال في رواية أبي طالب: لا أعلم فيه اختلافاً، فهو أحسن من قوله: إجماع الناس)
(1)
، قال ابن عقيل:(وإنما تأولنا هذه الرواية؛ لأنه قد حقق الإجماع في عدة مواضع)
(2)
.
- ومن المواضع التي احتج فيها أحمد بالإجماع، ماجاء في رواية عبدالله وأبي الحارث:(في الصحابة إذا اختلفوا لم يُخْرَج من أقاويلهم، أرأيت إن أجمعوا، له أن يخرج من أقاويلهم؟ [قال أحمد] هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا)
(3)
، وقال أبو داود: (سمعت أحمد، قيل له: إن فلانا قال: قراءة فاتحة الكتاب يعني خلف الإمام مخصوص من قوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}
(4)
، فقال: عمن يقول هذا؟! أجمع الناس أن هذه الآية في الصلاة)
(5)
،، في رواية الحسن بن ثواب، قال:(أذهب في التكبير من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فقيل له: إلى أي شيء تذهب؟ قال: بالإِجماع، عمر، وعلي، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد الله بن عباس)
(6)
، وقد سبق النقل عن أحمد في نجاسة الدم.
- فهو يحتج بالإجماع، و (الذي أنكره أحمد دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة، أو بعدهم وبعد التابعين، أو بعد القرون
(1)
التمهيد للكلوذاني (3/ 248 - 249).
(2)
الواضح (5/ 104).
(3)
العدة في أصول الفقه (4/ 1059)، التمهيد (3/ 249)، المسودة ص (315).
(4)
من الآية (204) من سورة الأعراف.
(5)
مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص (48).
(6)
العدة في أصول الفقه (4/ 1061 - 1063)، المسودة ص (316)، ونحوه في المغني (2/ 292)، والمبدع (2/ 194).
الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة
…
ثم هذا منه نهي عن دعوى الإجماع العام النطقي، وهو كالإجماع السكوتى أو إجماع الجمهور من غير علم بالمخالف
…
وإنما فقهاء المتكلمين كالمريسي والاصم يدعون الإجماع ولا يعرفون إلا قول أبي حنيفة ومالك ونحوهما ولا يعلمون أقوال الصحابة والتابعين)
(1)
.
- وقد ذكر أحمد في سياق كلامه بعض المبتدعة، الذين يشهرون سيف الإجماع في مقابل السنن، فرد أحمد على مثل إجماعاتهم التي يدعونها، قال ابن تيمية:(يعني الإمام أحمد رضي الله عنه أن المتكلمين في الفقه من أهل الكلام إذا ناظرتهم بالسنن والآثار قالوا: هذا خلاف الإجماع، وذلك القول الذي يخالف ذلك الحديث لا يحفظونه إلا عن فقهاء المدينة وفقهاء الكوفة مثلاً، فيدعون الإجماع من قلة معرفتهم بأقاويل العلماء، واجترائهم على رد السنن بالآراء)
(2)
.
- قال ابن القيم: (وليس مراده بهذا استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث بُلوا بمن كان يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها، فبين الشافعي وأحمد أن هذه الدعوى كذب، وأنه لا يجوز رد السنن بمثلها)
(3)
، (ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم
(1)
المسودة ص (316).
(2)
الفتاوى الكبرى (6/ 287).
(3)
مختصر الصواعق المرسلة ص (216).
جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده)
(1)
.
- وقد سبق في كتاب الصلاة، تعليق ابن تيمية على اشتراط ابن حزم اليقين للإجماع، وتشديده في اشتراط العلم بعدم المخالف، فقال في نقده:(فمن ادَّعى الإجماع في الأمور الخفية بمعنى أنه يعلم عدم المنازع، فقد قفا ما ليس له به علم، وهؤلاء الذين أنكر عليهم الإمام أحمد، وأما من احتج بالإجماع بمعنى عدم العلم بالمنازع، فقد اتبع سبيل الأئمة، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل)
(2)
.
- وقال ابن تيمية: (ولا تعبأ بما يفرض من المسائل ويدعي الصحة فيها بمجرد التهويل، أو بدعوى أن لا خلاف في ذلك، وقائل ذلك لا يعلم أحداً قال فيها بالصحة فضلاً عن نفي الخلاف فيها، وليس الحكم فيها من الجليات التي لا يعذر المخالف فيها. وفي مثل هذه المسائل قال الإمام أحمد، من ادعى الإجماع فهو كاذب، فإنما هذه دعوى بشر وابن علية يريدون أن يبطلوا السنن بذلك)
(3)
.
- ففي كلام أحمد: الحث على استخدام الورع، والتحذير من نفي الخلاف ممن قصر علمه، أو الجزم بالإجماع في الأمور التي قد تخفى، وليس فيه نفي وقوع الإجماع، وعلق الشاطبي على كلام ابن تيمية الأخير في توجيه كلام أحمد: (ففي هذا الكلام إرشاد لمعنى ما نحن فيه، وأنه لا ينبغي أن ينقل حكم شرعي عن أحد من أهل
(1)
إعلام الموقعين (1/ 24).
(2)
نقد مراتب الإجماع ص (302).
(3)
الفتاوى الكبرى (6/ 28).
العلم إلا بعد تحققه والتثبت؛ لأنه مخبر عن حكم الله، فإياكم والتساهل! فإنه مظنة الخروج عن الطريق الواضح إلى البنيات)
(1)
.
- فهذا هو كلام أحمد بفهم أصحابه الحنابلة، وبجمع لفظه مع تطبيقه، أضف إلى ذلك بتطبيقات الحنابلة الكثيرة واستدلالهم بالإجماع في كتبهم دون نكير له، لكن هناك من أبعد في فهم كلام أحمد، وأجرى عبارته على ظاهرها دون شرحها بفعله وفهم أصحابه، قال الزركشي:(قال أصحابه: وإنما قال هذا على جهة الورع؛ لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف؛ لأن أحمد قد أطلق القول بصحة الإجماع في مواضع كثيرة، وأجراه ابن حزم الظاهري على ظاهره)، قلت: وتمسك بظاهرها الشوكاني
(2)
، والألباني.
- وأما أثر أبي هريرة رضي الله عنه؛ فقد أخرجه عبدالرزاق، أن أبا هريرة، كان يقول لابنته:(لا تلبسي الذهب، فإني أخاف عليك حرَّ اللهب)
(3)
، وهو غير صريح في تحريم الذهب، بل هو محتمل لتخفف أبي هريرة من الدنيا، ورغبته في عدم التنعم فيها، لئلا يُسأل عنه، وتعويد أهله ومن تحت يده على ذلك، يؤكد ذلك أن أباهريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا أبا هريرة، هلك
(1)
الاعتصام (2/ 274)، ولم يسم ابن تيمية وإنما قال:(قال بعض الحنابلة).
(2)
في الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (5/ 2120 - 2121): (والعجب من الرواية السابقة على أحمد بن حنبل، وجعله من القائلين بأن الإجماع السكوتي حجة قطعية، وقد صح عنه القول بامتناع العلم بمطلق الإجماع عادة، وروي عنه أنه قال: من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب) انتهى، وهنا فائدة فالشوكاني ممن استدل بالإجماع في مسألتنا وسيأتي.
(3)
أخرجه عبدالرزاق كما في جامع معمر بن راشد الملحق بالمصنف (19938)، من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة به، قال ابن كثير في البداية والنهاية (11/ 381)، قال الذهبي في السير (2/ 629):(هذا صحيح عن أبي هريرة).
المكثرون، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا - ثلاث مرات: حثا بكفيه عن يمينه وعن يساره وبين يديه -، وقليل ما هم»
(1)
، وجاء عن أبي هريرة موقوفاً:(المكثرون في النار إلا من قال هكذا وهكذا، وأشار بكفيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ثم قال: وقليل ما هم)
(2)
، فكان أبو هريرة لا يأبه في الدنيا حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟» فقال: أسألك أن تعلمني مما علمك الله
…
الحديث
(3)
، وفي الصحيحين:(كنت امرأً مسكيناً، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم)
(4)
.
- ومن المظاهر التي تؤكد ذلك الزهد عند أبي هريرة رضي الله عنه، ماروي من أنه لما قدم معاوية يريد الحج، تلقاه أناس من أهل المدينة، فقيل لأبي هريرة: ألا تركب، فتلقى أمير المؤمنين؟ فقال: (إني
(1)
أخرجه أحمد (8085) وغيره، من طريق حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن كميل بن زياد، عن أبي هريرة به، وإسناده صحيح، قال المنذري في المجمع (1/ 50):(ورجاله ثقات أثبات)، وهو في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه بلفظ:«إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيرا، فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيراً» .
(2)
أخرجه أحمد في الزهد (996) من طريق كثير، حدثنا جعفر، حدثنا يزيد بن الأصم به، ثم قال يزيد: إن لم أكن سمعته من أبي هريرة، وأشار بإصبعيه إلى أذنيه وإلا فصُمّتَا.
(3)
أخرجه أبونعيم في الحلية (1/ 381) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (67/ 328)، حدثنا محمد بن علي، ثنا الحسين بن محمد بن مودود، ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا عبد الله بن أبي يحيى، قال: سمعت سعيد بن أبي هند، عن أبي هريرة به، ومحمد بن علي إن كان هو محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم أبو بكر المقرئ فالإسناد صحيح، وقد يُتجوز في نسبة الشخص إلى جده كما اشتُهر بذلك أحمد بن حنبل مع أن والده محمد.
(4)
أخرجه البخاري (7354)، ومسلم (2492).
أكره أن أركب مركباً لا أكون فيه ضامناً على الله)
(1)
، وقوله:(هذه الكُنَاسَة مَهْلَكة دنياكم وآخرتكم)
(2)
، قال ابن كثير:(يعني الشهوات وما يأكلونه)
(3)
.
- ومن ذلك الأثر الذي معنا، فإن ذلك زهد منه، ولذلك قرائن مضى بعضها، وما سيأتي أوضح، فقد جاء في رواية أن ابنته قالت له:(إن الجواري يعيّرنني، يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب، فقال: قولي لهن: إن أبي لا يحليني الذهب يخشي على حر اللهب)
(4)
، فلو كان محرّماً عنده لأنكر على النساء لبسهن للحرام الذي انتشر بينهن حتى عيّرن من لم يلبسه.
- وجاء في رواية أخرى أنه قال: (يا بنية لا تلبسي المذهب، إني أخشى عليك اللهب، ولا تلبسي الحرير إني أخشى عليك الحريق)
(5)
، فهاهو يمنع ابنته من الحرير أيضاً، مما يدل على منعه ذلك تزهداً وتقللاً من النعيم الذي يُسأل عنه المرء.
- ومن الاحتمالات ماقاله الذهبي: (وكأنه كان يذهب إلى تحريم الذهب على النساء أيضاً، أو أن المرأة إذا كانت تختال في لبس
(1)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (2/ 5)، وعبد الرزاق في الأمالي (200)، ومن طريقه أحمد في الزهد (989) عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير به، وفيه انقطاع، قال أبوحاتم:(يحيى بن أبي كثير لم يدرك أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنساً فإنه رآه رؤية ولم يسمع منه) كما في المراسيل لابنه ص (244)، وانظر: جامع التحصيل ص (299).
(2)
أخرجه أبونعيم في الحلية (1/ 380)، والبيهقي في الشعب (10205) من طريق شعبة، عن سماك، عن أبي الربيع، قال: سمعت أبا هريرة، ولابأس بإسناده.
(3)
البداية والنهاية (11/ 382).
(4)
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (67/ 369)، وانظر: البداية والنهاية (11/ 381).
(5)
أخرجه أحمد في الزهد (833).
الذهب وتفخر، فإنه يحرم، كما فيمن جر ثوبه خيلاء)
(1)
، وقال إسماعيل الأنصاري. (نقلنا في أول المقدمة عن "سير النبلاء" مايدل على أن قول أبي هريرة ليس نصاً في تحريمه الذهب على النساء)
(2)
.
- وأيّاً ما ماكان فجميع الروايات فيها إطلاق منعها من الذهب دون تقييد بالمحلق، وهذا لا يقول به الألباني، بل يقيده بالمحلق وليس له سلف في ذلك.
- وأما قول البغوي: (كره ذلك قوم) وحملُ الكراهية في كلامه على التحريم؛ فلا يُسلّم به، فالبغوي خرج على الدنيا وقد ألّف الناس في أصول الفقه، واستقرت الاصطلاحات، وللبغوي كتاب في الفقه المذهبي اسمه "التهذيب في فقه الإمام الشافعي"، وعلى فرض إرادته للتحريم، فإنه لم يذكر من القوم إلا أباهريرة، وسبق الجواب عن رأيه وأنه غيرصريح في التحريم.
- وأما أثر عمر بن عبدالعزيز؛ فليس فيه ذكرٌ للذهب، وهذا هو المنقول عنه، قال عمرو بن المهاجر:(بعثت إليه ابنته بلؤلؤة وقالت له: إن رأيتَ أن تبعث إلي بأخت لها حتى أجعلها في أذني؟ فأرسل إليها بجمرتين، ثم قال لها: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك، [بعثت] إليك بأخت لها) انتهى
(3)
.
(1)
سير أعلام النبلاء (2/ 629)، وقد جاء في حاشية الكتاب (2/ 622 - 623) بالتحقيق الذي أشرف عليه شعيب الأرنؤوط: (وقوله هذا محمول على سبيل الورع أو لدفع الخيلاء والفخر أو غير ذلك
…
ورد الشيخ ناصر الدين الألباني
…
الإجماع على جواز تحلي النساء بالذهب مطلقاً بقول أبي هريرة هذا رد متهافت في غاية السقوط؛ لأن المفهوم من قول أبي هريرة حرمة الذهب على النساء مطلقاً محلقاً أو غير محلق، بينما يرى الشيخ ناصر التفرقة بين ما هو محلق فيحرم، وما هو غير محلق، فيباح).
(2)
إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء، حاشية (1) ص (67).
(3)
سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن عبدالحكم ص (138).
- فالمذكور هو اللؤلؤ، وتأويله باللؤلؤ المُذهّب فيه تكلف، ثم هي تُجعل في الأذن وليست محلّقة، وهذه جائزة على رأي الألباني وإن كانت ذهباً خالصاً، ثم إن هذا محمول على زهد عمر وورعه مع نفسه وأبنائه.
- يؤكد ذلك ماجاء في المصدر نفسه عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: (كان عمر يصلي العتمة، ثم يدخل على بناته فيسلّم عليهن، فدخل عليهن ذات ليلة فلما أحسسنه وضعن أيديهن على أفواههن ثم تبادرن الباب، فقال للحاضنة: ما شأنهن قالت إنه لم يكن عندهن شيء يتعيشنه إلا عدس وبصل، فكرهن أن تشم ذلك من أفواههن، فبكى عمر، ثم قال لهن: يا بناتي ما ينفعكن أن تعشين الألوان، ويمر بأبيكن إلى النار، قال: فبكين حتى علت أصواتهن ثم انصرف)
(1)
.
- ومما لم يذكره الألباني قول ابن مفلح: (في إباحة الحرير والذهب للنساء عند الجمهور لا إجماعاً)
(2)
، ثم ذكر أثر أبي هريرة رضي الله عنه وسبق الجواب عنه، وذكر أثراً للحسن وهذا نصه:(وروى مبارك بن فضالة عن الحسن أنه كره الذهب للنساء)
(3)
، وأظنه قد نقله عن ابن حزم في المحلى حيث قال:(ومن طريق وكيع عن مبارك هو ابن فضالة، عن الحسن: أنه كره الذهب للنساء، واحتج أهل هذه المقالة بخبر من طريق الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -يعني النساء - «أهلكهن الأحمران الذهب والزعفران» وهذا مرسل لا حجة فيه)
(4)
.
(1)
المرجع السابق ص (54).
(2)
الآداب الشرعية (3/ 497).
(3)
المرجع السابق.
(4)
المحلى بالآثار (9/ 240).
- وهذه الطريق عن الحسن ذكرها ابن حزم في المحلى في أربعة مواضع لم أقف على متونها عند غيره، وبعد بحث فالظاهر أنها منقولة من مصنف وكيع وليس من كتاب الزهد المطبوع، ولم يصل المصنف إلينا، وقد كان مصنفاً مشهوراً قال عبدالله بن أحمد: (قال أبي في حديثه: حدثنا به وكيع في المصنف عن سفيان
…
)
(1)
، وفي فتح الباري لابن رجب جاء هذا العزو:(وكيع في كتابه) في أكثر من خمسين موضعاً، وفي فتح الباري لابن حجر جاء هذا العزو:(وكيع في مصنفه) في ستة مواضع، أما قول ابن حزم:(ومن طريق وكيع) فكثير جداً.
- وعلى كل حال، فالإسناد الذي ذكره ابن حزم وابن مفلح عن الحسن يرويه مبارك بن فَضَالة عن الحسن هكذا بالعنعنة، وقد وُصف مبارك بالتدليس الكثير والتسوية
(2)
، فلا يقبل من روايته إلا ماصرّح فيه بالتحديث، قال أبو زرعة:(يدلس كثيراً، فإذا قال حدثنا فهو ثقة)
(3)
، وقال يحيى القطان: (ولم أقبل منه شيئا إلا
(1)
مسند أحمد (5/ 22)، وقال تميم الطوسي:(سمعت أحمد بن حنبل، يقول: عليكم بمصنفات وكيع بن الجراح) كما في تاريخ بغداد (15/ 647).
(2)
قال الحافظ في التقريب ص (519): (صدوق يدلس ويسوي)، وهو مشهور بالتدليس، أما التسوية فلم يشتهر بها، فإن التسوية (وصورته أن يروي حديثاً عن شيخ ثقة، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة، فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول، فيسقط الذي في السند، ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني، بلفظ محتمل، فيستوي الإسناد، كله ثقات. وهذا شر أقسام التدليس) كما قال العراقي في التبصرة (1/ 242)، قال السيوطي في التدريب (1/ 257 - 259): (وهو شر أقسامه; لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفاً بالتدليس، ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية، قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة، وفيه غرور شديد، وممن اشتهر بفعل ذلك بقية بن الوليد
…
والقدماء يسمونه تجويداً، فيقولون جوده فلان، أي ذكر من فيه من الأجواد، وحذف غيرهم).
(3)
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 339): (سئل أبو زرعة عن مبارك بن فضالة) فذكره.
شيئا يقول فيه: حدثنا)
(1)
، وقال عبدالرحمن بن مهدي:(كنا نتتبع من حديث مبارك بن فضالة ما يقول فيه حدثنا الحسن)
(2)
، وسئل الإمام أحمد: (مبارك بن فضالة أحب إليك أو الربيع؟ فقال: مبارك إذا قال: سمعت الحسن
…
وتركه عبد الرحمن؛ لأنه كان يروي أقاويل للحسن، يأخذها من الناس، قال الحسن، وقال الحسن، فتركه)
(3)
، وقال أحمد:(مبارك كان يدلس عن الحسن)
(4)
، وقال أبوداود: (كان مبارك بن فضالة شديد التدليس
…
إذا قال مبارك: ثنا فهو ثبت)
(5)
.
- فهذا قول الأكابر فيما لم يصرح فيه مبارك بالتحديث كما في الرواية التي معنا، أما ماصرّح فيه بالتحديث؛ فإن ماتفرّد به ليس بمقبول مطلقاً، ولذا قال الدارقطني:(مبارك بن فضالة ليّن كثير الخطأ، بصري، يعتبر به)
(6)
، وقد ذكره ابن حبان في الثقات لكنه
(1)
تاريخ بغداد (15/ 279)، تهذيب الكمال (27/ 187).
(2)
قال ابن عدي في الكامل (8/ 24): (حدثنا محمد بن علي، حدثنا عثمان بن سعيد، سمعت نعيم بن حماد يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي) فذكره.
(3)
قال العقيلي في الضعفاء الكبير (4/ 224): (وحدثني الخضر بن داود قال: حدثنا أبي، قال: قلت لأبي عبد الله) فذكره، وقوله هنا:(حدثني أبي) مُشكل؛ لم أقف عليه بعد بحث إلا في هذا الموضع، والخضر بن داود يروي عنه العقيلي في مواضع كثيرة عن أحمد بن محمد ابن هانئ تلميذ الإمام أحمد، وهي رواية معروفة في العلل ذكرها الدارقطني، وقوله:(أبي) هكذا في المطبوع الذي أعتمده من الضعفاء بتحقيق القلجي، وكذلك في الطبعة التي بتحقيق حمدي السلفي، والتي بتحقيق السرساوي، وفي موسوعة أقوال الإمام أحمد في الرجال وعلله، حتى وقفت على طبعة دار التأصيل لضعفاء العقيلي (4/ 42) وقد اعتمدوا على نسخة عتيقة، وبها:(حدثنا أحمد بن محمد)، وفي الحاشية:(في"ظ" أبي، خطأ، ومن يكون والد الخضر، إنما هو أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الأثرم، ورواية الخضر عنه عن أحمد في الكتاب متكررة).
(4)
سؤالات أبي داود للإمام أحمد ص (328).
(5)
سؤالات أبي عبيد الآجري ص (281).
(6)
سؤالات البرقاني للدارقطني ص (64).
قال: (وكان يخطئ)
(1)
.
- وعلى فرض ثبوت الرواية، فإنها غير صريحة في التحريم، ويرد عليها ما ورد على أثر أبي هريرة رضي الله عنه، قال إسماعيل الأنصاري:(ونُقل عن أبي هريرة والحسن البصري أنهما منعا بنتيهما من الذهب مطلقاً، إما على سبيل الورع، أو لدفع الخيلاء والكبر، أو لغير ذلك، ولم ينقل عن أحد من السلف القول بالتفرقة بين المحلق وغير المحلق الذي زعمه الألباني)
(2)
.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بتحريم الذهب المحلّق:
أبرز ما استدل به الألباني على تحريم الذهب المحلّق على النساء:
1/ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يُحلِّق حبيبَه حلْقة من نار، فليجعل له حلْقة من ذهب، ومن أحب أن يُطوّق حبيبه طوقاً من نار، فليطوّقْه طوقاً من ذهب، ومن أحب أن يُسوِّر حبيبه سواراً من نار، فليسوره سواراً من ذهب، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها»
(3)
.
(1)
الثقات (7/ 502).
(2)
إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء، ص (51).
(3)
أخرجه أحمد (8910)، وأبوداود (4236)، والبيهقي (7553)، من طريق عبد العزيز بن محمد، عن أَسيد بن أبي أسيد البراد، عن نافع بن عباس أو (عياش) عن أبي هريرة به، ولم يتعقبه البيهقي، وقد جاء عند أحمد (19718) من طريق عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أَسيد بن أبي أسيد عن ابن أبي موسى، عن أبيه، أو عن ابن أبي قتادة، عن أبيه به، ومرة جعله عبدالرحمن بن زيد من مسند سهل بن سعد كما في المعجم الأوسط (7296) ولعله من اضطرابه، لكن مدار الحديث على أَسيد، وتفرده لا يحتمل، وممايدل على تفرده= تخريج الطبراني للحديث في "الأوسط" من طريق أسيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه به، والمعجم الأوسط مظنة للغرائب والأفراد، وقد قال الدارقطني عن أسيد بن أبي أسيد البراد:(يعتبر به). سؤالات البرقاني ص (17)، ويقصد أنه لايحتج به، وإنما يعتبر بحديثه في الشواهد والمتابعات، وقد خرج له ابن خزيمة والحاكم، وفي إسناد الحديث اضطراب أيضاً؛ فمرة يجعله من حديث أبي هريرة ومرة يشك في إسناده إلى أبي قتادة أو أبي موسى، ومرة يجزم بأنه من حديث أبي قتادة، وللحديث شاهد مسلسل بضعفاء لايعتبر بهم، رواه الطبراني في المعجم الكبير (5811) من طريق محمد بن سنان القزاز (رماه أبو داود بالكذب، وقال الدارقطني: لا بأس به)، عن إسحاق بن إدريس (قال الدارقطني: منكر الحديث، وقال يحيى بن معين: كذاب يضع الحديث)، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم (قال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه) عن أبي حازم، عن سهل بن سعد به، انظر: ميزان الاعتدال (3/ 575)، (1/ 184)، تهذيب التهذيب (6/ 178). وقد ضعّف الحديث حبيب الرحمن الأعظمي، وردّ على إثبات الألباني له في رسالته:"الألباني شذوذه وأخطاؤه" ص (58)، وقال عمرو بن عبدالمنعم سليم في كتابه آداب الخطبة والزفاف ص (233) عن هذا الحديث:(السند مردود بأكثر من علة: من التفرد بمتن منكر، والجهالة، والاضطراب).
وجه الاستدلال:
- أن قوله: «حبيبه» (فعيل بمعنى مفعول وهو يشمل الرجل والمرأة كما يقال: رجل قتيل وامرأة قتيل، وهذا معلوم في اللغة وقد جاء في رواية: «حبيبته» بصيغة التأنيث في حديث أبي موسى الآتي الإشارة إليه قريبا إن شاء الله)
(1)
.
- و (ذكر الطوق والسوار من الذهب والمعروف أن هذا من زينة النساء لا الرجال في ذلك الزمان! فيكون المراد بالحديث النساء أيضاً، والرجال من باب أولى)
(2)
.
- ولا يصح حمل الحديث على الرجال؛ لإباحة الفضة في آخره مطلقاً وهذا مالا يقول به الجمهور؛ (لأنهم يحرمون استعمال الفضة على الرجال كتحريم الذهب عليهم فتعين أن المراد بالحديث النساء وثبت المراد)
(3)
.
(1)
آداب الزفاف ص (223).
(2)
المرجع السابق ص (229).
(3)
المرجع السابق.
ونوقش الاستدلال:
- بأن الحديث ضعيف، وسبب ضعفه هو تفرد أَسِيدِ بن أبي أَسِيدٍ البرَّاد (لم يوثّقه أحد منْ المتقدّمين المعتبرين، وغاية ما نقل عنهم قول الدارقطنيّ: يُعتبر به، وذكره ابن حبّان فِي "الثقات")
(1)
، وفي تخريج الحديث بيان ضعفه، وفي أول الحديث ماهو منكر من تحريم الذهب المحلَّق، لايقبل فيه مثل هذه الرواية التي فيها نزول في الرتبة.
- وعلى فرض ثبوت الحديث، فمن الذي فَهِم من السلف تحريم الذهب المحلّق على النساء، وهل فات الأمة هذا الحكم المهم، ثم تتابعوا على تحلية نساءهم بما هو محرّم، حتى فُهم هذا الحكم في عصرنا؟! هذا كاف في ردّ كل مايستدل به هنا، فليُستحضر في كل مناقشة، فـ (أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة، فما كانوا عليه من فعل أو ترك؛ فهو السنة والأمر المعتبر، وهو الهدى، وليس ثم إلا صواب أو خطأ؛ فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ، وهذا كافٍ)
(2)
.
- وعلى فرض أن الخلاف هنا سائغ، فالأدلة محتملة ولها دلالات، فإن قوله:«عليكم بالفضة» يدل على أن التزهيد في أول الحديث
(1)
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/ 204).
(2)
المرجع السابق (3/ 280 - 281). وسبق قول الشيخ ابن تيمية في الفتاوى (21/ 291): (كل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام)، وقال تلميذه ابن عبدالهادي في الصارم المنكي (1/ 318):(ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه).
كان في الذهب مطلقاً، وذكر المُحلق إنما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
- وهذا التحريم العام للذهب إنما هو في حق الرجال، وبذلك يتفق هذا الحديث مع إجماع العلماء، مع قوله:«حبيبَهُ» بالتذكير، ومع قوله:«عليكم بالفضة» فإن الفضة يُتوسع فيها للرجال مالا يتوسع في الذهب، وماحرم منها على الرجال لعلة التشبه بالنساء لايختص بالفضة.
- وحمل لفظ: «حبيبه» على التأنيث مخالف للأصل وهو قليل في الاستعمال؛ (لأن حبيياً فعيل بمعنى مفعول، والقاعدة أن فعيلاً بمعنى مفعول إذا استعمل استعمال الأسماء، أي بأن لم يتبع موصوفه لحقته التاء للمؤنث، نحو هذه ذبيحة، ونطيحة
…
أي: مذبوحة الخ، وإذا لم يستعمل استعمال الأسماء، كما هنا لم تلحقه التاء إلا نادراً، فيقال: مررت بامرأة جريح، أي مجروحة، فـ"حبيبه" هنا للذكر، بمعنى محبوبه؛ إذ لو كان المراد به المؤنث لقيل:"حبيبته"، فلا يطلق "حبيب" في هذا الحديث إلا على الذكر، ولا ينبغي حمل الحديث على النادر
…
فما ذكره الشيخ الألباني من أن "حبيبه" يشمل المرأة، فليس على ما ينبغي)
(1)
، وهذا متناسق مع ماسبق من حديث أبي موسى:«حُرِّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي» ، وبذلك تجتمع النصوص
(2)
.
- ثم إن دلالة: «يُحلّق
…
يطوّق
…
يسوّر» على الصغير أقرب من دلالتها على الكبير؛ لأنه هو الذي يُلبَس غالباً، والكبير يلبس
(1)
ذخيرة العقبى (38/ 204 - 205).
(2)
انظر: المؤنق ص (27 - 28).
بنفسه، فيكون مسوقاً للصبيان، كما يؤمر بالصلاة والصيام وينهى عن الخمر والفواحش ليعتاد الامتثال، ويكون معنى الحديث: من أحب تطويق حبيبه الصغير بطوق من نار فليعوده على لبس الذهب في صغره يصعب عليه أن ينفك عنه في كبره
(1)
.
- وقد جاء مايؤيد ذلك عن عمر الفاروق رضي الله عنه، فقد دخل عليه عبد الرحمن بن عوف ومعه ابنه إسماعيل، (وعليه قميص من حرير، وقُلبان من ذهب، فشق القميص، وفك القُلبين، وقال اذهب [بهما] إلى أمك)
(2)
، وقد روي في الحديث:«من أحب أن يسور ولده بسوار من نار فليسوره بسوار من ذهب، ولكن الفضة اعملوا بها كيف شئتم»
(3)
، قال أبو نعيم:(والحديث لو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني به الذكور من الأولاد، فأما الإناث فقد أباح لهن التحلي بالذهب ولبس الحرير)
(4)
.
- وعلى فرض التسليم بصحة الحديث وأن المراد به النساء، فإن ذلك منسوخ، أو إن هذا في حق من لاتؤدي زكاته على القول
(1)
انظر: إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء للأنصاري ص (95 - 96).
(2)
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (6683)، من طريق أبي بكرة [بكار القاضي]، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم به، وهذا إسناد صحيح، وصححه العيني في نخب الأفكار (13/ 289)، وقال:(قوله: " وقُلْبان" تثنية قُلْب -بضم القاف وسكون اللام-: وهو السوار)، وقال الأزهري في تهذيب اللغة (13/ 173):(القُلب من الفضة يسمى سواراً، وإن كان من الذهب فهو أيضا سوار)، وقال ابن فارس في المقاييس (5/ 17):(والقُلب من الأسورة: ما كان قلباً واحداً لا يلوى عليه غيره. وهو تشبيه بقلب النخلة).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (7296) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعاً، وهو ضعيف لحال عبدالرحمن بن زيد، قال البخاري في التاريخ الكبير (5/ 284):(ضعّفه علي جداً)، وسبق الإشارة إلى هذا الطريق، وأن عبدالرحمن اضطرب فيه.
(4)
حلية الأولياء (3/ 254).
بوجوب زكاة الحلي، أو في حق من تظهره وتفخر به؛ لأنه مظنة الخيلاء، وهذا الجواب الأخير بما فيه من الاحتمالات الثلاثة يمكن وروده في كل حديث استدل به الشيخ الألباني في المسألة.
2/ واستدل أيضاً بحديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ
(1)
…
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب يدها
(2)
، فدخلت على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشكو إليها الذي صنع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت: هذه أهداها إلي أبو حسن
(3)
، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلسلة في يدها فقال: «يا فاطمة، أيغُرُّك
(4)
أن يقول الناس ابنة رسول الله وفي يدها سلسلة من نار»، ثم خرج ولم يقعد، فأرسلت فاطمة بالسلسلة إلى السوق فباعتها، واشترت بثمنها غلاماً
…
فأعتقته، فحُدث بذلك، فقال:«الحمد لله الذي أنجى فاطمة من النار»
(5)
.
(1)
في رواية أحمد: (خواتيم من ذهب، يقال لها الفتخ).
(2)
في رواية أحمد: (يقرع يدها بعصية معه يقول لها: «أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟»
(3)
المقصود بأبي الحسن: زوجها علي رضي الله عنه، وفي رواية أحمد:(انظري إلى هذه السلسلة التي أهداها إلي أبو حسن. قال: وفي يدها سلسلة من ذهب).
(4)
(بضم الغين المعجمة مضارع غرّه، يقال: غرّته الدنيا غُرُورًا، منْ باب قعد: خدعته بزينتها) كما في ذخيرة العقبى (38/ 210)، وقال السندي في حاشيته على النسائي (8/ 159):(من الغرور، أي: يسرك هذا القول فتصيري بذلك مغرورة، فتقعي في هذا الأمر القبيح بسببه، والله تعالى أعلم).
(5)
أخرجه أحمد (22398)، والنسائي (5140) واللفظ له، من طريق همام بن يحيى (ثقة ربما وهم) عن يحيى بن أبي كثير، ومن طريق معاذ بن هشام (صدوق ربما وهم) عن أبيه عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني زيد بن سلّام، أن جده [أباسلّام] حدثه، أن أبا أسماء [الرحبي] حدثه، عن ثوبان به، وقد اختلف فيه على يحيى، فالوجه الأول كما سبق، وأخرجه النسائي (5141) من طريق النضر بن شميل، والطيالسي (1083) ومن طريقه الطحاوي في شرح المشكل (4812)، والحاكم (4725) وقال:(صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)، والبيهقي في الكبرى (4812)، عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلّام واسمه ممطور، عن أبي أسماء، عن ثوبان به، وهذا هو الوجه الثاني، والوجه الثالث أخرجه معمر في جامعه برواية عبدالرزاق (19949) عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان به، وهذه الرواية إن لم تُحمل على الاضطراب فأرجحها هو الوجه الثاني الذي اتفق عليه أبوداود الطيالسي والنضر بن شميل عن هشام الدستوائي عن يحيى؛ فإن هشام أثبت الناس في يحيى بن أبي كثير كما ذكر الإمام أحمد وعلي بن المديني، زاد أحمد:(الدستوائي لا تسل عنه أحداً، ما أرى الناس يروون عن أحد أثبت منه)، وزاد ابن المديني:(فإذا سمعت عن هشام عن يحيى فلا ترد به بدلاً)، نقل ذلك عنهما أبو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه (9/ 60)، وهذا الوجه الأرجح منقطع فإن يحيى لم يسمع من أبي سلّام. انظر: العلل [ومعرفة] الرجال للإمام أحمد برواية المروذي وغيره ص (156)، المعرفة والتاريخ (3/ 10)، المراسيل لابن أبي حاتم ص (240)، والوجه الأول فيه رواية يحيى عن زيد بن سلام، قال ابن معين: لم يسمع منه شيئاً، وقال أبو حاتم: قد سمع منه، كما في المراسيل لابن أبي حاتم ص (241)، وأعلّه بذلك ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 58) وقال:(على أن يحيى يقول فيه: حدثني زيد بن سلام، ولكنه مع ذلك مخوف فيه الانقطاع، ولعله كان إجازة زيد بن سلام، فجعل يقول: حدثنا زيد بن سلام، وكان الأكمل أن يقول: " إجازة ")، وانظر كلامه عن رواية يحيى عن زيد:(2/ 378)، قال الذهبي عن يحيى بن أبي كثير في الميزان (4/ 403):(هو في نفسه عدل حافظ من نظراء الزهري، وروايته عن زيد بن سلام منقطعة؛ لأنها من كتاب وقع له)، وللحديث متابعة جيدة أخرجها الروياني في مسنده (627) قال: حدثنا محمد بن بشار، نا سهل، نا أبو غفار، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان به.
وجه الاستدلال من هذا الحديث
(1)
:
أن في لوم النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، وضربه يد ابنة هبيرة (نص قاطع على أن الضرب كان من أجل الخواتيم، بدليل تعقبه صلى الله عليه وسلم الضرب بهذا التهديد الشديد:«أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟!»
(2)
.
(1)
قال الطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 301): (هذا الحديث من أحسن ما روي في هذا الباب في تحريم لبس الذهب على النساء، غير أنه قد يحتمل أن يكون نسخه ما ذكرنا مما نسخ حديث عائشة الذي رويناه في هذا الباب)، وقال مصطفى العدوي في المؤنق ص (32):(هذا الحديث والذي قبله [يعني حديث أبي هريرة] هما من أقوى الشبه التي أوقعت الشيخ ناصر فيما وقع فيه من القول بتحريم الذهب المحلق للنساء).
(2)
آداب الزفاف ص (231).
ونوقش الاستدلال بأمور منها:
- أن الحديث ضعيف، قال ابن القطان عن حديث يحيى بن أبي كثير عن زيد: (والناس قد قالوا: إنها منقطعة
…
وليس لحديث ثوبان هذا عيب غير ذلك، على أن يحيى يقول فيه: حدثني زيد بن سلام، ولكنه مع ذلك مخوف فيه الانقطاع، ولعله كان إجازة زيد بن سلام، فجعل يقول: حدثنا زيد بن سلام، وكان الأكمل أن يقول:" إجازة ")
(1)
.
- وعلى فرض ثبوته وهو الظاهر
(2)
، فدلالته تحتمل أموراً، والأمر الواضح فيه أنه صلى الله عليه وسلم جوّز بيعها للسلسة وجوّز للمشتري شراءها، وهذا فرع عن صحة التملك والاستعمال، أما ضربه ليد ابنة هبيرة ولومه لفاطمة فله احتمالات، وقد ترجم النسائي للخبر بـ:(الكراهية للنساء في إظهار الحلي والذهب).
- قال ابن حزم: (يمكن أن يكون عليه الصلاة والسلام ضرب يديها؛ لأنها أبرزت عن ذراعيها ما لا يحل لها إبرازه، أو لغير ذلك مما هو عليه الصلاة والسلام أعلم به.
- وأما قوله: «أيسرك أن يقول الناس ابنة رسول الله وفي يدك سلسلة من نار» فظاهر اللفظ الذي ليس يفهم منه سواه أنه عليه الصلاة والسلام إنما أنكر إمساكها إياها بيدها، ليس في لفظ الخبر نص بغير هذا، ولا دليل عليه، وليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام نهاها عن لباسها ولا عن تملكها، هذا لا شك فيه.
(1)
بيان الوهم والإيهام (3/ 985)، ونقله ابن القيم بمعناه مقرّاً له في تهذيب السنن (11/ 201).
(2)
للمتابعة التي أخرجها الروياني في مسنده (627)، وإسنادهاحسن.
- وقد يمكن أنه عليه الصلاة والسلام علم أنها لم تزكها وكانت مما تجب فيه الزكاة كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} .
- والله أعلم لأي وجه أنكر كون السلسلة في يدها رضي الله عنها إلا أنه ليس فيه ألبتة تحريم لباسها لها، بل فيه نصاً: أنه عليه الصلاة والسلام أباح لها ملكها يقيناً لا شك فيه؛ لأنه جوّز بيعها للسلسلة، وجوّز للمشتري لها منها شراءها.
- وأما إمساكها باليد الذي في هذا الخبر إنكاره فقد نسخ بيقين لا شك فيه، لإيجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة في الذهب وإباحته عليه الصلاة والسلام بيع الذهب بالذهب مثلا بمثل، وزنا بوزن
…
ولا خلاف في أن إيجاب الزكاة في الذهب وإباحة بيعه بالذهب مثلا بمثل باق إلى يوم القيامة لم ينسخ.
- وأما قوله عليه الصلاة والسلام إذ بلغه بيع فاطمة رضي الله عنها السلسلة الذهب وابتياعها بثمنها غلاما فأعتقته «الحمد لله الذي أنقذ فاطمة من النار» ، فالذي لا شك فيه، فهو أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
…
قال «من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً من النار حتى فرجه بفرجه» ، فنحن على يقين من أن الله تعالى أنقذها من النار بعتقها للغلام.
- ومن ادعى أنه إنما أنقذها من النار ببيعها السلسلة فقد قفا ما لا علم له به، وقال ما لا دليل له عليه، ولا برهان عنده بصحته، وما ليس في الخبر منه نص، ولا دليل إلا بالظن الذي هو أكذب الحديث.
- وقد جاء في كراهة مس حلي الذهب أثر صحيح
…
عن عائشة أم المؤمنين قالت قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلية من عند النجاشي أهداها له فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي قالت: «فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعود معرضاً أو ببعض أصابعه، ثم دعا أمامة بنت أبي العاص ابنة زينب فقال: تحلي بهذا يا بنية» .
- فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كره مس خاتم الذهب فلعله كرهه لفاطمة أيضاً، ومع ذلك حلاه أمامة بنت أبي العاص)
(1)
.
- وقال الخطابي: (يشبه أن يكون إنما كره استعمال الكثير منه؛ لأن صاحبه ربما ضن بإخراج الزكاه منه فيأثم ويحرج، وليس جنس الذهب بمحرم عليهن كما حرم على الرجال قليله وكثيره)
(2)
.
- ومما يحتمله الحديث أن: (ذلك كان قبل نزول فرائض الزكاة، أو على أن المنع من لبسه للتباهي والتفاخر، أو على أنه فيما لم تؤد زكاته، أو على خوف الافتتان به، والانشغال عن أمور الدين، وما يخص فاطمة رضي الله عنها، فلأنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أهل بيته بالعزيمة، وبما هو خير وأفضل)
(3)
.
(1)
المحلى لابن حزم (9/ 243 - 245).
(2)
معالم السنن (4/ 216).
(3)
تعليق من حاشية المسند طبعة الرسالة (37/ 85)، وهو ملخص من المؤنق للعدوي ص (34).
- كما أرشد فاطمة لما هو خير لها من الخادم لما جاءت تسأله إياه، وكما جاء في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول:«إن كنتم تحبون حلية الجنة، وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا»
(1)
.
- وقد التزم الشيخ بظاهر الحديث الأخير فقال: (بقي الحرير وحده مباحاً لهن إباحة مطلقة لم يستثن منه شيء، نعم قد استثنى من جنس المباح لهن أمهات المؤمنين، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه منع أهله منه)
(2)
، ثم ذكر حديث ثوبان، لكن الحديث على هذا الفهم أيضاً فيه المنع من عموم الحلية من ذهب أو فضة وقد أقره الشيخ واعتمده
(3)
، لكن هذا التخصيص مشكلٌ جداً إن لم يُفهم بسياقه ومجموع النصوص ومافهمه السلف، وقد سبق إثبات تحلّي عائشة.
- ولئن خصص الشيخ خبر عقبة، وحرّم الحرير والذهب على أهل النبي صلى الله عليه وسلم، فيلزمه ذلك أيضاً في هذا الحديث الذي يثبته وهو حديث عام:«ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر»
(4)
فلم
(1)
أخرجه أحمد (17310)، والنسائي (5136)، وابن حبان (5486)، والحاكم (7403) وغيرهم من طريق عمرو بن الحارث عن أبي عشانة أنه سمع عقبة به، وقال:(هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) قال الذهبي: (لم يخرجا لأبي عشانة)، وأبو عشانة اسمه حي بن يؤمن المعافري، قال ابن حزم في المحلى (9/ 242):(أبو عشانة غير مشهور بالنقل)، قلت: وثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان، وقال ابن حبان في صحيحه (5/ 387):(من ثقات أهل مصر). وانظر: تهذيب التهذيب (3/ 71 - 72).
(2)
السلسلة الصحيحة (1/ 662)
(3)
بعد أن ذكر قول السندي في حاشية النسائي (8/ 156): (الظاهر أنه يمنع أزواجه الحلية مطلقاً سواء كان من ذهب أو فضة ولعل ذلك مخصوص بهم؛ ليؤثروا الآخرة على الدنيا).
(4)
أخرجه ابن حبان (5968) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 663):(وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات).
يخص في الحديث أهله، وقد نقل الشيخ بعد أن أثبته تأويله، وأنه محمول على من تظهره تبختراً و فتنة للرجال، ولم يجعله على ظاهره
(1)
، وهو المراد هنا في حديث ثوبان أنه ليس على ظاهره الذي تفرّد بفهمه، والله أعلم.
3/ واستدل أيضاً على تحريم الذهب المحلق بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: رأى النبي صلى الله عليه وسلم في يدي قُلبين ملويّين بذهب، فقال:«ألقيهما عنك، واجعلي قلبين من فضة، وصفريهما بزعفران»
(2)
، وفي لفظ:«ألا أخبرك بما هو أحسن من هذا، لو نزعت هذا، وجعلت مسكتين من ورق، ثم صفرتهما بزعفران كانتا حسنتين»
(3)
، وحديث أم سلمة-رضي الله عنها قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعلي شعرات من ذهب، فأعرض عني فقلت: يا رسول الله ألا تنظر إلى زينتي،
(1)
حيث قال في آخر بحثه للحديث كما في السلسلة الصحيحة (1/ 664): (نقل المناوي في معنى الحديث عن مسند الفردوس: "يعني يتحلين بحلي الذهب، ويلبسن الثياب المزعفرة، ويتبرجن متعطرات متبخترات، كأكثر نساء زمننا، فيفتن بهن")، ولم يتعقبه أو يذكر نقلاً غيره، وواضح أنه يميل إلى أن الحديث ليس على ظاهره بل لمن تظهر زينتها تبختراً أو فتنة لغيرها.
(2)
أخرجه معمر في جامعه الملحق بمصنف عبدالرزاق (19944)، والنسائي (5134)، والطحاوي في شرح المشكل (4806)، والسرقسطي في الدلائل (636) وهذا لفظهما، ومداره على ابن شهاب الزهري، واختُلف عليه فرواه عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عائشة، ورواه هشام بن يوسف عن معمر عن، عن الزهري، عن عروة أو عن عمرة عن عائشة، ورواه عمرو بن الحارث، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، ورواه ابن وهب قال: حدثني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب ولم يذكر فيه عروة ولا عائشة، وجاء على غير هذه الأوجه أيضاً وقد ذكرها الدارقطني في العلل (14/ 115 - 116) وذكر الاختلاف عن الزهري وعن معمر ثم قال:(والصحيح قول من قال: عن عبد الحميد بن عبدالرحمن مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي بعد أن أخرجه بإسناد ظاهره الثبوت: (هذا غير محفوظ، والله أعلم).
(3)
وهو لفظ النسائي (5134)، والطحاوي في شرح المشكل (4803)، ولفظ الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 473):«ألا أدلك على خير من ذلك، تجعليه من ورق وتخلقيه فيصير كأنه ذهب» ، والألباني لم يذكر إلا اللفظ الأول ولم يعزه إلا للسرقسطي، وقد خرجه من النسائي ولم يتعرض للفظه، مع أن طريقته جمع الألفاظ، وسيأتي التنبيه على ذلك.
فقال: «عنها أعرض» ، فقطعتها، «فأقبل إلي بوجهه»
(1)
.
وجه الاستدلال:
- أن (في هذا الحديث [حديث أم سلمة]، وما قبله [حديث عائشة] دلالة واضحة على تحريم السوار والطوق والحلقة من الذهب على النساء، وأنهن في هذه المذكورات كالرجال في التحريم، وإنما يباح لهن ماسوى ذلك من الذهب المقطع؛ كالأزرار والأمشاط ونحو ذلك من زينة النساء)
(2)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بضعف الحديثين فحديث عائشة قال عنه النسائي: (هذا غير محفوظ)، وحديث أم سلمة منقطع وله متابعة ضعيفة لاتقويه
(3)
.
- وعلى فرض ثبوته، فحديث عائشة رضي الله عنها فيه كما في رواية النسائي:«ألا أخبرك بما هو أحسن من هذا» وهي (لاتفيد تحريماً قاطعاً فمثل ذلك مثل قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لفاطمة وجاءت تسأله خادماً: «ألا أدلك على ماهو خير لك من خادم تسبحين وتحمدين وتكبير
…
» الحديث. فهل في هذا تحريم الخادم؟!
- ولا أدري لماذا أخّر الشيخ-عفا الله عنه- رواية النسائي والخطيب
(1)
أخرجه أحمد (26682) والطبراني في الكبير (968) وهذا لفظه، من طريق عطاء عن أم سلمة به، وهذا منقطع، فعطاء لم يسمع من أم سلمة، كما قال علي بن المديني في العلل ص (66)، وجاء موصولاً من طريق ضعيف عن ميمون أبو حمزة عن أبي صالح عن أم سلمة به، وميمون ضعيف والأكثر أنه لايعتبر به، وأبو صالح مقبول كما في التقريب.
(2)
آداب الزفاف ص (234).
(3)
وانظر: المؤنق ص (36 - 41)، آداب الخطبة والزفاف لعمرو بن عبدالمنعم سليم (246 - 252).
وقدّم رواية السرقسطي مع أن الحديث واحد ومخرجه واحد، ثم إني ألزم الشيخ هنا بلازم أخذه على نفسه ألا وهو جمع طرق الحديث وضم ألفاظه وجمع شمله
(1)
…
- ففي رواية النسائي والخطيب: «ألا أدلك على خير من ذلك» فهذه الجملة تفيد وتشعر أن قوله عليه السلام: «ألقيهما عنك» محمول على الكراهة وليس على التحريم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنع أهله الحلية
…
وذلك منه عليه السلام اختيار للأفضل والأكمل لأهل بيته)
(2)
، ولذلك قال ابن حزم:(وهذا الخبر حجة لنا؛ لأنه ليس في هذا الخبر أنه صلى الله عليه وسلم نهاها عن مسكتي الذهب، إنما فيه: أنه عليه الصلاة والسلام اختار لها غيره، ونحن نقول بهذا)
(3)
.
- وكذلك الرواية في حديث أم سلمة (ليس فيها نص على التحريم بل إنما فيها الإرشاد إلى ماهو الأفضل من ترك تلك الزينة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنع أهله التوسع في كثير من المباحات ليؤثروا الآخرة على الدنيا)
(4)
.
- وأخيراً فالمعتمد أن هذه الأحاديث وغيرها بين نظر العلماء على مر الأزمان ولم يفهموا منها مافهم الشيخ الألباني، وهي محمولة عند العلماء على محامل خلاصتها كما قال المنذري: (هذه الأحاديث التي ورد فيها الوعيد على تحلي النساء بالذهب تحتمل وجوهاً من
(1)
قال الألباني في آداب الزفاف ص (232): (هذه المسألة مثال من جملة الأمثلة الكثيرة على أهمية هذه الطريقة التي تفردنا بها في هذا العصر -فيما أعلم- من تتبع الزيادات من مختلف الروايات وجمع شملها وضمها إلى أصل الحديث، مع تحري الثابت منها، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
(2)
المؤنق ص (36 - 37).
(3)
المحلى (9/ 242).
(4)
إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء للأنصاري ص (79).
التأويل، أحدها: أن ذلك منسوخ، فإنه قد ثبت إباحة تحلي النساء بالذهب، الثاني: أن هذا في حق من لا يؤدي زكاته دون من أداها
…
الثالث: أنه في حق من تزينت به وأظهرته
…
الرابع من الاحتمالات: أنه إنما منع منه في حديث الأسورة والفتخات لما رأى من غلظه؛ فإنه مظنة الفخر والخيلاء)
(1)
، زاد ابن القيم احتمالاً خامساً بقوله:(طائفة سلكت بها مسلك التضعيف وعللتها كلها)
(2)
.
- والإجماع المحكي الذي تبين حفظه، يقوي القول بالنسخ كما قال ابن شاهين:(كان في أول الإسلام يلبس الرجال الخواتيم الذهب، وغير ذلك، وكان الحظر قد وقع على الناس كلهم، ثم أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء دون الرجال، فصار ما كان على النساء من الحظر مباحاً لهم فنسخت الإباحة الحظر)
(3)
، وقال البيهقي:(باب سياق أخبار تدل على إباحته للنساء)، ثم ذكر أربعة أحاديث، ثم قال:(فهذه الأخبار وما ورد في معناها تدل على إباحة التحلي بالذهب للنساء، واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة، والله أعلم)
(4)
، وقال الشوكاني: (ومن أعظم الأدلة الدالة على ترجيح أحاديث التحليل
…
أنه قد قام الإجماع على ذلك
…
الواجب هاهنا المصير إلى القول بالنسخ
…
أو المصير إلى التأويل
…
أو المصير إلى التعارض البحت على تسليم عدم إمكان التأويل، وحينئذ يتحتم ترجيح أحاديث التحليل على أحاديث التحريم؛ لكثرتها ولكونها
(1)
الترغيب والترهيب (1/ 313 - 314).
(2)
تهذيب السنن (11/ 201).
(3)
ناسخ الحديث ومنسوخه ص (446).
(4)
السنن الكبرى (4/ 438).
صريحة في الحل، وللإجماع على العمل بها وترك ما عارضها، وللإجماع أيضًا على تحليل الحرير للنساء، وهو قرين الذهب في تلك الأحاديث)
(1)
.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بتحريم الذهب المحلّق على النساء إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته الإجماع الصحيح، ولم يثبت بعد البحث قول معتبر يصح أن تُخرم به الإجماعات المنقولة عن علماء الأمة، ولايُعرف من قال بهذا القول قبل الألباني (ت 1420)، والله أعلم.
(1)
الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (9/ 4278)، وبها رسالته "القول الجلي في حل لبس النساء للحلي".
المبحث الثاني: عدم وجوب زكاة عروض التجارة
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله).
ابن تيمية رحمه الله
مجموع الفتاوى (1/ 246)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
العُرُوض في اللغة: جمع عَرْض (بسكون الراء، وهو كل ما كان من المال غير نقد; وجمعه عُروض. فأما العَرَض بفتح الراء، فما يصيبه الإنسان من حظه من الدنيا)
(1)
، قال الأزهري:(أما العرض بسكون الراء فما خالف الثمنين: الدنانير والدراهم، من متاع الدنيا وأثاثها، وجمعه عروض. فكل عَرْض داخل في العَرَض، وليس كل عَرَض عَرْضاً)
(2)
، فبينهما عموم وخصوص، و (كل شيء فهو عرْض سوى النقدين، أي الدراهم والدنانير فإنهما عين)
(3)
.
ومن إرادة العموم في القرآن قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}
(4)
، وفي السنة قوله صلى الله عليه وسلم:«ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس»
(5)
، قال ابن حجر:(قال أبو عبد الملك البوني، فيما نقله ابن التين عنه قال: اتصل بي عن شيخ من شيوخ القيروان أنه قال: العَرَض بتحريك الراء الواحد من العروض التي يتجر فيها، قال وهو خطأ؛ فقد قال الله تعالى: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}، ولا خلاف بين أهل اللغة في أنه ما يعرض فيه، وليس هو أحد العروض التي يتجر فيها، بل واحدها عرْض بالإسكان وهو ما سوى النقدين)
(6)
.
(1)
مقاييس اللغة (4/ 276).
(2)
تهذيب اللغة (1/ 289)، وانظر: لسان العرب (7/ 170).
(3)
تاج العروس (18/ 391)، وانظر: لسان العرب (7/ 170).
(4)
من الآية (67) من سورة الأنفال.
(5)
متفق عليه، أخرجه البخاري (6446)، ومسلم (1051) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
فتح الباري (11/ 272).
وفي "غلط الضعفاء من الفقهاء": (ويقولون لواحدِ العُرُوضِ من الأمتعة: "عَرَضٌ"، بفتح الراء. وصوابُهُ: عَرْضٌ، بإسكانِ الراء)
(1)
، ولايخرج معنى العرْض في الاصطلاح عن المعنى اللغوي
(2)
، وأنها:(غير الأثمان من المال، على اختلاف أنواعه، من النبات والحيوان والعقار وسائر المال)
(3)
، وعرْض التجارة أعم الأموال الزكوية
(4)
.
والمقصود بعروض التجارة في الزكاة: (كل ما قصد الاتجار فيه عند تملكه بمعاوضة محضة)
(5)
، وقيل هي:(ما يعد لبيع وشراء لأجل ربح غير النقدين غالباً)
(6)
.
والعروض عند المالكية على قسمين: عرْض إدارة، وعرْض احتكار
(7)
، (والمراد بالمدير: من يبيع عروضه بالسعر الحاضر ثم يخلفها بغيرها، ولا يرصد نفاق سوق ليبيع، ولا كساده ليشتري فيه، كما يفعله أرباب الحوانيت والجالبون للسلع من البلدان)
(8)
و (كأهل الأسواق،
(1)
غلط الضعفاء من الفقهاء لابن بري ص (18)، وقال الصقلي في تثقيف اللسان في "باب غلط أهل الفقه" ص (216):(ويقولون: العين، والعرَض، ويباع الدين بعرَض. والصواب: عرْض بإسكان الراء).
(2)
انظر: طلبة الطلبة ص (148)، شرح مختصر خليل (2/ 195)، الزاهر ص (108)، المطلع ص (173).
(3)
المغني لابن قدامة (3/ 58).
(4)
انظر: الحاوي الكبير (3/ 283)، المبدع شرح المقنع (2/ 368).
(5)
المجموع (6/ 48)، وقال:(وتفصيل هذه القيود أن مجرد نية التجارة لا يصير به المال للتجارة، فلو كان له عرض قنية ملكه بشراء أو غيره فجعله للتجارة لم يصر للتجارة هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور، وقال الكرابيسي: يصير للتجارة وهو مذهب أحمد وإسحاق بن راهويه).
(6)
الإقناع للحجاوي (1/ 275).
(7)
انظر: التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 212)، الفواكه الدواني (1/ 331)، حاشية العدوي (1/ 482).
(8)
شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 179).
فيجعل لنفسه شهراً في السنة فينظر فيه ما معه من العين، ويقوّم ما معه من العروض ويضمه إلى العين، ويؤدي زكاة ذلك إن بلغ نصاباً بعد إسقاط الدين إن كان عليه، وأما غير المدير وهو الذي يشتري السلع وينتظر بها الغلاء؛ فلا زكاة عليه فيها حتى يبيعها، فإن باعها بعد حول أو أحوال زكى الثمن لسنة واحدة، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يزكي كل عام وإن لم يبع، وهو عندهما مخير بين إخراج الزكاة من العروض أو قيمتها)
(1)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
…
(مما اتفقوا على أنه لا زكاة فيه: كل ما اكتسب للقنية لا للتجارة، من جوهر، وياقوت، ووطاء، وغطاء، وثياب، وآنية نحاس؛ أو حديد، أو رصاص، أو قزدير، وسلاح، وخشب، ودروع وضياع، وبغال، وصوف، وحرير، وغير ذلك)
(2)
.
(1)
القوانين الفقهية ص (70)، فالمحتكر يرصد السوق وينتظر الربح الجيد كأصحاب العقار غالباً، فهذا عندهم يزكيها إذا باعها مرة واحدة، والمدير لايرصد ويكتفي بالربح القليل كأصحاب البقالات، فيزكي كل سنة، قال في مختصر ابن الحاجب وتوضيحه (2/ 217 - 219): (بشرط أن ينض من أثمان العروض شيء ما. وقال ابن حبيب: لا يشترط النضوض، ورواه مطرف عن مالك
…
فلو كان مداراً بالعرض ولا ينض شيء، فالمشهور: لا تجب
…
يعني: لو كان يدير العروض بعضها ببعض ولا يبيع بشيء من العين، فالمشهور عدم التقويم؛ بناء على اشتراط النضوض، والشاذ لابن حبيب. ولمالك من رواية مطرف وابن الماجشون)، وقال عطية سالم في تكملة الأضواء (8/ 293) نقلاً عن الشيخ الشنقيطي:(سمعت من الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في موضوع زكاة العروض في قول المالكية: يشترط أن ينض في يد التاجر المدير ولو درهماً أثناء الحول، وإلا لما وجبت عليه زكاة في عروض تجارته. فقال -رحمة الله تعالى علينا وعليه-: لو كان مالك رحمه الله موجوداً اليوم لم يقل ذلك; لأن العالم اليوم كله لا يكاد يعرف إلا هذه الأوراق، وقد لا ينض في يده درهم، واحد فضة. ويترتب على ذلك إسقاط الزكاة عن عروض التجارة، وهي غالب أموال الناس اليوم).
(2)
المحلى (4/ 13)، وانظر: مراتب الإجماع ص (37)، التمهيد (17/ 135)، قال ابن جزي في القوانين ص (70):(تنقسم العروض إلى أربعة أقسام: للقنية خالصاً فلا زكاة فيه إجماعاً).
2.
و (الحلي المتخذ بنية التجارة تجب زكاته بإجماع، سواء كان لرجل أو امرأة)
(1)
.
3.
وحكي الإجماع على وجوب زكاة عروض التجارة، (ومنع ذلك أهل الظاهر)
(2)
، فلم يروا في عروض التجارة زكاةً، وتبعهم على ذلك بعض المعاصرين، وحُكم على رأيهم بالشذوذ، وهذا هو المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 183)، قال ابن جزي في القوانين الفقهية ص (69):(ينقسم حلي الذهب والفضة أربعة أقسام: الأول أن يتخذ للباس الجائز فلا زكاة فيه خلافاً لأبي حنيفة، والثاني أن يتخذ للتجارة ففيه الزكاة إجماعاً ويعتبر بوزنه دون قيمة صياغته).
(2)
بداية المجتهد (2/ 15)، قال النووي في المجموع (6/ 47):(وحكى أصحابنا عن داود وغيره من أهل الظاهر أنهم قالوا: لا تجب)، أي: زكاة عروض التجارة، وصرّح بذلك ابن حزم وناقش انظر: المحلى (4/ 12)، (4/ 39).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
الألباني (ت 1420)
(1)
، ومقبل الوادعي (ت 1422)
(2)
.
وقد سبقهما من المتأخرين الشوكاني (ت 1250)
(3)
، وتبعه: صديق حسن خان (ت 1307)
(4)
.
(1)
قال في تمام المنة ص (363): (الحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة، مع منافاته لقاعدة "البراءة الأصلية").
(2)
قال في "إجابة السائل على أهم المسائل" ص (702): (عروض التجارة الصحيح من أقوال أهل العلم أنه ليس فيها زكاة؛ لعدم ورود الدليل).
(3)
انظر: الدراري المضية (2/ 159 - 160)، السيل الجرار ص (236 - 237).
(4)
انظر: الروضة الندية (1/ 503 - 506).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه ونحوه من الأوصاف، ومن ذلك:
أبوعبيد القاسم (ت 224) بقوله: (أموال التجار عندنا، وعليه أجمع المسلمون أن الزكاة فرض واجب فيها، وأما القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا)
(1)
.
- والخطابي (ت 388) بقوله: (احتج
…
بعض أهل الظاهر ممن لا يرى الزكاة في أموال التجارة
…
ثم هو عمل الأمة وإجماع أهل العلم، فلا يعد قول هؤلاء معهم خلافاً)
(2)
.
- وابن عبدالبر (ت 463) بقوله: (وقد شذَّ داود فلم ير الزكاة في العروض)
(3)
، وقوله:(وأما داود بن علي فإنه شذ عن جماعة الفقهاء فلم ير الزكاة فيها على حال اشتريت للتجارة أو لم تشتر للتجارة)
(4)
.
- وابن تيمية (ت 728) بقوله: (والأئمة الأربعة وسائر الأمة إلا من شذ متفقون على وجوبها في عرض التجارة)
(5)
.
- والزركشي (772) بقوله: (عن ابن عمر رضي الله عنهما: ليس
(1)
الأموال ص (522).
(2)
معالم السنن (3/ 53 - 54).
(3)
التمهيد (17/ 126).
(4)
الاستذكار (3/ 169).
(5)
مجموع الفتاوى (25/ 45).
في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة. رواه البيهقي. مع أن ذلك قد حكاه ابن المنذر إجماعاً، وإن كان قد حكي فيه خلاف شاذ عن داود ونحوه، والله أعلم)
(1)
.
- ومحمد الأمين الشنقيطي (ت 1393) بقوله: (فتحصل أن جميع ما ذكرناه من طرق حديث أبي ذر، وحديث سمرة بن جندب المرفوعين، وما صح من أخذ عمر زكاة الجلود من حماس، وما روي عن ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وظاهر عموم الآية الكريمة، وما فسرها به مجاهد، وإجماع عامة أهل العلم إلا من شذّ عن السواد الأعظم= يكفي في الدلالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة)
(2)
.
- وعبدالله المنيع بقوله: (فالقول بأن الزكاة غير واجبة في عروض التجارة قول شاذ)
(3)
، وقال: (ولقد نُبش هذا القول من مقبرته قبل -أربعين عاماً-فانقض للرد عليه
…
وانتهى الأمر بإعادة هذا القول الشاذ إلى قبره ودفنه، ولكن في عصر الحرية الفكرية الفوضوية وجد من يجد في نبشه طريقاً للشهرة والظهور)
(4)
.
- وفي فتاوى اللجنة الدائمة: (إنما نفى ابن حزم وجوب الزكاة في عروض التجارة؛ لأنه لا يقول بتعليل الأحكام، والقول بعدم تعليل الأحكام وأنها لم تشرع لحكم قول باطل
…
وعلى هذا فمن منع زكاة ما لديه من عروض التجارة فهو مخطئ)
(5)
.
(1)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 513).
(2)
أضواء البيان (2/ 139).
(3)
بحوث وفتاوى في بعض مسائل الزكاة ص (17).
(4)
المرجع السابق ص (15 - 16).
(5)
فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى (9/ 312).
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بوجوب زكاة عروض التجارة:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}
(1)
، وقوله:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}
(2)
، وقوله:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}
(3)
.
وجه الاستدلال:
- هو ما صح عن مجاهد في قول الله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال: (من التجارة)
(4)
، و (عموم هذه الآية يوجب الصدقة في سائر الأموال; لأن قوله تعالى:{مَا كَسَبْتُمْ} ينتظمها
…
ويُحتج بظاهر الآية على من ينفي إيجاب الزكاة في العروض)
(5)
، (ولا شك أن ما ذكره مجاهد داخل في عموم الآية)
(6)
.
- وقد ترجم لهذه الآية الإمام البخاري فقال: (باب صدقة الكسب والتجارة؛ لقوله تعالى
…
)
(7)
فأورد الآية، والبيهقي ترجم لها
(1)
من الآية (267) من سورة البقرة.
(2)
من الآية (103) من سورة التوبة.
(3)
الآية (24) من سورة المعارج.
(4)
أخرجه الطبري في تفسيره (4/ 695 - 696) وابن أبي شيبة (22192) وغيرهما، من طُرق عن شعبة عن الحكم عن مجاهد، وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(5)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 554)
(6)
أضواء البيان (2/ 139).
(7)
صحيح البخاري (2/ 115)، ولم يورد في الباب حديثاً، وهذا الباب ومعه نحو عشرة أبواب أحصيتها لايذكر فيها أي حديث، فيكتفي بآية مع الترجمة، وقد يكتفي ببعض الآثار، وقد يكتفي بالترجمة فقط دون آية أو حديث أو أثر.
بقوله: (باب زكاة التجارة)
(1)
.
- وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (وهذا عام فيحمل على عمومه إلا ما خصه الدليل)
(2)
، كما قال الباجي.
- وفي قوله: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ} عموم أيضاً، (ومال التجارة أعم الأموال
(3)
، فكانت أولى بالدخول)
(4)
، و (أولى بالإيجاب)
(5)
.
2/ واستدلوا بحديثين: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: «فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع»
(6)
، وحديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه مرفوعاً وفيه:«وفي البزِّ صدقته»
(7)
، وقول
(1)
السنن الكبرى (4/ 247)، أورد الآية ثم أثر مجاهد ثم أحاديث الباب.
(2)
المنتقى (2/ 120)، وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي (3/ 104):(هذا عام في كل مال على اختلاف أصنافه، وتباين أسمائه، واختلاف أغراضه، فمن أراد أن يخصه في شيء فعليه الدليل).
(3)
(لأنه يشمل كل مال يُتجر فيه، من حيوان وحبوب وثمار وسلاح ومتاع وغير ذلك). فقه الزكاة ص (225).
(4)
المبدع شرح المقنع (2/ 368).
(5)
الحاوي الكبير (3/ 283).
(6)
أخرجه أبوداود (1562)، والطبراني في الكبير (7029)، والدارقطني (2027)، والبيهقي في الكبرى (7597)، ومداره على جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، عن خبيب بن سليمان، عن أبيه، عن سمرة به، وسكت عنه أبوداود والبيهقي وحسن إسناده ابن عبدالبر في الاستذكار (3/ 170)، قال ابن القطان في بيان الوهم (5/ 138):(إسناد مجهول البتة، فيه جعفر بن سعد بن سمرة، وخبيب بن سليمان بن سمرة، وأبوه سليمان بن سمرة. وما من هؤلاء، من تعرف له حال، وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم، وهو إسناد تروى به جملة أحاديث قد ذكر البزار منها نحو المائة)، وقال الذهبي في الميزان (1/ 408):(هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم).
(7)
أخرجه أحمد (21557)، والدارقطني (1934) والبيهقي في الكبرى (7598) من طريق ابن جريج، عن عمران بن أبي أنس، بلغه عنه، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن أبي ذر به، وأخرجه الدارقطني (1932)، ومن طريقه البيهقي (7602)، من طريق موسى بن عبيدة، حدثني عمران بن أبي أنس، عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر به، وهو عند من سبق بلفظ (البزّ)، وصرّح بذلك الدارقطني بقوله:(قالها بالزاي)، وأكد ذلك بقوله:(كتبه من الأصل العتيق وفي البز مقيد)، وهو عند الحاكم (7602) وصححه بلفظ:(البر)، قال ابن دقيق:(الذي رأيته في نسخة من المستدرك في هذا الحديث البر بضم الموحدة وبالراء المهملة) نقله ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 391)، قال النووي في المجموع (6/ 47):«وفي البز صدقته» هو بفتح الباء وبالزاي، هكذا رواه جميع الرواة وصرح بالزاى الدارقطني والبيهقي)، وقال في تهذيب الأسماء واللغات (3/ 27):«في البَز صدقة» هو بفتح الباء وبالزاي، وهذا وإن كان ظاهرًا لا يحتاج إلى تقييد، فإنما قيدته؛ لأنني بلغني أن بعض الكُتَّاب صحفه بالبُر بضم الباء وبالراء. قال أهل اللغة: البز الثياب التي هي أمتعة البزاز) انتهى، والحديث برواية ابن جريج سئل عنه الإمام البخاري فقال:(ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس) كما في العلل الكبير للترمذي ص (100)، ولعل ابن جريج دلّسه عن موسى بن عبيدة المذكور في الطريق الآخر، وقد قال الدارقطني عن تدليس ابن جريج:(يتجنب تدليسه؛ فإنه وحش التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة وغيرهما) كما في سؤالات الحاكم للدارقطني ص (174)، قال ابن مفلح في الفروع (4/ 191):(وفي صحة هذا الخبر نظر، ويدل على ضعفهما أن أحمد إنما احتج بقول عمر رضي الله عنه لحماس)، وسيأتي قول عمر بإذن الله.
ابن عمر رضي الله عنهما: (كان فيما كان من مال في رقيق، أو في دواب، أو بزٍّ يُدار لتجارة، الزكاة كل عام)
(1)
.
وجه الاستدلال:
- حديث سمرة رضي الله عنه (هذا نصٌّ؛ لأن الذي نعده للبيع هو عروض التجارة)
(2)
، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أوجب في البزّ الصدقة (والبز يطلق على الثياب المعدة للبيع عند البزازين، وزكاة العين لا تجب في الثياب، فتعين الحمل على زكاة التجارة)
(3)
، (ولا خلاف أنها لا تجب في عينه، وثبت أنها تجب في قيمته)
(4)
.
(1)
أخرجه عبدالرزاق (7103) عن ابن جريج قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، وإسناده صحيح.
(2)
البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 307)، وانظر: بحر المذهب (3/ 148).
(3)
كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار ص (173)، وانظر: الحاوي الكبير (3/ 283).
(4)
المغني لابن قدامة (3/ 58).
- وأما قول ابن عمر فله حكم الرفع كما قال ابن عبدالبر: (ما كان ابن عمر ليقول مثل هذا من رأيه؛ لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي)
(1)
، وفي قوله:(كان فيما كان) إشارة إلى أن هذا الحكم كان عليه العمل في زمن التشريع.
ونوقش هذا الاستدلال:
- (أما حديث سمرة فساقط؛ لأن جميع رواته ما بين سليمان بن موسى، وسمرة رضي الله عنه مجهولون لا يعرف من هم)
(2)
، وحديث أبي ذر (إسناده غير صحيح مداره على موسى بن عبيدة الربذي)
(3)
، قال البخاري عن موسى:(قال يحيى كنا نتقي حديثه تلك الأيام وقال أحمد منكر الحديث)
(4)
.
- (ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة؛ لأنه ليس فيه: أن تلك الصدقة هي الزكاة المفروضة؛ بل لو أراد عليه السلام بها الزكاة المفروضة لبين وقتها، ومقدارها، وكيف تُخرج، أمن أعيانها، أم بتقويم، وبماذا تقوّم؟ ومن المحال أن يكون عليه السلام يوجب علينا زكاة لا يبين كم هي، ولا كيف تؤخذ.
- وهذه الصدقة لو صحت لكانت موكولة إلى أصحاب تلك السلع؛ كما حدثنا عبد الله بن ربيع، ثنا عمر بن عبد الملك، ثنا محمد بن بكر، ثنا أبو داود، ثنا مسدد، ثنا معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن قيس بن أبي غَرَزة قال: مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة» ،
(1)
الاستذكار (3/ 172).
(2)
المحلى (4/ 40).
(3)
التلخيص الحبير (2/ 391).
(4)
التاريخ الأوسط (2/ 93)، وانظر: تهذيب الكمال (29/ 108).
فهذه صدقة مفروضة غير محدودة، لكن ما طابت به أنفسهم، وتكون كفارة لما يشوب البيع مما لا يصح من لغو وحلف)
(1)
.
- وحديث أبي ذر رضي الله عنه (فيه لفظة اختلفت النسخ فيها وهي: «البز» فهي في بعضها البز بفتح الموحدة والزاي المعجمة وقد صرح بذلك موسى بن عبيدة وقد علمت ضعفه وفي بعضها "البر" بالباء المضمومة والراء المهملة ولم يتبين لنا ولا لكثيرين قبلنا أيهما الأرجح وهذا كما قال صديق خان في "الروضة": "مما يوجب الاحتمال فلا يتم الاستدلال". قلت: هذا لو صح الحديث فكيف به وهو ضعيف؟!)
(2)
.
وأجيب عن هذه المناقشات:
- بأن حديث سمرة سكت عنه أبوداود والمنذري وهذا تحسين منهما، وحسّنه ابن عبدالبر، وقال الشيخ أحمد شاكر ردّاً على ابن حزم: رواته معروفون ذكرهم ابن حبان في الثقات.
- وحديث أبي ذر صححه الحاكم وذكر له الحافظ عدة طرق ضعيفة، قال في إحداها: هذا إسناد لابأس به، وقد تأيد الحديثان بالعمومات، وبعمل الصحابة، وإجماع السلف، مع مايعضدهما من النظر الصحيح والقياس السليم
(3)
.
(1)
المحلى (4/ 40 - 41)، والحديث المذكور خرّجه أحمد (16134) وأصحاب السنن من حديث قيس بن غَرَزة رضي الله عنه، وقال الترمذي: (حديث قيس بن أبي غرزة حديث حسن صحيح
…
ولا نعرف لقيس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا).
(2)
تمام المنة ص (363).
(3)
والصواب ضعف الحديثين من حيث الصنعة الحديثية، لكن ضعفهما يسير، وأما ذكر ابن حبان لمجهول الحال في الثقات؛ فمعروف وسبق تحريره، وحديث أبي ذر مداره على موسى بن عبيدة وليس له أكثر من طريق، وانظر تخريجهما.
- أما حمل ابن حزم الصدقة في الحديث على غير الزكاة، فهذا (خلاف الظاهر، بل خلاف لما صرح به من تسميته زكاة في بعض الأحاديث والآثار)
(1)
.
- لأن المتبادر من كلمة "الصدقة" هو الزكاة. فقد صحت الأحاديث الكثيرة بتسميتها صدقة، وإذا عرفت ب"أل" كما في الحديث، انصرف إلى اللفظ المعهود، وهو الزكاة
(2)
.
- كما قال الله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}
(3)
، قال الإمام الشافعي:(ما أخذ من مسلم فهو زكاة، والزكاة صدقة، والصدقة زكاة وطهور أمرهما ومعناهما واحد، وإن سميت مرة زكاة ومرة صدقة، هما اسمان لها بمعنى واحد، وقد تسمي العرب الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وهذا بيّن في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لسان العرب)
(4)
.
- وحديث التجار ليس فيه (دليل على ما ادعوه؛ لأنه إنما أمرهم في هذا الحديث بشيء من الصدقه غير معلوم المقدار في تضاعيف الأيام ومر الأوقات، ليكون كفارة عن اللغو والحلف)
(5)
، و (أنه ينبغي للتجار أن يلازموا الصدقة في كثير من أوقاتهم؛ لما لا يخلو من الأيمان، والمواعيد الكاذبة، فيكفرونها بها)
(6)
، فهي كفارة مستحبة وليست صدقة واجبة.
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى (9/ 310).
(2)
كقول الله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
…
} الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: «
…
صدقة تؤخذ من أغنيائهم» الحديث، والعامل على الزكاة يسمى مصدقاً، انظر: فقه الزكاة ص (42).
(3)
من الآية (103) من سورة التوبة.
(4)
الأم (2/ 90)، قال الماوردي في الأحكام السلطانية ص (179):(الصدقة زكاة، والزكاة صدقة، يفترق الاسم ويتفق المسمى)، وقال ابن تيمية في فتاويه (25/ 8):(فقد سمى الله الزكاة صدقة وزكاة).
(5)
معالم السنن (3/ 53).
(6)
ذخيرة العقبى (30/ 369).
- وابن حزم قال عن هذه الكفارة: (فهذه صدقة مفروضة غير محدودة)، فأوجب الكفارة ولم يوجب الزكاة، فإذا كان على التاجر من الصدقة المفروضة غير المحددة -كما يقول ابن حزم نفسه- مايكون كفارة لمايشوب، فكيف يُعفَى مما هو مفروض على عامة المسلمين؟.
- وأما لفظ البر أو البز (فالجواب هو ما قدمنا عن النووي، من أن جميع رواته رووه بالزاي، وصرح بأنه بالزاي البيهقي، والدارقطني)
(1)
، فالبرتصحيف، وأما البز فـ (لا يقال تصحيف؛ لأنه نُقل مضبوطاً بالزاي)
(2)
، مما يدل على حفظ هذا الوجه.
3/ ومن الأدلة على وجوب زكاة عروض التجارة، أثر أبي عمرو بن حِمَاس
(3)
، عن أبيه حماس
(4)
، أنه كان يبيع الأدم والجعاب
(5)
، وأن عمر قال له:(يا حِماس أدِّ زكاة مالك)، فقال: والله ما لي مال إنما أبيع الأدم والجعاب، فقال:(قوّمه و أدِّ زكاته)
(6)
، وقول
(1)
أضواء البيان (2/ 136) وقول النووي مذكور في تخريج الحديث.
(2)
الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 402).
(3)
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/ 262): (الرجل الصالح المستجاب الدعوات).
(4)
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (1/ 168): (حِماس بن عمرو الليثى المدني التابعي، سمع عمر بن الخطاب
…
وحماس بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم والسين المهملة)، قال ابن حجر في تعجيل المنفعة (1/ 466):(هو مخضرم كان رجلاً كبيراً في عهد عمر، وذكره بن حبان في الثقات)، وذكره ابن قُطْلُوْبَغَا في الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (4/ 20).
(5)
الأدم جمع أدمة (والأدمة: باطن الجلد، والبشرة: ظاهرها) كما في مجمل اللغة ص (90)، والجعاب جمع جعبة و (الجَعْبَة وعاء السِّهام) كما في المخصص (2/ 43).
(6)
رواه ابن أبي شيبة (10456)، وأحمد كما في مسائل ابنه عبدالله ص (163)، والشافعي في الأم (2/ 49)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (7603)، وأبوعبيد في الأموال ص (1179) وغيرهم، من طُرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبدالله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حِماس عن أبيه حِماس به، ولعبدالله بن أبي سلمة متابعة عند أبي عبيد (1180)، والشافعي في الأم (2/ 49) من طريق محمد بن عجلان عن أبي الزناد عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه عن عمر مثله، واحتج بهذا الأثر الإمام أحمد كما في المسائل برواية ابنه عبدالله ص (163)، ورواية أبي الفضل (1/ 313)، وقال ابن مفلح في الفروع (4/ 191):(أحمد إنما احتج بقول عمر رضي الله عنه لحماس)، واحتج به كذلك الإمام الشافعي في الأم (2/ 49)، وقال الجويني في نهاية المطلب (3/ 293):(الأصل الذي اعتمده الشافعي حديث حِماس)، وقد أعل الأثر ابن حزم في المحلى (4/ 41) بجهالة حماس وابنه، وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 259):(رواه الشافعي وسعيد بن منصور بإسناد جيد)، وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 309):(رواه البيهقي بإسناد صحيح لا أعلم به بأسًا)، وقال ابن حجر إتحاف المهرة (12/ 138):(قط في الزكاة: ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا يوسف القاضي، ثنا محمد ابن أبي بكر، ثنا حماد بن زيد، ثنا يحيى بن سعيد، عن أبي عَمرو بن حِمَاس، عن أبيه، بهذا. وقال: كلهم ثقات) انتهى، والأثر في سنن الدارقطني (2018) ولم أقف على قوله:(كلهم ثقات).
ابن عمر رضي الله عنه: (ليس في العروض زكاة الا أن تكون للتجارة)
(1)
، وقول ابن عباس:(لا بأس بالتربص حتى يبيع، والزكاة واجبة عليه)
(2)
.
وجه الاستدلال:
قال الطحاوي: (روي عن عمر وابن عمر زكاة عروض التجارة من غير خلاف)، وقال ابن المنذر:(وممن روينا هذا القول عنه عمر بن الخطاب، وابن عمر، وعائشة، وابن عباس)
(3)
، قال البيهقي: (وقد
(1)
رواه أحمد كما في مسائل ابنه عبدالله ص (163)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (7605)، وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 49)، وابن أبي شيبة (10459) وغيرهم، من طرق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به، وإسناده صحيح، وقال ابن حزم في المحلى (4/ 40):(خبر صحيح).
(2)
أخرجه أبوعبيد في الأموال (1182) قال: حدثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد فذكره، وإسناده لابأس به، قال ابن حزم في المحلى (4/ 40):(خبر صحيح).
(3)
الإشراف (3/ 81) وقال: (والفقهاء السبعة، سعيد، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، وخارجة بن زيد، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وبه قال الحسن البصري، وجابر بن زيد، وطاووس، وميمون بن مهران، والنخعي).
حكى ابن المنذر عن عائشة وابن عباس مثل ما روينا عن ابن عمر، ولم يحك خلافهم عن أحد)
(1)
.
ونوقش هذا الاستدلال بأمور:
- (أما حديث عمر؛ فلا يصح؛ لأنه عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه، وهما مجهولان)
(2)
.
- (وأما حديث ابن عباس
…
[فـ] لا دليل فيه على إيجاب الزكاة في عروض التجارة، وهو خارج على مذهب ابن عباس المشهور عنه في أنه كان يرى الزكاة واجبة في فائدة الذهب، والفضة، والماشية حين تستفاد، فرأى الزكاة في الثمن إذا باعوه
…
- عن جابر بن زيد أبي الشعثاء عن ابن عباس: أنه قال في المال المستفاد: يزكيه حين يستفيده، وقال ابن عمر: حتى يحول عليه الحول
(3)
، وقد بين هذا عطاء: وهو أكبر أصحابه
…
)
(4)
.
- فعن ابن جريج قال: قال لي عطاء: (لا صدقة في لؤلؤ، ولا في زبرجد، ولا ياقوت، ولا فصوص ولا عرض ولا شيء لا يدار فإن كان شيء من ذلك يدار ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع)
(5)
.
(1)
السنن الكبرى (4/ 248).
(2)
المحلى (4/ 41).
(3)
هذا الأثر ثابت، رواه أحمد كما في مسائل ابنه عبدالله ص (163)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (4/ 42) من طريق عبد الصمد، نا حماد قال: نا قتادة، عن جابر بن زيد به، وأخرج الوارد عن ابن عباس ابن أبي شيبة (10226) وغيره، أبو أسامة، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس في الرجل يستفيد مالاً قال:(يزكيه حين يستفيده).
(4)
المحلى (4/ 41 - 42)
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (10075)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (4/ 46) من طريق محمد بن بكير محمد بن بكير، عن ابن جريج، قال: قال لي عطاء به، وأخرجه عبدالرزاق بأتم منه، وسيأتي في الجواب عن المناقشة بإذن الله.
- (وأما خبر ابن عمر: فصحيح؛ إلا أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم قضية خالفوا فيها عمر، وابنه)
(1)
.
- (ومع كونه موقوفاً غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس فيه بيان نصاب زكاتها ولا ما يجب إخراجه منها، فيمكن حمله على زكاة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية، وإنما بما تطيب به نفس صاحبها، فيدخل حينئذ في عموم النصوص الآمرة بالإنفاق)
(2)
.
والجواب عن هذه المناقشة:
- أما أثر عمر رضي الله عنه فقول ابن حزم بأن حماساً وابنه مجهولان، تعقبه أحمد شاكر بقوله:(كلا بل هما معروفان ثقتان)
(3)
، (وكم من معروف قد جهله)
(4)
ابن حزم.
- وعلى فرض التسليم بجهالتهما فابن حِماس (جهالة مثله لا تضر حيث لا يوجد من جرحه، أو طعن فيما ساقه من متن؛ على أن ابن حبان قد ذكره في "الثقات"، والله أعلم، وأمّا أبوه حماس؛ فقد قال الحافظ: "هو مخضرم، كان رجلًا كبيرًا في عهد عمر وذكره ابن حبان في "الثقات")
(5)
، وقال ابن تيمية:(اشتهرت القصة بلا منكر)
(6)
.
- وقد سبق في تخريج الأثر أن الإمام أحمد احتج به، واعتمده الشافعي، ونقل ابن حجر عن الدارقطني أنه قال في رجاله:(كلهم ثقات)، وجوّد إسناده ابن كثير، وصححه ابن الملقن.
(1)
المحلى (4/ 42).
(2)
تمام المنة ص (364).
(3)
المحلى (5/ 235) بتحقيق أحمد شاكر.
(4)
إعلاء السنن (12/ 375).
(5)
النكت العلمية على الروضة الندية ص (269).
(6)
مجموع الفتاوى (25/ 15).
- فإن لم يُسلّم بذلك، فلهذا الأثر عن عمر شاهدان قويان: الأول صححه ابن حزم، وهو عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: كنت على بيت المال زمن عمر بن الخطاب، فكان إذا خرج العطاء:(جمع أموال التجار، ثم حسبها شاهدها وغائبها، ثم أخذ الزكاة من شاهد المال على الشاهد والغائب)
(1)
.
- والآخر عن زياد بن حدير، قال:(استعملني عمر على العشر فأمرني أن آخذ من تجار المسلمين ربع العشر)
(2)
.
- والآخر يشبه ماصح عن عمر بن عبدالعزيز أنه كتب لزريق
(3)
بن حيان: (أن انظر من مرّ بك من المسلمين، فخذ مما ظهر من
(1)
أخرجه أبوعبيد في الأموال (1178)، وابن أبي شيبة (10466) وغيرهما، من طريق محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن بن عبد القاري به، قال ابن حزم في المحلى (4/ 40):(خبر صحيح)، قال في النكت العلمية على الروضة الندية ص (269):(وهو شاهد قوي لما تقدم في قصة حماس)، على أن ابن حزم قد تأوله بعد تصحيحه فقال:(وأما حديث عبد الرحمن بن عبد القاري فلا حجة لهم فيه؛ لأنه ليس فيه: أن تلك الأموال كانت عروضاً للتجارة، وقد كانت للتجار أموال تجب فيها الزكاة، من فضة وذهب وغير ذلك، ولا يحل أن يزاد في الخبر ما ليس فيه، فيحصل من فعل ذلك على الكذب) انتهى، ولعل ماورد عن عمر من مجموع الآثار الثلاثة يبين أن المقصود الأخذ من عروض التجارة، وإلا فما فائدة التنصيص على التجار هنا إن لم يكن المقصود مال تجارتهم؟!
(2)
أخرجه أبوعبيد في الأموال (1658) حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم بن مهاجر، عن زياد بن حدير به، ولابأس به، ويقويه ما أخرجه ابن أبي شيبة (9844) حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عاصم، عن الحسن، قال: كتب عمر إلى أبي موسى (أن خذ ممن مر بك من تجار المسلمين من كل مائتي درهم خمسة دراهم)، وكذلك كتاب عمر الذي ذكره أنس بن مالك رضي الله عنه لأنس بن سيرين:(خذ من أموال المسلمين ربع العشر، ومن أموال أهل الذمة إذا اختلفوا للتجارة نصف العشر، ومن أموال أهل الحرب العشر) أخرجه البيهقي في الكبرى (18765) وغيره.
(3)
قال أبوعبيد في الأموال ص (641): (أهل العراق يقولون رزيق، وأهل الشام ومصر يقولون زريق، وهم أعلم به).
أموالهم، مما يديرون من التجارات، من كل أربعين ديناراً، ديناراً. فما نقص، فبحساب ذلك. حتى يبلغ عشرين ديناراً. فإن نقصت ثلث دينار، فدعها ولا تأخذ منها شيئاً)
(1)
.
- قال ابن عبدالبر: (معلوم عند جماعة العلماء أن عمر بن عبد العزيز كان لا ينفذ كتاباً ولا يأمر بأمر ولا يقضي بقضية إلا عن رأي العلماء الجلة ومشاورتهم والصدر عما يجمعون عليه ويذهبون إليه ويرونه من السنن المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه المهتدين بهديه المقتدين بسنته وما كان ليحدث في دين الله ما لم يأذن الله له به مع دينه وفضله
…
وقد روي عن عمر بن الخطاب ما يدل على أن عمر بن عبد العزيز طريقه سلك في ذلك)
(2)
، وقال ابن العربي:(عمر بن عبدالعزيز كتب بأخذ الزكاة من العروض، والملأ الملأ، والوقت الوقت)
(3)
.
- وأما مذهب ابن عباس رضي الله عنه، فنص كلامه أن الزكاة واجبة على التاجر:(والزكاة واجبة عليه) وهذا هو المطلوب، وظاهره الترخيص في تأخير زكاتها حتى يبيع العروض:(لابأس بالتربص حتى يبيع).
- وقوله هذا يقابله من قال بالتقويم كل عام، وليس إسقاط الزكاة مما يقابله، وهذا هو سياق الأثر كاملاً وهو ظاهر فيما ذكرت، قال أبو
(1)
أخرجه مالك (1/ 255)، ومن طريقه الشافعي في الأم (2/ 49)، وأبوعبيد في الأموال (1164)، وابن حزم في المحلى (4/ 173)، وأخرجه أبويوسف في الخراج ص (150)، وابن أبي شيبة (9878) وغيرهم من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن زريق به.
(2)
الاستذكار (3/ 163).
(3)
عارضة الأحوذي (3/ 104).
عبيد: (عن جابر بن زيد أنه قال في مثل ذلك
(1)
: "قوّمه بنحو من ثمنه يوم حلّت فيه الزكاة، ثم أخرج زكاته، على أن ابن عباس كان يقول: لا بأس بالتربص حتى يبيع، والزكاة واجبة عليه")
(2)
، فقول جابر بن زيد:(على أن ابن عباس كان يقول) هو تفريع على ما سبق من كلامه.
- أما قول عطاء: (ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع)؛ فليس فيه عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة، وهذا سياق الأثر تاماً عند عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: (الصدقة في تبر الذهب، وتبر الفضة إن كان يدار، وإن كان لا يدار، وإن كان مسبوكاً موضوعاً، وإن كان في حلي امرأة، قال: ولا صدقة في اللؤلؤ، ولا زبرجد، ولا ياقوت، ولا فصوص، ولا عرض لا يدار، فإن كان شيء من ذلك يدار ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع)
(3)
، ففيه وجوب الزكاة في الذهب والفضة وحليهما مطلقاً، وعدم وجوب الزكاة في اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والفصوص إلا إن كانت عروض تجارة ففيها الزكاة في ثمنها إذا بيعت، ولم يعتبر الحول كمذهب ابن عباس.
- ومما يوضح مذهبه أيضاً قوله لابن جريج: (لا زكاة في عرض لا يدار إلا الذهب والفضة، فإنه إذا كان تبراً موضوعاً وإن كان لا يدار زكي)
(4)
، وعن ابن جريج قال: قال عطاء في البزّ: (إن كان
(1)
مثل مافي الرواية التي قبلها عنده وهي عن ابن عمر قال: (ما كان من رقيق أو بزّ يراد به التجارة، ففيه الزكاة).
(2)
أخرجه أبوعبيد في الأموال (1182) وسبق في تخريجه ذكر تصحيح ابن حزم له.
(3)
مصنف عبدالرزاق (7061).
(4)
المرجع السابق (7102).
يدار كهيئة الرقيق زكى ثمنه)
(1)
، فمذهب عطاء في وجوب الزكاة كمذهب غيره كما في مصنف ابن أبي شيبة عن عطاء، والزهري، ومكحول، قالوا:(ليس في الجوهر شيء إلا أن يكون لتجارة)
(2)
.
- وأما قول ابن عمر، فلفلظ الزكاة (في هذا السياق لايفهم منها إلا الزكاة المعهودة؛ لأنها حقيقة شرعية)
(3)
.
- والاعتراض عليه بأن قوله ليس بحجة، فالجواب عنه، أن الاستدلال هنا ليس بقول ابن عمر مجرداً، بل من وجهين سبق الإشارة إليهما، وهما:
- الأول أن في قوله: (كان فيما كان من مال في رقيق، أو في دواب، أو بزٍّ يُدار لتجارة، الزكاة كل عام)، فالتحديد بكل عام له حكم الرفع
(4)
؛ والثاني أن قوله: (ليس في العروض زكاة إلا أن تكون للتجارة) ليس له مخالف من الصحابة كما سبق إثباته، فيكون إجماعاً، كما سيأتي تحقيقه في الدليل الآتي.
4/ الدليل الرابع هو: الإجماع.
وقد نقل الإجماع على وجوب زكاة عروض التجارة غير واحد من العلماء:
1.
قال أبوعبيد القاسم بن سلام (ت 224): (أموال التجار عندنا، وعليه
(1)
المرجع السابق (7100).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة (10071).
(3)
الفتاوى الشاذة للقرضاوي ص (49).
(4)
قال العبيلان في النكت العلمية على الروضة الندية ص (275): (أما قوله رحمه الله[أي: الألباني]: "ومع كونه موقوفًا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم "؛ فالجواب عليه أنه اجتمع فيه أمران: الأول: اشتهاره، حتى إن من بعد الصّحابة لم يعرفوا سواه. الثاني: عدم وجود المخالف من الصحابة، فهو بهذين القيدين حجة حتى على طريقة الشيخ رحمه الله كما حدثني بذلك، حيث إنه جعل ضابط كون الموقوف حجة: هو اشتهاره وعدم وجود المخالف).
أجمع المسلمون أن الزكاة فرض واجب فيها)
(1)
.
2.
وقال ابن المنذر (ت 319): (وأجمعوا على أن في العروض التي تدار للتجارة الزكاة إذا حال عليها الحول)
(2)
.
3.
وقال الطحاوي (ت 321): (روي عن عمر وابن عمر زكاة عروض التجارة من غير خلاف)
(3)
.
4.
وقال الجصاص (ت 370): (وروي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أيضاً زكاة، العروض، ولم يرو عن غيرهم من السلف خلافه، فصار إجماعاً)
(4)
.
5.
وقال الخطابي (ت 388): (روى سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم أن يخرجوا الصدقة عن الأموال التي يعدونها للبيع، وقد ذكره أبو داود في كتاب الزكاة، ثم هو عمل الأمة، وإجماع أهل العلم)
(5)
.
6.
وقال الباجي (ت 474): (هذا كتاب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بذلك إلى عماله وأصحاب جوائزه، وأخذ رزيق به الناس في زمانه، وهذا مما يحدث به في الأمصار، ولم ينكر ذلك عليه أحد، ولا يعلم أحد تظلم منه بسببه، والناس متوافرون في ذلك الزمان من بقايا الصحابة وجمهور التابعين ممن لا يحصى كثرة، فثبت أنه إجماع)
(6)
.
(1)
الأموال ص (522).
(2)
الإجماع ص (48)، وانظر: الإقناع (1/ 215).
(3)
مختصر اختلاف العلماء (1/ 432).
(4)
شرح مختصر الطحاوي (2/ 336 - 337).
(5)
معالم السنن (3/ 54).
(6)
المنتقى (2/ 120).
7.
وقال البغوي (ت 516): (قال داود: زكاة التجارة غير واجبة، وهو مسبوق بالإجماع)
(1)
.
8.
وقال ابن العربي (ت 543): (ولم يصح فيه خلاف عن السلف)
(2)
.
9.
وقال ابن قدامة (ت 620): (عن أبي عمرو بن حماس، عن أبيه، قال: أمرني عمر، فقال: أد زكاة مالك. فقلت: ما لي مال إلا جعاب وأدم. فقال: قومها ثم أد زكاتها. رواه الإمام أحمد، وأبو عبيد. وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر، فيكون إجماعاً)
(3)
.
10.
وقال المجد ابن تيمية (ت 652) عن وجوب الزكاة في عروض التجارة: (هو إجماع متقدم)
(4)
.
11.
وقال أبو العباس ابن تيمية (ت 728): (روي عن حماس قال: مر بي عمر فقال: أد زكاة مالك فقلت: مالي إلا جعاب وأدم فقال قومها ثم أد زكاتها. واشتهرت القصة بلا منكر فهي إجماع)
(5)
.
12.
وقال الشنقيطي (1393): (فقد رأيت ثبوت أخذ الزكاة من عروض التجارة عن عمر، ولم يعلم له مخالف من الصحابة، وهذا النوع يسمى إجماعا سكوتياً، وهو حجة عند أكثر العلماء)
(6)
، وقال:(وآثار وردت بذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، ولم يعلم أن أحداً منهم خالف في ذلك، فهو إجماع سكوتي)
(7)
.
(1)
شرح السنة (6/ 53).
(2)
عارضة الأحوذي (3/ 104).
(3)
المغني (3/ 58).
(4)
نقله عنه في الفروع (4/ 192)، والمبدع (2/ 368)، كشاف القناع (2/ 240).
(5)
مجموع الفتاوى (25/ 15).
(6)
أضواء البيان (2/ 137).
(7)
المرجع السابق (2/ 135).
13.
وقال ظفر التهانوي (ت 1394)
(1)
: (ابن حزم وإمامه داود بن علي الظاهري محجوجان بإجماع من قبلهما)
(2)
.
14.
وقال ابن جبرين (ت 1430): (إجماع الأمة من كل مذهب ثابت على أن عروض التجارة فيها زكاة)
(3)
.
15.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: (اشتهر ما ذكر عن الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر فكان إجماعاً)
(4)
.
ونوقش الاستدلال بالإجماع بأمور:
- بعدم التسليم باتفاق الصحابة فـ (قد جاء خلاف ما روي عن عمر، وابن عمر عن غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم
…
عن ابن جريج أخبرني نافع الخوزي قال: كنت جالساً عند عبد الرحمن بن نافع إذ جاءه زياد البواب فقال له: إن أمير المؤمنين -يعني ابن الزبير- يقول: أرسل زكاة مالك. فقام فأخرج مائة درهم، وقال له: اقرأ عليه السلام، وقل له: إنما الزكاة في الناض. قال نافع: فلقيت زياداً فقلت له: أبلغته. قال: نعم، قلت: فماذا قال ابن الزبير. فقال: قال: صدق)
(5)
، قال ابن جريج: قال لي عمرو بن دينار: (ما أرى
(1)
ظفر أحمد العثماني التهاوني ولد سنة (1310) في ديوبند، وانتقل إلى تهانه بهون عند خاله الملقب بحكيم الأمة محمد أشرف التهانوي ولازمه، وهو الذي فوضه بكتابة "إعلاء السنن"، وبقي في تأليفه (20) سنة، وألف العديد من الكتب بالأردية مع الإفتاء والتدريس، توفي سنة (1394) هـ. انظر: مقدمة إعلاء السنن (1/ 24 - 27).
(2)
إعلاء السنن (12/ 375).
(3)
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين (1/ 323)، وقال (1/ 321):(أجمع علماء الأمة على أن عروض التجارة فيها زكاة، وقد خالف في ذلك الشيخ الألباني عفا الله عنه).
(4)
فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى (9/ 310).
(5)
المحلى (4/ 42)، والأثر أخرجه عبدالرزاق (7119) ومن طريقه ابن حزم، عن ابن جريج، عن نافع الخوزي، عن زياد البواب به، قال أحمد شاكر في تحقيق المحلى (5/ 236) عن الخوزي:(لم أعرفه ولم أجد له ترجمة)، قلت: توبع الخوزي كما عند عبدالرزاق بعد الأثر السابق: (قال ابن جريج: وحدثني عبيد الله بن أبي يزيد نحو ذلك عن زياد)، وعبيدالله من رجال الصحيحين، ولكن يبقى زياد البواب لم أقف له على ترجمة، وقوله:(الناضّ) قال في النهاية (5/ 72): (هو ما كان ذهباً أو فضة، عيناً وورقاً. وقد نضّ المال ينضّ، إذا تحوّل نقداً بعد أن كان متاعا)
الزكاة إلا في العين)
(1)
.
- و (عن عبد الله بن عون قال: أتيت المسجد وقد قرئ الكتاب، فقال صاحب لي: لو شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز في أرباح التجار ألا يعرض لها حتى يحول عليها الحول)
(2)
.
- قال ابن حزم: (فهذا ابن الزبير، وعبد الرحمن بن نافع وعمرو بن دينار، وعمر بن عبد العزيز، وقد روي أيضاً عن عائشة، وذكره الشافعي عن ابن عباس، وهو أحد قولي الشافعي)
(3)
.
- ويحتمل أن عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة هو قول لعطاء (فقد قال إبراهيم الصائغ: سئل عطاء: تاجر له مال كثير في أصناف شتى، حضر زكاته أعليه أن يقوم متاعه على نحو ما يعلم أنه ثمنه فيخرج زكاته؟ قال: لا ولكن ما كان من ذهب أو فضة أخرج منه زكاته وما كان من بيع أخرج منه إذا باعه. أخرجه ابن زنجويه في كتابه "الأموال"
…
بسند حسن)
(4)
.
- ونقلُ ابن المنذر للإجماع (ليس بصحيح، فأول من يخالف في ذلك الظاهرية وهم فرقة من فرق الإسلام)
(5)
كما قال الشوكاني،
(1)
المحلى (4/ 43)، وقد أخرجه عبدالرزاق (7120) عن ابن جريج عن عمرو بلفظ:(ما أرى الصدقة إلا في العين)، وسيأتي بعد صفحة تفسير العين عند مناقشة الأثر.
(2)
المحلى (4/ 43)، وقد أخرجه أبو عبيد في الأموال (1145) من طريق معاذ، عن ابن عون به.
(3)
المحلى (4/ 43).
(4)
تمام المنة ص (365).
(5)
الدراري المضية (2/ 160)، وقد سبق في نجاسة الدم الكثير أن الشوكاني أول من خالف، ولم يستطع الإعتراض على الإجماع بإثبات المخالف، وفي زكاة العروض اعترض بمخالفة الظاهرية، مع أن الإجماع المحكي سابق لهم وهو إجماع الصحابة، وهو الإجماع الذي للشوكاني كلام بالاعتداد به، وله كلام بعدم الاعتداد بالإجماع دون تفصيل.
(ولو سلمناه لما قامت به حجة؛ إلا على من يقول بحجية الإجماع) كما قال صديق خان
(1)
.
وأجيب عن هذه المناقشة بأمور:
- أما خبر ابن الزبير بالإسناد الذي ذكره ابن حزم فقد قال التهانوي: (أولا يستحي ابن حزم، حيث يجهل المعروفين من الرجال ويحتج بالمجهولين؟ فإن نافع بن الخوزي لم نعرفه، ولم نجد له ترجمة في شيء من كتب الرجال)، قال أحمد شاكر:(: (لم أعرفه ولم أجد له ترجمة)
(2)
، وزياد البواب أيضاً لم أعرفه ولم أقف له على ترجمة.
- وعلى التسليم بثبوته، فأين ذكر التجارة فيه؟ (ومن أين عرف أن ابن الزبير كان طلب منه زكاة عروض التجارة؟)
(3)
، وسياق عبدالرزاق لهذا في (باب لازكاة إلا في الناض) وهو المقابل للدين وماقبله من الآثار ومابعده كلها في زكاة الدين، (ومعناه: إنما الزكاة في النقد لافي الدين حتى يستوفى)
(4)
، ولو كان المراد إسقاط زكاة عروض التجارة (لرد ابن الزبير مائة درهم التي أخذها من غير حقها ولم يكن كذلك)
(5)
، وبطل بذلك معارضة إجماع الصحابة.
- وأما قول عمرو بن دينار: (ما أرى الزكاة إلا في العين)؛ فهو
(1)
الروضة الندية (1/ 506).
(2)
المحلى (5/ 236) بتحقيق أحمد شاكر.
(3)
إعلاء السنن (12/ 375).
(4)
المرجع السابق.
(5)
المرجع السابق.
تعليق منه على أثر ابن الزبير السابق، ومؤكد للمعنى الذي ذكر في المراد به، ومراده بالعين مايقابل الدين، فـ (العين: لفظ مشترك في نحو من عشرين مسمى، والمراد هنا: المال الحاضر، والدين: ما كان في الذمة)
(1)
، و (أكثر استعمال الفقهاء للأعيان فيما يقابل الديون، وهي الأموال الحاضرة نقداً كانت أو غيره)
(2)
، فهو كالمروي عن عائشة وعكرمة وعطاء من قولهم:(ليس في الدين زكاة)
(3)
، وهي مسألة خلافية.
- أما ماذكره عن عمر بن عبدالعزيز أن عبد الله بن عون قال: (أتيت المسجد وقد قرئ الكتاب، فقال صاحب لي: لو شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز في أرباح التجار ألا يعرض لها حتى يحول عليها الحول)، فمن هو صاحب ابن عون؟!
- وعلى تسليم ثبوته، فـ (لاحجة له فيه، بل هو حجة عليه، فإنه أوجب الزكاة في أموال التجارة بعد أن يحول عليها الحول)
(4)
.
- والعجب من ابن حزم كيف يتمسك بمثل هذا، وهو يعرف أن عمر بن عبدالعزيز كتب لزريق بن حيان:(أن انظر من مرّ بك من المسلمين، فخذ مما ظهر من أموالهم، مما يديرون من التجارات، من كل أربعين ديناراً، ديناراً)
(5)
، وهذا أصح وأظهر عن عمر، وقد ذكره ابن حزم في زكاة الذهب، وأعرض عنه هنا.
(1)
المطلع ص (396).
(2)
الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 264).
(3)
انظر: مصنف عبدالرزاق (4/ 98)(باب لا زكاة إلا في الناض)، ومصنف ابن أبي شيبة (2/ 390) (من قال: ليس في الدين زكاة حتى يقبض).
(4)
إعلاء السنن (12/ 375 - 376).
(5)
سبق تخريجه وأن ابن حزم أخرجه في المحلى (4/ 173) من طريق مالك.
- وعمر بن عبدالعزيز لم يتفرد بذلك، قال أبوعبيد:(وهو عندنا على ما قال عمر بن عبد العزيز، أنه لا زكاة في الربح أيضا حتى يحول عليه الحول، وقد كان الليث يقول نحو هذا)
(1)
.
- وأما قول ابن حزم: (وقد روي أيضاً عن عائشة، وذكره الشافعي عن ابن عباس، وهو أحد قولي الشافعي)
(2)
، فهو معارض بقول ابن المنذر:(أجمع عامة أهل العلم على أن في العروض التي مُلكت للتجارة الزكاة إذا حال [عليها] الحول. وممن روينا هذا القول عنه عمر بن الخطاب، وابن عمر، وعائشة، وابن عباس)
(3)
.
- وأما قول ابن عباس، فقد سبق تحرير رأيه في وجوب زكاة التجارة، والذي ذكره الشافعي عن ابن عباس مما يخالف ذلك فقد ضعّفه، قال البيهقي:(الذي روى عن ابن عباس أنه قال: لا زكاة في العروض. فقد قال الشافعي: في كتابة القديم إسناد الحديث عن ابن عباس ضعيف)
(4)
، قال النووي:(وأما قول ابن عباس فهو ضعيف الإسناد، ضعفه الشافعي رضي الله عنه والبيهقي وغيرهما)
(5)
.
- وإن صح عنهما عدم وجوب زكاة العروض فهو محمول على عرض القنية وليس عرض التجارة، قال ابن عبدالبر: (وقد روي عن ابن عباس وعائشة أنه لا زكاة في العروض، قال سفيان: عن
(1)
الأموال ص (510)، قال ابن عبدالبر في الاستذكار (3/ 141):(هذا قول الشافعي في ربح المال وسائر الفوائد كلها يستأنف الحول فيها على ما وردت به السنة).
(2)
المحلى (4/ 43).
(3)
الإشراف (3/ 81)، قال البيهقي في الكبرى (4/ 249):(وقد حكى ابن المنذر عن عائشة وابن عباس مثل ما روينا عن ابن عمر، ولم يحك خلافهم عن أحد).
(4)
السنن الكبرى (4/ 248).
(5)
المجموع (6/ 48).
ابن أبي ذئب، عن القاسم، عن عائشة قالت: ليس في العروض صدقة، وهذا لو صح كان معناه عندنا أن لا زكاة في العروض إذا لم يرد بها التجارة
…
وكذلك قول كل من روي عنه من التابعين لا زكاة في العروض على هذا محمله)
(1)
، وقال بعد أن ذكر بعض الأحاديث والآثار:(لهذا ومثله قلنا إن الذي روي عن عائشة وابن عباس في أن لا زكاة في العروض إنما ذلك إذا لم يرد بها التجارة)
(2)
.
- وقال البيهقي عن قول ابن عباس: (يحتمل أن يكون معنى قوله -إن صح-: لا زكاة في العرض، أي: إذا لم يرد به التجارة)
(3)
، قال النووي:(ليجمع بينه وبين الأحاديث والآثار السالفة، ولما روى ابن المنذر عنه من وجوب زكاة التجارة)
(4)
، (هذا لو كان لها أسانيد معتبرة أو مقاربه؛ فكيف وحالها كما عرفت؟!)
(5)
.
- وأما عطاء فقد سبق توضيح مذهبه وأنه لايخالف في وجوب زكاة التجارة، وقوله:(لا زكاة في عرض لا يدار إلا الذهب والفضة)، وقوله في البزّ:(إن كان يدار كهيئة الرقيق زكى ثمنه)، وأن مذهبه في وجوب الزكاة كمذهب غيره كما في مصنف ابن أبي شيبة عن عطاء، والزهري، ومكحول، قالوا:(ليس في الجوهر شيء إلا أن يكون لتجارة)
(6)
، وقد قال ابن عبدالبر: (قول ابن عباس: لا زكاة في العروض، إنما هو في عروض القنية كقول سائر العلماء، وأما
(1)
التمهيد (17/ 125).
(2)
المرجع السابق (17/ 133).
(3)
السنن الكبرى (4/ 248).
(4)
المجموع (6/ 48).
(5)
النكت العلمية على الروضة الندية ص (270).
(6)
مصنف ابن أبي شيبة (10071).
ما ذكره عن عطاء وعمرو بن دينار فقد أخطأ عليهما وليس ذلك بمعروف عنهما)
(1)
.
- وأما الإمام الشافعي فقد قال الجويني: (قال الصيدلاني: قد تردد الشافعي في القديم في زكاة التجارة. وهذا لم يحكه عن القديم غيره، فلا التفات إليه)، وقد حكاه بعض من تأخر عن الجويني، فقال الروياني:(نص الشافعي في كتبه القديمة والجديدة: على وجوب الزكاة في عروض التجارة، وقال في موضع من القديم: من الناس من قال: لا زكاة فيها وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه وهو القياس)
(2)
، ولايصح نسبة القول بعدم الوجوب إلى الشافعي ولا إلى ابن عباس.
- قال النووي: (نصوص الشافعي رضي الله عنه القديمة والجديدة متظاهرة على وجوب زكاة التجارة، قال أصحابنا: قال الشافعي رضي الله عنه في القديم: اختلف الناس في زكاة التجارة فقال بعضهم: لا زكاة فيها، وقال بعضهم: فيها الزكاة وهذا أحب إلينا، هذا نصه،
…
فمنهم من قال: في القديم قولان في وجوبها، ومنهم من لم يثبت هذا القديم، والمشهور للأصحاب الاتفاق على أن مذهب الشافعي رضي الله عنه وجوبها، وليس في هذا المنقول عن القديم إثبات قول بعدم وجوبها، وإنما أخبر عن اختلاف الناس وبين أن مذهبه الوجوب بقوله: وهذا أحب إلي)
(3)
.
(1)
الاستذكار (3/ 171)، والضمير في قوله:(وأما ماذكره) يعود إلى داود بن علي. انظر: (3/ 168 - 169).
(2)
بحر المذهب (3/ 145)، وانظر: البيان للعمراني (3/ 306).
(3)
المجموع (6/ 47).
- وأما الظاهرية فهم وإن كانوا من الأمة إلا أن الإجماع القديم سابق لهم، فلا عبرة بخلافهم، وبخاصة فيما خالفوا فيه القياس، ولايعلم من سبق داود إليه، قال الذهبي:(لا ريب أن كل مسألة انفرد بها، وقطع ببطلان قوله فيها، فإنها هدر، وإنما نحكيها للتعجب، وكل مسألة له عضدها نص، وسبقه إليها صاحب أو تابع، فهي من مسائل الخلاف، فلا تهدر)
(1)
، وفي مسألة سابقة
(2)
لخصت القول في خلاف الظاهرية بأن ماقبل الظاهرية من إجماع فهو إجماع باقٍ لايخرمه مخالفة الظاهرية، و كل قول ليس لهم فيه سلف، أو كان سبب خلافهم اعتمادهم على أصل مبتدع فهو هدر.
- وقد شنّع ابن تيمية على الظاهرية في بعض أصولهم، فقال: (ومن لم يلحظ المعاني من خطاب الله ورسوله ولا يفهم تنبيه الخطاب وفحواه من أهل الظاهر
…
وكذلك قياس الأولى وإن لم يدل عليه الخطاب لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق بهذا، فإنكاره من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم بها أحد من السلف، فما زال السلف يحتجون بمثل هذا وهذا)
(3)
، ولعل هذا النقل عن ابن تيمية يكون مدخلاً إلى الدليل الخامس.
5/ ومن أدلتهم على وجوب زكاة عروض التجارة من المعقول: القياس.
- (أما القياس الذي اعتمده الجمهور: فهو أن العروض المتخذة
(1)
سير أعلام النبلاء (13/ 107)، وقرر نحو ذلك ابن تيمية في منهاج السنة (5/ 178).
(2)
في كتاب الطهارة، المبحث الخامس: جواز استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب.
(3)
مجموع الفتاوى (21/ 207).
للتجارة مال مقصود به التنمية، فأشبه الأجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق)
(1)
، وتوضيحاً لذلك:
- فإن (الأثمان لما كانت على ضربين: منها: ما لا تجب فيه الزكاة، وهو الحلي المعد لاستعمالٍ مباحٍ. ومنها: ما تجب فيه الزكاة، وهو ما عدا ذلك. والماشية على ضربين: منها: ما لا تجب فيه الزكاة، وهي المعلوفة، ومنه: ما تجب فيه الزكاة، وهي السائمة. وجب أيضًا أن تكون العروض على ضربين: منها: ما لا تجب فيه الزكاة، وهو ما لا يكون للتجارة. ومنها: ما تجب فيه الزكاة، وهو ما أعد للتجارة. ووجه المشابهة بينهما: أنه مالٌ: يطلب فيه النماء، فوجبت فيه الزكاة، كالأثمان والسائمة)
(2)
.
(1)
بداية المجتهد (2/ 15).
(2)
البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 307 - 308)، ولمحمد رشيد رضا في تفسير المنار (10/ 439) كلام حول اعتبار المقاصد في زكاة العروض، ومما قال فيه: (مع الاعتبار المستند إلى النصوص، وهو أن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التي هي أثمانها إلا في كون النصاب يقلب ويتردد بين الثمن وهو النقد، والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة في التجارة لأمكن لجميع الأغنياء أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم، ويتحروا ألا يحول على نصاب من النقدين أبداً. وبذلك تبطل الزكاة فيهما عندهم. ورأس الاعتبار في المسألة: أن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء صدقة لمواساة الفقراء ومن في معناهم، وإقامة المصالح العامة
…
وأن الفائدة في ذلك للأغنياء تطهير أنفسهم من رذيلة البخل، وتزكيتها بفضائل الرحمة بالفقراء وسائر أصناف المستحقين، ومساعدة الدولة والأمة في إقامة المصالح العامة الأخرى التي تقدم ذكرها، والفائدة للفقراء وغيرهم إعانتهم على نوائب الدهر، مع ما في ذلك من سد ذريعة المفاسد في تضخم الأموال وحصرها في أناس معدودين، وهو المشار إليه بقوله تعالى في حكمة قسمة الفيء:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} ، فهل يعقل أن يخرج من هذه المقاصد الشرعية كلها التجار الذين ربما تكون معظم ثروة الأمة في أيديهم؟)، وفي فتاوى محمود شلتوت ص (105): (فلو لم تجب الزكاة في الأعيان التجارية
…
لترك نصف مال الأغنياء دون زكاة، ولاحتال أرباب النصف الآخر على أن يتجروا بأموالهم، وبذلك تضيع الزكاة جملة، وتفوت حكمة الشارع الحكيم من تشريعها وجعلها ركناً من أركان الدين)، وفي الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/ 139):(قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» وهذا أقوى دليل عندي، ونحن لو سألنا التاجر ماذا يريد بهذه الأموال، لقال: أريد الذهب والفضة، فإذا اشتريت السلعة اليوم وربحت فيها غداً أو بعد غد بعتها، ليس لي قصد في ذاتها إطلاقاً).
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن قولهم: (إن الزكاة فيما ينمى، فدعوى كاذبة متناقضة؛ لأن عروض القنية تنمى قيمتها كعروض التجارة ولا فرق.
- فإن قالوا: العروض للتجارة فيها النماء. قلنا: وفيها أيضاً الخسارة، وكذلك الحمير تنمى، ولا زكاة فيها عندهم، والخيل تنمى، ولا زكاة فيها
…
)
(1)
.
ويمكن الجواب عن ذلك:
بأن نمو التجارة نمو حقيقي بالأرباح كنمو السائمة بنتاجها، وتعرضها للخسارة كتعرض السائمة للتلف، والعمدة في الفرق بين التجارة وما ذكره من الحمير والخيل أن الصحابة أجمعوا على زكاة التجارة ولم يجمعوا على ماذكر مع ورود الأدلة الخاصة بالعفو عن زكاتها، بل (لا أعرف قائلاً من أهل العلم يقول بوجوب الزكاة في الحمير لغير تجارة واستغلال)
(2)
.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بعدم وجوب زكاة عروض التجارة:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من
(1)
المحلى (4/ 45).
(2)
نيل الأوطار (4/ 163).
الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة»
(1)
، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة»
(2)
، وما ورد كذلك من العفو عن صدقة الخيل والحمير
(3)
.
وجه الاستدلال:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط الزكاة عما دون ما ذكر في حديث أبي سعيد (فمن أوجب زكاة في عروض التجارة فإنه يوجبها في كل ما نفى عنه عليه السلام
(4)
.
- (ومن أوجب الزكاة في عروض التجارة فإنه يوجبها في الخيل، والحمير، والعبيد، وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا زكاة في شيء منها إلا صدقة الفطر في الرقيق؛ فلو كانت في عروض التجارة، أو في شيء مما ذكر عليه السلام زكاة إذا كان لتجارة لبيّن ذلك بلا شك؛ فإذ لم يبينه عليه السلام فلا زكاة فيها أصلاً)
(5)
.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» (ظاهر ذلك عدم وجوب الزكاة في جميع الأحوال)
(6)
.
- (وقد صح الإجماع المتيقن على أن حكم كل عرض كحكم الخيل، والحمير، والرقيق، وما دون النصاب من الماشية،
(1)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1405)، ومسلم (980) واللفظ له.
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1464)، ومسلم (982).
(3)
العفو عن صدقة الخيل أخرجه أحمد (984)، والترمذي (620)، وابن ماجه (1790)، والعفو عن زكاة الحمير أخرجه أحمد (9476).
(4)
المحلى (4/ 44).
(5)
المرجع السابق.
(6)
الدراري المضية (2/ 160).
والعين
…
وصح بالنص ألا زكاة في الخيل، ولا في الرقيق، ولا في الحمير، ولا فيما دون النصاب من الماشية والعين، وصح الإجماع من كل أحد على أن حكم كل عرض في التجارة كحكم هذه. فصح من ذلك ألا زكاة في عروض التجارة بالإجماع المذكور. وقد صح الإجماع أيضا على أنه لا زكاة في العروض)
(1)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- أما حديث أبي سعيد فهو في بيان النصاب، وهذا معمول به في عروض التجارة أيضاً، فنصابها نصاب الفضة المذكور في الحديث، أو نصاب الذهب.
- وأما العفو عن صدقة الفرس والحمير فهذا حق؛ لأنها مما يقتنى غالباً وعروض القنية لاتجب فيها الزكاة، و (أجرى العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين سائر العروض كلها على اختلاف أنواعها مجرى الفرس والعبد إذا اقتنى ذلك لغير التجارة)
(2)
، فـ (الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها، وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة، وبهذا قال العلماء كافة من السلف والخلف)
(3)
.
- وفي الحديث إشارة إلى ذلك حيث قال: «فرسه
…
عبده» بصيغة الإفراد فمال التجارة في الغالب جمع، (فهو محمول على ما ليس للتجارة، ومعناه لا زكاة في عينه بخلاف الأنعام)
(4)
، قال ابن
(1)
المحلى (4/ 44 - 45).
(2)
التمهيد (17/ 135).
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 55).
(4)
المجموع (6/ 48).
قدامة: (خبرهم المراد به زكاة العين، لا زكاة القيمة
…
على أن خبرهم عام وخبرنا خاص، فيجب تقديمه)
(1)
.
- و (زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره، فيخص به عموم هذا الحديث)
(2)
.
- وفي استدلال الظاهري بهذا الحديث على عدم [وجوب] الزكاة في عروض التجارة، نقض لأصله في القياس، حيث قاس غير العبد والخيل والحمير عليها، و (نقض لأصله في الاحتجاج بالظاهر; لأن الله تعالى قال:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} )
(3)
، فـ (هذا فرسه وعبده لازكاة فيه بهذا الحديث، فغيره من أمواله ما تنفي عنه الزكاة وماتخرجه من عموم القرآن، وكذلك إن كان عنده أفراس وعبيد، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الزكاة عن فرس وعبد، وعلى أصله لاينفى إلا مانفى فيبقى الباقي تحت العموم)
(4)
.
- (فالواجب على أصل أهل الظاهر أن تكون الزكاة تؤخذ من كل مال ما عدا الرقيق والخيل؛ لأنهم لا يقيسون على الخيل والرقيق ما كان في معناهما من العروض، ولا إجماع في إسقاط الصدقة عن العروض المبتاعة للتجارة، بل القول في إيجاب الزكاة فيه نوع من الإجماع، وفي هذا كله وما كان مثله أوضح الدلائل على تناقضهم فيما قالوه ونقضهم لما أصلوه)
(5)
.
2/ واستدلوا على عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة بالبراءة
(1)
المغني (3/ 58).
(2)
فتح الباري لابن حجر (3/ 327).
(3)
شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 160).
(4)
عارضة الأحوذي (3/ 104).
(5)
الاستذكار (3/ 170).
الأصلية
(1)
، (وقد كانت التجارة في عصره صلى الله عليه وسلم قائمة في أنواع ما يتجر به ولم ينقل عنه مايفيد ذلك)
(2)
، فـ (البراءة الأصلية مستصحبة حتى يقوم دليل ينقل عنها)
(3)
.
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال:
- بأن دليل البراءة الأصلية متأخر في الرتبة، وإنما يستقيم الاستدلال به عند عدم المعارض الراجح، فهي آخر مدار الفتوى، (لأن التمسك بالاستصحاب لا يكون إلا عند عدم الدليل)
(4)
، وقد أقام الجمهور الأدلة التي نصبها الشارع للدلالة على وجوب زكاة عروض التجارة.
- قال ابن عبدالبر: (احتجاج أهل الظاهر في هذه المسألة ببراءة الذمة عجب عجيب؛ لأن ذلك نقض لأصولهم ورد لقولهم وكسر للمعنى الذي بنوا عليه مذهبهم في القول بظاهر الكتاب والسنة؛ لأن الله عز وجل قال في كتابه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} ولم يخص مالاً من مال، وظاهر هذا القول يوجب على أصوله أن تؤخذ الزكاة من كل مال إلا ما أجمعت الأمة أنه لا زكاة فيه من الأموال، ولا إجماع في إسقاط الزكاة عن عروض التجارة بل القول في إيجاب الزكاة فيها إجماع من الجمهور الذين لا يجوز الغلط عليهم ولا الخروج عن جماعتهم؛ لأنه مستحيل أن يجوز الغلط في التأويل على جميعهم)
(5)
(1)
انظر: المحلى (4/ 43)، تمام المنة ص (363)، "إجابة السائل على أهم المسائل" للوادعي ص (702).
(2)
الدراري المضية (2/ 159).
(3)
الروضة الندية (1/ 506).
(4)
إرشاد الفحول (2/ 175).
(5)
الاستذكار (3/ 170).
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بعدم وجوب زكاة عروض التجارة إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته لإجماع الصحابة، فقد صح عن عمر وابنه عبدالله وابن عباس رضي الله عنهم إيجاب الزكاة في عروض التجارة، مع اشتهار هذا الأمر بأخذ الخلفاء، كما أرسل عمر الفاروق رضي الله عنه من يأخذ الزكاة من التجار، ولم يعترض أحد من الصحابة، وأرسل عمر بن عبدالعزيز (ت 101) عماله لأخذ الزكاة من التجار، ولم يُعترض عليه (والملأ الملأ، والوقت الوقت)
(1)
، (وهذا مما يحدث به في الأمصار، ولم ينكر ذلك عليه أحد، ولا يعلم أحد تظلم منه بسببه، والناس متوافرون في ذلك الزمان من بقايا الصحابة وجمهور التابعين ممن لا يحصى كثرة)
(2)
.
ولا يعرف من قررّ عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة قبل داود (ت 270) ومن بعده ابن حزم الظاهريان، ثم الشوكاني وصديق خان، فالألباني والوادعي، والله أعلم.
(1)
عارضة الأحوذي (3/ 104).
(2)
المنتقى (2/ 120).
المبحث الثالث: عدم وجوب زكاة الأوراق النقدية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
قال الشاطبي في الموافقات (5/ 136 - 138): (زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليداً له
…
[و] لا يصح اعتمادها خلافاً في المسائل الشرعية)، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 133):(فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه، وكلاهما مفرط فيما أمر به).
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الأوراق والوَرَق: جمع وَرَقة، (وأصله ورق الشجر
…
والوَرَق: المال، من قياس ورق الشجر؛ لأن الشجرة إذا تحات ورقها انجردت كالرجل الفقير، قال:
إِلَيْكَ أَدْعُو فَتَقَبَّلْ مَلَقِي
…
وَاغْفِرْ خَطَايَايَ وَثَمِّرْ وَرَقِي)
(1)
.
والنقد في اللغة: (يدل على إبراز شيء وبروزه)
(2)
، قال في العين:(النَّقْدُ: تمييز الدراهم، وإعطاؤكها إنساناً وأخذها)
(3)
.
والنقد عند الفقهاء: (عبارة عن الذهب والفضة
…
وأيضاً خلاف النسيئة)
(4)
، والغالب إطلاق النقد على (العملة من الذهب والفضة، ويقال لهما النقدان)
(5)
.
- وقيل في تعريف النقد بأنه: (كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل)
(6)
، و (وهو أقرب تعريف للنقد يمكن أن يكون جامعاً مانعاً)
(7)
، (ثم إن النقد
(1)
مقاييس اللغة (6/ 101)، وانظر: العين (5/ 210)، تهذيب اللغة (9/ 222).
(2)
مقاييس اللغة (5/ 467)، قال:(النون والقاف والدال أصل صحيح يدل على إبراز شيء وبروزه).
(3)
العين (5/ 118)، وانظر: لسان العرب (3/ 425).
(4)
التعريفات الفقهية للبركتي ص (231)، وانظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص (114)، المطلع ص (318).
(5)
القاموس الفقهي ص (358).
(6)
أبحاث هيئة كبار العلماء (1/ 90).
(7)
الورق النقدي للمنيع ص (19).
أصبح تعريفه الآن متفقاً عليه لدى علماء الاقتصاد والمال بأنه الشيء الذي يلقى قبولاً عامًا كوسيط للتبادل)
(1)
.
- ومن محترزات التعريف قولهم: (عاماً) احترازا من وسيط التبادل الذي يكون قبوله خاصاً؛ كالشيكات، والسندات الإذنية، والكمبيالات، وتعبيرهم بـ (يلقى) بالمضارع دون الماضي (لقي)، احتراز من العملات السابقة التي بطل التعامل بها عرفاً أو نظاماً
(2)
، والقبول العام للتبادل (سواء كان للندرة الكامنة في نفسه كالذهب والفضة، أو كان للثقة والحكم السلطاني كالأوراق النقدية)
(3)
.
- وهذا التعريف الجامع للنقد أشار إليه الإمام مالك، وقرره أبو العباس ابن تيمية، حيث قال مالك:(لو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين، لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظِرة)
(4)
، وقال ابن تيمية: (وأما الدرهم والدينار فما
(1)
المرجع السابق ص (40)، وانظر: الأساس في علم الاقتصاد ص (300).
(2)
المرجع السابق ص (19).
(3)
المرجع السابق ص (41).
(4)
المدونة (3/ 5)، ومما يستدعي التنبيه عليه في كلام مالك، ولم أقف على من نبه عليه ممن ينقل هذه العبارة وهم كثير، هو ماقاله المغربي المالكي في قرة العين بفتاوى علماء الحرمين ص (344):(اعلم رحمك الله تعالى أن المأخوذ من المدونة هو أن الفلوس ونحوها مما جعل سكة وعيناً، وجرى به التعامل بين الناس لا يعطى حكم الدنانير، والدراهم إلا في بابي الصرف والربا بنوعيه، نظرا لكونه صارفاً بالسكة من نوع الدنانير والدراهم، وأما في غير هذين البابين كالزكاة فإنما يعطى ما ذكر حكم العروض في جريان زكاته على حسب الإدارة والاحتكار مما هو موضح في كتب الفقه، ففي كتاب الزكاة من المدونة ما نصه قلت: أرأيت لو كانت عند رجل فلوس في قيمتها مائتا درهم، فحال عليها الحول ما قول مالك في ذلك؟ قال: لا زكاة عليه فيها، وهذا مما لا اختلاف فيه، إلا أن يكون ممن يدير فتحمل محمل العروض، قال: وسألت مالكا عن الفلوس تباع بالدنانير أو بالدراهم نظرة، أو تباع الفلس بالفلسين؟ فقال مالك: إني أكره ذلك، وما أراه مثل الذهب والورق في الكراهية. انتهى) هكذا قال والأوراق النقدية ليست هي الفلوس، ولذلك جاء في أسهل المدارك وهو مالكي أيضاً (1/ 370): (الأوراق الحادثة التي يتعامل بها الناس معاملة النقود، فقد اختلف فيها العلماء اختلافاً كثيراً، منهم من أفتى بعدم وجوب الزكاة فيها
…
ومنهم أي: من العلماء من أفتى بوجوب الزكاة فيها أي في الأوراق الحادثة؛ لتعامل الناس بها معاملة النقدين بدون توقف، لأن من ملكها يعد مالكاً للنقود عرفاً، ولذا ألحقوها بالنقود، والنفس تميل إلى هذا القول، بل الحق الذي نعتقده وندين الله به أن فيها زكاة ما دام الناس يتعاملون بها معاملة النقود)، وقد أكّد وجود الفرق بين الفلوس والورق النقدي الصادق االغرياني في كتابه مدونة الفقه المالكي (2/ 234)، وسيأتي ذكر الفروق.
يعرف له حد طبعي ولا شرعي بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به؛ بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها بل هي وسيلة إلى التعامل بها، ولهذا كانت أثماناً؛ بخلاف سائر الأموال فإن المقصود الانتفاع بها نفسها؛ فلهذا كانت مقدرة بالأمور الطبعية أو الشرعية، والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت)
(1)
.
- وقد (مرّ النظام النقدي القائم الآن بمراحل تاريخيه، تطور فيها من حال إلى حال حتى وصل إلى ما نحن عليه الآن، وما زال يتطور حتى يتنبأ بعض رجال الاقتصاد أن نصل في وقت قريب إلى الحال التي لا نحتاج أن نحمل نقودًا حين نتسوق)
(2)
.
- و (من المعلوم أن التعامل بالورق بدلاً عن الذهب والفضة أمر قد حدث بعد عصور الأئمة الأربعة، وعصور تدوين الفقه الإسلامي،
(1)
مجموع الفتاوى: (19/ 251 - 252).
(2)
المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (12/ 37)، وانظر في مراحل تطور النقد من المقايضة إلى الورق النقدي: الورق النقدي للمنيع ص (23 - 37)، نوازل الزكاة ص (149 - 151)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (12/ 37 - 42).
وما انتشرت إلا في القرن الثامن عشر ميلادياً فقط، ولهذا لم يكن لأحد الأئمة رحمهم الله رأي فيها، ومنذ أن وجدت وعلماء المسلمين مختلفون في تقييمها وفي تحقيق ماهيتها ما بين كونها سندات عن ذهب أو فضة، أو عروض تجارة، أو نقد بذاتها)
(1)
، أو هي ملحقة بالفلوس.
- (فبعضهم يرجح في ذلك جانب المعنى أو المقصد، ومنهم من يرجح جانب اللفظ أو الصورة فمن قال: إن القراطيس المالية التي تدعى "بنك نوت"
(2)
، ويطلق عليها بعض العرب لفظ "الأنواط"
(3)
، هي من عروض التجارة، وجعل التعامل بها كبيع
(1)
تكملة أضواء البيان لعطية سالم (8/ 292).
(2)
في المعجم الوسيط (1/ 71): «بنكنوت) أوراق مصرية رسمية مطبوعة يتعامل بهَا النَّاس بَدَلاً من النَّقْد، وَأول من اتخذها الصينيون)، وفي نهر الذهب في تاريخ حلب (3/ 446) ذكر في حوادث سنة (1333) هـ: (وفيها وصل إلى حلب الورق النقدي العثماني المعروف باسم "بنكينوط" استعملته هذه الدولة في هذه الحرب بدل النقود المعدنية أسوة ببقية الدول المتحاربة، وقد أقبل الناس على تداوله بأسعاره المرسومة فيه، ورغبوا به أكثر من رغبتهم بالنقود الذهبية والفضية التي كانوا يستصعبون تداولها لنقصها وتشويه الصيارفة إياها بالثقب وسرقة شيء منها بواسطة الحك
…
أما الورق النقدي فهو خال عن جميع هذه العيوب، ولذا أقبل الناس على استعماله فنال رواجاً عظيماً).
(3)
الأنواط جمع نوط وهو (يدل على تعليق شيء بشيء) كما في مقاييس اللغة (5/ 370)، وفي محيط المحيط ص (923):(النُوْطَة عند التجار: ورقة تتضمن عقد البيع. ايطاليانية)، وقال السعدي في تعريف النوط:(هي الأوراق التي صارت الآن هي قيم الأشياء)، وضرب مثالاً بنوط الربيّة، ونوط الجنيه، ونوط الدينار، كما في رسالته إلى فيصل بن مبارك المنقولة في النفحات الزكية من المراسلات العلمية ص (16 - 17)، ويسميها بعضهم "الأنوات" وقد عرفها أحمد الخطيب في رسالته"إقناع النفوس بإلحاق أوراق الأنوات بعملة الفلوس" ص (9):(أوراق مخصوصة على شكل مخصوص، تضعها الحكومة أو البنك التجاري، معززة بوسائل التأمين، ليتعامل الناس بأعيانها، مقومة بقيمتها المرقومة فيها، بدل نقود الذهب والفضة، في كافة حاجياتهم الحيوية، تسهيلاً للمعاملة، وترويجاً لتبادل المنافع)، وأشار إلى أن هذا المعنى في أشهر قاموس في اللغة الفرنسية.
العرض بمثله أو بالنقد، فقد بالغ في الوقوف عند ظاهر الصورة، فالعروض قيمتها ذاتية وهذه لا قيمة لها في ذاتها، ومن قال: إنها في حكم السندات والسفاتج راعى الصورة أيضًا من جهة والمعنى من أخرى، ووجه قوله: إنها أوراق تؤخذ في مقابلة نقد، ويسترجع مثل ذلك النقد بإعادتها، وغفل عن الفرق الكبير بينها وبين السندات بالمعنى الفقهي، وهو أن السند يكون بدين على شخص معين، وهذه القراطيس تروج في الأسواق المالية، فيشترى بها من كل أحد كالنقدين بلا فرق)
(1)
.
- وأختم هذه المقدمة بالتفريق بين الأوراق النقدية والفلوس التي ذكرها الفقهاء في كتبهم؛ لأن هناك من ألحق الأوراق النقدية بها في الحكم، ومنهم من جعل الأوراق النقدية من الفلوس
(2)
، والحقُّ أن بينهما فروقاً.
- فالفلوس هي: (قطع من النحاس أو الصفر ونحوهما، من المعادن المسكوكة التي يتعامل بها في المحقرات)
(3)
، فهي عملة مساعدة بجانب العملة الرائجة من النقدين، وجعلت (من النقود الزهيدة القيمة، الرخيصة المعدن كالنحاس)
(4)
.
- (و قد نشأت هذه الفلوس نظراً لاحتياج الناس إلى تقييم الأشياء
(1)
من كلام محمد رشيد رضا في فتاوى مجلة المنار (12/ 900).
(2)
كالفقيه ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 92) حين قال: (من المعلوم أن الأوراق النقدية تعتبر من الفلوس؛ لأنها عوض عن النقدين)، ولعله بنى ذلك على تصوره للفلوس وأن قيمتها معنوية حين قال (8/ 405):(الفلوس في الحقيقة قيمتها قيمة رسمية فقط، فالأوراق النقدية مثل الفلوس)، وقال في تعريف الفلوس (9/ 102):(الفلوس هي كل نقد من غير الذهب والفضة).
(3)
أحكام الأوراق النقدية والتجارية للجعيد ص (143).
(4)
قاموس المصطلحات الاقتصادية في الحضارة الإسلامية ص (437).
التي يصعب تقييمها بالذهب و الفضة، و ذلك نظراً لشدة رخص هذه الأشياء، و ارتفاع قيمتي الذهب و الفضة على خفة وزنهما، فصعب تقييم هذه الأشياء الرخيصة بالذهب و الفضة، فكانت الفلوس المصنوعة من المعادن الرخيصة لتكون قيَماً لهذه الأشياء)
(1)
، وأشار إلى ذلك المعنى السرخسي حين قال:(ألا ترى أن الفلوس تروج تارة وتكسد أخرى، وتروج في ثمن الخسيس من الأشياء دون النفيس بخلاف النقود)
(2)
، وارتبط ذلك المعنى بالإفلاس الذي يذكره الفقهاء في باب الحجر؛ لأن من ملكها فكأنه لم يملك شيئاً لقلة جدواها ويسير نفعها
(3)
.
- وهذا سياق تاريخي لطيف ذكره المقريزي (ت 845) بقوله: (لما كانت في المبيعات محقرات تقل عن أن تباع بدرهم، أو بجزء منه، احتاج الناس من أجل هذا في القديم والحديث من الزمان إلى شيء سوى الذهب والفضة، يكون بإزاء تلك المحقرات، ولم يسمّ أبداً ذلك الشيء الذي جعل للمحقرات نقداً البتة، فيما عرف من أخبار الخليقة، ولا أقيم قط بمنزلة أحد النقدين، واختلفت مذاهب البشر وآراؤهم فيما يجعلونه بإزاء تلك المحقرات، ولم يزل بمصر
(1)
من رسالة "تخريج حرمة ربا الأوراق النقدية المعاصرة على المذاهب الأربعة" لمحمد رشيد، منشورة على الشبكة في ملتقى أهل الحديث.
(2)
المبسوط (12/ 138).
(3)
انظر: أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (143)، قال المقريزي في رسالته النقود القديمة ص (172):(الفلوس إنما هي أشبه بلا شيء)، وفي الفتح قال ابن حجر (5/ 62):(المفلس شرعاً: من تزيد ديونه على موجوده، سمي مفلساً؛ لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه صار لا يملك إلا أدنى الأموال وهي الفلوس، أو سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلا في الشيء التافه كالفلوس؛ لأنهم ما كانوا يتعاملون بها إلا في الأشياء الحقيرة، أو لأنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلساً).
والشام وعراقي العرب والعجم وفارس والروم في أول الدهر وآخره، ملوك هذه الأقاليم، لعظمهم وشدة بأسهم، ولعزة ملكهم، وكثرة شأوهم، وخنزوانية
(1)
سلطانهم، يجعلون بإزاء هذه المحقرات نحاساً يضربون منه قطعاً صغاراً تسمى فلوساً لشراء ذلك، ولا يكاد يوجد منها إلا اليسير، ومع ذلك فإنها لم تقم أبداً في شيء من هذه الأقاليم، بمنزلة أحد النقدين قط.
- وقد كانت الأمم في الإسلام وقبله، لهم أشياء يتعاملون بها بدل الفلوس كالبيض، والكسر من الخبز، والورق، ولحاء الشجر، والودع الذى يستخرج من البحر ويقال له: الكورى وغير ذلك
…
وكانت الفلوس لا يشترى بها شيء من الأمور الجليلة، وإنما هى لنفقات الدور، ومن أنعم النظر في أخبار الخليفة عرف ما كان الناس فيه بمصر والشام والعراق من رخاء الأسعار، فيصرف الواحد العدد اليسير من الفلوس في كفاية يومه)
(2)
.
- فالفلوس (يتفق الفقهاء والمؤرخون على أنها أدنى ما يتعامل به من المال)
(3)
، ونص على ذلك محمد نجيب المطيعي بقوله عن الفلوس:(أدنى ما يتعامل من المال، ويسمى في الشام قرشاً، وفى العراق فلساً، وفى مصر والسودان مليماً، وفي الحجاز ونجد هللة، وفى اليمن بقشة، وفى المغرب والجزائر بيزا أو بسيطة، وفي اليونان دراخما، وفى اليابان ين، وفى انجلترا وأمريكا بنس)
(4)
.
- قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: (الفلوس الحديدية لا يتعامل
(1)
(الخنزوانة الكبر
…
يقال: في رأسه خنزوانة، أي: كبر) كما في تهذيب اللغة (7/ 96).
(2)
النقود القديمة الإسلامية للمقريزي ص (173 - 174)، مطبوعة ضمن رسائل عديدة للمقريزي.
(3)
المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (12/ 27).
(4)
تكملة المجموع (14/ 361).
بها بالعرف الجاري قديماً وحديثاً، إلا في المحقرات فلا يشترى بها شيء له بال بخلاف الأوراق، فدل على أنها أقرب للفضة من الفلوس)
(1)
، فالذهب والفضة كانت للأشياء التي لها بال، فلما عسر استعمالهما في الاحتياجات الرخيصة لغلاء معدنهما، أوجد الناس هذه الفلوس وتعاملوا بها زمناً مع دينار الذهب ودرهم الفضة، ثم حلّت الأوراق النقدية محل الدينار والدرهم والفلس.
- ولم يكن يتصوّر الفقهاء أن يحل شيء محل الذهب والفضة في النقدية، وعبّر بعضهم عنهما بأنهما خلقا للثمنية
(2)
، وهذا التصور سببٌ في قصر العلة الربوية عند بعض العلماء، وعدم القياس عليهما، كمن عبّر عن علة الربا فيهما بأنها الثمنية الغالبة كما هو المشهور عند الشافعية
(3)
، قال المقريزي الشافعي: (ولا يعلم في
(1)
أضواء البيان (1/ 182).
(2)
انظر: الاختيار لتعليل المختار (3/ 14).
(3)
عبر عن هذه العلة الشافعي في الأم (3/ 15) بقوله عن النقدين: (لأنهما أثمان كل شيء، ولا يقاس عليهما شيء)، وقال (3/ 98): (وإنما أجزت أن يسلم في الفلوس بخلافه في الذهب والفضة بأنه لا زكاة فيه، وأنه ليس بثمن للأشياء كما تكون الدراهم والدنانير أثماناً للأشياء المتلفة، فإن في الدنانير والدراهم الزكاة وليس في الفلوس زكاة
…
فإن قال قائل: فقد تجوز في البلدان جواز الدنانير والدراهم، قيل: في بعضها دون بعض وبشرط، وكذلك الحنطة تجوز بالحجاز التي بها سنت السنن جواز الدنانير والدراهم، ولا تجوز بها الفلوس) انتهى، قال النووي في المجموع (9/ 393) قال:(فالعلة عند الشافعي فيهما كونهما جنس الأثمان غالباً، وهذه عنده علة قاصرة عليهما لا تتعداهما؛ إذ لا توجد في غيرهما)، وتأمل قوله:(إذ لاتوجد في غيرهما) ففيه عدم تحقق الثمنية في شيء غير النقدين في زمانهم، ولا يخفى على كل أحد أن الأوراق النقدية صارت اليوم أثماناً لكل شيء، وقال [الماوردي] في الحاوي (5/ 91):(فأما علة الربا في الذهب والفضة، فمذهب الشافعي أنه الأثمان غالباً، وقال بعض أصحابنا: قيم المتلفات غالباً. ومن أصحابنا من جمعهما وكل ذلك قريب) انتهى، ولم يكن شيء يقيم به المتلفات إلا الذهب والفضة، ولذلك قال: وكل ذلك قريب،، فما كان ثمناً لكل شيء في بعض البلاد أو قيمة للمتلفات لكنه في النادر فلا يلحق بهما، ففي البيان للعمراني (5/ 163):(قد أومأ في " الفروع " إلى وجه آخر: أنه يحرم الربا في الفلوس التي هي ثمن الأشياء وقيم المتلفات في بعض البلاد. وليس بشيء؛ لأن ذلك نادر)، أي: كون الفلوس قيماً للمتلفات هذا نادر، والغالب على الفلوس أنها للمحقرات، ومن تعبيرات الشافعية لهذه العلة ماذكره الرافعي في الشرح الكبير (4/ 74):(المشهور أن العلّة فيها صلاح التَّنمية الغالبة، وإن شئت قلت: جوهرية الأَثْمَان غالباً، والعبارتان تشملان التِّبر والمَضْرُوب والحُليّ والأواني المُتَّخذة منهما، وفي تعدّي الحكم إلى الفلوس إذا راجت حكاية وجه لحصول معنى التنمية، والأصح خلافه لانتفاء التنمية الغالبة)، فتأمل في تعبيراتهم تجد أن دخول الأوراق النقدية فيما عللوا به غير بعيد، فهي أثمان لكل شيء، وقيم للمتلفات، وصالحة للتنمية، وذلك في كل العالم اليوم، ويبقى أن النقدين تبرهما و مضروبهما فيه الزكاة بخلاف الورق، فهل هذا الفرق مؤثر عند الشافعي؟ محل تأمل.
خبر صحيح ولا سقيم عند أمة من الأمم، ولا طائفة من طوائف البشر، أنهم اتخذوا أبدا في قديم الزمان ولا حديثه نقدا غيرهما)
(1)
أي: الذهب والفضة.
وبعد هذه المقدمة المختصرة المهمة، فهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع:
1.
…
(تجب الزكاة في الذهب والفضة بالإجماع
…
وسواء فيهما المسكوك، والتبر، والحجارة منهما، والسبائك وغيرها من جنسها إلا الحلي المباح على أصح القولين)
(2)
.
2.
…
(وأما المعادن: فإن الأمة مجمعة بلا خلاف من أحد على أن الصفر، والحديد، والرصاص، والقزدير
(3)
لا زكاة في أعيانها، وإن كثرت)
(4)
.
(1)
النقود القديمة الإسلامية للمقريزي ص (173)، مطبوعة ضمن رسائل عديدة للمقريزي.
(2)
المجموع (6/ 6)، وانظر: المغني (3/ 35)، وفي الإقناع (1/ 207):(ولم تؤخذ زكاة الذهب من السنة، وإنما أخذت من إجماع الأمة)، وقد نقله من الإيجاز وهي من الكتب المفقودة كما ذكر المحقق.
(3)
في تثقيف اللسان ص (95): (قِزدير. ويقال: قِصدير، بالصاد أيضاً)، والقصدير نوع من أنواع الرصاص. انظر: القاموس المحيط (1/ 620).
(4)
المحلى (4/ 29)، وانظر: الإقناع لابن القطان (1/ 209)، وفي بداية المجتهد (2/ 11):(وأما ما اتفقوا عليه فصنفان من المعدن: الذهب والفضة، اللتين ليستا بحلي).
3.
أما الأوراق النقدية (فجنس الورق بغض النظر عن أنواعه مال متقوم مدخر مرغوب فيه، يباع ويشترى وينتفع به
…
وهو لاشك بهذا الاعتبار عرض من أجناس العروض له حكمها)
(1)
.
4.
و (محل النقاش فيما إذا عمدت الجهات المختصة إلى نوع من جنس الورق فأخرجت للناس منه قصاصات صغيرة مشغولة بالنقش والصور والكتابات، وقررت التعامل بها كنقد وتلقاها الناس بالقبول)
(2)
، فعامة العلماء المعاصرين على أن لها حكم النقدين في وجوب الزكاة، وحكي إجماعاً، وخالف بعضهم، وحُكم على قولهم بالشذوذ، وهذا هو الرأي المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
الورق النقدي ص (62).
(2)
المرجع السابق.
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
في بدايات ظهور الأوراق النقدية، قال به:
أحمد الخطيب
(1)
(ت 1334)
(2)
، وأفتى به عليش المالكي (ت 1299)
(3)
.
(1)
أحمد الخطيب بن عبداللطيف المنكاباوي الجاوي، المكي الشافعي، ولد عام (1276) وتلقى العلم عن والده، وعن عمر شطا، وبكري شطا وغيرهما، وله مشاركة في مختلف الفنون، عيّنه الشريف عون الرفيق إماماً وخطيباً للمسجد الحرام مع تدريسه فيه، له العديد من المؤلفات ومنها: الرياض الوردية في الفقه الشافعي، حسن الدفاع في النهي عن الابتداع، توفي سنة (1334) هـ. انظر: سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر ص (38 - 43).
(2)
وقفت له على رسالتين في الموضوع، الأولى "رفع الالتباس عن حكم الأنواط المتعامل بها بين الناس" ومما جاء فيها بعد أن نقل وجوب الزكاة فيها عن سالم بن عبدالله بن سمير وعبدالله بن سميط، ونقل عدم الوجوب عن الأنبابي وعبدالله بن عمر باعلوي، قال ص (5):(ولي أسوة بهذين الإمامين الجليلين المشهورين بالورع والتحري في عدم وجوب الزكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة)، والرسالة الثانية "إقناع النفوس بإلحاق أوراق الأنوات بعملة الفلوس" وفيها تأكيد لرأيه في الرسالة الأولى، وذكر أنه أرسلها لأحمد بيك الحسيني ووصفه بقوله ص (4):(حيث كان هو بطل التدقيق، وديدنه في المشكلات التحقيق)، فكتب الحسيني رسالة سماها "بهجة المشتاق في بيان حكم زكاة أموال الأوراق"، قال أحمد الخطيب ص (5):(فإذا أنا رأيته فيها قائلاً بوجوب زكاة الأنوات، وجاعلاً لها من جملة السندات، ولم أره حفظه الله تعرض في أبحاثه واستدلالاته إلى شيء من الحجج التي تحوّل فهمي عن معتقداته، ويصرف ضميري عن جهة توجهاته= فبقيت بحكم الضرورة من أجل ذلك مصرّاً على رأيي، ومتمكناً ثابتاً على فهمي).
(3)
في "فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك"(1/ 164 - 165): (ما قولكم في الكاغد الذي فيه ختم السلطان، ويتعامل به كالدراهم، والدنانير هل يزكى زكاة العين أو العرض أو لا زكاة فيه؟) فكان من جواب عليش: (لا زكاة فيه لانحصارها في النعم، وأصناف مخصوصة من الحبوب، والثمار، والذهب، والفضة، ومنها قيمة عرض المدير، وثمن عرض المحتكر، والمذكور ليس داخلاً في شيء منها، ويقرب لك ذلك أن الفلوس النحاس المختومة، بختم السلطان المتعامل بها لا زكاة في عينها لخروجها عن ذلك).
ولا أعرف من يقول به الآن إلا الأحباش
(1)
، ولايخفى أن الأوراق النقدية مرّت بمراحل وتطوّرات لا ينبغي إغفالها عند دراسة القول ورتبته، وستأتي الإشارة إليها.
(1)
وهي (طائفة ضالة تنسب إلى عبد الله الحبشي، ظهرت حديثاً في لبنان مستغلة ما خلّفته الحروب الأهلية اللبنانية من الجهل والفقر والدعوة إلى إحياء مناهج أهل الكلام والصوفية والباطنية، بهدف إفساد العقيدة وتفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الأساسية) كما في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1/ 427).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع المحكي، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه ونحوه من الأوصاف، ومن ذلك:
- عطية سالم (ت 1420) بقوله: (يقال لمن لا يرى الزكاة في الأوراق النقدية: أنه يترتب عليه باطل خطير، وهو تعطيل ركن الزكاة، وحرمان المسكين من حقه المعلوم في أموال الأغنياء، وما ترتب عليه باطل; فهو باطل)
(1)
.
- ابن عثيمين (ت 1421) بقوله: (الأوراق النقدية هذه تعرفون أنها حدثت أخيراً، وأنها لا تعرف فيما سبق، فاختلف العلماء في شأنها
…
فمنهم من يقول: إنها مثل الثياب لا يجري فيها الربا، ولا تجب فيها الزكاة
…
ولا شك أن هذا القول باطل ولا عبرة به)
(2)
، وقال أيضاً:(هذا القول لا أظن أن قدم عالم تستقر عليه، لما يلزم عليه من هذا اللازم الباطل، ألاَّ ربا بين الناس اليوم؛ لأن غالب تعاملهم بالأوراق النقدية، وألا زكاة على من يملك الملايين من هذه الأوراق ما لم يعدها للتجارة)
(3)
.
- أ. د. وهبة الزحيلي (ت 1436) بقوله: (القول بعدم الزكاة فيها لاشك بأنه اجتهاد خطأ؛ لأنه يؤدي في النتيجة البينة ألاّ زكاة على أخطر
(1)
تكملة أضواء البيان (8/ 294).
(2)
لقاءات الباب المفتوح، الشريط رقم (31)، عند الدقيقة (25: 07).
(3)
الشرح الممتع (6/ 93).
وأهم نوع من أموال الزكاة، فيجب قطعاً أن تزكى النقود الورقية)
(1)
.
- و عبدالله المنيع بقوله: (في القول بعرضية الأوراق النقدية تفريط لاحد له، وذلك بفتح أبواب الربا على مصراعيها، وإسقاط الزكاة عن غالب الأموال المتمولة في وقتنا هذا
(2)
، يتضح التفريط وتظهر بشاعة هذه النظرية، وتعين إنكارها والبراءة منها
…
لاشك أن هذه النظرية وماتستلزمه من أحكام مثار إنكار، وحق لمن أنكرها أن يبالغ في إنكارها)
(3)
.
- وفي الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: (للحبشي العديد من الفتاوى الشاذة القائلة بجواز التحايل في الدين
…
كما يجيز للناس ترك زكاة العملة الورقية بدعوى أنها لا علاقة لها بالزكاة)
(4)
.
(1)
الفقه الإسلامي وأدلته (3/ 1834).
(2)
وبعضهم لايلتزم بهذا اللازم، و ينص على وجوب الزكاة في الأوراق النقدية، مع أنه يراها عروضاً كالشيخ السعدي كما في مجموع مؤلفاته (24/ 247): (فإن أحداً من أهل العلم لا يشك ولا يستريب أن ملك نصاب زكاة، وحال عليه الحول تجب عليه الزكاة، وكذلك تجب فيه الكفارات المالية، والنفقات
…
لأنها من الأموال الداخلة في النصوص الموجبة لهذه الأمور
…
فإنها من الأموال ومما يحصل به الغنى
…
وهذا واضح لا إشكال فيه ولاخلاف)، هذا في تحرير محل النزاع في بحثه لمسألة الأنواط، وقال في المناظرة المشهورة التي أقامها، في ذكر حجة من ألحقها بالعروض -وهو رأيه-:(نحن لاننكر موافقتها للنقدين في باب الزكاة والنصاب وحصول المقاصد، كما تشاركها العروض في هذه المقاصد) انتهى، وقال في حجة من يرى بأن الأوراق كالنقد، ملزماً من يقول بأنها عرض: (ما الفرق بين باب الربا الذي لايختلف الناس فيه من باب الربا
…
ومن المعلوم أنه لا يمكنه القول بما يخالف الإجماع؛ فما الفرق بين البابين؟ وأن النوط يجعل في باب الزكاة نائباً وبدلاً، وفي باب الربا لايجعل كذلك)، ولم يتعقب هذا الإلزام أو الإجماع.
(3)
الورق النقدي ص (61).
(4)
الموسوعة الميسرة (1/ 430).
- وفي موقع الدرر السنية العلمي: (للأحباش فقه شاذ لم يسبقهم إليه أحد ونذكر هنا أمثلة على هذا الشذوذ الفقهي:
…
2 ـ إسقاط الزكاة في العملة الورقية وإيجابها في الذهب والفضة فقط)
(1)
.
(1)
موقع الدرر السنية، موسوعة الفرق، الباب الثالث عشر: االباطنية وفرقها، الفصل الثاني عشر: فرقة الأحباش، المبحث الخامس: الفقه عند الأحباش، كما في الرابط: http:// dorar.net/ firq/ 3603
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بوجوب زكاة الأوراق النقدية
(1)
:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}
(2)
، وقوله:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}
(3)
.
وجه الاستدلال:
عموم الآية يدخل فيه الأوراق النقدية
(4)
، لأنها من جملة الأموال، بل هي أهم الأموال اليوم وأكثرها رواجاً، وحلّت محل النقدين في كل تعامل كما يوضحه الدليل الآتي.
(1)
مرّت الأوراق النقدية في بداية ظهورها إلى اختلاف في حقيقتها، فمن قائل: بأنها سندات وزكاتها عنده زكاة الديون، ومن قائل: بأنها عروض، ولازم قوله أن زكاتها زكاة العروض إن أعدت للتجارة، ومنهم من ألحقها بالفلوس واختلفوا في الفلوس هل هي كالعروض أو كالنقدين، أو هي كالنقدين في الزكاة وربا النسية فقط، ومنهم جعل الأوراق بدلاً عن أحد النقدين وللبدل حكم المبدل عنه في أحكامه، ثم استقرت الفتوى بأن الأوراق نقد مستقل قائم بذاته يجري عليه ما يجري على الذهب والفضة من أحكام النقدية، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء، وقرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وهو المتقرر في الموسوعة الفقهية الكويتية، وبه أفتت دار الإفتاء المصرية، وانتهت إليه العديد من الرسائل العلمية المتخصصة كرسالة الورق النقدي للمنيع، ورسالة الربا والمعاملات المصرفية للمترك، ورسالة أحكام الأوراق النقدية والتجارية للجعيد، ورسالة فقه الزكاة للقرضاوي، ورسالة نوازل الزكاة للغفيلي، وسيكون الاستدلال للرأي الذي اتفقت عليه المجامع وانتهت إليه الدراسات واستقرت عليه الفتوى.
(2)
من الآية (103) من سورة التوبة.
(3)
الآية (24) من سورة المعارج.
(4)
انظر: مجموع مؤلفات السعدي (24/ 247)، أضواء البيان (8/ 293)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (188).
2/ ومن أدلتهم: قياس الورق النقدي على النقدين من الذهب والفضة، والجامع بينها هو: أداء الورق النقدي لجميع وظائف النقدين، فهي مقياس للقيم، ومستودع للثروة والادخار، ولها قوة في إبراء الذمم من الديون، وكل الناس تثق بتبادلها والتعامل بها
(1)
، ومن ذلك أنها:
(تُدفع مهرًا، فتستباح بها الفروج شرعًا دون أيّ اعتراض، وتدفع ثمنًا، فتنقل ملكيّة السلعة إلى دافعها بلا جدال، وتدفع أجرًا للجهد البشريّ فلا يمتنع عاملٌ أو موظّفٌ من أخذها جزاءً على عمله، وتدفع بها دية في القتل الخطأ، أو شبه العمد، فتبرئ ذمّةَ القاتل، ويرضى أولياء المقتول، وتُسْرَقُ فيستحقّ سارقها عقوبة السرقة بلا مراء من أحد، وتُدّخر وتُملك، فيعدّ مالكها غنيًّا بقدر ما يملك منها، فكلما كثرت في يده عظم غناه عند الناس، وعند نفسه، ومعنى هذا كلّه أن لها وظائف النقود الشرعيّة، وأهمّيّتها، ونظرة المجتمع إليها)
(2)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن قياسها على النقدين قياس مع الفارق؛ لرواج ذات النقدين في كل بلد، بخلاف الورق فالتعامل به في الدولة التي اعترفت بها فقط.
- ولأن الورق ثمنيته ليست لازمة بل تحتمل الزوال؛ لأنها ثبتت بالاصطلاح فتزول بالاصطلاح، وأما الذهب والفضة فلا تسقط قيمتهما.
(1)
انظر: الورق النقدي ص (113)، الربا والمعاملات المصرفية ص (336)، نوازل الزكاة ص (153).
(2)
فقه الزكاة ص (197).
- ولأن قيمة الورق ترتفع وتنخفض فهو كالعروض، وقيمته في أمر خارج عنه لا في نفسه فهو أشبه بالطوابع، بخلاف الذهب والفضة فقيمتهما ثابتة و ذاتية
(1)
.
ويمكن الجواب عن المناقشة:
- أن القياس إذا كان الجامع فيه أقوى من الفارق، والعلة ظاهرة منضبطة، فلا يقدح فيها وصف طردي أو علة ضعيفة يظهر للناظر فيها فرق؛ لأنها ليست بعلة أصلاً
(2)
.
- والورق النقدي ثمن لكل الأشياء اليوم، عند كل الناس دون تردد، بل لا يعرف أكثرهم نقوداً غيرها، و الثمنية هي العلة التي ألحقت الورق بالنقدين وهي متحققة.
- أما الأوصاف الأخرى التي فيها فرق بين الأصل والفرع فتسقط عند تنقيح المناط، ومع ذلك فإن الجواب عنها هو الآتي:
- أما كون الورق يروج في كل بلدة اعترفت به فقط، فهذا مرجعه إلى اختلاف جهات الإصدار، وإلا فالورق رواجه والتعامل به بدل الذهب والفضة أصبح في كل بلد، مع إمكان صرف الورق ببدله من العملة الرائجة في كل بلد تختلف جهة إصدارها عن الأخرى.
- وأما كون الورق ثمنيته ليست لازمة، فهذا لا أثر له، لأن هذا الحكم الطارئ على الورق بالثمنية لايختص به، بل هو في كل ما
(1)
انظر: الربا والمعاملات المصرفية ص (337).
(2)
ذكر في البحر المحيط في شروط العلة (7/ 171): (ألا يعارضها من العلل ما هو أقوى منها، فإن الأقوى أحق بالحكم، كما أن النص أحق بالحكم من القياس، وما أدى إلى إبطال الأقوى فهو الباطل بالأقوى).
اتخذه الناس ثمناً، فلا يتقيد بالورق ولا بالجلد ولا بالمعدن، ومتى وجدت الثمنية المطلقة وجد هذا الحكم، لأن (الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها بل هي وسيلة إلى التعامل، بها ولهذا كانت أثماناً
…
والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت)
(1)
.
- وأما ارتفاع قيمة الورق وانخفاضه، فهذا غير مختص بالورق، فالذهب والفضة قيمته في انخفاض وارتفاع مستمر، والفضة تغيرها أظهر فقد كان دينار الذهب يساوي عشرة دراهم ووصل إلى خمسة وثلاثين درهماً.
- والتغاير في عملات الورق يعود إلى اختلاف جهات الإصدار في الاحتياط والتساهل، وما تتخذه من أسباب لإحلال الثقة بها، ووضع بلادها الاقتصادي، وما تكون عليه الدولة من قوة وسعة سلطان، فلذلك كانت كل عملة جنساً يختلف عن جنس عملة البلد الآخر تبعاً لتعدد الإصدار، كما أن الذهب والفضة جنسان لاختلاف أحدهما عن الآخر في قيمتهما
(2)
.
- ولا يمكن اعتبارها من العروض أو الطوابع؛ لأنها لم تسك عروضاً وإنما سكت لتحل محل النقدين وتؤدي وظائفهما، ولأن الطوابع تستعمل في أشياء مخصوصة وإذا استعملت مرة بطل مفعولها، بخلاف الأوراق النقدية
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى: (19/ 251 - 252).
(2)
انظر: الورق النقدي ص (123 - 125).
(3)
انظر: الربا والمعاملات المصرفية ص (338 - 340).
- فالكلام في قيمة الورق حال التعامل به لا حال إبطال التعامل به، على أن الورق له قيمة في ذاته، ترتفع بما ربط بها من منفعة كالثمنية أو كتابة علم نافع فيها
(1)
.
3/ الدليل الثالث هو الإجماع، ولم أقف على من نقله إلا محمد تقي العثماني
(2)
بقوله:
(تجب الزكاة على الأوراق النقدية بالإجماع)
(3)
.
- والشيخ يعرف الخلاف بل قد حكاه، لكنه يرى فيما يظهر أن حقيقة الأوراق اختلفت من زمن إلى زمن، وما كان محل خلاف فيما سبق لم يعد الآن من يقول به لاختلاف الحقيقة، فمما قاله: (لا شك أنها كانت وثائق للديون في مبدأ أمرها، ولذلك أفتى كثير من العلماء بأنها سندات ديون وليست أموالاً ولا أثماناً
…
وكذلك أفتى كثير من علماء الهند في القرن السابق بكون هذه الأوراق وثائق دين
…
ولكن كان هناك في الوقت نفسه ثلة من العلماء والفقهاء، يعتبرون هذه الأوراق أموالاً، كأثمان عرفية
…
ولو أردنا أن نحاكم بين هذين الرأيين، فإني أرى أن كلا الرأيين مصيب بالنسبة إلى أزمنة مختلفة، فقد شرحنا عند بيان تاريخ النقود ما مر على هذه الأوراق من تطورات، فلا شك أنها كانت في بداية أمرها سندات
(1)
انظر: إقناع النفوس ص (16).
(2)
محمد تقي بن محمد شفيع العثماني، اشتهر انتسابهم لعثمان بن عفان رضي الله عنه، ولد سنة (1362 هـ) في الهند، وتلقى العلم عن والديه وغيرهم، وأسرته أسرة علم، قاضي التمييز بالمحكمة العليا في باكستان، ونائب رئيس دار العلوم بكراتشي، وعضو المجمعين الفقهيين بجدة ومكة، رأس وتولى عضوية مؤسسات مالية كثيرة، ومن مؤلفاته: تكملة فتح الملهم بشرح مسلم. انظر: "محمد تقي العثماني
…
القاضي الفقيه والداعية الرحالة" منشور في موقع الألوكة.
(3)
بحوث في قضايا فقهية معاصرة (1/ 155)، وفي انعقاد الإجماع في عصرنا، وفي الإجماع بعد الخلاف بحث أصولي.
لديوان
…
ولكننا رأينا في تطورات هذه النقود أنها لم تبق على هذه الحالة في الأزمان الآتية)
(1)
.
- وقال الشيخ عبدالله البسام: (والآن بعد أن اختفى النقدان من الذهب والفضة من أيدي الناس، وحل محلهما في التعامل والثمنية "الورق النقدي" -أجمعت المجامع الفقهية على أنَّ الحكم منوط "بالورق النقدي"، بجامع الثمنية بينهما، فصار الحكم للعُملة الحاضرة "الورق النقدي" بكل ما يقوم به النقدان: من الزكاة، والديات، وأثمان المبيعات، وأحكام الربا، والمصارفة وغير ذلك)
(2)
.
- وقال الشيخ عطية سالم: (ومهما يكن من نظريات في ماهيتها، فإنها باتفاق الجميع تعتبر مالا، وهي داخلة في عموم قوله تعالى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ}
(3)
; لأنها أصبحت ثمن المبيعات وعوض السلع)
(4)
.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بعدم وجوب الزكاة في الأوراق النقدية
(5)
: أبرز ما استدل به مما وقفت عليه:
1/ القياس على (فلوس النحاس في عدم وجوب الزكاة، بجامع أنَّ كلّاً ليس من الأعيان الزكوية)
(6)
و (بجامع بيع غير نقد بقيمة زائدة عن قيمته الأصلية للرواج بالدمغة التي فيه)
(7)
، (لاتحادهما في علة ارتفاع القيمة، ولا فرق بينهما إلا في الاسم والحقيقة، فاسم
(1)
المرجع السابق (1/ 149 - 153)، وانظر: نوازل الزكاة للغفيلي ص (159) وفيه: (لا يكاد يعرف أحد لا يقول بزكاتها).
(2)
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (3/ 319).
(3)
من الآية (19) من سورة الذاريات.
(4)
تكملة أضواء البيان (8/ 293).
(5)
لاتكاد تجد استدلالاً لهذا الرأي إلا في كتابي أحمد الخطيب "رفع الالتباس" و "إقناع النفوس".
(6)
"رفع الالتباس عن حكم الأنواط المتعامل بها بين الناس" ص (27).
(7)
المرجع السابق ص (31).
النحاس المذكور فلوس، والورق المذكور نوط، ومدار اتحاد الحكم على اتحاد العلة فقط دون غيرها)
(1)
.
- (ويلزم من كون النوط كالنحاس المضروب في جميع أحكامه، ألا تجب الزكاة عندنا معاشر الشافعية)
(2)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال بأمور:
- أن الحكم ممنوع في الأصل وفي الفرع، أما المنع في الأصل، فشرط الأصل أن يكون منصوصاً عليه، أومتفقاً عليه
(3)
، ولم يوجد لا هذا ولا ذاك، فلا نص في عدم الزكاة في الفلوس ولا اتفاق في ذلك، بل هو عند الشافعية فقط.
- وقد صرح الخطيب بمخالفة الحنفية فقال: (
…
خلافاً للحنفية حيث قالوا: بوجوب الزكاة في النحاس والنوط وكل ماراج رواج النقود)
(4)
، فالمناقشة في الأصل قبل الفرع.
- وعلى فرض التسليم بحكم الأصل، فالحكم ممنوع في الفرع، فإن بين الفلوس والأوراق النقدية من الفروق مايمتنع معه القياس والإلحاق، وقد سبق إجمال الفروق، وخلاصة الفروق المؤثرة هو الآتي:
• أن الأوراق النقدية موغلة في الثمنية إيغالاً تقصر دونه الفلوس، بل
(1)
المرجع السابق ص (6).
(2)
المرجع السابق ص (18).
(3)
ذكر في روضة الناظر (2/ 249) أحد شرطي الأصل بقوله: (أن يكون ثابتًا بنص، أو اتفاق من الخصمين. فإن كان مختلفًا فيه، ولا نص فيه: لم يصح التمسك به، لأنه ليس بناء أحدهما على الآخر بأولى من العكس).
(4)
رفع الالتباس ص (18).
قد تغلّب الورق على النقدين في الثمنية، حيث يندر استعمال الناس اليوم للذهب والفضة كأثمان.
• أن الفلوس كانت تستخدم في المحقرات من السلع مما تعم الحاجة إليها، بخلاف الأوراق النقدية فيُتعامل بها في كل بيع.
• أن الأوراق النقدية في غلاء قيمتها كالنقدين بل بعضها أغلى من قطع الذهب، بخلاف الفلوس فقيمتها تافهة من المعادن الرخيصة غير الذهب والفضة.
• أن الأوراق النقدية لو أُبطلت ثمنيتها فليست هي من العروض، بخلاف الفلوس فإنها لو أبطلت ثمنيتها فلها قيمة في نفسها كسائر العروض
(1)
.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بعدم وجوب زكاة الأوراق النقدية [في حقيقتها التي انتهت إليها، وقيامها مقام النقدين في كل شيء] إلى الشذوذ صحيحة، ولا يعرف عالم معتبر اليوم يقول بعدم وجوبها، وهو ما استقرت عليه الفتوى، واتفقت عليه المجامع الفقهية، وانتهت إليه الرسائل العلمية المتخصصة، أما أقوال بعض من سبق في تكييف الأوراق بالسندية، أو العرضية، أو البدلية، أو إلحاقها بالفلوس، فإن هذه الأقوال لم ترد في وقت واحد، ولم تكن معنى الثمنية المستقلة واضحة في الورق، فتردد العلماء في إلحاقها.
بل إن هناك من أبعد ومنع التعامل بها فقال: (الورقة المذكورة لا
(1)
انظر: الورق النقدي ص (70)، نوازل الزكاة للغفيلي ص (154)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (12/ 52).
تصح المعاملة بها ولا يصير المملوك منها أو بها عرض تجارة، فلا زكاة فيه، فإن من شروط المعقود عليه ثمناً أو مثمناً أن يكون فيه في حد ذاته منفعة مقصودة يعتد بها شرعاً)
(1)
، وكل قولٍ له وجهه في وقته، فإن من أطوار الأوراق أنها كانت سندات لديون، ومن أطوارها أنه كان لكل ورقة غطاء من ذهب أو فضة يمكن لحامل الورقة استبداله بها، ثم أصبح الورق أكثر من الغطاء، وألغي ذلك كله مع مرور الزمن، ووثق الناس بالورق وأصبحت هي كنزهم، ومدار تعاملهم، و مقصد طلبهم.
(وبهذا نعرف أن الخلاف الفقهي في تكييفها لا يرجع إلى خلاف حقيقي، وإنما يرجع إلى الحكم عليها من خلال مراحل نموها وتطورها)
(2)
، كما اختلف الفقهاء في الفلوس و (كان اختلاف الفقهاء هذا في زمن يسود فيه الذهب والفضة كعيار للأثمان، وتتداول فيه النقود الذهبية والفضية بكل حرية، ولا تستعمل الفلوس إلا في مبادلات بسيطة، وأما الآن فقد فقدت النقود المعدنية من الذهب والفضة، ولا يوجد اليوم منها شيء في العالم كله، واحتلت النقود الرمزية محلها في سائر المعاملات)
(3)
، فلا يمكن أن ينقل الخلاف في حقيقة الورق بداية ظهورها، إلى الورق اليوم مع تطوّر الوظائف وتغيّر الحقائق، وحلول الأوراق محل كل نقد غيره، والله أعلم.
(1)
هكذا قال الشرواني (ت 1301) في حاشيته على تحفة المحتاج (4/ 238)، في جوابه عن سؤال وقع عما أحدثه سلاطين هذا زمانه من الورقة المنقوشة بصور مخصوصة، الجارية في المعاملات كالنقود الثمنية، هل يصح البيع والشراء بها ويصير المملوك منها أو بها عرض تجارة يجب زكاته عند تمام الحول والنصاب؟.
(2)
المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (12/ 42).
(3)
بحوث في قضايا فقهية معاصرة (1/ 159).
الفصل الرابع: الآراء في الصيام، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: عدم وجوب الصيام على من رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته
المبحث الثاني: الاعتماد على الحساب في دخول الشهر
المبحث الثالث: وجوب الكفارة دون القضاء على من جامع في نهار رمضان متعمدا
المبحث الرابع: عدم وجوب القضاء في الحقنة والسعوط للصائم
المبحث الخامس: تحريم صيام يوم السبت
(لإصابة الصواب أسباب منها:
-حسن الفهم عن الله ورسوله
-ونور الفهم والذكاء
-وقوة الإخلاص
-والاستعانة بالله في الوصول إلى الصواب
-وعدم التعصب لما يقوله، أو يقوله من يعظّمه
-وسرعة الرجوع إلى الحق عند اتضاح الصواب
-والمقابلة بين الأقوال المتعارضة
- واستيعاب ما أمكن من أدلة كل قول، ومأخذه، ووزن الأدلة والمأخذ بالموازين العادلة، وأصول الفقه المتفق عليها).
ابن سعدي رحمه الله المناظرات الفقهية ص (8)
الفصل الرابع: الآراء في الصيام
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: عدم وجوب الصيام على من رأى هلال رمضان وحده وردّت شهادته
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(كان المحدثون قديمًا هم الفقهاء، ثم صار الفقهاء لا يعرفون الحديث، والمحدثون لا يعرفون الفقه!! فمن كان ذا همة، ونصح نفسه، تشاغل بالمهم من كل علم، وجعل جل شغله الفقه؛ فهو أعظم العلوم، وأهمها).
ابن الجوزي رحمه الله صيد الخاطر ص (443)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الهلال في اللغة: (غُرّةُ القمَر حين يُهِلُّه النّاس في غرة الشهر)
(1)
، وبعبارة أوضح:(القمر في أول ظهوره)
(2)
، وأصل الإهلال يدلُّ على رفع صوت و (الهلال الذي في السماء، سمي به لإهلال الناس عند نظرهم إليه مكبرين وداعين، ويسمى هلالاً أول ليلة والثانية والثالثة، ثم هو قمر بعد ذلك)
(3)
، و (قيل: إذا استَدَار، وقيل: إِذا بهر ضوءه)
(4)
خرج عن تسميته هلالاً وسمي قمراً.
قال ابن تيمية: (الهلال مأخوذ من الظهور ورفع الصوت، فطلوعه في السماء إن لم يظهر في الأرض فلا حكم له لا باطناً ولا ظاهراً، واسمه مشتق من فعل الآدميين يقال: أهللنا الهلال واستهللناه)
(5)
.
ويشرع للناس ترائي الهلال في نهاية شهر شعبان قال ابن قدامة: (يستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، وتطلبه ليحتاطوا بذلك لصيامهم، ويسلموا من الاختلاف)
(6)
، ونص الحنفية على أنه واجب على الكفاية
(7)
، وقد كان ذلك معهوداً عند الصحابة رضي الله عنهم، ومن
(1)
العين (3/ 352)، تهذيب اللغة (5/ 239)، وفي لسان العرب (5/ 15): (غرة الشيء: أوله وأكرمه
…
وغرة كل شيء: أوله. والغرر: ثلاث ليال من أول كل شهر).
(2)
معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (3/ 454).
(3)
مقاييس اللغة (6/ 11)، وانظر: النهاية في غريب الحديث (5/ 271).
(4)
تحرير ألفاظ التنبيه ص (124).
(5)
مجموع الفتاوى (25/ 109).
(6)
المغني (3/ 106).
(7)
انظر: فتح القدير (2/ 313)، مراقي الفلاح ص (293).
ذلك قول أنس بن مالك: (كنا مع عمر بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلاً حديد البصر، فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، قال: فجعلت أقول لعمر، أما تراه؟ فجعل لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على فراشي
…
) الحديث
(1)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة المراد بحثها:
1.
…
(أجمعوا على أن الكافة إذا أخبرت برؤية الهلال أن الصيام والإفطار بذلك واجبان)
(2)
.
2.
ونُقل الإجماع على أنه لا يقبل في خروج رمضان شهادة أقل من اثنين عدلين
(3)
.
3.
أما دخول شهر رمضان فالمذهب عند الشافعية والحنابلة قبول الواحد فيه
(4)
، وهو كذلك عند الحنفية إذا لم تكن السماء مصحية، أو رآه الواحد خارج المصر
(5)
.
4.
و (من كان في مكان ليس فيه غيره إذا رآه صامه)
(6)
، كمن (كان
(1)
أخرجه مسلم (2873).
(2)
مراتب الإجماع ص (40)، وانظر: الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 228).
(3)
قال في التمهيد (14/ 354): (أجمع العلماء على أنه لا تقبل في شهادة شوال في الفطر إلا رجلان عدلان)، وقال النووي في شرح مسلم (7/ 190):(وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل).
(4)
انظر: المجموع (6/ 277)، الإقناع للحجاوي (1/ 303)، وهي شهادة عند الشافعية وخبر عند الحنابلة.
(5)
انظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (2/ 453 - 454)، البناية شرح الهداية (4/ 25 - 30)، ومصحية: أي ليس بها علة من غيم ونحوه، والرؤية خارج المصر ذكرها الطحاوي لقلة الموانع وتعقبه بعضهم.
(6)
مجموع الفتاوى (25/ 117).
في البرية ما عنده أحد فإنه يعمل برؤيته في الصوم والفطر)
(1)
، ولعلهم لم يختلفوا في ذلك
(2)
.
5.
أما إذا رآه وحده فردّت شهادته فإنه يصوم وحده، وهو قول الأئمة الأربعة وابن حزم وأكثر العلماء
(3)
وحكي إجماعاً، وجاء عن الحسن وعطاء
(4)
أنه لا يصوم إلا مع الناس، وهو قول إسحاق
(5)
ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية
(6)
، وذهب إليه بعض المعاصرين، ووُصف هذا الرأي بالشذوذ، وهو المراد بحثه وتصحيح نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
فتاوى ابن باز (15/ 73).
(2)
قال ابن تيمية في شرح العمدة-كتاب الصيام (1/ 132): (فأما إذا رآه في موضع ليس فيه غيره؛ فيلزمه الصوم رواية واحدة)، وأحمد في رواية ممن يرى الصوم مع الجماعة، وابن تيمية وابن باز كذلك ممن يرى الصوم مع الجماعة لو ردت شهادة الواحد ولا يصوم وحده، ولذلك نقلت قولهما هنا فغيرهما أولى، حتى من يشترط لدخول رمضان أكثر من شاهد كالمالكية، فإنهم يرون أن من رآه يصوم ولو ردت شهادته، بل لو أفطر عندهم فعليه القضاء والكفارة!.
(3)
انظر: المدونة (1/ 266)، الأم (2/ 104)، تبيين الحقائق (1/ 318)، الإنصاف (3/ 277)، المحلى (4/ 373).
(4)
انظر: مصنف عبدالرزاق (7348)، مصنف ابن أبي شيبة (9471)، وسيأتي ذكرهما بعد الإجماع.
(5)
انظر: الإشراف (3/ 113 - 114).
(6)
انظر: الفروع (4/ 422).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
ابن باز (ت 1420)
(1)
، والألباني (ت 1420)
(2)
.
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع، وسيأتي توثيقه ومناقشته في المطلب الرابع.
2/ وصفه بالشذوذ، ولم أقف على من وصفه بالشذوذ إلا:
- ابن عبدالبر (ت 463) بقوله: (لم يختلف العلماء فيمن رأى هلال رمضان وحده فلم تقبل شهادته أنه يصوم؛ لأنه متعبد بنفسه لا بغيره، وعلى هذا أكثر العلماء لا خلاف في ذلك إلا شذوذ لا
(1)
قال في مجموع فتاويه (15/ 64): (وإذا رأى الهلال شخص واحد ولم تقبل شهادته لم يصم وحده ولم يفطر وحده في أصح قولي العلماء، بل عليه أن يصوم مع الناس ويفطر مع الناس)، وقال (15/ 73):(والصواب أنه لا يجوز له أن يصوم وحده، ولا أن يفطر وحده، بل عليه أن يصوم مع الناس ويفطر معهم).
(2)
انظر: السلسلة الصحيحة (1/ 443)، فقد ذكر من قال بأنه يصوم مع الناس ثم قال:(وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد -ولو كان صواباً في وجهة نظره- في عبادة جماعية كالصوم والتعييد وصلاة الجماعة)، وفي تمام المنة ص (399) نقل كلاماً لابن تيمية ثم قال: (والذي يهمنا ذكره منها ما وافق الحديث وهو قوله: "والثالث: يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر الأقوال
…
).
يشتغل به)
(1)
، ولم أقف على من تابع أبا عمر على ذلك، و (ابن عبدالبر ممن لا يعتبر مخالفة الشاذ، وهو من أطواد الأصول والفروع)
(2)
، وهو وإن لم يسمه إجماعاً، إلا إن له نظراً في مخالفة الجمهور، وقد سبق توضيح ذلك بأمثلته
(3)
.
(1)
التمهيد (14/ 355)، ووصف الروياني هذا القول بالغلط فقال:(إذا رأى هلال رمضان وحده يلزمه أن يصوم سواء شهد عند الحاكم فرد شهادته أو لم يشهد بلا خلاف. وقال عطاء والحسن وشريك وإسحاق لا يلزم الصوم حتى يحكم الحاكم برؤية الهلال وهذا غلط). بحر المذهب (3/ 277).
(2)
الصوارم الأسنة في الذب عن السنة لابن أبي مدين الشنقيطي ص (92).
(3)
في كتاب الطهارة، المبحث السابع.
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بوجوب الصيام على المنفرد برؤية الهلال ولو ردت شهادته:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن (من رآه فقد شهده)
(2)
، و (لم يفرّق بين من رآه وحده ومن رآه مع الناس)
(3)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
بأن (الشهود لا يكون إلا لشهر اشتهر بين الناس حتى يتصور شهوده والغيبة عنه)
(4)
.
ويمكن الجواب عن المناقشة:
- بأن هذا محل النزاع، وهو غير لازم بل منقوض بما ذكره الشيخ:(من كان في مكان ليس فيه غيره إذا رآه صامه)
(5)
، وبالأسير ونحوه ممن لا يعلم اشتهار الشهر.
- وسياق الآية فيمن حضر الشهر وهو مقيم صحيح، ولذا قال بعدها
(1)
من الآية (185) من سورة البقرة.
(2)
المحلى (4/ 378).
(3)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 229).
(4)
مجموع الفتاوى (25/ 117).
(5)
المرجع السابق.
في مقابل المقيم الصحيح: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(1)
، وليس السياق في التعريف بالشهر ومتى يكون شهراً.
2/ حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه
…
»
(2)
، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
…
»
(3)
.
وجه الاستدلال:
- أنهما يدلان (على تعليق الحكم بالرؤية، ولا يراد بذلك: رؤية كل فرد، بل مطلق الرؤية)
(4)
، و (ليس المراد رؤية الجميع بدليل الوجوب على الأعمى بالإجماع، ولما أخبر ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم برؤيته أمر الناس بالصيام فالمراد رؤية البعض)
(5)
، (وهو العدد الذي تثبتُ به الحقوق، وهو عَدْلان، إلا أنّه يكتفى في ثبوت هلال رمضان بعدلٍ واحد)
(6)
.
(1)
من الآية (185) من سورة البقرة. ومعنى الآية كما قال الجصاص في تفسيره (1/ 224): (من كان شاهداً يعني مقيماً غير مسافر، كما يقال: للشاهد والغائب= المقيم والمسافر
…
ويحتمل
…
أن يكون بمعنى شاهد الشهر أي علمه، ويحتمل
…
فمن شهده بالتكليف). قال ابن عاشور في التحرير والتنوير (19/ 78): (فعل "شهد" يستعمل بمعنى "حضر" وهو أصل إطلاقه)، وقال (2/ 173): (حضر في الشهر أي: لم يكن مسافراً، وهو المناسب لقوله بعده: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
…
}، وانظر: تفسير الطبري (3/ 201)، تفسير القرطبي (2/ 229)، تفسير ابن كثير (1/ 503).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1906)، ومسلم (1080).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
(4)
إحكام الأحكام (2/ 8).
(5)
فتاوى السبكي (1/ 215)، وانظر: حاشية الصنعاني على إحكام الإحكام (3/ 326).
(6)
كشف اللثام (3/ 489)، وانظر: طرح التثريب (4/ 114)، وأكثر العلماء على قبول شهادة الواحد في دخول رمضان، والمالكية يشترطون الشاهدين و يوجبون على من رآه أن يؤدي الشهادة؛ لعل غيره قد رآه معه فتجوّز شهادتهما، وإن ردّت شهادته فإنه يجب عليه الصوم وحده، ولو أفطر فعليه القضاء والكفارة. انظر: المدونة (1/ 266).
- والواحد إذا رأى الهلال فيلزمه الصوم ولو ردت شهادته و (العلم بكون هذا اليوم من رمضان حصل قطعاً؛ لوجود دليله وهو الرؤية حقيقة، إذ لا دليل فوق العيان، ولهذا كان مخاطباً بالأداء آثماً بالترك)
(1)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته
…
» خطاب للجماعة وليس للأفراد
(2)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن الجمع في الحديث (لا يمكن أن يكون معناه رؤية جميع الناس
…
بل المعتبر رؤية بعضهم وهو العدد الذي تثبت به الحقوق وهو عدلان لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}
…
إلا أن هلال رمضان يكتفى في ثبوته بعدل واحد عند أكثر أهل العلم)
(3)
.
- و (إذا رأى الرجل هلال رمضان وحده يصوم لا يسعه غير ذلك)
(4)
؛ (لأن العبد إنما يعامل الله بعلمه؛ فإذا لم يكن له علم قبل قول غيره، وهو يعلم أن هذا اليوم من رمضان)
(5)
، فـ (إذا لزمه الصوم لرؤية غيره فبأن يلزمه من رؤيته وهي متيقنة أولى وأحرى)
(6)
؛ (لأنه إذا رأى الهلال بنفسه فقد تعين دخول رمضان، وإذا شهد الشهود عرف ذلك بغلبة الظن)
(7)
.
(1)
كشف الأسرار (4/ 153).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (25/ 117).
(3)
طرح التثريب (4/ 114).
(4)
الأم (2/ 104).
(5)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الصيام (1/ 135).
(6)
المنتقى شرح الموطأ (2/ 39).
(7)
بحر المذهب (3/ 277).
- ف (يقين نفسه أبلغ من الظن الحاصل بالبينة)
(1)
، (لأن رؤيته متيقنة وحكم الحاكم ظاهر عليه الظن)
(2)
، فهو (كما لو حكم به الحاكم)
(3)
في لزوم الصوم.
3/ ومن أدلتهم: الإجماع.
وقد نقل الإجماع غير واحد من العلماء:
1.
قال عبدالوهاب البغدادي (ت 422): (إذا ترآى الناس هلال رمضان فرآه رجل واحد لزمه صومه في نفسه
…
ولا خلاف في ذلك)
(4)
.
2.
وقال البيهقي (ت 485): (من رأى الهلال وحده وشهد به فردت شهادته، كان عليه أن يصوم إجماعاً)
(5)
.
3.
وقال أبو الوليد ابن رشد (ت 520): (إذا رأى هلال رمضان وحده، فلا خلاف في أنه يجب عليه أن يصوم)
(6)
.
4.
وقال ابن الجوزي (ت 597): (المتفرد برؤية الهلال إذا شهد بالرؤية فرد الحاكم شهادته لزمه الصوم من غير خلاف)
(7)
.
- ولما قال ابن عبدالبر: (لا أعلم خلافاً في هلال رمضان أنه من رآه يلزمه الصوم إلا عطاء بن أبي رباح)
(8)
، تبعه ابن رشد لكنه قال:(العلماء أجمعوا على أن من أبصر هلال الصوم وحده أن عليه أن يصوم، إلا عطاء بن أبي رباح)
(9)
.
(1)
المجموع (6/ 280).
(2)
الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 429)
(3)
المغني (3/ 163).
(4)
المعونة ص (458).
(5)
الخلافيات (5/ 60)، وانظر: مختصر الخلافيات (3/ 66).
(6)
البيان والتحصيل (2/ 351).
(7)
التحقيق في مسائل الخلاف (2/ 85).
(8)
الاستذكار (3/ 280).
(9)
بداية المجتهد (2/ 48)، ومثله قول سيد سابق في فقه السنة (1/ 437): اتفقت أئمة الفقه على أن من أبصر هلال الصوم وحده أن يصوم، وخالف عطاء).
ونوقش هذا الاستدلال:
- قال ابن عبدالهادي متعقباً ابن الجوزي: (قول المؤلِّف: (لزمه الصَّوم من غير خلاف) غير صحيحٍ، فإن حنبلاً روى عن أحمد أنَّه لا يلزمه الصَّوم، وهو قول عطاء وإسحاق وغيرهما)
(1)
، فالخلاف محفوظ وقديم، قال ابن رجب:(المنصوص عنه في رواية حنبل أنه لا يصوم، وهو قول طائفة من السلف، كعطاء، والحسن، وابن سيرين، ومذهب إسحاق)
(2)
.
- أما المروي عن الحسن البصري (ت 110)، فقد جاء عنه أنه كان يقول في الرجل يرى الهلال وحده قبل الناس، قال:(لا يصوم إلا مع الناس ولا يفطر إلا مع الناس)
(3)
.
- وأما المروي عن عطاء بن أبي رباح (ت 114)، فقد صحّ أن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت لو أن رجلاً رأى هلال رمضان قبل الناس بليلة، أيصوم قبلهم، ويفطر قبلهم؟ قال:(لا، إلا إن رآه الناس أخشى أن يكون شبه عليه حتى يكونا اثنين) قال: قلت: لا، إلا رآه، وسايره ساعة قال:(ولو حتى يكونا اثنين)
(4)
.
- قال الجصاص: (فأما الحسن فإنه أطلق الجواب في أنه لا يصوم،
(1)
تنقيح التحقيق (3/ 226).
(2)
أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة لابن رجب ص (57)، أما المروي عن الحسن وعطاء فهو صحيح وسبق توثيقه في تحرير محل الشذوذ، وأما المروي عن ابن سيرين فغير صريح في مسألتنا.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (9471) قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الحسن، وفي رواية هشام بن حسان عن الحسن كلام؛ لأنه يرسل عنه كما قيل. انظر: تقريب التهذيب ص (572)، لكنه توبع في رواية ذكرها الجصاص في تفسيره (1/ 228) قال:(وقد روى روح بن عبادة عن هشام، وأشعث عن الحسن فيمن رأى الهلال وحده: أنه لا يصوم إلا مع الإمام).
(4)
أخرجه عبدالرزاق (7348) قال: أخبرنا ابن جريج قال: قلت لعطاء. وإسناده صحيح.
وهذا يدل على أنه وإن تيقن الرؤية من غير شك ولا شبهة أنه لا يصوم، وأما عطاء فإنه يشبه أن يكون أباح له الإفطار إذا جوّز على نفسه الشبهة في الرؤية، وأنه لم يكن رأى حقيقة، وإنما تخيل له ما ظنه هلالاً)
(1)
، قلت: ولعل رأي عطاء راجع إلى مذهبه في عدم الاعتداد برؤية واحد وهو ظاهر المنقول السابق عنه، وأخرج عبدالرزاق عن ابن جريج، عن عطاء قال:(لا يجوز على رؤية الهلال إلا رجلان)
(2)
.
- وأما مذهب إسحاق فنقله عنه تلميذه ابن المنذر
(3)
، وفي مسائل الكوسج: قلت لأحمد: من رأى هلال رمضان وحده يصوم ومن رأى هلال شوال وحده يفطر؟ قال: يصوم ولا يفطر. قال إسحاق: لا يصوم ولا يفطر؛ لأن الصوم مع الجماعة
(4)
.
- وأما الإمام أحمد فالرواية السابقة التي نقلها الكوسج هي المشهورة قال ابن تيمية: (وعليه عامة أصحابنا: أنه إذا رأى الهلال وحده؛ لزمه الصوم، وإن ردت شهادته، وإن كان فاسقاً)
(5)
، (وهذا الصحيح من المذهب)
(6)
.
- (الرواية الثانية: لا يصوم إذا انفرد برؤيته وردت شهادته، أو قلنا: لا يقبل إلا اثنان. قال في رواية حنبل في رجل رأى هلال رمضان وحده: هل ترى له أن يصوم إذا لم ير غيره؟ فقال: لا يصوم إلا
(1)
أحكام القرآن (1/ 229).
(2)
مصنف عبدالرزاق (7346).
(3)
قال في الإشراف (3/ 113 - 114): (باب من رأى الهلال وحده
…
وقال عطاء وإسحاق: لايصوم ولا يفطر).
(4)
مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (3/ 1203).
(5)
شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصيام (1/ 131).
(6)
الإنصاف (3/ 277).
في جماعة الناس، ولا يفطر حتى يفطر الإِمام. وحملها أصحابنا على أنه لا يلزمه، وظاهر الرواية أنه يكره له الصوم)
(1)
.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بعدم وجوب صيام من رأى هلال رمضان وحده وردّت شهادته:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون»
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن (هذا اليوم لم يصمه المسلمون فلا يصومه هو
…
فتصبح شهادته
(1)
شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصيام (1/ 132)، وانظر: المغني (3/ 163)، الإنصاف (3/ 277).
(2)
أخرجه الترمذي (697) قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا إسحاق بن جعفر بن محمد قال: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به، وقال:(هذا حديث حسن غريب) قال النسائي في الكبرى (5/ 398): (عثمان بن محمد الأخنسي ليس بذاك القوي) قال الذهبي في الكاشف (2/ 13): (وثقه بن معين وقال بن المديني روى عن بن المسيب مناكير)، وقال ابن حجر في التقريب ص (386):(صدوق له أوهام)، وتفرّد الترمذي عن أصحاب السنن بذكر:«الصوم يوم تصومون» ، والحديث أخرجه أبوداود (2324) قال: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حماد، في حديث أيوب، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه قال:«وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل فجاج مكة منحر، وكل جمع موقف» وفيه انقطاع بين ابن المنكدر وأبي هريرة، وابن ماجه (1660) قال: حدثنا محمد بن عمر المقرئ قال: حدثنا إسحاق بن عيسى قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» ، ومحمد بن عمر لايعرف، وروي الحديث عن عائشة مرفوعاً وفيه ضعف، وموقوفاً بلفظ:(إنما يوم الأضحى يوم يضحي الإمام وجماعة الناس) قال ابن رجب: (إسناده في غاية الصحة، ولا يعرف لعائشة مخالف من الصحابة). "أحكام الاختلاف في هلال ذي الحجة" ص (36).
لاغية في حقه وحق غيره فلا يصوم)
(1)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن هذا الحديث معارض بحديث: «صوموا لرؤيته» المتفق عليه
(2)
، والجمع بينهما ممكن و (الجمع واجب إذا أمكن، وهو مقدم على الترجيح)
(3)
:
- فيُحمل: «الصوم يوم تصومون» على من لم يرَ الهلال (فهو في حق العامة)
(4)
، قال الترمذي:(فسّر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس)
(5)
(يعني: هو عند الله مقبول)
(6)
، أما من رأى الهلال فهو مخاطب ب «صوموا لرؤيته» وبقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، وهذا الجمع مروي عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال:(إذا رأيت هلال رمضان؛ فصم، وإذا لم تره؛ فصم مع جماعة الناس، وأفطر مع جماعة الناس)
(7)
.
- وحديث: «الصوم يوم تصومون .. » محمول كذلك على رفع الخطأ عن الناس في دخول الشهر وفي العيدين، فما اتفقوا عليه فهو الشهر أو العيد حكماً وإن اختلف حقيقة، وعلى ذلك ترجم بعض من أخرج الحديث، فقال ابن ماجه:(باب ما جاء في شهري العيد)
(8)
، وقال
(1)
مجموع فتاوى ابن باز (15/ 73 - 74).
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 322).
(3)
أضواء البيان (2/ 97).
(4)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الصيام (1/ 135).
(5)
جامع الترمذي (3/ 71).
(6)
عون المعبود (6/ 316)، قاله معلقاً على قول الترمذي.
(7)
ذكره النووي في المجموع (6/ 410)، وابن تيمية في شرح العمدة-كتاب الصيام (1/ 91)، وقال:(رواه الأثرم)، ولم أقف عليه مسنداً، والمطبوع من سنن الأثرم إنما هي قطعة من الطهارة.
(8)
فأورد حديث «شهرا عيد لاينقصان
…
» ثم أتبعه بحديث: «الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» ، قال السيوطي في شرحه ص (120):«شهرا عيد لا ينقصان .. الخ» أي: في الحكم وإن نقصا في العدد، أي: ينبغي أن لا يعرض في قلوبكم شك إذا صمتم تسعاً وعشرين يوماً أو أن يقع في الحج خطاء لم تكن في نسككم نقص).
أبوداود: (باب إذا أخطأ القوم الهلال)، وقال البيهقي:(باب القوم يخطئون في رؤية الهلال)
(1)
، قال الخطابي: (معنى الحديث: أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلاّ بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض فلا شيء عليهم من وزر أو عتب
…
) الخ
(2)
.
- هذا الجمع هو الموافق لما عليه عامة العلماء، وإن لم يُسلّم بالجمع فترجيح مافي القرآن والصحيحين، مقدم على ما تفرد به الترمذي مع كلام فيه.
2/ ومن أدلتهم: أن الهلال (شرط كونه هلالاً وشهراً شهرته بين الناس واستهلال الناس به، حتى لو رآه عشرة ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد، لكون شهادتهم مردودة، أو لكونهم لم يشهدوا به، كان حكمهم حكم سائر المسلمين)
(3)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن هذا التقرير فيه مراعاة للحقيقة اللغوية، ومعلوم أن الحقائق
(1)
سنن أبي داود (2/ 297)، السنن الكبرى (4/ 421).
(2)
معالم السنن (2/ 95)، قال ابن تيمية في الفتاوى (25/ 202 - 203):(فإن الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ أجزأهم الوقوف بالاتفاق وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم).
(3)
مجموع الفتاوى (25/ 117)، وقال (25/ 109):(اسمه مشتق من فعل الآدميين يقال: أهللنا الهلال واستهللناه، فلا هلال إلا ما استهل، فإذا استهله الواحد والاثنان فلم يخبرا به فلم يكن ذاك هلالاً، فلا يثبت به حكم حتى يخبرا به، فيكون خبرهما هو الإهلال الذي هو رفع الصوت بالإخبار به).
الشرعية مقدمة عليها، وقد علّق الصوم في الشرع بالرؤية في سياق تقرير حكم دخول الشهر:«صوموا لرؤيته» ، ولم يستثن رؤية من رؤية.
- ولا يشترط في الاستهلال و الإهلال الشهرة المطلقة، ففي رمضان من رأى الهلال فقد استهل في حقه الشهر، ويظهر ذلك مع اختلاف البلدان والولاة فلو اختلفت رؤيتهم فلكل رؤيته، وفي الحج من أحرم فقد أهل بالحج وهو واحد.
- وهذا المأخذ في اشتراط الشهرة لم أقف عليه عند أحد قبل أبي العباس ابن تيمية رحمه الله وهو أن: (أن الشهر: ما اشتهر وظهر، والهلال: ما استهل به وأعلن دون ما كان في السماء من غير رؤية ولا اشتهار، فإن اسم الشهر والهلال لا يصدق بدون اشتهار رؤيته، وترتيب الفطر والنسك عليه، فما لم يكن كذلك فليس بهلال ولا شهر)
(1)
، ولم ينسبه ابن رجب لغير ابن تيمية.
3/ ومن أدلتهم: أن الواحد قد (يكون عرض له غلط في الرؤية؛ فلا ينفرد عن الجماعة بمجرد ذلك، ولأنه أحد طرفي الشهر، فجاز أن يطرح فيه رؤية نفسه المردودة كالطرف الثاني
…
ولأنه محكوم بأنه من شعبان في حق الكافة)
(2)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن احتمال الغلط كما يرد على الواحد يرد على الاثنين، والأصل عدم طرق الاحتمالات على الظواهر بوجوه الاحتمالات إلا إن دل دليل يضعف ظاهره، و
(مجرد الاحتمال إذا اعتُبر أدى إلى انخرام العادات والثقة بها)
(3)
.
(1)
"أحكام الاختلاف في هلال ذي الحجة" ص (52).
(2)
شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصيام (1/ 134)، وانظر: المغني (3/ 163).
(3)
الموافقات (5/ 402).
- أما اطراح رؤية الواحد في الطرف الثاني من شهر رمضان وهو الفطر قبل الناس، فله مآخذ غير موجودة في الطرف الأول فلا يصح القياس، ومن المآخذ: الخوف من التهمة بالفطر نهاية رمضان، بخلاف الصوم أول الشهر فلا يدخله تهمة، والواحد في خروج الشهر لم يكمل نصاب الشهادة، بخلاف أول الشهر عند الجمهور
(1)
.
- و (كونه محكوماً به من شعبان ظاهر في حق غيره، وأما في الباطن فهو يعلم أنه من رمضان، فلزمه صيامه)
(2)
.
4/ ومن الأدلة: القياس؛ «فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين، فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين)
(3)
، و (شهر النحر ما علمت أن أحدا قال من رآه يقف وحده دون سائر الحاج)
(4)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن الوقوف والنحر له مآخذ غير موجودة في الصيام: ففي الحج الارتباط بالإمام وجماعة المسلمين في المكان والصلاة والدفع والمبيت وهو غير موجود في الصيام، والواحد في شهر الحج لا يكمل نصاب الشهادة
(5)
، وتأخير النحر عن يومه الأول لايضر
(1)
انظر: "أحكام الاختلاف في هلال ذي الحجة" ص (52).
(2)
المغني (3/ 163).
(3)
مجموع الفتاوى (25/ 117)، وقال (25/ 109):(اسمه مشتق من فعل الآدميين يقال: أهللنا الهلال واستهللناه، فلا هلال إلا ما استهل، فإذا استهله الواحد والاثنان فلم يخبرا به فلم يكن ذاك هلالاً، فلا يثبت به حكم حتى يخبرا به، فيكون خبرهما هو الإهلال الذي هو رفع الصوت بالإخبار به).
(4)
مجموع الفتاوى (25/ 118).
(5)
من الفروق بين هلال رمضان وشوال والحج: (أن الشهادة على هلال رمضان لا تتضمن إيجاب مال، فجاز أن يقبل قول الواحد الثقة وإن تضمنت إيجاب عبادة كما لو روى خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هلال شوال فيتضمن إيجاب مال وهو صدقة الفطر، وفي الأضحى إيجاب الأضحية، وإيجاب الأموال لا يجوز إلا برجلين أو رجل وامرأتين
…
). الفروق للكرابيسي (1/ 349).
لامتداد وقته، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها:(إنما يوم الأضحى يوم يضحي الإمام وجماعة الناس) قال ابن رجب: (ولا يعرف لعائشة مخالف من الصحابة)
(1)
.
- ومع ذلك فإن من رآى هلال شوال أو الحج وحده فاتباعه للجماعة وترك رؤيته إذا رُدت -وإن كان هو قول الجمهور-، إلا أنه ليس بمحل وفاق حتى يقاس عليه بل فيهما خلاف.
- (فالمنفرد برؤية هلال شوال لا يفطر علانية باتفاق العلماء)
(2)
، لكنه يفطر سرّاً عند الشافعية وابن حزم
(3)
، وهو قول في المذاهب الثلاثة
(4)
.
- وأما المنفرد برؤية هلال ذي الحجة فقد جاء عن سالم بن عبدالله
(1)
"أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة" ص (36).
(2)
مجموع الفتاوى (25/ 204)، في الإنصاف (3/ 278):(لا يجوز إظهار الفطر إجماعاً)، وخالف ابن حزم.
(3)
قال النووي في المجموع (6/ 280): (ومن رأى هلال شوال وحده لزمه الفطر وهذا لا خلاف فيه عندنا
…
قال أصحابنا: ويفطر لرؤية هلال شوال سرا لئلا يتعرض للتهمة في دينه وعقوبة السلطان)، قال ابن حزم في المحلى (4/ 373 - 374):(ولو صح عنده بخبر واحد أيضاً - كما ذكرنا - فصاعداً: أن هلال شوال قد رئي فليفطر، أفطر الناس أو صاموا؛ وكذلك لو رآه هو وحده؛ فإن خشي في ذلك أذى فليستتر).
(4)
في البناية شرح الهداية (4/ 31): (وفي "المرغيناني" رأى هلال شوال وحده لا يفطر لمكان الاشتباه، وقيل الكل سواء كما قال الشافعي
…
وفي "المحيط" ذكر شمس الأئمة] السرخسي [من رأى هلال الفطر وحده ولم يقبل القاضي شهادته ماذا يفعل، قال محمد بن سلمة رحمه الله: يمسك يومه ولا ينوي صومه)، وفي التاج والإكليل (3/ 292):(قال أشهب: ولينو الفطر بقلبه ويكف عن الأكل والشرب وليس عليه في الأكل بينه وبين الله شيء لكن عليه من باب التغرير بنفسه في هتك عرضه)، وفي الإنصاف (3/ 278):(وقال أبو حكيم: يتخرج أن يفطر، واختاره أبو بكر. قال ابن عقيل: يجب الفطر سراً، وهو حسن).
بن عمر أنه: (شهد نفر أنهم رأوا هلال ذي الحجة، فذهب بهم سالم إلى ابن هشام وهو أمير الحج فلم يقبلهم، فوقف سالم بعرفة لوقت شهادتهم، ثم دفع، فلما كان في اليوم الثاني وقف مع الناس)
(1)
، ومذهب الشافعية أنه يقف على رؤيته قبل الناس
(2)
، وهو قول عند المالكية
(3)
، و وجه عند الحنابلة
(4)
، وهو رأي ابن حزم
(5)
.
(1)
قال ابن حزم في المحلى (5/ 204): (روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمر بن محمد قال: شهد نفر
…
)، قال ابن رجب في "أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة" ص (49):(خرّجه عبد الرزاق عن سفيان الثوري، عن عمر بن محمد)، وهذا إسناد صحيح، لكني لم أقف عليه في المصنف.
(2)
قال النووي في المجموع (8/ 292): (قال أصحابنا: لو شهد واحد أو جماعة برؤية هلال ذي الحجة فردت شهادتهم لزم الشهود الوقوف في اليوم التاسع عندهم، والناس يقفون بعده فلو اقتصروا على الوقوف مع الناس في اليوم الذي بعده لم يصح وقوف الشهود بلا خلاف عندنا)، قال الرافعي في الشرح الكبير (3/ 219 - 220):(ولو شهد واحد أو عدد برؤية هلال ذى الحجة وردت شهادتهم لزمهم الوقوف اليوم التاسع عندهم، وإن كان الناس يقفون في اليوم بعده كمن شهد برؤية هلال رمضان)، فالشافعية مذهبهم مطرد في رمضان وشوال وذي الحجة وعمل الفرد برؤيته.
(3)
في البيان والتحصيل (2/ 351): (إن رأى هلال ذي الحجة وحده يجب عليه أن يقف وحده دون الناس، ويجزئه ذلك من حجه - قاله بعض المتأخرين، وهو صحيح).
(4)
قال في الفروع (6/ 79): (ويتوجه وقوف مرتين إن وقف بعضهم لا سيما من رآه)، مع أنه نقل عن شيخه ابن تيمية أنه قال:(لا يستحب الوقوف مرتين، وهو بدعة، لم يفعله السلف)، قال ابن جاسر في مفيد الأنام (1/ 186):(ما قاله شيخ الإسلام هو الحق الذي لا ريب فيه، خلافاً لما وجهه ابن مفلح في فروعه من الوقوف مرتين؛ فإنه توجيه ليس بوجيه، وليته سار على منهاج شيخه كما سار عليه شمس الدين ابن القيم، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي صاحب الصارم المنكي، والله الموفق يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). هكذا قال -رحم الله الجميع-.
(5)
قال في المحلى (5/ 204): (فإن صح عنده بعلم أو بخبر صادق: أن هذا هو اليوم التاسع إلا أن الناس لم يروه رؤية توجب أنها اليوم الثامن ففرض عليه الوقوف في اليوم الذي صح عنده أنه اليوم التاسع، وإلا فحجه باطل).
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته فإن نسبته إلى الشذوذ غير صحيحة؛ فإنه لم يخالف نصاً صريحاً، ولم يخرم إجماعاً متحققاً، وقد استند قائله إلى أدلة له فيها سلف، فهو رأي دائر بين راجح ومرجوح، وإن كان قول الجمهور أقوى فيما يظهر؛ لاعتماده على يقين الشخص، وعلى الأصرح في الدلالة والأصح في الثبوت والأقرب للسياق الذي فيه تعليق الصيام بالرؤية دون استثناء أو تعرّض لمن ردّت شهادته أو لم ترد.
ومثل هذه الحالة: أن يرى الشخص الهلال ثم يرد قوله= فيه ندرة في الوقوع؛ لقلة من يترائى الهلال من مجموع الأمة، ولقلة من ترد شهادته بعد رؤيته، فهو قليل تحت قليل لا يعتبر وقوعه -لو وقع- مخالفة ظاهرة للأمة، أما إن أصبحت هذه ظاهرة كحال أهل البدع من تعمّد مخالفة جماعة المسلمين فهذا شأن آخر فيه من (الافتيات على الإمام وجماعة المسلمين، وفيه تشتيت الكلمة، وتفريق الجماعة، ومشابهة أهل البدع، كالرافضة ونحوهم، فإنهم ينفردون عن المسلمين بالصيام والفطر، وبالأعياد، فلا ينبغي التشبه بهم في ذلك)
(1)
، والله أعلم.
(1)
"أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة" ص (59).
قال الشعبي: (إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنسك
…
ولقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليست فيه واحدة منهما: لا عقل ولا نسك).
أخرجه الدارمي في السنن (353)
المبحث الثاني: الاعتماد على الحساب في دخول الشهر
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
أي انتقاص للسلف، ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا اعتُقد أنه يمكن إطباقهم على ترك سنة؟! قال ابن تيمية:(ولو لم يكن في الأئمة من استعمل هذه السنن الصحيحة النافعة لكان وصمة على الأمة ترك مثل ذلك والأخذ بما ليس بمثله لا أثراً ولا رأياً).
مجموع الفتاوى (21/ 15)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الحِسَابُ في اللغة: (استعمال العدد)
(1)
، وهو مصدر حسَبَ يحسُب حِساباً وحِسابةً وحِسبة
(2)
(3)
، قال ابن كثير:(فبالشمس تعرف الأيام، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام)
(4)
.
والحساب في الاصطلاح لا يخرج عن الحساب في المعنى اللغوي، وهو في كل باب وفنّ بحسبه من العد، فحساب الزكاة وحساب الفرائض مثلاً فيهما العد عن طريق أصول وقواعد يتوصل بها إلى استخراج المجهولات العددية، والحساب (منفعته: ضبط المعاملات، وحفظ الأموال، وقضاء الديون، وقسمة التركات، ويحتاج إليه في العلوم الفلكية، وفي المساحة، والطب)
(5)
.
أما الحساب الفلكي
(6)
فالمقصود به: (معرفة مسارات النجوم
(1)
المفردات ص (232).
(2)
انظر: العين (3/ 149)، تهذيب اللغة (4/ 193).
(3)
من الآية (5) من سورة يونس.
(4)
تفسير ابن كثير (4/ 248).
(5)
كشف الظنون (1/ 664)، وانظر: أبجد العلوم ص (372).
(6)
علم الفلك كان يعرف بعلم الهيئة، و لا علاقة لعلم الفلك بعلم الأحوال الجوية الذي كان يعرف بعلم الأنواء؛ إذ علم الفلك يختص بدارسة الأجرام السماوية ويتابع حركاتها ويحدد أبعادها وماهيتها، وأوقات شروقها وغروبها ونحو ذلك، دون التطرق إلى دخول المواسم أو خروجها، أما علم الأحوال الجوية فهو ينظر في تغيرات الطقس والأجواء، وقدحل علم الفلك محل علم الهيئة، كما حل علم الأحوال الجوية محل علم الأنواء. انظر: تنبيهات لصالح الصعب -المشرف على المركز الوطني للفلك بمدينة الملك عبد العزيز- منشورة في تقرير بصحيفة الاقتصادية بعنوان: "المتخصصون في الأحوال الجوية لا علاقة لهم بالفلك" العدد (6275) بتاريخ (10/ 1/ 1432 هـ).
والكواكب، وعدّ أيام سيرها، ومعرفة مواقيت سيرها، وغيابها وظهورها)
(1)
، والمراد بالعمل بالحساب هنا:(حساب سير القمر في منازله، لتثبيت وقت اجتماعه بالشمس ووقت انفصاله عنها، ووقت إمكانية الرؤية وعدمها، والبعد بين النيّرين، ووقت مكث الهلال في الأفق وغير ذلك حتى يمكن أن يعرف به متى يُرى الهلال في الأفق في أوائل الشهور القمرية)
(2)
،
(والحاسب: وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سَيره، في معنى المُنجّم: وهو من يرى أن أول الشهر طلوع النجم الفلاني)
(3)
، و (إذا لم يُعمل بقول الحاسب فمن باب أحرى أن لا يعمل بقول المنجم)
(4)
.
والحساب مقدماته ليست عقلية بل (هو مبني على أرصاد وتجارب طويلة، وتسيير منازل الشمس والقمر، ومعرفة حصول الضوء الذي فيه بحيث يتمكن الناس من رؤيته)
(5)
(ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضاً إلا النزر اليسير)
(6)
، و (من المهم أن نفرق في البداية بين نوعين من الحساب المتعلق بالهلال
…
:
(1)
"دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي" للحسون ص (10).
(2)
"ثبوت الأهلة في الشريعة الإسلامية" لنهاد طوسون ص (91).
(3)
أسنى المطالب (1/ 410)، وانظر: نهاية المحتاج (1/ 380)، جاء في أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 35 - 36):(المراد بالحساب والتنجيم هنا معرفة البروج والمنازل، وتقدير سير كل من الشمس والقمر وتحديد الأوقات بذلك؛ كوقت طلوع الشمس ودلوكها وغروبها، واجتماع الشمس والقمر وافتراقهما، وكسوف كل منهما، وهذا هو ما يعرف بـ (حساب التسيير، وليس المراد بالتنجيم هنا الاستدلال بالأحوال الفلكية على وقوع الحوادث الأرضية؛ من ولادة عظيم أو موته، ومن شدة وبلاء، أو سعادة ورخاء، وأمثال ذلك مما فيه ربط الأحداث بأحوال الأفلاك علما بميقاتها، أو تأثيرا في وقوعها من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله).
(4)
مواهب الجليل (2/ 387).
(5)
فتاوى السبكي (1/ 210).
(6)
فتح الباري لابن حجر (4/ 127).
1 -
حساب موقع القمر الحقيقي: وهو حساب يعتمد على قوانين الجاذبية
…
وتبعا لهذا القانون يعرف موقع القمر بالنسبة للأرض بدقة عالية جدا، لكن هذا الموقع هو حقيقة مكان القمر، لا ما يراه الراصد بعينه
…
وكما نعلم أن الشارع أمرنا أن نرى الهلال كما يظهر في السماء لا كما هو على حقيقته
…
وهي صورة الهلال الوهمية الناتجة بسبب أثر الانكسار الجوي أو غيرها، فيكون حساب موقع القمر الحقيقي غير صالح لحساب هلال أول الشهر، بالرغم من دقته العالية
…
2 -
حساب رؤية القمر: وهذا النوع يعتمد على النوع الأول من الحساب، ولكن يُضيف أثر الانكسار، ليعطينا موقع القمر كما يمكن أن يُرى بالعين المجردة
…
سيكون حساب أثر الغلاف الجوي بدقة عالية من الأمور شبه المستحيلة، حيث لو افترضنا وجود عاصفة رملية على بعد خمسة كيلومترات عن الراصد للهلال فإنه لن يشعر بها، وسيكون من الصعب إدخالها في حساباته للهلال
…
لكن هذا ليس خطأ في الحساب بل هو نقص في الفرضيات الابتدائية للحساب)
(1)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة المراد بحثها:
1.
…
(أجمعوا على أن الكافة إذا أخبرت برؤية الهلال أن الصيام
(1)
"بحث في مسألة الهلال" ص (21 - 24) وهو بحث للدكتور: محمد بخيت المالكي-أستاذ علم الفلك المساعد بجامعة الملك سعود- نُشر في مجلة السنة العدد (101) بعنوان: (ملاحظات على أسباب الاختلاف بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي للهلال)، ونُشر في الشبكة بعنوان:(بحث في مسألة الهلال بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي) وعليه اعتمدت لوجود إضافات وصور ليست في الأول.
والإفطار بذلك واجبان)
(1)
.
2.
و (لا خلاف أن الشهر العربي قد يكون ثلاثين يوماً، ويكون تسعة وعشرين)
(2)
.
3.
و (لا يجب شهر رمضان إلا برؤية الهلال أو بإكمال شعبان ثلاثين يومًا، وهذا مذهب كافة أهل العلم)
(3)
.
4.
ورؤية الهلال بالمراصد الفلكية، رؤية معتبرة وليست من الحساب كما جاء ذلك في قرار لهيئة كبار العلماء بالسعودية
(4)
، وبيان للمجمع الفقهي الإسلامي
(5)
.
5.
أما الحساب الفلكي لإثبات الأهلة عند العلماء فقد (اتفقت كلمتهم -أو كادت- على
…
أنه لا يُعتبر حساب منازل القمر ولا حسابُ
(1)
مراتب الإجماع ص (40)، وانظر: الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 228).
(2)
الاستذكار (3/ 277).
(3)
الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 228)، وقد نقله ابن القطان عن "النكت" وهو كتاب لم يقف عليه محقق الإقناع في طبعة الفاروق الحديثة التي اعتمدت عليها، وذكر أ. د. فاروق حمادة محقق طبعة دار القلم أن الكتاب (نكت العيون)، وذكر أن أصل الكتاب:(عيون الأدلة) لابن القصار، وقد اختصره تلميذه عبدالوهاب البغدادي وسماه:(عيون المسائل)، قلت: وفي عيون المسائل ص (210) عبارة كالتي نقلها ابن القطان: (لا يجب صوم رمضان إِلَّا برؤية الهلال، أو كمال عدد شعبان ثلاثين يومًا، هذا مذهب كافة] أهل [العلم).
(4)
أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 46)، وقد جاء في قرارها ذي الرقم (108) وتاريخ 2/ 11/ 1403 هـ: (إذا رئي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية بواسطة المنظار تعين العمل بهذه الرؤية، ولو لم ير بالعين المجردة
…
يصدق أنه رئي الهلال، سواء كانت الرؤية بالعين المجردة أم بها عن طريق المنظار).
(5)
التابع لرابطة العالم الإسلامي، وقد جاء في البيان الختامي ل"المؤتمر العالمي لإثبات الشهور القمرية بين علماء الشريعة والحساب الفلكي" سنة 1433 هـ:(الأصل في ثبوت دخول الشهر القمري وخروجه هو الرؤية، سواء بالعين المجردة أو بالاستعانة بالمراصد والأجهزة الفلكية). انظر: جريد الرابطة العدد (2195) ص (4).
المنجّم، إلا شيئاً يحكى في مذهب الشافعي: أنه يجوز للحاسب أو المنجّم أن يعمل في نفسه بحسابه، وإلا شيئاً آخر عندهم: أنه يجوز لغيرهما تقليدهما
…
)
(1)
، ونسب الجواز إلى مطرف بن عبدالله
(2)
، وابن سريج
(3)
، وابن قتيبة
(4)
، وحُكم على هذا الرأي بالشذوذ، واعتبار الحساب قال به بعض المعاصرين، بل قال بعضهم بوجوبه، وهذا الرأي هو المراد بحثه وتصحيح نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
"أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب؟ " لأحمد شاكر ص (4)، وانظر: المجموع للنووي (6/ 279).
(2)
مطرف بن عبد الله بن الشخّير، أبو عبد الله العامري البصري، من كبار التابعين، روى عن جمع من الصحابة، وهو أكبر من الحسن البصري بعشرين سنة، كان له عقل وورع نأى بهما من الفتن، مات في ولاية الحجاج بن يوسف بعد الطاعون الجارف، وكان الطاعون سنة سبع وثمانين، في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان. انظر: الطبقات الكبرى (7/ 103)، التاريخ الكبير (7/ 396)، سير أعلام النبلاء (4/ 187).
(3)
أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، إمام الشافعية في زمنه، قال النووي: (وهو أحد أعلام أصحابنا، بل أوحدهم بعد الذين صحبوا الشافعي
…
وهو الذى نشر مذهب الشافعى وبسطه، تفقه على أبي القاسم الأنماطي، وتفقه الأنماطي على المزنى، والمزني على الشافعي)، وقد قيل: بأنه مجدد المائة الثالثة كما نقله الذهبي وأقره وزاد عليه، توفي سنة (306 هـ). انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 251)، سير أعلام النبلاء (14/ 203).
(4)
عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، عالم مشارك في علوم كثيرة ومشهور باللغة والنحو، ومشاركته في الحديث قليلة، وفي الفقه ضعيفة، روى عن ابن راهويه، وقيل: كان على مذهب مالك، وقيل: بل مذهب ابن راهويه، وله مصنفات كثيرة، منها: غريب القرآن، ومختلف الحديث، وأدب الكاتب، وعيون الأخبار، توفي سنة (276) هـ. انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 280)، سير أعلام النبلاء (13/ 301)، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (6/ 135).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
1/ القائلون بوجوب الأخذ بالحساب في الإثبات والنفي:
- المحدث أحمد شاكر (ت 1377)
(1)
، أوجب إثبات الأهلة بالحساب
(1)
قال في "أوائل الشهور العربية" ص (14 - 17): (وإذا وجب الرجوع إلى الحساب وحده بزوال علة منعه، وجب أيضاً الرجوع إلى الحساب الحقيقي للأهلة، واطّراح إمكانية الرؤية وعدم إمكانها، فيكون أول الشهر الحقيقي الليلة التي يغيب فيها الهلال بعد غروب الشمس ولو بلحظة واحدة
…
لقد كان للأستاذ الأكبر الشيخ المراغي
…
رأيٌ في رد شهادة الشهود، إذا كان الحساب يقطع بعدم إمكان الرؤية، كالرأي الذي نقلته هنا عن تقي الدين السبكي، و أثار رأيه هذا جدالاً شديدًا، و كان والدي و كنت أنا و بعض إخواني ممن خالف الأستاذ الأكبر في رأيه، و لكني أصرح الآن بأنه كان على صواب و أزيد عليه وجوب إثبات الأهلة بالحساب، في كل الأحوال، إلا لمن استعصى عليه العلم به
…
فقولي هذا يكاد ينظر إلى قول ابن سريج، إلا أنه جعله خاصًا بما إذا غم الشهر فلم يره الراؤون، وجعل حكم الأخذ بالحساب للأقلين، على ما كان في وقته من قلة عدد العارفين، وعدم الثقة بقولهم وحسابهم، وبطء وصول الأخبار إلى البلاد الأخرى، إذا ثبت الشهر في بعضها، وأما قولي فإنه يقضي بعموم الأخذ بالحساب الدقيق الموثوق به، وعموم ذلك على الناس، بما يسر في هذه الأيام من سرعة وصول الأخبار وذيوعها. ويبقى الاعتماد على الرؤية للأقل النادر، ممن لا يصل إليه الأخبار، ولا يجد ما يثق به من معرفة الفلك ومنازل الشمس والقمر، ولقد أرى قولي هذا أعدل الأقوال، وأقربها إلى الفقه السليم، وإلى الفهم الصحيح للأحاديث الواردة في هذا الباب)، وقد أكّد رأيه ذلك في مقال له بعنوان:"صدى النقد-تعقيب على نقد ودرس للمنقود قبل الناقد" ومماقاله: (كان من رأيي التمسك بالرؤية وحدها، و كان ذا رأي والدي الشيخ محمد شاكر رحمه الله، و كتب فيه وشدد، ثم بدا لي غير ذلك في حياة أبي، فنشرت رسالة صغيرة
…
فلم أجد غضاضة على والدي رحمه الله -في علمه و فضله الذي يعرفه الجم الغفير من الناس- أن أعلن في كتاب منشور خلاف رأيه و رأيي، و الرد عليه و على نفسي). "جمهرة مقالات أحمد شاكر"(1/ 373 - 374)، هذا هو المشهور عنه، ومع صراحة رأيه في الرسالة وتأكيده له بالمقال، إلا أن د. بكر أبو زيد قال في فقه النوازل (2/ 204):(تعقبه الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري ببحث سماه: "لو غيرك قالها يا أستاذ"، ثم رأيت لدى الشيخ إسماعيل خطاباً من الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- يعتذر فيه إلى الشيخ إسماعيل وأنه إنما نشر رسالته لإثارة البحث بين أهل العلم وإلا فليس له رأي بات في المسألة).
في كل الأحوال (الإثبات والنفي، والدخول والخروج)، وهو رأي د. يوسف القرضاوي
(1)
.
2/ القائلون بوجوب الأخذ بالحساب في النفي دون الإثبات:
- الشيخ عبدالله المنيع
(2)
أوجب الأخذ بالحساب في نفي إمكانية
(1)
له في المسألة رأيان: كان يرى أن الحساب يؤخذ به في النفي كما في رسالته "كيف نتعامل مع السنة النبوية" ص (172)، ثم أوجب الأخذ بالحساب في إثبات الشهور كما في مقالته:"الحساب الفلكي وإثبات أوائل الشهور" منشورة في موقعه الرسمي، قال فيها:(إن الأخذ بالحساب القطعي اليوم وسيلة لإثبات الشهور، يجب أن يقبل من باب قياس الأولى، بمعنى أن السنة التي شرعت لنا الأخذ بوسيلة أدنى، لما يحيط بها من الشك والاحتمال -وهي الرؤية- لاترفض وسيلة أعلى وأكمل وأوفى بتحقيق المقصود).
(2)
له في المسألة رأيان: الأول: المنع كما في قرار هيئة كبار العلماء رقم (2) وتاريخ 13/ 2/ 1393 هـ ومما جاء فيه: (ما يتعلق بإثبات الأهلة بالحساب
…
فقد أجمع أعضاء الهيئة على عدم اعتباره) ومن الموقعين: عبدالله المنيع. أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 34)، وفي (14/ 2/ 1395 هـ) توقف في المسألة هو ومحمد الجبير وعبدالمجيد حسن، ولهم كلام جاء فيه كما في المرجع السابق (3/ 45): (حيث إن القول بقطعية نتائج الحساب الفلكي يقضي برد الشهادة برؤية الهلال دخولاً أو خروجا إذا تعارضت معها؛ لأن من شروط اعتبار الشهادة بالإجماع: أن تكون منفكة عما يكذبها حساً وعقلاً
…
نؤكد ضرورة استقدام خبراء في علم الفلك لتحقق دعوى قطعية نتائج الحساب الفلكي أو ظنيتها وعلى ضوء ذلك نقرر مانراه)، والرأي االأخير له: هو وجوب الأخذ بالحساب في النفي فقال في كتابه "بحوث وفتاوى في بعض مسائل الصوم" ص (20 - 21): (الحالة الرابعة: أن يغرب القمر قبل غروب الشمس ويأتي من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس، فهذه الحال اختلف النظر الفلكي مع دعوى الرؤية، حيث إن دعوى الرؤية تقول بدخول الشهر، والنظر الفلكي ينفي دخول الشهر لغروب القمر قبل الشمس، ففي هذه الحال يجب الأخذ بالنظر الفلكي
…
فالرؤية التي تقدم بها أصحابها شهادة، ومن شروط قبول الشهادة أن تنفك عما يكذبها، وهذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها؛ حيث إن مايكذبها ملازم لها فيجب رد هذه الشهادة مهما كان الشاهد بها ومهما تعدد شهودها، وهذا معنى قولنا: يجب الأخذ بالحساب الفلكي فيما يتعلق بالنفي دون الإثبات).
رؤية الهلال، وبنحو قوله قال الفقيه ابن عثيمين (ت 1421)
(1)
، وهو ظاهر مايميل إليه جمال الدين القاسمي (ت 1332)
(2)
، وهو رأي دار الإفتاء المصرية
(3)
.
3/ القائلون بجواز الأخذ بالحساب في الإثبات والنفي:
- الشيخ محمد رشيد رضا (ت 1354)
(4)
، والشيخ محمد بخيت المطيعي (ت 1354)
(5)
،
(1)
في ثمرات التدوين: (مسألة (251)، (18/ 8/ 1417 هـ) سألت شيخنا رحمه الله: هل يعمل بحساب المراصد الفلكية في إثبات الهلال؟ فأجاب: الذي نرى أن يعمل به في النفي لا في الإثبات. ومعنى ذلك: أنه لو قال شخص أنه رأى الهلال، والمراصد تقول إن الهلال لا يمكن أن يولد هذه الليلة في هذا المكان، فإنا نعمل بنفي المرصد)، وانظر مجموع فتاويه (16/ 297).
(2)
انظر: مقدمته لكتاب السبكي العلم المنشورص (2)، وتعليقه ص (25)، ولم أقدمه لأن رأيه لم يكن بصراحة رأي المنيع وابن عثيمين، وإنما هو إشادة لرأي السبكي وشرح وتوضيح دون تعقب له.
(3)
كما في الفتوى رقم (4776) في الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية، ومما جاء فيها:(وعليه: فالحساب الفلكي يؤخذ به في النفي لا في الإثبات).
(4)
قال في مجلة المنار (28/ 63): «إنا أمة أمية لانكتب ولانحسب»
…
مفهومه الظاهر أنه لو وجد الحاسبون لصح الرجوع إليهم .. وجملة القول أننا بين أمرين: إما أن نعمل بالرؤية في جميع مواقيت العبادات أخذًا بظواهر النصوص وحسبانها تعبدية، وحينئذ يجب على كل مؤذن أن لا يؤذن حتى يرى نور الفجر الصادق مستطيرًا منتشرًا في الأفق، وحتى يرى الزوال والغروب إلخ، وإما أن نعمل بالحساب المقطوع به؛ لأنه أقرب إلى مقصد الشارع، وهو العلم القطعي بالمواقيت وعدم الاختلاف فيها، وحينئذ يمكن وضع تقويم عام تبين فيه الأوقات التي يرى فيها هلال كل شهر في كل قطر عند عدم المانع من الرؤية وتوزع في العالم، فإذا زادوا عليها استهلال جماعة في كل مكان، فإن رأوه كان ذلك نورًا على نور، وأما هذا الاختلاف وترك النصوص في جميع المواقيت عملاً بالحساب ما عدا مسألة الهلال فلا وجه ولا دليل عليه، ولم يقل به إمام مجتهد).
(5)
قال في كتابه "إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة" ص (258 - 259): (مما يؤيد العمل بالحساب الصحيح أن أهل الشرع من الفقهاء وغيرهم يرجعون في كل حادثة إلى أهل الخبرة بها وذوي البصارة فيها، فإنهم يأخذون بقول أهل اللغة في معاني ألفاظ القرآن والحديث، وبقول الطبيب في إفطار شهر رمضان وغير ذلك كثير، فما الذي يمنع من بناء إكمال شعبان ورمضان وغيرهما من الأشهر على الحساب؟ والرجوع في ذلك إلى أهل الخبرة العارفين به إذا أشكل علينا الأمر في ذلك)، مع أنه قال ص (104):(فمالذي يمنع من بناء معرفة أوئل الأشهر وأواخرها -ماعدا شعبان ورمضان وشوال التي ورد فيها النص- على القواعد الحسابية).
والشيخ مصطفى الزرقاء (ت 1420)
(1)
.
(1)
قال في فتاويه ص (166): (إذا توافر العلم بالنظام الفلكي المحكم؛ الذي أقامه الله تعالى بصورة لا تختلف ولا تتخلف، وأصبح هذا العلم يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميلاد الهلال في كل شهر، وفي أي وقت بعد ولادته تمكن رؤيته بالعين الباصرة السليمة؛ إذا انتفت العوارض الجوية التي قد تحجب الرؤية، فحينئذ لا يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب، والخروج بالمسلمين من مشكلة إثبات الهلال، ومن الفوضى التي أصبحت مخجلة، بل مذهلة)، يقول د. يوسف القرضاوي في "كيف نتعامل مع السنة النبوية" -بعد أن ذكر رأي أحمد شاكر- ص (173):(ممن يقول بهذا الرأي في عصرنا الفقيه الكبير الأستاذ مصطفى الزرقاء، الذي تبنى هذا القول وأعلنه وأيده في مجمع الفقه الإسلامي وإن لم يجد من ينصره من الأعضاء حتى يحوز الأكثرية المطلوبة).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة النص الصريح.
2/ مخالفة الإجماع، وسيأتي توثيقهما في المطلب الرابع.
3/ النص على شذوذه، وقد نص على شذوذ هذا الرأي:
- ابن عبدالبر (ت 463) بقوله: (ولم يتعلق أحد من فقهاء المسلمين فيما علمت باعتبار المنازل في ذلك وإنما هو شيء روي عن مطرف بن الشخير وليس بصحيح عنه -والله أعلم-، ولو صح ما وجب اتباعه عليه لشذوذه ولمخالفة الحجة له)
(1)
.
- وابن العربي (ت 543) بقوله: (وقد زلّ بعض المتقدمين فقال: يعول على الحساب بتقدير المنازل،
…
وقد زلّ أيضاً بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال: يعول على الحساب وهي عثرة لا لعاً لها)
(2)
، وقال -عن المنقول عن ابن سريج باعتبار الحساب لمن يعرفه، وإكمال الشهر لمن لايعرفه-: (وهذه هفوةٌ لا مردَّ لها، وعثرةٌ لا إقَالَةَ فيها، وكبوة لا استقالةَ منها، ونبوة لا قُربَ معها، وزلَّةٌ لا استقرارَ بعدها، أَوْهٍ يا ابنَ سُرَيج! أين استمساكك بالشَّريعة! وأين صوارمك السُّرَيْجِيّة؟ تسلك هذا المضيق في غير طريق، وتخرج إلى الجهل بعد العلّم والتّحقيق، ما لمحمد
(1)
التمهيد (14/ 352).
(2)
أحكام القرآن (1/ 118). وقوله (لا لعا لها) يعني: عثرة لا قيام لها، جاء في الصحاح (6/ 2483):(يقال للعاثر: لَعاً لَكَ! دعاءٌ له بأن ينتعش).
والنّجُوم!، ومالك للترامي هكذا والهجوم، ولو رُوِّيتَ من بحر الآثار، لانجلى عنك الغُبَار، وما خَفِيَ عليك في الرُّكُوبِ الفرس من الحمار)
(1)
.
- ابن هبيرة (ت 560) بقوله: (واتفقوا على أنه لا اعتبار بمعرفة الحساب والمنازل في دخول وقت الصوم على من عرف ذلك ولا على من لم يعرفه
…
خلافاً لابن سريج من الشافعية
…
على أن ابن سريج إنما قال هذا في ما يظن من الاحتياط للعبادة، إلا أنهم شذوه منه)
(2)
.
- وابن تيمية (ت 728) بقوله: (ما أجمع عليه المسلمون- إلا من شذ من بعض المتأخرين المخالفين المسبوقين بالإجماع- من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها، لا بالكتاب والحساب، الذي تسلكه الأعاجم من الروم والفرس، والقبط، والهند، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى)
(3)
، وقوله:(ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم)
(4)
، وقال:(المعتمد على الحساب في الهلال كما أنه ضال في الشريعة مبتدع في الدين فهو مخطئ في العقل وعلم الحساب)
(5)
.
(1)
المسالك شرح موطأ مالك (4/ 59)، ونحوه في عارضة الأحوذي (3/ 207).
(2)
اختلاف الأئمة العلماء (1/ 233)، هكذا في المطبوع.
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 286).
(4)
مجموع الفتاوى (25/ 132 - 133).
(5)
المرجع السابق (25/ 207).
- وعليش (ت 1299) بقوله: (ومن المعلوم أنه يجب الاقتصار في القضاء، والفتوى، والعمل على المشهور أو الراجح، وطرح الشاذ، والضعيف، وبالجملة لا ننكر وجود رواية بجواز العمل بالحساب عندنا، وعند الشافعية بل نعترف بها في المذهبين، ولكنها شاذة فيهما، ومقيدة بخاصة النفس، وبالغيم)
(1)
.
- واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بقولهم: (فوجب على المسلمين المصير إلى ما شرعه الله لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من التعويل في الصوم والإفطار على رؤية الهلال وهو كالإجماع من أهل العلم، ومن خالف في ذلك وعول على حساب النجوم فقوله شاذ لا يعول عليه)
(2)
.
- وابن باز (ت 1420) بقوله: (أجمع العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم بإحسان إلى أنه لا يعتمد الحساب في الرؤية
…
وحكى بعضهم خلافًا شاذًّا في ذلك)
(3)
، وقال:(ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله وقوله مردود؛ لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مع إجماع السلف)
(4)
.
- وبكر أبوزيد (ت 1429) بقوله: (إجماع المسلمين منعقد على عدم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور. وأن الخلاف الحاصل: حادث، ثم هو ليس على إطلاقه بل هو مقيد عند من قال به. ثم إنه وقعت في حكايته أغاليط، وأن كلمة المحققين والحفاظ على
(1)
"فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك"(1/ 170).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى (10/ 107).
(3)
فتاوى نور على الدرب (16/ 55).
(4)
مجموع فتاوى ابن باز (15/ 110).
أن الخلاف الحادث في هذا شاذ تنكبه الأئمة)
(1)
.
- وصالح بن محمد اللحيدان بقوله: (السبكي صاحب المقولة الشاذة في رد الشهادة إذا خالفها الحساب)
(2)
، وقوله:(القول برد الشهادة لقول الحاسب قول مردود كفانا السلف الصالح مؤنة معاناة رده، وحكوا لنا الإجماع على ذلك، وما وجد من شذوذ بعد الإجماع فهو مردود لا يعول عليه)
(3)
.
- وعبدالله المنيع بقوله: (لا شك أن علماء الأمة الإسلامية إلا من شذَّ مجمعون على أن دخول شهر رمضان وخروجه لايتم إلا برؤية الهلال لا بالحساب الفلكي)
(4)
.
(1)
فقه النوازل (2/ 222).
(2)
مجلة البحوث الإسلامية العدد (27) ص (99) في مقال له بعنوان: (الأحكام المتعلقة بالهلال) وقد كان رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء حينها.
(3)
المرجع السابق ص (110).
(4)
"بحوث وفتاوى في بعض مسائل الصوم" ص (41)، وهو في البحث نفسه يوجب رد شهادة الشهود مهما كانوا عدالة وكثرة، إذا كان الهلال عند أهل الفلك غرب قبل غروب الشمس، قال ص (42):(فهي شهادة باطلة لايجوز سماعها فضلاً عن قبولها، فنحن حينما نقول بالأخذ بالحساب الفلكي نحصر هذا القول بالنفي دون الإثبات، فإذا قال علماء الفلك: بأن الهلال غرب قبل غروب الشمس، وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس والحال أنه لم يولد فهذه الشهادة غير صحيحة وباطلة وإن كانت من جملة شهود عدول) الخ.
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بعدم جواز الاعتماد على الحساب في دخول الشهر:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له»
(1)
، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين»
(2)
، وغيرهما.
وجه الاستدلال:
- هذا الحديث (أصل في اعتبار الشهر ثلاثين، إلا أن يرى قبل ذلك الهلال)
(3)
، (فعلق حكمه بأحد شرطين، لا ثالث لهما)
(4)
الرؤية أو الإكمال، فأمر بالصوم والإفطار للرؤية، بل حصرها فيه:
(1)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1906)، ومسلم (1080)، وأكثر الرواة على لفظة:«فاقدروا له» ، وجاء بلفظ:«فاقدروا ثلاثين» أخرجه مسلم، وللبخاري (1907):«فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» .
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081)، واللفظ للبخاري، وألفاظ مسلم:«فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما» «فإن غمي عليكم فأكملوا العدد» «فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين» «فإن أغمي عليكم فعدوا ثلاثين» .
(3)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 246).
(4)
الحاوي الكبير (3/ 408).
«لاتصوموا حتى تروا» وهو نص في المسألة، و عند عدم الرؤية للغيم= أمر بإكمال عدة شعبان ثلاثين، (ولم يقل فسلوا أهل الحساب)
(1)
، (فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم
…
- ويدل على أن صاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سبباً للصوم قوله صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس، كما قال تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} )
(2)
.
- فكان هذا تشريعاً ربانياً عاماً للحاضر والباد إلى يوم القيامة، ولو كان هناك أصل آخر للتوقيت لأوضحه لعباده؛ وماكان ربك نسياً
(3)
، و (من اعتبر الحساب الفلكي شرطاً لصحة الرؤية فقد استدرك على الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن قوله: «فاقدروا له» يدل على الحساب، (أي قدّروا الشهر بالمنازل يعني منازل القمر)
(5)
، (الّتي أخبر الله عنها بقوله:
(1)
فتح الباري (4/ 127)، قال السبكي -وهو ممن يعتمد على قول الحاسبين في النفي كما سيأتي- في "العلم المنشور في إثبات الشهور" ص (11 - 12) لما ذكر من فسّر التقدير بالحساب، ومن فسره بالتضييق كالحنابلة، تعقبهم:(والصحيح خلاف القولين، وأن معناه مارواه البخاري صريحاً: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» وفي رواية: «فعدوا ثلاثين»، وظاهره يقتضي بطلان قول من يعتمد الحساب).
(2)
الفروق (2/ 179).
(3)
انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 14).
(4)
مجموع فتاوى ابن باز (15/ 127).
(5)
الاستذكار (3/ 278)، نقله عن ابن قتيبة، وقال في التمهيد (13/ 352):(وهو قول قد ذكرنا شذوذه ومخالفة أهل العلم له، وليس هذا من شأن ابن قتيبة ولا هو ممن يعرج عليه في هذا الباب).
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} )
(1)
.
- والجمع بينه وبين اللفظ الآخر: أن قوله: «فاقدروا له» (خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، وقوله: «فأكملوا العدة» خطاب للعامة التي لم تعن به)
(2)
.
- و (يمكن حمل اختلاف الحالين على اختلاف الأوقات، فإذا وُجد الحاسبون عُمل بقولهم؛ لأنه علم يقيني قطعي، وإن لم يوجدوا أكملت عدة الشهر ثلاثين بشرطه؛ إذ لا يمكن الاتفاق على غيره)
(3)
.
وأجيب عن هذه المناقشة:
- (بأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم وخطابه للأمة يحمل على معهود العرب في كلامهم وخطابهم، ولم يعهد من الصحابة الرجوع إلى الحساب، ولا كان من عادتهم ذلك، فحمل كلامه على الأمر بتقدير سير الكواكب أو القمر بعيد عما ألف لديهم)
(4)
.
- و (التقدير يكون بمعنى التمام. قال الله عز: عز وجل {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي: تماماً)
(5)
.
- وحمل التقدير في حديث ابن عمر على الحساب وإن كان مما يحتمله اللفظ، إلا إنه (ضعيف جدّاً)
(6)
؛ لأن التقدير في حديث
(1)
المسالك لابن العربي (4/ 158)، وانظر: عارضة الأحوذي (3/ 207).
(2)
شرح السنة (6/ 230)، وقد نقله ابن العربي عن ابن سريج وشنع بها عليه كما سبق نقله عنه.
(3)
مجلة المنار (28/ 63).
(4)
أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 14).
(5)
المقدمات الممهدات (1/ 251)، قال الطبري في تفسيرها (23/ 48):(قد جعل الله لكل شيء من الطلاق والعدة وغير ذلك، حداً وأجلاً وقدراً ينتهى إليه).
(6)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/ 176).
ابن عمر مفسّر ب (الروايات الاُخر المصرحة بالمراد وهي ما تقدم من قوله: «فأكملوا العدة ثلاثين»، ونحوها، وأولى ما فسّر الحديث بالحديث)
(1)
.
- فحديث ابن عمر جاء في بعض رواياته: «فاقدروا له ثلاثين» ، وحديث أبي هريرة رواياته كلها تدل على هذا التأويل
(2)
، والشيخان (البخاري ومسلم) جعلا حديث أبي هريرة بعد حديث ابن عمر، ومالك جعل بعد حديث ابن عمر حديث ابن عباس:«لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»
(3)
، والنكتة في ذلك:(ليكون كالمفسّر له، والرافع لإشكاله؛ تهذيباً للتأليف، وإتقاناً للعلم)
(4)
، وبذلك صرّح بالترجمة بعض من أخرج حديث أبي هريرة
(5)
.
- وهذا التفسير اللفظي مؤيد بالتفسير الفعلي النبوي كما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه، عد ثلاثين يوماً ثم صام»
(6)
.
(1)
فتح الباري (4/ 121).
(2)
انظر تخريج الحديثين.
(3)
موطأ مالك (1/ 287) وفيه انقطاع، لكن قال ابن عبدالبر في الاستذكار (3/ 276):(وما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» قد رواه أبو هريرة وأبو بكرة وحذيفة وطلق الحنفي وغيرهم، ولم يرو أحد -فيما علمت- «فاقدروا له» إلا ابن عمر وحده).
(4)
إكمال المعلم (4/ 8).
(5)
ترجم ابن خزيمة لحديث أبي هريرة: (باب ذكر الدليل على أن الأمر بالتقدير للشهر إذا غم، أن يعد شعبان ثلاثين يوما، ثم يصام)، وترجم له ابن حبان:(ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «اقدروا» أراد به أعداد الثلاثين)، هكذا قال.
(6)
أخرجه أحمد (25161) ومن طريقه أبوداود (2325) وأخرجه غيرهما، عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سمعت عائشة به، ورجاله رجال مسلم.
- (فاتضح أن رواية فاقدروا له، هي مثل رواية: فاقدروا له ثلاثين، وهما بمعنى: فأتموا العدة ثلاثين، وفي التنزيل: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي: تماماً)
(1)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:«فاقدروا له» (معناه عند المحققين فأكملوا المقدار)
(2)
، وعلى ذلك (جمهور السلف والخلف إلى أن معناه: قدروا له تمام العدد ثلاثين)
(3)
، ف (المطلق يحمل على المقيد؛ ولأن معناه اقدروا له قدره، أي: مقداره وهو ثلاثون، لذلك لا يجئ شهر تسعة وعشرين إلا ناقصاً)
(4)
.
- وأقرب من تأويله بالحساب -على ضعفه- ما (تأولت الحنابلة قوله صلى الله عليه وسلم: «فاقدروا له» على الضيق، أي ضيقوا عدة شعبان بصوم رمضان، بأن يجعل تسعاً وعشرين، وهذا يرده قوله في الحديث الآخر: «فأكملوا العدة ثلاثين»، ولهذا أورد مالك في "الموطإ" هذا الحديث عقيب الأول لينبه على أنه كالمفسر له، وقَفَا البخاري أثره في ذلك)
(5)
.
- وأما تأويل ابن سريج بأن قوله: «فاقدروا له» خطاب لمن خصه الله بعلم الحساب فـ (لا يخفى بعده)
(6)
، (ولم يوافقه الناس على هذا)
(7)
، و (هو تحكم محجوج بالإجماع)
(8)
، وليس في السُّنة (خطابان لأمتين إحداهما العددية، والثانية عامة الناس، فكأن وجوب رمضان جعله مختلف الحال، يجب على قوم بحساب
(1)
فقه النوازل (2/ 209 - 210).
(2)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 118).
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 186).
(4)
الذخيرة (2/ 493).
(5)
البحر المحيط في أصول الفقه (7/ 57).
(6)
المرجع السابق.
(7)
مشارق الأنوار (2/ 173).
(8)
شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 227).
الشمس والقمر، وعلى آخرين بحساب الْجُمَّل، إنّ هذا لبعيد عن النبلاء، فكيف عن العلماء؟)
(1)
.
- وأبعد من الجمع السابق، الجمع المعاصر الذي جعل الأصل المذكور في الحديث -من إكمال العدة عند عدم الرؤية- حالة خاصة بعدم وجود من يعرف الحساب، فجعل العزيمة المأمور بها: رخصة عند الضرورة!
- و (الاختلاف في اللفظ لا يحمل على الاختلاف في المعنى إلا عند تعدد المخارج وتعذر الجمع، كما عليه العمل عند المحدثين وأهل الأصول
…
كما أن من طريقتهم التي لا اختلاف فيها بينهم حمل المجمل على المفسر، فمثلاً لفظ:«فاقدروا له» ، يفسره لفظ «فأتموا العدة ثلاثين» إذ ليس بين المجمل والمفسر تعارض)
(2)
.
- (فوجب أن يحمل المجمل على المفسر، وهي طريقة لا خلاف فيها بين الأصوليين، فإنهم ليس عندهم بين المجمل والمفسر تعارض أصلا، فمذهب الجمهور في هذا لائح)
(3)
.
- وأيّاً ماكان فإن الاحتمال في اللفظ يرفعه إطباق العلماء على أحد معانيه، فالإجماع على معنى من المعاني يرفع دلالة المجمل من الظن إلى القطع، وهو ما سيظهر في الآتي.
2/ الدليل الثاني هو: الإجماع.
وقد نقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد من العلماء:
1.
ابن المنذر (ت 319): (فقال في "الإشراف": صوم يوم الثلاثين من
(1)
عارضة الأحوذي (3/ 208).
(2)
فقه النوازل (2/ 210).
(3)
بداية المجتهد (2/ 47)، يعني مذهب الجمهور في أن معنى التقدير هنا هو إكمال عدة شعبان ثلاثين.
شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة)
(1)
، قال ابن حجر معلّقاً:(هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق بينهم كان محجوجاً بالإجماع قبله)
(2)
.
2.
و قال الجصاص (ت 370): (فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجمين خارج عن حكم الشريعة. وليس هذا القول مما يسوغ الاجتهاد فيه، لدلالة الكتاب ونص السنة وإجماع الفقهاء بخلافه)
(3)
.
3.
وقال ابن عبدالبر (ت 463): (وهو مذهب تركه العلماء قديماً وحديثاً للأحاديث الثابتة عن النبي عليه السلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، ولم يتعلق أحد من فقهاء المسلمين فيما علمت باعتبار المنازل في ذلك، وإنما هو شيء روي عن مطرف بن الشخير وليس بصحيح عنه، والله أعلم)
(4)
.
4.
وقال الباجي (ت 474): (وذكر الداودي أنه قيل في معنى قوله: «فاقدروا له»، أي: قدروا المنازل. وهذا لا نعلم أحداً قال به إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين، والإجماع حجة عليه)
(5)
.
5.
وقال أبو الوليد بن رشد (ت 520): (لايجوز لأحد أن يعمل في
(1)
فتح الباري (4/ 123)، وفي بداية كتاب الصوم من الإشراف سقط كما في المطبوع بتحقيق صغير الأنصاري.
(2)
المرجع السابق.
(3)
أحكام القرآن (1/ 245).
(4)
التمهيد (14/ 352).
(5)
المنتقى شرح الموطأ (2/ 38)، ونقله عنه ابن حجر في الفتح (4/ 127) كذا:(وإجماع السلف الصالح حجة عليهم).
صومه وفطره على ذلك فيستغني به عن النظر إلى الأهلة بإجماع من العلماء)
(1)
.
6.
وقال ابن الحاجب (ت 646): (ولا يلتفت إلى حساب المنجمين اتفاقاً، وإن ركن إليه بعض البغداديين)
(2)
.
7.
وفي الفروق للقرافي (ت 684): (قال سند من أصحابنا: فلو كان الإمام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع؛ لإجماع السلف على خلافه)
(3)
، قال القرافي:(مع أن حساب الأهلة والكسوفات والخسوفات قطعي)
(4)
.
8.
وقال القرطبي (ت 671): (وذكر الداودي أنه قيل في معنى قوله: «فاقدروا له» أي: قدروا المنازل. وهذا لا نعلم أحداً قال به إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين، والإجماع حجة عليهم)
(5)
.
9.
وقال ابن تيمية (ت 728): (ولا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق
(1)
المقدمات الممهدات (3/ 414 - 415)، وقال: (وإنما اختلف أهل العلم فيمن كان من أهل هذا الشأن إذا أغمي الهلال هل له أن يعمل على معرفته بذلك
…
فقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: إنه يعمل في خاصته على ذلك، وقاله الشافعي أيضا في رواية، والمعلوم من مذهبه ما عليه الجمهور من أنه لا يعمل على ذلك).
(2)
جامع الأمهات ص (170)، قال خليل في التوضيح (2/ 388):(وقوله: (وإن ركن إليه بعض البغداديين) إشارة إلى ما روي عن ابن شريح [لعله سريج] وغيره من الشافعية. وهو مذهب مطرف بن عبد الله بن الشخير من كبار التابعين. ابن بزيزة: وهي رواية شاذة في المذهب. رواها بعض البغداديين عن مالك. ويحمل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «فاقدروا له» من التقدير بالحساب والتنجيم. وهذه تنقض الاتفاق، ونقل بعضهم مثلها عن الداودي).
(3)
الفروق (2/ 178)، الذخيرة (2/ 493).
(4)
الفروق (2/ 178).
(5)
تفسير القرطبي (2/ 294)، وظاهر أنه تابع للباجي.
الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم)
(1)
، وقال:(ما أجمع عليه المسلمون- إلا من شذ من بعض المتأخرين المخالفين المسبوقين بالإجماع- من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها، لا بالكتاب والحساب)
(2)
، وقال:(ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم)
(3)
.
10.
وقال السبكي (ت 756): (أجمع المسلمون -فيما أظن- على أنه لا حكم لما يقوله الحاسب من مفارقة الشمس، إذا كان غير ممكن الرؤية لقربه منها، سواء كان ذلك وقت غروب الشمس أم قبله أم بعده)
(4)
.
11.
وفي حاشية ابن عابدين (ت 1252): «قوله: ولا عبرة بقول المؤقتين)
(1)
مجموع الفتاوى (25/ 207).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 286).
(3)
مجموع الفتاوى (25/ 132 - 133).
(4)
"العلم المنشور في إثبات الشهور" ص (6) وانظر: فتاوى السبكي (1/ 207)، ومعنى كلامه أنه لايعتمد على الحساب في الإثبات إذا كان غير ممكن الرؤية؛ لقربه من الشمس، وإن كان قد ولد حقيقة بمفارقته للشمس، والرؤية يقوى احتمالها كلما ابتعد الهلال عن الشمس وتضعف إذا قرب، ولذلك قال: (وإنما اختلفوا فيما إذا بعد عنها بحيث تمكن رؤيته، وعلم ذلك بالحساب وكان هناك غيم يحول بيننا وبينه، فذهب ابن سريج والقفال والقاضي أبو الطيب من أصحابنا وجماعة من غير أصحابنا: إلى جواز الصوم بذلك لمن عرفه
…
)، وسيأتي زيادة في تحرير رأي السبكي.
أي: في وجوب الصوم على الناس، بل في المعراج: لا يعتبر قولهم بالإجماع، ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه)
(1)
.
12.
وقال عِليش (ت 1299): (انعقاد الإجماع على أنه لا يجوز لأحد أن يعول في صومه وفطره على الحساب مستغنياً عن النظر إلى الأهلة)
(2)
.
13.
وقال صديق حسن خان (1307): (قال صاحب سبل السلام: التوقيت في الأيام والشهور والسنوات بالحساب للمنازل القمرية بدعة باتفاق الأمة، فلا يمكن عالم من علماء الدنيا أن يدعي أن ذلك كان في عصره صلى الله عليه وسلم أو عصر خلفائه الراشدين، وإنما هو بدعة لعلها ظهرت في عصر المأمون حين أخرج كتب الفلاسفة وعرّبها ومنها المنطق والنجوم)
(3)
.
14.
وقال محمد بخيت المطيعي (ت 1354): (لا اعتبار بقول من قال بوجوب الصوم أو جوازه عند عدم إمكانية رؤيته بعد غروب الشمس؛ لأن ذلك مخالف لما اتفقت عليه كلمة المتقدمين من أنه لايثبت الصوم بمجرد وجوده إذا لم تمكن رؤيته أو تعسرت؛ لاتفاقهم على أن الشارع قد أناط الحكم بالرؤية بعد الغروب)
(4)
.
15.
وقال أحمد شاكر (ت 1377): (كتب العلماء والفقهاء في إثبات الأهلة
…
واتفقت كلمتهم -أو كادت- على أن العبرة في ثبوت الشهر بالرؤية وحدها، وأنه لا يُعتبر حساب منازل القمر ولا
(1)
رد المحتار (2/ 387)، والمعراج هو: معراج الدراية شرح الهداية للكاكي، حُقق في رسائل علمية في جامعة القصيم.
(2)
فتح العلي المالك (1/ 168).
(3)
الروضة الندية (1/ 72).
(4)
إرشاد أهل الملة ص (261 - 262).
حسابُ المنجّم)
(1)
.
16.
وقال ابن باز (ت 1420): (درس مجلس هيئة كبار العلماء في هذه البلاد هذه المسألة، وأجمع المجلس على أنه لا يصام بالحساب أبدًا، كما أجمع عليه العلماء)
(2)
، (إجماع أهل العلم المعتمدين: أن الحساب لا يعول عليه في إثبات الهلال)
(3)
، وقال:(هذا هو الحق، وهو إجماع من أهل العلم المعتد بهم)
(4)
، (علماء الأمة في صدر الإسلام قد أجمعوا على اعتبار الرؤية في إثبات الشهور القمرية دون الحساب، فلم يعرف أن أحداً منهم رجع إليه في ذلك عند الغيم ونحوه، أما عند الصحو فمن باب أولى)
(5)
.
17.
وبكر أبوزيد (ت 1429) بقوله: (إجماع المسلمين منعقد على عدم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور. وأن الخلاف الحاصل: حادث، ثم هو ليس على إطلاقه بل هو مقيد عند من قال به. ثم إنه وقعت في حكايته أغاليط، وأن كلمة المحققين والحفاظ على أن الخلاف الحادث في هذا شاذ تنكبه الأئمة)
(6)
.
18.
وقال صالح اللحيدان: (إن أمة الإسلام مضى لها أكثر من أربعة عشر قرناً، وأجمعت على عدم اعتبار الحساب في إثبات عبادة الصوم والحج، وإذا وجد فرد قد شذ ردوا قوله)
(7)
.
19.
وعبدالله المنيع بقوله: (لا شك أن علماء الأمة الإسلامية إلا من
(1)
أوائل الشهور العربية ص (4).
(2)
فتاوى نور على الدرب (16/ 61).
(3)
المرجع السابق (16/ 83).
(4)
مجموع الفتاوى (15/ 91).
(5)
المرجع السابق (15/ 113)، وله غير ما ذكر، وقد قال:(وقد نبهنا على هذا غير مرة، وكتبنا مرات كثيرة).
(6)
فقه النوازل (2/ 222).
(7)
مجلة البحوث الإسلامية العدد (27) ص (101)، وقد تكرر منه الإشارة للإجماع.
شذَّ مجمعون على أن دخول شهر رمضان وخروجه لايتم إلا برؤية الهلال لا بالحساب الفلكي)
(1)
.
• ويلاحظ في الإجماعات المحكية: أن بعضها يؤكد على أنه إجماع الصحابة وهذا ظاهر، وبعضها يذكر أنه إجماع السلف وأن الخلاف حادث، أو لم يصح، أو صح ولكنه شاذ.
ونوقشت حكاية الإجماع:
- بعدم التسليم بها، (وقد كان بعض جلة التابعين -فيما حكاه عنه محمد بن سيرين- يذهب في هذا الباب إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب)، وهو رأي ذهب إليه (أبو العباس بن سريج من الشافعية، ومطرف بن عبد الله من التابعين، وابن قتيبة من المحدثين)
(2)
، وهو قول في مذهب الحنفية والمالكية والشافعية
(3)
.
- وعلى فرض التسليم بإجماع السلف على خلاف الحساب، فإنه (يمكن أن السلف لم يعلموا به، واكتفوا بالرؤية، ولم يُجمعوا على منع العمل به)
(4)
.
ويمكن الجواب عن المناقشة بأمور:
- بأن (اتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم)
(5)
،
(1)
"بحوث وفتاوى في بعض مسائل الصوم" ص (41).
(2)
فتح الباري (4/ 122).
(3)
قال القرافي في الفروق (2/ 178): (الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب، وفيه قولان عندنا وعند الشافعية -رحمهم الله تعالى-والمشهور في المذهبين عدم اعتبار الحساب)، وانظر: المجموع (6/ 279)، وسيأتي أنه قول نادر للحنفية.
(4)
العلم المنشور ص (21)، وهو يعني أن سبب ترك السلف للحساب عدم العلم به، وقد نقله السبكي عن السروجي ثم قال:(وهذا الاعتراض جيد).
(5)
مجموع الفتاوى (25/ 207).
وقد جاء عن أنس وابن عمر أنهما لا يأخذان بالحساب -كما سيأتي- ولم ينقل عن صحابي واحد اعتباره بالحساب، وأما الخلاف بعدهم فبعضه ضعيف و بعضه محتمل.
- أما الذي نقله ابن سيرين فهذا نصه، وقد أخرجه عبدالرزاق قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: (أصبحوا يوماً شاكّين في الصيام، وذلك في رمضان فغدوت إلى أنس بن مالك فوجدته قد غدا لحاجة، فسألت أهله، فقلت: أصبح صائماً أو مفطراً؟ قالوا: قد شرب خريدة، ثم غدا، قال: ثم دخلت على مسلم بن يسار، فدعا بالغداء، قال: فلم أدخل يومئذٍ على رجل من أصحابنا إلا رأيته مفطراً إلا رجلاً واحداً، وددت لو لم يكن فعل قال: وأراه كان يأخذ بالحساب)
(1)
.
- وملخص الواقعة: أن ابن سيرين أصبح في يوم شك وذهب إلى أنس بن مالك رضي الله عنه فتأكد من إفطاره، وما ذهب إلى شخص من أصحابهم إلا وجده قد أفطر، إلا شخص واحد -لم يسمه- واستنكر فعله بقوله:(وددت لو لم يكن فعل)، ثم ظن أنه يأخذ بالحساب، وهذا احتمال.
- والاحتمال الآخر أنه كان يفعل كما كان يفعل ابن عمر، وقد (كان ابن عمر، إذا كان شعبان تسعاً وعشرين نظر له، فإن رئي فذاك، وإن لم ير، ولم يحل دون منظره سحاب، ولا قترة أصبح مفطرا، فإن حال دون منظره سحاب، أو قترة أصبح صائماً، قال فكان ابن عمر، يفطر مع الناس، ولا يأخذ بهذا الحساب)
(2)
.
(1)
مصنف عبدالرزاق (7317)، والإسناد صحيح.
(2)
أخرجه أبوداود (2320)، من طريق سليمان بن داودَ العَتكي عن حماد عن أيوب عن نافع به.
- فهذا أنس لا يأخذ بهذا الحساب كما نقله ابن سيرين، وهذا ابن عمر راوي:«فاقدروا له» لا يأخذ بالحساب كما نقله نافع، وفي ذلك رد على من قال أنهم لم يعرفوا الحساب، وقول ابن سيرين:(وددت لو لم يكن فعل)، وقول نافع (ولا يأخذ بهذا الحساب) دليل أن الترك مقصود، فهو وسيلة غير مشروعة، وللمخالف أن يذكر من خالف من الصحابة فهذا هو الشأن هنا، ولم يذكر، ولم أقف على من خالف من الصحابة.
- أما الذي ذكره ابن سيرين وود أنه لم يفعل =فلم أقف على تسميته لكن قال ابن عبدالبر: (قال ابن سيرين: كان أفضل له لو لم يفعل، قال أبو عمر: قيل: إنه مطرف بن عبد الله بن الشخير)
(1)
، (قيل) بالتمريض، ولذلك قال:(ولم يتعلق أحد من فقهاء المسلمين فيما علمت باعتبار المنازل في ذلك، وإنما هو شيء روي عن مطرف بن الشخير وليس بصحيح عنه والله أعلم، ولو صح ما وجب اتباعه عليه؛ لشذوذه ولمخالفة الحجة له)
(2)
.
- فالمنقول عن مطرف (ت 87) لا يصح، وإن تعين أنه المقصود بأثر ابن سيرين، فابن سيرين لم يجزم بسبب صومه، فيحتمل أنه صام للحساب، ويحتمل أنه صام احتياطاً كما روي عن ابن عمر في الصوم للغيم.
(1)
الاستذكار (3/ 278)، قال ابن تيمية:(روي عن محمد بن سيرين قال: خرجت في اليوم الذي شك فيه فلم أدخل على أحد يؤخذ عنه العلم إلا وجدته يأكل إلا رجلاً كان يحسب ويأخذ بالحساب، ولو لم يعلمه كان خيراً له. وقد قيل: إن الرجل مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو رجل جليل القدر إلا أن هذا إن صح عنه فهي من زلات العلماء). مجموع الفتاوى (25/ 182).
(2)
التمهيد (14/ 352).
- وأما المنقول عن ابن قتيبة (ت 276)، فأنقله من كتابه وقد قال:(قول النبي صلى الله عليه وسلم في الهلال: «إذا غم عليكم فاقدروا له» أي: فقدروا له المسير والمنازل)
(1)
، وقد تعقّبه ابن عبدالبر بقوله:(وليس هذا من شأن ابن قتيبة، ولا هو ممن يعرّج عليه في هذا الباب)
(2)
، -رحمهما الله-، ويحتمل أن يقال: بأن هذا تفسير منه للمعنى اللغوي، واللفظ محتمل لهذا المعنى-كما سبق-، ولا يلزم منه أن يكون ذلك اختياره الفقهي، وبرهان ذلك: أنه صرّح في كتاب له آخر بأن هذا الحديث منسوخ!.
- فقد قال في كتابه "الأنواء": (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هلال شهر رمضان: «إذا غمّ عليكم فاقدروا له»، رواية ابن عمر. وقال فى حديث آخر: «إذا غمّ عليكم فأكملوا العدّة» رواية ابن عباس. وهذا الحديث ناسخ لحديث ابن عمر. ومعنى «اقدروا له» أي: قدّروا له المسير والمنازل)
(3)
.
- وأما الحنفية والمالكية، فهو قول عند الحنفية نادر
(4)
، و رواية
(1)
غريب القرآن لابن قتيبة ص (506).
(2)
الاستذكار (14/ 352)، ولعله يقصد لا يعرج عليه في الفقه، وهو كذلك في الحديث، ومما يبين ذلك ماقاله الذهبي في السير (13/ 300): (والرجل ليس بصاحب حديث، وإنما هو من كبار العلماء المشهورين، عنده فنون جمة، وعلوم مهمة
…
قال قاسم بن أصبغ:
…
لقد ذاكرت الطبري، وابن سريج، وكانا من أهل النظر، وقلت: كيف كتاب ابن قتيبة في الفقه؟ فقالا: ليس بشيء، ولا كتاب أبي عبيد في الفقه، أما ترى كتابه في (الأموال)، وهو أحسن كتبه، كيف بني على غير أصل، واحتج بغير صحيح. ثم قالا: ليس هؤلاء لهذا، بالحرى أن تصح لهما اللغة، فإذا أردت الفقه، فكتب الشافعي وداود ونظرائهما).
(3)
الأنواء في مواسم العرب ص (129).
(4)
في الدر المختار ص (144): (ولا عبرة بقول المؤقتين، ولو عدولاً على المذهب)، وفي حاشية ابن عابدين (2/ 372):(اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي أنه لا اعتماد على قولهم).
شاذة عن مالك
(1)
.
- وأما المنقول عن الشافعية، فقد أخطأ من نسب ذلك للشافعي، قال ابن عبدالبر:(الذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية، أو شهادة عادلة، أو إكمال شعبان ثلاثين)
(2)
، قال ابن تيمية:(وهذا باطل عن الشافعي لا أصل له عنه. بل المحفوظ عنه خلاف ذلك كمذهب الجماعة)
(3)
، وقد أكّد هذا النفي بعض الشافعية، فقال العراقي:(لا يعرف ذلك عن الشافعي أصلاً)
(4)
، وقال ابن حجر:(والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور)
(5)
.
- أما من بعد الشافعي، فيقول ابن دقيق:(قال به بعض أكابر الشافعية بالنسبة إلى صاحب الحساب. وقد استُشنع هذا)
(6)
، فهو وجه مشهور عند الشافعية
(7)
، وأشهر وأقدم من قال به: أبو العباس ابن سريج -وسيأتي تحرير قوله-، وهذا الوجه محمول على جواز الصيام فيمن كان يعرف منازل القمر وتقدير سيره إذا علم أن الهلال قد أهل، وليس على الوجوب، قال الرُّوياني: (فلا
(1)
قال ابن الحاجب في جامع الأمهات ص (171): (ولا يلتفت إلى حساب المنجمين اتفاقاً، وإن ركن إليه بعض البغداديين)، قال خليل في التوضيح (2/ 388) عن ابن بَزِيزَة:(وهي رواية شاذة في المذهب. رواها بعض البغداديين عن مالك)، وفي مواهب الجليل (2/ 388):(لو شهد عدلان برؤية الهلال، وقال أهل الحساب: إنه لا يمكن رؤيته قطعاً، فالذي يظهر من كلام أصحابنا: أنه لا يلتفت لقول أهل الحساب).
(2)
الاستذكار (3/ 278).
(3)
مجموع الفتاوى (25/ 182).
(4)
طرح التثريب (4/ 112).
(5)
فتح الباري (4/ 122).
(6)
إحكام الأحكام (2/ 8).
(7)
قاله ابن سريج واختاره من بعده بعضهم كالقاضي الطبري والقفال، انظر: الحاوي الكبير (3/ 422)، بحر المذهب (3/ 252)، العزيز شرح الوجيز (3/ 178)، المجموع (6/ 279).
خلاف أنه لا يلزمه به)
(1)
، هذا في الصحو؛ لأنه قال بعد ذلك:(وقيل: إذا كانت السماء متغيمة فقال أهل العلم بالحساب: لو لم يكن غيم أمكنت رؤية الهلال من طريق الحساب سير القمر فمن لا يعرف الحساب لا يعتمد ذلك، ومن عرفه هل يلزمه أن يصوم؟ وجهان: والصحيح أنه لا يلزمه حتى يثبت عند الحاكم)
(2)
، قال النووي:(قال ابن الصباغ أما بالحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا، وذكر صاحب المهذب أن الوجهين في الوجوب)
(3)
، قلت: وقد أجرى صاحب المهذب الوجهين في الوجوب على حالة الغيم.
- وفي عمل الحاسب أو المنجم بحسابه وتقليد غيره له أوجه واختلافات، اختصرها النووي بقوله:(فحصل في المسألة خمسة أوجه: أصحها: لا يلزم الحاسب ولا المنجم ولا غيرهما بذلك لكن يجوز لهما دون غيرهما ولا يجزئهما عن فرضهما، والثاني: يجوز لهما ويجزئهما، والثالث: يجوز للحاسب ولا يجوز للمنجم، والرابع: يجوز لهما ويجوز لغيرهما تقليدهما، والخامس: يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم والله أعلم)
(4)
، واعتصر الدَّميري التلخيص فقال:(لا خلاف أنه لا يجب عليهما الصوم، وهل يجوز لهما؟ فيه طريقان: أصحهما: أنه يجوز لهما دون غيرهما، ولا يجزئهما عن فرضهما، وقيل: للحاسب دون المنجم، وقيل: لهما ولغيرهما)
(5)
، فالأصح أنه يجوز ولا يجزيء عن الفرض، والمحصل أنه يعتبر به ولا يعتمد عليه وهذا لا إشكال فيه، لكن بعض الشافعية استشكل أنه كيف
(1)
بحر المذهب (3/ 252).
(2)
المرجع السابق.
(3)
المجموع (6/ 279).
(4)
المجموع (6/ 280).
(5)
النجم الوهاج (3/ 273).
يجوز ولا يجزيء؟ (وصحّح في الكفاية أنه إذا جاز أجزأه، ونقله عن الأصحاب، ورجحه الزركشي تبعاً للسبكي. قال: وصرح به في الروضة فيما يأتي في الكلام على أن شرط النية الجزم، وهذا هو المعتمد)
(1)
.
- ومن المهم تحرير رأي ابن سريج (ت 306)؛ لأن مَنْ بَعْده إنما (ينزعون من قوس واحدة من قول ابن سريج)
(2)
، ورأيه وجه مشهور عند الشافعية، مع اختلافهم في تحريره والتفريع عليه، ولابد من الوقوف على قوله لمعرفة وجهه، وهو من المكثرين من التصنيف إلا أن أكثر كتبه لم تصلنا
(3)
.
- لكن رأيه قد أسنده إليه الأزهري (ت 370)
(4)
فقال: سمعت أبا الحسن السنجاني
(5)
يقول: سمعت أبا العباس بن سريج يقول في توجيه هذين الخبرين
(6)
: (أن اختلاف الخطابين من النبي صلى الله عليه وسلم كان على قدر أفهام المخاطبين، فأمر من لا يحسن تقدير منازل القمر بإكمال عدد الشهر الذي هو فيه حتى يكون دخوله في الشهر الآخر
(1)
مغني المحتاج (2/ 141)، وفي نهاية المحتاج (3/ 150):(له أن يعمل بحسابه ويجزيه عن فرضه على المعتمد وإن وقع في المجموع عدم إجزائه عنه).
(2)
فقه النوازل (2/ 205).
(3)
يقول السبكي في طبقات الشافعية (3/ 23): (ولأبى العباس مصنفات كثيرة يقال إنها بلغت أربعمائة مصنف، ولم نقف إلا على اليسير منها، وقفت له على كتاب فى الرد على ابن داود فى القياس، وآخر فى الرد عليه فى مسائل اعترض بها الشافعي، وهو حافل نفيس).
(4)
أبومنصور محمد بن أحمد الأزهري الهروي اللغوي الشافعي، كان رأساً في اللغة والفقه، ثقة ديناً، وقد امتحن بالأسر، ومن مؤلفاته المشهورة:"تهذيب اللغة"، و"الزاهر"، توفي سنة (370) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 315).
(5)
(قاضي جليل القدر من أصحاب ابن سريج ومن أحفظهم للأقاويل والتوجيهات). "العقد المذهب في طبقات حملة المذهب" لابن الملقن ص (231).
(6)
يعني: الأمر بالتقدير والأمر بإكمال العدة -وقد سبقا-.
بيقين، وأمر من يحسن تقديره من الحسّاب الذين لا يخطئون فيما يحسبون -وذلك في النادر من الناس- بأن يحسبوا ويقدروا، فإن استبان لهم كمال عدد الشهر تسعاً وعشرين كان أو ثلاثين دخلوا فيما بعده باليقين الذي بان لهم. قال: وقال أبو العباس: ومما لا يشاكل هذا أن عوام الناس أجيز لهم تقليد أهل العلم فيما يستفتونهم فيه، وأمر أهل العلم ومن له آلة الاجتهاد بأن يحتاط لنفسه ولا يقلد إلا الكتاب والسنة)
(1)
.
- فهذا رأي ابن سريج وخلاصته: (جواز اعتماد الحساب للعارف به خاصة، وجواز تقليده إن استفتي)، ويظهر أنه يوجب ذلك على المجتهد، لولا أن الروياني وابن الصباغ والدميري نقلوا أنه لا خلاف في عدم الوجوب -كما سبق-.
- ثم بعد ابن سريج وجد من يقول بقوله من الشافعية، أو بجزء من قوله ومن أشهرهم: ابن دقيق العيد، و السبكي وسأذكر رأيهما فقط، قال ابن دقيق (ت 702):(إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يُرى، لولا وجود المانع - كالغيم مثلاً- فهذا يقتضي الوجوب، لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية بشرط في اللزوم)
(2)
.
- أما السبكي (ت 756) فقد فصّل وحررّ، وأفتى وألّف، ففي فتاويه جعل للحساب ثلاث حالات، وهي بنصه مع الاختصار والتهذيب:
- الحالة الأولى: إذا قرر أهل الحساب مفارقة الهلال شعاع الشمس
(1)
الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص (113)، وانظر: تهذيب اللغة (9/ 40).
(2)
إحكام الأحكام (2/ 8)، وقد ناقشه العراقي في طرح التثريب (4/ 113)، والصنعاني في حاشيته (3/ 328) وستأتي في الأدلة -بإذن الله-.
ويبنى عليه دخول الشهر، فهذا باطل في الشرع قطعاً لا اعتبار به، ووجوده في نفس الأمر معتبر بشرط إمكان الرؤية، وهذا محل مجمع عليه لا خلاف فيه بين العلماء.
- الحالة الثانية: إذا دل الحساب على أنه فارق الشعاع ومضت عليه مدة يمكن أن يرى فيها عند الغروب، فقد اختلف العلماء في جواز الصوم بذلك، وفي وجوبه على الحاسب وعلى غيره، ومن قال بالجواز اعتقد بأن المقصود وجود الهلال وإمكان رؤيته، وهذا القول قاله كبار، ولكن الصحيح الأول وهو عدم الوجوب
(1)
.
- الحالة الثالثة: أن يدل الحساب على عدم إمكان رؤيته ويدرك ذلك بمقدمات قطعية ويكون في غاية القرب من الشمس، ففي هذه الحالة لا يمكن فرض رؤيتنا له حساً؛ لأنه يستحيل، فلو أخبرنا به مخبر واحد أو أكثر ممن يحتمل خبره الكذب أو الغلط، فالذي يتجه قبول هذا الخبر وحمله على الكذب أو الغلط، ولو شهد به شاهدان لم تقبل شهادتهما؛ لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظن لا يعارض القطع فضلاً عن أن يقدم عليه والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكناً حساً وعقلاً وشرعاً
(2)
.
(1)
وفي العلم المنشور ص (7) سمى من الكبار: ابن سريج والقفال والقاضي الطبري، والأصل هو ابن سريج ومن بعده تبع له، وصرّح هنا بعدم الوجوب، ولكنه لم يصرح بعدم الجواز وفي العلم المنشور ص (8) صرّح بالجواز في الحالة الثانية حيث قال عنها:(والمسألة محتملة يحتمل أن يقال: إذا قوي اعتقاد بعده من الشمس وإمكان رؤيته جلياً، وهناك غيم يغلب على الظن أنه هو الحائل المانع من الرؤية، يقوى هنا جواز الصوم، والقول بعدم الجواز في مثل هذه الحالة بعيد، نعم الوجوب يبعد، فأنا اختار في ذلك قول ابن سريج ومن وافقه في الجواز خاصة لا في الوجوب، وشرط اختياري للجواز: حيث ينكشف من علم الحساب انكشافاً جلياً إمكانه، ولا يحصل ذلك إلا لماهر في الصنعة والعلم).
(2)
انظر: فتاوى السبكي (1/ 207 - 211)، االعلم المنشور ص (6 - 8)، ص (24 - 28).
- قال: (والفقهاء قالوا: لا يعتمد، فإن ذلك إنما قالوه في عكس هذا، وهذه المسألة المتقدمة التي حكينا فيها الخلاف، أما هذه المسألة فلا، ولم أجد في هذه نقلاً ولا وجه فيها للاحتمال غير ما ذكرته)
(1)
، يعني: إنه حَمَل الإجماع على الحالة الأولى والثانية دون الثالثة، وقال:(ولا يعتقد الفقيه أن هذه المسألة هي التي قال الفقهاء في كتاب الصيام: إن الصحيح عدم العمل بالحساب؛ لأن ذلك فيما إذا دل الحساب على إنكار الرؤية وهذا عكسه. ولا شك أن من قال هناك بجواز الصوم أو وجوبه يقول هنا بالمنع بطريق الأولى، ومن قال هناك بالمنع فههنا لم يقل شيئاً، والذي اقتضاه نظرنا المنع، فالمنع هنا مقطوع به. ولم نجد هذه المسألة منقولة لكنا تفقهنا فيها وهي عندنا من محال القطع مترقية عن مرتبة الظنون، والله أعلم)
(2)
، وقال:(المراد أن يخبر مخبر برؤيته مع عدم الإمكان، والإخبار يحتمل الصدق والكذب، والكذب يحتمل التعمد والغلط، ولكل منهما أسباب لا تنحصر، فليس من الرشد قبول الخبر المحتمل لذلك، أو الشهادة به مع عدم الإمكان؛ لأن الشرع لا يأتي بالمستحيلات، وهذه المسألة لم نجدها مسطورة فتفقهنا فيها، ورأينا فيها عدم قبول الشهادة، وإنما سكت الفقهاء عنها؛ لأنها نادرة الوقوع، ولما وقعت في هذا الزمان احتجنا إلى الكلام فيها)
(3)
، وقال: (والحامل لنا على تصنيف هذه المسألة أنا رأينا بعض القضاة الكبار يتسرّع في إثبات الهلال وجربنا منه ذلك في عشرين عيداً
…
فأخرجت هذه الطريقة الفقهية في رد الشهادة إذا كانت
(1)
المرجع السابق (1/ 209).
(2)
المرجع السابق (1/ 211).
(3)
العلم المنشور ص (24).
بشيء مستحيل في العادة صيانة لكلامي أن يحصل في حاكم)
(1)
.
- قلت: أما حمل السبكي للإجماع على الحالة الأولى والثانية دون الثالثة فهذا تحكّم، والأصل استصحاب الإجماع في محل الخلاف، وتسميته نفياً لا يغير الحقيقة، إذ هو نفي متضمن للإثبات؛ فمن نفى إمكانية رؤية الهلال بالحساب ورد الشهادة بناء عليه، فقد أثبت اكتمال الشهر بالحساب وهذا إثبات واعتماد على الحساب.
- وأما ما ذكر من أن تفقهه وكلامه في المسألة بسبب تسرع القضاة في زمنه، فعلاجه: بالتوثق من الشهادة والشهود، وليس برد البيّنة الشرعية.
- وأما زعمه بأنه أول من بحث المسألة في حالتها الثالثة، وأنه لم يسبق إلى الكلام فيها فغير مسلّم، بل تكلّم بها معاصره ابن تيمية، فلتلحق هذه المسألة بشد الرحال للقبور، وطلاق الثلاث وغيرها من المسائل التي خاصم فيها السبكيُ ابن تيمية، فقد نصّ ابن تيمية على الحالة الثالثة في مواضع، وفنّدها شرعياً وفلكياً ومن ذلك قوله:(فإذا كانت الرؤية حكماً تشترك فيه هذه الأسباب التي ليس شيء منها داخلاً في حساب الحاسب، فكيف يمكنه مع ذلك يخبر خبراً عاماً أنه لا يمكن أن يراه أحد حيث رآه على سبع أو ثمان درجات أو تسع)
(2)
، وقوله: (رأيت الناس في شهر صومهم وفي غيره أيضاً: منهم من يصغي إلى ما يقوله بعض جهال أهل الحساب: من أن الهلال يرى أو لا يرى. ويبني على ذلك إما في باطنه، وإما في باطنه وظاهره، حتى بلغني أن من القضاة من كان
(1)
المرجع السابق ص (46 - 47)، كأنه يريد أنه بطريقته لايصل الاتهام للقضاة، فيصونهم بذلك.
(2)
مجموع الفتاوى (25/ 189).
يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب: إنه يرى أو لا يرى. فيكون ممن كذب بالحق لما جاءه)
(1)
، وقوله:(فقد نهى أن يصام رمضان قبل الرؤية والرؤية الإحساس والإبصار به. فمتى لم يره المسلمون. كيف يجوز أن يقال: قد أخبر مخبر أنه يرى، وإذا رئي كيف يجوز أن يقال: أخبر مخبر أنه لا يرى)
(2)
، وقوله:(وأما العقل: فاعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة أو لا يرى ألبتة على وجه مطرد، وإنما قد يتفق ذلك أو لا يمكن بعض الأوقات، ولهذا كان المعتنون بهذا الفن من الأمم: الروم والهند والفرس والعرب وغيرهم مثل بطليموس الذي هو مقدم هؤلاء ومن بعدهم قبل الإسلام وبعده لم ينسبوا إليه في الرؤية حرفاً واحداً ولا حدوه كما حدوا اجتماع القرصين، وإنما تكلم به قوم منهم في أبناء الإسلام: مثل كوشيار الديلمي وعليه وعلى مثله يعتمد من تكلم في الرؤية منهم. وقد أنكر ذلك عليه حذاقهم مثل أبي علي المروذي القطان)
(3)
.
- وقد رد بعض الشافعية على السبكي، وبعضهم تابعه في حالته الثالثة خاصة، وقرر بعضهم الاضطراب في تقرير المسألة عند
(1)
المصدر السابق (25/ 131).
(2)
المصدر السابق (25/ 177).
(3)
المرجع السابق (25/ 183)، وكوشيار توفي نحو (350 هـ) جاء في ترجمته في الأعلام (5/ 236):(كوشيار بن لبان الجيلي، أبو الحسن: مهندس الأصول في أحكام النجوم - خ " و " الزيج الجامع " و " المدخل في سناعة أحكام النجوم - خ " و " الأصطرلاب - خ " وكتباً أخرى)، والقطان توفي سنة (548 هـ) جاء في ترجمته:(الحسن بن عليّ بن محمد بن إبراهيم بن أحمد القطّان، أبو علي المروزيّ. ولد بمرو في سنة خمس وستين وأربع مائة. وكان قد أخذ بأطراف العلوم على اختلافها، وغلب عليه فنّ الطّب، وله في كلّ نوع تصنيف). كما في "الدر الثمين في أسماء المصنفين" ص (341).
المتأخرين، قال الرملي (ت 957): (وما قاله السبكي مردود رده عليه جماعة من المتأخرين
…
وجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية)
(1)
، وقال الشربيني (ت 977):(لو شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته. قال السبكي: لا تقبل هذه الشهادة؛ لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية، والظني لا يعارض القطعي، وأطال في بيان رد هذه الشهادة، والمعتمد قبولها، إذ لا عبرة بقول الحساب)
(2)
.
- ونقل قليوبي في حاشيته على شرح الجلال: (بل قال العلامة العبادي: إنه إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤيته لم يقبل قول العدل لرؤيته، وترد شهادتهم بها. انتهى. وهو ظاهر جلي ولا يجوز الصوم حينئذ ومخالفة ذلك معاندة ومكابرة)
(3)
.
- وفي هذه المسألة -كما ترى- بعض الاضطراب في تقريرها حتى جاء في حاشية الجمل: (ولو دل الحساب القطعي على عدم إمكان الرؤية ففيه اضطراب للمتأخرين، والراجح العمل بشهادة البينة)
(4)
.
- والخلاصة: أن (اتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم)
(5)
في إثبات الشهر أو نفيه، وورد عدم عمل أنس وابن عمر رضي الله عنهم بالحساب ولايعرف لهما مخالف من الصحابة، فـ (الخلاف في المسألة حادث؛ إذ لم يعرف عن صحابي القول به)
(6)
، وأول من روي عنه العمل بالحساب مطرّف بن الشخير
(1)
نهاية المحتاج (3/ 153).
(2)
مغني المحتاج (2/ 143).
(3)
حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 63).
(4)
حاشية الجمل على منهج الطلاب (2/ 305)
(5)
مجموع الفتاوى (25/ 207).
(6)
الجامع لأحكام الصيام للمشيقح (1/ 356 - 357).
ولايصح عنه، وهو قول نادر عند الحنفية، ورواية شاذة عن مالك، ووجه عند الشافعية، وأقدم من قال به بعد البحث هو ابن سريج (ت 306) ورأيه:(جواز اعتماد الحساب للعارف به خاصة، وجواز تقليده إن استفتي)، وينفي بعض الشافعية الخلاف في أنه لايجب ذلك، والسبكي يحمل قول ابن سريج على ما إذا دل الحساب على أن الهلال فارق الشعاع ومضت عليه مدة يمكن أن يرى فيها عند الغروب، وهذه الحالة جوّز ابن دقيق (ت 702) العمل بالحساب فيها إن حال دون الرؤية غيم مثلاً، (وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم)
(1)
، ثم اخترع السبكي (ت 756)
(2)
قرينة لرد الشهادة وهي: أن يدل الحساب على عدم إمكان رؤية الهلال، فإن الشهادة ترد هنا؛ لأنها اقترنت بما يكذبها، وقطعية الحساب لا تعارض بظنية الرؤية.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بالاعتماد على الحساب في دخول الشهر: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنا أُمَّةٌ أُمِّيَّة، لا نكتب ولا نحْسُب، الشهر هكذا وهكذا» يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (25/ 132 - 133).
(2)
في رسالة"أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها" ص (168): (هذه المسألة حادثة لم يقل بها أحد
…
إلا السبكي ومن جاء بعده
…
فجميع من قال بهذه المسألة إنما ينهل من السبكي).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1913) واللفظ له، ومسلم (1080).
وجه الاستدلال:
- أن الأمر باعتماد الرؤية جاء مُعَلَّلاً بعلة منصوصة، وهي أن الأمة «أُمِّيَّةٌ لَا تَكْتُبُ وَلَا تَحْسُبُ» ، والعلة تدور مع المعلول، فإذا خرجت الأمة عن أميتها، وصارت تكتب وتحسب، وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت، وأن يأخذوا في إثبات الأهلة بالحساب وحده، و لا يرجعوا إلى الرؤية إلا حين يستعصي عليهم العلم بالحساب
(1)
.
- (فإن الأمية صفة نقص ليست صفة كمال، فصاحبها بأن يكون معذوراً أولى من أن يكون ممدوحاً)
(2)
.
- والحديث (تقرير لواقع المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الواقع عليهم صفة الأمية، وأن الله لايكلف نفساً إلا وسعها
…
ولاشك أن الرخص الشرعية يشترط للأخذ بها وجود العذر فإذا انتفى العذر انتفت الرخصة
…
وقد تغيرت أحوال المسلمين من جهل إلى علم ووجد في المسلمين الكثير من ذوي الاختصاصات)
(3)
.
ونوقش هذا الاستدلال بأمور:
- بعدم التسليم؛ لأن في أمته من يقرأ ويكتب كثيراً، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم
(1)
انظر: أوائل الشهور العربية لأحمد شاكر ص (13)، قال مصطفى الزرقاء في فتاويه ص (160):(فهذا الحديث النبوي هو عماد الخيمة، وبيت القصيد في موضوعنا هذا، فقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية لبدء الصوم والإفطار= بأنه من أمة أمية لا تكتب ولا تحسب).
(2)
مجموع الفتاوى (25/ 166)، وقد افترض هذا الاعتراض ثم أجاب عنه.
(3)
"بحوث وفتاوى في بعض مسائل الصوم" للمنيع ص (17)، وقال:(فلايجوز لنا الاعتماد في أمورنا الشرعية على الأسباب التقليدية الظنية في النتائج، والحال أن لدينا وسائل علمية نتائجها قطعية).
كتّاب، وفيهم من يحسب الصدقات، بل بُعث صلى الله عليه وسلم بالفرائض التي فيها الحساب، وقد قال الله:{لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}
(1)
، فالمنفي هو كتاب و حساب خاصين
(2)
.
- وكتاب أيام الشهر وحسابه فائدته= ضبط المواقيت التي يحتاج الناس إليها في تحديد الحوادث والأعمال، كما فعل ذلك غيرنا من الأمم فضبطوا مواقيتهم بالكتاب والحساب بالجداول أو بحروف الجمل، وكما يحسبون مسير الشمس والقمر، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنا أيتها الأمة الأمية لا نكتب هذا الكتاب، ولا نحسب هذا الحساب فعاد كلامه إلى نفي الحساب والكتاب، فيما يتعلق بأيام الشهر الذي يستدل به على استسرار الهلال وطلوعه.
- والنفي إذا كان في سياق الكلام ما يبين المقصود، علم به
(1)
من الآية (5) من سورة يونس.
(2)
الأميّ في الأصل المنسوب إلى الأمة، أو إلى الأم أي: الباقي على ماعودته أمه من المعرفة، ثم التميز الذي يخرج به عن الأمية العامة، تارة يكون فضلاً وكمالاً كالتميز عنهم بقراءة القرآن وفهمه، وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال، كالتميز عنهم بالكتابة والقراءة فيمدح لمن استعمله في الكمال ويذم في عكسه، إذا تبين أن التميز عن الأميين نوعان، فالأمة التي بعث أول مابعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم كتاب يقرءونه منزل من عند الله كما لأهل الكتاب ولا علوم قياسية مستنبطة كما للصابئة، وكان الخط فيهم قليلاً، فاستحقوا اسم الأمية من كل وجه، كما قال الله:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} ، وقال:{وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} فجعل الأميين مقابلين لأهل الكتاب، فالكتابي غير الأمي، ولما بُعث فيهم ووجب عليهم اتباع ما جاء به وتدبره، صاروا أهل كتاب وعلم بل أعلم الخلق، وزالت عنهم الأمية المذمومة، وقال الله فيهم:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ، وقال:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ، فصارت هذه الأمية: منها ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو ترك للأفضل، فمن لم يقرأ الفاتحة تسميه الفقهاء في باب الصلاة أمياً، وهذه أمية محرمة إن قدر على التعلم، ومنها ما هو مذموم كالذي وصفه الله عن أهل الكتاب حيث قال:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} ، فهذه صفة من لا يفقه كلام الله ويعمل به وإنما يقتصر على مجرد تلاوته. انظر: مجموع الفتاوى (25/ 167 - 170).
المقصود أخاص هو أم عام؟ فلما قرن ذلك بقوله: «الشهر ثلاثون» و «الشهر تسعة وعشرون» بين أن المراد به أنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب إذ هو تارة كذلك وتارة كذلك، والفارق بينهما هو الرؤية فقط، ليس بينها فرق آخر من كتاب ولا حساب.
- فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية
…
» خبر تضمن نهياً، فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته هي الأمة الوسط أمية لا تكتب ولا تحسب، فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم، بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين وفعل ما ليس من دينها، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم:«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»
(1)
، أي: هذه صفة المسلم
(2)
.
- و (ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً، ويوضحه قوله في الحديث الماضي «فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» ولم يقل فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم)
(3)
.
- (وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «هكذا وهكذا وهكذا» وإشارته= تحقيق لاعتماد الأمر المحسوس الذي هو من أجلى الأمور، وفطم عن اعتماد الحساب في ذلك)
(4)
.
- (وهذا الظاهر في خبرية النص هو الذي يتفق مع الحقائق الشرعية والدلائل النصية من الأحاديث السابقة، إذاً فيتعين إبقاء النص على
(1)
أخرجه البخاري (10) من حديث عبدالله بن عمرو، وأخرجه مسلم (41) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهم.
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (25/ 164 - 174).
(3)
فتح الباري (4/ 127).
(4)
العلم المنشور ص (9).
ظاهره في الخبرية، ولا يصرف عنها إلى العلية إلا بدليل، وصرفه يؤدي إلى تعارض النصوص كما هو بين)
(1)
، وفرض المعارضة -أيضاً- عند التنزل له يُرجّح طرح الحساب؛ لأن الحساب استفيد من مفهوم المخالفة المعارض بالمنطوق «لا تصوموا حتى تروا» .
- وعلى فرض التسليم بالعليّة هنا، فإن (وصف الأمة بأنها أمية لا يزال قائماً اليوم بالنسبة لعلم النجوم ومنازل القمر في الأغلب والكثير منها، كما كان قائما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والقرون الأولى في الأغلب منها بالنسبة لعلم النجوم ومنازل القمر، فقد كان العلم بذلك معروفاً عند العرب، لكن العارفون به قلة، كما أن العارفين به اليوم قلة بالنسبة لغيرهم، ومع ذلك لم يعتبره النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
- وعلى كل حال فالعلّة المذكورة منقوضة بظهور معنى أظهر، وهو التيسير بالتعليق بأمر ظاهر لا خفي، فـ (الرؤية أمر عام؛ لتيسرها لسواد الأمة ومعظمها، فكان تعليق حكم صوم الشهر والإفطار منه بها أيسر للأمة، وأوفق بمقاصد الشريعة)
(3)
، و (ضبط الحكم الشرعي في الشهر بطريقين ظاهرين مكشوفين رؤية الهلال أو تمام ثلاثين)
(4)
، فيكون العمل بالحساب هنا ملغياً من الشارع، وليس بباطل مطلقاً في غيره
(5)
.
2/ واستدلوا بقياس الحساب في ثبوت الشهر (على أوقات الصلوات فإنه يعمل بالحساب فيها)
(6)
.
(1)
فقه النوازل (2/ 212).
(2)
أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 14).
(3)
المرجع السابق.
(4)
فتاوى السبكي (1/ 211).
(5)
انظر: إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة ص (248).
(6)
العلم المنشور ص (7).
ونوقش هذا الاستدلال بأمور:
- أن (هذا القياس باطل من أصله؛ لأن المقيس عليه هنا لم يثبت بنص، ولا اتفاق ومن شرط القياس توفر ذلك. وهو مفقود هنا فهو ملغي من أصله)
(1)
.
- وعلى فرض الاتفاق على حكم الأصل، ففي الفرع قادح في القياس وهو:(فساد الاعتبار؛ لمخالفة المقيس لصرائح النصوص المشعرة بالحصر في نصب الشارع الرؤية سبباً للحكم بأول الشهر)
(2)
.
- وعلى فرض التسليم بالقياس وخلّوه من فساد الاعتبار، فبين الأصل والفرع فروق تمنع القياس
(3)
، فهو قياس مع الفارق، وبيان الفروق باختصار:
- (أن الله تعالى نصب زوال الشمس سبب وجوب الظهر، وكذلك بقية الأوقات
…
فمن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه، فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات، وأما الأهلة فلم ينصب صاحب الشرع خروجها من الشعاع سبباً للصوم، بل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم،
- ويدل على أن صاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سبباً للصوم قوله صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس، كما قال تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} )
(4)
.
(1)
فقه النوازل (2/ 214).
(2)
المرجع السابق.
(3)
والمنع من قوادح القياس أيضاً.
(4)
الفروق للقرافي (2/ 179)، وانظر: العلم المنشور ص (7).
- والفرق الثاني: أن أوقات الصلوات اعتمادها على الشمس وهي ظاهرة، أما الشهر فاعتماده على القمر و (مقدمات الهلال أخفى ويكثر الغلط فيها، بخلاف الأوقات)
(1)
.
4/ ومن أدلتهم: القياس على (المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدة، أو بالاجتهاد بالأمارات: أن اليوم من رمضان، وجب عليه الصوم وإن لم يَرَ الهلال، ولا أخبره من رآه)
(2)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن (قياسه على من حبس في مطمورة، قياس مع الفارق، إذ من في المطمورة قد تعذّر عليه المدرك المنصوص عليه حتى لو رآه الناس لما رآه، فرجوعه إلى الحساب والقرائن بالضرورة؛ لأنه ليس [في] حقه شيء يعرف به الصوم إلا ذلك)، و (المحبوس في المطمورة معذور فيجب عليه الاجتهاد في دخول الوقت ويجب عليه العمل بما أدى إليه اجتهاده فإن تبين خطؤه بيقين أعاد، وحصول الغيم في المطالع أمر معتاد)
(3)
.
- فهو قياس للمعذور على غير المعذور وهو باطل، ويمكن قلبه إذ المعذور في الحبس لا يتعين في حقه رؤية إن لم تمكن، بل يكفي تحريه واجتهاده بأي وسيلة من حساب أو غيره، فليكن كذلك عند غير المحبوس، والتوسيع في وسائل تحصيل الظن في دخول الشهر غير مقبول لغير المعذور عند أحد.
(1)
العلم المنشور ص (7).
(2)
إحكام الأحكام (2/ 8)، قال: (الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة
…
)، و (المطمورة: حفرة تحت الأرض يرمى فيها الشيء). مقاييس اللغة (3/ 424).
(3)
طرح التثريب (4/ 113 - 114).
5/ ودليل من يعتمد على الحساب في النفي: أنه إذا دلّ الحساب على عدم إمكان رؤية الهلال، ففي هذه الحالة لا يمكن فرض الرؤية له حساً لا ستحالته؛ (لأن الحساب قطعي، والشهادة والخبر ظنيان، والظن لا يعارض القطع فضلاً عن أن يقدم عليه، والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكناً حساً وعقلاً وشرعاً، فإذا فرض دلالة الحساب قطعاً على عدم الإمكان استحال القبول شرعاً؛ لاستحالة المشهود به، والشرع لا يأتي بالمستحيلات
…
وتجويز الكذب والغلط على الشاهدين المذكورين أولى من تجويز انخرام العادة)
(1)
، (ونحن برد هذه الشهادة لم نرد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«صوموا لرؤيته» وإنما رددنا الشهادة لأنها شهادة غير صحيحة فهي مرتبطة بما يكذبها)
(2)
.
ونوقش هذا الاستدلال بأمور:
- بعدم التسليم بقطعية حساب إمكانية الرؤية و (غير الحاسب إنما يستفيد هذا الحكم
…
من كلام الحاسب، وغاية ما يفيده خبره عند سامعه المحسن به الظن= ظنه صدقه، فأين القطع الذي زعمه)
(3)
، وعلى فرض التسليم بقطعيته فهو مما ألغي في الشريعة كما ألغي قضاء القاضي بعلمه، وهذا التفصيل:
- أما عدم التسليم بقطعية الحساب فمن ثلاثة أوجه:
الأول: أن القطعي هنا هو ما شهد له الحس وهذا غير متوفر في حساب إمكانية الهلال، فالحساب في مواقيت الصلاة مقبول؛ لأن إدراك
(1)
فتاوى السبكي (1/ 209 - 210)، وانظر: العلم المنشور ص (24 - 25).
(2)
"بحوث وفتاوى في بعض مسائل الصوم" للمنيع ص (19)
(3)
حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام (3/ 329).
ذلك بالحس ممكن لارتباطه بالشمس، و (المقصود أن المواقيت حددت بأمر ظاهر بين يشترك فيه الناس ولا يشرك الهلال في ذلك شيء فإن اجتماع الشمس والقمر الذي هو تحاذيهما الكائن قبل الهلال: أمر خفي لا يعرف إلا بحساب ينفرد به بعض الناس)
(1)
، ف (الحس واليقين في مشاهدة الكواكب لا في حساب سيرها)
(2)
، (وقطعية الحساب لا تقبل إلا بنتائج فاشية تفيد العلم اليقيني بصدق نتائجه واطرادها
…
والواقع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليكسب إفادته اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأنه حساب يقيني)
(3)
.
الثاني: أن بعض أهل التخصص لا يسلم بهذه القطعية، ليس لعدم دقة حساب ولادة الهلال ونحوه، وإنما لأمور منها: الاختلاف في تعريف بداية الشهر بين الحاسبين، والاختلاف بين بداية الشهر الهجري فلكياً والمفهوم الشرعي لرؤية الهلال، وإن اتفقت هذه المقدمات فإن هناك مالا يمكن حسابه: وهو حساب أثر الانكسار والسراب
(4)
، ومن مكامن الخطأ
(1)
مجموع الفتاوى (25/ 136).
(2)
أبحاث هيئة كبار العلماء (3/ 42).
(3)
فقه النوازل (2/ 216).
(4)
وللتوضيح هذه نقول من "بحث في مسألة الهلال" للدكتور الفلكي محمد المالكي، قال في ص (22): (أكثر طرق التأكد من الحسابات تكون للتأكد من حسابات موقع القمر الحقيقي
…
وليس إلى صورته الوهمية الناتجة عن الانكسار)، وقال ص (23):(حساب أثر الغلاف الجوي بدقة عالية من الأمور شبه المستحيلة، حيث لو افترضنا وجود عاصفة رملية على بعد خمسة كيلومترات عن الراصد للهلال فإنه لن يشعر بها، وسيكون من الصعب إدخالها في حساباته للهلال، ومثل هذه العاصفة - أو ماشابه - يمكن أن تغير عوامل الرؤية وأثر الانكسار، فيصبح الهلال أعلى مما تتوقعه الحسابات التي لم تأخذ أثر الانكسار في الحسبان، فيقال: غرب الهلال في الوقت الفلاني، لكن وبسبب الظروف الجوية تكون هناك صورة وهمية للهلال لم تغرب بعد فيراه بعض رائي الهلال. فيقال لذلك أخطأ الحاسبون - ولا مشاحة في الاصطلاح -، لكن هذا ليس خطأ في الحساب بل هو نقص في الفرضيات الابتدائية للحساب، أي أن أثر هذه الظاهرة - العاصفة - لم يُؤخذ في الحسبان، فهو إذاً نقص وليس خطأ، وعليه لا يمكن القول أننا اكتشفنا سنة الله في رؤية الهلال)، وقال ص (42):(ومن مكامن الخطأ المحتملة، آثار الغلاف الجوي بنسبة عالية -حيث أن حركة القمر خارج الغلاف الجوي مُتأكد من صحة حساباتها بدقة عالية كما ذكرنا سابقا، فقد يؤثر الغلاف الجوي على شعاع ضوء القمر فيُظهر صورة القمر أعلى مما يتوقع الحاسبون، حسب ظروف البلد الجوية، بسبب ظاهرة الانكسار أو ظاهرة السراب).
في الحساب أيضاً: أن حساب تولد الهلال (المحاق) يحسب في جميع تقاويم الدول الإسلامية بالنسبة لمركز الأرض، وليس بالنسبة لموقع الراصد كالسعودية أو مصر وغيرهما
(1)
، (ويكاد يكون في حكم المستحيل وضع تقويم مضبوط للشهور العربية؛ لأن مواقع الأرض والقمر والشمس لا تتكرر في فترات منتظمة)
(2)
. ف (من الضروري أن نسلم أن هناك بونًا شاسعًا بين حساب: "مكان القمر في الفضاء" بالنسبة للأرض والشمس، وبين حساب: "إمكانية رؤية هذا القمر من على نقطة محددة فوق سطح الأرض"؛ إذ إن الضوء المنعكس من على سطح القمر يمر بظروف متعددة -ظاهرة الاستطالة، انكسار وتشتت وانعكاس في الغلاف الجوي-، وهذا يجعل من المستحيل الجزم بالتلازم بين وجود القمر في مكان مناسب وبين الإمكانية العملية للرؤية)
(3)
.
- فالنظرة الفلكية حسابية رياضية مجردة عن النظر في الحالة المناخية والرصد الجوي، وهذا أشرت إليه سابقاً من متخصص في الفلك، وهذا تأكيد له من متخصص في الأرصاد، وسألخص بعض كلامه: (رؤية الهلال بعد ولادته تحديداً لا تستطيع المعادلات الرياضية ضبطها حالياً سوى بالأسلوب الحتمي ومن جهة واحدة فقط وهنا
(1)
انظر: مقال "الفرق بين ولادة الهلال وظهوره علمياً" لمحمد شوكت عودة، منشور في موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
(2)
"مبادئ الكونيات" للأمين محمد كعورة ص (96 - 97) بواسطة: "دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي" للحسون ص (47).
(3)
"الأنموذج الفلكي المعاصر للنظام الشمسي: وأثره على الخلاف الفقهي حول تحديد مطالع الشهور الهجرية" للدكتور خالد صقر، مقال منشور في موقع مركز نماء.
المشكلة
…
لأنه يلغي من حسابه عدة اعتبارات مهمة
…
أما الطرف الآخر الظروف المناخية والسطحية
…
فلم يتم الالتفات لقياسه
…
ذلك الطرف المناخي المغفل مما أعيا علم الفلك وجعله يتقاطع مع الأرصاد الجوية في نقطة حرجة توقف عندها حتى الآن دون حل
…
فكثافة الغلاف الجوي، والحرارة، والرطوبة، والآيرسول بأنواعه ومن ضمنه بخار الماء، والغبار، ومعدلات الغازات في الغلاف الجوي، وانعكاس وانكسار الأضواء، تلك العناصر التي تجاهلتها المعادلات الرياضية التي صاغت الحساب الفلكي
…
تلك العناصر المناخية ليست بنفس الكم والكيف كل مرة
…
وتتعرض للتذبذب والتغير والتقلب، وتغافلها وتركها وترك متابعتها ضرب من الجنون لا يرضاه العلم الشامل
…
علم الفلك علم كغيره من العلوم التجريدية يقيس الكون من طرف واحد، وهذه مشكلة أعجزت البشر ولا سبيل لهم إلا بالمقارنة والمحاكاة والتصور والمقاربة والمعاينة والتصحيح كل مرة)
(1)
، فظاهرة الانكسار تظهر في قلم صغير تأثر بالماء في الكأس، أفلا يتأثر ضوء ضئيل منعكس بهذه العوامل الكثيرة في الكون؟!
- لهذا الخلل فقد قال ابن تيمية عن الاعتماد على الحساب في الهلال: (ليست طريقة مستقيمة ولا معتدلة بل خطؤها كثير وقد
(1)
من مقال بعنوان: "التحذير من الهواة الفلكيين -رؤيا هلال شوال 1432 - وموقف الأرصاد الجوية من القضية" لخالد الروقي - عضو وكالة الأرصاد الجوية اليابانية، قسم النظام المناخي-، منشور في موقع الألوكة، وانظر:"الأنموذج الفلكي المعاصر للنظام الشمسي: وأثره على الخلاف الفقهي حول تحديد مطالع الشهور الهجرية" للدكتور خالد صقر، وفيه تأكيد لهذه الحقيقة من نظرة فلكية وإبطال لمبدأ الحتمية والقطعية علمياً في العقود الثلاثة الماضية، وأن القول بالقطعية يعكس جهلاً بتطور فلسفة العلوم الطبيعية في المائة عام الأخيرة.
جرب وهم يختلفون كثيرا: هل يرى؟ أم لا يرى؟ وسبب ذلك: أنهم ضبطوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب فأخطئوا طريق الصواب وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وبينت أن ما جاء به الشرع الصحيح هو الذي يوافقه العقل الصريح كما تكلمت على حد اليوم أيضا وبينت أنه لا ينضبط بالحساب؛ لأن اليوم يظهر بسبب الأبخرة المتصاعدة فمن أراد أن يأخذ حصة العشاء من حصة الفجر إنما يصح كلامه لو كان الموجب لظهور النور وخفائه مجرد محاذاة الأفق التي تعلم بالحساب. فأما إذا كان للأبخرة في ذلك تأثير والبخار يكون في الشتاء والأرض الرطبة أكثر مما يكون في الصيف والأرض اليابسة. وكان ذلك لا ينضبط بالحساب فسدت طريقة القياس الحسابي
…
والآخذ بمجرد القياس الحسابي يشكل عليه ذلك)
(1)
.
- وهذا النفي لقطعية حساب إمكانية رؤية الهلال، أما في الوقائع الخاصة فإن أهل الحساب يقع بينهم الاختلاف
(2)
في (إثبات ولادة الهلال أو عدمها، وفي إمكان رؤيته أو [عدمها]، ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته لم يكن إجماعهم حجة؛ لأنهم ليسوا معصومين)
(3)
.
الثالث من الأوجه: قيام دليل مادي على أن الحساب أمر تقديري
(1)
مجموع الفتاوى (25/ 208).
(2)
(ومثل هذا ماوقع في شهر رمضان عام 1421 هـ من الاختلاف في تحديد أول الشهر بين تقويم أم القرى المعتمد على الفك في تحديد الولادة، وبين مجموعة من [العلماء] المعتمدين على الفلك أيضاً في تحديد الولادة، وهو اختلاف في الاصطلاح). بحوث وفتاوى في بعض مسائل الصوم للمنيع ص (23).
(3)
مجموع فتاوى ابن باز (15/ 142).
يدخله الغلط كما في النتائج المعاصرة المنشورة، مع تقدم هذا العلم، وسأكتفي بأربع حالات متفرقة:
1/ في هلال الفطر من شهر شوال عام (1406 هـ)، أعلن الحاسبون في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة (30) من رمضان، (فثبت شرعاً بعشرين شاهداً على أرض المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة
…
ورؤي في أقطار أخرى من الديار الإسلامية)
(1)
.
2/ وفي هلال الفطر لعام (1413 هـ) توقعت الحسابات عدم الرؤية لغروب القمر قبل الشمس بحوالي نصف ساعة في أنحاء المملكة، (ومع ذلك شوهد في أنحاء مختلفة من المملكة وفي الإمارات كما ورد، وتكاثرت الشهادات حتى بدأ مجلس القضاء الأعلى يرفض الشهادات لأنها أصبحت كثيرة
…
وبعض من شهد لم يكن خارجاً للرؤية بل نظر للمغرب صدفة فشهد الهلال لم يغرب بعد، والشمس في غروبها)
(2)
.
3/ وفي هلال الفطر لعام (1428 هـ) نُشرت نتائج الحسابات الفلكية باستحالة رؤية هلال شوال ليلة (30) من رمضان
(3)
، وفي ليلة
(1)
فقه النوازل (2/ 217)، ذكر هذه الواقعة د. بكر أبو زيد وقد كان حينها وكيلاً لوزارة العدل، وانظر: فتاوى ابن باز (15/ 127) فقد ذكر حادثة نحوها في العام الذي بعده (1407 هـ).
(2)
"بحث في مسألة الهلال" ص (38).
(3)
ففي صحيفة الرياض العدد: (14262) نشر عبدالله المنيع "أوائل الشهور رجب وشعبان ورمضان وشوال وذي الحجة لعام 1428 هـ وشهر محرم 1429 هـ وفق الحساب الفلكي"، ومما قال: (يولد هلال شهر شوال الساعة الثامنة ودقيقة واحدة من صباح يوم الخميس الموافق 29 رمضان ويغرب مساء هذا اليوم الخميس الساعة الخامسة وتسع وخمسين دقيقة وتغرب الشمس بعده الساعة السادسة أي بعد غروب الهلال بدقيقة واحدة
…
وبهذا يكون يوم الجمعة الموافق 30 رمضان آخر يوم من أيام شهر رمضان إكمالاً لثلاثين يوماً ويكون يوم السبت
…
هو أول يوم من أيام شوال وهو يوم عيد الفطر المبارك)، وفي صحيفة الرياض -أيضاً- العدد:(14349): (أوضح الباحث العلمي الفلكي عبدالعزيز الشمري عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، أن أول أيام عيد الفطر المبارك لهذا العام هو يوم السبت القادم بعد أن يكمل شهر رمضان 30 يوماً
…
وعليه تستحيل رؤية الهلال في مساء يوم الخميس ليلة الجمعة 29 رمضان 1428 هـ في جميع أنحاء الجزيرة العربية حيث يغرب القمر قبل غروب الشمس)، وفي صفحة للدكتور علي الشكري من موقع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن قال: (هلال شهر شوال 1428 هـ
…
ولادة القمر (الاقتران) وليس ظهور الهلال ستكون يوم الخميس قبل غروب الشمس بحوالي عشر ساعات، ولكن سيغرب الهلال مساء ذلك اليوم قبل غروب الشمس بحوالي دقيقة واحدة، لذا فحسب الحسابات الفلكية لا يمكن رؤية الهلال بعد مغيب شمس ذلك اليوم لعدم وجوده فوق الأفق، عليه فلن يكون اليوم التالي (الجمعة) بداية لشهر شوال فلكياً بل تكملة رمضان ولكن من السنة تحري الهلال).
(30)
صرّح رئيس مجلس القضاء الأعلى صالح اللحيدان برؤية الهلال وقال: (من فضل الله -جل وعلا- وعظيم منته أن رؤية هلال شوال في هذه الليلة لم تقتصر على مكان معين واحد أو اثنين أو ثلاثة، ولم يكن العدد من اثنين أو ثلاثة أو خمسة، بل العدد وصل إلى العشرة
…
فالرؤيا في عدة أماكن في المملكة في الوسط وفي الشرق)
(1)
.
4/ أختم بذكر واقعة ذكرها الفلكيون في بيان لهم جاء فيه: ([بيان من الفلكيين (وأعضاء اللجنة العلمية) حول رؤية هلال عيد فطر 1432 هـ] ربما لم يشهد أي شهر هجري فيما مضى أخذاً وردّاً حول صحة رؤية الهلال كما شهد شوال 1432 هذا، إذْ أعلنت السعودية ومصر والجزائر ثبوت رؤية الهلال يوم الإثنين 29 رمضان 1432 هـ الموافق 29 آب/ أغسطس 2011 م، في الوقت الذي كان
(1)
نشر هذا التصريح في وكالة (واس) وتاريخه (29 رمضان 1428 هـ)، ونشر من الغد في صحيفة الرياض العدد:(14355)، ثم رد الشيخ ابن منيع على الشيخ اللحيدان على تصريحه هذا وخاصة بعض العبارات فيه في صحيفة الرياض العدد:(14363) وعنونت له الصحيفة: (التسليم بعدم قبول خبر علماء الفلك يعني أن الجميع في ذمة مجلس القضاء!
أتمنى أن تعيد النظر في معنى "الإرجاف" وأن لا تسمح لنفسك بوصفك أخوانك بالمنافقين!!).
فيه 22 من الفلكيين المسلمين قد صرحوا في بيان وزّع قبل ذلك بأكثر من أسبوع أن مثل تلك الرؤية لن تكون ممكنة، وكذلك جاءت تصريحات من فلكيين آخرين، هيئات وأفراداً)
(1)
.
- وقبل فرض التسليم بقطعية الحساب، لا بد من بيان هزال حمل البينة الشرعية على الكذب أو الغلط، (حيث إن الشهادة عند إثباتها يُسأل الشاهد عن شكل القمر واتجاه فتحته وموقعه من الشمس -هذا نظام المحاكم في المملكة-
…
ولعل السبيل الوحيد للتأكد من صحتها هو بمقارنة الشهادات بعضها ببعض)
(2)
.
- أما حملها على الكذب (فهذا منهج خطير في اتهام الناس في أماناتهم
…
لو كذب الراصد في شهادته فستتناقض مع شهادات الراصدين الآخرين
…
وفتح الباب بالتكذيب يعطي عذراً لغير الحاسبين أن يتهموا الحاسبين بالكذب
…
حيث أن غالبية العناصر الأولية للحسابات تأتي من عند غير المسلمين، وهم أولى بالتآمر على الإسلام من شاهدي الهلال)
(3)
، والاحتمالات المفترضة (لا أثر لها شرعا لإمكان وجودها في غيرها من الشهادات)
(4)
.
- وأما حملها على الغلط، فهذا اختباره سهل بسؤال الرائي عن رؤيته من أهل الخبرة، والتحقق حاصل في محاكمنا، وليست لرؤية
(1)
البيان منشور في موقع: (مركز الفلك الدولي)، وموقّع من 25 متخصص في الفلك.
(2)
"بحث في مسألة الهلال" ص (38)، ومما يدل على التوثق من الشهادة في محاكمنا ماذكره شيخنا أ. د. سعد الخثلان في شرحه لفقه النوازل بجامع شيخ الإسلام سنة (1427 هـ) بقوله:(العام الماضي عام ألف وأربعمائة وست وعشرين ادعى رؤية الهلال خمسة شهود، ومع ذلك رد مجلس القضاء الأعلى هنا في المملكة جميع شهادة هؤلاء).
(3)
المرجع السابق ص (40).
(4)
حاشية ابن عابدين (2/ 387).
شخص واحد بل لأكثر من رؤية متكررة في أعوام، فإن لم تتناقض رؤية الرائين عن الواقع الصحيح، استحال أن يكون كوكباً أو مركبة أو حالة جوية أو حالة نفسية، ومع الشهادات الكثيرة في الأعوام المتكررة من المناطق الختلفة وانتفاء التضارب بينها، (فإن الكون يكون -بعد مشيئة الله- قد تآلب على الفلكيين لإثبات خطئهم و
…
ليس أمام الحاسبين إلا أن يقبلوا بأن هناك عوامل لم يضموها لحساباتهم الفلكية والأمر لايسلم من الخطأ)
(1)
.
- وعلى فرض التسليم بقطعية الحساب، فإن هذا السبب مما ألغي في الشرع ف (لو بنى على قول المنجمين وأهل المعرفة بالحساب، فوافق الصواب، لم يصح صومه، وإن كثرت إصابتهم؛ لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه، ولا العمل به، فكان وجوده كعدمه)
(2)
.
- وحقيقة دخول الشهر الشرعية غير حقيقة دخول الشهر الفلكية، وهذا التغاير له نظائر مسلّم بها في مغايرة الحقيقة اللغوية للحقائق الشرعية= فليسلّم به هنا، والمعتمد عند تغاير الحقائق مع الحقيقة الشرعية هو الحقيقة الشرعية إن وجدت ثم اللغوية ثم العرفية.
- وإلغاء القطع مع إمكانه، موجود في الشريعة لحِكم مختلفة منها: التيسير وسد الذرائع وغيرهما، فالقاضي لا يقضي بعلمه اليقيني ولو عارض يقينه البينة الظنية، والولد للفراش ولا اعتبار لغير ذلك من حمض نووي قطعي ولا غيره، إلا إن لاعن الرجل لنفي الولد
(3)
.
(1)
"بحث في مسألة الهلال" ص (41).
(2)
المغني (3/ 112).
(3)
انظر: "نقاش علمي مع الشيخ ابن منيع في مسألة الأهلة" للدكتور هيثم الحداد، منشور في موقع الدرر السنية.
- ومن دلائل إلغاء الاعتماد على الحساب، قصد التخفيف في شهادة الهلال، فدخول رمضان شهادة الواحد تكفي في الشرع مع تخفيف لشروط شهادته في الآثار حيث لم يُسأل الشاهد إلا عن إسلامه، ولو أراد الشارع التشديد لشددّ كما شدّد في الشهادة بالزنا فلم يقبل إلا شهادة الأربعة شهادة صريحة واضحة محققة، فتأمّل كيف سهل في الهلال وهو في الأفق والسعة لجميع الناس، وشددّ في الزنا وهو في الاستتار والضيق ماهو معلوم، فهل يتردّد فقيه أن التيسير هنا مقصود وأن غيره تعسير و تشديد؟!.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته فإن نسبة القول بالاعتماد على الحساب الفلكي في دخول الشهر إلى الشذوذ صحيحة، لمخالفته للنص الصريح، ولإجماع الصحابة على عدم العمل به كما نقل اتفاقهم بعض العلماء، وما جاء عن أنس وابن عمر يؤيد ذلك، وأول من روي عنه العمل بالحساب مطرّف بن الشخير ولا يصح عنه، وهو قول نادر عند الحنفية، ورواية شاذة عن مالك، ووجه عند الشافعية، وأقدم من قال به بعد البحث هو ابن سريج (ت 306)، وخلاصة رأيه:(جواز اعتماد الحساب للعارف به خاصة، وجواز تقليده إن استفتي)، قال ابن تيمية: (ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه،
فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم)
(1)
.
ثم اخترع السبكي (ت 756) قرينة لرد البينة الشرعية وهي: أن يدل الحساب على عدم إمكان رؤية الهلال، فإن الشهادة ترد هنا
(2)
.
ثم أحدث أحمد شاكر (ت 1377) قولاً لم يسبق إليه -فيما أعلم- ووسّع الخطو: فأوجب إثبات الأهلة بالحساب في كل الأحوال في الإثبات والنفي، وفي الدخول والخروج، وهو أشذ الأقوال في المسألة، ولا أعلم من سبقه إلى إيجاب ذلك، وتبعه القرضاوي على هذا القول، والله أعلم.
(1)
مجموع الفتاوى (25/ 132 - 133)، وسبق تحرير رأي ابن سريج.
(2)
وأكثر من انتصر لهذا الرأي ابن منيع، ويسميه الاعتماد على الحساب بالنفي لا في الإثبات؛ لأن الإثبات بالرؤية فقط، لكن تسميته نفياً لا يغير الحقيقة، إذ هو نفي متضمن للإثبات؛ فمن نفى إمكانية رؤية الهلال بالحساب ورد الشهادة بناء عليه، فقد أثبت اكتمال الشهر بالحساب، وهذا إثبات واعتماد على الحساب.
قال ابن خلدون: (فإنّ النّفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر= أعطته حقّه من التّمحيص والنّظر حتّى تتبيّن صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيّع لرأي أو نحلة= قبلت ما يوافقها من الأخبار لأوّل وهلة، وكان ذلك الميل والتّشيّع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتّمحيص، فتقع في قبول الكذب ونقله).
تاريخ ابن خلدون (1/ 46)
المبحث الثالث: وجوب الكفارة دون القضاء على من جامع في نهار رمضان متعمداً
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(وليس الطريق أن يُبْنَى الدين على كل لفظٍ جديدٍ بدون النظر إلى التعامل، ومن يفعل ذلك لا يَثْبُت قدمه في موضعٍ، ويخترعُ كل يوم مسألة، فإن توسُّع الرواة معلومٌ، واختلاف العبارات والتعبيرات غير خفيِّ).
فيض الباري على صحيح البخاري (2/ 302)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الكفّارة لغة: أصلها (يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية)
(1)
، (والكفّارات سميت كفارات؛ لأنها تكفر الذنوب أي تسترها)
(2)
، (وهي فعّالة للمبالغة)
(3)
.
والكفارة في الاصطلاح: (ما وجب على الجاني جبراً لما منه وقع، وزجراً عن مثله)
(4)
، (وهي عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة: أي تسترها وتمحوها)
(5)
.
ومن وجب عليه صيام رمضان ثم تعمّد الفطر بالجماع فكفارته: عتق رقبة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، على الترتيب عند الجمهور
(6)
، وهل يجب عليه قضاء صيام اليوم الذي أفسده مع الكفارة؟ هذه هي مسألتنا
(7)
.
(1)
مقاييس اللغة (5/ 191).
(2)
تهذيب اللغة (10/ 114)، لسان العرب (5/ 148).
(3)
النهاية لابن الأثير (4/ 189).
(4)
التوقيف على مهمات التعاريف ص (282).
(5)
النهاية لابن الأثير (4/ 189).
(6)
في الإقناع لابن القطان (1/ 236): (ولا أعلم عالماً أجاز التخيير في كفارة المجامع في رمضان وهو صائم)، ونقله ابن القطان من "الإيجاز" وهو من الكتب التي لم يقف عليها محقق طبعة الفاروق، ورجح محقق طبعة دار القلم أ. د. فاروق حمادة أن الإيجاز لمحمد بن داود الظاهري، قلت: وقد قال بالتخيير مالك مع تفضيل الإطعام، والتخيير رواية عن أحمد مقابلة للصحيح من المذهب. انظر: الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 341)، التاج والإكليل (3/ 363)، المغني (3/ 140)، الإنصاف للمرداوي (3/ 322).
(7)
ولها علاقة بمسألة سابقة وهي: (إعادة الصلاة لمتعمد ترك أدائها في وقتها) كما في كتاب الصلاة المبحث الثامن.
وقبل التفريع أذكر حديث الباب -حتى يكتفى بالإشارة إليه فيما يأتي-، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت، يا رسول الله، قال:«وما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال:«هل تجد ما تعتق رقبة؟» قال: لا، قال:«فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، قال:«فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟» قال: لا، قال: ثم جلس، فأتُي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر، فقال:«تصدق بهذا» قال: أفقرَ منا؟
(1)
فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:«اذهب فأطعمه أهلك»
(2)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة المراد بحثها:
1.
…
(أجمعوا على أن من أكل ناسياً فظن أن ذلك قد فطّره، فجامع عامداً أن عليه القضاء، ولا كفارة عليه)
(3)
، (وأجمعوا أن من جامع في قضاء رمضان أنه لا كفارة عليه، وأنه يقضي يوما مكانه)
(4)
.
(1)
قال النووي في شرح مسلم (7/ 226): (كذا ضبطناه أفقرَ بالنصب، وكذا نقل القاضي أن الرواية فيه بالنصب على إضمار فعل تقديره: أتجد أفقر منا؟ أو أتعطي).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللفظ له، من طرق عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة به، وقد أخرجاه أيضاً من حديث عائشة وليس في حديثها إلا الإطعام، وفيه:«أين المحترق» ، قال ابن حجر في الفتح (4/ 162): (القصة واحدة وقد حفظها أبو هريرة، وقصها على وجهها وأوردتها عائشة مختصرة
…
والظاهر أن الاختصار من بعض الرواة).
(3)
الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي (1/ 607)، وانظر: الإشراف لابن المنذر (3/ 127)، الإقناع لابن القطان (1/ 234).
(4)
الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 234)، هكذا في الإقناع وقد نقله عن الإشراف، وفي الإشراف (3/ 124) ذكر مخالفة قتادة بقوله:(وقال قتادة: عليه القضاء والكفارة).
2.
و (أجمع الجميع أن من جامع بعد الفجر في رمضان أنه عاصٍ
(1)
، إذا كان عالماً بالنهي عن ذلك)
(2)
، فيلزمه التوبة من هذه الكبيرة
(3)
؛ ف (الصائم
…
ممنوع من الوطء إجماعاً، فإن وطئ في صوم رمضان فقد أفسد صومه)
(4)
، وذلك فيمن (جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل
…
إذا كان عامداً)
(5)
.
3.
وعليه مع التوبة: الكفارة في قول عامة أهل العلم
(6)
، (وشذّ قوم فلم يوجبوا على المفطر عمدا بالجماع إلا القضاء فقط)
(7)
.
4.
وعليه مع التوبة والكفارة: قضاء ذلك اليوم الذي أفسده، وهو قول جمهور العلماء، (وقال الأوزاعي: إن كفر بالعتق أو بالطعام صام يوماً مكان ذلك اليوم الذي أفطر، فإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء يومه ذلك)
(8)
، وقيل: إنه لا يقضي مطلقاً وهو قول
(1)
قال النووي في المجموع (6/ 321): (أجمعت الأمة على تحريم الجماع في القبل والدبر على الصائم، وعلى أن الجماع يبطل صومه).
(2)
الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 235) ونقله ابن القطان من "الإنباه" وهو من الكتب التي لم يقف عليها محقق طبعة الفاروق، وجزم محقق طبعة دار القلم أ. د. فاروق حمادة أن الإنباه لمنذر بن سعيد البلوطي (ت 355).
(3)
عدها الذهبي في كتابه الكبائر ص (157) من الكبائر فقال: (إفطار رمضان بلا عذر ولا رخصة) وقال: (عند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلاعذر ولاغرض أنه شرٌّ من الزاني، والمكّاس، ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والإلحاد)، وفي الزواجر عن ارتكاب الكبائر للهيتمي (1/ 323):(والإفطار فيه بجماع أو غيره بغير عذر من نحو مرض أو سفر)، وقال:(حكمة كثرة ما جاء من الوعيد في ترك الصلاة والزكاة دون الصوم: أنه لا يتركه كسلاً مع القدرة عليه إلا الفذ النادر، بخلاف ترك الصلاة والزكاة فإنه كثير في الناس).
(4)
الحاوي الكبير (3/ 424).
(5)
المغني (3/ 134).
(6)
انظر: المغني (3/ 134)، شرح النووي على مسلم (7/ 224).
(7)
بداية المجتهد (2/ 64)، ولم أفرد هذه المسألة بالبحث؛ لأني لم أقف على من يقول بذلك من المعاصرين.
(8)
الاستذكار (3/ 312).
عند الشافعية مقابل للأصح -ذكره الشافعي في الأم احتمالاً-
(1)
، وقول ابن حزم
(2)
، وأحد قولي ابن تيمية
(3)
، وهو رأي ابن القيم
(4)
، ورجحه بعض المعاصرين ونُسب قولهم إلى الشذوذ، وهذا هو الرأي المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
انظر: الأم (2/ 108)، المجموع (6/ 331)، وقيل: إن كفر بالصوم لم يجب وإلا وجب وصرّح، الشافعي كما في مختصر المزني (8/ 152) بالقضاء والكفارة فقال:(وإن وطئ امرأته وأولج عامداً، فعليهما القضاء، وكفارة واحدة عنه وعنها).
(2)
قال في الإحكام في أصول الأحكام (4/ 38): (أما الصلاة المفروضة المتروكة عمداً والصوم المفروض في رمضان المتروك عمداً، فإن الذي فرط فيها لا يقدر على قضائها أبداً، وليس عليه صيام يقضيه ولا صلاة يقضيها، وإنما عليه إثم أمره فيه إلى ربه تعالى)، وقال في المحلى (4/ 308): (فمن تعمد ذاكراً لصومه شيئاً مما ذكرنا فقد بطل صومه، ولا يقدر على قضائه إن كان في رمضان أو في نذر معين، إلا في تعمد القيء خاصة فعليه القضاء
…
ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء: نص بإيجاب القضاء)، قال ابن رجب في الفتح (5/ 134):(ومذهب الظاهرية - أو أكثرهم-: أنه لا قضاء على المتعمد).
(3)
القول الأول له بوجوب القضاء كما في شرح العمدة - كتاب الصيام (1/ 267): (يجب عليهم القضاء عن كل يومٍ يوماً؛ كما يجب القضاء على مَنْ فوَّت الصلاة؛ لأنه إذا وجب القضاء على المعذور؛ فعلى غير المعذور أولى، مع أن الفطر متعمداً من الكبائر، وفوات العين باقٍ في ذمته، وعليه أن يتوب منه، وهو أعظم من أن يمحوه كفارة مقدرة أو تكرار الصيام أو غير ذلك)، وهذا القول متقدم وهو شرح على المذهب في أول أمر الشيخ، والقول الآخر هو اختياره -وهو المشهور عن الشيخ- أنه لايشرع له القضاء كما في الفروع (5/ 71):(وعند شيخنا: لا يقضي متعمد بلا عذر "خ" صوما ولا صلاة)، وكما في اختياراته المطبوعة مع الفتاوى الكبرى (5/ 320):(وتارك الصلاة عمداً لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وكذا الصوم)، وقال كما في مجموع الفتاوى (25/ 225): (وأما أمره للمجامع بالقضاء فضعيف
…
ولما لم يأمره به دل على أن القضاء لم يبق مقبولاً منه).
(4)
انظر: كتاب الصلاة ص (84 - 88)، ص (96)، مدارج السالكين (1/ 386 - 388).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
مقبل الوادعي (ت 1422)
(1)
، وجميع المعاصرين الذين ذكرتهم في مسألة:(لا إعادة للصلاة لمتعمد ترك أدائها في وقتها) لم يقولوا بذلك هنا ولكلٍّ منهم مأخذ مختلف في الفرق بين المسألتين
(2)
، أما ابن حزم وابن تيمية وابن القيم فلم يفرقوا بين المسألتين.
(1)
في "فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام" للبعداني (2/ 681) قال: (هل على المجامع في نهار رمضان أن يقضي ذلك اليوم مع الكفارة؟
…
لايلزمه ولايقدر على قضائه .... لأن الرجل قد أفسد صومه متعمداً، فمن أين لنا الدليل أنه يمكنه أن يتدارك ذلك بصيام بعد خروج الوقت والحد الذي حده الله لهذه العبادة، وهذا هو الراجح، وهو ترجيح والدنا وشيخنا مقبل الوادعي رحمه الله)، والبعداني محمد بن علي بن حِزَام معدود في تلاميذ الوادعي، ولم أقف على رأي الوادعي صريحاً إلا من هذا النقل، وللوادعي عدة فتاوى في موقعه في كفارة المجامع في نهار رمضان ليس فيها ذكر للقضاء، وجاء في رسالته "فضائح ونصائح"ص (81): (ماذا يجب على الرجل إذا جامع زوجته من الكفارات؟
…
فإن كان هناك عبيد فيعتق، وإن لم يوجد عبيد فينتقل إلى الصوم، ولاينتقل إلى الإطعام مع قدرته على الصوم)، ولم ينبه على القضاء.
(2)
من قال بعدم الإعادة في الصلاة وقال بالقضاء هنا: ابن باز والألباني وابن عثيمين، ومأخذ ابن باز في عدم القضاء في الصلاة هو أن تارك الصلاة كافر بخلاف الصوم، ومأخذ الألباني إثباته زيادة:«صم يوماً مكانه» في كفارة المجامع، ولولاها لقال بعدم القضاء كما هو قوله في جميع من أفطر متعمداً لغير عذر، ومأخذ ابن عثيمين في قضاء المجامع أنه لما شرع فيه ألزم نفسه به، بخلاف مَنْ لم يصم من الأصل متعمداً، فهذا لا يقضي، ولو قضاه لم يقبل منه. انظر: مجموع فتاوى ابن باز (10/ 312)(15/ 302)، تمام المنة ص (326)، إرواء الغليل (4/ 93)، الشرح الممتع (6/ 365).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه، وقد نص على شذوذ هذا القول:
- ابن رشد (ت 595) بقوله عن المفطر عمداً بالجماع: (شذَّ قوم أيضاً فقالوا: ليس عليه إلا الكفارة فقط؛ إذ ليس في الحديث ذكر القضاء، والقضاء الواجب بالكتاب إنما هو لمن أفطر ممن يجوز له الفطر، أو ممن لا يجوز له الصوم
…
فأما من أفطر متعمداً فليس في إيجاب القضاء عليه نص، فيلحق في قضاء المتعمد الخلاف الذي لحق في قضاء تارك الصلاة عمداً حتى خروج وقتها، إلا أن الخلاف في هاتين المسألتين شاذ)
(1)
.
(1)
بداية المجتهد (2/ 64)، و بعض ما استدل به في مسألة:(إعادة الصلاة لمتعمد ترك أدائها في وقتها)، يصلح هنا.
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بوجوب القضاء مع الكفارة:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ بزيادة في حديث كفارة المجامع وهي قوله في آخره: «وصُمْ يوماً واستغفرِ الله»
(1)
، وفي رواية:«وصم يوماً مكانه»
(2)
.
(1)
أخرجه أبوداود (2393) وابن خزيمة (1954) وغيرهما من طريق هشام بن سعد عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به، قال ابن خزيمة:(هذا الإسناد وهم) وقال: (فإن في القلب من هذه اللفظة)، قال الخليلي في الإرشاد (1/ 344):(وهذا أنكره الحفاظ قاطبة، من حديث الزهري، عن أبي سلمة؛ لأن أصحاب الزهري كلهم اتفقوا عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخي أبي سلمة، وليس هو من حديث أبي سلمة)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (7/ 168):(وهشام بن سعد لا يحتج به في حديث ابن شهاب)، وروى الزيادة عن الزهري أيضاً: الليث بن سعد واختلف عليه فروي عنه الحديث بالزيادة ودونها، وأبو أويس المدني، وعبدالجبار بن عمر الأيلي، انظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/ 381 - 382) قال ابن حجر في الفتح (4/ 172): (ورد الأمر بالقضاء في هذا الحديث في رواية أبي أويس، وعبد الجبار، وهشام بن سعد كلهم عن الزهري، وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري، وحديث إبراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها)، فهؤلاء أربعة مع هشام قال ابن القيم في تهذيب السنن (7/ 19):(وهذا لا يفيد صحة هذه اللفظة فإن هؤلاء إنما هم أربعة، وقد خالفهم من هو أوثق منهم وأكثر عدداً وهم أربعون نفساً لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة، ولا ريب أن التعليل بدون هذا مؤثر في صحتها ولو انفرد بهذه اللفظة من هو أحفظ منهم وأوثق، وخالفهم هذا العدد الكثير لوجب التوقف فيها، وثقة الراوي شرط في صحة الحديث لا موجبة بل لا بد من انتفاء العلة والشذوذ وهما غير منتفيين في هذه اللفظة).
(2)
جاءت من أوجه: عن ابن المسيب: أخرجه مالك (1/ 297) عن عطاء بن عبد الله الخراساني، عن سعيد بن المسيب به، وأخرجه ابن أبي شيبة (9774) من طريق المطلب بن أبي وداعة، عن سعيد بن المسيب به، وأخرجه ابن ماجه (1671) من طريق عبد الجبار بن عمر قال: حدثني يحيى بن سعيد عن ابن المسيب، عن أبي هريرة به، والرواية الأولى والثانية مرسلة، والثالثة فيها ضعف عبدالجبار بن عمر، قال البيهقي في الكبرى (4/ 383):(وروي من أوجه أخر عن سعيد بن المسيب، واختلف عليه في لفظ الحديث، والاعتماد على الأحاديث الموصولة)، وعن حجاج بن أرطاة: أخرجه ابن أبي شيبة (9787) من طريق حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به، وحجاج ضعيف، ومرسل محمد بن كعب و نافع بن جبير: أخرجهما عبدالرزاق (7461)(7462) عن أبي معشر المدني عن محمد بن كعب به، وعن ابن جريج، عن نافع بن جبير به، وهما مرسلان، فكل طريق لا يخلو من ضعف، لكن قال ابن حجر في الفتح (4/ 172):(ووقعت الزيادة أيضاً في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن جبير والحسن ومحمد بن كعب وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلاً)، وذكر هذه الطرق وطرق اللفظة الأولى ابن حزم في المحلى (4/ 309) وقال:(لايصح فيها شيء)، وضعفها كلها، وكذلك ابن القيم في كتابه الصلاة ص (96) ذكر الطرق وفنّدها، وقال:(أما قصة المجامع في رمضان فقد رواها أصحاب الصحيح ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة، والذي ذكرها لا تقوم به الحجة).
ونوقش هذا الاستدلال:
بأن (هذه الزيادة وهي الأمر بالصوم، قد طعن فيها غير واحد من الحفاظ)
(1)
، و (وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة، ولم يذكر أحد أمره بالقضاء، ولو كان أَمَره بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم وهو حكم شرعي يجب بيانه)
(2)
، (وإنما يصح حديث القضاء مرسلًا)
(3)
، (ولا تقوم بالمرسل حجة، وتالله لو صح منها خبر واحد -مسند من طريق الثقات- لسارعنا إلى القول به)
(4)
.
وأجيب عن هذه المناقشة:
أن (مرسلات سعيد بن المسيب
…
حجة عند الفقهاء، وكتاب الله
(1)
تهذيب السنن (7/ 19).
(2)
مجموع الفتاوى (25/ 225)، وانظر: منهاج السنة النبوية (5/ 224)، فالحديث في الصحيحين في مواضع عديدة ليس في موضع منها إشارة إلى هذا الحرف مما يدل على تنكب الشيخين لهذا الحرف، وقد تبين أن كل طريق فيه علة.
(3)
الأحكام الوسطى (2/ 231).
(4)
المحلى (4/ 310).
يشهد بصحته، وهو قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولا تبرأ الذمة إلا بيقين الأداء وهو قضاء اليوم مع الكفارة)
(1)
.
ويمكن الجواب عن هذا الجواب:
- بأن الاحتجاج بمرسل سعيد -على التسليم به- ليس فيما عُلم خطؤه من الروايات كالشاذ والمنكر، والشافعي أشهر من عرف باحتجاجه بمرسل سعيد و (الذي يقتضي مذهب الشافعي: أنه جعل لسعيد مزية في الترجيح بمراسيله خاصة؛ لأن أكثرها وجد متصلاً من غير حديثه، لا أنه جعلها أصلاً يحتج به)
(2)
.
- والاستدلال بالآية محل نظر؛ لأنها في المفطر لعذر من مرض أو سفر، فلا يقاس عليه غير المعذور، والشيء يقاس على نظيره وليس على نقيضه، وقد سبق نقاش مثل هذا القياس في تأخير الصلاة للمتعمد.
2/ ومن أدلتهم: الإجماع.
وقد نقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد من العلماء:
1.
قال ابن بطال (ت 449): (وقد أجمعت الأمة على أن من ترك يومًا من شهر رمضان عامدًا من غير عذر أنه يلزمه قضاؤه، فكذلك الصلاة، ولا فرق بين ذلك)
(3)
.
2.
وقال ابن عبدالبر (ت 463): (وأجمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم رمضان عامداً وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشرًا وبطراً -
(1)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 72).
(2)
الفقيه والمتفقه (1/ 545).
(3)
شرح البخاري (2/ 221).
تعمد ذلك ثم تاب عنه - أن عليه قضاءه، فكذلك من ترك الصلاة عامداً)
(1)
.
3.
قال البغوي (ت 516): (أجمعت الأمة على أن من جامع متعمداً في نهار رمضان يفسد صومه، وعليه القضاء، ويعزر على سوء صنيعه)
(2)
، وقال في المفطر عمداً:(فالعلماء مجمعون على أنه يقضي يوما مكانه)
(3)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بعدم التسليم من وجهين، الوجه الأول: يقال لمن استدل بالإجماع: (أوجدونا عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن دونهم صرح بذلك، ولن تجدوا إليه سبيلاً، وقد أنكر الأئمة كالإمام أحمد والشافعي وغيرهما دعوى هذه الإجماعات التي حاصلها عدم العلم بالخلاف لا العلم بعدم الخلاف، فإن هذا مما لا سبيل إليه إلا فيما علم بالضرورة)
(4)
.
ويمكن الجواب عن هذا الوجه:
- بأن هذا نقاش في أصل الاستدلال بالإجماع وليس هو السبيل هنا
(1)
الاستذكار (1/ 77)، والعجيب أن ابن عبدالبر شنّع في مسألة قضاء الصلاة على ابن حزم، ونقل هذا الإجماع هناك، أما في الصيام فلم يحكه، ولم يشنع كما شنع في الصلاة، بل احتج لكل فريق ولم يستصحب الإجماع، وحكى الخلاف فقال في الاستذكار (3/ 312):(واختلفوا أيضاً في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة)، إلا إن كان هذا الخلاف في الفطر بالجماع، وقد ذكر مسألة الفطر المتعمد بالأكل والشرب (3/ 313) فقال:(واختلف العلماء فيمن أفطر يوماً في رمضان بأكل أو شرب متعمداً)، فذكر الخلاف في وجوب القضاء مع الكفارة، وفي صيام أكثر من يوم، وليس في قول منها سقوط القضاء.
(2)
شرح السنة (6/ 284).
(3)
المرجع السابق (6/ 290).
(4)
الصلاة ص (85).
مع من يستدل بالإجماع وإلا وقع في التناقض، والسبيل أن يثبت من خالف ذلك الإجماع، أما دعوى أن الإجماع المقبول هو العلم بعدم الخلاف فلعل هذا مما تأثر به ابن القيم بابن حزم، ونقضه شيخه ابن تيمية بقوله:(دعوى الإحاطة بما لا يمكن الإحاطة به، ودعوى أنَّ الإجماع الإحاطي هو الحجة لا غيره، فهاتان قضيتان لا بد لمن ادعاهما من التناقض إذا احتج بالإجماع، فمن ادَّعى الإجماع في الأمور الخفية بمعنى أنه يعلم عدم المنازع، فقد قفا ما ليس له به علم، وهؤلاء الذين أنكر عليهم الإمام أحمد، وأما من احتج بالإجماع بمعنى عدم العلم بالمنازع، فقد اتبع سبيل الأئمة، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل)
(1)
، وأبعد منه أن يُتطلب في الإجماع صريح كلام كل مجتهد في العصر، فهذا لا وجود له في الواقع.
الوجه الآخر:
- أن هذا الإجماع مخالف للرواية المشهورة: «من أفطر يوماً من رمضان، من غير رخصة، لم يجزه صيام الدهر»
(2)
، روي مرفوعاً، وموقوفاً عن أبي بكر
(3)
،
(1)
نقد مراتب الإجماع ص (302).
(2)
أخرجه أحمد (9706)، وابن ماجه (1672)، وونحوه عند أبي داود (2396)، والترمذي (723)، وغيرهم ومداره عند الجميع على ابن المطوّس [أو أبي المطوس] عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً، قال الترمذي:(حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدا يقول: " أبو المطوس: اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث)، وقال ابن خزيمة في صحيحه (3/ 238):(لا أعرف ابن المطوس ولا أباه)، قال ابن حجرفي الفتح (4/ 161):(فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب، والجهل بحال أبي المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة، وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء).
(3)
قال ابن حزم في المحلى (4/ 311): (قال بمثل قولنا أفاضل السلف: روينا من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن البيلماني: أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فيما أوصاه به: من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع)، وأعله ابن حجر في الفتح (4/ 162) بالانقطاع بين ابن حزم وابن المبارك، قلت: وقد وقفت عليه موصولاً عند عبدالرزاق (6934) عن ابن المبارك وهو أبو عبد الرحمن الخراساني، عن هشام صاحب الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن البيلماني، أن أبا بكر قال: فيما أوصى به عمر: من أدى الزكاة إلى غير أهلها لم تقبل زكاته ولو تصدق بالدنيا جميعا، ومن صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه صومه، ولو صام الدهر أجمع)، وفي ابن البيلماني كلام، (ولم يدرك أبا بكر) كما في كنز العمال (6/ 605).
وعلي
(1)
، وأبي هريرة
(2)
، و ابن مسعود
(3)
رضي الله عنهم.
- فالمرفوع ضعيف، والموقوف صحيح خاصة عن ابن مسعود، وقد اختصر ذلك البخاري بالإشارة حين قال:(باب إذا جامع في رمضان، ويُذكر عن أبي هريرة رفعه: «من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض، لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» وبه قال ابن مسعود)
(4)
، فذكر الرفع بصيغة التمريض وجزم بالموقوف على
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (9785) قال: حدثنا أبو معاوية عن عمر بن يعلى، عن عرفجة، عن علي، قال:(من أفطر يوما من رمضان متعمدا، لم يقضه أبدا طول الدهر)، وعمر بن يعلى ضُعّف، قال في التقريب ص (414):(عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي الكوفي، وقد ينسب إلى جده، ضعيف).
(2)
أخرجه النسائي في الكبرى (3272) قال: أخبرني زكريا بن يحيى قال: حدثنا عمر بن محمد بن الحسن، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شريك عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة قال:(من أفطر يوما من رمضان، لم يقضه يوم من أيام الدنيا)، وهذا الإسناد غير قوي، فعمر ربما وهم، ووالده فيه لين، وشريك يخطئ كثيراً، ورواية شريك عن العلاء عن أبيه لم أقف عليها إلا في هذا الموضع، ولم يذكر العلاء من شيوخ شريك، مع ما في العلاء بن عبدالرحمن من كلام.
(3)
أخرجه عبدالرزاق (7476) عن الثوري، عن واصل الأحدب، عن مغيرة بن عبد الله اليشكري، عن رجل قال: قال ابن مسعود به، وفيه جهالة، وأخرجه ابن ابي شيبة (9784) قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن واصل، عن مغيرة اليشكري عن بلال بن الحارث عن ابن مسعود قال:(من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر كله)، وهذا إسناد صحيح.
(4)
صحيح البخاري (3/ 32).
ابن مسعود، ثم ذكر الرأي الآخر بقوله:(وقال سعيد بن المسيب، والشعبي، وابن جبير، وإبراهيم، وقتادة، وحماد: يقضي يوماً مكانه)
(1)
.
- قال ابن حجر: (والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالآثار التي ذكرها إلى أن إيجاب القضاء مختلف فيه بين السلف
…
وأشار بحديث أبي هريرة إلى أنه لا يصح لكونه لم يجزم به عنه، وعلى تقدير صحته فظاهره يقوي قول من ذهب إلى عدم القضاء في الفطر بالأكل بل يبقى ذلك في ذمته زيادة في عقوبته
…
)
(2)
.
- قال ابن القيم: (فهذه الرواية المعروفة فأين الرواية عنه أو عن أصحابه: من أفطر رمضان أو بعضه أجزأ عنه أن يصوم مثله)
(3)
.
ونوقش هذا الوجه:
- بأن معنى: «لم يقضه» هنا أي: (لم يجد فضيلة الصوم المفروض)
(4)
، والمراد هو التغليظ والإنذار بما لحقه من الإثم وفاته من الأجر، وليست صريحة بنفي القضاء
(5)
، فهو (مأمور بالقضاء، غير مدرك بذلك القضاء ما كان يصيبه لو صامه في عينه)
(6)
، (ولا مثله يرجى أبداً، فلم يبق إلا أن يقابل يوم بيوم ويقابل عظيم الذنب بخالص التوبة)
(7)
، (فلو صام الدهر كله؛ لم
(1)
المصدر السابق.
(2)
فتح الباري (4/ 161).
(3)
الصلاة ص (87).
(4)
شرح المشكاة للطيبي (5/ 1595).
(5)
انظر: الاستذكار (3/ 315)، شرح السنة للبغوي (6/ 290).
(6)
شرح مشكل الآثار (4/ 180)، قال:(كما يكون من ترك صلاة من الصلوات في غير عذر حتى فاته وقتها= واجباً عليه قضاؤها غير مصيب بقضائها ما يصيبه لو كان صلاها في وقتها).
(7)
القبس ص (502).
يقض عنه حق ذلك المعين، لكن وجب عليه صوم يوم؛ لأنه أحد الواجبين والتعيين هو الواجب الآخر؛ ففوات أحدهما لا يوجب سقوط الآخر)
(1)
.
- ولذلك صح صريحاً عن جماعة من التابعين ذِكْرُ القضاء، كما قال البخاري:(وقال سعيد بن المسيب، والشعبي، وابن جبير، وإبراهيم، وقتادة، وحماد: يقضي يوماً مكانه)
(2)
قلت: وصح ذلك عن ابن سيرين أيضاً
(3)
، بل سئل جابر بن زيد -وهو الذي قال عنه ابن عباس: تسألوني وفيكم جابر بن زيد
(4)
-: ما بلغك فيمن أفطر يوماً من رمضان ما عليه؟ قال: (ليصم يوماً مكانه، ويصنع مع ذلك معروفاً)
(5)
، ولا تجد عنهم ولا عن الصحابة ما هو صريح بنفي القضاء عن متعمد الإفطار بالجماع أو غيره
(6)
.
(1)
شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصيام (1/ 272).
(2)
صحيح البخاري (3/ 32)، وانظر الآثار في مصنفي عبدالرزاق:(باب من يبطل الصيام، ومن يأكل في رمضان متعمداً)، وابن أبي شيبة:(ما قالوا في الرجل يفطر من رمضان يوما ما عليه) و (من يفطر يوما من رمضان)، وغيرهما.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (7470) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال:(يقضي يوماً ويستغفر الله) وإسناده صحيح، وترجم له:(باب من يبطل الصيام، ومن يأكل في رمضان متعمداً).
(4)
الكنى والأسماء للدولابي (3/ 1040)، حلية الأولياء (3/ 85)، تهذيب الكمال (4/ 463).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (9775) قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، قال: قال لي عاصم، سألت جابر بن زيد به، وعاصم الظاهر أنه الأحول، وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال (13/ 487) خالدا الحذاء ممن روى عن عاصم الأحول، وفي مصنف عبدالرزاق (15089) وابن أبي شيبة (19962) رواية لعاصم وصرح بأنه الأحول عن جابر بن زيد، إضافة إلى أن الحذاء والأحول جابر كلهم بصريون، فالإسناد صحيح.
(6)
كما سبق في الآثار المحتملة، وكاستدلال ابن حزم في المحلى (4/ 312) بهذا الأثر: أن علي بن أبي طالب أتي بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان، فضربه ثمانين، ثم ضربه من الغد عشرين، وقال:(ضربناك العشرين لجرأتك على الله وإفطارك في رمضان)، قال ابن حزم:(ولم يذكر قضاء، ولا كفارة).
3/ ومن أدلتهم (من جهة النظر والقياس: أن الكفارة عقوبة للذنب الذي ركبه، والقضاء بدل من اليوم الذي أفسده، فكما لا يسقط عن المفسد حجه بالوطئ البدل إذا أهدى، فكذا قضاء اليوم)
(1)
، و (كما لو أفسده بالأكل، أو أفسد صومه الواجب بالجماع، فلزمه قضاؤه، كغير رمضان)
(2)
، ووجوب صيام الشهر كاملاً ثابت بيقين فلا يسقط إلا بيقين.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بعدم القضاء لمن جامع متعمداً دون عذر في نهار رمضان:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}
(3)
، وقوله:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}
(4)
.
وجه الاستدلال:
- أن الله تعالى (افترض تعالى رمضان -لا غيره-
…
فإيجاب صيام غيره بدلاً منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به، فهو باطل
…
- ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى فيقول قائل: إن صوم غيره ينوب عنه -بغير نص وارد في ذلك -: وبين من قال: إن الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة، والصلاة إلى غير الكعبة تنوب عن الصلاة إلى الكعبة، وهكذا)
(5)
.
(1)
الاستذكار (3/ 313)، قال ابن رجب:(يفرق بين من ترك الصلاة والصيام، ومن دخل فيهما ثم أفسدهما، فالثاني عليه القضاء، كمن أفسد حجه، والأول كمن وجب عليه الحج ولم يحج)، ولعل هذا اختيار العثيمين وقد سبق.
(2)
المغني (3/ 134).
(3)
من الآية (229) من سورة البقرة.
(4)
من الآية (1) من سورة الطلاق.
(5)
المحلى (4/ 308).
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن هذا دور في محل النزاع ويُمكن أن يقلب، فتحريم الواجب مثل عكسه إلا بالبرهان، وهو المطلوب هنا، وقد أوجب الله صيام شهر رمضان، وثبوته في الذمة لانزاع فيه
(1)
، ونازع من نازع في القضاء، لكن (من لزمه حق لله أو لعباده لزمه الخروج منه
…
(2)
، (ولا معارض لهذا العموم)
(3)
.
- وما وجب من الفرائض بإجماع لا يسقط إلا بإجماع مثله أو سنة ثابتة لا تنازع في قبولها وفي دلالتها
(4)
.
- أما مساواة قضاء الصوم لمن تعمد إفساد صومه بجماع بالحج إلى غير مكة أو الصلاة إلى غير القبلة، فهذا افتراض ساقط؛ والأولى مساواة القضاء بمن أفسد حجه بجماع
(5)
، وجعل العبادة المؤقتة بمكان كالعبادة المؤقتة بزمان= فيه فرق، فقد جعل الله لما وقّت بزمن بدلاً، كما قضى صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات بعد خروج وقتها، وكما
(1)
انظر: الصلاة لابن القيم ص (88).
(2)
الاستذكار (1/ 81)، والحديث في البخاري (1953)، ومسلم (1148).
(3)
أضواء البيان (3/ 464).
(4)
قال الصنعاني في حاشيته على إحكام الأحكام (2/ 495): (وأقوى شيء عندي في الاستدلال لمن أوجب على العامد القضاء حديث: «فدين الله أحق أن يقضى» فإنه لفظ عام لكل دين لله
…
وكما أن دين الآدمي لا يسقطه عن الذمة إلا قضاؤه، كذلك دين الله، بل قد جعله صلى الله عليه وسلم أحق بالقضاء، وسواء قلنا القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول؛ إذ قد صارت ذمته مشغولة بها بالأمر الأول، وصارت بتركه أداءها في وقتها ديناً لله يعاقبه على عدم القضاء)، وهذا سياقه كان في الصلاة -كما سبق-، وهو يصلح هنا.
(5)
في "الإشراف على نكت مسائل الخلاف"(1/ 434): (لأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة فلم يدخل القضاء في كفارتها كالحج)، ابن قدامة في المغني (3/ 333):(يكون القضاء على الفور، ولا نعلم فيه مخالفاً؛ لأن الحج الأصلي واجب على الفور، فهذا أولى؛ لأنه قد تعين بالدخول فيه، والواجب بأصل الشرع لم يتعين بذلك).
شُرع قضاء رمضان في عدة من أيام أخر، ولم يجعل لما ذكر من الحج و الصلاة الواجبة بدلاً في المكان والتوجه.
2/ واستدلوا أيضاً: بحديث الباب في الصحيحين
(1)
في كفارة المجامع في نهار رمضان، ففيهما ثلاثة أمور ليس منها القضاء (وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة ولم يذكر أحد أمره بالقضاء ولو كان أمره بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم وهو حكم شرعي يجب بيانه)
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم (لما لم يأمره به دل على أن القضاء لم يبق مقبولاً منه)
(3)
، (ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء: نص بإيجاب القضاء، وإنما افترض تعالى رمضان لا غيره)
(4)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- أما عدم ذكر القضاء في الدليل الخاص وهو حديث المجامع لا يلزم منه عدم ذلك في الأدلة (فلا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم)
(5)
، ولذلك تجب التوبة على متعمد الفطر بالجماع مع الكفارة، وهو غير مذكور في حديث المجامع.
- وأما النفي العام فهو محل النزاع، لكن (نفي دليل معين لا يستلزم نفي مطلق الدليل ولا نفي المدلول، فكيف وقد قدمنا أن الدليل
(1)
سبق إيراده في بداية المبحث.
(2)
مجموع الفتاوى (25/ 225).
(3)
المرجع السابق (25/ 226).
(4)
المحلى (4/ 308).
(5)
الإحكام للآمدي (4/ 125).
الذي نفيتموه غير منتف؟)
(1)
، كما في أدلة القول الأول ففيها الدليل على القضاء.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته فالذي يظهر أن الرأي بعدم مشروعية القضاء لمن تعمد الجماع في نهار رمضان غير بعيد عن الشذوذ؛ لمخالفته للإجماع، ولا يعرف من سبق ابن حزم إلى هذا القول إلا مايحتمل من قول ابن مسعود وسيأتي أنه ليس هو قول ابن حزم، أما الشافعي فقد ذكره احتمالاً وصرّح بخلافه، فلا ينسب إليه قول ابن حزم.
وأما ظن ابن حزم أن له سلفاً من قول ابن مسعود رضي الله عنه: (من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر كله) ونحوه مماروي
(2)
، فهذا لم يعرفه السلف من أتباع الصحابة، بل صرّحوا بأن على متعمد الفطر= القضاء، فهذا الشعبي- وقد أدرك خمسمائة صحابي- يقول في رجل أفطر في رمضان:(يصوم يوماً مكانه ويستغفر الله)
(3)
، وهذا جابر بن زيد -وهو الذي قال عنه ابن عباس: تسألوني وفيكم جابر بن زيد- يقال له: ما بلغك فيمن أفطر يوماً من رمضان ما عليه؟ قال: (ليصم يوماً مكانه، ويصنع مع ذلك معروفاً)، وهذا محمد بن سيرين -وقد أدرك ثلاثين صحابياً- يقول:(يقضي يوماً ويستغفر الله)
(4)
، وهذا
(1)
الداء والدواء ص (174)، وكلامه في غير مسألتنا، لكن الكلام مناسب للسياق الذي أريده.
(2)
وقد سبق أنه روي مرفوعاً ولا يصح، وروي موقوفاً عن عدد من الصحابة، والصحيح منها موقوف ابن مسعود.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور ولعله فيما فقد منه، ونقله ابن حجر عنه بإسناده في تغليق التعليق (3/ 174)، وفتح الباري (4/ 162) فقال:(قال سعيد بن منصور في السنن حدثنا هشيم ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في رجل أفطر في رمضان؟ قال: يصوم يوماً مكانه ويستغفر الله)، وإسناده صحيح متصل، وقد جزم به البخاري عنه.
(4)
سبق تخريج ماورد عن جابر وابن سيرين في البحث.
سعيد بن جبير، و إبراهيم النخعي - وقد كان بصيراً بفقه ابن مسعود- يقولان في رجل أفطر من رمضان يوماً متعمداً؟:(ما ندري ما كفارته، يصوم يوماً مكانه، ويستغفر الله)
(1)
.
فهذا هو فهم التابعين، ولم أقف على مخالف منهم، وأما قول ابن مسعود فهو حق، فمن فوت صيام يوم من رمضان منتهكاً لحرمته فأنّى له قضاء ذلك اليوم بفضله العظيم؟!، أما نفي القضاء فليس بظاهر فضلاً عن أن يكون صريحاً في ذلك، بل هو أسلوب فيه تغليظ و إنذار وتهديد بما لحق المتعمد من الإثم وفاته من الأجر، وبنحو هذا الفهم الظاهري للنصوص أبطل ابن حزم صيام من فعل أي معصية من المعاصي، احتجاجاً بالنهي عن الرفث وبقوله صلى الله عليه وسلم:«من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»
(2)
.
وقد تقدم بحث رأي ابن حزم في: (عدم مشروعية قضاء الصلاة لمن تعمّد ترك أدائها في وقتها بلا عذر)، وظهر للباحث عدم رجحان رأيه، لكنه ليس بشاذ لوجود سلف له، أما هذا الرأي في الصيام فلم أقف على سلف له، والإجماع قبله حجة عليه، ولو قيل بعدم القضاء في الصلاة، لكان القول في الصيام هو القضاء لوجود التفريق بينهما في قضاء الحائض للصوم دون الصلاة.
وبعد: فصيام شهر رمضان واجب بيقين، وثبوته في الذمة لمن أدرك الشهر ممن وجب عليه الصوم لا اختلاف فيه، فلا يُخرج منهما إلا بيقين، والله أعلم.
(1)
أخرجه البيهقي (8068)، وإسناده قوي، وانظر: تغليق التعليق (3/ 174)، وقد جزم بهما البخاري.
(2)
أخرجه البخاري (6057)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر: المحلى (4/ 304)، قال ابن حجر في الفتح (4/ 104):(وأفرط بن حزم فقال يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه)، وفي بداية المجتهد (2/ 69):(ذهب أهل الظاهر إلى أن الرفث يفطر، وهو شاذ).
(وجدت أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه وعلى الحق وإيثاره، فما استعنت على قمع هذه الطوالع الفاسدة وعلى كل خير في الدين والدنيا إلا بما في قوتي من ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، وأما من طبع على الجور واستسهاله وعلى الظلم واستخفافه فلييأس [من] أن يصلح نفسه أو يقوّم طباعه أبداً، وليعلم أنه لا يفلح في دين ولا في خلق محمود).
ابن حزم رحمه الله
الأخلاق والسير ص (38)
المبحث الرابع: عدم وجوب القضاء في الحقنة و السعوط للصائم
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(المخوف في زلة العالم تقليده فيها).
ابن القيم رحمه الله إعلام الموقعين (2/ 133)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الحقن لغة: (جمع الشيء)
(1)
، و (كل ما ملأت شيئاً أو دسسته فيه فقد حقنته)
(2)
، (واحتقن الدم في جوفه: إذا اجتمع من طعنة جائفة، والحقنة: اسم دواء يحقن به المريض المحتقن)
(3)
، أما الحقنة في الاصطلاح فهي:(دواء يُجعل في مؤخَّر الإنسان)
(4)
.
والسَّعوط لغة: (كل شيء صببته في الْأنف من دواء أو غيره)
(5)
، وفي الاصطلاح:(دواء يُجعل في الأنف)
(6)
، (والسُّعوط -بضم السين-: هو نفس الفعل وهو جعل الشئ في الأنف وجذبه إلى الدماغ)
(7)
، ولا يسمى سعوطاً إلا بمجاوزته أقصى الأنف؛ ولذلك ذكروا في سنن الوضوء: المبالغة في الاستنشاق (ولا يجعله سعوطاً)
(8)
.
وهنا تنبيه على أمر مهم وهو: أن الحقنة في عصرنا أوسع استعمالاً
(1)
مقاييس اللغة (2/ 88).
(2)
تهذيب اللغة (4/ 41).
(3)
العين (3/ 50).
(4)
طلبة الطلبة ص (24)، وانظر: المصباح المنير (1/ 277)، المطلع على ألفاظ المقنع ص (184)، قال ابن القيم في زاد المعاد (4/ 118):(القيء استفراغ من أعلى المعدة، والحقنة من أسفلها).
(5)
جمهرة اللغة (2/ 834)، المخصص (1/ 492).
(6)
طلبة الطلبة ص (24)، وانظر: المصباح المنير (1/ 277)، المطلع على ألفاظ المقنع ص (184).
(7)
المجموع (6/ 313).
(8)
قال ابن قدامة في المغني (1/ 77): (معنى المبالغة في الاستنشاق: اجتذاب الماء بالنَفَس إلى أقصى الأنف، ولا يجعله سعوطاً، وذلك سنة مستحبة في الوضوء، إلا أن يكون صائماً فلا يستحب، لا نعلم في ذلك خلافاً).
من الحقنة التي يتكلم عنها الفقهاء، فالحقنة المعاصرة قد تطلق على الحُقن الجلدية و العضلية والوريدية، وهو ما لم يتكلم عنه الفقهاء السابقون
(1)
، إلا إن أُلحقت الإبر بمداواة الجروح الغائرة، والمقصود بمسألتنا الحقنة الشرجية، علماً أن الحقنة الشرجية كانت تطلق على إدخال ما هو طارد لما في الأمعاء ويذهب الإمساك
(2)
، بينما الحقن الشرجية المعاصرة تتوافق معها من حيث الصورة، إلا أنَّ لها استعمالات متعددة، من إخراج محتويات القولون وتنظيفه، أو تغذية المريض، أو معالجة التهاب الأمعاء
(3)
.
والحقنة هناك من كرهها وتفحّشها ولو لغير الصائم، فقد جاء عن عامر الشعبي:(إني لأكرهها للمفطر، فكيف للصائم؟)، وجاء عن مجاهد:(هي طرف من عمل قوم لوط)
(4)
، قال خليل بن إسحاق: (قال ابن حبيب في كتاب له في الطب: كان علي وابن عباس ومجاهد والشعبي والزهري وعطاء والنخعي والحكم بن عيينة وربيعة وابن هرمز يكرهون الحقنة إلا من ضرورة غالبة، وكانوا يقولون: لا تعرفها العرب، وهي من فعل العجم وهي ضرب من عمل قوم لوط
…
قال ابن حبيب: وكان من مضى من السلف وأهل العلم يكرهون التعالج بالحقن إلا من ضرورة غالبة، لا يوجد عن التعالج بها مندوحة)
(5)
.
(1)
انظر: "المفطرات الطبية المعاصرة" للكندي ص (265)، مشكلات المفطرات للهاشمي ص (44).
(2)
هكذا ذكر الكندي في رسالته"المفطرات الطبية المعاصرة" ويمكن أن يستدرك عليه بما حكاه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء (2/ 36): (وقال الحسن بن حي: لا بأس بالحقنة للصائم للتداوي، فإن كان تسمنّاً لا).
(3)
انظر: المرجع السابق ص (378 - 380).
(4)
انظر الأثرين في مصنف ابن أبي شيبة (23445)(23445)، وفي إسناد الأول شريك و جابر الجعفي.
(5)
التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 404).
والمراد بمسألتنا: من احتقن أو استعط وهو صائم فهل يؤثر ذلك على صومه فيبطله، ثم يلزمه قضاء ذلك اليوم؟ وقد اختلف بذلك العلماء.
(وسبب اختلافهم في هذه هو: قياس المغذي على غير المغذي
(1)
، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي، فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة، وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف سوى بين المغذي وغير المغذي)
(2)
، وهنا سبب قد يكون أدق، وهو أن:(الجمهور يرون أن الأصل تفطير كل داخل إلا بدليل، ومخالفوهم يرون أنه لا فطر مما يدخل إلا بدليل)
(3)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة المراد بحثها:
1.
…
(اتفقوا على أن الأكل لما يُغذي من الطعام، مما يستأنف إدخاله في الفم
(4)
، والشرب، والوطء، حرام من حين طلوع الشمس إلى غروبها)
(5)
، (وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به، فأما ما لا يتغذى به، فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل
(1)
قال أ. د. إبراهيم الصبيحي: (في قوله نظر؛ لأن الجمهور عمموا القول بتفطير جميع المأكولات؛ لأن النص القرآني لفظ عام يشمل الامتناع عن تناول جميع المأكولات في نهار رمضان، النافع وغير النافع، والمغذي وغير المغذي فالعلة هي الإدخال).
(2)
بداية المجتهد (2/ 52).
(3)
الصيام ومفطراته المعاصرة للصبيحي ص (96 - 97).
(4)
لعله احتراز مما يبقى بين الأسنان من طعام.
(5)
مراتب الإجماع ص (39)، قال ابن عبدالبر في التمهيد (19/ 53):(أما الصيام في الشريعة فمعناه: الإمساك عن الأكل والشرب ووطء النساء نهاراً، إذا كان تارك ذلك يريد به وجه الله وينويه، هذا معنى الصيام في الشريعة عند جميع علماء الأمة).
به. وقال الحسن بن صالح: لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب، وحكي عن أبي طلحة الأنصاري، أنه كان يأكل البرد في الصوم، ويقول: ليس بطعام ولا شراب)
(1)
.
2.
قال ابن المنذر: (وأجمعوا على إبطال صوم من استقاء عامداً)
(2)
، قال ابن قدامة:(وحكي عن ابن مسعود، وابن عباس، أن القيء لا يفطر)
(3)
.
3.
وذهب السواد الأعظم من الفقهاء إلى التفطير بإدخال كل عين إلى الجوف
(4)
، ومن ذلك أنهم أجمعوا على الإمساك عن الأكل والشرب -كما سبق- و (شرط فيه عامة فقهاء الأمصار مع ذلك= الإمساك عن الحقنة والسعوط)
(5)
، وخاصة الحقنة المائعة
(6)
، وحكي إجماعاً، وذهب ابن حزم إلى عدم الفطر بالحقنة و السعوط
(7)
،
(1)
المغني (3/ 119 - 120)، قال النووي في المجموع (6/ 317):(إذا ابتلع الصائم مالا يؤكل في العادة، كدرهم ودينار أو تراب أو حصاة أو حشيشاً أو ناراً أو حديداً أو خيطاً أو غير ذلك أفطر بلا خلاف عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف، وحكى أصحابنا عن أبي طلحة الأنصاري الصحابي رضي الله عنه، والحسن بن صالح، وبعض أصحاب مالك: أنه لا يفطر بذلك).
(2)
الإجماع ص (49)، وقال الخطابي في معالم السنن (2/ 112):(لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عامدا أن عليه القضاء).
(3)
المغني (3/ 132)، وقال:(فمن استقاء فعليه القضاء؛ لأن صومه يفسد به. ومن ذرعه فلا شيء عليه؛ وهذا قول عامة أهل العلم).
(4)
انظر: المبسوط (3/ 67)، المدونة (1/ 269)، المجموع (6/ 313)، المغني (3/ 121)، المفطرات الطبية المعاصرة ص (85)(97)، الصيام ومفطراته الطبية للصبيحي ص (5).
(5)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 232).
(6)
خصها بالمائعة: المالكية، انظر: الشرح الكبير للدردير (1/ 524).
(7)
قال في المحلى (4/ 335): (ولا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام، ولا استمناء
…
ولا حقنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن، أو في إحليل، أو في أنف، ولا استنشاق وإن بلغ الحلق).
وذهب بعض المالكية
(1)
-في قول مقابل للمشهور -
(2)
، ووجه شاذ عند الشافعية
(3)
، وابن تيمية في أحد قوليه إلى عدم الفطر بالحقنة
(4)
، ورجحه بعض المعاصرين ونُسب قولهم إلى الشذوذ، وهذا هو الرأي المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
كابن حبيب، وابن الجلاب، والقاضي عبدالوهاب، وابن عبدالبر، واللخمي. انظر: التفريع (1/ 181)، المعونة ص (467)، الكافي (1/ 345)، التبصرة (2/ 743)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 524).
(2)
قال في ابن الحاجب في مختصره: (المشهور: يقضي في الحقنة) قال خليل: (المشهور مذهب المدونة يجب القضاء في الحقنة). التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 403)، وهذا الذي اعتمده خليل في مختصره فقال ص (62):(وإيصال متحلل أو غيره على المختار: لمعدة بحقنة بمائع).
(3)
قال النووي في المجموع (6/ 313): (الحقنة فتفطر على المذهب وبه قطع المصنف والجمهور، وفيه وجه قاله القاضي حسين: لا تفطر، وهو شاذ).
(4)
القول الأول له: الفطر بالحقنة، كما في شرح العمدة- كتاب الصيام (1/ 393):(فلو احتقن أو أدخل دهناً أو غيره إلى مقعدته؛ أفطر)، وقوله الآخر وهو اختياره: عدم الفطر بالحقنة كما في الفتاوى الكبرى (5/ 376): (ولا يفطر الصائم بالاكتحال والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة)، وانظر: مجموع الفتاوى (25/ 234).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
- القول بعدم التفطير بالحقنة هو الأكثر في المعاصرين، وأبرز من قال به:
محمد رشيد رضا (1354)
(1)
، ومحمود شلتوت (ت 1383)
(2)
، وابن باز (ت 1420)
(3)
، وسيد سابق (ت 1420)
(4)
، وابن عثيمين (ت 1421)
(5)
، وكلام
(1)
قال في مجلة المنار (34/ 757): (أعمال الحقن بأنواعها والمضمضة بالماء والدواء لا تفطر الصائم)، لكنه قال في تعليقه على رسالة حقيقة الصيام لابن تيمية كما في مجلته المنار (31/ 593):(يوجد في هذا الزمان حقن آخر، وهو إيصال بعض المواد المغذية إلى الأمعاء يقصد بها تغذية بعض المرضى والأمعاء من الجهاز الهضمي كالمعدة، وقد تغني عنها، فهذا النوع من الحقنة يفطر الصائم)، فإما أن يكون أرد بالحقن في النقل الأول الإبر في الجسد دون الحقنة الشرجية، أو أن النقل الثاني رأي آخر له.
(2)
قال في كتابه الفتاوى ص (118): (الحقن كلها لاتفطر
…
فالحقنة الشرجية
…
لا تفطر).
(3)
جاء في "تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام" ص (182): (ما حكم أخذ الحقنة الشرجية عند الصائم للحاجة؟ الجواب: حكمها عدم الحرج في ذلك إذا احتاج إليها المريض في أصح قولي العلماء، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية). وهذه الفتوى مع أهميتها غير موجودة في فتاوي الشيخ فينبغي أن يستدرك مثل ذلك.
(4)
انظر: فقه السنة (1/ 461 - 464)، ولم يستدرك الألباني عليه ذلك في تمام المنة فالظاهر أنه موافق له.
(5)
له في المسألة رأيان، الأول: عدم الفطر بها مطلقاً، قال في الشرح الممتع (6/ 369):(الحقنة لا تفطر مطلقاً، ولو كان الجسم يتغذى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة. فيكون القول الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية مطلقاً، ولا التفات إلى ما قاله بعض المعاصرين)، والثاني: الفطر بالمغذية دون غيرها، قال في مجموع فتاويه (19/ 204): (الحقن الشرجية التي يحقن بها المرضى في الدبر ضد الإمساك
…
والذي أرى أن ينظر إلى رأي الأطباء في ذلك فإذا قالوا: إن هذا كالأكل والشرب وجب إلحاقه به وصار مفطراً، وإذا قالوا: إنه لا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل والشرب فإنه لا يكون مفطراً).
بعضهم يستثني الحقن المغذية فيفطر بها
(1)
.
- أما عدم التفطير بالسعوط، فلم أقف عليه صريحاً عند المعاصرين، لكن لبعض المعاصرين رأي في عدم التفطير بقطرة الأنف
(2)
، وهي قريبة منها
(3)
.
(1)
كمحمد رشيد رضا والعثيمين، وهو مارجحه الكندي في رسالته"المفطرات الطبية المعاصرة" ص (394)، واختاره أ. د. أحمد الخليل في "مفطرات الصيام المعاصرة" ص (48) إذا كان في الدواء غذاء أو ماء.
(2)
كعجيل النشمي وهيثم الخياط؛ لأنه شيء يسير، ولأنه لايصل لجوف المعدة. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (10/ 850)، (10/ 863)، وقد صدر قرار المجمع رقم (99/ 1/ د 10) سنة (1418 هـ) بالتالي:(الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: 1 - قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق)، وذهب أ. د. أحمد الخليل إلى عدم التفطير بقطرة الأنف مطلقاً فقال في رسالته "مفطرات الصيام المعاصرة" ص (36):(الذي يظهر لي عدم التفطير بقطرة الأنف، ولو وصل شيء منها للمعدة، لما سبق من أنها ليست أكلاً ولاشرباً ولا في معناهما، وأيضاً لأن الواصل منها أقل بكثير من المتبقي من المضمضة فهي أولى بعدم التفطير)، وقال الكندي في رسالته"المفطرات الطبية المعاصرة" ص (227 - 228): (يرى الباحث أنَّ قطرات الأنف لا تُفَطِّر الصائم، وأنّ تخريج حكمها على السعوط لا يتوافق تماماً
…
وهذا الحكم في حالة ما إذا كانت كمية القطرات المستخدمة قطرة لكل فتحة أما لو كانت أكثر فإنَّ الحكم يأخذ منحى آخر؛ لأنَّ الكمية ستكون أكثر من مقدار المعفو عنه، ويكون قول الجمهور هو المتعين).
(3)
جاء في رسالة "المفطرات الطبية المعاصرة" للكندي ص (223): (عند النظر في كلام الفقهاء نجد أن الصورة التي ينطبق عليها استخدام قطرات الأنف هي: الاستعاط)، وقد يكون بين السعوط والقطرة فرق في كمية الدواء.
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
حُكم بعض العلماء عليه بالشذوذ، ولم أقف عليه إلا عند الجصاص (ت 370) بقوله:
(ومن الناس من لا يوجب في الحقنة والسعوط قضاء، وهو قول شاذ، والجمهور على خلافه)
(1)
، والجصاص قد يتفرد بمثل هذه الأحكام ولا يتابع عليها، كما سبق في بحث مسألة:(وجوب غسل يدي المستيقظ من النوم قبل غمسها في الإناء)، فلم أقف على حكاية الاتفاق والحكم بالشذوذ إلا عنده.
(1)
أحكام القرآن (1/ 232)، وتابعه على ذلك د. محمد الطيار في رسالته" الآراء الفقهية المحكوم عليها بالشذوذ" ص (202) و ص (207) وعلل حكمه عليهما بالشذوذ: بمخالفته للقياس الجلي، وهذا إن سُلّم في السعوط التي يكاد يتفرد ابن حزم بالمخالفة فيها لعدم احتجاجه بالقياس، فلا يسلّم في الحقنة التي خالف فيها أساطين من القياسيين كبعض المالكية وابن تيمة.
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بوجوب القضاء لمن احتقن أو استعط وهو صائم: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال:«وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً»
(1)
.
وجه الاستدلال:
- (أن استثناءه حالة الصوم للاحتراز عن فساد الصوم، وإلا لم يكن للاستثناء معنى)
(2)
، وهو واضح في الإفساد بالسعوط والحقنة مقيسة عليها
(3)
، (لأنه يصل إلى الجوف؛ ولأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل، ولأنه أبلغ وأولى من الاستعاط)
(4)
.
(1)
أخرجه أبوداود (142) مطولاً في قصة، والترمذي (788)، والنسائي (87)، وابن ماجه (407) وغيرهم من طريق يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه به، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح، وقد كره أهل العلم السعوط للصائم، ورأوا أن ذلك يفطره، وفي الحديث ما يقوي قولهم)، قلت: وفي الإسناد يحيى بن سليم القرشي الطائفي وقد تُكلم في حفظه وهو من رجال الشيخين، لكنه توبع في هذا الحديث، تابعه سفيان الثوري عند النسائي (87) قال النسائي:(أنبأنا إسحاق بن إبراهيم [بن راهويه] قال: أنبأنا وكيع، عن سفيان، عن أبي هاشم [هو إسماعيل بن كثير]، عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه)، وإسناد المتابعة صحيح متصل، وُعلم بها ضبط يحيى بن سليم له.
(2)
بدائع الصنائع (2/ 93).
(3)
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/ 235): (وأقوى ما احتجوا به قوله: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» قالوا: فدل ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله، وعلى القياس كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها، سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو غيره من حشو جوفه).
(4)
كشاف القناع (2/ 318)، وفي المجموع (6/ 312):(إذا بطل بما يصل إلى الدماغ بالسعوط فلأن يبطل بما يصل إلى الجوف بالحقنة أولى).
- والحديث (دلّ على أن الإفطار يحصل بدخول المفطر من أي موضع كان
…
كما [دل] على أن علة الإفطار هي الإدخال، وليست منحصرة على مجرد الأكل والشرب ولا على التغذية)
(1)
، فالأنف ليس بمنفذ معتاد للأكل والشرب، وما دخل من الأنف لايسمى أكلاً ولاشرباً
(2)
.
- و (لأنه إذا بطل بما يصل إلى الدماغ لسعوط، فلأن يبطل بما يصل إلى الجوف بالحقنة أولى)
(3)
، فهو (واصل إلى جوف الصائم باختياره، فيفطره، كالواصل إلى الحلق)
(4)
.
- (ولوجود معنى الفطر وهو وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف)
(5)
، (من التغذية أو التداوي)
(6)
.
ونوقش هذا الاستدلال بأمور:
- بأن الحديث (ليس فيه أنه يفطر الصائم بالمبالغة في الاستنشاق؛ وإنما فيه إيجاب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم، وسقوط وجوب ذلك عن الصائم فقط)
(7)
.
(1)
انظر: الصيام ومفطراته الطبية للصبيحي ص (69).
(2)
قال ابن حزم في المحلى (4/ 348): (وما علمنا أكلاً ولا شرباً، يكون على دبر أو إحليل، أو أذن أو عين أو أنف).
(3)
المهذب للشيرازي (1/ 334)، جاء في رسالة "المفطرات الطبية المعاصرة" للكندي ص (221):(الأنف منفذ إلى الجهاز الهضمي، وأما اعتقاد الفقهاء المتقدمين أنّ الأنف يتصل بالدماغ، فقد أثبت الطب الحديث أنّه لا علاقة بين الأنف والدماغ).
(4)
المغني (3/ 121).
(5)
الهداية للمرغيناني (1/ 123).
(6)
فتح القدير (2/ 342)، وقال:(قد علمت أنه لا يثبت الفطر إلا بصورته أو معناه، وقد مر أن صورته الابتلاع، وذكر أن معناه وصول ما فيه صلاح البدن).
(7)
المحلى (4/ 349).
- وعلى فرض التسليم بأن إيصال الماء إلى الجوف عن طريق الأنف يفسد الصوم فقياس غير الأنف عليه (قياس ضعيف وذلك؛ لأن من نشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه وإلى جوفه، فحصل له بذلك ما يحصل للشارب بفمه، ويغذي بدنه من ذلك الماء ويزول العطش ويطبخ الطعام في معدته كما يحصل بشرب الماء، فلو لم يرد النص بذلك لعلم بالعقل أن هذا من جنس الشرب، فإنهما لا يفترقان إلا في دخول الماء من الفم، وذلك غير معتبر، بل دخول الماء إلى الفم وحده لا يفطر فليس هو مفطرا ولا جزءا من المفطر لعدم تأثيره، بل هو طريق إلى الفطر وليس كذلك الكحل والحقنة ومداواة الجائفة والمأمومة)
(1)
.
- و (الحقنة لا تغذي بل تستفرغ ما في البدن، كما لو شمّ شيئاً من المسهلات، أو فزع فزعاً أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة)
(2)
.
- و (الصائم نهي عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سبب التقوي، فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء لا عن حقنة)
(3)
.
- (فإذا كانت هذه المعاني وغيرها موجودة في الأصل الثابت بالنص والإجماع فدعواهم أن الشارع علق الحكم بما ذكروه من الأوصاف، معارض بهذه الأوصاف، والمعارضة تبطل كل نوع من الأقيسة إن لم يتبين أن الوصف الذي ادعوه هو العلة دون هذا)
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى (25/ 244)، وقال:(قياسهم على الاستنشاق أقوى حججهم).
(2)
المرجع السابق (25/ 245).
(3)
المرجع السابق.
(4)
المرجع السابق (25/ 245 - 246).
- ويمكن قلب الاستدلال بالقياس (فنقيس الكحل والحقنة ونحو ذلك على البخور والدهن ونحو ذلك، لجامع ما يشتركان فيه: من أن ذلك ليس مما يتغذى به البدن ويستحيل في المعدة دماً، وهذا الوصف هو الذي أوجب أن لا تكون هذه الأمور مفطرةٍ، وهذا موجود في محل النزاع، والفرع قد يتجاذبه أصلان فيلحق كلاً منهما بما يشبهه من الصفات).
وأجيب عن المناقشة:
- أما القول: بأن الحديث ليس فيه إلا إيجاب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم، وعدم وجوبها للصائم كما ذكر ابن حزم، فهذا تفريغ للحديث من دلالته على نهي الصائم عن المبالغة؛ لأنه مظنة تفطير الصائم.
- وفيه مخالفة فقهية بقوله بوجوب المبالغة في الاستنشاق على غير الصائم فخالف بذلك العلماء، ومخالفة أصولية بحمله المبالغة في الاستنشاق للصائم على الإباحة، فخالف جمهور الأصوليين: من أن الاستثناء بعد الإثبات محمول على النهي.
- والحديث يدل على خلاف استنباطه؛ فالاستنشاق مأمور به أبداً، لم ينه عنه في حال فدلّ على وجوبه في حال الصوم والفطر، أما المبالغة فنهي عنها في حال دون حال، ولو كانت واجبة، لما فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين الحالين
(1)
.
- والجواب عن مجمل ماذكره ابن تيمية واعتراضه على القياس: بأن جمهور العلماء لم يحتجوا للقول بتفطير ماوصل إلى الجوف بمجرد
(1)
انظر: الصيام ومفطراته الطبية ص (108 - 109).
القياس على المبالغة في الاستنشاق، بل حجتهم مع ذلك: مادلّ عليه عموم الأمر بالصوم وهو الإمساك عن الإدخال إلى البدن كما هو مقتضى اللغة العربية، وهو ما ذهب إليه ثلاثة من الصحابة -كما سيأتي-، فضعف القياس لا يعني ضعف القول لتعدد الأدلة
(1)
.
- يقوي ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه: (الفطر مما دخل وليس مما يخرج)
(2)
، وترجم له البيهقي:(باب الإفطار بالطعام وبغير الطعام إذا ازدرده عامدًا أو بالسعوط والاحتقان، وغير ذلك مما يدخل جوفه باختياره)
(3)
.
- وقول أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا قاء فلا يفطر إنما يُخرج ولا يُولج)
(4)
، وقول ابن مسعود رضي الله عنه:(إنما الصيام مما دخل، وليس مما خرج، والوضوء مما خرج، وليس مما دخل)
(5)
، ولا يعرف لهم مخالف إلا في رأي مهجور -سيأتي-، وقول ابن عباس وابن مسعود وأبي
(1)
انظر: المرجع السابق (ص 116).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (9319) قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، في الحجامة للصائم فقال الأثر، وإسناده صحيح، وقد علقه البخاري (3/ 33) بصيغة الجزم، وأخرجه البيهقي في الكبرى (567) بلفظ:(إنما الوضوء مما خرج، وليس مما دخل، وإنما الفطر مما دخل، وليس مما خرج) قال البيهقي عقبه: (وروي أيضا عن علي بن أبي طالب من قوله. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يثبت)، أي: المرفوع.
(3)
السنن الكبرى (4/ 435)، ثم أورد أثر ابن عباس، وحديث لقيط واكتفى بهما.
(4)
أخرجه البخاري مسنداً (3/ 33).
(5)
أخرجه عبدالرزاق (7518) ومن طريقه الطبراني في الكبير (9576) عن سفيان الثوري عن وائل بن داود عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعودبه، قال ابن حجر في الفتح (4/ 175):(وإبراهيم لم يلق ابن مسعود وإنما أخذ عن كبار أصحابه)، ومرسلات النخعي عن ابن مسعود قوية؛ وذلك أن الأعمش قال لإبراهيم:(أسند لي عن عبد الله بن مسعود، فقال إِبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عَبد الله: فهو عَن غير واحد عَن عَبد الله) أخرجه الترمذي في العلل الصغير ص (754)، وسبق الإشارة إلى قوة مرسلات النخعي عن ابن مسعود في المبحث التاسع من كتاب الصلاة.
هريرة رضي الله عنهم يدل على أن الأصل فيما يدخل عمداً هو التفطير، بخلاف الإخراج إلا مادل الدليل على تخصيصه، وهذا مقتضى اللغة في معنى الصوم المأموم به.
- أما الرأي المهجور فهو رأي أبي طلحة رضي الله عنه، فقد قال أنس (مطرنا برداً وأبو طلحة صائم، فجعل يأكل منه، قيل له: أتأكل وأنت صائم؟ قال: إنما هذا بركة)
(1)
، وفي لفظ:(بركة على بركة في التطوع)
(2)
وفي لفظ: (ليس هو بطعام ولا بشراب)
(3)
، جاء عند البزار عن قتادة:(فذكرت ذلك لسعيد بن الْمُسَيَّب فكرهه، وَقال: إنه يقطع الظمأ)، قال البزار:(ولا نعلم روي هذا الفعل إلا عن أبي طلحة)
(4)
، قال ابن رجب في سرده لأحاديث تُرك العمل بها:(ومنها حديث أنس في أكل البرد للصائم)
(5)
، والإجماع لا يعكّر عليه الخلاف المتروك المخالف للنص
(6)
، ولما ذكر ابن الصلاح
(1)
في مسند أحمد (13971) حدثنا عبد الله، حدثني عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن قتادة، وحميد، عن أنس به، قال ابن حجر في المطالب العالية (6/ 58):(وهذا إسناد صحيح لكنه موقوف)، وعبدالله هو ابن الإمام أحمد وه من زياداته على المسند؛ فعبيد الله بن معاذ العنبري لايروي عنه أحمد إنما يروي عنه ابنه عبدالله.
(2)
أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (5/ 116).
(3)
المرجع السابق (5/ 115).
(4)
مسند البزار (14/ 25).
(5)
شرح علل الترمذي (1/ 326)، وقد ذكر ابن رجب أحاديث ادعى بعضهم أنه لم يعمل بها ولم يتعقبها وهذا منها، ثم سرد بعدها أحاديث صدرها بقوله:(ادعى بعضهم ترك العمل بأحاديث أخر وهو خطأ ظاهر).
(6)
قال السمعاني في قواطع الأدلة (2/ 14): (إن قيل: قد تفرّد قوم من الصحابة بأشياء لم يعتدوا بذلك. وأثبتم الإجماع مع وجود ذلك الخلاف مثل
…
خلاف أبي طلحة في أكل البرد في حال الصوم
…
قلنا: نحن إنما نعتد بخلاف الواحد إذا لم يكن على خلاف النص، فأما إذا كان بخلاف النص فلا يعتد بخلافه ويحكم بانعقاد الإجماع، معه وعلى هذا
…
خلاف أبي طلحة؛ لأن الله تعالى قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} والصيام هو الإمساك ولا يوجد الإمساك مع أكل البرد).
قول أبي طلحة السابق، وقول الحسن بن صالح في عدم الفطر بغير الطعام، قال:(انعقد الإجماع بعدهما على خلاف ما قالاه)
(1)
.
ويمكن الجواب عن آثار الصحابة:
- بأنها ليست بصريحة بإفساد الصوم بغير الداخل من المنفذ المعتاد للأكل والشرب، ولذلك جاء عن إبراهيم النخعي أنه قال:(لا بأس بالسعوط للصائم، وكره الصب في الآذان)
(2)
، هذا في السعوط.
- أما الحقنة فقد جاء عن الإمام مالك أنه سئل عن الفتائل تجعل للحقنة؟ قال: (أرى ذلك خفيفاً ولا أرى عليه فيه شيئاً، قال مالك: وإن احتقن بشيء يصل إلى جوفه فأرى عليه القضاء)
(3)
، فاستثنى اليسير مع أنه لافرق في المفطرات بين اليسير والكثير فدل أن الأمر عنده على الاحتياط
(4)
؛ ولذلك اختار عدد من المالكية عدم الفطر بالحقنة ولو مائعة خلافاً للمشهور من المذهب، ومن أبرزهم المحقق ابن عبدالبر
(5)
-وهو من أشد الناس على الشذوذ و مخالفة إجماع العلماء بل جمهورهم-.
(1)
شرح مشكل الوسيط (3/ 199)، قال محقق الكتاب:(لم أجد نقل هذا الإجماع عند غير المصنف، وفيه أيضاً نظر؛ لخلاف بعض المالكية، فإن ما لا يؤكل في العادة كالدرهم أو التراب أو الحصاة أو الحديد ونحوها لا يفطر عندهم).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (9263) وإسناده صحيح.
(3)
المدونة (1/ 269)، وفي منح الجليل (2/ 131):(واحترز بمائع عن حقنة بجامد فلا قضاء فيها، ولو فتائل عليها دهن؛ ليَسَارته قاله الإمام مالك رضي الله عنه فهو مستثنى من المتحلل).
(4)
مشكلات المفطرات ص (49).
(5)
قال في الكافي (1/ 345): (قد قيل: القضاء في الحقنة استحباب لا إيجاب، وهو عندنا الصواب؛ لأن الفطر مما دخل من الفم ووصل إلى الحلق والجوف).
- وجاء عن الحسن بن صالح (ت 169)
(1)
أنه قال: (لا بأس بالحقنة للصائم للتداوي، فإن كان تسمنّاً لا)
(2)
.
ويمكن الجواب عن الجواب:
- بأن الوارد عن النخعي محل تأمل، وليس بصريح في عدم التفطير بالسعوط الداخل إلى الجوف؛ لأن السعوط قد يطلق على ما لم يدخل، وإلا فلماذا رخّص في السعوط وكره الصب في الأذن؟ مع أن الأُذن لم يرد فيها ماورد في الأنف كحديث لقيط، والذي يظهر أن هذا التفريق لإمكانية منع الداخل من الأنف من الوصول إلى الحلق، بخلاف الأذن فلا تحكّم لما صُب فيها، ومما يدل على ذلك ماجاء عن الحسن أنه قال:(لا بأس بالسعوط للصائم، إن لم يصل إلى حلقه)
(3)
، ولذلك قال النووي: (قال أصحابنا: وما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وحصل به الفطر، قال أصحابنا: وداخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة
(1)
الحسن بن صالح بن صالح بن حيّ الهمْداني، أخو علي بن صالح وهما توأمان، وأخرج لهما مسلم، وكلاهما ثقة إلا أن الحسن قال الذهبي فيه:(هو من أئمة الإسلام، لولا تلبسه ببدعة)، ثم ذكر أنه يترك الجمعة مع أئمة الجور ويرى السيف، وقال عنه أبوزرعة:(اجتمع في حسن إتقان، وفقه، وعبادة، وزهد)، وهو مذكور في طبقات الحنفية، توفي سنة (169 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (7/ 361)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 194).
(2)
مختصر اختلاف العلماء (2/ 36) للطحاوي (ت 321)، وهو أقدم من وقفت عليه ينقل عنه، ووافقه على نحو هذه الرواية ابن حزم في المحلى (4/ 348)، ونقل عنه القاضي عبدالوهاب في عيون المسائل ص (224):(لا يفطر إِلَّا المأكول والمشروب دون غيرهما)، ونقل عنه الماوردي (3/ 456):(لا يفطر إلا بطعام أو شراب)، ونقل عنه ابن مفلح في الفروع (5/ 5):(لا يفطر بواصل من غير الفم)، ومع أن جميعها لا أستطيع الجزم فيها بأنه رأي للحسن إلا أن أقواها مانقله الطحاوي؛ لأنه الأقدم، ولأن الحسن مذكور في الحنفية والطحاوي الحنفي أعرف برأيه من غير الحنفية.
(3)
علّقه البخاري (3/ 31) جازماً به.
والخيشوم له حكم الظاهر في بعض الأشياء)
(1)
.
- وأما الحقنة فالخلاف فيها أوسع، ومع ذلك فقد جزم الإمام مالك بأنه إن وصل إلى جوفه فعليه القضاء، فكأن اليسير عنده -كالدهن الذي في الفتائل- لايصل للجوف.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بعدم وجوب القضاء لمن احتقن أو استعط وهو صائم:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
(2)
.
وجه الاستدلال:
- فقد (دلت هذه الآية على حرمة هذه الثلاثة على الصائم بعد الصبح، فبقي ما عداها على الحل الأصلي، فلا يكون شيء منها مفطراً)
(3)
، و (إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع
…
وما علمنا أكلاً، ولا شرباً، يكون على دبر، أو إحليل، أو أذن، أو عين، أو أنف
…
وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف -بغير الأكل، والشرب- ما لم يحرم علينا إيصاله، والعجب أن من رأى منهم الفطر بكل ذلك لا يرى على من احتقن بالخمر، أو صبها في أذنه حداً فصح أنه ليس شرباً، ولا أكلاً)
(4)
، هذا في السعوط والحقنة.
(1)
المجموع (6/ 314).
(2)
من الآية (187) من سورة البقرة.
(3)
تفسير الرازي (5/ 273).
(4)
المحلى (4/ 348).
- وأما خصوص الحقنة فـ (الصائم نهي عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سبب التقوي، فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء لا عن حقنة)
(1)
، (كذلك الحقنة لا تغذي بل تستفرغ ما في البدن كما لو شم شيئاً من المسهلات أو فزع فزعاً أوجب استطلاق جوفه وهي لا تصل إلى المعدة)
(2)
.
- و (الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه)
(3)
.
- ولأن الحقنة (مما لا يصل إلى المعدة، ولا إلى موضع ينصرف منه ما يغذي الجسم بحال)
(4)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن قصر حقيقة الصيام على ترك ماورد الإذن به ليلاً من جماع وأكل وشرب محل نظر لأمور:
- أن هذه الأمور الثلاثة أريد بها التمثيل بأعلى أنواع المفطرات؛ ولذلك لم يقل أحد بوجوب الاقتصار في ليالي رمضان على تعاطي ما نص الله عليه دون غيره
(5)
.
(1)
مجموع الفتاوى (25/ 245).
(2)
المرجع السابق، ومن هذا التعليل يظهر أن ابن تيمية لايفطر إلا بالحقن المغذية.
(3)
المرجع السابق (25/ 234).
(4)
التبصرة للخمي (2/ 743).
(5)
انظر: الصيام ومفطراته الطبية للصبيحي (119).
- و (خص هذه الأشياء الثلاثة بالذكر لأن النفس تميل إليها، وأما القيء والحقنة فالنفس تكرههما، والسعوط نادر فلهذا لم يذكرها)
(1)
.
- وقد أمر الله تعالى بالصيام في القرآن اثنتي عشرة مرة، كقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(2)
، فكان هذا الأمر ونحوه موجباً لصوم النهار وفي حالات من الليل، وصام الصحابة رضي الله عنهم مدة قبل نزول حكم الأكل والشرب في ليالي رمضان، والصوم لغتهم الإمساك وهو في الصوم إمساك عن الإدخال، وهذا الأصل في الصوم حظر المفطرات فالواجب الاستدلال بدليل الحظر، لا بدليل إباحة الأكل والشرب ليلاً، وهذا ما أكده ثلاثة من الصحابة بقولهم:(الفطر مما دخل).
- مما يوضح ذلك السياق أن الصحابة كانوا يصومون النهار كله وجزءاً كبيراً من الليل ثم جاء الإذن بالإفطار في ليالي رمضان في هذه الآية
(3)
، فهي (رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة)
(4)
، فهذا سياق الآية.
- كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته
(1)
تفسير الرازي (5/ 273).
(2)
من الآية (185) من سورة البقرة.
(3)
انظر: الصيام ومفطراته الطبية للصبيحي (94 - 95).
(4)
تفسير ابن كثير (1/ 150).
ولا يومه حتى يمسي
…
فنزلت هذه الآية
…
ففرحوا بها فرحا شديداً)
(1)
، وقد (كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم)
(2)
.
- فالاستدلال بعموم الأمر بالصيام و بفهم الصحابة، و وضع الأمر بالأكل والشرب الذي أتى بعد الحظر الأول في سياقه، هو الذي فهمه أكثر العلماء وهو الموافق للأصول، وبهذا تندفع المطالبة بالدليل الخاص أو التمسك بالبراءة؛ لأن الأصل هنا الحظر فالذي يلزمه الدليل هو من جوّز شيئاً من ذلك للصائم.
- والمقرر أن الصيام ترك وليس فعلاً بخلاف سائر أركان الإسلام، وهو ترك عن الإدخال على قاعدة الصحابة:(الفطر مما دخل)، (الصيام مما يدخل)، فالواجب الإمساك عن كل داخل حتى يرد دليل أنه ليس بمفطر، ولايصح عكس ذلك، أو جعل دليل أمثلة مايباح تناوله ليالي رمضان هو عينه دليل حظر المفطرات
(3)
.
- ولذلك قال سبحانه بعد ذلك: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(4)
، ولم يقل: ثم لا تأكلوا وتشربوا ولا تجامعوا إلى الليل، فدليل الحظر هذا بالصيام والإمساك، غير دليل الإباحة بالأكل والشرب
(5)
.
- ولايلزم النص على كل مفطّر بعينه؛ لأن الحوادث لاتنتهي، فالبيان متحقق، والاستدلال بالعموم أو المفهوم أو القياس هو سبيل
(1)
أخرجه البخاري (1915).
(2)
أخرجه البخاري (4508) عن البراء رضي الله عنه.
(3)
انظر: الصيام ومفطراته الطبية للصبيحي ص (136).
(4)
من الآية (187) من سورة البقرة.
(5)
انظر: الصيام ومفطراته المعاصرة للصبيحي ص (146).
الأئمة هنا، وعامة العلماء لم يختلفوا في حكم الداخل، إنما اختلفوا في تحديد الجوف وفي التحقق من دخوله إليه
(1)
.
- أما كون الحقنة لا تغذي، فهذا مبني على أن العلة في النهي عن الأكل والشرب هي التغذية، ويشكل عليه ما وجد في الطب من التغذية من غير طريق الفم والأنف، كما يشكل عليه أكل غير المغذي كأكل لتراب أو الضار كشرب المسكر فهو مفطر عند ابن تيمية وغيره، والعلة التي تنضبط وتشمل الأكل والشرب هي الإدخال إلى الجوف، إذ ليس كل مشروب ينفع وليس كل مأكول يغذي
(2)
.
- فـ (الأكل والشرب يختلفان في الحقيقة والصفة والمنفعة، فليست علتهما منحصرة بالتغذية، ولكنهما يجتمعان في علة الإدخال في البدن)
(3)
.
- أما كون الحقنة لاتصل للمعدة، فإنه لم يرد في النصوص بأن الصائم لايفطر إلا بما وصل للمعدة، بل هو مأمور بالإمساك عن إدخال المفطر، والحكم قد يتعلق بما هو مظنة للشيئ صيانة للعبادة؛ كجعل النوم ناقضاً للوضوء؛ لأنه مظنة الحدث، وكجعلهم ما وصل إلى الحلق من تعمد المبالغة في الاستنشاق ونحوها
(1)
انظر: المرجع السابق ص (110).
(2)
انظر: المرجع السابق ص (116 - 118)، إضافة إلى أن بعض الحقن مغذية وهذا على فرض التسليم.
(3)
المرجع السابق ص (147)، وذكر أن قياس بعض المعاصرين غير منضبط، وذلك أنهم يرون أن جميع المأكولات من الفم مفطرة، سواء المغذي منها وغير المغذي، ثم قاسوا ما دخل إلى البدن من غير الفم على المغذي من الفم، وأهملوا القياس على الداخل غير المغذي، ولذا فرقوا بين الحقن والإبر المغذية فحكموا بأنها مفطرة، وبين غير المغذية فلم يحكموا بتفطيرها، فخالفوا بهذا بين حكم الأصل والفرع، وضعف قياسهم، وبقي قياس الجمهور لامطعن فيه.
مفطراً؛ إذ ليس هناك مكان يستقر فيه الداخل للحلق غير المعدة، وماجاوز الأنف أو الحلق، فإنه لايتحكم به ولايحس بوصوله للمعدة غالباً، فتعلق الحكم بما يحصل به الإحساس وهو الحلق
(1)
.
- وقد (ثبت طبياً أن الأمعاء الغليظة تمتص الماء وغيره)
(2)
، وإن كان (الامتصاص في الأمعاء الغليظة ضعيف جداً)
(3)
، لكن (خلاصة الأكل والشرب هو مايمتص في الأمعاء)
(4)
، ولا فرق في المفطر بين اليسير والكثير.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته فإن نسبة الرأي بعدم وجوب القضاء في السُّعوط إلى الشذوذ صحيحة؛ ولم أقف على من سبق ابن حزم إليه، إلا ما يُحتمل من رأي إبراهيم النخعي وليس بصريح، ولم يتابع على ذلك.
أما عدم وجوب القضاء بالحقنة فنسبته إلى الشذوذ محل تردد، والأدلة محتملة، والقياس فيها على الأكل والشرب غير جلي، وماورد عن الصحابة من قولهم:(الفطر مما دخل)، (الصيام مما دخل) فإنه يحتمل أن المراد به المدخل المعتاد وأن (الفطر مما دخل من الفم ووصل إلى الحلق والجوف)
(5)
، والأنف مثل الفم لورود التنبيه عليه في حديث لقيط، والله أعلم.
(1)
انظر: المرجع السابق ص (138 - 139).
(2)
المفطرات الطبية المعاصرة للكندي ص (394).
(3)
المرجع السابق.
(4)
مفطرات الصيام المعاصرة للخليل ص (48).
(5)
الكافي لابن عبدالبر (1/ 345).
المبحث الخامس: تحريم صيام يوم السبت
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(كيف يكون هذا الحديث صحيحًا سالمًا من الشُّذوذ والعِلَّة ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة "، ولا المسانيد المشهورة وهم محتاجون إليه أشدّ حاجة؟! والدارقطني إنَّما جمع في كتابه "السُّنن" غرائب الأحاديث).
ابن عبدالهادي رحمه الله تنقيح التحقيق (3/ 276)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
شرع الله التنفل بالصيام وجعله من أفضل الأعمال، حتى سأل أبو أمامة رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، مرني بعمل. قال صلى الله عليه وسلم:«عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له»
(1)
، وفي رواية:«فإنه لا عدل له»
(2)
، وجاء عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام وصلى والناس نيام»
(3)
، وترجم عليهما
(1)
أخرجه أحمد (22140)، والنسائي (2220)، وابن حبان (3425)، وغيرهم مختصراً ومطولاً، من طريق محمد بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة به، ورجاله رجال مسلم، ومحمد بن أبي يعقوب يروي عن رجاء وقد صرّح في رواية النسائي بالتحديث، قال ابن حجر في الفتح (4/ 104):(وروى النسائي بسند صحيح عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله، مرني بأمر آخذه عنك. قال: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له» وفي رواية: «لا عدل له» والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة)، وقد أعله ابن القطان في بيان الوهم (4/ 313).
(2)
أخرجه أحمد (22149)، والنسائي (2222)، وابن خزيمة (1893)، وابن حبان (3426) والحاكم (1533) وغيرهم، من طريق محمد بن أبي يعقوب، عن أبي نصر الهلالي، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة به، وهو كالطريق السابق إلا أن فيه (أبو نصر) بين ابن أبي يعقوب ورجاء، قال ابن حبان:(أبو نصر هذا هو حميد بن هلال، ولست أنكر أن يكون محمد بن أبي يعقوب سمع هذا الخبر بطوله عن رجاء بن حيوة، وسمع بعضه عن حميد بن هلال، فالطريقان جميعاً محفوظان)، قال الحاكم:(هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه).
(3)
أخرجه أحمد (22905)، والبيهقي في الكبرى (8479)، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن معانق أو أبي معانق، عن أبي مالك الأشعري به، وأُعل بجهالة ابن معانق وعدم سماعه من أبي مالك، انظر: سؤالات البرقاني للدارقطني ص (67)، وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 52)، ووثق عبدالله بن معانق أيضاً العجلي في ثقاته ص (280) فقال:(عبد الله بن معانق الأشعري: "شامي" ثقة)، فلا بأس بالحديث ومثله يقبل في الفضائل، وقد روي في الترمذي (1984) وابن خزيمة (2136) وغيرهم عن علي رضي الله عنه: وفيه: «وأدام الصيام» ، قال ابن كثير في تفسيره (4/ 177):(رواه الطبراني، من حديث عبد الله بن عمرو وأبي مالك الأشعري، كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه وكل من الإسنادين جيد حسن).
البيهقي: (باب من لم ير بسرد الصيام بأساً إذا لم يخف على نفسه ضعفاً وأفطر الأيام التي نهي عن صومها)
(1)
، فهذان الحديثان يدلان على فضيلة التطوع بالصوم مطلقاً، وقد قُيّد هذا الإطلاق في في بعض الأيام بالنهي عن صومها، فهل يوم السبت منها؟ هذا هو المراد بحثه.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة المراد بحثها:
1.
أجمع العلماء (أن صيام يوم الفطر ويوم النحر لا يجوز)
(2)
، (على حال التطوع، ولا ناذر، ولا قاض فرضاً، ولا لمتمتع ولا لأحد)
(3)
.
2.
…
(وأجمعوا أن من تطوع بصيام يوم واحد، ولم يكن يوم الشك، ولا اليوم الذي بعد النصف من شعبان، ولا يوم جمعة، ولا أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر، فإنه مأجور)
(4)
.
3.
وإفراد صيام يوم السبت أو تخصيصه
(5)
بالصيام مكروه في
(1)
السنن الكبرى (4/ 494)، ولم يتعقب الحديثين بشيء، فهما مقبولان على شرطه في كتبه، وذكر حديث أبي أمامة عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى وشرطه في مقدمته (1/ 70):(تخيرتها صحيحةَ الإِسناد، معروفةً عند النقاد، قد نقلها الأثبات، وتداولها الثقات) فهو صحيح عنده.
(2)
مراتب الإجماع ص (40).
(3)
الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 232).
(4)
مراتب الإجماع ص (40 - 41)، وانظر: الإقناع لابن القطان (1/ 231).
(5)
كراهة التخصيص لايختص بيوم السبت بل كما قال ابن القيم في الزاد (1/ 407): (أما تخصيص ما خصصه الشارع، كيوم الاثنين ويوم عرفة ويوم عاشوراء فسنة، وأما تخصيص غيره كيوم السبت والثلاثاء والأحد والأربعاء فمكروه. وما كان منها أقرب إلى التشبه بالكفار لتخصيص أيام أعيادهم بالتعظيم والصيام فأشد كراهة وأقرب إلى التحريم)، وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (28/ 15):(صوم يوم السبت وحده خصوصاً: وهو متفق على كراهته).
المذاهب الثلاثة وهو قول عند المالكية
(1)
، وقيل: لابأس بصيامه وهو قول الإمام مالك
(2)
، وقول أحمد فيما فهمه عنه القدماء من أصحابه
(3)
، بل قال ابن تيمية:(وأكثر أهل العلم على عدم الكراهة)
(4)
، وذهب بعض المعاصرين إلى تحريم صيام يوم السبت مطلقاً إلا في الفرض، وهذا هو الرأي المراد بحثه وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
أما الحنفية فقال في بدائع الصنائع (2/ 79): (ويكره صوم يوم السبت بانفراده، لأنه تشبه باليهود)، وفي حاشية ابن عابدين (2/ 375 - 376): (أي: يكره تعمد صومه إلا إذا وافق يوما كان يصومه قبل
…
وأفاد قوله: وحده أنه لو صام معه يوما آخر فلا كراهة؛ لأن الكراهة في تخصيصه بالصوم للتشبه)، وأما المالكية ففي التبصرة للخمي (2/ 812) ذكر الأيام المنهي عن صيامها وقال:(ويوم الجمعة، ويوم السبت، أن يُفْرَد أحدُهما، أو يُخَصَّ بصيام)، وفي القوانين الفقهية ص (78) ذكر في الصوم المكروه:(وصوم يوم السبت خصوصا)، وأما الشافعية في المجموع (6/ 440):(يكره إفراد السبت بالصيام إذا لم يوافق عادة له)، وأما الحنابلة ففي المغني (3/ 171): (قال أصحابنا: يكره إفراد يوم السبت بالصوم
…
وإن وافق صوماً لإنسان، لم يكره).
(2)
جاء في النوادر والزيادات (2/ 76): (ومن "المجموعة" قال جماعة، عن مالك، من أصحابه: ولا بأس أن يصام يوم السبت. وأعْظَمَ أن يقال يوما لا يصام فيه، ولا يحتجم. وأنكر ماذُكر فيه)، وفي تحفة الأحوذي (3/ 288): (قال ابن أبي أوس: سئل مالك عن صيام يوم السبت؟
…
فقال: إن هذا الشيء ماسمعت به قبل، ولقد كنت سمعت في يوم الجمعة ببعض الكراهية، فأما يوم السبت فلا، ثم ضرب في ذلك الأمثال وذكر ذهاب العلم، ورقة الزمان، وماجاء من كثرة أحاديث الناس)، والمشهور عن مالك تكذيبه لحديث النهي عن صيام السبت -كما سيأتي- ولذلك لا تجد في أكثر كتب المالكية، ولاخليل وشروحه تعريجاً على حكم صوم السبت فهو كسائر الأيام عندهم.
(3)
قال ابن تيمية في الاقتضاء (2/ 75 - 76): (هذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه كالأثرم، وأبي داود
…
وأما أكثر أصحابنا ففهموا من كلام أحمد الأخذ بالحديث، وحمله على الإفراد)، وانظر: الفروع (5/ 105).
(4)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 76).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
الألباني (ت 1420)
(1)
رحمه الله ومجمل رأيه: (عدم جواز صيام يوم السبت إلا في الفرض، ومن الفرض: أن يصوم الجمعة من كان غافلاً عن النهي عن إفراد الجمعة، ففرض عليه أن يصوم السبت إن لم يكن
(1)
له في المسألة رأيان، الأول: في إرواء الغليل (4/ 125) وفي صحيح سنن أبي داود (7/ 180)، كان يميل إلى أن المنهي عنه هو إفراد السبت بالصوم، والرأي الآخر -وهو الأخير منهما-: هو تحريم صيام يوم السبت إلا في الفرض ففي تمام المنة ص (407) ذكر بحث ابن القيم للمسألة وقال عنه: (انتهى فيه إلى حمل النهي على إفراد يوم السبت بالصوم جمعاً بينه وبين تلك الأحاديث، وهو الذي ملت إليه في "الإرواء") ثم اختار طريقة ترجيح حديث الحظر عن صوم يوم السبت على جميع الأحاديث المبيحة، وقال في جلباب المرأة المسلمة ص (179) حاشية (1):(من الناحية الفقهية لا يشرع صوم السبت إلا في الفرض؛ كما حكاه الطحاوي في "شرح المعاني" عن بعض أهل العلم، وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه نهيًا عامًّا) انتهى، وقال في السلسلة الصحيحة (2/ 733): (قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» ، وهو حديث صحيح يقينًا
…
فأشكل هذا على كثير من الناس قديمًا وحديثًا، وقد لقيتُ مقاومة شديدة من بعض الخاصة، فضلًا عن العامة
…
وقد جرت بيني وبين كثير من المشايخ والدكاترة والطلبة مناقشات عديدة حول هذا القول، فكنت أذكرهم بالقاعدة السابقة وبالمثال السابق، وهو صوم يوم الاثنين أو الخميس إذا وافق يوم عيد، فيقولون يوم العيد منهي عن صيامه، فأبين لهم أن موقفكم هذا هو تجاوب منكم مع القاعدة، فلماذا لا تتجاوبون معها في هذا الحديث الناهي عن صوم يوم السبت؟! فلا يُحيرون جوابًا؛ إلا قليلًا منهم فقد أنصفوا جزاهم الله خيرًا، وكنت أحيانًا أطمئنهم وأبشرهم بأنه ليس معنى ترك صيام يوم السبت في يوم عرفة أو عاشوراء مثلًا أنه من باب الزهد في فضائل الأعمال، بل هو من تمام الإِيمان والتجاوب مع قوله عليه الصلاة والسلام:«إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه» انتهى، وانتصر للشيخ بعض تلامذته كعلي بن حسن عبدالمحميد الأثري في رسالة له بعنوان:"زهر الروض في حكم صيام يوم السبت في غير الفرض".
صام الخميس
(1)
، والنهي عن صيام السبت كالنهي عن صيام العيد بل أشد، ومن أفطر يوم عرفة أو عاشوراء أو الست إذا وافق يوم السبت فهو أفضل ممن صام)
(2)
.
(1)
هكذا ذكر في السلسة الصحيحة (2/ 734) بقوله: (وقد كان بعض المناقشين عارض حديث السبت بحديث الجمعة هذا، فتأملت في ذلك، فبدا لي أن لا تعارض والحمد لله، وذلك بأن نقول: من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت، وهذا فرض عليه لينجو من إثم مخالفته الإِفراد ليوم الجمعة، فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبت: «إلا فيما افترض عليكم». ولكن هذا إنما هو لمن صام الجمعة وهو غافل عن النهي عن إفراده، ولم يكن صام الخميس معه كما ذكرنا، أما من كان على علم بالنهي؛ فليس له أن يصومه؛ لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه، فلا يدخل -والحالة هذه- تحت العموم المذكور، ومنه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيل، فلا يجوز إفراده كما تقدم، كما لو وافق ذلك يوم السبت؛ لأنه ليس ذلك فرضًا عليه) انتهى. وفي سلسلة الهدى والنور (380) ذكر هذه الصورة واحتمل كلامه الجواز ثم ختمها بقوله عند الدقيقة (28: 22): (هذا إذا لم يمكن تطبيق قاعدة الحاظر مقدم على المبيح، وذلك ممكن)، فآل كلامه إلى تحريم مافي حديث جويرية، والأكثر من كلامه الذي وقفت عليه، لا يستثني هذه الصورة، بل في مناقشته لعبدالمحسن العباد في سلسة الهدى والنور الشريط (366) من الدقيقة (33: 27) قال: (لا أفرّق بين إفراده وبين ضمّه إلى يوم قبله أو يوماً بعده ذاكراً -والحمد لله- حديث جويريّة: «هل صمتي قبله
…
هل تصومين بعده» قالت لا
…
هذا الحديث مع الّذين يقولون بجواز صومه مقروناً بغيره
…
إذا صام يوم الجمعة صام يوم السّبت هذا حديث جويريّة صريح في هذا لكنّنا نجيب
…
أنّ حديث جويريّة يبيح وحديث: «لا تصوموا» يحظر فيقدّم الحاظر على المبيح)، وقال:(قلنا: إن حديث جويرية إنّه مبيح وحديث النّهي عن صيام يوم السّبت حاظر والحاظر مقدّم على المبيح)، وقال في تمام المنة ص (407):(قوله صلى الله عليه وسلم لجويرية: «أتريدين أن تصومي غداً» وما في معناه مبيح أيضا فيقدم الحديث عليه)، وفسّر الفرض في سلسلة الهدى والنور الشريط (499): برمضان وقضائه، ومن نذر صيام شهر أو أسبوع، ولم يذكر من صام الجمعة ولم يصم الخميس.
(2)
انظر: التعليق السابق، وفي صحيح الترغيب والترهيب (1/ 607) قال:(ظهر لي أنَّ الأقرب أنَّه لا يشرع صيامه مطلقاً إلا في الفرض، مشياً مع ظاهر الحديث)، و هناك تسجيلات ومناقشات صوتية عديدة للشيخ يقرر فيها هذه المسألة ومن أشهرها مناقشة الشيخ عبدالمحسن العباد له كما في سلسلة الهدى والنور الشريط رقم (366)، ومما قاله الألباني في الدقيقة (37: 58): (النّهي عن صوم يوم العيد معروف لدى عامّة العلماء بل وعامّة طلاّب العلم، أمّا النّهي عن صوم يوم السّبت فهذا كان مجهولاً، كان مطويّاً، كان نسياً منسيّاً، هذا هو الفرق، وإلاّ نهي الرّسول عليه السلام هنا وهناك واحد، بل أقول إنّ نهيه عن صيام يوم السّبت آكد من نهيه عليه الصلاة والسلام عن صوم يوم العيد ذلك؛ لأنّ نهيه المتعلّق بصوم يوم العيد لا شيء أكثر من: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد، أمّا النّهي عن صوم يوم السّبت فمقرون بعبارة مؤكّدة لهذا النّهي، ألا وهو قوله:«ولو لم يجد أحدكم إلاّ لحاء شجرة فليمضغه» أي فليثبت إفطاره لهذا اليوم اتّباعاً لأمر الرّسول عليه السلام هذا التّأكيد إن لم يجعل نهيه عليه السلام عن صيام يوم السّبت أرقى وأعظم وأخطر من صيام يوم العيد فعلى الأقلّ أن يجعله مساوياً له
…
وفي زعمي -وأعني ما أقول- في زعمي أنا خير وأهدى سبيلاً وأقوم قيلاً حينما لا أصوم يوم السّبت من ذاك الّذي يصوم يوم السّبت كيوم من أيّام السّتّ، لماذا؟ لأنّني لم أترك صيام السّبت هوى و ابتداعاً في الدّين، وإنّما تركته لله تبارك وتعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما تعلمون «من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه» .
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه، وقد نص على شذوذ هذا القول:
- عبدالرحمن بن ناصر البراك بقوله: (قول الشيخ ناصر الألباني رحمه الله بالمنع من صوم السبت مطلقاً قول شاذ لا ينبغي الأخذ به)
(1)
، وقال: (كتبت في هذه المناسبة فتوى قصيرة نُشرت
…
الذي انتهيت إليه أن قول الشيخ ناصر في هذا وهو: تحريم صيام يوم السبت مطلقاً أنه قول شاذ لا يُعوّل عليه ولا ينبغي الأخذ به، والله أعلم)
(2)
.
- مصطفى العدوي بقوله: (أما النظر إلى متن حديث واحد وسند واحد، وإهمال ماسوى ذلك فيورث فقهاً شاذّاً منبوذاً. فغريب أمر رجل يفطر يوم عاشوراء والمسلمون صيام، لكون يوم عاشوراء وافق عنده يوم سبت، ولا يحل بزعمه أن يصوم يوم السبت!!)
(3)
.
(1)
من فتوى للشيخ منشورة في صفحته الرسمية بتويتر أملاها في (7/ 1/ 1437 هـ).
(2)
من فتوى صوتية منشورة في صفحة الشيخ في اليوتيوب بتاريخ (9/ 1/ 1437 هـ) بعنوان: (هل يجوز صيام يوم السبت فهو يوافق عاشوراء هذه السنة؟).
(3)
مفاتيح للفقه في الدين ص (27).
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بعدم تحريم صيام يوم السبت:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده»
(1)
، وحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال:«أصمت أمس؟» ، قالت: لا، قال:«تريدين أن تصومي غدا؟» قالت: لا، قال:«فأفطري»
(2)
.
وجه الاستدلال:
دل ظاهر الحديثين على جواز صوم يوم السبت في غير الفرض
(3)
، «يصوم بعده» «تصومي غدا؟» ، (فالغد هو يوم السبت
…
[و] اليوم الذي بعده هو يوم السبت)
(4)
، وترجم أبوداود لحديث جويرية بعد حديث النهي عن صوم السبت بقوله:(باب الرخصة في ذلك)
(5)
، وترجم له النسائي:(الرخصة في صيام يوم السبت)
(6)
.
(1)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1985)، ومسلم (1144) واللفظ له.
(2)
أخرجه البخاري (1986).
(3)
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/ 498)، حكم صوم يوم السبت للحميد ص (36).
(4)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 74) نقل الاستدلال به عن الأثرم ووافقه ابن تيمية وابن القيم في تهذيب السنن (7/ 49)، وبنحو هذا الاستدلال= استدل الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 80).
(5)
سنن أبي داود (2/ 321).
(6)
السنن الكبرى (3/ 213).
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن (من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت، وهذا فرض عليه لينجو من إثم مخالفته الإِفراد ليوم الجمعة، فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبت:«إلا فيما افترض عليكم»
(1)
.
- (فدل ذلك على وجوب صيام السبت -لزوماً- لمن صام يوم الجمعة -جهلاً أو نسياناً-، إذ لا خيرة في الانتهاء عما نهينا عنه)
(2)
.
- ثم إن حديث جويرية لم يسق لبيان حكم صوم يوم السبت استقلالاً وإنما جاء ذكره تبعاً، بخلاف حديث النهي عن صوم السبت (فسيق لبيان حكم صوم السبت استقلالاً بصيغة قوية متينة لا تحتمل اللبس)
(3)
.
ويمكن الجواب عن المناقشة بأمور:
- أن صيام السبت مع الجمعة ليس بواجب وهذا هو قول الأئمة الأربعة
(4)
، قال الأثرم: (وجه أحاديث النهي عن تفرد صوم يوم
(1)
السلسة الصحيحة (2/ 733).
(2)
زهر الروض لعلي الحلبي ص (68).
(3)
المرجع السابق ص (71).
(4)
في الحجة على أهل المدينة (1/ 407): (قال أبو حنيفة: لا أرى بصيام يوم الجمعة بأساً، فان تحراه رجل وصامه تطوعاً مفرداً فلا بأس به)، وقال مالك في الموطأ (1/ 311):(لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه، ومن يقتدى به، ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه)، و (مذهب الشافعي رضي الله عنه أن معنى نهي الصوم فيه: أنه يضعف عن حضور الجمعة والدعاء فيها، فكان من أضعفه الصوم عن حضور الجمعة كان صومه مكروهاً، فأما من لم يضعفه الصوم عن حضورها فلا بأس أن يصومه، قد داوم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صوم شبعان، ومعلوم أنه فيه جمعات كان يصومها، كذلك رمضان فعلم أن معنى نهي الصوم فيه ما ذكرنا) كما في الحاوي الكبير (3/ 478)، وفي المغني لابن قدامة (3/ 170):(ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه، مثل من يصوم يوماً ويفطر يوما فيوافق صومه يوم الجمعة، ومن عادته صوم أول يوم من الشهر، أو آخره، أو يوم نصفه، ونحو ذلك. نص عليه أحمد، في رواية الأثرم).
الجمعة إنما هو على التعمد لذلك، يريد أن تتعمد صوم الجمعة تلتمس فضيلته، فهذا هو المنهي عنه)
(1)
، يؤيد ذلك تفضيل صيام داود دون استثناء للجمعة مع أنها لابد أن تفرد فيه، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه:«لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم»
(2)
، وحديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها، أو في شهر»
(3)
.
- وعلى فرض وجوبه فليس هو مما (افترضه الله) كما يدل عليه البناء للمجهول: «افتُرض» في حديث السبت، والفرض يصدق على مثل صيام رمضان، دون مايفرضه المكلف على نفسه كالنذر، وكصيام السبت مع الجمعة.
-
…
يوضح ذلك التخيير: «إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده» فهو تخيير واضح، أما اشتراط الجهل أو النسيان لجواز صوم الجمعة دون الخميس، فهو تحكّم وزيادة على النص، وتفقّه لم أقف عليه
(1)
ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم ص (184).
(2)
أخرجه مسلم (1144)، قال ابن عبدالهادي في المحرر ص (377):(وصحح أبو زرعة وأبو حاتم إرساله).
(3)
أخرجه أحمد (21954) قال: حدثنا أبو الوليد، وعفان، قالا: حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، سمعت إياد بن لقيط، يقول: سمعت ليلى، امرأة بشير أنه سأل النبي به، وإسناده حسن رجاله رجال مسلم عدا زوجة بشير وهي صحابية، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 199):(رجاله ثقات)، وانظر: فتح الباري (4/ 234).
عند أحد قبل الشيخ الألباني
(1)
، و (ليس لأحد أن يحدث قولاً أو تأويلاً لم يسبقه به سلف)
(2)
، ويقال كما قال الشيخ لمن حمل النهي عن صوم السبت على من أفرده أو خصصه:(لا يجوز أن نضيف إليه قيدًا آخر غير قيد "الفرضية" كقول بعضهم: "إلا لمن كانت له عادة من صيام، أومفردًا"؛ فإنه يشبه الاستدراك على الشارع الحكيم، ولا يخفى قبحه)
(3)
.
- أما القول بأن صيام يوم السبت في حديث جويرية إنما جاء تبعاً، فماذا يقال في حديث أبي هريرة؟! فالتخيير والاستقلال فيه واضح، وهو كالتخيير في خصال الكفارة، فإن لم يُسلّم ذلك في حديث أبي هريرة، فأحاديث مشروعية صوم السبت متواترة تواتراً معنوياً، وليس مقتصراً على حديث [جويرية]، وبيان بعضها في الآتي.
2/ ومن أدلتهم على جواز صوم السبت:
أ/ قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو رضي الله عنه: «صُمْ يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام»
(4)
، ففيه:(التسوية بين يوم السبت، وبين سائر الأيام)
(5)
، و (هذا
(1)
قال في السلسة الصحيحة (2/ 734): (وقد كان بعض المناقشين عارض حديث السبت بحديث الجمعة هذا، فتأملت في ذلك، فبدا لي أن لا تعارض والحمد لله، وذلك بأن نقول: من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت، وهذا فرض عليه لينجو من إثم مخالفته الإِفراد ليوم الجمعة، فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبت: «إلا فيما افترض عليكم». ولكن هذا إنما هو لمن صام الجمعة وهو غافل عن النهي عن إفراده، ولم يكن صام الخميس معه كما ذكرنا، أما من كان على علم بالنهي؛ فليس له أن يصومه؛ لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه، فلا يدخل -والحالة هذه- تحت العموم المذكور)
(2)
النوادر والزيادات (1/ 5).
(3)
السلسة الصحيحة (2/ 734).
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1976) وهذا لفظه، ومسلم (1159).
(5)
شرح معاني الآثار (2/ 80).
الصوم لابد أن يوافق السبت أسبوعاً بعد أسبوع كما هو معلوم ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو هذا اليوم
…
ولم ينقل أن عبدالله بن عمرو كان يتقي صومه)
(1)
.
ب/ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»
(2)
، (ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه، ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه)
(3)
.
ج/ حديث معاذة العدوية، أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: «نعم» ، فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: «لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم»
(4)
، وليس فيه توقّيه للسبت، وقد أوصى بعض الصحابة بصيام ثلاثة أيام من كل شهر دون تحرّز أو استثناء لصوم السبت.
د/ (حديث علي، وأبي هريرة، وجندب:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم المحرم» ، ففي المحرم السبت، وليس مما افترض.
(1)
حكم صوم يوم السبت للحميد ص (56).
(2)
أخرجه مسلم (1162) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(3)
شرح معاني الآثار (2/ 80)، قال الأثرم في ناسخ الحديث ص (201 - 202):(ومن ذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء. وقد يكون يوم السبت، ومن ذلك: الترغيب في صوم يوم عرفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، وقد يكون يوم السبت).
(4)
أخرجه مسلم (1160)، قال النووي في شرح مسلم (8/ 49): (هذا متفق على استحبابه وهو استحباب كون الثلاثة هي أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر
…
قال العلماء ولعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب على ثلاثة معينة لئلا يظن تعينها).
ومن ذلك حديث أم سلمة وعائشة، وأسامة بن زيد وأبي ثعلبة، وابن عمر:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان» وفيه السبت)
(1)
، وقالت عائشة رضي الله عنها:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم»
(2)
.
هـ/ والحث على صوم الست من شوال، (وقد يكون فيه السبت
…
ومن ذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام البيض، وقد يكون فيه السبت، وأشياء كثيرة توافق هذه الأحاديث)
(3)
، قال ابن تيمية:(احتج الأثرم بما دل من النصوص المتواترة، على صوم يوم السبت)
(4)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- أن النهي عن صوم يوم السبت حاظر وجميع هذه الأحاديث مبيحة والقاعدة أن: (الحاظر مقدم على المبيح، مثل: صيام يوم الإثنين أو الخميس إذا اتفق مع يوم عيد الفطر أو أحد أيام الأضحى، فإنه لا يصام، لا لنهي خاص بهذه الصورة، وإنما تطبيقًا للقاعدة المذكورة، وما نحن بصدده هو من هذا القبيل)
(5)
.
(1)
ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم ص (201 - 202)، أتيت بهذا النقل للاختصار وصيامهما مشهور، فصوم شعبان أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (1156) من حديث عائشة بلفظ:«كان يصوم شعبان كله» ، وصوم المحرم أخرجه مسلم (1163) من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:«أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم» .
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1969)، ومسلم (1156).
(3)
ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم ص (202 - 203).
(4)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 75)، وانظر: تهذيب السنن (7/ 49).
(5)
السلسلة الصحيحة (2/ 733)، وانظر: تمام المنة ص (407)، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 607).
والجواب عن المناقشة:
- أن حديث النهي عن صوم السبت لايسلم بثبوته -وسيأتي نقاشه-، وعلى فرض التسليم بثبوته ف (كل حديث من هذه الأحاديث التي قدمنا ذكرها أصح بمفرده من حديث النهي عن صوم يوم السبت المذكور، فلا ينبغي
…
أن تطرح هذه الأحاديث ولا يعبأ بها، ويقدم عليها حديث:«لاتصوموا السبت إلا فيما افترض عليكم» !!
- ثم أيضاً لايليق بحال من الأحوال أن تهدر أقوال العلماء في مثل هذا المقام وتهمل، بل يلزم العمل بالأحاديث مجتمعة، وترجيح الأصح والأقوى
…
أما النظر إلى متن حديث واحد وسند واحد، وإهمال ماسوى ذلك فيورث فقهاً شاذاً منبوذاً)
(1)
.
- والقياس على صيام العيد ممتنع فالفارق أقوى من الجامع؛ فالعيد قام الإجماع القطعي على تحريم صومه، والجمعة لا يحرم صومه بالإجماع، والعيد لم يستثن لتجويز صومه أن يصوم يوماً قبله أو بعده، بخلاف السبت فقد جاء صيامه مع الجمعة في حديث جويرية، وجاء صيامه مع الأحد في حديث أم سلمة.
- ثم إن إعمال الحاظر على المبيح هذا ترجيح، والترجيح فيه فرضٌ للتعارض وهو غير متحقق هنا؛ لأن من شروط تحقق التعارض: (التساوي في الثبوت
…
[و] التساوي في القوة فلا تعارض بين المتواتر والآحاد، بل يقدم المتواتر بالاتفاق)
(2)
؛ وقد ذكر ابن تيمية وابن القيم تواتر أحاديث مشروعية صيام السبت
(3)
، فالنهي
(1)
مفاتيح للفقه في الدين للعدوي ص (26 - 27).
(2)
البحر المحيط (8/ 120).
(3)
انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 75)، تهذيب السنن (7/ 49).
عن صوم السبت معارض بما هو أقوى منه، وأشار لذلك الحاكم حين أخرج الحديث فقال:(وله معارض بإسناد صحيح)
(1)
ثم ذكر حديث جويرية.
- ومهما يكن فإن الجمع مقدم على الترجيح وهو واجب متى ما أمكن، كما قال النووي:(ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث، لا يصار إلى ترك بعضها بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها)
(2)
، وهو الذي سار عليه أئمة الحديث والفقه في مسألتنا، فقد ترجم له أبوداود:(باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم) ثم قال: (باب الرخصة في ذلك)
(3)
، وترجم له الترمذي:(باب ما جاء في كراهية صوم يوم السبت) ثم قال: (ومعنى كراهته في هذا: أن يخص الرجل يوم السبت بصيام)
(4)
، وذكر النسائي الاختلاف في حديث السبت، ثم قال:(الرخصة في صيام يوم السبت)
(5)
، وترجم له ابن خزيمة:(باب النهي عن صوم يوم السبت تطوعاً إذا أفرد بالصوم)
(6)
، وترجم له الحاكم:(ذكر الزجر عن صوم يوم السبت مفرداً)
(7)
، وترجم له البيهقي:(باب ما ورد من النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم)
(8)
، فهذا فقه من خرَّج الحديث، وبنحوه قال أرباب المذاهب كما سبق في تحرير الشذوذ، أما تحريم صيامه مطلقاً إلا في الفرض فهذا لم يقل به أحد، ومخالف للإجماع الآتي.
(1)
المستدرك (1/ 601)، وعارضه أيضاً بحديث أم سلمة في صيام النبي صلى الله عليه وسلم للسبت وللأحد.
(2)
شرح صحيح مسلم (3/ 155).
(3)
سنن أبي داود (2/ 320)، (2/ 321).
(4)
جامع الترمذي (3/ 111).
(5)
السنن الكبرى (3/ 213).
(6)
صحيح ابن خزيمة (3/ 316).
(7)
صحيح ابن حبان (8/ 379).
(8)
السنن الكبرى (4/ 498).
3/ ومن أدلتهم: الإجماع، وقد نقل الإجماع في هذه المسألة:
1.
ابن تيمية (ت 782) فقد قال عن حديث النهي عن صوم السبت: (ظاهر الحديث خلاف الإجماع)
(1)
.
2.
وقال ابن قاسم (1392) عن صوم السبت: (فإن صام معه غيره لم يكره إجماعًا)
(2)
.
3.
وقال عبدالرحمن البراك: (قول الشيخ ناصر رحمه الله مخالف لقول جميع أهل العلم؛ فإنهم بين مضعف للحديث أو حاكم بنسخه أو شذوذه، أو متأول له على صومه مفرداً)
(3)
.
4.
وقال مصطفى العدوي: (حديث الباب: «لاتصوموا يوم السبت
…
» يفيد أن يوم عرفة وعاشوراء، لا يصامان إذا وافق يوم منهما يوم السبت، وهذا قول لم يقل به أحد من أهل العلم فيما علمت)
(4)
.
5.
ومما يؤيد الإجماع:
- قول د. سعد الحميد بقوله: (ولم أجد من سبق الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله إلى هذا القول والتفصيل فيه، حتى ابن حزم مع أنه جار على أصول مذهبه)
(5)
، وقال:(إطلاق القول بالتحريم مطلقاً، فلم أجد من قال به سوى الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله)
(6)
.
(1)
شرح العمدة-كتاب الصلاة (2/ 653).
(2)
حاشية الروض المربع (3/ 459).
(3)
من فتوى للشيخ منشورة في صفحته الرسمية بتويتر أملاها في (7/ 1/ 1437 هـ).
(4)
مفاتيح للفقه في الدين ص (26).
(5)
حكم صوم يوم السبت ص (90).
(6)
المرجع السابق ص (92).
- وقول الشيخ الألباني: (أنا أعرف جيداً أن هذا الحديث كان ميتاً، حديث: «لاتصوموا يوم السبت إلا فيم افترض عليكم» كان ميتاً، أي: كان مهجوراً، كان مجهولاً عند الناس)
(1)
، (أمّا النّهي عن صوم يوم السّبت فهذا كان مجهولاً، كان مطويّاً، كان نسياً منسيّاً)
(2)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن (المسألة خلافية، الخلاف فيها عريض، فلا يصح بحال ادعاء أن القائل بأحد الأقوال مخالف للجماعة
…
ونحو ذلك من عبارات صادرة عن التسرع)
(3)
.
- وراوي حديث النهي عن صوم السبت هو سلف هذا القول
(4)
فقد قال ثوبان، مولى النبي صلى الله عليه وسلم وسئل عن صيام يوم السبت، قال: سلوا عبد الله بن بسر، قال: فسئل، فقال:(صيام يوم السبت لا لك ولا عليك)
(5)
.
- قال الطحاوي: (ذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا صوم يوم
(1)
سلسلة الهدى والنور الشريط (1006).
(2)
سلسلة الهدى والنور الشريط (366)، وأستبعد أن يكون قصده أن الحق كان مطموراً عن الأمة ولم يعرفه إلا هو.
(3)
زهر الروض للحلبي ص (9)، وقد أورد قبل ذلك هذا البيت:(وكم من عائب قولاً صحيحاً **وآفته من الفهم السقيم) قال: (وفي رواية .... من الحقد القديم)، ولعل هذا لا يليق، والعلم أن يثبت من وافقه من السلف ولم يثبت.
(4)
ذكر الشيخ هذا في مناقشته لعبدالمحسن العباد حين سأله: (هل تعلمون أحداً من العلماء قال: إنه لايجوز صيام يوم السبت تطوعاً مطلقاً لا منفرداً ولا مقروناً بغيره؟). سلسلة الهدى والنور الشريط (366)، وقد ذكر الشيخ في بعض المواضع ماذكره الطحاوي من كراهة بعضهم لصوم السبت باعتبارهم سلف له كما في "جلباب المرأة المسلمة" ص (179)، وذكر في موضع ثالث أنه لا يحتاج معرفة السلف إذا كان الحديث واضحاً كما سيأتي.
(5)
أخرجه النسائي في الكبرى (2785).
السبت تطوعاً)
(1)
، قال العيني:(أراد بالقوم هؤلاء: مجاهدًا وطاوس بن كيسان وإبراهيم وخالد بن معدان؛ فإنهم كرهوا صوم يوم السبت تطوعًا)
(2)
.
- ولو لم يكن هناك سلف للقول، فالحديث حجة بنفسه، (إذا كان الحديث صريح الدلالة كالشمس في رابعة النهار، مافيه حاجة بعد ذلك أن تتطلب من قال بهذا الحديث
…
إلا في حديث
…
يحتمل هذا الوجه ويحتمل هذا الوجه فهنا لابد من الاستئناس بمن سبقنا من العلماء)
(3)
.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة:
- أما كون المسألة خلافية فهذا حق، ولكن الأقوال لا تخرج عن الإباحة أو كراهة الإفراد أو التخصيص، أما التحريم فهذا هو القول المحدث الذي يطالب بسلفه.
- وأما قول راوي حديث النهي عن صوم السبت عبدالله بن بسر رضي الله عنه: (صيام السبت لا لك ولاعليك)، فهذا حجة على من قال بالتحريم، فهو يقول:(لا لك ولا عليك)(وهذا شأن المباح)
(4)
، وهل هناك أصرح منها في نفي الإثم؟! قال المناوي:(أي لا لك فيه مزيد ثواب، ولا عليك فيه ملام ولا عتاب)
(5)
، فهو من جملة ما أبيح صيامه، فإن وافق السبت يوماً فاضلاً فالفضل من هذا اليوم الفاضل ويجوز صيامه بفهم الصحابي راوي الحديث ولا مخالف له.
(1)
شرح معاني الآثار (2/ 80).
(2)
نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار للعيني (8/ 433).
(3)
سلسلة الهدى والنور شريط رقم (1006).
(4)
فيض القدير (6/ 408).
(5)
فيض القدير (4/ 230).
- وأما ما نقله الطحاوي عن بعضهم بأنهم كرهوا صيام السبت، فهذا خارج محل النزاع، فالقول بالكراهة قول معروف مشهور ولا يلزم منه التحريم، وعلى فرض صراحته في التحريم فلا بد من الوقوف على كلامهم لمعرفة وجهه، وهو معارض بفهم الصحابي راوي الحديث.
- وأما قول الشيخ بأنه لا حاجة لفهم السلف إذا كان الحديث صريح الدلالة كالشمس، فلا يسلّم به بل (كل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام)
(1)
، والصريح قد يكون منسوخاً أو مصروف الدلالة.
- وعلى فرض التسليم فيقال: مادام الحديث صريح الدلالة كالشمس، فلماذا كان الشيخ ناصر يميل إلى أن المنهي عنه هو إفراد السبت بالصوم، فإذا ضم إليه غيره لم يكره
(2)
، ثم غيّر رأيه، ولماذا لم يفهم راوي الحديث والأئمة من بعده كما فهم وأطلق التحريم في قوله الثاني؟! ولاشك أن الأمة لا يمكن أن تضل عن الحق في زمن من الأزمان، وفي قول الشيخ ما يجعل ذلك محتملاً، وذلك منفي بحفظ الله للدين.
المسألة الثانية: أدلة القائل بتحريم صوم السبت إلا في الفرض: استدل أصحاب هذا القول:
1/ بحديث عبدالله بن بُسْر عن أخته الصماء
(3)
رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1)
مجموع الفتاوى لابن تيمية (21/ 291).
(2)
وهو قوله الأول كما في إرواء الغليل (4/ 125) وفي صحيح سنن أبي داود (7/ 180).
(3)
روي عن (عبد الله ابن بسر عن أخته أو عمته أو خالته: هي الصماء صحابية) كما في التقريب ص (768).
«لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه»
(1)
.
(1)
الحديث جاء من طرق أصحها طريق خالد بن معدان وطريق حسان بن نوح وبينهما خلاف، أما طريق خالد بن معدان (ثقة عابد) فقد جاء عن عبدالله بن بسر عن أخته: أخرجه أحمد (27075)، والترمذي (744)، وأبوداود (2421)، والدارمي (1790) وابن ماجه (1726)، وابن خزيمة (2163) والحاكم (1592) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3315) والنسائي في الكبرى (2775) والطبراني في الكبير (818) والبيهقي في الكبرى (8493) وغيرهم، من طريق أبي عاصم الضحاك، وعيسى بن يونس [واختلف عليه وهذا الطريق هو المحفوظ]، وسفيان بن حبيب، والوليد بن مسلم [واختلف عليه وهذا الطريق هو المحفوظ]، وقرة بن عبد الرحمن، والفضل بن موسى، وعبد الملك بن الصباح، وأصبغ بن زيد [كلهم ثقات إلا آخر ثلاثة فهم أقل من ذلك]، كل الثمانية يروونه عن ثور بن يزيد (ثقة ثبت) عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر عن أخته به، وخالف الثمانية عن ثور أربعة رواة: 1/ فعبدالله بن يزيد بن راشد المقرئ (لابأس به) جعله من مسند أم عبدالله بن بسر كما أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3413) وتمام في فوائده (654) عن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا ثور بن يزيد، حدثني خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر، عن أمه به. 2/ وخالفهم كذلك: بقية (صدوق) فجعله من مسند عمته، كما أخرجه النسائي في الكبرى (2778) عن بقية قال: حدثنا ثور، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر، عن عمته الصماء به. 3/ وخالفه كذلك: عيسى بن يونس كما أخرجه ابن ماجه (1726) والنسائي في الكبرى (2774) عن عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر به، فجعله عيسى من مسند عبدالله بن بسر، قال أبو نعيم في الحلية (5/ 218):(غريب من حديث خالد، تفرد به عيسى عن ثور) وسبقت روايته مع الثمانية. 4/ وخالفه كذلك: عتبة بن السكن كما عند تمام في فوائده (655) عن عتبة بن السكن عن ثور عن خالد عن عبدالله بن بسر به، و (عتبة بن السكن متروك الحديث) قاله الدراقطني في سننه (3/ 153) فالأصح من رواية ثور هو عن خالد عن ابن بسر عن أخته لأنهم الأكثر والأوثق، كما ذكر الدارقطني في العلل (15/ 312) بعدما ذكر الخلاف قال:(والصحيح عن ابن بسر، عن أخته).
وقد تابع ثور: لقمان بن عامر (صدوق) عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء كما عند أحمد (27077)، وجاء من طريق إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن لقمان بن عامر عن عبدالله بن بسر عن أخته الصماء به، أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1591)، فهذه متابعة من لقمان لثور ولشيخه خالد بن معدان.
وخالف ثور -على الوجه الأصح عنه-: أربعة من الرواة: 1/ فرواه عامر بن جشيب (موثق) من مسند عبدالله بن بسر: كما عند النسائي في الكبرى (2779) والطبراني في مسند الشاميين (1850) بقية عن الزبيدي عن لقمان بن عامر عن عامر بن جشيب، عن خالد بن =
........
= معدان، عن عبد الله بن بسر به، وفي إسناده بقية واختلف عنه. 2/ ورواه الفضيل بن فضالة من مسند والد عبدالله بن بسر: كما أخرجه النسائي في الكبرى (2781) عن أبي تقي، قال: حدثنا ابن سالم، عن الزبيدي، قال: حدثنا عن الفضيل بن فضالة، أن خالد بن معدان، حدثه أن عبد الله بن بسر حدثه، أنه سمع أباه به، قال النسائي:(أبو تقي هذا ضعيف ليس بشيء، وإنما أخرجته لعلة الاختلاف)، قلت: لكنه توبع، تابعه عمرو بن الحارث كما عند الطبراني في الكبير (1191) عن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق عن عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، ثنا الفضيل بن فضالة، أن خالد بن معدان، حدثه أن عبد الله بن بسر حدثه أنه، سمع أباه بسرا به، وفيه: قال عبد الله بن بسر: إن شككتم فسلوا أختي، قال: فمشى إليها خالد بن معدان، فسألها عما ذكر عبد الله فحدثته بذلك، لكن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق، كذبه محمد بن عوف، وقال أبو داود:(ليس بشيء)، قال ابن معين:(لابأس به)، وقال أبوحاتم:(شيخ)، قال النسائي:(ابن زبريق ليس بثقة عن عمرو بن الحارث). الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 209)، تاريخ دمشق لابن عساكر (8/ 109)، المغني في الضعفاء ص (26)، وفي الإسنادين:(فضيل بن فضالة الهوزني) وهو مقبول كما في التقريب ص (448)، ولم يتابع على هذه الزيادة، 3/ ورواه لقمان بن عامر (صدوق) من مسند خالة عبدالله بن بسر: أخرجه النسائي في الكبرى (2782) عن الزبيدي، عن لقمان بن عامر، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر، عن خالته الصماء به، وفي إسناده عمرو بن سعيد وبقية وفيهما ضعف، وقد خالف بقية إسماعيل بن عياش، والصحيح من رواية لقمان ماسبق من مسند أخت عبدالله بن بسر. 4/ ورواه داود بن عبيداله من مسند عائشة: أخرجه النسائي في الكبرى (2784) عن داود بن عبيد الله، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء، عن عائشة به، وداود مجهول، وأصح الطرق عن خالد هو طريق ثور عن خالد عن ابن بسر عن أخته.
وخالف خالد بن معدان ستة من الرواة: 1/ فرواه حسان بن نوح (ثقة)[واختلف عليه] من مسند عبدالله بن بسر، أخرجه أحمد (16690)، والنسائي الكبرى (2772) وابن حبان (3615)، وغيرهم من طريق علي بن عياش (ثقة ثبت) ومبشر بن إسماعيل (صدوق)، عن حسان بن نوح، قال: رأيت عبد الله بن بسر، يقول: ترون كفي هذه، فأشهد أني وضعتها على كف محمد صلى الله عليه وسلم ونهى عن صيام يوم السبت، إلا في فريضة، وقال:«إن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليفطر عليه» هذا لفظ أحمد وإسناده صحيح، لكنه اختلف فيه على حسان، فرواه عنه علي بن عياش ومبشر من مسند عبدالله بن بسر -كما سبق-، وخالفهما عبدالقدوس بن الحجاج (ثقة) فجعله من مسند أبي أمامة رضي الله عنه كما أخرج الروياني في مسنده (1258) عن أبي المغيرة عبدالقدوس نا حسان بن نوح قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومن أحدكم يوم السبت إلا في الفريضة، فإن لم يجد إلا لحاء شجرة فليفطر عليه» ، ورجاله ثقات، ولكل من الروايتين متابعات لاتخلو من ضعف. 2/ فقد تابعه في روايته عن عبدالله بن بسر: يحيى بن حسان (ثقة) كما أخرج أحمد (17686) والضياء في المختارة (91)(92) من طريق الوليد بن مسلم عن يحيى بن حسان قال: سمعت عبد الله بن بسر المازني، يقول: ترون يدي هذه؟ فأنا بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» . هذا لفظ أحمد، وهذا الطريق غريب من حديث الوليد بن مسلم تفرد به الطالقاني (صدوق يغرب) وخالف أربعة من الثقات عن الوليد، فقد رواه عنه دحيم وإسحاق بن راهويه ويزيد بن قبيس وصفوان بن صالح من مسند أخت عبدالله بن بسر وهو الصحيح، فهي رواية شاذة لاتصلح متابعة. 3/ وتابعه أيضاً في روايته عن عبدالله بن بسر: عمرو بن قيس (ثقة)، كما أخرجه خرجه الطبراني في مسند الشاميين (2548) من طريق علي بن عياش ثنا سليمان بن حسان بن نوح عن عمرو بن قيس عن عبدالله بن بسر به، ورجاله ثقات إلا سليمان بن حسان بن نوح فلم أقف له على ترجمة. 4/ وتابع حسان في روايته عن أبي أمامة: عبدالله بن دينار البهراني الحمصي (ضعيف)، كما أخرجه الطبراني في الكبير (7722) من طريق إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن دينار، عن أبي أمامة به، ولاتصح، وعند الترجيح فرواية علي بن عياش وهو (ثقة ثبت، قال الدارقطني: حجة) هي المحفوظة خاصة مع متابعة مبشر بن إسماعيل، فهي رواية الأكثر والأحفظ عن حسان، وقد توبع حسان عليها، والرواية عن أبي أمامة غريبة.
5/ ورواه معاوية بن صالح (صدوق له أوهام) من مسند عمة عبدالله بن بسر، فقد أخرجه النسائي في الكبرى (2773) وابن خزيمة (2164) والطبراني في الكبير (816) والبيهقي في الكبرى (8494)، من طريق الليث بن سعد وعبدالله بن صالح، عن معاوية بن صالح (صدوق له أوهام)، عن ابن عبدالله بن بسر عن أبيه عن عمته الصماء أخت بسر به، وهذه الرواية الظاهر أنها خطأ، قال ابن خزيمة:(خالف معاوية بن صالح، ثور بن يزيد في هذا الإسناد، فقال: ثور عن أخته، يريد أخت عبد الله بن بسر. قال معاوية: عن عمته الصماء أخت بسر)، قلت: وفي الإسناد من لا يعرف وهو ابن عبدالله بن بسر. 6/ ورواه فضيل بن فضالة (مقبول) عن خالته الصماء، كما أخرجه النسائي في الكبرى (2780)، والطبراني في الكبير (822) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3412)، من طريق الزبيدي، عن الفضل بن فضالة، عن عبد الله بن بسر، عن خالته الصماء به، ورجاله ثقات إلا فضيل، فأصح طرق الحديث هو مارواه خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر عن أخته، و مارواه حسان بن نوح عن عبدالله بن بسر، والحديث أعله جماعة من الأئمة -كما سيأتي-.
وجه الاستدلال:
- الحديث صريح الدِّلالة في النهي عن صيام يوم السبت إلا في الفرض، والإفطار لغيره، واستثناء غير الفرض فيه استدراك، ويكون الحديث: إلا فيما افترض وإلا
…
- و (الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض، ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة)
(1)
.
- و (لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض؛ لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران، فإذا استثني الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره)
(2)
.
- ولم يقتصر على الأمر بالإفطار بل أضاف إلى ذلك تأكيداً بالغاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة» ، ولحاء الشجرة هو القشر الذي ليس من عادة الناس أنْ يستفيدوا منه إلا حطباً للنار
(3)
.
- (فتأملت في هذا الحديث فوجدته نصاً صريحاً في أنه لا يجوز صيام يوم السبت إلا في الفرض)
(4)
.
ونوقش الاستدلال بأمور:
- أن الحديث معلول بالنكارة أو الاضطراب أو النسخ، (روي عن
(1)
تهذيب السنن (7/ 50).
(2)
تمام المنة ص (406).
(3)
كما في سلسلة الهدى والنور الشريط (380)، ولحاء:(أي: قشر شجرة عنب، «فليفطر عليه» هذا مبالغة في النهي عن صومه، لأن قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه). التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 495).
(4)
سلسلة الهدى والنور الشريط (380) عند الدقيقة (11. 36)، وقال:(من الفرض قضاء مما عليه من رمضان، ومن الفرض مثلاً صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي بالنسبة للمعتمر، وهكذا من الفرض من كان نذر عليه صياماً معيناً فعليه أن يلتزم ذلك؛ لأنه بالنذر صار فرضاً).
السلف أنهم أنكروه)
(1)
، ومن ذلك:
- أما الإعراض عن الحديث لنكارته فهذه طريقة الطبقة المتقدمة في الرواية، فقد سُئل الزهري (ت 125) عن صوم يوم السبت، فقال:(لا بأس به)
(2)
، فقيل له: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهته، فقال:(ذاك حديث حمصي)
(3)
، قال الطحاوي: (لم يعده من حديث أهل العلم، بعد معرفته به
…
وضعّفه)
(4)
.
- وتوجيه تضعيف الزهري من قوله: (حديث حمصي)
(5)
له احتمالان: الأول: أنه لما قال الزهري بجواز صوم السبت، عورض بحديث النهي، فقال:(ذاك حديث حمصي)، يعني أنه لم يخفَ علي وأعرف رواته، ولم أقل به لضعفه عندي. الاحتمال الآخر: أنه لما كان مخرج الحديث من حمص ولم تعرف روايته في الحجاز -مهبط الوحي-، وكان أصلاً في بابه، دلّ على نكارته، ومن ذلك قول الإمام الشافعي:(إذا لم يوجد للحديث من الحجاز أصل، ذهب نخاعه) وقال: (كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز فلا يقبل، وإن كان صحيحاً، ما أريد
(1)
قاله ابن تيمية في شرح العمدة-كتاب الصيام (2/ 654)، ثم ذكر قول الزهري والأوزاعي ومالك وأبي داود.
(2)
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (3318).
(3)
أخرجه أبو داود (2423)، والحاكم (1/ 601)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3318)، ثور بن يزيد وشيخه خالد بن معدان، وعلي بن عياش وشيخه حسان بن نوح، كلهم حمصيون، وعبدالله بن بسر سكن حمص.
(4)
شرح معاني الآثار (2/ 81)
(5)
ولعل هذا التوجيه يدفع قول الألباني-رحمه الله في صحيح أبي داود (7/ 181): (هذا نقد غريب لحديث الثقة الصحيح من مثل الإمام ابن شهاب الزهري!
…
تالله! إنه لنقد محْدَثٌ! فمتى كان الحديث يرد بالنظر إلى بلد الراوي؟!).
إلا نصيحتك)
(1)
، يفسّر هذا مايفهم من قول الخطيب:(أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين -مكة والمدينة-؛ فإن التدليس فيهم قليل، والاشتهار بالكذب ووضع الحديث عندهم عزيز)
(2)
.
-
…
يؤيد ذلك قول الأوزاعي (ت 157): (ما زلت له كاتماً حتى رأيته انتشر)
(3)
، ونحوه صنيع يحيى القطان (ت 198)، قال الإمام أحمد:(كان يحيى بن سعيد يتّقيه، وأبى أن يحدثني به)
(4)
.
- ونحوه في الإنكار، الطبقة التي تليها:(وقد أنكره مالك)
(5)
، قال أبوداود:(قال مالك: هذا كذب)
(6)
، ونحوه قول الإمام أحمد:
(1)
تدريب الراوي (1/ 89).
(2)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 286)، قال ابن تيمية في الفتاوى (20/ 316): (اتفق أهل العلم [بالحديث] على أن أصح الأحاديث أحاديث أهل المدينة ثم أحاديث أهل البصرة وأما أحاديث أهل الشام فهي دون ذلك؛
…
وأما أهل الكوفة فلم يكن الكذب في أهل بلد أكثر منه فيهم).
(3)
سنن أبي داود (2/ 321)، السنن الكبرى للبيهقي (4/ 498)، قال الألباني في صحيح أبي داود (7/ 184):(كتمانه إياه ليس جرحاً مفسراً يُعَل الحديث بمثله، ولعله كان؛ لأنه لم يظهر له معناه).
(4)
المغني (3/ 171)، اقتضاء الصراط (2/ 73)، الفروع (5/ 104)، تهذيب السنن (7/ 48) وفيه:(ينفيه) بدل (يتقيه).
(5)
بلوغ المرام ص (199). جاء في النوادر والزيادات (2/ 76): (قال جماعة، عن مالك
…
: ولا بأس أن يصام يوم السبت .... وأنكر ماذُكر فيه)، وفي تحفة الأحوذي (3/ 288): (قال ابن أبي أوس: سئل مالك عن صيام يوم السبت؟
…
فقال: إن هذا الشيء ماسمعت به قبل، ولقد كنت سمعت في يوم الجمعة ببعض الكراهية، فأما يوم السبت فلا، ثم ضرب في ذلك الأمثال وذكر ذهاب العلم، ورقة الزمان، وماجاء من كثرة أحاديث الناس).
(6)
سنن أبي داود (2/ 321)، قال عبدالحق في الأحكام الوسطى (2/ 225):(ولعل مالكًا رضي الله عنه إنما جعله كذبًا من أجل رواية ثور بن يزيد الكلاعي فإنه كان يرمى بالقدر، ولكنه كان ثقة فيما روى)، وقال النووي في المجموع (6/ 439):(وهذا القول لا يقبل فقد صححه الأئمة) انتهى، ولا أدري من يعني بالأئمة فإنه لم يذكر غير الحاكم وسيأتي قوله ومعارضته، وذكر الألباني قول مالك في الإرواء (4/ 124) وأنه أبعد عن الصواب (وأغرق فى الإسراف).
(قد جاء في صيام يوم السبت ذاك الحديث مفرد)
(1)
.
- ثم من بعدهم هناك أنكروه بذكر المعارض: ومن ذلك قول الأثرم: (جاء هذا الحديث بما خالف الأحاديث كلها)
(2)
، و قول أبي داود:(هذا حديث منسوخ)
(3)
، ثم أتبعه بذكر حديث أقوى معارض له وهو حديث جويرية، وذكر من ضعّف حديث الصماء
(4)
.
- ونحوه قول الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وله معارض بإسناد صحيح: وقد أخرجاه) ثم ذكر حديث جويرية، ثم إعلال الزهري ثم قال:(وله معارض بإسناد صحيح) فذكر حديث أم سلمة رضي الله عنها «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت والأحد، وكان يقول: إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم»
(5)
.
(1)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الصيام (2/ 653)، ونقله عن الأثرم، قال ابن تيمية في الاقتضاء (2/ 75): (فهذا الأثرم، فهم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث، وأنه رخص في صومه، حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة، وذكر أن
…
يحيى بن سعيد كان يتقيه، وأبى أن يحدث به، فهذا تضعيف للحديث).
(2)
ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم ص (201)، قال ابن تيمية في الاقتضاء (2/ 75):(واحتج الأثرم بما دل من النصوص المتواترة، على صوم يوم السبت).
(3)
سنن أبي داود (2/ 320).
(4)
هناك من اعترض على أبي داود بطلب الناسخ، ومنهم من وجه قوله ذكر الناسخ، وهناك من ذكر أن هذا فرع عن ثبوته عنده، ولا أظنه يتجه لا هذا ولا ذاك هنا، إذ
النسخ عند السلف وقبل استقرار الاصطلاح أعم من رفع الحكم
، فيطلق أيضاً على التخصيص والتقييد وبيان المجمل والمبهم وغيرها، والظاهر أن أبا دواد أراد إعلال الحديث وأنه منكر، يدل لذلك أنه لما ذكر أن حديث الصماء منسوخ، قال بعده:(باب الرخصة في ذلك) ثم ذكر حديث جويرية في الصحيحين، وليس فيه تأخر الحديث حتى يكون ناسخاً، ثم أتبعه بقول الزهري والأوزاعي ومالك في تضعيف حديث الصماء، وهو شبيه بصنيع الحاكم بعده.
(5)
المستدرك (1593).
- ونحوه قول الطحاوي: (ففي هذه الآثار المروية في هذا إباحة صوم يوم السبت تطوعاً، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء، من هذا الحديث الشاذ الذي قد خالفها)
(1)
.
- فعارض أبوداود الحديث بحديث جويرية وذكر تضعيف الأئمة لحديث الصماء، وعارضه الحاكم بحديثي جويرية و أم سلمة، وذكر تضعيف الزهري لحديث الصماء، وعارضه الطحاوي بحديث جويرية وغيره، وذكر تضعيف الزهري.
- ومن ذلك قول ابن تيمية: (وعلى هذا؛ فيكون الحديث: إما شاذاً غير محفوظ، وإما منسوخاً، وهذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه)
(2)
، وقول ابن القيم: (وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث
…
فدل على أن الحديث غير محفوظ وأنه شاذ)
(3)
.
- وكل ما سبق إعلال للمتن بالنكارة وذلك بمخالفته للمتواتر من السنة، والإجماع
(4)
.
- وهناك من ضعفه بذكر الاضطراب فيه: ومن ذلك قول النسائي: (هذا حديث مضطرب)
(5)
، وقال في أثناء بيانه للاختلاف في طرق الحديث: (أبو تقي هذا ضعيف ليس بشيء، وإنما أخرجته لعلة
(1)
شرح معاني الآثار (2/ 82).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 75).
(3)
تهذيب السنن (7/ 50).
(4)
قال الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 354): (إذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد رد بأمور:
…
الثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة، فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ، والثالث: أن يخالف الإجماع، فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ، وتجمع الأمة على خلافه).
(5)
التلخيص الحبير (2/ 470)، وفي البدر المنير (5/ 762):(قال النسائي: وهذه أحاديث مضطربة).
الاختلاف)
(1)
، والاضطراب في الحديث أكد عليه ابن حجر في كتبه، قال في البلوغ:(رجاله ثقات، إلا أنه مضطرب)، وقال في التلخيص:(أُعل حديث الصماء بالمعارضة المذكورة، وأعل أيضاً باضطراب)، وقال في تهذيب التهذيب:(فيه اضطراب شديد)
(2)
.
وأجيب عن الإعلال بالاضطراب:
- بأنها (وإن كانت مضطربة فهو اضطراب غير قادح؛ فإن عبد الله بن بسر صحابي، وكذا والده والصماء
…
فتارة سمعه من أبيه، وتارة من أخته، وتارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة سمعته أخته من عائشة، وسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
- (الاضطراب عند أهل العلم على نوعين: أحدهما: الذى يأتى على وجوه مختلفة متساوية القوة، لا يمكن بسبب التساوى ترجيح وجه على وجه، والآخر: وهو ما كانت وجوه الاضطراب فيه متباينة بحيث يمكن الترجيح بينها، فالنوع الأول هو الذى يعل به الحديث، وأما الآخر، فينظر للراجح من تلك الوجوه ثم يحكم عليه بما يستحقه من نقد، وحديثنا من هذا النوع، فإن الوجه الأول اتفق عليه ثلاثة من الثقات)
(4)
.
وأجيب عن الجواب:
- بأن (هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد
(1)
السنن الكبرى (3/ 212)، ذكره في:(ذكر الاختلاف على ثور بن يزيد في هذا الحديث).
(2)
بلوغ المرام ص (199)، التلخيص الحبير ص (2/ 469)، تهذيب التهذيب (12/ 302).
(3)
البدر المنير (5/ 762).
(4)
إرواء الغليل (4/ 119)، ويعني بالوجه الأول طريق ثور بن يزيد من مسند أخت عبدالله بن بسر، وقوله:(ثلاثة من الثقات) يعني يروونه عن ثور، وقد جمعت ثمانية يروونه عن ثور وليس ثلاثة فقط.
المخرج يوهن راويه، وينبئ بقلة ضبطه، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالاً على قلة ضبطه، وليس الأمر هنا كذا بل اختلف فيه أيضاً على الراوي عن عبد الله بن بسر)
(1)
.
- وقد يسلّم بما ذكر في تقسيم الاضطراب لو كان المتن مستقيماً، لكن (إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنّهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقًا حيث وقعت، أعلّوه بعلة ليست بقادحة مطلقًا، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر
…
- وحجتهم في هذا: أنّ عدم القدح بتلك العلة مطلقًا، إنّما بُني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرًا، يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذ لم يوجد سبب له إلا تلك العلة، فالظاهر أنّها هي السبب، وأنّ هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها.
- وبهذا يتبين أنّ ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنّهم قد صحَّحوا ما لا يُحصى من الأحاديث مع وجودها فيها = إنّما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يثبت المتعقّب أن الخبر غير منكر)
(2)
.
- ومن أمارات نكارة المتن مخالفة الراوي لمرويه فقد سئل ثوبان عن صيام يوم السبت؟ قال: سلوا عبد الله بن بسر، قال: فسئل،
(1)
التلخيص الحبير (2/ 470).
(2)
قاله المعلمي في مقدمته للفوائد المجموعة، وهو في آثار العلامة المعلمي (25/ 251).
فقال: (صيام يوم السبت لا لك ولا عليك)
(1)
، (وهذا شأن المباح)
(2)
، فهو كسائر الأيام عنده وقوله:(ولاعليك) صريح في نفي الإثم و التحريم.
- وعلى فرض التسليم بصحته فأين عمل الصحابة ومن شهد التنزيل، وفقه السلف لحديث، قال الإمام مالك:(العلم الذي هو العلم معرفة السنن، والأمر المعروف الماضي المعمول به)
(3)
، ولما قال أحدهم:(الأخذ بالحديث أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة)
(4)
، علّق عليه الذهبي بقوله:(هذا جيد، لكن بشرط أن يكون قد قال بذلك الحديث إمام من نظراء الإمامين مثل مالك، أو سفيان، أو الأوزاعي، وبأن يكون الحديث ثابتا سالماً من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثا صحيحاً معارضاً للآخر، أما من أخذ بحديث صحيح وقد تنكبه سائر أئمة الاجتهاد، فلا)
(5)
.
- قال ابن رجب: (فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولاً به عند الصحابة: ومن بعدهم: أو عند طائفة منهم، فأما ما اتفق على تركه فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به)
(6)
، قال ابن حجر:(وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية)
(7)
.
(1)
أخرجه النسائي في الكبرى (2785) بإسناد حسن.
(2)
فيض القدير (6/ 408).
(3)
البيان والتحصيل (18/ 523)، المدخل لابن الحاج (1/ 128).
(4)
كما في ترجمة عبدالعزيز بن عبدالله الداركي في السير (16/ 405).
(5)
سير أعلام النبلاء (16/ 405).
(6)
فضل علم السلف على الخلف، من مجموع رسائل ابن رجب (3/ 17).
(7)
فتح الباري (1/ 397).
- ولا حاجة لإعادة فهم الحديث على فرض ثبوته فقد سبق، لكن هذه إشارة إلى أن من شذ [بتحريمه] صيام السبت مطلقاً إلا في الفرض، أعمل الاستثناء المتصل فقط، ونظر سائر من يثبت الحديث إلى الاستثناء المتصل والمنفصل فجوزوا صيام السبت مع غيره أو إذا وافق عادة له
(1)
، فأعملوا كل الأحاديث.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بتحريم صيام السبت في غير الفرض إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته الإجماع الصحيح، و لا يُعرف من قرَّر هذا القول قبل الألباني؛ (وكفى خطأ بقوله خروجه عن أقوال أهل العلم لو لم يكن على خطئه دلالة سواه)
(2)
، كيف والسنة المتواترة تنبئ عن فساده، و (قد جاء في صيام يوم السبت ذاك الحديث مفرد)
(3)
، و (ظاهر الحديث خلاف الإجماع)
(4)
، بل (خالف الأحاديث كلها)
(5)
، والله أعلم.
(1)
انظر: تهذيب السنن (7/ 51).
(2)
هذه عبارة ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 721)، وهي ليست لهذه المسألة ولكنها مناسبة للسياق.
(3)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الصيام (2/ 653)، ونقله عن الأثرم عن أحمد.
(4)
شرح العمدة-كتاب الصلاة (2/ 653).
(5)
ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم ص (201)، قال ابن تيمية في الاقتضاء (2/ 75):(واحتج الأثرم بما دل من النصوص المتواترة، على صوم يوم السبت).
الفصل الخامس: الآراء في الحج
، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: جواز دخول مكة دون إحرام
المبحث الثاني: القول بأن محاذاة الميقات كون المُحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط
واحد
المبحث الثالث: عودة الحاج محرماً بعد حله إذا لم يطف قبل الغروب يوم النحر
المبحث الرابع: عدم وجوب الفدية في فعل المحظور أو ترك الواجب إلا في حلق الرأس
والوطء قبل التحلل
المبحث الخامس: جواز الأضحية بغير بهيمة الأنعام
قال أبوعبيد: (كنت في تصنيف هذا الكتاب [يعني الغريب] أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من الكتاب، فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيقول: قد أقمت الكثير).
أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (14/ 392)
المبحث الأول: جواز دخول مكة دون إحرام
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ويلٌ للأتباع من عثرات العالم، قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئاً برأيه ثم يجد من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه فيترك قوله ذلك ثم يمضي الأتباع).
أخرجه البيهقي في المدخل (835)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
البلد الأمين (مكة) بقعة معظمة لها تحية بالإحرام كتحية المسجد بالركعتين
(1)
، فـ (الله تعالى جعل البيت معظماً، وجعل المسجد الحرام فناء له، وجعل مكة فناء للمسجد الحرام، وجعل الميقات فناء للحرم، والشرع ورد بكيفية تعظيمه، وهو الإحرام من الميقات على هيئة مخصوصة)
(2)
، (وهذه خاصية لا يشاركها فيها شيء من البلاد)
(3)
.
والمقصود بهذا المبحث هو من كان قاصداً إلى مكة ولم يرد النسك، فهل يجوز له تجاوز الميقات دون إحرام؟ والتعبير بمكة دون الحرم له فائدة، فإن مكة أخص من الحرم وخاصة في الزمن السابق لما كانت مكة أصغر من الحرم، ومن تراجم البخاري: (باب دخول الحرم ومكة
…
)، قال ابن حجر:(هو من عطف الخاص على العام؛ لأن المراد بمكة هنا البلد فيكون الحرم أعم)
(4)
.
ولذلك فإن بعض العلماء يخص الإحرام بقاصد مكة دون من قصد الحرم، كقول المالكية في الميقات: (والمار به إن لم يرد مكة
…
فلا إحرام عليه)
(5)
، (وقال الثلاثة غير المالكية: إن حكم دخول الحرم حكم دخول مكة
…
ولم يلحق المالكية الحرم بمكة في ذلك)
(6)
، والثمرة هنا:
(1)
انظر: بدائع الصنائع (2/ 166)، المجموع (7/ 14)، المغني (3/ 254).
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (2/ 7).
(3)
زاد المعاد (1/ 51).
(4)
فتح الباري (4/ 59)، وللوقوف على حدود مكة، انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 368 - 369)، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (1/ 25 - 29).
(5)
مختصر خليل ص (68).
(6)
هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك (2/ 597).
(أنه لا يجب على من أراد دخول الحرم، ولم يرد دخول مكة الإحرام، كما لو كان مسكنه بالحرم وأراد دخوله ولم يرد دخول مكة، أو أراد دخول الحرم لحاجة دون مكة)
(1)
هذا عند المالكية.
كما أن المالكية يفرقون بين أهل مكة وأهل الحرم في المقصود بقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
(2)
، قال الإمام مالك:(الذين لا يكون عليهم هدي إن قرنوا أو تمتعوا أهل مكة نفسها وأهل ذي طوى، قال: فأما أهل منى فليسوا بمنزلة أهل مكة، وإنما أهل مكة الذين لا متعة عليهم ولا دم قران إن قرنوا أهل مكة القرية نفسها وأهل ذي طوى)
(3)
، والفرع الثالث الذي يفرق فيه مالك بين مكة والحرم، في قوله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}
(4)
: (كان مالك يقول: إنما المعنى
…
مكة، وكان لا يجيز لمن نحر هديه في الحرم إلا أن ينحره بمكة. وقال الشافعي وأبو حنيفة: إن نحره في غير مكة من الحرم أجزأه)
(5)
.
ولعلّ التفريق بين مكة والحرم كان ظاهراً فيما سبق قبل أن تتصل البيوت، فكانت مكة خاصة بالبلدة والقرية، دون ما أحاط بها من الحرم (ومن الحجة لمالك أن حاضري المسجد الحرام أهل القرية التي فيها المسجد الحرام خاصة، وليس أهل الحرم كذلك؛ لأنه لو كان كذلك لما جاز لأهل مكة إذا أرادوا سفرًا أن يقصروا الصلاة حتى يخرجوا عن الحرم كله، فلما جاز لهم قصر الصلاة إذا خرجوا عن بيوت مكة، دل ذلك على أن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة دون الحرم)
(6)
، وقد اتسعت مكة باتصال بيوتها، على أن الإمام أحمد قد سُئل: مَنْ أهل مكة؟ فقال: (كل من كان من مكة على نحو ما يقصر فيه الصلاة، فليس
(1)
مواهب الجليل (3/ 36).
(2)
من الآية (196) من سورة البقرة.
(3)
المدونة (1/ 406).
(4)
من الآية (95) من سورة المائدة.
(5)
بداية المجتهد (2/ 140).
(6)
شرح البخاري لابن بطال (4/ 256).
هو من أهل مكة)
(1)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
…
(لا خلاف أنه يلزم الإحرام من مر بهذه المواقيت ممن أراد الحج أو العمرة)
(2)
، و (أجمع العلماء على مشروعية الإحرام لمن أراد دخول الحرم)
(3)
.
2.
أما لزوم الإحرام لمن لايريد النسك؛ فلا يخلو من أن يريد الحرم أو دونه، فمن (لا يريد دخول الحرم، بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف)
(4)
.
3.
أما من يريد دخول الحرم و يكثر تردده، فقد قال ابن عبدالبر:(لا أعلم خلافاً بين فقهاء الأمصار في الحطابين، ومن يدمن الاختلاف إلى مكة ويكثره في اليوم والليلة أنهم لا يؤمرون بذلك)
(5)
، ونحوه
(1)
مسائل الإمام أحمد وإسحاق برواية الكوسج (5/ 2111)، ونص (في رواية أبي طالب فيمن كان حول مكة فيما لا تقصر فيه الصلاة، فهو مثل أهل مكة ليس عليهم عمرة، ولا متعة إذا قدموا في أشهر الحج) كما في التعليقة الكبيرة للفراء (1/ 315).
(2)
بداية المجتهد (2/ 90).
(3)
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ص (364).
(4)
المغني (3/ 253)، قال ابن تيمية كما في جامع المسائل-المجموعة الأولى ص (206):(وإذا اجتاز المواقيت لايريد الحرم، فليس عليه الإحرام بالاتفاق).
(5)
التمهيد (6/ 164)، وقال ابن قدامة في المغني (3/ 253) بعد أن ذكر عدم وجوب الإحرام على الخائف ومن يكثر تردده:(وقال أبو حنيفة: لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلا من كان دون الميقات)، قال في طرح التثريب (5/ 85):(وأوجبه الحنفية مطلقاً، ولم أرهم استثنوا من ذلك إلا من كان داخل الميقات فلم يوجبوا عليه الإحرام، والظاهر أنهم أيضاً لا ينازعون في الخائف، بل ولا في ذوي الحاجات المتكررة، وإن لم يصرحوا باستثنائهم فإنهم عللوا منع الوجوب فيمن هو داخل الميقات بأنه يكثر دخولهم مكة، وفي إيجاب الإحرام كل مرة حرج بين فصاروا كأهل مكة حيث يباح لهم الخروج منها ثم دخولها بغير إحرام، لكن مقتضى كلام ابن قدامة في المغني منازعتهم في هاتين الصورتين)، وقولهم بوجوب الإحرام ولو دخل مقاتلاً أظهر من إيجاب الإحرام لمن يكثر تردده.
من دخل لقتال أو في خوف
(1)
.
4.
ومن قصد الدخول إلى مكة من غيرهما، وسبق له الحج و العمرة الواجبان، فإن الجمهور يوجبون عليه الإحرام، وذهب الشافعية في أحد القولين -وهو المذهب- إلى عدم الوجوب مع كراهة دخوله بلا إحرام
(2)
، وهي رواية عن أحمد مقابلة للمذهب والمشهور استظهرها ابن مفلح
(3)
، وحكي عدم الوجوب عن طائفة من السلف، وترجم له البخاري ورجحه
(4)
، وقال به ابن حزم
(5)
، واختاره ابن القيم
(6)
، وكثير من المعاصرين، وحُكم على هذا القول بالشذوذ، وهذا هو المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
انظر: التعليق السابق.
(2)
هذا فيمن حج و اعتمر حجة الإسلام. انظر: المجموع (7/ 11)، قال في شرح مسلم (8/ 82):(من لا يريد حجاً ولاعمرة فلا يلزمه الإحرام لدخول مكة على الصحيح من مذهبنا)، وقال الروياني في بحر المذهب (3/ 571) عن الشافعي: (قال في مواضع: يجب الإحرام، وهو الأشهر
…
وأومأ في بعض كتبه إلى أن الإحرام استحباب)، بل قال الماوردي في الحاوي (4/ 241):(والقول الثاني: وهو الصحيح قاله في الأم ومختصر الحج، أن الإحرام لدخولها واجب).
(3)
قال في الفروع (5/ 309): (وهي أظهر؛ للخبر)، وانظر: الإنصاف (3/ 427)، وفي شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الحج (1/ 340):(الرواية الأخرى: أنه مستحب وترك الإحرام مكروه)، ورواية الوجوب عبّر عنها الزركشي في شرح مختصر الخرقي (3/ 68) بأنها:(أنصهما، وهو اختيار جمهور الأصحاب)، ويلاحظ النص على كراهة الترك عند من لايوجبه من الشافعية والحنابلة قال ابن قاسم في حاشية الروض (3/ 540): (ومن قال بجوازه
…
كره تركه).
(4)
قال في صحيحه (3/ 17): (باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، ودخل ابن عمر، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة، ولم يذكر للحطابين وغيرهم).
(5)
انظر: المحلى (5/ 307).
(6)
قال في زاد المعاد (3/ 377): (وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم في المجاهد، ومريد النسك، وأما من عداهما فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، أو أجمعت عليه الأمة).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
الشنقيطي (ت 1393)
(1)
، وابن باز (ت 1420)
(2)
، وابن عثيمين (1421)
(3)
، واللجنة الدائمة
(4)
، وغيرهم، وقد سبقهم إلى هذا القول من المتأخرين:
الصنعاني (ت 1119)
(5)
، والشوكاني (ت 1250)
(6)
.
(1)
قال في أضواء البيان (4/ 495): (أظهر القولين عندي دليلاً: أن من أراد دخول مكة -حرسها الله- لغرض غير الحج والعمرة أنه لا يجب عليه الإحرام، ولو أحرم كان خيراً له).
(2)
قال في التحقيق والإيضاح ص (22): (من توجه إلى مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة، كالتاجر والحطاب والبريد ونحو ذلك، فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك)، وانظر: مجموع فتاوى ابن باز (16/ 44).
(3)
قال في الشرح الممتع (7/ 53): (إذا كنت قد أديت الفريضة ومررت بهذه المواقيت ولا تريد الحج ولا العمرة، فليس عليك إحرام)، وانظر: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (21/ 287).
(4)
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى (11/ 122).
(5)
انظر: سبل السلام (1/ 612).
(6)
انظر: نيل الأوطار (4/ 365).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
- وصفه بالشذوذ، ولم أقف على من وصفه بالشذوذ إلا ابن عبدالبر (ت 463) بقوله:(مكة لا تدخل إلا بإحرام وأقل الإحرام عمرة، وقد شذّ ابن شهاب فأجاز دخولها بغير إحرام)
(1)
، ولم أقف على من تابع أبي عمر على ذلك، و (ابن عبدالبر ممن لا يعتبر مخالفة الشاذ، وهو من أطواد الأصول والفروع)
(2)
، وهو وإن لم يسمه إجماعاً، إلا إن له نظراً في مخالفة الجمهور، وقد سبق توضيح ذلك بأمثلته
(3)
.
- على أن الطحاوي (ت 321) قد قال: (إذا ثبت بأنه مأمور ألا يدخلها إلا بإحرام باتفاق من الفقهاء إلا ابن شهاب، وقد دللنا على فساد قوله)
(4)
، فوصفه بالفساد!
(1)
الاستذكار (5/ 180)، وانظر: التمهيد (6/ 161).
(2)
الصوارم الأسنة في الذب عن السنة لابن أبي مدين الشنقيطي ص (92).
(3)
في كتاب الطهارة، المبحث السابع.
(4)
مختصر اختلاف العلماء (2/ 67).
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بوجوب الإحرام لقاصد مكة:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
(1)
.
وجه الاستدلال:
- قوله تعالى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} نهاهم فيه أن يتجاوزوا أعلام الحرم غير محرمين إِذا أرادوا دخول مكة
(2)
، (وأكثر العلماء على أن قوله:{لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} محكم غير منسوخ، ومعناه: لا تستحلوا حدوده ومعالمه وحرماته، وهذا لا يجوز نسخه)
(3)
.
- (ويدل قوله: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} على أنه غير جائز لأحد دخول مكة إلا بالإحرام; إذ كان قوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} قد تضمن أن يكون من أم البيت الحرام فعليه إحرام، يحل منه ويحل له الاصطياد بعده)
(4)
.
(1)
من الآية (2) من سورة المائدة.
(2)
انظر: الحاوي الكبير (4/ 241)، وفي زاد المسير (1/ 508) حكاه عن الماوردي، والقاضي أبي يعلى.
(3)
"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي بن أبي طالب ص (257)، وذكر في معنى الشعائر أنها مناسك الحج، وقيل: الهدايا، وقيل: العلامات التي بين الحل والحرم.
(4)
أحكام القرآن للجصاص (2/ 380).
- (وقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} قد أراد به الإحلال من الإحرام والخروج من الحرم أيضاً; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حظر الاصطياد في الحرم
…
فعلمنا أنه قد أراد به الخروج من الحرم والإحرام جميعاً)
(1)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن عموم الآية لا يمنع أن يخص منها بعض الحالات، كما خُص عند عامة العلماء من يتكرر دخوله كالحطاب، فيخص أيضاً من لا يريد النسك بالسنة، كما سيأتي.
- ثم إن استحباب الإحرام لمن قصد مكة محل اتفاق وهذا عمل بالآية، و (معنى عدم إحلالهم لها: تقرير حرمتها عملاً واعتقاداً
…
والشعائر هي ماحرم الله مطلقاً سواء كان في الإحرام وغيره، والمعطوفات الأربعة بعده مندرجة في عموم قوله:{لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} فكان ذلك تخصيصاً بعد تعميم)
(2)
.
- وأما قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} فإنه لمَّا (قدَّم تحريم الصيد عليهم وهم محرمون في قوله تعالى: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
(3)
…
أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا، فليس في الآية ما يدل على المطلوب).
- ويمكن الجواب أيضاً: بأن لفظ التحلل فيه محمول على الغالب؛ لأن أكثر من يدخلها يكون محرماً، فلا مفهوم له، ولا يؤخذ منه تحريم الدخول بلا إحرام.
2/ واستدلوا بما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1)
المرجع السابق.
(2)
حاشية الجمل على الجلالين (1/ 483 - 484).
(3)
من الآية (1) من سورة المائدة.
(1)
، وفي رواية:«لا يجاوز أحد الوقت إلا المحرم»
(2)
، وجاء عن طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة قط إلا محرماً، إلا يوم فتح مكة
(3)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن المرفوع الأول لايثبت، أخرجه (ابن أبي شيبة والطبراني من حديث ابن عباس مرفوعاً، وفيه خصيف)
(4)
، و (وهو ابن عبد الرحمن الجزري، ضعيف؛ لسوء حفظه)
(5)
، وروي موقوفاً على ابن عباس وهو أصح.
- والثاني مرسل، وهي حكاية فعل تدل على الاستحباب، ولا تدل على الوجوب، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح غير محرم، والحديث ثبت موقوفاً وهو الدليل الآتي:
3/ ومن أدلتهم: ماثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ما يدخل مكة أحد من أهلها ولا من غير أهلها إلا بإحرام)
(6)
، وعن أبي الشعثاء
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (12236) قال حدثنا الحسين بن جعفر القتات الكوفي، ثنا إسماعيل بن الخليل الخزار، ثنا عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، وخصيف فيه ضعف واضطراب.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (15463) عن عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (13523) قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن جريج، عن هشام، عن حجر، عن طاوس به، قال ابن حجر في الفتح (4/ 61):(إسناد صحيح)، ولا يخفى أنه لا يلزم ثبوت الخبر؛ لأنه مرسل كما هو ظاهر.
(4)
الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر (2/ 6).
(5)
السلسلة الضعيفة (10/ 315 - 316).
(6)
أخرجه البيهقي في الكبرى (9839) من طريق عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس به، قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 528):(وإسناده جيد)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 528) مرفوعاً ولا يصح، وصحّ في مصنف ابن أبي شيبة (15693) عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس:(أنتم يا أهل مكة لا عمرة لكم، إنما عمرتكم الطواف بغسل، فمن جعل بينه وبين الحرم بطن الوادي فلا يدخل مكة إلا بإحرام)، فقال ابن جريج: فقلت لعطاء: يريد ابن عباس الوادي من الحل؟ قال: بطن الوادي من الحل.
أنه: (رأى ابن عباس يردّ من جاوز الميقات غير محرم)
(1)
، وروي نحوه عن علي رضي الله عنه
(2)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- أما الرواية عن علي فهي ضعيفة، و (أما قول ابن عباس فيعارضه مذهب ابن عمر أنه كان لا يراه واجباً)
(3)
، ففي الموطأ: (أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة، حتى إذا كان بقُدَيْد
(4)
جاءه خبر من المدينة، فرجع فدخل مكة بغير إحرام)
(5)
.
- وقد ترجم لهذا الأثر عدد من الحفاظ الذين رووه بما يدل على ما ذُكر، فقال البخاري: (باب دخول الحرم، ومكة بغير إحرام،
(1)
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 151) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء به، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (13518) قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن ثور، عن أبي جعفر، عن علي قال:(لا يدخلها إلا بإحرام)، يعني مكة. وثوير بن أبي فاختة (ضعيف رمي بالرفض) كما في التقريب ص (135)، ورواية أبي جعفر وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن علي رضي الله عنه مرسلة، قال أبو زرعة:(لم يدرك هو ولا أبوه علي علياً رضي الله عنه، كما في المراسيل لابن أبي حاتم ص (186).
(3)
المجموع (7/ 16)، وانظر: نيل الأوطار (4/ 356).
(4)
قُدَيْدٌ: (اسم موضع قرب مكة) كما في معجم البلدان (4/ 313)، وهي (قرية جامعة بين مكة والمدينة، كثيرة المياه) كما في فتح الباري (3/ 499)، في (موضع قريب من عُسْفان) كما في نخب الأفكار (8/ 364).
(5)
أخرجه مالك في موطئه (1/ 423) عن نافع عن ابن عمر به، وفي مصنف ابن أبي شيبة (13625) توضيح للخبر وهو أنه (بلغه أن جيشاً من جيوش الفتنة دخلوا المدينة، فكره أن يدخل عليهم، فرجع إلى مكة فدخلها بغير إحرام).
ودخل ابن عمر)، وقال ابن أبي شيبة:(من رخص أن يدخل مكة بغير إحرام)، وقال البيهقي في الكبرى:(باب من رخص في دخولها بغير إحرام وإن لم يكن محارباً).
وأجيب عن فعل ابن عمر:
- بأنه لم يجاوز الميقات بل رجع قبل الميقات (وكان المعنى فيه: أن من كان داخل الميقات فهو بمنزلة أهل مكة؛ لأنه محتاج إلى الدخول في كل وقت، ولأن مصالحهم متعلقة بأهل مكة، ومصالح أهل مكة متعلقة بهم، فكما يجوز لأهل مكة أن يخرجوا لحوائجهم، ثم يدخلوها بغير إحرام فكذا لأهل الميقات)
(1)
، هكذا حمله الأحناف.
- ثم إنه (رجع لاضطراب الناس والفتنة، فدخل كما هو)
(2)
، وفي حكمه (من دخلها خائفاً لفتنة عرضت ونحو ذلك)
(3)
، هكذا حمله الإمام أحمد، وبنحوه مالك
(4)
.
(1)
المبسوط (4/ 168)، وعند الحنفية أن من دون الميقات لا يلزمه الإحرام لدخول الحرم أو مكة، خلافاً للجمهور.
(2)
هذا من قول الإمام أحمد، كما في التعليقة الكبيرة للفراء (2/ 196)، وشرح العمدة لابن تيمية-الحج (1/ 344).
(3)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الحج (1/ 351).
(4)
انظر: المدونة (1/ 405)، التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 533)، وفي البيان والتحصيل (4/ 71): (عند مالك من خرج على ألا يعود إذا رجع من قرب لأمر عاقه؛ كما فعل عبد الله بن عمر
…
وأما من خرج إلى موضع بعيد أو إلى موضع قريب فأقام فيه، أو كان من سكان المواضع القريبة، فعليه إذا دخل مكة أن يدخل محرماً، وإن كان من أهل مكة، إلا مثل الحطابين وغيرهم ممن يكثر تردادهم إلى مكة فليس عليهم أن يدخلوا بإحرام لمشقة ذلك عليهم، وحد القرب ما إذا خرج إليه على أن يعود لم يلزمه أن يطوف للوداع، وهو ما دون المواقيت).
وأجيب عن الجواب:
- أما توجيه الحنفية فهو (غلط؛ لأن الحرمة في ذلك للحرم لا للميقات، ألا ترى أن من مرّ بالميقات ولا يريد الحرم لا يشرع له الإحرام، فلا معنى لما قالوه)
(1)
.
- ولذلك (كان ابن عباس وأصحابه يشددون في ذلك، ذكر عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنا عطاء، أنه سمع ابن عباس يقول: لا عمرة على أهل مكة من أجل الطواف، إلا أن يخرج أحدهم من الحرم فلا يدخله إلا حراماً، قال فقيل له: فإن خرج قريباً لحاجته؟ قال: يقضي حاجته ويجمع مع قضائها عمرة)
(2)
.
- وأما حمل دخوله بلا إحرام على الأمر العارض والخوف فهو خلاف الظاهر، و (لا فرق في القياس والنظر بين أن يرجع لعارض عرض له، أو لأمر رآه)
(3)
، إذ المقصود تعظيم البقعة.
- وقد (احتج به ابن شهاب، والحسن البصري، وداود وأتباعه، على جواز دخولها بلا إحرام)
(4)
، وأخذ بعض الشافعية كذلك من فعل ابن عمر الجواز
(5)
.
- ولم يتفرد ابن عمر بذلك بل قال بقوله بعض السلف، كما روى مالك بعد الأثر السابق (عن ابن شهاب بمثل ذلك)
(6)
، هكذا في
(1)
بحر المذهب للروياني (3/ 571).
(2)
التمهيد (6/ 165).
(3)
البيان والتحصيل (4/ 72).
(4)
شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 600).
(5)
انظر: البيان (4/ 15)، المجموع (7/ 16).
(6)
موطأ مالك (1/ 423)، وبنحوه في مصنف ابن أبي شيبة (13825).
رواية يحيى الليثي عن مالك، وهي في رواية أبي مصعب أوضح حيث قال:(حدثنا مالك، عن ابن شهاب، أنه سئل عن رجل يدخل مكة بغير إحرام، فقال: لا أرى بذلك بأساً)
(1)
.
- وحكي ذلك عن الحسن البصري أيضاً، كما قال ابن عبدالبر بعد حكايته قول ابن شهاب:(وما أعلم أحداً تابعه على ذلك إلا الحسن البصري، روى خالد بن عبد الله عن أشعث عن الحسن: أنه لم يكن يرى بأساً أن يدخل الرجل مكة بغير إحرام)
(2)
.
- بل قال ابن حجر: (المشهور من مذهب الشافعي عدم الوجوب مطلقاً
…
والمشهور عن الأئمة الثلاثة الوجوب، وفي رواية عن كل منهم لا يجب، وهو قول ابن عمر والزهري والحسن وأهل الظاهر)
(3)
.
4/ ومن أدلتهم على الوجوب: أنه (لم يُحك لنا عن أحد من النبيين ولا الأمم الخالية أنه جاء أحد البيت قط إلا حراماً
…
وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا: فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرماً بحج أو عمرة)
(4)
.
وتوضيحاً للاستدلال:
فالمقصود بالأول: (أنه يلزمه الإحرام بحج أو عمرة؛ لإطباق
(1)
موطأ مالك (1449) برواية أبي مصعب الزهري.
(2)
التمهيد (6/ 161)، وقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة (13519) قال: حدثنا عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن (أنه يكره أن يدخل مكة بغير إحرام)، لكن في رواية هشام عن الحسن مقالا، وقال في طرح التثريب في شرح التقريب (5/ 86):(وزعم ابن عبد البر انفرادهما بذلك من بين السلف، وأن المشهور عن الشافعي الوجوب، وليس كما قال، وذهب إلى عدم الوجوب أيضاً داود وابن حزم وسائر أهل الظاهر).
(3)
فتح الباري (4/ 59).
(4)
قاله الشافعي في الأم (2/ 154).
النّاس عليه، والسُّنن يندر بها الاتفاق العملي)
(1)
، فـ (اتفاق الناس على فعل شيء دال على وجوبه؛ لندرة اتفاقهم على السنن)
(2)
، و (لأنه صلى الله عليه وسلم وقّت المواقيت، ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه، أنهم تجاوزوها بغير إحرام)
(3)
.
والمقصود بالثاني: هو الاستدلال بـ (إجماعهم أن من نذر مشياً إلى بيت الله، أنه لا يدخله إلا محرماً بحج أو عمرة)
(4)
، (لأن المشي في غير نسك ليس بقربة، فلم ينعقد كالمشي إلى غير البيت)
(5)
، (وفي إجماعهم على ذلك في النذر دليل على وجوبه في الدخول)
(6)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن خلاصته الاستدلال بالإجماع، والقياس على من نذر إتيان الحرم، وفي كلا الدليلين نظر.
- أما الإجماع فقد سبق خلاف ابن عمر رضي الله عنهما في دخوله للحرم بلا إحرام، وتجويز الزهري والحسن لذلك، وحسبك بهم في نقض الإجماع.
- بل قابله قول الشوكاني: (كان المسلمون في عصره صلى الله عليه وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم، ولم ينقل أنه أمر أحداً منهم بإحرام كقصة الحجاج بن علاط، وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال، وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة، فقرره صلى الله عليه وسلم
(7)
.
(1)
العزيز شرح الوجيز (3/ 388)، وانظر: نهاية المطلب (4/ 361).
(2)
نهاية المحتاج (3/ 277).
(3)
كشاف القناع (2/ 402).
(4)
الاستذكار (4/ 405)، والمقصود: من نذر إتيان الحرم سواء ماشياً أو ركباً.
(5)
المهذب (1/ 448).
(6)
الحاوي الكبير (4/ 241)، وانظر: المغني (3/ 254).
(7)
نيل الأوطار (4/ 356).
- وأما القياس على من نذر إتيان الحرم، فأول من وقفت عليه يستدل به هو الإمام الشافعي، ويُناقش بعدم التسليم بحكم الأصل، فمن نذر إتيان الحرم، فقد قال الشافعية: إن قلنا بالمذهب أنه يلزمه إتيان المسجد الحرام بالتزامه، وحملنا النذر على أقل واجب الشرع= لزمه حج أو عمرة، هذا هو نص الشافعي وهو المذهب.
- وإن قلنا: لا يحمل على أقل واجب الشرع، بُني على أصل آخر، وهو أن دخول مكة هل يوجب الإحرام بحج أو عمرة وفيه قولان، أصحهما: لا يوجب، وعلى ذلك فهو كمن نذر إتيان مسجد المدينة أو الأقصى، وفيه قولان مشهوران، أحدهما: لا يلزم ويلغوا النذر، هذا هو الأصح عند العراقيين والروياني وغيرهم
(1)
.
- وعلى القول الآخر فقد قال النووي: (وإذا نزّلنا المسجد الحرام منزلة المسجدين، وأوجبنا ضمّ قربة إلى الإتيان، ففي تلك القربة أوجه، أحدها: الصلاة، والثاني: الحج أو العمرة، والثالث: يتخير، قال إمام الحرمين: ولو قيل يكفي الطواف لم يبعد)
(2)
.
- وعلى فرض التسليم بحكم الأصل، فقد وجب النسك (لأن المشي المعهود في الشرع، هو المشي في حج أو عمرة، فإذا أطلق الناذر، حمل على المعهود الشرعي)
(3)
وهذا لا إشكال فيه، فـ (النذر قرينة في إرادة النسك المختص بها)
(4)
.
(1)
انظر: المجموع (8/ 474).
(2)
المرجع السابق (8/ 475)، وقال (8/ 492): (إذا نذر المشي إلى الكعبة لا حاجاً ولا معتمراً، ففي انعقاد نذره وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما، أصحهما ينعقد
…
وعلى هذا يلزمه قصد الكعبة بحج أو عمرة على الصحيح وفيه خلاف سبق في فصل من نذر صلاة في مسجد).
(3)
المغني (10/ 13).
(4)
الفروع (5/ 310).
- أما من صرّح في نذره بإتيان البيت غير حاج ولا معتمر فمن ألزمه بالحج أو العمرة وأسقط قيده، ففي ذلك (نظر؛ لجواز التصريح بخلاف الظاهر، والكلام إنما يتم بآخره)
(1)
، قال ابن حزم:(وقال قوم: لا يمشي إلا في حج، أو عمرة. قال أبو محمد: وهذا خطأ؛ لأنه إلزام ما لم ينذره على نفسه بغير قرآن، ولا سنة)
(2)
.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بجواز دخول مكة دون إحرام:
استدل أصحاب هذا الرأي بأدلة منها:
1/ حديث أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح، وعلى رأسه المغفر»
(3)
، وفي حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه:«دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام»
(4)
.
وجه الاستدلال:
أن المحرم لا يغطي رأسه (فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيئاً للحرب، وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم)
(5)
، وكلاهما يدل على جواز دخول مكة بغير إحرام لمن أراد غير النسك.
(1)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي (7/ 211)، يعني أن الظاهر أن من نذر إتيان الحرم أنه يريد الحج أو العمرة، لكنه يجوز أن يصرح بخلاف الظاهر، وتمام كلام الزركشي:(لقد غالى أبو محمد فقال: إذا نذر إتيان البيت غير حاج ولا معتمر لزمه الحج أو العمرة وسقط شرطه، لمناقضته لنذره. وفيه نظر، لجواز التصريح بخلاف الظاهر).
(2)
المحلى (5/ 303).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1846) واللفظ له، ومسلم (1357).
(4)
أخرجه مسلم (1358)، قال ابن بطال في شرح البخاري (9/ 98):(يمكن أن يكون عليه السلام عليه مغفر، وتحتة عمامة سوداء، لتتفق الروايات، وسواء دخل عليه السلام مكة بمغفر أو بعمامة سوداء، فحكمهما سواء)، وقال عياض في إكمال المعلم (4/ 476):(وجه الجمع بينهما: أن أول دخوله كان وعلى رأسه المغفر، وبعد ذلك كانت عليه العمامة).
(5)
فتح الباري لابن حجر (4/ 62).
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم بدلالة حديث «إنها لا تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لا تحل لأحد بعدي»
(1)
، (ومعلوم أنه لم يرد القتال؛ لأن القتال يحل بعده إذا احتيج إليه، فدل أنه أراد دخولها بغير إحرام)
(2)
.
- لأن الإحلال (لا يخلو إما أن يكون أراد به القتال، أو دخولها بغير إحرام، فلما اتفق الجميع على جواز القتال فيها متى عرض مثل ذلك الحال
(3)
، علمنا أن التخصيص وقع لدخولها بغير إحرام)
(4)
.
وأجيب عن المناقشة:
- بأن (الذي خُص به صلى الله عليه وسلم جواز ابتداء القتال فيها)
(5)
، قال ابن حزم:(ليت شعري بأي شيء استحلوا أن يُوهموا في هذا الخبر ما ليس فيه أثر ولا دليل؟ وإنما أخبر عليه السلام أن سفك الدماء والقتال حرام لم يحل لأحد قبله، وليس في هذا الحديث للإحرام معنى)
(6)
.
- قال النووي: (فالمراد به القتال
…
وليس في جميع طرق هذا الحديث ما يقتضي الإحرام، وإنما هو صريح في القتال)
(7)
، قال
(1)
متفق عليه، أخرجه البخاري (2434)، ومسلم (1355) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
شرح مختصر الطحاوي (2/ 514).
(3)
في البحر الرائق (2/ 342)«ثم عادت حراماً» يعني الدخول بغير إحرام؛ لإجماع المسلمين على حل الدخول بعده عليه الصلاة والسلام للقتال).
(4)
التعليقة الكبيرة (2/ 197)، في الفروع (10/ 46):(لما كان هذا ضعيفاً عند الأكثر حكماً واستنباطاً لم يعرجوا عليه).
(5)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الحج (1/ 350).
(6)
المحلى (5/ 308).
(7)
المجموع (7/ 16).
ابن القيم: (هذا صريح في أنه إنما أحل له سفك دم حلال في غير الحرم في تلك الساعة خاصة
…
وهذا صريح في أن الدم الحلال في غيرها حرام فيها، فيما عدا تلك الساعة)
(1)
.
- والاتفاق المذكور على جواز القتال فيها محل نظر، فقد قيل: بأن الخبر على ظاهره في تحريم القتال فيه، ومن بغى فإنه يضيق عليه حتى يخرج، وقيل: هو محمول على ما يعم إتلافه كالمنجنيق إذا أمكن إصلاح بدون ذلك، وقيل: بأن معنى الخبر أن تبقى مكة دار إسلام إلى يوم القيامة فلا يتمكن منها كافر بعد تلك الساعة
(2)
.
2/ واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المواقيت: «هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة»
(3)
.
وجه الاستدلال:
- أن ظاهر هذا النص تخصيص وجوب الإحرام من المواقيت لمن مرّ عليها وهو مريد للحج أو العمرة
(4)
، (فلو وجب بمجرد الدخول لما علّقه على الإرادة)
(5)
، و (مفهومه أن المتردد إلى مكة لغير قصد الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام)
(6)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- أن هذا الاستدلال يتعلق بعموم مفهوم المخالفة، حيث يعم المفهوم: من لا يريد الحج أو العمرة ولا دخول مكة، ومن لا
(1)
زاد المعاد (3/ 392).
(2)
انظر: شرح النووي على مسلم (9/ 125)، فتح الباري (4/ 62)، الفروع (10/ 46).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري (15243)، ومسلم (1181) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
انظر: شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الحج (1/ 340)، شرح الزركشي على الخرقي (3/ 68).
(5)
النجم الوهاج (3/ 374).
(6)
فتح الباري (4/ 59).
يريد الحج والعمرة ويريد دخول مكة، وفي عموم المفهوم نظر في الأصول، فيكفي تحقق إحدى صور المخالفة، وذلك متحقق فيمن لا يريد الحرم فلا يحرم عند أحد، وكما دل عليه المفهوم
(1)
.
- (وعلى تقدير أن يكون له عموم، فإذا دل دليل على وجوب الإحرام لدخول مكة، وكان ظاهر الدلالة لفظاً= قُدم على هذا المفهوم)
(2)
، وقد سبق في أدلة القول الأول منطوقات، (فهذه المنطوقات أولى من المفهوم المخالف)
(3)
.
- أما قوله: «ممن أراد الحج أو العمرة» (فائدة التخصيص: أن المريد للنسك يلزمه الإحرام بكل حال، ومن لا يريد النسك تارة يلزمه الإحرام)
(4)
إذا أراد الحرم، وتارة لا يلزمه إذا لم يرد الحرم.
- (ولأن وجوب الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوي فيه الحاج والمعتمر وغيرهما)
(5)
.
وأجيب عن المناقشة:
- أما المفهوم؛ فإن سياق الحديث في المواقيت التي هي فناء الحرم، وقوله: «لمن أتى عليهن
…
ممن أراد الحج والعمرة» مفهومه: أن من لم يردهما فلا ميقات له؛ إذ هو سياق الحديث، ومن لم يرد دخول مكة فغير مراد من السياق قطعاً، وإن شمله المفهوم
(6)
.
(1)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 49).
(2)
المرجع السابق.
(3)
فتح القدير لابن الهمام (2/ 426).
(4)
التجريد للقدوري (4/ 2018).
(5)
الهداية شرح البداية (1/ 134).
(6)
انظر: حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام (3/ 464).
- وأما الظواهر المنطوقة، فقد سبق أنه لا يصح شيء من المرفوع، والموقوف الدال على الوجوب عُورض بالموقوف الدال على الجواز، واعتضد الجواز بدخول النبي صلى الله عليه وسلم دون إحرام، وبمفهوم هذا الحديث، وبالبراءة الأصلية.
- وأما تخصيص الحج والعمرة؛ فإن المتبادر الظاهر أنه لنفي حكم الوجوب عن غير مريد النسك، والتأويل غير الظاهر لا يلجأ إليه بغير دليل.
- وأما شرف البقعة فلا خلاف فيه، ولا يلزم من شرفها وجوب الإحرام لقصدها، وهو محل النزاع، ويمكن قلب الاستدلال بالقياس، فيقال: بأن الإحرام (قربة مشروعة لتعظيم البقعة فلم تجب؛ كتحية المسجد الحرام بالطواف، وتحية غيره بالصلاة)
(1)
، (فإن سبيله سبيل تحية البقعة، والتحية لا أصل لوجوبها)
(2)
، (ولأنه أحد الحرمين، فلم يلزم الإحرام لدخوله، كحرم المدينة)
(3)
.
3/ ومن أدلتهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الحج والعمرة إنما تجب مرة واحدة، فلو أوجبنا على كل من دخلها أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة)
(4)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأنه لا يجب نسك معين، وإنما يجب إحرام، فإن أدى به عمرة جاز وإن أدى به حجًّا جاز، لأن الحج والعمرة الواجبة مرة هو ما
(1)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الحج (1/ 341)، وانظر: المجموع (7/ 16).
(2)
نهاية المطلب (4/ 361).
(3)
المغني (3/ 254).
(4)
شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (1/ 340).
كان بإيجاب الله تعالى، لاما يجب بسبب من جهة المكلف كالنذر ومروره بالميقات؛ فإنه قد يتكرر بتكرر سببه
(1)
.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة:
- بأن فيها مصادرة على المطلوب بجعل النتيجة مقدمة، واستدلال على النزاع بمحل النزاع، وهو دور ممنوع؛ لأن النزاع هو في وجوب الإحرام لمن مرّ بالميقات غير مريد للنسك، فكيف يقال: يجب لأنه مرّ على الميقات.
4/ واستدلوا ببعض الوقائع ومنها:
- (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع هو وأصحابه من حنين)
(2)
(3)
، وفي الصحيحين:«من جعرانة حيث قسم غنائم حنين»
(4)
، فلو كان الإحرام واجباً على من لم يرد النسك، لما جاوزا الميقات إلى الجعرانة
(5)
وهي دونه بغير إحرام.
- أن عثمان رضي الله عنه في الحديبية اختاره النبي صلى الله عليه وسلم «فبعثه إلى قريش
…
فخرج عثمان حتى أتى مكة
…
» (فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت، فطف به. فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به
(1)
انظر: التجريد للقدوري (4/ 2019).
(2)
الاستدلال إلى هنا من ابن تيمية في شرح العمدة-كتاب الحج (1/ 341)، ولم يكتمل لوجود بياض في طبعتين رجعت إليهما، فاجتهدت في تكميله، وهناك أيضاً استدلال لم يكتمل وهو قوله:(ولأن الصحابة الذين بعثهم لاستخراج خبيب) انتهى، والباقي بياض في الطبعتين.
(3)
أخرجه أبوداود (1884) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري (4184)، ومسلم (1235) من حديث أنس رضي الله عنه.
(5)
(الجِعرانة: بكسر أوله إجماعاً، ثم إن أصحاب الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه، وأهل الإتقان والأدب يخطئونهم ويسكّنون العين ويخفّفون الراء
…
وهي ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي، صلى الله عليه وسلم، لما قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنين وأحرم منها). معجم البلدان (2/ 142).
رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
- ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن عِلاط: يا رسول الله إن لي بمكة مالاً، وإن لي بها أهلاً، وإني أريد أن آتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا؟ «فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول ما شاء»
(2)
، ولم يأمره بالإحرام كلما دخل
(3)
.
- وفي حديث أبي قتادة: (انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم أحرم)
(4)
، وفي رواية:(منا المحرم، ومنا غير المحرم)
(5)
، قال الأثرم:(وكنت أسمع أصحاب الحديث يتعجبون من هذا الحديث ويقولون، كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات غير محرم؟ ولا يدرون ما وجهه)
(6)
، (وقد استُدل بقصة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجاً ولا عمرة)
(7)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- أن هذه الوقائع كانت قبل توقيت المواقيت (وقد حكى الأثرم عن
(1)
أخرجه أحمد (18910)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5771)، وسياق أحمد له طويل، وبعثُ النبي صلى الله عليه وسلم عثمان في الحديبية وإشاعة مقتله مشهور، وقد وقعت بيعة الرضوان في غيابه، ففي البخاري (3698) قال ابن عمر: أما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى:«هذه يد عثمان» . فضرب بها على يده، فقال:«هذه لعثمان» ، وهذا الاستدلال والذي قبله لابن تيمية في شرح العمدة.
(2)
أخرجه عبدالرزاق (9771)، ومن طريقه أحمد (12409)، وغيرهما، عن معمر عن ثابت عن أنس، وإسناده صحيح.
(3)
انظر: نيل الأوطار (4/ 356).
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1822) واللفظ له، ومسلم (1196).
(5)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1823)، ومسلم (1196).
(6)
كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (2/ 139)، وانظر: فتح الباري (4/ 23).
(7)
فتح الباري (4/ 23)، وانظر: نيل الأوطار (4/ 356).
أحمد أنه سئل في أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت؟ فقال: عام حج)
(1)
، فالحج كان في السنة العاشرة، أما الحديبية ففي السنة السادسة، وخيبر في السنة السابعة، وحنين في السنة الثامنة.
- وفي قصة أبي قتادة خاصة، لم يحرم (لأنه إما لم يجاوز الميقات، وإما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم)
(2)
.
- ويحتمل أجوبة أخرى منها: (أنه أُرسل إلى جهة أخرى لكشفها، وكان الالتقاء بعد مضي مكان الميقات
(3)
، ومنها: أنه قبل توقيت المواقيت)
(4)
، قال ابن حجر:(والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الإحرام؛ لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التأخير)
(5)
.
وأجيب عن المناقشة:
- أ ما القول بأنها كانت قبل المواقيت، فيحتاج إلى إثبات ودليل
(6)
، والمنقول عن أحمد فيه غرابة، خاصة وأن الحنابلة لا يذكرونه، وقد استشكله المباركفوري فقال: (كذا ذكره الحافظ وغيره من الشراح واكتفوا بذكره في مبدأ المواقيت
…
ويشكل على ذلك أنهم تصدوا جميعًا للاعتذار عن مجاوزة أبي قتادة عام الحديبية عن
(1)
فتح الباري (3/ 389)، ولم أقف عليه عند أحد قبل ابن حجر، ولا تجده في كتب الحنابلة إلا مفيد الأنام لابن جاسر ولعله نقله من الفتح.
(2)
فتح الباري (4/ 23)، وانظر: التوضيح لابن الملقن (12/ 346).
(3)
وهذا جواب الأثرم أيضاً. انظر: كشف المشكل (2/ 139)، حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام (3/ 600).
(4)
إحكام الأحكام (2/ 100).
(5)
فتح الباري (4/ 23).
(6)
انظر: رياض الأفهام (4/ 150)، مصابيح الجامع (4/ 250).
المواقيت بغير إحرام، وذكروا لذلك توجيهات مختلفة، وإذا كان التوقيت عام حجة الوداع لم يكن حاجة إلى الجواب والاعتذار عنه)
(1)
.
- ومما يؤيد الإشكال في المنقول عن أحمد= حديث ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر، وفي حجته حين حج
…
»
(2)
، قال العيني:(إنما قال في العمرة بلفظ المضارع، وفي الحج بلفظ الماضي؛ لأنه لم يحج إلا مرة وتكررت منه العمرة)
(3)
.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فلاشك أن نسبته إلى الشذوذ غير صحيحة؛ فإنه لم يخالف نصاً صحيحاً صريحاً، ولم يخرم إجماعاً متحققاً، بل هو قول لبعض السلف، فهو رأي دائر بين راجح ومرجوح، وإن كان القول بعدم الوجوب أقوى فيما يظهر، (فحديث ابن عباس المتفق عليه: خص فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإحرام بمن أراد النسك، وظاهره أن من لم يرد نسكاً فلا إحرام عليه، وقد رأيت الروايات الصحيحة بدخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح غير محرم، ودخول ابن عمر غير محرم)
(4)
، مع الوقائع العديدة التي لم يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الإحرام، ومع استصحاب البراءة الأصلية، أما الوجوب فأقوى ما فيه قول ابن عباس رضي الله عنهما، وقد خولف، مع إمكان حمل أمره على طلب الكمال وهذا لا نزاع فيه، كما أنه لانزاع في أن الخروج من الخلاف مستحب
(5)
.
(1)
مرعاة المفاتيح (8/ 342).
(2)
أخرجه البخاري (484).
(3)
عمدة القاري (4/ 271)، وانظر: الكواكب الدراري للكرماني (4/ 145).
(4)
أضواء البيان (4/ 154).
(5)
قال النووي في شرحه على مسلم (2/ 23): (فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع في خلاف آخر) وزاد ابن السبكي في الأشباه والنظائر (1/ 112) قيداً ثالثاً وهو: (أن يقوى مدرك الخلاف، فإن ضعف ونأى عن مأخذ الشرع كان معدوداً من الهفوات والسقطات)، وهذه الأفضلية كما قال ابن السبكي:(ليست لثبوت سنة خاصة فيه بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين، وهو مطلوب شرعا مطلقاً؛ فكان القول بأن الخروج أفضل ثابت من حيث العموم، واعتماده من الورع المطلوب شرعاً).
والقول بعدم الوجوب فيمن قضى حجة الإسلام، والعمرة الواجبة= لا يعني عدم الاستحباب، بل كما قال الشافعي:(لم يحك لنا عن أحد من النبيين ولا الأمم الخالية أنه جاء أحد البيت قط إلا حراماً)
(1)
، والله أعلم.
(1)
الأم (2/ 154).
(ولا يحفظ ابتداء من الكتب استقلالاً، بل يصحح على الشيخ كما ذكرنا، فالاستقلال بذلك من أضر المفاسد: وإلى هذا أشار الشافعي رحمه الله بقوله: من تفقه من الكتب ضيع الأحكام).
النووي رحمه الله المجموع (1/ 38)
المبحث الثاني: القول بأن محاذاة الميقات كون المُحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(فكل ما جاء مخالفًا لما عليه السلف الصالح؛ فهو الضلال بعبنه)
الموافقات (3/ 284)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الواجب على من أتى على الميقات مريداً للنسك ألا يتجاوزه إلا محرماً، ومن لم يكن الميقات على طريقه فإنه يحرم إذا حاذاه، ومبنى هذه المسألة على معنى محاذاة الميقات في الشرع وفي الاصطلاح، أما المحاذة في اللغة؛ فهي من (الحَذْوُ والحِذاء: الإِزاءُ و المقابل)
(1)
، ("وحَاذَاهُ" مُحاذاةً:"آزاهُ" وقابَلَه)
(2)
، ومن ذلك الحديث المتفق عليه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة»
(3)
، وفي مسلم:«حتى يحاذي بهما أذنيه»
(4)
، (أي: مقابلهما)
(5)
.
وقد اعتبر عمر رضي الله عنه المحاذاة للميقات، واستعمل القياس هنا، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما:(قاس الناس ذات عرق بقرن)
(6)
، ولم ينكر عليه أحد، (والناس حينئذ هم علماء الصحابة الذين هم حجة على من خالفهم)
(7)
، قال الخطابي:(تابع الناس في ذلك عمر بن الخطاب إلى زماننا هذا)
(8)
، وخالف
(1)
لسان العرب (14/ 170)، وانظر: النهاية لابن الأثير (1/ 358).
(2)
تاج العروس (37/ 412).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري (735) واللفظ له، ومسلم (390) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
أخرجه مسلم (391) من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
(5)
فتح الباري (2/ 221).
(6)
أخرجه أحمد (4455) قال: حدثنا هشيم، أخبرنا يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، وابن عون، وغير واحد، عن نافع، عن ابن عمر به، وهذا إسناد صحيح.
(7)
شرح البخاري (4/ 200).
(8)
معالم السنن (2/ 149)، قال الإمام الشافعي:(لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق وإنما أجمع عليه الناس). نقله عنه ابن حجر في الفتح (3/ 389)، وقبله الروياني في بحر المذهب (3/ 412)، وانظر: الأم (2/ 150).
في اعتبار المحاذاة ابن حزم
(1)
، و (لا يُعلم بأن أحداً من السلف خالف فيه عمر رضي الله عنه قبل ابن حزم)
(2)
، والكلام في المسألة ليس في اعتبار المحاذاة، وإنما في تفسير المحاذاة.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
…
(ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرن، وأجمع عوام أهل العلم على القول بظاهر هذا الحديث)
(3)
.
2.
و (كل عراقي أو مشرقي أحرم من ذات عرق فقد أحرم عند الجميع من ميقاته، والعقيق أحوط وأولى عندهم من ذات عرق، وذات عرق ميقاتهم أيضاً بإجماع)
(4)
.
3.
و (لا خلاف أنه يلزم الإحرام من مرّ بهذه المواقيت ممن أراد الحج أو العمرة)
(5)
، هذا هو الأفضل أن يحرم من الميقات، و
(1)
المحلى (5/ 55).
(2)
أحكام محاذاة الميقات وكيفيتها للملحم ص (188).
(3)
الإشراف لابن المنذر (3/ 177)، وقال ابن حزم في مراتب الإجماع ص (42):(أجمعوا أن ذا الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل المغرب، وقرن لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن، والمسجد الحرام لأهل مكة= مواقيت الإحرام للحج والعمرة، حاشا العمرة لأهل مكة)، وانظر: الإقناع لابن القطان (1/ 249).
(4)
التمهيد (15/ 143)، قال ابن المنذر في الإشراف (3/ 177 - 178):(ثبت أن عمر بن الخطاب وقّت لأهل العراق ذات عرق، ولا يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة. واختلفوا في المكان الذي يحرم [منه] أتى العراق على ذات عرق، فكان أنس يحرم من العقيق واستحب ذلك الشافعي. وكان مالك، وأحمد وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يرون الإحرام من ذات عرق. قال أبو بكر: والإحرام من ذات عرق يجزي، وهو من العقيق أحوط، وقد كان الحسن بن صالح يحرم من الربذة، وروى ذلك عن خصيف، والقاسم بن عبد الرحمن. قال أبو بكر: وقول عمر بن الخطاب أولى، وتبعه عليه عوام أهل العلم). وانظر: المغني (3/ 245).
(5)
بداية المجتهد (2/ 90).
(لا خلاف في أن من أحرم قبل الميقات يصير محرماً، تثبت في حقه أحكام الإحرام)
(1)
.
4.
و (إذا انتهى الآفاقي إلى الميقات وهو يريد الحج أو العمرة أو القران، حرم عليه مجاوزته غير محرم بالإجماع)
(2)
.
5.
…
(وأعيان هذه المواقيت لايشترط بل الواجب عينها أو حذوها بالاتفاق)
(3)
، (ومن تأمل كلام الفقهاء في المحاذاة وفي أحكامها، رأى اتفاقهم على مفهوم عام لها وهو: مسامتة المتجه إلى مكة الميقات الواقع عن يمينه أو شماله، وذلك حيث يكون بعده عن الكعبة كبعد ذلك الميقات)
(4)
، وقال بعض المعاصرين: بأن معنى محاذاة الميقات كون المُحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد، وحُكم على هذا القول بالبطلان ونحوه، وهذا هو الرأي المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
المغني (3/ 250)، وانظر: الإجماع لابن المنذر ص (51)، الإقناع (1/ 251)، وفي نوادر الفقهاء للجوهري ص (63):(أجمع الصحابة رضي الله عنه أن الإحرام قبل بلوغ الميقات مباح)، وقد ناقش ابن حجر الإجماع فقال كما في الفتح (3/ 383): (ظاهر نص المصنف وأنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة
…
حيث قال: "ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة" وقد نقل بن المنذر وغيره الإجماع على الجواز، وفيه نظر؛ فقد نقل عن إسحاق وداود وغيرهما عدم الجواز، وهو ظاهر جواب ابن عمر، ويؤيده القياس على الميقات الزماني)، وبالغ ابن حزم فقال في المحلى (5/ 52):(فإن أحرم قبل شيء من هذه المواقيت وهو يمر عليها: فلا إحرام له، ولا حج له، ولا عمرة له).
(2)
المجموع (7/ 206).
(3)
هداية السالك (2/ 580)، وقال الشنقيطي في أضواء البيان (4/ 491): (اعلم أن من سلك إلى الحرم طريقاً لا ميقات فيها فميقاته المحل المحاذي لأقرب المواقيت إليه
…
وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم)، وقد خالف ذلك ابن حزم الظاهري فقال في المحلى (5/ 53):(ومن كان طريقه لا تمرّ بشيء من هذه المواقيت فليحرم من حيث شاء براً أو بحراً)، يعني: لاميقات له!
(4)
"أحكام محاذاة الميقات وكيفيتها" للدكتور سليمان الملحم ص (225)، ضمن مجلة البحوث الإسلامية العدد (103).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
عبيدالله المباركفوري (ت 1414)
(1)
، وعلي الطنطاوي (ت 1420)
(2)
، ود. محمد رواس قلعه جي (ت 1435)
(3)
، وعدنان العرعور
(4)
، ومحمد
(1)
قال في مرعاة المفاتيح (8/ 347): (الحدود التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرم إذا أحطناها بالخطوط الممتدة من حد إلى حد تحدث منه صور مخمسة
…
فالذي يمر على أحد هذه المواقيت الخمسة حكمه واضح أنه يحرم من ذلك الميقات قبل أن يتجاوزه إلى الحل الصغير أو إلى جهة الحرم، أما الذي لا يمر على واحد من هذه المواقيت فيجب عليه الإحرام قبل تجاوزه الخط الذي يمتد من ميقات إلى آخر ويكون حدًا فاصلاً بين الحل الصغير والآفاق، أي الحل الكبير، وإن هذا الخط في الأصل هو خط محاذاة الميقات، فالحاج ما دام خارج الخط المذكور فهو في الآفاق، وإذا جاوز هذا الخط فقد دخل حدود الحل الصغير، ولا يجوز لآفاقي أن يدخل الحل الصغير بدون الإحرام).
(2)
قال كما في فتاويه ص (241 - 242): (المحاذاة كما فهمتها من بضع سنوات، وأذكرها كل سنة في موسم الحج في الرائي والإذاعة، وأقول لمن يستمع إلي من العلماء: إذا كنت مخطئاً فبينوا خطئي بالدليل، وأنا أعلن الرجوع عنه
…
هي أن هي أن يخترق الحاج الخط الموصل بين ميقاتين من المواقيت متوجهاً إلى مكة. هذه هي المحاذاة).
(3)
قال في موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص (311): (فهم عمر رضي الله عنه أن هذه الأماكن -المواقيت- التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست مقصورة بأعيانها، وإنما هي حدود منطقة الإحرام، فإذا ماحددت منطقة الإحرام جاز للحاج أن يحرم من أية نقطة على حدودها، وحدود منطقة الإحرام بينها الشكل المرفق
…
)، ثم وضع خريطة ووصل بين المواقيت.
(4)
قال في رسالته "أدلة إثبات أن جدة ميقات" ص (15): (يطلق على المكان أنه يحاذي مكاناً آخر، إذا تحقق فيه إحدى الحالات الثلاثة: الأولى: أن يكون الموضع واقعاً بين مكانين وعلى خطٍ واحدٍ
…
وهذا أمر مسلم به عند العقلاء وهو مقتضى اللغة، لايحتاج إلى بسط الأدلة عليه)، وقال ص (20):(المحاذاة إنما تعني: اختراق محيط المواقيت، أي: المرور بين ميقاتين، وماعدا ذلك فليس من المحاذاة في شيء)، وقال ص (21):(يمكن أن نخلص إلى القاعدة التالية: كل البقع التي بين ميقاتين هي بقع محاذية، وبالتالي هي مواقيت إضافية، وقد قال بذلك غير واحد من أهل العلم، منهم العلامة: عبيد الله المباركفوري) انتهى، ولم يذكر غير المباركفوري.
الحسن الددو
(1)
.
(1)
قال في فتوى له: (حدَّدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقيت المكانية، وكلها في الحل وهي محيطة بالحرم بمخمّس غير متساوي الأضلاع لتفاوت المواقيت في البُعدِ، وقد اتفق أهل العلم على أن من لا يمر في طريقه بواحد من المواقيت لا يلزمه الذهاب إلى الميقاتِ بل يحرم من المحاذاة، والذي نراه أن المحاذاة إنما هي الخط المستقيم بين الميقاتين) الفتوى منشورة في خزانة الفتاوى التابع لموقع الإسلام اليوم بتاريخ (27/ 11/ 1428 هـ).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
أما وجه شذوذ القول بأن المحاذاة تتحقق في كل بقعة بين ميقاتين؛ فهو نقل الاتفاق على خلافه، وحكم بعض العلماء عليه بالشذوذ أو البطلان ونحوهما، و من ذلك:
- ابن باز (ت 1420) بقوله: (صدر من بعض الإخوة في هذه الأيام كتيب اسمه: "أدلة الإثبات أن جدة ميقات"
(1)
يحاول فيه إيجاد ميقات زائد على المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ظن أن جدة تكون ميقاتاً للقادمين في الطائرات إلى مطارها أو القادمين إليها عن طريق البحر أو عن طريق البر، فلكل هؤلاء أن يؤخروا الإحرام إلى أن يصلوا إلى جدة ويحرموا منها؛ لأنها بزعمه وتقديره تحاذي ميقاتي السعدية والجحفة فهي ميقات وهذا خطأ واضح يعرفه كل من له بصيرة ومعرفة بالواقع
…
ولما تسرع بعض العلماء منذ سنوات إلى مثل ما تسرع إليه صاحب هذا الكتيب فأفتى بأن جدة ميقات للقادمين إليها صدر عن هيئة كبار العلماء قرار بإبطال هذا الزعم وتفنيده جاء فيه ما نصه: "وبعد الرجوع إلى الأدلة وما ذكره أهل العلم في المواقيت المكانية ومناقشة الموضوع من جميع جوانبه فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي: أن الفتوى
(1)
يقول أ. د. سعد الخثلان: (لما ألّف أحد المشايخ المعاصرين كتابًا في أن جدة ميقات، أمر شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله بسحبه من المكتبات، وبعدم بيعه لأنه قد يسبب تشويشًا على الناس، وأصدر بيانًا بين فيه أن جدة دون المواقيت). كما في النوازل المعاصرة في العبادات، الدرس (4)، وهي دروس مفرغة وموجودة في موقعه الرسمي.
الصادرة الخاصة بجواز جعل جدة ميقاتاً لركاب الطائرات الجوية والسفن البحرية فتوى باطلة؛ لعدم استنادها إلى نص من كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع سلف الأمة، ولم يسبقه إليها أحد من علماء المسلمين ..... )
(1)
.
- أ. د. إبراهيم الصبيحي (ت 1437) حين علّق على قول العرعور لما قال عن المباركفوري: (ثم أجاز -كبقية العلماء- الإحرام من أي نقطة على هذا الخط)
(2)
، قال الصبيحي:(فهو كلام لم أرَ من سبقه إليه. ولذا فلا تصح نسبة هذا القول لأهل العلم، بل أهل العلم مجمعون على خلافه)
(3)
، وقال عن تقرير العرعور بأن جدة ميقات إضافي لجميع الناس بأن ذلك:(بناء على ما أحدثه وابتدعه من نظرية اختراق محيط المواقيت)
(4)
، وقال:(جاء ببدعة جديدة)
(5)
.
- ولما قال العرعور: (اتفق أهل العلم -كما سبق ذكره- على أن من قدم من مكان لا ميقات فيه، فليحرم على مسافة أقرب ميقات إليه)
(6)
، قال الصبيحي: (لم يأخذ بهذا الإجماع الذي ارتضاه وقرره؛ حيث أجاز الإحرام من أي نقطة تقع على المحيط
(1)
فتاوى ابن باز (17/ 31 - 32)، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الثانية (10/ 95)، وأنبه هنا إلى أنه ليس كل من جعل جدة ميقاتاً يكون ذلك بناء على قاعدة المحاذاة: فمنهم من يجعلها ميقاتاً مطلقاً؛ لأنها على خط بين ميقاتين كالعرعور والددو وهم المقصود هنا، ومنهم من يجعلها ميقاتاً خاصاً للقادم عن طريق الجو أو البحر؛ كابن عاشور وآل محمود والزرقاء، ومنهم من يجوّز الإحرام بها؛ لأن الفرق يسير بينها وبين المواقيت والمحاذاة تقريبية، ومنهم من يجعلها ميقاتاً خاصاً لمن قدم من غربها مباشرة ولم يمر بميقات وهو رأي كثير من العلماء، ومنهم من يمنع أن تكون جدة ميقاتاً مطلقاً كما هو قرار المجمع الفقهي الإسلامي سنة (1402).
(2)
"أدلة إثبات أن جدة ميقات" ص (22).
(3)
مشكل المناسك ص (284).
(4)
المرجع السابق ص (286).
(5)
المرجع السابق ص (295).
(6)
"أدلة إثبات أن جدة ميقات" ص (28).
السداسي للمواقيت، بغض النظر عن محاذاتها من حيث المسافة للميقات القريب منها، أو عدم محاذاتها، وهذا يعد خرقاً لهذا الإجماع الذي حكاه، حيث خالف أهل العلم في ذلك، فقال في مخالفتهم:"المحاذاة إنما تعني اختراق محيط المواقيت، أي: المرور بين ميقاتين، وماعدا ذلك فليس من المحاذاة في شيء")
(1)
.
- وقال د. سليمان الملحم: (ومن تأمل كلام الفقهاء في المحاذاة وفي أحكامها، رأى اتفاقهم على مفهوم عام لها وهو: مسامتة المتجه إلى مكة الميقات الواقع عن يمينه أو شماله، وذلك حيث يكون بعده عن الكعبة كبعد ذلك الميقات)
(2)
، وقال:(ولم يقل أحد من أهل العلم بمراعاة الميقاتين جميعاً)
(3)
، وقال: (هذا القول قول غير مسبوق إليه من قبل فقهاء الأمة، بل مخالف لأقوالهم
…
ومع فساد هذا القول في كيفية المحاذاة، فإنه صعب التطبيق
…
)
(4)
.
- وقال أ. د. عبدالله السحيباني عن قول الطنطاوي في المحاذاة وأنها الخط الموصل بين ميقاتين، قال:(هذا في الحقيقة قول لم يسبق إليه الشيخ رحمه الله فلعله سبق قلم منه، أو أنه اجتهاد لم يوفق فيه للصواب، وكل يؤخذ من قوله ويترك)، وقال: (وهذه القاعدة في
(1)
مشكل المناسك ص (311)، والقول الذي نقله عن الشيخ العرعور في "أدلة إثبات أن جدة ميقات" ص (20).
(2)
"أحكام محاذاة الميقات وكيفيتها" للدكتور سليمان الملحم ص (225)، ضمن مجلة البحوث الإسلامية العدد (103).
(3)
المرجع السابق ص (244).
(4)
المرجع السابق ص (245 - 246)، وقال: (هذا القول المُحدث
…
).
المحاذاة وإن كانت متبادرة إلى الذهن وهي سهلة في التطبيق العملي، إلا أني لا أعلم قائلاً بها من فقهاء المذاهب)
(1)
.
- وفي موقع الدرر السنية: (التفسير للمحاذاة وهو كون المكان واقعاً بين ميقاتين على خط واحد مخالف لتفسير أهل العلم، وفي وضع هذا الخط المحيط بالمواقيت ربط للمحاذاة بميقاتين وليس بميقات واحد، وهذا خطأ واضح في فهم المحاذاة)
(2)
.
(1)
النوازل في المواقيت المكانية ص (29)، وقوله:(سهلة في التطبيق) إن كانت بالحساب فهي صعبة جداً.
(2)
في مقال بعنوان: أدلة إثبات أن جدة ميقات"عرض ونقد"، من إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية.
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بأن المحاذاة هي كون المحاذي بينه وبين مكة، كما بين الميقات الأقرب منه إلى مكة، إذا كان الميقات عن يمينه أو شماله
(1)
:
(1)
يلاحظ أن الأدلة التي أوردتها هي في اعتبار المحاذاة، ثم النزاع هو في تفسير هذه المحاذاة، وتحقيق هذا المناط، فبعضهم يجعل خطوطاً دائرية تمر بالميقات فيكون ماعن يمين وشمال الميقات محاذياً له إذا كان على خط دائرته التي مركزها مكة، فتكون مسافتهما عن مكة سواء كما اختاره د. الصبيحي في مشكل المناسك ص (296)، [وتوضيحها كما في الصورة وهي في بحث شيخنا د. الملحم]:
|
والمهم في كلام كثير من العلماء هو أن تكون المسافة بين الشخص المحاذي ومكة، كالمسافة بين الميقات القريب إليه ومكة، كما قال ابن تيمية في شرح العمدة-كتاب الحج (1/ 336):(الإحرام مما يحاذي الميقات بمنزلة الإحرام من نفس الميقات، فإنه إذا كان بعدهما عن البيت واحداً: لم يكن في نفس الميقات مقصود)، وفي الصورة تقريب لذلك باعتبار أن ذات عرق محاذية لقرن، كما قال ابن الأثير في النهاية (1/ 358):(ذات عرق: ميقات أهل العراق. وقرن ميقات أهل نجد، ومسافتهما من الحرم سواء): [والصورة موجودة في بحث العرعور]
|
استدل أصحاب هذا القول:
1/ بما أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لما فتح هذان المصران أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرناً»، وهو جورٌ عن طريقنا، وإنّا إن أردنا قرناً شقّ علينا، قال: (فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق)
(1)
.
وجه الاستدلال:
- أن عمر رضي الله عنه جعل المناط هو المحاذاة، ومن مسالك تحقيق المناط: الإجماع
(2)
، و (من تأمل كلام الفقهاء في المحاذاة وفي أحكامها، رأى اتفاقهم على مفهوم عام لها وهو: مسامتة المتجه إلى مكة الميقات الواقع عن يمينه أو شماله، وذلك حيث يكون بعده عن الكعبة كبعد ذلك الميقات)
(3)
، (ولم يقل أحد من أهل العلم بمراعاة الميقاتين جميعاً)
(4)
.
2/ الدليل الآخر وله علاقة بالأول:
أن عمر رضي الله عنه (أمرهم بمحاذاة أقرب ميقات إلى طريقهم، دون
(1)
أخرجه البخاري (1531)، قال ابن حجر في الفتح (3/ 389): (والمصران: تثنية مصر والمراد بهما الكوفة والبصرة
…
قوله: وهو جور
…
أي: ميل، والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى:{وَمِنْهَا جَائِرٌ} ، قوله: فانظروا حذوها، أي: اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتاً).
(2)
انظر: الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي لبلقاسم الزبيدي ص (321).
(3)
"أحكام محاذاة الميقات وكيفيتها" للدكتور سليمان الملحم ص (225)، ضمن مجلة البحوث الإسلامية العدد (103).
(4)
المرجع السابق ص (244).
مراعاة للميقات الآخر الذي على يمينهم وهو ذو الحليفة)
(1)
، وهو يدل على أن (الإحرام من محاذاة الميقات أقرب الأمور إلى النص؛ لأن القصد البعد عن مكة بهذه المسافة فلزم اتباعه)
(2)
.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بأن محاذاة الميقات كون المُحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد
(3)
:
استدل أصحاب هذا القول:
1/ بأثر ابن عمر الذي استدل به أصحاب القول الأول، والشاهد منه قول عمر:(فانظروا حذوها من طريقكم).
وجه الاستدلال:
- أن عمر رضي الله عنه جعل المناط هو المحاذاة، ومن مسالك تحقيق المناط: اللغة العربية
(4)
، و (المحاذاة إنما تعني: اختراق محيط المواقيت،
(1)
"أحكام محاذاة الميقات وكيفيتها" للدكتور سليمان الملحم ص (244)، ضمن مجلة البحوث الإسلامية العدد (103).
(2)
طرح التثريب (5/ 16).
(3)
وهذا تقريب للخطوط التي بين المواقيت، بإيصال خطوط مُستقيمة بين المواقيت، وبها يتبين أن جدة خارج محيط المواقيت الذي يرونه برسم الخطوط ولاتدخل إلا بنوع تكلف لايوافق الواقع، كما في الصورة [وهي من بحث "إحرام القادمين بالطائرات من أين يكون؟ " للدكتور الغزالي، وللدكتور عامر بهجت بحث في الشبكة يثبت ذلك أيضاً]:
|
(4)
انظر: الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي لبلقاسم الزبيدي ص (325).
أي: المرور بين ميقاتين، وماعدا ذلك فليس من المحاذاة في شيء)
(1)
، وهذا (هو مقتضى اللغة، لايحتاج إلى بسط الأدلة عليه)
(2)
، فـ (كل البقع التي تقع بين ميقاتين هي بقع محاذية)
(3)
.
ويمكن [مناقشة] هذا الاستدلال بأمور
(4)
:
- بأن مسلك الإجماع مقدم على مسلك اللغة؛ لأن الإجماع من المسالك النقلية وهي مُقدمة في الأحكام الشرعية، والدلالة اللغوية قد تُنقل في الشرع عن دلالتها.
- ثم إن هذا المعنى للمحاذاة فيه مراعاة لميقاتين، وعمر رضي الله عنه قال:(انظروا حذوها) يعني: قرن المنازل، وهي عن يسار ذات عرق، دون مراعاة لذي الحليفة التي عن يمينه.
- وأقوال أهل العلم منحصرة في محاذاة الأقرب من المواقيت إلى طريقه، وبين التخيير فإن شاء أحرم من الأول أو الثاني، ولم يقل أحد بمراعاة الميقاتين جميعاً.
- ولو وضع خط بين الجحفة ويلملم مثلاً، فإن جزءاً كبيراً من هذا الخط أقرب إلى مكة من الميقاتين الذين يراعيهما، فيفضي إلى تأخير الإحرام عن محاذاة جميع المواقيت
(5)
.
(1)
"أدلة إثبات أن جدة ميقات"ص (20).
(2)
المرجع السابق ص (15)، وفي النقل الأول حصر معنى المحاذاة بما ذكر، وفي موضع آخر جعله إحدى معاني المحاذاة.
(3)
المرجع السابق ص (21).
(4)
في بحث"أحكام المحاذاة وكيفيتها" قال ص (244): (لم يذكر أصحاب هذا القول-حسب اطلاعي- أدلة على أن محاذاة الميقات بهذه الكيفية)، ثم ناقش قولهم بما هو مذكور بعد المناقشة الأولى، وانظر: مشكل المناسك ص (290).
(5)
في "أحكام المحاذاة" ص (246): (ولذلك اضطر القائلون بهذا القول عند رسم الخرائط التوضيحية إلى وصل الجحفة بجدة ثم وصل جدة بيلملم، فصارت جدة على قاعدتهم كأنها ميقات منصوص عليه)، وقال د. الصبيحي في "مشكل المناسك" ص (291) عن رسم العرعور: (ولم يجعله مستقيماً
…
بل جعله منكسراً إلى الجهة الغربية ليمر على جدة؛ إذ لو جعله مستقيماً لأخرج جدة)، وقد قال العرعور ص (23):(فيتكون بذلك محيط سداسي الشكل، وتكون كل النقط التي تقع عليه تحقق معنى المحاذاة)، وانظر الصورة الآتية [وهي من بحث العرعور]:
|
- (ومع فساد هذا القول في كيفية المحاذاة فإنه صعب التطبيق، ويحتاج إلى عمليات حسابية وهندسية دقيقة في كل حال محاذاة يحتاج إليها الناس، على الرغم من سهولة تصوره على الورق والخرائط
…
وذلك من خلال النظر فيما يأتي:
- معرفة المسافة بين الطريق المسلوك والميقات الواقع عن يمينه، معرفة المسافة بين الطريق المسلوك والميقات الواقع عن شماله.
- معرفة المسافة بين مكة والميقات الذي عن يمينه، معرفة المسافة بين مكة والميقات الذي عن يساره.
- نسبة المسافة التي بينه وبين أحد الميقاتين إلى المسافة التي بينه وبين الميقات الآخر، وماتقتضيه هذه النسبة من بعد عن مكة.
- ولا شك أن هذه الأمور تحتاج إلى خبير
…
فكيف يُعلّق الحكم الشرعي الذي يحتاج إليه عموم الناس على أمر لايحسنه إلا أفراد منهم، مع مافيه من الحرج والمشقة؟)
(1)
.
(1)
"أحكام المحاذاة وكيفيتها" ص (246 - 247)، وانظر:"مشكل المناسك" ص (291 - 296).
فائدة:
- الظاهر والله أعلم أن هذه المسألة فيها جِدّة نسبية، وهي أشبه بالنوازل، (وأكثر الفقهاء المتقدمين لا يقفون عند كلمة "محاذاة" وقفةً طويلة؛ حيث إنها لم تكن مشكلة في زمنهم؛ لأن الطرق والمسالك محدودة، والمحاذاة تكون قريبة من الميقات الأصلي، وتحريِّها سهل، فالطرق في الماضي وعرة، بخاصة تلك التي تجانب الطريق السالكة للحجاج، حيث الأمن والقوافل وتوفير الماء والرفقة، فالغالب على أمر الناس أنهم يسلكون هذه الطرق التي تمر بالمواقيت، أو قريباً منها.
- أما اليوم فقد اختلف الحال فكثرت الطرق والبلاد حول المواقيت، وتطورت وسائل المواصلات، فأصبح أكثر الحجاج -خاصة حجاج الجو- لا يحرمون من نفس المواقيت، وإنما من حذائها
…
- ولأجل أن هذه المسألة من المسائل النازلة بصورتها الواقعية في هذا الزمن، فقد لا يجد الباحث في كلام المتقدمين معنى منضبطاً وتحديداً دقيقاً للمعنى الواقعي للمحاذاة)
(1)
.
- ويشهد لذلك قول شيخنا د. الملحم في معنى المحاذاة: (لاحظت أن تعريفها متداول في كتب الشافعية بكثرة ثم كتب المالكية. أما الحنفية والحنابلة فلم أقف على تعريف لها عندهم)
(2)
.
- ومعرفة رتبة المسألة وأنها بالنوازل أشبه، يُضعف إمكان الاحتجاج عليها بالإجماع، أو دعوى مخالفة الاتفاق السابق، فالخلاف
(1)
النوازل في المواقيت المكانية ص (28).
(2)
أحكام محاذاة الميقات وكيفيتها ص (225).
محفوظ بين المعاصرين الذين اجتهدوا في النازلة بتحقيق المناط بعد اتفاقهم على أن المناط هو المحاذاة
(1)
.
- المناط هو المحاذاة، والقول الأول سلك في تحقيق المناط مسلك اللغة العربية وأن هذا (هو مقتضى اللغة)
(2)
، والقول الآخر سلك في تحقيق المناط مسلك الإجماع، وأن (من تأمل كلام الفقهاء في المحاذاة وفي أحكامها، رأى اتفاقهم على مفهوم عام لها وهو: مسامتة المتجه إلى مكة الميقات الواقع عن يمينه أو شماله، وذلك حيث يكون بعده عن الكعبة كبعد ذلك الميقات)
(3)
، وقال:(ولم يقل أحد من أهل العلم بمراعاة الميقاتين جميعاً)
(4)
، والله أعلم.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بأن معنى محاذاة الميقات هو كون المُحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد إلى الشذوذ غير صحيحة؛ لعدم مخالفته لإجماع واضح أو نص صريح، بل هو اجتهاد في تحقيق مناط متفق عليه.
لكن القول بهذا الخط المستقيم فيه ضعف لأمور:
(1)
فائدة: الطيارون اليوم لايعتمدون على الخطوط بين المواقيت ولا الدوائر، بل عندهم نقاط افتراضية مثبتة على الخريطة من إدارة مختصة بذلك، تعني المرور فوق الميقات أو المسامتة التي تعني التعامد بنسبة 90 درجة، كما حدثني بذلك أحد الطيارين، وذكر نحوه د. عامر بهجت في مقال"توضيح معنى المحاذاة"، وأنه عليه العمل في الخطوط السعودية.
(2)
أدلة إثبات أن جدة ميقات ص (15).
(3)
"أحكام محاذاة الميقات وكيفيتها" للدكتور سليمان الملحم ص (225)، ضمن مجلة البحوث الإسلامية العدد (103).
(4)
المرجع السابق ص (244).
- أن حدود المواقيت التي سيكون منها الخط غير محددة المعالم، فإن المواقيت (لم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم المسافات التي بينها وبين الحرم لا بالأميال ونحوها، ولا بالمراحل، كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يحد واحدًا منها بحد ولم يصفه بصفة، وإنما اقتصر على ذكر أسمائها)
(1)
.
- وبعد محاولة للتحديد تبيّن أن (جميع مواقيت الإحرام أودية عظام)
(2)
أو قرى كبيرة كما ذكر في معجم البلدان عن بعضها، فـ (ذو الحليفة: قرية
…
منها ميقات أهل المدينة)
(3)
، والجحفة (كانت قرية كبيرة
…
وإنما سميت الجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام)
(4)
، ويلملم وادي مجراه ممتد من الشرق إلى الغرب، من سفوح جبال السراة حتى مصبه في البحر الأحمر، ويُقدر بنحو مائة وخمسين كيلاً
(5)
، و (قرن المنازل هو وادي السيل
…
ثم على الجهة الأخرى في أعلاه هو الذي يسميه أهل الطائف "المحرم" فالمحرم والسيل واحد)
(6)
.
- فإن عسُر على المكلف تحديد الميقات فبمحاذاته، والمحاذاة ليست بأعظم من استقبال القبلة، وقد قيل للإمام أحمد (قبلة أهل
(1)
فتاوى محمد بن إبراهيم (5/ 209)، وفي "النوازل في المواقيت المكانية" ص (20):(وهذه المسألة بهذه الصورة - أعني تحديد الأطوال والحدود - لم أجد من تعرض لها من أهل العلم، سواء من شراح الحديث النبوي أو من الفقهاء، أو حتى من الجغرافيين. بل لم تكن هذه المسألة محل عناية كثير من الفقهاء، فقد كانوا يكتفون بذكر المكان باسمه، ولم يكن أحد منهم يتتبع حدود الميقات وامتداده وطوله وعرضه وما إلى ذلك).
(2)
تيسير العلام ص (362).
(3)
معجم البلدان (2/ 295).
(4)
معجم البلدان (2/ 111).
(5)
انظر: تيسير العلام ص (359)، وذكر أن السعدية في نحو نصف مجراه وقد كان الطريق يمر بها.
(6)
فتاوى محمد بن إبراهيم (5/ 207).
بغداد على الجدي؟ فجعل ينكر أمر الجدي، فقال: أيش الجدي؟ ولكن على حديث عمر: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»
(1)
.
- ويتجلّى حكم المسألة بالنظر في نظائرها، كالقبلة، ومواقيت الصلاة، ودخول الأشهر، وبخاصة إذا أضيف إلى تحديد المحاذاة حساب ورسم، فهذا لا يحسنه كل أحد وفيه من العنت والمشقة التي لم يؤمر بمثلها الناس في التكاليف العامة.
- ومبنى المسألة على التيسير إذا تحقق التعظيم، فقد جُعلت المواقيت أماكن كبيرة محيطة بالحرم، ولم تحد بمسافات ولا صفات، فلايحتاج المتجه إلى مكة إذا لم يمر بميقات إلا معرفة أقرب ميقات في طريقه عن يمينه أو شماله، ثم تقدير نحو مسافته إلى مكة، والمحاذاة تتوسع كلما اتسعت المسافة وهذا لا يُراعى بوضع الخطوط، وهو مهم
(2)
.
- وحين النظر إلى الميقات المتفق عليه بالمحاذاة وهو "ذات عرق" والفرق بين مسافته عن مكة ومسافة "قرن المنازل" نجد فرقاً
(3)
، وكان الإمام الشافعي دقيقاً في عبارته حين قال:(ذات عرق شبيه بقرن في القرب وألملم)
(4)
.
(1)
فتح الباري لابن رجب (3/ 65)، والحديث يرى الإمام أحمد أنه موقوف على عمر رضي الله عنه كما في (3/ 60 - 61).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (22/ 208)، العلامة الشرعية لبداية الطواف ونهايته ص (29).
(3)
يبعد قرن المنازل عن مكة (78) كيلاً، وتبعد ذات عرق (100) كيلاً. انظر: تيسير العلام ص (360 - 362)، النوازل في المواقيت المكانية ص (16 - 18)، ولايخفى أنها مسافات تقديرية لأن البداية والنهاية غير متفق عليها.
(4)
الأم (2/ 150)، وألملم هي يلملم، وسكان تلك المنطقة يقولون لها اليوم "لملم"، وهو واد عظيم كما سبق.
- وأختم بعبارة ابن تيمية حين قال: (يعرف محاذاته للمؤقت وكونه هو الأقرب إليه بالاجتهاد والتحري، فإن شك فالمستحب له الاحتياط فيحرم من حيث يتيقن أنه لم يجاوز حذو الميقات القريب إليه إلا محرماً، ولا يجب عليه ذلك حتى يغلب على ظنه أنه قد حاذى الميقات الأقرب)
(1)
، والله أعلم.
(1)
شرح العمدة-كتاب الحج (1/ 337).
(سئل عبد الله بن المبارك: هل للعلماء علامة يعرفون بها؟ قال: "علامة العالم من عمل بعلمه، واستقل كثير العلم والعمل من نفسه، ورغب في علم غيره، وقبل الحق من كل من أتاه به، وأخذ العلم حيث وجده، فهذه علامة العالم وصفته"، قال المروذي فذكرت ذلك لأبي عبد الله. قال: هكذا هو).
إبطال الحيل لابن بطة ص (34)
المبحث الثالث: عودة الحاج محرماً بعد حله إذا لم يطف قبل الغروب يوم النحر
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
يقول أبو إسماعيل الكوفي سألت عطاء بن أبي رباح عن شيء فأجابني، فقلت له: عمن ذا؟ فقال: (ما اجتمعت عليه الأمة أقوى عندنا من الإسناد).
أخرجه أبونعيم في الحلية (3/ 314)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
هذه المسألة تتعلق بالتحلل الأول الذي يكون في يوم النحر، فإذا تحلل المحرم برمي الجمرة، أو برميها مع الحلق، -على الخلاف فيما يحصل به التحلل الأول-، ولم يبق عليه إلا طواف الإفاضة، فهل يعود إلى إحرامه إذا لم يطف للإفاضة قبل غروب شمس يوم النحر؟ هذه مسألتنا.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
…
الحاج (إذا أتى منى رمى جمرة العقبة
…
فإذا رمى جمرة العقبة نحر هديه إن كان معه هدي
(1)
…
ثم يحلق رأسه أو يقصره
…
وإذا فعل ذلك فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول فيلبس الثياب ويقلم أظفاره)
(2)
.
2.
ويبقى التحلل كله بطواف الإفاضة
(3)
، (فإذا طاف طواف الإفاضة
(1)
وأكثر العلماء (لا يتوقف عندهم التحلل الأول على الذبح) كما في طرح التثريب (5/ 81).
(2)
مجموع الفتاوى (26/ 135 - 137)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (19/ 311):(من رمى جمرة العقبة فقد حل له الحلاق والتفث كله بإجماع)، قال الراغب في المفردات ص (165):(أصل التَّفْث: وسخ الظفر وغير ذلك، مما شابه أن يزال عن البدن)، وسبق تفسير معنى التفث في المبحث العاشر من كتاب الطهارة، وقد قال العراقي في طرح التثريب (5/ 81):(ما يحل بالتحلل الأول، وقد اتفق هؤلاء على أنه يحل به ما عدا الجماع ومقدماته وعقد النكاح والصيد والطيب، وأجمعوا على أنه لا يحل الجماع واختلفوا في بقية هذه الأمور).
(3)
قال ابن هبيرة في اختلاف الأئمة (1/ 318): (اتفقوا على أن التحلل الأول يحصل بشيئين من ثلاثة هي: الرمي، والحلق، والطواف، فهو يحصل بالرمي والحلق، أو بالرمي والطواف، أو بالطواف والحلق. والتحلل الثاني يحصل بما بقي من الثلاثة التي ذكرناها) انتهى.
فقد تم حجه وحل له كل شيء بإجماع)
(1)
.
3.
…
(واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق)
(2)
، ولم يلزموا من لم يطف الإفاضة يوم النحر أن يعود محرماً، وذهب بعض المعاصرين إلى أنه إن لم يطف قبل غروب شمس يوم النحر فإنه يعود محرماً بعد تحلله، وحُكم على هذا القول بالشذوذ، وهذا هو الرأي المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
التمهيد (19/ 310)، قال ابن حزم في المراتب ص (45):(واتفقوا على أن من طاف طواف الافاضة يوم النحر أو بعده وكان قد أكمل مناسك حجه ورمى فقد حل له الصيد والنساء والطيب والمخيط والنكاح والانكاح وكل ما كان امتنع بالاحرام).
(2)
شرح النووي على مسلم (9/ 58).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين
(1)
:
الألباني (ت 1420)
(2)
، ومحمد بن علي الإثيوبي
(3)
.
(1)
هناك من سبق بعض المعاصرين وهو علي أكبر أبناء المجدد محمد بن عبدالوهاب، وقد أشار أخوه عبدالله إلى ذلك بقوله كما في مجموعة المسائل والرسائل النجدية (1/ 257):(بعض العيال أفتى أنّ مَن لم يطف يوم العيد وأراد أن يطوف بعده فعليه أن يحرم بعد رمي جمرة العقبة والذّبح والحلق، فالذي أفتى به الأخ عليّ -عفا الله عنه- لحديث بلغه في ذلك، لكن ما لزم أحدًا فعله ونحن ما جسرنا على الفتيا به؛ لأجل أنّه خلاف أقوال العلماء).
(2)
قال في مناسك الحج والعمرة ص (32): (إذا انتهى من رمي الجمرة حل له كل شيء إلا النساء ولو لم ينحر أو يحلق فيلبس ثيابه ويتطيب. لكن عليه أن يطوف طواف الإفاضة في اليوم نفسه إذا أراد أن يستمر في تمتعه المذكور وإلا فإنه إذا أمسى ولم يطف عاد محرماً كما كان قبل الرمي فعليه أن ينزع ثيابه ويلبس ثوبي الإحرام).
(3)
قال في ذخيرة العقبى (24/ 95): (الحقّ أن من أمسى، قبل أن يطوف بالبيت عاد محرمًا، فيجب عليه أن لا يتلبّس بشيء من محظوراة الإحرام حتى يطوف بالبيت
…
وهذا مما غفل عنه كثير من أهل العلم، فضلاً عن العوامّ، فينبغي إفشاؤه حتى يعلمه العوامّ، فيعملوا به).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع المحكي، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه، وقد نص على شذوذه:
- ابن باز (ت 1420) بقوله: (ما يتعلق بعوده محرماً كما كان إذا لم يطف يوم العيد. فهذا القول ضعيف وهو خلاف ما عليه أهل العلم
…
هذا القول قول شاذ ومخالف لما عليه أهل العلم، والحديث ضعيف لا يحتج به، ولو فرضنا أن له شاهداً صحيحاً، فهو قول شاذ مخالف لما عليه أهل العلم، ولما دلت عليه السنة)
(1)
.
(1)
فتاوى ابن باز (25/ 234)، وذكر عدد من العلماء أنه لم يقل بذلك أحد، وسيأتي في الإجماع -بإذن الله-.
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بأن من تحلل فلا يعود إلى الإحرام:
من الأدلة على ذلك:
1/ حديث حفصة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، ما شأن الناس حلوا بعمرة، ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال:«إني لبّدت رأسي، وقلّدت هديي، فلا أحل حتى أنحر»
(1)
، وقول عائشة- رضي الله عنها:«طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديّ هاتين، حين أحرم، ولحلّه حين أحل، قبل أن يطوف»
(2)
.
- وروى سالم عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه قال: (إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات، وذبحتم وحلقتم، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب)، قال سالم وقالت عائشة- رضي الله عنها:(حل له كل شيء إلا النساء)، قال: وقالت عائشة رضي الله عنها: «أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني لحله
(3)
.
(1)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1566)، ومسلم (1229).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1754) واللفظ له، ومسلم (1189).
(3)
أخرجه ابن خزيمة (2939)، والبيهقي (9591)، من طريق عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم به، وإسناده صحيح، وفيه مخالفة عائشة لعمر في الأمور التي تحصل بالتحلل وأن الطيب يحل أيضاً، وجاء عن عمر رضي الله عنه من وجه آخر مايدل على أن التحلل يحصل برمي الجمرة فقط أخرجه مالك في موطئه (1/ 410) عن نافع، وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب خطب الناس بعرفة، وعلمهم أمر الحج، وقال لهم فيما قال:(إذا جئتم منى، فمن رمى الجمرة، فقد حل له ما حرم على الحاج. إلا النساء والطيب. لا يمس أحد نساء ولا طيبا، حتى يطوف بالبيت)، وجاء عنه بالإسناد نفسه في الموطأ (1/ 410) أنه قال من دون خطبة:(إذا جئتم منى، فمن رمى الجمرة، فقد حل له ما حرم على الحاج. إلا النساء والطيب. لا يمس أحد نساء ولا طيبا، حتى يطوف بالبيت)، واختار مالك أن التحلل يكون بالرمي فقط بل حكاه عن أهل العلم فقال كما في الموطأ (1/ 324):(سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول بعد أن يرمي جمرة العقبة، وقبل أن يحلق رأسه، وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل، وحلق الشعر، وإلقاء التفث، ولبس الثياب)، وقال كما في النوادر والزيادات (2/ 409):(من رمى جمرة العقبةِ يوم النحرِ، فقد حل له كل شيءٍ إلا النساء، والطيب، والصيدَ).
-وقالت عائشة: (إذا رمى حل له كل شيء إلا النساء، حتى يطوف بالبيت، فإذا طاف بالبيت حل له النساء)
(1)
، وقال عبدالله بن الزبير: رضي الله عنه (من سنة الحج
…
فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت)
(2)
، وصحّ عنه أنه قال:(إذا رميت الجمرة من يوم النحر فقد حل لك ما وراء النساء)
(3)
، وجاء عن ابن عباس أنه كان يقول:(التلبية شعار الحج فإن كنت حاجاً فلب حتى بدء حلك وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة)
(4)
.
وجه الاستدلال:
- أن هذه الأحاديث الثابتة، مرفوعة وموقوفة، مع تنوعها، ليس في
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (1808) حدثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة به، وسنده صحيح، وصححه ابن حجر في الدراية (2/ 27)، وروي مرفوعاً ولايصح.
(2)
أخرجه ابن خزيمة (2800)، والحاكم (1695)، والبيهقي:(9502) من طريق يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عبدالله بن الزبير به، وقال الحاكم:(هذا حديث على شرط الشيخين، ولم يخرجاه) ولم يتعقبه الذهبي، وقال أبو عمرو ياسر بن محمد في "بحوث حديثية في كتاب الحج" بعد أن صحح إسناده ص (136):(وله حكم الرفع لقوله: من سنة الحج). وذكر الطيب فيه خالفته فيه عائشة كما سبق، ولم يذكره هو في الأثر القادم، وهو أصح.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (13807) حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، سمع ابن الزبير به، إسناد صحيح.
(4)
قال ابن حجر في الفتح (3/ 533): (روى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس) فذكره، وروي عنه من وجه آخر في المصنف والمسند وبعض أهل السنن وفيه انقطاع ولفظه:(إذا رميتم الجمرة، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء).
شيء منها اشتراط الطواف قبل الغروب لحصول التحلل الأول، مع أهميته لو كان ثابتاً
(1)
.
- وقد كان تأخير الإفاضة مما هو معتاد عند السلف، فقد ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه هذه الترجمة (من زار يوم النحر)، ثم ترجم بعدها:(من كان لا يرى بتأخير الزيارة بأساً) وذكر آثاراً منها، عن محمد بن المنكدر قال:(لم يكن يفيض من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من كان منهم يكون معه امرأة)
(2)
.
- ويؤيده ماصحّ عن أفلح بن حميد عن أبيه قال: (كنا مع أبي أيوب في نفر من الأنصار، ما زار منا أحد البيت حتى كان في النفر الآخر، إلا رجل كان معه من أهله فتعجل بهم)
(3)
، وهذا يوافق ماصحّ عن عائشة-رضي الله عنها:(أنها كانت إذا حجت، ومعها نساء تخاف أن يحضن، قدمتهن يوم النحر فأفضن)
(4)
، وقال ابن طاوس:(لم أعقل أني أفيض إلا ليلاً)
(5)
.
2/ الدليل الآخر: هو الإجماع.
وقد نقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد من العلماء:
1.
البيهقي (ت 458) بقوله عن الحكم الوارد في حديث أم سلمة-وهو
(1)
ومن المسائل الظاهرة اختلاف الآثار في حصول التحلل بالرمي أو الرمي والحلق، وأما الطيب الذي منعه عمر فقد قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 231):(وقد خالفته عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما وابن الزبير في الطيب خاصة)، وهذا لايؤثّر على مسألتنا، والله أعلم.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (13054).
(3)
المصدر السابق (13056).
(4)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 413) عن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة به، وهو صحيح كسابقيه.
(5)
المصدر السابق (13063) هكذا في طبعة الرشد بتحقيق الحوت، وفي طبعة الشثري (7/ 509) (13526):(لم أعقل أبي يفيض إلا ليلاً)، وينظر الآثار التي ذكرها في هذا الباب، ليس في شيء منها اشتراط الطواف يوم النحر.
دليل القول الآخر-: (لا أعلم أحداً من الفقهاء يقول بذلك)
(1)
، قال النووي معلّقاً:(فيكون الحديث منسوخاً دل الإجماع على نسخه؛ فإن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ لكن يدل على ناسخ)
(2)
.
2.
قال الصنعاني (ت 1282) معلّقاً: (فهذه حكاية للإجماع على خلاف ما أفاده حديث أم سلمة
…
وقد قيل: إنه حديث منسوخٌ، وأنه لم يقل به أحد من العلماء)
(3)
.
3.
وقال المحب الطبري (ت 694): (هذا حكم لا أعلم أحداً قال به)
(4)
.
4.
وقال ابن كثير (ت 774): (وهذا الحديث غريب جداً، لا أعلم أحداً من العلماء قال به)
(5)
.
5.
وقال البلقيني (ت 805): (الحديث الذي رواه أبو داود في سننِه من حديث أم سلمة
…
فهذا مما أجمع العلماء على ترك العمل به)
(6)
.
6.
وذكره ابن رجب (ت 795) في الأحاديث التي حُكي عدم العمل بها ولم يخطّئ ذلك
(7)
، فقال:(حديث أن التحلل برمي الجمرة مشروط بطواف الإفاضة في بقية يوم النحر)
(8)
.
(1)
السنن الكبرى (5/ 223).
(2)
المجموع (8/ 234).
(3)
التحبير لإيضاح معاني التيسير (3/ 396 - 397).
(4)
القرى لقاصد أم القرى ص (472).
(5)
البداية والنهاية (7/ 621).
(6)
محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح ص (469)، وانظر: فتح المغيث (4/ 56).
(7)
بعد ذكر الترمذي الأحاديث التي لم يُعمل بها، أتبعها ابن رجب بأحاديث حُكي عدم العمل بها ولم يذكرها الترمذي، وحديثنا منها ووضع المحقق عتر لها عنواناً هو:(فصل في سرد أحاديث اتفق العلماء على عدم العمل بها)، ثم أتبعها ابن رجب بأحاديث صدرها بقوله:(قد ادعى بعضهم ترك العمل بأحاديث أخر وهو خطأ ظاهر).
(8)
شرح علل الترمذي (1/ 329 - 330).
7.
وقال العيني (ت 855): (حديث أم سلمة هذا شاذ، أجمعوا على ترك العمل به)
(1)
.
8.
وقال عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب (ت 1242): (ما جسرنا على الفتيا به؛ لأجل أنه خلاف أقوال العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم)
(2)
.
9.
وقال ابن باز (ت 1420): (مخالف لما عليه أهل العلم ولما دلت عليه السنة)
(3)
، وقال: (هو كالإجماع، وإنما يروى فيها خلاف لعروة بن الزبير، وإلا فهو كالإجماع من أهل العلم، أن من حل فحله تام، لا يعود للإحرام، وإجماعهم حجة
…
وعروة بن الزبير تابعي قبله الصحابة)
(4)
.
10.
وابن عثيمين (ت 1421) بقوله: (لا يعوّل عليه؛ لشذوذه، وعدم عمل الأمة به)
(5)
.
ونوقش الإجماع:
- بأن حديث أم سلمة (قال به عروة بن الزبير)
(6)
، و (الخلاف في ذلك موجود، قال ابن المنذر في الإشراف -لما حكى الخلاف فيما أبيح للحاج بعد الرمي وقبل الطواف-: وفيه قول خامس:
(1)
عمدة القاري (10/ 69).
(2)
الدرر السنية (5/ 387)، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/ 258).
(3)
فتاوى ابن باز (25/ 234).
(4)
المرجع السابق (25/ 235 - 236).
(5)
الشرح الممتع (7/ 341 - 342).
(6)
المحلى (5/ 141)، قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 558):(ذكر ابن حزم أنه مذهب عروة بن الزبير).
وهو أن المحرم، إذا رمى الجمرة يكون في ثوبيه حتى يطوف بالبيت، كذلك قال أبو قلابة.
- وقال عروة بن الزبير: من أخّر الطواف بالبيت يوم النحر إلى يوم النفر فإنه لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا يتطيب، وقد اختلف فيه عن الحسن البصري، وعطاء، والثوري، انتهى)
(1)
.
- وبعد أن (عرفت أن هذه الدعوى باطلة، حيث ثبت خلاف جماعة، كأبي قلابة، وابن الزبير، والحسن البصريّ، وعطاء، والثوريّ، على خلافٍ عن هؤلاء الثلاثة، فأين الإجماع المزعوم؟)
(2)
.
- وعلى فرض التسليم، (فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلّ من أن يستشهد عليه بعمل الفقهاء به، فإنه أصل مستقل حاكم غير محكوم. ومع ذلك فقد عمل بالحديث جماعة من أهل العلم منهم عروة بن الزبير التابعي الجليل)
(3)
.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة:
- أما المروي عن عروة بن الزبير (ت 94)، فإنه مقابل للإجماع المحكي، وقبل هدر الإجماع يحسن أن يُتحقق من ثبوته ودلالته، فالنقش بعد الثبوت، وإذا احتمل بعد الثبوت موافقة الإجماع حُمل عليه.
- أما الثبوت فلم أقف عليه مسنداً بهذا السياق، وأقدم من ذكره ابن
(1)
طرح التثريب (5/ 78 - 79)، ومانقله عن ابن المنذر في الإشراف (3/ 361).
(2)
ذخيرة العقبى (24/ 95).
(3)
مناسك الحج والعمر للألباني ص (31 - 32).
حزم (ت 456)
(1)
، ثم ابن رجب (ت 795)
(2)
، وعدم ثبوته بذلك ظاهر، فكيف يقال:(ثبت خلاف جماعة)، فمثل هذه الدعوى إن لم تُثبت فلا يحسن بها معارضة الأئمة الذين ينفون الخلاف، والظاهر أن النسبة إلى عروة بهذا السياق خطأ.
- فقد جاء عنه بسياق آخر حكى لفظه ابن المنذر فذكر عن عروة قوله: ([من] أخّر الطواف بالبيت يوم النحر إلى يوم الصدر، فإنه لا يلبس القميص ولا العمامة ولا يتطيب)
(3)
، فهذا لايوافق حديث أم سلمة الذي فيه اشتراط الطواف يوم النحر، وليس فيه التحلل ثم العودة إلى الإحرام، ويشبه أن يكون مذهبه البقاء على الإحرام أو بعضه حتى يطوف.
- مما يدل لذلك أنه قد حكى عنه المحب الطبري أنه قال: (لا يحل الطيب لمن لم يطف بالبيت بعد عرفة وإن قصّر. أخرجه سعيد بن منصور)
(4)
، وقوله هذا أخرجه ابن خزيمة ولفظه:(إنه لا يحل الطيب لأحد لم يطف قبل عرفات، وإن قصر ورمى)، قال ابن خزيمة:(فعروة بن الزبير إنما يتأول بهذا الفتيا أن الطيب إنما يحل قبل زيارة البيت لمن قد طاف بالبيت قبل الوقوف بعرفة)
(5)
، وصرّح ابن خزيمة أن عروة يقول بخلاف حديث أم سلمة فقال:
(1)
انظر: المحلى (5/ 141)، وابن حجر حكاه في التلخيص من طريقه.
(2)
قال في شرح العلل (1/ 330): (وقد حكي عن عروة القول به).
(3)
الإشراف (3/ 361)، ومابين] [زيادة من طرح التثريب (5/ 79)، وفيه (النفر) بدل (الصدر)، ويوم الصدر هو اليوم الثالث عشر، ويوم النفر الأول هو اليوم الثاني عشر، ويوم النفر الثاني هو يوم الصدر. انظر: المطلع ص (191).
(4)
القرى لقاصد أم القرى ص (270).
(5)
صحيح ابن خزيمة (4/ 303)، قال المحب الطبري في القرى ص (270):(وأما اعتبار الطواف قبل الوقوف كما تضمنه قول عروة، فيكون ذلك مذهباً له، ولا أعلم مستنده).
(وهذا لفظ خبر أم سلمة، وخبر عكاشة مثله في المعنى فإذا حكم لهذا الخبر على ظاهره دل على خلاف قول عروة الذي ذكرته)
(1)
.
- وهذا قريب من مذهب عمر رضي الله عنه في منع الطيب قبل الطواف، وقد ردته عائشة بتطييبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل الطواف، وليس هو من مسألتنا في شيء.
- قال ابن قدامة: (وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يحل له كل شيء، إلا النساء، والطيب. وروي ذلك عن ابن عمر، وعروة بن الزبير، وعباد بن عبد الله بن الزبير؛ لأنه من دواعي الوطء، فأشبه القبلة. وعن عروة، أنه لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا يتطيب)
(2)
.
- قال ابن عثيمين: (لأنه يبعد جداً أن يكون عروة بن الزبير قال بمقتضى حديث أم سلمة ثم يخفى قوله على مثل الطبري والبيهقي. وعلى هذا؛ يكون معنى قول عروة: إنه لا يحل له الطيب حتى يطوف بالبيت، وهذا قول مشهور والنزاع في هذا معروف)
(3)
.
- يؤيد ذلك أيضاً قول الطحاوي: (ذهب إلى هذا قوم فقالوا: لا يحل اللباس والطيب لأحد، حتى يحل له النساء، وذلك حين يطوف طواف الزيارة)
(4)
، قال العيني:(أراد بالقوم هؤلاء: عروة بن الزبير وطائفة من السلف؛ فإنهم قالوا: لا يحل اللباس والطيب للحاج يوم النحر وإن رمى وحلق وذبح حتى يحل له النساء، والنساء لا تحل له إلاَّ بطواف الزيارة)
(5)
.
(1)
صحيح ابن خزيمة (4/ 303)، وسيأتي خبر عكاشة.
(2)
المغني (3/ 389).
(3)
من فتوى مخطوطة للشيخ منقولة في موقع الإسلام سؤال وجواب في فتوى رقم (36833).
(4)
شرح معاني الآثار (2/ 228).
(5)
نخب الأفكار (10/ 101).
- وعلى فرض التسليم بخلافه، فهو مسبوق بالإجماع فـ (عروة بن الزبير تابعي قبله الصحابة)
(1)
.
- أما قول أبي قلابة الجرمي (ت 104)، فلاعلاقة له بحديث أم سلمة، فإن قوله كما نقل عنه ابن المنذر:(أن المحرم إذا رمى الجمرة يكون في ثوبيه حتى يطوف بالبيت، كذلك قال أبو قلابة)
(2)
، فأين التحلل واشتراط الطواف قبل الغروب؟.
- وأما قول ابن المنذر: (وقد اختلف فيه عن الحسن البصري، وعطاء، والثوري)
(3)
، فهذا لايمكن أن يبنى عليه شيء؛ لأنه ذكر ستة أقوال ليس في شيء منها عمل بظاهر حديث أم سلمة، وأقرب مذكور لقوله:(اختلف فيه) هو قول عروة، وسبق بيانه.
- وأقوى مايمكن أن يكون سلفاً لهذا القول -ولم يذكره الألباني ولا الأثيوبي-، هي ترجمة ابن خزيمة (ت 311) لحديث أم سلمة بقوله:(باب النهي عن الطيب واللباس إذا أمسى الحاج يوم النحر قبل أن يفيض، وكل ما زجر الحاج عنه قبل رمي الجمرة يوم النحر)
(4)
، ولم أقف على من نسب إليه هذا الرأي قبل بعض المعاصرين
(5)
.
- والظاهر أن ابن خزيمة لم يجزم بالقول بظاهر الحديث، وإنما ترجم لظاهر معنى الحديث ومافيه من النهي، ويدل على عدم جزمه بظاهره= قوله قبل ذلك: «فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا بالبيت صرتم
(1)
فتاوى ابن باز (25/ 236).
(2)
الإشراف (3/ 361).
(3)
المرجع السابق.
(4)
صحيح ابن خزيمة (4/ 312).
(5)
انظر: دراسة لحديث أم سلمة في الحج للكثيري ص (8)، فقد نسبه عبدالله السعد في مقدمته إلى ابن خزيمة، وذكره الكثيري كما في ص (86) وأنه ممن قال بمقتضى حديث أم سلمة، وذكر أنه بوب عليه بما ذكرت.
كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة» وهذا لفظ خبر أم سلمة، وخبر عكاشة مثله في المعنى، فإذا حُكم لهذا الخبر على ظاهره دل على خلاف قول عروة الذي ذكرته)
(1)
، وأصرح منه في اختياره قوله قبل ذلك:(باب إباحة التطيب يوم النحر بعد الحلق وقبل زيارة البيت، ضد قول من زعم أن التطيب محظور حتى يزور البيت)
(2)
، وهو عام في الرد على قول عروة في المنع من الطيب قبل الطواف، وعلى ظاهر حديث أم سلمة في الإباحة المشروطة.
- ولذلك لم أقف على من نسب إليه القول بظاهر خبر أم سلمة من السابقين، ويبعد أن يكون ذلك خفي على البيهقي، والنووي، والمحب الطبري، وابن كثير، والبُلقيني، بل كلهم قطعوا بعدم معرفتهم من قال به وأن الإجماع قائم على خلاف ظاهره، والنووي خاصة له عناية بأقواله ويعده من أصحابهم
(3)
، حتى الألباني لم يتجاسر على نسبته لابن خزيمة مع عنايته بصحيحه.
- وأما قول الألباني: (حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - أجلّ من أن يستشهد عليه بعمل الفقهاء به، فإنه أصل مستقل حاكم غير محكوم)، فإنه شعار جليل لا يخالفه أئمة الدين الذين خالفهم، لكن هذا فرع عن ثبوته، ومن أثبته فقد حكم عليه بالنسخ ونحوه، فلا يرد عليه هذا الكلام، وسيأتي زيادة بيان عند أدلة القول الآخر -بإذن الله-.
(1)
صحيح ابن خزيمة (4/ 303).
(2)
صحيح ابن خزيمة (4/ 301).
(3)
فتجده يذكر قوله مع قول الإمام أحمد فيقول كما في المجموع (2/ 263): (وهو قول ابن خزيمة من أصحابنا وهو مذهب أحمد ابن حنبل)، وتجده يحتفي ويشيد بفقهه فيقول (4/ 184):(هذا الثالث قول اثنين من كبار أصحابنا المتمكنين في الفقه والحديث وهما أبو بكر ابن خزيمة وابن المنذر)، وغير ذلك من الأمثلة على عنايته بفقهه.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بعودة الحاج محرماً بعد حله إذا لم يطف قبل الغروب يوم النحر:
استدل أصحاب هذا الرأي:
1/ بحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مساء يوم النحر فصار إلي، ودخل علي وهب بن زمعة ومعه رجل من آل أبي أمية متقمّصين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب:«هل أفضت أبا عبد الله؟» قال: لا والله، يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم:«انزع عنك القميص» قال: فنزعه من رأسه ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولمَ يا رسول الله؟ قال: «إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلو» - يعني من كل ما حرمتم منه إلا النساء -، «فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به»
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد (26530)، ومن طريقه أبو داود (1999)، وأخرجه ابن خزيمة (2958)، والحاكم (1800)، والبيهقي في الكبرى (9601)، ومداره عند جميعهم على محمد بن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، وعن أمه زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة، يحدثانه ذلك جميعاً عنها به، وهذا الحديث مداره على محمد بن إسحاق وقد سبق الكلام عن حديثه، وخلاصة حاله ماقال الذهبي في السير (7/ 41):(فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الأحكام، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكراً، هذا الذي عندي في حاله) انتهى، وروايته هنا عن أبي عبيدة بن عبدالله بن زمعة وفيه جهالة، روى له مسلم في موضع واحد متابعة، وضعف ابن حزم الحديث بسببه كما في المحلى (5/ 141):(لايصح؛ لأن أبا عبيدة وإن كان مشهور الشرف والجلالة في الرياسة فليس معروفاً بنقل الحديث، ولا معروفاً بالحفظ)، والحديث سكت عنه أبوداود والبيهقي، وصححه ابن خزيمة والحاكم بإخراجهما له، وكل من قال بنسخه فهو يثبته أو يحتمل ثبوته؛ ولم أقف على من ضعفه من السابقين إلا ابن حزم، وقال العيني في عمدة القاري (10/ 69):(حديث أم سلمة هذا شاذ)، وضعفه جمع من المعاصرين كابن باز وابن عثيمين، ومحققي المسند، وصاحب رسالة "دراسة حديثية لحديث أم سلمة في الحج" بتقديم الوادعي والسعد وقد أثنيا على رسالته، ووافقه أبو عمرو ياسر بن محمد في "بحوث حديثية في كتاب الحج" ص (132)، ود. الصبيحي في "مشكل المناسك" ص (46).
وعند أحمد: (قال أبو عبيدة: وحدثتني أم قيس ابنة محصن، وكانت جارة لهم، قالت: خرج من عندي عُكّاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمّصين عشية يوم النحر، ثم رجعوا إلي عشاء، قمصهم على أيديهم، يحملونها. قالت: فقلت: أيْ عُكّاشة، ما لكم خرجتم متقمصين، ثم رجعتم وقُمُصكم على أيديكم تحملونها؟ فقال: خيراً يا أم قيس كان هذا يوماً قد رخص لنا فيه إذا نحن رمينا الجمرة حللنا من كل ما حرمنا منه إلا ما كان من النساء حتى نطوف بالبيت، فإذا أمسينا ولم نطف به صرنا حرماً كهيئتنا قبل أن نرمي الجمرة حتى نطوف به، فأمسينا ولم نطف، فجعلنا قُمصنا كما ترين)
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد (26531) والبيهقي (9601) وفيه: (وإذا أمسينا ولم نطف جعلنا قمصنا على أيدينا)، أخرجاه بنفس الطريق الطريق الأولى عن محمد بن إسحاق به، وأخرجه الطبراني في الكبرى (18/ 23) عن ابن إسحاق أيضاً، وأشار إليه ابن خزيمة (4/ 303) بقوله:(هذا لفظ خبر أم سلمة، وخبر عكاشة مثله في المعنى)، ولابن إسحاق في خبر عُكّاشة متابعة مدارها على ابن لهيعة وهو سيء الحفظ وفي إسنادها ومتنها اضطراب، كما عند الطحاوي في شرح معاني الآثار من طريقين، الأولى:(4025) قال: حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا ابن أبي مريم قال: أنا عبد الله بن لهيعة قال: ثنا أبو الأسود، عن عروة، عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة بن وهب، أن عكاشة بن وهب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، [وأخًا له] آخر، جاءاها حين غابت الشمس يوم النحر فألقيا [قميصهما] فقالت: مالكما؟ فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يكن أفاض من هنا فليلق ثيابه» وكانوا تطيبوا ولبسوا الثياب، والثانية:(4026) قال حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أم قيس بنت محصن، قالت: دخل علي عكاشة بن محصن وآخر في منى مساء يوم الأضحى فنزعا ثيابهما، وتركا الطيب. فقلت: مالكما؟ فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: «من لم يفض إلى البيت من عشية هذه، فليدع الثياب والطيب» ، والرواية الأولى عن ابن لهيعة لا تدل على معنى حديث أم سلمة بل هي موافقة لمذهب عروة في اشتراط الطواف للتحلل كما فهم ذلك الطحاوي بقوله:(ذهب إلى هذا قوم فقالوا: لا يحل اللباس والطيب لأحد، حتى يحل له النساء وذلك حين يطوف طواف الزيارة).
وجه الاستدلال:
أن الحديث (صريح في أن المحرم إنما يحلّ له كلّ شيء برمي جمرة العقبة، بشرط أن يطوف بالبيت يوم النحر، قبل أن يمسي، وإلا فقد عاد كما هو حتى يطوف)
(1)
.
ونوقش الاستدلال بأمور:
- أن الحديث ضعيف، و (لا يمكن أن يقال: إنه حديث صحيح)
(2)
، وذلك للآتي:
- تفرّد من لايحتمل منه التفرّد بمثل ذلك وهو محمد بن إسحاق و أبو عبيدة بن عبدالله بن زمعة؛ ولم يتابع ابن إسحاق إلا ابن لهيعة وهو سيء الحفظ مع اضطراب في الرواية، وابن إسحاق كما قال الإمام أحمد:(أما في المغازى وأشباهه فيكتب، وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا -ومد يده وضم أصابعه-)
(3)
، وأبوعبيدة فيه جهالة، وأحاديثه تدل على قلة ضبطه
(4)
، وتوضيح ذلك:
- أن أبا عبيدة غير مكثر وله خمسة أحاديث فقط، أحدها في إسناده
(1)
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (26/ 78).
(2)
الشرح الممتع (7/ 342).
(3)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/ 193).
(4)
أبو عبيدة لم يوثقه أحد إلا الذهبي في الكاشف (2/ 441)؛ ولعله على طريقته في توثيق من لا يعرف بجرح ولاتعديل إذا خُرّج له في الصحيحين، ولكن هذا مشروط بعدم النكارة كما قال الذهبي في الميزان (3/ 426):(في رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم. والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح)، ولذلك قال فيه ابن حجر في التقريب ص (656):(مقبول)؛ يعني حيث توبع متابعة معتبرة. وانظر: دراسة حديثية لحديث أم سلمة ص (106 - 109).
متهم، وبقي أربعة توبع على أحدها عند مسلم، وبقي ثلاثة زاد في أحدها لفظة، والثاني خولف في لفظه، والثالث حديث الباب، (ولم يأت مايشهد له لا من الكتاب ولا من السنة ولا من أقوال الصحابة)
(1)
.
- (فإذا كان هذا سند الحديث لم يروه إلا من في روايتهم نظر ومقال، وأعرض عنه الأئمة
…
مع أنه في أمر تعم البلوى به، وتتوافر الدواعي على نقله، كان ذلك دليلاً على أنه لا أصل له)
(2)
- يقوي ذلك= مخالفته لقول الله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}
(3)
، فجعل نهاية تحريم الصيد هو التحلل، فإذا حصل فلا ينقض مرة أخرى، إلا بفرض للحج أو العمرة
(4)
.
- كما قال الله: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ}
(5)
، ففيها دلالة على أن الإحرام يكون بالفرض دون غيره، و (الأصول الشرعية والقواعد المرعية
…
مقتضاها أن العامل متى حل من العبادة لم يعد إليها إلا بنية جديدة)
(6)
.
- وفيه مخالفة للسنة المتواترة، فـ (إطلاقات الأحاديث الصحيحة
(1)
دراسة حديثية لحديث أم سلمة في الحج ص (122)، وقد درس أحاديث أبي عبيدة (10 - 122).
(2)
من فتوى مخطوطة لابن عثيمين منقولة في موقع الإسلام سؤال وجواب في فتوى رقم (36833).
(3)
من الآية (2) من سورة المائدة.
(4)
انظر مشكل المناسك ص (58).
(5)
من الآية (197) من سورة البقرة.
(6)
من فتوى مخطوطة لابن عثيمين منقولة في موقع الإسلام سؤال وجواب في فتوى رقم (36833)، وانظر: مشكل المناسك ص (59)، وقال في الشرح الممتع (7/ 342):(ولا يعود لكونه محرماً إلا إذا عقد إحراماً جديداً، أما مجرد عدم المبادرة بطواف الإفاضة، فإنه لا يمكن أن يكون سبباً لعود التحريم بلا نية).
المخرجة في الصحيحين وغيرهما صريحة في عدم تقييد الإحلال بزمن معين، فرجوع الحلال حراما بعدما حل
…
مستنكر غريب في النصوص)
(1)
، كما قال ابن كثير:(وهذا الحديث غريب جداً)
(2)
، فالأحاديث المتكاثرة كما قال الطحاوي:(أولى؛ لأن معها من التواتر وصحة المجيء، ما ليس مع غيرها مثله)
(3)
.
- وسبق حديث حفصة وعائشة المرفوعين في التحلل دون قيد، وخطب عمر بالناس:(إذا جئتم منى، فمن رمى الجمرة، فقد حل له ما حرم على الحاج. إلا النساء والطيب)، ونحوه عن عائشة وابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهم دون تقييد أو اشتراط.
- بل كان التأخير عندهم معتاداً كما سبق في بعض الآثار
(4)
، وهذا يوافق ماصحّ عن عائشة-رضي الله عنها:(أنها كانت إذا حجت، ومعها نساء تخاف أن يحضن، قدمتهن يوم النحر فأفضن)
(5)
، (ومفهوم هذا أن من كانت لا تخاف عليها الحيض لاتقدمها تطوف يوم النحر)
(6)
.
- وهكذا كان العمل عند السلف، حتى قال البيهقي والمحب الطبري وابن كثير وغيرهم عن حديث أم سلمة: (لا أعلم أحداً من الفقهاء
(1)
نفح العبير لابن مانع ص (41).
(2)
البداية والنهاية (7/ 621).
(3)
شرح معاني الآثار (2/ 228).
(4)
كقول محمد بن المنكدر: (لم يكن يفيض من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من كان منهم يكون معه امرأة)، وهكذا من بعدهم، قال ابن طاوس:(لم أعقل أني أفيض إلا ليلاً)، وروى أفلح بن حميد عن أبيه قال:(كنا مع أبي أيوب في نفر من الأنصار، ما زار منا أحد البيت حتى كان في النفر الآخر، إلا رجل كان معه من أهله فتعجل بهم).
(5)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 413) عن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة به، وهي آثار صحيحة كلها.
(6)
شرح عمدة الفقه للجبرين (2/ 718).
يقول بذلك)
(1)
، فالحديث عندهم غير محفوظ، ومن أثبته فإنه قال بنسخه (دل الإجماع على نسخه)
(2)
، و (أجمع العلماء على ترك العمل به)
(3)
.
- فأي انتقاص للسلف، ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا اعتُقد أنه يمكن إطباقهم على ترك سنة؟! و (ولو لم يكن في الأئمة من استعمل هذه السنن الصحيحة النافعة لكان وصمة على الأمة ترك مثل ذلك والأخذ بما ليس بمثله لا أثراً ولا رأياً)
(4)
.
والجواب عن تضعيف الحديث:
- بأن (ابن إسحاق من رجال البخاريّ، وأبو عبيدة روى عنه جماعة، وهو من رجال مسلم، والباقون لا يسأل عنهم، وابن إسحاق، وإن كان مدلّسًا، إلا أنه صرّح هنا بالتحديث، فزالت العلّة، فوجب القول به)
(5)
.
- وأبو عبيدة روى الحديث عن أبيه وأمه عن أم سلمة، ثم رواه عن جارتهم أم قيس عن عكّاشة، وهؤلاء قريبون منه فالغالب ضبط حديثهم، واختصاصه بالحديث عنهم ممكن، قال ابن القيم:(وهذا يدل على أن الحديث محفوظ؛ فإن أبا عبيدة رواه عن أبيه وعن أمه وعن أم قيس، وقد استشكله الناس)
(6)
.
(1)
انظر: السنن الكبرى (5/ 223)، القرى لقاصد أم القرى ص (472)، البداية والنهاية (7/ 621).
(2)
المجموع (8/ 234).
(3)
محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح ص (469)، وانظر: فتح المغيث (4/ 56).
(4)
مجموع الفتاوى (21/ 15).
(5)
ذخيرة العقبى (24/ 95).
(6)
حاشية السنن (5/ 335 - 336).
- ثم إن ابن إسحاق توبع على ذلك، وخاصة فيما أخبر به عن أم قيس عن عكّاشة، والمتابعة ليس فيها ابن إسحاق ولا أبو عبيدة، (ورجاله ثقات كلهم؛ لولا سوء حفظ ابن لهيعة، ولكن لا بأس به في الشواهد)
(1)
.
- ومما يدل على عدم نكارة المتن سكوت أبي داود والبيهقي، فهو صالح في اصطلاح أبي داود
(2)
، و صحيح عند البيهقي
(3)
، وغير خفي تصحيح ابن خزيمة والحاكم بإخراجه دون إعلال.
والجواب عن الجواب:
- أما كون ابن إسحاق من رجال البخاري، فإنه لم يحتج به وإنما علّق عنه
(4)
، ولو احتج به فإنه ينتقي من الحديث ويميز الخطأ فلا يخرجه، والكلام في ابن إسحاق مشهور، وليس الإعلال هنا بالتدليس حتى يُذكر التحديث.
- وأما أبوعبيدة فإن له في مسلم حديث واحد قد توبع فيه، وسبق الكلام على مروياته وأن خطأه أكثر من صوابه على قلة في روايته.
- وأما رواية أبي عبيدة عن أبيه وأمه وجارتهم أم قيس، وأن ذلك دليل حفظه، (ففيه نظر؛ لأن هذه الطرق مدارها على أبي عبيدة،
(1)
صحيح سنن أبي داود للألباني (6/ 242).
(2)
في رسالته إلى أهل مكة قال ص (27): (وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته
…
ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح).
(3)
قال البيهقي في دلائل النبوة (1/ 47): (وعادتي في كتبي المصنّفة في الأصول والفروع الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح).
(4)
قال ابن حجر في الفتح (1/ 458): (له في البخاري مواضع عديدة معلقة عنه وموضع واحد قال فيه قال إبراهيم بن سعد عن أبيه عن بن إسحاق فذكر حديثاً).
وهي من باب الاختلاف على الراوي، لا من باب المتابعات، وأبوعبيدة لاتحتمل حاله تفرده بهذه السنة إذا رواها بإسناد واحد، فكيف إذا اختُلف عليه، فإن هذا لايزيد الحديث إلا وهناً)
(1)
.
- والظاهر أن هذا الأثر مما استُنكر على أبي عبيدة ورُدّ عليه في زمنه، فحاول ردّ هذا الاستنكار بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخرج أحمد عن ابن إسحاق، قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أمه زينب ابنة أبي سلمة، وعن أبيه عبد الله بن زمعة، عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر معنى حديث ابن أبي عدي، قال أبو عبيدة:(أولا يشدّ لك هذا من الأثر إفاضة رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك قبل أن يمسي؟)
(2)
.
- وأما متابعة ابن لهيعة فإنها منكرة اجتمع فيها أربع علل: ضعف ابن لهيعة، وتفرده عن أبي الأسود، واضطرابه في سنده
(3)
، واضطرابه في متنه، (فاجتمع في الحديث أربع علل جعلته في مصاف الأحاديث الشديدة الضعف)
(4)
.
- أما سكوت أبي داود فإنه يدل على أنه صالح للاعتبار وليس للاحتجاج، قال ابن حجر: (فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة، ويقدمها على
(1)
دراسة حديثية لحديث أم سلمة ص (182).
(2)
أخرجه أحمد (26587) حدثنا يعقوب، قال: حدثني أبي، عن ابن إسحاق به.
(3)
قال ابن رجب في شرح العلل (1/ 424): (اختلاف الرجل الواحد في الإسناد: إن كان متهماً فإنه ينسب به إلى الكذب. وإن كان سيئ الحفظ ينسب به إلى الاضطراب وعدم الضبط، وإنما يحتمل مثل ذلك ممن كثر حديثه وقوي حفظه، كالزهري، وشعبة، ونحوهما).
(4)
دراسة حديثية لحديث أم سلمة ص (173).
القياس إن ثبت ذلك عنه)
(1)
.
- وأما سكوت البيهقي فهي قرينة على ثبوته عنده لكنها ليست حجة على من أعلّه، وقد تُعقب بأحاديث سكت عليها، وكذلك سكوت ابن خزيمة والحاكم رحمهم الله، فيبقى الثبوت أوالإعلال اجتهادياً، أما نفي العمل به فإجماع، كما سبق بيانه.
- مع أن البيهقي أشار إلى أن في حديث أم سلمة متن مستقيم توبعت عليه، ومتن غير مستقيم لم تتابع عليه بقوله عن حديث عائشة:«طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يفيض بأطيب ما وجدت» رواه مسلم
…
وقد رويت تلك اللفظة في حديث أم سلمة مع حكم آخر لا أعلم أحدا من الفقهاء يقول بذلك)
(2)
.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بعودة الحاج محرماً بعد تحلله إذا لم يطف إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته الإجماع الصحيح، و لا يصح تقرير هذا القول عن أحد قبل الألباني والإثيوبي؛ (وكفى خطأ بقوله خروجه عن أقوال أهل العلم، لو لم يكن على خطئه دلالة سواه، فكيف وظاهر التنزيل ينبئ عن فساده)
(3)
؟ كيف والسنة المتواترة تنبئ عن خطأ في الرواية والدراية؟، مع مافيه من مخالفة للأصل والقاعدة ألا عمل إلا بنية وقصد، و (كل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ)
(4)
، والله أعلم.
(1)
النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 443).
(2)
السنن الكبرى (5/ 223).
(3)
هذه عبارة ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 721)، وهي ليست لهذه المسألة ولكنها مناسبة للسياق.
(4)
مجموع الفتاوى لابن تيمية (21/ 291).
(اعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خالياً في هذا الزمان عن منكر من حيث التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحملهم على المعروف، فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد فكيف في القرى والبوادي).
الغزالي رحمه الله إحياء علوم الدين (2/ 342)
المبحث الرابع: عدم وجوب الفدية في فعل المحظور أو ترك الواجب إلا في حلق الرأس و الوطء قبل التحلل
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
يقول ابن الملقن في الإعلام (1/ 654): (فاحذر التقليد في النقول فإنه مذموم). قال ابن نجيم في البحر الرائق (6/ 201): (وقد يقع كثيرا أن مؤلفا يذكر شيئا خطأ في كتابه فيأتي من بعده من المشايخ فينقلون تلك العبارة من غير تغيير ولا تنبيه فيكثر الناقلون لها وأصلها لواحد مخطئ).
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الفدية في اللغة: جمعها فِدى، وتطلق على العدل و البدل (والفِدية والفَدى والفِداءُ، كلُّه بمعنى)
(1)
، و (المفاداة أن تدفع رجلاً وتأخذ رجلاً، والفداء أن تشتريه)
(2)
، (وقيل: هما واحد)
(3)
، وفي التنزيل:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
(4)
، {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ}
(5)
، وفي آيات الحج قال الله:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
(6)
، يعني: إذا حلق رأسه فعليه الفدية، وهي المراد عند الإطلاق في محظورات الحج
(7)
.
والفدية في الاصطلاح العام: (البدل الذي يتخلص به المكلف عن مكروه توجه إليه)
(8)
، وهي في الحج:(ما يجب بسبب الإحرام أو الحرم)
(9)
؛ فالتي بسبب الإحرام كدم تمتع، أوترك واجب، أو فعل
(1)
الصحاح (6/ 2453)، وقال:(والفَداءُ بالفتح: الأنبار، وهو جماعة الطعام من البر والتمر والشعير)، وينظر: العين (8/ 82)، تهذيب اللغة (2/ 124).
(2)
تهذيب اللغة (14/ 140)، لسان العرب (15/ 149).
(3)
تاج العروس (39/ 222).
(4)
الآية (107) من سورة الصافات.
(5)
من الآية (85) من سورة البقرة.
(6)
من الآية (96) من سورة البقرة.
(7)
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (2/ 181) في كفارات محظورات الإحرام: (الفدية حيث أطلقت فالمراد الفدية المخيرة التي نص عليها القرآن).
(8)
التعريفات للجرجاني ص (165).
(9)
دليل الطالب ص (105)، قال: (وهي قسمان: قسم على التخيير، وقسم على الترتيب، فقسم التخيير: كفدية اللبس والطيب وتغطية الرأس
…
ومن التخيير جزاء الصيد يخير فيه بين المثل من النعم، أو تقويم المثل بمحل التلف ويشتري بقيمته طعاما
…
وقسم الترتيب كدم المتعة والقران وترك الواجب والإحصار والوطء ونحوه فيجب على متمتع وقارن وتارك واجب دم فإن عدمه أو ثمنه صام ثلاثة أيام في الحج
…
وسبعة إذا رجع إلى أهله)، وذكر في شرح حدود ابن عرفة ص (110) أن موجب الفدية:(فعل ممنوع غير مفسد سهواً أو جهلَا أو اضطراراً أو مختاراً).
محظور أو إحصار، والتي بسبب الحرم المكي كالواجب في صيده
(1)
، وسبق الإشارة أن الفدية عند الإطلاق هي فدية التخيير في فعل المحظور، أما ترك الواجب فيقال: فيه دم كما قال ابن عباس، وفي العنوان تغليب.
وليس من مسألتنا وجوب الهدي على المحصر و المتمتع، الذي بينه الله بقوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
…
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
(2)
؛ لأن المقصود في البحث مايكون به مع انتفاء العذر=الإثم، فـ (الفدية والجزاء في النسك، إنما هو عوض من تقصير في واجب، وتضييع للازم قد فات وقت عمله، وحرج بتضييعه، وأثم بتقصيره فيه)
(3)
.
وليس من مسألتنا جزاء الصيد {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}
(4)
؛ فتحريم الصيد متعلق بالحرم أيضاً، وليس كبقية المحظورات المتعلقة بالبدن وبالإحرام فقط، ولا أعلم بين المعاصرين خلافاً في الأمور الثلاثة المذكورة (هدي التمتع، والإحصار، وجزاء الصيد)، إضافة إلى ما استثني في العنوان وهي فدية حلق الرأس والجماع، فهذه خمسة فروع يقول المعاصرون فيها بالفدية.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
…
(أجمعوا على أن المحرم ممنوع من: الجماع، وقتل الصيد، والطيب، وبعض اللباس
(5)
،
(1)
انظر: نيل المآرب (1/ 298).
(2)
من الآية (196) من سورة البقرة، وهما من الأحكام المتفق عليهما وخالف مالك في هدي المحصر فلم يوجبه، وإن كان معه هدي ذبحه حيث حل. انظر: بداية المجتهد (2/ 120 - 132).
(3)
تهذيب الآثار للطبري-مسند ابن عباس (1/ 228).
(4)
من الآية (95) من سورة المائدة.
(5)
قال ابن المنذر ص (53): (وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من: لبس القميص، والعمامة، والسراويل، والخفاف، والبرانس، وأجمعوا على أن للمرأة المحرمة: لبس القميص، والدّروع، والسراويل، والخمر، والخفاف).
وأخذ الشعر
(1)
، وتقليم الأظفار
(2)
…
وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من تخمير رأسه)
(3)
.
2.
…
(وأجمعوا على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء من ذلك في حال الإحرام، إلا الجماع)
(4)
، وهو (مفسد قبل الوقوف، موجب للقضاء والهدي إجماعاً)
(5)
.
(1)
قال ابن تيمية في شرح العمدة-كتاب الحج (2/ 7): (ذلك إجماع سابق. قال أحمد - في رواية حبيش بن سندي-: شعر الرأس واللحية والإبط سواء لا أعلم أحدا فرق بينهما)، وخالف داود في غير الرأس كما قال ابن عبدالبر في الاستذكار (4/ 358): (وجمهور العلماء يوجبون الفدية على المحرم إذا حلق شعر جسده، أو اطلى، أو حلق موضع المحاجم
…
وقال داود: لا شيء عليه في حلق شعر جسده) انتهى، وتبعه ابن حزم.
(2)
وخالف ابن حزم فقال كما في المحلى (5/ 278): (وجائز للمحرم
…
قص أظفاره وشاربه، ونتف إبطه، والتنور، ولا حرج في شيء من ذلك، ولا شيء عليه فيه؛ لأنه لم يأت في منعه من كل ما ذكرنا قرآن، ولا سنة، ومدعي الإجماع في شيء من ذلك: كاذب
…
ومن أوجب في ذلك غرامة فقد أوجب شرعاً في الدين لم يأذن به الله تعالى) انتهى، وبعض الظفر المؤذي ليس فيه شيء بإجماع، قال ابن المنذر ص (52):(وأجمعوا على أن له أن يزيل عن نفسه ما كان منكسرًا منه)، وهذا مما شغب به ابن حزم على العلماء لما ورد عن ابن عباس أنه قال:(لا بأس على المحرم إذا انكسر ظفره أن يطرحه عنه)، فعمم القول به ولو أزال كل أظفاره! مع أن العلماء يستثنونه، كما قال ابن قدامة في المغني (3/ 296):(فإن انكسر، فله إزالته من غير فدية تلزمه)، وكما سبق عن ابن المنذر.
(3)
الإجماع لابن المنذر ص (52 - 53).
(4)
الإشراف لابن المنذر (3/ 300)، ولما ذكر ابن حزم في المراتب ص (43) الإجماع على أمور من محظورات الإحرام وهي اللباس والطيب والتغطية، قال:(واتفقوا أنه من فعل من كل ما ذكرنا أنه يجتنبه في إحرامه شيئاً -عامداً أو ناسياً- أنه لا يبطل حجه ولا إحرامه) انتهى، وتعقبه ابن تيمية في نقد المراتب ص (292) بقوله:(وقد اختار في كتابه ضد هذا، وأنكر على من ادعى هذا الإجماع الذي حكاه هنا)، ثم ذكر كلاماً له على بطلان الحج بأي معصية، وسيأتي.
(5)
جامع الأمهات ص (202)، وقال ابن عبدالبر في الاستذكار (4/ 258):(وأجمعوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه)، وخالف الشوكاني فلم يفسد الحج ولم يوجب الفدية، وأما قول ابن المنذر في الإجماع ص (52):(وأجمعوا على أن من جامع عامدًا في حجه قبل وقوفه بعرفه أن عليه حجّ قابل والهدي، وانفرد عطاء وقتادة) انتهى، فقد ذكر قول عطاء وقتادة في الإشراف (3/ 202) غير مسند، وأقرب شيء إلى ما ذكر: هو ما روى ابن أبي شيبة (14814) حدثنا غندر، عن شعبة، عن قتادة، أنه سئل عن رجل أهل بعمرة، ثم غشي امرأته قبل أن يصل إلى البيت، أنه قال:(يرجعان إلى حدهما فيهلان بعمرة، ويتفرقان حتى يقضيا العمرة، وعليهما هديان)، وأثر عطاء (14815) قال: حدثنا عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن، وعطاء، قالا:(عليه أن يرجع إلى الوقت، فيهل بعمرة ويهريق دماً)، وهما في العمرة كما هو ظاهر، وفيهما إفساد لها واستئناف للإحرام، وقد صح عن عطاء في الحج أنه قال:(لا يفسد الحج حتى يلتقي الختانان، فإذا التقى الختانان فسد الحج، ووجب الغرم) أخرجه ابن أبي شيبة (12737) قال: حدثنا حفص، عن ابن جريج، عن عطاء به.
3.
…
وحلق الرأس كذلك مما (أجمعوا على وجوب الفدية على من حلق، وهو مُحرِم)
(1)
، لكنه لايفسد الحج
(2)
، وبقية المحظورات مقيسة على الرأس في لزوم الفدية.
4.
وقد (اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتكب الحاج أو المعتمر محظوراً من محظورات الحج أو العمرة فعليه فدية أو كفارة حسب المحظور الذي ارتكبه)
(3)
.
(1)
الإجماع لابن المنذر ص (52).
(2)
ابن حزم يفسد الحج به من غير ضرورة؛ لأنه معصية، ويجوز عنده ما سوى الحلق كالقطع والنتف! قال في المحلى (5/ 227 - 228):(إن حلق رأسه لغير ضرورة، أو حلق بعض رأسه دون بعض عامداً عالماً أن ذلك لا يجوز بطل حجه، فلو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى به حالقاً بعض رأسه فلا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة بأي وجه قطعه، أو نزعه)، وقال معللاً (5/ 231):(لأن الله تعالى لم ينه المحرم إلا عن حلق رأسه، ونهى جملة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عن حلق بعض الرأس دون بعض وهو القزع).
(3)
الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 72 - 73)، وفي بداية المجتهد (2/ 129):(وأما فدية الأذى فمجمع أيضاً عليها)، ثم قال (2/ 130):(الجمهور على أن كل ما منعه المحرم من لباس الثياب المخيطة وحلق الرأس وقص الأظفار، أنه إذا استباحه فعليه الفدية، أي: دم على اختلاف بينهم في ذلك، أو إطعام. ولم يفرقوا بين الضرر وغيره في هذه الأشياء. وكذلك استعمال الطيب. وقال قوم: ليس في قص الأظفار شيء)، والظاهر أنه يقصد الظاهرية كما سبق عنهم ولم يذكر خلافاً عن غيرهم في ذلك، ولذلك قال (2/ 136):(وأهل الظاهر لا يوجبون الفدية إلا في المنصوص عليه)، وفي مقال بعنوان:"الفدية في فعل المحظور وتخصيصها بالمنصوص فقط" لصالح العميريني، قال:(السلف على هذا القول، ولم أجد من يخالف في قياس المحظورات بحلق الرأس المنصوص عليه، وإلزام الفدية فيها).
5.
و (لا خلاف بين الفقهاء في أن: من ترك واجباً من واجبات الحج كالإحرام من الميقات، ورمي الجمار كلها أو بعضها، ولم يتمكن من الإتيان به، يجب عليه الجبر بالدم، ولا يجبر بالدم إلا ما كان واجباً)
(1)
.
6.
…
(وأهل الظاهر لا يوجبون الفدية إلا في المنصوص عليه)
(2)
، لكنهم يبطلون الحج في تعمد أي معصية
(3)
، وذهب بعض المعاصرين إلى تصحيح حج من فعل المحظور أو ترك الواجب، ولا تجب الفدية عندهم إلا فيما نُص عليه، وحُكم على رأيهم بالشذوذ، وهذا هو المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 103).
(2)
بداية المجتهد (2/ 136).
(3)
قال في المحلى (5/ 197): (وكل من تعمد معصية، أيّ معصيةٍ كانت -وهو ذاكر لحجه مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة - فقد بطل حجه)، وسيأتي بعض النصوص الأخرى عنه في سبب الخلاف.
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
الألباني (ت 1420)
(1)
، ومقبل الوادعي (ت 1422)
(2)
، وغيرهما
(3)
.
(1)
قال في سلسلة الهدى والنور الشريط رقم (384) عند الدقيقة (3: 50): (أثر ابن عباس هذا لسنا مكلفين بالعمل به)، وفي الدقيقة (11: 27) قال: (الكفارة التي نعلمها إما أن تكون على باب الشكر لله عز وجل كمثل حج المتعة؛ أو أن يكون كفارة لشيء يضطر أن يقع فيه الإنسان ذلك كمثل حلق الرأس حينما يجد ضرورة لحلقه، أو الرجل الذي أحصر ولم يستطع أن يستمر في حجته أو عمرته فكفارة هذا الإخلال أو ذاك هو أن يذبح، أن يقدم هدياً أو فدياً
…
فعلى كل حال حديث ابن عباس موقوف، لم نجد في الصحابة ما يؤيده، فنحن في حل منه)، وفي الشريط (375) عند الدقيقة (52) سئل عن إيجاب الدم على الحاج إذا ترك واجباً فقال:(لا، لا نرى ذلك؛ لحديث الأعرابي الذي أحرم في جبته فأمره عليه السلام بأن يخلعها وأن يصنع في عمرته ما يصنع في حجته ولم يأمره بدم، فلذلك فلا نقول بأثر ابن عباس ولسنا ملزمين به)، وعند الدقيقة (57: 20) سئل عن العسكري إذا أحرم بلبسه العسكري وهل عليه فدية، فقال:(حجه جائز ولكن إن كان مختاراً فهو آثم، وإلا فلا إثم عليه).
(2)
قال في فتوى من الأسئلة الجزائرية وهي موجودة في موقعه صوتية ومفرغة: (الدماء ما يلزم به الحاج إلا بدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مثل: دم جزاء الصيد، ودم التمتع، ودم الاحصار، وهكذا الجماع
…
، وكذلك:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، وإن لم نستوعب فنحن لا نلزم الناس إلا بدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-،
…
المهم أن الأصل براءة الذمة حتى يأتي دليل من الكتاب والسنة أن لهذا دم. مداخلة: وإن تجاوز الميقات يلزم بالرجوع إلى الميقات؟ الشيخ: هو إن كان جاهلاً؛ فالذي يظهر أنه يُعذر وإن رجع فهو أحوط، وإن لم يرجع فإن شاء الله الحج صحيح).
(3)
انظر: رسالة "افعل ولاحرج" الملحقة بشرح كتاب الحج من البلوغ للعودة ص (418)، قال: (ومن التيسير: عدم إرهاق الحجيج بكثرة الدماء
…
بناءً على أثر ابن عباس
…
وهو أثر صحيح ولكنه فتوى واجتهاد
…
في فعل المحظور ورد حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه في الإذن بحلق الرأس مع الفدية. ولم يثبت في السنة خبر بإيجاب الدم لترك الواجب، ولذا فإن القول بعدم وجوب الدم عند ترك واجب من واجبات الحج والعمرة هو الأقرب -فيما يظهر لي- والله أعلم)، وكتاب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم للطريفي ص (107)، قال:(خلاصة ذلك: أن لادم على المحرم إلا فيما دل عليه الدليل، كدم التمتع والقران، والإحصار، وحلق الرأس، وجزاء الصيد، والجماع).
وأشار إلى ذلك من المتأخرين قبلهم الصنعاني (ت 1282)
(1)
.
وقرره الشوكاني (ت 1250)، ولعله أول من قرر هذا الرأي، وزاد عليه: بأن من جامع متعمداً فلا يجب عليه دم ولا يفسد حجه
(2)
، ولا تجب الفدية في المحظورات إلا في حلق الرأس
(3)
، وقرّر في المحظورات: عدم المنع من المخيط إلا ما نُص عليه فقط
(4)
، أما الواجبات فكل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج واجبة عنده
(5)
، ولا يجب في ترك شيء منها دم
(6)
.
(1)
قال في حاشية الإحكام (3/ 581): (إيجاب الدم في هذه الأفعال والتروك في الحج لم يأت به نص نبوي
…
فالعجب إطباق المفرعين على إيجاب الدم في محلات كثيرة والدليل كلام ابن عباس).
(2)
قال في السيل ص (342): (غايته أن فاعله إذا تعمد أثم
…
وإذا عرفت أنه لا دليل على أن الجماع عمداً مبطل للحج، فكيف يبطل الجماع سهواً أو جهلاً؟)، وقال في النيل (5/ 21):(واعلم أنه ليس في الباب من المرفوع ما تقوم به الحجة والموقوف ليس بحجة؛ فمن لم يقبل المرسل ولا رأى حجية أقوال الصحابة، فهو في سعة عن التزام هذه الأحكام، وله في ذلك سلف صالح كداود الظاهري)، وتابعه صدّيق حسن خان فقال في الروضة الندية (2/ 76):(فمن وطئ قبل الوقوف أو بعده، قبل الرمي أو قبل طواف الزيارة، فهو عاصٍ يستحق العقوبة، وتغفر له بالتوبة، ولا يبطل حجه، ولا يلزمه شيء، ومن زعم غير هذا؛ فعليه الدليل المرضي).
(3)
قال في السيل ص (317): (لم يرد في هذه المذكورات ما يدل على لزوم الفدية، والأصل البراءة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح، وقد ورد القرآن الكريم بلزوم الفدية للمريض ومن به أذى من رأسه إذا حلق رأسه كما يفيده أول الآية، فيقتصر على ذلك، والتشبث بالقياس غير صحيح).
(4)
قال في السيل ص (315): (إن ورد ما يدل على تحريم لبس المخيط على العموم فذاك، ولكنه لم يرد فينبغي التوقف على المنع مما سماه النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
قال في السيل ص (307): (الحج الذي فرضه الله سبحانه في كتابه على عبادة هو مجموع ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم معلما لأمته ومن ادعى ان شيئا مما فعله غير واجب احتاج إلى الدليل)، وقال ص (311):(أفعاله وأقواله في الحج محمولة على الوجوب لأنها بيان لمجمل القرآن وامتثال لأمره صلى الله عليه وسلم لأمته ان يأخذوا عنه مناسكهم؛ فمن ادعى في شيء منها أنه غير واجب فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل).
(6)
قال في وبل الغمام (1/ 562 - 563): (قد عرفناك غير مرة أن الظاهر في جميع ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم من أفعال الحج المقصودة لذاتها أنها متساوية الأقدام، ليس بعضها أولى بالوجوب من بعض
…
وأما كون هذا يجبره بدم وهذا لايجبره دم، فما أحوجه إلى دليل، وليس هاهنا مايفيد ذلك). وانظر: اختيارات الشوكاني للخلاقي ص (466).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع المحكي، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه، وقد نص على شذوذه أو شذوذ بعض مسائله:
- ابن بطال (ت 449) بقوله في "باب فرض مواقيت الحج والعمرة": (وهذا الباب رد على عطاء والنخعي والحسن، فإنهم زعموا أنه لا شيء على من ترك الميقات ولم يُحْرم وهو يريد الحج والعمرة، وهذا شذوذ من القول)
(1)
.
- والماوردي (ت 450) بقوله: (وهو قول الجماعة إلا الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، فإنهما قالا: الإحرام من الميقات مستحب وليس بواجب، ومن تركه فلا شيء عليه، وهذا مذهب شاذ واضح الفساد)
(2)
.
- وابن عبدالبر (463) بقوله: (في هذه المسألة أقاويل أيضاً غير هذه، أحدها: أنه لا شيء على من ترك الميقات، هذا قول عطاء والنخعي، وقول آخر أنه لا بد له أن يرجع إلى الميقات إذا تركه، فإن لم يرجع حتى قضى حجه فلا حج له، هذا قول سعيد بن جبير، وقول آخر وهو أن يرجع إلى الميقات كل من تركه فإن لم يفعل حتى تم حجه رجع إلى الميقات وأهل منه بعمرة، روي هذا
(1)
شرح صحيح البخاري (4/ 192).
(2)
الحاوي الكبير (4/ 72).
عن الحسن البصري، فهذه الأقاويل الثلاثة شذوذ ضعيفة عند فقهاء الأمصار)
(1)
.
- وقال ابن رشد (ت 595): (وقال أبو محمد بن حزم: يقص المحرم أظفاره وشاربه. وهو شذوذ، وعنده أن لا فدية إلا من حلق الرأس فقط للعذر الذي ورد فيه النص)
(2)
، ولبعض المعاصرين عبارات تفيد شذوذه
(3)
.
(1)
التمهيد (15/ 149 - 150).
(2)
بداية المجتهد (2/ 131).
(3)
ينظر: شرح زاد المستقنع-الدورة العلمية الثانية للدكتور أحمد الخليل، الدرس (9)، عند الدقيقة (47: 48)، شرح عمدة الفقه - كتاب الحج للدكتور عبدالله السلمي، الدرس (18) عند الدقيقة (39: 43) و (41: 39).
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بوجوب الفدية في فعل المحظور أو ترك الواجب: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
(1)
، {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ}
(2)
، وقوله:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}
(3)
.
وجه الاستدلال:
- من (قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
…
{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} ؛ وذلك أن العبد إذا أحرم بحج أو عمرة، فقد أوجب ذلك على نفسه، بمنزلة من أوجب على نفسه نذراً؛ ولهذا قال تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، فسماها نذوراً بجامع إيجاب الإنسان ذلك على نفسه)
(4)
.
- وأركان الحج لا يتم الحج إلا بها، وواجباتها يجب الوفاء بها كما يجب الوفاء بالنذر، وإلا فيجبر كل فائت بالبدل كما يجب بفوات النذر بدل، وهي واجبات متعددة، ونذور متحققة بإحرامه، وليست
(1)
من الآية (196) من سورة البقرة.
(2)
من الآية (197) من سورة البقرة.
(3)
من الآية (29) من سورة الحج.
(4)
مجموع الفوائد واقتناص الأوابد للسعدي- ضمن مجموع مؤلفاته (21/ 144)، وكان سياق كلام الشيخ على عدم جواز قطع النسك ولو كان نافلة، واقتنصه بعض من كتب في المسألة على الشبكة واستدل به في مسألتنا.
نذراً واحداً {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (أي: أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم بإحرامهم بالحج) كما قال القرطبي
(1)
.
- وآية الإحصار (تدل على وجوب الهدي على من لم يتمكن من إتمام حجه وعمرته بسبب الإحصار، ولم يرد فيها تحديد نوع النسك الذي يجب لتركه دم، بل هي عامة لجميع أنواع المناسك التي أوجبها الله على خلقه، فعلى من لم يفعلها بسبب الإحصار دم؛ لأنه لم يتم حجه، ولذا فإن ذكر الإحصار دون غيره يمكن حمله على أنه من باب التمثيل لا الحصر؛ لأنه أول مانع صد المسلمين عن إكمال مناسكهم)
(2)
.
- وإذا كان الحاج (لو فوَّت نفس الحج لزمه القضاء والكفارة، فكذلك إذا فوت بعض واجباته التي يمكن قضاؤها: يجب أن تجب فيه الكفارة إلحاقاً لأجزاء العبادة بأصلها، فإنه من أجلى الأقيسة) كما قال ابن تيمية
(3)
.
- ولذلك قال ابن قدامة: (وإن كان ما حصر عنه ليس من أركان الحج، كالرمي، وطواف الوداع، والمبيت بمزدلفة أو بمنى في
(1)
تفسير القرطبي (19/ 128).
(2)
"حتى لا يقع الحرج" للدكتور الصبيحي ص (89 - 90)، وذكر عن جمهور العلماء أن الإحصار على ثلاثة أقسام: الأول: ما يقتضي تحللاً ويوجب دماً واحداً وهو الإحصار عن الوقوف بعرفة الذي يفوت وقته، فإذا فات الحج لايشرع له فعل بقية المناسك كالرمي والمبيت بمنى، ومالايشرع فلايجب بتركه دما، الثاني: ما لا يقتضي تحللاً ولا يوجب هدياً وهو طواف الإفاضة؛ لأنه ركن لا زمن لوقت أدائه، فيبقى في الذمة، الثالث: ما لا يقتضي تحللاً ويجب بتعدده تعدد الدماء، وهو الإحصار عن أداء الواجبات؛ لأنه يجب عليه فعل كل واحد منها ولا ينوب بعضها عن بعض، فلاينوب فداء بعضها عن بعض، كما لو تعدد فعل المحظور فإنه يجب لكل محظورٍ فداء مستقل.
(3)
شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (2/ 351).
لياليها، فليس له التحلل؛ لأن صحة الحج لا تقف على ذلك، ويكون عليه دم؛ لتركه ذلك، وحجه صحيح، كما لو تركه من غير حصر)
(1)
، أما (أهل الظاهر فإنهم لا يرون دماً إلا حيث ورد النص)
(2)
.
2/ ومن الأدلة قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
(3)
، مع قصة كعب رضي الله عنه لما آذته هوام رأسه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«فاحلق، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة»
(4)
.
وجه الاستدلال:
- أن (قوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} معطوف على قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ})
(5)
، وفيها (بيان لملازمة حالة الإحرام حتى ينحر الهدي، وإنما خص النهي عن الحلق دون غيره من منافيات الإحرام كالطيب تمهيداً لقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} ويعلم استمرار حكم الإحرام في البقية بدلالة القياس والسياق)
(6)
.
- وكما أن النهي عن حلق الرأس لا يختص به في المنع، فكذلك
(1)
المغني (3/ 329).
(2)
بداية المجتهد (2/ 136).
(3)
من الآية (196) من سورة البقرة، وأذى الرأس (كناية عن الوسخ الشديد والقمل، لكراهية التصريح بالقمل
…
ومن لطائف القرآن ترك التصريح بما هو مرذول من الألفاظ)، كما في التحرير والتنوير (2/ 224 - 225).
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري (4190)، ومسلم (1201).
(5)
تفسير ابن كثير (1/ 534).
(6)
التحرير والتنوير (2/ 224).
الفدية المترتبة على حلق الرأس لا تختص به، والأصل (هو القياس على الأصل السابق المنصوص عليه في الكتاب والسنة بخصوص الحلق، فقاس الفقهاء عليه سائر مسائل الفصل بجامع اشتراك الجميع في العلة وهي الترفه، أو الارتفاق)
(1)
، (وأهل الظاهر لا يوجبون الفدية إلا في المنصوص عليه)
(2)
؛ لإنكارهم القياس، فالنقاش معهم في الأصل
(3)
.
- 3/ ومن الأدلة-وهو أشهرها- قول ابن عباس-رضي الله عنهما: (من نسي من نسكه شيئاً، أو تركه فليهرق دماً)
(4)
، وقال تلميذه عطاء -إمام المناسك-
(5)
: (من نسي من النسك شيئاً، حتى رجع إلى أهله،
(1)
الموسوعة الفقهية الكويتية (2/ 182)، وفيها:(اختلفوا في بعض التفاصيل، في القدر الذي يوجب الفدية من المحظور، وفي تفاوت الجزاء بتفاوت الجناية، وذلك بسبب اختلاف أنظارهم في المقدار الذي يحصل به الترفه والارتفاق الذي هو علة وجوب الفدية)، و قال ابن عثيمين في تفسير سورة البقرة (2/ 407):(ألحق العلماء بفدية حلق الرأس فدية جميع محظورات الإحرام ما عدا شيئين؛ وهما الجماع في الحج قبل التحلل الأول، وجزاء الصيد؛ فالجماع في الحج قبل التحلل الأول يجب فيه بدنة؛ وجزاء الصيد يجب فيه مثله؛ أو إطعام مساكين؛ أو عدل ذلك صياماً).
(2)
بداية المجتهد (2/ 136).
(3)
كما ذكر ابن حزم وذكر لوازم غير لازمة وغير لائقة بفهم السلف، فقال في المحلى (5/ 292):(القياس كله باطل، ولو كانت إماطته الأذى بغير حلق الرأس توجب الفدية لأوجب الفدية: البول، والغائط، والأكل، والشرب، والغسل للحر والتروح، والتدفؤ للبرد، وقلع الضرس للوجع، فكل هذا إماطة أذى).
(4)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 419) ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9688) عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به، قال أيوب:(لا أدري قال: ترك أو نسي)، قال البيهقي:(كأنه قالهما جميعاً)، والأثر غاية في الصحة مسلسل بالأئمة، وقال النووي في المجموع (8/ 100):(يعني البيهقي أن "أو" ليست للشك كما أشار إليه مالك، بل للتقسيم، والمراد به: يريق دماً، سواء ترك عمداً أو سهواً).
(5)
وعطاء ليس مجرد تلميذ لابن عباس بل (كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس وبعد ابن عباس لعطاء بن أبي رباح) كما في حلية الأولياء (3/ 311)، بل قال ابن عباس:(يا أهل مكة تجتمعون علي وعندكم عطاء؟!) كما في تهذيب الكمال (20/ 77)، وابن عباس وتلميذه عطاء لهما اختصاص بالمناسك؛ ففي مصنف ابن أبي شيبة (15677) قالت عائشة-رضي الله عنها:(ابن عباس أعلم من بقي بالحج)، ثم اشتهر عطاء بذلك حتى كان يصيح الصائح في الموسم: لا يفتِ الناس إلا عطاء، وفي مصنف ابن أبي شيبة، قال أبو جعفر الباقر:(ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء).
فليهرق لذلك دماً)
(1)
، وقد وافق ابن عباس في أصل إيجاب الدم من الصحابة: ابن عمر فقال: (إذا رمى الرجل قبل الزوال أعاد الرمي، وإذا نفر قبل الزوال أهراق دماً)
(2)
، قال الإمام أحمد عقبه:(أَذْهَبُ إليه)
(3)
.
وجه الاستدلال:
- أن أثر ابن عباس (تلقاه العلماء بالقبول
(4)
، وقالوا: من ترك شيئاً من نسكه فعليه دم، مع أنهم لا يقولون بإطلاقه
…
فيحملونه على من
(1)
المغني (3/ 397)، وانظر: منسك عطاء للزرقي ص (21)، فقه عطاء في المناسك للحيدان ص (619).
(2)
رواه صالح في مسائله عن أبيه الإمام أحمد (3/ 182) قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: سمعت عبيد الله يحدث عن هشام بن حسان، عن نافع، عن ابن عمر به.
(3)
المرجع السابق، وفي بحث بعنوان "أثر ابن عباس (من ترك نسكاً أو نسيه؛ فعليه دم) " للدكتور: عبدالله الفالح، منشور في مجلة دراسات إسلامية العدد (23)، قال في ص (179):(ووافق ابن عباس في طبقة الصحابة على إيجاب الدم على تارك النسك: عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وذلك في مسألة النفر قبل الزوال، رواه صالح بن أحمد في مسائله بسند صحيح عنه)، وقال أ. د. عبدالله السلمي: (وهذا دليل على أن ابن عمر يرى أن من ترك واجباً، فليهرق دماً، فعندنا صحابيان
…
قول ابن عباس وقول ابن عمر) انتهى، كما في محاضرة "مسائل مشكلة في الحج" عند الدقيقة (43: 58).
(4)
قال الشنقيطي في أضواء البيان (4/ 473): (وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ترك شيئاً من نسكه الواجب أو نسيه)
(1)
.
- (وذلك أن النسك على ثلاثة أضرب: ضرب هو ركن من أركانه
…
فهذا من ترك شيئا منه لم يصح نسكه وكان عليه إتمامه ولا يجزئه عنه دم ولا غيره
…
وضرب ثان وهو موجبات [لعلها واجبات] الحج
…
فهذه التي أراد عبد الله بن عباس بقوله في هذا الحديث
…
والضرب الثالث ليست من واجبات الحج وإنما هي من أحكامه المشروعة فيه على وجه الندب والاستحباب
…
فهذه كلها مشروع الإتيان بها مندوب إليها فمن تركها أو نسيها فقد ترك الأفضل وليس عليه في ذلك دم ولا غيره)
(2)
.
- (وبالجملة فقد اتفق الجميع على أن الدم لا يغني شيئاً في ترك الفرائض والأركان، وليس بلازم في ترك السنن والآداب، فثبت بذلك أن قول ابن عباس هذا محمول على الواجبات فقط)
(3)
.
- ثم تأيدت قاعدة ابن عباس بفتوى ابن عمر، وبقول عطاء ولا مخالف لهم من السلف، و (ابن عباس إمام أهل مكة وأعلم الأمة في زمنه بالمناسك وغيرها، وكذلك عطاء بعده إمام أهل مكة، بل إمام الناس كلهم في المناسك) كما قال ابن تيمية
(4)
.
ونوقش الاستدلال بأمور:
- بعدم التسليم في الأصل، فإنه موقوف على ابن عباس ولاحجة في قول الصحابي، وعلى فرض التسليم به فإنه شامل لكل نسك كائناً ماكان، ولايقولون بذلك
(5)
.
(1)
الشرح الممتع (7/ 188).
(2)
المنتقى للباجي (3/ 71).
(3)
إعلاء السنن (10/ 348).
(4)
مجموع الفتاوى (26/ 259)
(5)
انظر: وبل الغمام (1/ 563)، السيل الجرار ص (323)، ص (331).
- ثم إن قول ابن عباس رواه عنه سعيد بن جبير فقط مع كثرة أصحاب ابن عباس، ومثل هذا القول يحتاج إليه، فلو كان له حكم الرفع لرواه الكثير ونقلوه.
- وابن عباس ذكر الناسي والعامد، والناسي معذور، وعامة الصحابة لايلحقون الناسي بالمتعمد، وجملة من العلماء يخرجون الناسي من الفدية كابن تيمية وابن القيم، مع أن قول ابن عباس يشمل الناسي، فمن احتج به على المتعمد فليحتج به على الناسي
(1)
.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بأمور:
- أما مناقشة الأصل وأن قول الصحابي ليس بحجة؛ فهذا سأفرده في سبب الخلاف وأن الأئمة يحتجون به، مع أن الشأن في هذه المسألة هو قول الصحابي الذي لايعلم له مخالف، بل أطبق عليه من بعده كما قال الصنعاني:(فالعجب إطباق المفرعين على إيجاب الدم في محلات كثيرة والدليل كلام ابن عباس)
(2)
، فهو إطباق وإجماع كما سيأتي في الدليل الآتي وهو الإجماع.
- أما الاعتراض بأن قوله: (من نسكه) شامل لكل أنواع النسك وأن تخصيصه بالواجب فقط تحكم، فسبق في وجه الاستدلال أن الركن لايجبره شيء، وأن المستحب غير لازم فلا يحتاج إلى جابر إلا إن تطوّع المحرم به
(3)
، كالهدي المستحب.
- ولذلك نظير في العبادات كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً:
(1)
انظر: صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم للطريفي ص (104).
(2)
حاشية إحكام الأحكام (3/ 581).
(3)
كما في ترك التكبير مع الرمي، قال ابن حجر في الفتح (3/ 584):(أجمعوا على أن من تركه لا يلزمه شيء، إلا الثوري فقال: يطعم، وإن جبره بدم أحب إلي).
«إذا زاد الرجل أو نقص، فليسجد سجدتين»
(1)
، وروي في حديث ثوبان:«لكل سهو سجدتان»
(2)
، فنقص الركن أو السهو عنه لايجبره السجود فقط، والنقص أو السهو عن المستحب لايوجب سجوداً.
- وأما تفرد سعيد بن جبير فليس بشيء ولا يسلّم به، فمن أين قال عطاء نحو قول ابن عباس؟ وعلى فرض التسليم بتفرده فابن جبير إمام متفق على عدالته، وإذا لم يقبل تفرده في مثل هذا الموقوف فمن الذي يقبل؟!
- وأئمة الحديث والفقه متتابعون على الاحتجاج به، فهذا مالك في الموطأ أخرجه وفرّع عليه، وبعده الشافعي، وهذان إماما أهل الحديث: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه حين سألهما الكوسجُ قائلاً: (قلت: من قدم نسكاً قبل نسك، وأي شيء حديث ابن عباس رضي الله عنهما؟ قال أحمد: من نسي فقدم شيئاً قبل شيء فليس عليه شيء، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه [قال: من] ترك من مناسكه شيئاً، وإن حلق قبل أن يرمي على السهو فليس عليه شيء. قال إسحاق: كما قال، إلا أن المذهب، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، فمن نسيَ أو ترك حتى فات فعليه دم، وليس هذا بمخالف لما قدم شيئاً قبل شيء؛ لأنه قد أتى على كله)
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم (572)، وأصله متفق عليه.
(2)
أخرجه أحمد (22417)، وأبوداود (1038) وغيرهما، من طريق إسماعيل بن عياش عن عبيدالله بن عبيد الكلاعي عن زهير عن عبدالرحمن بن جبير عن أبيه عن ثوبان به، قال البيهقي في الكبرى (2/ 476):(وهذا إسناد فيه ضعف).
(3)
مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج (5/ 2164 - 2166).
- ثم إن ابن عباس قد وافقه ابن عمر رضي الله عنهما في أصل إيجاب الدم على من ترك واجباً من الواجبات كما سبق في الدليل.
- أما القول بأن ابن عباس يقول: (من ترك من نسكه شيئاً أو نسيه) وأن من احتج به في المتعمد فليحتج به في الناسي، وأن جماعة من الصحابة و ابن تيمية وابن القيم لا يلحقون الناسي بالمتعمد؛ فهذا فيه خلط وعدم تمييز بين ترك الواجب وفعل المحظور، والنسبة إلى ابن تيمية وابن القيم في ترك الواجب خطأ، بيانه في الآتي:
- أن أثر ابن عباس في ترك الواجب وليس في فعل المحظور وبينهما فرق، قال ابن تيمية:(فرّق أكثر العلماء في الصلاة والصيام والإحرام بين من فعل المحظور ناسياً، وبين من ترك الواجب ناسياً)
(1)
، وقال: (تارك المأمور به عليه قضاؤه وإن تركه لعذر
…
ومثل من ترك شيئا من نسكه الواجب فعليه دم أو عليه فعل ما ترك إن أمكن وأما فاعل المنهي عنه إذا كان نائماً أو ناسياً أو مخطئاً فهو معفو عنه ليس عليه جبران إلا إذا اقترن به إتلاف كقتل النفس والمال)
(2)
، وقال:(ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن من فعل محظورا مخطئاً أو ناسياً لم يؤاخذه الله بذلك وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله)
(3)
.
- و قال ابن تيمية في فدية الأذى: (أما الكفارة والفدية فتلك
(1)
مجموع الفتاوى (18/ 258)، في المغني (3/ 473):(للنسيان أثره في ترك الموجود كالمعدوم، لافي جعل المعدوم موجوداً).
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 95).
(3)
المرجع السابق (25/ 226).
وجبت؛ لأنها بدل المتلف من جنس ما يجب ضمان المتلف بمثله، كما لو أتلفه صبي أو مجنون أو نائم ضمنه بذلك، وجزاء الصيد إذا وجب على الناسي والمخطئ فهو من هذا الباب، بمنزلة دية المقتول خطأ والكفارة الواجبة بقتله خطأ بنص القرآن وإجماع المسلمين. وأما سائر المحظورات فليست من هذا الباب وتقليم الأظفار وقص الشارب والترفه المنافي للتفث كالطيب واللباس، ولهذا كانت فديتها من جنس فدية المحظورات ليست بمنزلة الصيد المضمون بالبدل. فأظهر الأقوال في الناسي والمخطئ إذا فعل محظوراً ألا يضمن من ذلك إلا الصيد)
(1)
.
- وهذا التفريق بين المأمور والمحظور يقرره تلميذه ابن القيم أيضاً بقوله: (وسر الفرق أن من فعل المحظور ناسياً يجعل وجوده كعدمه، ونسيان ترك المأمور لا يكون عذراً في سقوطه)
(2)
، وفرّع عليه كتفريع شيخه فقال:(من تطيب أو لبس أو غطى رأسه أو حلق رأسه أو قلم ظفره ناسياً فلا فدية عليه، بخلاف قتل الصيد، فإنه من باب ضمان المتلفات فهو كدية القتيل. وأما اللباس والطيب فمن باب الترفه، وكذلك الحلق والتقليم ليس من باب الإتلاف، فإنه لا قيمة له في الشرع ولا في العرف)
(3)
.
- ولو نسب ذلك القول إلى الحنفية لكان ذلك متجهاً؛ لأن الحنفية عندهم أن الواجبات إذا تُركت لغير عذر ففيها الدم، وإذا تركت لعذر فلاشيء فيها، أما المحظورات فالكفارة عندهم فيها ثابتة
(1)
المرجع السابق (25/ 227).
(2)
إعلام الموقعين (2/ 25).
(3)
المرجع السابق (2/ 24)، وانظر:"القواعد الفقهية المستخرجة من إعلام الموقعين" ص (491).
سواء لعذر أو لغير عذر، لكني لم أرهم يذكرون أثر ابن عباس في كتبهم، فلا يلزمهم هذا اللازم، ومع ذلك فإنهم يوجبون الدم في ترك الواجب لغير عذر، مما يدل على استفاضة في هذا الحكم.
- قال الكاساني: (إذا كان واجباً فإن تركه لعذر فلا شيء عليه، وإن تركه لغير عذر لزمه دم؛ لأن هذا حكم ترك الواجب في هذا الباب أصله طواف الصدر
…
ورخص للحائض، بخلاف الأركان فإنها لا تسقط بالعذر)
(1)
، وقال ابن عابدين:(إن تركه بلا عذر لزمه دم، وإن بعذر فلا شيء عليه مطلقاً. وقيل: فيما ورد به النص فقط)
(2)
، يعني: لادم في ترك الواجب الذي ورد في بعض الأدلة الترخيص بتركه دون إيجاب للدم، كالمبيت بمنى، وفوات مزدلفة، وترك الوداع.
- ثم قال ابن عابدين: (وهذا بخلاف ما لو ارتكب محظوراً كاللبس والطيب فإنه يلزمه موجبه ولو بعذر)
(3)
، وارتكاب المحظور بغير عذر يوجب الدم بلا تخيير، (وإن تطيب أو حلق أو لبس من عذر فهو مخير: إن شاء ذبح شاة وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من طعام وإن شاء صام ثلاثة أيام)
(4)
.
4/ ومن الأدلة في المحظورات -غير الجماع والصيد- ثلاثة آثار عن الصحابة:
أولها: قول ابن عمر-رضي الله عنهما: (المحصر بمرض لا يحل، حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة. فإذا اضطر إلى لبس شيء من
(1)
بدائع الصنائع (2/ 134).
(2)
حاشية ابن عابدين (2/ 553).
(3)
المرجع السابق.
(4)
مختصر القدوري ص (72).
الثياب التي لا بد له منها، أو الدواء، صنع ذلك وافتدى)
(1)
.
وثانيها: جاء عن أبي معبد مولى ابن عباس، أن ابن عباس قال له:(يا أبا معبد، رد علي طيلساني، وهو محرم، قال: قلت: كنت تنهى عن هذا، قال: إني أريد أن أفتدي)
(2)
.
وثالثها: جاء عن قتادة أنه قال: (سألت امرأةٌ عبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر، عن امرأة محرمة اكتحلت بإثمد، فأمرها عبد الرحمن بن أبي بكر تهريق دماً)
(3)
.
وجه الاستدلال:
- في الأول (ابن عمر رضي الله عنه ألزم بالفدية من فعل "اللبس" مضطراً، مع أنّ اللبس غير منصوص عليه؛ ولا يوجد مخالفٌ لابن عمر رضي الله عنه في هذه المسألة، من الصحابة ولا من السلف، مما يدل على أنّ هذا القياس صحيح لا إشكال فيه)
(4)
.
- وفي الثاني (قياس صريح من ابن عباس
…
جعل الألبسة حكمها حكم الحلق)
(5)
.
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 361)، ومن طريقه الشافعي في الأم (2/ 178)، والطبري في التفسير (3/ 372)، والبيهقي في الكبرى (10093)، من طريق ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر به، وهو إسناد صحيح.
(2)
أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(8/ 410) من طريق محمد بن خزيمة قال: حدثنا حجاج بن منهال قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن أبي معبد به، وإسناده جيد.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (14858) قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم، عن قتادة به، والإسناد لابأس به، و رواية قتادة عن عبدالرحمن بن أبي بكر غير مشهورة، وفي رواية يزيد عن قتادة لين.
(4)
من مقال بعنوان: "الفدية في فعل المحظور وتخصيصها بالمنصوص فقط" لصالح العميريني، منشور في الشبكة.
(5)
شرح عمدة الفقه للدكتور عبدالله السلمي، كتاب الحج، الدرس (8)، عند الدقيقة (33: 25).
- والثالث أَمَر بالدم على الاكتحال بالإثمد؛ (لأن الإثمد طيب
…
وكون عبدالرحمن بن أبي بكر يأمر بالهدي، فهذا معروف عند السلف أنهم أحياناً يأمرون الشخص بأعلى مراتب التخيير، وهذا واضح لمن تدبر أقوالهم في الأيمان وفي النذور والكفارات)
(1)
.
5/ ومن الأدلة: الإجماع المحكي على مسائل متفرقة في ترك الواجب أو فعل المحظور، وبعضها عام، وسأبدأ في ترك الواجب وأنتهي بفعل المحظور، ومن ذلك:
1.
قول ابن عبدالبر (ت 463): (أجمع العلماء على أن من لم يرم الجمار أيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخرها أنه لا يرميها بعد، وأنه يجبر ذلك بالدم أو بالطعام على حسب اختلافهم فيها)
(2)
.
2.
وقال ابن تيمية (ت 728): (وإلحاق هذه
(3)
بالحصى، وبحلق الشعر: لا يصح; لأن ذاك قد ثبت بالنص والإجماع أن في جميعه دماً، وهنا الخلاف في أصل وجوبه)
(4)
، يعني: المبيت بمنى.
3.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (اتفق الفقهاء على أنه تجب فدية في ترك واجبات الحج والعمرة، كترك الإحرام من الميقات
(1)
المرجع السابق، عند الدقيقة (33: 48).
(2)
الاستذكار (4/ 357)، وانظر: التمهيد (17/ 255).
(3)
الإشارة تعود إلى المبيت بمنى وهي المسألة التي كان يشرحها، ثم تطرق للروايات عن أحمد في ترك جميع المبيت.
(4)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الحج (2/ 647 - 648)، يعني أن ترك جميع الرمي أو حلق جميع الرأس فيه الدم بالإجماع، هذا مايظهر من السياق، على أن أ. د. الجبرين في شرح عمدة الفقه (2/ 750) حمل كلام ابن تيمية على عموم ترك الواجب وذلك عند قول الموفق:(ومن ترك واجباً جبره بدم)، علق عليه:(وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على هذا) انتهى. والظاهر أن قوله كان في الحلق و ترك الرمي كما سبق الإشارة إليه، والله أعلم.
وترك الوقوف بالمزدلفة، وترك المبيت بمنى ليالي التشريق، وترك الرمي للجمرات، وترك طواف الوداع، وغير ذلك من المأمورات التي لا يفوت الحج بفواتها)
(1)
.
4.
وقال الشنقيطي (ت 1393): (إذا عرفت أقوال أهل العلم في حكم من أخل بشيء من الرمي، حتى فات وقته، فاعلم أن دليلهم في إجماعهم على أن من ترك الرمي كله وجب عليه دم، هو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من نسي من نسكه شيئا، أو تركه، فليهرق دماً)
(2)
، ثم قال عنه:(موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة)
(3)
، فبدأ بالجمار ثم استدل بأثر ابن عباس العام في ترك الواجب وأنه لا مخالف له، وقال نحو قوله عن الأثر:
5.
ابن رشد الجد (ت 520): (
…
قول ابن عباس: من ترك من نسكه شيئا أو نسيه؛ فليهرق دما، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه)
(4)
.
6.
والصنعاني (ت 1182): (فالعجب إطباق المفرعين على إيجاب الدم في محلات كثيرة، والدليل كلام ابن عباس)
(5)
.
7.
وابن باز (ت 1420): (حديث ابن عباس
…
لم نعرف مخالفاً له من الصحابة)
(6)
.
(1)
الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 72).
(2)
أضواء البيان (4/ 472).
(3)
المرجع السابق (4/ 473).
(4)
البيان والتحصيل (3/ 452).
(5)
حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام (3/ 581)، الشاهد من كلامه هو ذكر الإطباق على أثر ابن عباس، وإلا فهو ممن أشار إلى مخالفته كما سبق.
(6)
فتاوى ابن باز (16/ 152).
8.
وابن عثيمين (ت 1421): (على فرض أن مثله يقال بالرأي وأن ابن عباس رضي الله عنهما اجتهد فأداه اجتهاده إلى وجوب الدم، فإنه قول صحابي لم يظهر له مخالف فكان أولى بالقبول من قول غيره)
(1)
، ولغيرهما من المعاصرين نحوه من العبارات
(2)
.
9.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: (اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتكب الحاج أو المعتمر محظوراً من محظورات الحج أو العمرة فعليه فدية أو كفارة)
(3)
.
10.
وقال عبدالوهاب البغدادي (ت 422): (الطيب ممنوع في الإحرام قليله أو كثيره، منع حظر تجب الفدية بتناوله ولا خلاف في ذلك)
(4)
.
11.
وقال ابن قدامة (ت 620): (لا خلاف في وجوب الفدية على المحرم، إذا تطيب أو لبس عامداً؛ لأنه ترفه بمحظور في إحرامه،
(1)
الشرح الممتع (7/ 408)، وقد قال (7/ 188):(هذا الأثر تلقاه العلماء بالقبول)، وفي الكنز الثمين في سؤالات ابن سنيد لابن عثيمين ص (97) قال:(القول بأن عليه دم قول العلماء، ولو لم نقل به للعب الناس) انتهى، وهو أحياناً يلمح أن في نفسه شيء من ذلك، كما في الشرح الممتع (7/ 368):(نحن نفتي الناس بالدم، وإن كان في النفس شيء من ذلك، لكن من أجل انضباط الناس، وحملهم على فعل المناسك الواجبة بإلزامهم بهذا الشيء؛ لأن العامي إذا قلت له: ليس عليك إلا أن تستغفر الله وتتوب إليه، سهل الأمر عليه، مع أن التوبة النصوح أمرها صعب).
(2)
انظر: شرح زاد المستقنع-الدورة الأولى للدكتور للخليل، كتاب المناسك، الدرس (16)، عند الدقيقة (8: 9)، وشرح كتاب المناسك من زاد المستقنع لحمد الحمد ص (216 - 217)، ود. الفالح في رسالته "أثر ابن عباس من ترك نسكاً أو نسيه؛ فعليه دم" ص (198)، ود. السلمي في محاضرة بعنوان"كيف تكون فقيهاً محدثاً" عند الدقيقة (54: 56)، وفي محاضرة بعنوان "مسائل مشكلة في الحج" عند الدقيقة (34: 38)، وغيرهم.
(3)
الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 72 - 73).
(4)
المعونة على مذهب عالم المدينة ص (530).
فلزمته الفدية، كما لو ترفه بحلق شعره، أو قلم ظفره والواجب عليه أن يفديه بدم)
(1)
.
12.
وقال النووي (ت 676): (وإذا تطيب أو لبس ما نهي عنه لزمته الفدية إن كان عامداً بالإجماع)
(2)
.
13.
وقال ابن أبي عمر (ت 682): (إذا لبس أو تطيب أو غطى رأسه عامداً فإن عليه الفدية بغير خلاف علمناه)
(3)
.
14.
وقال الزيلعي (ت 743): (وجوب الدم بتغطية الرأس مجمع عليه)
(4)
.
15.
وقال المرداوي (ت 885): (إذا احتاج إلى فعل شئ من هذه المحظورات، مثل إن احتاج إلى حلق شعره لمرض، أو قمل، أو غيره، أو إلى تغطية رأسه، أو لبس المخيط ونحو ذلك، وفعله، فعليه الفدية، بلا خلاف أعلمه)
(5)
.
(1)
المغني (3/ 434)، ومقتضى قياسه على تقليم الأظافر أنه لاخلاف في وجوب الفدية فيه كما هو معلوم.
(2)
شرح النووي على مسلم (8/ 75)، وقال:(وإن كان ناسياً فلا فدية عند الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق).
(3)
الشرح الكبير (8/ 428).
(4)
تبيين الحقائق (2/ 53).
(5)
الإنصاف (8/ 323)، وقول المرداوي:(بلا خلاف أعلمه) لا يمتنع أن يكون مراده الخلاف العالي إلا لقرينة تمنع، وهو يقول (1/ 14): (
…
وأبين الصحيح من المذهب من ذلك كله؛ فإنه المقصود والمطلوب من هذا التصنيف، وغيره داخل تبعاً)، فقوله (وغيره داخل تبعاً) نص منه أنه قد يذكر مالا يختص بالمذهب، ومن ذلك أني بحثت عن كلمة (إجماع) فخرج لي أكثر من (262) نتيجة، وبحثت عن ذكره للأئمة الثلاثة فوجدت لهم ذكراً لا بأس به، وقال لي الشيخ حمد بن علي الحمد: (بعد قراءة الإنصاف كاملاً، بل دراسته وعمل ثلاث مشاريع منه، أقول: إطلاق المرداوي عبارة: بلا خلاف، دون تقييد، الأصل فيه نفي الخلاف العالي. أما نفي الخلاف داخل المذهب فلا يستخدم فيه هذه العبارة، بل يقول: بلا خلاف بين الأصحاب، بلا خلاف في المذهب، عليه الأصحاب
…
إلخ)، والخلاصة أن نفي الخلاف في العبارة المنقولة عنه، الأصل أنها تحمل على بابها إلا لقرينة، ومن القرائن إيجاد المخالف، وقد خالف في هذه النتيجة أ. د. أحمد الخليل وكتب فيها ورقة بعنوان: (معنى قول المرداوي في الإنصاف: (بلا خلاف».
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن حكاية الإجماع بلزوم الدم أو الفدية على من ترك واجباً أو فعل محظوراً، لا تسلّم؛ وذلك من وجوه:
1.
أن إمام المناسك عطاء بن أبي رباح جاء عنه عدم لزوم الدم فيمن ترك بعض الواجبات؛ كمن تجاوز الميقات بغير إحرام؛ فإنه عنده آثم ولادم عليه، ووافقه النخعي، والنخعي لا يرى الفدية فيمن قص أظفاره ولو متعمداً وهو وجهٌ للحنابلة.
2.
…
أن الأئمة الأربعة يرون تحريم بعض الأفعال وحظرها، ولا يرون فيها شيئاً؛ فمالكٌ يرى أن قصّ ظفر واحد محظور، ولا تلزم الفدية عنده إلا بقص الاثنين فصاعداً، وأبوحنيفة يرى حظر قص الواحد، ولايرى الفدية حتى يقص أظفار رجلٍ أو يدٍ كاملة، وكذلك أحمد والشافعي: يحظرون قص الشعرة والظفر، ولا يوجبون الفدية إلا في الثلاث.
3.
أن بعض الأئمة يرون وجوب أعمالٍ، ولا يرون فدية في تركها: فعمر لم يأمر من ترك المبيت بمزدلفة بشيء كما عند سعيد في "سننه"، وأحمد في رواية: يرى وجوب المبيت بمنى، ولايرى الدم على تاركه، بل الإثم فقط، ورواية أخرى عنه: يرى فيها الدم عن ليلتين و ثلاث، ويرى وجوب المبيت بمزدلفة، ولم ير وجوب الدم للمعذور؛ فقد قال: "ليس عليه شيء إذا أخطأ الطريق أو كان
جاهلاً"، وابن المنذر في "الأوسط" يرى وجوب طواف الوادع، وقال: "لايجب بتركه شيء".
4.
أن جملة من الفقهاء يخرجون ويعذرون الناسي، مع أن عمدتهم أثر ابن عباس، فما الذي أخرج الناسي مع نص ابن عباس عليه؟!
(1)
.
5.
وعقد النكاح محظور عند الجمهور خلافاً للحنفية، ولا يجب فيه الفدية عند جميعهم.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بأمور:
- أما الجواب المجمل، فإن ما ذكره من مسائل غير مانعة للإجماع لأمور: إما أن يكون ماذكر لا يصح عمن ذكر عنه، وإما لأن المتروك فيها بعض النسك والدم يجب في ترك النسك كاملاً، وإما لأنه ورد التخفيف في النسك المذكور بعدم إيجابه على كل أحدفلا يجزم العالم بوجوبه فلايوجب فيه الدم، هذا الإجمال، وأما التفصيل:
- أما مانسبه لإمام المناسك عطاء في عدم وجوب الدم على من تجاوز الميقات وهو غير محرم، فهذا انتقاء غير جيد، و (يكفي في تحقيق هذا الإجماع أن ننقل عن عطاء إلزامه بالدم في ترك بعض الواجبات)
(2)
؛ لأن الكلام هو رأيه في المسألة العامة"ترك الواجب"، فلا يعترض بأمثلة للمسألة محتملة، هذا تنزلاً، وإلا فلا يسلم بما نسبه.
- يوضح ذلك أن عطاء يقول: (من نسي من النسك شيئاً، حتى رجع
(1)
انظر: صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم للطريفي ص (106 - 107)، المحلى (5/ 292).
(2)
د. فؤاد الهاشمي، من ندوة مناسك الحج (1429) هـ، الحلقة (7)، في الملتقى الفقهي.
إلى أهله، فليهرق لذلك دماً)
(1)
، إذا استحضرت ذلك، فتأمل في فتاويه، وسأسرد منها ماتيسر مما يناسب، ثم أرجع إلى فتوى الميقات، فمن فتاويه للمُحرم:
- (إذا نتف إبطه، أو قلم أظفاره، فإن عليه الفدية)
(2)
، والعطّار (إن جلس عنده متعمداً كفّر)
(3)
، ومن (لبس قميصاً ناسياً فلا شيء عليه وليستغفر الله تعالى؛ فإن تعمد ذلك فالكفارة)
(4)
، و (سئل عن محرم أصابه مطر فغطى رأسه فقال: فدية من صيام أو نسك)
(5)
، وقال:(إذا قبل أو غمز فعليه دم)
(6)
.
- وقال لرجل (قَدِم فترك الصفا والمروة فقال عطاء: أهرق دماً)
(7)
، وفي عرفة قال:(عليه شاة إذا دفع قبل الإمام)
(8)
، وفي مزدلفة
(1)
المغني (3/ 397)، وانظر: منسك عطاء للزرقي ص (21)، فقه عطاء في المناسك للحيدان ص (619).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (13431)، وانظر: منسك عطاء ص (46)، فقه عطاء في المناسك ص (305).
(3)
الإشراف (3/ 261)، وانظر: المجموع (7/ 283)، منسك عطاء ص (49)، فقه عطاء في المناسك ص (274).
(4)
المحلى (5/ 295)، وانظر: منسك عطاء ص (49).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (14264)، وانظر: منسك عطاء ص (52)، فقه عطاء في المناسك ص (312).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (12827)، وقال:(في اللمسة والجسة من وراء الثوب ليس فيها شيء، وفي جسات ومسات دم) كما في مصنف ابن أبي شيبة (12834)، وانظر: منسك عطاء ص (55)، فقه عطاء في المناسك ص (324).
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (14204) وهذه إحدى الروايات عنه، وجاء عنه كما في المصنف (14207): (أنه كان لا يرى على من لم يسع بين الصفا والمروة شيئاً
…
وكان يفتي في العلانية بدم)، قال ابن عبدالبر في التمهيد (22/ 152):(واختلف عن عطاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال)، وانظر: منسك عطاء ص (152)، فقه عطاء ص (477).
(8)
المغني (3/ 437)، وانظر: منسك عطاء ص (165)، فقه عطاء في المناسك ص (511).
قال: (من رُهِقَ عن جمع فلم ينزلها أهرق لذلك دماً)
(1)
، وقال فيمن رمى بخمس حصيات:(يرمي بما بقي إلا أن يكون ذهبت أيام التشريق أهراق لذلك دماً)
(2)
، وفي منى قال:(إذا بات بمكة لغير ضرورة فليهرق دماً)
(3)
، وفي طواف الوداع قال:(من ترك طواف الصدر فعليه دم)
(4)
.
- بعد هذه الجولة المختصرة في فقه عطاء فيمن فعل محظوراً أو ترك واجباً، فما وجه ما نُسب إليه من عدم وجوب الدم في ترك الإحرام من الميقات؟
- فعن عطاء روايات في هذه المسألة، منها مايوافق قاعدته وتطبيقه بوجوب الدم، -ولم يشر إليها المعترض- مع أنها هي الأَوْلى؛ لموافقتها للإجماع، وموافقتها لتطبيقه، ولأنها أقوى إسناداً، أما رواية عدم الوجوب فقد حُكم عليها بالشذوذ -الفقهي- كما سبق، مع إمكان حملها على محمل صحيح، وهذا تفصيل الرواية عن عطاء هنا:
-
…
الرواية الأولى عنه أنه قال: (من أخطأ أن يهل بالحج من ميقاته أو عمد ذلك فليرجع إلى ميقاته فليهلل منه، إلا أن يحبسه أمر يعذر به
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (15235) والرهق يدل على العجلة ويدل على التأخير، وانظر: مقاييس اللغة (2/ 451)، منسك عطاء ص (172)، فقه عطاء في المناسك ص (531).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (13443)، وانظر: منسك عطاء ص (179)، فقه عطاء في المناسك ص (596).
(3)
الاستذكار (4/ 343)، وفي مصنف ابن أبي شيبة (14375) سئل عن الرجل يبيت ليالي منى بمكة، قال:(يتصدق بدرهم أو نحوه)، وانظر: منسك عطاء ص (209).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (14901)، وانظر: منسك عطاء ص (210)، فقه عطاء في المناسك ص (612).
من وجع أو غيره، أو يخشى أن يفوته الحج إن رجع فليهرق دماً ولا يرجع)
(1)
، يؤيدها قوله:(يهل من مكانه وعليه دم)
(2)
.
- أما الرواية الثانية فقد ذكرها ابن حزم مع إشارته إلى الرواية الأولى، فقال:(وعن عطاء قال مرة: عليه دم، ومرة قال: لا شيء عليه، روينا ذلك من طريق سعيد بن منصور نا سفيان -هو ابن عيينة - عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: ليس على من تجاوز الميقات غير محرم شيء)
(3)
.
- والجمع بين الروايات ممكنٌ بحمل الثانية على من لم يرد النسك
(4)
، والأولى على مريد النسك.
- فإن لم يمكن الجمع فلا شك أن الرواية الأولى بوجوب الدم أصح وأثبت؛ لأنها من رواية ابن جريج وهو من أثبت الناس في عطاء
(5)
، وهو أعرف بفقه عطاء من غيره كما قال ابن المديني:(ماكان في الأرض أحد أعلم بعطاء من ابن جريج)
(6)
.
(1)
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 152) قال: أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء قال، فذكره.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (14189) وترجم له: (في الرجل إذا دخل مكة بغير إحرام ما يصنع)، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء به.
(3)
المحلى (5/ 57).
(4)
يقول د. عبدالله الفالح في بحثه"أثر ابن عباس (من ترك نسكاً أو نسيه؛ فعليه دم) " ص (193): (تقدم عن عطاء نفسه إيجاب الدم، فيحمل هذا على من مرّ بالميقات غير مريد للحج أو العمرة) انتهى، وقال د. عادل الزرقي في "منسك عطاء" ص (43):(لعل الرواية الأولى فيمن لم يرد النسك، إلا أنه قد تقدم في الباب الخامس أمره بالإحرام لكل داخل للحرم).
(5)
قال الإمام أحمد: (أثبت الناس في عطاء عمرو بن دينار وابن جريج) كما في العلل لابنه عبدالله (2/ 495).
(6)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/ 357)، ولا يرد هنا عنعنة ابن جريج؛ لأن روايته عن عطاء فيها اختصاص ومحمولة على الاتصال، فقد قال عطاء فيما أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (1/ 250):(إذا قلت: قال عطاء، فأنا سمعته منه، وإن لم أقل سمعت)، قال المعلمي كما في التنكيل (2/ 865):(هذا لأنه كان يرى أنه قد استوعب ماعند عطاء، فإذا سمع رجلاً يخبر عن عطاء بما لم يسمعه منه، رأى أنه كذب، فلم يستحل أن يحكيه عن عطاء) انتهى، ولافرق بين "قال عطاء" وبين "عن عطاء"، وفي الصحيحين من [عنعنته] عن عطاء أكثر من عشرين موضعاً.
- ومن خالفه هنا هو ابن أبي نجيح، وقد قال ابن عبدالبر:(ابن جريج أثبت الناس في عطاء، لا يقاس به فيه ابن أبي نجيح ولا غيره)
(1)
، فرواية ابن جريج مقدمة هنا.
- أما موافقة النخعي على الرواية الضعيفة عن عطاء، فإن النسبة إليه بإطلاق خطأ؛ فقوله كان فيمن تجاوز الميقات (لا حاجاً ولا معتمراً) ثم بدا له الإحرام، وهو مع ذلك معذور يخاف (أن يفوته) الحج إن رجع للميقات، فلا يجب عليه وعلى من أنشأ نية النسك بعد الميقات أن يرجع للميقات ولا الدم
(2)
، ولذا قال الراوي:(ولم يذكر دماً) لأنه لم يترك واجباً، وهي تدل على اشتهار هذا الحكم عندهم.
- وهذا سياق الرواية كما في المصنف: (عن حبيب، عن إبراهيم، في رجل دخل مكة لا حاجاً ولا معتمراً، وهو يخاف إن خرج إلى الوقت أن يفوته، قال: "يهل من مكانه"، ولم يذكر دماً)
(3)
.
(1)
الاستذكار (5/ 454) وقد قالها في مسألة مروية عن عطاء اختلف فيها رواية ابن أبي نجيح عن رواية ابن جريج.
(2)
في بحث"أثر ابن عباس (من ترك نسكاً أو نسيه؛ فعليه دم) " ص (192) ذكر التوجيهين -مع ظهورهما في الرواية- بقوله: (أن يكون ذلك في حال العذر
…
ويحتمل أيضاً أن يكون دخل مكة غير مريد للحج والعمرة)
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (14186) من طريق وكيع، عن سفيان، عن حبيب، عن إبراهيم به، وقد ذكره في المحلى (5/ 57) في آخره قال:(قال حبيب: ولم يذكر دماً).
- أما القول بأن النخعي لايوجب في قص الظفر شيئاً
(1)
؛ فقبل الجواب عنه، من المناسب أن يذكر قاعدته في المناسك، ففي المصنف أنه قال:(كان يقال: من أحدث في حجه شيئاً لا ينبغي، ذبح لذلك ذبيحة)
(2)
، وفيها شبه بقاعدة ابن عباس وتلميذه عطاء لكنها أعم
(3)
.
- ولذلك ثبت عنه الفدية في تقديم بعض المناسك على بعضها، فقال:(إذا حلق قبل أن يذبح، أهراق لذلك دماً، ثم قرأ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ})
(4)
، وجاء في موسوعة فقه النخعي:(القاعدة العامة عند النخعي في وجوب الجزاء: أن من أحدث في حجه شيئاً لاينبغي، فعليه دم)
(5)
.
- وبعد: فإن النخعي لا يخالف في تقليم الأظفار الذي نُقل الإجماع على تحريمه، وإنما يخالف في إزالة الظفر المنكسر والمؤذي الذي حُكي الإجماع على جوازه
(6)
، فلا يكون بذلك مخالفاً للإجماع،
(1)
قال في النسبة إليه كما سبق: (النخعي لا يرى الفدية فيمن قص أظفاره ولو متعمداً وهو وجهٌ للحنابلة).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (14961) قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم به، وفي حديث مغيرة عن إبراهيم كلام إن لم يصرح بالتحديث، ولمغيرة عن إبراهيم بضعة أحاديث في الصحيحين، ولهذا الحرف من كلام إبراهيم شواهد من فقهه في المناسك، سيأتي التنبيه عليها، وقوله:(كان يقال) أقوى، كما سبق التنبيه على قوله:(كانوا يحبون).
(3)
ونَقَل عنه ابن حزم كقول ابن عباس فقال في المحلى (5/ 292): (فإن ذكروا ما روي عن ابن عباس، والنخعي، أن من ترك من نسكه شيئاً فليرق دماً
…
)، وانظر: موسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 205).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (14960) حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم به، وهو إسناد صحيح.
(5)
موسوعة فقه إبراهيم النخعي لقلعه جي (2/ 200)، وانظر الدماء الواردة عنه في المصدر السابق إلى (2/ 206).
(6)
قال ابن المنذر في الإجماع ص (52): (وأجمعوا على أن له أن يزيل عن نفسه ما كان منكسرًا منه)، وقال ابن قدامة في المغني (3/ 296):(فإن انكسر، فله إزالته من غير فدية تلزمه).
وقد جاء عن إبراهيم: (في المحرم: يبط الجرح، ويعصر القرحة، ويقص الظفر، إذا انكسر، ويجبر الكسر)
(1)
، ولم ينفرد النخعي بذلك
(2)
.
- أما ما نسبه للحنابلة، فإنه لايسلّم به، وهي رواية وقع فيها وهمٌ بينه بعض علماء المذهب
(3)
، وقبل بيان الوجه المنسوب للحنابلة، فقد سبق ذكر اختيار أحمد لما دل عليه أثر ابن عباس، وقوله في أثر ابن عمر لمن رمى قبل الزوال وأنه يهريق دماً:(أذهب إليه)
(4)
، وتطبيقاته في ترك الواجب أو فعل المحظور مشهورة في المذهب.
- وأما الوجه الذي ذكره في الظفر، فلم أقف عليه عند الحنابلة، بل قال المرداوي محقق المذهب: (والصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب قاطبة، أن تقليم الأظفار كحلق الشعر. وحكاه ابن
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (12761) عباد بن عوام، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم به، وفي طبعة الحوت التي اعتمدتها تصحيفات تم تصويبها من طبعة د. الشثري (7/ 431)، وأخرجه أبويوسف في الآثار (562) بسياق أوضح عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، أنه قال:(لا بأس للمحرم من الرجال والنساء أن يتسوك، ويعصر القرحة، ويبط الجرح، ويجبر الكسر، ويربط على الجبائر، ويتداوى بما أحب، ويكتحل بما أحب بعد أن لا يكون في شيء من أدويته وأكحاله طيب).
(2)
قال ابن حزم في المحلى (5/ 281): (وقد ذكرنا عن ابن عباس آنفا: لا بأس على المحرم إذا انكسر ظفره أن يطرحه عنه وأن يميط عن نفسه الأذى. وهو قول عكرمة، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وحماد بن أبي سليمان، ليس منهم أحد جعل في ذلك شيئاً).
(3)
انظر: حاشية ابن نصر الله على الفروع -من المناسك إلى عشرة النساء- ص (149)، تصحيح الفروع (5/ 410)، الإنصاف (8/ 222).
(4)
انظر: مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج (5/ 2164 - 2166)، مسائل أحمد برواية ابنه صالح (3/ 182).
المنذر إجماعاً)
(1)
، إلا إن كان أخذ الوجه من قول ابن مفلح:(سبق قول داود في تخصيصه بالرأس خاصة، ويتوجه هنا احتمال; لأنه إن سلم الترفه به فهو دون الشعر، فيمتنع الإلحاق)
(2)
، لكن الاحتمال متأخر في الرتبة عن الوجه
(3)
، وكان المرداوي دقيقاً حين قال:(ووجّه فى "الفروع" احتمالاً، لا شيء فى تقليم الأظفار)
(4)
.
- وأما قوله: (أن الأئمة الأربعة يرون تحريم بعض الأفعال وحظرها، ولا يرون فيها شيئاً؛ فمالكٌ يرى أن قصّ ظفر واحد محظور، ولا تلزم الفدية عنده إلا بقص الاثنين فصاعداً، وأبوحنيفة يرى حظر قص الواحد، ولايرى الفدية حتى يقص أظفار رجلٍ أو يدٍ كاملة، وكذلك أحمد والشافعي: يحظرون قص الشعرة والظفر، ولا يوجبون الفدية إلا في الثلاث)
(5)
.
- فالجواب عنه: أن المتروك هنا بعض النسك والدم يجب في ترك النسك كاملاً، فيرجع إلى تحقيق مناط ترك النسك، لا في وجوب الدم على من ترك النسك، فإنهم متفقون عليه، وما يمكن الجواب عنه في خلاف العلماء في قدر شعرات الرأس الموجبة للفدية عند حلقها، يكون جواباً هنا والباب واحد.
(1)
الإنصاف (8/ 222).
(2)
الفروع (5/ 409).
(3)
بمعرفة دلائل قول ابن مفلح "يتوجه" و "احتمال" يعرف رتبته، أما قوله: يتوجه، فقد قال في الفروع (1/ 6): (وإذا قلت: ويتوجه
…
فهو من عندي)، وأما الاحتمال (معناه: أن هذا الحكم المذكور، قابل ومتهيء لأن يقال فيه بخلافه
…
والاحتمال: تبين أن ذلك صالِحٌ لكونه وجهًا) كما في المطلع للبعلي ص (13)، ولايكون وجهاً إلا إذا قيل به، وانظر: الإنصاف (1/ 9).
(4)
الإنصاف (8/ 222).
(5)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (106).
- وقد قال محمد الأمين الشنقيطي: (أما اختلاف العلماء في لزوم الدم بترك جمرة، أو رمي يوم، أو حصاة، أو حصاتين إلى آخر ما تقدم: فهو من نوع الاختلاف في تحقيق المناط، فمالك مثلا القائل: بأن في الحصاة الواحدة دما يقول [الحصاة] الواحدة داخلة في أثر ابن عباس المذكور، فمناط لزوم الدم محقق فيها، لأنها شيء من نسكه فيتناولها قوله: "من نسي من نسكه شيئاً، أو تركه
…
إلخ"، لأن لفظة "شيئاً" نكرة في سياق الشرط، فهي صيغة عموم، والذين قالوا: لا يلزم في الحصاة، والحصاتين دم، قالوا: الحصاة، والحصاتان لا يصدق عليهما نسك، بل هما جزء من نسك، وكذلك الذين قالوا: لا يلزم في الجمرة الواحدة دم، قالوا: رمي اليوم الواحد نسك واحد فمن ترك جمرة في يوم لم يترك نسكاً، وإنما ترك بعض نسك، وكذلك الذين قالوا: لا يلزم إلا بترك الجميع قالوا: إن الجميع نسك واحد)
(1)
.
- وأما قوله: (عمر لم يأمر من ترك المبيت بمزدلفة بشيء كما عند سعيد في "سننه")
(2)
، فإنه لم يورده بإسناده ليحكم عليه بالثبوت من عدمه، ثم ينظر في دلالته، والظاهر أنه مما نقله ابن تيمية في شرح العمدة بقوله: (روى إبراهيم عن الأسود: "أن رجلاً قدم على عمر بن الخطاب وهو بجمع بعدما أفاض من عرفات، فقال: يا أمير المؤمنين، قدمت الآن، فقال: أما كنت وقفت بعرفات؟ قال: لا، قال: فأت عرفة وقف بها هنيهة، ثم أفض. فانطلق الرجل، وأصبح عمر بجمع، وجعل يقول: أجاء الرجل؟
(1)
أضواء البيان (4/ 473).
(2)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (106).
فلما قيل: قد جاء أفاض" رواه سعيد بإسناد صحيح، واحتج به أحمد).
- فالجواب عنه: أن الرجل قد أدرك الواجب بمزدلفة، وابن تيمية أورده أصالة بهذا السياق فقال:(الصواب أن وقت الوقوف لا يفوت إلى طلوع الشمس، فمن وافاها قبل ذلك فقد وقف بها; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بها وأفاض قبيل طلوع الشمس، وهذا الوقوف المشروع في غداتها، [و] هو المقصود الأعظم من الوقوف بمزدلفة، وبه يتم امتثال قوله: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} الآية. وإليه الإشارة بقوله: «هذا هو الموقف وجمع كلها موقف، وارفعوا عن بطن محسر» وهذا نظير الوقوف عشية عرفة، وأحد الموقفين الشريفين، فكيف لا يكون له تأثير في الوجوب وجوداً وعدماً؟ أم كيف لا يكون هذا الزمان وقتاً للنسك المشروع بمزدلفة؟)
(1)
، ثم ذكر حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه المرفوع
(2)
، فقال:
- (وهذا نص في [أن] مزدلفة تُدرك بعد طلوع الفجر كما تدرك قبل الفجر; لأن هذا السائل إنما وافاها بعد طلوع الفجر، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حجه، ولم يخبره أن عليه دماً)
(3)
، وقال عن أثر عمر: (لم يأمره عمر بدم، بل انتظره ليقف مع الناس، ولو كان وقت
(1)
المرجع السابق (2/ 612)، ومابين المعكوفين] [من طبعة دار عالم الفوائد (5/ 345).
(2)
أخرجه أحمد وأهل السنن ولفظه: «من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً، أو نهاراً، فقد أتم حجه، وقضى تفثه» ، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح).
(3)
شرح العمدة-كتاب الحج (2/ 612)، ومابين المعكوفين] [من طبعة دار عالم الفوائد (5/ 345).
الوجوب قد ذهب لما كان لانتظاره معنى)
(1)
، وسيأتي مزيد بيان للمزدلفة.
- وأما قوله: (وأحمد في رواية: يرى وجوب المبيت بمنى، ولايرى الدم على تاركه، بل الإثم فقط، ورواية أخرى عنه: يرى فيها الدم عن ليلتين و ثلاث، ويرى وجوب المبيت بمزدلفة، ولم ير وجوب الدم للمعذور؛ فقد قال: "ليس عليه شيء إذا أخطأ الطريق أو كان جاهلاً")
(2)
.
- فالجواب عنه: أن المبيت بمنى اختُلف في وجوبه مع اتفاقهم على مشروعيته
(3)
، ومن نفى الدم إنما نفاه لعدم وجوبه أو لتردده في وجوبه، وليس لأن ترك الواجب لا يجب فيه دم، وقد (اتفق جمهور الفقهاء القائلين بوجوب المبيت بمنى على أن من ترك المبيت بمنى جميع الليالي فإن عليه فدية كامة -دم-)
(4)
.
- أما الإمام أحمد بخصوصه فقد سبق الإشارة أن عنه في ترك المبيت بمنى ثلاث روايات، روي: عليه دم، وروي: يتصدق بشيء، وروي: لا شيء عليه
(5)
، وقال في رواية الأثرم: (فمن جاء للزيارة فبات بمكة يعجبني أن يطعم شيئاً، وخففه بعضهم بقول: ليس عليه
(1)
المرجع السابق (2/ 614).
(2)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (106).
(3)
انظر: الاستذكار (4/ 343 - 345)، الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 274).
(4)
"أحكام الفدية في الحج والعمرة" لليحيى ص (174)، وقال في حكم المبيت بمنى ليالي أيام التشريق ص (171):(القول الأول: أن المبيت بمنى سنة وليس بواجب وليس على تاركه الفدية، وهذا قول الحنفية، وقول عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة).
(5)
قال ابن قدامة في المغني (3/ 398): (فإن ترك المبيت بمنى، فعن أحمد: لا شيء عليه، وقد أساء. وهو قول أصحاب الرأي
…
وعنه يطعم شيئاً. وخففه
…
وعنه: في الليالي الثلاث دم) انتهى، وعن عطاء كذلك ثلاث روايات. انظر: منسك عطاء ص (208 - 209).
شيء، وإبراهيم يقول: عليه دم، وضحك، وقال: الدم شديد)
(1)
، قال ابن تيمية:(لأن الإذن في ترك هذا المبيت لحاجة غير ضرورية تدل على أنه ليس من المناسك المؤكدة، فإن المناسك المؤكدة، لا يرخص في تركها لأحد)
(2)
.
- أما المزدلفة، فالكلام فيها قريب من الكلام في منى، وقد قال الإمام أحمد:(ليس أمر جمع عندي كعرفة، ولا أرى الناس جعلوها كذلك)
(3)
، ولذلك قال مانقله المعترض، أن الإمام أحمد: (سئل عمن لم يأت جمعاً؟ قال: ليس عليه شيء إذا أخطأ الطريق، أو كان جاهلاً، فليس عليه شيء إذا لم ينزل، وهو قول الحسن رضي الله عنه
(4)
، فهذا عاجز.
- وقد قال ابن تيمية: (من الأصول الكلية أن المعجوز عنه في الشرع ساقط الوجوب)
(5)
، (فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجباً في الأصل)
(6)
، و (الواجبات كلها تسقط بالعجز)
(7)
، و (الواجب إذا تركه من غير تفريط فلا دم عليه، بخلاف ما إذا تركه ناسياً أو جاهلاً)
(8)
، (كما سقط سائر الواجبات مع العجز كطواف
(1)
التعليقة الكبيرة (2/ 151)، شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الحج (2/ 645).
(2)
شرح العمدة-كتاب الحج (2/ 646).
(3)
المرجع السابق (2/ 607)، وانظر: الجامع لعلوم الإمام أحمد (8/ 125)، قال ابن تيمية: (ما احتج به أحمد من إجماع الناس
…
فذكر أنه لم ير أحداً من الناس سوى بينهما، مع معرفته لمذاهب الصحابة والتابعين، ومن بعدهم).
(4)
المرجع السابق (2/ 608)، وانظر: الجامع لعلوم الإمام أحمد (8/ 126).
(5)
مجموع الفتاوى (20/ 559).
(6)
المرجع السابق (20/ 61).
(7)
المرجع السابق (26/ 203).
(8)
المرجع السابق (26/ 240)، وقال:(والمتأخرون من أصحاب مالك أسقطوا عن المكاري الوداع وأسقط المبيت عن أهل السقاية والرعاية لعجزهم).
الوداع، وكما يباح للمحرم ما يحتاج إليه الناس من حاجة عامة كالسراويل والخفين فلا فدية عند أكثر العلماء)
(1)
.
- وأما قوله: (وابن المنذر في "الأوسط" يرى وجوب طواف الوادع، وقال: "لايجب بتركه شيء")
(2)
.
- فالجواب عنه: أن ابن المنذر يرى أن تارك الواجب يجب عليه دم و فاعل المحظور يجب عليه الفدية وقاس مالم يرد على ماورد، ويُعرف ذلك باستقراء اختياراته -وسيأتي شيء منها-، وهذا هو محل النقاش، أما انتقاء مسألة اختُلف في وجوبها، وخالف فيها لاعتبار آخر، فليس هذا بمخالف للإجماع.
- فقد قال ابن المنذر في الإحرام بعد الميقات: (من مر بالميقات وهو يريد الحج أو العمرة فلم يحرم حَتَّى رجع إِلَى الميقات، فإن لم يفعل وأحرم فعليه دم)
(3)
، وقال في الدفع من عرفة قبل الغروب: (إن أفاض منها قبل غروب الشمس عليه دم كذلك قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأحمد
…
وبقول عطاء، ومن وافقه أقول)
(4)
، وقال في ترك الرمي:(ومن فاته شيء من الرمي رمى في أيام التشريق، فإذا مضت أيام التشريق فقد فات الرمي وعليه دم)
(5)
، وقال في الأخذ من الأظفار:(وإذا أخذ المحرم أظفاره فعليه دم)
(6)
، وقال في لبس السراويل والخفين: (وله أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، ويلبس الخفين المقطوعين أسفل من
(1)
المرجع السابق (26/ 204 - 205).
(2)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (107).
(3)
الإقناع (1/ 205).
(4)
الإشراف (3/ 313).
(5)
الإقناع (1/ 223).
(6)
المرجع السابق (1/ 213).
الكعبين إذا لم يجد نعلين، فإذا وجد فلينزع وليخلع، فإن لم يفعل وترك ذَلِكَ عليه بعد الوجود افتداء)
(1)
، وقال في مباشرة الزوجة:(وإذا قبل الرجل زوجته أو باشرها أو جامعها دون الفرج فأنزل فعليه شاة)
(2)
.
- أما مسألة طواف الوداع وقوله: (لايجب بتركه شيء)
(3)
، فهو مبني على عدم وجوبه عنده كما قال النووي:(وقال مالك وداود وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه)
(4)
، لكن ابن حجر استدرك فقال:(والذي رأيته في "الأوسط" لابن المنذر: أنه واجب للأمر به، إلا أنه لا يجب بتركه شيء)
(5)
، فإن كان ذلك كذلك، فلعلّ سقوط الدم عنده؛ إما لأنه عنده ليس من المناسك بدليل سقوطه عن أهل مكة
(6)
، أو لأنه واجب لكنه دون الواجبات ولذلك سقط
(1)
المرجع السابق (1/ 214).
(2)
المرجع السابق (1/ 212)، وذكر مثل ذلك في الإشراف (3/ 207) إذا باشر وأنزل، وإذا باشر ولم ينزل فقد ذكر قول الثوري وجماعة بأن عليه دماً، ثم قال:(قول الثوري حسن).
(3)
نص عبارته في الإقناع (1/ 235): (ومن خرج ولم يودع فكان قريبًا رجع فودع، وإن لم يفعل فلا شيء عليه.
وقد قيل: عليه دم) انتهى، وأما العبارة التي نقلها من الأوسط فلعله نقلها بواسطة الفتح (3/ 585).
(4)
شرح النووي على مسلم (9/ 79).
(5)
فتح الباري (3/ 585).
(6)
قال البغدادي في شرح الرسالة (2/ 196): (والدليل على أنه لا دم في تركه: أن الحائض تتركه ولا دم عليها؛ فلو كان من النسك لكان عليها الدم ولكان لا فرق بينها وبين غيرها في ذلك) انتهى، وأما قول ابن عبدالبر في التمهيد (17/ 269):(أجمعوا أن طواف الوداع من النسك ومن سنن الحج المسنونة) انتهى، فلعله أراد أنه نسك مستقل؛ لقوله قبل ذلك في الصفحة نفسها عن الحائض:(وهذا تنبيه على أنه لم يبق عليها من النسك شيء، ومما يدل على ذلك أن أهل مكة والمقيمين بها لا وداع عليهم) انتهى، وقد قال النووي في المجموع (8/ 256): (هل طواف الوداع من جملة المناسك أم عبادة مستقلة؟ فيه خلاف
…
ومما يستدل به من السنة لكونه ليس من المناسك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً» ، وجه الدلالة: أن طواف الوداع يكون عند الرجوع وسماه قبله قاضيا للمناسك وحقيقته أن يكون قضاها كلها).
عن الحائض، فما لا يجب على كل أحد في كل حال ليس كالواجب في حال دون حال
(1)
.
- وله سلف فيما ذهب إليه فقد روى الإمام مالك: عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال:"من أفاض فقد قضى الله حجه. فإنه، إن لم يكن حبسه شيء، فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وإن حبسه شيء، أو عرض له فقد قضى الله حجه" قال مالك: ولو أن رجلاً جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت، حتى صدر. لم أر عليه شيئاً. إلا أن يكون قريبًا فيرجع فيطوف بالبيت. ثم ينصرف إذا كان قد أفاض)
(2)
.
- وأما قوله: (أن جملة من الفقهاء يخرجون ويعذرون الناسي، مع أن عمدتهم أثر ابن عباس، فما الذي أخرج الناسي مع نص ابن عباس عليه؟!)
(3)
، فهذا سبق الجواب عنه مفصّلاً عند الكلام على أثر ابن عباس، في الجواب عما ورد على مناقشته.
- وأما عقد النكاح، فهذا لايجب الفدية فيه؛ لأنه لم ينعقد النكاح بكلامه أصلاً، فكان وجوده كعدمه، (بخلاف باقي المحرمات لأنه استمتع بما هو محرم عليه)
(4)
، و (لأنه وسيلة وغيره مقصد والذي يجبر إنما هو المقاصد)
(5)
.
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (26/ 204)، وسبق عن عطاء وأحمد في منى ثلاث روايات، ولعل التردد لسقوطها في حالات.
(2)
موطأ مالك (1/ 370).
(3)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (107).
(4)
كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار ص (224).
(5)
الذخيرة (3/ 344).
- هذا على طريقة من لا ينعقد عنده النكاح، وأما من يفسده، وهم الحنابلة فـ (لأنه عقد فسد لأجل الإحرام، فلم يجب به فدية، كشراء صيد، فسد عقده لأجل الإحرام)
(1)
، فيفسد العقد، ولا جزاء فيه، (ولأنه من باب الأقوال والأحكام، وهذا الباب لا يوجب كفارة في الإحرام تختص به، كما لو تكلم بكلام محرم)
(2)
.
- هذا مع ما روى مالك، عن داود بن الحصين، أن أبا غطفان بن طريف المُرّي أخبره أن أباه طَريفاً تزوج امرأة وهو محرم (فرد عمر بن الخطاب نكاحه)
(3)
. ولم يذكر فدية، ولا خلاف في ذلك كما قال الزركشي عن زواج المحرم:(إذا خالف وفعل فلا فدية عليه بلا خلاف نعلمه)
(4)
.
- وبعد: فقد تبين أن جميع ما ذُكر لايخرج عن أحد ثلاثة أمور: إما ضعيف، وإما لأن المناط لم يتحقق وهو ترك النسك كاملاً، وإما أن هذا النسك قد خُفف فيه فلا يجزم بوجوبه، والأهم فيما سبق أن انتقاء مسألة لعالمٍ قال فيها بعدم الدم، مع عزلها عن فقهه في ترك الواجب وفعل المحظور غير سديد، ولا يتحقق به خرم الإجماع على المسألة العامة.
(1)
حاشية الروض المربع لابن قاسم (4/ 31).
(2)
شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (2/ 210)، ولعل من المناسب إيراد كلامه وتعليه: (ولا كفارة في النكاح; لأنه يقع باطلاً فلم يوجب الكفارة كشراء الصيد واتهابه; لأنه لا أثر لوقوعه فإن مقصوده لم يحصل، بخلاف الوطء واللباس ونحو ذلك، وكلما وقع على مخالفة الشرع وأمكن إبطاله= اكتفي بإبطاله عن كفارة أو فدية، بخلاف الأمور التي لا يمكن إبطالها; ولأنه من باب الأقوال والأحكام
…
) الخ.
(3)
موطأ مالك (1/ 349).
(4)
شرح الزركشي على الخرقي (3/ 145)، وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (7/ 155):(قال بعض العلماء: فيه الفدية، قياساً على اللباس؛ لأن ترفه الإنسان بالنكاح أشد من اللباس)، ولم أقف على حكاية الخلاف عند غيره.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بعدم وجوب الفدية في فعل المحظور أو ترك الواجب إلا في حلق الرأس و الوطء قبل التحلل:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن العباس بن عبد المطلب، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته، فأذن له»
(1)
.
وجه الاستدلال:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم (لم يأمره بدم وقد ترك واجباً)
(2)
.
- (ومثله الرعاة، وكمن ترك المبيت بمزدلفة شطر الليل الآخر، وكل ذلك واجب على المستطيع ومع ذلك لم يأمرهم بدم
…
وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز.
- فإن قيل: هؤلاء معذورون، قيل: كذلك كعب بن عجرة معذور حينما فعل محظوراً، فحلق رأسه، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالفدية؛ فدل على اختصاص الفدية بترك أعمال معينة وفعلها)
(3)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- (بأن ترك الواجب إذا أذن فيه الشرع: لم يجب فيه شيء، كترك الحائض طواف الوداع، وترك أهل السقاية والرعاة المبيت بمنى)
(4)
، وهذا واضح.
(1)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1745)، ومسلم (1315).
(2)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (103).
(3)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (104).
(4)
شرح العمدة لابن تيمية-كتاب الحج (2/ 280).
- وبين الأعذار المذكورة في الاعتراض فرق خلاصته (أن ترك واجبات الحج وفعل محظوراته يوجب الفدية: إذا فعلت لعذر خاص يكون ببعض الناس بعض الأوقات.
- فأما ما رُخص فيه للحاجة العامة وهو ما يحتاج إليه في كل وقت غالباً فإنه لا فدية معه، ولهذا رخص للرعاة والسقاة في ترك المبيت بمنى من غير كفارة؛ لأنهم يحتاجون إلى ذلك كل عام، ورخص للحائض أن تنفر قبل الوداع من غير كفارة؛ لأن الحيض أمر معتاد غالب)
(1)
.
- ولذلك فإن ابن عباس وتلميذه عطاء لم يوجبا الدم على من ترك المبيت بمنى لعذر، فقال ابن عباس:(لا بأس لمن كان له متاع بمكة أن يبيت بها ليالي منى)
(2)
، وجاء نحوه عن عطاء
(3)
، وهذا الوارد عنهما يبيّن تفريقهما بين المسائل كما يفرّق العلماء.
- وأما المزدلفة فقد سبق قول ابن تيمية: (الصواب أن وقت الوقوف لا يفوت إلى طلوع الشمس، فمن وافاها قبل ذلك فقد وقف بها)، وفتيا النبي صلى الله عليه وسلم لعروة (نص في [أن] مزدلفة تُدرك بعد طلوع الفجر كما تدرك قبل الفجر; لأن هذا السائل إنما وافاها بعد طلوع الفجر، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حجه، ولم يخبره أن عليه
(1)
المرجع السابق (2/ 41).
(2)
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (2/ 64)، وسعيد بن منصور كما ذكر ابن حزم في المحلى (5/ 195)، من طريق سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به وإسناده صحيح.
(3)
في مصنف ابن أبي شيبة (14380) قال عطاء: (لا بأس أن يبيت الرجل بمكة ليالي منى، إذا كان في ضيعة). أي: حرفة أو تجارة، انظر: منسك عطاء ص (208)، فقه عطاء في المناسك ص (572).
دماً)
(1)
، وسبقت فتيا عمر رضي الله عنه بنحوها و (لم يأمره عمر بدم، بل انتظره ليقف مع الناس، ولو كان وقت الوجوب قد ذهب لما كان لانتظاره معنى)
(2)
.
2/ ومن الأدلة: أنه (قد حج مع النبي صلى الله عليه وسلم مئة ألف، ومع هذا لم يُذكر دم، مع اليقين بوقوع المخالفة منهم)
(3)
.
ويمكن مناقشة هذا الدليل:
بأن غايته المطالبة بالدليل، وما ذُكر في أدلة أصحاب القول الأول كافٍ في مناقشته.
3/ واستدلوا: بحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة وعليه أثر الخلوق - أو قال: صفرة -، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «
…
اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق الصفرة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك»
(4)
.
وجه الاستدلال:
- أن الرجل تلبس بمحظورين من محظورات الإحرام، فـ (أمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الطيب، ونزع الجبة، ولم يأمره بشيء).
- و (الأصل براءة الذمة، وأموال الناس معصومة؛ فلا تنتزع إلا بدليل
(1)
شرح العمدة-كتاب الحج (2/ 612)، ومابين المعكوفين] [من طبعة دار عالم الفوائد (5/ 345).
(2)
المرجع السابق (2/ 614).
(3)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (103).
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري (1789) واللفظ له، ومسلم (1180).
بيّن، أما من باب الاحتياط من غير إيجاب، فالأمر واسع)
(1)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن هذا الحديث فيه تقرير لما سبق ذكره من الفرق بين فعل المحظور وترك الواجب.
- قال ابن تيمية: (فرّق أكثر العلماء في الصلاة والصيام والإحرام بين من فعل المحظور ناسياً، وبين من ترك الواجب ناسياً)
(2)
، وقال:(وأما فاعل المنهي عنه إذا كان نائماً أو ناسياً أو مخطئاً فهو معفو عنه ليس عليه جبران إلا إذا اقترن به إتلاف كقتل النفس والمال)
(3)
، وقال:(ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن من فعل محظورا مخطئاً أو ناسياً لم يؤاخذه الله بذلك وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله)
(4)
.
- ولذلك قال الخطابي هنا: (في الحديث دليل أن المحرم إذا لبس ناسياً فلا شيء عليه؛ لأن الناسي في معنى الجاهل، وذلك أن هذا الرجل كان حديث العهد بالإسلام جاهلاً بأحكامه؛ فعذره النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلزمه غرامة)
(5)
، وقال النووي:(وفيه أن من أصابه في إحرامه طيب ناسياً أو جاهلاً لا كفارة عليه، وهذا مذهب الشافعي، وبه قال عطاء والثوري وإسحاق وداود)
(6)
.
(1)
صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص (105).
(2)
مجموع الفتاوى (18/ 258)، في المغني (3/ 473):(للنسيان أثره في ترك الموجود كالمعدوم، لافي جعل المعدوم موجوداً).
(3)
مجموع الفتاوى (20/ 95).
(4)
المرجع السابق (25/ 226).
(5)
معالم السنن (2/ 175)، وانظر: الإشراف لابن المنذر (3/ 272)، التمهيد (15/ 121).
(6)
شرح مسلم (8/ 77)، وانظر: شرح البخاري لابن بطال (4/ 206)، فتح الباري لابن حجر (3/ 395).
- وهذا ما صرّح به عطاء فقال: (النسيان والجهالة سواء، ليس عليه في الثياب ولا في الطيب شيء، يقول: إذا لبس أو تطيب ناسياً)
(1)
، وهو امتداد لمدرسة ابن عباس كما سبق، والمقصود إظهار تفريقهم بين المسائل وأن ما ذُكر لا يستدرك عليهم.
- قال الإمام للشافعي: (من لبس ما ليس له لبسه قبل الإحرام، جاهلاً بما عليه في لبسه أو ناسياً لحرمه، ثم يثبت عليه أي مدة ما ثبت عليه بعد الإحرام، أو ابتدأ لبسه بعد الإحرام جاهلاً بما عليه في لبسه أو ناسياً لحرمه أو مخطئاً به، وذلك أن يريد غيره فيلبسه، نزع الجبة والقميص نزعاً ولم يشقه ولا فدية عليه في لبسه وكذلك الطيب قياساً عليه)
(2)
.
- وأما البراءة الأصلية فقد تكرر أنها آخر مدار الفتوى، ورتبتها متأخرة في الاستدلال، فلا يركن إليها إلا عند عدم الدليل، وقد توسّع بها بعض الظاهرية، فخالفوا الأمة في مسائل كبار؛ لاضطرابهم في الإجماع
(3)
، وإغفالهم قول الصحابي في الاحتجاج.
سبب الخلاف:
- يظهر في سبب الخلاف هو عدم اعتبار قول الصحابي الذي
(1)
أخرجه أبوداود في مسائله للإمام أحمد ص (156) قال: ثنا أحمد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء به، وهو صحيح، وفي معلقات البخاري (3/ 17) المجزوم بها:(قال عطاء: إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه).
(2)
الأم (2/ 167).
(3)
ومن ذلك ماقاله أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري في "نواد الإمام ابن حزم" السفر الثاني ص (132): (مذهب ابن حزم في الإجماع مضطرب جداً)، وسبق بيان موقف الشوكاني من الإجماع في ختم مسألة طهارة الدم الكثير.
لايعرف له مخالف، وهي مسألة تتعلق بالأصل، وبعض المعاصرين يضطرب في اعتباره، أما الظاهرية فيطردون في عدم اعتباره.
- والقول المعاصر في المسألة له علاقة بقول ابن حزم من حيث عدم إيجاب الفدية أو الدم إلا في المنصوص
(1)
، لكن ابن حزم يبطل الحج بتعمد أي معصية ومنها ترك الواجب أو فعل المحظور ولا يفرق بين ترك الركن والواجب
(2)
، وبهذا فارقه.
- ثم أخذ الشوكاني تقرير ابن حزم بعدم إيجاب الدم أو الفدية، وخففّه فلم يبطل حج من تعمّد المعصية حتى وإن كان ذلك بالوطء قبل التحلل، فلا بطلان ولا فدية، ثم أخذ بعض المعاصرين قول الشوكاني، وخالفوه في مسألة الوطء، وخالفوا ابن حزم في عدم البطلان، وخالفوا الجمهور في عدم الفدية، فأتى قولاً جديداً.
- فالشوكاني أول من قرر هذا التقرير العام، واطرد اطراداً شاذاً لم يسبق إليه
(3)
، فلم يوجب الفدية حتى في تعمّد الجماع، وقال: (غايته أن فاعله إذا تعمد أثم
…
وإذا عرفت أنه لا دليل على أن
(1)
قال في المحلى (5/ 231): (ولا يجوز أن يوجب فدية، أو غرامة، أو صيام، لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال (5/ 300): (ولا يجوز شرع هدي، ولا إيجاب صيام، ولا إلزام غرامة إطعام، ولا صدقة، إلا بقرآن، أو سنة).
(2)
قال في المحلى (5/ 291): (فلو تعمد لباس ما حرم عليه أو فعل ما حرم لغير ضرورة: بطل حجه وإحرامه)، وقال (5/ 295):(وأما من تعمد ما حرم عليه فقد فسق، والفسوق يبطل الحج كما قدمنا)، وسبق قوله (5/ 197):(وكل من تعمد معصية أي معصية كانت -وهو ذاكر لحجه مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة - فقد بطل حجه).
(3)
في رسالة "أحكام الفدية في الحج" ص (339) قال: (لم أجد من الأئمة السابقين من وافقه، فقد خالف بهذه المسألة، ونفى أن يفسد حج المحرم بالجماع مطلقاً).
الجماع عمداً مبطل للحج، فكيف يبطل الجماع سهواً أو جهلاً؟)
(1)
. وقال: (واعلم أنه ليس في الباب من المرفوع ما تقوم به الحجة والموقوف ليس بحجة)
(2)
، ولم أقف من تابعه إلا صديق خان فقال:(فمن وطئ قبل الوقوف أو بعده، قبل الرمي أو قبل طواف الزيارة، فهو عاص يستحق العقوبة، وتغفر له بالتوبة، ولا يبطل حجه، ولا يلزمه شيء)
(3)
.
- وقد كان يلزم من تابعه من المعاصرين في هذه المسألة أن يتابعوه في هذا الفرع، و إلا كان اضطراباً في مسألة واحدة بابها واحد وهو قول الصحابي الذي ليس له مخالف، وقد قال ابن المنذر:(أعلى شيء روي فيمن وطئ في حجه، حديث ابن عباس: سئل ابن عباس: عن رجل وقع على امرأته وهو محرم فقال: عليهما الحج من قابل، ويتفرقان من حيث يحرمان، ولا يجتمعان حتى يقضيا حجهما، وعليهما الهدى)
(4)
.
- والشوكاني صرّح بعيب متابعة السلف في الحج، في سياقٍ كان الأصل فيه أن يكون مدحاً، حين قال:(وكثيراً من مسائل الحج قد قلّد فيه آخر هذه الأمة أولها، مع كونها مبنية على شفا جرفٍ هارٍ)
(5)
، هكذا قال! وقال في التأصيل العام:(تقرر في الأصول أن قول الصحابي ليس بحجة، وليس في الباب إلا أقوال صحابة)
(6)
.
(1)
السيل الجرار ص (342).
(2)
نيل الأوطار (5/ 21).
(3)
الروضة الندية (2/ 76).
(4)
الإشراف (3/ 201).
(5)
وبل الغمام (1/ 563).
(6)
نيل الأوطار (4/ 357)، وانظر: إرشاد الفحول (2/ 188)، السيل الجرار ص (331).
- مع أن الشأن هنا ليس هو قول الصحابي فقط، بل هو قول اشتهر ووافقه بعض الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، وأطبق عليه أئمة الأمصار ومن بعدهم، وقد أقر بذلك الصنعاني حين قال:(فالعجب إطباق المفرعين على إيجاب الدم في محلات كثيرة والدليل كلام ابن عباس)
(1)
، وقد (انعقدت فتاوى أهل العلم على الإلزام بالدم لمن أخل بشيء من نسكه الواجب، من لدن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علماء الأمصار من التابعين، إلى أئمة المذاهب الأربعة، إلى مدونات أهل الإسلام في قرون متطاولة وما على المنازِع إلا أن يتصفَّح في المصنفات والمدونات، من فتاوى التابعين ومن بعدهم
…
[و] المخالف في هذه المسألة متأخر جداً، وفي محل ناءٍ عن معقد الإجماع)
(2)
.
- وقد رصدتُ ماورد من إلزام بالدم على ترك الواجب أو الفدية في فعل المحظور، من مصنف ابن أبي شيبة فقط، فكانت النتيجة كبيرة، مع استبعادي لفدية حلق الرأس وجزاء الصيد المنصوص عليهما ولكثرة الجزاءات في الصيد
(3)
.
- وقول الصحابي ليس على درجة واحدة
(4)
، وقد لخّص ابن تيمية
(1)
حاشية إحكام الأحكام (3/ 581).
(2)
د. فؤاد الهاشمي، من ندوة مناسك الحج (1429) هـ، الحلقة (7)، في الملتقى الفقهي.
(3)
ينظر في مصنف ابن أبي شيبة، الطبعة التي حققها الدكتور سعد الشثري [وهي غير طبعة كمال الحوت التي اعتمدت ترقيمها في سائر البحث]: من المجلد السابع الصفحات الآتية: (422، 446، 448، 516، 520)، ومن المجلد الثامن الصفحات الآتية:(29، 33، 53، 69، 70، 72، 113، 140، 171، 202، 209، 236، 269، 274، 277، 278، 323، 353، 365، 378، 420، 440، 451، 460، 467، 472، 472، 539)، ومن المجلد التاسع الصفحات الآتية:(45، 53، 70، 119، 142، 146).
(4)
ما له حكم الرفع أو كان عن بني إسرائيل ليس مقصوداً هنا.
درجاته بقوله: (وأما أقوال الصحابة: فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء
(1)
.
- وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء.
- وإن قال بعضهم قولاً ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر
(2)
؛ فهذا فيه نزاع وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك، وأحمد في المشهور عنه، والشافعي في أحد قوليه وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع ولكن من الناس من يقول: هذا هو القول القديم)
(3)
.
- ومسألتنا مما اشتهر ولم ينكر فهي إجماع كما تقدم في دليل الإجماع، فإن امتنع فهو قول الصحابي الذي لم يعلم اشتهاره لكنه لم يخالف فهو حجة، وقد جعل ابن القيم الخلاف في الاحتجاج به عن المتأخرين والمتكلمين، أما الأئمة فيحتجون به، فقال: (وأئمة الإسلام كلهم على قبول قول الصحابي
…
وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، وأكثر المتكلمين إلى أنه ليس بحجة)
(4)
.
- وحصل إشكال في قول الشافعي في الجديد، قال ابن القيم: (وهو
(1)
وهو الإجماع السكوتي، قال ابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 92): (فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة
…
وقالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين: لا يكون إجماعاً ولا حجة).
(2)
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 92): (وإن لم يشتهر قوله أو لم يعلم هل اشتهر أم لا؟ فاختلف الناس، هل يكون حجة أم لا؟ فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة).
(3)
مجموع الفتاوى (20/ 14).
(4)
إعلام الموقعين (4/ 94).
منصوص الشافعي في القديم والجديد، أما القديم فأصحابه مقرون به، وأما الجديد فكثير منهم يحكى عنه فيه أنه ليس بحجة، وفي هذه الحكاية عنه نظر ظاهر جداً)
(1)
إلى أن قال: (ونحن نشهد بالله أنه لم يرجع عنه)
(2)
.
- وقد قال ابن كثير: (قال البيهقي عن الحاكم، عن الأصم محمد بن يعقوب، عن الربيع، عن الشافعي، أنه قال: الأصل كتاب الله، أو سنة، أو إجماع الناس، أو قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدل الدليل على أن مذهبه: أن قول الصحابي حجة، وهو الذي عول عليه البيهقي وغيره من الأصحاب، وزعم الأكثرون منهم: الشيخ أبو حامد الإسفراييني، أنه رجع عن هذا في الجديد، ورأى فيه أن قول الصحابي ليس بحجة)
(3)
.
- قال الزركشي: (واعلم أن هذا القول اشتهر نقله عن القديم، وقد نص عليه الشافعي في الجديد أيضاً، وقد نقله البيهقي، وهو موجود في كتاب الأم، في باب خلافه مع مالك، وهو من الكتب الجديدة فلنذكره) إلى أن قال: (وهذا صريح منه في أن قول الصحابي عنده حجة مقدمة على القياس
…
فيكون له قولان في الجديد، وأحدهما موافق للقديم وإن كان قد غفل عن نقله أكثر الأصحاب)
(4)
.
- وأختم بقول الشافعي في الأم: (ونتبع ابن عباس في قوله: من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)
(5)
.
(1)
المرجع السابق (4/ 92)
(2)
المرجع السابق (4/ 93).
(3)
طبقات الشافعيين ص (45 - 46).
(4)
البحر المحيط (8/ 58 - 59).
(5)
الأم (1/ 328)، وهو في سياق مناقشة لقول، وقال أيضا (7/ 258): وقال: (وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها، فيأخذ بقول ابن عباس: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دماً، فيقيس عليه ما شاء الله من الكثرة، ويترك قوله في غير هذا منصوصاً لغير معنى).
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بعدم وجوب الفدية في فعل المحظور أو ترك الواجب إلا في حلق الرأس و الوطءقبل التحلل، إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته للإجماع، و لا يعرف هذا التقرير في القرون المفضلة ولا بعدها إلى عصرنا.
وهذا التقرير العام للمسألة بداية نشأته: رأي ابن حزم في عدم إيجاب الفدية أو الدم إلا في المنصوص، وردّه للقياس وعدم اعتبار الصحابي، لكن ابن حزم يبطل الحج بتعمد أي معصية، كترك الواجب و فعل المحظور، ومن ذلك الوطء قبل التحلل و بعده، كما قال:(وإن وطئ وعليه بقية من طواف الإفاضة أو شيء من رمي الجمرة فقد بطل حجه)
(1)
.
ثم أخذ الشوكاني تقرير ابن حزم بعدم إيجاب الدم أو الفدية، وخففّه فلم يبطل حج من تعمّد المعصية، حتى وإن كان ذلك بالوطء قبل التحلل، فلا بطلان ولا فدية، فاطرد في عدم اعتبار قول الصحابي، ثم أخذ بعض المعاصرين قول الشوكاني المُلفّق، وخالفوه في مسألة الجِماع، وخالفوا السلف في الفدية، وخالفوا ابن حزم في البطلان، فأصبح قولاً هجيناً مخالفاً لكل الأقوال.
والخلاف إنما هو في الأصول الثلاثة: الإجماع والقياس وقول
(1)
المحلى (5/ 200).
الصحابي، فالأول اضطرب فيه الظاهرية، والثاني ردوه، والثالث لم يعتبروه، والمعاصر اضطرب في كل الثلاثة.
ولم يثبت بعد البحث مخالف يصح أن يُخرم به الإجماع، وهو قول ابن عباس في ترك الواجب ووافقه ابن عمر ولايعرف لهما مخالف، وجاء عن ثلاثة من الصحابة في فعل المحظور، حين قاسوا غير حلق الرأس عليه، ولا يعرف لهم مخالف.
وهو ماعليه أئمة الأمصار في الأقطار المختلفة لا يعرف عندهم خلاف هذا القول، بل الأصل عندهم هو الدم على من ترك واجباً، والفدية على من فعل محظوراً، والله أعلم.
المبحث الخامس: جواز الأضحية بغير بهيمة الأنعام
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(مذاهب غير هؤلاء [الأئمة الأربعة] لم تشتهر ولم تنضبط، فربما نُسب إليهم ما لم يقولوه، أو فُهم عنهم ما لم يريدوه، وليس لمذاهبهم من يذبّ عنها، ويُنبّهُ عَلَى ما يقع من الخلل فيها بخلاف هذه المذاهب المشهورة).
ابن رجب رحمه الله الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة في مجموع رسائله (2/ 626)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الأضحية لغة: (فيها أربع لغات، يقال: أُضحيَّة وإِضحيَّةٌ
…
وضحيَّة .. وأَضْحَاةٌ)
(1)
، وهي:(اسم لما يضحى بها أي: يذبح)
(2)
، (إنما سميت بذلك لأن الذبيحة في ذلك اليوم لا تكون إلا في وقت إشراق الشمس)
(3)
.
والأضحية في الاصطلاح: (ما يذبح من بهيمة الأنعام، أيام النحر، بسبب العيد، تقرباً إلى الله تعالى)
(4)
، وقيد "بسبب العيد" ليخرج (ما يذبح بسبب نسك أو إحرام)
(5)
.
وبهيمة الأنعام: (هي الإبل والبقر والغنم
…
قال ابن جرير: وكذلك هو عند العرب)
(6)
، (والعرب إذا أفردت النعم لم يريدوا بها إلا الإبل، فإذا قالوا: الأنعام، أرادوا بها الإبل والبقر والغنم)، كما قال الفراء
(7)
.
وقد قال الله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}
(8)
، قال الإمام الشافعي: (فلا أعلم مخالفاً أنه عنى: الإبل والبقر
(1)
تهذيب اللغة (5/ 100)، مقاييس اللغة (3/ 392)، لسان العرب (14/ 477).
(2)
أنيس الفقهاء ص (103)، وانظر: تهذيب اللغة (5/ 100)، لسان العرب (14/ 477).
(3)
مقاييس اللغة (3/ 392).
(4)
الإقناع للحجاوي (1/ 401)، و انظر: النجم الوهاج (9/ 499).
(5)
كشاف القناع (2/ 530).
(6)
تفسير ابن كثير (3/ 6).
(7)
تهذيب اللغة (3/ 6)، لسان العرب (12/ 185)، قال الشنقيطي في الأضواء (1/ 199): (ربما أطلقت العرب لفظ النعم على خصوص الإبل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«من حمر النعم» يعني: الإبل. وقول حسان رضي الله عنه: وكانت لا يزال بها أنيس
…
خلال مروجها نعم وشاء).
(8)
من الآية (1) من سورة المائدة.
والغنم والضأن، وهي الأزواج الثمانية)
(1)
، وبيّن الله في القرآن أن الأنعام (ثمانية أصناف هي: الجمل، والناقة، والثور، والبقرة، والكبش، والنعجة، والتيس، والعنز، كقوله تعالى:{وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا}
(2)
، ثم بين الأنعام بقوله:{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ}
(3)
، يعني: الكبش والنعجة، {وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ}
(4)
، يعني: التيس والعنز، إلى قوله:{وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ}
(5)
، يعني: الجمل والناقة، {وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ}
(6)
، يعني: الثور والبقرة، وهذه الثمانية هي المرادة بقوله:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}
(7)
، وهي المشار إليها بقوله:{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا}
(8)
(9)
، قال الماوردي:(اختص هذه الأزواج الثمانية من النعم بثلاثة أحكام: أحدها: وجوب الزكاة فيها. والثاني: اختصاص الأضاحي بها. والثالث: إباحتها في الحرم والإحرام)
(10)
، قال ابن القيم:(ولم يُعرف عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة= هدي، ولا أضحية، ولا عقيقة، من غيرها، وهذا مأخوذ من القرآن)
(11)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
…
(اتفقوا أن التضحية بخنزير وبما لا يحل أكله لا يجوز)
(12)
.
2.
…
(أما الوحش فلا اختلاف في أنه لا يتقرب إلى الله بشيء منها، ولا ينسك به في هدي، ولا ضحية، ولا عقيقة، ولا فيما سوى ذلك من الأشياء)
(13)
.
(1)
الأم (2/ 213).
(2)
من الآية (142) من سورة الأنعام.
(3)
من الآية (143) من سورة الأنعام.
(4)
من الآية السابقة.
(5)
من الآية (143) من سورة الأنعام.
(6)
من الآية السابقة.
(7)
من الآية (6) من سورة الزُّمَر.
(8)
من الآية (11) من سورةالشورى.
(9)
أضواء البيان (1/ 198).
(10)
الحاوي الكبير (15/ 76).
(11)
زاد المعاد (2/ 285).
(12)
مراتب الإجماع ص (154)، وانظر: الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 303).
(13)
البيان والتحصيل (3/ 353).
3.
…
(والذي يضحى به بإجماع من المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر)
(1)
، و (نقل جَماعة إجماع العلماء [أن] التضحية لا تصح إلا بالإبل أو البقر أو الغنم، فلا يجزئ شئ من الحيوان غير ذلك)
(2)
، وحكي عن بعضهم جوازها في البقر الوحشي وفي الظبي
(3)
، بل ذهب ابن حزم إلى أن (الأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع، أو طائر)
(4)
، وذهب أحد المعاصرين إلى تجويز الأخذ برأي ابن حزم، وحُكم على رأيه بالشذوذ، وهذا هو المراد بحثه، وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
التمهيد (23/ 188)، وفي بداية المجتهد (2/ 192):(أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام).
(2)
المجموع (8/ 394)، ومابين المعكوفين تصحفت إلى [عن] ولا يستقيم معها المعنى.
(3)
قال ابن حزم في المحلى (6/ 30): (الحسن بن حي يجيز الأضحية ببقرة وحشية عن سبعة، وبالظبي أو الغزال عن واحد)، ونقله ابن المنذر قبله في الإشراف (3/ 406)، قال النووي في المجموع (8/ 394):(وبه قال داود في بقرة الوحش)، وهو قول عند الحنابلة، قال المرداوي في الإنصاف (4/ 75):(لا يجزئ بقر الوحش في الأضحية على الصحيح من المذهب؛ كالزكاة، قال في الفروع: لا يجزئ في هدي ولا أضحية في أشهر الوجهين. وجزم به في المغني، والشرح، وغيرهما، وقيل: يجزئ).
(4)
المحلى (6/ 28) وقال: (كالفرس، والإبل، وبقر الوحش، والديك، وسائر الطير، والحيوان الحلال أكله)، ولابن المِبْرد الحنبلي رسالة بعنوان:"الرد على من شدّد وعسّر في جواز الأضحية بما تيسّر"، مطبوع ضمن مجلة الحكمة العدد (24)، وقد تبع فيها رأي ابن حزم.
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
د. سعد الدين الهلالي
(1)
، في عرضه لرأي ابن حزم وتجويزه للناس
(1)
سعد الدين مسعد هلالي، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، حاصل على درجة الأستاذية عام (1417) هـ، ومن مؤلفاته: البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية، أحكام المسنين، الثلاثونات فى القضايا الفقهية المعاصرة، وله عدد من الآراء التي وصفت بالشذوذ، ووجدت أن سبب ذلك هو منهجه في الفتوى، الذي يقوم على طرح الآراء على العامة، مع ترك الخيار للمقلد باختيار القول بحسب فطرته، وقربه من عقله! كما قال في كتابه الثلاثونات ص (5):(وبهذا تجتمع الشريعة الإسلامية بين كمال الأوجه المحيطة بالموضوع -والتي يستنبطها المجتهدون بملكتهم-، وبين سعة الاختيار من تلك الأوجه بحسب استباق الفهم أو قربه من عقل المكلف الذي لايتمتع بملكة الاجتهاد. فلا مشقة ولا حرج على عامة المكلفين أن يتنقلوا بين تلك الأوجه صحيحة الاستنباط بحسب قناعتهم العقلية التي يدينون الله تعالى بها، بل يجب على المكلف أن يلتزم وجه الحق القريب من موقعه العقلي على قدر علمه وخبرته وفطرته) هكذا قال! وهو يردد هذا المعنى كثيراً في برامجه، والتخيير عنده لا يقف على الأقوال الفقهية بل حتى في الأديان، فلنتجاوز ذكر شذوذاته الفروعية لنقف على هذا الانحراف الخطير، حين حكم على جميع أهل مصر بالإسلام؛ لأن كل من شهد بألا إله إلا الله، ولم يدّعِ الألوهية فهو مسلم، ولا يشترط أن يشهد أن محمداً رسول الله، وهذا نص كلامه [من لقاء له على قناة اليوم في برنامج القاهرة اليوم] قال:(كان نسبة المصريين المسلمين (98) %، يعني تقريباً كل المصريين مسلمين، وحتى الـ (2) % على أحد القولين في الفقه الإسلامي هم مسلمين، اللي هم مسالمين، لأن المسلم هو من سالم، مش المسلم هو من نطق الشهادتين، من نطق الشهادة وحده بس، لا إله إلا الله صار مسلم، بقول كثير من أهل العلم، فنحن نحترم هذا الرأي؟ أو نهمشه؟ إذا كانوا هيهمشوه إذن هم أوصياء دينين، فنحن مع الرأي اللي بيقول: إن من قال لا إله إلا الله صار مسلم، كونه يؤمن بسيدنا محمد، أو يؤمن بسيدنا عيسى ويكتفي، أمر يرجع إلى قناعته وسيحاسب يوم القيامة على قناعته وهو وسلامة ونيته، يعني المسألة ترجع للنوايا التي لايعرفها غير ربنا، فليس من حقنا أن نتدخل طالما ماقال: إنه إله، فهذا يعني تقريباً أن المصريين كلهم مسلمين) انتهى، وقد صدر عن الأزهر بيان بخصوص ذلك مما جاء فيه: (ساء الأزهر الشريف وعلماؤه ما تناقلته وسائلُ الإعلام في الآونة الأخيرة من تصريحاتِ أحد المُنتسِبين إليه يَزعُم فيها: "أنَّ المسلم هو مَن سالَم، وليس مَن نطق بالشهادتين، بل لو نطَق شهادة "لا إله إلا الله" فقط صار - في زَعمِه - مسلمًا، ناسبًا ذلك إلى بعض أهل العلم. وهذا الزعم يُنبِئ عن فكرٍ منحرفٍ فيه مخالفةٌ جريئةٌ للنصوص الصريحة من الكتاب والسُّنَّة
…
والأزهر إذ يَتبرَّأ من هذه الأفكار الشاذة فإنَّه يُشدِّد على عدم الانخداع بها، ويُوصِي بعدم الالتفات إليها)، و البيان نقله كثير من الصحف، وهو منشور في "الصفحة الرسمية للأزهر الشريف" كما في الرابط: https:// www.facebook.com/ OfficialAzharEg/ posts/ 988883071125786
العمل به
(1)
.
(1)
في مقطع بعنوان "سعد الهلالي تجوز الأضحية بفرخة" قال عند الثانية (18): (مذهب الظاهرية، يعني مذهب كامل، المذهب الخامس من مذاهب أهل السنة
…
أنا عايز الناس تقرأ كتاب المحلى، مكتوب فيه صراحة كذا: إن الأضحية تجوز من كل حيوان يؤكل
…
طير أو حيوان
…
حقه من البداية
…
حتى لو يملك؛ لأن الأضحية هي ذبح لله عز وجل للتوسعة على النفس، والتذكر بشعيرة فداء سيدنا إسماعيل عليه السلام
…
هذا وهذاك مذهب، كون الخطاب الديني يخبي على الناس رأي الظاهرية، دا مش ظلم للناس؟!) انتهى، وله مدافعة عن هذا الطرح في لقاء آخر من برنامج نظرة بعنوان "لقاء خاص مع الدكتور سعد الدين الهلالي حول الأضحية"، بعد سيل الانتقادات التي وجهت إليه، وبأدنى عملية بحث في النت عن: الهلالي والأضحية، ستخرج نتائج كثيرة جداً، فلا داعي للتطويل هنا، وأشير إلى أنه نُقل عن عميد كلية الشريعة التابعة لجامعة مرمرة بإسطنبول الدكتور زكريا بياز القول بجواز أن تكون الأضحية دجاجة، خاصة للمواطنين الفقراء غير القادرين على شراء خروف أو بقرة، وجاء في صحيفة الشرق الأوسط العدد (8132): (ساند الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس مركز بحوث السنة والسيرة في جامعة قطر
…
الفتوى التركية التي تجيز ذبح الدجاج كأضحية بدلاً من الخراف في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعاني منها تركيا) انتهى، ولم يظهر لي ذلك من خلال كلامه الذي نقلوه من اتصال خاص بالصحيفة، فالله أعلم.
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع المحكي، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه ونحوه، ومن ذلك:
- ابن عبدالبر (ت 463) بقوله: (قد أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية إلا من شذّ ممن لا يعد خلافاً)
(1)
.
- وظفر التهانوي (ت 1394) بقوله: (ما روي عن الحسن بن صالح وداود، في بقر الوحش والظباء، كله شاذ مردود بالكتاب والسنة والإجماع)
(2)
.
- ومصطفى العدوي بقوله: (قول القائل بأنه تجوز الأضحية بالطيور قولٌ باطلٌ)
(3)
.
(1)
الاستذكار (5/ 321).
(2)
إعلاء السنن (17/ 208)، والتهانوي له ترجمة مختصرة في المبحث الثاني، من مباحث الزكاة.
(3)
في مقطع بعنوان "رد الشيخ العدوي على فتوى سعد الهلالي (جواز الأضحية بالطيور) "في اليوتيوب من الثانية الأولى.
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بعدم جواز الأضحية بغير بهيمة الأنعام:
1/ قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}
(1)
(2)
.
وجه الاستدلال:
- أن قوله: ({عَلَى مَا رَزَقَهُمْ} أي على ذبح ما رزقهم، {مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، والأنعام هنا الإبل والبقر والغنم)
(3)
.
- يؤيد ذلك أنه (لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه صلى الله عليه وسلم التضحية بغيرها)
(4)
، (ولأن التضحية عبادة تتعلق بالحيوان فتختص بالنعم كالزكاة)
(5)
.
(1)
سورة الحج من الآية (34).
(2)
سورة الحج من الآية (28)، وفي كفاية النبيه لابن الرفعة (8/ 75) عن أصحابهم أنهم:(قالوا: التضحية تختص بالنعم؛ لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} وهي: الإبل، والبقر، والغنم، كما نقله المفسرون)، وينظر استدلال المذاهب بالآية أو التي قبلها: البيان والتحصيل (3/ 353)، المهذب في فقة الإمام الشافعي (1/ 433)، الكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 543).
(3)
تفسير القرطبي (12/ 44).
(4)
الشرح الكبير للرافعي (12/ 62)، وانظر: مغني المحتاج (6/ 125).
(5)
أسنى المطالب (1/ 535)، وانظر: المرجعين السابقين.
- و (لأن الأضحية عرفت قربة بالشرع، وإنما ورد الشرع بها من الأنعام، ولأن إراقة الدم من الوحشي ليس بقربة أصلاً والقربة لا تتأدى بما ليس بقربة)
(1)
.
ونوقش الاستدلال:
أن الأنعام خصت بالذكر لكونها الأغلب أو لكونها الأفضل، وذلك لايمنع غيرها
(2)
.
ويمكن مناقشة الاستدلال:
أن هذا مخالف للأصل، فالأصل أن التخصيص بالذكر على بابه، في نفي الحكم عن غير المذكور، خاصة وأنه لم يثبت التضحية بغيرها، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته لا بالقول و لا بالفعل، فلو ورد لقيل بالتفسير الذي ذكره ابن المبرْد (ت 909).
2/ الدليل الثاني هو: الإجماع.
وقد نقل الإجماع على الاقتصار على الأنعام في الأضحية غير واحدٍ من العلماء:
1.
قال ابن عبدالبر (ت 463): (اختلف العلماء فيما لا يجوز من أسنان الضحايا والهدايا، بعد إجماعهم أنها لا تكون إلا من الأزواج الثمانية)
(3)
.
4.
وقال ابن رشد الجد (ت 520): (أما الوحش فلا اختلاف في أنه لا
(1)
المبسوط للسرخسي (12/ 17).
(2)
"الرد على من شدد وعسّر في جواز الأضحية بماتيسر" ص (168).
(3)
الاستذكار (4/ 250)، وفي التمهيد (23/ 188) قال:(والذي يضحى به بإجماع من المسلمين الأزواج الثمانية، وهي الضأن، والمعز، والإبل، والبقر).
يتقرب إلى الله بشيء منها، ولا ينسك به في هدي، ولا ضحية، ولا عقيقة)
(1)
.
2.
وقال ابن رشد الحفيد (ت 595): (أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام)
(2)
، وقال:(وكلهم مجمعون على أنه لا تجوز الضحية بغير بهيمة الأنعام إلا ما حكي عن الحسن بن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، والظبي عن واحد)
(3)
.
3.
وقال الرافعي (ت 623): (وتختص التضحية بالأنعام إجماعاً
…
والأنعام: هي الإبل والبقر والغنم، ولم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم التضحية بغيرها)
(4)
.
4.
وقال القرطبي (ت 671): (والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية: وهي الضأن والمعز والإبل والبقر)
(5)
.
5.
وقال النووي (ت 676): (نقل جماعة إجماع العلماء أن التضحية لا تصح إلا بالإبل، أو البقر، أو الغنم، فلا يجزئ شيء من الحيوان غير ذلك)
(6)
، وقال:(وأجمع العلماء على أنه لا تجزي الضحية بغير الإبل والبقر والغنم، إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبي عن واحد، وبه قال داود في بقرة الوحش)
(7)
.
(1)
البيان والتحصيل (3/ 353).
(2)
بداية المجتهد (2/ 192).
(3)
المرجع السابق (2/ 193).
(4)
الشرح الكبير (12/ 62)، قال ابن الرفعة في كفاية النبيه (8/ 75):(ادعى الرافعي الإجماع على اختصاصها بالأنعام).
(5)
تفسير القرطبي (15/ 109).
(6)
المجموع (8/ 394).
(7)
شرح النووي على مسلم (13/ 117 - 118).
6.
وقال الدّميري (ت 808): ("ولا تصح إلا من إبل وبقر وغنم" بإجماع)
(1)
.
7.
وقال الحصني الشافعي (ت 828): (أن يكون من الإبل والبقر والغنم بأنواعها
…
ولا يجزئ من غيرها بالإجماع)
(2)
.
8.
وقال زكريا الأنصاري (ت 926) في شروط الاضحية: ("كونها من النعم"، وهي الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها بالإجماع
…
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه التضحية بغيرها)
(3)
.
9.
وقال الشربيني (ت 977): ("ولا تصح" أي الأضحية "إلا من إبل وبقر وغنم" بسائر أنواعها بالإجماع
…
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه التضحية بغيرها)
(4)
.
10.
وقال المغربي (ت 1119): (والإجماع على أنه لا يجوز الضحية بغير بهيمة الأنعام، إلا ما حكِي عن الحسن بن صالح، أنه يجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة والظبي عن واحد. وما روي عن أسماء بنت أبي بكر قالت: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيل. وعن أبي هريرة أنه ضحى بذلك)
(5)
، وقال الصنعاني (ت 1182) نحوه
(6)
.
(1)
النجم الوهاج في شرح المنهاج (9/ 502).
(2)
كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار ص (528).
(3)
أسنى المطالب (1/ 535).
(4)
مغني المحتاج (1/ 86)، ويلاحظ أنها نحو عبارة شيخه الأنصاري، وعبارة الانصاري نحو عبارة الرافعي.
(5)
البدر التمام (9/ 418)، وقوله عن أبي هريرة:(ضحى بذلك)، الظاهر أنها تصحيف، والصواب:(ضحى بديك)؛ لأنه تبع لابن حجر في عبارته كما في التلخيص الحبير (4/ 342)، وفيه أنه ضحى بديك، كما أن ذلك هو الموجود في مختصر البدر التمام، وهو سبل السلام (2/ 537)، والمشهور في ذلك عن بلال رضي الله عنه، كما سيأتي.
(6)
سبل السلام (2/ 537).
11.
وقال ظفر التهانوي (ت 1394): (ما روي عن الحسن بن صالح وداود، في بقر الوحش والظباء، كله شاذ مردود بالكتاب والسنة والإجماع)
(1)
.
ونوقش الاستدلال بالإجماع بأمور:
- أن نفي وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة (يعكّر عليه ما ذكره السهيلي عن أسماء قالت: «ضحينا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيل»، وعن أبي هريرة أنه ضحى بديك)
(2)
.
- و (قول بلال: ما أبالي لو ضحيت بديك، وعن ابن عباس في ابتياعه لحماً بدرهمين وقال: هذه أضحية ابن عباس)
(3)
.
- و (حُكي عن الحسن بن صالح أنه قال: يضحي ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبى عن رجل)
(4)
، (وبه قال داود في بقرة الوحش)
(5)
، وهو قول عند الحنابلة
(6)
.
- وابن حزم يقول: (الأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع، أو طائر، كالفرس، والإبل، وبقر الوحش، والديك، وسائر الطير والحيوان الحلال أكله)
(7)
، وتبعه ابن المبرد
(8)
.
(1)
إعلاء السنن (17/ 208).
(2)
التلخيص الحبير (4/ 342).
(3)
المحلى (6/ 30).
(4)
الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (3/ 406).
(5)
المجموع (8/ 394).
(6)
انظر: الإنصاف (4/ 75).
(7)
المحلى (6/ 29).
(8)
قال في رسالته"الرد على من شدد وعسّر في جواز الأضحية بماتيسّر" ص (165): (ذهب جماعة من العلماء إلى أن الأضحية يجزئ فيها كل مايحل أكله من طائر وذي أربع مباح. وهذا هو الذي أختاره وأقول به) انتهى. ولم يذكر من سبقه إلا ابن حزم، فكيف يقول:(جماعة)؟ إلا إن كان استفاده مما جاء عن أسماء وبلال والحسن بن صالح، ولم أقف على من تبع ابن حزم وابن عبدالهادي إلا بعض المعاصرين.
- والاستدلال بالإجماع يمكن قلبه، فيقال: الأضحية بغير بهيمة الأنعام (صح في ذلك عن بلال، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم
(1)
، فيكون حجة.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة:
- أما قول أسماء «ضحينا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيل» أو «بفرس» فلا أصل له بهذا اللفظ، أورده السهيلي بلا إسناد في سياق إباحة لحوم الخيل
(2)
، ونقله ابن حجر عنه.
- فإن قُصد معنى التضحية وهو الذبح كما هو سياق كلام السهيلي فالأمر سهل، وإن قُصد الذبح في العيد كما اعترض به ابن حجر فهو وهم، واللفظ المحفوظ للحديث متفق عليه، وهو قول أسماء:«نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه»
(3)
.
- وأما النقل عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه ضحى بديك، فأول من نقله فيما وقفت عليه هو ابن حجر في التلخيص ولم يسنده
(4)
، وتبعه على ذلك من بعده، ولا يعتمد عليه لعدم إسناده، أو توثيقه، والمشهور في هذا الأثر هو عن بلال، فلعله أراده وسبق القلم إلى أبي هريرة رضي الله عنه.
- وأما النقل عن بلال رضي الله عنه، فهو الأشهر هنا، وهذا توثيقه وبيان وجهه، فقد رى عبد الرزاق عن عمران بن مسلم، عن سويد بن
(1)
المرجع السابق (6/ 30).
(2)
قال السهيلي في الروض الأنف (6/ 533): (وأما حديث جابر في إباحة لحوم الخيل، فصحيح ويعضده حديث أسماء أنها قالت:«ضحينا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرس» . وقال بإباحة لحوم الخيل الشافعي
…
).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري (5519)، ومسلم (1942).
(4)
التلخيص الحبير (4/ 342).
غفلة قال: سمعت بلالاً يقول: (ما أبالي لو ضحيت بديك، ولأن أتصدق بثمنها على يتيم أو مغبّر أحب إلي من أن أضحي بها) قال: فلا أدري أسويد قاله من قبل نفسه أو هو من قول بلال
(1)
.
- فأجيب عنه بأن هذا الأثر في ثبوته بعض الكلام، وأشار إلى ذلك ابن عبدالبر حين قال: (
…
الخبر عن بلال لو صح)
(2)
، (وابن رِياح لايحتمل مثل هذا الأثر الذي يخرق اتفاقا عملياً)
(3)
، لأن الأصل فيما قاله العلماء هنا هو (العمل المتصل)
(4)
، و (هو مقتضى قول كل من حكى الاتفاق على عدم مشروعية التضحية بغير بهيمة الأنعام دون الإشارة إلى مخالفة صحابي أو غيره)
(5)
، وشك
(1)
أخرجه عبدالرزاق (8156) من طريق الثوري عن عمران به، وعمران بن مسلم إن كان هو ابن رِياح كما اختار الدارقطني في المؤتلف والمختلف (2/ 1041) فالإسناد فيه ضعف، وفي التقريب ص (430) قال عن ابن رياح:(مقبول) يعني: (حيث يتابع وإلا فلين الحديث) كما في المقدمة، وإن كان هو عمران بن مسلم الجعفي كما ذكر ابن حزم في المحلى (6/ 9) فالإسناد ثابت، وقد قال في التقريب ص (430) عن الجعفي (ثقة)، والظاهر أنه ثقة على كلا الاحتمالين، فابن رِياح وإن كان أنزل من الجعفي، إلا أنه ثقة أيضاً (وثّقه يحيى بن معين) كما قال الذهبي في تاريخ الإسلام (3/ 468)، وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/ 304) أن يحيى بن معين قال:(عمران بن مسلم بن رياح ثقة)، وفي الإصابة لابن حجر (2/ 418):(قال العلائيّ: عمران الثقفي، هو ابن مسلم بن رياح ثقة)، وتوثيق يحيى مما استدرك به على الحافظ في حكمه على ابن رياح في التقريب، ومما فاته في تهذيب التهذيب. انظر: التذييل على كتاب تهذيب التهذيب ص (310)، تحرير تقريب التهذيب (3/ 116)، ويبقى شك عمران مما يوهن الروايه حين قال:(فلا أدري أسويد قاله من قبل نفسه أو هو من قول بلال)، ولذلك هناك من نسب ذلك إلى سويد كما قال القدوري في التجريد (12/ 6323):(وكان سويد بن غفلة يقول: ما أبالي لو ضحيت بديك).
(2)
الاستذكار (5/ 230).
(3)
من مقال بعنوان "بحث مختصر في تقرير أن التضحية بغير بهيمة الأنعام لايثبت عن أحد من الصحابة" لأبي سليمان المحمد، منشور في ملتقى أهل الحديث.
(4)
روضة المستبين في شرح كتاب التلقين (1/ 677).
(5)
"بحث مختصر في تقرير أن التضحية بغير بهيمة الأنعام لايثبت عن أحد من الصحابة" لأبي سليمان المحمد.
عمران بن مسلم مما يوهن الرواية عن بلال، فإنه قال:(فلا أدري أسويد قاله من قبل نفسه أو هو من قول بلال).
- وعلى فرض ثبوته، فإنه لم يخرم الإجماع العملي؛ لأنه لم يضح بغير بهيمة الأنعام ولم يفعل لا هو ولا غيره من الصحابة ذلك، وكلامه إنما خرج مخرج المبالغة في عدم الوجوب
(1)
، و المنع من التباهي، أو على تفضيل الصدقة بثمنها على الأضحية بها، وعلى ذلك حمل هذا الأثر جميع من أورده
(2)
، إلا ابن حزم الظاهري فأجراه على ظاهره في موضع
(3)
.
- فقول بلال يحمل على ماورد عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (إني لأدع الأضحى، وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه
(1)
والمبالغة وضرب المثل في السنة كثير، كالأمر بطاعة العبد الحبشي فـ (إن العبد الحبشي إنما ذكر على وجه ضرب المثل وإن لم يصح وقوعه) كما في جامع العلوم والحكم (2/ 120)، وفي الفتح لابن رجب (6/ 179):(إن هذا باب ضرب المثل لطاعة الأمراء على كل حال، كقوله: «من بنى مسجداً، ولو كمفحص قطاة»، مع أنه لا يكون المسجد كذلك)، وفي الحديث المتفق عليه: «لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده
…
»، قال القرطبي في المفهم (5/ 74): (إنما سلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مسلك العرب فيما إذا أغيت في تكثير شيء أو تحقيره، فإنَّها تذكر في ذلك ما لا يصح وجوده، أو ما يندر وجوده إبلاغًا في ذلك، فتقول: لأصعدن بفلان إلى السماء، ولأهبطن به إلى تخوم الثرى، وفلان مناط الثريا
…
ومثل هذا كثير في كلامهم وعادة لا تستنكر في خطابهم).
(2)
المقصود من أورده بلفظ: (لا أبالي لو ضحيت بديك)، أما من ذكره بلفظ:(وروي عن بلال أنه ضحى بديك) فهذا خطأ ظاهر، ولم أقف عليه إلا عند ابن بزيزة في روضة المستبين (1/ 676).
(3)
ذكره في موضعين من المحلى، الأول (6/ 9) في بيان أن الأضحية غير واجبة، وهذا موافق لما في كتابه الإعراب حين قال (2/ 775):(وقد صح عن أبي بكر وعمر وأبي مسعود وبلال وابن عباس رضي الله عنهم أنها تطوّع غير واجب)، وهذا هو الموافق لإيراد غيره لهذا الأثر، والموضع الآخر في المحلى (6/ 30) أتى به في بيان أن الأضحية جائزة بكل حيوان، فهو أول من استشهد به في هذا السياق.
حتم علي)
(1)
، وقول أبي أيوب رضي الله عنه:(كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس، فصارت كما ترى)
(2)
.
- قال أبوبكر الطرطوشي بعد أن نقل ترك بعض الصحابة للأضحية، كأبي بكر وعمر وأبي مسعود وابن عباس وبلال رضي الله عنهم، قال: (فإن لأهل الإسلام قولين في الأضحية
(3)
: أحدهما: سنة. والثاني: واجبة. ثم اقتحم الصحابة ترك السنة؛ حذرا أن يضع الناس الأمر على غير وجهه، فيعتقدونها فريضة)
(4)
. وكما قال الشاطبي: (الصحابة عملوا على هذا الاحتياط في الدين لما فهموا هذا الأصل من الشريعة، وكانوا أئمة يقتدى بهم؛ فتركوا أشياء وأظهروا ذلك ليبينوا أن تركها غير قادح وإن كانت مطلوبة)
(5)
.
- وحمله كثير من العلماء أيضاً على تفضيله للصدقة على الأضحية، وهذا لايعارض الحمل السابق فهو لا يرى وجوب الأضحية بل
(1)
أخرجه عبدالرزاق (8149)، والبيهقي في الكبرى (19038)، من طريق الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل به، قال ابن حجر في التلخيص (4/ 359):(وهو في سنن سعيد بن منصور عن أبي مسعود بسند صحيح).
(2)
أخرجه مالك (2/ 486)، والترمذي (1505)، وابن ماجه (3147)، وغيرهم من طريق عمارة بن عبدالله بن صياد عن عطاء عن أبي أيوب به، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وأورده الطرطوشي في "الحوادث والبدع" ص (39) بهذا اللفظ:(كنا نضحي عن النساء وأهلينا، فلما تباهى الناس بذلك؛ تركناها)، ولعل من التباهي ماحكاه الترمذي بعد قول أبي أيوب السابق:(وقال بعض أهل العلم: لا تجزي الشاة إلا عن نفس واحدة)، وفي مصنف عبدالرزاق (8154) قال ابن المسيب:(ما كنا نعرف إلا بذاك حتى خالطنا أهل العراق، يقول: كان أهل البيت يضحون بالشاة فضحوا هم عن كل واحد شاة).
(3)
(ولا خلاف في أن الأضحية مطلوبة) كما في الموافقات (4/ 104).
(4)
الحوادث والبدع ص (44).
(5)
الموافقات (4/ 102)، وذكر ترك عثمان للقصر، وقول بلال وغيره في الأضحية.
يرى أن الصدقة بثمنها أفضل، إما مطلقاً، وإما في تلك السنة لحاجة خاصة أو منعاً للتباهي، ويؤيده قوله:(ولأن أتصدق بثمنها على يتيم أو مغبّر أحب إلي من أن أضحي بها)
(1)
، وبهذا السياق أورد الأثر ابن المنذر
(2)
، وابن بطّال، وابن قدامة، وابن الملقّن، وغيرهم
(3)
.
- وأما النقل عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ فقد جاء عن مولى لابن عباس أنه قال: أرسلني ابن عباس أشتري له لحماً بدرهمين، وقال:(قل هذه ضحية ابن عباس)
(4)
.
(1)
هكذا عند عبدالرزاق كما سبق، وذكره ابن حزم في المحلى (6/ 9) من طريق سعيد بن منصور بلفظ:(ولأن آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكين مُقْترٍ فهو أحب إلي من أن أضحي).
(2)
الإشراف (3/ 405) قال: (باب اختلاف أهل العلم في تفضيل الصدقة على الأضحية)، وذكر فيه قول بلال.
(3)
انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 7)، المغني (9/ 436)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (26/ 576).
(4)
أخرجه عبدالرزاق (8146) عن الثوري، عن أبي معشر، قال أبو بكر [يعني: عبدالرزاق]: وقد سمعته من أبي معشر، عن رجل، مولى لابن عباس به، وهذا إسناد ظاهر الضعف فيه أبو معشر (ضعيف
…
أسنّ و اختلط) كما في التقريب ص (559)، وجهالة مولى ابن عباس، وأخرجه البيهقي من طريقين آخرين، الأول: في السنن الكبرى (19037) والخلافيات (5359) من طريق أبي صالح بن أبي طاهر العنبري، أنبأ جدي، يحيى بن منصور، ثنا محمد بن عمرو، أخبرنا القعنبي، ثنا سلمة بن بخت، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا حضر الأضحى أعطى مولى له درهمين فقال:(اشتر بهما لحماً وأخبر الناس أنه أضحى ابن عباس)، والثاني: في الخلافيات (5360) من طريق أبي عبدالله إجازة [يعني: الحاكم]، أنا أبو الوليد، ثنا عبدالله، ثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو نعيم الطحان، عن الدراوردي، عن ثور بن زيد، عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه، والإسناد الأول قال عنه د. سعد الحميّد في تحقيقه للجزء الثاني من الاعتصام (2/ 491):(وسنده رجاله ثقات، عدا محمد بن عمرو، فلم أجد من ترجم له، سوى الحافظ ابن حجر فإنه قال في "نزهة الألباب" (2/ 91 - 92 رقم 2249): "قشمرد: هو محمد بن عمرو بن النضر النيسابوري، الحافظ، ويقال له: كشمرد؛ بالكاف") انتهى، قلت: في تاريخ الإسلام للذهبي (6/ 819) قال عن قشمرد: (وكان صدوقاً مقبولاً).
- وهذا الأثر ليس فيه تضحية وذبح حتى يُحتج به على جواز الأضحية بغير بهيمة الأنعام، فهو لم يدخل أصلاً حتى يُخرج، وهو محمول على إظهار عدم وجوب الأضحية كما في الأثر السابق عن بلال، قال الإمام الشافعي: (وقد بلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما ليظن من رآهما أنها واجبة، وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه، ثم أرسل بدرهمين، فقال: اشتروا بهما لحماً، ثم قال: هذه أضحية ابن عباس، وقد كان قلّما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة
(1)
، وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر)
(2)
.
- وعلى ذلك حمله كثير من العلماء
(3)
، و (فهموا أن صنيع ابن عباس من باب تقرير عدم وجوب الأضحية عملياً، خاصة أن التعبير النبوي عما لاتجزئ أضحية= هو وصفها بأنها «شاة لحم» كما في الصحيحين وغيرهما)
(4)
.
- وأما ماحُكي عن الحسن بن صالح (ت 169)، فإن الحكاية عنه
(1)
هذا مشهور عن أخيه عبيدالله بن عباس كما أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 481): (أن عبيد الله بن العباس كان ينحر كل يوم جزوراً، فقال له عبد الله: تنحر كل يوم جزوراً، قال: وكثير ذاك يا أخي، والله لأنحرن كل يوم جزورين)، ولذلك قال ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 519):(وكان ينحر كل يَوْم جزورًا، فنهاه أخوه عَبْد اللَّه، فلم ينته)، إلا أنه جاء في "الحوادث والبدع" للطرطوشي ص (43):(وقال طاوس: ما رأيت بيتاً أكثر لحماً وخبزاً من بيت ابن عباس؛ يذبح وينحر كل يوم، ثم لا يذبح يوم العيد، وإنما كان يفعل ذلك؛ لئلا يظن الناس أنها واجبة، وكان إماماً يُقتَدى به).
(2)
الأم (2/ 246).
(3)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/ 220)، شرح البخاري لابن بطال (6/ 6)، التمهيد (23/ 194)، وغيرها.
(4)
"بحث مختصر في تقرير أن التضحية بغير بهيمة الأنعام لايثبت عن أحد من الصحابة" لأبي سليمان المحمد.
متأخرة أول من حكاها فيما وقفت عليه ابن المنذر (ت 319)
(1)
، ولم يسنده بل قال:(وحُكي).
- والظاهر أن المنقول عنه في إجزاء بقر الوحش والظبي، وكذلك المنقول عن داود
(2)
، والقول الذي عند الحنابلة في البقر الوحشي، من باب إلحاقها بالأنعام، ولذا في المنقول عن الحسن في البقر الوحشي أنها تجزئ عن سبعة، و (الظبي عن واحد بمنزلة المعز).
- وقد (قال بعضهم: بهيمة الأنعام: الظباءُ والبقر الوحشية والحمْر الوحشية)
(3)
، و (كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس البهائم في الاجترار وعدم الأنياب، فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه)
(4)
، وقال الحريري عن العرب أنها:(جعلت الأنعام اسماً لأنواع المواشي من الإبل والبقر والغنم، حتى أن بعضهم أدخل فيها الظباء وحمر الوحش)
(5)
، هكذا قال
(6)
، فيكون قولهم أشبه بما نقل عن أبي ثور أنه قال:(يجزئ إذا كان منسوباً إلى بهيمة الأنعام)
(7)
.
- والمراد أن مردّ الخلاف معهم في معنى بهيمة الأنعام، وليس في التضحية في غير بهيمة الأنعام، والخلاف الأكبر هنا هو فيمن
(1)
الإشراف (3/ 406)، وقريب منه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء (3/ 224) حين قال:(وقال الحسن بن حي: تجزئ بقرة الوحش عن سبعة، والظبي عن واحد بمنزلة المعز).
(2)
نقله عنه النووي في المجموع (8/ 394).
(3)
معاني القرآن وإعرابه للزجاج (2/ 140)، وانظر: تفسير الطبري (8/ 15).
(4)
الكشاف للزمخشري (1/ 601).
(5)
درة الغواص ص (240).
(6)
انظر: شرح درة الغواص للخفاجي ص (689).
(7)
المغني (9/ 440).
صرّح بجواز الأضحية بغير الأنعام كالطيور، وهو قول ابن حزم (ت 456)، ثم تبعه ابن المبْرد الحنبلي (909)، ثم أظهر ذلك وسوّغه بعض المعاصرين كالهلالي، وهذا الرأي تبيّن أنه لا سلف له، لا في الفعل ولا في القول، لا عن بلال ولا غيره.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بجواز الأضحية بغير بهيمة الأنعام: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
(1)
، وقوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
(2)
.
وجه الاستدلال:
- (أن الأضحية قربة إلى الله تعالى، فالتقرب إلى الله تعالى، بكل ما لم يمنع منه قرآن ولا نص سنة= حسن
…
والتقرب إليه عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به= فعل خير)
(3)
.
- و (النحر هنا عام، ظاهره نحر أي شيء كان حيث حصل النحر)
(4)
كما في الآية الثانية.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن الأضحية عبادة لم تعرف إلا من الشرع، فيلتزم فيما يضحّى به، بل وفي سنّ الأضحية بالشرع؛ لأنها عبادة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد»
(5)
، وأما الإطلاق الذي في آية النحر فإن التقييد في آيتي الحج يقضي عليه.
(1)
من الآية (77) من سورة الحج.
(2)
الآية (2) من سورة الكوثر.
(3)
المحلى (6/ 30 - 31).
(4)
"الرد على من شدّد وعسّر في جواز الأضحة بماتيسّر" ص (172).
(5)
متفق عليه، أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2/ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة
…
»
(1)
، وفي رواية:«يُهدي عصفوراً»
(2)
.
وجه الاستدلال:
- أن (في هذين الخبرين هدي دجاجة، وعصفور، وتقريبهما، وتقريب بيضة؛ والأضحية تقريب بلا شك)
(3)
، بل (هذا صريح في إجزاء ذلك، فأيُّ تقرب إلا الأضحية؟!)
(4)
، (ولأن يوم الجمعة عيد، فشبّه التقرب فيه بالتقرب في العيد)
(5)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن ابن حزم يقول في تقرير حكم المسألة: (الأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع، أو طائر، كالفرس، والإبل، وبقر
(1)
متفق عليه، أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850).
(2)
هذه اللفظة في الصحيحين، لكن ابن حزم أورده بلفظ فيه زيادة العصفور، ونصه:«مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة، ثم كمن يهدي بقرة، ثم كمن يهدي شاة، ثم مثل من يهدي دجاجة، ثم مثل من يهدي عصفوراً، ثم كمثل من يهدي بيضة» كما في الطبعة التي حققها أحمد شاكر (7/ 371)، وهذه الرواية أخرجها البزار (8347)، وقال النووي في خلاصة الأحكام (2/ 783) عن زيادة "العصفور"، وزيادة "البطة" في رواية أخرى:(هاتان الروايتان وإن صح إسنادهما، فقد يقال: هما شاذتان لمخالفتهما الروايات المشهورة).
(3)
المحلى (6/ 31).
(4)
"الرد على من شدّد وعسّر في جواز الأضحية بما تيسر" ص (173).
(5)
المرجع السابق.
الوحش، والديك، وسائر الطير والحيوان الحلال أكله)
(1)
، ويلزمه أن يقول بجواز الأضحية بالبيضة أيضاً، فالحديث واحد وتقريره فيه (إعمال بعض الحديث وإهمال بعضه)
(2)
.
- ويلزمه كذلك (القول بإجزاء الدجاجة والعصفور والفرس ونحوها في هدايا الحج؛ لورود الحديث بلفظ الهدي، وأصله فيما يهدى إلى الحرم)
(3)
، وابن حزم يقول:(والهدي إما من الإبل، أو البقر، أو الغنم)
(4)
، ويقول: (أما قولنا: إن الهدي الواجب على المتمتع رأس من الغنم أو من الإبل أو من البقر، أو شرك في بقرة أو ناقة
…
فلقول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} واسم الهدي يقع على الشاة، والبقرة، والبدنة
…
وروينا من طريق البخاري، نا إسحاق بن منصور، أنا النضر بن شميل، أنا شعبة، نا أبو جمرة هو نصر بن عمران الضبعي، قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة؟ فأمرني بها وسألته عن الهدي؟ فقال: فيها جزور، أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم)
(5)
.
- قال التهانوي معلّقاً على تقرير ابن حزم: (فكان عليك أن ترد قول ابن عباس بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المهجّر، وتقول: بأن اسم
(1)
المحلى (6/ 29).
(2)
إعلاء السنن (17/ 207).
(3)
المرجع السابق، قال الجصاص في أحكام القرآن (1/ 329):(الهدي اسم لما يهدى إلى البيت على وجه التقرب به إلى الله تعالى، وجائز أن يسمى به ما يقصد به الصدقة وإن لم يهد إلى البيت)، وذكر حديث المهجّر ثم قال:(فسمى الدجاجة والبيضة هدياً وإن لم يرد به إهداءه إلى البيت).
(4)
المحلى (5/ 87)، قال الجصاص في أحكام القرآن (1/ 330):(واتفق الفقهاء على أن ما عدا هذه الأصناف الثلاثة من الإبل والبقر والغنم ليس من الهدي).
(5)
المحلى (5/ 151 - 152).
الهدي يقع على الدجاجة والعصفور والبيضة أيضاً، وإلا فأنت متناقض متلاعب)
(1)
.
- (والحق أن الإهداء فيه مفسّرٌ بالتصدق دون إراقة الدم بدليل ذكر البيضة فيه
…
والتقريب التصدق بالمال تقرباً إلى الله عز وجل، وأما قولك: إن الأضحية تقريب بلاشك، فنعم، ولكنها مقيدة بإراقة الدم كالهدي)
(2)
.
- قال الخطابي: (اسم الهدي لا يقع على الدجاجة والبيضة غالباً
…
وأما قوله: «أهدى دجاجة» و «أهدى بيضة» ، فمن المحمول على حكم ما تقدمه من الكلام، كقولك: أكلت طعاماً وشراباً والأكل إنما ينصرف إلى الطعام دون الشراب، إلا أنه لما عطف به على المذكور قبله حمل على حكمه)
(3)
.
- وقوله في الرواية الأخرى: «كأنما قرّب» (هذا ضربٌ من التمثيل للأجور ومقاديرها لا على تمثيل الأجور وتشبيهها حتى تكون أجرها كأجر هذا، وتكون الدجاجة فى التمثيل والتدريج والبيضة، بقدر أجريهما من أجر البدنة لو كان هذا مما يهدى)
(4)
.
(1)
إعلاء السنن (17/ 207).
(2)
المرجع السابق.
(3)
غريب الحديث للخطابي (1/ 327 - 330)، وانظر: إكمال المعلم (3/ 240)، وعليه استدراك، قال ابن حجر في الفتح (2/ 367):(وأجاب القاضي عياض تبعاً لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فيكون من الاتباع، كقوله: متقلداً سيفاً ورمحاً، وتعقبه ابن المنير في الحاشية، بأن شرط الاتباع ألا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال: متقلداً سيفا ومتقلداً رمحاً، والذي يظهر أنه من باب المشاكلة، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: هو من تسمية الشيء باسم قرينه، وقال ابن دقيق العيد: قوله: «قرب بيضة» وفي الرواية الأخرى: «كالذي يهدي» يدل على أن المراد بالتقريب الهدي).
(4)
إكمال المعلم (3/ 241).
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بجواز الأضحية بغير بهيمة الأنعام إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته الإجماع الصحيح، و لا يصح تقرير هذا القول عن أحد قبل ابن حزم؛ (وكفى خطأ بقوله خروجه عن أقوال أهل العلم، لو لم يكن على خطئه دلالة سواه، فكيف وظاهر التنزيل ينبئ عن فساده)
(1)
؟، وقد قال الله:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} ، مع مافي هذا القول من مخالفة للأصل والقاعدة في العبادات وأنها مبنية على التوقيف، وماروي عن بلال فيه ضعف، وليس فيه أنه ضحّى أو فعل ذلك، وكلامه محمول على المبالغة في نفي الوجوب، والنهي عن تباهي الناس بالأضاحي، وقد ترك جمع من الصحابة الأضحية لأجل ذلك، و بنحوه ماورد عن ابن عباس رضي الله عنهم، والله أعلم.
(1)
هذه عبارة ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 721)، وهي ليست لهذه المسألة ولكنها مناسبة للسياق.
قال ابن المبارك: (لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم؛ فقد جهل). أخرجه الدينوري في المجالسة (2/ 186).
و أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 409) أن أبا خراش سأل عبد الله بن المبارك يا أبا عبد الرحمن إلى متى تطلب العلم؟ قال: (لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم أسمعها بعد).
الفصل السادس: الآراء في الجهاد
، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: قصر جهاد الكفار على الدفع فقط
المبحث الثاني: جواز قتل نساء وأطفال الكفار إذا قتلوا نساءنا وأطفالنا
المبحث الثالث: جواز بناء الكنائس في بلاد المسلمين
المبحث الرابع: جواز تولي الكافر رئاسة الدولة
(ربما وردت علي المسألة تمنعني من الطعام والشراب والنوم)
الإمام مالك رحمه الله ترتيب المدارك (1/ 177)
المبحث الأول: قصر جهاد الكفار على الدفع فقط
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
قال النخعي كما ذكره ابن أبي زيد في الجامع ص (119): (لو رأيت الصحابة يتوضؤون إلى الكوعين لتوضأت كذلك، وأنا أقرؤها إلى المرافق، وذلك لأنهم لا يُتهمون في ترك السنن وهم أرباب العلم وأحرصُ خلق الله على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يظن ذلك بهم أحد إلا ذو ريبة في دينه).
علّق على ذلك ابن الحاج بقوله كما في المدخل (4/ 250): (فكل ما لم يفعلوه إذا فُعل بعدهم كان نقصاً في الدين).
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الجهاد في اللغة، مأخوذ من الجهد و (الجيم والهاء والدال أصله المشقة، ثم يحمل عليه ما يقاربه. يقال جهدت نفسي وأجهدت والجُهد الطاقة. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ})
(1)
، و (تكرر لفظ الجَهد والجُهد في الحديث كثيراً، وهو بالضم: الوسع والطاقة، وبالفتح: المشقة، وقيل: المبالغة والغاية، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة، فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير)
(2)
.
وفي الشرع (الجِهادُ والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجِهَاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس
(3)
، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} )
(4)
، هذا هو المعنى العام للجهاد، (ثم غلب في الإسلام على قتال الكفار ونحوه)
(5)
، وهذا الاصطلاح الخاص، هو
(1)
مقاييس اللغة (1/ 486)، وانظر: تهذيب اللغة (6/ 26)، لسان العرب (3/ 133).
(2)
النهاية لابن الأثير (1/ 320).
(3)
قال ابن القيم في الهدي (3/ 9): (الجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين)، ثم قسّم كل مرتبة إلى أقسام ثم قال (3/ 10): (فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، و «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» انتهى.
(4)
مفرادت القرآن ص (208)، وانظر: لسان العرب (3/ 135).
(5)
المغرب في ترتيب المعرب ص (97)، (ونحوه) أي: نحو القتل، (من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم وغيرهم) كما في مجمع الأنهر (1/ 632).
الذي يقرره الفقهاء
(1)
في تعريف الجهاد، ومن المناسب للتمهيد إيراد تعريفهم له:
- فقال الحنفية: (هو الدعاء إلى الدين الحق، والقتال مع من امتنع عن القبول بالمال والنفس)
(2)
، وقيل هو:(بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة، أو معاونة بمال أو رأي، أو تكثير سواد، أو غير ذلك)
(3)
.
- وعند المالكية هو: (قتال مسلم كافراً غير ذي عهد؛ لإعلاء كلمة الله، أو حضوره له، أو دخول أرضه له)
(4)
، وعند الشافعية هو:(قتال الكفار لنصرة الإسلام)
(5)
.
- وقال الحنابلة بأن الجهاد شرعاً: (عبارة عن قتال الكفار خاصة)
(6)
.
- ولذلك (فإن مادة الجهاد في الآيات المكية تدل على معناها في الوضع اللغوي العام، وهي ثلاث آيات
…
وأما مادة الجهاد في
(1)
جاء في درر الحكام (1/ 281) عن الجهاد: (غلب في عرف الفقهاء على جهاد الكفار).
(2)
تحفة الفقهاء (3/ 293)
(3)
الدر المختار ص (329)، وذكر ابن عابدين في حاشيته على الدرّ (4/ 121) أن التعريف الثاني تفصيل للأول.
(4)
المختصر الفقهي لابن عرفة (3/ 5)، (والضمير في "حضوره" و "دخوله" للمسلم، وفي "له" في الموضعين للقتال) كما في الفواكه الدواني (1/ 395)، فقوله:(حضوره له) يعني حضور القتال، ليبين أن الجهاد أعم من القتال، وقوله:(دخول أرضه له) يعني دخول المسلم أرض الكافر للقتال. وانظر: شرح حدود ابن عرفة ص (140).
(5)
حاشية الجمل على شرح المنهاج (5/ 179)، وفي الإقناع (2/ 556):(أي: القتال في سبيل الله).
(6)
المبدع (3/ 280)، المطلع ص (247)، قال في كشاف القناع (3/ 32):(الكفار خاصة، بخلاف المسلمين من البغاة وقطاع الطريق، وغيرهم، فبينه وبين القتال عموم مطلق).
الآيات المدنية فبلغت "26" كلمة، وأكثرها يدل دلالة واضحة على معنى القتال)
(1)
، وكذلك ("سبيل الله" إذا أطلق لم يفهم منه إلا الجهاد)
(2)
.
- ولذلك فإن الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم صاروا لايطلقون لفظ الجهاد إلا على القتال، بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم وتبيينه، كما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء»
(3)
، وكما في حديث عائشة أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال:«لا، لَكِنَّ أفضل الجهاد حج مبرور»
(4)
، مع أن الطاعة و الحج فيه جهاد للنفس، لكنه لا يراد عند إطلاق الجهاد إلا بقرينة.
- وقد مرّ تشريع قتال الكفار بمراحل فقد (كان محرماً، ثم مأذوناً به، ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأموراً به لجميع المشركين)
(5)
، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (كان مأموراً بالكف عن قتالهم؛ لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك، ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أذن له في الجهاد، ثم لما قووا كتب عليهم القتال،
(1)
الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (1/ 40 - 41).
(2)
الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 422)، وفي الحاوي الكبير (8/ 511):(سبيل الله إذا أطلق فهو محمول على الغزو)، وانظر: بدائع الصنائع (2/ 46)، الكافي لابن قدامة (1/ 427).
(3)
أخرجه البخاري (969).
(4)
أخرجه البخاري (1520)، وفي روية أحمد (25322)، وابن ماجه (2901): «
…
جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة».
(5)
زاد المعاد (3/ 64)، وهذه المراحل الأربع التي ذكرها ابن القيم، ستأتي الإشارة إليها مرتبة في تحرير محل النزاع.
ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم؛ لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار، فلما فتح الله مكة وانقطع قتال قريش ملوك العرب، ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام أمره الله تعالى بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد مؤقت، وأمره بنبذ العهود المطلقة)
(1)
.
- (وبمعرفة هذه المراحل يظهر خطأ بعض المتصدين للدفاع عن عقيدة الجهاد
…
فيقفون به عند حد المرحلة الثالثة)
(2)
.
- فآخر التشريع هو قتال الطلب، ولا يعني ذلك نسخ جميع المراحل نسخاً كلياً، بل من (كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر، الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)
(3)
.
- والأصل في حديث الفقهاء عن الجهاد إنما هو في جهاد الطلب
(4)
، ثم يأتي التفريع على حكمه إذا دهم العدو بلاد
(1)
الجواب الصحيح لابن تيمية (1/ 237).
(2)
دراسات في علوم القرآن للرومي ص (254).
(3)
الصارم المسلول ص (221)، قال ابن باز في مجموع فتاويه (3/ 197):(تختلف الأحوال بقوة المسلمين وضعفهم: فإذا ضعف المسلمون جاهدوا بحسن حالهم، وإذا عجزوا عن ذلك اكتفوا بالدعوة، وإذا قووا بعض القوة قاتلوا من بدأهم ومن قرب منهم، وكفوا عمن كف عنهم، وإذا قووا وصار لهم السلطان والغلبة، قاتلوا الجميع وجاهدوا الجميع حتى يسلموا، أو يؤدوا الجزية، إلا من لا تؤخذ منهم كالعرب).
(4)
جاء في حاشية ابن عابدين (4/ 122): (يجب على الإمام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين)، وفي حاشية الدسوقي (2/ 173):("قوله: كل سنة" أي: بأن يوجه الإمام كل سنة طائفة، ويزج بنفسه معها، أو يخرج بدله من يثق به، ليدعوهم للإسلام ويرغبهم فيه، ثم يقاتلهم إذا أبوا منه)، وفي مغني المحتاج (6/ 8):(أقل الجهاد مرة في السنة)، وفي المغني (9/ 197):(ويبعث في كل سنة جيش يغيرون على العدو في بلادهم)، قال ابن حجر في الفتح (6/ 38): (ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور
…
وقيل: يجب كلما أمكن وهو قوي).
المسلمين واضطروا لدفعه، (وجهاد الدفع أصعب من جهاد الطلب، فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل
…
فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً
…
ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين
…
لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار
…
جهاد الدفع يقصده كل أحد، ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعاً وعقلاً، وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين)
(1)
، وهذه المقدمة المختصرة، مهمة في تصوير المسألة.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
…
(لم تختلف الأمة أن القتال كان محظوراً قبل الهجرة)
(2)
، (فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقاً)
(3)
.
(1)
الفروسية ص (187 - 189).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 311)، وانظر: تفسير القرطبي (2/ 374)، والتعبير بالقتال هنا دقيق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}، فهذه سورة مكية أُمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن) كما قال ابن القيم في زاد المعاد (3/ 5).
(3)
فتح الباري لابن حجر (6/ 37)، وهذي هي المرحلة الثانية، ودليلها قول الله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} قال ابن كثير في التفسير (5/ 380): (قال مجاهد والضحاك، وغير واحد من السلف كابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم: هذه أول آية نزلت في الجهاد، واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية).
2.
…
(ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد، أو حضر العدو بلده: تعيّن عليه بلا نزاع، وكذا لو استنفره من له استنفاره بلا نزاع)
(1)
.
3.
…
(واتفقوا أن قتال أهل الكفر بعد دعائهم إلى الإسلام أو الجزية إذا امتنعوا من كليهما جائز)
(2)
، يعني غير ممنوع؛ (فأما حكم هذه
(1)
الإنصاف للمرداوي (4/ 117)، فهذه ثلاث حالات يتعين فيها الجهاد، والحالة الثانية: قتال الدفع تمثّل المرحلة الثالثة من مراحل تشريع الجهاد، وهي أوجب الحالات، كما قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/ 538):(وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان)، وانظر: مراتب الإجماع ص (119)، ويستدل لها بقوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} ، قال الطبري في تفسيره (3/ 289):(اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم: هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك. وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين، والكف عمن كف عنهم، ثم نسخت ببراءة)، وذهب ابن جرير أن الآية ليس فيها نسخ، والمقصود بها قتال من كان من أهل القتال مشاركاً فيه {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} والكف عمن لايقاتل من النساء والصبيان ومن يدفع الجزية، قال ابن كثير (1/ 387):(قوله: {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله، أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم).
(2)
مراتب الإجماع ص (122)، وهذه هي المرحلة الرابعة من مراحل تشريع القتال، وهي قتال الطلب، ويستدل لها بآية السيف في براءة:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ، قال ابن العربي كما نقله السيوطي في الإتقان (3/ 78): (كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار، والتولي، والإعراض، والكف عنهم، فهو منسوخ بآية السيف
…
نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية)، وقال ابن حزم في الناسخ والمنسوخ ص (12):(باب الإعراض عن المشركين في مائة وأربع عشرة آية) وذكرها ثم قال: (نُسخ الكل بقوله عز وجل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ})، وتعقب ذلك السخاوي في جمال القراء ص (404) بقوله:(وإنّما يكون منسوخاً بآية القتال النهي عن القتال)، وقال الزركشي في البرهان (2/ 42): (وهذا ليس بنسخ في الحقيقة وإنما هو نسء
…
فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى، وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك بل هي من المنسأ، بمعنى: أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله أبداً)، وسبق كلام ابن تيمية في تمهيد المسألة، على أن النسخ إن حُمل على المعنى الأعم لم يأت الاعتراض على دعوى النسخ، كما قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/ 276):(علماء المتقدمين من الفقهاء والمفسرين كانوا يسمون التخصيص نسخاً؛ لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم ومسامحة، وجرى ذلك في ألسنتهم حتى أشكل ذلك على من بعدهم، وهذا يظهر عند من ارتاض بكلام المتقدمين كثيراً).
الوظيفة فأجمع العلماء على أنها فرض على الكفاية لا فرض عين، إلا عبد الله بن الحسن، فإنه قال: إنها تطوع)
(1)
، وذهب بعض المعاصرين إلى إنكار جهاد الطلب، وحُكم على قولهم بالشذوذ، وهذا هو المراد بحثه وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
بداية المجتهد (2/ 143).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا القول من المعاصرين:
محمد عبده (ت 1323)
(1)
، وتلميذه محمد رشيد رضا (ت 1354)
(2)
.
و سيد سابق (ت 1420)
(3)
وغيرهم
(4)
.
(1)
قال في رسالة التوحيد ص (191): (إنما شهر المسلمون سيوفهم دفاعاً عن أنفسهم، وكفّاً للعدوان عنهم، ثم كان الافتتاح بعد ذلك من ضرورة الملك، ولم يكن من المسلمين مع غيرهم إلا أنهم جاوروهم وأجاروهم، فكان الجوار طريق العلم بالإسلام)، ونقل عنه تلميذه محمد رشيد رضا أنه قال -وهو يوضح ماسبق-:(إن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم كانت كلها دفاعاً، وكذلك حروب الصحابة في الصدر الأول، ثم كان القتال بعد ذلك من ضرورة الملك) كما في تفسير المنار (10/ 248)، وفي الأعمال الكاملة لمحمد عبده (4/ 705):(الجهاد من الدين بهذا الاعتبار، أي أنه ليس من جوهره ومقاصده، وإنما هو سياج له وجنة، فهو أمر سياسي لازم له للضرورة، ولا التفات لما يهذي به العوام، ومعلموهم الطغام؛ إذ يزعمون أن الدين قام بالسيف، وأن الجهاد مطلوب لذاته، فالقرآن في جملته وتفصيله حجة عليهم)، وقال (5/ 247) عن بعض المفسرين:(إنهم لايكادون يتركون آية من آيات العفو والصفح والحلم ومكارم الأخلاق في معاملة المخالفين إلا ويزعمون نسخه، وهو موقف ننكره كل الإنكار).
(2)
قال في مجلة المنار (13/ 321): (النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن أحدًا من المسالمين له بحرب أبدًا، وإنما كانت غزواته كلها دفاعًا)، وقال (18/ 30):(وأما الجهاد العام في الإسلام فلا يكون إلا دفاعًا، ولا يجوز فيه قتال غير المقاتلين المعتدين)، وقال (9/ 427):(آي القرآن الناطقة بتحريم العدوان، وبأن القتال خاص بمن يقاتلوننا في الدين أي: يقاتلون لأجل منعنا من الدعوة إلى ديننا أو من إقامته وإحياء شعائره).
(3)
قال في فقه السنة (2/ 613 - 615): (لا مسوغ لهذه الحرب -في نظر الاسلام- مهما كانت الظروف، إلا في إحدى حالتين: الحالة الاولى: حالة الدفاع عن النفس، والعرض، والمال، والوطن عند الاعتداء .... الحالة الثانية: حالة الدفاع عن الدعوة إلى الله إذا وقف أحد في سبيلها، بتعذيب من آمن بها، أو بصد من أراد الدخول فيها،
…
أما الذين لا يبدءون بعدوان، فإنه لا يجوز قتالهم ابتداء
…
حروب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلها دفاعاً).
(4)
كالقرضاوي ففي رسالته "فقه الجهاد"(1/ 403) نقل أن: (المنهج الذي التزمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه يُسالم من سالمه، ويحارب من حاربه، وأنه لم يبدأ أحداً بقتال قط)، ثم قال:(وهذا كلّه يؤكد ما ذهبنا إليه من تحريم قتال المخالفين المسالمين للمسلمين، الذين لم يبْدُ منهم أي إساءة للإسلام ولا لأمته، لم يقاتلوهم في الدين، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم، بل ألقوا إليهم السلم، وكفوا أيديهم وألسنتهم عن المسلمين، فهؤلاء ليس لهم منا إلا البر والقسط)، وأشار إلى أن هذه الدعوة ابتدأت من محمد عبده، كما في فقه الجهاد (1/ 366)، (1/ 421). وانظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (1/ 586 - 596)، وفي رسالة "أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية" ص (325) ذكر ممن تأثر بهذه المقولة من المعاصرين كعبدالوهاب خلاف، ومحمود شلتوت، ووهبة الزحيلي، والأخير رحمه الله، له رسالة "آثار الحرب في الفقه الإسلامي" قال في مقدمة الطبعة الثانية وهو يذكر انتشار الطبعة الأولى ص (10): (
…
ومعظم الجامعات العربية، ومكتبة الكونجرس الأمريكي أرسلوا لي رسائل تنوّه وتشيد بهذا الإنتاج العلمي الجديد، وتأمل من المؤلف متابعة الجهود في هذا المضمار الهام من الفقه الإسلامي) انتهى، ومثل هذا الفرح بهذه النتائج من الكفار لاغرابة فيه؛ لخوفهم الشديد من تمدد الإسلام، كما قال المبشّر لورانس براون:(الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وحيويته: إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي) كما نُقل عنه في كتاب"التبشير والاستعمار في البلاد العربية" ص (184).
سس
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع المحكي، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه، وقد نص على شذوذه أو نحوه من الألفاظ:
- سليمان بن حمدان
(1)
(ت 1397) بقوله: (مثل هذا القول مما يرغب عن ذكره لشذوذه، ومخالفته لنصوص الكتاب والسنة، فضلاً عن حكايته في مسائل الخلاف)
(2)
.
- وابن باز (ت 1420) بقوله في نهاية محاضرة له بعنوان"الجهاد ليس للدفع فقط": (وبهذا يعلم بطلان هذا القول وأنه لا أساس له ولا وجه له من الصحة
…
ومن تأمل أدلة الكتاب والسنة ونظر في ذلك بعين البصيرة وتجرد عن الهوى والتقليد عرف قطعاً بطلان هذا القول وأنه لا أساس له)
(3)
.
(1)
سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ولد سنة (1322) هـ قال عنه عبدالرحمن العثيمين في مقدمة تحقيق الجوهر المنضد ص (76): (أحد شيوخنا المعاصرين، وهو ناسخ كتاب ابن عبد الهادي هذا
…
أدركته وهو يلقى الدروس فى الحرم المكى الشريف يشرح كتاب "التوحيد"
…
وكان فى شبابه له اعتناء فى جمع الكتب ونسخها واقتناء نوادرها وقد خلَّف رحمه الله مكتبة حافلة بمخطوطات نفيسة جيِّدة كتب بعضها بخط يده، اشترتها بعد وفاته جامعة الإِمام محمد بن سعود الِإسلامية)، وقال ابن باز في الفتاوى (3/ 199):(أخونا العلامة الشيخ سليمان بن حمدان رحمه الله القاضي سابقا في المدينة المنورة)، من مؤلفاته: الدر النضيد على أبواب التوحيد، منسك في الحج، دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع، توفي سنة (1397) هـ. وانظر: تكملة معجم المؤلفين ص (216).
(2)
"دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع" ص (10).
(3)
مجموع فتاوى ابن باز (3/ 199).
- وعطية سالم (ت 1420) بقوله: (نشأت أفكار جديدة باسم المقاربة بين المسلمين والمشركين، أو الكفار أو الكتابيين، ونادى بعض المتأخرين: بأن النصرانية انتشرت بالأخوة والتراحم والتعاطف، أما أنتم أيها المسلمون فنشرتم الإسلام بالسيف، فقام من هو مخدوع أو مخادع وقال: نحن كذلك، ليس عندنا سيف إلا دفاعاً عن النفس، ونشأت الفكرة الضالة
…
تلك الدعوة الجديدة الزائفة)
(1)
.
- وأ. د. علي بن نفيع العلياني
(2)
بقوله: (ابتدع تلاميذ المستشرقين ومن سار على نهجهم بدعة منكرة تخالف الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة، وإجماع سلف الأمة، وهذه البدعة هي أن الجهاد في الإسلام للدفاع فقط
…
وهذه البدعة المنكرة لم يقلها أحد من علماء السلف المعتبرين، وأول ما ظهرت -على ما أعلم- على أيدي تلاميذ المدرسة العقلية الحديثة
(3)
التي من أشهر رجالها: جمال
(1)
شرح الأربعين النووية، الحديث الثامن، الجزء الثالث، عند الدقيقة (7: 35)، وعند الدقيقة (20: 6)، وقال: (ونشأت هذه الأفكار أول ما نشأت وبقوة في الهند، ثم انتقلت إلى البلاد الإسلامية في عقر دارهم، حتى الذي يقرأ تاريخ الطوائف الجديدة وبالأخص القاديانية: أنهم حرّجوا على المسلمين قتال المستعمر، وينادون بالسمع والطاعة، وألا قتال بعد ذلك، وفي بعض البلاد في أفريقيا يتركون دراسة باب الجهاد في الفقه
…
).
(2)
الأستاذ في جامعة أم القرى، قسم العقيدة، والمدرس في المسجد الحرام، ورسالته الدكتوراه بعنوان:"أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه" نوقشت عام (1404 هـ). انظر: موقع جامعة أم القرى.
(3)
ذكر أ. د. فهد الرومي في كتابه "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر" نشأت المدرسة العقلية الاجتماعية الحديثة، ثم قال (2/ 717):(وكان من رجال هذه المدرسة المؤسسين لها جمال الدين الأفغاني، وتلميذه محمد عبده، وتلاميذه: محمد مصطفى المراغي، ومحمد رشيد رضا، وغير هؤلاء كثير. وسميت حركتهم هذه بالنهضة الإصلاحية، وكان لها جوانب إصلاحية محمودة، وكان لها بجانب هذا شطحات ما كانوا ليقعوا فيها لولا تطرفهم في تحكيم العقل في كل الأمور؛ حتى جاوزوا الحق والصواب في أمور لا تَخْفَى).
الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا)
(1)
.
- وعبدالرحمن البراك بقوله في مقالة له بعنوان "شريعة الجهاد في الإسلام: لا تنسخها المواثيق الدولية": (أثناء كتابة هذا المقال بلغني كلام للدكتور سلمان بن فهد العودة -هداه الله- في إحدى القنوات الفضائية، حول الجهاد في الإسلام، ومن المعاني الباطلة التي تضمنها كلامه: ما سماه مصطلح جهاد الدفع والطلب، وأنه مصطلح حادث، وهو يقرر جهاد الدفع، ولكنه لا يقرر جهاد الطلب
…
ومعلوم أن هذا النوع من الجهاد هو الذي اتخذ منه أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم مطعناً على الإسلام، فصار بعض الجهال أو المصانعين للكفار من المدافعين عن الإسلام يحصرون غاية الجهاد في الإسلام في الدفاع؛ لأن دفع المعتدي لا ينكره أحد)
(2)
، وقال عمن يمنع من الجهاد إذا لم يحصل صد عن الدعوة وتضييق على أهلها
(3)
: (لا يكفي أن تفتح لنا دول الكفر
(1)
"أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية" ص (318)، وقال:(كان أعداء الإسلام من مبشرين ومستشرقين يحملون على الإسلام حملة شعواء قوامها أن الإسلام انتشر بالسيف، بينما انتشرت المسيحية بالمحبة والسلام، فأراد هؤلاء أن ينفوا التهمة عن الإسلام، فقالوا: إن الإسلام لايستخدم السيف إلا للدفاع فحسب، وقد غاب عن أذهانهم الفرق بين أهداف الجهاد في الإسلام، وأهداف الحروب الأخرى التي يعرفها الناس في جاهليتهم، والتي عرفتها أوروبا).
(2)
المقالة منشورة في موقعه الرسمي، وعند مراجعة كلام د. العودة لم أجد تصريحاً منه بالرد ولا بالمشروعية، ومن كلامه:(ومقصد القتال في الإسلام هو حماية المشروع الإسلامي، حماية الأرض والملة والإنسان، وهذا يتضمن المدافعة قطعاً، وربما كان من المدافعة= المبادأة والطلب أحياناً) كما في مقاله "جهاد الطلب وجهاد الدفع" منشور في صحيفة عكاظ، بتاريخ (17/ 9/ 1431 هـ).
(3)
وهذا تنبيه مهم جداً؛ لأن هناك من ينكر جهاد الطلب مطلقاً، وهناك من حاول ألا يخالف في جهاد الطلب لكنه علل مشروعية الطلب بأنه إنما شرع لتذليل طريق الدعوة وتحطيم العقبات دونها؛ فإذا سمحوا بالدعوة فلا حاجة إلى جهاد الطلب.
أبوابها، وتسمح لنا بدعوة شعوبهم إلى الإسلام ولهم السيادة على بلادهم، كما يزعم بعض النّاس في هذا العصر أنّهم إذا فعلوا ذلك لم يجب قتالهم! وفي هذا تلطف مع الطاعنين على الإسلام والمسلمين بشريعة الجهاد في سبيل الله، بل لابدّ مِن الجهاد في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا؛ إمّا بإسلامهم أو بذلهم الجزية، فتكون السّيادة للدولة الإسلاميّة إلا أن تقتضي مصلحة الإسلام والمسلمين معاهدتهم مدة معلومة أو مطلقة، وهذا الرأي محدث لا أصل له في كتاب ولا سنّة ولا في كلام العلماء)
(1)
.
- والطرابلسي
(2)
بقوله: (ظلّ مفهوم الجهاد بمعنى طلب غير المسلمين في دارهم بعد بلوغهم الدعوة مفهوماً اتفقت عليه المذاهب الفقهية جميعها الباقية والدارسة، ولم يشذ عن القول بذلك أحد من العلماء
…
وقد كان شيوخ مدرسة التجديد أول الخارقين للإجماع المنعقد على هذه المسألة، كالشيخ محمد عبده، ورشيد رضا
…
)
(3)
.
(1)
من مقالة بعنوان "شريعة الجهاد في الإسلام لمحو الكفر ودفع العدوان"، منشورة في موقعه الرسمي.
(2)
مصطفى بشير الطرابلسي، من أهل ليبيا، لم أقف له على ترجمته، وكتابه "منهج البحث" متين و مفيد في بابه اللصيق ببحثي، وقد قال في مقدمته ص (11): (لقد وجد من علماء المسلمين المعاصرين من يرد على هؤلاء فتاواهم وأقوالهم الشاذة
…
إلا أن الملاحظ أن كل الردود ركزت على ذكر ونقد مسائل بعينها
…
ولم أجد من تناول أصل المشكلة أو الدواء، وهو غياب المنهج العلمي في البحث والفتوى، الذي يعد المنبع الحقيقي لهذه الشذوذات).
(3)
"منهج البحث والفتوى في الفقه الإسلامي بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين" ص (324 - 325).
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بمشروعية جهاد الطلب:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
(1)
(2)
.
وجه الاستدلال:
- (أنه لما نزلت براءة أُمر أن يبتدئ جميع الكفار بالقتال، وثنيّهم وكتابيّهم، سواء كفوا عنه أو لم يكفوا
…
وقيل له فيها: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}
(3)
، بعد أن كان قد قيل له:{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ}
(4)
(5)
.
- وسورة التوبة هي آخر مانزل، كما قال البراء رضي الله عنه:(آخر سورة نزلت كاملة براءة)
(6)
.
(1)
من الآية (5) من سورة التوبة.
(2)
الآية (29) من سورة التوبة.
(3)
من الآية (73) من سورة التوبة.
(4)
من الآية (48) من سورة الأحزاب.
(5)
الصارم المسلول على شاتم الرسول ص (220)، وكلام ابن تيمية مهم هنا؛ لأنه نُسب إليه العكس كما سيأتي.
(6)
متفق عليه، أخرجه البخاري (4364)، ومسلم (1618)، قال ابن حجر في الفتح (8/ 316): (الظاهر أن المراد معظمها، ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم انتهى، وتبوك كانت في السنة التاسعة.
- وفي الآية الأولى علّق قتالهم بوصف الشرك، والثانية بوصف عدم الإيمان وعدم تحريم ما أحل الله وعدم الديانة بدين الحق؛ و (الاسم إذا كان بصيغة الوصف دل على اعتبار الوصف كقولك: أعط الفقير درهماً)
(1)
.
- و (لم يجعل لذلك غايةً إلا أن يُسلموا، وجعل في أهل الكتاب حدّاً آخر إن كانوا لم يسلموا: وهو إعطاء الجزية)
(2)
، (ولم يقل: حتى يعطوا الجزية أو يكفوا عنا)
(3)
.
- وقد ثبت عن ابن عباس (في قوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}، وقوله عز وجل: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}، وقوله عز وجل: {فَاعْفُ عَنْهُمْ}، وقوله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}، قال: نسخ هذا كلّه قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، وقوله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {وَهُمْ صَاغِرُونَ})
(4)
.
(1)
فتاوى محمد بن إبراهيم (6/ 199).
(2)
الإنجاد في أبواب الجهاد ص (527).
(3)
مجموع فتاوى ابن باز (3/ 189).
(4)
أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص (190 - 191) حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به، وأخرجه بنحوه البيهقي في الكبرى (17743)، وهذا الإسناد من صحيفة مشهورة في التفسير اعتمدها الإمام البخاري، تنزل رتبتها لو جاءت في أحاديث الأحكام، قال ابن حجر في الفتح (8/ 438):(هذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيراً) انتهى، مع التنبيه على أن البخاري يعلّقها عن ابن عباس، وقد أسند الطحاوي في شرح المشكل (12/ 387)، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص (70) عن الإمام أحمد أنه قال:(كتاب التأويل عن معاوية بن صالح، لو جاء رجل إلى مصر فكتبه، ثم انصرف به، ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلاً).
- وجاء عن (علي بن أبي طالب أنه قال: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف، سيف للمشركين: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، وسيف للكفار أهل الكتاب: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، وسيف للمنافقين: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}، وسيف للبغاة: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ})
(1)
.
- (هذا هو المعروف في كلام أهل العلم من المفسرين وغير المفسرين، كلهم قالوا فيما علمنا واطلعنا عليه من كلامهم
(2)
، إن هذه الآية وما جاء في معناها ناسخة لما مضى قبلها من الآيات التي فيها الأمر بالعفو والصفح، وقتال من قاتل والكف عمن كف، ومثلها قوله جل وعلا في سورة الأنفال:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} ، ومثلها قوله جل وعلا في سورة براءة بعد ذلك:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} )
(3)
.
ونوقش الاستدلال:
- أما قوله عز وجل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ؛ فالسياق
(1)
تفسير ابن كثير (4/ 178)، وقال:(وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق)، والأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يذكر فيه إلا السيف الأول، واجتهد في الباقي ابن كثير، كما وضحه في موضع آخر من التفسير، انظر:(4/ 113).
(2)
صرّح الشوكاني باتفاقهم فقال في السيل الجرار ص (945): (ما ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة، فذلك منسوخ باتفاق المسلمين).
(3)
مجموع فتاوى ابن باز (3/ 189).
يدل على أن (أل) في المشركين للعهد، أي: المشركين المذكورين، (وما هي إلا إذن بقتال المشركين الذي نكثوا العهد كما في الآيات التي قبلها وبعدها. وذلك أن المسلمين عاهدوا مشركي العرب من أهل مكة وغيرهم عهدًا فنكثوا إلا بني ضمرة وبني كنانة، فأمر الله تعالى بأن ينبذ للناكثين عهدهم ويمهلوا أربعة أشهر إلى آخر المحرم من الأشهر الحرم، فإن تابوا وإلا قوتلوا)
(1)
، (ثم تليها آيات أخر تعلل للأمر بقتلهم
…
فهم يصدون عن سبيل الله، ولا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمّة، ثم إنهم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وطعنوا في دين الله، وهمّوا بإخراج الرسول، وبدؤوا المؤمنين بالقتال أول مرة!!)
(2)
- وأما قوله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} ففيه (وصف أهل الكتاب الذين بين حكم قتالهم أربع صفات سلبية هي علة عداوتهم للإسلام، ووجوب خضوعهم لحكمه في داره; لأن إقرارهم على الاستقلال، وحمل السلاح فيه يفضي إلى قتال المسلمين في دارهم)
(3)
.
- و (وهذه الآية لايجوز أن تقرأ منفصلة عن سائر الآيات الأخرى في القرآن، فإذا وجد في أهل الكتاب من اعتزل المسلمين فلم يقاتلوهم، ولم يظاهروا عليهم عدوّا، وألقوا إليهم السلم، فليس على المسلمين أن يقاتلوهم)
(4)
.
(1)
مجلة المنار (6/ 412)، وانظر: فقه الجهاد للقرضاوي (1/ 303).
(2)
فقه الجهاد للقرضاوي (1/ 306).
(3)
تفسير المنار (10/ 248)، وللقرضاوي في مناقشة الاستدلال بهذه الآية كلام لم يتضح لي، في فقه الجهاد (1/ 314).
(4)
فقه الجهاد (1/ 315).
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة:
- أما تأويل (أل) في المشركين على أنها للعهد وأنها خاصة، مع أنه مخالف للأصل؛ فإن في قوله عز وجل:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}
(1)
، ما يؤكد أن اللام للجنس، فجعل الغاية ألا تكون فتنة، وهي الشرك هنا في قول جمهور المفسرين، وأن يخلص الدين لله
(2)
، وقوله:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}
(3)
، قال قتادة:(أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)
(4)
.
- ويؤيدهما قول من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»
(5)
، وهو حديث متواتر
(6)
، وفيه (جُعلت غاية المقاتلة وجود ما ذكر)
(7)
، وليس كف القتال، فإنه (لم يقل: فإذا كفوا عنا أو اعتزلونا
…
فدل ذلك على أن المطلوب دخولهم في الإسلام وإلا فالسيف، إلا أهل الجزية)
(8)
، وهي صريحة بالمراد.
- وأما جعل القتال في آية أهل الكتاب لعلة احتمال قتالهم للمسلمين
(1)
من الآية (39) من سورة الأنفال.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير (4/ 56).
(3)
من الآية (36) من سورة التوبة.
(4)
تفسير الطبري (21/ 81).
(5)
متفق عليه، أخرجه البخاري (2946)، ومسلم (21) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وجاء من حديث عمر وابن عمر وجابر وأنس رضي الله عنهم كلها في الصحيحين أو في أحدها، وجاء عن غيرهم خارج الصحيحين.
(6)
قاله السيوطي، انظر: الفتح الكبير (1/ 242)، وقال الألباني في الصحيحة (1/ 770):(والحديث صحيح متواتر عن أبي هريرة وغيره من طرق شتى بألفاظ متقاربة).
(7)
فتح الباري (1/ 76).
(8)
مجموع فتاوى ابن باز (3/ 200).
إذا تركنا معهم السلاح، فهو تسليم بالمراد، مع فوات التسليم بالنص، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث بريدة رضي الله عنه في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمرائه: «
…
وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم
…
فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
…
»
(1)
، (وهذا محمول على أهل الكتاب ومن في حكمهم كالمجوس عند جمهور أهل العلم جمعاً بين هذا الحديث وبين آية التوبة)
(2)
، (أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام، أو تسليم الجزية، أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية)
(3)
.
- وأما حمل آية السيف ونحوها على الآيات التي في المراحل قبلها؛ لأن المطلق يحمل على المقيد؛ فهذا خطأ هنا؛ لأنه نص ابن عباس على أن آية السيف ناسخة لما قبلها ولم يخالفه أحد من الصحابة ولا من التابعين، والنسخ ينبغي أن يفهم على اصطلاحهم الأعم، وعليه فلا يلزم منه رفع الحكم بالكلية.
- وعلى فرض جواز حمل المطلق على المقيد هنا، فإن الآية التي فيها تقييد قتال الكفار بمن قاتلنا، أُخذ المنع من البدء بالقتال فيها بمفهوم المخالفة، والمفهوم لايقوى على معارضة المنطوق، فالمفهوم (حجّة ما لم يعارضه دليل أقوى منه، وقد عارضه ما هو أقوى منه؛ كآية السّيف وغيرها مما يقتضي إطلاق قتل الكفار، قاتلوا أو لم يقاتلو)
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (1731).
(2)
مجموع فتاوى ابن باز (5/ 409).
(3)
قاله الشوكاني في السيل الجرار ص (945).
(4)
نواسخ القرآن لابن الجوزي ص (66).
- وهذا كله يتأيد بإجماع من سلف على هذا الفهم قبل مخالفة الخلف، مما يرفع الدلالة في النصوص من الظن إلى القطع، وهو الدليل الآتي:
2/ الدليل الآخر: هو الإجماع.
والإجماع المنقول في هذه المسألة على قسمين: صريح، وغير صريح؛ أما الصريح:
1.
فقال ابن جرير (ت 310): (وأجمعوا أن موادعة أهل الشرك من عبدة الأوثان، ومصالحة أهل الكتاب على أن أحكام المسلمين عليهم غير جائزة إلى الأبد= باطلة إذا كان بالمسلمين قوة على حربهم)
(1)
.
2.
وقال الجصاص (ت 370): (ولا نعلم أحداً من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين، وإنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره، فقد حصل الاتفاق من الجميع على نسخ حظر القتال)
(2)
.
3.
وقال ابن حزم (ت 456): (واتفقوا أن قتال أهل الكفر بعد دعائهم إلى الإسلام أو الجزية إذا امتنعوا من كليهما جائز)
(3)
، يعني: غير ممنوع.
(1)
اختلاف الفقهاء- كتاب الجهاد والجزية وأحكام المحاربين ص (14)، وقد قال ابن تيمية في الصفدية (2/ 320): (الصحيح أنه يجوز العهد مطلقاً ومؤجلاً، فإن كان مؤجلاً كان لازماً لا يجوز نقضه
…
وإن كان مطلقاً لم يكن لازماً؛ فإن العقود اللازمة لا تكون مؤبدة كالشركة والوكالة وغير ذلك) انتهى، وعند التأمل فلا معارضة بينهما.
(2)
أحكام القرآن (2/ 278).
(3)
مراتب الإجماع ص (122)، وانظر: الإقناع (1/ 334).
4.
وقال ابن تيمية (ت 728): (وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين. وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء؛ إلا أن يقاتل بقوله أو فعله)
(1)
.
5.
وقال الزيلعي (ت 743): «الجهاد فرض كفاية ابتداء) يعني: يجب علينا أن نبدأهم بالقتال وإن لم يقاتلونا
…
وعليه إجماع الأمة)
(2)
.
6.
وقال الصنعاني (ت 1182): (فقد عُلم من ضرورة الدين وجوب الجهاد على المسلمين للكفار بالله الجاحدين، واتفق على ذلك كافة المؤمنين، وتعددت بذلك نصوص كتاب الله المبين)
(3)
.
7.
وقال الشوكاني (ت 1250): (أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية
…
وما ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق المسلمين، بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم)
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى (28/ 354)، والاتفاق ورد على من منع أن يكون الدين لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا ممن لم يلتزم بحكم دولة الإسلام، وليس على من بدأنا بالقتال، فهذا ليس له ذكر في السياق، ولم يستثن إلا ما استثنته النصوص من النساء والصبيان والراهب ونحوهم، وليس في استثناءه من لم يبدأنا بالقتال، والله أعلم.
(2)
تبيين الحقائق (3/ 241).
(3)
ذخائر علماء اليمن ص (155)، وفيها رسالة للصنعاني اختصرها من رسالة منسوبة لابن تيمية في سبب قتال الكفار، وسيأتي الحديث عنها، وهذا الكلام فيه احتمال أنه لابن تيمية، والأظهر أنه للصنعاني استهل به الاختصار، والرسالة كلها في سبب قتال الكفار في جهاد الطلب، وفي الحديث عن الرسالة سيتضح ذلك -بإذن الله-.
(4)
السيل الجرار ص (945).
8.
وقال محمد بن إبراهيم (ت 1389): (فالقول بأنهم يقاتلون لأجل صيالهم كأنه يبطل مصارمتهم
…
العلماء متفقون على وجوب قتالهم)
(1)
.
9.
وقال سليمان بن حمدان (ت 1397): (الذي دلّ عليه الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة، أن قتال الكفار فرض على الأمة، إما فرض عين على أحد القولين، أو فرض كفاية)
(2)
.
10.
وقال ابن باز (1420): (الطوائف الثلاث تؤخذ منهم الجزية، هذا محل وفاق بين أهل العلم فإما أن يسلموا وإما أن يؤدوا الجزية، وإما القتال
…
أما قول من قال بأن القتال للدفاع فقط، فهذا القول ما علمته لأحد من العلماء القدامى)
(3)
.
11.
وقال عطية سالم (ت 1420): (ماحكم قتال الكفار؟ ماحكم قتال الناس حتى يقولوا؟ نجد الأمة مجمعة في القرون الأولى، إلى أن اختلط المسلمون بغيرهم وجاءت المدارس الغربية والشرقية، ونشأت أفكار جديدة باسم المقاربة بين المسلمين والمشركين، أو الكفار أو الكتابيين، ونادى بعض المتأخرين: بأن النصرانية انتشرت بالأخوة والتراحم والتعاطف، أما أنتم أيها المسلمون فنشرتم الإسلام بالسيف، فقام من هو مخدوع أو مخادع وقال: نحن كذلك، ليس عندنا سيف إلا دفاعاً عن النفس، ونشأت الفكرة الضالة)
(4)
.
12.
وقال د. عبدالكريم زيدان (ت 1435): (قتال دار الإسلام لأهل دار
(1)
مجموع فتاوى ابن إبراهيم (6/ 200).
(2)
"دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع" ص (14).
(3)
مجموع فتاوى ابن باز (3/ 190 - 196).
(4)
شرح الأربعين النووية، الحديث الثامن، الجزء الثالث، عند الدقيقة (7: 11).
الحرب هو لإزالة النظام الباطل الذي يتبعونه، ولا يتم هذا إلا بإخضاعهم لسلطان دار الإسلام
…
والفقهاء يجمعون على هذا
…
وأعمال الفقهاء الراشدين تؤيد ماقلناه وقاله الفقهاء، فإنهم فتحوا البلاد المجاورة وأبطلوا أنظمتها الباطلة، ونفذوا فيها القانون الإسلامي، وأدخلوها في سلطان الدولة الإسلامية، وصارت جزءا منها، ولم ينكر عليهم أحد مطلقاً، فيكون هذا النهج مجمعاً عليه من قبل الجميع، وهو أعظم إجماع قام على مسألة شرعية)
(1)
.
13.
وقال أ. د. علي العلياني: (أجمع علماء الإسلام على أن جهاد الكفار، وتطلبهم في عقر دارهم، ودعوتهم إلى الإسلام، وجهادهم إن لم يقبلوه أو يقبلوا الجزية= فريضة محكمة غير منسوخة)
(2)
.
14.
وقال عبدالرحمن البراك عمن يجعل غاية قتال الطلب ألا يوجد من يصد عن الدعوة: (وهذا الرأي محدث لا أصل له في كتاب ولا سنّة ولا في كلام العلماء)
(3)
.
15.
وقال د. محمد خير هيكل: (اتفقت كلمة الفقهاء في الإسلام على مشروعية إعلان الجهاد على جميع الكفار ابتداء. أي: ولو لم يصدر منهم اعتداء على المسلمين أو على الدعوة، وذلك من أجل
(1)
"مجموعة بحوث فقهية" ص (56 - 57)، وقوله:(أعظم إجماع) لاشتهاره، وإزهاق الدماء فيه، وعدم المخالف.
(2)
"أهمية الجهاد في نشر الدعوة إلى الله" ص (125)، وقال ص (337): (الإجماع منعقد على وجوب تطلب الكفار في عقر دارهم وتخييرهم بين خصال ثلاث
…
على خلاف في قبول الجزية من غير أهل الكتاب والمجوس).
(3)
من مقالة منشورة في موقعه الرسمي بعنوان"شريعة الجهاد في الإسلام لمحو الكفر ودفع العدوان"، وهذا الرأي المحدث فيه تحريف مع تلطف لمعنى الطلب الذي غايته أن يكون الدين كله لله، والسلطة فيه للمسلمين عند القدرة.
إدخالهم تحت حكم الإسلام، اللهم إلا ماروي عن الإمام مالك من عدم مشروعية الجهاد ابتداء ضد الحبشة والترك فقط)
(1)
.
16.
وأختم بما ورد في الفقه الميسر-للطيار والمطلق والغصن-: (قام الصحابة رضي الله عنهم بفتح فارس والعراق والشام ومصر وغيرها، وذلك إجماع منهم على أن الجهاد يقوم على الطلب والمبادأة، كما يقوم على الدفاع والذود عن حمى الإِسلام والمسلمين)
(2)
.
وأما غير الصريحة، ففيها أن الجهاد فرض كفاية بالإجماع، وجهاد الدفع -كما سبق- فرض عين بلانزاع
(3)
، فدل أن مرادهم جهاد الطلب، ولذلك تجد في بعض النقول من يقرر أنه فرض كفاية ثم يستثني إن دهم العدو ساحة الإسلام ففرض عين:
17.
قال المنصوري
(4)
(ت 292): (وأجمع المسلمون جميعًا على أن الله فرض الجهاد على الكافة، إذا قام به البعض سقط عن البعض)
(5)
.
(1)
"الجهاد والقتال في السياسة الشرعية"(1/ 754).
(2)
الفقه الميسر (7/ 234).
(3)
ينظر تحرير محل النزاع، وسبق في المقدمة أن الأصل في حديث الفقهاء عن الجهاد إنما هو في الطلب.
(4)
أحمد بن محمد بن صالح المنصوري، البغدادي، قال ابن النديم في الفهرست ص (269):(على مذهب داود من أفاضل الداوديين، له كتب جليلة حسنة كبار، منها: كتاب المصباح كبير، كتاب الهادي، كتاب النير)، سمع من الأثرم، وروى عنه الحاكم، وله نسب في بني تيمم، انتقده الذهبي على حديث باطل روي مرفوعاً من طريقه:«أول من قاس إبليس، فلا تقيسوا» ، قال الذهبي في الميزان (1/ 133):(فالحمل فيه على المنصوري، وكان ظاهرياً)، توفي سنة (292) هـ. وانظر: المؤتلف والمختلف لابن القيسراني ص (136)، هدية العارفين للباباني (1/ 54).
(5)
نقله ابن القطان في الإقناع (1/ 334) عن كتاب "النيّر" للمنصوري، وهو كتاب لم يصلنا فيما أعلم.
18.
وقال الجوهري (ت 365)(أجمع الفقهاء أن الجهاد فرض على الناس إلا من كفي مؤنة العدو منهم أباح لمن سواه التخلف ماكان على كفايته، إلا عبيدلله بن الحسن رضي الله عنه فإنه قال: هو متطوع)
(1)
.
19.
وقال ابن يونس (ت 451): (ولا خلاف بين الأمة في وجوبه، وهو من فروض الكفايات دون الأعيان)
(2)
.
20.
وقال ابن عطية (ت 542): (واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة للإسلام، فهو حينئذ فرض عين)
(3)
.
21.
وقال ابن رشد (ت 595): (فأما حكم هذه الوظيفة؛ فأجمع العلماء على أنها فرض على الكفاية لا فرض عين، إلا عبد الله بن الحسن، فإنه قال: إنها تطوع)
(4)
.
22.
وقال الرازي (ت 606): (والإجماع اليوم منعقد على أنه من فروض الكفايات، إلا أن يدخل المشركون ديار المسلمين؛ فإنه يتعين الجهاد حينئذ على الكل)
(5)
.
23.
وقال قاضي صفد محمد بن عبدالرحمن الدمشقي (ت بعد 780 هـ): (اتفق الأئمة على أن الجهاد فرض كفاية إذا قام به من المسلمين من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين، وعن سعيد بن المسيب أنه فرض عين)
(6)
.
(1)
نوادر الفقهاء ص (161 - 162)، وانظر: الإقناع لابن القطان (1/ 334).
(2)
الجامع لمسائل المدونة (6/ 36).
(3)
المحرر الوجيز (1/ 289)، وانظر: تفسير القرطبي (3/ 38).
(4)
بداية المجتهد (2/ 143).
(5)
تفسير الرازي (6/ 384).
(6)
رحمة الأمة ص (381).
24.
وقال ابن عادل الحنبلي (ت بعد 880): (والإجماع اليوم منعقدٌ على أنه من فروض الكفايات، إلاَّ أن يدخل المشركون ديار المسلمين؛ فيتعيّن الجهاد حينئذٍ على الكلِّ. وقال آخرون: هو فرض عينٍ)
(1)
.
ونوقش الاستدلال بالإجماع:
- بعدم التسليم، فقد أخرج مسلم قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن وهيب المكي، عن عمر بن محمد بن المنكدر، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق» ، قال ابن سهم: قال عبد الله بن المبارك: فنرى أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
- فهذا ابن المبارك يرى أن فرض الجهاد كان على الصحابة وحدهم، قال النووي:(وهذا الذى قاله ابن المبارك محتمل)
(3)
.
- ووجد من الصحابة والتابعين من قال بأن الجهاد تطوع غير فرض، كما نقل عن ابن عمر، وعطاء، وعمرو بن دينار، وابن شبرمة
(4)
.
- و (ابن تيمية، والحسن الجلال، والصنعاني يخالفون هذا الإجماع المدّعى)
(5)
، فابن تيمية (من أبرز الذين صنّفوا في ذلك)
(6)
، أي: في نفي جهاد الطلب.
(1)
اللباب في علوم الكتاب (3/ 525).
(2)
مسلم (1910).
(3)
شرح مسلم (13/ 56).
(4)
"فقه الجهاد" للقرضاوي (1/ 405).
(5)
المرجع السابق (1/ 406)
(6)
المرجع السابق، ويقصد بمصنفه "قاعدة في قتال الكفار" وسيأتي ذكرها في جواب المناقشة -بإذن الله-.
- (وممن تبنى هذا القول ونصره الإمام المجتهد، علامة الزيديّين، وفخر اليمنيين: الحسن بن أحمد الجلال (ت 1084) في "حاشية ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار" الذي قرّر بوضوح: أن قتال الكفار إنما هو لدفع شره وضرره عن الإسلام وأهله)
(1)
.
- ومما قاله الجلال (إن آية السيف مختصة بالمحاربين
…
قتال الكافر المحارب ليس إكراهاً على الدين، بل لدفع شرّه عن الإسلام وأهله، فإذا استستلم-كالمنافق والذمي- لم يجز قتاله
…
وعلى المحاربين يُحمل حديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله
…
»، ويُصحّح هذا الحمل تركه لقتال الذمي والمنافق)
(2)
، قال د. القرضاوي:(هذا ماقاله العلامة الحسن الجلال وهو في غاية الوضوح)
(3)
.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بأمور:
- تمهيداً للجواب، فإن النزاع في المسألة بين المعاصرين والسلف في مشروعية جهاد الطلب أو عدمها، ثم نقلها المعترض على الإجماع -وهو ممن ينكر جهاد الطلب-، إلى الخلاف في جهاد الطلب هل هو على الوجوب أم على الاستحباب.
- فهذا منه أولاً تسليم بمشروعية جهاد الطلب الذي أنكره قبل ذلك، وقد أبعد في مناقشة الإجماع
(4)
، وهذا بيان ذلك:
(1)
المرجع السابق (1/ 407).
(2)
هذه كل النصوص التي نقلها القرضاوي في "فقه الجهاد"(1/ 407 - 408)، عن الحسن الجلال من كتابه ضوء النهار (4/ 2504 - 2506)، والتي يريد بها إثبات إنكاره لجهاد الطلب!
(3)
فقه الجهاد (1/ 408).
(4)
في مناقشة الإجماع أتى بأشياء لا علاقة لها، ثم أشار إلى استبعاد الإجماع متذرعاً بمقولة أحمد:(من ادعى الإجماع فهو كاذب)، ثم رجع إلى مناقشة الإجماع.
- أما مانقله عن ابن المبارك (ت 181)، فلا علاقة له بمسألتنا؛ وإنما هو في عقوبةٍ من عقوبات ترك الغزو، وأن من فعل ذلك «مات على شعبة من النفاق» ، فابن المبارك:(حمله على النفاق الحقيقي)
(1)
وخصه بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي:(وهذا الذى قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره: إنه عام، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد فى هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق)
(2)
.
- ما علاقة هذا بوجوب جهاد الطلب أو مشروعيته؟!
- ورحم الله الإمام ابن المبارك لو حاول خرق الإجماع بغيره؛ لأن من أخص صفاته التي يشاد بها الغزو، كما قال الذهبي:(الحافظ، الغازي، أحد الأعلام)
(3)
، وما أبياته (ياعابد الحرمين لو أبصرتنا
…
) التي فيها نصح لعياض بالغزو، إلا من شواهد ذلك.
- وأما مانقله عن بعض الصحابة والتابعين بأن: الجهاد تطوع غير فرض، فهذا -كما سبق- تفريع على إثبات مشروعية الطلب بعد إنكاره له، وليس هذا هو النزاع، وفرق بين من يقول: جهاد الطلب مندوب كماهو قول بعض السلف، ومن يقول: جهاد الطلب محرّم كما هو قول بعض المعاصرين، وحتى يتبين الفرق: لو دعا ولي الأمر إلى الغزو، فإنه يتعين على الرأي الأول وهو إجماع، وعلى الرأي المُحدث لايجاب؛ لأنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق
(4)
!
(1)
إكمال المعلم (6/ 335).
(2)
شرح النووي على مسلم (13/ 56).
(3)
سير أعلام النبلاء (8/ 379).
(4)
انظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (1/ 908).
- ومع ذلك فقد سها أو دلّس في نقله عن السلف، حيث لم يسق النقل هنا بتمامه
(1)
بل اكتفى بتقرير أنهم يرون أن الجهاد تطوّع! وفي سياقه بتمامه عن الجصاص ردٌ عليه، ولن أعلّق عليه لكفايته، قال الجصاص:
- (أهل الثغور متى اكتفوا بأنفسهم، ولم تكن لهم حاجة إلى غيرهم فليس يكادون يستنفرون، ولكن لو استنفرهم الإمام مع كفاية من في وجه العدو من أهل الثغور وجيوش المسلمين؛ لأنه يريد أن يغزو أهل الحرب ويطأ ديارهم فعلى من استنفر من المسلمين أن ينفروا. وهذا هو موضع الخلاف بين الفقهاء في فرض الجهاد، فحكي عن ابن شبرمة والثوري في آخرين أن الجهاد تطوع وليس بفرض
…
وقد روي فيه عن ابن عمر نحو ذلك، وإن كان مختلفا في صحة الرواية عنه
…
وروي عن عطاء وعمرو بن دينار نحوه
…
وقد ذكر أبو عبيد أن سفيان الثوري كان يقول: ليس بفرض، ولكن لا يسع الناس أن يجمعوا على تركه أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين. وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم، ولكن موضع الخلاف بينهم أنه متى كان بإزاء العدو مقاومين له، ولا يخافون غلبة العدو عليهم هل يجوز للمسلمين ترك جهادهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية؟ فكان من قول ابن عمر وعطاء وعمرو بن دينار وابن شبرمة أنه جائز للإمام والمسلمين أن لا يغزوهم، وأن يقعدوا عنهم
…
وجائز أن يكون قول ابن عمر وعطاء وعمرو بن دينار في أن
(1)
في أول البحث ص (1/ 9) ساق النقل عن الجصاص بسياق أتم، وهنا (1/ 405) اقتضبه جداً!
الجهاد ليس بفرض يعنون به أنه ليس فرضه متعينا على كل أحد كالصلاة والصوم، وأنه فرض على الكفاية)
(1)
.
- وأما مانسبه لابن تيمية (ت 728)، وأنه (من أبرز الذين صنّفوا في ذلك)، في ماذا؟! أتى بمصنّف منسوب لأبي العباس في معرض إنكار الإجماع على جهاد الطلب، وزعم أنه يخالف الإجماع، ثم اكتفى بالنقل عنه على مخالفة الإجماع أنه (صنف في ذلك)! وفي المسائل الجليلة لا يغني التلميح عن التصرح، ولا يكفي قوله (صنف في ذلك) دون بيان تصريحه في مناقضة الإجماع، وهذا بيانٌ في الرسالة:
- الرسالة المنسوبة لابن تيمية، وهي: رسالة ملخصة في: (قتال الكفار هل سببه المقاتلة أو مجرد الكفر)
(2)
، كلها تدور حول سبب قتال الكفار، وليس فيها إنكار جهاد الطلب، ابتدأها بقوله:(فصلٌ في قتال الكفار هل هو سبب المقاتلة، أو مجرد الكفر)
(3)
، ثم استطرد في بيان أنه لايكره أحد على الدين، وفي أخذ الجزية من جميع الكافرين، وفي المقارنة بين شرك المجوس وشرك العرب، وفي العهد المطلق والمقيد، وفي نقض الكفار للعهد، ثم رجع
(1)
أحكام القرآن للجصاص (3/ 146 - 147).
(2)
العنوان الموجود في أقدم نسخة مخطوطة وصلتنا، والتي نُسخت عام (1363) هـ، واعتمد عليها من طبعها مؤخراً هو:(رسالة ملخصة منقولة من قاعدة لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيمية في قتال الكفار هل سببه المقاتلة أو مجرد الكفر) هذا هو العنوان الأدق، ثم طبعت قديماً عام (1368) هـ بعنوان:(قاعدة في قتال الكفار هل هو لأجل كفرهم أو دفاعاً عن الإسلام؟)، ثم طبعت مؤخراً عام (1425) هـ، بتحقيق د. عبدالعزيز الزير آل حمد ووضع عليها هذا العنوان:(قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتالهم لمجرد كفرهم) وهو اجتهاد منه لايوافق عليها.
(3)
ص (87) هي بداية الرسالة في المطبوع بتحقيق د. الزير.
لسبب القتال والاستدلال على مايراه، فقال:(فهذا الأصل الذي ذكرناه وهو أن القتال لأجل الحراب لا لأجل الكفر هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة، وهو مقتضى الاعتبار)
(1)
، ومقصد الرسالة: الرد على من قال بأن الكافر يقاتل لأجل كفره كما هو قول الشافعي خلافاً للجمهور، وثمرة الخلاف: في قتل الراهب والشيخ الفاني والضعيف ونحوهم، أما النساء والصبيان فاتفق الجميع على عدم قتلهم مالم يقاتلوا، وسيأتي توثيق الخلاف.
- وسأقف مع هذه الرسالة ثلاث وقفات مهمة؛ لأنه (لما رآها بعض من ينتسب إلى العلم وليس من أهل الدراية والفهم، صادفت هوى في نفسه، فطار بها فرحاً، ظنّاً منه أنها الضالة المنشودة)
(2)
، (وذلك لأن العلماء الذين عللوا قتل الكفار بالمحاربة والمقاتلة نصوا على مرادهم، وهو تلمس الحكمة الشرعية في أمر الله سبحانه بقتال كل كافر باستثناء النساء والأطفال والرهبان والشيوخ العجزة، فقالوا: لو كان علة القتال الكفر لوجب قتل كل كافر، فإذًا العلة هي القدرة على المحاربة والمقاتلة، فإن من عنده الطاقة على القتال فهو مصدر خطر على المسلمين، ولم يقل هؤلاء العلماء إن الكافر لا يقاتَل إلا إذا حارب بالفعل واعتدى، كما هو قول أهل الدفاع الذين يحرفون نصوص العلماء لكي يظهروا للناس بأنهم لم يخرقوا الإجماع، وأن هناك طائفة من العلماء تقول بقولهم)
(3)
، وكذلك بعض من ردّها وأنكرها أخطأ في فهمها.
- الوقفة الأولى في ثبوتها: اختلف العلماء في ثبوتها، فنفاها كثير
(1)
ص (188).
(2)
"دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع" ص (2).
(3)
"أهمية الجهاد في نشر الدعوةإلى الله" ص (337).
من أهل العلم، وأثبتها آخرون
(1)
، والنفي قد يكون متجهاً؛ فإن هذه الرسالة لم يذكرها تلامذته العارفون بكتبه كابن رشيّق، وابن عبدالهادي، وابن رجب
(2)
، إلا إن ابن عبدالهادي يقول:(وله من الأجوبة والقواعد شيء كثير غير ما تقدم ذكره، يشق ضبطه وإحصاؤه، ويعسر حصره واستقصاؤه)
(3)
.
- ومما هو متفق عليه: أن أصل الرسالة لم يصلنا، إنما وصلنا مختصرها، والمُختَصِر لها مجهول العين والحال، وماحذفه غير معلوم، وأول ناسخ لهذا المختصر عن أصله، فيما وصلنا عام (1363)، فيكون بينه وبين ابن تيمة أكثر من ستة قرون، وطبعت أولاً ضمن مجموعة رسائل عام (1368) في مطبعة السنة المحمدية، ثم طبعت عام (1425) بتحقيق د. عبدالعزيز الزير، والمختصر في تحقيقه من ص (87 - 220).
- والمختصر فيه مواضع تدل على حذف كلام قد يكون مؤثراً وفيه قيود مهمة
(4)
، فلا يُجزم بنسبة ما في المختصر إلى ابن تيمية، مع الحذر في التعامل معها، ومن أدق الكلام فيها قول محمد بن
(1)
انظر: وممن أنكرها: ابن سحمان، وعبدالرحمن بن قاسم، وابن باز، وسليمان بن حمدان في رسالة، وغيرهم، انظر:"رسائل ومسائل منسوبة لابن تيمية" ص (21)، "أقوال العلماء في الرسالة المنسوبة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجهاد" للخراشي، منشور في موقع صيد الفوائد.
(2)
انظر: "أسماء مؤلفات الإمام أحمد ابن تيمية" لابن رشيّق، ضمن الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون (282 - 311)، العقود الدرية (42 - 80)، ذيل طبقات الحنابلة (4/ 520 - 523).
(3)
العقود الدرية ص (80)، وقال:(ويكتب قواعد كثيرة في فنون من العلم في الأصول والفروع والتفسير وغير ذلك فإن وجد من نقله من خطه وإلا لم يشتهر ولم يعرف)، وابن رشيّق قال لما سئل أن يجمع أسماء كتب الشيخ:(أعجز عن حصرها وتَعْدادها).
(4)
أحصيت في الرسالة (15) عشر موضعاً، يقول فيها:(ثم قال)، (إلى أن قال)، (ثم ذكر) ونحوها، انظر: ص (104 - 128 - 129 - 131 - 133 - 135 - 139 - 144 - 145 - 147 - 152 - 179 - 183).
إبراهيم: (هذه الرسالة حقيقتها أن بعضها من كلامه، ومحذوف منها شيء، ومدخل فيها شيء آخر)
(1)
، والرسالة (عليها بصمات شيخ الإسلام)
(2)
.
- ومن بصماته: تعبيراته وألفاظه، ودخوله وخروجه في المسائل ثم عودته لمسألته، بل إن مثل هذه المضائق العلمية لا يحسنها إلا أمثال أبي العباس، يطرحها بوضوح وجلاء، وقد حيرت بعض من بعده؛ بل إن الصنعاني قرأ تعليل الجمهور الذي قرّبه ابن تيمية ودللّ عليه، قرأه عند غيره فقال:(ولم نعرف له سلفاً في ذلك، حتى وقفنا على رسالة للعلامة المحقق أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله، فيها تحرير القولين)
(3)
، وقال في موضع آخر: (السابق إلى التأليف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية
…
والمسألة تعزب عن النظار مظنة أدلتها)
(4)
.
- هذا كله في الكلام على المختصر المطبوع، و وقفت على مختصر للرسالة أوثق من السابق، اختصره الأمير الصنعاني (ت 1182)، واقتصر فيه على موضوع الرسالة وهو سبب قتال الكفار، وحذف استطرادات الشيخ في الجزية والعهد والمجوس، وهي مطبوعة ضمن كتاب:"ذخائر علماء اليمن" ولذلك جاءت مختصرة من ص (155 - 163)، قال الصنعاني في خاتمتها: (وقفنا على رسالة للعالم المحقق أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله فيها تحرير
(1)
فتاوى ابن إبراهيم (6/ 201).
(2)
قاله عبدالرحمن البراك، في تعليقاته على رسالة سليمان بن حمدان "دلالة النصوص والإجماع" بتحقيق أخي عبدالله المشعل، يسّر الله نشرها، ومما ذكره البراك أن المُختصر أخلّ بها.
(3)
ذخائر علماء اليمن ص (163).
(4)
ضوء النهار مع حاشية الصنعاني (7/ 758 - 762).
القولين، وذكر أدلة الفريقين، إلا أنه لسعة باعه وكثرة اطلاعه يطيل الأبحاث، ويخرج من فائدة إلى أخرى قبل وفائه الكلام على الأولى، فلا يُستخرج المطلوب من كلامه إلا بطول ترديده وتتبعه، فتتبعت ما أردتُ من كلامه على هذين القولين، وليس [لي] فيه إلا تحرير مقال أو توضيح استدلال)
(1)
، كما أن هذه الرسالة أشار إليها الشوكاني (ت 1250) في نيل الأوطار
(2)
، بل إن ابن تيمية أشار إليها في كتاب النبوات حين قال:(الكفار إنما يُقاتلون بشرط الحراب؛ كما ذهب إليه جمهور العلماء، وكما دل عليه الكتاب والسنة؛ كما هو مبسوط في موضعه)
(3)
.
- وكرّر الصنعاني ذكرها في حاشية ضوء النهار حين قال: (وأما إيجاب القتال للكفار؛ فاعلم أن في سببه قولين:
…
وكنت قديما كتبت فيها رسالة مجردة إذ فيها بعض الغرابة، والسابق إلى التأليف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية)
(4)
.
- ومن المناسب جداً ذكر فهم الصنعاني والشوكاني لمعنى اختيار ابن تيمية في لب الرسالة، وهو سبب قتال الكفار وأنه: المقاتلة أو الحراب للمسلمين كما هو قول الجمهور وليس مجرد الكفر، فقال الصنعاني:(وليس المراد المقاتلة بالفعل، بل متى كان الكافر من أهل القتال الذين يخيفون أهل الإيمان، ومن شأنه أن يقاتل=فإنه يحل قتله؛ ولذا فإنها لا تقتل المرأة ولا الشيخ الفاني غير ذي الرأي ولا المكفوف؛ لأن القتال للمسلمين ليس من شأنهم)
(5)
،
(1)
ذخائر علماء اليمن ص (163).
(2)
نيل الأوطار (5/ 298).
(3)
النبوات (1/ 570).
(4)
ضوء النهار (7/ 757 - 758).
(5)
ذخائر علماء اليمن ص (155)، ويحتمل أن هذا الكلام لابن تيمية، ولم يذكره المختصر في المطبوع المتداول.
ويقول الشوكاني: (قتل من أنبت ليس من أجل التكليف؛ بل لرفع ضرره لكونه مظنة للضرر كقتل الحية ونحوها
…
وكون قتال الكفار لكفرهم هو مذهب طائفة من أهل العلم، وذهبت طائفة أخرى إلى أن قتالهم لدفع الضرر
…
ومن القائلين بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد المصنف وله في ذلك رسالة)
(1)
.
- وتأمل في كلام الصنعاني -واحتمال كونه لابن تيمية قائم-، فهو يبين المراد من الكتاب بجلاء، وفي المختصر المتداول نحوه:(من كان من المحاربين المقاتلين للمؤمنين، فإنه يقاتل حيث ثقف، وليس من حكمه أن لايقاتل إلا في حال قتاله، بل متى كان من أهل القتال الذي يخيف المسلمين، ومن شأنه أن يقاتل=قُتل قائماً أو قاعداً أو نائماً)
(2)
.
- الوقفة الثانية: توثيق مذاهب العلماء في سبب قتال الكفار من ابن تيمية ثم من المذاهب ليتضح معنى الحراب والمقاتلة التي هي سبب القتال عند الجمهور:
- في المختصر المطبوع قال: (فصلٌ في قتال الكفار هل هو سبب المقاتلة، أو مجرد الكفر؟ وفي ذلك قولان مشهوران للعلماء: الأول قول الجمهور كمالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهم. الثاني: قول الشافعي، وربما علّل به بعض أصحاب أحمد)
(3)
، وفي مجموع الفتاوى نحو هذا التقرير حين قال: (فأبو حنيفة رأى أن الكفر مطلقاً إنما يقاتل صاحبه لمحاربته، فمن لا حراب فيه لا
(1)
نيل الأوطار (5/ 298).
(2)
الرسالة المختصرة في قتال الكفار ص (102 - 103) بتحقيق د. الزير.
(3)
المرجع السابق (87 - 88).
يقاتل، ولهذا يأخذ الجزية من غير أهل الكتاب العرب وإن كانوا وثنيين. وقد وافقه على ذلك مالك وأحمد في أحد قوليه
…
وأما الشافعي فعنده نفس الكفر هو المبيح للدم، إلا أن النساء والصبيان تركوا لكونهم مالاً للمسلمين)
(1)
، فهذا كلام ابن تيمية وهذا توثيق للمذاهب:
- أما الحنفية؛ فقال المرغيناني: (المبيح للقتل عندنا هو الحراب
…
والشافعي -رحمه الله تعالى- يخالفنا في الشيخ الفاني والمقعد والأعمى لأن المبيح عنده الكفر)
(2)
، وابن نجيم يقول:(وسبب الجهاد عندنا كونهم حرباً علينا، وعند الشافعي هو كفرهم)
(3)
، وهذا التعليل بالحراب لا يلزم منه نفي الطلب عندهم ولا عند غيرهم، ولذلك قال القدوري:(وقتال الكفار واجب وإن لم يبدؤونا)
(4)
.
- وأما المالكية؛ فقال ابن رشد الجد عن ترك قتال الرهبان: (العلة التي من أجلها نهى عن قتلهم، وهي اعتزالهم لأهل دينهم، وترك معونتهم لهم بقتال أو رأي
…
ولم ينه عن قتلهم لخير عندهم، بل هم أبعد من الله، لاستبصارهم في كفرهم، وإنما نهى عن قتلهم، لاعتزالهم أهل دينهم، وترك معونتهم لهم بيد أو رأي
…
إنما يقتل من أهل الكفر من يقاتل)
(5)
، وهذا لاينفي الطلب كما سبق، ولذلك قال في الكافي: (على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو وكل سنة مرة يخرج معهم بنفسه أو يخرج من يثق به ليدعوهم إلى الإسلام ويرغبهم ويكف أذاهم ويطهر دين الله عليهم ويقاتلهم حتى
(1)
مجموع الفتاوى (20/ 101 - 102).
(2)
الهداية (2/ 380).
(3)
البحر الرائق (5/ 76).
(4)
محتصر القدوري ص (231).
(5)
البيان والتحصيل (2/ 258 - 259).
يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية
…
وأما النافلة من الجهاد فإخراج طائفة بعد طائفة وبعث السرايا في أوقات العزة وعند إمكان الفرصة)
(1)
، ويستثني الإمام مالك في الطلب الترك والحبشة، كما قال ابن رشد الحفيد: (فأما الذين يُحاربون فاتفقوا على أنهم جميع المشركين
…
إلا ما روي عن مالك أنه قال: لا يجوز ابتداء الحبشة بالحرب ولا الترك)
(2)
.
- وأما الشافعية؛ فقال الشيرازي في الشيخ الذي لايقاتل: (إن لم يكن له رأي، ففيه وفي الراهب قولان: أحدهما: أنه يقتل
…
لأنه ذكر مكلف حربي، فجاز قتله بالكفر كالشاب)
(3)
، ثم ذكر القول الآخر عن الشافعي أنه لا يقتل، قال المزني عن الأول:(هذا أولى القولين عندي بالحق؛ لأن كفر جميعهم واحد، وكذلك حل سفك دمائهم بالكفر في القياس واحد)
(4)
، وهذا لاينفي الطلب كما سبق، ولذلك قال الجويني:(إذا كان الكفار قارّين في ديارهم غيرَ متعلّقين بأطراف ديار الإسلام، فمقاتلتهم فرض على الكفاية، ثم قال الفقهاء: يتعين على الإمام أن يقيم في كل سنة قتالاً مع الكفار، ويجب أن يُغزي إلى كل صوب منهم جنداً إذا أمكن ذلك)
(5)
.
- وأما الحنابلة؛ فيكفي نسبة ابن تيمية فيه، وزيادة للتوثيق فقد قال ابن قدامة: (ولنا، في الزمن والأعمى، أنهما ليسا من أهل القتال،
(1)
الكافي لابن عبدالبر (1/ 463).
(2)
بداية المجتهد (2/ 144).
(3)
المهذب (3/ 278)، يلاحظ أن للشافعي قولين، ولذلك كان ابن قدامة دقيقاً حين قال في المغني (9/ 311 - 312): (وقال الشافعي، في أحد قوليه، وابن المنذر: يجوز قتل الشيوخ
…
لأنه كافر لا نفع في حياته، فيقتل كالشاب).
(4)
مختصر المزني (8/ 379).
(5)
نهاية المطلب (17/ 397).
فأشبها المرأة
…
ولأن هؤلاء إنما لم يقتلوا لأنهم في العادة لا يقاتلون)
(1)
، وهذا لا ينفي الطلب كما سبق، ولذلك قال ابن قدامة:(ويبعث في كل سنة جيش يغيرون على العدو في بلادهم)
(2)
.
- بعد هذا التفريق يظهر بجلاء مشروعية جهاد الطلب في جميع المذاهب، بل هو (معلوم من الضرورة الدينية)
(3)
، كما قال الشوكاني، والإجماع فيه (أعظم إجماع قام على مسألة شرعية)
(4)
، وقد سبق نقل الإجماعات فيه.
- و يبقى التفريق بين القتال والقتل كما قال ابن تيمية: (أوجبت الشريعة قتال الكفار، ولم توجب قتل المقدور عليهم منهم
…
وإن كان من الفقهاء من يرى المن عليه ومفاداته منسوخا)
(5)
، وقال:(الكفر مبيح للدم لا موجب لقتل الكافر بكل حال، فإنه يجوز أمانه ومهادنته والمن عليه ومفاداته، لكن إذا صار للكافر عهد عصم العهد دمه الذي أباحه الكفر)
(6)
، والشيخ يفرق بينهما في المختصر، وليس هذا بمهم هنا.
- وبسبب الخلط بين القضيتين وعدم التفريق بينهما؛ بالغ بعضهم في إنكار هذه الرسالة، كما قال ابن حمدان: (قال المفتري: فصلٌ في قتال الكفار هل هو سبب المقاتلة، أو مجرد الكفر؟ وفي ذلك
(1)
المغني (9/ 312 - 313).
(2)
المغني (9/ 197).
(3)
السيل الجرار ص (945).
(4)
"مجموعة بحوث فقهية" لزيدان ص (57)، وقوله:(أعظم إجماع) لاشتهاره، وإزهاق الدماء فيه، وعدم المخالف.
(5)
السياسة الشرعية ص (100).
(6)
الصارم المسلول ص (166).
قولان مشهوران للعلماء: الأول قول الجمهور كمالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهم. الثاني: قول الشافعي، وربما علّل به بعض أصحاب أحمد. [قال ابن حمدان:] والجواب: أن جهاد الكفار والمشركين سببه وعلته الكفر والشرك الذي هم عليه، لامجرد المحاربة، وقد تظاهرت بذلك دلائل الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة
…
وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة
…
لاينكره إلا مكابر)
(1)
.
- كما أنه للخلط بين القضيتين وعدم التفريق بينهما؛ بالغ بعضهم في إثباتها، كما قال د. القرضاوي: (هذا أهم ماذكره ابن تيمية في قاعدته في قتال الكفار، وقد أثبت فيها بما يزيل كل ريب، ويقطع كلّ نزاع عند من تأمّل وأنصف: أن الكفر وحده ليس موجباً ولا مبيحاً
(2)
لقتل المخالفين، وإنما الموجب هو مايقوم به هؤلاء المخالفون من محاربة وفتنة وعدوان على المسلمين في دينهم أو أهليهم أو أموالهم أو حرماتهم. وماشرع الإسلام القتال إلا لدفع هذا الشر والعدوان. أما المخالف الذي لايتعرض للمسلمين بسوء ولا أذى فإنما مضرة كفره على نفسه)
(3)
، هكذا قال.
- وقد أخطأ على ابن تيمية، و نسب إليه ما صرّح بضده في هذا المختصر، حيث نسب له في موجزه المختصر أن الكفر غير مبيح، وابن تيمية يقول في الخلاصة التي كتب ملخصاً لها: (الكفر وإن لم يكن موجباً فصاحبه ليس بمعصوم الدم ولا المال، بل هو مباح
(1)
"دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع" ص (5)، وانظر: ص (10).
(2)
هذا خطأ واضح على ابن تيمية، وسيأتي في التعقب.
(3)
فقه الجهاد (1/ 402).
الدم والمال)
(1)
، وخطؤه على الشريعة في مناقضة الإجماع، وخطؤه على الأئمة بخلطه بين المسألتين، والله أعلم.
- الوقفة الثالثة: هل في الرسالة إنكار جهاد الطلب؟ ليس في الرسالة إنكار لجهاد الطلب، والكلام على تفاصيل الرسالة قد يطول، وخاصة في رد المجمل من كلام ابن تيمية إلى المحكم، وتفسير كلامه ببعضه، لكني سأختم بذكر نصوص واضحة لابن تيمية في إثبات جهاد الطلب، ومن ذلك:
- قوله في نفس المختصر المطبوع: (فإنه يجوز قتال اليهود والمجوس بالنص والإجماع حتى يعطوا الجزية)
(2)
، كما قال في السياسة الشرعية:(فأما أهل الكتاب والمجوس فيقاتلون، حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)
(3)
، ولم يقل: حتى يكفوا عن قتالنا، وأصرح منهما قوله:(فكل من بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين الله الذي بعثه به فلم يستجب له؛ فإنه يجب قتاله)
(4)
.
- ونحوه قوله في الجواب الصحيح: (أنزل في {بَرَاءَةٌ} الأمر بنبذ العهود، وأمرهم بقتال المشركين كافة، وأمرهم بقتال أهل الكتاب إذا لم يسلموا حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ولم يبح لهم ترك قتالهم وإن سالموهم وهادنوهم هدنة مطلقة مع إمكان جهادهم)
(5)
، ونحوه قوله في منهاج السنة: (فلما
(1)
الرسالة المختصرة في قتال الكفار ص (201).
(2)
القاعدة المختصرة في قتال الكفار ص (148 - 149)
(3)
السياسة الشرعية ص (101).
(4)
السياسة الشرعية ص (96).
(5)
الجواب الصحيح (1/ 234).
نزلت آية الجزية لم يكن بد من القتال أو الإسلام، والقتال إذا لم يسلموا حتى يعطوا الجزية)
(1)
، وقال في الصارم:(الدم لا يباح بالكفر إلا حال وجود الكفر؛ إذ المقصود بقتله أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، فإذا انقاد لكلمة الله ودان بدين الله، حصل مقصود القتال ومطلوب الجهاد)
(2)
، وله غير ذلك من الكلام نحوه، لكني أختم بقوله:
- (فإذا وجب علينا جهاد الكفار بالسيف ابتداءً ودفعاً، فلأن يجب علينا بيان الإسلام وإعلامه ابتداءً ودفعاً لمن يطعن فيه بطريق الأولى والأحرى)
(3)
، والله أعلم.
- وأما مانسبه للحسن الجلال (ت 1084)؛ فيظهر أنه أصرح ماوجده في نقض الإجماع، لمّا لم يجد عند أهل السنة مايدعم به جرأته على نقض الإجماع، فرح بمتأخر من الزيدية، ولا أدري هل من منهجه الفرح بأي خلاف والاعتداد بخلاف المبتدعة
(4)
، بل احتفى بصاحبه وأشاد بأن:(ممن تبنى هذا القول ونصره الإمام المجتهد، علامة الزيديّين، وفخر اليمنيين: الحسن بن أحمد الجلال)،
(1)
منهاج السنة النبوية (8/ 517).
(2)
الصارم المسلول ص (438).
(3)
الجواب الصحيح (1/ 239).
(4)
في موقع الدرر السنية في قائمة"قراءة ونقد" دراسة عن كتابه الجهاد، مما جاء فيها:(تبنِّي المؤلِّف لمنهج التيسير غير المنضبط وتتبُّع الرُّخَص والأقوال الشاذَّة، في كتابه هذا وسائر كُتبه وفتاويه، والذي يُسمِّيه "الوسطية"، وهو عنوان برَّاق يبهر؛ ولكن من خلال تصفُّح الكتاب وتعليلات أحكام المؤلِّف في مُصنَّفاته، يَتبيَّن أنَّ هذا المنهج يعني تتبع الرُّخَص، واختيار الأسهل والأيسر من الأقوال والآراء أيًّا كانت، وإنْ كان دليلها ضعيفًا، أو محتملًا، أو أثرًا لا يثبُت عن قائله، أو قولًا شاذًّا ليس بمعتبَر. مع توسُّعه في الاستدلال بالفِقه كلِّ الفقه حتى فِقه الفِرق المخالفة لأهل السُّنة والجماعة من الشيعة الزيديَّة والرَّوافض والخوارج وغيرهم، إذا وجد فيها الحلَّ - كما يقول! -).
بألقاب لم يضفها إلى غيره، وبعد النقل عنه قال:(وهو في غاية الوضوح)، ومع ذلك فقد أخطأ عليه، ولن أطيل في بيان ذلك، فالحسن الجلال يقول:
- (إن آية السيف مختصة بالمحاربين
…
قتال الكافر المحارب ليس إكراهاً على الدين، بل لدفع شرّه عن الإسلام وأهله، فإذا استستلم-كالمنافق والذمي- لم يجز قتاله
…
وعلى المحاربين يُحمل حديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله
…
»، ويُصحّح هذا الحمل تركه لقتال الذمي والمنافق)
(1)
انتهى مانقله القرضاوي
(2)
.
- وهذا كما سبق هو قول جمهور العلماء واختيار ابن تيمية أن سبب القتال: هو الحراب، ولاتلازم بينه وبين نفي جهاد الطلب، وقد شرح ذلك الصنعاني في حاشيته، ولكنه أغفلها ولم ينقلها، قال الصنعاني في بيان ما اختار الجلال أن القتال للمحاربين كما هو قول الجمهور:(ليس المراد المقاتلة بالفعل، بل متى كان الكافر من أهل القتال، الذي يخيفون أهل الإيمان، ومن شأنه أن يقاتل فإنه يحل قتله. قالوا ومن ثمة نهي عن قتل الشيخ الفاني والمرأة والصبي؛ لأنهم ليسوا ممن يخيف أهل الإيمان)
(3)
.
- وأزيد على ذلك أن الجلال إنما جعل مقابل المحاربين= من خضع لسلطان المسلمين إما بإظهار الإسلام كالمنافقين، أو بدفع الجزية كالذميين (وهو في غاية الوضوح)!
(1)
ضوء النهار (7/ 756 - 764).
(2)
"فقه الجهاد"(1/ 407 - 408).
(3)
ضوء النهار مع حاشية الصنعاني (7/ 757).
- أما مانسبه للصنعاني (ت 1182)؛ فأدع الصنعاني يرد عليه، يقول الأمير عن نبينا صلى الله عليه وسلم:(أما غزواته فلو سلّم أنها كانت كلها لدفع شر من يقاتله من الكفار، لما دل ذلك على أنه لا يقاتل الكفار لطلب الإيمان وإزالة الكفر، فإنه قد بعث السرايا قطعاً واتفاقاً إلى قوم لم يقاتلوه، ولا خاف شرهم)
(1)
، وسبق نقل الإجماع عنه، وأنه قد (عُلم من ضرورة الدين وجوب الجهاد على المسلمين للكفار بالله الجاحدين).
- وبعد هذا الجواب عن مانوقش به الإجماع، تبيّن أنه كله خطأ على العلماء، وفيه تشتيت للقارئ، وتشويه للأئمة، وتلبيس في الكلام، وتدليس للحقائق، ولا أدري ما الداعي لذلك؟ فالإسلام دين كامل، لايُدافع عنه بتحريفه، والجرأة على أصوله، وقد تركت إساءته للعلماء ووصفهم بـ"المتشددين" و"الهجوميين" و "دعاة الحرب"؛ لأن القصد هو الرد العلمي، والله الهادي إلى سواء السبيل.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بقصر جهاد الكفار على الدفع: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
(2)
.
وجه الاستدلال:
- أنه (شرع قتال من قاتلنا، ومفهومه عدم قتال من لم يقاتلنا، ونهى عن الاعتداء ومنه: قتال من سالم)
(3)
، فـ (الذين لا يبدءون
(1)
ضوء النهار مع حاشية الصنعاني (7/ 762).
(2)
الآية (190) من سورة البقرة.
(3)
فقه الجهاد (1/ 425).
بعدوان، فإنه لا يجوز قتالهم ابتداء)
(1)
.
- (وتعليل النهي عن العدوان بأن الله لا يحب المعتدين=دليل على أن هذا النهي محكم غير قابل للنسخ، لأن هذا إخبار بعدم محبة الله للاعتداء، والإخبار لا يدخله النسخ، لان الاعتداء هو الظلم، والله لا يحب الظلم أبداً)
(2)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بعدم التسليم، بأن المراد بالآية قتال من قاتلنا، بل المراد بقوله:{الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} أي: (الذين هم مستعدون لقتالكم، وهم المكلفون الرجال)
(3)
، {وَلَا تَعْتَدُوا} أي:(لا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابين والمجوس)
(4)
، ويدخل في الاعتداء: (ارتكاب المناهي
…
من المثلة، والغلول، وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة)
(5)
.
- فالآية محكمة ويشبه ماورد فيها قوله صلى الله عليه وسلم: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلّوا، ولا تقتلوا وليداً»
(6)
.
- وعلى فرض التسليم بأن المراد: قتال من قاتلنا، فليس فيها نهي عن قتال من لم يقاتلنا، فهو مسكوت عنه، ثم أتت المرحلة
(1)
فقه السنة (2/ 614)
(2)
المرجع السابق.
(3)
تفسير السعدي ص (89)، وهذا اختيار ابن جرير وابن كثير أن الآية محكمة كما سبق ذلك عنهما.
(4)
تفسير الطبري (3/ 291).
(5)
تفسير ابن كثير (1/ 524).
(6)
أخرجه مسلم (1731).
الأخيرة من مراحل التشريع فأُطلق فيها القتال، فيقاتل من قاتلنا بآية البقرة، ويقاتل من لم يقاتلنا بآية السيف، وهذا إعمال للدليلين.
- ولو فُرض التعارض بينها، فإن المنطوق يقدم على المفهوم عند التعارض، فالمفهوم (حجّة ما لم يعارضه دليل أقوى منه، وقد عارضه ما هو أقوى منه؛ كآية السّيف وغيرها مما يقتضي إطلاق قتل الكفار، قاتلوا أو لم يقاتلو)
(1)
.
2/ واستدلوا: بقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}
(2)
(3)
.
وجه الاستدلال:
- فالأولى فيها (الأمر بالجنوح إلى السلم إذا جنح العدو إليها)
(4)
، وهذا الأمر (حتى بعد وقوع القتال=إذا جنح لها العدو، وإن كان يريد الخداع)
(5)
.
- والأخرى فيها (منعه
…
صراحة عن قتال من سالمنا)
(6)
، إذا (كان اعتزالهم هذا اعتزالاً حقيقياً يريدون به السلام، فهؤلاء لا سبيل للمؤمنين عليهم)
(7)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن الذي قال: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} هو القائل: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}
(8)
، والجمع بين
(1)
نواسخ القرآن لابن الجوزي ص (66).
(2)
من الآية (61) من سورة الأنفال.
(3)
من الآية (90) من سورة النساء.
(4)
فقه السنة (2/ 615).
(5)
فقه الجهاد (1/ 426).
(6)
فقه الجهاد (1/ 425).
(7)
فقه السنة (2/ 615).
(8)
من الآية (35) من سورة محمد.
النصوص واجب، والجمع هنا معروف عند العلماء، (ولم يقل أحد من السلف فيما أعلم بوجوب الجنوح إلى السلام إذا طلب الكفار)
(1)
، بل القول بنسخها مشهور، (والآية مقيدة برؤية المصلحة إجماعاً)
(2)
.
- قال الجصاص: (لم يختلفوا أن سورة براءة من أواخر ما نزل من القرآن، وكان نزولها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج في السنة التاسعة من الهجرة، وسورة الأنفال نزلت عقيب يوم بدر، بين فيها حكم الأنفال والغنائم والعهود والموادعات، فحكم سورة براءة مستعمل على ما ورد، وما ذكر من الأمر بالمسالمة إذا مال المشركون إليها حكم ثابت أيضاً.
- وإنما اختلف حكم الآيتين لاختلاف الحالين، فالحال التي أمر فيها بالمسالمة هي حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم، والحال التي أمر فيها بقتل المشركين وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية هي حال كثرة المسلمين وقوتهم على عدوهم، وقد قال تعالى:{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} فنهى عن المسالمة عند القوة على قهر العدو وقتلهم)
(3)
.
- قال ابن حجر: (الأمر بالصلح مقيد بما إذا كان الأحظ للإسلام المصالحة، أما إذا كان الإسلام ظاهراً على الكفر، ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا)
(4)
.
- وأما الآية الأخرى؛ فهي في فئة من المنافقين: {فَمَا لَكُمْ فِي
(1)
أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية ص (331 - 332).
(2)
حاشية ابن عابدين (4/ 133).
(3)
أحكام القرآن (3/ 90).
(4)
فتح الباري (6/ 276).
الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}
(1)
، وليست في الكافرين هذا أولاً، والنزاع في قتال الكفار.
- وأما ثانياً؛ فالآية فيها قتال هذه الفئة من المنافقين الذين عُرفوا بنفاقهم ولم يهاجروا: {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}
(2)
، هذا هو الحكم الأصلي، ثم استثنى منهم: من دخل مع كفار بينهم وبين المسلمين عهد: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}
(3)
، ومن تنحى عن قتال المسلمين والكفار واستسلم:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}
(4)
.
- قال ابن جرير: (وأما قوله: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}، فإنه يقول: إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم صلحاً منهم لكم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً، أي: فلم يجعل الله لكم على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم طريقاً إلى قتل أو سباء أو غنيمة، بإباحة منه ذلك لكم ولا إذن، فلا تعرضوا لهم في ذلك إلا سبيل خير. ثم نسخ الله جميع حكم هذه الآية والتي بعدها بقوله تعالى ذكره: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ})
(5)
.
- وأيّاً ما كان فقد قال الجصاص: (ولا نعلم أحداً من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين، وإنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره)
(6)
.
(1)
من الآية (88) من سورة النساء.
(2)
من الآية (89) من سورة النساء.
(3)
من الآية (90) من سورة النساء.
(4)
من الآية (90) من سورة النساء.
(5)
تفسير الطبري (7/ 298).
(6)
أحكام القرآن (2/ 278).
3/ ومن أدلتهم: قوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}
(1)
، وقوله:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
(2)
، وقوله:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن الله (منع الإكراه في الدين بأي وجه من الوجوه)
(4)
، وأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم (بالتولي والإعراض عن المشركين إذا لم يستجيبوا لدعوته، ولم يؤمر بقتالهم)
(5)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
- بأن القائل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، هو القائل جل جلاله:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} ، وهو القائل عز وجل:{تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}
(6)
.
- و (المنفي في الآية هو الإكراه على الدخول في الإسلام، وليس الإكراه على الخضوع للنظام الإسلامي الذي ورد في آية الجزية: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
…
-إلى قوله- حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ})
(7)
.
- (وأما القتال وعدمه فلم تتعرض له، وإنما يؤخذ فرض القتال من
(1)
من الآية (265) من سورة البقرة.
(2)
من الآية (99) من سورة يونس.
(3)
من الآية (129) من سورة التوبة.
(4)
فقه الجهاد (1/ 426).
(5)
المرجع السابق.
(6)
من الآية (16) من سورة الفتح، قال ابن زيد:(في قوله " {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قال: حتى لا يكون كفر، وقرأ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}) كما أخرجه ابن جرير في تفسيره (3/ 300)، وقال ابن الجوزي في زاد المسير (4/ 132):(وقال بعض أهل العلم: لا يجوز أن تكون هذه الآية إلا في العرب، لقوله: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}، وفارس والروم إِنما يقاتلون حتى يسلموا أو يؤدّوا الجزية).
(7)
الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (1/ 766).
نصوص أخر، ولكن يستدل في الآية الكريمة على قبول الجزية من غير أهل الكتاب)
(1)
.
- (ونظيرها قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ})
(2)
، (وعلى هذا فكل من رأى قبول الجزية من جنس، تُحمل الآية عليه)
(3)
، (واتفق المسلمون على أخذها من أهل الكتاب والمجوس وتنازع العلماء في سائر الكفار)
(4)
، كما قال ابن تيمية واختار أنها تؤخذ من جميع الكفار؛ وأن آية أخذ الجزية من أهل الكتاب فيها تنبيه (على أن من هو دونهم من المشركين أولى أن لا يهادن بغير جزية)
(5)
.
- ومن السياقات المهمة في تفسير الآية قول الحافظ ابن كثير: (يقول تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} أي: لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام؛ فإنه بيّن واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً
…
وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا
(1)
تفسيرالسعدي ص (110).
(2)
دفع إيهام الإضطراب ص (35).
(3)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 311)، واختار ابن جرير أنه أريد بها الخصوص فقال في تفسيره (4/ 553): (وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس
…
أهل الكتابين والمجوس، وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق، وأخذ الجزية منه).
(4)
منهاج السنة النبوية (8/ 514)، وعلى هذا فالآية يراد بها عموم الكفار.
(5)
المرجع السابق (8/ 516)، وقال (8/ 517):(ومما يبين ذلك أن آية براءة لفظها يخص النصارى، وقد اتفق المسلمون على أن حكمها يتناول اليهود والمجوس).
الجزية. وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال، وأنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية= قوتل حتى يقتل، وهذا معنى الإكراه، قال الله تعالى:{سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}
…
وفي الصحيح: «عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل» يعني: الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثائق والأغلال والقيود والأكبال، ثم بعد ذلك يسلمون وتصلح أعمالهم وسرائرهم، فيكونون من أهل الجنة.
- فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن حميد عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أسلم» قال: إني أجدني كارهاً. قال: «وإن كنت كارهاً» فإنه ثلاثي صحيح، ولكن ليس من هذا القبيل فإنه لم يكرهه النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام بل دعاه إليه، فأخبر أن نفسه ليست قابلة له بل هي كارهة فقال له: أسلم وإن كنت كارهاً فإن الله سيرزقك حسن النية والإخلاص)
(1)
.
- وأما قول الحق: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، فليس فيها نفي القتال، ولم أقف على من فهم منها ذلك، بل في الآية قبلها مايدل على عكس مراده، وقد فرّعت عليها بالفاء مما يدل على ترتب الآية بعدها على حاصل التي قبلها، وتضمنت قتل الكفار الذي يعزّ على النبي صلى الله عليه وسلم وقوعه لفوات الهداية عنهم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
(1)
تفسير ابن كثير (1/ 682 - 683)، والحديث أخرجه أحمد (1206) من طريق ابن أبي عدي عن حميد عن أنس ورجاله رجال الشيخين.
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
(1)
، قال ابن جرير: (أي: عزيز عليه عنتكم، وهو دخول المشقة عليهم والمكروه والأذى
…
حريص على هدى ضلّالكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحق
…
وإنما وصفه الله جل ثناؤه بأنه عزيز عليه عنتهم؛ لأنه كان عزيزاً عليه أن يأتوا ما يعنتهم؛ وذلك أن يضلوا فيستوجبوا العنت من الله بالقتل والسبي)
(2)
.
- وفي تخصيص المؤمنين بأنه صلى الله عليه وسلم بهم رؤوف رحيم مايدل على ذلك أيضاً، (وأما رحمته العامة الثابتة بقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، فهي رحمة مشوبة بشدة على غير المؤمنين، فهو بالنسبة لغير المؤمنين رائف وراحم، ولا يقال: بهم رؤوف رحيم)
(3)
، والختم بهاتين الآيتين في سورة التوبة التي أتت بالسيف على الكافرين المعرضين مناسبة عظيمة، يراجع فيها كتاب ابن عاشور فقد أبدع بالربط.
- وسياقها في التوكل على الله، والتثبيت لنبيه صلى الله عليه وسلم {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}
(4)
، وأنه لايملك إدخال الهداية إلى قلوبهم {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
(5)
، والتوكل لاينافي فعل الأسباب {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}
(6)
.
4/ ومن أبرز أدلتهم: (أن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلها دفاعاً، ليس
(1)
الآية (128) من سورة التوبة.
(2)
تفسير الطبري (12/ 96 - 98).
(3)
التحرير والتنوير (11/ 73).
(4)
الآية (79) من سورة النمل.
(5)
الآية (82) من سورة النحل.
(6)
من الآية (173) من سورة آل عمران.
فيها شيء من العدوان)
(1)
، و (لم يبدأ أحداً بقتال قط)
(2)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بعدم التسليم، فإن الجهاد الطلبي شُرع في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة، ومع ذلك فتجد قبل نزولها خروج النبي صلى الله عليه وسلم لطلب عير لقريش، وهي سبب معركة بدر، وقوله صلى الله عليه وسلم بعد الأحزاب:«الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم»
(3)
، (ثم فتح مكة سنة ثمان، وهوازن وحنين، وحاصر الطائف، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فكان كما قال)
(4)
.
- وبعد ذلك في الستة التاسعة، بعد أن دانت له العرب، وطهّر الجزيرة من الشرك، (جمع المسلمين لغزو الشام وذلك عام تبوك، حتى وصلها في حرٍّ شديد وجهد، فرجع عامه ذلك، ثم بعث قبل موته أسامة بن زيد مولاه; ليغزو تخوم الشام)
(5)
.
- بل في قول أنس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً، لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كفّ عنهم، وإن لم
(1)
فقه السنة (2/ 616)، وهذا الدليل استدل به جميع من ذكرت ممن ينكر جهاد الطلب: محمد عبده، وكرره رشيد رضا كثيراً، ود. يوسف القرضاوي، وذكره غيرهم، وورد في كلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ولكنه مقيد بوجود الهدنة.
(2)
فقه الجهاد (1/ 403).
(3)
أخرجه البخاري (4110)، قال ابن حجر في الفتح (7/ 405): (فيه علم من أعلام النبوة فإنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش عن البيت، ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة، فوقع الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم، وأخرج البزار بإسناد حسن من حديث جابر شاهداً لهذا الحديث ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب وقد جمعوا له جموعاً كثيرة: «لا يغزونكم بعد هذا أبداً ولكن أنتم تغزونهم» .
(4)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح (21/ 236).
(5)
البداية والنهاية (9/ 541).
يسمع أذاناً أغار عليهم»
(1)
، مايدل على أنه لم يتيقن كفر من أغار عليهم، فكيف يقال بأنه قاتلهم لعداوتهم أو ابتدائهم للقتال؟
- قال الصنعاني عن نبينا صلى الله عليه وسلم: (فإنه قد بعث السرايا قطعاً واتفاقاً إلى قوم لم يقاتلوه ولا خاف شرهم
…
ولأنه لو كان غزوه صلى الله عليه وآله وسلم ليس إلا لدفع شر الكفار لا لأجل الكفر=لم يخرج من المدينة في غزاة ولا بعث سريّة، بل يبقى في المدينة فمن قصده دافعه فيها)
(2)
.
- مع أن التكاليف الشرعية يكفي فيها الأمر أو الحث الشرعي ولا يشترط تحقق الفعل النبوي، فهذا شرط زائد للتكليف بأن يتوفر القول مع الفعل، الأذان، وصيام داود، والعمرة في رمضان كلها فاضلة، ولم يرد فعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن القول -لقوة دلالته- لو تعارض مع الفعل لقدّم القول، كيف والقول هنا قد توافق مع الفعل، فبدأه النبي صلى الله عليه وسلم وأكمل مسيرته صحابته أعرف الناس بشريعته وطرائقه وأحواله.
- ولعلي أختم البحث بهذا السياق المهم لابن كثير حين قال: (أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأولاً، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام؛ ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة،
(1)
متفق عليه، أخرجه البخار (610) واللفظ له، ومسلم (382).
(2)
حاشية الصنعاني على ضوء النهار (7/ 762)، وجاء في الفقه الميسر للطيار ومن معه (7/ 234):(وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم المختلفة فيها ما هو طلب ومبادأة كغزوة بدر وحنين وخيبر وغيرها، وفيها ما هو دفاع كغزوة أحد والأحزاب وغيرها، وقد قام الصحابة رضي الله عنهم بفتح فارس والعراق والشام ومصر وغيرها، وذلك إجماع منهم على أن الجهاد يقوم على الطلب والمبادأة كما يقوم على الدفاع والذود عن حمى الإِسلام والمسلمين)
والطائف، واليمن واليمامة، وهجر، وخيبر، وحضرموت، وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجاً، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب، فبلغ تبوك ثم رجع
…
ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجته حجة الوداع. ثم عاجلته المنية، صلوات الله وسلامه عليه، بعد الحجة بأحد وثمانين يوماً، فاختاره الله لما عنده.
- وقام بالأمر بعده وزيره وصديقه، وخليفته أبو بكر رضي الله عنه وقد مال الدين ميلة كاد أن ينجفل، فثبته الله تعالى به فوطد القواعد، وثبت الدعائم، ورد شارد الدين وهو راغم، ورد أهل الردة إلى الإسلام، وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغام، وبين الحق لمن جهله، وأدى عن الرسول ما حمله، ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان، وإلى الفرس عبدة النيران، ففتح الله ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنفس كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد. وأنفق كنوزهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك رسول الإله.
- وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده، وولي عهده الفاروق الأوّاب، شهيد المحراب، أبي حفص عمر بن الخطاب، فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين، واستولى على الممالك شرقاً وغرباً. وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعداً وقرباً. ففرقها على الوجه الشرعي، والسبيل المرضي.
- ثم لما مات شهيداً وقد عاش حميداً، أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار، على خلافة أمير المؤمنين أبي عمرو عثمان
بن عفان شهيد الدار، فكسى الإسلام بجلاله رياسة حلة سابغة. وأمدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة، وظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة الله وظهر دينه. وبلغت الأمة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها، فكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار، امتثالا لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}
…
وهكذا الأمر لما كانت القرون الثلاثة الذين هم خير هذه الأمة، في غاية الاستقامة، والقيام بطاعة الله تعالى، لم يزالوا ظاهرين على عدوهم، ولم تزل الفتوحات كثيرة، ولم تزل الأعداء في سفال وخسار.
- ثم لما وقعت الفتن والأهواء والاختلافات بين الملوك، طمع الأعداء في أطراف البلاد، وتقدموا إليها، فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض، ثم تقدموا إلى حوزة الإسلام، فأخذوا من الأطراف بلداناً كثيرة، ثم لم يزالوا حتى استحوذوا على كثير من بلاد الإسلام، ولله سبحانه، الأمر من قبل ومن بعد. فكلما قام ملك من ملوك الإسلام، وأطاع أوامر الله، وتوكل على الله، فتح الله عليه من البلاد، واسترجع من الأعداء بحسبه، وبقدر ما فيه من ولاية الله، والله المسئول المأمول أن يمكن المسلمين من نواصي أعدائه الكافرين، وأن يعلي كلمتهم في سائر الأقاليم، إنه جواد كريم)
(1)
.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن قصر جهاد الكفار
(1)
تفسير ابن كثير (4/ 237 - 239).
على الدفع فقط رأي شاذ؛ لمخالفته النصّ، والإجماع الصحيح، وأوّل من خالف فيما وقفت عليه هو محمد عبده (ت 1323)، ثم تتابع الكتّاب بعده.
ومنهم من يتلطف مع الطاعنين على شريعة الجهاد وأهل الإسلام ويضيف إلى الدفع: قتال من يصد عن الدعوة أو يؤذي الدعاة، (وهذا الرأي محدث لا أصل له في كتاب ولا سنّة ولا في كلام العلماء)
(1)
.
وبعد أن ظهر القول بقصر مشروعية الجهاد على الدفع في القرن الماضي، لم يفتر العلماء في الرد عليه، وبعضهم يطيل في الاستدلال لباطله مما يستدعي إطالة الرد، ولو كان ردّاً صريحاً للنصوص لكان أسهل، ولكنه استعمال للشريعة في إبطال بعض الشريعة، وصدق المعلمي حين قال:(فالردُّ الصريح أخف ضرراً على المسلمين، وأهون مؤنة على أهل العلم والدين، من إثارة الشبه والتطويل والتهويل الذي يغترّ به كثير من الناس، ويضطر العالم إلى صرف وقته في كشف ذلك! والله المستعان)
(2)
.
ولم يمرّ علي في المسائل التي بحثتها كهذا الرأي في تحريف معاني القرآن الكثيرة، مع أنه (معلوم من الضرورة الدينية)
(3)
، والإجماع فيه (أعظم إجماع قام على مسألة شرعية)
(4)
، فهو إجماع الصحابة شاركوا فيه بفعلهم، واشتهر بينهم، ولم يخالف فيه أحد.
(1)
قاله عبدالرحمن البراك، كما سبق توثيقه، ويعني به الرأي الذي فيه تلطّف.
(2)
آثار المعملي (10/ 352).
(3)
قاله الشوكاني في السيل الجرار ص (945)، وقال نحوه الصنعاني وسبق نقل قوله.
(4)
"مجموعة بحوث فقهية" ص (57).
وقبل ختم المقالة فإنه غني عن التعريف أن يقال:
بأن التكليف مناط بالقدرة، ولا واجب مع العجز، وأن كل عبادة لها شروطها، وأن حال الضعف ليس كحال القوة، وأنه (إذا سقط الشيء لوجود مانعه، فإنه يعود وجوبه لزوال مانعه
…
فالواجب على المسلم إذا لم يتمكّن من الجهاد بفعله أن ينويه بقلبه)
(1)
، و (يجب على الأمة الإسلامية أن تستعد لعدوها)
(2)
، وكل هذا كلام علمي شرعي، أما من أنكر جهاد الطلب في الشريعة فـ (كفى خطأً بقوله خروجه عن أقوال أهل العلم، لو لم يكن على خطئه دلالة سواه، فكيف وظاهر التنزيل ينبئ عن فساده)
(3)
، والله أعلم.
(1)
الدروس الفقهية من المحاضرات الجامعية لابن عثيمين (2/ 366 - 367).
(2)
فتاوى ابن عثيمين (25/ 315).
(3)
هذه عبارة ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 721)، وهي ليست لهذه المسألة ولكنها مناسبة للسياق.
(الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء؛ لأن العلم يحتاج إليه فِي كل ساعة، والخبز والماء فِي كل يوم مرة أو مرتين).
الإمام أحمد رحمه الله طبقات الحنابلة (1/ 146)
المبحث الثاني: جواز قتل نساء وأطفال الكفار إذا قتلوا نساءنا وأطفالنا
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
قال مالك لابني أخته: (إن أردتما أن ينفعكما الله بهذا العلم فأقلا منه، وتفقَّها).
شرح البخاري لابن بطال (1/ 185)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
في المبحث السابق جاءت الإشارة إلى حكم قتل النساء والصبيان والرهبان والشيوخ ونحوهم، عند الكلام على علّة قتال الكفار وهل هي: المقاتلة أو الكفر؟ وأن علة المقاتلة قال بها الجمهور، و (ليس المراد المقاتلة بالفعل، بل متى كان الكافر من أهل القتال، الذي يخيفون أهل الإيمان، ومن شأنه أن يقاتل فإنه يحل قتله. قالوا ومن ثمة نُهي عن قتل الشيخ الفاني والمرأة والصبي؛ لأنهم ليسوا ممن يخيف أهل الإيمان)
(1)
، وثمرة الخلاف بين رأي الجمهور، وبين من رأى أن العلة هي الكفر تظهر في قتل غير النساء والصبيان، ممن لاشأن له في القتال، كالرهبان والشيوخ الكبار
(2)
، وقتل هؤلاء يعبّر عنه بعضهم في زماننا بـ:(قتل المدنيين)، ولعل هذا أوسع ممن لا شأن له في القتال، فيدخل فيه من لم يشارك في القتال بالفعل وإن كان من شأنه أن يقاتل، ثم إن النساء والصبيان المتفق على تحريم قتالهم، هناك حالات يستثنى منها ذلكم التحريم.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
…
(لا خلاف أن قتل النساء والذراري محظور)
(3)
، (وأجمع العلماء
(1)
قاله الصنعاني في حاشية ضوء النهار (7/ 757)، وانظر: ذخائر علماء اليمن ص (155).
(2)
قال ابن عبدالبر في التمهيد (16/ 138 - 139): (واختلفوا في طوائف ممن لا يقاتل، فجملة مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما أنه لا يقتل الأعمى، والمعتوه، ولا المقعد، ولا أصحاب الصوامع، الذين طينوا الباب عليهم ولا يخالطون الناس
…
وعن الشافعي قولان، أحدهما: أنه يقتل الشيخ والراهب وهو عنده أولى القولين).
(3)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 313).
على القول بذلك، ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم؛ لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب)
(1)
2.
واستثنى العلماء: من قاتل منهم بفعله أو شارك برأيه
(2)
، وفي حالة عدم قصدهم أو الاضطرار كالتبييت
(3)
، والغارة
(4)
، والتترس
(5)
.
(1)
الاستذكار (5/ 24)، قال ابن حجر في الفتح (6/ 148):(وحكى الحازمي قولاً بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي، وهو غريب).
(2)
قال ابن عبدالبر: (لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ، أنه مباح قتله، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل= قُتل) هكذا قال، مع أنه نقل في موضع آخر مايوهم وجود الخلاف حين قال في الاستذكار أيضاً:(5/ 25): (واختلفوا في النساء والصبيان إذا قاتلوا فجمهور العلماء على أنهم إذا قاتلوا قوتلوا)، ووافقه في نفي الخلاف غير واحد، كابن قدامة حين قال في المغني:("ومن قاتل من هؤلاء أو النساء أو المشايخ أو الرهبان في المعركة قتل" لا نعلم فيه خلافاً)، ونقل بعضهم مايؤيد وجود الخلاف اليسير، كما قال ابن حجر في الفتح (6/ 148):(وقال ابن حبيب من المالكية: لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت، إلا إن باشرت القتل وقصدت إليه، قال: وكذلك الصبي المراهق).
(3)
جاء في الإنجاد في أبواب الجهاد ص (225): (وأما المحظور باتفاق: فقتلُ النساء والصبيان، حيث لا يضطرُّ إلى ذلك إمَّا في البيات أو المدافعة حال القتال)، والتبييت أو البيات:(أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي) كما في شرح مسلم للنووي (12/ 50)، وقد ورد في جوازه حديث الصعب بن جثامة في الصحيحين، قال الإمام أحمد: (ولا نعلم أحداً كره بيات العدو
…
أما أن يتعمد قتلهم، فلا) كما في المغني (9/ 287).
(4)
قال ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 148): (اتفق عوام الفقهاء على جواز رمي الحصون بالمجانيق، سواء كان فيها نساء وذرية، أو لم يكن؛ لما جاء:«أن النبي عليه الصلاة والسلام نصب المنجنيق على أهل الطائف» .
(5)
قال ابن هبيرة في اختلاف الأئمة (2/ 303): (اتفقوا على أنه إذا تترس المشركون بالمسلمين جاز لبقية المسلمين الرمي ويقصدون المشركين)، وهذا مقيد بالضرورة، قال ابن تيمية في الفتاوى (28/ 546):(اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون؛ وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم) انتهى، هذا في المسلمين، ونساء الكفار وأطفالهم أولى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة التبييت:«هم منهم» ، فإذا لم يمكن تمييزهم فهذا حكمهم، وإن أمكن تمييزهم فلا يجوز التعرض لهم، وقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (10/ 138): (وإن تترس الكفار بذراريهم ونسائهم فيجوز رميهم مطلقا عند الحنفية، وهو المذهب عند الحنابلة، ويقصد بالرمي المقاتلين
…
وذهب المالكية والشافعية: إلى أنه لا يجوز رميهم، إلا إذا دعت الضرورة ويتركون عند عدم الضرورة).
3.
أما قصد نساء وصبيان الكفار معاملة لمن قصد نساء وصبيان المسلمين بالمثل مع إمكان التمييز، فقد ذهب إليه بعض المعاصرين، ونُسب إلى الشذوذ، وهذا الرأي هو المراد بحثه، وتصحيح نسبته للشذوذ من عدمه.
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا الرأي من المعاصرين:
ابن عثيمين (ت 1421)
(1)
، وغيره
(2)
.
(1)
قال في فتح ذي الجلال والإكرام شرح بلوغ المرام (5/ 470): (لو فعلوا ذلك بنا بأن قتلوا صبياننا ونساءنا فهل نقتلهم؟ الظاهر أنه لنا أن نقتل النساء والصبيان ولو فاتت علينا المالية، لما في ذلك من كسر قلوب الأعداء وأهانتهم، ولعموم قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ})، وقال في شرحه لمسلم (9/ 47):(فإن قال قائل: إذا قصد الكفار قتل أبناء المسلمين ونسائهم، فهل يُعاملون بالمثل؟ فالجواب: يُنظر إلى المصلحة؛ لأنه سبق أن هناك مراعاة لجانب المصلحة للمسلمين بتملُّك هؤلاء، فينظر للمصلحة، فإذا كان في هذا إغاظة للمشركين وسبب لذلّهم فلا بأس، وإلا فهو حرام).
(2)
جاء في موقع الإسلام أون لاين بعنوان "قتل المدنيين الإسرائليين: رؤية فقهية": (الأصل أنه يحرم قتل المدنيين، وقتل النساء والأطفال، ولكن يستثنى من ذلك بعض الحالات:
…
الرابعة: أن يقتل الأعداء المدنيين من المسلمين، فتكون المعاملة بالمثل)، وختمت الفتوى بقولهم:(مجموعة مفتين) ولم يتبيّن لي من هم، وينظر الرابط:
https:// archive.islamonline.net/- p=71
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع المحكي، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ النص على شذوذه، وقد نص على شذوذه:
- اليافعي
(1)
بقوله: (قرأت في الإنترنت فتوى لبعض من ينتسب للعلم يجيز فيها قتل النساء والصبيان من أهل الحرب، في حالة ما إذا قتل الكفارُ نساءَ المسلمين وصبيانهم، مستدلاً بقوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
…
وهذا الاستدلال مع كونه مخالفاً للإجماع غريب عجيب
…
بعض الشباب المتهور يجد في مثل هذه الفتاوى المستعجلة الغريبة الشاذة مستنداً له)
(2)
.
(1)
عبدالفتاح بن صالح اليافعي، عضو الإفتاء بوزارة الأوقاف القطرية، له العديد من المؤلفات والمشاركات العلمية والدعوية، ينظر ترجمته في ختام رسالته "حكم قتل المدنيين في الفقه الإسلامي" ص (71 - 76).
(2)
حكم قتل المدنيين في الفقه الإسلامي ص (68).
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بتحريم قتل نساء وأطفال الكفار معاملة لهم بالمثل، إذا قتلوا نساءنا وأطفالنا:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتفق عليه: أن امرأة وُجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، «فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان»
(1)
، وفي رواية أنه قال:«ما كانت هذه لتقاتل»
(2)
.
وجه الاستدلال:
أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والأطفال فيه تخصيص لعموم قتل الكفار، وقوله:«ماكانت هذه لتقاتل» (مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت)
(3)
، وإذا لم تقاتل فلا تقصد بالقتل.
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال:
بما ورد في حديث الصعب بن جثّامة رضي الله عنه قال: قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين؟ يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم؟، فقال:«هم منهم»
(4)
.
(1)
متفق عليه، أخرجه البخاري (3014)، ومسلم (1744).
(2)
أخرجها أحمد (5959) من طريق شريك، عن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر به، وشريك سيء الحفظ، والمحفوظ أن هذه الرواية جاءت من حديث رباح بن الربيع رضي الله عنه عند أحمد (15992)، وأبوداود (2669)، وابن ماجه (2842) وغيرهم من طريق المرقع بن صيفي، عن جده رباح بن الربيع به، قال البيهقي في معرفة السنن (13/ 251):(هذا إسناد لا بأس به).
(3)
فتح الباري (6/ 148).
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري (3012)، ومسلم (1745) وهذا لفظه.
ويمكن أن يجاب عن المناقشة:
بأن (قوله: «هم منهم»، أي: في الحكم تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم)
(1)
، ويتأيد ماقاله بالدليل الآتي.
2/ الدليل الثاني هو: الإجماع.
1.
قال ابن حزم (ت 456): (واتفقوا أن إزالة المرء عن نفسه ظلماً بأن يظلم من لم يظلمه قاصداً إلى ذلك لا يحل)
(2)
.
(1)
فتح الباري (6/ 147).
(2)
مراتب الإجماع ص (165 - 166)، وانظر: الإقناع لا بن القطان (2/ 307)، وقد استدرك عليه ابن تيمية في نقد المراتب ص (301 - 302) بتعليق ليس فيه ذكر لمسألتنا لكنه فيه فائدة حيث قال: (دعوى الإجماع في مثل هذا الأمر العام الذي يتناول أنواعاً كثيرة ليس مستنده نقلاً في هذا عن أهل الإجماع، ولكن هو بحسب ما يعتقده الناقل في أن مثلَ هذا ظلمٌ مُحَرَّمٌ لا يبيحه عالم، وفي بعض ما يدخل في هذا نزاع وتفصيل، كما لو تترس الكفار بأسرى المسلمين
…
وكذلك لو أكره رجلٌ رجلًا على إتلاف مالِ غيره، وإن لم يتلفه قتله، جاز له إتلافه بشرط الضمان. والعدو المحاصر للمسلمين إذا طلب مال شخصٍ وإن لم يدفعوه اصطلمهم العدو، فإنهم يدفعون ذلك المال ويضمنون لصاحبه، وأمثال ذلك كثيرة. وقد ذكر -رحمه الله تعالى- إجماعاتٍ من هذا الجنس في هذا الكتاب، ولم يكن قصدنا تتبع ما ذكره من الإجماعات التي عُرف انتقاضها، فإن هذا يزيد على ما ذكرناه. مع أن أكثر ما ذكره من الإجماع هو كما حكاه، لا نعلم فيه نزاعا، وإنما المقصود أنه مع كثرة اطلاعه على أقوال العلماء وتبرزه في ذلك على غيره، واشتراطه ما اشترطه في الإجماع الذي يحكيه، يظهر فيما ذكره في الإجماع نزاعات مشهورة، وقد يكون الراجح في بعضها خلاف ما يذكره في الإجماع. وسبب ذلك: دعوى الإحاطة بما لا يمكن الإحاطة به، ودعوى أنَّ الإجماع الإحاطي هو الحجة لا غيره. فهاتان قضيتان لا بد لمن ادعاهما من التناقض إذا احتج بالإجماع. فمن ادَّعى الإجماع في الأمور الخفية بمعنى أنه يعلم عدم المنازع، فقد قفا ما ليس له به علم، وهؤلاء الذين أنكر عليهم الإمام أحمد. وأما من احتج بالإجماع بمعنى عدم العلم بالمنازع، فقد اتبع سبيل الأئمة، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل) انتهى.
والإجماع على تحريم قتل النساء والصبيان مستصحب هنا، وقد نقله غير واحد من العلماء:
2.
فقال ابن حزم أيضاً: (واتفقوا أنه لا يحل قتل صبيانهم ولا نسائهم الذين لا يقاتلون)
(1)
.
3.
وقال الجصاص (ت 370): (لا خلاف أن قتل النساء والذراري محظور)
(2)
.
4.
وقال ابن عبدالبر (ت 463): (وأجمع العلماء على القول بجملة هذا الحديث، ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب)
(3)
.
5.
وقال القاضي عياض (ت 544): (أجمع العلماء على الأخذ بهذا الحديث فى ترك قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا)
(4)
.
6.
وقال ابن رشد (ت 595): (لا خلاف بينهم في أنه لا يجوز قتل صبيانهم ولا قتل نسائهم ما لم تقاتل المرأة والصبي)
(5)
.
7.
وقال النووي (ت 676): (أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا)
(6)
.
8.
وقال ابن دقيق (ت 702): (هذا حكم مشهور متفق عليه فيمن لا يقاتل، ويحمل هذا الحديث على ذلك لغلبة عدم القتال على النساء والصبيان)
(7)
.
(1)
مراتب الإجماع ص (119).
(2)
أحكام القرآن (1/ 313).
(3)
التمهيد (16/ 138)، وانظر: الاستذكار (5/ 24).
(4)
إكمال المعلم (6/ 48).
(5)
بداية المجتهد (2/ 146).
(6)
شرح النووي على مسلم (12/ 48).
(7)
إحكام الأحكام (2/ 310).
9.
وقال ابن تيمة (ت 728): (ولا تقتل نساؤهم إلا أن يقاتلن بقول أو عمل باتفاق العلماء)
(1)
.
10.
وقال ابن الملقن (ت 804): (أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتلها إذا لم يقاتلوا)
(2)
.
11.
وقال الحطاب (ت 954): (وأما النساء فإن كففن أذاهن على المسلمين ولزمن قعر بيوتهن فلا خلاف في حريم قتلهن)
(3)
.
- تنبيه: جاء في تبيين الحقائق للزيلعي: (فإذا كان يجوز قتل صبيان المشركين لمصلحة المسلمين، فقتل شيوخهم أولى إذا كان فيه مصلحة بأن كان ملكاً)
(4)
، ولعله تصحيف من النساخ، استدركه صاحب الحاشية الشِّلبي بقوله:(الذي بخط الشارح "فإذا كان يجوز قتل صبيان المسلمين لمصلحة المسلمين، فقتل صبيانهم أولى")
(5)
.
- فيكون أول كلام الزيلعي: (قتل صبيان المسلمين) متفق مع ماورد في كتب المذهب ويقصدون بها مسألة التترس، كما في مختصر القدوري:(وإن تترسوا بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم، ويقصدون بالرمي الكفار)
(6)
.
- وقوله: (للمصلحة)، يعللون بها في مسألة التترس في ذات السياق كما في اللباب: (وإن كان فيه مفسدة لكنها خاصة، فيجوز ارتكابها لمصلحة عامة، كما إذا تترس الكفار بصبيان المسلمين
(1)
مجموع الفتاوى (28/ 414).
(2)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (10/ 337).
(3)
مواهب الجليل (3/ 351).
(4)
تبيين الحقائق (3/ 245).
(5)
المرجع السابق.
(6)
مختصر القدوري ص (231).
وذراريهم)
(1)
.
- وقوله: (بأن كان ملكاً) قال الشلبي: (أي الصغير للكفار)
(2)
، فإذا كان الصغير ملكاً فيجوّز الحنفية قتله، وبذلك يقول النسفي في الكنز الذي شرحه الزيلعي بالتبيين، عبارة تزيل الإشكال:(وقتل امرأة، وغير مكلف، وشيخ فان، وأعمى، ومقعد، إلا أن يكون أحدهم ذا رأي في الحرب، أو ملكاً)
(3)
، وهي التي ورد عليها الشرح بالعبارة التي قد تُشكل، ومعلوم أن الَملك له رأي، و في قتله تفريق للجيش، وأيّاً ماكان فلم يرد عندهم ولا عند غيرهم -فيما وقفت عليه- تجويز قتل الصبيان قصداً لهم على سبيل المقابلة لقتل الكفار لصبيان المسلمين، والله أعلم.
المسألة الثانية: أدلة من قال بجواز قتل نساء وأطفال الكفار إذا قتلوا نساءنا وأطفالنا:
استدل أصحاب هذا القول:
1/ بقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
(4)
.
وجه الاستدلال:
- أن إطلاق الآية وعمومها يشمل رد اعتداءهم وقتلهم لنساء وصبيان
(1)
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/ 78)، وفي الغرة المنيفة ص (99):(ارتكاب أمر جائز وإن كان فيه مفسدة خاصة يجوز ارتكابها لمصلحة عامة، كما إذا تترس الكفار بصبيان المسلمين وأسراهم).
(2)
تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (3/ 245).
(3)
كنز الدقائق ص (370)، وفي الاختيار لتعليل المختار (4/ 120):(ولا يقتلوا مجنونا، ولا امرأة، ولا صبيا، ولا أعمى، ولا مقعدا، ولا مقطوع اليمين، ولا شيخا فانيا، إلا أن يكون أحد هؤلاء ملكا، أو ممن يقدر على القتال أو يحرض عليه، أو له رأي في الحرب، أو مال يحث به أو يكون الشيخ ممن يحتال).
(4)
من الآية (194) من سورة البقرة.
المسلمين بمثله، و (لما في ذلك من كسر قلوب الأعداء وإهانتهم)
(1)
.
- وهذه المصلحة ترجح على مفسدة تفويت ماليتهم، فـ (تفويت المال على المسلمين ليس بشيء غريب، ولهذا يحرق رحل الغال مع أنه فيه تفويت مال على أحد الغزاة)
(2)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال:
- بأن إطلاق جواز رد الاعتداء هنا مقيّد بألا يكون ذلك: بمحرم لعينه
(3)
، وألا يتعدى ذلك إلى غير المعتدي
(4)
، وألا يكون فيه خيانة
(5)
.
- وقد ختم الله الإذن في رد الاعتداء على من اعتدى بالأمر بالتقوى؛ لأن (النفوس -في الغالب- لا تقف على حدها إذا رُخّص لها في المعاقبة لطلبها التشفي، أمر تعالى بلزوم تقواه، التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها)
(6)
.
- وأما التعليل بمصلحة إذلال الكفرة وأنها أعظم من مفسدة تفويت
(1)
فتح ذي الجلال والإكرام (5/ 470)، وقال في شرحه لمسلم (9/ 47):(فإذا كان في هذا إغاظة للمشركين وسبب لذلّهم فلا بأس، وإلا فهو حرام).
(2)
فتح ذي الجلال والإكرام (5/ 470 - 471)،
(3)
قال ابن قدامة في المغني (8/ 304): (وإن قتله بما لا يحل لعينه، مثل إن لاط به فقتله، أو جرعه خمرا أو سحره، لم يقتل بمثله اتفاقاً).
(4)
قال ابن العربي في تفسيره (1/ 159): (وأما إن أخذ عرضك فخذ عرضه لا تتعداه إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه).
(5)
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/ 355): (قوله: «ولا تخن من خانك» فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله فيكون مخصصاً لعموم
…
قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ).
(6)
تفسير السعدي ص (90).
المالية، فهذا مبني على علّة قتال الكفار، فإن كانت المقاتلة كما قال الجمهور فالنساء والصبيان ليسوا من أهل القتال
(1)
، وإن كانت الكفر كما في أحد قولي الشافعي فقد قالوا:(وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان؛ لكونهم مالاً مغنوماً)
(2)
.
- هذا تمهيد لفهم المالية وأنها على مقتضى قول الشافعية؛ لكنهم لايجوّزون قتل النساء والصبيان من باب المقابلة -فيما وقفت عليه-، ولو فُرض وجود هذا القول بناء على هذه العلة، فإن من شروط صحة العلة المستنبطة ألا تعود على النص بالإبطال
(3)
؛ (إذ الظن المستفاد من النص أقوى من المستفاد من الاستنباط، لأنه فرع لهذا الحكم، والفرع لا يرجع على إبطال أصله، وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالإبطال)
(4)
.
- فـ (كلّ تعليل يتضمّن إبطال النّص باطل)
(5)
، وكل مصلحة عارضت النص فهي مصلحة ملغاة.
- وقد صحّ في مسألتنا النهي عن قتل النساء والصبيان، وخُص من هذا النهي: التبييت، والغارة، والتترس بنص أو إجماع، وكل هذه
(1)
في التجريد للقدوري (12/ 6146): (قال حين رأى امرأة مقتولة: «ما كانت هذه لتقاتل»، ونهى عن قتل النساء، فجعل العلة في ذلك أنها لا تقاتل).
(2)
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/ 101 - 102): (أبو حنيفة رأى أن الكفر مطلقاً إنما يقاتل صاحبه لمحاربته، فمن لا حراب فيه لا يقاتل
…
وقد وافقه على ذلك مالك وأحمد في أحد قوليه
…
وأما الشافعي فعنده نفس الكفر هو المبيح للدم، إلا أن النساء والصبيان تركوا لكونهم مالاً للمسلمين).
(3)
انظر: البحر المحيط (7/ 193).
(4)
المرجع السابق.
(5)
موسوعة القواعد الفقهية (8/ 374).
الصور يجمعها أنه جاز قتلهم تبعاً لا استقلالاً، بخلاف مسألتنا.
- وأما قتل المقاتل من النساء والصبيان، فهذا وإن جاز استقلالاً وقصداً إلا أنه قد اتفق عليه، وهو الذي صح أن يستدل عليه بقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} لأن رد الاعتداء هنا على المعتدي نفسه لا غيره، وقاعدة الشريعة ألا يؤاخذ الشخص بجريرة غيره، والله أعلم.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فإن نسبته إلى الشذوذ محل تردد؛ لاحتمال دخول السياسة الشرعية في الحكم، وشذوذه غير بعيد؛ لمخالفته النصَّ والاتفاق الذي حكاه ابن حزم (ت 456) بأن (إزالة المرء عن نفسه ظلماً بأن يظلم من لم يظلمه قاصداً إلى ذلك لا يحل)
(1)
، على أن ابن تيمية لم يسلّم بعمومه كما سبق، ويبقى استصحاب الإجماع على تحريم قصد النساء والصبيان الذين لم يقاتلوا بالقتل، ولم أقف على قول يوافق قول الشيخ مع أن الفتوح والقتال قائم في زمانهم أكثر من زماننا، فلو كانت المقابلة من الصور الجائزة لاستثنوها كما استثنوا التتبييت والغارة والتترس ومن شارك، والله أعلم.
(1)
مراتب الإجماع ص (165 - 166).
قال أبو جعفر القطيعي دخلت على أبي عبد اللَّه فقلت: (أتوضأ بماء النورة؟ فقال: ما أحب ذلك. قلت: أتوضأ بماء الباقلاء؟ قال: ما أحب ذلك. قلت: أتوضأ بماء الورد؟ قال: ما أحب ذلك. قال: فقمت، فتعلّق بثوبي، ثم قال: إيش تقول إذا دخلت المسجد؟ فسكتّ، فقال: وإيش تقول إذا خرجت من المسجد فسكتّ. فقال: اذهب فتعلم هذا).
طبقات الحنابلة (1/ 41)
المبحث الثالث: جواز بناء الكنائس في بلاد المسلمين
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(الحذر الحذر من مخالفة الأولين! فلو كان ثم فضل؛ لكان الأولون أحق به).
الشاطبي رحمه الله الموافقات (3/ 280)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الكنائس في اللغة: جمع كنيسة (وهي معربة أصلها كُنْشِت)
(1)
، (وهي تقع على بيعة النصارى وصلاة اليهود)
(2)
، وفي القاموس:(متعبد اليهود أو النصارى أو الكفار)
(3)
.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، وقد قيل:(الكنيسة متعبد اليهود وتطلق أيضا على متعبد النصارى)
(4)
، وقيل:(الكنيسة: موضع صلاة اليهود وجمعها الكنائس، والبِيعَة موضع صلاة النصارى وجمعها البِيَع)
(5)
، والأصل التباين
(6)
، على أن أحكام المعابد غير الإسلامية واحد، فما يقال في الكنيسة فإنه لايختص به
(7)
، ولما ذكر ابن القيم معابد للنصارى ذُكرت في الشروط العمرية المشهورة -وستأتي- قال:(وحكم هذه الأمكنة كلها حكم الكنيسة)
(8)
.
وقبل الشروع في بيان حكم المسألة، يحسن معرفة أقسام أمصار
(1)
لسان العرب (6/ 199)، وانظر: تهذيب اللغة (8/ 180).
(2)
المغرب في ترتيب المعرب ص (417).
(3)
القاموس المحيط (1/ 571)، وانظر: تاج العروس (16/ 453)، قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (4/ 120):(والكنيسة: المتعبد للكفار).
(4)
المصباح المنير (2/ 542).
(5)
طلبة الطلبة ص (93).
(6)
انظر: المطلع على ألفاظ المقنع ص (267).
(7)
انظر: أحكام المعابد للعصيمي ص (22).
(8)
أحكام أهل الذمة (3/ 1172)، وقال ابن حجر في الفتح (1/ 531):(ويدخل في حكم البِيعة: الكنيسة، وبيت المدراس، والصومعة، وبيت الصنم، وبيت النار، ونحو ذلك).
المسلمين التي يعيش فيها غير المحاربين، فـ (البلاد التي تفرّق فيها أهل الذمة والعهد ثلاثة أقسام:
أحدها: بلاد أنشأها المسلمون في الإسلام
(1)
.
الثاني: بلاد أنشئت قبل الإسلام، فافتتحها المسلمون عنوة
(2)
، وملكوا أرضها وساكنيها.
الثالث: بلاد أنشئت قبل الإسلام، وفتحها المسلمون صلحاً)
(3)
.
وبعبارة أخرى فإنه لا (يخل حالهم من ثلاثة أقسام: أحدها: ما أحياه المسلمون. والثاني: ما فتحوه عنوة. والثالث: ما فتحوه صلحاً)
(4)
.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
أما جزيرة العرب أو الحجاز؛ فلها عند الفقهاء خصوصية، ولايجوز فيها إحداث الكنائس ولا إبقاؤها، فهي أشد من غيرها في ذلك
(5)
.
(1)
(وهو: ما ابتدأ المسلمون إنشاءه في بلاد الإسلام من موات لم يجر عليه ملك كالبصرة والكوفة) كما في الحاوي الكبير (14/ 321).
(2)
في طلبة الطلبة ص (86): (عنوة أي: قهراً على وجه عناء أهلها
…
والعاني الأسير).
(3)
أحكام أهل الذمة (3/ 1173).
(4)
الحاوي الكبير (14/ 321).
(5)
قال الطبري في اختلاف الفقهاء- كتاب الجهاد والجزية وأحكام المحاربين ص (236): (وأجمعوا أنه ليس لهم أن يبتدئوا إحداث بيعة ولا كنيسة في أمصار المسلمين التي مصّروها، ولافي شيء من أرض الحجاز)، وفي فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية (1/ 469):(أجمع العلماء -رحمهم الله تعالى- على أن بناء المعابد الكفرية، ومنها الكنائس في جزيرة العرب، أشد إثماً وأعظم جرماً؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة بخصوص النهي عن اجتماع دينين في جزيرة العرب)، وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (3/ 133):(صرّح الحنفية بأن أرض العرب - الحجاز وما سواه - لا يجوز إحداث كنيسة فيها، ولا بيعة، ولا صومعة، ولا بيت نار، ولا صنم، تفضيلاً لأرض العرب على غيرها، وتطهيرا لها عن الدين الباطل كما عبر صاحب البدائع. وسواء في ذلك مدنها وقراها وسائر مياهها. وكذلك لا يجوز إبقاء شيء منها محدث أو قديم، أي سابق على الفتح الإسلامي. ويفهم مثل ذلك من كلام المالكية وعند الشافعية والحنابلة: أن ذلك في الحجاز خاصة. أما سائر أرض العرب فحكمها حكم غيرها من بلاد الإسلام) انتهى.
2.
وأما (ما مصَّره المسلمون كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط، فلا يجوز فيها إحداث بيعة، ولا كنيسة، ولا مجتمع لصلاتهم، ولا صومعة بإجماع أهل العلم)
(1)
.
3.
وكذلك (ما فتحه المسلمون عنوة؛ فلا يجوز فيها إحداث شيء بالإجماع، وما كان فيها شيء من ذلك، هل يجب هدمه؟)
(2)
، فيه خلاف و (في وجوب هدمها قولان: ولا نزاع في جواز هدم ما كان بأرض العنوة إذا فتحت)
(3)
، و (الصحابة رضي الله عنهم، فتحوا كثيرا من البلاد عنوة، فلم يهدموا شيئاً من الكنائس
…
ولأن الإجماع قد حصل على ذلك، فإنها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير)
(4)
.
(1)
فتح القدير لابن الهمام (6/ 58)، وسيأتي توثيق لحكايات الإجماع عن غيره في الأدلة -بإذن الله-.
(2)
فتح القدير لابن الهمام (6/ 58).
(3)
مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/ 655).
(4)
المغني لابن قدامة (9/ 355)، ولا نزاع في الجواز كما قال ابن تيمية، ولا يعارض ذلك مانقله ابن قدامة، ولذلك قال ابن تيمية بعد ذلك مايؤيد ماذكره ابن قدامة كما في الفتاوى (28/ 655):(ولو أقرت بأيديهم لكونهم أهل الوطن كما أقرهم المسلمون على كنائس بالشام ومصر، ثم ظهرت شعائر المسلمين فيما بعد بتلك البقاع، بحيث بنيت فيها المساجد: فلا يجتمع شعائر الكفر مع شعائر الإسلام)، قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (3/ 1200 - 1202): (وفصل الخطاب أن يقال: إن الإمام يفعل في ذلك ما هو الأصلح للمسلمين
…
ويدل عليه أن عمر بن الخطاب والصحابة معه أجلوا أهل خيبر من دورهم ومعابدهم بعد أن أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها
…
فبهذا التفصيل تجتمع الأدلة، وهو اختيار شيخنا، وعليه يدل فعل الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من أئمة الهدى، وعمر بن عبد العزيز هدم منها ما رأى المصلحة في هدمه وأقر ما رأى المصلحة في إقراره. وقد أفتى الإمام أحمد المتوكل بهدم كنائس السواد وهي أرض العنوة).
4.
وما مافُتح صلحاً؛ فهو على نوعين: (أحدهما: أن يصالحهم على أن الأرض لهم، ولنا الخراج عنها، فلهم إحداث ما يحتاجون فيها؛ لأن الدار لهم
(1)
. والثاني: أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين، ويؤدون الجزية إلينا، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح معهم، من إحداث ذلك، وعمارته)
(2)
.
5.
والحاصل مما سبق أنه لايجوز إحداث كنيسة بين المسلمين، سواء في البلاد التي أحدثوها أو فتحوها عنوة، وحكي إجماع العلماء على ذلك، وخالف بعض المعاصرين فجوّز إحداثها، وهذا هو الرأي المراد بحثه وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
في النجم الوهاج للدميري (9/ 419): (هذا لا خلاف فيه، وكأنهم صالحوا على أن تكون البيع والكنائس لهم؛ لأنه إذا جاز الصلح على أن كل البلد لهم، فعلى بعضه أولى).
(2)
المغني (9/ 355)، وانظر: حاشية ابن عابدين (4/ 203)، الكافي لابن عبدالبر (1/ 483)، الحاوي الكبير (14/ 322)، أحكام أهل الذمة (3/ 1202).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا القول من المعاصرين:
د. عبدالكريم زيدان (ت 1435)
(1)
، وغيره
(2)
.
(1)
قال في رسالته "أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام" ص (89 - 99): (يجوز لأهل الذمة إحداث الكنائس والمعابد الأخرى في أمصار المسلمين، وفيما فتحوه عنوة إذا أذن لهم الإمام بذلك
…
أما منعهم من الإحداث في أرض الحجاز كما ذهب إليه جميع الفقهاء فلا كلام لنا فيه؛ لأن الحجاز لايتوطّن فيها أهل الذمة).
(2)
كالقرضاوي حيث قال في كتابه "فقه الجهاد"(2/ 1009): (الذي أراه في هذه المسألة الشائكة، وفي ضوء نصوص القرآن ومقاصد الشرعية، وفي ظل المتغيرات الدوليّة والإقليمية والمحلية، وسيادة مفهوم المواطنة لدى الأمم المختلفة= أنه لامانع من إنشاء كنائس في ديار الإسلام)، وقال (2/ 1012):(فما عدا جزيرة العرب -على مافسرها به الإمام الشافعي- لانجد مانعاً شرعياً من بناء الكنائس، مادام أهل الذمة يتكاثرون).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع المحكي، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ حُكم بعض العلماء عليه بالخطأ ونحوه مما يرادف الشذوذ، ومن ذلك:
- قول السبكي (ت 756): (فقد سئلت عن ترميم الكنائس أو إعادة الكنيسة المضمحلة
…
وهذا الترميم يقع السؤال عنه كثيراً ولا سيما في الديار المصرية ويفتي كثير من الفقهاء بجوازه وتخرج به مراسيم من الملوك والقضاة بلا إذن فيه وذلك خطأ بإجماع المسلمين)
(1)
.
- وابن عابدين (1252) بقوله: (لا يجوز إحداث كنيسة في القرى ومن أفتى بالجواز فهو مخطئ ويحجر عليه
…
وفي الوهبانية: إنه الصحيح من المذهب الذي عليه المحققون، إلى أن قال: فقد علم أنه لا يحل الإفتاء بالإحداث في القرى لأحد من أهل زمامنا بعدما ذكرنا من التصحيح والاختيار للفتوى، وأخذ عامة المشايخ، ولا يلتفت إلى فتوى من أفتى بما يخالف هذا، ولا يحل العمل به، ولا الأخذ بفتواه، ويحجر عليه في الفتوى، ويمنع، لأن ذلك منه مجرد إتباع هوى النفس وهو حرام)
(2)
.
(1)
فتاوى السبكي (2/ 369).
(2)
حاشية ابن عابدين (4/ 202).
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بتحريم بناء الكنائس في بلاد المسلمين:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ حديث قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصلح قبلتان في أرض» ، وفي رواية:«لا تكون قبلتان في بلد واحد»
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن إنشاء الكنيسة فيه إحداث لقبلة في بلد مسلم مع قبلة المسلمين، والنفي في الحديث يراد به النهي وهو أبلغ في المراد.
ونوقش الاستدلال بالحديث:
بأن الحديث لا يصح موصولاً، قال السبكي:(وفي القلب منه شيء ولا يتبين لي قيام الحجة به وحده)
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد (1949)، وأبوداود (3032)، والترمذي (633)، وغيرهم ومداره عند جميعهم على قابوس وقد اختُلف فيه والجمهور على ضعفه، قال الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 119):(مرة وثقه ابن معين ومرة ضعفه، وضعفه غيره، وكان يحيى بن سعيد يحدث عنه) انتهى، والظاهر أنه يعتبر به، (وهذا الحديث قد اختلف في إسناده وإرساله) كما قال السبكي في فتاويه (2/ 374)، قال الترمذي:(حديث ابن عباس قد روي عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً)، وقال ابن تيمية:(إسناد جيد)، ويقصد الموصول، كما في الفتاوى (28/ 635).
(2)
فتاوى السبكي (2/ 375)، وانظر:"فقه الجهاد"(1/ 1010).
2/ الدليل الثاني هو ماجاء في الشروط العمرية على النصارى وفيها: (أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها دَيْراً، ولا كنيسة، ولا قلَّاية، ولا صومعة راهب
(1)
، ولا نجدد ما خرب منها، ولا نحيي ما كان منها في خطط المسلمين)
(2)
، وقول ابن عباس رضي الله عنهما عندما سئل: هل للمشركين أن يتخذوا الكنائس في أرض العرب؟ فقال ابن عباس: (أما ما مصَّر المسلمون فلا ترفع فيه كنيسة، ولا بيعة، ولا بيت نار، ولا صليب، ولا ينفخ فيه بوق، ولا يضرب فيه ناقوس، ولا يدخل فيه خمر، ولا خنزير، وما كان من أرض صولحت صلحاً، فعلى المسلمين أن يفوا لهم بصلحهم)
(3)
.
(1)
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (3/ 1171): (فأما الدَّير فللنصارى خاصة يبنونه للرهبان خارج البلد، يجتمعون فيه للرهبانية والتفرد عن الناس. وأما القلَّاية فيبنيها رهبانهم مرتفعة كالمنارة، والفرق بينها وبين الدَّير أن الدير يجتمعون فيه، والقلَّاية لا تكون إلا لواحد ينفرد بنفسه، ولا يكون لها باب بل فيها طاقة يتناول منها طعامه وشرابه وما يحتاج إليه. وأما الصومعة فهي كالقلاية تكون للراهب وحده).
(2)
أخرجه البيهقي (18717) من طريق يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن سفيان الثوري، والوليد بن نوح، والسري بن مصرف، يذكرون عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غنم عن عمر به، وقد سكت عنه الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 115) ولم يتعقبه ابن القطان، وفي البدر المنير (9/ 214):(يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، وهو ضعيف وإن سكت عبد الحق على إسناده) انتهى، قلت وقد نقله ابن كثير في مسند الفاروق من غير طريق يحيى بن عقبة ثم قال (2/ 338):(فهذه طرق يشدُّ بعضها بعضًا)، وللسبكي في فتاويه (2/ 399) كلام محرّر في إثبات هذه الشروط عن عمر رضي الله عنه، وينظر: جزء فيه شروط النصارى لابن زبر ص (21 - 26) وقد أخرج ابن زبر ص (19) مرفوعاً: (لا تبنى بيعةٌ في الإسلام، ولا يجدد ما خرب منها) وأخرجه من طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (50/ 53)، قال ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 341):(والصحيح: أنه موقوف)، يعني على عمر.
(3)
أخرجه عبدالرزاق (10002)، وأبوعبيد في الأموال (269)، وابن أبي شيبة (32982)، وغيرهم، كلهم من طريق الحسين الرحبي الملقب بحنش عن عكرمة عن ابن عباس به، وحنش حديثه منكر، قال البخاري في التاريخ الكبير (2/ 393):(ترك أحمد حديثه)، وهذا مما يشكل على احتجاج أحمد بهذا الأثر، قال ابن قدامة في المغني (9/ 355):(رواه الإمام أحمد، واحتج به) انتهى، أما رواية الإمام أحمد؛ فقد أخرجها الخلال في أحكام أهل الملل والردة ص (345) قال: أخبرني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا معتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، عن حنش به، وأما احتجاجه؛ ففي أحكام أهل الملل لخلال ص (347):(قيل لأبي عبد الله: أيش الحجة في أن يمنع أهل الذمة أن يبنوا بيعة، أو كنيسة إذا كانت الأرض ملكهم، وهم يؤدون الجزية، وقد منعنا من ظلمهم، وأذاهم؟ قال: حديث ابن عباس أيما مصر مصرته العرب) انتهى، وهذا مُشكل لحال حنش، وممايزيل الإشكال أن هذا الحديث مما انتقاه الإمام أحمد فقد قال في العلل برواية ابنه عبدالله (2/ 486):(حسين بن قيس، يقال له: حنش: متروك الحديث له حديث واحد حسن. روى عنه التيمي في قصة البيع أو نحو ذلك الذي استحسنه أبي) انتهى، وهذا نص مهم جداً، قال صالح آل الشيخ في التكميل ص (73): (وقوله " البِيَع " لعلها جمع بيعة، فيعني هذا الأثر عن ابن عباس
…
احتج به؛ لأن العمل عليه، ولأنه ليس ثمّ مايدفعه، وهذه قاعدة أحمد).
وجه الاستدلال:
قال السبكي: (أخذ العلماء بقول ابن عباس هذا وجعلوه مع قول عمر وسكوت بقية الصحابة إجماعاً)
(1)
، وهو واضح في المنع من إحداث الكنائس في بلاد المسلمين.
ونوقش الاستدلال بأثر ابن عباس:
بأن المقصود به: (الأمصار الإسلامية التي مصّرها المسلمون فلا يقاس عليها غيرها)
(2)
.
والجواب عن هذه المناقشة:
- بأن أمصار المسلمين لا يخرج عنها مما بأيدي المسلمين إلا ماصولح الكفار عليه من الأراضي، قال عبدالرزاق بعد إخراجه للأثر:(تفسير ما مصّر المسلمون: ما كانت من أرض العرب، أو أخذت من أرض المشركين عنوة)
(3)
، وقال أبوعبيد: (يكون التمصير على وجوه: فمنها البلاد التي يسلم عليها أهلها، مثل المدينة والطائف،
(1)
فتاوى السبكي (2/ 391).
(2)
فقه الجهاد (2/ 1011).
(3)
مصنف عبدالرزاق (6/ 60).
واليمن، ومنها كل أرض لم يكن لها أهل فاختطها المسلمون اختطاطاً ثم نزلوها، مثل الكوفة والبصرة، وكذلك الثغور، ومنها كل قرية افتتحت عنوة، فلم ير الإمام أن يردها إلى الذين أخذت منهم، ولكنه قسمها بين الذين افتتحوها كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، فهذه أمصار المسلمين، التي لا حظ لأهل الذمة فيها، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعطى خيبر اليهود معاملة لحاجة المسلمين كانت إليهم، فلما استغني عنهم أجلاهم عمر، وعادت كسائر بلاد الإسلام، فهذا حكم أمصار العرب)
(1)
، وقال الطبري:(وأمصار المسلمين ما كان خططاً، أو عنوة مقسومة، أو صلحاً أسلم أهلها عليها مثل الطائف والمدينة)
(2)
.
- فهذه هي أمصار المسلمين التي مصّروها وهذا هو مفهومها عند العلماء، والمُناقش لم يحرم بناء الكنائس إلا على جزيرة العرب، وجوّزها في بقية أمصار المسلمين! فهل أمصار المسلمين لاتعني عنده إلا جزيرة العرب؟
- ثم إن المُناقش لم يتعرض لشروط عمر المشهورة عند الفقهاء، و (هذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم، وهي مجمع عليها في الجملة، بين العلماء من الأئمة المتبوعين، وأصحابهم، وسائر الأئمة، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها) كما قال ابن تيمية
(3)
، قال السبكي: (حتى رأيت في كتب الحنابلة أنه عند الإطلاق يحمل على شروط عمر كأنها صارت معهودة
(1)
الأموال ص (127).
(2)
اختلاف الفقهاء- كتاب الجهاد والجزية وأحكام المحاربين ص (236).
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 365).
شرعاً)
(1)
، وقال ابن القيم:(شهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها)
(2)
.
3/ الدليل الثالث هو: الإجماع.
وقد نقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد من العلماء:
1.
قال الطبري (ت 310): (وأجمعوا أنه ليس لهم أن يبتدئوا إحداث بيعة ولا كنيسة في أمصار المسلمين التي مصّروها، ولافي شيء من أرض الحجاز)
(3)
.
2.
قال ابن حزم (ت 456) بعد أن ذكر أنهم اتفقوا أن أهل الذمة يدفعون الجزية: (على أن يلتزمواعلى أنفسهم أن لايحدثوا شيئاً في مواضع كنائسهم وسكناهم ولاغيرها، ولا بيعة، ولاديراً، ولاقلّاية، ولاصومعة، ولايجددوا ماخرب منها، ولايحيوا ما دثر)، وذكر أموراً مما يجب التزامهم بها، ثم قال:(فاذا فعلوا كل ما ذكرنا، ولم يبدلوا ذلك الدين الذي صولحوا عليه بين الإسلام، فقد حرمت دماء كل من وفى بذلك وماله وأهله وظلمه، واختلفوا إن لم يف بشيء من الشروط التي ذكرنا ولا بواحد أيحرم قتله وسبي أهله وغنيمة ماله أم لا)
(4)
.
3.
وقال الطرطوشي (ت 520): (وأما الكنائس فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(1)
فتاوى السبكي (2/ 399).
(2)
أحكام أهل الذمة (1/ 1165).
(3)
اختلاف الفقهاء- كتاب الجهاد والجزية وأحكام المحاربين ص (236).
(4)
مراتب الإجماع ص (116).
أمر بهدم كل كنيسة لم تكن قبل الإسلام، ومنع أن تحدث كنيسة
…
وكان عروة بن محمد يهدمها بصنعاء، وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين)
(1)
.
4.
وقال ابن هبيرة: (ت 560): (واتفقوا على أنه لا يجوز لهم إحداث كنيسة، ولا بيعة في المدن والأمصار في بلاد الإسلام، ثم اختلفوا: هل يجوز إحداث ذلك فيما قارب المدن؟)
(2)
فذكر المنع عند الجمهور والجواز عند الحنفية إذا كانت القرية بعيدة
(3)
.
5.
وقال العمراني (ت 588): (رُوِي عن ابن عبَّاس: أنه قال: "أيما مصر مصرته العرب .. فليس للعجم أن يبنوا فيه كنيسة" ولا مخالف له في الصحابة)
(4)
.
6.
وقال ابن تيمية (ت 728): (اتفق المسلمون على أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة)
(5)
، وقال:(شروط عمر رضي الله عنه، التي اتفقت عليها الصحابة، وسائر الفقهاء بعدهم)
(6)
، وقال: (هذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه
(1)
سراج الملوك ص (138).
(2)
اختلاف الأئمة العلماء (2/ 337)، و المقصود بالاتفاق هنا اتفاق الأربعة، كما سبق التنبيه عليه.
(3)
قال: (قال أبو حنيفة: إن كان الموضع قريباً من المدينة بحيث يكون حكمه حكم المصر بحيث يجوز فيه صلاة الجمعة أو العيدين، وهو قدر ميل أو أقل، وهو ثلث فرسخ فلا يجوز فيه إحداث ذلك، وإن كان الموضع أبعد من هذا المقدار جاز، فأما إذا كان بين البيوت وكان ذلك الموضع دون ثلث فرسخ، فهو في حكم البلد لا يجوز إحداث البيع فيه) انتهى، وسبق النقل عن ابن عابدين وقوله: (لا يجوز إحداث كنيسة في القرى ومن أفتى بالجواز فهو مخطئ ويحجر عليه
…
وفي الوهبانية: إنه الصحيح من المذهب الذي عليه المحققون).
(4)
البيان في مذهب الإمام الشافعي (12/ 280).
(5)
مجموع الفتاوى (28/ 634 - 635).
(6)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 510).
والعلم، وهي مجمع عليها في الجملة)
(1)
، وفي الفروع:(ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع، ذكره شيخنا إجماعاً، إلا فيما شرطوه فيما فتح صلحاً على أنه لنا)
(2)
.
7.
وقال ابن القيم (ت 751): (إن قيل: فما حكم هذه الكنائس التي في البلاد التي مصرها المسلمون؟ قيل: هي على نوعين: أحدهما: أن تحدث الكنائس بعد تمصير المسلمين لمصر فهذه تزال اتفاقاً)
(3)
.
8.
وقال السبكي (ت 756): (بناء الكنيسة حرام بالإجماع، وكذا ترميمها)
(4)
، وقال:(وقد أخذ العلماء بقول ابن عباس هذا وجعلوه مع قول عمر وسكوت بقية الصحابة إجماعاً)
(5)
.
9.
وقال قاضي صفد محمد بن عبدالرحمن الدمشقي (ت بعد 780 هـ): (اتفقوا على أنه لا يجوز إحداث كنيسة ولابيعة في المدن والأمصار بدار الإسلام. واختلفوا: هل يجوز إحداث ذلك فيما قارب؟)
(6)
.
10.
وقال العيني (ت 855): (ما مصره المسلمون
…
فلا يجوز فيها إحداث بيعة، ولا كنيسة ولا مجتمع لصلواتهم ولا صومعة، بإجماع أهل العلم
…
ما فتحه المسلمون عنوة، فلا يجوز إحداث شيء فيها بالإجماع)
(7)
.
11.
وقال ابن الهمام (ت 861): (ما مصره المسلمون
…
فلا يجوز فيها
(1)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 365).
(2)
الفروع (10/ 338).
(3)
أحكام الذمة (3/ 1185).
(4)
فتاوى السبكي (2/ 369).
(5)
المرجع السابق (2/ 391).
(6)
رحمة الأمة ص (401)، ويشبه كلامه كلام ابن هبيرة، فلعله أخذه منه.
(7)
البناية شرح الهداية (7/ 255 - 256)، ونقله ابن نجيم في البحر (5/ 121).
إحداث بيعة ولا كنيسة ولا مجتمع لصلاتهم ولا صومعة بإجماع أهل العلم
…
ما فتحه المسلمون عنوة فلا يجوز فيها إحداث شيء بالإجماع)
(1)
.
12.
وقال برهان الدين ابن مفلح (ت 884) عن الكنائس والبِيع: (يمنعون من إحداثهما في دار الإسلام إجماعاً)
(2)
.
13.
وقال الدردير (ت 1201): (أما البلد التي اختطها المسلمون
(3)
كالقاهرة فلا يجوز الإحداث فيها باتفاق)
(4)
.
14.
وقصّ ابن عابدين (ت 1252) قصة حدثت في زمنه لإعادة بناء كنيسة في زمنه للنصارى، وقد كانت لليهود، يقول: (طلبوا فتوى على صحة ذلك الإذن، وعلى كونها صارت معبداً للنصارى، فامتنعت من الكتابة
…
وقلت: إن ذلك غير جائز فكتب لهم بعض المتهورين طمعاً في عرض الدنيا أن ذلك صحيح جائز، فقويت بذلك شوكتهم
…
وهذه الكنيسة كذلك جعلوها معبداً لهم حادثاً، فما أفتى به ذلك المسكين خالف فيه إجماع المسلمين
…
ولا شك أن من أفتاهم وساعدهم وقوى شوكتهم يخشى عليه سوء الخاتمة، والعياذ بالله تعالى)
(5)
.
(1)
فتح القدير (6/ 58)، والظاهر أنه نقله عن البناية، وهو يصرح بالنقل عن العيني في مواضع، ولم يصرح هنا.
(2)
المبدع (3/ 378).
(3)
(أي: نزلها المسلمون، قال في النهاية: الخِطة بالكسر، الأرض يختطها الإنسان لنفسه، بأن يعلم عليها علامة، ويخط عليها خطاً ليعلم أنه قد احتازها، وبه سميت خطط الكوفة والبصرة) كما في شرح خليل للخرشي (3/ 148).
(4)
الشرح الكبير (2/ 204).
(5)
حاشية ابن عابدين (4/ 204 - 205).
15.
وقال ابن باز (ت 1420): (أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية، وعلى وجوب هدمها إذا أُحدثت، وعلى أن بناءها في الجزيرة العربية؛ كنجد والحجاز، وبلدان الخليج، واليمن، أشد إثماً وأعظم جرماً)
(1)
.
16.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: (أجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفرية، مثل: الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام،
…
وأجمعوا على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أحدثت في أرض الإسلام
…
وأجمع العلماء -رحمهم الله تعالى- على أن بناء المعابد الكفرية، ومنها الكنائس في جزيرة العرب، أشد إثماً وأعظم جرماً)
(2)
.
17.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: (يختلف حكم إحداث المعابد في أمصار المسلمين باختلاف الأمصار على النحو التالي: أ - ما اختطه المسلمون كالكوفة والبصرة، فلا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة ولا مجتمع لصلاتهم ولا صومعة بإجماع أهل العلم. ب - ما فتحه المسلمون عنوة، فلا يجوز فيه إحداث شيء بالاتفاق لأنه صار ملكاً للمسلمين، واختلفوا في هدم ما كان فيه
…
)
(3)
.
ونوقش الاستدلال بالإجماع:
(1)
من تقديمه لرسالة إسماعيل الأنصاري "حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية في بلاد المسلمين" ص (6).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الثانية (1/ 469)، والفتوى سنة (1421) هـ، برئاسة عبدالعزيز آل الشيخ.
(3)
الموسوعة الفقهية الكويتية (38/ 150).
- (أن من فقهاء المسلمين من أجاز لأهل الذمة إنشاء الكنائس والبيع وغيرها من المعابد في الأمصار الإسلامية، وفي البلاد التي فتحها المسلمون عنوة
…
إذا أذن لهم إمام المسلمين)
(1)
.
- أما (مامصّره المسلمون كالكوفة والبصرة وبغداد
…
قال الزيدية: يجوز لهم الإحداث إذا أذن لهم الإمام بذلك
…
مافتحه المسلمون عنوة
…
قال ابن القاسم المالكي: يجوز لهم الإحداث إذا أذن لهم الإمام بذلك)
(2)
.
- (ويرى المالكية أنه لا مانع من إحداث كنيسة؛ إن كان في ذلك مصلحة أو ترتب على منع إحداث كنيسة مفسدة أعظم، فيجوز؛ ارتكاباً لأخف الضررين)
(3)
.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة:
- أما ما مصّره المسلمون وأحدثوه من البلدان، فقد نقل د. زيدان فيه خلاف الزيدية ثم رجّحه، وهذا لا يعتبر خلافاً، ولا يعتد به في مقابل الإجماع، فإن الزيدية وفاقهم وخلافهم غير معتبر، وقد قال النووي:(قالت الزيدية والقاسمية من الشيعة لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء) ثم قال: (وأما الشيعة فلا يعتد بخلافهم، ومع هذا فهم محجوجون بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاستنجاء بالأحجار وأذن فيه وفعله)
(4)
، وقال
(1)
فقه الجهاد (2/ 1009).
(2)
"أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام" ص (96)، ثم قال:(والقول الراجح من أقوال الفقهاء فيما يخص معابد أهل الذمة هو ماذهب إليه الزيدية وابن القاسم المالكي)، وقد نقل د. القرضاوي عن د. زيدان هذه الأقوال لكنه جعل مافتح عنوة وما مصره المسلمون شيئاً واحداً في اختيار ابن القاسم والزيدية وهذا خطأ لاختلاف القولين.
(3)
فقه الجهاد (2/ 1009).
(4)
المجموع (2/ 101).
في رفع اليدين للتكبير: (ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع يديه عند الإحرام، والزيدية لا يعتد بهم في الإجماع)
(1)
.
- ولذلك تجد أساطين الوفاق والخلاف كابن المنذر وابن عبدالبر، لا يذكرونهم فضلاً عن أن يعتدوا بهم، وقد قال ابن حزم في مراتب الإجماع:(وإنما نعني بقولنا: العلماء، من حفظ عنه الفتيا من الصحابة والتابعين وتابعيهم وعلماء الأمصار وأئمة أهل الحديث، ومن تبعهم رضي الله عنهم أجمعين)
(2)
، ثم قال في أحد المواضع:(وإنما أدخلت هذا الاتفاق على جوازه لخلاف الزيدية)
(3)
، فتعقبه ابن تيمية بقوله:(قد ذكر هو أنه لا يذكر إلا خلاف أهل الفقه والحديث، دون المعتزلة والخوارج والرافضة ونحوهم، فلا معنى لإدخال الزيدية في الخلاف وفتحِ هذا الباب)
(4)
.
- وأما مافتحه المسلمون عَنوة؛ فما نُقل عن ابن القاسم من جواز إحداث الكنائس فيه، يوضحه الرجوع إلى كلامه والنظر في سياقه وقيوده، فقد قال في المدونة:
-
…
(ولا أرى أن يمنعوا من ذلك في قراهم التي صالحوا عليها؛ لأن البلاد بلادهم يبيعون أرضهم وديارهم ولا يكون للمسلمين منها شيء، إلا أن تكون بلادهم غلبهم عليها المسلمون وافتتحوها عنوة فليس لهم أن يحدثوا فيها شيئاً؛ لأن البلاد بلاد المسلمين ليس لهم أن يبيعوها ولا أن يورثوها وهي فيء للمسلمين، فإذا أسلموا لم يكن لهم فيها شيء، فلذلك لا يتركون، وأما ما سكن
(1)
المرجع السابق (3/ 305).
(2)
مراتب الإجماع ص (12).
(3)
المرجع السابق ص (125).
(4)
نقد مراتب الإجماع ص (298).
المسلمون عند افتتاحهم وكانت مدائنهم التي اختطوها مثل الفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وما أشبه ذلك من مدائن الشام فليس ذلك لهم، إلا أن يكون لهم شيء أعطوه فيوفى لهم به
(1)
؛ لأن سكك المدائن قد صارت لأهل الإسلام مالاً لهم يبيعون ويورثون وليس لأهل الصلح فيها حق، فقد صارت مدائن أهل الإسلام أموالاً لهم)
(2)
.
- والمهم من كلامه ما يختص بأرض العنوة وقوله: (إلا أن تكون بلادهم غلبهم عليها المسلمون وافتتحوها عنوة فليس لهم أن يحدثوا فيها شيئاً)، وهو صريح في المنع من إحداث الكنائس في أرض العنوة التي هي فيء للمسلمين ولاتُملك، وقد ذكر أولاً أرض الصلح وهذه لا إشكال فيها، وذكر آخر الأمر الأرض التي اختطها المسلمون وأحدثوها، واستثنى شيئاً واحداً في هذه الأرض وأنه يجوز للإمام أن يتنازل عن جزء من هذه الأرض مشروط في عقد الجزية فتكون لهم يعطيها إياهم، أو يكون المراد: أنه إذا اختط المسلمون والكفار بلدة جديدة فيعطى الكفار ما اختطوه، وتكون كأرض الصلح في جواز الإحداث، وهذا أظهر.
- قال الدسوقي: (وأما لو كانت تلك البلد اختطها المسلمون معهم، ففي جواز إحداثها وعدمه قولا ابن القاسم وابن الماجشون)
(3)
، وقد ذكر الحطاب القولين بقوله: (مذهب ابن القاسم على ما نقله
(1)
التوفية بالعهد في هذا المقام ورد عن الإمام مالك أيضاً، وذكره ابن تيمية في سياق أرض العنوة حين قال:(والمدينة التي يسكنها المسلمون والقرية التي يسكنها المسلمون، وفيها مساجد المسلمين لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر؛ لا كنائس؛ ولا غيرها؛ إلا أن يكون لهم عهد فيوفى لهم بعهدهم)، كما في الفتاوى (28/ 635).
(2)
المدونة (3/ 435).
(3)
حاشية الدسوقي (2/ 204).
ابن عرفة أن يترك لأهل الذمة كنائسهم القديمة في بلد العنوة المقر بها أهلها، وفيما اختطه المسلمون فسكنوه معهم، وأنه لا يجوز إحداثها إلا أن يعطوا ذلك، وهذا هو المأخوذ من المدونة في كتاب الجعل والإجارة بعد تأمل كلامه وكلام شراحه، وقال عبد الملك: لا يجوز الإحداث مطلقاً ولا يترك لهم كنيسة .. وهو الذي رآه البساطي فاعترض على المؤلف)
(1)
انتهى، والبساطي شارح خليل، واعترض على عبارة لخليل مشكلة وهي قوله:
- (وللعنوي إحداث كنيسة إن شرط وإلا فلا)
(2)
، وقد قال الدردير بعدها:(وهذا ضعيف، والمعتمد أنه ليس له الإحداث، ولا يمكن منه شرط أو لا)
(3)
، وقال الزرقاني:(والذي عليه المحققون، وتجب به الفتوى أنه لا يمكّن العنوي من الإحداث مطلقًا، شرط أم لا)
(4)
، وقال العدوي:(والمعتمد الذي عليه المحققون، وتجب به الفتوى أنه لا يمكن العنوي من الإحداث مطلقا سواء شرط أم لا)
(5)
.
- هذا كله استشكالاً منهم لظاهر العبارة، وإلا فلو حُملت على الكافر الذي اختط وأحدث بلاداً جديدة مع المسلمين وأعطي إياها لزال الإشكال، كما قال الدسوقي معقباً على الدردير: (كان الأولى
(1)
مواهب الجليل (3/ 384).
(2)
مختصر خليل ص (92)، والعنوي (أي الذي فتحت بلده بقتال) كما في منح الجليل (3/ 221)، وقوله: إن شرط، أي:(الإحداث عند ضرب الجزية عليه، أي: إن سأل الإمام فأجابه لذلك، وإلا فالعنوي مقهور لا يتأتى منه شرط) كما في الشرح الكبير للدردير (2/ 203).
(3)
الشرح الكبير (2/ 203 - 204).
(4)
شرح الزرقاني (3/ 257)، وينظر: حاشية البناني معه فقد اعترض عليه.
(5)
حاشية العدوي على الخرشي (3/ 148).
للشارح حذف المبالغة، ويقول في حلّ المتن: لا يجوز للكفار الإحداث ببلد انفرد المسلمون باختطاطها ثم انتقل الكفار إليها وسكنوا فيها مع المسلمين)
(1)
.
- وقد قال القرافي: (وأما أهل العنوة فلا يمكنون من ذلك، وإن كانوا معتزلين عن بلادنا؛ لأن قهرنا لهم أزال ذلك والتمكن منه فلا نعيده)
(2)
، وفي ديوان الأحكام: (وإن كانوا بين أظهر المسلمين منعوا من ذلك كله
…
وإن شرطوا ألا يمنعوا من إحداث الكنائس وصالحهم الإمام على ذلك عن جهل منه، فنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أولى بالاتباع والانقياد، ويمعنون من ذلك في حريم الإسلام وفي قراهم التي سكنها المسلمون معهم، ولا عهد في معصية الله إلا في رمِّ كنائسهم إن اشترطوا ذلك لا غير، فيوفى لهم به)
(3)
.
- وبعد هذا العرض المختصر، فإن المعاصر نسب لابن القاسم جواز إحداث الكنائس في أرض العنوة ولم يذكر شيء من الإشكال في النسبة إليه، ولا ما اعتُرض به على خليل، وإهدار الإجماع ليس بأسهل من إهدار نسبة قول غير جلي حتى عند بعض أرباب المذهب، على أنه لو سُلّم بأن مراد ابن القاسم أرض العنوة، فإن شرط الإحداث= إذن الإمام ودفع الجزية، كما قال خليل:(إن شرط)، أي:(الإحداث، أي: أذن له الإمام فيه حين ضرب الجزية عليه، فلا ينافي العنوة (وإلا) أي: وإن لم يأذن له الإمام
(1)
حاشية الدسوقي (2/ 204).
(2)
الذخيرة (3/ 458).
(3)
ديوان الأحكام الكبرى (628).
فيه حينه، بأن منعه أو سكت (فلا) يجوز له إحداث كنيسة، هذا مذهب ابن القاسم)
(1)
.
- والخلاصة: أنه ليس في قول ابن القاسم تجويز إحداث الكنيسة في أرض العنوة، وإن سُلّم بذلك في قوله أو قول من بعده فهو مشروط بإذن الإمام عند ضرب الجزية عليهم، فيقتطع لهم أرضاً لايخالطهم المسلمون فيها
(2)
.
- وأما قول د. القرضاوي: (ويرى المالكية أنه لا مانع من إحداث كنيسة؛ إن كان في ذلك مصلحة، أو ترتب على منع إحداث كنيسة مفسدة أعظم، فيجوز؛ ارتكاباً لأخف الضررين)
(3)
، فقيده الأول وهو: المصلحة؛ هذا من كيسه وهو خطأ على المالكية، وقد وثّقه في الحاشية بقوله:(انظر: التاج والأكليل (3/ 385)، حاشية الدسوقي (2/ 204) نقلاً عن مدونة الفقه المالكي وأدلته للصادق بن عبدالرحمن الغرياني (2/ 473»، وقد رجعت إلى جميع ما ذكره وليس فيها هذا القيد!
(4)
(1)
منح الجليل (3/ 222).
(2)
وقد عرضت هذا الكلام على بعض المالكية فأقروه ومنهم د. عبدالحميد المبارك، من شيوخ المالكية في الأحساء.
(3)
فقه الجهاد (2/ 1009).
(4)
د. القرضاوي هنا يزيد حرفاً مؤثراً في الحكم عند الفقهاء، ولو التزم الأدب مع أئمة الإسلام لكان الأمر أيسر، لكنه سبق ذكر ماوصفهم به في المبحث السابق، وهو هنا يقول عن السواد العظيم لأئمة الإسلام (2/ 1009):(ومما يدعو للدهشة أن المتشددين من الفقهاء الذين منعوا أو ضيّقوا في إقامة كنائس في أرض الإسلام، قد تأثروا بالجو السائد في العالم في تلك الأزمنة) انتهى! ومارميه لهم بسذاجة الاستدلال وأنه تأثر بالأجواء بأهون من رميهم بالمتشددين، مع أن قوله في تبرير رأيه:(وفي ظل المتغيرات الدوليّة والإقليمية والمحلية، وسيادة مفهوم المواطنة لدى الأمم المختلفة= أنه لامانع من إنشاء كنائس في ديار الإسلام)، منه تأثر بالجو السائد، والله المستعان.
- وأما قيد: المفسدة الأعظم، فهي قاعدة أخف الضررين؛ ولا تختص بهذا الباب من المحرمات، وهي تدل على أن هذا الأمر محرم في الأصل وليس بجائز، فانعكس مراده وقد تحرّز من ذلك بزيادة "المصلحة" من عنده، وهذا نص خليل:(وللصلحي الإحداث، وبيع عرصتها، أو حائط، لا ببلد الإسلام إلا لمفسدة أعظم)
(1)
.
- وعلى كل حال فالمالكية حتى في بلد الصلح لايجوزون بناء الكنائس، إلا إذا لم يكن معهم مسلمون، قال ابن رشد الجد: (وإنما يكون لأهل الصلح أن يحدثوا الكنائس في قراهم التي صالحوا عليها، وأن يَرُمُّوا كنائسهم القديمة، إذا كانوا منقطعين عن دار الإسلام وحريمه، ولم يسكن المسلمون معهم في موضعهم، وإن لم يشترطوه
…
وأما إذا كانت قراهم في بلاد الإسلام، فليس ذلك لهم، إلا أن يكون لهم أمر أعطوه، قاله مالك في المدونة، واختلف في أهل العنوة، فقال ابن القاسم: ليس ذلك لهم، وقال غيره: ذلك لهم، والقولان في الجعل والإجارة من المدونة)
(2)
، وهذا تلخيص حسن.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بجواز بناء الكنائس في بلاد المسلمين: استدل أصحاب هذا القول:
بـ (أن الإسلام يقر أهل الذمة على مذاهبهم، ومن لوازم هذا الإقرار السماح لهم بإنشاء معابدهم إلا إذا وجد مانع من ذلك)
(3)
،
(1)
مختصر خليل ص (92).
(2)
البيان والتحصيل (9/ 340 - 341)، وقوله:(قال غيره)، قاله سحنون في المدونة (3/ 436)، ولم يبين من هم.
(3)
"أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام" ص (99).
(وليس من المعقول أن يقر الإسلام أهل الذمة، على دينهم ومعتقداتهم وشعائرهم، ثم ينهاهم عن إقامة معابدهم التي يتعبدون فيها)
(1)
.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال
(2)
:
- بأن هذا اللازم لم يفهمه أهل الإجماع الذي انفضّ أهله، وهذا المعقول مصادم للمنقول عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
- ثم إنه غير لازم وذلك أن الإقرار ينافي الإنشاء فليس من لوازمه، فالإقرار يتعلق بالماضي، والإنشاء يتعلق بالمستقبل.
- وطرد هذا اللازم يجعلهم يدعون إلى دينهم أيضاً ويظهرون شعائرهم، فلايكون فرق بين دار الكفر ودار الإسلام، فهم يُمنعون من إقامة عباداتهم في مجامع المسلمين، وإظهار الفطر في رمضان، والإعلان بشرب وأكل مايعتقدون حله، ولايمنعون من ذلك في بيوتهم.
- و (إحداث هذه الأمور إحداث شعار الكفر، وهو أغلظ من إحداث الخمارات والمواخير، فإن تلك شعار الكفر وهذه شعار الفسق، ولا يجوز للإمام أن يصالحهم في دار الإسلام على إحداث شعائر المعاصي والفسوق، فكيف إحداث موضع الكفر والشرك؟!)
(3)
.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بجواز بناء الكنائس في بلاد المسلمين إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته للإجماع
(1)
فقه الجهاد (2/ 1009).
(2)
أفادني في كثير من هذه المناقشة بعض الإخوة، جزاهم الله خيراً.
(3)
أحكام أهل الذمة (3/ 1185).
الصحيح، وجزيرة العرب أشد في ذلك، وقد استثناها حتى المعاصرين [الذين] خالفوا في غيرها، ويليها أمصار المسلمين التي أحدثوها أو فتحوها عنوة، أما أرض الصلح فهي لهم، ولم يثبت بعد البحث مخالف يصحُّ أن يخرم به الإجماع، إلا ما نُسب لابن القاسم (ت 191) في أرض العنوة، وتقدّم أنه لايصح عنه بإطلاق، وأصل الباب ماجاء في الشروط العمرية وما احتج به الإمام أحمد من قول ابن عباس رضي الله عنهما: (أما ما مصَّر المسلمون فلا ترفع فيه كنيسة
…
وما كان من أرض صولحت صلحاً، فعلى المسلمين أن يفوا لهم بصلحهم)، وقد (أخذ العلماء بقول ابن عباس هذا، وجعلوه مع قول عمر، وسكوت بقية الصحابة إجماعاً)
(1)
، والله أعلم.
(1)
فتاوى السبكي (2/ 391).
المبحث الرابع: جواز تولّي الكافر رئاسة الدولة
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ محل الشذوذ
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة
(تستعظم شرعا زلة العالم، وتصير صغيرته كبيرة، من حيث كانت أقواله وأفعاله جارية في العادة على مجرى الاقتداء، فإذا زل؛ حملت زلته عنه قولا كانت أو فعلا لأنه موضوع منارا يهتدى به).
الشاطبي رحمه الله الموافقات (4/ 88)
المطلب الأول: صورة المسألة وتحرير محل الشذوذ:
الدولة في اللغة: أصل (يدل على تحول شيء من مكان إلى مكان)
(1)
، وقد قيل: بأن (الدُّولةُ والدَّوْلةُ لغتان)
(2)
، وقيل:(الدُّولة في المال، والدَّولة فِي الحرب)
(3)
، قال ابن فارس:(وإنما سميا بذلك من قياس الباب; لأنه أمر يتداولونه، فيتحول من هذا إلى ذاك، ومن ذاك إلى هذا)
(4)
، فالمال يتنقل بين الناس، قال الله:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}
(5)
، والحرب دُول، والذي يُدال له هو المنتصر، قال الله:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}
(6)
، و (دالت الأيام تدول مثل: دارت تدور وزناً ومعنى)
(7)
.
والدولة في الحرب هي الأقرب للمراد، وقد تطرقت بعض المعاجم المعاصرة للمعنى المراد بالبحث، ومن ذلك ماجاء في المعجم الوسيط في تعريف الدولة بأنها:(مجموع كبير من الأفراد يقطن بِصفة دائمة إقليماً معيناً ويتمتع بالشخصية المعنوية، وبنظام حكومي وبالاستقلال السياسي)
(8)
.
وأما الدولة في الاصطلاح الفقهي، فإنه (لم يشع استعمال الفقهاء
(1)
مقاييس اللغة (2/ 314).
(2)
العين (8/ 70).
(3)
تهذيب اللغة (14/ 124).
(4)
مقاييس اللغة (2/ 314).
(5)
من الآية (7) من سورة الحشر.
(6)
من الآية (140) من سورة آل عمران.
(7)
المصباح المنير (1/ 203)، وانظر: لسان العرب (11/ 252).
(8)
المعجم الوسيط (1/ 304)، وفي معجم متن اللغة (2/ 476) جاء في تعريف الدولة:(المملكة تساس بنظامٍ واحدٍ، أو أنظمةٍ يسيطر عليها نظام واحد).
لهذا المصطلح، وورد استعماله في بعض كتب السياسة الشرعية والأحكام السلطانية)
(1)
، وكان يطلق (عليها الفقهاء اصطلاح "دار الإسلام"، لأن اصطلاح "الدولة" لم يكن معروفاً)
(2)
، فالكلام على دار الإسلام وأركانها يمكن نقله هنا في أحكام الدولة، و (المعهود أن "الدولة"هي: مجموعة الإيالات تجتمع لتحقيق السيادة على أقاليم معينة، لها حدودها، ومستوطنوها، فيكون الحاكم أو الخليفة، أو أمير المؤمنين، على رأس هذه السلطات)
(3)
، والمراد بالدولة في بحث المسألة: الدولة المسلمة، والكلام عن الإمامة العظمى
(4)
.
(1)
الموسوعة الفقهية الكويتية (21/ 36).
(2)
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (8/ 6304).
(3)
الموسوعة الفقهية الكويتية (21/ 36)، و (الإيالة: السياسة، وأخذت في بعض كتب الأنظمة الإسلامية معنى السلطة، فيقال: إيالة القضاء، إيالة الحسبة، وهكذا "الغياثي 256") كما في حاشية المرجع نفسه.
(4)
بعض الفقهاء يتسامح في بعض الأعمال التي ليس فيها ولاية على المسلمين، كوزارة التنفيذ ونحوها في جباية الجزية والخراج، كما قال الماوردي في الأحكام السلطانية ص (56 - 59):(وأما وزارة التنفيذ فحكمها أضعف وشروطها أقل؛ لأن النظر فيها مقصور على رأي الإمام وتدبيره، وهذا الوزير وسط بينه وبين الرعايا والولاة يؤدي عنه ما أمر، وينفذ عنه ما ذكر، ويمضي ما حكم، ويخبر بتقليد الولاة وتجهيز الجيوش، ويعرض عليه ما ورد من مهم وتجدد من حدث ملم؛ ليعمل فيه ما يؤمر به، فهو معين في تنفيذ الأمور، وليس بوال عليها ولا متقلداً لها، فإن شورك في الرأي كان باسم الوزارة أخص، وإن لم يشارك فيه كان باسم الواسطة والسفارة أشبه، وليس تفتقر هذه الوزارة إلى تقليد، وإنما يراعى فيها مجرد الإذن، ولا تعتبر في المؤهل لها الحرية ولا العلم؛ لأنه ليس له أن ينفرد بولاية ولا تقليد). إلى أن قال: (الإسلام معتبر في وزارة التفويض، وغير معتبر في وزارة التنفيذ)، وانظر: الأحكام السلطانية للفراء ص (31)، ومع سهولة هذا المنصب بالنسبة إلى رئاسة الدولة ونحوها من الولايات إلا أن ذلك لم يقرّ فقد استدركه الجويني على المؤلف فقال في الغياثي ص (156): (وهذه عثرة ليس لها مقيل، وهي مشعرة بخلو صاحب الكتاب عن التحصيل، فإن الثقة لا بد من رعايتها، وليس الذمي موثوقاً به في أفعاله وأقواله، وتصاريف أحواله، وروايته مردودة، وكذلك شهادته على المسلمين، فكيف يقبل قوله فيما يسنده ويعزيه إلى إمام المسلمين، فمن لا تقبل شهادته على باقة بقل، ولا يوثق به في قول وفعل، كيف ينتصب وزيراً؟ وكيف ينتهض مبلغاً عن الإمام سفيراً، على أنا لا نأمن في أمر الدين شره، بل نرتقب - نفساً فنفساً - ضره، وقد توافت شهادة نصوص الكتاب والسنة على النهي عن الركون إلى الكفار، والمنع من ائتمانهم، واطلاعهم على الأسرار
…
) الخ.
وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:
1.
اتفق العلماء على وجوب الإمامة
(1)
، وأن (الإمامة: موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع)
(2)
.
2.
و (أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال)
(3)
، وذهب بعض المعاصرين إلى جواز تولي الكافر على المسلمين، وحُكم على قولهم بالبطلان، وهذا هو الرأي المراد بحثه وتحقيق نسبته للشذوذ من عدمه.
(1)
قال ابن حزم في الفصل في الملل (4/ 72): (اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة).
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي ص (15)، قال:(وإن شذ عنهم الأصم).
(3)
قاله ابن المنذر، كما نقله ابن القيم عنه في أحكام أهل الذمة (2/ 787).
المطلب الثاني: القائلون بهذا الرأي من المعاصرين:
أبرز من قال بهذا القول من المعاصرين:
د. علي جمعة
(1)
، وغيره
(2)
.
(1)
في برنامج على موقع اسمه: "بُص وطل"، الحلقة (84) مع مفتي مصر د. علي جمعة، سئل سؤالاً هذا نصه:(ماحكم تولّي مسيحي حكم البلاد؟) فكان من جوابه: (أظن أنه يقصد حكم مصر
…
بلاد مصر تتميز بأن الغالبية العظمى الساحقة من سكانها هم من المسلمين، ولكن يوجد فيها غير المسلمين
…
ولكننا مع وجود الدولة الحديثة تساوى الناس جميعاً في الحقوق والواجبات وأصبح هذا السؤال لامحلّ له
…
والقضية ليست على قضية الدين، فإن الدين لم يعد هو الذي بموجبه يتم الاختيار، بل لابد الاختيار أن يتم بناء على الكفاءة والكفاية، فإذا كانت هناك كفاءة وكفاية لمنصب معين، وبما في ذلك رئيس الجمهورية، فإنه يجوز لأي مواطن أن يتقدم وأن يكون كذلك) انتهى، ويمكن رؤية الحلقة عبر هذا الرابط: https:// www.youtube.com/ watch- v=fbVHm 7 MJPlc
(2)
كالقرضاوي ففي مقطع بعنوان "يوسف القرضاوي: لا مانع من تولي نصراني أو إمراة رئاسة الحكم" على الرابط: https:// www.youtube.com/ watch- v=phqjcoG 5 zWc، سأله المذيع: هل تقبل ترشّح قبطي للرئاسة في مصر؟ فكان من جوابه: (نعم
…
ليست مشكلة
…
الذي يمنع أن يرشح له غير المسلم
…
هو الخليفة الذي يرأس الأمة الإسلامية بصفة عامة، وهذا له طبيعة دينية
…
بينما مصر أو غيرها يعتبر إقليم من أقاليم هذه الدولة الكبرى)، هكذا قال هنا، مع أنه قال في "فقه الجهاد" (2/ 1017):(ولأهل الذمة الحق في تولي وظائف الدولة كالمسلمين، إلا ماغلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة، ورئاسة الدولة، والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات ونحو ذلك).
المطلب الثالث: وجه شذوذ هذا القول:
1/ مخالفة الإجماع المحكي، وسيأتي توثيقه في المطلب الرابع.
2/ حُكم بعض العلماء عليه بالبطلان ونحوه مما يرادف الشذوذ، ومن ذلك:
- قول مصطفى العدوي عندما سئل عمن أفتى بجواز تولي النصراني لرئاسة الجمهورية، فقال: (كلامه باطل
…
لا تجوز ولاية نصراني على بلاد المسلمين)
(1)
، وقال:(إن هؤلاء الذين يقولون: نولي أمر المسلمين كفاراً، قوم زائغون بلا شك)
(2)
.
(1)
كما في مقطع بعنوان "حكم تولي النصراني والمرأة منصب رئاسة الجمهورية" على هذا الرابط: https:// www.youtube.com/ watch- v=_c 17 zKKgpKQ
(2)
كما في مقطع بعنوان "الرد على من يجيز ترشيح النصارى لرئاسة الجمهورية" على هذا الرابط: https:// www.youtube.com/ watch- v=m_E 25 HNw 3 pI
المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أدلة القائلين بتحريم تولّي الكافر رئاسة الدولة:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1/ قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
(1)
.
وجه الاستدلال:
(أن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً بالشرع؛ فإن وجد ذلك فبخلاف الشرع)
(2)
، (والخلافة أعظم السبيل)
(3)
، ورئاسة الدولة نحوها، بل هي قائمة مقامها.
2/ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}
(4)
، و حديث عبادة رضي الله عنه مما أخذه عليهم النبي صلى الله عليه وسلم:«أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً»
(5)
.
وجه الاستدلال:
أن الله قال {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} والكافر ليس منّا، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن منازعة الأمر أهله إلا إن رأى المسلمون كفراً،
(1)
من الآية (141) من سورة النساء.
(2)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 641).
(3)
الفصل في الملل لابن حزم (4/ 128).
(4)
من الآية (59) من سورة النساء.
(5)
متفق عليه، أخرجه البخاري (7056)، ومسلم (1709)، قال ابن حجر:«وأن لا ننازع الأمر أهله» أي: الملك والإمارة) كما في الفتح (13/ 8).
فالإسلام شرط في تولّيه، والكفر سببٌ لعزله
(1)
، ويتأيد ذلك بالإجماع الآتي.
3/ الدليل الثالث هو: الإجماع.
وقد نقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد من العلماء:
1.
قال ابن المنذر (ت 319): (أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال)
(2)
.
2.
وقال ابن حزم (ت 456): (اتفقوا أن الامامة لا تجوز لامرأة، ولا لكافر، ولا لصبي لم يبلغ)
(3)
.
3.
وقال القاضي عياض (ت 544): (لا خلاف بين المسلمين أنه لا تنعقد الإمامة للكافر، ولا تستديم له إذا طرأ عليه)
(4)
.
4.
وقال الطيبي (ت 743): (وأجمعوا على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، ولو طرأ عليه الكفر انعزل)
(5)
.
5.
وقال ابن حجر (ت 852): (تقدم البحث في هذا الكلام على حديث عبادة في الأمر بالسمع والطاعة إلا أن تروا كفراً بواحاً بما يغني عن إعادته، وهو في كتاب الفتن، وملخصه أنه ينعزل بالكفر
(1)
انظر: الانتخابات وأحكامها ص (191 - 192).
(2)
قاله ابن المنذر، كما نقله ابن القيم عنه في أحكام أهل الذمة (2/ 787)، ولعل كلامه هذا فيما لم يصلنا من الأوسط، وفي الإشراف قال (5/ 23):(أجمع عامة من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر لا يكون ولياً لابنته المسلمة، لقطع الله تبارك وتعالى الولاية بين المسلمين والكافرين).
(3)
مراتب الإجماع ص (126)، ولم يتعقبه ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع بشيء.
(4)
إكمال المعلم (6/ 246)، ونقله عنه النووي وغيره.
(5)
شرح المشكاة (8/ 2560).
إجماعاً)
(1)
.
6.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: (فالمتفق عليه من شروط الإمامة: أ - الإسلام)
(2)
.
المسألة الثانية: أدلة القائلين بجواز تولّي الكافر رئاسة الدولة:
لم أقف لمن قال بهذا القول على دليل، لكن مما علّلوا به:
- أن الدولة الحديثة تختلف عن الدولة سابقاً، وتساوى الناس جميعاً في الحقوق والواجبات
(3)
.
- وماورد من منع تولية الكافر إنما هو في الخلافة العظمى دون رئاسة الدولة ونحوها
(4)
.
ويمكن مناقشة ذلك بأمور:
- أن اختلاف الدولة الحديثة لا يلغي أحكام الشريعة، ومن ذلك: الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين، قال الله:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ}
(5)
.
- قال ابن القيم: (ولما كانت التولية شقيقة الولاية كانت توليتهم نوعاً من تولّيهم، وقد حكم تعالى بأن من تولاهم فإنه منهم، ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة، فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً، والولاية إعزاز، فلا تجتمع
(1)
فتح الباري (13/ 123)، وقد نظرت في كلامه على حديث عبادة في الفتن، ولم أقف على حكايته للإجماع هناك.
(2)
الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 218).
(3)
كما ذكر د. علي جمعة، وسبق ذكر كلامه هذا عند توثيق قوله.
(4)
ذكره د. القرضاوي كما سبق عند توثيق قوله.
(5)
من الآية (28) من سورة آل عمران.
هي وإذلال الكفر أبداً، والولاية صلة، فلا تجامع معاداة الكافر أبداً)
(1)
.
- والتعلل بأن الأدلة الواردة بالمنع إنما هي في الخلافة العظمى على جميع بلاد المسلمين= منقوض بالمنع من ولاية الكافر ولاية عامة دونها، وبالمنع من ولايته ولاية خاصة، بل لا مدخل له في الولايات الكبيرة والصغيرة، وهذا كما سبق بالإجماع أنه:(لا ولاية له على مسلم بحال)
(2)
.
- و أما الولاية العامة التي هي دون رئاسة الدولة؛ فالقضاء (ولا خلاف في اعتبار الإسلام)
(3)
في القاضي.
- وأما الولاية الخاصة، فولاية النكاح ولو كانت ابنته، وقد (أجمعوا أن الكافر لا يكون ولياً لابنته المسلمة)
(4)
.
- بل فيما هو دون ذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم لمن أراد المشاركة معه في القتال وهو مشرك: «فارجع فلن أستعين بمشرك»
(5)
، فكيف برئاسة الدولة التي يتبعها قيادة السلم والحرب، وتدبير أمور المسلمين.
- والفاروق عمر رضي الله عنه لما قال له أبوموسى الأشعري رضي الله عنه: (إن لي كاتباً نصرانياً، قال: ما لك؟ قاتلك الله! أما سمعت الله تبارك وتعالى، يقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ؟ ألا اتخذت حنيفاً؟ قال: قلت: يا أمير
(1)
أحكام أهل الذمة (1/ 499).
(2)
قاله ابن المنذر، كما نقله ابن القيم عنه، وسبق توثيقه قبل صفحتين.
(3)
العدة في شرح العمدة ص (660).
(4)
الإجماع لابن المنذر ص (78)، وقال ابن قدامة (أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم) كما في المغني (7/ 27).
(5)
أخرجه مسلم (1817).
المؤمنين، لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله)
(1)
، قال ابن تيمية في سياقه:(كان السلف رضي الله عنهم يستدلون بهذه الآيات على ترك الاستعانة بهم في الولايات)
(2)
، وقال ابن كثير:(ففيه: أنه لا يجوز توليتُهم على شيء من أعمال المسلمين)
(3)
.
المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:
بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بجواز تولّي الكافر رئاسة الدولة إلى الشذوذ صحيحة، لمخالفته الإجماع الصحيح، ولم يثبت بعد البحث مخالف يصح أن يخرم به الإجماع، وهو من الأمور القطعية فيما دونها بكثير فمن لا تقبل شهادته في باقة بقل، ولايزوّج ابنته المسلمة لعدم ولايته عليها، لا يمكن أن يكون رئيساً على عموم المسلمين وولياً لأمرهم.
بل (لا مدخل لأهل الذمة في نصب الأئمة. فخروج هؤلاء عن منصب الحل والعقد ليس به خفاء)
(4)
، فإذا كانوا لايدخلون أصلاً في اختيار الإمام وتنصيبه، فكيف يقال بجواز تنصيبهم أئمة على المسلمين؟! والله أعلم.
آخر كتاب: "الآراء الفقهية المعاصرة المحكوم عليها بالشذوذ في العبادات". [انتهى بحمد الله].
(1)
أخرجه الخلال كما في أحكام أهل الملل ص (117) قال: أخبرنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن عياض الأشعري، عن أبي موسى به، قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط (1/ 184):(فروى الإمام أحمد بإسناد صحيح) فذكره، وأخرجه البيهقي (18727) وغيره من غير طريق الإمام أحمد، وفيه زيادة عدم إدخال النصراني المسجد.
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 184).
(3)
مسند الفاروق (2/ 346).
(4)
غياث الأمم ص (62 - 63)
الخاتمة
الحمدلله الذي علّم بالقلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، أما بعد:
فهذه أهم نتائج بحث: "الآراء الفقهية المعاصرة المحكوم عليها بالشذوذ" في العبادات:
- ضابط الحكم على الرأي بالشذوذ: مخالفة النص الصريح الصحيح أو الإجماع الثابت، وأكثر مايقع هو مخالفة الإجماع.
- من أهم أسباب الشذوذ عند المعاصرين: الجمود على الظواهر، والمبالغة في سد الذرائع والاحتياط، والتوسع في اعتبار المصالح والمقاصد، والاستدلال بالخلاف الفقهي، وتبرير الواقع المنحرف، والخضوع للضغوطات، والضعف العلمي، وعدم اعتبار الإجماع أو الاضطراب فيه وهذا أبرزها وأكثرها.
- بعد البحث انقسمت المسائل المبحوثة إلى ثلاثة أقسام: مسألة تبين شذوذ الرأي المبحوث فيها، و مسألة تبين عدم شذوذ الرأي المبحوث فيها، ومسألة لم يُجزم بشذوذها مع ميل في بعضها إلى الشذوذ، وهذا هو بيانها:
الآراء التي تبين بعد البحث شذوذها:
1.
طهارة الخمر.
2.
القول بطهارة الدم الكثير.
3.
جواز استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب.
4.
تحريم ختان الإناث.
5.
…
جواز حلق اللحية.
6.
وجوب قص ما زاد عن القبضة من اللحية.
7.
القول ببدعية النقاب.
8.
جواز التصوير المجسم لما له نفس.
9.
بدعية وضع الكفين على بعضهما بعد الرفع من الركوع.
10.
وجوب متابعة الإمام إذا زاد في صلاته وعلم المأموم بالزيادة.
11.
عدم جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة في التراويح.
12.
صحة إمامة المرأة للرجال في الفريضة أو خطبتها للجمعة، أما إمامتها في التراويح بقيود فهو ضعيف إلا إنه ليس بشاذ.
13.
…
وجوب صلاة الجمعة على المسافر، إذا جمّع بنفسه، وكذلك وجوبها على المسافر السائر، وأما النازل الذي لم يسمع النداء فوجوبها عليه أيضاً أقرب إلى الشذوذ، وأما النازل الذي سمع النداء فوجوبها عليه قيل بشذوذه، وبعد البحث تبيّن عدمه.
14.
سقوط صلاة الجمعة وصلاة الظهر عمن صلى العيد إذا وافقت يوم الجمعة.
15.
مشروعية الاقتصار على خطبة واحدة في العيد.
16.
تحريم الذهب المحلق.
17.
عدم وجوب زكاة عروض التجارة.
18.
عدم وجوب زكاة الأوراق النقدية.
19.
الاعتماد على الحساب في دخول الشهر.
20.
عدم وجوب القضاء بالسعوط، وأما عدم وجوب القضاء بالحقنة فمحل تردد.
21.
تحريم صيام يوم السبت.
22.
عودة الحاج محرماً بعد حله إذا لم يطف قبل الغروب يوم النحر.
23.
عدم وجوب الفدية في فعل المحظور أو ترك الواجب إلا في حلق الرأس والوطء قبل التحلل.
24.
جواز الأضحية بغير بهيمة الأنعام.
25.
قصر جهاد الكفار على الدفع فقط.
26.
جواز بناء الكنائس في بلاد المسلمين.
27.
جواز تولي الكافر رئاسة الدولة.
الآراء التي تبين بعد البحث عدم شذوذها:
1.
جعل المائعات كلها كالماء إذا وقعت فيها النجاسة وأنها لاتنجس إلا بالتغير.
2.
وجوب غسل يدي النائم قبل غمسهما في الإناء.
3.
جواز قراءة القرآن للجنب.
4.
تقييد جواز المسح على الخفين بوجود الحاجة.
5.
وجوب التقيد بما محله قبل السلام أو بعده في سجود السهو.
6.
لا إعادة للصلاة لمتعمد تركها في وقتها.
7.
صحة صلاة التطوع من المضطجع القادر على القيام.
8.
جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر لعذر المشقة مطلقاً.
9.
جواز الزيادة على أربع تكبيرات في صلاة الجنازة.
10.
عدم وجوب الصيام على من رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته.
11.
جواز دخول مكة دون إحرام.
12.
القول بأن محاذاة الميقات كون الميقات واقعاً بين ميقاتين على خط واحد.
الآراء التي لم يُجزم بشذوذها:
1.
سنية وضع اليدين على الصدر في الصلاة، إلا من قال بأن السنة هو الوضع على الصدر لاغير فهذا شاذ، وليس من أقوال أهل العلم المعتبرة.
2.
بطلان صلاة من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير.
3.
بدعية الذكر بالسبحة.
4.
وجوب الكفارة دون القضاء على من جامع في نهار رمضان متعمداً، وهو غير بعيد عن الشذوذ.
5.
جواز قتل نساء وأطفال الكفار إذا قتلوا نساءنا وأطفالنا، محل تردد وإن كانت إلى الشذوذ أقرب.
وفي البحث تفصيلات في بعضها، وتقسيمها إلى مراتب وأنواع، والحكم على بعضها بالشذوذ دون بعض، ويرجع إلى كل بحث في
موضعه، وأوصي بالاهتمام بهذا الموضوع البالغ الأهمية؛ حفظاً للدين وللفقه الإسلامي من كل قول دخيل، ومن وسائل ذلك: إقامة مرصد للأقوال الشاذة تحت إشراف اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ويُختار لها الأكفاء من أهل العلم والإنصاف والدين، وقبل وضع القلم فلا يخفى أن الجهد البشري مهما طُلب له الكمال فيبقى فيه قصورٌ، ورحم الله من سدّ الخلل، وحسبي أني اجتهدت فيه (لكنَّ طاقةَ مثلِي غيرُ خافيةٍ
…
والنَّملُ يُعذرُ في القَدْرِ الّذي حَمَلا)
(1)
.
والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
أدب الدنيا والدين ص (198).
خامساً: فهرس أهم
المصادر والمراجع
1.
القرآن الكريم.
2.
أبجد العلوم، لمحمد صديق خان، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1423 هـ.
3.
أبحاث هيئة كبار العلماء، إعداد الأمانة العامة للهيئة، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الثالثة 1428 هـ.
4.
الإبداع في مضار الإبتداع، لعلي محفوظ، تحقيق: سعيد بن نصر، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1421 هـ.
5.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، للجبرين، اعتنى به: أبوأنس علي أبولوز، مدار الوطن للنشر، الطبعة الثالثة 1427 هـ.
6.
الإبهاج في شرح المنهاج، لابن السبكي ووالده، دار الكتب العلمية -بيروت، 1416 هـ.
7.
اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، للدكتور: فهد الرومي، رئاسة إدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى 1407 هـ.
8.
إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: مركز خدمة السنة والسيرة بإشراف د. زهير الناصر، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ومركز خدمة السنة والسيرة النبوية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
9.
الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1394 هـ.
10.
آثار الحرب في الفقه الإسلامي، للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، الطبعة الثالثة 1419 هـ.
11.
آثار الشيخ العلامة عبدالرحمن المعلمي، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى 1434 هـ.
12.
أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء-رسالة دكتوراه، لماهر الفحل، دار الكتب العلمية، 1430 هـ.
13.
إجابة السائل على أهم المسائل، لمقبل الوادعي، دار الحرمين-القاهرة، الطبعة الثانية 1420 هـ.
14.
الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي، لبلقاسم الزبيدي، مركز تكوين، الطبعة الأولى 1435 هـ.
15.
الإجماع، لابن المنذر، المحقق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار المسلم، الطبعة الأولى 1425 هـ.
16.
الإجماع عند الإمام الشوكاني، لعارف المرادي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1435 هـ.
17.
إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، للعلائي، المحقق: د. محمد سليمان الأشقر، جمعية إحياء التراث الإسلامي-الكويت، الطبعة الأولى 1407 هـ.
18.
الآحاد والمثاني، لابن أبي عاصم، المحقق: د. باسم الجوابرة، دار الراية، الطبعة الأولى 1411 هـ.
19.
الأحاديث المختارة، لضياء الدين المقدسي، تحقيق: الدكتور عبد الملك بن دهيش، دار خضر، الطبعة الثالثة 1420 هـ.
20.
أحاديث معلة ظاهرها الصحة، لمقبل الوادعي، دار الآثار، الطبعة الثانية 1421 هـ.
21.
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1408 هـ.
22.
إحكام [الأحكام] شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد، مطبعة السنة المحمدية.
23.
أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها، لأحمد الفريح، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1429 هـ.
24.
أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي- رسالة ماجستير، لستر الجعيد، جامعة أم القرى، 1405 هـ.
25.
…
أحكام الجنائز، للألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة 1406 هـ.
26.
الأحكام السلطانية، للفراء، اعتنى به: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1421 هـ.
27.
الأحكام السلطانية، للماوردي، دار الحديث - القاهرة.
28.
الأحكام الشرعية الكبرى، للإشبيلي، المحقق: حسين بن عكاشة، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1422 هـ.
29.
أحكام العيدين، للفريابي، المحقق: مساعد سليمان راشد، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى 1406 هـ.
30.
أحكام الفدية في الحج والعمرة، لمحمد اليحيى، رسالة ماجستير من جامعة أم القرى، 1431 هـ.
31.
أحكام القرآن الكريم، للطحاوي، تحقيق: د. سعد الدين أونال، مركز البحوث الإسلامية التابع لوقف الديانة التركي، الطبعة الأولى 1416 - 1418 هـ.
32.
أحكام القرآن، لابن العربي، اعتنى به: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الثالثة 1424 هـ.
33.
أحكام القرآن، للجصاص، تحقيق: عبدالسلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ.
34.
أحكام القرآن، للكيا الهراسي، المحقق: موسى محمد علي، [وعزت علي] عطية، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1405 هـ.
35.
إحكام المباني في نقض وصول التهاني، لعلي الحلبي، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1412 هـ.
36.
أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي، لمرعي الشهري، مكتبة العلوم والحكم-المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1423 هـ.
37.
أحكام المعابد "رسالة ماجستير"، لعبدالرحمن العصيمي، كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى 1430 هـ.
38.
الأحكام الوسطى، للإشبيلي، تحقيق: حمدي السلفي وصبحي السامرائي، مكتبة الرشد، 1416 هـ.
39.
أحكام أهل الذمة، لابن القيم، المحقق: يوسف البكري وشاكر العاروري، رمادى للنشر-الدمام، الطبعة الأولى 1418 هـ.
40.
أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل، للخلَّال، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1414 هـ.
41.
الإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الثانية 1406 هـ.
42.
الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم، المحقق: أحمد محمد شاكر، قدم له: إحسان عباس، دار الآفاق الجديدة- بيروت.
43.
الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، المحقق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي.
44.
إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي، دار المعرفة - بيروت.
45.
أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، للفاكهي، المحقق: د. عبد الملك عبد الله دهيش، دار خضر - بيروت، الطبعة الثانية 1414 هـ.
46.
اختلاف الأئمة العلماء [الإفصاح]، لابن هُبَيْرَة، المحقق: السيد يوسف أحمد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1423 هـ.
47.
اختلاف الفقهاء- قطع من كتاب المدبر إلى كتاب الضمان، لابن جرير، مصحح الكتاب: فريدريك الألماني البرليني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1420 هـ.
48.
اختلاف الفقهاء-كتاب الجهاد وكتاب الجزية وأحكام المحاربين، لابن جرير، عني بنشره: يوسف شاخت، مطبعة بريل في مدينة ليدن، 1352 هـ-1933 م.
49.
الاختيار لتعليل المختار، للموصلي، وتعليقات: محمود أبو دقيقة، مطبعة الحلبي - القاهرة، 1356 هـ.
50.
اختيارات الشوكاني الفقهية، للدكتور زهير الخلاقي، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1434 هـ.
51.
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية -من أول الطهارة إلى نهاية سجود السهو-، للدكتور عايض الحارثي، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى 1430 هـ ..
52.
آداب الخطبة والزفاف، لعمرو عبدالمنعم سليم، دار الضياء، الطبعة الثالثة 1422 هـ.
53.
آداب الزفاف في السنة المطهرة، للألباني، دار السلام، 1423 هـ.
54.
الآداب الشرعية والمنح المرعية، لشمس الدين ابن مفلح، عالم الكتب.
55.
أدب الدنيا والدين، للماوردي، دار مكتبة الحياة، 1406 هـ.
56.
أدب الطلب ومنتهى الأدب، للشوكاني، المحقق: عبد الله يحيى السريحي، دار ابن حزم - لبنان، الطبعة الأولى 1419 هـ.
57.
الأدب المفرد، للإمام البخاري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية-بيروت، الطبعة الثالثة 1409 هـ.
58.
الأذكار، للنووي، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الفكر- لبنان، 1414 هـ.
59.
الآراء الشاذة في أصول الفقه، للدكتور عبدالعزيز النملة، الطبعة الأولى 1430 هـ.
60.
آراء الشيخ الألباني الفقهية في العبادات-رسالة دكتوراه، د. الشريف مساعد الحسني، دار التدمرية، الطبعة الأولى 1433 هـ.
61.
آراء الشيخ الألباني الفقهية، قسم المعاملات وبقية أبواب الفقه، د. خالد المشعان، دار التدمرية، الطبعة الأولى 1433 هـ.
62.
الآراء الفقهية المحكوم عليها بالشذوذ في أبواب الزكاة والصيام والحج، للدكتور محمد الطيار، دار الهدي، دار الفضيلة، الطبعة الأولى 1436 هـ.
63.
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، للقسطلاني، المطبعة الكبرى الأميرية-مصر، الطبعة السابعة 1323 هـ.
64.
إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك، لعبدالرحمن بن محمد بن عسكر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده- مصر، الطبعة الثالثة.
65.
إرشاد الفحول، للشوكاني، المحقق: أحمد عزو، قدم له: خليل الميس و د. ولي الدين صالح فرفو، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1419 هـ.
66.
…
الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، لصالح الفوزان، دار ابن الجوزي، الطبعة الرابعة 1420 هـ.
67.
إرشاد أهل الملة في إثبات الأهلة، لمحمد بخيت المطيعي، مطبعة كردستان العلمية- مصر، 1329 هـ.
68.
الإرشاد في معرفة علماء الحديث، للخليلي، المحقق: د. محمد سعيد عمر إدريس، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
69.
الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات، طارق بن عوض الله، مكتبة ابن تيمية - القاهرة، دار زمزم -الرياض، الطبعة الأولى 1417 هـ.
70.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للألباني، إشراف: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي-بيروت، الطبعة الثانية 1405 هـ.
71.
أساس البلاغة، للزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
72.
الأساس في علم الاقتصاد، د. ضرار العتيبي وزملاؤه، دار اليازوري العلمية.
73.
أسباب الخطأ في فتاوى المعاصرين، لعمر غزاي، دار النفائس، الطبعة الأولى 1439 هـ.
74.
الاستدلال بالدليل في غير ماسيق له، د. عبدالرحمن الشعلان، منشور في مجلة الجمعية الفقهية السعودية، العدد الرابع.
75.
…
الاستذكار، لابن عبد البر، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ.
76.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر، المحقق: علي محمد البجاوي، دار الجيل- بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ.
77.
أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير، المحقق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
78.
أسماء القرآن وأوصافه في القرآن الكريم، لعمر الدهيشي، دار ابن الجوزي.
79.
أسنى المطالب في شرح روض الطالب، لزكريا الأنصاري، ومعه حاشية الرملي الكبير، دار الكتاب الإسلامي.
80.
الأشباه والنظائر، لابن نجيم، اعتنى به: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ.
81.
الأشباه والنظائر، للسبكي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411 هـ.
82.
الأشباه والنظائر، للسيوطي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411 هـ.
83.
الإشراف على مذاهب العلماء، لابن المنذر، المحقق: صغير أحمد الأنصاري، مكتبة مكة الثقافية-رأس الخيمة، الطبعة الأولى 1425 هـ.
84.
الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبد [الوهاب]، المحقق: الحبيب بن طاهر، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
85.
الإشراف في منازل الأشراف، لابن أبي الدنيا، المحقق: د نجم عبد الرحمن خلف، مكتبة الرشد- الرياض، الطبعة الأولى 1411 هـ.
86.
الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
87.
أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، للألباني، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1427 هـ
88.
الأصل، للشيباني، المحقق: أبو الوفا الأفغاني، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية - كراتشي.
89.
أصول السرخسي، لمحمد بن أحمد السرخسي، دار المعرفة - بيروت.
90.
أصول الفقه الذي لايسع الفقيه جهله، للدكتور: عياض السلمي، دار التدمرية، الطبعة الأولى 1426 هـ.
91.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، للشنقيطي، دار الفكر-بيروت - لبنان، 1415 هـ.
92.
إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين [حاشية على فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين]، للبكري، دار الفكر، الطبعة الأولى 1418 هـ.
93.
الاعتصام، للشاطبي، تحقيق: د. محمد الشقير و د. سعد آل حميد و د. هشام الصيني، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1429 هـ.
94.
الإعراب عن الحيرة و الالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس، لابن حزم، تحقيق: د. محمد بن زين العابدين رستم، أضواء السلف، الطبعة الأولى 1425 هـ.
95.
إعلاء السنن، لظفر التهانوي، تحقيق: محمد تقي العثماني، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية-كراتشي، 1418 هـ.
96.
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ.
97.
الإعلام بحدود وقواعد الإسلام، للقاضي عياض، حققه: محمد صديق المنشاوي، قدم له: محمود عبدالرحمن عبدالمنعم، دار الفضيلة-مصر.
98.
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، المحقق: عبد العزيز المشيقح، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1417 هـ.
99.
الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام، لأبي عبدالله القرطبي، المحقق: د. أحمد حجازي السقا، دار التراث العربي - القاهرة.
100.
الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام [نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر]، لعبد الحي الحسني الطالبي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1420 هـ.
101.
الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام، للدكتور/ صالح الفوزان، منشور في موقعه الرسمي على الشبكة.
102.
الأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 1423 هـ.
103.
الأعمال الكاملة لمحمد عبده، تحقيق وتقديم: د. محمد عمارة، دار الشروق، الطبعة الأولى 1414 هـ.
104.
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن قيم الجوزية، المحقق: محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف-الرياض.
105.
الإفصاح عن معاني الصحاح، لابن هبيرة، المحقق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الوطن 1417 هـ.
106.
…
أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية-رسالة دكتوراه، لمحمد الأشقر، مؤسسة الرسالة، الطبعة السادسة 1424 هـ.
107.
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، المحقق: ناصر عبد الكريم العقل، دار عالم الكتب-لبنان، الطبعة السابعة 1419 هـ.
108.
الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، للشربيني الشافعي، المحقق: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر، دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى.
109.
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، للحجاوي، المحقق: عبد اللطيف محمد السبكي، دار المعرفة- بيروت.
110.
الإقناع في مسائل الإجماع، لابن القطان، المحقق: حسن فوزي الصعيدي، الناشر: الفاروق الحديثة، الطبعة الأولى 1424 هـ، وهي الأصل في التوثيق، وقد أرجع إلى طبعة دار القلم بتحقيق أ. د. فاروق حمادة وأبيّن ذلك.
111.
الأقوال الشاذة في بداية المجتهد "جمعا ودراسة"، للدكتور صالح الشمراني، مكتبة دار المنهاج، الطبعة الأولى 1428 هـ.
112.
إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض، المحقق: د. يحيى إسماعيل، دار الوفاء-مصر، الطبعة الأولى 1419 هـ.
113.
إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لمغلطاي، المحقق: أبو عبد الرحمن عادل بن محمد و أبو محمد أسامة بن إبراهيم، الفاروق الحديثة، الطبعة الأولى 1422 هـ.
114.
الألباني شذوذه وأخطاؤه، لحبيب الرحمن الأعظمي، مكتبة دار العروبة، الطبعة الأولى 1404 هـ.
115.
الإلزامات والتتبع، للدارقطني، تحقيق ودراسة: مقبل الوادعي، دار الآثار، الطبعة الثالثة 1430 هـ.
116.
الأم، للإمام الشافعي، دار المعرفة - بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ.
117.
الأمالي في آثار الصحابة، لعبدالرزاق الصنعاني، المحقق: مجدي إبراهيم، مكتبة القرآن.
118.
إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، للمقريزي، المحقق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1420 هـ.
119.
الأموال لابن زنجويه، تحقيق: د. شاكر ذيب فياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى 1406 هـ.
120.
الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، المحقق: خليل محمد هراس، دار الفكر-بيروت.
121.
الإنباه إلى حكم تارك الصلاة، ويليه "ملحوظات على كتاب الصلاة"، لعبد الله بن مانع العتيبي، دار ابن خزيمة، الطبعة الأولى 1412 هـ.
122.
الانتخابات وأحكامها، للدكتور فهد العجلان، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى 1430 هـ.
123.
الإنجاد في أبواب الجهاد، للقرطبي، المحقق: مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي، دار الإمام مالك، مؤسسة الريان.
124.
الإنصاف، للمرداوي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية.
125.
الأنواء في مواسم العرب، لابن قتيبة، دائرة المعارف العثمانية (بالهند)، 1375 هـ.
126.
…
أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي، المحقق: محمد المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1418 هـ.
127.
أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية، والرد على الطوائف الضالة فيه، للدكتور علي العلياني، دار طيبة، الطبعة الأولى 1405 هـ.
128.
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لابن المنذر، تحقيق: صغير أحمد بن محمد حنيف، دار طيبة، الطبعة الأولى 1405 هـ.
129.
الإيجاز في شرح سنن أبي داود، للنووي، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الدار الأثرية-عمان، الطبعة الأولى 1428 هـ.
130.
الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: د. أحمد فرحات، دار المنارة-جدة، الطبعة الأولى 1406 هـ
131.
البتر التناسلي للإناث (ختان الإناث)، د. محمد فياض، دار الشروق، الطبعة الأولى 1419 هـ.
132.
"بحث مختصر في تقرير أن التضحية بغير بهيمة الأنعام لايثبت عن أحد من الصحابة"، لأبي سليمان المحمد، منشور في ملتقى أهل الحديث.
133.
بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، لابن المِبْرَد، تحقيق: الدكتورة روحية السويفي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413 هـ.
134.
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم، وبالحاشية: منحة الخالق لابن عابدين، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية.
135.
البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي، تحقيق: محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ.
136.
البحر المحيط في التفسير، لأبي حيان الأندلسي، المحقق: صدقي محمد جميل، دار الفكر - بيروت، الطبعة 1420 هـ.
137.
…
بحر المذهب، للروياني، المحقق: طارق فتحي السيد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1430 هـ.
138.
بحوث أصولية، ومنها: الفتوى الشاذة، للدكتور وليد الحسين، دار الصميعي، الطبعة الأولى 1438 هـ.
139.
بحوث حديثية في كتاب الحج، لياسر بن محمد فتحي، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1431 هـ.
140.
بحوث في قضايا فقهية معاصرة، لمحمد تقي العثماني، دار القلم، طبعة خاصة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر، 1434 هـ.
141.
بحوث وفتاوى في بعض مسائل الزكاة، لعبدالله المنيع، دار عالم الكتب، الطبعة الأولى 1434 هـ.
142.
بحوث وفتاوى في بعض مسائل الصوم، لعبدالله المنيع، دار عالم الكتب، الطبعة الأولى 1435 هـ.
143.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد القرطبي [الحفيد]، دار الحديث، 1425 هـ.
144.
البداية والنهاية، لابن كثير، تحقيق: عبد الله التركي، دار هجر، الطبعة الأولى 1418 هـ.
145.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1406 هـ.
146.
بدائع الفوائد، لابن قيم الجوزية، دار الكتاب العربي- بيروت.
147.
البدر التمام شرح بلوغ المرام، للمغربي، المحقق: علي بن عبد الله الزبن، دار هجر، الطبعة الأولى 1414 - 1428 هـ.
148.
البدر المنير، لابن الملقن، المحقق: مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان و ياسر بن كمال، دار الهجرة-الرياض، الطبعة الاولى 1425 هـ.
149.
بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن، لأبي إسحاق الحويني، مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى 1410 هـ.
150.
بذل المجهود في حل أبي داود، للسهارنفوري، دار الكتب العلمية.
151.
البرهان في أصول الفقه، للجويني، أبو المعالي، المحقق: صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.
152.
البرهان في علوم القرآن، للزركشي، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1376 هـ.
153.
البلدان، لابن الفقيه، المحقق: يوسف الهادي، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1416 هـ.
154.
بلغة السالك لأقرب المسالك [حاشية الصاوي على الشرح الصغير]، للصاوي المالكي، دار المعارف.
155.
بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: سمير بن أمين الزهري، دار الفلق، الطبعة السابعة 1424 هـ.
156.
بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لابن حجر، المحقق: الدكتور ماهر الفحل، دار القبس، الطبعة الأولى 1435 هـ.
157.
البناية شرح الهداية، للعيني، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1420 هـ.
158.
…
البيان القويم لتصحيح بعض المفاهيم، لعلي جمعة، دار السندس، 1427 هـ.
159.
بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، لابن القطان، المحقق: د. الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الطبعة الأولى 1418 هـ.
160.
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، لابن تيمية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الأولى 1426 هـ.
161.
البيان في مذهب الإمام الشافعي، للعمراني، المحقق: قاسم محمد النوري، دار المنهاج - جدة، الطبعة الأولى 1421 هـ.
162.
بيان معنى المحاذاة بالصور والخرائط وعلاقته بمسألة الإحرام من جدة، للدكتور عامر بهجت، منشور في ملتقى أهل الحديث والملتقى الفقهي.
163.
البيان والتحصيل، لابن رشد القرطبي [الجد]، حققه: د محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثانية، 1408 هـ.
164.
تاج التراجم، لابن قُطلُوبغا، المحقق: محمد خير رمضان يوسف، دار القلم- دمشق، الطبعة الأولى 1413 هـ.
165.
تاج العروس من جواهر القاموس، للزَّبيدي، المحقق: مجموعة من المحققين، دار الهداية.
166.
التاج والإكليل لمختصر خليل، للمواق، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1416 هـ.
167.
تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث، المحقق: صلاح بن فتحي هلال، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1427 هـ.
168.
تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير والأعلام، للذهبي، المحقق: د. بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1424 هـ.
169.
التاريخ الأوسط، للإمام البخاري، المحقق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، مكتبة دار التراث، الطبعة الأولى 1397 هـ.
170.
تاريخ الثقات، للعجلى، دار الباز، الطبعة الأولى 1405 هـ.
171.
تاريخ الطبري [تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي]، دار التراث - بيروت، الطبعة الثانية 1387 هـ.
172.
تاريخ الفقه الإسلامي، للدكتور عمر الأشقر، دار النفائس ومكتبة الفلاح، الطبعة الثالثة 1413 هـ.
173.
التاريخ الكبير، للإمام البخاري، أشرف عليه: محمد عبد المعيد خان، دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد، وملحق معه كتاب الكنى للبخاري.
174.
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ.
175.
تاريخ دمشق، لابن عساكر، المحقق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر، 1415 هـ.
176.
تاريخ واسط، لبَحْشَل، تحقيق: كوركيس عواد، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1406 هـ.
177.
التبشير والاستعمار في البلاد العربية، للدكتورين مصطفى خالدي و عمر فروخ، الطبعة الخامسة 1393 هـ.
178.
التبصرة في أصول الفقه، للشيرازي، المحقق: د. محمد حسن هيتو، دار الفكر - دمشق، الطبعة الأولى 1403 هـ.
179.
التبصرة، للخمي، تحقيق: الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، الطبعة الأولى 1432 هـ.
180.
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق مع حاشية الشِّلْبِيِّ، للزيلعي، المطبعة الكبرى الأميرية، الطبعة الأولى، 1313 هـ.
181.
تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، لابن عساكر، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثالثة 1404 هـ.
182.
تثقيف اللسان وتلقيح الجنان، للصقلي، اعتنى به: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1410 هـ.
183.
التجريد، للقدوري، تحقيق: مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية، د. محمد أحمد سراج، د. علي جمعة، دار السلام، الطبعة الثانية 1427 هـ.
184.
التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، للمرداوي، المحقق: د. عبد الرحمن الجبرين ود. عوض القرني ود. أحمد السراح، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1421 هـ.
185.
التحبير لإيضاح معاني التيسير، للأمير الصنعاني، حققه: محمد صبحي حلاق، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1433 هـ.
186.
تحذير النبلاء من مخالفة الإجماع والقول بطهارة الدماء، لأحمد بن عبد السلام السكندري، منشور في شبكة مشكاة الإسلامية 1432 هـ.
187.
التحذير من التوارد على قول دون الرجوع إلى مصادره، لمحمد عوامة، دار المنهاج، الطبعة الأولى 1438 هـ.
188.
…
تحرير ألفاظ التنبيه، للنووي، المحقق: عبد الغني الدقر، دار القلم - دمشق، الطبعة الأولى 1408 هـ.
189.
تحرير تقريب التهذيب، للدكتور بشار عواد وشعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1417 هـ.
190.
التحرير والتنوير، لابن عاشور، الدار التونسية للنشر، 1404 هـ.
191.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للمباركفوري، دار الكتب العلمية-بيروت.
192.
تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام، لابن باز، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الثانية 1423 هـ.
193.
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للمزي، مع النكت الظراف على الأطراف، لابن حجر، تحقيق: زهير الشاويش و عبدالصمد شرف الدين، المكتب الإسلامي بلبنان والدار القيمة بالهند، الطبعة الثانية 1403 هـ.
194.
تحفة الفقهاء، للسمرقندي، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الثانية 1414 هـ.
195.
تحفة المودود بأحكام المولود، لابن القيم، المحقق: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة دار البيان - دمشق، الطبعة الأولى 1391 هـ.
196.
التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة، لابن باز، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الثانية والعشرون 1425 هـ.
197.
التحقيق، للنووي، تحقيق: عادل عبدالموجود و علي معوّض، دار الجيل، الطبعة الأولى 1413 هـ.
198.
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للسيوطي، حققه: نظر محمد الفاريابي، دار طيبة.
199.
تذكرة الحفاظ، للذهبي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
200.
التذييل على كتاب تهذيب التهذيب، لمحمد طلعت، أضواء السلف، الطبعة الأولى 1425 هـ.
201.
التراويح أكثر من ألف عام في مسجد النبي عليه السلام، لعطية سالم، مطبعة المدني، الطبعة الأولى 1391 هـ.
202.
الترجل من كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد، تحقيق: د. عبدالله بن محمد المطلق، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1416 هـ.
203.
الترغيب والترهيب، للمنذري، المحقق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ.
204.
التسعينية، لابن تيمية، تحقيق: الدكتور محمد العجلان، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1420 هـ.
205.
التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي-رسالة ماجستير، لجميل بن حبيب اللويحق، جامعة أم القرى 1417 هـ.
206.
…
تشنيف المسامع بجمع الجوامع، للزركشي، دراسة وتحقيق: د. سيد عبد العزيز و د. عبد الله ربيع، مكتبة قرطبة، المكتبة المكية، الطبعة الأولى 1418 هـ.
207.
تصحيح حديث صلاة التراويح عشرين ركعة، ومعه إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء، لإسماعيل الانصاري، مكتبة الإمام الشافعي-الرياض، الطبعة الثالثة 1403 هـ.
208.
التعالم، لبكر أبوزيد، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية 1438 هـ.
209.
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، لا بن حجر العسقلاني، المحقق: د. إكرام الله إمداد الحق، دار البشائر، الطبعة الأولى 1417 هـ.
210.
التعديل والتجريح، لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، للباجي، المحقق: د. أبو لبابة حسين، دار اللواء-الرياض، الطبعة الأولى 1406 هـ.
211.
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، لابن حجر العسقلاني، المحقق: د. عاصم بن عبدالله القريوتي، مكتبة المنار- عمان، الطبعة الأولى 1403 هـ.
212.
التعريفات الفقهية، للمجددي البركتي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1424 هـ.
213.
التعريفات، للجرجاني، دار الكتب العلمية - لبنان، الطبعة الأولى 1403 هـ.
214.
تعظيم قدر الصلاة، لمحمد بن نصر المروزي، المحقق: د. عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة الدار، الطبعة الأولى 1406 هـ.
215.
التعليق على صحيح مسلم، لابن عثيمين، طبع بإشراف مؤسسة الشيخ الخيرية، الطبعة الأولى.
216.
التعليقة الكبيرة في مسائل الخلاف علي مذهب أحمد، للفرَّاء، المحقق: لجنة بإشراف نور الدين طالب، دار النوادر، الطبعة الأولى 1431 هـ.
217.
التعليقة للقاضي حسين (على مختصر المزني)، المحقق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة.
218.
تغليق التعليق على صحيح البخاري، لا بن حجر العسقلاني، المحقق: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، المكتب الإسلامي، دار عمار، الطبعة الأولى 1405 هـ.
219.
التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس، لابن الجَلَّاب، المحقق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1428 هـ.
220.
تفسير الألوسي (روح المعاني)، للألوسي، تحقيق: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
221.
التفسير البسيط، للواحدي، عمادة البحث العلمي- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى 1430 هـ.
222.
تفسير البغوي [معالم التنزيل]، المحقق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي -بيروت، الطبعة الأولى 1420 هـ.
223.
تفسير الجلالين، جلال الدين المحلي، وجلال الدين السيوطي، دار الحديث-القاهرة، الطبعة الأولى.
224.
تفسير الخازن [لباب التأويل في معاني التنزيل]، للخازن، اعتنى به: محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ.
225.
تفسير الرازي [مفاتيح الغيب]، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثالثة 1420 هـ.
226.
تفسير السعدي، المحقق: عبد الرحمن اللويحق، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى 1420 هـ.
227.
تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، لابن جرير، تحقيق: د. عبد الله التركي وغيره، دار هجر، الطبعة الأولى 1422 هـ.
228.
تفسير الفاتحة والبقرة، لابن عثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1423 هـ.
229.
تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، لمحمد رشيد رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1410 هـ.
230.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، المحقق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، الطبعة الثانية 1420 هـ.
231.
تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، لأبي عبدالله القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية 1384 هـ.
232.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، لمحمد سيد طنطاوي، دار نهضة مصر- القاهرة، الطبعة الأولى 1417 - 1418 هـ.
233.
تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، المحقق: محمد عوامة، دار الرشيد - سوريا، الطبعة الأولى 1406 هـ.
234.
تكملة معجم المؤلفين، لمحمد خير بن رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1418 هـ.
235.
التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية، للصغاني، حققه وراجعه: عبدالعليم الطحاوي وجماعة، مطبعة دار الكتب 1390 - 1399 هـ.
236.
التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل، لصالح آل الشيخ، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1417 هـ.
237.
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
238.
التلخيص في أصول الفقه، للجويني، المحقق: عبد الله جولم النبالي وبشير أحمد العمري، دار البشائر الإسلامية - بيروت.
239.
التلخيص في معرفة أسماء الأشياء، لأبي هلال العسكري، تحقيق: د. عزة حسن، دار طلاس - دمشق، الطبعة الثانية 1417 هـ.
240.
تمام المنة في التعليق على فقه السنة، للألباني، دار الراية، الطبعة الخامسة.
241.
التمهيد في أصول الفقه، للكلوذاني، المحقق: مفيد أبو عمشة، ومحمد بن علي، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي - جامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1406 هـ.
242.
التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، للإسنوي، المحقق: د. محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1400 هـ.
243.
التمهيد، لابن عبد البر، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب، 1387 هـ.
244.
التمييز، للإمام مسلم بن الحجاج، المحقق: د. محمد مصطفى الأعظمي، مكتبة الكوثر- السعودية، الطبعة الثالثة 1410 هـ.
245.
تنبيه الهاجد إلى ماوقع من النظر في كتب الأماجد، لأبي إسحاق الحويني، المحجة.
246.
تنبيه الوسنان على أن العيد خطبتان، للدكتور: صبري عبدالمجيد، دار الهدى.
247.
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، لابن عبد الهادي، تحقيق: سامي بن محمد
بن جاد الله، وعبد العزيز بن ناصر الخباني، أضواء السلف، الطبعة الأولى 1428 هـ.
248.
تنوير العينين بأحكام الأضاحي والعيدين، لأبي الحسن مصطفى السليماني، مكتبة الفرقان-عجمان، الطبعة الأولى 1421 هـ.
249.
التنوير شرح الجامع الصغير، للأمير الصنعاني، المحقق: د. محمد إسحاق، مكتبة دار السلام، الطبعة الأولى 1432 هـ.
250.
تهذيب الآثار [تتمة لمسند عبدالرحمن بن عوف، ومسند طلحة بن عبيدالله، ومسند الزبير بن العوام]، لابن جرير، المحقق: علي رضا بن عبد الله بن علي رضا، دار المأمون للتراث-دمشق، الطبعة الأولى 1416 هـ.
251.
تهذيب الآثار، لا بن جرير-مسند ابن عباس-، المحقق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني.
252.
تهذيب الأسماء واللغات، للنووي، اعتنى به: شركة العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية، دار الكتب العلمية - بيروت.
253.
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، مطبعة دائرة المعارف النظامية - الهند -، الطبعة الأولى، 1326 هـ.
254.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي، المحقق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ.
255.
تهذيب اللغة، للأزهري الهروي، المحقق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ.
256.
توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للبسام، مكتَبة الأسدي-مكة، الطبعة الخامسة 1423 هـ.
257.
توضيح المشتبه، لابن ناصر الدين، المحقق: محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1413 هـ.
258.
التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب، لخليل، المحقق: د. أحمد بن عبد الكريم، مركز نجيبويه، الطبعة الأولى 1429 هـ.
259.
التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لابن الملقن، المحقق: دار الفلاح، دار النوادر - سوريا، الطبعة الأولى 1429 هـ.
260.
التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1410 هـ.
261.
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، لعبدالله البسام، حققه وخرّج أحاديثه: محمد صبحي بن حسن حلاق، مكتبة الصحابة، مكتبة التابعين، الطبعة العاشرة 1426 هـ.
262.
التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي، مكتبة الإمام الشافعي، الطبعة الثالثة 1408 هـ.
263.
تيسير علم أصول الفقه، لعبدالله الجديع، مؤسسة الريان، الطبعة الأولى 1418 هـ.
264.
ثبوت الأهلة في الشريعة الإسلامية، لنهاد صالح طوسون، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في جامعة أم القرى، 1408 هـ-1409 هـ.
265.
الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، لابن قُطْلُوْبَغَا، دراسة وتحقيق: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، مركز النعمان للبحوث والدراسات-اليمن، الطبعة الأولى 1432 هـ.
266.
الثقات، لابن حبان، اعتنى به: د. محمد عبد المعيد خان، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد -الهند، الطبعة الأولى 1393 هـ.
267.
الثلاثونات في القضايا الفقهية المعاصرة، للدكتور سعدالدين الهلالي، مكتبة وهبة، الطبعة الأولى 1431 هـ.
268.
الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لصالح الأزهري، المكتبة الثقافية.
269.
الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، للألباني، غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1422 هـ.
270.
جامع الأمهات، لابن الحاجب، المحقق: الأخضر الأخضري، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1421 هـ.
271.
جامع التحصيل في أحكام المراسيل، للعلائي، المحقق: حمدي عبد المجيد السلفي، عالم الكتب - بيروت، الطبعة الثانية 1407 هـ.
272.
جامع الترمذي، لمحمد بن عيسى الترمذي، تحقيق وتعليق: أحمد شاكر المجلد 1 و 2، ومحمد فؤاد عبد الباقي المجلد 3، و إبراهيم عطوة عوض المجلد 4 و 5، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي، الطبعة الثانية 1395 هـ.
273.
جامع العلوم والحكم، لابن رجب، تحقيق: الدكتور محمد الأحمدي أبو
النور، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1424 هـ.
274.
جامع العلوم والحكم، لابن رجب، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - إبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة 1422 هـ.
275.
جامع المسائل لابن تيمية، تحقيق: محمد عزير شمس، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى 1422 هـ.
276.
الجامع المسند الصحيح [صحيح البخاري]، للإمام البخاري، المحقق: محمد زهير الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى 1422 هـ.
277.
جامع بيان العلم وفضله، لابن عبدالبر، المحقق: أبو الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1414 هـ.
278.
الجامع في العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل، رواية: المروذي وغيره، المحقق: صبحي البدري السامرائي، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1409 هـ.
279.
الجامع لأحكام الصيام، للدكتور خالد المشيقح، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1437 هـ.
280.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي، المحقق: د. محمود الطحان، مكتبة المعارف - الرياض.
281.
الجامع لبيان النجاسات وأحكامها، د. عبدالرحيم الهاشم-رسالة ماجستير، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1434 هـ.
282.
الجامع لعلوم الإمام أحمد، تأليف: خالد الربَّاط وسيد عزت عيد، دار الفلاح، الطبعة الأولى 1430 هـ.
283.
الجامع لمسائل المدونة، للصقلي، المحقق: مجموعة باحثين في رسائل دكتوراه، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، دار الفكر، الطبعة الأولى 1434 هـ.
284.
جراحات الذكورة والأنوثة في ضوء الطب والفقه الإسلامي، لمحمد شافعي مفتاح بوشيه، دار الفلاح-مصر.
285.
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، مجلس دائرة المعارف العثمانية -حيدر آباد، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى [1271 هـ].
286.
جزء القراءة خلف الإمام، للإمام البخاري، حققه: فضل الرحمن الثوري، راجعه: الأستاذ محمد عطا الله خليف، المكتبة السلفية، الطبعة الأولى، 1400 هـ.
287.
جزء سعدان، لسعدان بن نصر، المحقق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة الأولى 1420 هـ.
288.
جزءٌ فيه شروط النصارى وبذيله أحاديث لأبي محمد عبد الوهاب بن أحمد الكلابي، لابن زبر الربعي، المحقق: أنس العقيل، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1427 هـ.
289.
جلاء الأفهام، لابن القيم، المحقق: شعيب الأرناؤوط و عبد القادر الأرناؤوط، دار العروبة - الكويت، الطبعة الثانية 1407 هـ.
290.
جلباب المرأة المسلمة، للألباني، دار السلام، الطبعة الثالثة 1423 هـ.
291.
جمال القراء وكمال الإقراء، للسخاوي، تحقيق: د. مروان العطيّة ود. محسن خرابة، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1418 هـ.
292.
الجمع بين الصلاتين"رسالة ماجستير"، للدكتور عبدالله التميمي، مكتبة الرشد، الطبعة الثانية 1433 هـ.
293.
جمل من أنساب الأشراف، للبلاذري، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، دار الفكر، الطبعة الأولى 1417 هـ.
294.
جمهرة اللغة، لابن دريد، المحقق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين-بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ.
295.
الجهاد والقتال في السياسة الشرعية "رسالة دكتوراه"، للدكتور محمد خير هيكل، الطبعة الثانية 1417 هـ.
296.
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لابن تيمية، تحقيق: علي بن حسن وعبد العزيز بن إبراهيم وحمدان بن محمد، دار العاصمة، الطبعة الثانية 1419 هـ.
297.
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء)، لابن القيم، دار المعرفة، الطبعة الأولى 1418 هـ.
298.
الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لمحيي الدين الحنفي، الناشر: مير محمد كتب خانه - كراتشي.
299.
الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، للسخاوي، المحقق: إبراهيم باجس، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1419 هـ.
300.
الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد، لابن المِبْرَد، حققه:
الدكتور عبد الرحمن العثيمين، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1421 هـ.
301.
الجوهر النقي على سنن البيهقي، لابن التركماني، دار الفكر.
302.
الجوهرة النيرة على مختصر القدوري، للزبيدي، المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى 1322 هـ.
303.
حاشية أحمد بن نصر الله على الفروع لابن مفلح -من أول كتاب المناسك إلى نهاية باب عشرة النساء-، دراسة وتحقيق: حسين بن حميد، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى 1424 هـ.
304.
حاشية البجيرمي على الخطيب [تحفة الحبيب على شرح الخطيب]، لسليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرمِيّ، دار الفكر، 1415 هـ.
305.
حاشية الجمل على تفسير الجلالين (الفتوحات الإلهية)، لعبد الرحمن الجمل، المطبعة العامرة الشرقية، الطبعة الأولى 1303 هـ.
306.
حاشية الجمل (فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب)، لسليمان العجيلي المعروف بالجمل، دار الفكر.
307.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، للدسوقي المالكي، دار الفكر.
308.
حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل، وبهامشة حاشية محمد بن المدني كنون، المطبعة الأميرية ببولاق، الطبعة الأولى 1306 هـ.
309.
حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع، لعبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى 1397 هـ.
310.
حاشية السندي على سنن ابن ماجه، للسندي، دار الجيل - بيروت.
311.
حاشية السندي على سنن النسائي، لمحمد بن عبد الهادي السندي، مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب، الطبعة الثانية 1406 هـ.
312.
حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، المحقق: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.
313.
…
حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، المحقق: يوسف البقاعي، دار الفكر، 1414 هـ.
314.
حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي لمنهاج الطالبين، دار الفكر - بيروت، 1415 هـ.
315.
الحاوي الكبير، للماوردي، المحقق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
316.
الحاوي للفتاوي، للسيوطي، دار الفكر، 1424 هـ.
317.
حتى لايقع الحرج، للدكتور إبراهيم الصبيحي، الطبعة الأولى 1428 هـ.
318.
حجاب المرأة ولباسها في الصلاة، لابن تيمية، المحقق: الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة السادسة 1405 هـ.
320.
حجة الوداع، لابن حزم، المحقق: أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
321.
…
الحجة على أهل المدينة، لمحمد بن الحسن، المحقق: مهدي الكيلاني، عالم الكتب، الطبعة الثالثة 1403 هـ.
322.
حراسة الفضيلة، د. بكر أبوزيد، دار العاصمة، الطبعة الثانية 1421 هـ.
323.
الحرز الثمين للحصن الحصين، لعلي القاري، تحقيق: الدكتور محمد إسحاق، الطبعة الأولى 1434 هـ.
324.
حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، للسيوطي، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه-مصر، الطبعة الأولى 1387 هـ.
325.
حكم بناء الكنائس والمعابد في بلاد المسلمين، لإسماعيل الأنصاري، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الثالثة 1426 هـ.
326.
حكم صوم يوم السبت في غير الفريضة، للدكتور سعد الحميد، دار التوحيد، الطبعة الأولى 1426 هـ.
327.
حكم قتل المدنيين في الفقه الإسلامي، لعبدالفتاح اليافعي، مركز عبادي، الطبعة الأولى 1433 هـ.
328.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم، السعادة، 1394 هـ.
329.
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، لأبي بكر الشاشي القفال، د. ياسين أحمد إبراهيم درادكة، مؤسسة الرسالة، دار الأرقم، الطبعة الأولى 1400 هـ.
330.
الحوادث والبدع، لأبي بكر الطرطوشي، المحقق: علي الحلبي، دار ابن الجوزي، الطبعة الثالثة 1419 هـ.
331.
حوار هادئ مع محمد الغزالي، د. سلمان العودة، الطبعة الأولى 1409 هـ.
332.
حواشي الشرواني والعبادي على تحفة المحتاج للهيتمي، روجعت: على عدة نسخ بمعرفة لجنة من العلماء، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، الطبعة الأولى 1357 هـ.
333.
حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)، إسماعيل الأنصاري، عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثانية 1420 هـ.
334.
ختان الإناث بين المشروعية والحظر، د. أحمد علي موافي، الحولية -مركز البحوث والدراسات الإسلامية-، الطبعة الأولى 1429 هـ.
335.
ختان الذكور والإناث، د. سامي عوض الذيب، نشر مركز القانون العربي والإسلامي 1433 هـ.
336.
الختان .. رأي الدين والعلم في ختان الأولاد والبنات، أبوبكر عبدالرزاق، دار الاعتصام-القاهرة، الطبعة الأولى.
337.
خطبة التحذير من الفتوى بغير علم، لابن عثيمين، منشورة في الشبكة
338.
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، لمحمد أمين الحموي، دار صادر.
339.
خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، للنووي، المحقق: حسين إسماعيل الجمل، مؤسسة الرسالة، الطبعة الاولى 1418 هـ.
340.
خلاصة البدر المُنير، لابن الملقن، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1410 هـ.
341.
خلاصة الرد على القرضاوي والجديع، الأثرية للتراث-العراق، الطبعة الأولى 1431 هـ.
342.
الخلافيات -كتاب الطهارة-، للبيهقي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، دار الصميعي، الطبعة الأولى 1414 هـ.
343.
الخلافيات، للبيهقي، تحقيق: فريق البحث العلمي بشركة الروضة، الروضة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1436 هـ.
344.
دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي، لفهد بن علي الحسون، منشور في الشبكة العنكبوتية.
345.
الدر الثمين في أسماء المصنفين، لابن السَّاعي، تحقيق وتعليق: أحمد شوقي بنبين ومحمد سعيد حنشي، دار الغرب الاسلامي، الطبعة الأولى 1430 هـ.
346.
الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، للحصكفي، المحقق:
عبد المنعم خليل إبراهيم، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1423 هـ.
347.
الدر المنثور، للسيوطي، دار الفكر - بيروت.
348.
الدراري المضية شرح الدرر البهية، للشوكاني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1407 هـ.
349.
دراسات في علوم القرآن الكريم، للدكتور فهد الرومي، الطبعة الثانية عشرة 1424 هـ.
350.
دراسة حديثية لحديث أم سلمة في الحج، لمحمد الكثيري، دار المحدث، الطبعة الأولى 1423 هـ.
351.
الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر، المحقق: عبد الله هاشم اليماني، دار المعرفة.
352.
درة الغواص في أوهام الخواص، للحريري، المحقق: عرفات مطرجي، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى 1418 هـ.
353.
درر الحكام شرح غرر الأحكام، للملا خسرو، دار إحياء الكتب العربية
354.
الدرر السنية في الأجوبة النجدية، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة السادسة 1417 هـ.
355.
درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، للمقريزي، تحقيق: د. محمود الجليلي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1423 هـ.
356.
الدرر المبتكرات شرح أخصر المختصرات، لابن جبرين، إعداد: محمد أمان الجبرتي.
357.
درهم الصرة في وضع اليدين تحت السرة، مع ترصيع الدرة على درهم الصرة، ومعيار النقّاد في تمييز المغشوش عن الجياد، كلها لمحمد هاشم السندي، ويليه: دُرّة في إظهار غش نقد الصرّة، لمحمد حياة السندي، اعتنى بها: نعيم أشرف نور أحمد، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية-باكستان، الطبعة الأولى 1414 هـ.
358.
الدروس الفقهية من المحاضرات الجامعية، لابن عثيمين، الطبعة الأولى 1438 هـ.
359.
الدعاء، للطبراني، المحقق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413 هـ.
360.
الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة، للدكتور تقي الدين الهلالي، دار الطباعة الحديثة-الدار البيضاء.
361.
دفع الإلباس عن وهم الوسواس، للأقفهسي، تحقيق: محمد فارس و مسعد عبدالحميد السعدني، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ.
362.
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، للشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، مكتبة الخراز، الطبعة الأولى 1417 هـ.
363.
دقائق أولي النهى لشرح المنتهى [شرح منتهى الإرادات]، للبهوتي، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1414 هـ.
364.
دلالة الاقتران ووجه الاحتجاج بها عند الأصوليين، لأبي عاصم الشحات شعبان محمود، راجعه وقدم له: سامي بن العربي الأثري، وحيد بن عبد السلام بالي، دار النشر والتوزيع الإسلامية، الطبعة الأولى 1432 هـ.
365.
دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع، لسليمان بن حمدان، دار الطباعة والنشر- عمان.
366.
…
دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، للبيهقي، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.
367.
دليل الطالب لنيل المطالب، لمرعي الكرمي، المحقق: أبو قتيبة نظر الفاريابي، دار طيبة-الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ.
368.
الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لابن فرحون، تحقيق: د. محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث-القاهرة.
369.
الدين والحياة .. الفتاوى العصرية اليومية، أ. د. علي جمعة، نهضة مصر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 1426 هـ.
370.
ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام، لأبي الأصبغ القرطبي، المحقق: يحيي مراد، دار الحديث، 1428 هـ.
371.
ديوان الضعفاء والمتروكين، للذهبي، تحقيق: حماد الأنصاري، مطبعة النهضة الحديثة، الطبعة الثانية 1387 هـ.
372.
ديوان الفرزدق، اعتنى به: علي فاعور، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ.
373.
ذخائر علماء اليمن، للقاضي عبدالله بن عبدالكريم الجرافي، جمع: محمد بن
عبدالكريم الجرافي، مؤسسة دار الكتاب الحديث، الطبعة الأولى 1410 هـ.
374.
الذخيرة، للقرافي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1422 هـ.
375.
الذكريات، لعلي الطنطاوي، اعتنى به: مجاهد مأمون الديرة، دار المنارة-جدة، الطبعة الخامسة 1427 هـ.
376.
…
ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب، المحقق: د. عبد الرحمن العثيمين، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1425 هـ.
377.
الربا والمعاملات المصرفية، للدكتور عمر المترك، اعتنى به: بكر أبوزيد، الطبعة الثالثة 1418 هـ.
378.
رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، أكاديمية المملكة المغربية، 1417 هـ.
379.
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، للعثماني، اعتنى به: عبدالله بن إبراهيم الأنصاري، 1401 هـ.
380.
الرد العلمي على كتاب تذكير الأصحاب بتحريم النقاب، لمحمد أحمد إسماعيل المقدم، تقديم: صالح آل الشيخ، دار الإيمان - إسكندرية.
381.
رد المحتار على الدر المختار [حاشية ابن عابدين]، لابن عابدين، دار الفكر، الطبعة الثانية 1412 هـ.
382.
الرد على الأخنائي، لابن تيمية، المحقق: الداني بن منير آل زهوي، المكتبة العصرية-بيروت، الطبعة الأولى 1423 هـ.
383.
الرد على الجهمية، للدارمي، المحقق: بدر بن عبد الله البدر، دار ابن الأثير - الكويت، الطبعة الثانية 1416 هـ.
384.
الرد على المفتي " د. علي جمعة"، لعبد الله رمضان موسى، الدار النورانية، الطبعة الأولى 1433 هـ.
386.
الرد على المنطقيين، لابن تيمية، دار المعرفة-لبنان.
387.
الرد على من شدّد وعسّر في جواز الأضحية بما تيسّر، لابن المبرد، تحقيق: إسماعيل بن غازي مرحبا، منشور في مجلة الحكمة، العدد (24).
388.
…
رسالة أبي داود إلى أهل مكة، لأبي داود السجستاني، المحقق: محمد الصباغ، دار العربية.
389.
رسالة التوحيد، لمحمد عبده، طبعها وعلّق عليها: محمد رشيد رضا، كتاب الثقافة الجديدة، الهيئة العامة لقصور الثقافة.
390.
رسالة في أصول الفقه، للعكبري، المحقق: د. موفق بن عبد الله، المكتبة المكية، الطبعة الأولى 1413 هـ.
391.
الرسالة، للإمام الشافعي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية.
392.
رسائل ابن حزم الأندلسي، المحقق: إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت، الطبعة الأولى 1401 هـ.
393.
رسائل المقريزي، دراسة وتحقيق: رمضان البدري وأحمد قاسم، دار الحديث، الطبعة الأولى 1419 هـ.
394.
رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار، للجعبريّ، تحقيق: الدكتور حسن الأهدل، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى 1409 هـ.
395.
رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، لتاج الدين السبكي، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، دار عالم الكتب- لبنان، الطبعة الأولى 1419 هـ.
396.
رفع الشك وإثبات اليقين في نجاسة الدم بإجماع المسلمين، لسعود بن محمد العقيلي، الطبعة الأولى 1421 هـ.
397.
رفقا أهل السنة بأهل السنة، لعبد المحسن العباد، مطبعة سفير، الطبعة الأولى 1424 هـ.
398.
الروح، لابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية - لبنان.
399.
الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، للسهيلي، دار إحياء التراث العربي-بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ.
400.
الروض المربع شرح زاد المستقنع، للبهوتي، ومعه: حاشية للعثيمين وتعليقات للسعدي، خرج أحاديثه: عبد القدوس محمد نذير، دار المؤيد - مؤسسة الرسالة.
401.
روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي- بيروت، الطبعة الثالثة 1412 هـ.
402.
روضة المستبين في شرح كتاب التلقين، لابن بزيزة، المحقق: عبد اللطيف زكاغ، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1431 هـ.
403.
روضة الناظر وجنة المناظر، لابن قدامة المقدسي أبو محمد، تحقيق: د. عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد، نشر: جامعة الإمام محمد بن سعود- الرياض، الطبعة الثانية 1399 هـ.
404.
…
الروضة الندية، لصديق خان، ومعها: التعليقات الرَّضية على الروضة النديّة، للألباني، وتعليقات لأحمد شاكر، اعتنى به: علي الحلبي، دار ابن القيم، دار عفان، الطبعة الأولى 1423 هـ.
405.
رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام، للفاكهاني، تحقيق: نور الدين طالب، دار النوادر، الطبعة الأولى 1431 هـ.
406.
زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، المحقق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1422 هـ.
407.
…
زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، مؤسسة الرسالة-بيروت، مكتبة المنار الإسلامية- الكويت، الطبعة السابعة والعشرون 1415 هـ.
408.
الزاهر في معاني كلمات الناس، لأبي بكر الأنباري، المحقق: د. حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ.
409.
الزهد والرقائق، لابن المبارك، المحقق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية.
410.
الزهد، للإمام أحمد، وضع حواشيه: محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1420 هـ.
411.
زهر الروض في حكم صيام يوم السبت في غير الفرض، لعلي الحلبي، الطبعة الثانية 1420 هـ.
412.
الزواجر عن اقتراف الكبائر، للهيتمي، دار الفكر، الطبعة الأولى 1407 هـ.
413.
زيادة الخشوع بوضع اليدين في القيام بعد الركوع، لبديع الدين السندي، مكتبة السنة-القاهرة، الطبعة الأولى 1423 هـ.
414.
السبحة تاريخها وحكمها، لبكر أبو [زيد]، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1419 هـ.
415.
سبل السلام، للأمير الصنعاني، دار الحديث.
416.
سراج الملوك، للطرطوشي، أوائل المطبوعات العربية - مصر، 1289 هـ.
417.
…
سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني، مكتبة المعارف-الرياض، الطبعة الأولى، من 1415 إلى 1422 هـ.
418.
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، للألباني، دار المعارف- الرياض، الطبعة الأولى 1412 هـ.
419.
سلسلة الهدى والنور، للألباني، الأشرطة الآتية:(259)، (319)، (366)، (380)، (382)، (384)، (499)، (678)، (1006).
420.
سلسلة مباحث في الإجماع والشذوذ، د. فؤاد الهاشمي، منشورة في الملتقى الفقهي على الشبكة.
421.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، لمحمد خليل بن علي الحسيني، دار البشائر الإسلامية، دار ابن حزم، الطبعة الثالثة 1408 هـ.
422.
السنة، لعبدالله بن أحمد بن حنبل، المحقق: د. محمد القحطاني، دار ابن القيم، الطبعة الأولى 1406 هـ.
423.
السنة، للخلّال، المحقق: د. عطية الزهراني، دار الراية، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
424.
السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، لمحمد الغزالي، دار الشروق، الطبعة الرابعة 1989 م.
425.
سنن ابن ماجه، لابن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العلمية.
426.
سنن أبي بكر الأثرم، المحقق: عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1425 هـ.
427.
سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن الأشعث، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت.
428.
سنن الدارقطني، تحقيق: شعيب الارنؤوط وحسن عبد المنعم شلبي وعبد اللطيف حرز الله وأحمد برهوم، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1424 هـ.
429.
سنن الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، دار المغني للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1412 هـ.
430.
السنن الصغير، للبيهقي، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية- كراتشي، الطبعة الأولى 1410 هـ.
431.
السنن الكبرى، للبيهقي، المحقق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية-
بيروت، الطبعة الثالثة 1424 هـ، وهي الأصل، ورجعت في موضع إلى طبعة د. التركي.
432.
السنن الكبرى، للنسائي، حققه: حسن عبد المنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط قدم له: عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1421 هـ.
433.
سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة وتعديلهم، المحقق: د. زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم - المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1414 هـ.
434.
سؤالات الآجري لأبي داود في الجرح والتعديل، المحقق: محمد علي قاسم العمري، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية-المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1403 هـ.
435.
…
سؤالات البرقاني للدارقطني رواية الكرجي عنه، المحقق: عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، كتب خانه جميلي - باكستان، الطبعة الأولى 1404 هـ.
436.
سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني، المحقق: د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1404 هـ.
437.
سؤالات السلمي للدارقطني، تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف د: سعد الحميد و د: خالد الجريسي، الطبعة الأولى 1427 هـ.
438.
…
السياسة الشرعية، لابن تيمية، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى 1418 هـ.
439.
سير أعلام النبلاء، للذهبي، المحقق: شعيب الأرنؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1405 هـ.
440.
سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة، لعمر عبدالجبار، الكتاب العربي السعودي، تهامة، الطبعة الثالثة 1403 هـ.
441.
السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية 1375 هـ.
442.
سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك بن أنس وأصحابه، لابن عبدالحكم، المحقق: أحمد عبيد، عالم الكتب، الطبعة السادسة 1404 هـ.
443.
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، للشوكاني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى.
444.
الشافي في شرح مسند الشافعي، لابن الأثير، المحقق: أحمد بن سليمان وياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1426 هـ.
445.
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد مخلوف، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1424 هـ.
446.
شرح الأربعين النووية، لعطية سالم، دروس صوتية منشورة في صفحة الشيخ على موقع إسلام ويب.
447.
شرح الإلمام بأحاديث الأحكام، لابن دقيق العيد، حققه: محمد خلوف العبد الله، دار النوادر، الطبعة الثانية 1430 هـ.
448.
شرح التلقين، للمازري، المحقق: محمد المختار السّلامي، دار الغرب الإِسلامي، الطبعة الأولى 1429 هـ.
449.
…
شرح الرسالة، لعبد الوهاب البغدادي، اعتنى به: أبو الفضل الدمياطي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1428 هـ.
450.
…
شرح الزُّرقاني على مختصر خليل، اعتنى به: عبد السلام محمد أمين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1422 هـ.
451.
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة، الطبعة الأولى 1424 هـ.
452.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تحقيق: د. عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1413 هـ.
453.
شرح السنة، للبغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط-محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403 هـ.
454.
شرح العمدة في الفقه (من أول كتاب الصلاة إلى آخر باب آداب المشي إلى الصلاة)، لابن تيمية، المحقق: خالد بن علي المشيقح، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1418 هـ.
455.
شرح العمدة في الفقه- كتاب الصيام، لابن تيمية، المحقق: زائد بن أحمد النشيري، دار الأنصاري، الطبعة الأولى 1417 هـ.
456.
شرح العمدة في الفقه-كتاب الطهارة، لابن تيمية، المحقق: د. سعود بن صالح العطيشان، مكتبة العبيكان-الرياض، الطبعة الأولى 1412 هـ.
457.
شرح العمدة في الفقه-كتاب المناسك، لابن تيمية، المحقق: د. صالح بن
محمد الحسن، مكتبة الحرمين-الرياض، الطبعة الأولى 1409 هـ، ورجعت كذلك إلى شرح العمدة من طبعة عالم الفوائد.
458.
شرح القواعد الفقهية، لأحمد الزرقا، صححه وعلق عليه: مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، الطبعة الثانية 1409 هـ.
459.
الشرح الكبير على متن المقنع، لعبد الرحمن بن قدامة، دار الكتاب العربي، أشرف على طباعته: محمد رشيد رضا.
460.
شرح اللمع، لأبي إسحاق الشيرازي، تحقيق: عبدالمجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1408 هـ.
461.
شرح المقدمة الحضرمية (بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم)، لسعيد باعشن، دار المنهاج-جدة، الطبعة الأولى 1425 هـ.
462.
الشرح الممتع، لابن عثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1422 هـ.
463.
شرح تنقيح الفصول، للقرافي، المحقق: طه عبد الرؤوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة الأولى 1393 هـ.
464.
شرح زاد المستقنع (كتاب الطهارة)، لمحمد بن محمد المختار الشنقيطي، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الأولى 1428 هـ.
465.
شرح سنن ابن ماجه، لمغلطاي، المحقق: كامل عويضة، مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة الأولى 1419 هـ، وهي الأصل، وقد أرجع لتحقيق: أحمد بن أبي العينين، مكتبة ابن عباس.
466.
شرح سنن أبي داود، للعيني، المحقق: أبو المنذر خالد بن إبراهيم المصري، مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ.
467.
…
شرح سنن النسائي (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى)، لمحمد بن علي الإثيوبي، دار المعراج] جـ 1 - 5 [، دار آل بروم] جـ 6 - 40 [، الطبعةالأولى، 1416 - 1424 هـ.
468.
شرح صحيح البخاري، لابن بطال، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الطبعة الثانية 1423 هـ.
469.
شرح صحيح مسلم [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج]، للنووي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثانية 1392 هـ.
470.
شرح علل الترمذي، لابن رجب، المحقق: د. همام عبد الرحيم سعيد، مكتبة المنار-الزرقاء، الطبعة الأولى 1407 هـ.
471.
شرح عمدة الأحكام، من إملاءات الشيخ السعدي، قيده عنه: عبدالله العوهلي، واعتنى به: أنس العقيل، دار التوحيد، الطبعة الأولى 1431 هـ.
472.
شرح عمدة الفقه، للدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين، مكتبة الرشد، الطبعة الثانية 1429 هـ.
473.
شرح غريب ألفاظ المدونة، للجبي، المحقق: محمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي - لبنان الطبعةالثانية 1425 هـ.
474.
شرح كتاب المناسك من زاد المستقنع، لحمد الحمد، مكتبة دار المنهاج، الطبعة الأولى 1429 هـ.
475.
شرح مختصر الروضة، للطوفي الصرصري، المحقق: عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1407 هـ.
476.
شرح مختصر الطحاوي، للجصاص، المحقق: د. عصمت الله عنايت الله محمد و جماعة، دار البشائر الإسلامية، دار السراج، الطبعة الأولى 1431 هـ.
477.
شرح مختصر خليل للخرشي ومعه حاشية العدوي، لمحمد بن عبد الله الخرشي، دار الفكر للطباعة - بيروت.
478.
شرح مشكاة المصابيح (الكاشف عن حقائق السنن)، للطيبي، المحقق: د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز الطبعة الأولى 1417 هـ.
479.
شرح مشكل الآثار، للطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1415 هـ.
480.
شرح معاني الآثار، للطحاوي، حققه: محمد زهري النجار و محمد سيد جاد الحق، راجعه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: د يوسف المرعشلي، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1414 هـ.
481.
الشريعة، للآجُرِّي، المحقق: د. عبد الله الدميجي، دار الوطن، الطبعة الثانية 1420 هـ.
482.
شريعة الإسلام خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، للقرضاوي، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1393 هـ. د
483.
شعار أصحاب الحديث، لأبي أحمد الحاكم، المحقق: صبحي السامرائي، دار الخلفاء-الكويت.
484.
شعب الإيمان، للبيهقي، تحقيق: د. عبد العلي عبد الحميد، إشراف مختار
الندوي، مكتبة الرشد بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي، الطبعة الأولى 1423 هـ.
485.
الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ومعه حاشية الشمني، للقاضي عياض، دار الفكر، 1409 هـ.
486.
شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، للفاسي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421 هـ.
487.
الصارم المسلول على شاتم الرسول، لابن تيمية، المحقق: محمد محي الدين عبد الحميد، 1403 هـ.
488.
الصارم المنكي في الرد على السبكي، لابن عبدالهادي، تحقيق: عقيل بن محمد المقطري، قدم له: مقبل بن هادي الوادعي، مؤسسة الريان، الطبعة الأولى 1424 هـ.
489.
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري الفارابي، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة الرابعة 1407 هـ.
490.
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، المحقق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة-بيروت، الطبعة الثانية 1414 هـ.
491.
صحيح ابن خزيمة، المحقق: د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي - بيروت.
492.
صحيح أبي داود، للألباني، مؤسسة غراس- الكويت، الطبعة الأولى 1423 هـ.
493.
صحيح الترغيب والترهيب، للألباني، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1421 هـ.
494.
صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، للألباني، دار الصميعي، الطبعة الأولى 1422 هـ.
495.
صحيفة اليوم السابع الإلكترونية.
496.
صحيفة مصرس الإلكترونية.
497.
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني، دراسة وتحقيق د. سامي الخليل-رسالة ماجستير، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1436 هـ.
498.
…
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، للألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
499.
صفحات الشيخ أبي عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي (موقع الشيخ الإلكتروني).
500.
الصفحة الرسمية للأزهر، في موقع الفيسبوك.
501.
الصفدية، لابن تيمية، المحقق: محمد رشاد سالم، مكتبة ابن تيمية- مصر، الطبعة الثانية 1406 هـ.
502.
…
صلاة التراويح، للألباني، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1421 هـ.
503.
صلاة المؤمن، للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مركز الدعوة والإرشاد-القصب، الطبعة الرابعة 1431 هـ.
504.
الصلاة وأحكام تاركها، لابن القيم، مكتبة الثقافة بالمدينة المنورة.
505.
الصوارم الأسنة في الذب عن السنة، لابن أبي مدين الشنقيطي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1407 هـ.
506.
الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، المحقق: علي بن محمد الدخيل الله، دار العاصمة-الرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ.
507.
الصيام ومفطراته الطبية، للدكتور إبراهيم الصبيحي، الطبعة الأولى 1434 هـ.
508.
صيانة صحيح مسلم، لابن الصلاح، المحقق: موفق عبدالله عبدالقادر، دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثانية 1408 هـ.
509.
الضعفاء الكبير، للعقيلي، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار المكتبة العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ، ورجعت كذلك إلى طبعة دار التأصيل.
510.
الضعفاء والمتروكون، لابن الجوزي، المحقق: عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1406 هـ.
511.
الضعفاء والمتروكون، للنسائي، المحقق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي-حلب، الطبعة الأولى 1396 هـ.
512.
الضعفاء، للإمام البخاري، المحقق: أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين، مكتبة ابن عباس، الطبعة الأولى 1426 هـ.
513.
الضعفاء، للبخاري، المحقق: أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين، مكتبة ابن عباس، الطبعة الأولى 1426 هـ.
514.
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي، دار مكتبة الحياة - بيروت.
515.
ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار للحسن الجلال، ومعه منحة الغفار حاشية ضوء النهار للصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حلّاق، مكتبة الجيل الجديد-صنعاء، الطبعة الأولى 1429 هـ.
516.
طبقات الحفاظ، للسيوطي، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ.
517.
طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى، المحقق: محمد حامد [الفقي]، دار المعرفة - بيروت.
518.
طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي، المحقق: د. محمود محمد الطناحي و د. عبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر، الطبعة الثانية 1413 هـ.
519.
…
طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة، المحقق: د. الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب - بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ.
520.
طبقات الشافعيين، لابن كثير، تحقيق: د أحمد عمر هاشم ود محمد زينهم محمد عزب، مكتبة الثقافة الدينية، 1413 هـ.
521.
طبقات الفقهاء، للشيرازي، هذبه: محمد بن مكرم بن منظور، المحقق: إحسان عباس، دار الرائد العربي-بيروت، الطبعة الأولى 1390 هـ.
522.
الطبقات الكبرى، لابن سعد، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ.
523.
طرح التثريب في شرح التقريب، لأبي الفضل العراقي، وابنه أبي زرعة، الطبعة المصرية القديمة التي صورتها دار إحياء التراث العربي.
524.
طلبة الطلبة، للنسفي، المطبعة العامرة، مكتبة المثنى ببغداد، الطبعة الأولى 1311 هـ.
525.
عارضة الأحوذي، لابن العربي، دار الكتب العلمية، يطلب من دار الباز للطباعة والنشر.
526.
عجائب الآثار في التراجم والأخبار، للجبرتي، دار الجيل.
527.
العدة شرح العمدة، لبهاء الدين المقدسي، دار الحديث، 1424 هـ.
528.
العدة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى، تحقيق: د. أحمد بن علي بن سير المباركي، الطبعة الثانية 1410 هـ.
529.
العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام، للعطار، اعتنى به: نظام محمد صالح يعقوبي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1427 هـ.
530.
العدة، حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام لابن دقيق، المكتبة السلفية، الطبعة الأولى 1379 هـ.
531.
عدد ركعات قيام الليل، لمصطفى العدوي، دار ماجد عسيري، الطبعة الأولى 1420 هـ.
532.
عدد صلاة التراويح، للدكتور إبراهيم الصبيحي، طبع بإذن من رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى 1409 هـ.
533.
العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، لمحمد الأمين الشنيقطي، المحقق: خالد السبت، دار عالم الفوائد، الطبعة الثانية 1426 هـ.
534.
العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير، للرافعي، تحقيق: علي محمد عوض - عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1417 هـ.
535.
العقد المذهب في طبقات حملة المذهب، لابن الملقن، المحقق: أيمن نصر الأزهري و سيد مهني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1417 هـ.
536.
العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، لابن عبد الهادي، المحقق: محمد حامد الفقي، دار [الكتاب] العربي.
537.
العلامة الشرعية لبداية الطواف ونهايته، لبكر أبو زيد، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1419 هـ.
538.
علل الترمذي الكبير، رتبه على كتب الجامع: أبو طالب القاضي، المحقق: صبحي السامرائي و أبو المعاطي النوري و محمود خليل الصعيدي، مكتبة النهضة العربية-بيروت، الطبعة الأولى 1409 هـ.
539.
العلل الصغير، للترمذي، المحقق: أحمد محمد شاكر وجماعة، مطبوع في آخر تحقيقهم لجامع الترمذي، دار إحياء التراث العربي.
540.
العلل الواردة في الأحاديث النبوية، للدارقطني، من المجلد الأول إلى الحادي عشر، تحقيق وتخريج: محفوظ الرحمن زين الله السلفي، دار طيبة-الرياض، الطبعة الأولى 1405 هـ، والمجلد الثاني عشر إلى الخامس عشر، علق عليه: محمد بن صالح بن محمد الدباسي، دار ابن الجوزي - الدمام، الطبعة الأولى 1427 هـ.
541.
العلل لابن أبي حاتم، لأبي محمد عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم، تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية د. سعد الحميد و د. خالد الجريسي، مطابع الحميضي، الطبعة الأولى 1427 هـ.
542.
العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد برواية ابنه عبدالله، المحقق: وصي الله بن محمد عباس، دار الخاني - الرياض، الطبعة الثانية 1422 هـ.
543.
العلل، لعلي بن المديني، محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1400 هـ.
544.
العلم المنشور في إثبات أوئل الشهور، للسبكي، صححه وعلق عليه: محمد جمال الدين القاسمي، مطبعة كردستان العلمية-مصر، 1329 هـ.
545.
العلو للعلي الغفار في إيضاح صحيح الأخبار وسقيمها، للذهبي، المحقق: أبو محمد أشرف بن عبد المقصود، مكتبة أضواء السلف، الطبعة الأولى 1416 هـ.
546.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني، دار إحياء التراث العربي- بيروت.
547.
العناية شرح الهداية، للبابرتي، دار الفكر.
548.
العواصم من القواصم، لابن العربي، المحقق: الدكتور عمار طالبي، مكتبة دار التراث.
549.
عودة الحجاب، لمحمد المقدم، المجلد الأول: دار طيبة، الطبعة العاشرة 1428 هـ، المجلد الثاني: دار ابن الجوزي- القاهرة، الطبعة الأولى 1426 هـ، المجلد الثالث: دار القمة، دار الإيمان- الإسكندرية، الطبعة الثانية 1425 هـ.
550.
عون المعبود وبحاشيته شرح ابن القيم (تهذيب السنن)، ضبط وتحقيق: عبدالرحمن محمد عثمان، الناشر: محمد عبدالمحسن، الطبعة الثانية 1388 هـ.
551.
عيون المسائل، للثعلبي، تحقيق: علي بورويبة، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1430 هـ.
552.
غاية البيان شرح زبد ابن رسلان، للرملي، دار المعرفة - بيروت.
553.
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، للسفاريني، مؤسسة قرطبة-مصر، الطبعة الثانية 1414 هـ.
554.
الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة، للغزنوي، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى 1406 هـ.
555.
الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، لزكريا الأنصاري، مع حاشيتي العبادي والشربيني، المطبعة الميمنية.
556.
غريب الحديث، لإبراهيم الحربي، المحقق: د. سليمان إبراهيم محمد العايد، جامعة أم القرى - مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1405 هـ.
557.
غريب الحديث، لابن قتيبة الدينوري، المحقق: د. عبد الله الجبوري، مطبعة العاني - بغداد، الطبعة الأولى 1397 هـ.
558.
غريب الحديث، للخطابي، المحقق: عبد الكريم الغرباوي، خرج أحاديثه: عبد القيوم عبد رب النبي، دار الفكر - دمشق، 1402 هـ.
559.
غريب الحديث، للقاسم بن سلاّم، المحقق: د. محمد عبد المعيد خان، مطبعة دائرة المعارف العثمانية-حيدر آباد، الطبعة الأولى 1384 هـ.
560.
غريب القرآن [نزهة القلوب]، لمحمد السجستاني، المحقق: محمد أديب عبد الواحد جمران، دار قتيبة-سوريا، الطبعة الأولى 1416 هـ.
561.
غريب القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: أحمد صقر، دار الكتب العلمية، 1398 هـ.
562.
الغريب المصنف، للقاسم بن سلاّم، المحقق: صفوان عدنان داوودي، الناشر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الأعداد:(104، 103، 102، 101)، 1414 هـ-1417 هـ.
563.
غلط الضعفاء من الفقهاء، لابن برّي، المحقق: الدكتور حاتم الضامن، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1407 هـ.
564.
غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة، لابن بشكوال، المحقق: د. عز الدين علي و محمد كمال الدين، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1407 هـ.
565.
غياث الأمم في التياث الظلم (الغياثي)، للجويني، المحقق: عبد العظيم الديب، مكتبة إمام الحرمين، الطبعة الثانية 1401 هـ.
566.
الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، لأبي زرعة العراقي، المحقق: محمد تامر حجازي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1425 هـ.
567.
الفتاوى، لمحمود شلتوت، دار الشروق، الطبعة الثامنة عشر 1424 هـ.
568.
الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، المجلد التاسع، 1414 هـ.
569.
الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، المجلد الحادي والعشرين، 1414 هـ.
570.
الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، المجلد السادس، 1418 هـ.
571.
فتاوى البرزلي "جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكّام"، للبُرْزُلي، تحقيق: أ. د. محمد الحبيب الهيلة، دار الغرب، الطبعة الأولى 1423 هـ.
572.
فتاوى الرملي، شهاب الدين، جمعها ابنه شمس الدين، المكتبة الإسلامية.
573.
الفتاوى الشاذة "معاييرها وتطبيقاتها وأسبابها وكيف نعالجها ونتوقاها"، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، الطبعة الثانية 1431 هـ.
574.
الفتاوى الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي، جمعها: تلميذه عبد القادر الفاكهي، المكتبة الإسلامية.
575.
الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1408 هـ.
576.
فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء - الرياض.
577.
فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء - الرياض.
578.
فتاوى جدة، للألباني، الشريط السابع.
579.
فتاوى علي الطنطاوي، جمع وترتيب: مجاهد ديرانيّة، دار المنارة-جدة، الطبعة الأولى 1405 هـ.
580.
فتاوى مصطفى الزرقاء، اعتنى بها: مجد أحمد مكي، دار القلم، الطبعة الثانية 1422 هـ.
581.
فتاوى نور على الدرب، لا بن باز، جمعها: الدكتور محمد الشويعر، قدم لها: عبد العزيز آل الشيخ.
582.
فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1399 هـ.
583.
فتاوى يسألونك، للدكتور حسام الدين عفانة، مكتبة دنديس، والمكتبة العلمية ودار الطيب، الطبعة الأولى 1427 - 1430 هـ.
584.
فتاوي الخليلي على المذهب الشافعي، طبعة قديمة ليس فيها بيانات إلا اسم الكتاب والمؤلف محمد الخليلي.
585.
فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، رقمه: محمد فؤاد عبد الباقي، أشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، تعليقات: ابن باز، دار المعرفة، 1379 هـ.
586.
فتح الباري، لابن رجب، تحقيق: محمود بن شعبان بن عبد المقصود وجماعة، مكتبة الغرباء الأثرية-المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1417 هـ.
587.
فتح الحميد المجيد في بيان الراجح في خطبة العيد، لعبدالحميد الحجوري،
دار الحديث السلفية بدماج، منشور البحث في موقع عبدالحميد الرسمي.
588.
الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني، تحقيق: محمد صبحي حلاق، مكتبة الجيل الجديد.
589.
فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام، لمحمد البعداني، مؤسسة الرسالة، مكتبة ابن تيمية، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1433 هـ.
590.
فتح الغفور في وضع الأيدي على الصدور، لمحمد حياة السندي، تحقيق: محمد ضياء الرحمن الأعظمي، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الثالثة، 1419 هـ.
591.
فتح القدير، لابن الهمام، دار الفكر.
592.
فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات، للمليباري الهندي، دار بن حزم، الطبعة الأولى.
593.
فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي، للسخاوي، المحقق: علي حسين علي، مكتبة السنة-مصر، الطبعة الأولى 1424 هـ.
594.
فتح المنان شرح وتحقيق كتاب الدارمي، لأبي عاصم نبيل الغمري، دار البشائر، المكتبة المكية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
595.
فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، لزكريا الأنصاري، دار الفكر، 1414 هـ.
596.
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام، لابن عثيمين، تحقيق وتعليق: صبحي بن محمد، أم إسراء بنت عرفة، المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، الطبعةالأولى 1427 هـ.
597.
الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية، لابن علان، جمعية النشر والتأليف الأزهرية.
598.
الفتيا المعاصرة، للدكتور خالد المزيني، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1430 هـ.
599.
الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، لعبد القاهر البغدادي، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الثانية 1397 هـ.
600.
الفروسية، لابن القيم، تحقيق: مشهور بن حسن سلمان، دار الأندلس-السعودية، الطبعة: الأولى 1414 هـ.
601.
الفروع لابن مفلح، ومعه تصحيح الفروع للمرداوي، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1424 هـ، هذا هو الأصل،
ورجعت لمخطوطين في موضع واحد، الأول: من المكتبة الأزهرية، والآخر: من مكتبة عنيزة الوطنية، وكلاهما مرفوع على الشبكة في موقع الألوكة.
602.
الفروق [أنوار البروق في أنواء الفروق]، للقرافي، عالم الكتب.
603.
الفروق اللغوية، للعسكري، حققه: محمد إبراهيم سليم، دار العلم والثقافة- مصر.
604.
الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم، مكتبة الخانجي - القاهرة.
605.
الفصول في الأصول، للجصاص، وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الثانية 1414 هـ.
606.
فضائح ونصائح، لمقبل الوادعي، دار الحرمين، الطبعة الأولى 1419 هـ.
607.
فضائل القرآن، للقاسم بن سلام، تحقيق: مروان العطية ومحسن خرابة ووفاء تقي الدين، دار ابن كثير، الطبعة الأولى 1415 هـ.
608.
فضائل رمضان، لابن أبي الدنيا، حققه: عبد الله بن حمد المنصور، دار السلف، الطبعة الأولى 1415 هـ.
609.
فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود، لأبي عمرو ياسر آل عيد، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1434 هـ.
610.
الفقه الإسلامي وأدلته، لـ أ. د. وهبة الزّحيلي، دار الفكر- دمشق، الطبعة الرابعة.
611.
فقه السنة، لسيد سابق، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الثالثة 1397 هـ.
612.
فقه اللغة وسر العربية، للثعالبي، المحقق: عبد الرزاق المهدي، إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1422 هـ.
613.
الفقه الميسر، للمطلق والطيار والموسى، مدار الوطن، الطبعة الأولى 1432 هـ.
614.
فقه عطاء بن أبي رباح في المناسك، للدكتور محمد اللحيدان، الطبعة الأولى 1429 هـ.
615.
الفقيه و المتفقه، للخطيب البغدادي، المحقق: عادل الغرازي، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية 1421 هـ.
616.
…
فهرس الفهارس، للكتاني، المحقق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1402 هـ.
617.
الفهرست، لابن النديم، المحقق: إبراهيم رمضان، دار المعرفة، الطبعة الثانية 1417 هـ.
618.
الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، للنفراوي، دار الفكر، 1415 هـ.
619.
الفوائد، لابن شاهين، تحقيق: بدر البدر، دار ابن الأثير، الطبعة الأولى 1415 هـ.
620.
فيض الباري على صحيح البخاري، لمحمد أنور شاه، المحقق: محمد بدر عالم الميرتهي، دار الكتب العلمية - لبنان، الطبعة الأولى 1426 هـ.
621.
فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي، المكتبة التجارية الكبرى- مصر، الطبعة الأولى 1356 هـ.
622.
قاعدة مختصرة في قتال الكفار، لابن تيمية، حققها: د. عبد العزيز الزير آل حمد، الطبعة الأولى 1425 هـ.
623.
القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، د. سعدي أبو حبيب، دار الفكر-دمشق، الطبعة الثانية 1408 هـ.
624.
القاموس المحيط، للفيروزآبادي، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثامنة، 1426 هـ.
625.
قاموس المصطلحات الاقتصادية في الحضارة الإسلامية، للدكتور محمد عمارة، دار الشروق، الطبعة الأولى 1413 هـ.
626.
القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، لابن العربي، المحقق: الدكتور محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1412 هـ.
627.
قرة العين بفتاوى علماء الحرمين، لحسين المغربي المالكي، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، الطبعة الأولى 1356 هـ.
628.
قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار، لابن عابدين، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع -بيروت.
629.
القرى لقاصد أم القرى، للمحب الطبري، تحقيق: مصطفى السقا، المكتبة العلمية-بيروت.
630.
قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة، للسيوطي، تحقيق خليل المنيس، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1405 هـ.
631.
قواطع الأدلة في الأصول، للسمعاني، المحقق: محمد حسن، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.
632.
قواعد الترجيح عند المفسرين، لحسين الحربي، تقديم: مناع القطان، دار القاسم، الطبعة الأولى 1417 هـ.
633.
القوانين الفقهية، لابن جزي، طبعة قديمة بلا معلومات.
634.
قوت القلوب في معاملة المحبوب، لأبي طالب المكي، المحقق: د. عاصم إبراهيم الكيالي، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الثانية 1426 هـ.
635.
القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، للسخاوي، دار الريان للتراث.
636.
القول الشاذ وأثره في الفتيا، للدكتور أحمد المباركي، دار العزة، 1422 هـ.
637.
الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، للذهبي، المحقق: محمد عوامة و أحمد الخطيب، دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن-جدة، الطبعة الأولى 1413 هـ.
638.
الكافي في فقه الإمام أحمد، لابن قدامة، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1414 هـ.
639.
الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر، المحقق: محمد الموريتاني، مكتبة الرياض الحديثة، الطبعة الثانية 1400 هـ.
640.
الكافية في الجدل، للجويني، تحقيق: د. فوقيّة حسين محمود، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأولى 1399 هـ.
641.
الكامل في اللغة والأدب، للمبرد، اعتنى به: محمد أبوالفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، الطبعة الثالثة 1417 هـ.
642.
الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض وعبد الفتاح أبو سنة، الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418 هـ.
643.
الكبائر، للذهبي، اعتنى به: مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة الفرقان، الطبعة الثانية 1424 هـ.
644.
الكتاب الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون، لمحمد عزيز بن شمس وعلي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد - مكة، الطبعة الثانية 1422 هـ.
645.
كتاب العين، للخليل، المحقق: د مهدي المخزومي و د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال.
646.
كتاب صفة الصلاة من شرح العمدة، لابن تيمية، المحقق: عبد العزيز المشيقح، دار العاصمة - الرياض، الطبعة الأولى 1429 هـ.
647.
الكتاب: تفسير ابن عطية [المحرر الوجيز]، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ.
648.
كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي، دار الكتب العلمية.
649.
كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، لعلاء الدين البخاري، دار الكتاب الإسلامي.
650.
كشف الشبهتين، لسليمان بن سحمان، المحقق: عبد السلام بن برجس، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1408 هـ.
651.
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، مكتبة المثنى-بغداد، 1360 هـ.
652.
كشف اللثام شرح عمدة الأحكام، للسفاريني، اعتنى به: نور الدين طالب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت، دار النوادر - سوريا، الطبعة الأولى، 1428 هـ.
653.
كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات، للبعلي الخلوتي، المحقق: محمد بن ناصر العجمي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1423 هـ.
654.
كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي، المحقق: علي البواب، دار الوطن.
655.
كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار، للحصني الشافعي، المحقق: علي عبد الحميد بلطجي ومحمد وهبي سليمان، دار الخير - دمشق، الطبعة الأولى 1414 هـ.
656.
كفاية النبيه في شرح التنبيه، لابن الرفعة، المحقق: مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1430 هـ.
657.
الكليات، للكفوي، المحقق: عدنان درويش و محمد المصري، مؤسسة الرسالة.
658.
كنز الدقائق، للنسفي، المحقق: أ. د. سائد بكداش، دار البشائر الإسلامية، دار السراج، الطبعة الأولى 1432 هـ.
659.
كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، للمتقي الهندي، المحقق: بكري حياني وصفوة السقا، مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة 1401 هـ.
660.
الكنى والأسماء، للدولابي، المحقق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1421 هـ.
661.
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، للكرماني، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية 1401 هـ.
662.
الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري، للكوراني، المحقق: أحمد عزو، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1429 هـ.
663.
الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، للإسنوي، المحقق: د. محمد حسن عواد، دار عمار - الأردن، الطبعة الأولى 1405 هـ.
664.
…
لا جديد في أحكام الصلاة، لبكر أبو زيد، دار العاصمة، الطبعة الثالثة 1418 هـ.
665.
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي، المحقق: د. محمد فضل المراد، دار القلم، الدار الشامية، الطبعة الثانية 1414 هـ.
666.
اللباب في شرح الكتاب، لعبد الغني الميداني الحنفي، اعتنى به: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العلمية.
667.
اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل الحنبلي، المحقق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 هـ.
668.
اللحية دراسة حديثية فقهية، لعبدالله الجديع، مؤسسة الريان، الطبعة الأولى 1425 هـ.
669.
لسان العرب، لابن منظور، دار صادر - بيروت، الطبعة الثالثة 1414 هـ.
670.
لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، المحقق: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1423 هـ.
671.
اللمحة في شرح الملحة، لابن الصائغ، المحقق: إبراهيم بن سالم الصاعدي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية- المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1424 هـ.
672.
ماصحَّ من آثار الصحابة في الفقه، لزكريا بن غلام، دار الأوراق الثقافية، الطبعة الثانية 1433 هـ.
673.
المبدع في شرح المقنع، لبرهان الدين ابن مفلح، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.
674.
المبسوط، للسرخسي، دار المعرفة، 1414 هـ.
675.
المتواري علي تراجم أبواب البخاري، لابن المنير، المحقق: صلاح الدين مقبول، مكتبة المعلا - الكويت.
676.
المجتبى من السنن [سنن النسائي]، لأبي عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب، الطبعة الثانية، 1406 هـ.
677.
المجروحين، لابن حبان، المحقق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي-حلب، الطبعة الأولى 1396 هـ.
678.
…
مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، العدد (27)، والعدد (103).
679.
مجلة الحكمة، مجلة علمية شرعية تصدر كل أربعة أشهر، العدد الخامس، 1415 هـ.
680.
مجلة المنار، لمحمد رشيد بن علي رضا وغيره من كتّاب المجلة.
681.
مجلة دراسات إسلامية، تصدر عن وكالة المطبوعات والنشر العلمي بوزارة الشؤون الإسلامية، العدد (23)، 1435 هـ.
682.
مجلة لغة العرب العراقية - مجلة شهرية أدبية علمية تاريخية، وزارة الإعلام العراقية - مديرية الثقافة العامة، مطبعة الآداب-بغداد.
683.
مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.
684.
مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، لشيخي زاده، دار إحياء التراث العربي.
685.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمي، المحقق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي-القاهرة، 1414 هـ.
686.
مجمل اللغة، لابن فارس، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1406 هـ.
687.
مجموع الفتاوى، لابن تيمية، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416 هـ.
688.
مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي، المحقق: طلعت الحلواني، الفاروق الحديثة، 1424 - 1425 هـ.
689.
مجموع رسائل الحافظ ابن رجب، المحقق: طلعت بن فؤاد الحلواني، الفاروق الحديثة، 1424 - 1425 هـ.
690.
المجموع شرح المهذب (مع تكملة السبكي والمطيعي)، للنووي، دار الفكر.
691.
مجموع فتاوى ابن باز، أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر.
692.
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، دار الوطن - دار الثريا، 1413 هـ.
693.
مجموع فيه مصنفات أبي العباس الأصم وإسماعيل الصفار، المحقق: نبيل سعد الدين جرار، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1425 هـ.
694.
مجموع مؤلفات الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي، جمعه ورتبه: قسم تحقيق التراث والنشر العلمي شركة الدار العربية لتقنية المعلومات، الميميان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1432 هـ.
695.
مجموعة الرسائل المفيدة، لفريح البهلال، الطبعة الأولى 1435 هـ.
696.
مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، لبعض علماء نجد الأعلام، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1349 هـ.
697.
محاسن الشريعة في فروع الشافعية، للقفال الكبير، اعتنى به: محمد علي سمك، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1428 هـ.
698.
محاضرة "مسائل مشكلة في الحج"، "وكيف تكون فقيهاً محدثاً"، وشرح عمدة الفقه، للدكتور عبدالله السلمي، دروس صوتية منشورة في صفحة الشيخ على موقع إسلام ويب.
699.
المحرر في الحديث، لابن عبد الهادي، المحقق: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي ومحمد سليم إبراهيم سمارة وجمال حمدي الذهبي، دار المعرفة، الطبعة الثالثة 1421 هـ.
700.
المحرر في الفقه، لأبي البركات ابن تيمية، مكتبة المعارف- الرياض، الطبعة الثانية 1404 هـ.
701.
المحصول في أصول الفقه، لابن العربي، المحقق: حسين علي اليدري وسعيد فودة، دار البيارق - عمان، الطبعة الأولى 1420 هـ.
702.
المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده المرسي، المحقق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ.
703.
المحلى بالآثار، لابن حزم الأندلسي الظاهري، دار الفكر - بيروت، وهذه هي الأصل، وقد أرجع إلى الطبعة التي بتحقيق أحمد شاكر مع الإشارة إلى ذلك.
704.
المحيط البرهاني في الفقه النعماني، لمحمود البخاري، المحقق: عبد الكريم سامي الجندي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1424 هـ.
705.
مختار الصحاح، للرازي، المحقق: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، الطبعة الخامسة 1420 هـ.
706.
مختصر اختلاف العلماء، للطحاوي، المحقق: د. عبد الله نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية - بيروت، الطبعة الثانية 1417 هـ.
707.
مختصر الأحكام للطوسي (مستخرج الطوسي على جامع الترمذي)، المحقق: أنيس بن أحمد بن طاهر الأندونوسي، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
708.
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، اختصره: البعلي، المحقق: سيد إبراهيم، دار الحديث، الطبعة الأولى 1422 هـ.
709.
مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، اختصرها البعليّ، المحقق: عبد المجيد سليم ومحمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية.
710.
المختصر الفقهي لابن عرفة، المحقق: د. حافظ عبد الرحمن محمد خير، مؤسسة خلف أحمد الخبتور للأعمال الخيرية، الطبعة الأولى 1435 هـ.
711.
…
مختصر القدوري في الفقه الحنفي، المحقق: كامل محمد عويضة، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418 هـ.
712.
…
مختصر المزني (مطبوع ملحقاً بالأم للشافعي)، دار المعرفة - بيروت، 1410 هـ.
713.
مختصر خلافيات البيهقي، للخمي، المحقق: د. ذياب عبد الكريم، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1417 هـ.
714.
مختصر خليل، المحقق: أحمد جاد، دار الحدي-القاهرة، الطبعة الأولى 1426 هـ.
715.
مختصر قيام الليل وقيام رمضان والوتر لمحمد بن نصر المروزي، اختصرها: أحمد المقريزي، حديث اكادمى- باكستان، الطبعة الأولى 1408 هـ.
716.
المخصص، لابن سيده، المحقق: خليل إبراهم جفال، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ.
717.
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم، المحقق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة 1416 هـ.
718.
المدخل الفقهي العام، لمصطفى الزرقاء، دار القلم، الطبعة الثانية 1425 هـ.
719.
المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد وتخريجات الأصحاب، لبكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة -مطبوعات مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الطبعةالأولى 1417 هـ.
720.
…
المدخل إلى السنن الكبرى، للبيهقي، المحقق: د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت.
721.
المدخل إلى الصحيح، للحاكم، اعتنى به: ربيع المدخلي، دار الإمام أحمد، الطبعة الأولى 1430 هـ.
722.
المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية، لعلي جمعة محمد عبد الوهاب، دار السلام - القاهرة، الطبعة الثانية 1422 هـ.
723.
المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لابن بدران، المحقق: د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1401 هـ.
724.
المدخل، لابن الحاج، مكتبة دار التراث-القاهرة.
725.
المدلسين، لأبي زرعة العراقي، المحقق: د رفعت فوزي عبد المطلب و د. نافذ حسين حماد، دار الوفاء، الطبعة الأولى 1415 هـ.
726.
مدونة الفقه المالكي وأدلته، للصادق الغرياني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1436 هـ.
727.
المدونة، لسحنون، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
728.
مراتب الإجماع، لابن حزم، دار الكتب العلمية - بيروت.
729.
المراسيل، لابن أبي حاتم، المحقق: شكر الله نعمة الله قوجاني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1397 هـ.
730.
المراسيل، لأبي داود، المحقق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1408 هـ.
731.
مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح، للشرنبلالي، اعتنى به وراجعه: نعيم زرزور، المكتبة العصرية، الطبعة الأولى 1425 هـ.
732.
مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للمباركفوري، الناشر: إدارة البحوث
العلمية والدعوة والإفتاء - الجامعة السلفية - الهند، الطبعة الثالثة - 1404 هـ.
733.
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لعلي القاري، دار الفكر، الطبعة الأولى 1422 هـ.
734.
مزيد النعمة لجمع أقوال الأئمة، لحسين المحلي، المحقق: عبد الكريم بن صنيتان العمري.
735.
مسألة الأخذ من اللحية وتقصيرها "مقال علمي"، لعلوي السقاف، منشور في موقع الدرر السنية.
736.
المسالِك في شرح موطَّأ مالك، لابن العربي، قرأه وعلّق عليه: محمد بن الحسين السُّليماني وعائشة بنت الحسين السُّليماني، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1428 هـ.
737.
المسالك والممالك، لابن خرداذبة، دار صادر، 1409 هـ.
738.
مسائل الإمام ابن باز-المجموعة الاولى، تقييد وجمع وتعليق: عبد الله بن مانع الروقي، دار التدمرية، الطبعة الأولى 1428 هـ.
739.
مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابن هانئ، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1400 هـ.
740.
مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، رواية الكوسج، عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية-المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1425 هـ.
741.
مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه أبي الفضل صالح، تحقيق: د. فضل الرحمن دين محمد، الدار العلمية - الهند، الطبعة الأولى 1408 هـ.
742.
مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبدالله، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1401 هـ.
743.
مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود السجستاني، تحقيق: طارق بن عوض الله، مكتبة ابن تيمية - مصر، الطبعة الأولى 1420 هـ.
744.
المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، للقاضي أبي يعلى، المحقق: د. عبد الكريم اللاحم، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى 1405 هـ.
745.
مسائل حرب الكرماني -من أول كتاب الصلاة إلى باب الإمام يُحْدِث فيقدّم من سبقه بركعة- "رسالة ماجستير"، دراسة وتحقيق: أحمد بن علي الغامدي، جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 1433 هـ.
746.
مستخرج أبي عوانة، تحقيق: أيمن بن عارف الدمشقي، دار المعرفة - بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ.
747.
المستدرك على الصحيحين، للحاكم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ.
748.
المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام، جمعه ورتبه: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى 1418 هـ.
749.
المستصفى، للغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413 هـ.
750.
المسح على الجوربين للقاسمي بتحقيق الألباني وتقديم أحمد شاكر، ومعه ملحق فيه: إتمام النصح في أحكام المسح للألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1399 هـ.
751.
مسند ابن الجعد، لعلي بن الجعد، تحقيق: عامر أحمد حيدر، مؤسسة نادر - بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ.
752.
مسند أبي داود الطيالسي، المحقق: د. محمد بن عبد المحسن التركي، دار هجر - مصر، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
753.
مسند أبي يعلى الموصلي، المحقق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث - دمشق، الطبعة الأولى 1404 هـ.
754.
مسند إسحاق بن راهويه، المحقق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، مكتبة الإيمان-المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1412 هـ.
755.
مسند الإمام أحمد، المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1421 هـ، وهي الأصل في التوثيق، وقد أرجع إلى تعليقات أحمد شاكر في طبعته للمسند.
756.
مسند البزار [البحر الزخار]، المحقق: محفوظ الرحمن زين الله و عادل بن سعد وصبري عبد الخالق، مكتبة العلوم والحكم-المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1409 هـ.
757.
مسند الروياني، المحقق: أيمن علي أبو يماني، مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى 1416 هـ.
758.
مسند الشاميين، للطبراني، المحقق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1405 هـ.
759.
المسند الصحيح المختصر [صحيح مسلم]، لمسلم بن الحجاج، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى.
760.
مسند الفاروق، لابن كثير، المحقق: إمام بن علي، دار الفلاح، الطبعة الأولى 1430 هـ.
761.
المسودة في أصول الفقه، لابن تيمية الجد والأب والحفيد، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي.
762.
مشكل المناسك، للدكتور إبراهيم الصبيحي، الطبعة الثانية 1430 هـ.
763.
مشكلات المفطرات، للدكتور فؤاد الهاشمي، الملتقى العلمي، الطبعة الأولى 1434 هـ.
764.
مشيخة ابن طهمان، المحقق: محمد طاهر مالك، مجمع اللغة العربية-دمشق، 1403 هـ.
765.
مصابيح الجامع، للدماميني، اعتنى به: نور الدين طالب، دار النوادر، الطبعة الأولى 1430 هـ.
766.
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، للبوصيري، المحقق: محمد المنتقى الكشناوي، دار العربية، الطبعة الثانية 1403 هـ.
767.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للفيومي، المكتبة العلمية-بيروت، الطبعة الأولى.
768.
مصنف ابن أبي شيبة [الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار]، المحقق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1409 هـ، وهي الأصل في الترقيم، وقد أرجع إلى طبعة د. سعد الشثري مع الإشارة إلى ذلك، ورجعت في موضع واحد إلى طبعة محمد عوامة وطبعة الفاروق بتحقيق أسامة إبراهيم.
769.
المصنف، لعبد الرزاق الصنعاني، المحقق: حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي- الهند، الطبعة الثانية 1403 هـ.
770.
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، للرحيباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1415 هـ.
771.
المطلع على ألفاظ المقنع، للبعلي، المحقق: محمود الأرناؤوط وياسين محمود الخطيب، مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة الأولى 1423 هـ.
772.
المطلق والمقيد، لحمد الصاعدي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى 1423 هـ.
773.
مع الاثني عشرية في الأصول والفروع، د. علي السالوس، دار الفضيلة، دار الثقافة، مكتبة دار القرآن، الطبعة السابعة 1424 هـ.
774.
معالم السنن، وهو شرح سنن أبي داود، للخطابي، المطبعة العلمية - حلب، الطبعة الأولى 1351 هـ.
775.
المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة، للريمي، تحقيق: سيد محمد مهنى، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
776.
معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، المحقق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب-بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ.
777.
المعتمد في أصول الفقه، لأبي الحسين البصري، المحقق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1403 هـ.
778.
معجم أعلام الجزائر، لعادل نويهض، مؤسسة نويهض الثقافية، الطبعة الثانية 1400 هـ.
779.
المعجم الأوسط، للطبراني، المحقق: طارق بن عوض الله بن محمد و عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين - القاهرة.
780.
معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار صادر، الطبعة الثانية 1416 هـ.
781.
المعجم الكبير، للطبراني، المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية-القاهرة، الطبعة الثانية.
782.
معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عبد الحميد عمر بمساعدة فريق عمل، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1429 هـ.
783.
معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، للدكتور محمود عبدالمنعم، دار الفضيلة.
784.
معجم المؤلفين، عمر بن رضا كحالة، مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي- بيروت.
785.
المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهر، دار الدعوة.
786.
معجم ديوان الأدب، للفارابي، تحقيق: الدكتور أحمد مختار عمر، مراجعة: الدكتور إبراهيم أنيس، مؤسسة دار الشعب، 1424 هـ.
787.
معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي و حامد صادق قنيبي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1408 هـ.
788.
معجم متن اللغة (موسوعة لغوية حديثة)، أحمد رضا، دار مكتبة الحياة - بيروت، 1377 هـ.
789.
معرفة السنن والآثار، للبيهقي، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية- باكستان، دار قتيبة-سوريا، دار الوعي-سوريا، دار الوفاء-مصر، الطبعة الأول 1412 هـ.
790.
معرفة الصحابة، لابن منده، حققه: الدكتور عامر حسن صبري، مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى 1426 هـ.
791.
معرفة علوم الحديث، لأبي عبدالله الحاكم، المحقق: السيد معظم حسين، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية 1397 هـ.
792.
المعرفة والتاريخ، ليعقوب الفسوي، المحقق: أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة- بيروت، الطبعة الثانية 1401 هـ.
793.
المعسول، لمحمد المختار السوسي، مطبعة الجامعة-الدار البيضاء، 1381 هـ.
794.
المعلم بفوائد مسلم، للمازري، المحقق: محمد الشاذلي، الدار التونسية، المؤسّسة الوطنية للكتاب بالجزائر، المؤسّسة الوطنية للترجمة والتحقيق، الطبعة الثانية 1408 هـ.
795.
المغرب في ترتيب المعرب، للمُطَرِّزِي، دار الكتاب العربي.
796.
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للشربيني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
797.
المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، (مطبوع بهامش إحياء علوم الدين)، للعراقي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1426 هـ.
798.
المغني في الضعفاء، للذهبي، المحقق: الدكتور نور الدين عتر.
799.
المغني، لابن قدامة، دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.
800.
مفاتيح الفقه في الدين، لمصطفى العدوي، مكتبة ماجد عسيري، الطبعة الأولى 1420 هـ.
801.
المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، المحقق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، الدار الشامية، الطبعة الأولى 1412 هـ.
802.
المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، 1413 هـ.
803.
مفطرات الصيام المعاصرة، للدكتور أحمد الخليل، الطبعة الرابعة، منشورة في موقعه الرسمي.
804.
المفطرات الطبية المعاصرة -دراسة فقهية طبية مقارنة-، لعبدالرزاق الكندي، دار الحقيقة الكونية، الطبعة الأولى 1435 هـ.
805.
الُمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس القرطبي، حققه: يوسف علي بديوي وجماعة، دار ابن كثير-دمشق، الطبعة الأولى 1417 هـ.
806.
المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، للسخاوي، المحقق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.
807.
مقال: "الفدية في فعل المحظور وتخصيصها بالمنصوص فقط"، لصالح العميرني، منشور في الشبكة.
808.
مقاييس اللغة، لابن فارس، المحقق: عبد السَّلام هَارُون، اتحاد الكتاب العرب، 1423 هـ.
809.
المقدمات الممهدات، لابن رشد الجد، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1408 هـ.
810.
مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح، المقدمة لابن الصلاح والمحاسن للبلقيني، المحقق: د عائشة عبد الرحمن، دار المعارف.
811.
ملتقى الأبحر [المطبوع مع شرحيه مجمع الأنهر والدر المنتقى]، لإبراهيم الحَلَبي، اعتنى به: خليل عمران المنصور، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
812.
ملتقى أهل التفسير.
813.
ملتقى أهل الحديث.
814.
من تكلم فيه وهو موثق، للذهبي، تحقيق: محمد شكور، مكتبة المنار-الزرقاء، الطبعة الأولى 1406 هـ.
815.
من هدي الإسلام .. فتاوى معاصرة، د. يوسف القرضاوي، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1424 هـ.
816.
منار السبيل في شرح الدليل، لابن ضويان، المحقق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة السابعة 1409 هـ.
817.
المنار المنيف في فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف، جمع وتصنيف: دار اليسر، تقديم: د. محمد يسري، دار اليسر، الطبعة الأولى 1432 هـ.
818.
مناسك الحج والعمرة، للألباني، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى.
819.
مناهج التحصيل، للرجراجي، اعتنى به: أبو الفضل الدمياطي وأحمد بن علي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1428 هـ.
820.
المنتقى شرح الموطأ، للباجي، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى 1332 هـ.
821.
المنتقى من السنن المسندة، لابن الجارود، المحقق: عبد الله عمر البارودي، مؤسسة الكتاب الثقافية - بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
822.
المنتقى، لعبدالسلام ابن تيمية، تحقيق: طارق بن عوض الله، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1429 هـ.
823.
منتهى الإرادات، لابن النجار، المحقق: عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1419 هـ.
824.
المنثور في القواعد الفقهية، للزركشي، وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الثانية 1405 هـ.
825.
منح الجليل شرح مختصر خليل، لعليش، دار الفكر - بيروت، 1409 هـ.
826.
المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد، للبهوتي، المحقق: الدكتور عبد الله بن محمد المطلق، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى 1427 هـ.
827.
منحة العلام في شرح بلوغ المرام، لعبدالله الفوزان، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية 1430 هـ.
828.
منسك عطاء، للدكتور عادل الزرقي، دار المحدث، الطبعة الأولى 1427 هـ.
829.
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، لابن تيمية، المحقق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، 1406 هـ.
830.
المنهاج في شعب الإيمان، للحليمي، تحقيق: حلمي محمد فوده، دار الفكر، الطبعة الأولى 1399 هـ.
831.
منهج البحث والفتوى في الفقه الإسلامي بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين، لمصطفى بشير الطرابلسي، دار الفتح، الطبعة الثانية 1432 هـ.
832.
المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود، لمحمود السبكي، اعتنى به: أمين محمود السبكي، الطبعة الثانية 1394 هـ.
833.
المهذب في اختصار السنن الكبير للبيهقي، اختصره: الذهبي، تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، دار الوطن، الطبعة الأولى 1422 هـ.
834.
المهذب في فقه الإمام الشافعي، للشيرازي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى.
835.
المهمات في شرح الروضة والرافعي، للإسنوي، اعتنى به: أبوالفضل الدمياطي، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1430 هـ.
836.
موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، للهيثمي، المحقق: حسين سليم أسد الدّاراني - عبده علي الكوشك، دار الثقافة العربية-دمشق، الطبعة الأولى 1411 هـ.
837.
الموافقات، للشاطبي، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417 هـ.
838.
موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر، لابن حجر العسقلاني، حققه: حمدي عبد المجيد السلفي وصبحي السامرائي، مكتبة الرشد، الطبعة الثانية 1414 هـ.
839.
مواهب الجليل، للحطاب، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412 هـ.
840.
المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، للقسطلاني، المكتبة التوفيقية- القاهرة.
841.
المؤتلف والمختلف، لابن القيسراني، المحقق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411 هـ.
842.
المؤتلف والمختلف، للدارقطني، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1406 هـ.
843.
موسوعة أحكام الطهارة، لدبيان الدبيان، مكتبة الرشد-الرياض، الطبعة الثانية 1426 هـ.
844.
موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله، جمع وترتيب: السيد أبو المعاطي النوري و أحمد عبد الرزاق و محمود محمد خليل، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1417 هـ.
845.
الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية-الكويت، دار السلاسل- الكويت، دار الصفوة - مصر، من 1404 - 1427 هـ.
846.
موسوعة القواعد الفقهية، للبورنو، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1424 هـ.
847.
موسوعة فقه عمر بن الخطاب، للدكتور محمد رواس قلعه جي، دار النفائس، الطبعة الرابعة 1409 هـ.
848.
موطأ الإمام مالك، اعتنى به وصححه ورقمه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي-بيروت، 1406 هـ.
849.
موقع "إسلام ويب" الالكتروني.
850.
موقع "طريق الإسلام" الالكتروني.
851.
موقع الإسلام سؤال وجواب.
852.
موقع الدرر السنية.
853.
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ الدكتور عبدالكريم بن عبدالله الخضير.
854.
الموقع الرسمي للدكتور أحمد الخليل.
855.
الموقع الرسمي للدكتور خالد المصلح.
856.
الموقع الرسمي للدكتور سعد الخثلان.
857.
الموقع الرسمي للدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين.
858.
الموقع الرسمي للدكتور يوسف القرضاوي.
859.
الموقع الرسمي للشيخ الألباني.
860.
الموقع الرسمي للشيخ سليمان الماجد.
861.
الموقع الرسمي للشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، وصفحته في تويتر واليوتيوب.
862.
الموقع الرسمي للشيخ عبدالله بن بيه.
863.
الموقع الرسمي للشيخ عبدالمحسن العباد البدر.
864.
موقع الملتقى الفقهي.
865.
موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
866.
موقع دار الإفتاء المصرية.
867.
موقع شبكة الألوكة.
868.
موقع صحيفة الأخبار الالكترونية.
869.
موقع صحيفة الأهرام الالكترونية.
870.
موقع صحيفة محيط الالكترونية.
871.
موقع صيد الفوائد.
872.
موقع مركز الفلك الدولي.
873.
موقع مركز نماء.
874.
موقف ابن تيمية من الأشاعرة، للدكتور عبد الرحمن المحمود، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1415 هـ.
875.
المؤنق في إباحة تحلّي النساء بالذهب المحلق وغير المحلق، لمصطفى العدوي، مكتبة الطرفين، الطبعة الثانية 1410 هـ.
876.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة- لبنان، الطبعة الأولى 1382 هـ.
877.
ناسخ الحديث ومنسوخه، لابن شاهين، المحقق: سمير بن أمين الزهيري، مكتبة المنار-الزرقاء، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
878.
ناسخ الحديث ومنسوخه، للأثرم، المحقق: عبد الله المنصور، الطبعة الأولى 1420 هـ.
879.
الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، لابن حزم، المحقق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1406 هـ.
880.
الناسخ والمنسوخ، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد بن صالح المديفر، مكتبه الرشد، الطبعة الثانية 1418 هـ.
881.
الناسخ والمنسوخ، للنحاس، المحقق: د. محمد عبد السلام محمد، مكتبة الفلاح - الكويت، الطبعة الأولى 1408 هـ.
882.
النبوات، لابن تيمية، المحقق: عبد العزيز بن صالح الطويان، أضواء السلف-الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ.
883.
نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، لابن حجر، تحقيق: حمدي عبدالمجيد السلفي، دار ابن كثير، الطبعة الثانية 1429 هـ.
884.
النجم الوهاج في شرح المنهاج، للدّميري، دار المنهاج، المحقق: لجنة علمية، الطبعة الأولى 1425 هـ.
885.
نحو أصول فقه ميسر، د. يوسف القرضاوي، جامعة قطر، حولية كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية، العدد الرابع عشر 1417 هـ.
886.
نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار، للعيني، المحقق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - قطر، الطبعة الأولى 1429 هـ.
887.
نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، لابن حجر العسقلاني، حققه: نور الدين عتر، مطبعة الصباح-دمشق، الطبعة الثالثة 1421 هـ.
888.
نصب الراية لأحاديث الهداية، للزيلعي، مع حاشيته بغية الألمعي، تحقيق: محمد عوامة، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1418 هـ.
889.
النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية، للويس شيخو، دار المشرق-بيروت، الطبعة الثانية 1409 هـ.
890.
نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد، للعلائي، تحقيق: كامل شطيب الراوي -رسالة ماجستير-، مطبعة الأمة-بغداد، 1406 هـ.
891.
…
نظم المتناثر من الحديث المتواتر، للكتاني، المحقق: شرف حجازي، دار الكتب السلفية - مصر، الطبعة الثانية.
892.
النفح الشذي شرح جامع الترمذي، لابن سيد الناس، تحقيق: أبو جابر الأنصاري وعبد العزيز أبو رحلة وصالح اللحام، دار الصميعي، الطبعة الأولى 1428 هـ.
893.
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، للمقري التلمساني، المحقق: إحسان عباس، دار صادر- بيروت، 1388 هـ.
894.
نفح العبير، لعبدالله بن مانع الروقي، الطبعة الأولى 1432 هـ.
895.
النفحات الزكية من المراسلات العلمية، وهو مجموع فيه بعض مراسلات الشيخ فيصل آل مبارك مع علماء عصره، جمع محمد بن حسن المبارك، منشور في موقع الشيخ فيصل آل مبارك في شبكة الألوكة.
896.
النقاب عادة .. وليس عبادة، قدّم له: د. محمود زقزوق وزير الأوقاف المصري، ووزعته وزارة الأقاف المصرية.
897.
نقد مراتب الإجماع، لابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، عناية: حسن أحمد إسبر، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
898.
النكت العلمية على الروضة الندية، لعبدالله العبيلان، غراس، الطبعة الثانية 1427 هـ.
899.
النكت على كتاب ابن الصلاح، لابن حجر العسقلاني، المحقق: ربيع المدخلي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية-المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1404 هـ.
900.
النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر، لشمس الدين ابن مفلح، مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة الثانية 1404 هـ.
901.
نهاية الزين في إرشاد المبتدئين، لمحمد بن عمر نووي الجاوي، دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى.
902.
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، للرملي، دار الفكر، 1404 هـ.
903.
نهاية المطلب في دراية المذهب، للجويني، حققه: أ. د. عبد العظيم محمود الدّيب، دار المنهاج، الطبعة الأولى 1428 هـ.
904.
نهاية الوصول في دراية الأصول، للأرموي الهندي، المحقق: د. صالح بن سليمان اليوسف ود. سعد بن سالم السويح، "رسالتا دكتوراة"، المكتبة التجارية بمكة، الطبعة الأولى 1416 هـ.
905.
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق: طاهر الزاوي و محمود الطناحي، المكتبة العلمية-بيروت، 1399 هـ.
906.
النهر الفائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم، المحقق: أحمد عزو، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1422 هـ.
907.
نوادر الإمام ابن حزم، خرّجها وعلّق عليها: أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري، السفر الثاني، الطبعة الأولى 1405 هـ.
908.
نوادر الفقهاء، للجوهري، تحقيق د. محمد المراد، دار القلم، والدار الشامية، الطبعة الأولى 1414 هـ.
909.
النَّوادر والزِّيادات، لابن أبي زيد القيرواني، تحقيق: د. عبد الفتّاح محمد الحلو وجماعة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1420 هـ.
910.
النوازل في المواقيت المكانية، للدكتور عبدالله بن عمر السحيباني، منشور في موقعه على الشبكة.
911.
نواسخ القرآن، لابن الجوزي، المحقق: أبو عبد الله العاملي آل زهوي، شركه أبناء شريف الأنصارى - بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ.
912.
نيل الابتهاج بتطريز الديباج، للتنبكتي، عناية: الدكتور عبد الحميد عبد الله الهرامة، دار الكاتب- ليبيا، الطبعة الثانية 1421 هـ.
913.
نيل الأوطار، للشوكاني، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث-مصر، الطبعة: الأولى 1413 هـ.
914.
نيل المآرب بشرح دليل الطالب، المؤلف: لعبد القادر الشيباني، المحقق: الدكتور محمد سُليمان عبد الله الأشقر، مكتبة الفلاح، الطبعة الأولى 1403 هـ.
915.
هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك، لابن جماعة، تحقيق: د. ناصر الخزيم، إشراف وتقديم: د. صالح الفوزان، دار ابن الجوزي، 1422 هـ.
916.
الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية [شرح حدود ابن عرفة]، للرصاع، المكتبة العلمية، الطبعة الأولى، 1350 هـ.
917.
الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: مجموعة رسائل علمية بجامعة الشارقة، بإشراف أ. د: الشاهد البوشيخي، مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة، الطبعة الأولى 1429 هـ.
918.
الهداية على مذهب الإمام أحمد، للكلوذاني، المحقق: عبد اللطيف هميم - ماهر الفحل، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1425 هـ.
919.
الهداية في شرح بداية المبتدي، للمرغيناني، المحقق: طلال يوسف، دار احياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى.
920.
هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، للباباني، وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية استانبول 1370 هـ، أعادت طبعه دار إحياء التراث العربي.
921.
الواضح في أصول الفقه، لابن عقيل، المحقق: الدكتور عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1420 هـ.
922.
الوافي بالوفيات، للصفدي، المحقق: أحمد الأرنؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، 1420 هـ.
923.
وبل الغمام على شفاء الأوام، للشوكاني، تحقيق: محمد صبحي حلاق، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1416 هـ.
924.
…
الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية، د. محمد صدقي البورنو، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة 1416 هـ.
925.
الورق النقدي، للمنيع، الطبعة الثانية 1404 هـ.
926.
الوسيط في المذهب، للغزالي (وبهامشه التنقيح في شرح الوسيط للنووي، وشرح مشكل الوسيط لابن الصلاح، وشرح مشكلات الوسيط للحموي، وتعليقة موجزة على الوسيط لابن أبي الدم)، المحقق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر، دار السلام الطبعة الأولى 1417 هـ.
927.
الوسيط في تفسير القرآن المجيد، للواحدي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وجماعة، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
928.
وصول التهاني بإثبات سنية السبحة والرد على الألباني، لمحمود سعيد ممدوح، دار الإمام الرواس، الطبعة الخامسة 1428 هـ.
929.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، المحقق: إحسان عباس، دار صادر - بيروت.
930.
الوقوف والترجل من الجامع لمسائل الإمام أحمد للخلال، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.
931.
وكالة الأنباء السعودية "واس".
932.
وكل بدعة ضلالة، لمحمد المنتصر الريسوني، اعتنى به: عبدالرحمن الجميزي، دار المنهاج، الطبعة الثالثة 1428 هـ.