المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم   65 - ‌ ‌ كتاب - الأبواب والتراجم لصحيح البخاري - جـ ٥

[محمد زكريا الكاندهلوي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم

65 -

‌ كتاب التَّفسير

كذا في النسخ "الهندية" وكذا في نسخة "الفتح" لكن بتقديم البسملة على الكتاب، وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني" بعد ذكر البسملة كتاب تفسير القرآن.

قال الحافظ

(1)

: التَّفسير تفعيل من الفسر وهو البيان تقول: فسرت الشيء بالتخفيف أَفْسُرُه فَسْرًا وفسّرته بالتشديد [أُفَسِّره] تفسيرًا إذا بيّنته، وقيل: هو مقلوب من سفر كجذب وجبذ تقول: سفر إذا كشف وجهه، ومنه أسفر الصبح إذا أضاء، واختلفوا في التَّفسير والتأويل قال أبو عبيدة وطائفة: هما بمعنى، وقيل: التَّفسير هو بيان المراد باللفظ، والتأويل هو بيان المراد بالمعنى، وقيل: في الفرق بينهما غير ذلك، انتهى.

زاد القسطلاني

(2)

: قال أبو العباس الأزدي: النظر في القرآن من وجهين، الأول: من حيث هو منقول، وهي جملة التَّفسير وطريقه الرواية والنقل، والثاني: من حيث هو معقول وهي جملة التأويل، وطريقه الدراية والعقل، قال الله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3] فلا بد من معرفة اللسان العربي في فهم القرآن العربي، انتهى.

وقال العيني

(3)

تبعًا للكرماني: ومعناه الاصطلاحي هو: التكشيف عن مدلولات نظم القرآن، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 155).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 3).

(3)

"عمدة القاري"(12/ 410)، "شرح الكرماني"(18/ 2).

ص: 5

قلت: ومما يجب التنبيه عليه أن مقصد الإمام البخاري ها هنا في كتاب التَّفسير أعم مما ذكر كما سيأتي أيضًا في كلام الشيخ الكَنكَوهي قُدِّس سرُّه في باب غير المغضوب عليهم.

وقال صاحب "الفيض"

(1)

: اعلم أن أول من خدم القرآن أئمة النحو، فللفرّاء تفسير في معاني القرآن وكذا للزجاج، وذكر الذهبي أن الفراء كان حافظ الحديث أيضًا، وقد أخذ ابن جرير الطبري في تفسيره عن أئمة النحو كثيرًا، ولذا جاء تفسيره عدم النظير، ولو كان البخاري أيضًا سار سَيْرَه لكان أحسن لكنه كان عنده "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى فأخذ منه تفسير المفردات وذلك أيضًا بدون ترتيب وتهذيب، فصار كتابه أيضًا على وزان كتاب أبي عبيدة في سوء الترتيب [والركة] والإتيان بالأقوال المرجوحة، والانتقال من مادة إلى مادة، ومن سورة إلى سورة، فصعب على الطالبين فهمه، ومن لا يدري حقيقة الحال يظن أن المصنف أتى بها إشارةً إلى اختياره تلك الأقوال المرجوحة مع أنه رتب كتاب التَّفسير كله من كلام أبي عبيدة ولم يعرج إلى النقد أصلًا، وهذا الذي عَرا شَقِيّ القاديان حيث زعم أن البخاري أشار في تفسيره إلى أن التوفي بمعنى الموت؛ لأنه فسر قوله تعالى:{مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55] بمميتك، وهذا الآخر لم يوفق، ليفهم أن الحال ليس كما زعم، ولكنه كان في "مجاز القرآن" فنقله بعينه كسائر التَّفسير، فإن كان ذلك مختارًا كان لأبي عبيدة لا للمصنف، ثم إنّ هذا غير أبي عبيد صاحب "كتاب الأموال" فإنه متقدم على معمر بن المثنى، وهو أبو عبيد قاسم بن سلام من تلامذة محمد بن الحسن أول من صنف في غريب الحديث.

ثم إن المجاز في مصطلح القدماء ليس هو المجاز المعروف عندنا بل هو عبارة عن موارد استعمالات اللفظ، ومن ها هنا سمى أبو عبيدة

(1)

"فيض الباري"(5/ 185).

ص: 6

تفسيره بمجاز القرآن، وهذا الذي يريده الزمخشري من قوله: ومن المجاز كذا، لا يريد به المجاز المعروف.

ثم اعلم أن تفسير المصنف ليس على شاكلة تفسير المتأخرين في كشف المغلقات وتقرير المسائل بل قصد فيه إخراج حديث مناسب متعلق به ولو بوجه، والتَّفسير عند مسلم أقل بقليل، وأكثر منه عند الترمذي، وليس عند غيرهم من الصحاح الست، ولذا خصت باسم الجامع وإنما كثرت أحاديث التَّفسير عند الترمذي لخفة شرطه، أما البخاري فإن له مقاصد أخرى أيضًا مع عدم مبالاته بالتكرار فجاء تفسيره أبسط من هؤلاء كلهم، انتهى من "الفيض"، وتكلم فيه على معنى التَّفسير بالرأي أيضًا فارجع إليه لو شئت.

وما أفاد من أنه ليس عند غيرهم من الصحاح الست هو كذلك على الظاهر، لكن ذكر الإمام أبو داود في "سننه""كتاب الحروف" وهو أيضًا داخل في "كتاب التَّفسير" على دأب الإمام البخاري.

وما أفاده أيضًا من أن الإمام البخاري قد أخذ في تفسيره هذا كثيرًا من كتاب أبي عبيدة هو كذلك، كما ستقف عليه في هذا الكتاب "كتاب التَّفسير"، وحكى الحافظ في موضع من كتاب التَّفسير أن الإمام البخاري كان عنده صحيفة في التَّفسير رواها أبو صالح بسنده عن ابن عباس، قد اعتمد عليها الإمام البخاري في صحيحه هذا كثيرًا، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (الرحمن الرحيم اسمان من الرَّحمة. . .) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

يعني: أن أصل معناهما ومادة اشتقاقهما واحد وإن كان الغالب في الفاعل استعماله من حيث الحدوث دون فعيل، ثم قد تستعمل كل منهما موضع الآخر بتجريده عن المعنى الزائد على أصل معنى قيام الفعل به، وإنما استعمل لفظ الفعيل في الصفات الخلقية لخلوها عن الحدوث بحسب أحوال المتصف به إذ لم يخل زمان من أزمانه إلا وهي قائمة به، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 438).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 2، 3).

ص: 7

قال الحافظ

(1)

: قوله: اسمان من الرَّحمة، أي: مشتقان من الرَّحمة، والرَّحمة لغةً الرقة والانعطاف، وعلى هذا فوصفه به تعالى مجاز عن إنعامه على عباده، وهي صفة فعل لا صفة ذات، وقيل: ليس الرحمن مشتقًا لقولهم: وما الرحمن؟ وأجيب بأنهم جهلوا الصفة والموصوف، ولهذا لم يقولوا: من الرحمن وقيل: هو علم بالغلبة لأنه جاء غير تابع لموصوف في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} ، {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] وغير ذلك، وتعقب بأنه لا يلزم من مجيئه غير تابع أن لا يكون صفة؛ لأن الموصوف إذا علم جاز حذفه وإبقاء صفته، انتهى.

قوله: (الرحيم والراحم بمعنى واحد) تقدم في كلام الشيخ قُدِّس سرُّه وإن كان الغالب في الفاعل استعماله من حيث الحدوث دون فعيل، انتهى.

قال القسطلاني

(2)

: قوله: "بمعنى واحد" هذا بالنظر إلى أصل المعنى وإلا فصيغة فعيل من صيغ المبالغة فمعناها زائد على معنى الفاعل، وقد ترد صيغة فعيل بمعنى الصفة المشبهة وفيها أيضًا زيادة لدلالتها على الثبوت بخلاف مجرد الفاعل فإنه يدل على الحدوث، ويحتمل أن يكون المراد أن فعيلًا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول؛ لأنه قد يرد بمعنى مفعول فاحترز عنه، انتهى.

وبسط الحافظ

(3)

الكلام على الفرق بينهما فقيل: الرحمن أبلغ لأنه يتناول جلائل النعم وأصولها، تقول: فلان غضبان إذا امتلأ غضبًا، وأردف بالرحيم ليكون كالتتمة ليتناول ما دق، وقيل: الرحيم أبلغ بما يقتضيه صيغة فعيل، والتحقيق أن جهة المبالغة فيهما مختلفة، انتهى مختصرًا.

(1)

"فتح الباري"(8/ 155).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 5).

(3)

"فتح الباري"(8/ 155).

ص: 8

(1)

‌ سورة الفاتحة

(1 -‌

‌ باب ما جاء في فاتحة الكتاب. . .) إلخ

قال الحافظ

(1)

: أي: من الفضل أو من التَّفسير أو أعم من ذلك مع التقييد بشرطه في كل وجه، انتهى.

وكذا قال العيني والقسطلاني

(2)

، لكن العجب عن العلَّامة العيني أنه ذكر دأب الإمام البخاري في هذا الباب هذا، ثم أورد على البخاري في الباب الآتي فقال

(3)

: لا وجه لذكر لفظ "باب" هنا، ولا ذكره حديث الباب ها هنا مناسبًا؛ لأنه لا يتعلق بالتَّفسير، وإنما محله أن يذكر في فضل القرآن، انتهى.

وأنت خبير بأن لا إيراد على البخاري بعد تسليم الأصل المذكور، قلت: وما قال الحافظ في شرح الترجمة هو كذلك، نبَّه عليه الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

أيضًا إذ كتب في الباب الآتي: ثم الذي ينبغي التنبه له أن التَّفسير عند هؤلاء الكرام أعم من أن يكون شرح كلمة أو تفصيل قصَّة مما يتعلق بالكلام أو بيان فضيلة أو بيان ما يقرأ بعد تمام سورة، ولا أقل من أن يكون لفظ القرآن واردًا في الحديث وكون الأمور المتقدمة من التَّفسير ظاهر، وإنما الخفاء في هذا الأخير. والنكتة فيه أن لفظ الحديث يفسر لفظ القرآن بحيث يعلم منه أن المراد في الموضعين واحد، وكثيرًا ما ينكشف معنى اللفظ بوقوعه في قصة وكلام، ولا يتضح مراده لو وقع هذا اللفظ في غير تلك القصَّة، فإذا لاحظ الرجل الآية والرواية معًا كانت له مكنة على تحصيل المعنى، والله تعالى أعلم، انتهى.

قلت: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في ذلك فإنه يزول منه كثير من الإيرادات الواردة على البخاري في ذكر الروايات الكثيرة التي لا تعلق لها بتفسير الآية.

(1)

"فتح الباري"(8/ 156).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 410)، و"إرشاد الساري"(10/ 5).

(3)

"عمدة القاري"(12/ 413).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 4).

ص: 9

قوله: (مدينين محاسبين) كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: هو من إطلاق أحد المساوقين على الآخر، فإن الحساب لا يكون إلا للجزاء، والجزاء لا يمكن بدون المحاسبة، انتهى.

وذكر في هامشه توضيح ذلك وتأييد كلام الشيخ قُدِّس سرُّه، ثم ذكر المصنف فيه حديث أبي سعيد بن المعلى: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .، الحديث.

قال القسطلاني

(2)

تبعًا للحافظ: واستدل به على أن إجابته واجبة يعصي المرء بتركه. وهل تبطل الصلاة أم لا؟ صرَّح جماعة من أصحابنا الشافعية وغيرهم بعدم البطلان، وأنه حكم مختص به صلى الله تعالى عليه وسلم، فهو مثل خطاب المصلي له بقوله: السلام عليك أيها النبي، ومثله لا يبطل الصلاة. وفيه بحث، لاحتمال أن تكون إجابته واجبة سواء كان المخاطب في الصلاة أم لا، إما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج؛ فليس في الحديث ما يستلزمه، فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المجيب من الصلاة، وإلى ذلك جنح بعض الشافعية، انتهى. ولم يتعرض لهذه المسألة ها هنا العلَّامة العيني.

وفي "الأوجز"

(3)

: وهل تبطل الصلاة بهذه الإجابة أم لا؟ مختلف عند الفقهاء وصرَّح جماعة بأن الصلاة لا تبطل بذلك، وهو المعتمد عند الشافعية والمالكية، قاله الزرقاني

(4)

.

قال الدردير: يجب على المصلي إجابة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا دعاه حال الصلاة، وهل تبطل؟ قولان، الأظهر عدم البطلان، انتهى.

وكذا قال الدسوقي في موضع آخر أن المعتمد عدم البطلان، وبحث

(1)

"لامع الدراري"(9/ 3).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 7، 8).

(3)

"أوجز المسالك"(2/ 157).

(4)

"شرح الزرقاني"(1/ 174).

ص: 10

فيه الحافظ في "الفتح"

(1)

كما ذكر في "الأوجز"، فالظاهر أن الحافظ مال إلى الخروج عن الصلاة وإليه جنح بعض الشافعية، وصرَّح في "حاشية الإقناع" بعدم الفساد عندهم، وكذلك هو مختلف عندنا الحنفية، قال الطحطاوي على "مراقي الفلاح"

(2)

: يفترض على المصلي إجابة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واختلف في بطلانها حينئذ، كذا ذكره البدر العيني

(3)

، انتهى.

كذا في "البذل"

(4)

انتهى من "الأوجز" والبسط فيه، وفيه أيضًا: ميل العلَّامة العيني إلى عدم الفساد وميل الطحاوي

(5)

كما في "مشكله" إلى عدم الفساد.

(2 -‌

‌ باب {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. . .} إلخ)

تقدم في الباب السابق إيراد العيني عليه، وأن الإيراد ليس بصحيح.

قال الحافظ

(6)

: روى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المغضوب عليهم: اليهود، ولا الضالين: النصارى" هكذا أورده مختصرًا، وهو عند الترمذي في حديث طويل، قال ابن أبي حاتم: لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافًا، قال السهيلي: وشاهد ذلك قوله: تعالى في اليهود: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [البقرة: 90]، وفي النصارى:{قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا} [المائدة: 77]، انتهى.

(1)

انظر: "فتح الباري"(8/ 157).

(2)

(ص 302).

(3)

"عمدة القاري"(5/ 606).

(4)

"بذل المجهود"(6/ 168).

(5)

"مشكل الآثار"(4/ 44) رقم (1305).

(6)

"فتح الباري"(8/ 159).

ص: 11

(2)

‌ سورة البقرة

وهكذا في نسخة "العيني"، وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني" بزيادة البسملة قبل سورة البقرة.

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر وسقطت البسملة لغيره، انتهى.

وقال العلَّامة العيني

(2)

: السورة في اللغة واحد السور، وهي كل منزلة من البناء، ومنه سور القرآن؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى، والجمع سور بفتح الواو، قال الجوهري: ويجوز أن يجمع على سُوْرَات [وسُوَرَات] وهي مدنية في قول الجميع، وحكى الماوردي والقشيري إلا آية واحدة وهي قوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] فإنَّها نزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى، وهي أول سورة نزلت بالمدينة في قول، وقيل لها: فسطاط القرآن، انتهى مختصرًا.

قلت: وسيأتي الاختلاف في زمان نزول هذه الآية في آخر السورة.

وقال الحافظ

(3)

: اتفقوا على أنها مدنيَّة وأنها أول سورة نزلت بها، وسيأتي قول عائشة: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم. ولم يدخل عليها إلا بالمدينة، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قول الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ. . .} [البقرة: 31]) إلخ

وقال القسطلاني

(4)

: وفي نسخة: باب تفسير سورة البقرة {وَعَلَّمَ آدَمَ. . .} إلخ، انتهى.

قال الحافظ

(5)

: واختلف في المراد بالأسماء فقيل: أسماء ذريته، وقيل: أسماء الملائكة، وقيل: أسماء الأجناس دون أنواعها، وقيل: أسماء كل ما في الأرض، وقيل: أسماء كل شيء حتى القصعة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 160).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 414).

(3)

"فتح الباري"(8/ 160).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 11).

(5)

"فتح الباري"(8/ 160).

ص: 12

(2 -‌

‌ باب)

بغير ترجمة، قال الحافظان ابن حجر والعيني

(1)

: كذا لهم بغير ترجمة.

وقوله: (قال مجاهد) إلى آخر ما أورده عنه من التفاسير سقط جميع ذلك للسرخسي.

قوله: ({إِلَى شَيَاطِينِهِمْ. . .}) إلخ، وصله عبد بن حميد بسنده عن مجاهد في قوله:{وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} ، انتهى من "الفتح".

قوله: ({وَمَا خَلْفَهَا}) كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: يعني: أن لفظ الخلف قد يطلق على من سبق وليس بمراد ها هنا، انتهى.

قوله: (يولُونكم) يعني بذلك: أن في كل من تلك الألفاظ معنى القرب، وإن خصَّ الاستعمالُ مكسورَ الواو بالإمارة ومفتوحَهُ بالربوية إلى غير ذلك، انتهى.

وذكر في هامشه توضيح كلام الشيخ قُدِّس سرُّه وتأييده.

(3 -‌

‌ باب قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا. . .} [البقرة:

22])

سقط لفظ "باب" لأبي ذر، والأنداد جمع ند بكسر النون وهو: النظير، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال: الند العدل، ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال: الأنداد والأشباه، انتهى من "الفتح"

(3)

.

(4 -‌

‌ باب قوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ. . .} [البقرة:

57])

سقط لأبي ذر لفظ "باب".

قوله: (وقال مجاهد: المن صمغة) أي: بفتح الصاد المهملة وسكون الميم ثم غين معجمة، وصله الفريابي بسنده عن مجاهد، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المن ينزل على

(1)

"فتح الباري"(8/ 161)، و"عمدة القاري"(12/ 416).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 5).

(3)

"فتح الباري"(8/ 163).

ص: 13

الشجر فيأكلون منه ما شاءوا، ومن طريق عكرمة قال: كان مثل الرُّب الغليظ، أي: بضم الراء بعدها موحدة. ومن طريق السدي قال: كان مثل الترنجبيل

(1)

. وعن قتادة قال: كان المن يسقط عليهم سقوط الثلج أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل. وهذه الأقوال كلها لا تَنافي فيها، ومن طريق وهب بن منبه قال: المنّ خبز الرقاق وهذا مغاير لجميع ما تقدم. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلوى طائر يشبه السماني، ومن طريق وهب بن منبه قال: هو السماني، وعنه أنه قال: هو طير سمين مثل الحمام، ومن طريق عكرمة قال: طير أكبر من عصفور، ثم ذكر المصنف حديث سعيد بن زيد في "الكمأة من المن"، ووقع في رواية ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير في حديث الباب "من المن الذي أنزل على بني إسرائيل"، وبه تظهر مناسبة ذكره في التَّفسير، والرد على الخطابي

(2)

حيث قال: لا وجه لإدخال هذا الحديث ها هنا. . .، إلى آخر ما قال في "الفتح"

(3)

.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: المن صمغة، أي: شبيهة بها في انجمادها على أغصان الشجر وإن لم يكن عين الصمغة، فإن الصمغة ما تخرج من نفس الشجر وليس الترنجبين بهذه المثابة، فإنه شيء يحصل بانجماد ما ينزل من الطل على شجرة مخصوصة لا توجد في ديارنا هذه، انتهى.

وذكر في هامشه شرح قوله: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين".

(5 -‌

‌ باب {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا. . .} ) إلخ

ليس في بعض النسخ لفظ "باب".

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(5)

: قوله: وقالوا: حطة حبة. . . إلخ،

(1)

كذا في الأصل، والمشهور:"الترنجبين"، (ز).

(2)

"الأعلام"(3/ 1799، 1800).

(3)

"فتح الباري"(8/ 164).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 7).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 8).

ص: 14

أي: قالوا: موضع حطة حبة في شعرة، وأما على ما في بعض النسخ "حنطة حبة" فلعلهم جمعوا بين اللفظين، أو يكون بعضهم قال: حنطة وبعض آخرون: حبة في شعيرة، ولا يخفى ما في تلك الكلمة من أثر الإهمال، انتهى.

(6 -‌

‌ قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ. . .} الآية [البقرة:

97])

هكذا في النسخ الهندية بغير لفظ "باب"، وكذا في نسخة العلَّامة "العيني" و"القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح" بزيادة لفظ "باب".

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر ولغيره قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} ، قيل: سبب عداوة اليهود لجبريل أنه أُمِر باستمرار النبوة فيهم فنقلها لغيرهم، وقيل: لكونه يطلع على أسرارهم. قال الحافظ: وأصح منهما ما سيأتي بعد قليل: لكونه الذي ينزل عليهم بالعذاب، انتهى.

(7 -‌

‌ قوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا. . .} [البقرة:

106])

هكذا في النسخ الهندية بغير لفظ "باب"، وفي نسخ الشروح لفظ "الباب" موجود.

قال الحافظ

(2)

: كذا لأبي ذر "نُنسِها" بضم أوله وكسر السين بغير همز، ولغيره "ننسأها" والأول قراءة الأكثر، واختارها أبو عبيد وعليه أكثر المفسرين، والثانية قراءة ابن كثير وأبي عمرو وطائفة، وسأذكر توجيهها، وفيها قراءات أخرى في الشواذ. وقال في شرح الحديث: قوله: "وقد قال الله تعالى"، هو مقول عمر محتجًا به على أُبي بن كعب ومشيرًا إلى أنه ربما قرأ ما نسخت تلاوته لكونه لم يبلغه النسخ، واحتج عمر لجواز وقوع ذلك بهذه الآية، وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خطبنا عمر فقال: إن الله يقول: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} ، أي: نؤخرها، وهذا يرجح رواية من قرأ بفتح أوله وبالهمز، وأما بضم أوله

(1)

"فتح الباري"(8/ 165).

(2)

"فتح الباري"(8/ 167).

ص: 15

فمن النسيان، وكذلك كان سعيد بن المسيب يقرأها فأنكر عليه سعد بن أبي وقاص، أخرجه النسائي، وكانت قراءة سعد (أو تنساها) بفتح المثناة خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم، واستدل بقوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:"ربما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل ونسيه بالنهار، فنزلت"، واستدل بالآية المذكورة على وقوع النسخ خلافًا لمن شذ فمنعه، وتعقب بأنها قضية شرطية لا تستلزم الوقوع، وأجيب بأن السياق وسبب النزول كان في ذلك؛ لأنها نزلت جوابًا لمن أنكر ذلك، انتهى.

(8 -‌

‌ باب قوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [البقرة:

116])

قال الحافظ

(1)

: كذا للجميع وهي قراءة الجمهور، وقرأ ابن عامر "قالوا" بحذف الواو، واتفقوا على أن الآية نزلت في من زعم أن لله ولدًا من يهود خيبر ونصارى نجران، ومن قال من مشركي العرب: الملائكة بنات الله، فرد الله تعالى عليهم.

وقوله: "قال الله تعالى. . ." إلخ، هذا من الأحاديث القدسية، انتهى.

(9 -‌

‌ قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:

125])

كذا بغير لفظ "باب" في النسخ "الهندية" وفي نسخ الشروح الثلاثة: "الفتح" و"العيني" و"القسطلاني" بزيادة لفظ "الباب".

قال الحافظ

(2)

: الجمهور على كسر الخاء من قوله: {وَاتَّخِذُوا} بصيغة الأمر، وقرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء بصيغة الخبر، والمراد من اتبع إبراهيم، وهو معطوف على قوله:{جَعَلْنَا} فالكلام جملة واحدة، وقيل: على {وَإِذْ جَعَلْنَا} فيحتاج إلى تقدير "إذ" ويكون الكلام جملتين، وقيل: على محذوف تقديره "فثابوا" أي: رجعوا واتخذوا، وتوجيه قراءة الجمهور أنه

(1)

"فتح الباري"(8/ 168).

(2)

"فتح الباري"(8/ 168).

ص: 16

معطوف على ما تضمنه قوله: {مَثَابَةً} كأنه قال: ثوبوا واتخذوا، أو معمول لمحذوف، أي: وقلنا: اتخذوا، ويحتمل أن يكون الواو للاستئناف.

وقال الحافظ

(1)

أيضًا في شرح {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} : إن أثر قدميه في المقام كرقم الباني في البناء ليذكر به بعد موته، ولم تزل آثار قدميه حاضرة في المقام معروفة عند أهل الحرم. وفي "موطأ ابن وهب" بسنده عن أنس قال: رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، وأخرج الطبري في "تفسيره"

(2)

عن قتادة في هذه الآية: إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، قال: ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها فما زالوا يمسحونه حتى اخلولق وانمحى، وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخَّره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه إلى الآن، أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"

(3)

بسند صحيح عن عطاء وغيره، وأخرج البيهقي

(4)

عن عائشة مثله بسند قوي ولفظه: "أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخَّره عمر، وروي بسند ضعيف عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوَّله، والأول أصح، وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عيينة قال: كان المقام في سقع البيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوَّله عمر رضي الله عنه، فجاء سيل فذهب به فرده عمر إليه، انتهى.

قال الحافظ: ولم تنكر الصحابة فعل عمر ولا من جاء بعدهم فصار إجماعًا وكان عمر رأى أن إبقاءه يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وتهيأ له ذلك لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلى، وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 169).

(2)

(2/ 35).

(3)

"مصنف عبد الرزاق"(8953 - 8955).

(4)

"دلائل النبوة"(1/ 440) رقم (393).

ص: 17

(10 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ} [البقرة:

127])

قوله: ({الْقَوَاعِدَ} أساسه. . .) إلخ، قال أبو عبيدة في قوله تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} ، قال: قواعده أساسه، قال الفراء: القواعد أساس البيت، قال الطبري

(1)

: اختلفوا في القواعد التي رفعها إبراهيم وإسماعيل أهما أحدثاها أم كانت قبلهما؟ ثم روى بسند صحيح عن ابن عباس قال: "كانت قواعد البيت قبل ذلك"، ومن طريق عطاء قال: قال آدم: أي رب لا أسمع أصوات الملائكة قال: ابنِ لي بيتًا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء، فيزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل حتى بناه إبراهيم بعد

(2)

، انتهى.

قلت: وقد تقدم في آخر كتاب الأنبياء "باب بنيان الكعبة"، وتقدم هناك شيء من الكلام على بنائه.

(11 -‌

‌ باب قوله الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ. . .} الآية [البقرة:

136])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر.

قال الحافظ

(3)

: قوله: "لا تصدقوا أهل الكتاب" أي: إذا كان ما يخبرونكم به محتملًا لئلا يكون في نفس الأمر صدقًا فتكذبوه، أو كذبًا فتصدقوه، ولم يرد النهي عن تكذيبهم في ما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفائه، نبَّه على ذلك الشافعي رحمه الله، ويؤخذ من هذا الحديث التوقف عن الخوض في المشكلات والجزم فيها بما يقع في الظن، انتهى.

(1)

"تفسير الطبري"(3/ 57).

(2)

"فتح الباري"(8/ 170).

(3)

"فتح الباري"(8/ 170).

ص: 18

(12 -‌

‌ باب {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} الآية [البقرة:

142])

وسقط لفظ "باب" لغير أبي ذر. والسفهاء جمع سفيه وهو خفيف العقل، وأصله من قولهم: ثوب سفيه، أي: خفيف النسج، واختلف في المراد بالسفهاء فقال البراء كما في حديث الباب وابن عباس ومجاهد: هم اليهود، وأخرج ذلك الطبري عنهم بأسانيد صحيحة، وروي من طريق السدي قال: هم المنافقون، والمراد بالسفهاء: الكفار وأهل النفاق واليهود، أما الكفار فقالوا لما حولت القبلة: رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، فإنه علم أنّا على الحق، وأما أهل النفاق فقالوا: إن كان أولًا على الحق فالذي انتقل إليه باطل وكذلك بالعكس، وأما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء، ولو كان نبيًا لما خالف، فلما كثرت أقاويل هؤلاء السفهاء أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} إلى قوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} الآية، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(13 -‌

‌ باب قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا. . .} [البقرة:

143])

سقط لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني"، بل فيها:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ. . .} إلخ.

قال القسطلاني

(2)

: ولأبي ذر: باب قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ} ، أي: وكما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم وجعلنا قبلتكم أفضل القبل {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي: خيارًا أو عدولًا، وجعل بمعنى صيَّر فيتعدى لاثنين، فالضمير مفعول أول وأمة ثانٍ، و {وَسَطًا} نعت وهو بالتحريك اسم لما بين الطرفين، ويطلق على خيار الشيء، وقيل: كل ما صلح فيه لفظٌ بيِّن يقال بالسكون وإلا فبالتحريك، وقيل: المفتوح في الأصل مصدر والساكن ظرف، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 171).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 30).

ص: 19

قال الحافظ

(1)

: قوله: "والوسط العدل" هو مرفوع من نفس الخبر، وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهم فيه بعضهم، انتهى.

(14 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} [البقرة:

143])

ليس في نسخة "القسطلاني" لفظ "باب"، قال القسطلاني

(2)

: قيل: القبلة مفعول أول والتي كنت عليها ثانٍ، فإن الجعل بمعنى التصيير، أي: الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي إليها بمكة، ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى بيت المقدس تألفًا لليهود، أي: أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس إلا لنعلم الآية، انتهى.

(15 -‌

‌ باب قوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة:

144])

قال الحافظ

(3)

: قوله: لم يبق ممن صلى القبلتين غيري. . . إلخ، في هذا إشارة إلى أن أنسًا آخر من مات ممن صلَّى إلى القبلتين، والظاهر أن أنسًا قال ذلك وبعض الصحابة ممن تأخر إسلامه موجود، ثم تأخر أنس إلى أن كان آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله علي بن المديني وغيره، بل قال ابن عبد البر

(4)

: هو آخر الصحابة موتًا مطلقًا لم يبق بعده غير أبي الطفيل، كذا قال، وفيه نظر، وقوله تعالى:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144]، هي الكعبة، وروى الحاكم من حديث ابن عمر في قوله:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً. . .} إلخ، قال: نحو ميزاب الكعبة، وإنما قال ذلك؛ لأن تلك الجهة قبلة أهل المدينة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 172).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 31).

(3)

"فتح الباري"(8/ 173).

(4)

"الاستيعاب"(1/ 110) ترجمة (84).

ص: 20

(16 -‌

‌ باب قوله: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ. . .} [البقرة: 145]) إلخ

ليس في نسخة "القسطلاني" لفظ "باب".

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث ابن عمر المشار إليه قبل باب من وجه آخر، انتهى.

وقال العلَّامة العيني

(2)

: مطابقة الآية تتأتى بالتعسف يوضحها من يمعن النظر فيه، انتهى.

(17 -‌

‌ باب قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:

146])

وليس لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني"، وموجود في نسخة "العيني" و"الفتح".

قال الحافظ

(3)

: ساق فيه حديث ابن عمر المذكور من وجه آخر، انتهى.

قال القسطلاني

(4)

: قوله: {يَعْرِفُونَهُ} صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} روي أن عمر سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أعلم به مني بابني، قال: ولم؟ قال: لأني لم أشك في محمد أنه نبي، فأما ولدي فلعل والدته خانت، زاد السمرقندي في روايته: أقر الله عينك يا عبد الله. وقيل: الضمير في {يَعْرِفُونَهُ} للقرآن، وقيل: لتحويل القبلة، وظاهر سياق الآية، ثم يقتضي اختياره، انتهى.

قلت: وأشار القسطلاني به إلى أن الإمام البخاري كأنه اختار هذا القول، أي: إرجاع الضمير إلى تحويل القبلة.

(1)

"فتح الباري"(8/ 174).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 433).

(3)

"فتح الباري"(8/ 174).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 34).

ص: 21

وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ. . .} إلخ، يعني: أنهم عرفوا محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه النبي الموعود المنعوت في التوراة، وقد كان في نعته أنه يصلي إلى القبلة آخرًا ويصلي إلى بيت المقدس أول قدومه مدة كذا، فمن هذه الحيثية كان عرفانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم عرفانًا بأمر التحويل، ولا حاجة في تصحيح إيراد هذه الرواية في هذا الباب إلى إرجاع ضمير يعرفونه إلى التحويل، فإن المرام حاصل بدونه أيضًا، فإن عرفان محمد صلى الله عليه وسلم بنعته عرفان لجميع ما هو من أحواله المختصة، سيما أمر التحويل، فإنه كان علامة مكتوبة، انتهى.

ثم لا يذهب عليك أن الإمام البخاري بوَّب ها هنا بعدة أبواب، وذكر فيها عدة آيات متعلقة بتحويل القبلة وذكر في أكثرها حديثًا واحدًا، وهو حديث تحويل القبلة ولم يتعرض لوجه ذلك أحد من الشرَّاح، وهذا الصنيع مثل صنيعه في تفسير سورة المنافقون، وأجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في تقريره هناك كما حكاه الشيخ المكي في تقريره إذ قال: اعلم أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة في قصَّة ابن أُبي، فغرض البخاري من تعداد آياتها وتكرار تلك القصَّة فيها دفع احتمال نزول واحدة منها في غيرها، انتهى.

وهذا التوجيه يتمشى ها هنا أيضًا، فلعل الإمام البخاري أشار ها هنا أيضًا بأن هذه الآيات كلها نزلت في قصَّة تحويل القبلة، ويؤيده ما تقدم في باب {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ. . .} إلخ، ما حكى الحافظ عن السدي أنه قال في سبب نزول هذه الآيات: أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} إلى قوله: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} ثم رأيت الحافظين ابن حجر والعيني قد تعرضا لمثل هذا الإيراد والجواب في تفسير سورة مريم، فإن الإمام البخاري قد ترجم في تلك السورة بعدة آيات متعلقة بقصَّة العاص بن وائل وذكر في كل منها حديثًا واحدًا كما سيأتي هناك إن شاء الله تعالى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 8، 9).

ص: 22

(18 -‌

‌ باب قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:

148])

ليس في نسخة "القسطلاني" ها هنا لفظ "باب"، وقال القسطلاني

(1)

: وفي نسخة "باب ولكل من أهل الملل وجهة. . ." إلخ.

قوله: (ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا. . .) إلخ، تقدم الكلام على الاختلاف في مدة التحويل في كتاب الإيمان.

(19 -‌

‌‌

‌ باب {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة:

149])

هكذا في النسخ "الهندية" بزيادة لفظ "باب"، وليس هو في نسخة من نسخ الشروح الثلاثة.

قوله: (شطره تلقاءه) قال الحافظ

(2)

: قال الفراء في قوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} يريد نحوه، قال: وفي بعض القراءات، "تلقاءه" وروى الطبري من طريق أبي العالية قال:"شطر المسجد الحرام تلقاءه" ومن طريق قتادة نحوه، ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر من طريق أخرى، انتهى.

(20 - باب {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. . .} الآية [البقرة: 150])

كذا بزيادة لفظ "باب" في النسخ "الهندية"، وفي نسخ الشروح بدونها ولم يتعرضوا ها هنا لاختلاف النسخ، ثم إن هذه الآية غير الآية الأولى، ولعل المصنف أشار باستقلال الترجمة إلى اختلافهم في أن هذا تأكيد أو مرتب على الأحوال المختلفة.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 35).

(2)

"فتح الباري"(8/ 175).

ص: 23

فقد قال العلَّامة القسطلاني تبعًا للعيني

(1)

: هذا أمر ثالث منه تعالى باستقبال الكعبة، واختلف في حكمة التكرار فقيل: تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، والنسخ من مظان الفتنة والشبهة، فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى، وقيل: إنه منزل على أحوال، فالأول: لمن هو مشاهد للكعبة، والثاني: لمن هو في مكة غائبًا عن مشاهدة الكعبة، والثالث: لمن هو في غيرها من البلدان، أو الأول: لمن بمكة، والثاني: لمن هو بغيرها من البلدان، والثالث: لمن خرج في الأسفار، انتهى.

(21 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ. . .} [البقرة: 158]) إلخ

سقط لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني".

قال الحافظ

(2)

: قوله: " {شَعَائِرِ} علامات. . ." إلخ، هو قول أبي عبيدة

(3)

، قوله:"وقال ابن عباس: الصفوان. . ." إلخ، وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه، قوله:"الحجارة الملس. . ." إلخ، هو كلام أبي عبيدة

(4)

أيضًا، قال: الصفوان: جمع، ويقال للواحدة: صفوانة في معنى: الصفا، والصفا للجميع، وهي الحجارة الملس التي لا تنبت شيئًا أبدًا من الأرضين والرؤوس، وواحد الصفا صفاة، وقيل: الصفا اسم جنس يفرق بينه وبين مفرده بالتاء وقيل: مفرد يجمع على فعول وأفعال كقفا وأقفاء، فيقال فيه: صفا وأصفاء، ويجوز كسر صاد صفا أيضًا، ثم ساق حديث عائشة في سبب نزول هذه الآية، وقد تقدم في كتاب الحج، انتهى.

وأجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(5)

في حل هذا المقام بما يناسب

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 36)، "عمدة القاري"(12/ 435).

(2)

"فتح الباري"(8/ 176).

(3)

انظر: "مجاز القرآن"(1/ 62).

(4)

انظر: "مجاز القرآن"(1/ 82).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 10).

ص: 24

جودة طبعه فللّه دره إذ كتب: قوله: "الصفوان الحجر" الظاهر أنه أراد بالحجر الجنس، فلا خلاف بين التَّفسيرين لهذا القدر، وأما قيد الملاسة فلعل ابن عباس قصد بالتَّفسير تعيين الجنس لا النوع، فلا يكون الخلاف فيه أيضًا، ويرد على تفسيره بالجمع أن العائد إليه في الآية ضمير المفرد حيث قال:{كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} ، والجواب: أنه اسم جنس يطلق على المفرد والجمع، نعم يتقيد بالمفرد بزيادة التاء فيه، فلا يخالف قول ابن عباس وقول الآخر في ما بينهما ولا للآية.

فحاصل كلامهما: أنه يطلق على المفرد والجمع كليهما ويتخصص بالمفرد بزيادة التاء.

ثم قوله: "بمعنى الصفاء"، متعلق بالصفوان لا الصفوانة؛ لأنه مصرّح بكونه جمعًا وليس الصفوانة جمعًا حتى يكون الصفا بمعناه، فيكون بمعنى الصفوان؛ لأنه بمعنى الجمع في صحة إطلاقه على المفرد والجمع؛ كالصفاء فإنه اسم جنس أيضًا يتقيد بالمفرد بزيادة تاء الوحدة، انتهى.

(22 -‌

‌ باب قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا. . .} الآية [البقرة:

165])

قال القسطلاني

(1)

: سقط لفظ "باب قوله" لأبي ذر، انتهى.

قد تقدم تفسير الأنداد بالأضداد لأبي عبيدة وهو تفسير باللازم، انتهى من "الفتح"

(2)

بزيادة.

(23 -‌

‌ باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} الآية [البقرة:

178])

ليس في نسخة "القسطلاني" لفظ "باب".

قال العلَّامة القسطلاني

(3)

: روى ابن أبي حاتم في سبب نزول هذه

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 40).

(2)

"فتح الباري"(8/ 176).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 41).

ص: 25

الآية أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، وكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، وكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى، فنزلت، واستدل بها المالكية والشافعية على أنه لا يقتل الحر بالعبد، لكن قال البيضاوي

(1)

: لا دلالة فيها على أنه لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى كما لا تدل على عكسه، فإن المفهوم إنما يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم، وقد بيَّنا ما كان الغرض، وإنما منع مالك والشافعي قتل الحر بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره لحديث:"لا يقتل حر بعبد"، رواه الدارقطني

(2)

.

وقال الحنفية: آية البقرة منسوخة بآية المائدة {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} فالقصاص ثابت بين العبد والحر والذكر والأنثى، ويستدلون بقوله عليه الصلاة والسلام:"المسلمون تتكافأ دماؤهم" وبأن التفاضل غير معتبر في الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحدًا قُتِلوا به. أجيب بأن دعوى النسخ بآية المائدة غير سائغة لأنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ ما في القرآن، وعن الحسن وغيره: لا يقتل الرجل بالمرأة بهذه الآية، وخالفهم الجمهور وهو مذهب الأئمة الأربعة فقالوا: يقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر بالإجماع، وحينئذ فما نقله في الكشاف عن الشافعي ومالك أنه لا يقتل الذكر بالأنثى لا عمل عليه، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: قوله: "كان في بني إسرائيل القصاص. . ." إلخ، ولا ينافيه ما ثبت أن يهود كانت الدية شائعة بينهم؛ لأن ذلك كان منهم تغييرًا لحكم الكتاب، انتهى.

وذكر في هامشه الروايات وكلام المفسرين في تأييد كلام الشيخ قُدِّس

(1)

"تفسير البيضاوي"(1/ 102).

(2)

"سنن الدارقطني"(3/ 133).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 11، 12).

ص: 26

سرُّه، وقال القسطلاني

(1)

: وأهل التوراة كتب عليهم القصاص فقط وحرم عليهم العفو وأخذ الدية، وأهل الإنجيل العفو، وحرم عليهم القصاص والدية، وخيرت هذه الأمة المحمدية بين الثلاثة: القصاص والدية والعفو، تيسيرًا عليهم وتوسعة، انتهى.

(24 -‌

‌ باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ. . .} [البقرة: 183] إلخ)

أما قوله: {كُتِبَ} فمعناه فرض، والمراد بالمكتوب فيه اللوح المحفوظ، وأما قوله:{كَمَا} فاختلف في التشبيه الذي دلَّت عليه الكاف هل هو على الحقيقة فيكون صيام رمضان قد كتب على الذين من قبلنا، أو المراد مطلق الصيام دون وقته وقدره؛ فيه قولان. . . إلى آخر ما بسط الحافظ

(2)

وقد تقدم في كتاب الصيام الكلام على التشبيه فارجع إليه.

(25 -‌

‌ باب قوله: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا. . .} [البقرة: 184]) إلخ

قال القسطلاني

(3)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

وقال الحافظ

(4)

: قوله: "قال عطاء: يفطر من المرض كله. . ." إلخ، وصله عبد الرزاق

(5)

عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أي وجع أفطر في رمضان؛ قال: من المرض كله، قلت: يصوم فإذا غلب عليه أفطر؟ قال: نعم. وللبخاري في هذه الأثر قصة مع شيخه إسحاق بن راهويه ذكرتها في ترجمة البخاري من "تغليق التعليق"

(6)

، وقد اختلف السلف في

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 42).

(2)

انظر: "فتح الباري"(8/ 178).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 46).

(4)

"فتح الباري"(8/ 179).

(5)

"مصنف عبد الرزاق"(4/ 219) رقم (7568).

(6)

(5/ 429).

ص: 27

الحد الذي إذا وجده المكلف جاز له الفطر، والذي عليه الجمهور أنه المرض الذي يبيح له التيمم مع وجود الماء، وهو ما إذا خاف على نفسه لو تمادى على الصوم أو على عضو من أعضائه أو زيادة في المرض الذي بدأ به أو تماديه، انتهى من هامش "اللامع"

(1)

، وذكر فيه أيضًا القصَّة التي أحالها الحافظ، وكذا ذكر فيه الأقوال في مسألة الإفطار للمرض فارجع إليه لو شئت.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: "يفطر من المرض كله" إن حمل قول عطاء هذا على أنه لا يتوقف جواز الفطر على خوف الهلاك أو المشقة الشديدة، بل على أنه يجوز الإفطار في كل مرض أضر به الصوم أعم من أن يؤدي إلى الهلاك، وكانت المشقة فيه شديدة أم لا، كان غير مستبعد، ولا يخالف حينئذ قوله قول الجمهور، انتهى.

قلت: وظاهر كلام البخاري والشرَّاح عامة أنهم فرقوا بين قول عطاء والجمهور، لكن ما تقدم عن "الفتح" من رواية عبد الرزاق من قول ابن جريج يشير إلى ما أفاده الشيخ.

قوله: (وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما: تفطران ثم تقضيان) هذه المسألة خلافية ففي "بذل المجهود"

(3)

تحت قوله: "إن ابن عباس قال: أثبتت للحبلى والمرضع": اختلفت الروايات في الحبلى والمرضع، ففي رواية عن ابن عباس:"للحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما"، وفي رواية عن ابن عباس أنه كان يقرأ:(وعلى الذين يطوّقونه) مشددة، قال: يكلفونه ولا يطيقونه، ويقول: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير الهرم والكبيرة الهرمة يطعمون لكل يوم مسكينًا ولا يقضون. . .، إلى

(1)

انظر: "لامع الدراري"(9/ 13).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 12).

(3)

"بذل المجهود"(8/ 434).

ص: 28

آخر ما ذكر من الروايات المختلفة عن ابن عباس إلى أن قال: قال في "بداية المجتهد"

(1)

: وأما باقي هذا الصنف وهو المرضع والحامل والشيخ الكبير فإن فيه مسألتين مشهورتين: إحداهما: الحامل والمرضع إذا أفطرتا ماذا عليهما؟ وهذه المسألة للعلماء فيها أربعة مذاهب: أحدها: إنهما يطعمان ولا قضاء عليهما، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس، والقول الثاني: إنهما يقضيان فقط ولا إطعام عليهما، وهو مقابل الأول، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والثالث: إنهما يقضيان ويطعمان، وبه قال الشافعي: والقول الرابع: إن الحامل تقضي ولا تطعم.

وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان لا يقدران على الصيام فإنهم أجمعوا على أن لهما أن يفطرا، واختلفوا فيما عليهما إذا أفطرا، فقال قوم: عليهما إطعام، وقال قوم: ليس عليهما إطعام، وبالأول قال الشافعي وأبو حنيفة، وبالثاني قال مالك، انتهى. مختصرًا.

قلت: والقول الرابع المذكور في كلام ابن رشد هو المشهور من أقوال مالك، والقول الثاني عنه لمالك في ذلك عليهما القضاء مع الإطعام، والقول الثالث له إنهما يطعمان ولا قضاء عليهما كما في "الأوجز"

(2)

.

وأما مذهب الحنابلة في ذلك ففي "الأوجز"

(3)

عن "الروض"

(4)

: إن أفطرت حامل أو مرضع خوفًا على أنفسهما فقط أو مع الولد قضتاه فقط من غير فدية؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه، وإن أفطرتا خوفًا على ولديهما فقط قضتا وأطعمتا لكل يوم مسكينًا ما يجزئ في كفارة، انتهى.

وقال إسحاق على ما حكاه الترمذي: يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما، وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما، انتهى.

(1)

(1/ 300).

(2)

"أوجز المسالك"(5/ 296).

(3)

"أوجز المسالك"(5/ 296).

(4)

"الروض المربع"(1/ 417).

ص: 29

وقال القاري

(1)

: المرضع والحبلى يقضيان ولا فدية عليهما عندنا. . .، إلى آخر ما بسط في "الأوجز".

(26 -‌

‌ باب قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} الآية [البقرة:

185])

وسقط لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني" ذكر فيه حديث ابن عمر أنه قرأ "فدية طعام" بالإضافة، و"مساكين" بلفظ الجمع وهي قراءة نافع وابن ذكوان، والباقون بتنوين "فدية" وتوحيد "مسكين"، و"طعام" بالرفع على البدلية، وأما الإضافة فهي من إضافة الشيء إلى نفسه، والمقصود به البيان مثل خاتم حديد وثوب حرير؛ لأن الفدية تكون طعامًا وغيره، ومن جمع "مساكين" فلمقابلة الجمع بالجمع، ومن أفرد، فمعناه: فعلى كل واحد ممن يطيق الصوم، ويستفاد من الإفراد أن الحكم لكل يوم يفطر فيه إطعام مسكين، ولا يفهم ذلك من الجمع، والمراد بالطعام الإطعام

(2)

.

قوله: (قال: هي منسوخة) هو صريح في دعوى النسخ ورجحه ابن المنذر من جهة قوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال له: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} مع أنه لا يطيق الصيام

(3)

، انتهى.

قلت: وتقدم الكلام على نسخة في "باب {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ. . .} " إلخ، من كتاب الصوم، وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

: والمدار على اختلاف التأويل فمن ذهب في تفسير الآية إلى أن معناه الاستطاعة ذهب إلى النسخ، والذي فسرها بعدم الاستطاعة ذهب إلى بقائها على حكمها، انتهى.

(1)

"مرقاة المفاتيح"(4/ 278).

(2)

انظر: "فتح الباري"(8/ 181).

(3)

انظر: "فتح الباري"(8/ 181).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 14).

ص: 30

وبسط في هامشه الكلام عليه، وكذا بسط فيه درجات فرضية الصوم.

(27 -‌

‌ باب قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ. . .} الآية [البقرة:

187])

ليس لفظ "الباب" في نسخة "القسطلاني".

قال الحافظ

(1)

: قوله: "لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء. . ." إلخ، قد تقدم في كتاب الصيام من حديث البراء أيضًا: إنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا، وأن الآية نزلت في ذلك، وبيَّنت هناك أن الآية نزلت في الأمرين معًا، وظاهر سياق حديث الباب أن الجماع كان ممنوعًا في جميع الليل والنهار بخلاف الأكل والشرب فكانا مأذونًا فيه ليلًا ما لم يحصل النوم، لكن بقية الأحاديث الواردة بهذا المعنى تدل على عدم الفرق كما سأذكرها بعد، ويحمل قوله:"كانوا لا يقربون النساء" على الغالب جمعًا بين الأخبار.

ثم ذكر الحافظ بعد ذلك ما يدل على عدم الفرق وهو ما رواه أحمد وأبو داود

(2)

وعن معاذ بن جبل قال: "أحيل الصيام ثلاثة أحوال"، فذكر الحديث إلى أن قال:"وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا" الحديث، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال:"كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده، فأراد امرأته فقالت: إني قد نمت قال: ما نمت، ووقع عليها، وصنع كعب مثل ذلك فنزلت" أي: قوله: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} الآية [البقرة: 187]، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 181، 182).

(2)

"مسند أحمد"(5/ 246)، "سنن أبي داود" رقم (507).

ص: 31

وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: قوله: "لا يقربون النساء رمضان كله" أي: بعد النوم، وكان في تشديد هذا الحكم عليهم بمرة واحدة إظهار امتثالهم لمن خلفهم فإن افتقارهم إلى النساء وشدة مشقتهم كان قد أخرجهم عن حيطة الاختيار، ومع ذلك قالوا: سمعنا وأطعنا، وسلموا أمرهم لله تعالى، انتهى.

(28 -‌

‌ باب قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ. . .} [البقرة: 187]) إلخ

قال القسطلاني

(2)

: سقط التبويب وتاليه لغير أبي ذر، انتهى.

العاكف: المقيم، ثبت هذا التَّفسير في رواية المستملي وحده، وهو تفسير أبي عبيدة

(3)

قال في قوله تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] أي: المقيم والذي لا يقيم، ثم ذكر حديث عدي بن حاتم من وجهين في تفسير الخيط الأبيض والأسود، وحديث سهل بن سعد في ذلك وقد تقدما في الصيام، انتهى من "الفتح"

(4)

.

(29 -‌

‌ باب قوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة: 189] الآية [البقرة:

189])

ليس في نسخة "القسطلاني" لفظ "باب".

وقال الحافظ

(5)

: كذا لأبي ذر، وساق في رواية كريمة إلى آخرها، ثم ذكر حديث البراء في سبب نزولها، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج، انتهى من "الفتح".

(1)

"لامع الدراري"(9/ 16).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 52).

(3)

انظر: "مجاز القرآن"(2/ 48).

(4)

"فتح الباري"(8/ 183).

(5)

"فتح الباري"(8/ 183).

ص: 32

قلت: وقد تقدم الكلام عليه في باب قوله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]، من كتاب الحج.

(30 -‌

‌ باب قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ. . .} [البقرة: 193]) إلخ

وفي نسخة "القسطلاني"

(1)

: {وَقَاتِلُوهُمْ. . .} إلخ، بدون لفظ "باب".

قال الحافظ

(2)

: قوله: "أتاه رجلان. . ." إلخ، تقدم في مناقب عثمان أن اسم أحدهما العلاء بن عرار وهو بمهملات، واسم الآخر حبان السلمي صاحب الدثينة، أخرج سعيد بن منصور من طريقه ما يدل على ذلك، وسيأتي في تفسير سورة الأنفال أن رجلًا اسمه حكيم سأل ابن عمر عن شيء من ذلك، ويأتي شرح الحديث هناك. وقوله:"في فتنة ابن الزبير" في رواية سعيد بن منصور أن ذلك عام نزول الحجاج بابن الزبير، فيكون المراد بفتنة ابن الزبير ما وقع في آخر أمره، وكان نزول الحجاج وهو ابن يوسف الثقفي من قبل عبد الملك بن مروان جهزه لقتال عبد الله بن الزبير وهو بمكة في أواخر سنة ثلاث وسبعين، وقتل عبد الله بن الزبير في أواخر تلك السنة، ومات عبد الله بن عمر في أول سنة أربع وسبعين، انتهى.

قوله: (فما يمنعك أن تخرج. . .) إلخ، كتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: أي: فتقاتل أقوامًا بغوا وعتوا، وإنما لم يخرج ابن عمر؛ لأنه لم ير طاقة، والفتنة في الآية أريد بها الشرك، وفي كلام ابن عمر أريد بها ما يشابهها من مقاتلة المسلمين وإفساد ذات بينهم.

وقوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ولكنه لم ير للمصالحة سبيلًا فلم يقع بينهما، وأما قوله:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} ، فكانت المقاتلة لا تتيسر إلا بعدة وعدد ولم يكن لهم شيء من ذلك حتى يقاتلوا فلم يبق إلا السكوت والاستسلام، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 56).

(2)

"فتح الباري"(8/ 184).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 18 - 20).

ص: 33

وبسط في هامشه في شرح هذا المقام فارجع إليه لو شئت.

(31 -‌

‌ باب قوله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ. . .} [البقرة: 195]) إلخ

قال القسطلاني

(1)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

وقال الحافظ

(2)

: قوله: "التهلكة والهلاك واحد" هو تفسير أبي عبيدة، وزاد: والهلاك والهلك يعني بفتح الهاء وبضمها واللام ساكنة فيهما، وكل هذه مصادر هلك بلفظ الفعل الماضي، وقيل: التهلكة ما أمكن التحرز منه، والهلاك بخلافه، وقيل: التهلكة نفس الشيء المهلك، وقيل: ما تضر عاقبته، والمشهور الأول.

وقوله: (نزلت في النفقة) أي: في ترك النفقة في سبيل الله عز وجل، وهذا الذي قاله حذيفة جاء مفسرًا في حديث أبي أيوب الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وغيرهم، ثم ذكره الحافظ، وروى ابن أبي حاتم أنها كانت نزلت في ناس كانوا يغزون بغير نفقة، فيلزم على قوله: اختلاف المأمورين، فالذين قيل لهم:{أَنْفِقُوا} {وَأَحْسِنُوا} أصحاب الأموال، والذين قيل لهم:{وَلَا تُلْقُوا} الغزاة بغير نفقة، ولا يخفى ما فيه. وجاء عن البراء بن عازب في الآية تأويل آخر أخرجه ابن جرير وغيره عنه بإسناد صحيح عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: أرأيت قول الله عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} هو الرجل يحمل على الكتيبة فيها ألف؟ قال: لا، ولكنه الرجل يذنب فيلقي بيده فيقول: لا توبة لي. والأول أظهر لتصدير الآية بذكر النفقة فهو المعتمد في نزولها، وأما قصرها عليه ففيه نظر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ، انتهى مختصرًا وملخصًا من "الفتح".

ثم قال: وأما مسألة حمل الواحد على [العدد] الكثير من العدو

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 59).

(2)

"فتح الباري"(8/ 185)، "مجاز القرآن"(1/ 68).

ص: 34

فصرَّح الجمهور بأنه إن كان بفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع، ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين، والله أعلم، انتهى.

(32 -‌

‌ باب قوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ. . .} [البقرة: 196]) إلخ

ليس في نسخة "القسطلاني" لفظ "باب" وقال

(1)

: ولأبي ذر: "باب قوله. . ." إلخ.

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث كعب بن عجرة في سبب نزول هذه الآية، وقد تقدم في كتاب الحج، انتهى.

(33 -‌

‌ باب قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:

196])

وفي نسخة "القسطلاني"

(3)

: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ. . .} إلخ، بدون لفظ "باب"، قال: ولأبي ذر: "باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ. . .} " إلخ.

قال الحافظ

(4)

: قوله: "نزلت آية المتعة. . ." إلخ، يعني: متعة الحج، والمراد بالرجل في قوله:"قال رجل برأيه" هو عمر، انتهى.

وقال القسطلاني: قيل: هو عثمان؛ لأنه كان يمنع التمتع، وقال أيضًا: زاد في نسخة: قال محمد، أي: البخاري يقال: إنه، أي: الرجل عمر لأنه كان ينهى عنها، وفي نفس الأمر لم يكن عمر رضي الله عنه ينهى عنها محرّمًا لها إنما كان ينهى عنها ليكثر قصد الناس البيت حاجين ومعتمرين، قاله الحافظ عماد الدين ابن كثير في تفسيره، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 60).

(2)

"فتح الباري"(8/ 186).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 61).

(4)

"فتح الباري"(8/ 186).

ص: 35

(34 -‌

‌ باب قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:

198])

سقط لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني".

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث ابن عباس، وقد تقدم في كتاب الحج.

(35 -‌

‌ باب قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة:

199])

ذكر فيه حديث عائشة، وقد تقدم في كتاب الحج أيضًا، ثم ذكر فيه حديث ابن عباس، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قلت: وسياق الحديثين مختلف.

قال الكرماني

(3)

في حديث ابن عباس: فإن قلت: هذا السياق يدل على أن الإفاضة في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا} من المزدلفة، والحديث السابق يعني حديث عائشة يدل على أنها من عرفات، قلت: لا منافاة إذ هذا تفسير ابن عباس والمراد من الناس الحمس، وذلك تفسير عائشة والمراد من الناس غير الحمس، انتهى من هامش "الهندية".

وفيه أيضًا: قال القاضي ثناء الله في "المظهري"

(4)

: كانت العرب تقف بعرفة وكان قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة فأنزل الله تعالى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} وهو قول أكثر المفسرين. وقيل: معنى الآية {ثُمَّ أَفِيضُوا} ، يعني: بعد إفاضتكم من عرفات أفيضوا، {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ، يعني: من المزدلفة إلى منى، انتهى.

قلت: قد عرفت أن الأول هو تفسير عائشة والثاني من تفسير ابن عباس، ثم أشكل عليَّ التَّفسير الأول بلفظة {ثُمَّ} لأنه مقدم على

(1)

"فتح الباري"(8/ 186).

(2)

"فتح الباري"(8/ 187).

(3)

"شرح الكرماني"(17/ 33).

(4)

"تفسير المظهري"(1/ 236).

ص: 36

الوقوف بمشعر الحرام. . .، إلى آخر ما ذكر في توجيهه في الهامش.

(36 -‌

‌ باب قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا. . .} [البقرة: 201]) إلخ

ليس في "قس"

(1)

لفظ "باب".

قال العلَّامة العيني

(2)

: قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللَّهمَّ اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا فأنزل الله تعالى فيهم:{فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} أي: نصيب، وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فأنزل الله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ، وعن علي رضي الله تعالى عنه، الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الجنة، وعذاب النار المرأة السوء، انتهى.

(37 -‌

‌ باب قوله: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:

204])

ليس في "قس"

(3)

لفظ "باب".

{أَلَدُّ} أفعل تفضيل من اللدد وهو: شدة الخصومة، و {الْخِصَامِ} جمع خصم وزن كلب وكلاب، والمعنى: هو أشد المخاصمين مخاصمة، ويحتمل أن يكون مصدرًا، تقول: خاصم خصاما كقاتل قتالًا، والتقدير: وخاصمه أشد الخصام، أو هو أشد ذوي الخصام مخاصمة، وقيل: أفعل ها هنا ليست للتفضيل بل بمعنى الفاعل، أي: وهو لديد الخصام، أي: شديد المخاصمة فيكون من إضافة الصفة المشبهة، انتهى من "الفتح"

(4)

.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 64).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 454).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 65).

(4)

"فتح الباري"(8/ 188).

ص: 37

(38 -‌

‌ باب قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ. . .} [البقرة: 214]) إلخ

كذا في النسخ "الهندية""والعيني"، وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني" بغير لفظ "باب".

ذكر فيه حديثي ابن عباس وعائشة في قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ. . .} إلخ، وتقدم شرحه من كلام الشيخ الكَنكَوهي قُدِّس سرُّه في باب قوله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ. . .} [يوسف: 7] إلخ، من كتاب الأنبياء.

قوله: (ذهب بها هناك)، قال القسطلاني

(1)

: "ذهب بها"، أي: بهذه الآية ابن عباس، أي: فهم منها ما فهمه من آية البقرة من الاستبعاد والاستبطاء وتلا: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [البقرة: 214] لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} استبطاء لتأخره فقيل لهم: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} إسعافًا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر. وهذه الآية كآية سورة يوسف في مجيء النصر بعد اليأس والاستبعاد، وفي ذلك إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض اللذات ومكابدة الشدائد والرياضات.

(39 -‌

‌ باب قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ. . .} الآية [البقرة:

223])

اختلف في معنى {أَنَّى} فقيل: كيف، وقيل: حيث، وقيل: متى، وبحسب هذا الاختلاف جاء الاختلاف في تأويل الآية، انتهى من "الفتح"

(2)

.

وقال الحافظ في شرح الحديث: قوله: "يأتيها في" هكذا وقع في جميع النسخ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور، ووقع في "الجمع بين

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 67).

(2)

"فتح الباري"(8/ 189، 190).

ص: 38

الصحيحين"

(1)

للحميدي: "يأتيها في الفرج"، وهو من عنده بحسب ما فهمه، ثم وقفت على سلفه فيه وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصغاني:"زاد البرقاني، يعني: الفرج" وليس مطابقًا لما في نفس الرواية عن ابن عمر لما سأذكره، وقد قال أبو بكر بن العربي في "سراج المريدين": أورد البخاري هذا الحديث في التَّفسير فقال: "يأتيها في" وترك بياضًا، والمسألة مشهورة، صنف فيها محمد بن سحنون جزءًا، وصنف فيها محمد بن شعبان كتابًا، وبيَّن أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها، انتهى.

ثم ذكر الحافظ عدة روايات عن ابن عمر بطرق مختلفة فيه التصريح بأن الآية نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.

وتكلم على هذه الروايات القسطلاني أيضًا وقال

(2)

: ولم ينفرد ابن عمر بذلك بل رواه أيضًا أبو سعيد الخدري كما عند ابن جرير والطحاوي في "مشكله" بلفظ: إن رجلًا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه، فأنزل الله الآية، وقد نقل إباحة ذلك عن جماعة من السلف لهذا الحديث وظاهر الآية، ونسبه ابن شعبان لكثير من الصحابة والتابعين ولإمام الأئمة مالك في روايات كثيرة، قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" له: المشهور عن مالك إباحته، وأصحابه ينفون هذه المقالة عنه لقبحها وشناعتها، وهي عنه أشهر من أن تندفع بنفيهم عنه، انتهى.

لكن روى الخطيب عن مالك من طريق إسرائيل بن روح قال: سألت مالكًا عن ذلك فقال: ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع لا تعدو الفرج، قلت: يا أبا عبد الله إنهم يقولون: إنك تقول ذلك، قال: يكذبون علي يكذبون علي. فالظاهر أن أصحابه المتأخرين اعتمدوا على هذه القصَّة، ولعل مالكًا رجع عن قوله الأول، ولذا قال بعض المالكية: إن ناقل إباحته عن مالك كاذب مفتر، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد

(1)

(2/ 280)، (ح 1440).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 71).

ص: 39

والجمهور التحريم لورود النهي عن فعله وتعاطيه، وحملوا ما ورد عن ابن عمر على أنه يأتيها في قبلها من دبرها. . . إلى آخر ما بسط القسطلاني.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: "يأتيها في" ولم يذكر المجرور استهانةً وصونًا للسانه من أن يجري عليه شيء من هذا القبيل، ونسبه العلماء إلى ما هو خلاف الجمهور، فقالوا: إنه جوّز الإتيان في الدبر والظاهر على ذلك أنه أراد بالحرث المرأة مطلقًا لا موضع الوطء خاصًا كما اختاره الآخرون، فقالوا: ليس الدبر موضع الحرث فلم يجز إتيانها منه، فإذا أريدت بالحرث هي بتمامها لكونها محل نشوة الولد ومنبته كان المعنى: وأتوا نسوتكم من أين شئتم، هذا والصواب إرجاع كلامه إلى ما يوافق رأي الجمهور، فيقال: كلمة "في" ها هنا بمعنى من، أو يقال: المضاف المجرور هو الجانب، أي: ائتوها في أيّ جهاتها شئتم لا في أي صماخها شئتم، انتهى.

(40 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ. . .} الآية [البقرة:

231])

اتفق أهل التَّفسير على أن المخاطب بذلك الأولياء، ذكره ابن جرير وغيره، وروى ابن المنذر عن ابن عباس: هي في الرجل يطلق امرأته فتقضي عدتها فيبدو له أن يراجعها وتريد المرأة ذلك فيمنعه وليها، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(41 -‌

‌ باب قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا. . .} [البقرة: 234]) إلخ

ليس في "قس"

(3)

لفظ "باب".

قال الحافظ

(4)

: " {يَعْفُونَ}: يهبن. . ." إلخ، ثبت هذا ها هنا في

(1)

"لامع الدراري"(9/ 20، 21).

(2)

"فتح الباري"(8/ 192).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 74).

(4)

"فتح الباري"(8/ 194).

ص: 40

نسخة الصغاني، وهو تفسير أبي عبيدة، قال

(1)

: {يَعْفُونَ} يتركن، يهبن، وهو على رأي الحميدي خلافًا لمحمد بن كعب فإنه قال: المراد عفو الرجال، وهذه اللفظة ونظائرها مشتركة بين جمع المذكر والمؤنث، لكن في الرجال النون علامة الرفع، وفي النساء النون ضمير لهن، ووزن جمع المذكر يفعلون وجمع المؤنث يفعلن، انتهى.

قوله: (قال: قد نسختها الآية الأخرى) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: هي التي عقد لها الباب وبذلك يصح إيراد الرواية فيه، انتهى.

قوله: (كانت هذه العدة، تعتد عند. . .) إلخ، هذا البحث من مزالق الأقدام، والروايات في ذلك عن ابن عباس مختلفة، وكذا الفرق بين قول مجاهد وعطاء غامض كما بسط الكلام على ذلك في هامش "اللامع" من كلام الشرَّاح وغيره، ومن تقارير مولانا محمد حسن المكي المنقول عن شيخه الشيخ الكَنكَوهي وبسط الكلام عليه أيضًا في "اللامع" حيث كتب: حاصل كلامه هذا: أنه لا نسخ في شيء من الآيتين، وأن الأولى متقدمة في النزول على المتأخرة.

وحاصله: أنه يجب على المرأة أن تعتد أربعة أشهر وعشرًا، ويجب على الورثة تمتيعهن إلى تمام الحول، فإن قصدت المرأة أن تخرج في تلك المدة الزائد على أربعة أشهر وعشر كان لها ذلك، والظاهر أن ذلك بيان منه لما كانت عليه النساء قبل نزول الميراث، وإذا نزلت آية الميراث لم يبق لها وجوب الإيصاء على الأزواج فسقط التمتيع، وعلى هذا فلا يكون بين كلام عطاء ومجاهد خلاف، فلا يلزم تناف وتضاد بين كلام ابن عباس لأنهما يأخذان منه وينقلان منه، وعلى هذا فمعنى قوله: فالعدة كما هي واجب عليها أن المرأة تتربص هذه المدة ولا تتزوج وإن كان لها أن تذهب حيث شاءت، وأما حاصل كلام عطاء فإن المرأة كانت مأمورة بالاعتداد في بيته، فإذا نزلت الآية {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ. . .} إلخ، أبيح لهن الخروج قبل انقضاء

(1)

انظر: "مجاز القرآن"(1/ 76).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 22 - 27).

ص: 41

مدة العدة وأمر الأزواج بالإيصاء وورثتهم بعدم الإخراج، ثم لما نزلت آية الميراث سقط عنهن ذلك، فلم يبق إلا التربص حيث ما كان مدة أربعة أشهر وعشرًا، وهذا مخالف لما ذهب إليه الجمهور من أن الآية الأولى ناسخة للثانية، انتهى.

وذكر في هامش "اللامع": ثم لا يذهب عليك أن ها هنا ثلاث مسائل كلها خلافية، طالما يلتبس إحداها بالأخرى على نقلة المذاهب، الأولى: وجوب سكنى المتوفى عنها على الزوج يعني في ماله، والثانية: جواز خروجها عن بيت العدة ليلًا أو نهارًا لحوائجها، والثالثة: الاعتداد في بيتها الذي بلغها فيه نعيه سواء كانت السكنى عليها أو على زوجها، وبسط الكلام على تلك المسائل أشد البسط في "الأوجز"

(1)

.

أما مسألة المتوفى عنها زوجها في النفقة والسكنى، التي هي مسألة الباب ففي "الأوجز"

(2)

قال النووي: المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها بالإجماع، والأصح عندنا وجوب السكنى، ولو كانت حاملًا فالمشهور أنه لا نفقة لها كما لو كانت حائلًا، وقال بعض أصحابنا: تجب وهو غلط، انتهى.

وقال الباجي المالكي: المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها وإن كانت حاملًا، وقال الموفق: المعتدة من الوفاة إن كانت حائلًا فلا نفقة لها ولا سكنى، وإن كانت حاملًا ففيها روايتان: إحداهما: هذه، والثانية: لها السكنى والنفقة، وللشافعي في سكنى المتوفى عنها قولان، انتهى.

وفي "البدائع": المعتدة عن وفاة لا نفقة لها ولا سكنى في مال الزوج سواء كانت حائلًا أو حاملًا، إلى أن قال: إذا مات الزوج انتقل ملك أمواله إلى الورثة فلا يجوز أن تجب النفقة والسكنى في مال الورثة، انتهى ملخصًا من "الأوجز" وهامش "اللامع".

وسيأتي تفصيل الخلاف في المعتدات من المطلقة المبتوتة والرجعية

(1)

"أوجز المسالك"(11/ 417).

(2)

المصدر السابق.

ص: 42

والمتوفى عنها زوجها من حيث وجوب النفقة والسكنى في باب قصَّة فاطمة بنت قيس من كتاب العدة.

قوله: (فقال عبد الرحمن: ولكن عمه كان لا يقول ذلك. . .) إلخ، بل يقول: تعتد بأبعد الأجلين، قال الحافظ

(1)

: كذا نقل عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه، يعني: عن عبد الله بن مسعود، والمشهور عنه أنه كان يقول خلاف ما نقله ابن أبي ليلى فلعله كان يقول ذلك ثم رجع أو وهم الناقل عنه، انتهى.

وقال الحافظ

(2)

في كتاب العدة: وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجماعة حتى كان يقول من شاء لاعنته على ذلك، انتهى. وسيأتي شيء من الكلام على تلك المسألة في كتاب العدة.

(42 -‌

‌ باب قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى. . .} [البقرة:

238])

قال الحافظ

(3)

: هي تأنيث الأوسط، الأعدل من كل شيء، وليس المراد به التوسط بين الشيئين بأن فعلى معناها التفضيل، ولا ينبني للتفضيل إلا ما يقبل الزيادة والنقص، والوسط بمعنى الخيار، والعدل يقبلهما، بخلاف المتوسط فلا يقبلهما فلا ينبني منه أفعل تفضيل، انتهى.

قال القسطلاني

(4)

: قوله: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، أي: الوسطى بينها أو الفضلى منها من قولهم للأفضل الأوسط قاله الزمخشري، وتعقب بأن الذي يقتضيه الظاهر أن تكون الوسطى فعلى مؤنث الأوسط كالفضلى مؤنث الأفضل، وقال تعالى:{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي: أفضلهم، ومنه يقال: فلان واسطة قومه، أي: أفضلهم وعينهم، وليست من الوسط الذي معناه المتوسط بين الشيئين، ثم ذكر ما تقدم من كلام الحافظ. ثم الصلاة

(1)

"فتح الباري"(8/ 655).

(2)

"فتح الباري"(9/ 474).

(3)

"فتح الباري"(8/ 195).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 80).

ص: 43

الوسطى قال القسطلاني

(1)

: اختلف السلف والخلف في تعيينها، قال الترمذي والبغوي: أكثر علماء الصحابة وغيرهم أنها العصر. وقال الماوردي: إنه قول جمهور التابعين، وحكاه الدمياطي عن عمر وعلي وابن مسعود، ثم ذكر عدة أسماء وهو مذهب أحمد، قال ابن المنذر: إنه الصحيح عن أبي حنيفة وصاحبيه، واختاره ابن حبيب من المالكية لحديث علي مرفوعًا عند أحمد:"شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر"، وكذا عند مسلم والنسائي وأبي داود كل بلفظ صلاة العصر. . .، إلى آخر ما بسط القسطلاني في تأييده من الروايات، ثم قال: وقيل: إنها الصبح رواه مالك في موطئه بلاغًا عن علي وابن عباس، وهو مذهب مالك ونص عليه الشافعي محتجًا بقوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} والقنوت عنده في صلاة الصبح، وقيل: هي واحدة من الخمس لا بعينها، وأبهمت فيهن كليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر، واختاره إمام الحرمين، قال ابن كثير: والمدار ومعترك النزاع في الصبح أو العصر، وقد بيَّنت السُّنَّة أنها العصر فتعين المصير إليها، وقد جزم الماوردي بأن مذهب الشافعي أنها العصر وإن كان قد نص في الجديد أنها الصبح لصحة الأحاديث أنها العصر لقوله: إذا صح الحديث، وقلت قولًا فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك. لكن قد صمم جماعة من الشافعية أنها الصبح قولًا واحدًا، انتهى من "القسطلاني" مختصرًا.

وبسط الكلام على تعينها في "البذل"

(2)

وكذا في "الأوجز"

(3)

وفيه اختلفوا في تعيينها على أكثر من عشرين قولًا، ثم ذكر فيه اثنين وعشرين قولًا حكاه العيني عن الدمياطي في كتاب "كشف المغطى عن الصلاة الوسطى" والمشهور منها ثلاثة أقوال:

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 81).

(2)

"بذل المجهود"(3/ 67، 68).

(3)

"أوجز المسالك"(3/ 86).

ص: 44

الأول: الصبح، وهو مذهب مالك والشافعي.

والثاني: العصر، وبه قال أبو حنيفة وأحمد.

والثالث: إنها الظهر، وبه قال زيد بن ثابت وعروة، انتهى.

(43 -‌

‌ باب قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] مطيعين)

هو تفسير ابن مسعود أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد صحيح، ونقله أيضًا عن ابن عباس وجماعة من التابعين، وذكر من وجه آخر عن ابن عباس قال:{قَانِتِينَ} أي: مصلين، وعن مجاهد قال: من القنوت الركوع والخشوع وطول القيام وغض البصر وخفض الجناح والرهبة لله. وأصح ما دل عليه حديث الباب - وهو حديث زيد بن أرقم - في أن المراد بالقنوت في الآية السكوت، والمراد به السكوت عن كلام الناس لا مطلق الصمت؛ لأن الصلاة لا صمت فيها بل جميعها قرآن وذكر، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وفي "بذل المجهود"

(2)

عن "مجمع البحار": القنوت يرد بمعنى طاعة وخشوع وصلاة ودعاء وعبادة وقيام وطول قيام وسكوت، فيصرف كل منها إلى ما يحتمله لفظ الحديث، انتهى.

وقال ابن العربي في "شرح الترمذي"

(3)

: للقنوت عشر معان، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

قوله: "أي: مطيعين" وغاية الإطاعة أن ينتهي عن كل شيء مما يخالف الحضور، ومنه الكلام، فصح إيراد الرواية الدالة على وجوب السكوت في هذا الباب، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 198، 199).

(2)

"بذل المجهود"(6/ 108).

(3)

"عارضة الأحوذي"(2/ 178، 179).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 30).

ص: 45

(44 -‌

‌ باب قوله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا. . .} إلخ، [البقرة:

239])

ليس في "قس"

(1)

لفظ "باب".

وقال: قوله: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} نصب على الحال تقديره: فصلوا رجالًا. ورجالًا جمع راجل. كقائم وقيام، وأو للتقسيم أو الإباحة أو التخيير، انتهى.

ذكر فيه حديث ابن عمر في صلاة الخوف، وتقدم الكلام على المسألة في أبواب صلاة الخوف، وتقدم هناك أيضًا لاختلاف في تفسير قوله:{رِجَالًا} كرسيه: علمه.

قال الحافظ

(2)

: وصله سفيان الثوري في "تفسيره" في رواية أبي حذيفة عنه بإسناد صحيح، وأخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير، فزاد فيه: عن ابن عباس، وأخرجه العقيلي من وجه آخر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، والموقوف أشبه، قال العقيلي: إن رفعه خطأ، ثم هذا التَّفسير غريب، وقد روي عن ابن عباس أن الكرسي موضع القدمين، وعن السدي أن الكرسي بين يدي العرش، وليس ذلك مغايرًا لما قبله، والله أعلم، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سره في "اللامع"

(3)

: قوله: "كرسيه علمه" فسره به؛ لأن المقصود في الآية بيان سعة علمه تبارك وتعالى، وإحاطة كرسيه بمعنى موضع الجلوس لا يقتضي إحاطة علمه بما أحاطه به كرسيه، فبيَّن أنه مجاز وأن المراد به علمه، والوجه في ذلك أن الجالس على شيء أقدر ما يكون عليه وأعلم بحاله من غيره، فيكون قادرًا على ما أحاطه به كرسيه وعالمًا به أيضًا، انتهى.

وذكر في "هامشه" كلام الشرَّاح والمفسرين.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 84).

(2)

"فتح الباري"(8/ 199).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 31).

ص: 46

(45 -‌

‌ باب قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:

240])

ليس في "قس" لفظ "باب" وقال

(1)

: سقطت الآية لغير أبي ذر فصار الحديث الآتي من الباب السابق.

قال الحافظ: ذكر فيه حديث ابن الزبير مع عثمان، وقد تقدم قبل بابين، وسقطت الترجمة لغير أبي ذر فصار من الباب الذي قبله عندهم، انتهى من "الفتح"

(2)

.

وزاد العيني

(3)

: وكان المناسب أن يذكر حديث هذا الباب بلا ترجمة عند الباب المترجم بهذه الآية، انتهى.

قلت: ولا يخفى عليك أن هذه الآية غير الآية المذكورة في الترجمة السابقة، فإن المذكور سابقًا آية التربص، والمراد ها هنا آية الحول كما يدل عليه نسخة الحاشية، وكذا حديث الباب والآية الأولى منهما وإن كانت ناسخة وكان حقها أن تذكر بعد الآية المنسوخه، لكن قدمها رعاية لترتيب التلاوة، وأفاد صاحب "الخير الجاري" كما في هامش النسخة "الهندية"

(4)

: ولعل مقصود البخاري من ذكره ها هنا الإعلام بأن المنسوخ يكتب إذا لم ينسخ تلاوته كما ظن ابن الزبير، وكان المقصود من الباب السابق بيان عدة المتوفى عنها زوجها وما يتعلق به، وكان بيان كل منهما مقصودًا عنده فعقد لكل بابًا، وذكر حديث ابن أبي مليكة سابقًا لأجل بيان النسخ بالكريمة، وهذا صنعته في هذا الكتاب المستطاب، ولهذا إكتفى ها هنا بهذا الحديث وذكر ثمة ما فيه بيان العدة وأقوال السلف فيه، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 87).

(2)

"فتح الباري"(8/ 201).

(3)

"عمدة القاري"(12/ 473).

(4)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(8/ 775).

ص: 47

(46 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} الآية [البقرة:

260])

ليس في "قس" لفظ "باب".

قال الحافظ

(1)

: قوله: " {فَصُرْهُنَّ}: قطعهن. . ." إلخ، ثبت هذا لأبي ذر وحده، وقد أخرجه ابن أبي حاتم من وجهين عن ابن عباس ومن وجه آخر عن ابن عباس قال:{فَصُرْهُنَّ} أي: أوثقهن، ثم اذبحهن. وقد اختلف نقلة القراءات في ضبط هذه اللفظة عن ابن عباس فقيل: بكسر أوله كقراءة حمزة، وقيل: بضمه كقراءة الجمهور، وقيل: بتشديد الراء مع ضم أوله وكسره، من: صره يصره إذا جمعه، ونقل أبو البقاء تثليث الراء في هذه القراءة وهي شاذة، قال عياض: تفسير صرهن بقطعهن غريب، والمعروف أن معناها أملهن، يقال: صاره يصيره ويصوره إذا أماله، وقال ابن التين: صرهن بضم الصاد معناها ضمهن، وبكسرها قطعهن، قلت: ونقل أبو علي الفارسي أنهما بمعنى واحد، وذكر صاحب "المغرب" أن هذه اللفظة بالسريانية، وقيل: بالنبطية لكن المنقول أولًا يدل على أنها بالعربية، والعلم عند الله تعالى، انتهى مختصرًا.

(47 -‌

‌ باب قوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ. . .} [البقرة: 266]) إلخ

قال الحافظ

(2)

بعد ذكر حديث الباب: وأخرج ابن المنذر هذا الحديث من وجه آخر عن ابن أبي مليكة، وعنده بعد قوله:"أي عمل؟ " قال ابن عباس: شيء ألقي في روعي، فقال: صدقت يا ابن أخي. ولابن جرير من وجه آخر عن ابن أبي مليكة: "عنى بها العمل، ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنه وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى

(1)

"فتح الباري"(8/ 201).

(2)

المصدر السابق (8/ 202).

ص: 48

عمله يوم يبعث، صدقت يا ابن أخي"، وفي الحديث قوة فهم ابن عباس، وقرب منزلته من عمر رضي الله عنه، وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية لما فيه من تنشيطه وبسط نفسه وترغيبه في العلم، انتهى.

قوله: (الله أعلم. فغضب عمر. . .) إلخ، وأجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

إذ كتب: والفرق بين عمر والنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان لا يغضب حين كانوا يذكرون له هذه الكلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان معلمًا بعث للتعليم، ولا شك أن الله تعالى ورسوله أعلم كما قالوا؛ فكان لا يضر ذلك في التعليم الذي هو مبعوث له بخلاف مقالتهم هذه لعمر فإنه كان يمتحنهم، والتبس الأمر حين أجابوا بذلك فإنه يصح من العالم والجاهل كليهما، فلم يتبين من عَلِمَ منهم ممن لم يعلم. وقوله:"قال ابن عباس: ضربت مثلًا لعلم. . ." إلخ، بتنوين التنكير، أي: لعملٍ أيه كان ولا أدري ما هو، انتهى.

وذكر في هامشه ما يؤيد كلام الشيخ قُدِّس سرُّه، فارجع إليه.

(48 -‌

‌ باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] يقال: ألحف عليّ. . .) إلخ

ليس في "قس" لفظ "باب".

قال الحافظ: هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى: {. . . وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} [محمد: 36، 37] يقال: أحفاني بالمسألة وألحف عليّ وألحّ علي بمعنى واحد، واشتقاق ألحف من اللحاف لأنه يشتمل على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في التغطية، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 33، 34).

(2)

"فتح الباري"(8/ 203).

ص: 49

(49 -‌

‌ باب قول الله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:

275])

ليس في "قس" لفظ "باب".

قال الحافظ: المس الجنون هو تفسير الفراء، قال في قوله تعالى:{لَا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، أي: لا يقوم في الآخرة، قال: والمس الجنون، والعرب تقول: ممسوس، أي: مجنون، انتهى.

وقال أبو عبيدة: المس اللمم من الجن، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(50 -‌

‌ باب قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276] قال أبو عبد الله: يذهبه)

سقط لفظ "باب" في نسخة "قس".

وقال الحافظ

(2)

: قوله: "يذهبه. . ." إلخ، هو تفسير أبي عبيدة، وأخرج أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث ابن مسعود رفعه:"أن الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قلة" ثم ذكر المصنف حديث عائشة المذكور قبله من وجه آخر، ومراده الإشارة إلى أن هذه الآية من جملة الآيات التي ذكرتها عائشة، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: قوله: "يذهبه" وأراد بذلك أن المراد بالمحق أعلى مراتبه، انتهى.

وفي هامشه: نبَّه الشيخ قُدِّس سرُّه بذلك على أن أصل معنى المحق النقص كما في اللغة، فتفسيره بيذهبه للإشارة إلى كماله. . .، إلى آخر ما فيه.

(1)

"فتح الباري"(8/ 203).

(2)

"فتح الباري"(8/ 204).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 34).

ص: 50

(51 -‌

‌ باب قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] فاعلموا)

وفي نسخة "القسطلاني"

(1)

: {فَأْذَنُوا. . .} إلخ، وقال: وفي نسخة "باب {فَأْذَنُوا} "، انتهى.

وقال الحافظ

(2)

: قوله: "فاعلموا" هو تفسير {فَأْذَنُوا} على القراءة المشهورة بإسكان الهمزة وفتح الذال، قال أبو عبيدة: معنى قوله: {فَأْذَنُوا} : أيقنوا، وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم:(فآذنوا) بالمد وكسر الذال، أي: آذنوا غيركم وأعلموهم، والأول أوضح في مراد السياق، انتهى من "الفتح".

(52 -‌

‌ باب قوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:

280])

هكذا في النسخ "الهندية" وليس في نسخ الشروح الثلاثة.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: مناسبته بالرواية الواردة فيه من حيث إن المأمور به وهو الإنظار والتصدق فكيف بمن يأخذ زيادة على أصل ماله، انتهى.

قلت: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في بيان مناسبة الحديث بالترجمة، وقال القسطلاني

(4)

: في هذا الباب: اقتضى صنيع المؤلف في هذه التراجم أن المراد بالآيات آيات الربا كلها إلى آية الدين، انتهى.

وهكذا قال الحافظ

(5)

في باب: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، وقال العلَّامة العيني

(6)

: قال الإسماعيلي: لا وجه لدخول هذه الآية - أي:

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 94).

(2)

"فتح الباري"(8/ 204).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 34).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 95).

(5)

"فتح الباري"(8/ 204).

(6)

"عمدة القاري"(12/ 479).

ص: 51

{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ. . .} إلخ -، في هذا الباب، وأجيب بأن هذه الآية متعلقة بآيات الربا فلذلك ذكرها معها، انتهى.

وفي هامش النسخة الهندية

(1)

: وأشار المصنف بإيراد الحديث الواحد في هذه التراجم إلى أن المراد بالآيات آيات الربا كلها إلى آخر آية الدين، قال في "الخير الجاري" ما حاصله: إن مطابقة أحاديث هذه الأبواب بتراجمها المشتملة على الآيات من حيث بيان زمان قراءتها ومكانها وبيان حرمة تجارة الخمر عند ذلك، انتهى.

(53 -‌

‌ باب قوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الآية [البقرة:

281])

قرأ الجمهور بضم التاء من {تُرْجَعُونَ} مبنيًا للمجهول، وقرأ أبو عمرو وحده بفتحها مبنيًا للفاعل، قاله الحافظ

(2)

. وقال بعد ذكر الحديث: كذا ترجم المصنف بقوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} وأخرج هذا الحديث بهذا اللفظ، ولعله أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس فإنه جاء عنه ذلك من هذا الوجه، وجاء عنه من وجه آخر: آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} أخرج الطبري من طرق عنه، وزاد عن ابن جريج قال: يقولون: إنه مكث بعدها تسع ليالٍ، ونحوه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وروى عن غيره أقل من ذلك وأكثر، فقيل: إحدى وعشرين، وقيل: سبعًا، وطريق الجمع بين هذين القولين (المحكيين عن ابن عباس) أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا، إذ هي معطوفة عليهن، وأما ما سيأتي في آخر سورة النساء من حديث البراء: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] فيجمع بينه وبين قول ابن عباس بأن الآيتين نزلتا

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(8/ 784).

(2)

"فتح الباري"(8/ 205).

ص: 52

جميعًا فيصدق أن كلًّا منهما آخر بالنسبة لما عداهما، ويحتمل أن تكون الآخرية في آية النساء مقيَّدة بما يتعلق بالمواريث مثلًا بخلاف آية البقرة، ويحتمل عكسه، والأول أرجح. . .، إلى آخر ما قال في "الفتح". وقال أيضًا: المراد بالآخرية في الربا تأخر نزول الآيات المتعلقة به من سورة البقرة، وأما حكم تحريم الربا فنزوله سابق لذلك بمدة طويلة على ما يدل عليه قوله تعالى في آل عمران في أثناء قصَّة أحد:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130]، انتهى.

(54 -‌

‌ باب قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ. . .} [البقرة: 284]) إلخ

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: "قد نسخت {وَإِنْ تُبْدُوا. . .} " إلخ، أراد بالنسخ التخفيف فإن النسخ إنما هو في الأحكام وها هنا ليس كذلك، فالمراد أنه خفف عن الأمة، انتهى.

وفي هامشه: قال الحافظ

(2)

: المراد بقوله: "نسختها" أي: أزالت ما تضمنته من الشدة وبيَّنت أنه وإن وقعت المحاسبة به لكنها لا تقع المؤاخذة به، أشار إلى ذلك الطبري فرارًا من إثبات دخول النسخ في الأخبار، وأجيب بأنه وإن كان خبرًا لكنه يتضمن حكمًا، ومهما كان من الأخبار يتضمن الأحكام أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام، وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبرًا محضًا لا يتضمن حكمًا؛ كالإخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك. ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ في الحديث التخصيص فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيرًا، والمراد بالمحاسبة بما يخفي الإنسان ما يصمم عليه ويشرع فيه دون ما يخطر له ولا يستمر عليه، والله أعلم انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 35).

(2)

"فتح الباري"(8/ 207).

ص: 53

(55 -‌

‌ باب قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة:

285])

قال الحافظ: أي: إلى آخر السورة.

قوله: "وقال ابن عباس: إصرًا عهدًا" وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: 286]، أي: عهدًا، وأصل الإصر الشيء الثقيل، ويطلق على الشديد، وتفسيره بالعهد تفسير باللازم؛ لأن الوفاء بالعهد شديد، انتهى.

(3)

‌ سورة آل عمران

هكذا في النسخ "الهندية" و"القسطلاني" بغير بسملة، وفي نسخة "الفتح" و"العيني" بزيادة:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر، ولم أر البسملة لغيره.

قوله: (تقاة وتقية) بوزن مطية (واحدة) وفي نسخة: "واحد"، أي: كلاهما مصدر بمعنى واحد، وبالثانية قرأ يعقوب، والتاء بدل من الواو؛ لأن أصل تقاة وقية مصدر على فعلة من الوقاية، وأراد المؤلف قوله تعالى:{إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] المسبوق بقوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [آل عمران: 28] أي: اتخاذهم أولياء {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} أي: إلا أن تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه، والاستثناء مفرغ من المفعول من أجله، أي: لا يتخذ المؤمن الكافر وليًا لشيء من الأشياء إلا للتقية ظاهرًا، فيكون مواليه في الظاهر ومعاديه في الباطن، انتهى. كله من "القسطلاني"

(2)

.

قوله: (والمسوم الذي له سيماء بعلامة) كتب الشيخ في "اللامع"

(3)

:

(1)

"فتح الباري"(8/ 207).

(2)

إرشاد الساري" (10/ 99).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 36).

ص: 54

ولا تكون العلامة بحسب العادة إلا للحصان المطهَّم فلا فصل بين التَّفسيرين، انتهى.

قوله: (يخرج منها الحي) كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: والخروج ها هنا عبارة عن كون بعد كونٍ فإن نشأة الخلق في المضغة والسقط والجنين وراء نشأة النطفة مع كونها أصلًا لتلك الأطوار المختلفة فكأنها هي المخرج.

(1 -‌

‌ باب: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] وقال مجاهد: الحلال والحرام. . .) إلخ

كذا في النسخ "الهندية""والقسطلاني"، وليس في نسخة "الفتح""والعيني" لفظ "باب".

قال الحافظ

(2)

: ثبت عند أبي ذر عن شيخه قبل قوله: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} باب بغير ترجمة، وقال أيضًا

(3)

بعد ذكر قول مجاهد من قوله: "الحلال والحرام" إلى قوله: " {زَادَهُمْ هُدًى} ": هكذا وقع فيه وفيه تغيير، وبتحريره يستقيم الكلام، وقد أخرجه عبد بن حميد بسنده إلى مجاهد قال في قوله تعالى:{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} قال: ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضًا، هو مثل قوله:{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26]. . .، إلى آخر ما ذكره، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: قوله: يصدق بعضه بعضًا، والضمير عائد إلى المتشابهات باعتبار كونها قرآنًا، ثم التقابل بين المتشابهات والمحكمات بحسب هذا التَّفسير غير ظاهر؛ لأن المحكمات نفسها تصدق بعضها بعضًا فدخلت في المتشابهات، إلا أن يقال: أريد بها ها هنا بقرينة

(1)

"لامع الدراري"(9/ 36).

(2)

"فتح الباري"(8/ 210).

(3)

"فتح الباري"(8/ 209).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 37 - 40).

ص: 55

المقابلة ما لا تصدق بعضها بعضًا، فاللفظ وإن كان عامًا لكن المراد بها خاص، وصار المعنى: منه آيات هي متفردة في بيان معانيها لا تصدقها الآيات الأخر، ومنها ما هي متصادقة، فالأولى المحكمات والثانية المتشابهات. بقي ها هنا شيء وهو أنه قال الله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] والتقرير المتقدم يقتضي علم كل من أهل العلم بالمتشابه؛ لأنه داخل في جملة المحكمات بحسب هذا التَّفسير والتقسيم، والجواب أن المراد بما تشابه غير المراد بالمتشبهات، واختصاص الربّ تبارك وتعالى بالعلم دون العلماء في الأول دون الثاني، فالمتشابهات بهذا المعنى يعلمها العلماء والذي تشابه منه لا يعلمه إلا الله.

وقوله: ({ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}) المشتبهات فسر الفتنة بالمشتبهات بمعنى الأمور الملتبسة الغير الظاهرة والمعنى أن أصحاب الزيغ يتبعون ما تشابه من القرآن ليبتغوا بذلك طريقًا إلى إثارة الفتنة في اعتقادات العوام وإظهار الشبهات الزائغة للأنام، انتهى.

وقال السندي: حاصل ما ذكره في تفسيره أنها متناسبات يشبه بعضها بعضًا في المعنى بحيث يصير كل منها كالمصدق لصاحبه، ولا يخفى أن هذا المعنى غير مناسب لما بعده وأن المناسب به أن يفسر بالمشتبهات التي يشتبه ويلتبس معانيها بحيث لا تكاد تفهم، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ. . .} [آل عمران: 77] لا خير. . .) إلخ

قال أبو عبيدة في قوله: {مِنْ خَلَاقٍ} أي: نصيب من خير.

قوله: (أليم مؤلم. . .) إلخ، هو كلام أبي عبيدة أيضًا، ثم ذكر حديث ابن مسعود:"من حلف يمين صبر" وفيه قول الأشعث في هذه الآية أنها

ص: 56

نزلت فيه وفي خصمه حين تحاكما في البئر، وحديث عبد الله بن أبي أوفى أنها نزلت في رجل أقام سلعة في السوق. . . إلخ، وقد تقدما جميعًا في الشهادات، وأنه لا منافاة بينهما، ويحمل على أن النزول كان بالسببين جميعًا، ولفظ الآية أعم من ذلك، ولهذا وقع في صدر حديث ابن مسعود ما يقتضي ذلك، وذكر الطبري من طريق عكرمة أن الآية نزلت في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة من شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا وحلفوا أنه من عند الله، وقصّ الكلبي في "تفسيره" في ذلك قصَّة طويلة وهي محتملة أيضًا لكن المعتمد في ذلك ما ثبت في "الصحيح"، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (كانتا تخرزان في البيت أو في الحجرة) وفي نسخة "الفتح": في بيت وفي الحجرة، قال الحافظ

(2)

: كذا للأكثر بواو العطف، وللأصيلي وحده:"في بيت أو في الحجرة" بأو، والأول هو الصواب، ثم ذكر شرحه وسبب وقوع الخطإ فيه فارجع إليه.

(4 -‌

‌ باب قوله: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. . .} الآية [آل عمران:

64])

قال الحافظ

(3)

: قوله: " {سَوَاءٍ}: قصدًا" كذا لأبي ذر بالنصب، ولغيره بالجر فيهما، وهو أظهر على الحكاية؛ لأنه يفسر قوله:{إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} ، وقد قرئ في الشواذ بالنصب وهي قراءة الحسن البصري، أي: استوت سواء، والقصد بفتح القاف وسكون المهملة: الوسط المعتدل، قال أبو عبيدة في قوله:{إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} أي: عدل. وعن أبي العالية أن المراد بالكلمة لا إله إلا الله، وعلى ذلك

(1)

"فتح الباري"(8/ 213).

(2)

"فتح الباري"(8/ 214).

(3)

"فتح الباري"(8/ 216).

ص: 57

يدل سياق الآية. ثم ذكر المصنف حديث أبي سفيان في قصَّة هرقل بطوله، انتهى.

وشرح الحافظ ها هنا الحديث بطوله مفصلًا وقال

(1)

: وقد شرحته في بدء الوحي، وأحلت بقية شرحه على الجهاد فلم يقدر إيراده هناك فأوردته ها هنا، انتهى.

قلت: وكثيرًا ما يقع هكذا للحافظ قُدِّس سرُّه كما لا يخفى على ناظر شرحه.

ثم هذه الآية المترجم بها في هذا الباب مقدمة على الآية المترجم بها في الباب السابق، ولم يتعرض لهذا التقديم والتأخير الشرَّاح ولا لاختلاف النسخ فيمكن أن يقال: إنه مبني على تصرف النساخ، وسيأتي نظيره في تفسير سورة النساء أيضًا.

(5 -‌

‌ باب قوله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:

92])

ذكر المصنف فيه حديث أنس في قصة بيرحاء، وقد مضى في كتاب الزكاة في "باب الزكاة على الأقارب".

قوله: (وأنا أقرب إليه. . .) إلخ، وقد تقدم في كتاب الوصايا:"وكانا أقرب إليه مني"، وتقدم الجمع بينهما هناك فلا حاجة إلى إعادته.

(6 -‌

‌ باب قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} الآية [آل عمران:

93])

ذكر فيه حديث ابن عمر في قصَّة اليهوديين، وقد سبق مختصرًا في "الجنائز" ويأتي في "الحدود"، وقوله:"يحني عليها" بفتح حرف المضارع

(1)

"فتح الباري"(8/ 216).

ص: 58

وسكون الحاء المهملة وكسر النون بعدها تحتية، أي: يميل وينعطف، وفي نسخة يجنؤ بفتح أوله وسكون الجيم وبعد النون المفتوحة همزة مضمومة، أي: أكب، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

وقال أيضًا: وفي هذه القصَّة من حديث جابر عند أبي داود في "سننه": أنه شهد عنده صلى الله عليه وسلم أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة.

قال النووي: فإن صح هذا فإن كان الشهود مسلمين فظاهر، وإن كانوا كفارًا فلا اعتبار بشهادتهم، ويتعين أنهما أقرا بالزنا فلذا حكم عليه الصلاة والسلام برجمهما.

وفي هذا الحديث من الفوائد: وجوب حد الزنا على الكافر، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والجمهور، خلافًا لمالك حيث قال: لا حد عليه، وأنه ليس من شرط الإحصان المقتضي للرجم الإسلام، وهو مذهب الشافعي وأحمد خلافًا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا: لا يرجم الذمي؛ لأن من شرط الإحصان الإسلام، وأن أنكحة الكفار صحيحة وإلا لما ثبت إحصانهم، وأنهم مخاطبون بالفروع خلافًا للحنفية، انتهى.

وفي "الفيض"

(2)

: ثم إن في الحديث معركة للقوم وهي أن الإسلام شرط لإحصان الرجم عند إمامنا فكيف رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية مع كونهما كافرين؟ وذهب الشافعي إلى أن الكافر أيضًا يرجم، وفيه تفصيل عند المالكية، وبالجملة الحديث وارد على الحنفية. ثم إن ابن أبي شيبة أفرد كتابًا سماه "كتاب الرد على أبي حنيفة" وعدّد فيه مسائل الحنفية التي تناقض الأحاديث عنده، وبلغ عددها زهاء مائة وأربعة، وبدأ كتابه بهذا الحديث، وقد أجاب العلَّامة القاسم بن قطلوبغا عن كتابه ولكنه مفقود لا يوجد، ثم إن الطحاوي أجاب عن حديث الباب وأصاب.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 122).

(2)

"فيض الباري"(5/ 228).

ص: 59

وحاصله: أن شرط الإحصان في شرعنا نزل بعد هذه القضية، فالقضايا التي كانت قبلها لا ترد علينا، وكان رجمه إذ ذاك بحكم التوراة ولم يكن فيه شرط الإحصان، قلت: ويعلم من "فتح الباري" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل بشريعة التوراة فيما لم ينزل فيه شرعه قبل الفتح، ثم خالف بعده إلى آخر ما قال.

(7 -‌

‌ باب قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:

110])

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تفسيرها غير مرفوع، وقد تقدم في أواخر الجهاد من وجه آخر مرفوعًا، وهو يرد قول من تعقب البخاري فقال: هذا موقوف لا معنى لإدخاله في المسند.

وقوله: (خير الناس للناس. . .) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: فيه إشارة إلى أن "للناس" متعلق بقوله: {خَيْرَ} لا بقوله: {أُخْرِجَتْ} والمعنى: أنتم خير الأمم في حق الناس لا أنكم خير من أخرجت للناس من الأمم، انتهى.

وفي هامشه: قال البغوي: وقال قوم: قوله: {لِلنَّاسِ} صلة قوله: {خَيْرَ أُمَّةٍ} أي: أنتم خير أمة للناس، وقيل: قوله: {لِلنَّاسِ} صلة قوله: {أُخْرِجَتْ} معناه: ما أخرج الله للناس أمة خيرًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، انتهى.

وقال الحافظ

(3)

: قوله: "خير الناس. . ." إلخ، أي: خير بعض الناس لبعضهم، أي: أنفعهم لهم، وإنما كان ذلك لكونهم كانوا سببًا في إسلامهم، وبهذا التقرير يندفع تعقب من زعم بأن التَّفسير المذكور ليس بصحيح، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدّي قال: قال عمر: لو شاء الله تعالى لقال: أنتم خير أمة، وكنا كلنا، ولكن قال: كنتم، فهي خاصة

(1)

"فتح الباري"(8/ 224).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 40).

(3)

"فتح الباري"(8/ 225).

ص: 60

لأصحاب محمد ومن صنع مثل صنيعهم، وهذا منقطع، وروى عبد الرزاق وأحمد وغيرهما من حديث ابن عباس بإسناد جيد قال: هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أخص من الذي قبله. وللطبراني عن عكرمة، قال: نزلت في ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل، وهذا موقوف فيه انقطاع، وهو أخص مما قبله.

وجاء في سبب هذا الحديث ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال: كان من قبلكم لا يأمن هذا في بلاد هذا ولا هذا في بلاد هذا، فلما كنتم أنتم أمن فيكم الأحمر والأسود. ومن وجه آخر عنه قال: لم تكن أمة دخل فيها من أصناف الناس مثل هذه الأمة، وعن أُبي بن كعب قال: لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة، أخرجه الطبري بإسناد حسن عنه، وهذا كله يقتضي حملها على عموم الأمة، وبه جزم الفراء واستشهد بقوله:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} [الأنفال: 26]، وقوله:{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} [الأعراف: 86] قال: وحذف كان في مثل هذا وإظهارها سواء، وقال غيره: المراد بقوله: {كُنْتُمْ} في اللوح المحفوظ أو في علم الله، ورجح الطبري أيضًا حمل الآية على عموم الأمة، وأيّد ذلك بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: "أنتم متمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" وهو حديث حسن صحيح أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه، وفي حديث علي عند أحمد بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وجعلت أمتي خير الأمم"، انتهى من "الفتح".

(8 -‌

‌ باب قوله: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران:

122])

تقدمت هذه الترجمة في المغازي مع شرحه.

ص: 61

(9 -‌

‌ باب قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:

128])

قال الحافظ

(1)

: سقط "باب" لغير أبي ذر، وتقدم هذا الباب أيضًا في المغازي وتقدم هناك شرحه.

(10 -‌

‌ باب قوله: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153] وهو تأنيث آخركم)

قال الحافظ

(2)

: كذا وقع فيه، وهو تابع لأبي عبيدة فإنه قال:{أُخْرَاكُمْ} : آخركم، وفيه نظر لأن أخرى تأنيث آخر بفتح الخاء لا كسرها، وقد حكى الفراء أن من العرب من يقول: في أخراتكم بزيادة المثناة، وهكذا قال العيني

(3)

.

وفي شرح القسطلاني

(4)

: وتعقبه في "المصابيح" فقال: نظر البخاري أدق من هذا، وذلك أنه لو جعل أخرى ها هنا تأنيثًا لآخر بفتح الخاء لم يكن فيه دلالة على التأخر الوجودي وذلك لأنه أميتت دلالته على هذا المعنى بحسب العرف، وصار إنما يدل على الوجهين بالمغايرة فقط، تقول: مررت برجل حسن ورجل آخر، أي: مغاير للأول وليس المراد تأخره في الوجود عن السابق، والمراد في الآية الدلالة على التأخر فلذلك قال:"تأنيث آخركم" بكسر الخاء لتصير أخرى دالة على التأخر كما في {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} [الأعراف: 39] أي: المتقدمة للمتأخرة، واستعماله في هذا المعنى موجود في كلامهم بل هو الأصل، انتهى.

وسيأتي توجيه هذا الإيراد في كلام الشيخ قُدِّس سرُّه أيضًا قريبًا، قلت: وتقدم التبويب بصدر هذه الآية أعني {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى

(1)

"فتح الباري"(8/ 226).

(2)

"فتح الباري"(8/ 227).

(3)

"عمدة القاري"(12/ 504).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 128).

ص: 62

أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ} الآية [آل عمران: 153]، في المغازي، وتقدم أيضًا هناك شرحه.

قوله: (وقال ابن عباس: {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ. . .} [التوبة: 52]) إلخ، قال الحافظ

(1)

: كذا وقع هذا التعليق بهذه الصورة ومحله في سورة براءة ولعله أورده ها هنا للإشارة إلى أن إحدى الحسنيين وقعت في أُحد وهى الشهادة، انتهى.

وكذا أورد العلَّامة العيني

(2)

في ذكر هذا القول ها هنا ولم يذكر الجواب كما أجاب الحافظ.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه

(3)

: إيراده ها هنا تنظير على ما ذكره من أن الأخرى تأنيث الآخر بالكسر لا الآخر بالفتح حتى يكون اسم تفضيل، والوجه في ذلك أن كونه اسم تفضيل يقتضي أن يكون له مفضل عليه مع أنه ليس تفضيله على شيء آخر مقصودًا، أما في قوله:{أُخْرَاكُمْ} فلأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن في آخر الآخر حتى يصدق عليه اسم التفضيل، وأما في الحسنى فلأن المقصود بيان حسن الشهادة والفتح في نفسهما لا باعتبار فضيلتهما على غيرهما، وعلى هذا فليس ذكر إحدى الحسنيين في غير موضعه، انتهى.

(11 -‌

‌ باب قوله: {أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران:

154])

أي: أنزل الله عليكم بسبب ما أصابكم من الغم الأمن حتى أخذ بكم النعاس، قاله القسطلاني

(4)

.

وقال الحافظ

(5)

: ذكر فيه حديث أبي طلحة في النعاس يوم أُحد وقد تقدم في المغازي

(6)

من وجه آخر عن قتادة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 227).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 504).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 41، 42).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 130).

(5)

"فتح الباري"(8/ 228).

(6)

انظر: "فتح الباري"(7/ 365)، ولا يوجد فيه شرح، وإنما شرح في (7/ 362).

ص: 63

قلت: قد تقدم الكلام عليه في باب قوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122] وقد ترجم البخاري في المغازي أيضًا بباب {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154] وذكر هناك أيضًا حديث أبي طلحة.

(12 -‌

‌ باب قوله: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران:

172])

تقدمت هذه الترجمة في المغازي وتقدم هناك أيضًا بيان سبب نزوله.

قال الحافظ رحمه الله

(1)

: لم يسق البخاري في هذا الباب حديثًا وكأنه بيض له، واللائق به حديث عائشة أنها قالت لعروة في هذه الآية: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، وقد تقدم في المغازي.

قوله: (القرح الجراح) هو تفسير أبي عبيدة، وكذا أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير مثله، وروى سعيد بن منصور عن ابن مسعود: أنه قرأ "القرح" بالضم، قلت: وهي قراءة أهل الكوفة، وذكر أبو عبيدة عن عائشة أنها قالت: أقرأها بالفتح لا بالضم، قال الأخفش: القرح بالضم وبالفتح المصدر، فالضم لغة أهل الحجاز والفتح لغة غيرهم؛ كالضعف والضعف، وحكى الفراء أنه بالضم الجرح وبالفتح ألمه، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: (استجابوا: أجابوا)، قال الحافظ

(3)

: هو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ} أي: أجابهم، تقول العرب: استجبتك، أي: أجبتك، وقال في قوله تعالى:{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: يجيب الذين آمنوا، وهذه في سورة الشورى، وإنما أوردها المصنف استشهادًا للآية الأخرى، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 228).

(2)

المصدر السابق.

(3)

المصدر السابق.

ص: 64

وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: يعني: أن السين ليست للطلب وإنما عدل إليه ليكون أدلّ على المبادرة إلى امتثال ما أمروا، فكأنهم طلبوا ذلك من نفوسهم وكان ذلك ناشئ من قلوبهم لا دخل فيه لقول أحد، انتهى.

قلت: وقد أبدع الشيخ قُدِّس سرُّه في بيان النكتة في هذا العدول ولم يتعرض لذلك الشرَّاح.

(13 -‌

‌ باب {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الآية [آل عمران:

173])

وهكذا في نسخة "العيني"، وهو رواية أبي ذر، وفي نسخة "الفتح"

(2)

: باب قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ. . .} [آل عمران: 173] إلخ.

قوله: (حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ})، قال الحافظ: فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق مطولًا في هذه القصَّة، وأن أبا سفيان رجع بقريش بعد أن توجه من أحد فلقيه معبد الخزاعي فأخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جمع كثير وقد اجتمع معه من كان تخلف عن أُحد وندموا، فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه فرجعوا، وأرسل أبو سفيان ناسًا فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان وأصحابه يقصدونهم، فقال:"حسبنا الله ونعم الوكيل" ورواه الطبري من طريق مجاهد: أن ذلك كان من أبي سفيان في العام المقبل بعد أُحد، وهي غزوة بدر الموعد، انتهى مختصرًا من "الفتح".

(14 -‌

‌ باب قوله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية [آل عمران:

180])

كذا في النسخ الهندية ونسخة "العيني" تحسبن بالتاء، وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني" بالياء آخر الحروف، قال القسطلاني

(3)

: قرئ بالياء

(1)

"لامع الدراري"(9/ 43، 44).

(2)

"فتح الباري"(8/ 229).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 133).

ص: 65

والتاء، وعلى التقديرين المضاف محذوف، أي: بخل الذين، إذا كان الحسبان للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد تقديره: بخل الذين يبخلون، وإذا كان الفاعل "الذين" فالتقدير: بخلهم هو خيرًا لهم، انتهى.

قال الحافظ

(1)

: قال الواحدي: أجمع المفسرون على أنها نزلت في مانعي الزكاة، وفي صحة هذا القول نظر فقد قيل: إنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن جريج، واختاره الزجاج، وقيل: فيمن يبخل بالنفقة في الجهاد، وقيل: على العيال وذي الرحم المحتاج، نعم الأول هو الراجح وإليه أشار البخاري.

قوله: ({سَيُطَوَّقُونَ} كقولك: طوقته بطوق) قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180]، أي: يلزمون كقولك: طوقته بالطوق، وروى عبد الرزاق وغيره من إبراهيم النخعي في هذه الآية قال: بطوق من النار، وتقدم في أوائل كتاب الزكاة الاختلاف في التطويق المذكور هل يكون حسيًا أو معنويًا إلى آخر ما في "الفتح".

(15 -‌

‌ باب قوله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ. . .} [آل عمران: 186]) إلخ

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أنها نزلت في كعب بن الأشرف فيما كان يهجو به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الشعر، وقد تقدم في المغازي خبره، وفيه شرح حديث "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه آذى الله ورسوله". وروى ابن أبي حاتم وابن المنذر بإسناد حسن عن ابن عباس: أنها نزلت فيما كان بين أبي بكر وبين فنحاص اليهودي في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} [آل عمران: 181] تعالى الله عن قوله، فغضب أبو بكر فنزلت، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 230).

(2)

"فتح الباري"(8/ 231).

ص: 66

(16 -‌

‌ باب قوله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية [آل عمران:

188])

قال الحافظ

(1)

: سقط لفظ "باب" لأبي ذر.

قوله: (إن رجالًا من المنافقين. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: هكذا ذكره أبو سعيد الخدري في سبب نزول الآية، وأن المراد من كان يعتذر عن التخلف من المنافقين، وفي حديث ابن عباس الذي بعده أن المراد من أجاب من اليهود بغير ما سئل عنه وكتموا ما عندهم من ذلك، ويمكن الجمع بأن تكون الآية نزلت في الفريقين معًا، وبهذا أجاب القرطبي وغيره، وحكى الفراء أنها نزلت في قول اليهود: نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة، ومع ذلك لا يقرّون بمحمد فنزلت:{وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188] وروي عن جماعة من التابعين نحو ذلك، ورجحه الطبري، ولا مانع أن تكون نزلت في كل ذلك، أو نزلت في أشياء خاصة، وعمومها يتناول كل من أتى بحسنة ففرح بها فرح إعجاب وأحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه، والله تعالى أعلم.

قوله: (فقال ابن عباس: وما لكم ولهذه. . .) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

حاصل كلامه: أن هذا ليس على عمومه الظاهر كما توهمه السائل بل الذي تناولته الآية هو الذي يكون على حسبه لا أزيد منه ولا أنقص، وليس فرح المسلم بما عمله من الخير وكذلك حبه الحمد على ما لم يفعله مساويًا لما فعلته اليهود من حبّ الحمد على ما ارتكبوه من الكتمان وهو حرام عليهم، وكذلك فرح المسلم بما أتاه ليس مماثلًا لفرح اليهود بما أتوا به من الأخبار لغير ما كان في كتابهم ثم فرحوا بذلك، فإن أتى آتٍ من المسلمين بمثل ما أتوا به فارتكب حرامًا ثم ودّ أن يحمد

(1)

"فتح الباري"(8/ 233).

(2)

"فتح الباري"(8/ 233).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 44 - 46).

ص: 67

عليه، أو افترى افتراءً ثم فرح بفعلته فإنه يؤاخذ على ذلك من غير ريبة.

وحاصل كلامه: أن مصداق الآية: من فعل مثل فعلهم، وبين الفعلين الذي ذكره السائل والذي نزلت فيه الآية بون بعيد، فلا يلزم تخصيص النص بمورده، ولا مؤاخذة كل امرئ كما توهمه مروان، انتهى.

وذكر في هامش "اللامع" كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية بالبسط.

وقال الحافظ

(1)

: قوله: "وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهودًا فسألهم عن شيء" في رواية حجاج بن محمد: إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب.

قوله: (ثم قرأ ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ. . .}) إلخ، فيه إشارة إلى أن الذين أخبر الله عنهم في الآية المسؤول عنها هم المذكورون في الآية التي قبلها، وأن الله ذمهم بكتمان العلم الذي أمرهم أن لا يكتموه وتوعدهم بالعذاب على ذلك.

(تنبيه): الشيء الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه اليهود لم أره مفسرًا، وقد قيل: إنه سألهم عن صفته عندهم بأمر واضح فأخبروه عنه بأمر مجمل، وروى عبد الرزاق من طريق سعيد بن جبير في قوله:{لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] قال: محمد وفي قوله: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} قال: بكتمانهم محمدًا، وفي قوله:{أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} قال: قولهم: نحن على دين إبراهيم، انتهى كله من "الفتح"

(2)

.

(17 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. . .} [آل عمران: 190]) إلخ

ورد في سبب نزول هذه الآية ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أتت قريش اليهود، فقالوا: بما جاء به

(1)

"فتح الباري"(8/ 234).

(2)

"فتح الباري"(8/ 235).

ص: 68

موسى؟ قالوا: العصا ويده، الحديث، إلى أن قال: فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا الصفا ذهبًا" فنزلت هذه الآية، ورجاله ثقات إلا الحمّاني فإنه تكلم فيه، وقد خالفه الحسن بن موسى فرواه عن يعقوب عن جعفر عن سعيد مرسلًا وهو أشبه، وعلى تقدير كونه محفوظًا وصله ففيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنيّة وقريش من أهل مكة، قلت: ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة، انتهى من "الفتح"

(1)

.

18 -

‌ باب قوله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} الآية [آل عمران:

191])

في موضع جَرِّ نعت لـ "أولي"، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين يذكرون الله حال كونهم قيامًا وقعودًا، أي: يداومون على الذكر بألسنتهم وقلوبهم؛ لأن الشخص لا يخلو عن هذه الأحوال، وقيل: يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم، انتهى من "القسطلاني

(2)

، وقد بسط القسطلاني في تفسير هذه الآيات المذكورة في هذا الباب والتي قبله فأجاد، فارجع إليه لو شئت.

(19 -‌

‌ باب قوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} الآية [آل عمران:

192])

قال العلَّامة القسطلاني

(3)

: يعني: يتفكرون في خلق السماوات والأرض حال كونهم قائلين: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} ، أي: أهنته وأذللته، أو أهلكته أو فضحته وأبلغت في إخزائه، والخزي ضرب من الاستخفاف أو انكسار يلحق الإنسان وهو الحياء المفرط، وقد

(1)

"فتح الباري"(8/ 235).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 142).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 144).

ص: 69

تمسك المعتزلة بهذا على أن صاحب الكبيرة غير مؤمن؛ لأنه إذا دخل النار فقد أخزاه الله والمؤمن لا يخزى لقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} الآية [التحريم: 8]، فوجب أن من يدخل النار لا يكون مؤمنًا، وأجيب بأن الخزي فسر بوجوه من المعاني فلم لا يجوز أن يراد في كل صورة معنى مثلًا في قوله تعالى:{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ. . .} إلخ، أي: لا يهلكهم، وفي الأول يريد الإهانة، والحاصل أن لفظ الإخزاء مشترك بين الإهلاك والتخجيل، واللفظ المشترك لا يمكن حمله في طريق النفي والإثبات على معنييه جميعًا، وحينئذ يسقط الاستدلال به، انتهى.

قال الحافظ

(1)

: ذكر المصنف فيه حديث ابن عباس المذكور وليس فيه إلا تغيير شيخ شيخه فقط، وسياق الرواية في هذا الباب أتم من تلك، انتهى.

(20 -‌

‌ باب قوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} الآية [آل عمران:

193])

ذكر فيه الحديث المذكور عن شيخ له آخر عن مالك، وساقه أيضًا بتمامه، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قال القسطلاني

(3)

: قوله: {مُنَادِيًا} هو محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} [الأحزاب: 46]، وقيل: القرآن لقوله تعالى: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 2] فكأنه يدعو إلى نفسه، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 236).

(2)

"فتح الباري"(8/ 237).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 146).

ص: 70

(4)

‌ سورة النساء

وفي نسخة "الفتح" و"العيني" بعده: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وقالا

(1)

: لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر، انتهى.

قال العيني

(2)

: قال العوفي عن ابن عباس: نزلت سورة النساء بالمدينة، وكذا روى ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، وقال ابن النقيب: جمهور العلماء على أنها مدنيَّة وفيها آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن أبي طلحة وهي {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} الآية [النساء: 58]، انتهى.

قوله: (قال ابن عباس: {يَسْتَنْكِفَ}: يستكبر)، قال الحافظ

(3)

: وقع هذا في رواية المستملي والكشميهني حسب، وقد وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن ابن عباس في قوله تعالى:{وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ} [النساء: 172] قال: يستكبر وهو عجيب؛ فإن في الآية عطف الاستكبار على الاستنكاف فالظاهر أنه غيره، ويمكن أن يحمل على التوكيد، انتهى.

وقال القسطلاني

(4)

: يريد به تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ} فالعطف للتفسير.

وقال ابن عباس أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم: "قوامًا قوامكم من معايشكم" بكسر القاف وبعدها واو والتلاوة بالياء التحتية إذ مراده {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] قيل: لم يقصد المؤلف بها التلاوة بلا حذف الكلمة القرآنية وأشار إلى تفسيرها، وقد قال أبو عبيدة: قيامًا وقوامًا بمنزلة واحدة، تقول: هذا قوام أمرك وقيامه، أي: ما يقوم به أمرك، والأصل بالواو فأبدلوها بكسرة القاف، ونقل أنها بالواو قراءة ابن عمر رضي الله عنهما، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 237)، "عمدة القاري"(12/ 517).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 517).

(3)

"فتح الباري"(8/ 237).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 138).

ص: 71

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: "قوامكم: من معايشكم. . ." إلخ، وهذا تفسير لقوله:"قوامًا" الوارد في سورة الفرقان فإن معناه القصد من العيش وما يتعيش به، وإيراده ها هنا دون "تفسير قيامًا الوارد ها هنا إشارة إلى أن المراد بهما واحد، انتهى.

وفي هامشه: ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه فهو محتمل ولكن الظاهر من كلام الشرَّاح أنه متعلق بآية سورة النساء. . .، إلى آخر ما بسط فيه من كلام الشرَّاح.

(1 -‌

‌ باب: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية [النساء:

3])

سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر.

ومعنى {خِفْتُمْ} ظننتم، ومعنى {تُقْسِطُوا} تعدلوا، وهو من أقسط، يقال: قسط إذا جاد، وأقسط إذا عدل، وقيل: الهمزة فيه للسلب، أي: أزال القسط، ورجحه ابن التين لقوله تعالى:{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 282] لأن أفعل في أبنية المبالغة لا تكون في المشهور إلا من الثلاثي، نعم حكى السيرافي في جواز التعجب بالرباعي، وحكى غيره أن أقسط من الأضداد، والله أعلم انتهى من "الفتح"

(2)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:

6])

قال الحافظ

(3)

: قوله: " {وَبِدَارًا} مبادرة" هو تفسير أول الآية المترجم بها، وقال أبو عبيدة في قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: 6] الإسراف الإفراط، وبدارًا مبادرة، وكأنه فسر المصدر بأشهر منه، يقال: بادرت بدارًا ومبادرة.

قوله: ({أَعْتَدْنَا} أعددنا. . .) إلخ، كذا للأكثر وهو تفسير أبي عبيدة،

(1)

"لامع الدراري"(9/ 48).

(2)

"فتح الباري"(8/ 239).

(3)

"فتح الباري"(8/ 241).

ص: 72

ولأبي ذر عن الكشميهني: "اعتددنا افتعلنا" والأول هو الصواب، والمراد أن أعتدنا وأعددنا بمعنى واحد؛ لأن العتيد هو الشيء المعدّ.

(تنبيه): وقعت هذه الكلمة في هذا الموضع سهوًا من بعض نساخ الكتاب، ومحلها بعد هذا قبل "باب {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19]، انتهى من "الفتح".

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} الآية [النساء:

8])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، قاله الحافظ

(1)

.

وبسط الكلام في تفسير هذه الآية وهل هي محكمة أو منسوخة.

تقدمت هذه الترجمة في كتاب الوصايا مع شيء من الكلام عليها.

قوله: (هي محكمة) كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: أي: إذا أريد أمر استجاب، انتهى.

(4 -‌

‌ باب قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:

11])

سقط لغير أبي ذر لفظ "باب" و" {فِي أَوْلَادِكُمْ} ".

والمراد بالوصية ها هنا بيان قسمة الميراث

(3)

، انتهى.

قوله: (فنزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآية) كتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: يعني به آية الميراث ليشمل آية الكلالة الواقعة في آخر النساء، انتهى.

قلت: دفع به الشيخ قُدِّس سرُّه ما يرد على هذا الحديث.

قال الحافظ

(5)

: قوله: "فنزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} " هكذا وقع في رواية

(1)

"فتح الباري"(8/ 242).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 49).

(3)

انظر: "الفتح"(8/ 243).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 49).

(5)

"فتح الباري"(8/ 243).

ص: 73

ابن جريج، وقيل: إنه وهم في ذلك، وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصَّة جابر هذه الآية الأخيرة من النساء وهي:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] لأن جابرًا يومئذ لم يكن له ولد ولا والد، والكلالة من لا ولد له ولا والد، وقد أخرجه مسلم والنسائي عن ابن المنكدر: حتى نزلت [عليه] آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} ، ولمسلم أيضًا من طريق شعبة عن ابن المنكدر قال في آخر هذا الحديث: فنزلت آية الميراث، فقلت لمحمد بن المنكدر:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} قال: هكذا نزلت، وقد تفطن البخاري بذلك فترجم في أول الفرائض: قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11](زاد) إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 12] ثم ساق حديث جابر المذكور وفي آخره: حتى نزلت آية الميراث، ولم يذكر الزيادة (أي: قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} ) فأشعر البخاري بأن الزيادة عنده مدرجة من كلام ابن عيينة.

وقد اضطرب فيه، ففي رواية عنه عند ابن خزيمة: حتى نزلت آية الميراث: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] وقال مرة: حتى نزلت آية الكلالة، وفي رواية عنه عند الترمذي وغيره بلفظ: حتى نزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فمراد البخاري بقوله في الترجمة "في كتاب الفرائض": إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} الإشارة إلى أن مراد جابا من آية الميراث قوله: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء: 12](كما هو يناسب حال جابر) وأما الآية الأخرى وهي قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} فسيأتي في آخر تفسير هذه السورة أنها من آخر ما نزل، فكأن الكلالة لما كانت مجملة في آية المواريث استفتوا منها.

ولم ينفرد ابن جريج بتعيين الآية المذكورة (أي: بقوله: فنزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}) فقد ذكرها ابن عيينة أيضًا وقد أخرجه البخاري أيضًا عن ابن المديني وعن الجعفي مثل رواية قتيبة بدون الزيادة (أي: قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ}) وهو المحفوظ، وكذا أخرجه مسلم

ص: 74

أيضًا عن ابن المنكدر بلفظ: حتى نزلت آية الميراث، فالحاصل أن المحفوظ عن ابن المنكدر أنه قال: آية الميراث أو آية الفرائض.

والظاهر أنها {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} كما صرَّح به في رواية ابن جريج ومن تابعه، وأما من قال: إنها {يَسْتَفْتُونَكَ} فعمدته أن جابرًا لم يكن له حينئذ ولد وإنما كان يورث كلالة فكان المناسب لقصته نزول {يَسْتَفْتُونَكَ} لكن ليس ذلك بلازم؛ لأن الكلالة اختلف في تفسيرها فقيل: هي اسم المال الموروث، وقيل: اسم الميت، وقيل: اسم الإرث، فلما لم يتعين تفسيرها لمن لا ولد له ولا والد لم يصح الاستدلال؛ لأن {يَسْتَفْتُونَكَ} نزلت في آخر الأمر، وآية المواريث نزلت قبل ذلك بمدة في ورثة سعد بن الربيع، وكان قتل يوم أُحد فخلف ابنتين وأمهما وأخاه، فأخذ الأخ المال فنزلت، وبه احتج من قال: إنها لم تنزل في قصَّة جابر، وإنما نزلت في قصَّة ابنتي سعد بن الربيع، وليس ذلك بلازم؛ إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معًا، فقد ظهر أن ابن جريج لم يهم، انتهى ما في "الفتح"

(1)

بإيضاح واختصار.

قلت: ومحصل الكل أن رواية البخاري هذه صحيحة لا وهم فيها كما قيل، لكن يشكل عليه أنه لا يناسب حال جابر رضي الله عنه فإنه كان كلالة، والجواب إما أولًا: فلأنه اختلف في تفسير الكلالة كما تقدم، وثانيًا: أن المراد به آية الميراث بتمامها إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} كما ذكره البخاري في الفرائض، وهو يتضمن آية الكلالة أيضًا، وتقدمت الإشارة إليه في كلام الشيخ من "اللامع"، وسيأتي الكلام على الكلالة قريبًا أيضًا، في آخر تفسير سورة النساء.

(5 -‌

‌ باب قوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء:

12])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، وثبت قوله:"قوله" للمستملي فقط.

قوله: (كان المال للولد) يشير إلى ما كانوا عليه قبل، وقد روى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس: أنها لما نزلت قالوا: يا رسول الله أن نعطي

(1)

"فتح الباري"(8/ 244).

ص: 75

الجارية الصغيرة نصف الميراث وهي لا تركب الفرس ولا تدفع العدو؛ قال: وكانوا في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم.

قوله: (فنسخ الله من ذلك ما أحبّ) هذا يدلّ على أن الأمر الأول استمر على نزول الآية، وفيه ردّ على من أنكر النسخ، ولم ينقل ذلك عن أحد من المسلمين إلا عن أبي مسلم الأصبهاني صاحب "التَّفسير" فإنه أنكر النسخ مطلقًا، وردّ عليه بالإجماع على أن شريعة الإسلام ناسخة لجميع الشرائع، وأجيب عنه بأنه يرى أن الشرائع الماضية مستقرة الحكم إلى ظهور هذه الشريعة، قال: فسمي ذلك تخصيصًا لا نسخًا، ولهذا قال ابن السمعاني: إن كان أبو مسلم لا يعترف بوقوع الأشياء التي نسخت في هذه الشريعة فهو مكابر، وإن قال: لا أسميه نسخًا كان الخلاف لفظيًا، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(6 -‌

‌ باب قوله: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الآية [النساء:

19])

سقط "باب" وما بعد {كَرْهًا} لغير أبي ذر.

وقوله: {كَرْهًا} مصدر في موضع الحال، قرأها حمزة والكسائي بالضم والباقون بالفتح.

قوله: ({حُوبًا}: إثمًا) محل هذه التفاسير من قوله: {حُوبًا} إلى آخرها في أول السورة، وكأنه من بعض نساخ الكتاب كما قدمناه غير مرة، وليس هذا خاصًا بهذا الموضع ففي التَّفسير في غالب السور أشباه هذا، انتهى كله من "الفتح"

(2)

.

(7 -‌

‌ باب قوله: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الآية [النساء:

33])

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: قوله: "أولياء ورثة" يعني: أن

(1)

"فتح الباري"(8/ 245).

(2)

المصدر السابق.

(3)

"لامع الدراري"(9/ 50).

ص: 76

للمولى معان شتى منها الوارث ومنها مولى اليمين، انتهى.

وفي هامشه: وهو كما أفاده الشيخ أن للمولى معان كثيرة، منها ما ذكره الإمام البخاري عدة معاني.

قال الحافظ: ومما لم يذكره، أي: البخاري وذكره غيره من أهل اللغة: المولى: المحب والجار والناصر والصهر والتابع والولي والموازي، وذكروا أيضًا: العم والعبد وابن الأخ والشريك والنديم، ويلتحق بهم معلِّم القرآن جاء فيه حديث مرفوع:"من علّم عبدًا آية من كتاب الله فهو مولاه" الحديث أخرجه الطبراني من حديث أبي أُمامة، ونحوه قول شعبة: من كتبت عنه حديثًا فأنا له عبد، انتهى مختصرًا.

(8 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] يعني: زنة ذرة)

هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} أي: زنة ذرة، ويقال: هذا مثقال هذا، أي: وزنه، وهو مفعال من الثقل، والذرّة النملة الصغيرة، ويقال: واحدة الهباء، والذرة يقال: زنتها ربع ورقة نخالة، وورقة النخالة وزن ربع خردلة، وزنة الخردلة ربع سمسمة، ويقال: الذرة لا وزن لها، وإنّ شخصًا ترك رغيفًا حتى علاه الذر فوزنه فلم يزد شيئًا، حكاه الثعلبي.

ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد في الشفاعة وسيأتي في كتاب الرقاق مع حديث أبي هريرة المذكور هناك وهو بطوله في معناه، وقد وقع ذكرهما بتمامهما متواليين في كتاب التوحيد، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: دلالة الرواية على الترجمة في قوله: "بَرّ وفاجر" فإنه لو لم يعتبر من الإيمان قليله لزم الظلم، وأيضًا فإن البر وقع منكَّرًا، وأدنى المؤمنين بارّ أيضًا فلزم اعتباره من جملة الأبرار: إذ لو لم

(1)

"فتح الباري"(8/ 250).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 50، 51).

ص: 77

يدخل فيهم لزم أن يكون بعض أفراد البر غير مجزي على ما عمله، والحال أن الله لا يظلم مثقال ذرة، انتهى.

وفي هامشه: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في مناسبة الحديث بالترجمة.

وقال العيني

(1)

: مطابقته للترجمة من حيث إن المفهوم من معناه أن الله تعالى يحكم يوم القيامة بين عباده المؤمنين والكافرين بعدله العظيم ولا يظلم أحدًا منهم مثقال ذرة، ولم أر أحدًا من الشرَّاح ذكر وجه المطابقة ولا أنصف في شرح هذا الحديث، انتهى.

ثم ذكر شيئًا من شرح ألفاظ الحديث، والأوجه عند هذا العبد الضعيف: أن المناسبة بما ورد في بعض طرق هذا الحديث من قوله تعالى: "أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان"، وقد تقدم هذا الجزء من الحديث في "كتاب الإيمان" في "باب تفاضل أهل الإيمان"، فقد أخرج المصنف هذا الحديث في "كتاب الإيمان" مختصرًا بهذه الزيادة، وسيأتي الحديث بطوله بهذه الزيادة في "كتاب التوحيد"، وفيه أيضًا: فقال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرأوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] الحديث.

قوله: (وغُبّرات أهل الكتاب. . .) إلخ، بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة، وفي رواية مسلم:"وغُبّر" وكلاهما جمع غابر، أو الغبرات جمع غبّر، وغبّر جمع غابر، ويجمع أيضًا على أغبار، وغبر الشيء بقيته، وجاء بسكون الموحدة، انتهى من "الفتح"

(2)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: وإنما يبقون هؤلاء مع إشراكهم بالله كالكفرة الأخر للادّعاء الظاهر منهم بعلاقة بالله، فإنهم لم يعبدوا عيسى أو عزيرًا إلا لاعتقادهم أنه ابن الله فكانت عبادتهم لهما عبادة الله في زعمهم الفاسد، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(12/ 530).

(2)

"فتح الباري"(11/ 449).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 52).

ص: 78

وفي هامشه: قال العلَّامة السندي: قوله: "فلا يبقى من كان يعبد غير الله" أي: بخلاف من كان يعبد نحو عزير وعيسى على نبينا وعليهما الصلاة والسلام ضرورة أن نحو الأصنام في النار، فمن كانوا يعبدونها عند اتباعهم يلحقون بهم في النار بخلاف نحو عزير وعيسى، انتهى.

(9 -‌

‌ باب قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} الآية [النساء:

41])

قال الحافظ

(1)

: وقع في الباب تفاسير لا تتعلق بالآية وقد قدّمتُ الاعتذار عن ذلك، انتهى.

(10 -‌

‌ باب قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} الآية [النساء:

43])

قال الحافظ

(2)

: هذا القدر مشترك في آيتي النساء والمائدة، وإيراد المصنف له في تفسير سورة النساء يشعر بأن آية النساء نزلت في قصَّة عائشة، وقد سبق ما فيه من كتاب التيمم، انتهى.

قوله: (وقال عكرمة: الجبت بلسان الحبشة الشيطان. . .) إلخ، قال الحافظ

(3)

: وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عنه، وروى الطبري من طريق قتادة مثله بغير ذكر الحبشة، ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال: الجبت الأصنام، والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب، قال: وزعم رجال أن الجبت الكاهن، والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف، وعن ابن عباس أيضًا قال: الجبت حيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف، واختار الطبري أن المراد بالجبت والطاغوت جنس

(1)

"فتح الباري"(8/ 250).

(2)

"فتح الباري"(8/ 251).

(3)

"فتح الباري"(8/ 252، 253).

ص: 79

من كان يعبد من دون الله سواء كان صنمًا أو شيطانًا جنيًّا أو آدميًا فيدخل فيه الساحر والكاهن، والله أعلم.

وأما قول عكرمة: إن "الجبت بلسان الحبشة الشيطان" فقد وافقه سعيد بن جبير على ذلك لكن عبَّر عنه بالساحر، وهذا مصير منهما إلى وقوع المعرَّب في القرآن، وهي مسألة اختلف فيها، فبالغ الشافعي وأبو عبيدة اللغوي وغيرهما في إنكار ذلك، فحملوا ما ورد من ذلك على توارد اللغتين، وأجاز ذلك جماعة واختاره ابن الحاجب، واحتج له بوقوع أسماء الأعلام فيه كـ "إبراهيم" فلا مانع من وقوع أسماء الأجناس، وقد وقع في "صحيح البخاري" جملة من هذا، وتتبع القاضي تاج الدين السبكي ما وقع في القرآن من ذلك ونظمه في أبيات ذكرها في "شرحه على المختصر" وقد تتبعت بعده زيادة كثيرة على ذلك تقرب من عدة ما أورد، ونظمتها أيضًا، وليس جميع ما أورد هو متفقًا على أنه من ذلك، لكن اكتفى بإيراد ما نقل في الجملة فتبعته في ذلك وقد رأيت إيراد الجميع للفائدة.

ثم ذكر الحافظ تلك الأبيات ثم قال: وأنا معترف أنني لم أستوعب ما يستدرك عليه فقد ظفرت بعد نظمي هذا بأشياء، وقد عزمت أني إذا أتيت على آخر شرح هذا التَّفسير إن شاء الله تعالى ألحق ما وقفت عليه من زيادة في ذلك منظومًا، انتهى من "الفتح".

(11 -‌

‌ باب قوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ذوي الأمر)

هكذا في النسخة "الهندية" وكذا في نسخة "القسطلاني" لكن بدون لفظ "باب"، وفي نسخة "الفتح" و"العيني":"باب {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. . .} " إلخ.

قال الحافظ

(1)

: وهو تفسير أبي عبيدة، قال ذلك في هذه الآية وزاد:

(1)

"فتح الباري"(8/ 253).

ص: 80

والدليل على ذلك أن واحدها "ذو" أي: واحد "أولي" لأنها لا واحد لها من لفظها، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: دفع به توهم الاشتراك فإن كلمة "أولي" كما هي بمعنى الجمع للفظة "ذو" فكذلك هي مستعملة لجمع "الذي"، قال: ألست ابن الأولي سعدوا وسادوا، انتهى.

قوله: (نزلت في عبد الله بن حذافة. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: كذا ذكره مختصرًا، والمعنى نزلت في قصَّة عبد الله بن حذافة، أي: المقصود منها في قصته قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} الآية [النساء: 59]، انتهى.

قال القسطلاني

(3)

: قوله: "إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية" وكانت فيه دعابة، أي: لعب، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارًا يصطلون عليها فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فلما همّ بعضهم بذلك قال: اجلسوا إنما كنت أمزح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من أمركم بمعصية فلا تطيعوه" رواه ابن سعد، وبوّب عليه البخاري فقال: سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي، ثم روى عن علي قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل رجلًا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب فقال: أليس قد أمركم النبي صلى الله عليه وسلم[أن تطيعوني]؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبًا. . .، إلى آخر ما تقدم. واختلاف السياقين يدل على التعدد لا سيما وعبد الله بن حذافة مهاجري قرشي، والذي في حديث علي أنصاري، انتهى.

ثم إنهم اختلفوا في تفسير "أولي الأمر" المذكور في الآية المترجم بها فقال القسطلاني

(4)

: وهم الخلفاء الراشدون ومن سلك طريقهم في رعاية العدل، ويدرج فيهم القضاة وأمراء السرية، أمر الله تعالى الناس بطاعتهم

(1)

"لامع الدراري"(9/ 54).

(2)

"فتح الباري"(8/ 254).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 169).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 168).

ص: 81

بعد ما أمرهم بالعدل تنبيهًا على أن وجوب طاعتهم عا داموا على الحق، وقيل: علماء الشرع لقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، انتهى.

وقال العلَّامة العيني

(1)

: في تفسيره أحد عشر قولًا: الأول: الأمراء، قاله ابن عباس وأبو هريرة والسدي. الثاني: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، قاله عكرمة. الثالث: جميع الصحابة، قاله مجاهد. الرابع: الخلفاء الأربعة، قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثعلبي. الخامس: المهاجرون والأنصار، قاله عطاء. السادس: الصحابة والتابعون. السابع: أرباب العقل الذين يسوسون أمر الناس، قاله ابن كيسان. الثامن: العلماء والفقهاء، قاله الحسن وأبو العاليه. التاسع: أمراء السرايا، قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي. العاشر: أهل العلم والقرآن، قاله مجاهد، واختاره مالك. الحادي عشر: عام في كل من ولي أمر شيء، وهو الصحيح، وإليه مال البخاري بقوله: ذوي الأمر، انتهى.

(12 -‌

‌ باب قوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:

65])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر.

ذكر فيه قصَّة الزبير مع الأنصاري الذي خاصمه في شراج الحرة، وقد تقدم في "كتاب الشرب" مع الكلام عليه.

(13 -‌

‌ باب قوله: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية [النساء:

69])

ذكر فيه حديث عائشة وقد تقدم في "الوفاة النبوية".

(1)

"عمدة القاري"(12/ 537).

ص: 82

(14 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [النساء:

75])

والأظهر أن "المستضعفين" مجرور بالعطف على اسم الله، أي: وفي سبيل المستضعفين، أو على سبيل الله، أي: وفي خلاص المستضعفين، وجوز الزمخشري، أن يكون منصوبًا على الاختصاص.

قوله: (تلووا ألسنتكم بالشهادة) وصله الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} [النساء: 135] قال: تلووا ألسنتكم بشهادة أو تعرضوا عنها، وعن قتادة أنه قال: أن تدخل في شهادتك ما يبطلها أو تعرض عنها فلا تشهدها، وقرأ حمزة وابن عامر:{وَإِنْ تَلْوُوا} بواو واحدة ساكنة، ويكون على هذا من الولاية، وصوّب أبو عبيدة قراءة الباقين وقال: وليس للولاية ها هنا معنى، وأجاب الفراء بأنها بمعنى الليّ كقراءة الجماعة إلا أن الواو المضمومة قلبت همزة ثم سهلت، وقال الفارسي: إنها على بابها من الولاية، والمراد: وإن وليتم إقامة الشهادة، انتهى

(1)

.

(15 -‌

‌ باب قوله: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} الآية [النساء:

88])

(قال ابن عباس: بددهم) وصله الطبري بسنده عن ابن عباس، وبسند آخر عنه قال:"أوقعهم"، وفي رواية قال:"أهلكهم"، وهو تفسير باللازم؛ لأن الركس: الرجوع، فكأنه ردّهم إلى حكمهم الأول، انتهى

(2)

.

(باب قوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ. . .} [النساء: 83] أفشوه) إلخ

قال الحافظ

(3)

: وصله ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {أَذَاعُوا بِهِ} أي: أفشوه.

(1)

انظر: "فتح الباري"(8/ 255، 256).

(2)

انظر: "فتح الباري"(8/ 256).

(3)

"فتح الباري"(8/ 257).

ص: 83

قوله: ({يَسْتَنْبِطُونَهُ} يستخرجونه) قاله أبو عبيدة.

وقوله: ({إلا إِنَاثًا} الموات. . .) إلخ، قاله أبو عبيدة في قوله تعالى:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلا إِنَاثًا} [النساء: 117] والمراد بالموات ضد الحيوان، وقال غيره: قيل لها إناث لأنهم سموها مناة واللات والعزى وإساف ونائلة ونحو ذلك، وعن الحسن البصري: لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمى أنثى بني فلان، وسيأتي في الصافات حكاية عنهم أنهم كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك. وفي رواية عبد الله بن أحمد في مسند أبيه عن أُبي بن كعب في هذه الآية، قال: مع كل صنم جنِّية، ورواته ثقات، ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي حاتم، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

: قال الحسن: كل شيء لا روح فيه كالحجر والخشبة هي إناث، وقد كانوا يسمون أصنامهم بأسماء الإناث، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: يعني الموات إطلاق الإناث على الأحجار تشبيه في عدم الغناء وكثرة العناء مع ملاحظة التأنيث في الأسماء، انتهى.

وفي "تقرير المكي": قوله: "الموات" يعني: المراد بالإناث الموات وهي اللات ومناة والعزى وأمثالها، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: ثم إن المصنف ذكر في هذا الباب آثارًا ولم يذكر فيه حديثًا، وقد وقع عند مسلم من حديث عمر في سبب نزولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هجر نساءه وشاع أنه طلقهن وأن عمر جاءه فقال: أطلقت نساءك؟ قال: "لا"، قال: فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق نساءه فنزلت هذه الآية، فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأصل هذه القصَّة عند

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 177).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 54).

(3)

"فتح الباري"(8/ 257).

ص: 84

البخاري أيضًا لكن بدون هذه الزيادة فليست على شرطه فكأنه أشار إليها بهذه الترجمة، انتهى.

ويشكل ها هنا أن الآية المترجم بها في هذا الباب مقدمة على الآية المترجم بها في الباب السابق ولم يتعرض له الشرَّاح ولم أجد فيه اختلاف النسخ أيضًا، فيمكن أن يكون ذلك من تصرف النساخ وإن لم يذكر الشرَّاح ها هنا اختلاف النسخ أيضًا، والله تعالى أعلم، وتقدم نظيره في تفسير سورة آل عمران أيضًا.

(16 -‌

‌ باب قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:

93])

قال الحافظ

(1)

: يقال: نزلت في مقيس بن ضبابة وكان أسلم هو وأخوه هشام، فقتل هشامًا رجل من الأنصار غيلة فلم يعرف، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يأمرهم أن يدفعوا إلى مقيس دية أخيه ففعلوا، فأخذ الدية وقتل الرسول ولحق بمكة مرتدًا، فنزلت فيه، وهو ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير.

وقوله: (هي آخر ما نزل) أي: في شأن قتل المؤمن عمدًا بالنسبة لآية الفرقان، وسيأتي مزيد فيه هناك، انتهى من "الفتح".

قوله: ({فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}) ولعله ذهب إلى نوع تخفيف في عذابه فرقًا بينه وبين الكافر فإن الكفر أعظم الجنايات، وعلى هذا فالعظمة في قوله:{وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} عظمة في نفسه لا بنسبة من سواه من الكفرة، أو يكون العظم بحسب اعتبار من دخلها من فساق المؤمنين أول مرة وإن لم يكونوا خالدين وهو خالد فيها (أي: على رأي ابن عباس)، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 258).

ص: 85

وفي هامشه: نبَّه الشيخ قُدِّس سرُّه على ذلك لأن قوله: {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} يوهم أن جزاءه يزيد على الكفرة أيضًا؛ لأن الخلود وهو جزاء الكفرة علم من قوله: {خَالِدًا} ، انتهى

(1)

.

وسيأتي تمام الكلام عليه بالبسط في سورة الفرقان إن شاء الله تعالى.

(17 -‌

‌ باب قوله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء:

94])

قال الحافظ

(2)

: قوله: "السّلَم والسِّلْم والسلام واحد" الأول: بفتحتين، والثاني: بكسر ثم سكون، فالأول قراءة نافع وابن عامر وحمزة، والثاني قراءة رويت عن عاصم بن أبي النجود، والثالث: قراءة الباقين، وروي عن عاصم الجحدري بفتح ثم سكون. فأما الثالث فمن التحيَّة، وأما ما عداه فهو من الانقياد.

وقوله: (فقتلوه وأخذوا غنيمته) زاد في رواية سماك: وقالوا: ما سلّم علينا إلا ليتعوذ منا، وأتوا بغنمه النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فنزلت. وروى البزار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية قصَّة أخرى قال:"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كيف لك بلا إله إلا الله غدًا!! وأنزل الله هذه الآية". وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها، ويستفاد منها تسمية القاتل، وأما المقتول فروى الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن اسم المقتول مرداس بن نهيك من أهل فدك. . .، إلى آخر ما بسط الحافظ من الروايات المختلفة في سبب نزولها، وكذا في اسم القاتل والمقتول.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 55).

(2)

"فتح الباري"(8/ 258).

ص: 86

(18 -‌

‌ باب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:

95])

قال القسطلاني

(1)

: كذا في الفرع وأصله، وغيرهما بإسقاط {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} وثبت ذلك في بعضها، ولأبي ذر:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية، وسقط ما بعد ذلك، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: واختلفت القراءة في {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بالرفع على البدل من {الْقَاعِدُونَ} ، وقرأ الأعمش بالجر على الصفة للمؤمنين، وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء، انتهى.

ولم يتعرض الحافظ ولا العلَّامة العيني لعدم ذكر البخاري لفظ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} في الترجمة، ولعل النكتة في حذفه الإشارة إلى تأخر نزوله كما في حديث الباب.

(19 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء:

97])

هكذا في النسخ "الهندية" و"العيني"، و"القسطلاني"

(3)

بزيادة لفظ "باب"، قال القسطلاني: سقط لفظ الباب من أكثر النسخ وثبت في بعضها، انتهى.

وليس لفظ "باب" في نسخة "الفتح" وقال

(4)

: ليس عند الجميع لفظ "باب".

وقوله: (قطع على أهل المدينة بعث. . .) إلخ، المعنى أنهم ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة، انتهى من "الفتح".

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 181).

(2)

"فتح الباري"(8/ 260).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 186).

(4)

"فتح الباري"(8/ 263).

ص: 87

قال القسطلاني

(1)

: وغرض عكرمة أن الله ذمّ من كثّر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم فكذلك أنت لا تكثر سواد هذا الجيش وإن كنت لا تريد موافقتهم؛ لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله، انتهى.

قال الحافظ بعد ذكر حديث الباب

(2)

: هكذا جاء في سبب نزولها، وعن ابن عباس عند ابن المنذر والطبري: كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يخفون الإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت، فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم وأنهم لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون ففتنوهم فرجعوا، فنزلت:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] فكتب إليهم المسلمون بذلك فحزنوا فنزلت: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} الآية [النحل: 110]، فكتبوا إليهم بذلك فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل، انتهى.

(20 -‌

‌ باب قوله: {إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ} الآية [النساء:

98])

ليس لفظ "باب" في نسخ الشروح الثلاثة، قال العلَّامة القسطلاني

(3)

: وفي بعض النسخ "باب" بالتنوين، أي في قوله تعالى:{إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} استثناء من قوله: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97]، فيكون الاستثناء متصلًا كأنه قيل: فأولئك في جهنم إلا المستضعفين، والصحيح أنه منقطع لأن الضمير في {مَأْوَاهُمْ} عائد على {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ} [النساء: 97] وهؤلاء المتوفون إما كفارًا أو عصاة بالتخلف وهم قادرون على الهجرة فلم يندرج فيهم المستضعفون فكان منقطعًا، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 187).

(2)

"فتح الباري"(8/ 263).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 188).

ص: 88

(21 -‌

‌ باب قوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} )

وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني" و"العيني": "باب قوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ} الآية [النساء: 99] ".

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر ولغيره: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} كذا وقع عند أبي نعيم في "المستخرج" وهو خطأ من النساخ بدليل وقوعه على الصواب في رواية أبي ذر: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ} الآية، وهي التلاوة، ووقع في "تنقيح الزركشي" ها هنا:{وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99] قال: وهو خطأ أيضًا، قال الحافظ: لكن لم أقف عليه في رواية، انتهى.

(22 -‌

‌ باب قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} الآية [النساء:

102])

كذا لأبي ذر وسقط لغيره "باب" وزادوا: {أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} ، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: (قال عبد الرحمن: وكان جريحًا) وفي نسخة "الفتح" بزيادة الواو، قال الحافظ

(3)

: في رواية: "كان" بغير واو، كذا وقع عنده مختصرًا، ومقول ابن عباس ما ذكر عن عبد الرحمن، وقوله:"كان جريحًا" أي: فنزلت الآية فيه، وقال الكرماني: يحتمل هذا، ويحتمل أن التقدير: قال ابن عباس: وعبد الرحمن بن عوف يقول: من كان جريحًا فحكمه كذلك، فكان عطف الجريح على المريض إلحاقًا به على سبيل القياس، أو لأن الجرح نوع من المرض فيكون كله مقول عبد الرحمن وهو مروي عن ابن عباس.

قلت: وسياق ما أورده غير البخاري يدفع هذا الاحتمال، فقد وقع

(1)

"فتح الباري"(8/ 264).

(2)

"فتح الباري"(8/ 264).

(3)

"فتح الباري"(8/ 264).

ص: 89

عند أبي نعيم في "المستخرج" من طريق إبراهيم بن سعيد عن حجاج بن محمد قال: كان عبد الرحمن بن عوف جريحًا، وهو ظاهر في أن فاعل "قال" هو ابن عباس، وأنه لا رواية لابن عباس في هذا عن عبد الرحمن، انتهى من "الفتح".

(23 -‌

‌ باب قوله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [النساء:

127])

كذا لأبي ذر، وله عن غير المستملي "باب يستفتونك"(بغير واو) وسقط لغيره "باب"، وقوله:{وَيَسْتَفْتُونَكَ} أي: يطلبون الفتيا أو الفتوى وهما بمعنى واحد، أي: جواب السؤال عن الحادثة التي تشكل على السائل، وهي مشتقة من الفتي، ومنه الفتى وهو الشاب القوي.

ثم ذكر حديث عائشة في قصَّة الرجل يكون عنده اليتيمة، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: كان لجابر بنت عم دميمة ولها مال ورثته عن أبيها، وكان جابر يرغب عن نكاحها، ولا ينكحها خشية أن يذهب الزوج بمالها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(24 -‌

‌ باب قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء:

128])

وفي نسخ الشروح الثلاثة بغير لفظ "باب"، قال الحافظان

(2)

ابن حجر والعيني: كذا وقع لجميع الرواة بغير ذكر لفظ "باب"، زاد العيني: ووقع في بعض النسخ، فالظاهر أنه من بعض النساخ.

قوله: (وقال ابن عباس: {شِقَاقَ}: تفاسد) أشار به إلى قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] وصله ابن أبي حاتم، وقال غيره:

(1)

"فتح الباري"(8/ 265).

(2)

"فتح الباري"(8/ 265)، "عمدة القاري"(12/ 556).

ص: 90

الشقاق: العداوة لأن كلًا من المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وزاد القسطلاني

(2)

: ومحل ذكر هذه الآية قبلُ على ما لا يخفى، انتهى.

قلت: وذلك أن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} مقدم في التلاوة على الآية المترجم بها لكن هذا الإيراد في غير محله فإن الإمام البخاري ذكر هذه الآية بل أشار إليها بمناسبة الآية المترجم بها ولم يجعلها ترجمة برأسها حتى يرد عليه ما أورده، ومن دأبه المعروف أنه كثيرًا ما يشير إلى تفسير الآيات الأخر بمناسبة الترجمة، والعجب منه أنه أورد على هذا ولم يورد على ما هو جدير بالإيراد، وهو باب قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} الآية [آل عمران: 77]، وقوله: باب {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: 64]، كما تقدم فإن الإمام البخاري خالف في هذين البابين ترتيب التلاوة.

(25 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} الآية [النساء:

145])

كذا لأبي ذر وسقط لغيره "باب".

قوله: (وقال ابن عباس: أسفل النار) وصله ابن أبي حاتم عنه قال: الدرك الأسفل أسفل النار، قال العلماء: عذاب المنافق أشد من عذاب الكافر لاستهزائهم بالدين، انتهى

(3)

.

كتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: قوله: "قال ابن عباس. . ." إلخ، دفع بذلك ما يتوهم بكلمة "من" في قوله تعالى:{فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّار}

(1)

"فتح الباري"(8/ 265).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 192).

(3)

انظر: "فتح الباري"(8/ 266).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 55، 56).

ص: 91

أن مقامهم خارج من النار؛ كقولك: هذا أسفل منه، فبين بهذا التَّفسير أن كلمة "من" ليست صلة في اسم التفضيل بل هي بيانية، فلا يلزم كون الدرك الأسفل سوى النار وأدون منه، وفي الآية إشارة إليه حيث أورد الأسفل معرفًا، واسم التفضيل بعد تعريفه باللام لا يحتاج إلى صلة فلا يكون مقام المنافقين أدون من النار خارجًا منها، انتهى.

قوله: (نفقًا سربًا) وصله ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس، وهذه الكلمة ليست من سورة النساء وإنما هي من سورة الأنعام، ولعل مناسبة ذكرها ها هنا للإشارة إلى اشتقاق النفاق؛ لأن النفاق إظهار غير ما يبطن، كذا وجّهه الكرماني، وليس ببعيد مما قالوه في اشتقاق النفاق أنه من النافقاء وهو جُحر اليربوع، وقيل: هو من النفق وهو السرب حكاه في "النهاية"، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وهكذا أفاد الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

أنه أشار بذلك إلى وجه اشتقاقه منه. . .، إلى آخر ما ذكر فيه وفي هامشه في تأييد كلامه فارجع إليه.

قوله: (عجبت من ضحكه) قال الحافظ

(3)

: أي: من اقتصاره على ذلك، وقد عرف ما قلت، أي: فهم مرادي وعرف أنه الحق، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: قوله: "عجبت من ضحكه. . ." إلخ، حيث اكتفى بالضحك ولم يبين لكم ما أردته بكلامي مع أنه قد فهمه، وكان مراده بذلك تحذيرهم من أن يأمنوا من النفاق بأن النفاق قد نزل على قوم كانوا في قرن هو خير من قرنكم وإن لم يكونوا أخيارًا مدة نفاقهم، فإذا وقع النفاق في خير القرون ففي قرنكم هذا هو أولى بالوقوع، فلتكونوا منه على حذر ولا تأمنوا، ولتشتغلوا بتوبة واستغفار، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 266).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 57).

(3)

"فتح الباري"(8/ 267).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 57).

ص: 92

(26 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إلى قوله: {وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ} [النساء:

163])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر.

قوله: (ما ينبغي لأحد) في رواية: "لعبد"، (أن يقول: أنا خير) يحتمل أن يكون المراد أن العبد القائل هو الذي لا ينبغي له أن يقول ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاله تواضعًا، ودلّ حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب على أن الاحتمال الأول أولى، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(27 -‌

‌ باب قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء:

176])

سقط "باب" لغير أبي ذر.

والمراد بقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ} أي: عن مواريث الكلالة، وحذف لدلالة السياق عليه في قوله:{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} ، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: (والكلالة من لم يرثه أب أو ابن) قال الحافظ

(3)

: هو قول أبي بكر الصديق، أخرجه ابن أبي شيبة عنه، وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وروي عن عمرو بن شرحبيل وهو من كبار التابعين أنه قال: ما رأيتهم إلا تواطئوا على ذلك.

قوله: (وهو مصدر من تكلله النسب) هو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء: 12] قال: وهو مصدر من تكلله النسب، أي: تعطف النسب عليه، وزاد غيره: كأنه أخذ طرفيه من جهة الولد والوالد وليس له منهما أحد، وهو قول البصريين قالوا: هو مأخوذ من الإكليل كأن الورثة أحاطوا به وليس له أب ولا ابن، وقيل: هو

(1)

"فتح الباري"(8/ 267).

(2)

المصدر السابق (8/ 267).

(3)

المصدر السابق (8/ 268).

ص: 93

من كَلّ يكِلّ يقال: كلّت الرحم إذا تباعدت وطال انتسابها، وقيل: الكلالة من سوى الولد، وزاد الداودي: وولد الولد، وقيل: من سوى الوالد، وقيل: هم الإخوة، وقيل: من الأم، وقال الأزهري: سمي الميت الذي لا والد له ولا ولد كلالة، وسمي الوارث كلالة، وسمي الإرث كلالة، وعن عطاء: الكلالة هي المال، وقيل: الفريضة، وقيل: الورثة والمال، وقيل: بنوا العم ونحوهم، وقيل: العصبات وإن بعدوا، وقيل غير ذلك، ولكثرة الاختلاف فيها صح عن عمر أنه قال: لم أقل في الكلالة شيئًا، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: من تكلله النسب، أي: أعياه وأعجزه حيث لم يبق له ولد ولا والد، انتهى.

وفي هامشه: قال القسطلاني: قيل: الكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال، وهو ذهاب القوة من الإعياء، انتهى.

وفي "الفيض"

(3)

: الكلالة في اللغة التعب، والمراد منه المورث الذي ليس له وارث من أصوله وفروعه، أو الوارث الذي يكون على تلك الشاكلة فلا يكون له غير الحواشي، انتهى.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال العلَّامة العيني

(4)

: لم تذكر البسملة في رواية أبي ذر، ولقد أحسن من ذكرها.

(5)

‌ سورة المائدة

وهكذا في نسخة "الفتح"

(5)

. وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني": "باب تفسير سورة المائدة"، قال العلَّامة العيني

(6)

: أي: بيان تفسير بعض

(1)

"فتح الباري"(8/ 268).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 59).

(3)

"فيض الباري"(5/ 249).

(4)

"عمدة القاري"(12/ 562).

(5)

"فتح الباري"(8/ 268)، و"إرشاد الساري"(10/ 198)، و"عمدة القاري"(12/ 562).

(6)

"عمدة القاري"(12/ 562).

ص: 94

شيء من سورة المائدة، وهي على وزن فاعلة بمعنى مفعولة، أي: ميد بها صاحبها، وقال الجوهري: مادهم يميدهم لغة في مارهم من الميرة، ومنه المائدة، وهي خوان عليه طعام، فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان، وقال أبو عبيدة: مائدة فاعلة بمعنى مفعولة مثل {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] بمعنى مرضية، انتهى.

قلت: وسيأتي في البخاري تفسير لفظ المائدة في "باب قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ. . .} [المائدة: 103] إلخ.

وقال القسطلاني

(1)

: وهي مدنية إلا {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} [المائدة: 3] فبعرفة عشيتها، قال في "الينبوع": ومن نسب هذه السورة إلى عرفة فقد سها، بل نزلت بالمدينة سوى الآيات من أولها فإنهن نزلن في حجة الوداع وهو على راحلته بعرفة بعد العصر، انتهى.

وقد روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد قالت: "إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة". وعن ابن عمر: "آخر سورة أنزلت المائدة والفتح"، قال الترمذي: حسن غريب، انتهى.

وقال العيني

(2)

: قال عطاء بن مسلم: نزلت سورة المائدة ثم سورة التوبة، وقال أبو العباس في "مقامات التنزيل": هي آخر ما نزل، وفيها اختلاف في ست آيات. . .، إلى آخر ما ذكر.

قوله: ({وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1]) يريد قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ، "واحدها حرام" هو قول أبي عبيدة، وزاد: حرام بمعنى محرم، وقرأ الجمهور بضم الراء، ويحيى بن وثاب بإسكانها، وهي لغة كرسل ورسل، انتهى من "الفتح"

(3)

بزيادة.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 198).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 562).

(3)

"فتح الباري"(8/ 268).

ص: 95

وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: قوله: واحدها حرام: أي: لا حرمة، انتهى.

وفي هامشه: نبَّه بذلك على دفع توهم أنها جمع حرمة، وفي "المجمع": في حديث أشهر الحج: "وحرم الحج" بضم الحاء والراء كأنها تريد الأوقات والمواضع، وعند الأصيلي بفتح راء جمع حرمة، أي: ممنوعات الشرع ومحرماته، انتهى.

والحاصل: أن الحرم بضمتين واحدها حرام، وأما الحرم بضم ففتح واحدها حرمة، انتهى من هامش "اللامع".

قوله: (جعل الله لكم. . . .) إلخ، كتب الشيخ: يعني أن "كتب" ليس ها هنا بمعنى فرض بل بمعنى التقدير والتعيين. وقوله: " {تَبُوءَ}: تحمل" يعني: أنَّ "تبوء" ها هنا ليست بمعنى: جعل الشيء وطنًا، كما في قوله:{تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] بل بمعنى الحمل، والنكتة في تعبيره بلفظ دون لفظ آخر مما فيه معنى الحمل الإشارة إلى أنه باجترام هذه الكبيرة يقتحم فيها، فكأنه محاط بها إحاطة المكان بالمتمكن، انتهى من "اللامع"

(2)

.

قال الحافظ

(3)

: قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة: 29] أي: تحمل إثمي وإثمك، قال: وله تفسير آخر: تبؤ، أي: تقر، وليس مرادًا ها هنا، انتهى.

قوله: (وقال غيره: الإغراء التسليط) قال العلَّامة القسطلاني

(4)

: قيل: هو غير السدّي أو غير من فسّر السابق، وسقط للنسفي: و"قال غيره" فلا إشكال، والإغراء المذكور في قوله تعالى:{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ} [المائدة: 14] هو "التسليط" وقيل: أغرينا: ألقينا. " {أُجُورَهُنَّ} " يريد: {إِذَا

(1)

"لامع الدراري"(9/ 60).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 60، 61).

(3)

"فتح الباري"(8/ 269).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 199).

ص: 96

آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}: "مهورهن" وهذا تفسير أبي عبيدة، انتهى من "القسطلاني".

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه

(1)

: قوله: " {أُجُورَهُنَّ} مهورهن" فسّره به لما في حمله على ظاهره من توهم جواز المتعة، ولعل الوجه في تعبير المهر بالأجر التحضيض على أدائها؛ لأنه عوض عن البضعة فكان حبسها كحبس أجرة الأجير، ولا شك في كونه معيوبًا، انتهى.

وفي هامشه: قال ابن الجوزي في "تفسيره": وقد تكلم قوم من مفسري القرآن فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن متعة النساء، وهذا تكلف لا يحتاج إليه، وفيه أيضًا: وقال ابن جرير الطبري: أولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوَّله: فما نكحتموه منهن فجامعتموهن فآتوهن أجورهن، فقوله تعالى:{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] يعني: مهورهن.

قوله: ({وَمَنْ أَحْيَاهَا} يعني. . .) إلخ، كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: لما كان الإحياء صفة خاصة بالرب تبارك وتعالى وجب حمله على المجاز، فاحتاج إلى بيان معناه، انتهى.

وذكر في هامشه أقوال المفسرين في تفسير هذه الآية، وقد ترجم المصنف، في كتاب الديات "باب قول الله عز وجل:{وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: 32]، قال ابن عباس: من حرم قتلها".

(2 -‌

‌ باب قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:

3])

سقط "باب" لغير أبي ذر، قاله الحافظ

(3)

.

قوله: (فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت) قال في "المغني"

(4)

: وحيث للمكان اتفاقًا، وقال الأخفش: قد ترد للزمان، و"أين"

(1)

"لامع الدراري"(9/ 61، 62).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 62).

(3)

"فتح الباري"(8/ 270).

(4)

"مغني اللبيب" لابن هشام (2/ 299).

ص: 97

قال في "الصحاح"

(1)

: إذا قلت: أين زيد، فإنما تسأل عن مكانه، فتكون "حيث" ها هنا للزمان و"أين" للمكان فلا تكرار.

قوله: (وأشك كان يوم الجمعة أم لا؟) سبق في "الإيمان" من وجه آخر عن قيس بن مسلم الجزم بأنه كان يوم الجمعة، وهذا الحديث قد مر في "كتاب الإيمان"، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

قال الحافظ

(3)

: فإن قيل: كيف طابق الجواب السؤال لأنه قال: لاتخذناه عيدًا، وأجاب عمر رضي الله عنه بمعرفة الوقت والمكان ولم يقل: جعلناه عيدًا؟ والجواب عن هذا: أنها نزلت في أخريات نهار عرفة ويوم العيد إنما يتحقق بأوله، وقد قال الفقهاء: إن رؤية الهلال بعد الزوال للقابلة، قاله هكذا بعض من تقدم، وعندي أن هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة وإلا فرواية إسحاق عن قبيصة التي قدّمناها قد نصّت على المراد، ولفظه: نزلت يوم جمعة يوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد، ولفظ الطبري والطبراني: وهما لنا عيدان، وكذا عند الترمذي من حديث ابن عباس: أن يهوديًّا سأله عن ذلك فقال: نزلت في يوم عيدين: يوم جمعة ويوم عرفة، انتهى.

وقال العيني

(4)

: قال المفسرون: هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة حيث أكمل لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، وعن ابن عباس:{أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} هو الإسلام، والمراد باليوم يوم عرفة، وعن السدي: لم ينزل بعدها حلال ولا حرام، انتهى.

قلت: وقد تقدم الحديث في "باب زيادة الإيمان ونقصانه" من كتاب الإيمان، وتقدم هناك شيء من الكلام عليه.

(1)

"الصحاح"(5/ 2076).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 201).

(3)

"فتح الباري"(1/ 105).

(4)

"عمدة القاري"(12/ 566).

ص: 98

(3 -‌

‌ باب قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا. . .} [المائدة: 6]) إلخ

قال الحافظ

(1)

: قوله: " {فَتَيَمَّمُوا} تعمدوا. . ." إلخ، قال أبو عبيدة في قوله تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} أي: فتعمدوا، وقال في قوله تعالى:{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2]: ولا عامدين، ويقال: أممت، وبعضهم يقول: تيممت، قال الشاعر:

إني كذاك إذا ما ساءَني بلد

يممت صدر بعيري غيره بلدا

ثم قال الحافظ: قرأ الجمهور {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ} بإثبات النون، وقرأ الأعمش بحذف النون مضافًا كقوله:{مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1].

(4 -‌

‌ باب قول الله: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} الآية [المائدة:

24])

أغرب الداودي فقال: مرادهم بقولهم: {وَرَبُّكَ} أخوه هارون لأنه كان أكبر منه سنًّا، وتعقبه ابن التين بأنه خلاف قول أهل التَّفسير كلهم، انتهى

(2)

.

(5 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . .} [المائدة: 33]) إلخ

قال الحافظ

(3)

رحمه الله: تحت قوله: "المحاربة لله: الكفر به": هذا قول سعيد بن جبير والحسن وصله ابن أبي حاتم عنهما، وفسره الجمهور ها هنا بالذي يقطع الطريق على الناس مسلمًا أو كافرًا، وقيل: نزلت في النفر العرنيين وقد تقدم في مكانه، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 272).

(2)

انظر: "فتح الباري"(8/ 273).

(3)

المصدر السابق (8/ 274).

ص: 99

قوله: (أنه كان جالسًا خلف عمر بن عبد العزيز. . .) إلخ، وكان قد أبرز سريره للناس ثم أذن لهم فدخلوا، "فذكروا" القسامة لما استشارهم عمر فيها، "وذكروا" له شأنها "فقالوا" نقول: فيها القود، "وقالوا: قد أقادت بها الخلفاء" قبلك، وفي المغازي: فقالوا: حق قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضت بها الخلفاء قبلك، "فالتفت" عمر رحمه الله. "ما تقول يا أبا قلابة" زاد في الديات: فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى ولم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا، قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

قلت: وبما شرح الحديث العلَّامة القسطلاني ستأتي القصَّة كذلك عند البخاري في كتاب الديات.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "ما تقول يا أبا قلابة. . ." إلخ، حاصله: أن أبا قلابة حصر الأسباب المجوزة للقتل في ثلاثة وليست القسامة منها فلم يجز القتل فيها، ثم أورد عنبسة على حصره ذلك حديث العرنيين حيث قتلوا ولم يكن فيهم شيء من هذه الثلاثة، فأراد عنبسة بذلك إثبات أنه ليس جواز القتل مقصورًا على هذه الثلاثة كما يدل عليه حديث العرنيين، فأجاب عنه أبو قلابة بأنهم ليسوا خارجين من هذه الثلاثة، فلا إيراد بالحديث على الحصر، ثم إن قول عنبسة:"سبحان الله" كان تعجبًا منه وتصديقًا لكلامه ولكن هذه الكلمة قد تستعمل في الإنكار، فلذلك سأل عنه أبو قلابة هل تتهمني؟ فقال: لا، فكان ذلك تسليمًا منه لما ادعاه أبو قلابة من ترك القتل بالقسامة وهو المذهب، انتهى.

وفي هامشه: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في توضيح معنى الحديث، وفي

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 207، 208).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 63، 64).

ص: 100

"تقرير المكي": قوله: "قادت بها الخلفاء" قلنا: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الخلفاء قاد بالقسامة إلا أن عبد الملك كان قد قاد بالقسامة، فلذلك احتاج عمر بن عبد العزيز إلى المشورة فيه، وأما قول الشيخ قُدِّس سرُّه: وهو المذهب، فالمراد مذهب الحنفية وهو المشهور من مذهب الشافعية بخلاف الإمامين: مالك وأحمد فإنهما قائلان بالقود بالقسامة في بعض الصور، كما بسط المذاهب في "الأوجز"

(1)

.

ولا يذهب عليك أن المعروف عند شراح الحديث أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى لم يكن قائلًا بالقسامة، قالوا: وإليه ميل البخاري، وليس بصحيح عند هذا العبد الضعيف، والصواب عندي أنهما أنكرا القود بالقسامة لا الحكم بالقسامة أصلًا كما هو مذهبنا الحنفية، وسيأتي البسط في ذلك في "باب القسامة" من كتاب الديات إن شاء الله تبارك وتعالى.

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:

45])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر.

قوله: ({قِصَاصٌ}) أي: ذات قصاص فيما يمكن أن يقتص منه، وهذا تعميم بعد التخصيص؛ لأن الله تعالى ذكر النفس والعين والأنف والأذن فخص الأربعة بالذكر ثم قال:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} على سبيل العموم فيما يمكن أن يقتص منه كاليد والرجل، وأما ما لا يمكن ككسر في عظم أو جراحة في بطن يخاف منها التلف فلا قصاص فيه بل فيه الأرش والحكومة، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

وحديث الباب قد سبق في "باب الصلح في الدية" من كتاب الصلح، وتقدم شيء من الكلام عليه هناك.

(1)

"أوجز المسالك"(15/ 154).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 209).

ص: 101

(7 -‌

‌ باب قوله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة:

67])

ذكر فيه طرفًا من حديث عائشة، وسيأتي بتمامه مع كمال شرحه في كتات التوحيد إن شاء الله تعالى، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(8 -‌

‌ باب قوله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الآية [المائدة:

89])

سقط "باب قوله" لغير أبي ذر، وفسرت عائشة لغو اليمين بما يجري على لسان المكلف من غير قصد، وقيل: هو الحلف على غلبة الظن، وقيل: في الغضب، وقيل: في المعصية، وفيه خلاف آخر سيأتي بيانه في الأيمان والنذور، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: (أنزلت هذه الآية في قول الرجل: لا والله. . .) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: وهذا اجتهاد منها لا أنه حديث مرفوع، انتهى.

قلت: هو كذلك كما أوضحته في هامشه، وفيه أيضًا: لا يقال: إن الحديث مرفوع في "سنن أبي داود"، وذلك لأن الإمام أبا داود أشار إلى ترجيح الوقف.

(9 -‌

‌ باب قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ. . .} [المائدة: 87]) إلخ

سقط "باب قوله" لغير أبي ذر، قاله الحافظ

(4)

.

قوله: (ثم قرأ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا. . .}) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(5)

: ولا يبعد إرجاع الآية إلى النهي عن الاختصاء، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 275).

(2)

"فتح الباري"(8/ 275).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 65).

(4)

"فتح الباري"(8/ 276).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 65، 66).

ص: 102

قلت: ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه وجيه، وبه جزم الشيخ في كتاب النكاح إذ قال: دلالة الآية على حرمة التبتل والاختصاء ظاهرة، وإليه يظهر ميل أكثر المفسرين، وإن كان يحتمل إرجاع الضمير إلى المتعة لقربها في الحديث.

وبسط في هامش "اللامع" الكلام في سبب نزول هذه الآية من كلام المفسرين، وفيه: قال الحافظ

(1)

: قوله: "ثم قرأ" في رواية مسلم: "ثم قرأ علينا عبد الله" وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه الآية ها هنا يشعر بأنه كان يرى بجواز المتعة، فقال القرطبي: لعله لم يكن حينئذ بلغه الناسخ ثم بلغه فرجع بعدُ.

قال الحافظ: يؤيده ما ذكره الإسماعيلي أنه وقع في رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد: ففعله ثم ترك ذلك، وفي رواية: ثم جاء تحريمها بعدُ، وفي رواية: ثم نسخ، انتهى مختصرًا.

وقال القرطبي: الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان إلا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه، وقال النووي: يحرم خصاء الحيوان غير المأكول مطلقًا، وأما المأكول فيجوز في صغيره دون كبيره، انتهى.

وفي "الدر المختار": وجاز خصاء البهائم حتى الهرة، وأما خصاء الآدمي فحرام، قيل: والفرس، وقيدوه بالمنفعة وإلا فحرام، وإنزاء الحمير على الخيل كعكسه، "قهستاني". قال ابن عابدين: قوله: قيدوه، أي: جواز خصاء البهائم بالمنفعة وهي إرادة سمنها أو منعها عن العضّ بخلاف بني آدم فإنه يراد به المعاصي فيحرم، أفاده الأتقاني عن الطحاوي، انتهى

(2)

. وسيأتي في كتاب النكاح التبويبُ بقوله: ما يكره من التبتل والخصاء.

(1)

"فتح الباري"(9/ 119).

(2)

"رد المحتار"(9/ 557، 558).

ص: 103

(10 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ} الآية [المائدة:

90])

سقط "باب قوله" لغير أبي ذر.

قوله: (وقال ابن عباس: الأزلام. . .) إلخ، وصله ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس مثله.

قوله: (وقال غيره: الزُّلَم: القدح لا ريش له. . .) إلخ، قال أبو عبيدة: واحد الأزلام: زلَمٌ بفتحتين، وزُلَم بضم أوله وفتح ثانيه، لغتان، وهو القدح، أي: بكسر القاف وسكون الدال، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها. . .) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: فيه دلالة على غاية امتثالهم لأوامر الشرع وانتهائهم عن نواهيه رضي الله عنهم أجمعين، انتهى.

وذكر في هامشه روايات كثيرة ووقائع عديدة في امتثال الصحابة رضي الله عنهم لأمره صلى الله عليه وسلم، فارجع إليه لو شئت.

(11 -‌

‌ باب قوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة:

93])

ذكر المصنف فيه حديث أنس: أن الخمر التي هريقت الفضيخ، وسيأتي شرحه في الأشربة.

وقوله: (فنزل تحريم الخمر فأمر مناديًا. . .) إلخ، الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، والمنادي لم أر التصريح باسمه، والوقت الذي وقع ذلك فيه زعم الواحدي أنه عقب قول حمزة: إنما أنتم عبيد لأبي، وحديث جابر يردّ عليه، والذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان، ثم ذكر الحافظ

(3)

تأييد

(1)

"فتح الباري"(8/ 277، 278).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 67).

(3)

"فتح الباري"(8/ 279).

ص: 104

ذلك بعدة روايات من "مسند أحمد"، وسيأتي شيء من الكلام على زمان تحريم الخمر في مبدء "كتاب الأشربة".

(12 -‌

‌ باب قوله: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:

101])

سقط "باب قوله" لغير أبي ذر.

وقد تعلق بهذا النهي من كَرِه السؤال عما لم يقع، وقد أسنده الدارمي في مقدمة كتابه عن جماعة من الصحابة والتابعين، وقال ابن العربي: اعتقد قوم من الغافلين مَنعَ أسئلة النوازل حتى تقع تعلقًا بهذه الآية، وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه، ومسائل النوازل ليست كذلك، وهو كما قال، إلا أنه أساء في قوله: الغافلين، على عادته كما نبَّه عليه القرطبي، وقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رفعه:"أعظم المسلمين بالمسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته" وهذا يبين المراد من الآية، وليس مما أشار إليه ابن العربي في شيء، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: "فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم. . ." إلخ، خوفًا من أن يسخط الله عليهم بسخط رسوله، وقوله:"كان قوم يسألون. . ." إلخ، وكان سببه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من حسن الخلق ولين الجانب، وكان ذلك أول أمرهم، فلا ينافيه ما ورد من كونهم في مجلسه: كأن على رؤوسهم الطير، انتهى.

وفي هامشه: وفي "تقرير المكي": قوله: "استهزاء" ليس المراد به الاستهزاء حقيقة بل المراد به الكلام الذي كان استهزاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم (أي: بالنسبة إلى علو شأنه العظيم) بأن يقولوا: أخبرني يا رسول الله من مكاشفة أني ما أكلت اليوم؟ وما يطبخ في بيتي؟ أو من أبي؟ مع كونه

(1)

"فتح الباري"(8/ 280، 281).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 69).

ص: 105

عالمًا بأبيه! وهذا كان من غاية حلم النبي صلى الله عليه وسلم واختلاطهم معه، لا من أجل سخريتهم به، انتهى.

(13 -‌

‌ باب قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ. . .} [المائدة: 103]) إلخ

أي: ما حرم، ولم يرد حقيقة الجعل؛ لأن الكل خلقه وتقديره، ولكن المراد بيان ابتداعهم ما صنعوه من ذلك.

قوله: ({وإِذْ قَالَ اللَّهُ} يقول: قال الله. . .) إلخ، كذا ثبت هذا وما بعده ها هنا، وليس بخاص به، وهو على ما قدمنا من ترتيب بعض الرواة، وهذا الكلام ذكره أبو عبيدة في قوله تعالى:{وإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 110] قال: مجازه: يقول الله، و"إذ" من حروف الزوائد، وكذلك قوله:{وإِذْ عَلَّمْتُكَ} أي: وعلمتك، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: يعني أن المراد بقوله: {وإِذْ قَالَ اللَّهُ} قال الله، فلا يراد بقوله:"إذ" ها هنا معنًى وهو المراد بقوله: "وإذ ها هنا صلة" أي: متعلقة بما لم يذكر ها هنا، وهي مزيدة بحسب هذا الكلام وإن لم تكن مزيدة في أصل الكلام فإنها زائدة من جملة:"يقول الله" لأنها ظرف للفعل المحذوف، انتهى.

قوله: (المائدة وأصله مفعولة. . .) إلخ، قال ابن التين: هو قول أبي عبيدة، وقال غيره: هي من ماد يميد إذا تحرك، وقيل: من ماد يميد إذا أطعم، قال ابن التين: وقوله: (تطليقة بائنة) غير واضح إلا أن يريد أن الزوج أبان المرأة بها، وإلا فالظاهر أنها فرقت بين الزوجين، فهي فاعل على بابها، انتهى من "الفتح"

(3)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 283).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 71، 72).

(3)

"فتح الباري"(8/ 283).

ص: 106

وتقدم الكلام على تحقيق لفظ المائدة في أول السورة، وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: قوله: "تطليقة بائنة" فإن التطليقة ليست بائنة، وإنما هي مبانة بها، فكانت صيغة الفاعل بمعنى المفعول، فالتطليقة مبانة بها كما أن المائدة مميدة بها صاحبها، انتهى.

وقد أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه فيما أفاده وإلا فعامة الشرَّاح قالوا: التمثيل غير واضح، ووافق الكرماني ما قاله الشيخ قُدِّس سرُّه، والبسط في هامش "اللامع" فارجع إليه.

قوله: (وقال ابن عباس: متوفيك مميتك) قال الحافظ

(2)

: هكذا ثبت ها هنا، وهذه اللفظة إنما هي في سورة آل عمران، فكأن بعض الرواة ظنها من سورة المائدة، فكتبها فيها، أو ذكرها المصنف هنا لمناسبة قوله في هذه السورة:{فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ} [المائدة: 117]، وذكر هذين الوجهين العلَّامة العيني

(3)

ونسب الوجه الثاني إلى الكرماني، ثم تعقب على القولين، فقال: هذا بعيد لا يخفى بعده، والذي قاله بعضهم أبعد منه، انتهى. ولم يجب هو بنفسه عن هذا الإشكال.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه

(4)

: قوله: "متوفيك مميتك" وهذا بيان لأجله متى يكون، ولا ذكر فيه للتوفي قبل الرفع حتى يلزم خلاف المشهور من أنه رفع حيًّا، والأصل أن عيسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه لما اشتد عليه أذى الأعداء وضاق به صدره أوحى الله إليه أني مميتك فكن على صبر حتى يحل أجلك، ثم أتبعه بمزيد مَنِّه فقال:{وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] ليكون أبلغ في تحمل المشاق لقرب زمان الخلاص نسبة زمان الموت، ثم أتبعه بأخرى {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55] حتى لا تصل إليك أدناسهم، فإن في الأول من التأخير في الخلاص ما ليس في الثاني،

(1)

"لامع الدراري"(9/ 72، 73).

(2)

"فتح الباري"(8/ 283).

(3)

"عمدة القاري"(12/ 587).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 75، 76).

ص: 107

وكذلك في الثاني من تعجيل النصرة ما ليس في الثالث، ففي المراتب الثلاث ترق بعد ترق، وقد تمت عليها عدته المتعلقة بنفسه فأتبعه رابعًا ما تدل على إنعامه على من اتبعه لئلا تأخذ إياه شفقة عليهم، فقال:{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. . .} [آل عمران: 55]، انتهى.

وذكر في هامشه الكلام عليه وعلى مسألة نزول عيسى عليه السلام.

(تنبيه): قال الشاه أنور الكشميري في رسالته "عقيدة الإسلام": إن المعروف في كتب الحديث: "لو كان موسى حيًّا لما وسعه إلا اتباعي" كما بسط طرقه الحافظ في كتاب الاعتصام في "باب قوله تعالى: {لا تسألوا أهل الكتاب} " إلخ، فما وقع في "تفسير ابن كثير" تحت قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} الآية [آل عمران: 81]، من زيادة عيسى في هذا الحديث غلط من الناسخ، انتهى من هامش "اللامع".

قوله: (البحيرة التي يمنع درّها للطواغيت) وهي الأصنام فلا يحلبها أحد من الناس، والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة، وهي التي بحرت أذنها، أي: خرمت، قال أبو عبيدة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها، أي: شقوها وتركت فلا يمسها أحد، وقال آخرون: بل البحيرة الناقة كذلك وخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل.

وأما قوله: (فلا يحلبها أحد من الناس)، وهكذا أطلق نفي الحلب، وكلام أبي عبيدة يدلّ على أن المنفي إنما هو الشرب الخاص، قال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء، ويحلون ذلك للرجال، وما ولدت فهو بمنزلتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها.

قوله: (والسائبة كانوا يسيبونها. . .) إلخ، قال أبو عبيدة: كانت السائبة من جميع الأنعام وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد، قال: وقيل: السائبة لا تكون إلا من الإبل كان الرجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من سفره لَيُسَيِّبَنّ بعيرًا.

قوله: (والوصيلة الناقة البكر. . .) إلخ، هكذا أورده متصلًا بالحديث

ص: 108

المرفوع، وهو يوهم أنه من جملة المرفوع، وليس كذلك بل هو بقية تفسير سعيد بن المسيب، والمرفوع من الحديث إنما هو ذكر عمرو بن عامر فقط، وتفسير البحيرة وسائر الأربعة المذكورة في الآية عن سعيد بن المسيب.

قوله: (والحام: فحل الإبل. . .) إلخ، وكلام أبي عبيدة يدل على أن الحام إنما يكون من ولد السائبة، وقال أيضًا: كانوا إذا ضرب فحل من ولد البحيرة فهو عندهم حام. وقال أيضًا: الحام من فحول الإبل خاصة إذ أنتجوا منه عشرة أبطن، قالوا: قد حمى ظهره فأحموا ظهره ووبره وكل شيء منه فلم يركب ولم يطرق، انتهى مختصرًا من "الفتح"

(1)

.

وذكر في هامش "اللامع"

(2)

عن "تقرير مولانا محمد حسن المكي" في تعريف السائبة بحث فقهي فارجع إليه لو شئت.

(14 -‌

‌ باب قوله: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي. . .} [المائدة: 117]) إلخ

كتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: والتوفي ها هنا أعم من المذكور قبله والأولى فيه الحملُ على الرفع دون الموت، انتهى.

ذكر فيه حديث ابن عباس: "إنكم محشورون إلى الله حفاة" الحديث وسيأتي شرحه في الرقاق، والغرض منه:"فأقول كما قال العبد الصالح. . ." إلخ، وقوله:"أصيحابي" كذا للأكثر بالتصغير وللكشميهني بغير تصغير، قال الخطابي: فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك وإنما وقع لبعض جفاة العرب ولم يقع من أحد من الصحابة المشهورين، انتهى من "الفتح"

(4)

.

قلت: وسيأتي الكلام على قوله: "يا رب أصحابي. . ." إلخ، في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 284).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 70).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 76).

(4)

"فتح الباري"(8/ 286).

ص: 109

(15 -‌

‌ باب قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:

118])

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور قبل، أورده مختصرًا، انتهى.

وقال العلَّامة القسطلاني

(2)

: فإن قيل: كيف جاز أن يقول: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} فتعرض بسؤاله العفو عنه ما علمه أنه تعالى قد حكم بأنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة؟ وأجيب بأن هذا ليس بسؤال وإنما هو كلام على طريق إظهار قدرته تعالى على ما يريد وعلى مقتضى حكمه وحكمته، ولذا قال:{فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تنبيهًا على أنه لا امتناع لأحد من عزته ولا اعتراض في حكمه وحكمته، فإن عذّبتَ فعدلٌ وإن غفرت ففضلٌ، وعدم غفران الشرك مقتضى الوعيد فلا امتناع فيه لذاته، انتهى.

(6)

‌ سورة الأنعام

هكذا في النسخ الهندية بغير بسملة، وزاد في نسخ الشروح الثلاثة بعدها البسملة وقالوا

(3)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر.

وقال العيني

(4)

: ذكر ابن المنذر بإسناده عن ابن عباس قال: نزلت سورة الأنعام بمكة - شرّفها الله - ليلًا جملة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح، وعن مجاهد: نزل معها خمسمائة ملك يزفونها ويحفونها، وفي تفسير أبي محمد بن إسحاق البستي: خمسمائة ألف ملك، وروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما: نزلت الأنعام بمكة إلا ثلاث آيات فإنها نزلت بالمدينة وهي من قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا} إلى

(1)

"فتح الباري"(8/ 286).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 228، 229).

(3)

"فتح الباري"(8/ 287)، و"عمدة القاري"(12/ 592)، و"إرشاد الساري"(10/ 230).

(4)

"عمدة القاري"(12/ 592).

ص: 110

قوله: {تَتَّقُونَ} ثم ذكر أقوالًا في تعيين بعض تلك الآيات إلى آخر ما ذكر في فضائل تلك السورة.

وقال القسطلاني

(1)

: وعند ابن مردويه عن أنس مرفوعًا: نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والأرض بهم ترتج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سبحان الله الملك العظيم"، انتهى.

قوله: (وقال ابن عباس: {فِتْنَتُهُمْ} [الأنعام: 23] معذرتهم) وفي نسخة "الفتح"

(2)

قبله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} قال الحافظ: وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عنه، وقال معمر عن قتادة: فتنتهم مقالتهم، قال: وسمعت من يقول: معذرتهم، أخرجه عبد الرزاق، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: قوله: "معذرتهم" بحذف المضاف، أي: معذرة فتنتهم، أي: جريرتهم التي ارتكبوها في الدنيا.

وقوله: ({وَلَلَبَسْنَا} [الأنعام: 9] لشبهنا) أي: لو أنزلنا ملكًا لأنزلناه بصورة إنسان إذ لا طاقة لهم برؤيته، مع أنه لو أنزل على هيئته وصورته لم يتأت الخلط والتباسط المتوقف عليه التعليم والتعلم، فإذا لم ينزل في صورته ونزل في صورة إنس عاد المحظور كما كان، وصار السؤال واردًا كما ورد على إرسال الإنس نفسه.

وقوله: (البسط الضرب) يعني: أن المراد بالبسط ها هنا الضرب.

وقوله: (سرمدًا دائمًا) الظاهر أن المصنف قصد بذلك دفع ما يرد على ظاهر آيتي الأنعام والقصص من توهم معارضة حيث قال في الأولى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] وهو يقتضي اتصاف الليل بالسكون والقرار، وأيضًا فالليل كثيرًا ما يتصف بالسرمد فيقال: ليل سرمد، وصرَّح

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 230).

(2)

"فتح الباري"(8/ 287).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 77 - 81).

ص: 111

في الثانية بنقضها وعدم قرارها حيث قال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} الآية [القصص: 71].

وحاصل الدفع: أن سرمدًا ها هنا وإن كان للدوام إلا أن السرمد في صفة الليل ليس بمعنى الدوام وإنما هو مجاز عن الطول، وكذلك السكن صفة لليل باعتبار ما فيه لا بحسب نفسه لأن كل ما فيه من الأناسي والدواب يسكن فيه فلو كان الليل ساكنًا بنفسه لسرمد الليل ولم ينقض وليس كذلك، والله أعلم، انتهى كله من "اللامع".

وفي هامشه: قال الحافظ

(1)

: كذا وقع ها هنا وليس هذا في الأنعام وإنما هو في سورة القصص، قال أبو عبيدة في قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} ، أي: دائمًا، قال: وكل شيء لا ينقطع فهو سرمد، وقال الكرماني: كأنه ذكرها ها هنا لمناسبة قوله تعالى في هذه السورة: {وَجَاعل اللَّيْل سَكَنًا} ، انتهى.

وتبع الكرماني في ذلك الحافظ والقسطلاني من أنه ذكره ها هنا لمناسبة آية سورة الأنعام وإلا فلا وجه لذكره ها هنا.

وأجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في توجيه ذكره ها هنا بأنه أشار إلى دفع التعارض في الآيتين بأن السكون والقرار في الآية ليس بمعنى الدوام كما يتوهم من قولهم: ليل سرمد، بل هو مجاز عن الطول، انتهى من هامشه.

قوله: (الصور) بضم الصاد وفتح الواو في قوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام: 73](جماعة صورة، كقوله: سورة وسور) قال ابن كثير: والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام للأحاديث الواردة فيه، انتهى من "القسطلاني"

(2)

، قلت: وبه جزم المصنف في كتاب الرقاق إذ قال: باب نفخ الصور، قال مجاهد: الصور كهيئة البوق، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} :

(1)

"فتح الباري"(8/ 288).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 232).

(3)

"فتح الباري"(8/ 288).

ص: 112

يقال: إنها جمع صورة ينفخ فيها روحها فتحيى، بمنزلة قولهم: سور المدينة واحدها سورة، انتهى.

والثابت في الحديث أن الصور قرن ينفخ فيه، وهو واحد لا اسم جمع، وحكى الفراء الوجهين وقال في الأول: فعلى هذا فالمراد النفخ في الموتى، وذكر الجوهري في "الصحاح" أن الحسن قرأها بفتح الواو، انتهى.

قوله: (رهبوت خير من رحموت. . .) إلخ، وكذلك قوله:"ترهب. . ." إلخ.

حاصله: أن مقام الخشية أعلى وأفضل من مقام الرجاء فإن الخاشي يتكلف من الأعمال المشاق ما لا يحتمله الراجي فأنذر أكثر من الإبشار، انتهى من "اللامع"

(1)

.

وفي "تقرير المكي": قوله: "الملك" يريد أن الواو والتاء مزيدتان للمبالغة كما في رهبوت ورحموت، ثم أورد ما كان ها هنا من المثل المشهور فقال:"رهبوت خير من رحموت" ثم فسر هذا المثل بقوله: "وتقول: تُرهَب. . ." إلخ، يريد أن الرهبوت والرحموت مصدران مجهولان وحاصل معناه: إنك أن ترهب وتؤدب في أمر خير كتعلم الدين مثلًا أولى لك من أن ترحم فتترك عنه، انتهى.

وبسط في هامش "اللامع" الكلام في الرجاء والخوف وأيهما أفضل من كلام الغزالي في "إحياء العلوم" وشرحه وغيره، فارجع إليه لو شئت

(2)

.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلا هُوَ} [الأنعام:

59])

المفاتح جمع مفتح بكسر الميم: الآلة التي يفتح بها، مثل منجل ومناجل، وهي لغة قليلة في الآلة، والمشهور مفتاح بإثبات الألف وجمعه

(1)

"لامع الدراري"(9/ 81، 82).

(2)

انظر: "إحياء علوم الدين"(4/ 140)، و"إتحاف السادة المتقين"(11/ 423).

ص: 113

مفاتيح بإثبات الياء، وقد قرئ بها في الشواذ، وقيل: بل هو جمع مفتح بفتح الميم وهو المكان، ويؤيده تفسير السدي فيما رواه الطبري قال:{مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} : خزائن الغيب، وجوّز الواحدي أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر بمعنى الفتح، أي: وعنده فتوح الغيب، أي: يفتح الغيب على من يشاء من عباده، ولا يخفى بعد هذا التأويل للحديث المذكور في الباب أن مفاتح الغيب لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ} الآية [الأنعام:

65])

قال الحافظ

(2)

: قوله: " {يَلْبِسَكُمْ} يخلطكم. . ." إلخ، هو من كلام أبي عبيدة في الموضعين.

قوله: ({شِيَعًا} فرقًا) هو كلام أبي عبيدة أيضًا، زاد: واحدها شيعة، وللطبري عن ابن عباس في قوله:{شِيَعًا} قال: الأهواء المختلفة، انتهى.

وقد بسط الحافظ الكلام على شرح حديث الباب أشد البسط، وقال في آخره: إذا جمعت الخصال المستعاذ منها من هذه الأحاديث التي سقتها بلغت نحو العشرة، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:

82])

ذكر فيه حديث عبد الله بن مسعود وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان.

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام:

86])

أي: عالمي زمانهم، وتمسك به من قال: إن الأنبياء أفضل من الملائكة لدخولهم في عموم الجمع المحلي، قاله القسطلاني

(3)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 291).

(2)

"فتح الباري"(8/ 291 - 293).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 237).

ص: 114

ذكر المصنف فيه حديثي ابن عباس وأبي هريرة: "ما ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى" وتقدم شرحه في آخر سورة النساء.

(5 -‌

‌ باب قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:

90])

قال القسطلاني

(1)

: وفي هذه الآية دلالة على فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء لأنه سبحانه أمره بالاقتداء بهداهم ولا بد من امتثاله لذلك الأمر، فوجب أن يجتمع فيه جميع فضائلهم وأخلاقهم المتفرقة، فثبت بهذا أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وتقديم قوله:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} يفيد حصر الأمر في هذا الاقتداء وأنه لا هدى غيره، والمراد أصول الدين وهو الذي يستحق أن يسمى بالهدى المطلق فإنه لا يقبل النسخ، وكذا في مكارم الأخلاق والصفات الحميدة المشهورة عن كل واحد من هؤلاء الأنبياء، ولو أمر بالاقتداء في مشروع تلك الأديان لم يكن ديننا ناسخًا وكان يجب محافظة كتبهم ومراجعتها عند الحاجة، وبطلان اللازم بالاتفاق يدل على بطلان الملزوم، انتهى.

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام:

146])

قال الحافظ

(2)

: قوله: " {الْحَوَايَا} المبعر" في رواية أبي الوقت "المباعر" وصله ابن جرير عن ابن عباس، والحوايا جمع حوية وهي ما تحوى واجتمع واستدار من البطن، وهي نبات اللبن وهي المباعر وفيها الأمعاء، ثم ذكر المصنف حديث جابر:"قاتل الله اليهود حرمت عليهم شحومها" الحديث وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب البيوع.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 239).

(2)

"فتح الباري"(8/ 295).

ص: 115

(7 -‌

‌ باب قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:

151])

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه

(1)

: قوله: "وكيل: حفيظ محيط. . ." إلخ، يعني: الوكالة ها هنا ليست بمعناه، بل المراد بها الحفظ والإحاطة، وهما وصفان لازمان للوكيل عادة لتمكنه من التصرف فيما وكل عليه.

وقوله: (قبلًا جمع قبيل، والمعنى أنه ضروب للعذاب) يعني: أن العذاب أصناف وضروب، انتهى.

وفي هامشه: بسط الشرَّاح في معنى قوله: "قبلًا"، وفي ضبط هذا اللفظ، قال الحافظ

(2)

بعد ما بسط الكلام على الأقاويل فيه: ولم أر من فسّره بأصناف العذاب فليحرر، انتهى.

وحكى القسطلاني قول الحافظ هذا ولم يزد عليه بشيء.

وقال العيني

(3)

: قوله: "ضروب للعذاب" أشار به إلى قوله تعالى: {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} [الأنعام: 111] ثم قال: قبلًا جمع قبيل.

قوله: "والمعنى" أشار به إلى أن معنى قبيل ضروب، يعني: أنواع للعذاب، كل ضرب، أي: كل نوع من تلك الضروب قبيل، أي: نوع، انتهى.

وهذا التَّفسير من منتقدات الشيخ قُدِّس سرُّه كما تقدم في مقدمة "اللامع".

والأوجه عند هذا العبد الضعيف: أن ذكر هذا التَّفسير ها هنا ليس في محله، بل هو تفسير لما سيأتي في سورة الكهف في قوله تعالى: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف: 55]، وفي "تفسير الجلالين"

(4)

: قوله: "قبلًا" مقابلة وعيانًا، وهو القتل يوم بدر، وفي قراءة بضمتين جمع قبيل، أي: أنواعًا، انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 84، 85).

(2)

"فتح الباري"(8/ 296).

(3)

"عمدة القاري"(12/ 606).

(4)

"تفسير الجلالين"(ص 389).

ص: 116

لكن فيه أن الإمام البخاري فسر قبلًا لذي في سورة الكهف بقوله: "استئنافًا"، نعم أخرج السيوطي في "الدر"

(1)

عن مجاهد أنه قرأ: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} أي: قبائل، قال العيني في الكهف

(2)

: من قرأ بضمتين أراد أصناف العذاب، انتهى.

قال البغوي في "المعالم": قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة "قبلًا" بضم القاف والباء جمع قبيل، أي: أصناف العذاب نوعًا نوعًا، انتهى.

فالظاهر عندي: أن التَّفسير كان لقبلًا الذي في الكهف، وذكره ها هنا من سهو الناسخ، انتهى.

(9 -‌

‌ باب قوله: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ. . .} [الأنعام: 150]) إلخ

هكذا في النسخ الهندية و"القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح":"باب قوله: {قُلْ هَلُمَّ. . .} " إلخ، ولم يذكر المصنف في هذا الباب حديثًا، ولم يتعرض له الحافظ وغيره، وليس هذا الباب في نسخة "العيني"، بل ذكر في نسخة "العيني":"قوله: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ. . .} " إلخ تحت الباب الآتي، ولم يتعرض هو ولا غيره لاختلاف النسخ أيضًا، وعلى ما في نسخة "العيني" لا مناسبة بين حديث الباب وبين هذه الآية كما لا يخفى.

قال الحافظ

(3)

: قوله: "هم للواحد والاثنين والجمع" هو كلام أبي عبيدة بزيادة: والذكر والأنثى سواء، وأهل نجد يقولون للواحد: هلم، وللمرأة: هلمي، وللاثنين: هُلمّا، وللقوم: هلمّوا، وللنساء: هلممن، يجعلونها من هلممت، وعلى الأول فهو اسم فعل معناه طلب الإحضار، وشهداءكم مفعول به، انتهى من "الفتح".

(1)

"الدر المنثور"(5/ 406).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 132).

(3)

"فتح الباري"(8/ 2997).

ص: 117

(10 -‌

‌ باب: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام:

158])

هكذا في النسخ الهندية ونسخة "الفتح"، وفي نسخة "العيني": "باب قوله تعالى: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} .

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث أبي هريرة في طلوع الشمس من المغرب، وسيأتي شرحه في "كتاب الرقاق" إن شاء الله.

(7)

‌ سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في النسخ الهندية والعيني والحافظ، وليس في نسخة القسطلاني البسملة، قالوا

(2)

: لم توجد البسملة إلا في رواية أبي ذر.

قال القسطلاني

(3)

: هي مكية إلا ثمان آيات من قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ} [الأعراف: 163] إلى قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} الآية [الأعراف: 171]، انتهى.

قال العلَّامة العيني

(4)

: قال أبو العباس في كتابه في "مقامات التنزيل": هي مكية، وفيها اختلاف، وذكر الكلبي أن فيها خمس عشر آية مدنيات من قوله:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} [الأعراف: 152] إلى قوله: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157]، ومن قوله:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْر} [الأعراف: 163] إلى قوله: {وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف: 169] قال: ولم يبلغنا هذا عن غير الكلبي، وفيها آية أخرى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} الآية [الأعراف: 204]، ذكر جماعة أنها نزلت في الخطبة يوم الجمعة، والجمعة إنما كانت بالمدينة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 297).

(2)

"فتح الباري"(8/ 298)، و"عمدة القاري"(12/ 609)، و"إرشاد الساري"(10/ 247).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 247).

(4)

"عمدة القاري"(12/ 609).

ص: 118

قال الحافظ

(1)

: اختلف في المراد بالأعراف في قوله تعالى: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف: 46] فقال: (بياض في الأصل)

(2)

، وعن أبي مجلز: هم ملائكة وكلوا بالصور ليميزوا المؤمن من الكافر، واستشكل بأن الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا فلا يقال لهم: رجال، وأجيب بأنه مثل قوله في حق الجن: كانوا {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 6] كذا ذكره القرطبي في "التذكرة"، وليس بواضح؛ لأن الجن يتوالدون، ولا يمتنع أن يقال فيهم الذكور والإناث بخلاف الملائكة، انتهى.

قوله: (وقال ابن عباس: ورياشًا المال) قال العيني

(3)

: ليس في كثير منِ النسخ لفظ "باب"، وأشار بقوله:"رياشا" إلى ما في قوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} قرأ الجمهور: {وَرِيشًا} وقرأ الحسن وابن عباس ومجاهد وغيرهم (ورياشا) وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم رواها عنه عثمان، ثم إن البخاري فسَّره بالمال.

وقال ابن الأعرابي: الريش الأكل والرياش المال المستفاد، وقال ابن دريد: الريش: الجمال، وقيل: هو اللباس، وقال قطرب: الريش والرياش واحد مثل حل وحلال وحرم وحرام، وعن ابن عباس: الرياش: اللباس والعيش والنعيم، وقال الثعلبي: الرياش في كلام العرب: الأثاث وما ظهر من المتاع والثياب والفرش وغيرها، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 298).

(2)

قد أثبتت هذه العبارة في النسخة المحققة لـ "فتح الباري" الصادرة من دار طيبة في موضع البياض معزوًّا إلى "إتحاف القاري"(ص 27، 28): فقال أبو جعفر: الأعراف جمع واحدها عرف، وكل مرتفع من الأرض عند العرب عرف، وهو الحجاب بين الجنة والنار، وأما الرجال فقيل: هم قوم من بني آدم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وقيل: المقتول في سبيل الله عصاة لآبائهم في الدنيا، وعن مجاهد: هم قوم صالحون فقهاء علماء.

(3)

"عمدة القاري"(12/ 609، 610).

ص: 119

قوله: (الفتاح: القاضي) كذا وقع هنا، والفتاح لم يقع في هذه السورة، وإنما هو في سورة سبأ، وكأنه ذكره هنا توطئةً لتفسير قوله في هذه السورة:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89]، ولعله وقع فيه تقديم وتأخير من النساخ، فقد قال أبو عبيدة في قوله:{افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا} أي: احكم بيننا، والفتاح القاضي، انتهى كلامه. ومنه ينقل البخاري كثيرًا، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (خيفة: خوفًا) وإيراد "خفية" تنبيه على فرق بينهما، انتهى من "اللامع"

(2)

.

قلت: ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه ظاهر، وتوضيح المقام أن الإمام البخاري أشار بهاتين الكلمتين إلى الآيتين المختلفتين من سورة الأعراف، وأشار بقوله:"خيفة" إلى ما في آخر سورة الأعراف من قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] وأشار بقوله: "خُفية" إلى ما في أوائل هذه السورة من قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].

قال الحافظ

(3)

: قال أبو عبيدة في قوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} أي: خوفًا، وذهبت الواو لكسرة الخاء، وقال ابن جريج في قوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي: سرًّا، وقوله:"من الإخفاء" فيه تجوز، والمعروف في عرف أهل الصرف من الخفاء؛ لأن المزيد مشتق من الثلاثي، ويوجه الذي هنا بأنه أراد انتظام الصفتين من معنى واحدٍ، انتهى من هامش "اللامع" مختصرًا وملخصًا.

(1)

"فتح الباري"(8/ 299).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 86).

(3)

"فتح الباري"(8/ 301).

ص: 120

(1 -‌

‌ باب قول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ. . .} [الأعراف: 33]) إلخ

حكى ابن جرير أن أهل التأويل اختلفوا في المراد بالفواحش، فمنهم من حملها على العموم، وساق ذلك عن قتادة قال: المراد سر الفواحش وعلانيته، ومنهم من حملها على نوع خاص، وساق عن ابن عباس قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسًا في السر ويستقبحونه في العلانية، فحرم الله الزنا في السر والعلانية، وعن مجاهد: ما ظهر نكاح الأمهات، وما بطن الزنا، ثم اختار ابن جرير القول الأول وقال: ليس ما روي عن ابن عباس وغيره بمدفوع، ولكن الأولى الحمل على العموم، والله أعلم انتهى من "الفتح"

(1)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} الآية [الأعراف:

143])

كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: "قال ابن عباس: {أَرِنِي}: أعطني" فسَّره به لعدم ذكر المفعول، وقلما يحذف مفعول مثل تلك الأفعال بخلاف الإعطاء فإن مفعوله يقدر كثيرًا، انتهى.

وفي هامشه: قال القسطلاني: أي: أرني نفسك أنظر إليك، فثاني مفعولي أرني محذوف والرؤية عين النظر، لكن المعنى اجعلني متمكنًا من رؤيتك بأن تتجلى لي فأنظر إليك وأراك، انتهى.

قلت: وإنما احتاجوا إلى تفسير قوله: {أَرِنِي} بقولهم: أعطني أو مكنني، لدفع إيراد اتحاد الشرط والجزاء.

(1)

"فتح الباري"(8/ 302).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 88).

ص: 121

‌(باب قوله: {الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [الأعراف:

160])

ليس في نسخ الشروح الثلاثة لفظ "باب"، ولم يتعرض الحافظان لاختلاف النسخ، وقال القسطلاني

(1)

: وفي نسخة: "باب المن والسلوى"، انتهى.

قال العيني

(2)

: وليس في الحديث ذكر السلوى، وإنما ذكره رعاية للفظ القرآن، وفي بعض النسخ:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [الأعراف: 160] وقد مرَّ تفسير ذلك في سورة البقرة.

(3 -‌

‌ باب قوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} الآية [الأعراف:

158])

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه

(3)

: قوله: "غامر: سابق بالخير" ليس المعنى أنه وارد في الرواية بهذا المعنى، بل الغرض منه أنه قد يأتي بهذا المعنى أيضًا ولا يبعد حمله في الرواية على هذا المعنى، انتهى.

قلت: أراد الشيخ قُدِّس سرُّه بذلك أنه مستغرب كما قاله الحافظ، وهو من منتقدات شيخنا ومرشدنا الشيخ مولانا خليل أحمد قُدِّس سرُّه، وتقدم البسط في ذلك في مقدمة "اللامع"، وقوله: لا يبعد حمله في الرواية. . . إلخ، يؤيده ما قال الكرماني والعيني من أن غامر بالغين المعجمة من باب المفاعلة، أي: سبق بالخير أو وقع في أمر أو زاحم وخاصم إلى آخر ما بسطا في معانيه، وذكر بعض تلك المعاني في هامش "اللامع" من كلام أهل اللغة فارجع إليه لو شئت.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 256).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 621).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 88، 89).

ص: 122

(باب قوله: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143] فيه أبو سعيد وأبو هريرة. . .) إلخ

هكذا في النسخ الهندية، وليس هذا كله في نسخة من نسخ الشروح الثلاثة، وليس في النسخة المصرية التي عليها حاشية السندي، ولم يتعرضوا له أيضًا.

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [الأعراف:

161])

قال الحافظ

(1)

: وعن قتادة في قوله: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} قال الحسن: أي: احطط عنا خطايانا، وهذا يليق بقراءة من قرأ حطة بالنصب، وهي قراءة إبراهيم بن أبي عبلة، وقرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف، أي: مسألتنا حطة، وقيل: أمروا أن يقولوا على هذه الكيفية فالرفع على الحكاية وهي في محل نصب بالقول وإنما منع النصب حركة الحكاية، وقيل: رفعت لتعطي معنى الثبات كقوله: سلام، واختلف في معنى هذه الكلمة فقيل: هي اسم للهيئة من الحط كالجلسة، وقيل: هي التوبة، وقيل: لا يدرى معناها وإنما تعبدوا بها، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره قال: قيل لهم: قولوا مغفرة.

ثم قال الحافظ في آخر حديث الباب: ويستنبط منه أن الأقوال المنصوصة إذا تعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى، وليست هذه مسألة الرواية بالمعنى بل هي متفرعة منها، وينبغي أن يكون ذلك قيدًا في الجواز أعني يزاد في الشرط أن لا يقع التعبد بلفظه ولا بد منه، ومن أطلق فكلامه محمول عليه، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف: 161] المراد بالباب باب المسجد الذي كان معهم من الثوب

(1)

"فتح الباري"(8/ 304).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 89).

ص: 123

فأمروا أن يدخل كل واحد منهم هذا المسجد بعد السجود على بابه ليدل ذلك على الانحناء والانقياد لأمر الله تعالى، انتهى.

وبسط في "هامشه" الأقوال في مصداق الباب وفيه عن "المدارك": {وَادْخُلُوا الْبَابَ} أي: باب القرية أو باب القبة التي كانوا يصلون إليها، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف:

199])

وصله عبد الرزاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بهذا، وكذا أخرجه الطبري من طريق السدي وقتادة.

ثم قال الحافظ

(1)

: وإلى ما ذهب إليه ابن الزبير من تفسير الآية ذهب مجاهد، وخالف في ذلك ابن عباس فروى ابن جرير عنه قال:{خُذِ الْعَفْوَ} يعني: خذ ما عفا لك من أموالهم، أي: ما فضل، وكان ذلك قبل فرض الزكاة، وبذلك قال السدي وزاد: نسختها آية الزكاة، وبنحوه قال الضحاك وعطاء وأبو عبيدة، ورجح ابن جرير الأول واحتج له، وروي عن جعفر الصادق، وقال: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، ووجهوه بأن الأخلاق ثلاثة بحسب القوى الإنسانية: عقلية وشهوية وغضبية، فالعقلية الحكمة ومنها الأمر بالمعروف، والشهوية العفة ومنها أخذ العفو، والغضبية الشجاعة ومنها الإعراض عن الجاهلين، وروى الطبري وابن مردويه من حديث جابر وغيره:"لما نزلت: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} سأل جبريل فقال: لا أعلم حتى أسأله، ثم رجع فقال: إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك"، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 305، 306).

ص: 124

بسم الله الرحمن الرحيم

(8)

‌ سورة الأنفال

هكذا في النسخ الهندية بتقديم البسملة على "سورة الأنفال"، وفي نسخ الشروح الثلاثة بعكسها.

قال العلَّامة العيني

(1)

: وهي مدنية إلا خمس آيات فإنها مكية وهي قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ} [الأنفال: 22] إلى آخر الآيتين، وقوله:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 30] إلى قوله: {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، وفيها آية أخرى اختلف فيها وهي قوله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية [الأنفال: 33]، وقال الحصار في كتابه "الناسخ والمنسوخ": مدنية باتفاق، وحكى القرطبي عن ابن عباس: مدنية إلا سبع آيات من قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى آخر سبع آيات، وقال السخاوي: نزلت قبل آل عمران وبعد البقرة، انتهى.

قوله: ({يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]. . .) إلخ، كذا في النسخ الهندية بغير لفظ "باب" وكذا في نسخة "الفتح" و"القسطلاني"، وأما في نسخة "العيني" فبزيادة لفظ "باب" وقال

(2)

: وليس في كثير من النسخ لفظ "باب"، انتهى.

وقال القسطلاني

(3)

: قوله تعالى: ({يَسْأَلُونَكَ}) من حضر بدرًا ({عَنِ الْأَنْفَالِ}) أي: عن حكمها لاختلاف وقع بينهم فيها، يأتي ذكره إن شاء الله تعالى، ({قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}) يقسمها صلى الله عليه وسلم على ما يأمره الله تعالى، ({فَاتَّقُوا اللَّهَ}) في الاختلاف، ({وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}) أي: الحال التي بينكم إصلاحًا يحصل به الألفة والاتفاق وذلك بالمواساة والمساعدة في الغنائم.

(قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة

(1)

"عمدة القاري"(12/ 626).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 626).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 263).

ص: 125

عنه: (الأنفال) هي (المغانم) كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد فيها شيء، وقيل: سميت الغنائم أنفالًا لأن المسلمين فُضِّلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحلّ لهم، وسمي التطوع نافلة لزيادته على الفرض، وفي الاصطلاح: ما شرطه الإمام لمن يباشر خطرًا كتقدم طليعة وكشرط السلب للقاتل، انتهى.

قال الحافظ

(1)

: وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صنع كذا فله كذا" الحديث فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: "الأنفال المغانم" احتاج إلى تفسيره لما اشتهر استعمال النفل فيما يعطيه الإمام زيادة على السهم وهو غير مراد ها هنا، وذكر العطية في ترجمة النافلة استطراد وتنبيه على المعنى اللغوي.

قوله: ({وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] الصفير) فالفرق بين المكاء والتصدية بحسب هذا التَّفسير أن المكاء هو الصفير بإدخال الأصبع في الفم والتصدية بدونه، انتهى.

وفي هامشه: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في بيان الفرق بينهما ونبَّه بقوله على هذا التَّفسير: أن ذلك بيان لما اختاره البخاري، وإلا فالمفسرون مختلفون في ذلك كما سيأتي، وزاد في "تقرير المكي" بعد ما ذكر الفرق المذكور بين المكاء والتصدية: وكلاهما صوت الفم، وعامة المفسرين على أن التصدية ضرب الأكف، انتهى. وقال القسطلاني

(3)

: وعن ابن عمر مما رواه ابن جرير: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق، وعن ابن عباس مما رواه ابن أبي حاتم: كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 306).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 90، 91).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 265).

ص: 126

(1 -‌

‌ باب: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال:

22])

سقط لفظ "باب" في نسخ الشروح الثلاثة وكذا في النسخة المصرية التي عليها حاشية السندي، ذكر فيه حديث مجاهد عن ابن عباس: هم نفر من بني عبد الدار، وفي رواية الإسماعيلي: نزلت في نفر، زاد ابن جرير: لا يتبعون الحق، ثم أورد عن مجاهد في قوله:" {لَا يَعْقِلُونَ} لا يتبعون الحق"، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وقال العلَّامة القسطلاني

(2)

: قوله: "هم نفر من بني عبد الدار" من قريش وكانوا يحملون اللواء يوم أُحد حتى قُتلوا، وأسماؤهم في السير، قاله في "المقدمة"، وهؤلاء شر البرية لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله فيما خلقت له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا، وهذا يعم كل مشرك من حيث الظاهر وإن كان السبب خاصًا كما لا يخفى، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الآية [الأنفال:

24])

سقط لفظ "باب" في نسخ الشروح، قال العلَّامة القسطلاني

(3)

: الاستجابة هي الطاعة والامتثال، والدعوة البعث والتحريض، ووحّد الضمير ولم يُثَنِّه لأن استجابة الرسول كاستجابة الباري جل وعلا، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد.

({لِمَا يُحْيِيكُمْ}) من علوم الديانات والشرائع لأن العلم حياة كما أن الجهل موت، ({وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}) أي: يحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته، وبينه وبين الإيمان إن قدّر شقاوته، والمراد

(1)

"فتح الباري"(8/ 307).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 266).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 266، 267).

ص: 127

الحثّ على المبادرة على إخلاص القلب وتصفيته قبل أن يحول الله بينه وبينه بالموت، وفيه تنبيه على اطلاعه تعالى على مكنوناته، انتهى.

قوله: ({اسْتَجِيبُوا}: أجيبوا. . .) إلخ، تقدم الكلام عليه في سورة آل عمران في قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} .

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ} الآية [الأنفال:

32])

قال القسطلاني

(1)

: قوله: "قال ابن عيينة" سفيان في تفسيره رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: "ما سمى الله تعالى مطرًا في القرآن إلا عذابًا" أورد عليه قوله تعالى: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} [النساء: 102] فإن المراد به المطر قطعًا، ونسبة الأذى إليه بالبلل والوحل الحاصل منه لا يخرجه عن كونه مطرًا، انتهى من "القسطلاني".

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية [الأنفال:

33])

قال العلَّامة العيني

(2)

: وذكر هذا الباب مع ذكر هذا الحديث ترجمة ليس لها زيادة فائدة، لأن الآية بعينها مذكورة فيما قبلها وكذا الحديث بعينه مذكور بالإسناد المذكور بعينه، غير أن شيخه هناك أحمد بن النضر وشيخه ها هنا أخوه محمد بن النضر، وإنما وضع الباب للترجمة وذكر الحديث بعينه ليعلم أنه روى هذا الحديث عن شيخين وهما أخوان، وبدون هذا كان يعلم ما قصده، انتهى.

قال العلَّامة القسطلاني

(3)

: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] في موضع الحال ومعناه نفي الاستغفار عنهم، أي: ولو كانوا

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 269).

(2)

"عمدة القاري"(12/ 634).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 270).

ص: 128

ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لَمَا عذبهم ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون، أو ما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر، وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف من المستضعفين، أو من أولادهم من يستغفر، أو يريد إسلام بعضهم، أو استغفار الكفار إذ كانوا يقولون بعد التلبية: غفرانك، وفيه أن الاستغفار أمان من العذاب، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ. . .} [الأنفال: 39]) إلخ

سقط "باب" لغير أبي ذر.

قوله: (عن ابن عمر: أن رجلًا جاءه) تقدم في تفسير سورة البقرة ما أخرج سعيد بن منصور من أن السائل هو حيان صاحب الدثنية، وروى أبو بكر النجاد في "فوائده" أنه الهيثم بن حنش، وقيل: نافع بن الأزرق، ولعل السائلين عن ذلك جماعة أو تعددت القصَّة، قاله الحافظ

(1)

، وقال أيضًا: والحاصل أن السائل كان يرى قتال من خالف الإمام الذي يعتقد طاعته، وكان ابن عمر يرى ترك القتال فيما يتعلق بالملك، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "أغتر بهذه. . ." إلخ، وهذا تسليم منه لما ادعاه الرجل، وحاصل جوابه أن القتل إن كان جائزًا كما زعمت فذاك، وإن لم يكن جائزًا كان دوام العذاب لازمًا، فدرء المفسدة أولى من جلب المصلحة، فإن الأمر إذا دار بين حرمة ووجوب كان الترك هو الواجب.

وقوله: ({حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39]) وليس هذا تخصيصًا للآية بموردها حتى يتوهم أن العبرة لعموم اللفظ فكيف خصص ابن عمر تلك

(1)

"فتح الباري"(8/ 310).

(2)

"لامع الدراري"(8/ 92).

ص: 129

الآية بقتال المشركين فقط؟ بل المقصود أن مورد الآية ما لم يلتبس فيه وجه القتال فهو واضح لا خفاء فيه، فلا يقاس عليه ما هو ملتبس الحقيقة فإن قتال ابن الزبير ومن قاتله لم يدر أيهما على الحق وإن كانت القرينة ترجح حقية ابن الزبير، فلا يقاس مظنون الخيرية على متيقنها، انتهى.

(6 -‌

‌ باب قول الله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال:

65])

سقط "باب" عند غير أبي ذر.

قوله: (وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا) أي: أنه عنده في حكم الجهاد لجامع ما بينهما من إعلاء كلمة الحق وإخماد كلمة الباطل، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: أي: إذا كان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر نصف المخالفين أو أكثر منهم وجب الأمر والنهي، وإن أقل منه لم يجب، وإن كان الأفضل هو الإتيان بهما، انتهى.

قلت: وقوله: وإن كان الأفضل هو الإتيان بهما، فيه تفاصيل بسطت في محلها.

وبسط الكلام على ذلك الغزالي في "الإحياء"

(3)

وذكر منه شيء من ذلك في هامش "اللامع" فارجع إليه لو شئت.

(7 -‌

‌ باب قوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} الآية [الأنفال:

66])

قال الحافظ

(4)

بعد ذكر حديث الباب: واستدل بهذا الحديث على

(1)

"فتح الباري"(8/ 312).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 94).

(3)

انظر: "إحياء علوم الدين"(2/ 265).

(4)

"فتح الباري"(8/ 313).

ص: 130

وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار، وتحريم الفرار عليه منهما، سواء طلباه أو طلبهما، سواء وقع ذلك وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر، وهذا هو ظاهر تفسير ابن عباس، ورجحه ابن الصباع من الشافعية، وهو المعتمد؛ لوجود نص الشافعي عليه في الرسالة الجديدة رواية الربيع، لكن المنفرد لو طلباه وهو على غير أهبة جاز له التولي عنهما جزمًا، وإن طلبهما فهل يحرم؟ وجهان: أصحهما عند المتأخرين: لا، لكن ظاهر هذه الآثار المتضافرة عن ابن عباس يأباه وهو ترجمان القرآن وأعرف الناس بالمراد، لكن يحتمل أن يكون ما أطلقه إنما هو في صورة ما إذا قاوم الواحد المسلم من جملة الصف في عسكر المسلمين اثنين من الكفار، أما المنفرد وحده بغير العسكر فلا؛ لأن الجهاد إنما عهد بالجماعة دون الشخص المنفرد، وهذا فيه نظر فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه سرية وحده، وقد استوعب الطبري وابن مردويه طرق هذا الحديث عن ابن عباس، وفي غالبها التصريح بمنع تولي الواحد عن الاثنين، انتهى من "الفتح".

وقال العلَّامة العيني

(1)

: ثم هذا في حقنا، وأما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب عليه مصابرة العدد الكثير لأنه موعود بالنصر كامل القوة، انتهى.

(9)

‌ سورة براءة

قال الحافظ

(2)

: هي سورة التوبة، وهي أشهر أسمائها، ولها أسماء أخرى تزيد على العشرة، واختلف في ترك البسملة أولها، فقيل: لأنها نزلت بالسيف والبسملة أمان، وقيل: لأنهم لما جمعوا القرآن شكوا هل هي والأنفال واحدة أو ثنتان؟ ففصلوا بينهما بسطر لا كتابة فيه ولم يكتبوا فيه البسملة، وروى ذلك ابن عباس عن عثمان وهو المعتمد، وأخرجه أحمد والحاكم وبعض أصحاب السنن، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(12/ 637).

(2)

"فتح الباري"(8/ 314).

ص: 131

وقال العلَّامة العيني

(1)

: قال أبو الحسن بن الحصار: هي مدنية باتفاق، وقال مقاتل: إلا آيتين من آخرها {لَقَدْ جَاءَكُمْ} [التوبة: 128] إلى آخرها، فإنهما نزلتا بمكة، وقيل: فيها اختلاف في أربع عشرة آية، ولها ثلاثة عشر اسمًا، اثنان مشهوران: براءة والتوبة، ثم ذكر العيني بقية الأسماء، وكذا بسط الكلام على ترك البسملة في أولها.

قوله: (أهوى: ألقاه في هوّة) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: وليس هذا اللفظ ها هنا في هذه السورة، فإيراده تأييد لما ترجم به.

قوله: (والمؤتفكات) حيث كان المراد هو السقوط والانقلاب كما هو مصرَّح في قوله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم: 53] انتهى.

وفي هامشه: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في توجيه ذكر هذه اللفظة التي في سورة النجم في تفسير سورة براءة، وما أفاده أوجه مما قاله الشرَّاح، وتوضيح ذلك أن الإمام البخاري قال أوّلًا:{وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} [التوبة: 70] ائتكفت: انقلبت به الأرض، والمؤتفكات وارد في سورة براءة، ثم ذكر بعده متصلًا قوله:" {أَهْوَى} ألقاه في هوة".

قال الحافظ

(3)

تبعًا للكرماني: قوله: "أهوى ألقاه. . ." إلخ، هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة، وإنما هي في سورة النجم ذكرها المصنف ها هنا استطرادًا من قوله:{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} ، انتهى.

وحاصل ما أفاده الشيخ أن الإمام البخاري ذكر أولًا قوله: {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} وهو وارد في سورة براءة في قوله: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} الآية [التوبة: 70]، قال صاحب "الجمل"

(4)

: أي: المنقلبات التي جعل الله عاليها سافلها، ويقال: أفكه إذا قلبه، وبابه ضرب، ولما كان ذكر قوم لوط

(1)

"عمدة القاري"(13/ 3).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 95).

(3)

"فتح الباري"(8/ 314).

(4)

"تفسير الجمل"(2/ 298).

ص: 132

في سورة النجم بلفظ أوضح منه ذكرها توضيحًا لقوله الأول، وفي "الجلالين"

(1)

: قوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} وهي قرى قوم لوط، وقوله:{أَهْوَى} أي: أسقطها بعد رفعها إلى السماء مقلوبة إلى الأرض، انتهى.

وهكذا فسر عامة المفسرين لفظة أهوى بالإسقاط بعد الرفع، وفسره البخاري بقوله:"ألقاه في هوة" قال العيني

(2)

: الهوة بضم الهاء وتشديد الواو وهو المكان العميق، انتهى.

وتفسير البخاري بإلقائها إلى هوة ظاهر؛ لأن الأرض لما رفعت صار محلها هوة ثم إذا أسقطت في هذا المحل أسقطت في هوة وغار، انتهى.

قوله: (وإن كان جمع الذكور) كتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: أشار بذلك إلى أن الخوالف على هذا التقدير شاذ، انتهى.

وبسط توضيحه في هامش "اللامع" أشد البسط، فارجع إليه لو شئت.

(1 -‌

‌ باب قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} الآية [التوبة:

1])

قال الحافظ

(4)

: قوله: " {أُذُنٌ} يصدّق" وصله ابن أبي حاتم في قوله: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة: 61] يعني: أنه يسمع من كل أحد، قال الله:{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} يعني: يصدّق بالله، وظهر أن "يصدق" تفسير "يؤمن" لا تفسير "أذن" كما يفهمه صنيع المصنف حيث اختصره، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:

2])

قوله: {فَسِيحُوا} : سيروا) هو كلام أبي عبيدة بزيادة، قال في قوله تعالى:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} قال: سيروا وأقبلوا وأدبروا، انتهى

(1)

"تفسير الجلالين"(ص 704).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 5).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 96).

(4)

"فتح الباري"(8/ 316).

ص: 133

من "الفتح"

(1)

.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ. . .} [التوبة: 3]) إلخ

أورد فيه حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله من وجهين.

قال الحافظ

(2)

تحت شرح حديث الباب: وروى سعيد بن منصور والترمذي والنسائي من طريق أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْعٍ قال: "سألت عليًا بأي شيء بُعِثتَ؟ قال: بأنه لا يدخل الجنّة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مسلم مع مشرك في الحج بعد عامهم هذا، ومن كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر" واستدل بهذا الكلام الأخير على أن قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} يختص بمن لم يكن له عهد مؤقت أو لم يكن له عهد أصلًا، وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته إلى آخر ما بسط.

قوله: ({يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ})، قال القسطلاني

(3)

: يوم عرفة، كذا روي عن علي وعمر فيما رواه ابن جرير، وعن ابن عباس ومجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم، وروي مرسلًا عن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة فقال:"هذا يوم الحج الأكبر" وقيل: إنه يوم النحر، وروي عن ابن عمر: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع، فقال:"هذا يوم الحج الأكبر" وبه قال كثيرون؛ لأن أعمال المناسك تتم فيه، والجمهور أن الحج الأصغر العمرة، وقيل: الأصغر يوم عرفة والأكبر يوم النحر، وقيل: حجة الوداع هي الأكبر لما وقع فيها من إعزاز الإسلام وإذلال الكفر، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 317).

(2)

"فتح الباري"(8/ 319).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 284).

ص: 134

(4 -‌

‌ باب قوله: {إلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:

4])

ليس في نسخ الشروح لفظ "باب"، قال القسطلاني

(1)

: وهذا استثناء من "المشركين" والتقدير: براءة من الله إلى المشركين إلا من الذين لم ينقضوا، وسقط هذا لأبي ذر، انتهى.

قلت: وكذا ليس هو بمذكور في نسخة "الفتح" بل ذكر فيها حديث الباب بغير ترجمة.

(5 -‌

‌ باب قوله: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة:

12])

قرأ الجمهور بفتح الهمزة من أيمان، أي: لا عهود لهم، وعن الحسن البصري بكسر الهمزة وهي قراءة شاذة، وقد روى الطبري من طريق عمار بن ياسر وغيره في قوله:{إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12]: لا عهد لهم، وهذا يؤيد قراءة الجمهور، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية [التوبة:

34])

قال الحافظ

(3)

: كذا أورده (حديث أبي هريرة) مختصرًا وهو عند أبي نعيم في "المستخرج" من وجه آخر عن أبي اليمان وزاد: "يفر منه صاحبه ويطلبه: أنا كنزك، فلا يزال به حتى يلقمه إصبعه" وتقدم في كتاب الزكاة مع شرح الحديث، ثم ذكر حديث أبي ذر في قصته مع معاوية في تأويل قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ} الآية، وقد تقدم في الزكاة أيضًا، انتهى من "الفتح" مختصرًا.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 286).

(2)

"فتح الباري"(8/ 322).

(3)

"فتح الباري"(8/ 324).

ص: 135

(7 -‌

‌ باب قوله عز وجل: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} الآية [التوبة:

35])

قال العلَّامة العيني

(1)

: وليس في كثير من النسخ لفظ "باب"، انتهى.

(8 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} الآية [التوبة:

36])

ليس في بعض النسخ لفظ "باب"، قاله العيني

(2)

.

قوله: (إن الزمان قد استدار كهيئته) قال الحافظ

(3)

: تقدم الكلام عليه في أوائل بدء الخلق، وأن المراد بالزمان السنة، وقوله:"كهيئته" أي: استدار استدارة مثل حالته، ولفظ الزمان يطلق على قليل الوقت وكثيره، والمراد باستدارته وقوع تاسع ذي الحجة في الوقت الذي حلت فيه الشمس برج الحمل حيث يستوي الليل والنهار، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه

(4)

في أوائل بدء الخلق: قوله: (استدار كهيئته) أي: صار كما كان في الأول فلا يتطرق إليه تغيير وتبديل كما كانت العرب تفعله، وإلا فالزمان كان على هيئته، غير أن العرب لما كانت تغيره وتصرف الشهور عن أوقاتها عدّ ذلك تغيرًا، انتهى. وبسط في "هامشه" الكلام على شرح الحديث.

(9 -‌

‌ باب قوله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:

40])

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(5)

: قوله: "لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا. . ." إلخ، أراد بالرفع رؤيته إلى قدمه لما أن العادة أن القدم

(1)

"عمدة القاري"(13/ 18).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 19).

(3)

"فتح الباري"(8/ 324).

(4)

"لامع الدراري"(7/ 335).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 98، 99).

ص: 136

لا ترفع إلا بعد النظر إلى موضعه الذي يرفع منه ويوضع فيه، سيّما في مثل تلك الجبال:

قدِّرْ لرجلك قبل الخطو موضعه

فمن علا زَلَقًا عن غِرَّةٍ زَلَجا

قوله: (حين وقع بينه وبين ابن الزبير) أي: حين وقع بين ابن عباس وبين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وذلك بسبب البيعة، وملخص ذلك أن معاوية رضي الله عنه لما مات امتنع ابن الزبير من البيعة ليزيد بن معاوية وأصرّ على ذلك، ولما بلغه خبر موت يزيد بن معاوية دعا ابن الزبير إلى نفسه فبويع بالخلافة، وأطاعه أهل الحجاز ومصر وعراق وخراسان وكثير من أهل الشام، ثم جرت أمور حتى آلت الخلافة إلى عبد الملك، وذلك كله في سنة أربع وستين، وكان محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية وعبد الله بن عباس مقيمين بمكة منذ قتل الحسين رضي الله عنه، فدعاهما ابن الزبير إلى البيعة له فامتنعا وقالا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على خليفة، وتبعهما على ذلك جماعة فشدد عليهم ابن الزبير وحصرهم، فبلغ الخبر المختارَ ابنَ أبي عبيد وكان قد غلب على الكوفة وكان فر منه من كان من قِبَلِ ابن الزبير، فجهز إليهم جيشًا فأخرجوهما واستأذنوهما في قتال ابن الزبير، فامتنعا وخرجا إلى الطائف فأقاما بها حتى مات ابن عباس في سنة ثمان وستين، ورحل ابن الحنفية بعده إلى جهة رضوى جبل منبع فأقام هناك، ثم أراد دخول الشام فتوجه إلى نحو أيلة، فمات في آخر سنة ثلاث أول سنة أربع وسبعين، وذلك عقيب قتل ابن الزبير على الصحيح، انتهى.

كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: قوله: (قلت: أبوه الزبير وأمه أسماء. . .) إلخ، أي: كنت أقول ذلك لنفسي وأعده أهلًا للخلافة، وهذه مقولة ابن عباس، انتهى.

وفي هامشه: وهو كذلك كما سيأتي قريبًا في حديث محمد بن عبيد

(1)

"لامع الدراري"(9/ 99، 100).

ص: 137

عن ابن أبي مليكة: دخلنا على ابن عباس فقال: ألا تعجبون لابن الزبير قام في أمره هذا؟ فقلت: لأحاسبن نفسي له ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر، انتهى.

وقول الشيخ: وهذه مقولة ابن عباس، أشار بذلك إلى الرد على القسطلاني إذ قال: قال ابن أبي مليكة: "قلت" أي: لابن عباس كالمنكر عليه امتناعه من مبايعة ابن الزبير معدّدًا شرفه واستحقاقه للخلافة: "أبوه الزبير" وهذا الكلام وإن أخذه القسطلاني عن العيني إذ قال: قوله: "قلت: أبوه الزبير" القائل هو ابن أبي مليكة يعدِّد بهذا إلى آخره شرف ابن الزبير واستحقاقه الخلافة إلخ، لكنه غير صحيح أصلًا والعجب منهما أنهما جزما في المناقب بكونه مقولة ابن عباس، فقد تقدم في كتاب المناقب في مناقب الزبير تعليقًا: قال ابن عباس: هو حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيه الحافظ: هو طرف من حديث سيأتي في تفسير براءة من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس، وهكذا قال العيني والقسطلاني، فهؤلاء كلهم جازمون بأنه مقولة ابن عباس لا ابن أبي مليكة وهو نص لفظ البخاري، انتهى من هامشه.

قوله: (فقلت لسفيان: إسناده. . .) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع": إنما سأله إسناده لأنه كان أورده بالعنعنة، انتهى.

قلت: وبه جزم الكرماني.

(10 -‌

‌ باب قوله: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ. . .} [التوبة: 60]) إلخ

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث أبي سعيد: بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فقسمه بين أربعة، أورده مختصرًا جدًا، وأبهم الباعث والمبعوث وتسمية الأربعة والرجل القائل، وقد تقدم بيان جميع ذلك في غزوة حنين من المغازي، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 330).

ص: 138

(11 -‌

‌ باب قوله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. . .} [التوبة: 79]) إلخ

هذه الآية في صفات المنافقين، أي: لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال حتى ولا المتصدقون لا يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا: هذا مُراءٍ، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، انتهى من "العيني"

(1)

.

(12 -‌

‌ باب قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية [التوبة:

80])

أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن هؤلاء المنافقين اللمَّازين ليسوا أهلًا للاستغفار، وأنه لو استغفر لهم ولو سبعين مرة فإن الله لا يغفر لهم، وذكر السبعين بالنصّ عليه لحسم مادة الاستغفار لهم؛ لأن العرب في أساليب كلامهم تذكر السبعين في مبالغة كلامهم، ولا يراد به التحديد ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها، قاله العيني

(2)

.

قوله: (لما توفي عبد الله بن أبي) إلخ، قال الحافظ

(3)

: ذكر الواقدي ثم الحاكم في "الإكليل" أنه مات بعد منصرفهم من تبوك وذلك في ذي القعدة سنة تسع، وكانت مدة مرضه عشرين يومًا ابتداؤها من ليال بقيت من شوال، قالوا: وكان قد تخلف هو ومن تبعه عن غزوة تبوك وفيهم نزلت: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلا خَبَالًا} [التوبة: 47]، وهذا يدفع قول ابن التِّين أن هذه القصَّة كانت في أول الإسلام قبل تقرير الأحكام، انتهى.

(13 -‌

‌ باب قوله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة:

84])

قال الحافظ

(4)

: ظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين، لكن ورد

(1)

"عمدة القاري"(13/ 26).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 27، 28).

(3)

"فتح الباري"(8/ 333).

(4)

"فتح الباري"(8/ 337، 338).

ص: 139

ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم، قال الواقدي: أنبأنا معمر عن الزهري قال: قال حذيفة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني مسرٌّ إليك سرًّا فلا تذكره لأحد، إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان" - رهط ذوي عدد من المنافقين - قال: فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة، فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه، ومن طريق أخرى عن جبير بن مطعم: أنهم اثنا عشر رجلًا، وقد تقدم حديث حذيفة قريبًا أنه لم يبق منهم غير رجل واحد، ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أن الله علم أنهم يموتون على الكفر بخلاف من سواهم فإنهم تابوا.

ثم أورد المصنف حديث ابن عمر المذكور في الباب قبله من وجه آخر، وقوله فيه:"إنما خيرني الله أو أخبرني الله" كذا وقع بالشك والأول بمعجمة مفتوحة وتحتانية ثقيلة من التخيير، والثاني بموحدة من الإخبار، وقد أخرجه الإسماعيلي من الطريق الذي أخرجه البخاري من طريقه بلفظ:"إنما خيَّرني الله" بغير شك، وكذا في أكثر الروايات بلفظ التخيير، أي: بين الاستغفار وعدمه.

واستشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرّجوا الصحيح على تصحيحه، وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع على طرقه، قال ابن المنيِّر: مفهوم الآية زلت فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، وبنحوه قال أبو بكر الباقلاني، وقال إمام الحرمين في "مختصره": هذا الحديث غير مخرج في "الصحيح"، قال الغزالي في "المستصفى": الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح، قال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ، والسبب في إنكارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه من حمل "أو" على التسوية لما يقتضيه سياق القصَّة وحمل السبعين على المبالغة، قال ابن المنيِّر: ليس عند أهل البيان تردّد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد، انتهى.

ص: 140

وأيضًا فشرط القول بمفهوم الصفة وكذا العدد عندهم مماثلة المنطوق للمسكوت وعدم فائدة آخرى وهنا للمبالغة فائدة واضحة، فأشكل قوله:"سأزيد على السبعين" مع أن حكم ما زاد عليها حكمها، وقد أجاب بعض المتأخرين عن ذلك بأنه إنما قال:"سأزيد على السبعين" استمالةً لقلوب عشيرته لا أنه أراد إن زاد على السبعين يغفر له، ويؤيده تردّدُه في ثاني حديثي الباب حيث قال:"لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت" لكن قدمنا أن الرواية ثبتت بقوله: "سأزيد" ووعده صادق ولا سيما وقد ثبت قوله: "لأزيدنّ" بصيغة المبالغة، وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابًا للحال؛ لأن جواز المغفرة بالزيادة كان ثابتًا قبل مجيء الآية فجاز أن يكون باقيًا على أصله في الجواز، وهذا جواب حسن، وقيل: إن الاستغفار يتنزل منزلة الدعاء إلى آخر ما بسط.

(14 -‌

‌ باب قوله: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} الآية [التوبة:

95])

قال العلَّامة العيني

(1)

: سقط في رواية الأصيلي لفظ "لكم" والصواب إثباتها، أخبر الله عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة يعتذرون ويحلفون بالله {لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} فلا تُؤَنِّبُوهم {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} احتقارًا لهم، {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} ، أي: جبناء نجس بواطنهم واعتقاداتهم، {وَمَأْوَاهُمْ} في آخرتهم {جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من الآثام والخطايا، انتهى.

(15 -‌

‌ باب قوله: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ. . .} [التوبة: 96]) إلخ

قال العيني

(2)

: هكذا ثبت هذا الباب لأبي ذر وحده بغير حديث، وليس بمذكور أصلًا في رواية الباقين، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 31).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 32).

ص: 141

وكذا قال القسطلاني

(1)

والحافظ وزاد: قد أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن هذه الآية نزلت في المنافقين، انتهى.

قلت: وهذا مبني على نسخ الشروح فإن في نسختهم هذه الآية والآية الثانية وهي قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا. . .} [التوبة: 102] إلخ، بابان مستقلان هكذا:"باب قوله: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ. . .} " إلخ، ثم بعده متصلًا بغير ذكر حديث:"باب قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ. . .} " إلخ، وليس في النسخ الهندية التي بأيدينا على الآية الثانية لفظة "باب" فصارت الآيتان ترجمة لباب واحد.

وقال الحافظ

(2)

: ذكر فيه طرفًا من حديث سمرة في المنام الطويل، وسيأتي بتمامه مع شرحه في التعبير، انتهى.

(16 -‌

‌ باب قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية [التوبة:

113])

سقط لفظ الباب لغير أبي ذر، وذكر فيه حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في قصَّة وفاة أبي طالب، وقد سبق شرحه في كتاب الجنائز، ويأتي الإلمام بشيء منه في تفسير القصص إن شاء الله تعالى، قاله الحافظ

(3)

.

وقال القسطلاني

(4)

بعد ذكر حديث الباب: وقيل: إن سبب نزولها ما في "مسلم" و"مسند أحمد" و"سنن أبي داود" و"النسائي" و"ابن ماجه" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة" قال في "الكشاف": وهذا أصح لأن موت أبي طالب كان قبل الهجرة وهذا آخر

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 311)، و"فتح الباري"(8/ 340).

(2)

"فتح الباري"(8/ 241).

(3)

"فتح الباري"(8/ 341).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 314).

ص: 142

ما نزل بالمدينة، وتعقبه صاحب "التقريب" فيما حكاه الطيبي بأنه يجوز أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر لأبي طالب إلى حين نزولها، والتشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة، قال في "فتوح الغيب": وهذا هو الحق، ورواية نزولها في أبي طالب هي الصحيحة، انتهى.

(17 -‌

‌ باب قوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} الآية [التوبة:

117])

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه طرفًا من حديث كعب الطويل في قصَّة توبته، وقد سبق شرحه مستوفى في كتاب المغازي، والقدر الذي اقتصر عليه هنا أيضًا في الوصايا، انتهى.

(18 -‌

‌ باب قوله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ} الآية [التوبة:

118])

هكذا في النسخ الهندية وليس في نسخ الشروح لفظ "باب"، قال العيني

(2)

: لم يذكر هنا لفظ "باب" والآية المذكورة بتمامها في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى قوله:" {بِمَا رَحُبَتْ} الآية".

قوله: ({وَعَلَى الثَّلَاثَةِ}) أي: وتاب الله على الثلاثة وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، قوله:{خُلِّفُوا} أي: عن الغزو، وقرئ: خلفوا - بفتح الخاء واللام المخففة - أي: خلفوا الغازين بالمدينة وفسدوا، من الخالفة وخلوف الفم، وقرأ جعفر الصادق: خالفوا، وقرأ الأعمش: وعلى الثلاثة المخلفين، انتهى.

قلت: وما فسر به العيني قوله: {خُلِّفُوا} قد تقدم في "باب حديث كعب": أن كعب بن مالك رضي الله عنه كان ينكر هذا التَّفسير إذ قال في آخر القصَّة: فبذلك قال الله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليس الذي ذكر الله

(1)

"فتح الباري"(8/ 342).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 35).

ص: 143

مما خلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له. . . إلخ.

(19 -‌

‌ باب قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:

119])

قال العلَّامة العيني

(1)

: وهذه الآية عقيب قوله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} الآية، ولما جرى على هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب وهجر المسلمين إياهم نحوًا من خمسين ليلة فصبروا على ذلك واستكانوا لأمر الله، فرّج الله عنهم بسبب صدقهم جميع ذلك وتاب عليهم، وكان عاقبة صدقهم وتقواهم نجاة لهم وخيرًا، وأعقب ذلك بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية، انتهى.

(20 -‌

‌ باب قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} الآية [التوبة:

128])

قال العلَّامة العيني

(2)

: كذا ثبت إلى آخر الآية في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى قوله:" {مَاعَنِتُّمْ} " وقد منّ الله تعالى بهذه الآية على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولًا من أنفسهم، أي: من جنسهم وعلى لغتهم، كما قال سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} [البقرة: 129] وقرئ: من أنفَسكم، من النفاسة، أي: من أشرفكم وأفضلكم، قيل: هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: ({عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ}) أي: يعز عليه ما يشق عليكم، فلهذا جاء في الحديث:"بعث بالحنيفية السمحة" وعنتم من العنت وهو المشقة، وقال ابن الأنباري: أصله التشديد، وقيل: الإثم، وقيل: الضلال، وقيل: الهلاك، وجمعت هذه الآية ست صفات لسيدنا رسول الله صلى الله تعالى

(1)

"عمدة القاري"(13/ 36، 37).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 37).

ص: 144

عليه وسلم: الرسالة، والنفاسة، والعزة، وحرصه على إيصال الخيرات إلى أمته في الدنيا والآخرة، والرأفة، والرَّحمة، قال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لنبي من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {. . . بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143].

قوله: (وقال أبو ثابت: حدثنا إبراهيم وقال: مع خزيمة أو أبي خزيمة. . .) إلخ، قال الحافظ

(1)

: مراده أن أصحاب إبراهيم بن سعد اختلفوا فقال بعضهم: مع أبي خزيمة، وقال بعضهم: مع خزيمة، وشكّ بعضهم، والتحقيق أن آية التوبة مع أبي خزيمة وآية الأحزاب مع خزيمة، وستكون لنا عودة إلى تحقيق هذا في تفسير سورة الأحزاب، وقال أيضًا: مما ننبه عليه أن آية التوبة وجدها زيد بن ثابت لما جمع القرآن في عهد أبي بكر، وآية الأحزاب وجدها لما نسخ المصاحف في عهد عثمان، وسيأتي بيان ذلك واضحًا في فضائل القرآن، انتهى.

(10)

‌ سورة يونس

بسم الله الرحمن الرحيم

قال العيني

(2)

: وفي رواية أبي ذر البسملة بعد قوله: "سورة يونس"، انتهى.

وهو كذلك في النسخ الهندية، وفي نسخ الشروح بتقديم البسملة على السورة.

قال العيني

(3)

: قال أبو العباس في "مقامات التنزيل": هي مكية وفيها آية ذكر الكلبي أنها مدنية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} الآية

(1)

"فتح الباري"(8/ 345).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 41).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 41).

ص: 145

[يونس: 64]، وما بلغنا أن فيها مدنيًّا غير هذه الآية، وفي تفسير ابن النقيب عن الكلبي: مكية إلا قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ} فإنها نزلت بالمدينة، وقال مقاتل: كلها مكية غير آيتين: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94] إلى قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [يونس: 95] هاتان الآيتان مدنيتان.

(قال ابن عباس: {فَاخْتَلَطَ} فنبت بالماء. . .) إلخ، في بعض النسخ:"باب، وقال ابن عباس. . ." إلخ، وأشار به إلى قوله:{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} [يونس: 24] وهذا التعليق وصله ابن جرير من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ} فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس؛ كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض، انتهى من "العيني".

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: "فنبت بالماء" لما كان ظاهر قوله: {فَاخْتَلَطَ} إلى آخر الآية يقتضي وجود النبات قبل ذلك حتى يوجد الاختلاط افتقر إلى تفسيره فقال: المراد به النبت إلا أنه لما كان أسرع كان كأنه نبت حين نزل الماء فاختلط الماء بالنبات.

قوله: (يقال: {تِلْكَ آيَاتُ} يعني: هذه) يعني: أن لفظة "تلك" موضوعة للإشارة إلى البعيد، وليس كذلك ها هنا إذ الإشارة إلى نفس هذه الآيات القرآنية لا آيات الكتب السماوية الأخر حتى يتحقق معنى البعد، "ومثله" في وضع اللفظة موضع أخرى قوله تعالى:({حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ})[يونس: 22] فالتشبيه إنما هو في وضع الكلمة مقام أخرى.

قوله: ({أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس: 26]) لما كانت الزيادة تتوقف على تعيين مقدار نفس الأجر المترتب على الإحسان احتيج إلى تعيين ما في جزاء الحسنى لتصح الزيادة عليه فقال: "مثلها حسنى" أي: للمحسنين أجر

(1)

"لامع الدراري"(9/ 101 - 103).

ص: 146

الحسنى مثل الحسنى وزيادة عليه، فقوله:"حسنى" بعد قوله: "مثلها" إما بيان للضمير المجرور أو تمييز عن نسبة المثل إلى ضميره، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} الآية [يونس:

90])

سقط لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني"، قال الحافظان

(1)

: سقط للأكثر لفظ "باب"، انتهى. وهو موجود في نسختهما.

قوله: ({نُنْجِيكَ} [يونس: 92] نلقيك على نجوة) بسكون النون وتخفيف الجيم وهي قراءة يعقوب، وفي نسخة {نُنَجِّيكَ} بتشديد الجيم، "وهو" أي: النجوة "النشز" بفتح النون والمعجمة آخره زاي وهو "المكان المرتفع"، وقرأ ابن السميفع "ننحيك" بالحاء المهملة المشددة، أي: نلقيك بناحية مما يلي البحر ليراك بنو إسرائيل، قال كعب: رماه إلى الساحل كأنه ثور، وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: لما خرج موسى عليه السلام وأصحابه قال من تخلف من قومِ فرعون: ما غرق فرعون وقومه ولكنهم في خزائن البحر يتصيدون، فأوحى الله تعالى إلى البحر أن الفظ فرعون عريانًا فلفظه عريانًا أصلع أخينس قصيرًا، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد:{بِبَدَنِكَ} [يونس: 92] قال: بجسدك، ومن طريق أبي صخر المدني قال: البدن الدرع الذي كان عليه، قيل: وكانت له درع من ذهب يعرف بها، وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأنًا من أن يغرق، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

وقوله: (في خزائن البحر) كذا في النسخة التي بأيدينا، والذي في "الفتح"

(3)

و"العيني": "جزائر" بالجيم والزاي.

(1)

"فتح الباري"(8/ 348)، و"عمدة القاري"(13/ 44).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 329).

(3)

"فتح الباري"(8/ 348)، و"عمدة القاري"(13/ 45).

ص: 147

ومطابقة الحديث بالترجمة بما في بعض طرقه: ذاك يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام وأغرق فرعون، قاله الحافظ

(1)

.

(فائدة): في "الفيض"

(2)

: اعلم أن إيمان اليأس غير معتبر، وفسره الجمهور بالإيمان عند الدخول في مقدمات النزع، أو الإيمان عند مشاهدة عذاب الاستئصال، ولما كان فرعون قد أدركه الغرق فشاهد عذاب الاستئصال فإيمانه إيمان يأس وذلك غير معتبر، أما إنه قد كان دخل في النزع أو لا؟ فالله تعالى أعلم به، وكيفما كان إيمانه غير معتبر عند الجمهور، وقال الشيخ الأكبر: إن إيمانه معتبر كما في "الفتوحات" و"الفصوص".

قلت: ولعل إيمان اليأس عنده مفسَّر بالإيمان عند الدخول في مقدمات النزع فقط، فمن شاهد عذاب الاستئصال وآمن لا يكون إيمانه إيمان يأس عنده، وإذ لا دليل على دخوله في مقدمات النزع بل كلماته قد تشعر بخلافه، فإذن ينبغي أن يعتبر إيمانه على اصطلاحه، ولكن ذبّ عنه الشيخ الشعراني وهو من أكبر معتقديه فقال: إن كثيرًا من عبارات "الفتوحات" مدسوسة وتلك المسألة أيضًا منها؛ لأن نسخة "الفتوحات" لابن السويكين موجودة عندي وليس فيها ما نسبوا إليه، وقد أبدى الشيخ عبد الحق في الشرح الفارسي تعارضًا بين كلامي الشيخ الأكبر، وحرر الدَّوَّاني رسالة في حمايته وردّ عليه علي القاري في رسالة سماها:"فرّ العون من مدعي إيمان فرعون"، انتهى من "الفيض". وبسط محشيه أيضًا الكلام عليه ونقل كلام الشيخ الأكبر من "الفتوحات".

(1)

"فتح الباري"(8/ 348).

(2)

"فيض الباري"(5/ 282 - 284).

ص: 148

(11)

‌ سورة هود

بسم الله الرحمن الرحيم

قالوا: سقطت البسملة لغير أبي ذر.

قال العلَّامة العيني

(1)

: قال أبو العباس في "المقامات": فيها آية مدنية، وقال بعضهم: آيتان، قال السدي: قال ابن عباس: سورة هود مكية غير قوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية [هود: 114]، وقال القرطبي عن ابن عباس: هي مكية مطلقًا، وبه قال الحسن وعكرمة ومجاهد وغيرهم إلى آخر ما ذكر من الاختلاف.

(1 -‌

‌ باب: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} الآية [هود:

5])

ليس في نسخة "العيني" و"القسطلاني" لفظ "باب" وهو موجود في نسخة "الفتح" وقال

(2)

: سقط الباب للأكثر.

قوله: ({يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} شك وامتراء في الحق) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: ولا يريد بذلك تفسير الثني بل المراد التنبه على علة فعلهم هذا حيث كانت باعثة لهم على ارتكابه فإنهم لما ارتابوا في علمه تعالى وشكوا فيه كان شكهم ذلك سببًا لثنيهم صدورهم ليستخفوا منه، فالمراد بالحق علمه الثابت المحيط لكل شيء، انتهى.

وفي هامشه: قال الكرماني: قوله: {يَثْنُونَ} من الثني وهو الشك في الحق والازورار عنه، انتهى.

وقال العيني

(4)

: من الثني ويعبّر به عن الشك في الحق والإعراض عنه، قال الزمخشري: يزورّون عن الحق وينحرفون عنه؛ لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 46).

(2)

"فتح الباري"(8/ 350).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 103).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 47).

ص: 149

وقال صاحب "الجمل"

(1)

: قوله: {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} متعلق بيثنون، والمعنى: أنهم يفعلون ثني الصدور لهذه العلة، انتهى.

وذكر الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: ثم إن الظاهر من الروايتين أن نزول الآية في المؤمنين والكافرين، ولا يخفى أن الباعث للمؤمنين على ما ذكر في الرواية هو شدة الخشية، فلا يرد أنهم كيف جهلوا من صفات الله تعالى ما لا يجهله المؤمن، وأيضًا فإن ذلك كان شأن بعضهم لا كلهم، انتهى.

وذكر في "هامشه" القولين في سبب نزوله من كلام المفسرين.

قوله: (أنه سمع ابن عباس يقرأ: ألا إنهم يَثْنَوني صُدُورَهُمْ. . .) إلخ، يعني: بفتح أوله بتحتانية، وفي رواية بفوقانية، وسكون المثلثة وفتح النون وسكون الواو وكسر النون بعدها ياء على وزن تفعوعل، وهو بناء مبالغة كاعشوشب، لكن جعل الفعل للصدور، وحكى أهل القراءات عن ابن عباس في هذه الكلمة قراءات أخرى وهي "يثنوِنَّ" بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون من الثني بالمثلثة والنون، وهو ما هشّ وضعف من النبات، وقراءة ثالثة عنه أيضًا بوزن يرعوي، وغلّطها أبو حاتم السجستاني، قلت: وفي الشواذ قراءات أخرى ليس هذا موضع بسْطها، انتهى مختصرًا من "الفتح"

(3)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:

7])

قبل خلق السماوات والأرض، وعن ابن عباس: وكان الماء على متن الريح، انتهى من "القسطلاني"

(4)

.

قوله: (هو تأكيد التجبر) يعني: أن إيراد المترادفين لإفادة التوكيد، انتهى من "اللامع"

(5)

.

(1)

"الفتوحات الإلهية"(2/ 381).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 104).

(3)

"فتح الباري"(8/ 350).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 334).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 105).

ص: 150

وفي هامشه: ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه أوجه مما قاله الشرَّاح، فقد قال العيني: أشار بأن هذه الألفاظ الثلاثة معناها واحد وهو تأكيد التجبر، ووجه الأولوية أنه لا يبقى على هذا فائدة التكرار، وعلى ما أفاده الشيخ تظهر فائدته وهو التأكيد، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: قوله: "والظهري ها هنا. . ." إلخ، أي: حيث يستعمل في معنى العون والمدد، وليس إشارة إلى ما في الآية؛ لأنه ليس فيها بالمعنى الذي ذكره بعد قوله "ها هنا"، انتهى.

وبسط في "هامشه" توضيح ذلك فارجع إليه لو شئت، وفيه أيضًا: أورد الشرَّاح على لفظة "ها هنا" على الإمام البخاري فقد قال العيني: إن أراد بقوله: "ها هنا" تفسير الظهري الذي في القرآن فلا يصح ذلك؛ لأن تفسير الظهري هو الذي ذكره أولًا، انتهى.

وفي "التيسير": لفظ "ها هنا" موهم أست كه ظهري در تفسير آية بإير معنى أست وإير باتفاق أهل علم باطل ونا درست أست، انتهى.

وقال القسطلاني: حذف "ها هنا" كما لأبي ذر أوجه، انتهى.

قلت: وما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه غاية توجيه الكلام لتصحيح كلام البخاري، وفي "تقرير المكي": والظهري ها هنا، أي: في كلامنا لا في الآية المذكورة، إلى آخر ما قال.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه

(2)

: قوله: "مجريها ومرسيها" الظاهر: أن ها هنا نسختين وقع بينهما خلط من النساخ، إحداهما: مُجْرِيْهَا ومُرْسِيْهَا: من فعل به، والثانية: مُجراها ومُرساها، من فعل به، فكتب الناسخ متعلق الأول بالثاني وهذا هو الظاهر من بعض حواشي الكتاب، ولا يبعد أن يقال في توجيه العبارة المكتوبة ها هنا أن المراد بقوله:"فعل به" على زنة المجهول هو الفعل المتعدي لا المجهول، ولما كان الأصل في الأفعال هو

(1)

"لامع الدراري"(9/ 106).

(2)

المصدر السابق (9/ 106، 107).

ص: 151

التعدية صح إرادته بإطلاق المتعدي، ودلالة المجهول على المتعدي ظاهرة فكان المعنى إن قرئ أيضًا مُجريها ومرسيها على زنة الفاعل من الفعل المتعدي وهو الإفعال، ولا يخفى ما فيه من التكلف المستغنى عنه غير أنه أيسر من التغليط، انتهى.

وفي هامشه: اعلم أولًا أن الإمام البخاري أشار بذلك إلى تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41]، واختلط كلام الشرَّاح في شرح هذا الكلام، وما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه من تصحيح العبارة واضح جدًّا إلى آخر ما بسط فيه من كلام الشرَّاح.

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا} الآية [هود:

18])

قال العيني

(1)

: وليس في معظم النسخ لفظ "باب"، انتهى.

قوله: (واحد الأشهاد شاهد). . . إلخ، قال الحافظ

(2)

: هو كلام أبي عبيدة، واختلف في المراد بهم هنا، فقيل: الأنبياء، وقيل: الملائكة، أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد، وعن زيد بن أسلم: الأنبياء والملائكة والمؤمنون، وهذا أعم، وعن قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق: الخلائق، وهذا أعم من الجميع.

(5 -‌

‌ باب قوله: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى. . .} الآية [هود:

102])

قال الحافظ

(3)

رحمه الله: الكاف في ذلك لتشبيه الأخذ المستقبل بالأخذ الماضي، وأتى باللفظ الماضي موضع المضارعة على قراءة طلحة بن مصرف، وأخذ بفتحتين في الأول كالثاني مبالغة في تحققه، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/. . . . .).

(2)

"فتح الباري"(8/ 352).

(3)

"فتح الباري"(8/ 354).

ص: 152

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ. . .} [هود: 114]) إلخ

واختلف في المراد بطرفي النهار، فقيل: الصبح والمغرب، وقيل: الصبح والعصر، وعن مالك وابن حبيب: الصبح طرف والظهر والعصر طرف، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (أن رجلًا أصاب من امرأة قبلة. . .) إلخ، ذكر الحافظ في "الفتح" ها هنا عدة روايات في سبب نزول هذه الآية، وكذا ذكر الاختلاف في اسم هذا الرجل فارجع إليه لو شئت

(2)

.

بسم الله الرحمن الرحيم

(12)

‌ سورة يوسف

هكذا في النسخ الهندية بتقديم البسملة، وفي نسخ الشروح الثلاثة بتأخير البسملة عن السورة.

قال أبو العباس في "مقامات التنزيل": سورة يوسف مكية كلها، وما بلغنا فيها اختلاف، وفي تفسير ابن النقيب عن ابن عباس وقتادة: نزلت بمكة إلا أربع آيات فإنهن نزلن بالمدينة: ثلاث آيات من أولها، والرابعة:{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7]، وسبب نزولها سؤال اليهود عن أمر يعقوب ويوسف عليهما السلام، انتهى من "العيني"

(3)

.

قوله: (قال فضيل عن حصين عن مجاهد: متكًا) بضم الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همز، وهي قراءة ابن عباس وغيره، "الأترج" بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وتشديد الجيم، ولأبي ذر "الأترنج" بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم، لغتان.

(1)

"فتح الباري"(8/ 355).

(2)

انظر: "فتح الباري"(8/ 356).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 61).

ص: 153

قوله: (كل شيء قطع بالسكين) كالأترج وغيره من الفواكه، قيل: وهو من متك بمعنى بتك الشيء، أي: قطعه، فعلى هذا يحتمل أن يكون الميم بدلًا من الباء وهو بدل مطرد في لغة قوم، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقت هذه، انتهى كله من "القسطلاني"

(1)

.

قوله: (وقال بعضهم: واحدها شدّ) قال أبو عبيدة: الأشدّ جمع لا واحد له من لفظه، وحكى الطبري أنه واحد لا نظير له في الآحاد، وقال سيبويه: واحدها شدة، وكذا قال الكسائي لكن بلا هاء، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: (والمتكأ) بتشديد الفوقية وبعد الكاف همزة على قراءة الجمهور، اسم مفعول:(ما اتكأت عليه لشراب. . .) إلخ، أي: لأجل شراب، (وأبطل) قول (الذي قال): إن المتكأ هو (الأترج)، ولأبي ذر (الأترنج، وليس في كلام العرب الأترج) أي: ليس مفسّرًا في كلامهم به، وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة ولفظه: وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

قلت: وكذا قال الشيخ قُدَّس سرُّه في "اللامع"

(4)

إذ كتب: قوله: "وليس في كلام العرب. . ." إلخ، أي: المتكأ بمعنى الأترج؛ لأن الكلام فيه لا في الأترنج إلى آخر ما قال.

وبسط في هامشه الكلام في شرح هذا المقام من كلام الشرَّاح ومن "تقرير المكي"، وفي "الفتح"

(5)

: وأما المتكأ فقال أبو عبيدة: "أعتدت" أي: أعتدت لهن متكأ، أي: نمرقًا يتكأ عليه، وزعم قوم أنه الترنج، وهذا أبطل باطل في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع المتكأ ترنج يأكلونه، ويقال: ألقي له متكأ يجلس عليه، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 344، 345).

(2)

"فتح الباري"(8/ 358).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 346).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 110).

(5)

"فتح الباري"(8/ 359).

ص: 154

وقوله: (ليس في كلام العرب الأترج) يريد أنه ليس في كلام العرب تفسير المتكأ بالأترج، لكن ما نفاه المؤلف رحمه الله تبعًا لأبي عبيدة قد أثبته غيره، وقد روى عبد بن حميد عن ابن عباس أنه كان يقرأها مُتكًا مخففة، ويقال: هو الأترج، وقد حكاه الفراء وتبعه الأخفش وأبو حنيفة الدينوري وغيرهم كصاحب "المحكم" و"الجامع" و"الصحاح"، قال الجوهري: وعن الأخفش: المتكأ: الأترج.

(تنبيه): مُتكًا بضم أوله وسكون ثانيه وبالتنوين على المفعولية هو الذي فسّره مجاهد وغيره بالأترج أو غيره وهي قراءة، وأما القراءة المشهورة - أي: بالتشديد وبالهمز في آخره - فهو ما يتكأ عليه من وسادة وغيرها كما جرت به عادة الأكابر عند الضيافة، وبهذا التقرير لا يكون بين النقلين تعارض، وروى عبد بن حميد عن مجاهد قال: من قرأها مثقّلة قال: الطعام، ومن قرأها مخففة قال: الأترج، انتهى.

قوله: (فلما احتج عليهم) بضم التاء، أي: على القائلين بأنه الأترج (بأنه المتكاء) بالتشديد والهمزة (من نمارق) يعني: وسائد (فروا إلى شر منه فقالوا: إنما هو المتك ساكنة التاء) مخففة وساكنة، (وإنما المتك) المخفف (طرف البظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان من المرأة، (ومن ذلك) اللفظ (قيل لها) أي: للمرأة (متكاء وابن المتكاء) بفتح الميم والتخفيف والمد فيهما وهي التي لم تختن، ويقال: البظراء أيضًا، (فإن كان ثم) بفتح المثلثة، أي: هناك إلخ، وقد علم مما مر أن المتك المخفف يكون بمعنى الأترج وبمعنى طرف البظر، وأن المشدد هو ما يتكأ عليه من وسادة وحينئذ فلا تعارض بين النقلين كما لا يخفى، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

قال الحافظ

(2)

: ثم لا مانع أن يكون المتكأ مشتركًا بين الأترج وطرف البظر، والبظر موضع الختان من المرأة، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 346، 347).

(2)

"فتح الباري"(8/ 359).

ص: 155

وفي هامش "اللامع"

(1)

: عن"تقرير المكي": قوله: "فلما احتج" يعني: فلما صاروا محجوجين وثبت عليهم أنه المتكأ الذي يكون من النمارق لا الأترنج فرّوا إلى شر من الأول فقالوا: المتك ها هنا بمعنى طرف البظر، وقد وجد المتك بمعنى طرف البظر في كلام العرب، قال قُدِّس سرُّه: ويمكن إصلاح هذا بأن يقال: المراد بالمتك ما يستقر عليه المتك، يعني: طرف البظر وهو المتكأ بعينه، فكان مجازًا من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل، وكان مآل القراءتين إلى معنى واحد وهذا جيد، انتهى.

وفي "الفيض"

(2)

قوله: "فروا إلى شر منه" أي: إنما عدل هؤلاء إلى توجيهه فأخذوه من المتك بمعنى طرف البظر ليكون قريبًا من معناه المشهور، أي: ما اتكأت عليه لشراب أو لطعام فوقعوا في شر من الأول وأقبح منه، وقوله:"فإن كان ثم أترنج فإنه بعد المتكأ" يعني: أن أكله لا يكون إلا بعد الجلوس، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ. . .} [يوسف: 6]) إلخ

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه حديث ابن عمر: "الكريم بن الكريم" الحديث، وأخرج الحاكم مثله من حديث أبي هريرة وهو دال على فضيلة خاصة وقعت ليوسف عليه السلام لم يشركه فيها أحد، ومعنى قوله:"أكرم الناس" أي: من جهة النسب ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل من غيره مطلقًا، انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 111).

(2)

"فيض الباري"(5/ 292).

(3)

"فتح الباري"(8/ 361).

ص: 156

(2 -‌

‌ باب قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف:

7])

ذكر ابن جرير وغيره أسماء إخوة يوسف وهم: روبيل، وشمعون، ولاوي ويهوذا، وريالون، ويشجر، ودان، ونيال، وجاد، وآشر، وبنيامين، وأكبرهم أولهم، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وذكر القسطلاني

(2)

هذه الأسماء مع شيء من الاختلاف في بعض الأسماء، وقال أيضًا: ولم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وذكر بعضهم أنه أوحي إليهم بعد ذلك، ولم يذكر لذلك مستندًا سوى قوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} [البقرة: 136]، وهذا لا ينهض دليلًا لأن بطون بني إِسرائيل يقال لهم: الأسباط، كما يقال للعرب: قبائل، وللعجم: شعوب، بل ظاهر ما في هذه السورة من أحوالهم وأفعالهم يدل على أنهم لم يكونوا أنبياء على ما لا يخفى، انتهى.

قلت: وقد تقدمت هذه الترجمة بعينها في "كتاب الأنبياء"، وقد تقدم الكلام عليه هناك من ذكر أسماء إخوة يوسف وغيره.

(3 -‌

‌ باب قوله: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} [يوسف:

18])

قوله: ({سَوَّلَتْ}: زينت) قال أبو عبيدة في قوله: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} : أي: زينت وحسنت، قاله الحافظ

(3)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 362).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 351).

(3)

"فتح الباري"(8/ 363).

ص: 157

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ. . .} [يوسف: 23]) إلخ

اسم هذه المرأة في المشهور زليخا، وقيل: راعيل، واسم سيدها العزيز قطفير بكسر أوله، وقيل: بهمزة بدل القاف، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: ({هَيْتَ لَكَ}) كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

قرأه ابن مسعود بضم التاء والآخرون بفتحها، وعليه مدار اعتراض أبي وائل، وكذلك اختلف ابن مسعود مع الجمهور في قوله:{بَلْ عَجِبْتَ} [الصافات: 12] ولذلك أورده المؤلف ها هنا تنظيرًا للاختلاف، انتهى.

وفي هامشه: اختلفت الروايات عن ابن مسعود في قراءته بالضم أو الفتح، كما ذكرها الحافظان ابن الحجر والعيني، وقد بسط القسطلاني الكلام في قراءات لفظ {هَيْتَ} فذكر تسع قراءات، أربعة منها شاذة وخمسة معروفة، وهي: هِيْتَ، هَيْتُ، هِئْتَ، هِئْتُ، هَيْتَ، وفي "الجلالين":{وَقَالَت هَيْتَ لَكَ} واللام للتبيين، قال صاحب "الجمل" بعد ذكر اختلاف القراءات في هذا اللفظ: فالقراءات السبعية سبعة وهذه كلها لغات في هذه الكلمة، وهي في كلها اسم فعل بمعنى هلمّ، أي: أقبل وتعال، انتهى.

قوله: (وعن ابن مسعود: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ})[الصافات: 12] قال الحافظ

(3)

: هكذا وقع في هذا الموضع معطوفًا على الإسناد الذي قبله، وقد وصله الحاكم في "المستدرك" من طريق جرير عن الأعمش بهذا، وقد أشكلت مناسبة إيراد هذه الآية في هذا الموضع فإنها من سورة والصافات وليس في هذه السورة من معناها شيء، لكن أورد البخاري في الباب حديث عبد الله بن مسعود: أن قريشًا لما أبطئوا. . . إلخ، ولا تظهر مناسبته

(1)

"فتح الباري"(8/ 363).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 113).

(3)

"فتح الباري"(8/ 365).

ص: 158

أيضًا للترجمة المذكورة وهي قوله: "باب قوله: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} " ثم حكى الحافظ عن أبي الأصبغ عيسى بن سهل مناسبة نادرة وهي مذكورة في "الفتح" فارجع إليه لو شئت.

وقال القسطلاني تبعًا للعيني

(1)

: ووجه المناسبة بين الحديث والترجمة في قوله: فجاء أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله فدعا، ففيه أنه عفا عن قومه كما عفا يوسف عليه السلام عن امرأة العزيز، انتهى.

وهذا ملخص ما في "الفتح"

(2)

، وتقدم وجه مناسبة إيراد الآية ها هنا فىِ كلام الشيخ قُدِّس سرُّه، وبه جزم الكرماني

(3)

إذ قال: قوله: " {بَلْ عَجِبْتُ} " بالضم، كان شريح القاضي يقرأ بالفتح ويقول: إن الله تعالى لا يعجب من شيء وإنما يعجب من لا يعلم، فقال إبراهيم النخعي: إن شريحًا يعجبه علمه، وإن عبد الله بن مسعود كان يقرأ بالضم، فإن قلت: هذه سورة الصافات فلم ذكرها ها هنا؟ قلت: لبيان أن ابن مسعود يقرئه مضمومًا كما يقرأ هيت مضمومًا، انتهى.

قال الحافظ

(4)

بعد ذكر قول الكرماني: وهي مناسبة لا بأس بها إلا أن الذي تقدم عن ابن سهل أدق، والله أعلم.

(5 -‌

‌ باب قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} الآية [يوسف:

50])

قوله: (حاش وحاشا: تنزيه واستثناء) قال الحافظ

(5)

: قال أبو عبيدة في قوله: "حاش لله": الشين مفتوحة بغير ياء، وبعضهم يدخلها في آخره، ومعناه التنزيه والاستثناء عن الشر، تقول: حاشيته، أي: استثنيته، وقد قرأ

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 358)، و"عمدة القارى"(13/ 72).

(2)

"فتح الباري"(8/ 365).

(3)

"الكواكب الدراري"(17/ 163).

(4)

"فتح الباري"(8/ 365).

(5)

"فتح الباري"(8/ 366).

ص: 159

الجمهور بحذف الألف بعد الشين، وأبو عمرو بإشباعها في الوصل، وفي حذف الألف بعد الحاء لغة وقرأ بها الأعمش، واختلف في أنها حرف أو اسم أو فعل، وشرح ذلك يطول، والذي يظهر أن من حذفها رجّح فعليتها بخلاف من نفاها، ويؤيد فعليتها قول النابغة.

ولا أحاشي من الأقوام من أحد

فإن تصرف الكلمة من الماضي إلى المستقبل دليل فعليتها، واقتضى كلامه أن إثبات الألف وحذفها سواء لغة، وقيل: إن حذف الألف الأخيرة لغة أهل الحجاز دون غيرهم، انتهى.

ذكر المصنف في الباب حديث أبي هريرة مرفوعًا: "يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" الحديث، وقد تقدم شرحه في ترجمتي إبراهيم ولوط عليهما السلام في كتاب الأنبياء.

(6 -‌

‌ باب قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف:

110])

تقدم الكلام عليه في "باب قول الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)} " من كتاب الأنبياء.

وبسط الكلام عليه أيضًا في "اللامع"

(1)

وهامشه فيما تقدم من الباب المذكور فارجع إليه لو شئت التفصيل.

قال القسطلاني

(2)

: قوله: "قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها" وهذا ظاهره أنها أنكرت قراءة التخفيف بناء على أن الضَّمير للرسل ولعلها لم تبلغها فقد ثبتت متواترة في قراءة الكوفيين في آخرين، ووجهت بأن الضمير في {وَظَنُّوا} عائد إلى المرسل إليهم لتقدمهم في قوله:{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يوسف: 109] والضميران في "أنهم" و"كذبوا" على الرسل، أي: وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا، أي: كذبهم

(1)

"لامع الدراري"(8/ 33).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 361).

ص: 160

من أرسلوا إليه بالوحي وبنصرهم عليهم، أو أن الضمائر كلها ترجع إلى المرسل إليهم، أي: ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم في ما ادعوا من النبوة وفيما يوعدون به من لم يؤمن من العقاب، أو كذبهم المرسل إليهم بوعد الإيمان، وقول الكرماني: لم تنكر عائشة القراءة وإنما أنكرت التأويل، خلاف الظاهر، قال عروة:"فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل" إلى آخره، فالضمائر كلها على قراءة التشديد عائدة على الرسل، أي: وظن الرسل أنهم قد كذبهم أممهم فيما جاءوا به لطول البلاء عليهم، والظن هنا بمعنى اليقين، أو على حقيقته وهو رجحان أحد الطرفين، انتهى.

(13)

‌ سورة الرعد

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في نسخ الشروح بتأخير البسملة عن السورة، قال العيني

(1)

: لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر وحده، قيل: إن هذه السورة مكية، وقيل: مدنية، وقيل: فيها مكي ومدني، انتهى.

قوله: ({مُعَقِّبَاتٌ} [الرعد: 11] ملائكة حفظة. . .) إلخ، وفي نسخة "الفتح"

(2)

"يقال: معقبات. . ." إلخ، قال الحافظ: سقط لفظ "يقال" من رواية غير أبي ذر وهو أولى، فإنه كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} أي: ملائكة تعقب بعد ملائكة، حفظة بالليل تعقب بعد حفظة النهار، وحفظة النهار تعقب بعد حفظة الليل، وروى الطبري عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدره خلوا عنه، وعنه في قوله:{مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] يقول: بإذن الله، فالمعقبات هن من أمر الله وهي الملائكة، ومن طريق إبراهيم النخعي قال: يحفظونه من الجن، ومن طريق كعب الأحبار قال:

(1)

"عمدة القاري"(13/ 75).

(2)

"فتح الباري"(8/ 371، 372).

ص: 161

لولا أن الله وكّل بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لَتُخُطِّفْتُمْ، وأخرج الطبري من طريق كنانة العدوي: أن عثمان سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد الملائكة الموكّلة بالآدمي فقال: "لكل آدمي عشرة بالليل وعشرة بالنهار: واحد عن يمينه، وآخر عن شماله، واثنان من بين يديه ومن خلفه، واثنان على جنبيه، وآخر قابض على ناصيته، فإن تواضع رفعه، وإن تكبر وضعه، واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إلا الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم، والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه، يعني: إذا نام"، وجاء في تأويل ذلك قول آخر رجحه ابن جرير، فأخرج بإسناد صحيح عن ابن عباس في قوله:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} قال: ذلك ملك من ملوك الدنيا له حرس ومن دونه حرس، ومن طريق عكرمة في قوله:{مُعَقِّبَاتٌ} قال: المراكب، انتهى.

قوله: (فكذلك يميز الحق من الباطل) كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: فيكون للباطل غوغاء كغليان القدر ثم ينفى كأنه لم يكن شيئًا مذكورًا، انتهى.

قال العيني

(2)

: ومعنى قول البخاري: "فكذلك" أي: فكما مَيَّز الله الزبد الذي يبقى من الذي لا يبقى ولا ينتفع به مَيَّزَ الحق الذي يبقى ويستمر من الباطل الذي لا أصل له ولا يبقى، انتهى.

وفي "الفتح"

(3)

: وهي ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد يقول: كما اضمحل هذا الزبد وصار لا ينتفع به كذلك يضمحل الباطل من أهله، وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وأخرجت نباتها كذلك يبقى الحق لأهله، ونظيره بقاء خالص الذهب والفضة إذا دخل النار وذهب خبثه وبقي صفوه كذلك يبقى الحق لأهله ويذهب الباطل، انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 115).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 78).

(3)

"فتح الباري"(8/ 374).

ص: 162

(1 -‌

‌ باب قول الله: {يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى. . .} [الرعد: 8]) إلخ

قوله: (غيض نقص) قال أبو عبيدة في قوله: {وَغِيضَ الْمَاءُ} أي: ذهب وقلّ، وهذا تفسير سورة هود، وإنما ذكره ها هنا لتفسير قوله:{تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} فإنها من هذه المادة، وروى عبد بن حميد عن مجاهد في قوله:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} قال: إذا حاضت المرأة وهي حامل كان نقصانًا من الولد، فإن زادت على تسعة أشهر كان تمامًا لما نقص من ولدها، ثم روي من طريق منصور عن الحسن قال: الغيض ما دون تسعة أشهر، والزيادة ما زادت عليها يعني في الوضع، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في مفاتح الغيب، وقد تقدم الكلام عليه في سورة الأنعام.

(14)

‌ سورة إبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في نسخ الشروح.

قال الحافظ

(2)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر، انتهى.

(باب قال ابن عباس: هاد داع. . .) إلخ

وهكذا في نسخة "القسطلاني" وليس في نسخة "الفتح" و"العيني" لفظ "باب"، قال القسطلاني

(3)

: سقط "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: كذا في جميع النسخ، وهذه الكلمة إنما وقعت في

(1)

"فتح الباري"(8/ 375).

(2)

"فتح الباري"(8/ 375).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 370).

(4)

"فتح الباري"(8/ 375، 376).

ص: 163

السورة التي قبلها في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] والظاهر: أن ذكر هذا ها هنا من بعض النساخ، واختلف أهل التأويل في تفسيرها بعد اتفاقهم على أن المراد بالمنذر محمد صلى الله عليه وسلم، فروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله:{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وأي داعٍ، ومن طريق قتادة مثله، ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال: الهادي الله، وهذا بمعنى الذي قبله كأنه لحظ قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [يونس: 25] ومن طريق أبي العالية قال: الهادي القائد، ومن طريق مجاهد أيضًا قال: الهادي محمد، وهذا أخص من الجميع، والمراد بالقوم على هذا الخصوص، أي: هذه الأمة، والمستغرب ما أخرجه الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: "أنا المنذر" وأومأ إلى علي وقال: "أنت الهادي بك يهتدي المهتدون بعدي" فإن ثبت هذا فالمراد بالقوم أخص من الذي قبله، أي: بني هاشم مثلًا، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ} الآية [إبراهيم:

24])

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى {حِينٍ} ، وسقط عندهم "باب قوله"، انتهى.

ثم ذكر المصنف فيه حديث ابن عمر، وقد تقدم في كتاب العلم، وتقدم هناك شيء من الكلام عليه.

(2 -‌

‌ باب: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:

27])

كلمة التوحيد: لا إله إلا الله؛ لأنها رسخت في القلب بالدليل، أي: يُديمهم الله عليها كما اطمأنت إليها نفوسهم في الدنيا، والجمهور على أنها

(1)

"فتح الباري"(8/ 377).

ص: 164

نزلت في سؤال المكلفين في القبر فَيُلقِّن الله المؤمنَ كلمةَ الحق عند السؤال فلا يزلّ، وسقط "باب" لغير أبي ذر، انتهى "قسطلاني"

(1)

.

وقال أيضًا في شرح الحديث: وإنما حصل لهم الثبات في القبر بسبب مواظبتهم في الدنيا على هذا القول، ولا يخفى أن كل شيء كانت المواظبة عليه أكثر كان رسوخه في القلب أتم ثبتنا الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة بمنّه وكرمه، هذا الحديث قد سبق في "باب ما جاء في عذاب القبر" من الجنائز، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] ألم تعلم كقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ. . .} ) إلخ

قال القسطلاني

(2)

: لفظ "باب" ساقط لغير أبي ذر، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: هذا قول أبي عبيدة، قوله:(البوار: الهلاك. . .) إلخ، هو كلام أبي عبيدة أيضًا، ثم ذكر حديث ابن عباس فيمن نزلت فيه الآية مختصرًا، وقد تقدم مستوفى في غزوة بدر، وروى الطبري من طريق أخرى عن ابن عباس: أنه سأل عمر عن هذه الآية فقال: من هم؟ قال: هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية أخوالي وأعمامك، فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر، وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين، ومن طريق علي قال: هم الأفجران بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وهو عند عبد الرزاق أيضًا والنسائي وصححه الحاكم قلت: والمراد بعضهم لا جميع بني أمية وبني مخزوم، فإن بني مخزوم لم يستأصلو يوم بدر، بل المراد بعضهم كأبي جهل من بني مخزوم، وأبي سفيان من بني أمية، انتهى من "الفتح".

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 374، 375).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 375).

(3)

"فتح الباري"(8/ 378).

ص: 165

زاد القسطلاني

(1)

: وعنده (الطبري) أيضًا من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس: هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم، قال الحافظ ابن كثير: والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو القول الأول، وإن كان المعنى يعم جميع الكفار، فإن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين ونعمة للناس، انتهى.

(15)

‌ سورة الحجر

بسم الله الرحمن الرحيم

وهكذا في نسخة "العيني"، وفي نسخة "الفتح":"تفسير سورة الحجر"، قال الحافظ

(2)

: كذا لأبي ذر عن المستملي، وله عن غيره بدون لفظ "تفسير"، وسقطت البسملة للباقين، انتهى.

قال العلَّامة العيني

(3)

: قال الطبري: هي مكية بإجماع المفسرين، ويرد عليه بقول الكلبي: إن فيها آيةً مدنيةً، وقال السخاوي: نزلت بعد يوسف وقبل الأنعام، انتهى.

قوله: (قال مجاهد {صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41]) معناه (الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه) لا يعرج على شيء، وقال الأخفش: عليّ الدلالة على الصراط المستقيم، وقال غيرهما: أي: من مرّ عليه مرّ عليّ، أي: على رضواني وكرامتي، وقيل:"عليّ" بمعنى إليّ، وهذا إشارة إلى الإخلاص المفهوم من المخلصين، وقيل: إلى انتفاء تزيينه وإغوائه، انتهى من "القسطلاني"

(4)

.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 376).

(2)

"فتح الباري"(8/ 379).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 87).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 377).

ص: 166

(1 -‌

‌ باب قوله: {إلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر:

18])

ليس لفظة "باب" في نسخة "القسطلاني"، وهو موجود في نسختي الحافظين، قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصَّة مسترقي السمع أورده أولًا معنعنًا ثم ساقه بالإسناد بعينه مصرِّحًا فيه بالتحديث وبالسماع في جميعه، وذكر فيه اختلاف القراءة في {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23]، وسيأتي شرحه في تفسير سورة سبأ، انتهى.

قال العيني

(2)

: قوله: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} الآية [الحجر: 18] وأوله {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} الآية [الحجر: 17، 18] قوله: {وَحَفِظْنَاهَا} أي: السماع بالشهب، وقوله:{إلا مَنِ اسْتَرَقَ. . .} إلخ، استثناء منقطع، أي: لكن من استرق السمع، وعن ابن عباس: أنهم كانوا لا يحجبون عن السماوات فلما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السماوات أجمع، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رُمي بشهاب مبين، أي: بنارٍ بيِّن، والشهاب في اللغة: النار الساطعة، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر:

80])

قال القسطلاني

(3)

: سقط قوله: "باب" لغير أبي ذر.

قوله: ({كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ}) وادي ثمود بين المدينة والشام ({الْمُرْسَلِينَ}) صالحًا، ومن كذب واحدًا من المرسلين، فكأنما كذب الجميع، أو صالحًا ومن معه من المؤمنين.

(1)

"فتح الباري"(8/ 380، 381).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 90).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 383).

ص: 167

قوله: (أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب) لأن من دخل عليهم ولم يبك اعتبارًا بأحوالهم فقد شابههم في الأعمال، ودلّ على قساوة قلبه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم، فيصيبه بمثل ما أصابهم، وهذا الحديث قد مر في "باب الصلاة في مواضع الخسف" من كتاب الصلاة، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:

87])

قال القسطلاني

(1)

: ({الْمَثَانِي}) صيغة جمع واحده مثناة، والمثناة كل شيء يثنى، من قولك: ثنيت الشيء ثنيًا، أي: عطفته وضممت إليه آخر، والمراد سبع من الآيات أو من السور أو من الفوائد، ليس في اللفظ ما يعين أحدها، ({وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}) من عطف العام على الخاص إذ المراد بالسبع إما الفاتحة أو السور الطوال، أو من عطف بعض الصفات على بعض، أو الواو مقحمة، انتهى.

وقال بعد ذكر الحديث: وفيه وجوب إجابته عليه الصلاة والسلام، ونص جماعة من الأصحاب على عدم بطلان الصلاة، وفيه بحث سبق في البقرة، انتهى.

قلت: وتقدمت هذه المسألة مع بيان مذاهب الأئمة الأربعة في "باب ما جاء في فاتحة الكتاب".

وقال الحافظ

(2)

: قال الخطابي: وفي الحديث رد على ابن سيرين حيث قال: الفاتحة لا يقال لها أم القرآن، وإنما يقال لها فاتحة الكتاب، ويقول: أم الكتاب هو اللوح المحفوظ، قال: وأم الشيء أصله، وسميت الفاتحة أم القرآن لأنها أصل القرآن، وقيل: لأنها مقدمة كأنها تؤمه.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 384).

(2)

"فتح الباري"(8/ 381، 382).

ص: 168

قوله: (هي السبع المثاني والقرآن العظيم) هو معطوف على قوله: "أم القرآن" وهو مبتدأ وخبره محذوف، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: والقرآن العظيم ما عداها، وليس هو معطوفًا على قوله:"السبع المثاني" لأن الفاتحة ليست هي القرآن العظيم، وإنما جاز إطلاق القرآن عليها؛ لأنها من القرآن لكنها ليست هي القرآن كله، ثم وجدت في تفسير ابن أبي حاتم عن أبي هريرة، بلفظ: والقرآن العظيم الذي أعطيتموه، أي: هو الذي أعطيتموه، فيكون هذا هو الخبر، انتهى.

(4 -‌

‌ باب قوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر:

91])

كذا في نسخة "الفتح" و"العيني"، وفي نسخة "القسطلاني" بدون لفظ "باب".

قال الحافظ

(1)

: قيل: إن {عِضِينَ} جمع عضو فروى الطبري من طريق الضحاك قال في قوله: {جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي: جعلوه أعضاء كأعضاء الجزور، وقيل: هي جمع عضة وأصلها عضهة فحذفت الهاء كما حذفت من الشفة وأصلها شفهة، وجمعت بعد الحذف على عضين مثل برة وبرين وكرة وكرين إلى آخر ما بسط في تفسيره.

(5 -‌

‌ باب قوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] قال سالم: اليقين الموت)

قال القسطلاني

(2)

: سقط "باب قوله" لغير أبي ذر كقوله: "اليقين" من قوله: "اليقين: الموت"، انتهى.

قوله: (قال سالم: اليقين. . .) إلخ، وصله الفريابي وعبد بن حميد وأخرجه الطبري، من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما مثله، واستشهد

(1)

"فتح الباري"(8/ 382).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 387).

ص: 169

الطبري لذلك بحديث أم العلاء في قصَّة عثمان بن مظعون: أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير، وقد تقدم في الجنائز مشروحًا.

وقد اعترض بعض الشرَّاح على البخاري لكونه لم يخرج هنا هذا الحديث، وقال: كان ذكره أليق من هذا، قال: ولأن اليقين ليس من أسماء الموت، قلت: لا يلزم البخاري ذلك وقد أخرج النسائي حديث بعجة عن أبي هريرة رفعه: "خير ما عاش الناس به رجل ممسك بعنان فرسه" الحديث وفي آخره: "حتى يأتيه اليقين ليس هو من الناس إلا في خير" فهذا شاهد جيد لقوله: سالم، ومنه قوله تعالى:{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 46، 47] وإطلاق اليقين على الموت مجاز لأن الموت لا يشك فيه، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

: قوله: "اليقين: الموت" لأنه أمر متيقن وهو مروي عن ابن عباس أيضًا، وروى جبير بن نفير مرسلًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما أوحي إليّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إليّ أن سَبِّح بحمد ربك، وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" رواه البغوي في "شرح السُّنَّة"، انتهى.

(16)

‌ سورة النحل

بسم الله الرحمن الرحيم

وهكذا في نسخة "العيني" بتأخير البسملة عن "سورة النحل"، وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني" بتقديم البسملة، وقالوا

(3)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر.

قال العلَّامة العيني

(4)

: روى همام عن قتادة أنها مدنية، وروى سعيد

(1)

"فتح الباري"(8/ 383، 384).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 387).

(3)

"فتح الباري"(8/ 384)، و"عمدة القاري"(13/ 98)، و"إرشاد الساري"(10/ 388).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 97، 98).

ص: 170

عنه: أولها مكي إلى قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل: 41] ومن هنا إلى آخرها مدني، وقال السدي: مكية إلا آيتين: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وقال القرطبي: قال ابن عباس: هي مكية إلا ثلاث آيات نزلت بعد قتل حمزة رضي الله تعالى عنه: {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [النحل: 95] الآيات، وقال السخاوي: نزلت بعد الكهف وقبل سورة نوح عليه السلام، انتهى.

قوله: ({رُوحُ الْقُدُسِ})[النحل: 102] جبريل، ({نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}) [الشعراء: 193]، قال الحافظ

(1)

: أما قوله: {رُوحُ الْقُدُسِ} جبريل، فأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد رجاله ثقات عن عبد الله بن مسعود، وروى الطبري من طريق محمد بن كعب القرظي قال: روح القدس جبريل، وكذا جزم به أبو عبيدة وغيره واحد، وأما قوله:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} فذكره استشهادًا لصحة هذا التأويل؛ فإن المراد به جبريل اتفاقًا، وكأنه أشار إلى ردِّ ما رواه الضحاك عن ابن عباس قال: روح القدس: الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى، أخرجه ابن أبي حاتم وإسناده ضعيف.

قوله: (وقال غيره: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] هذا مقدم ومؤخر. . .) إلخ، المراد بالغير أبو عبيدة فإن هذا كلامه بعينه، وقرره غيره فقال: إذا وصله بين الكلامين والتقدير: فإذا أخذت في القراءة فاستعذ، وقيل: هو على أصله لكن فيه إضمار، أي: إذا أردت القراءة؛ لأن الفعل يوجد عند القصد من غير فاصل، وقد أخذ بظاهر الآية ابن سيرين، ونقل عن أبي هريرة وعن مالك وهو مذهب حمزة الزيات فكانوا يستعيذون بعد القراءة، وبه قال داود الظاهري، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: " {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ. . .} " إلخ، فيه تقديم وتأخير، يعني: بحسب الظاهر وليس ترتيب

(1)

"فتح الباري"(8/ 384، 385).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 115، 116).

ص: 171

القراءة والاستعاذة على حسب ما ذكر في الآية، بل الاستعاذة مقدمة على القراءة، وعلى هذا فلا تنافي بين تأويله وتأويل الجمهور: أن المراد بالقراءة إِرادتها، بل معناهما واحد؛ لأن كلام المؤلف غير آب عنه، انتهى.

وفي هامشه عن حاشية "الجمل": ووجه ما قال الجمهور: إن تقديم الاستعاذة على القراءة لتذهب الوسوسة عنه، أولى من تأخيرها عن وقت الحاجة إليها، ووجه مقابله أن القارئ يستحق ثوابًا عظيمًا وربما حصلت الوسوسة في قلبه فالاستعاذة بعد القراءة تدفع الوساوس، انتهى.

قوله: ({شَاكِلَتِهِ} ناحيته) قال الحافظ

(1)

: كذا وقع ها هنا وإنما هو في السورة التي تليها وقد أعاده فيها، ووقع في رواية أبي ذر عن الحموي "نيته" بدل "ناحيته" وسيأتي الكلام عليها هناك، وقال فيما سيأتي

(2)

قوله: " {شَاكِلَتِهِ} ناحيته" وصله الطبري عن ابن عباس وعن مجاهد قال: على طبيعته وعلى حدته، وعن قتادة قال: يقول على ناحيته وعلى ما ينوي، وقال أبو عبيدة:{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]؛ أي: على ناحيته وخلقته، ومنها قوله: هذا من شكل هذا، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: وليس هذا اللفظ من تلك السورة، ولعل الوجه في إيراده ها هنا التنبيه على أن قصده في القراءة لا ينبغي أن يكون إلا لله، وعلى هذا فالمناسب في ترجمة الشاكلة ها هنا هي النية، وفيما سيأتي الناحية ليفيد فائدة بعد فائدة، والمناسب على هذا الوجه ها هنا نسخة "نيته" لا "ناحيته" فافهم، انتهى.

وبسط في هامشه الكلام في شرح هذا اللفظ من الشروح ومن كلام أهل اللغة.

قوله: (السكر ما حرم من ثمرتها) كتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: ولا يبعد

(1)

"فتح الباري"(8/ 385).

(2)

"فتح الباري"(8/ 393).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 116).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 118).

ص: 172

أن يقال: إن الامتنان بما لم يسكر منها ولا شك في جواز القدر الذي لا يسكر منها فصح الامتنان، أو يقال: إن الآية مكية وتحريم المحرمات منها مدني فصح الامتنان وقت إنزال الآية، انتهى.

وذكر في هامشه كلام الشرَّاح وفيه أيضًا: وفي "الجلالين": وهذا قبل تحريمها، وفي "الجمل": قوله: وهذا. . . إلخ، أي: الامتنان بأخذ السكر منها المقتضي لحله إذ الامتنان بالشي يقتضي حله، وفي "الكرخي": وهذا قبل تحريمها جزم به اعتمادًا على قولهم في السورة: إنها مكية إلا ثلاث آيات من آخرها والمائدة مدنية وتحريم الخمر فيها وهي آخر القرآن نزولًا، كما ثبت في الحديث، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل:

70])

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث أنس في الدعاء بالاستعاذة من ذلك وغيره، وسيأتي شرحه في الدعوات، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: أرذل العمر هو الخرف، وروى ابن مردويه من حديث أنس أنه مائة سنة، انتهى.

وقال العيني

(2)

: قال قتادة: تسعون سنة، وعن علي: خمس وسبعون، وعن عكرمة: من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر، انتهى.

(17)

‌ سورة بني إسرائيل

بسم الله الرحمن الرحيم

وهكذا في نسخة "الفتح" و"العيني" وسقطت البسملة في نسخة "القسطلاني" وقال

(3)

: وزاد أبو ذر: "بسم الله الرحمن الرحيم" وسقطت لغيره، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 388).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 103).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 393).

ص: 173

وقال العلَّامة العيني

(1)

: قال قتادة: هي مكية إلا ثمان آيات نزلن بالمدينة، وهي من قوله:{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] إلى آخرهن، وسجدتها مدنية، وفي تفسير ابن مردويه من غير طريق عن ابن عباس: هي مكية، وقال السخاوي: نزلت بعد القصص وقبل سورة يونس عليه السلام، انتهى.

قوله: (إنهن من العتاق الأول) بكسر المهملة وتخفيف المثناة جمع عتيق وهو القديم، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة. وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث، وبالأول جزم أبو الحسن بن فارس، قال القسطلاني

(2)

: والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقًا، و"الأول" بضم الهمزة وفتح الواو المخففة، والأولية باعتبار حفظها، أو باعتبار نزولها؛ لأنها مكيات، ومراده تفضيل هذه السور لما يتضمن مفتتح كل منها بأمر غريب وقع في العالم خارق للعادة، وهو الإسراء، وقصَّة أصحاب الكهف، وقصَّة مريم، قاله الكرماني، انتهى.

قوله: (هن من تلادي) بكسر المثناة وتخفيف اللام، أي: مما حفظ قديمًا، والتلاد قديم الملك وهو بخلاف الطارف، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن وأن لهن فضلًا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم، وسيأتي الحديث في فضائل القرآن بأتم من هذا السياق، انتهى من "الفتح"

(3)

.

وزاد القسطلاني

(4)

: وفي حديث عائشة عند الإمام أحمد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بني إِسرائيل والزمر، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء:

1])

قال الحافظ

(5)

: لم يختلف القراء في {أَسْرَى} بخلاف قوله في قصَّة

(1)

"عمدة القاري"(13/ 103).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 394).

(3)

"فتح الباري"(8/ 388).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 394).

(5)

"فتح الباري"(8/ 391).

ص: 174

لوط: {فَأَسْرِ} فقرئت بالوجهين، وفيه تعقب على من قال من أهل اللغة: إن أسرى وسرى بمعنى واحد، قال السهيلي: السري من سريت إذا سرت ليلًا، يعني: فهو لازم، والإسراء يتعدى في المعنى لكن حذف مفعوله حتى ظن من ظن أنهما بمعنى واحد، وإنما معنى {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} جعل البراق يسري به كما تقول: أمضيت كذا بمعنى جعلته يمضي، لكن حسن حذف المفعول لقوة الدلالة عليه أو الاستغناء عن ذكره؛ لأن المقصود بالذكر المصطفى لا الدابة التي صارت به، وأما قصَّة لوط فالمعنى سر بهم على ما يتحملون عليه من دابة ونحوها، هذا معنى القراءة بالقطع، ومعنى الوصل سر بهم ليلًا، ولم يأت مثل ذلك في الإسراء؛ لأنه لا يجوز أن يقال: سرى بعبده بوجه من الوجوه، انتهى.

والنفي الذي جزم به إنما هو من هذه الحيثية التي قصد فيها الإشارة إلى أنه سار ليلًا على البراق، وإلا فلو قال قائل: سرت بزيد بمعنى صاحبته لكان المعنى صحيحًا، انتهى.

وهكذا بسط الكلام العلَّامة القسطلاني في تحقيق هذا اللفظ وقال أيضًا

(1)

: قوله: {لَيْلًا} بلفظ التنكير قال الزَّمخشري: ليفيد تقليل مدة الإسراء، وأنه أسري في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، فدل على أن التنكير دل على البعضية، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة: من الليل، أي: بعضه كقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء: 79]، انتهى.

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ. . .} [الإسراء: 70]) إلخ

وهكذا في نسخة "الفتح" و"العيني"، وفي نسخة "القسطلاني": قوله: " {كَرَّمْنَا} وأكرمنا واحد" قال القسطلاني

(2)

: ولأبي ذر "باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ. . .} " إلخ، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 398).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 401).

ص: 175

قلت: وإليه أشار العيني حيث قال

(1)

: وليست في بعض النسخ هذه الترجمة، انتهى.

قوله: (كرمنا وأكرمنا واحد) أي: في الأصل وإلا فالتشديد أبلغ، قال أبو عبيدة: كرّمنا، أي: أكرمنا إلا أنه أشد مبالغة في الكرامة، انتهى.

وهي من كرم بضم الراء مثل شرف، وليس من الكرم الذي هو في المال، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: ({قَبِيلًا} معاينة ومقابلة، وقيل: القابلة. . .) إلخ، قال أبو عبيدة:{وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء: 92] مجاز مقابلة، أي: معاينة، انتهى من "الفتح"

(3)

.

قلت: هو إشارة إلى قوله: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء: 92]، وفي "الجلالين"

(4)

: أي: مقابلة وعيانًا فنراهم، انتهى.

وفسّره البخاري بقوله: "معاينة ومقابلة" ثم قال البخاري "وقيل: القابلة" ويتوهم منه أن هذا أيضًا قول في تفسير الآية فكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(5)

: وليس المراد أنه قيل ذلك في تفسير الآية بل المعنى أنه يقال لأجل هذا المعنى للقابلة قابلة أيضًا، انتهى.

قال العيني

(6)

: قوله: "وقيل القابلة" أراد أنه قيل للمرأة التي تتلقى الولد عند الولادة قابلة؛ لأنها مقابلتها، أي: مقابلة المرأة التي تولدها، وقوله:"تقبل ولدها" أي: تتلقاه عند الولادة، يقال: قبلت القابلة المرأة تقبلها قبالة بالكسر، أي: تلقته عند الولادة، وقال ابن التين: ضبطه بعضهم "بتقبل ولدها" بضم الموحدة وليس ببين، قلت:"تقبل" بالفتح هو البين لأنه من باب علم، وقد يظن أن "تقبل ولدها" من التقبيل وليس بظاهر، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 110).

(2)

"فتح الباري"(8/ 393).

(3)

"فتح الباري"(8/ 393).

(4)

"تفسير الجلالين"(ص 376).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 120).

(6)

"عمدة القاري"(13/ 111).

ص: 176

(باب قوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا. . .} [الإسراء: 16]) إلخ

قوله: (كنا نقول للحي) أي: للقبيلة (إذا كثروا في الجاهلية أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم "بنو فلان"، وقوله:(قال) أي: الحميدي عن سفيان (أمر) بكسر الميم كالأول كذا في فرعين لليونينية كالأصل، وقال الحافظ ابن حجر وغيره: إن الأولى بكسر الميم والثانية بفتحها وهما لغتان، وبالفتح قرأ الجمهور الآية، وقرأها ابن عباس بالكسر، ويعقوب بمد الهمزة وفتح الميم، ومجاهد بتشديد الميم من الإمارة، والحاصل أن سياق المؤلف لحديث ابن مسعود لينبه على أن معنى {أَمَرْنَا} في الآية: كثرنا مترفيها، وهي لغة حكاها أبو حاتم، ونقلها الواحدي عن أهل اللغة، وقال أبو عبيدة: من أنكرها لم يلتفت إليه لثبوتها في اللغة، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

(5 -‌

‌ باب قوله: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:

3])

سقط الباب لغير أبي ذر، قاله القسطلاني

(2)

، وذكر فيه حديث أبي هريرة في الشفاعة، وسيأتي شرحه في "الرقاق"، وأورده ها هنا لقوله: فيه: "يقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدًا شكورًا" وقد صحح ابن حبَّان من حديث سلمان الفارسي: "كان نوح إذا طعم أو لبس حمد الله فسمي عبدًا شكورًا"، وله شاهد عند ابن مردويه من حديث معاذ بن أنس، انتهى من "الفتح"

(3)

.

وقال العيني

(4)

: وعن عمران بن سليم: "إنما سمي نوح عليه السلام عبدًا شكورًا لأنه كان إذا أكل طعامًا قال: الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 405).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 406).

(3)

"فتح الباري"(8/ 396).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 114).

ص: 177

أجاعني، وإذا شرب شرابًا قال: الحمد لله الذي سقاني ولو شاء أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني، وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حذاني ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية ولو شاء حبسه"، انتهى.

قوله: (أنت أول الرسل) كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

أي: أولي العزم منهم، انتهى.

وفي هامشه: قال الحافظ: أما كونه أول الرسل فقد استشكل بأن آدم كان نبيًا وبالضرورة نعلم أنه كان على شريعة من العبادة، وأن أولاده أخذوا ذلك عنه، فعلى هذا فهو رسول إليهم فيكون هو أول رسول، ويحتمل أن تكون الأولية في قول أهل الموقف لنوح مقيدة بقولهم: إلى أهل الأرض: لأنه في زمن آدم لم يكن للأرض أهل أو لأن رسالة آدم إلى بنيه كانت كالتربية للأولاد، ويحتمل أن يكون المراد أنه رسول أرسل إلى بنيه وغيره من الأمم مع تفرقهم في عدة بلاد، وآدم إنما أرسل إلى بنيه فقط، وكانوا مجتمعين في بلدة واحدة، واستشكله بعضهم بإدريس ولا يرد؛ لأنه اختلف في كونه جدّ نوح، انتهى.

وبسط القاري الكلام على ذلك بما لا مزيد عليه، وذكر في جملة كلامه

(2)

: أما آدم وشيث فهما وإن كانا رسولين إلا أن آدم أرسل إلى بنيه ولم يكونوا كفارًا، وشيثًا كان خلفًا له فيهم بعده، بخلاف نوح فإنه مرسل إلى كفار أهل الأرض، وهذا أقرب من القول بأن آدم وإدريس لم يكونا رسولين، وقد يقال: إنه أول نبي بعثه الله بعد آدم على أن شيثًا كان خليفة له، فأوليته إضافية، أو أول نبي بعثه من أولي العزم، فالأولية حقيقية، وهذا أوفق الأقوال، وبه يزول الإشكال، انتهى.

ثم يشكل ها هنا أن الآية المترجم بها مقدمة على الآيتين في الترجمتين

(1)

"لامع الدراري"(8/ 13).

(2)

"مرقاة المفاتيح"(9/ 515).

ص: 178

السابقتين، فكان حق هذه الترجمة التقدم عليهما، وقد تقدم مثل ذلك في سورة آل عمران أيضًا.

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء:

55])

ذكر فيه حديث أبي هريرة: "خفف على داود القرآن"، ووقع في رواية لأبي ذر:"القراءة" والمراد بالقرآن مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

بعد ذكر الحديث: وفيه أن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير، فمن ذلك أن بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعًا بالنهار، وقد أنبئتُ عن الشيخ أبي طاهر المقدسي أنه يقرأ في اليوم والليلة خمس عشرة ختمة، وهذا الرجل قد رأيته بحانوته بسوق القماش في الأرض المقدسة سنة سبع وستين وثمان مائة، وقرأت في "الإِرشاد": أن الشيخ نجم الدين الأصبهاني رأى رجلًا من اليمن بالطواف ختم في شوط أو في أسبوع، شك، وهذا لا سبيل إلى إدراكه إلا بالفيض الرباني والمدد الرحماني، انتهى.

(7 -‌

‌ باب قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء:

56])

قال القسطلاني

(3)

: قوله: "كان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن" استشكله السفاقسي من حيث إن الناس ضد الجن، وأجيب بأنه على قول من قال: إنه من ناس إذا تحرك، وقال الجوهري في "صحاحه": والناس قد يكون من الإنس والجن، فهو صريح في استعمال ذلك، ولئن سلمنا أن الجن لا يسمون ناسًا فهذا يكون من المشاكلة، نحو {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا

(1)

"فتح الباري"(8/ 397).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 412).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 413).

ص: 179

أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] على ما تقرر في علم البديع، انتهى.

(8 -‌

‌ باب قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية [الإسراء:

57])

ذكر فيه الحديث قبله من وجه آخر عن الأعمش مختصرًا، ومفعول {يَدْعُونَ} محذوف، تقديره: أولئك الذين يدعونهم آلهة يبتغون إلى ربهم الوسيلة، وقرأ ابن مسعود "تدعون" بالمثناة الفوقانية على أن الخطاب للكفار، وهو واضح، وقوله:{أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} معناه: يبتغون من هو أقرب منهم إلى ربهم، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(9 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء:

60])

سقط "باب" لغير أبي ذر.

قوله: (هي رؤيا عين أُريها) لم يصرِّح بالمرئي، وعند سعيد بن منصور من طريق أبي مالك قال: هو ما أري في طريقه إلى بيت المقدس، قلت: وقد بينت ذلك واضحًا في الكلام على حديث الإسراء في السيرة النبوية من هذا الكتاب.

وقوله: (ليلة أسري به) جاء فيه قول آخر، فروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال: أري أنه دخل مكة هو وأصحابه، فلما ردّه المشركون كان لبعض الناس بذلك فتنته، وجاء فيه قول آخر فروى ابن مردويه من حديث حسين بن علي رفعه: "إني أريت كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا فقيل: هي دنيا تنالهم، ونزلت هذه الآية، وأخرجه ابن أبي حاتم من حديث عمرو بن العاص، ومن حديث يعلى بن مرة، وأسانيد الكل ضعيفة، واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى

(1)

"فتح الباري"(8/ 398).

ص: 180

بالعين في اليقظة، وقد أنكره الحريري تبعًا لغيره، وقالوا: إنما يقال رؤيا في المنام، وأما التي في اليقظة فيقال رؤية، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(10 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] قال مجاهد: صلاة الفجر)

وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه، وزاد:"يجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار" ومن طريق العوفي عن ابن عباس نحوه، ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة، وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(11 -‌

‌ باب قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:

79])

يحمده فيه الأولون والآخرون، والمشهور أنه مقام الشفاعة للناس ليريحهم الله من كرب ذلك اليوم وشدته، وفي المقام المحمود أقوال أخر تأتي إن شاء الله تعالى في "الرقاق"، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

(12 -‌

‌ باب قوله: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ. . .} [الإسراء: 81]) إلخ

قال الحافظ

(4)

: قوله: "يزهق يهلك" قال أبو عبيدة في قوله: {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55] أي: تخرج وتموت وتهلك، ويقال: زهق ما عندك، أي: ذهب كله، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:{إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] أي: ذاهبًا، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 398).

(2)

"فتح الباري"(8/ 399).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 416).

(4)

"فتح الباري"(8/ 400).

ص: 181

(13 -‌

‌ باب قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء:

85])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، قاله القسطلاني

(1)

.

قوله: (في حرث) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة، ووقع في كتاب العلم من وجه آخر بخاء معجمة وموحدة، وضبطوه بفتح أوله وكسر ثانيه وبالعكس، والأولى أصوب فقد أخرجه مسلم من طريق مسروق عن ابن مسعود بلفظ: كان في نخل، وزاد في رواية "العلم"

(2)

: بالمدينة، ولابن مردويه من وجه آخر عن الأعمش: في حرث للأنصار، وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة، لكن روى الترمذي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه فأنزل الله تعالى هذه الآية، ورجاله رجال مسلم، ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك، إن ساغ هذا وإلا فما في "الصحيح" أصح.

قوله: (فسألوه عن الروح) في رواية التوحيد: فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ قال ابن التِّين: اختلف الناس في المراد بالروح المسؤول عنه في هذا الخبر على أقوال:

الأول: روح الإنسان، الثاني: روح الحيوان، الثالث: جبريل، الرابع: عيسى، الخامس: القرآن، السادس: الوحي، السابع: ملك يقوم وحده صفًا يوم القيامة، الثامن: ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه، وقيل: ملك له سبعون ألف لسان، وقيل: له سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان ألف لغة، يسبح الله تعالى، يخلق الله تعالى بكل تسبيحة ملكًا يطير مع الملائكة، وقيل: ملك رجلاه في الأرض

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 419).

(2)

ورد في كتاب "العلم" لفظ "المدينة"، وفي كتاب "الاعتصام":"بالمدينة".

ص: 182

السفلى ورأسه عند قائمة العرش، التاسع: خلق كخلق بني آدم يقال لهم الروح يأكلون ويشربون، لا ينزل ملك من السماء إلا نزل معه، وقيل: بل هم صنف من الملائكة يأكلون ويشربون، انتهى كلامه ملخصًا بزيادات من كلام غيره.

وهذا إنما اجتمع من كلام أهل التَّفسير في معنى لفظ الروح الوارد في القرآن لا خصوص هذه الآية، فمن الذي في القرآن:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193]{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]{يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ} [غافر: 15]{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38]{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4]: فالأول جبريل، والثاني القرآن، والثالث الوحي، والرابع القوة، والخامس والسادس محتمل لجبريل ولغيره، ووقع إطلاق روح الله على عيسى.

وقال القرطبي: الراجح أنهم سألوه عن روح الإنسان؛ لأن اليهود لا تعترف بأن عيسى روح الله، ولا تجهلون أن جبريل ملك وأن الملائكة أرواح، وقال الإمام فخر الدين الرازي: المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة، وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه، إلى آخر ما بسط الحافظ الكلام في تعريف الروح إلى أن قال: حتى قيل: إن الأقوال فيها بلغت مائة، انتهى

(1)

.

وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في "باب {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا} "[الإسراء: 85] وتقدم شيء من الكلام عليه هناك، وقد تكلم العلماء على مسألة الروح بتصانيف مستقلة، فيها رسالتان أحدهما للحافظ ابن القيم باسم "كتاب الروح" وهو مطبوع قديمًا، والرسالة الثانية للإمام الرازي وقد طبع قريبًا باسم "كتاب النفس والروح".

(1)

"فتح الباري"(8/ 402، 403).

ص: 183

(14 -‌

‌ باب قوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء:

110])

سقط "باب" لغير أبي ذر.

قوله: (مختف بمكة) يعني: في أول الإسلام، وفي رواية الطبري من وجه آخر عن ابن عباس: فكان إذا صلى بأصحابه وأسمع المشركين فآذوه، وفسرت رواية الباب الأذى بقوله: سبوا القرآن، وللطبري من وجه آخر عن سعيد بن جبير: فقالوا له: لا تجهر فتؤذي آلهتنا فنهجو إلهك، ومن طريق أخرى عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرق عنه أصحابه، وإذا خفض صوته لم يسمعه من يريد أن يسمع قرآنه فنزلت، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وقال الحافظ

(2)

أيضًا تحت قوله: في الحديث الآتي: "أنزل ذلك في الدعاء": هكذا أطلقت عائشة وهو أعم من أن يكون ذلك داخل الصلاة أو خارجها، وقد أخرجه الطبري وغيره من طريق آخر فزاد في الحديث: في التشهد، وقد جاء عن ابن عباس نحو تأويل عائشة، أخرجه الطبري، ورجح النووي وغيره قول ابن عباس كما رجحه الطبري، لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة، وجاء عن أهل التَّفسير في ذلك أقوال أخر ذكرها الحافظ، وفي آخر: وقيل: الآية في الدعاء وهي منسوخة، بقوله:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، انتهى ملخصًا.

(18)

‌ سورة الكهف

بسم الله الرحمن الرحيم

ثبتت البسملة للأكثرين إلا لأبي ذر فإنها لم تثبت، ذكر ابن مردويه أن ابن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم قالا: إنها مكية، وعن

(1)

"فتح الباري"(8/ 405).

(2)

"فتح الباري"(8/ 405، 406).

ص: 184

القرطبي عن ابن عباس: مكية إلا قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} الآية [الكهف: 28]، فإنها مدنية، وفي "مقامات التنزيل" فيها ثلاث آيات مدنيات: قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} ، وقوله:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 83]، انتهى من "العيني"

(1)

.

قال الحافظ

(2)

: كلها مكية، عليه الجمهور، وشذّ من قال خلاف ذلك، انتهى.

قوله: ({وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف: 34] ذهب وفضة) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: لأن الحجرين حاصل الثمار، انتهى.

وفي هامشه: وهو مؤدى كلام الراغب إذ قال: الثمر هو الثمار، وقيل: هو جمعه، ويكنى به عن المال المستفاد، وعلى ذلك حمل ابن عباس {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} قال: ثمر الله ماله، انتهى.

وقال أيضًا: الثمر اسم لكل ما يتطعم من أعمال الشجر، الواحدة ثمرة والجمع ثمار وثمرات، ثم بسط الآيات الدالة على هذا المعنى.

وحكى الحافظ في "الفتح" عن مجاهد قال: ما كان في القرآن ثمر بالضم فهو المال وما كان بالفتح فهو النبات، انتهى.

والحاصل: أنه قال عز اسمه في سورة الكهف، {. . . وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَر} [الكهف: 33، 34] قال صاحب "تفسير الجلالين": بفتح الثاء والميم، وبضمهما، وبضم الأول وسكون الثاني، وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر، وخشبة وخشب، وبدنة وبدن، انتهى.

وفي "الجمل": القراءات الثلاثة سبعية، وقوله: وهو جمع ثمرة، أي: على كل واحد من الأوجه الثلاثة، فالمفرد لا يختلف حاله، انتهى.

وحاصل كلام الشرَّاح الاختلاف في المعنيين، قال الكرماني: قوله:

(1)

"عمدة القاري"(13/ 126).

(2)

"فتح الباري"(3/ 22).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 121، 122).

ص: 185

{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} أي: ذهب وفضة، وقيل: هو جمع الثمر، أي: الذي للشجر، انتهى.

قوله: (بعثناهم: أحييناهم) يعني: بذلك: أن البعث ها هنا ليس هو البعث بعد الموت، بل المراد إحياؤهم من منامهم الذي كانوا فيه، انتهى من "اللامع".

وقال الحافظ

(1)

: هو قول أبي عبيدة، وروى عبد الرزاق من طريق عكرمة قال: كان أصحاب الكهف أولاد ملوك اعتزلوا قومهم في الكهف، فاختلفوا في بعث الروح والجسد، فقال قائل: يبعثان، وقال قائل: تبعث الروح فقط، وأما الجسد فتأكله الأرض فأماتهم الله ثم أحياهم، فذكر القصة.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:

54])

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث علي مختصرًا، ولم يذكر مقصود الباب على عادته في التعمية، وقد تقدم شرحه مستوفى في صلاة الليل، وفيه ذكر الآية المذكورة، وقوله في آخره:"ألا تصليان؟ " زاد في نسخة الصغاني: "وذكر الحديث والآية إلى قوله: {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} "، انتهى.

وهكذا قال القسطلاني

(3)

: حيث قال: كذا ساقه مختصرًا، ولم يذكر المقصود منه جريًا على عادته في التعمية وتشحيذ الأذهان، فأشار بطرفه إلى بقيته، وهو قول علي: فقلت: يا رسول الله! أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إليّ شيئًا، ثم سمعته وهو مولٍّ يضرب فخذه وهو يقول:{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} . وهذا يدل

(1)

"فتح الباري"(8/ 407).

(2)

"فتح الباري"(8/ 408).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 427).

ص: 186

على أن المراد بالإنسان الجنس، ففيه ردّ على من قال: المراد بالإنسان ها هنا الكافر لكن في الآية مع قوله: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ} [الكهف: 56] إشعار بالتخصيص لأن ذلك صفة ذم ولا يستحقه إلا من هو له أهل وهم الكفار، وهذا الحديث قد مر في التهجد من أواخر كتاب الصلاة، انتهى.

قوله: (سرادقها مثل السرادق) كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: يعني بذلك: أن إطلاق السرادق ها هنا مجاز عن السور والجدار لجامع الإحاطة؛ لأن السرادق إذا حمل على حقيقته لم يمنع عن أن ينفذ الحر منه، وأيضًا فإن الروايات مصرّحة بأن عرض أسوار الجحيم وسائر طبقاتها أكثر أن يعبر عنها بالسرادق، انتهى.

وقال الحافظ

(2)

: وهو قول أبي عبيدة لكنه تصرف فيه، قال أبو عبيدة في قوله:{أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29]: كسرادق الفسطاط وهي الحجرة التي تطوف بالفسطاط، قال الشاعر:

سرادق المجد عليك ممدود

وروى الطبري من طريق ابن عباس بإسناد منقطع قال: سرادقها حائط من نار، انتهى.

وقال الراغب: بيت مسردق مجعول على هيئة السرادق، انتهى من هامش "اللامع".

قوله: (قِبلًا وقُبلًا وقَبلًا استئنافًا) قال الحافظ

(3)

: قال أبو عبيدة في قوله: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف: 55] أي: أوّلًا، فإن فتحوا أولها فالمعنى استئنافًا، وغفل ابن التِّين، فقال: لا أعرف للاستئناف ها هنا معنى وإنما هو استقبالًا وهو يعود على "قبلًا" بفتح القاف، انتهى. والمؤتنف

(1)

"لامع الدراري"(9/ 122).

(2)

"فتح الباري"(8/ 408).

(3)

"فتح الباري"(8/ 408).

ص: 187

قريب من المقبل فلا معنى لادعاء: تغييره

(1)

، انتهى.

قلت: وقد تقدم الكلام عليه مبسوطًا في سورة الأنعام تحت قول البخاري: "قبلًا جمع قبيل، أي: ضروب للعذاب".

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ} الآية [الكهف:

60])

قال العيني

(2)

: موسى هو ابن عمران، {لِفَتَاهُ} أي: لصاحبه يوشع بن نون، قيل: كان معه في سفره، وقيل: فتاه عبده ومملوكه، قوله:({لَا أَبْرَحُ}) أي: لا أزال أسير {حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} بحر فارس والروم مما يلي المشرق، وعن محمد بن كعب: بطنجه، وعن أُبي بن كعب: بإِفريقية، وقيل: هما بحر الأردن وقلزم، وعن ابن المبارك: قال بعضهم: بحر أرمينية، وعن السدي: هما الكر والرش حيث يصبان في البحر، ({أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}) أي: زمانًا طويلًا، وعن قتادة: الحقب الزمان، وعن ابن عباس: الحقب الدهر، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ثمانون سنة، وعن مجاهد: سبعون سنة، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: اختلف في مكان مجمع البحرين ثم ذكر عدة أقوال نحو ما تقدم عن العيني، ثم قال: وهذا اختلاف شديد، وأغرب من ذلك ما نقله القرطبي عن ابن عباس قال: المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخضر لأنهما بحرا علم، وهذا غير ثابت ولا يقتضيه اللفظ، وإنما يحسن أن يذكر في مناسبة اجتماعهما بهذا المكان المخصوص كما قال السهيلي: اجتمع البحران بمجمع البحرين، ثم ذكر المصنف قصة موسى والخضر، انتهى مختصرًا.

(1)

كذا في الأصل، وفي "الفتح":"لادعاء تفسيره".

(2)

"عمدة القاري"(13/ 132).

(3)

"فتح الباري"(8/ 410).

ص: 188

(3 -‌

‌ باب قوله: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف:

61])

ووقع في رواية الأصيلي: " {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} " والأول هو الموافق للتلاوة.

قوله: ({سَرَبًا} مذهبًا. . .) إلخ، قال أبو عبيدة في قوله تعالى:{فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} [الكهف: 61] أي: مسلكًا ومذهبًا يسرب فيه، وفي آية أخرى:{وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: 10] أي: سالك في سربه، أي: مذهبه، ومنه: أصبح فلان آمنًا في سربه، ومنه: انسرب فلان إذا مضى، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (قال: ذكر الناس يومًا) كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قائل "قال" هو النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي، ثم المراد بقول موسى في جواب السائل:"هل في الأرض أحد أعلم؟ لا" هو نفي وجود الأعلم في ظنه لا بحسب نفس الأمر، فلا يكون ذلك مخالفًا لما ورد في سائر الروايات أنه سأله: هل تعلم أحدًا أعلم؟ فإن السؤال والجواب كليهما بحسب اعتقاد المجيب وعلمه سواء صرَّح بعلمه أو لا، فلا فرق بين قوله: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ وبين قوله: هل أحدًا أعلم علم منك؟ وكذلك بين جوابيهما، انتهى.

وفي هامشه: تقدم الكلام على ذلك مبسوطًا في كتاب العلم في "باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ " وفي كتاب الأنبياء في "باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام"، وميل الشيخ قُدِّس سرُّه في تلك المواضع الثلاثة، إلى نفي الوجود برأسه لا نفي وجود العلم كما يظهر من التأمل في كلامه، وما أفاده الشيخ من الاحتمالين في مرجع ضمير "قال" محتملان، والظاهر من سياق الروايات هو الأول، وفيه احتمال ثالث وهو أن يكون المرجع موسى عليه السلام، وقوله:"ذكر الناس" جملة حالية بحذف الواو ومقول

(1)

"فتح الباري"(8/ 412).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 123).

ص: 189

"قال" ما سيأتي من قوله: لا، ويؤيده ما تقدم من السياق في كتاب الشروط بلفظ:"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال موسى رسول الله" الحديث، انتهى.

قوله: (ثم ذبحه بالسكين) ولا يخالف هذا سائر الروايات الأخر التي صرَّح فيها بأنه اقتلعه؛ إذ يمكن أن يكون قطعه قليلًا ثم اقتلعه ليتفصم ما بقي منه متعلقًا بجسده، انتهى.

وفي هامشه: وبذلك جمع عامة الشرَّاح بين تلك الروايات المختلفة فقد قال العيني

(1)

: فإن قلت: قال أولًا: فقتله ثم قال: فذبحه، وفي رواية سفيان: فاقتلعه بيده" قلت: لا منافاة بينهما لأنه لعله قطع بعضه بالسكين، ثم قلع الباقي، والقتل يشملهما، انتهى.

قوله: (لو شئت لاتخذت) كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: ولا يتوهم أن موسى كيف قصد أخذ الأجر على هذا الفعل القليل وهو إشارة باليد وأنه لو أخذ منهم شيئًا عليه لما أغناهم فكانوا ثلاثة لقلته؛ لأنا نقول: إنه عليه الصلاة والسلام قصد بذلك أنك لو شئت لكلمت بهم في إجارة إقامة الجدار وتسويتها، ولا شك أنهم إذا استأجروه لإقامته لجعلوا له على عمله هذا قدرًا معلومًا من الأجر معتدًا به، فإذا استقر الأمر أقام بالإشارة فحسب ليكون ذلك سببًا لغدائهم وطعامهم، لا يقال إن موسى لم يصبر على الجوع وتبادر إلى الأسباب واستغنى عنه الخضر وكان موسى أفضل منه من غير شك؛ لأنا نقول التوكل هو ترك الاعتماد لا ترك الأسباب، فإن موسى وإن نظر إلى الأسباب إلا أنه لم يعتمد عليه، فكان توكل موسى أكثر من توكل الخضر لتركه الأسباب أصلًا، وكان توكل موسى مع مباشرة الأسباب، وهذا أعلى مراتبه، وأيضًا فإن الخضر لكشفه كان ينظر إلى مطعمه وموضع غدائه أين هو؟ فلم يفزع إليه، وكان موسى نبي الله لا ينظر إليه فكان أمره

(1)

"عمدة القاري"(13/ 139).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 125 - 128).

ص: 190

خفيًّا عليه فأمره بمباشرة الأسباب لتحصيله اعتمادًا على الله تعالى في ذلك كله، انتهى.

وبسط في هامشه الكلام على معنى التوكل وعلى مراتبه، وفيه أيضًا: كتب شيخ مشايخنا الشاه ولي الله الدهلوي في رسالته "الدر الثمين" التي ذكر فيها المنامات النبوية صلى الله عليه وسلم فقال: سألته صلى الله عليه وسلم عن التسبب وتركه أيهما أحسن لي؟ ففاض منه على روحي فيض برد بسببه قلبي عن الأسباب والأولاد، ثم انكشف الأمر بعد ساعة فرأيت الطبيعة تركن إلى الأسباب، ورأيت الروح تركن إلى التفويض، انتهى.

وبه جزم الشيخ الكَنكَوهي قُدِّس سرُّه في "الكوكب الدري"

(1)

فقال تحت حديث: "اعقلها وتوكل": فأعلى مراتب التوكل أن يباشر الأسباب ولا يعتمد عليها، ثم أن لا يباشر الأسباب، ثم لا شيء بعد ذلك وهو أن يباشر الأسباب ويتوكل عليها، انتهى.

(4 -‌

‌ باب قوله: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا} الآية [الكهف:

62])

ذكر فيه الحديث المذكور في الباب السابق من طريق آخر، قال العيني

(2)

: وهو طريق آخر في الحديث المذكور قبله، وهو عن قتيبة عن سفيان إلى آخره، وفيه بعض اختلاف في المتن ببعض زيادة وبعض نقصان، وقال أيضًا

(3)

: وهذا الحديث أخرجه البخاري في أكثر من عشر مواضع، انتهى.

قلت: وأول ما جاء ذكره في كتاب العلم، وقال الحافظ

(4)

: ساق المصنف فيه قصة موسى عن قتيبة عن سفيان، وقد نبَّهت على ما فيه

(1)

"الكوكب الدري"(3/ 304).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 143).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 134).

(4)

"فتح الباري"(8/ 424).

ص: 191

من فائدة زائدة في الذي قبله، وقوله:"عن عمرو بن دينار" تقدم قبل بباب من رواية الحميدي عن سفيان: حدثنا عمرو بن دينار، وروى الترمذي من طريق علي ابن المديني قال: حججت حجة وليس لي همة إلا أن أسمع من سفيان الخبر في هذا الحديث حتى سمعته، يقول: حدثنا عمرو، وكان قبل ذلك يقوله بالعنعنة، انتهى.

قوله: ({رُحْمًا} [الكهف: 81] من الرحم. . .) إلخ، هو من كلام أبي عبيدة ووقع عنده مفرقًا وقد تقدم في الحديث الذي قبله، وحاصل كلامه: أن رحمًا من الرحم التي هي القرابة، وهي أبلغ من الرحمة التي هي رقة القلب: لأنها تستلزمها غالبًا من غير عكس، وقوله:"ويظن" مبني للمجهول، وقوله:"مشتق من الرحمة" أي: التي اشتق منها الرحيم، وقوله:"أم رحم" بضم الراء والسكون وذلك لتنزل الرحمة بها، ففيه تقوية لما اختاره من أن الرحم من القرابة لا من الرقة، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: " {رُحْمًا} من الرحم. . ." إلخ، توجيهان نبَّه على أولهما بقوله:"من الرحم. . ." إلخ، وعلى الثاني بقوله:"يظن. . ." إلخ، وحاصل الأول أن الرحم مشتق من الرحم ككتف وهي أبلغ من الرحمة، والثاني أن الرحيم مشتق من الرحمة والرُحم من الرحيم، فلما كان بناء الرحيم دالًّا على نوع مبالغة والرُحم دال على المبالغة أيضًا ناسب اشتقاق الرحم من الرحيم لا من الرحمة لخلو الرحمة عن الدلالة على المبالغة وتضمن الرحم ذلك، ولا يضر لزوم الاشتقاق من المشتق؛ لأن الاشتقاق أن تجد بين اللفظين تناسبًا في الحروف الأصلية إلى آخر ما قالوا، انتهى.

وبسط في هامشه في تأييد كلام الشيخ قُدِّس سرُّه وتوضيحه.

(1)

"فتح الباري"(8/ 424).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 129، 130).

ص: 192

(5 -‌

‌ باب قوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف:

103])

قال الحافظ

(1)

: قوله: (هم الحرورية) بفتح المهملة وضم الراء نسبة إلى حروراء وهي القرية التي كان ابتداء خروج الخوارج على علي رضي الله عنه منها، ولابن مردويه من طريق حصين بن مصعب: لما خرجت الحرورية قلت لأبي: أهؤلاء الذين أنزل الله فيهم؟ وله من طريق قاسم بن أبي بَزَّة عن أبي الطفيل عن علي في هذه الآية قال: أظن أن بعضهم الحرورية، وللحاكم من وجه آخر عن أبي الطفيل قال: قال علي: منهم أصحاب النهروان وذلك قبل أن يخرجوا، وأصله عند عبد الرزاق بلفظ: قام ابن الكواء إلى علي فقال: ما الأخسرين أعمالًا؟ قال: ويلك منهم أهل حروراء، ولعل هذا هو السبب في سؤال مصعب أباه عن ذلك، وليس الذي قاله علي رضي الله عنه ببعيد؛ لأن اللفظ يتناوله وإن كان السبب مخصوصًا، انتهى.

قوله: (وكان سعد يسميهم الفاسقين) والصواب الخاسرين، ووقع على الصواب كذلك عند الحاكم، ووجه خسرانهم أنهم تعبدوا على غير أصل فابتدعوا فخسروا الأعمار والأعمال، وعن علي: أنهم كفره أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم وابتدعوا في دينهم، وقيل: هم الصابئون، وقيل: المنافقون بأعمالهم المخالفون باعتقادهم، وهذه الأقوال كلها تقتضي التخصيص بغير مخصص، والذي يقتضيه التحقيق أنها عامة، فأما قول علي: أنهم الحرورية، فمعناه أن الآية تشملهم كما تشمل أهل الكتابين وغيرهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص لأنها مكية قبل خطاب أهل الكتاب ووجود الحرورية، وإنما هي عامة في كل من دان بدين غير الإسلام، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 425).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 454).

ص: 193

(6 -‌

‌ باب: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} الآية [الكهف:

105])

تقدم من حديث سعد بن أبي وقاص في الذي قبله بيان أنها نزلت في الأخسرين أعمالًا، وقوله - في الحديث -:"وقال: اقرؤوا. . ." إلخ، القائل يحتمل أن يكون الصحابي أو هو مرفوع من بقية الحديث، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(19)

[سورة] كهيعص

بسم الله الرحمن الرحيم

وهكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح" بتقديم البسملة وبزيادة لفظ "سورة".

قال الحافظ

(2)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر وهي له بعد الترجمة، وروى الحاكم بسنده عن ابن عباس قال: الكاف من كريم، والهاء من هادي، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، ومن وجه آخر عن سعيد نحوه لكن قال: يمين بدل حكيم، وعزيز بدل عليم، وللطبري من وجه آخر عن سعيد نحوه لكن قال: الكاف من كبير، وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال:{كهيعص} قسم أقسم الله به وهو من أسمائه، ومن طريق فاطمة بنت علي قالت: كان علي يقول: يا كهيعص اغفر لي، وقال عبد الرزاق عن قتادة: هي اسم من أسماء القرآن، انتهى.

وزاد القسطلاني

(3)

: سأل رجل محمد بن علي المرتضى عن تفسيرها فقال: لو أخبرتك بتفسيرها لمشيت على الماء لا يواري قدميك، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 426).

(2)

"فتح الباري"(8/ 427).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 457).

ص: 194

زاد العلامة العيني

(1)

: وقيل: اسم الله الأعظم، وقيل: اسم السورة، وعن الكلبي: هو ثناء أثنى الله به على نفسه، وقال أيضًا

(2)

: قال الثعلبي: مكية كلها، وقال مقاتل: مكية كلها إلا سجدتها فإنها مدنية، وعن القرطبي عنه: نزلت بعد المهاجرة إلى أرض الحبشة، انتهى.

قوله: (وقال ابن عباس: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] الله يقوله: وهم اليوم. . .) إلخ، قال الحافظ

(3)

: وصله ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وعند عبد الرزاق عن قتادة:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} يعني: يوم القيامة، زاد الطبري من وجه آخر عن قتادة: سمعوا حين لا ينفعهم السمع وأبصروا حين لا ينفعهم البصر، انتهى.

قلت: وحاصله: أن قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} إنما هو باعتبار الآخرة لا الدنيا ثم أوضحه بقوله: "وهم اليوم لا يسمعون. . ." إلخ.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

: قوله: "الله يقوله" أي: في الآخرة "وهم اليوم" في الدنيا "لا يسمعون ولا يبصرون"، ثم فسره بقوله:"في ضلال مبين" ثم أراد تفسير قوله: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} فقال: "الكفار يومئذ" أي: يوم القيامة، وقوله:"عتيًّا بكيًّا جماعة باك" أي: وعاتٍ لكنه تركه لأنه علم بالمقايسة على البكي، انتهى.

وفي هامشه: اعلم أولًا أن الإمام البخاري أشار بهذين اللفظين "عتيًا وبكيًا" إلى الآيتين من هذه السورة، فأشار بقوله:"عتيًا"، إلى قوله عز وجل:{أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69]، وبقوله:"بكيًّا" إلى قوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]، وثانيًا أن قوله:"عتيًا" لا يوجد إلا في النسخ "الهندية" ولا ذكر له في الشروح الأربعة، وثالثًا ما أفاد الشيخ من قوله: أنه جمع عات هو أحد القولين في تفسيره، قال الراغب: قيل: العتي ها هنا مصدر وقيل: هو جمع عات، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 145).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 145).

(3)

"فتح الباري"(8/ 427).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 131، 132).

ص: 195

لكن المعروف في تفسيره هو الأول إلى آخر ما في هامش "اللامع"

(1)

.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم:

39])

ذكر فيه حديث أبي سعيد في ذبح الموت وسيأتي في الرقاق مشروحًا.

وقوله: فيه (فيشرئبون) بمعجمة وراء مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم موحدة ثقيلة مضمومة، أي: يمدون أعناقهم ينظرون، وقوله:"أملح" قال القرطبي: الحكمة في ذلك أن يجمع بين صفتي أهل الجنة والنار: السواد والبياض، قوله:"ثم قرأ {وَأَنْذِرْهُمْ} الآية" في رواية سعيد بن منصور في آخر الحديث: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستفاد منه انتفاء الإدراج، وكذا في رواية الترمذي، انتهى ملخصًا من "الفتح"

(2)

.

وقال القسطلاني

(3)

في شرح الحديث: قوله: "فيذبح" وفي باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق: "جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح" وعند ابن ماجه: "فيذبح على الصراط" وعند الترمذي في باب خلود أهل الجنة: "فيضجع فيذبح ذبحًا على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار" وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث السور الطويل: أن الذابح له جبريل عليه السلام، كما نقله عنه الحافظ ابن حجر، وذكر صاحب "خلع النعلين" فيما نقله في "التذكرة": أن الذابح له يحيى بن زكريا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقال قوم: المذبوح متولي الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم في الدنيا.

فإن قلت: ما الحكمة في مجيء الموت في صورة الكبش دون غيره؟ أجيب بأن ذلك إشارة إلى حصول الفداء لهم به كما فدى ولد الخليل عليهما السلام

(1)

"لامع الدراري"(9/ 131، 132).

(2)

"فتح الباري"(8/ 428).

(3)

إرشاد الساري" (10/ 460).

ص: 196

للكبش، وفي "الأملح" إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار، انتهى.

وقال العيني

(1)

: فإن قلت: الموت عرض ينافي الحياة أو هو عدم الحياة فكيف يذبح؟ قلت: يجعله الله مجسمًا حيوانًا مثل الكبش، أو المقصود منه التمثيل، وعن ابن عباس: أن الموت والحياة جسمان فالموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء وهي التي كان جبرئيل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يركبونها، خطوها مد البصر، فوق الحمار دون البغل، لا يمر بشيء ولا يجد ريحها إلا حيي، وهو الذي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم:

64])

قال الحافظ

(2)

: قوله: "ما يمنعك أن تزورنا" روى الطبري وابن مردويه عن ابن عباس قال: احتبس جبرئيل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال: أبطأ جبريل في النزول أربعين يومًا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل ما نزلت حتى اشتقت إليك قال: أنا كنت أشوق إليك ولكني مأمور، وأوحى الله إلى جبريل: قل له: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} " وروى ابن مردويه في سبب ذلك عن أنس قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع أحبّ إلى الله وأيها أبغض إلى الله؟ قال: ما أدري حتى أسأل فنزل جبريل وكان قد أبطأ عليه" الحديث، وعند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس: أن قريشًا لما سألوا عن أصحاب الكهف فمكث النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيًا، فلما نزل جبريل قال له:"أبطأت" فذكره، وحكى ابن التِّين للداودي في هذا الموضع كلامًا في استشكال نزول الوحي في القضايا الحادثة مع أن القرآن قديم، وجوابه واضح فلم أتشاغل به هنا لكن ألممت به في كتاب التوحيد، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 148).

(2)

"فتح الباري"(8/ 429).

ص: 197

(3 -‌

‌ باب قوله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم:

77]

قراءة الأكثر بفتحتين، والكوفيين سوى عاصم بضم ثم سكون، قال الطبري: لعلهم أرادوا التفرقة بين الواحد والجمع لكن قراءة الفتح أشمل وهي أعجب إليّ.

قوله: (فقلت لا حتى تموت. . .) إلخ، مفهومه أنه يكفر حينئذ لكنه لم يرد ذلك لأن الكفر حينئذ لا يتصور فإنه قال: لا أكفر أبدًا، والنكتة في تعبيره بالبعث تعيير العاص بأنه لا يؤمن به، وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل قوله هذا فقال: علّق الكفر ومن علّق الكفر كفر، وأجاب بأنه خاطب العاص بما يعتقده فعلّق على ما يستحيل بزعمه، والتقرير الأول يغني عن هذا الجواب، قاله الحافظ

(1)

.

(4 -‌

‌ باب قوله: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 78]) قال: موثقًا)

قال ابن عباس: أنظر في اللوح المحفوظ؟ يعني العاص بن وائل، وقال مجاهد: أعلم علم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟ قوله: {أَطَّلَعَ} من اطلع الجبل إذا ارتقى على أعلاه.

قوله: ({عَهْدًا}) أي: أم قال: لا إله إلا الله؟ وعن قتادة: عمل صالحًا قدمه؟ وعن الكلبي: عهد إليه أنه يدخله الجنة؟ وفسر البخاري {عَهْدًا} بقوله: "موثقًا" وكذا أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه، وليس في رواية أبي ذر قوله:"موثقًا" وأصله من الوثاق وهو حبل يشد به الأسير والدابة، وقال الجوهري: الموثق الميثاق، انتهى من "العيني"

(2)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 429، 430).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 151).

ص: 198

وقال أيضًا

(1)

: بعد ذكر حديث الباب: هذا طريق آخر في الحديث المذكور وقد أخرج هذا الحديث من أربع طرق وترجم لكل حديث آية من الآيات الأربعة المذكورة إشارة إلى أن هذه الآيات كلها في قصة العاص بن وائل، وذكر في كل ترجمة ما يطابقها من الحديث، انتهى.

قلت: وتقدم نظير هذا الإيراد والجواب في تفسير سورة البقرة في تراجم متعلقة بتحويل القبلة.

(5 -‌

‌ باب قوله: {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [مريم:

79])

ساق في الحديث المذكور من رواية شعبة عن الأعمش.

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم:

80])

قال الحافظ

(2)

: ساق فيه الحديث المذكور من رواية وكيع وسياقه أتم كسياق أبي معاوية، ويؤخذ من هذا السياق الجوابُ عن إيراد المصنف الآياتِ المذكورةَ في هذه الأبواب مع أن القصة واحدة، وكأنه أشار إلى أنها كلها نزلت في هذه القصة بدليل هذه الرواية وما وافقها، انتهى.

قلت: وتقدم هذا المعنى واضحًا من كلام العيني في الباب السابق.

(20)

‌ طه

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخة "الفتح": "سورة طه"، وأما في نسخة "العيني" ففيها:"باب سورة طه" وفي نسخة "القسطلاني" كما في "الهندية"، والبسملة مؤخرة في جميع النسخ الموجودة وسقطت لغير أبي ذر كما قالوا.

قال العلامة العيني

(3)

: قال مقاتل: هذه السورة مكية كلها، وكذا ذكره

(1)

"عمدة القاري"(13/ 151).

(2)

"فتح الباري"(8/ 431).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 152).

ص: 199

ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم فيما ذكره ابن مردويه، وفي "مقامات التنزيل": مكية كلها لم يعرف فيها اختلاف إلا ما ذكر عن الكلبي أنه قال: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130] نزلت بالمدينة وهي في أوقات الصلاة، انتهى.

قوله: (قال ابن جبير: بالنبطية طه: يا رجل. . .) إلخ، كذا في النسخة "الهندية"، وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني":"قال ابن جبير والضحاك. . ." إلخ، وفي نسخة "الفتح" بدله:"قال عكرمة والضحاك. . ." إلخ.

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر والنسفي، ولغيرهما:"قال ابن جبير" - أي: سعيد -، وأما قول الضحاك فوصله الطبري في قوله: طه، قال: يا رجل بالنبطية، وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر قال: قال رجل من بني مازن: ما يخفى عليّ من القرآن شيء، فقال له الضحاك: ما طه؟ قال: اسم من أسماء الله تعالى، قال: إنما هو بالنبطية: يا رجل، وأما قول سعيد بن جبير فرويناه في "الجعديات" للبغوي.

وفي "القسطلاني"

(2)

: "بالنبطية طه" معناه "يا رجل" ولأبي ذر: "أي: طه يا رجل" بسكون الهاء والمراد النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن الأنباري: ولغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا؛ لأن الله تعالى لم يخاطب نبيَّه صلى الله عليه وسلم بلسان غير قريش، وعن الخليل: من قرأ طه موقوفًا فهو يا رجل، ومن قرأ طه بحرفين من الهجاء فقيل: معناه اطمئن، وقيل: طأ الأرض، والهاء كناية عنها، وقال ابن عطية الضمير في طه للأرض وخففت الهمزة فصارت ألفًا ساكنة، وقرأ الحسن طَهْ بسكون الهاء من غير ألف بعد الطاء على أن الأصل طاء بالهمز أمر من وطئ يطأ، ثم أبدلت الهمزة هاء كإبدالهم في هرقت ونحوه، أو على إبدال الهمزة ألفًا كأنه أخذه من وطِئَ يطأ بالبدل ثم حذف الألف

(1)

"فتح الباري"(8/ 432).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 466).

ص: 200

حملًا للأمر على المجزوم وتناسبًا لأصل الهمزة، ثم ألحق هاء السكت وأجري الوصل مجرى الوقف، وفي حديث أنس عند عبد بن حميد: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى فأنزل الله: {طه} أي: طأ الأرض، انتهى.

قوله: ({أَلْقَى} [طه: 87] صنع) كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: إنما عبَّر عنه بالإلقاء لأن الصائغ يلقي الذهب والفضة بعد إذابته في المصيغة، وقوله:" {عِوَجًا} [طه: 107]: واديًا" فسره به؛ لأن الوادي وهو مسيل الماء لا يخلو عن العوج، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:

41])

وقع في رواية أبي أحمد الجرجاني: "واصطفيتك" وهو تصحيف ولعلها ذكرت على سبيل التفسير، وذكر في الباب حديث أبي هريرة في محاجة موسى وآدم عليهما السلام وسيأتي شرحه في كتاب القدر، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: (واليم البحر) قال العيني

(3)

: إنما أورد هذا في آخر الحديث إشارة إلى تفسير ما وقع في كتاب الله تعالى من قوله: {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ} [طه: 39] وفسّر بأن المراد من اليم هو البحر، وقال الثعلبي: اليم نهر النيل، قيل: وموضع ذكر هذا في الباب الآتي وذكره هنا ليس بموجه، قلت: المراد باليم في الباب الآتي هو بحر القلزم، والذي ذكره هنا هو النيل أطلق عليه البحر لتبحره أيام الزيادة، والله أعلم، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} الآية [طه:

77])

هكذا في النسخة "الهندية" و"العيني" و"القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح":"باب قوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا}. . ." إلخ.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 133).

(2)

"فتح الباري"(8/ 434).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 160).

ص: 201

قال الحافظ

(1)

: وقع عند غير أبي ذر: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} وهو خلاف التلاوة، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:

117])

سقط "باب قوله" لغير أبي ذر، قاله القسطلاني

(2)

. ذكر فيه حديث أبي هريرة في محاجة موسى وآدم عليهما السلام وسيأتي في القدر إن شاء الله تعالى، من "الفتح"

(3)

.

قوله: ({فَتَشْقَى}) قال القسطلاني

(4)

: أسند إلى آدم الشقاء وحده دون حواء بعد اشتراكهما في الخروج، لأن في ضمن شقاء الرجل وهو قيم أهله شقاءهم فاختصر الكلام بإسناده إليه دونها، أو لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش الذي هو وظيفة الرجال، انتهى.

(21)

‌ سورة الأنبياء

هكذا في النسخ الهندية بغير بسملة، وفي نسخ الشروح بزيادة البسملة، قالوا

(5)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر.

قال العيني

(6)

: قال ابن مردويه: عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم: أنها نزلت بمكة، وكذا قال مقاتل، وفي "مقامات التنزيل": اختلفوا في آية منها وهي قوله: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء: 44]، وعن السخاوي: أنها نزلت بعد سورة إبراهيم وقبل سورة الفتح، انتهى.

قال الحافظ

(7)

: ذكر فيه حديث ابن مسعود قال: بني إسرائيل

(1)

"فتح الباري"(8/ 434).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 474).

(3)

"فتح الباري"(8/ 435).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 474).

(5)

"إرشاد الساري"(10/ 475).

(6)

"عمدة القاري"(13/ 162).

(7)

"فتح الباري"(8/ 435).

ص: 202

والكهف. . . إلخ، وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سبحان، وزاد في هذه الرواية ما لم يذكره في تلك، وحاصله: أنه ذكر خمس سور متوالية، ومقتضى ذلك أنهن نزلن بمكة، لكن اختلف في بعض آيات منهن، أما في سبحان فقوله:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} [الإسراء: 33]، وقوله:{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ} - إلى - {تَحْوِيلًا} [الإسراء: 76] وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ} الآية [الإسراء: 101]، وقوله:{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الآية [الإسراء: 80]، وفي الكهف قوله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية [الكهف: 28]، وقيل: من أولها إلى {أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7]، في مريم:{وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} الآية [مريم: 71]، وفي طه:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} الآية [طه: 130]، وفي الأنبياء:{أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا} الآية [الأنبياء: 44]، قيل في جميع ذلك: إنه مدني، ولا يثبت شيء من ذلك، والجمهور على أن الجميع مكيات، وشذّ من قال خلاف ذلك، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ} [الأنبياء:

104])

هكذا في النسخة الهندية، وليس في نسخ الشروح لفظة "باب".

وذكر المصنف فيه حديث ابن عباس: "إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة" الحديث، وتقدم في آخر سورة المائدة، وسيأتي أيضًا في "كتاب الرقاق"، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(22)

‌ سورة الحج

سقطت البسملة في النسخ الهندية، وبإثباتها في نسخ الشروح، قال العيني

(2)

: ذكر ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم أنهما قالا: نزلت سورة الحج بالمدينة، وقال مقاتل: بعضها مكي أيضًا، وعن قتادة: أنها

(1)

"فتح الباري"(8/ 438).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 167).

ص: 203

مكية، وعنه: مدنية غير أربع آيات، وعن عطاء: إلا ثلاث آيات منها قوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج: 19] وقال هبة بن سلامة: هي من أعاجيب سور القرآن لأن فيها مكيًا ومدنيًا وسفريًا وحضريًا وحربيًا وسلميًا وليليًا ونهاريًا وناسخًا ومنسوخًا، انتهى.

قوله: (ويقال: أمنيته قراءته. . .) إلخ، قال الحافظ

(1)

: هو قول الفراء قال: التمني التلاوة، قال: وقوله: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] قال: الأماني أن يفتعل الأحاديث وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم وليست من كتاب الله، قال الفراء: والتمني أيضًا حديث النفس، قال أبو جعفر النحاس في كتاب "معاني القرآن" له بعد أن ساق رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تأويل الآية: هذا من أحسن ما قيل في تأويل الآية وأعلاه وأجله، ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال: بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدًا ما كان كثيرًا، انتهى.

وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرًا على ما بيناه في أماكنه، وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح، انتهى.

وعلى تأويل ابن عباس هذا يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير، وقد أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عنه قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة {وَالنَّجْمِ} فلما بلغ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19، 20] ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا

(1)

"فتح الباري"(8/ 438).

ص: 204

بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا، فنزلت هذه الآية" إلى آخر ما بسط الحافظ الكلامَ في تحقيق هذه القصة إثباتًا ونفيًا، وعلى تقدير ثبوتها في ذكر توجيهاته أشد البسط، وقد تقدم شيء من الكلام عليه في أبواب سجود القرآن.

وقال الكرماني: وما قيل: إن ذلك بسبب إلقاء الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صحة له عقلًا ولا نقلًا، انتهى.

قال الحافظ

(1)

: بعد نقل الكلام الكرماني: هذا ومن تأمل ما أوردته من ذلك عرف وجه الصواب في هذه المسألة بحمد الله تعالى، انتهى.

قلت: ومال القسطلاني أيضًا تبعًا للحافظ إلى صحة القصة إذ قال

(2)

: والظاهر أن سبب سجودهم ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عن ابن جبير عن ابن عباس، ثم قال بعد ذكر هذه القصة، وقد روي من طرق ضعيفة ومنقطعة لكن كثرة الطرق تدل على أن لها أصلًا، مع أن لها طريقين مرسلين رجالهما على شرط الصحيح، وحينئذ فيتعين تأويل ما ذكر، وأحسن ما قيل: إن الشيطان قال ذلك محاكيًا نغمة النبي صلى الله عليه وسلم عند ما سكت صلى الله عليه وسلم بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله صلى الله عليه وسلم وأشاعها، ويؤيده تفسير ابن عباس {تَمَنَّى} [الحج: 52] بـ "تلا"، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج:

2])

سقط الباب والترجمة لغير أبي ذر وقدّم عندهم الطريق الموصول على التعاليق، وعكس ذلك في رواية أبي ذر، وسيأتي شرح الحديث الموصول في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى، انتهى من "الفتح"

(3)

.

قوله: (ومنكم واحد. . .) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

:

(1)

"فتح الباري"(8/ 614).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 481).

(3)

"فتح الباري"(8/ 441، 442).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 134).

ص: 205

خطاب لجماعة الصحابة والمقصود تسليتهم، فلا يلزم كون يأجوج ومأجوج أكثر من كل أمة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتوهم أنهم مع وسعتهم وكثرتهم بتلك المنزلة كيف وسعتهم أرضهم، انتهى.

وفي هامشه: ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه ظاهر في بادئ النظر فإنه كما أفاده يستلزم منه أن تكون أرضهم أضعاف مضاعف أراضي الدنيا ولكن الظاهر من روايات الحديث كونهم أضعاف مضاعف أمة النبي صلى الله عليه وسلم بل أكثر من جميع الأمم، ثم ذكر الروايات في كثرتهم في هامش "اللامع" فارجع إليه لو شئت.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج:

11])

شك سقط لفظ "شك" لغير أبي ذر، وأراد بذلك تفسير قوله:{حَرْفٍ} وهو تفسير مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه، وقال أبو عبيدة: كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(3 -‌

‌ باب قوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:

19])

قال العلامة العيني

(2)

: وليس في بعض النسخ لفظ "باب"، والخصمان تثنية خصم ويطلق على الواحد وغيره، ويقال: الخصم اسم شبيه بالمصدر فلذلك قال: {اخْتَصَمُوا} والخصم من تقع له المخاصمة، وحديث الباب قد مرّ في "باب قتل أبي جهل" من كتاب المغازي، انتهى.

وقال أيضًا: فإن قلت: روى الطبري من طرق العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب والمسلمين، ومن طريق الحسن قال: هم الكفار والمؤمنون، ومن طريق مجاهد: هو اختصام المؤمن والكافر في البعث،

(1)

"فتح الباري"(8/ 442).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 172، 173).

ص: 206

قلت: الآية إذا نزلت في سبب من الأسباب لا يمتنع أن تكون عامة في نظير ذلك السبب، والله أعلم، انتهى.

(23)

‌ سورة المؤمنين

ليست البسملة في النسخة الهندية وموجودة في نسخ الشروح، و"سورة المؤمنين" هكذا في نسخة "العيني" و"القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح":"سورة المؤمنون".

قال القسطلاني

(1)

: بالياء وفي نسخة "سورة المؤمنون" بالواو، وهي مكية، انتهى.

وهكذا في "العيني" إذ قال

(2)

: قال أبو العباس: مكية كلها، انتهى.

قوله: (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في تفسيره من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} [المؤمنون: 17] أي: (سبع سماوات) سميت طرائق لتطارقها وهو أن بعضها فوق بعض، يقال: طارق النعل إذا أطبق نعلًا على نعل، وطارق بين الثوبين إذا لبس ثوبًا على ثوب، قاله الخليل والزجاج والفراء، أو لأنها طرق الملائكة في العروج والهبوط، قاله علي بن عيسى، وقيل: لأنها طرق الكواكب في مسيرها، والوجه في إنعامه علينا بذلك أنه جعلها موضعًا لأرزاقنا بإنزال الماء منها وجعلها مقرًّا للملائكة، ولأنها موضع الثواب ومكان إرسال الأنبياء ونزول الوحي، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

(24)

‌ سورة النور

كذا بغير البسملة في النسخ الهندية، وفي نسخ الشروح الثلاثة ذكرت البسملة بعد السورة.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 490).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 173).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 490، 491).

ص: 207

قال العيني

(1)

: قال أبو العباس ومقاتل وابن الزبير وابن عباس في آخرين: سورة النور مدنية كلها لم يذكر فيها اختلاف.

قوله: ({مِنْ خِلَالِهِ. . .}) إلخ، أشار به إلى قوله تعالى:{فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [النور: 43] وفسره بقوله: "من بين أضعاف السحاب" وهكذا فسره أبو عبيدة، والخلال جمع خلل وهو الوسط ويقال: الخلل موضع المطر والودق المطير، انتهى من "العيني".

قوله: (وقال ابن عباس: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور: 1]، بيّنَّاها) قال عياض: كذا في النسخ، والصواب:" {أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} بيناها" وبيناها تفسير فرضناها ويدل عليه قوله بعد هذا: "ويقال في فرضناها: أنزلنا فيها فرائض مختلفة" فإنه يدل على أنه تقدم له تفسير آخر، انتهى.

وقد روى الطبري عن ابن عباس في قوله: {وَفَرَضْنَاهَا} يقول: بيناها، وهو يؤيد قول عياض، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية [النور:

6])

ذكر فيه حديث سهل بن سعد مطوّلًا وفي الباب الذي بعده مختصرًا، وسيأتي شرحه في كتاب اللعان، قاله الحافظ

(3)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:

7])

تقدمت الإشارة إليه في الباب السابق.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 176).

(2)

"فتح الباري"(8/ 447).

(3)

"فتح الباري"(8/ 449).

ص: 208

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} الآية [النور:

8])

قال القسطلاني

(1)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث ابن عباس في قصة المتلاعنين من رواية عكرمة عنه، وقد ذكره في اللعان من رواية قاسم بن محمد عنه، وبينهما في سياقه اختلاف سأبينه هناك، وأقتصر هنا عن بيان الراجح من الاختلاف في سبب نزول آيات اللعان دون أحكامه فأذكرها في بابها إن شاء الله تعالى، ثم قال في شرح الحديث: كذا في هذه الرواية أن آيات اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية، وفي حديث سعد الماضي أنها نزلت في عويمر، وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع، فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضًا، فنزلت في شأنهما معًا في وقت واحد، وقد جنح النووي إلى هذا وسبقه الخطيب فقال: لعلهما اتفق كونهما جاءا في وقت واحد، ويؤيد التعدد أن القائل في قصة هلال: سعد بن عبادة، كما أخرجه أبو داود والطبري (ثم ذكر الحافظ ألفاظ الرواية) والقائل في قصة عويمر: عاصم بن عدي، كما في حديث سهل بن سعد في الباب الذي قبله، ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول، وروى البزار من طريق زيد بن تبيع عن حذيفة قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لو رأيت مع أم رومان رجلًا ما كنت فاعلًا به؟ قال: كنت فاعلًا به شرًّا، قال: فأنت يا عمر؟ قال: كنت أقول: لعن الله الأبعد قال: فنزلت، ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم، ولهذا قال في قصة هلال: "فنزل جبريل" وفي

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 502).

(2)

"فتح الباري"(8/ 449، 450).

ص: 209

قصة عويمر: "قد أنزل الله فيك" فيؤول قوله: "قد أنزل الله فيك" أي: وفيمن كان مثلك، وبهذا أجاب ابن الصباغ في "الشامل" قال: نزلت الآية في هلال، وأما قوله لعويمر:"قد نزل فيك وفي صاحبتك" فمعناه ما نزل في قصة هلال، وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين، قال: وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرواة الحفاظ، وقد أنكر جماعة ذكر هلال فيمن لاعن قال القرطبي: أنكره أبو عبد الله بن أبي صفرة أخو المهلب وقال: هو خطأ والصحيح أنه عويمر، وسبقه إلى نحو ذلك الطبري.

وقال النووي في "مبهماته" اختلفوا في الملاعن على ثلاثة أقوال: عويمر العجلاني، وهلال بن أمية، وعاصم بن عدي، ثم نقل عن الواحدي أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر.

قال الحافظ: وكلام الجميع متعقب، إلى أن قال: وأما قول النووي تبعًا للواحدي وجنوحه إلى الترجيح فمرجوح لأن الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح، انتهى من "الفتح" مختصرًا وملخصًا.

(4 -‌

‌ باب: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:

9])

قال القسطلاني

(1)

: أي: فيما رماها به، وخصَّها بالغضب لأن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور وهي تعلم صدقه فيما رماها به، فلذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه، وسقط "باب قوله" لغير أبي ذر، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 505).

ص: 210

(5 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} [النور: 11]. . .) إلخ

وفي نسخة "الفتح": "باب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} ".

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قوله: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو أولى؛ لأنه اقتصر في الباب على تفسير الذي تولى كبره فقط، انتهى.

قلت: هذا على نسخة "الحافظ"، وأما على النسخة الهندية فليس كذلك بل ذكر فيها في هذا الباب حديث الإفك الطويل، وفي نسخة "الفتح"

(2)

على هذا الحديث ترجمة أخرى مستقلة وهي قوله:

(6 -‌

‌ باب {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ} [النور: 12] إلى قوله: {الْكَاذِبُونَ} {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا} الآية [النور:

16])

وكذا في نسخة "العيني" و"القسطلاني"، وفي النسخة "الهندية" ذكرت هذه الآية الثانية بغير لفظ "باب".

(فقام سعد بن معاذ الأنصاري. . .) إلخ، قال القسطلاني

(3)

: واستشكل ذكر سعد بن معاذ هنا؛ لأن حديث الإفك كان سنة ست في غزوة المريسيع وسعد مات من الرمية التي رُميها بالخندق سنة أربع، وأجيب بأنه اختلف في المريسيع، ففي البخاري عن موسى بن عقبة أنها سنة أربع وكذلك الخندق، وقد جزم ابن إسحاق بأن المريسيع كانت في شعبان والخندق في شوال وإن كانا في سنة، فلا يمتنع أن يشهدها ابن معاذ، لكن الصحيح في النقل عن

(1)

"فتح الباري"(8/ 451).

(2)

انظر: "فتح الباري"(8/ 455).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 518).

ص: 211

موسى بن عقبة أن المريسيع سنة خمس، فالذي في البخاري حملوه على أنه سبق قلم، والراجح أيضًا أن الخندق أيضًا سنة خمس فيصح الجواب، انتهى.

قلت: وهذا مأخوذ من كلام الحافظ في "الفتح" وقد بسط الحافظ الكلام على ذلك وعلى حديث الإفك بطوله مستوفى، وقال في ذكر ما يستفاد من الحديث

(1)

: وفيه تأخير الحد عمن يخشى من إيقاعه به الفتنة، نبَّه على ذلك ابن بطال مستندًا إلى أن عبد الله بن أُبي كان ممن قذف عائشة ولم يقع في الحديث أنه ممن حُدَّ، وتعقبه عياض بأن لم يثبت أنه قذف بل الذي ثبت أنه كان يستخرجه ويستوشيه، قلت: وقد ورد أنه قذف صريحًا ووقع ذلك في مرسل سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم وغيره، وفي مرسل مقاتل بن حيان عند الحاكم في "الإكليل" بلفظ: فرماها عبد الله بن أُبي، وفي حديث ابن عمر عند الطبراني بلفظ أشنع من ذلك، وورد أيضًا أنه ممن جلد الحد، وقع ذلك في رواية أبي أويس عن الحسن بن زيد وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهما مرسلًا، أخرجه الحاكم في "الإكليل" فإن ثبتا سقط السؤال، وإن لم يثبتا فالقول ما قال عياض فإنه لم يثبت خبر بأنه قذف صريحًا ثم لم يحد، وقد حكى الماوردي إنكار وقوع الحد بالذين قذفوا عائشة أصلًا، واعتل قائله بأن حد القذف لا يجب إلا بقيام بيِّنة أو إقرار أو بطلب المقذوف، قال: ولم ينقل ذلك. قال الحافظ: كذا قال وفيه نظر يأتي إيضاحه في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى، انتهى.

وسيأتي الكلام على أن ابن أُبي حُدّ أو لم يحدّ وكذا في مسطح وغير ذلك في "باب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} الآية [النور: 19] ".

(1)

"فتح الباري"(8/ 481).

ص: 212

(7 -‌

‌ باب قوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 14]. . .) إلخ

قال الحافظ

(1)

: قوله: "قال مجاهد: {تَلَقَّوْنَهُ} [النور: 15] يرويه بعضكم عن بعض" وصله الفريابي من طريقه وقال: معناه من التلقي للشيء وهو أخذه وقبوله، وهو على القراءة المشهورة، وبذلك جزم أبو عبيدة وغيره، و {تَلَقَّوْنَهُ} بحذف إحدى التائين وقرأ ابن مسعود بإثباتها، وقراءة عائشة ويحيى بن يعمر "تلقونه" بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق بسكون اللام وهو الكذب، وقال الفراء: الولق الاستمرار في السير وفي الكذب، ويقال للذي أدمن الكذب الألق بسكون اللام وبفتحها أيضًا، وقد تقدم في غزوة المريسيع التصريح بأن عائشة قرأته كذلك وأن ابن أبي مليكة قال: هي أعلم من غيرها بذلك لكونه نزل فيها، ثم ذكر المصنف فيه طرفًا من حديث أم رومان وقد تقدم بتمامه هناك، قال الإسماعيلي: هذا الذي ذكره من حديث أم رومان لا يتعلق بالترجمة، وهو كما قال إلا أن الجامع بينهما قصة الإفك في الجملة، انتهى من "الفتح" بتغير ما.

(8 -‌

‌ باب قوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ} [النور:

15])

قال العيني

(2)

: ليس في كثير من النسخ لفظ "باب"، انتهى.

وقد تقدم الكلام على ما في حديث الباب من اختلاف القراءة في قوله: {تَلَقَّوْنَهُ} وعلى معناه في الباب السابق.

(1)

"فتح الباري"(8/ 482).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 194).

ص: 213

‌(باب قوله: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} الآية [النور:

16])

قال العلامة العيني

(1)

: هذه الآية ذكرت عند قوله: "باب {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ} "[النور: 12] الآية، (وتقدم أن هذا الباب في نسخ الشروح لا في النسخة الهندية) واقتصر أبو ذر إلى قوله:{أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} وساق غيره بقية الآية وذكرها ها هنا تكرار على ما لا يخفى على أنها غير مذكورة في بعض النسخ، انتهى.

قوله: (فقيل: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: إنما قيل ذلك لما علم أنها لم تأذن له في الدخول وقصدت رَدَّه، انتهى.

وفي هامشه: قال الحافظ: كأن القائل فهم عنها أنها تمنعه من الدخول للمعنى الذي ذكرته فذكرها بمنزلته، والذي راجع عائشة في ذلك هو ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، والذي استأذن لابن عباس على عائشة حينئذ هو ذكوان مولاها، وقد بين ذلك كلَّه أحمد وابن سعد إلى آخر ما بسط فيه.

قوله: (ولم ينكح بكرًا غيرك) المراد بذلك أنه كان يحبك إلا أنه أقام السبب مقام المسبب، ولا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم موجبة للكرامة والنجاة كيفما كانت، انتهى من "اللامع"

(3)

.

(9 -‌

‌ باب قوله: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} الآية [النور:

17])

سقط لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني".

قال الحافظ

(4)

: قوله: "قلت أتأذنين لهذا" في رواية مؤمل: "ما

(1)

"عمدة القاري"(13/ 195).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 135).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 135، 136).

(4)

"فتح الباري"(8/ 485، 486).

ص: 214

تصنعين بهذا"، وفي رواية شعبة في الباب الذي يليه: "تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} [النور: 11]" وهذا مشكل؛ لأن ظاهره أن المراد بقوله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} هو حسان بن ثابت وقد تقدم قبل هذا أنه عبد الله بن أُبي وهو المعتمد، وقد وقع في رواية أبي حذيفة عن سفيان الثوري عند أبي نعيم في "المستخرج": "وهو ممن تولى كبره"، فهذه الرواية أخفّ إشكالًا.

قوله: (قالت: أو ليس قد أصابه عذاب عظيم) وفي رواية شعبة: قالت: وأي عذاب أشد من العمى؟

قوله: (قال سفيان: تعني ذهاب بصره) زاد أبو حذيفة: "وإقامة الحدود" ووقع بعد هذا الباب في رواية شعبة تصريح عائشة بصفة العذاب دون رواية سفيان.

قوله: (قالت: لكن أنت) في رواية شعبة: قالت: لست كذلك، وزاد في آخره: وقالت: قد كان يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم في المغازي من وجه آخر عن شعبة بلفظ: أنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلّ قول عائشة: لكن أنت، على أن حسان كان ممن تكلم في ذلك، وهذه الزيادة الأخيرة تقدمت هناك أتم من هذا، وتقدم هناك أيضًا في أثناء حديث الإفك، قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال:

فإن أبي ووالدتي وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

انتهى من "الفتح".

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: "لكن أنت" وإنما قالته ليكون سبب مبالغته في التوبة والاستغفار والانتهاء عن ارتكاب مثله، فيكون ذلك سببًا لمزيد كرامته عند الله تعالى، وقوله:"وأي عذاب أشد من العمى"

(1)

"لامع الدراري"(9/ 136).

ص: 215

وهذا الجواب تسليمي منها، أي: إن سلم أنه هو المتولي لكبر فإنه طهر عن ذنبه باحتمال مشقة ما أوعد به، وإلا فالجواب في الحقيقة أنه غفر ذنبه بتوبته، والعمى وإن لم يكن عذابًا مطلقًا لكل من ابتلي به لكنه لا يخلو منه فيمن ابتلي به لجريرة، انتهى.

وفي هامشه عن "تقرير المكي": يعني أنه عذب مرة بالعمى فلعله لا يعذب أخرى به، انتهى من "اللامع".

وفي "تقرير اللاهوري" قد تقدم في الحديث السابق أن الذي تولى كبره عبد الله، فيقال: لعلها أرادت أنهما مرادان والمراد من العذاب أعم من الدنيوي والأخروي، انتهى.

قال السندي: كأنه قالت على تقدير فرض شمول الآية لحسان وإلا فهي في ابن أُبي، انتهى.

قلت: وهذا هو الأوجه عندي من أنها قالت ذلك على سبيل الفرض والتسليم لقول المعترض، وإلا فقد صرَّحت هي بنفسها أن الذي تولى الإفك هو عبد الله بن أُبي كما تقدم في حديث الإفك في كتاب الشهادة، وأيضًا قد تقدم قريبًا في "باب قوله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} الآية [النور: 11]، انتهى من هامش "اللامع" بتغير.

(10 -‌

‌ باب قوله: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:

18])

ذكر فيه بعض حديث مسروق عن عائشة، وتقدم بعض ما يتعلق به في الباب السابق.

(11 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا} [النور:

19])

أي: بالحد، وفي "تفسير النسفي": وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبي وحسانًا ومسطحًا، وقد ذكر أبو داود أن حسانًا حُدَّ، زاد

ص: 216

الطحاوي: ثمانين، وكذا حمنة ومسطح ليكفِّر الله عنهم بذلك إثم ما صدر منهم حتى لا يبقى عليهم تبعة في الآخرة، وأما ابن أُبي فإنه لم يحد لئلا ينقص من عذابه شيء أو إطفاء للفتنة وتألفًا لقومه، وقد روى القشيري في تفسيره أنه حُدّ ثمانين، وقال القشيري: ومسطح لم يثبت منه قذف صريح فلم يذكر فيمن حُدّ، وأغرب الماوردي فقال: إنه لم يحدّ أحد من أهل الإفك.

قوله: ({وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 20]) هذا إظهار المنة بترك المعاجلة بالعقاب وجواب {لَوْلَا} محذوف تقديره: لعاجلكم بالعذاب، انتهى من "العيني"

(1)

.

وتقدم الكلام في عبد الله بن أُبي أنه حُدّ أو لم يحد ونحو ذلك في باب: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآية.

قوله: ({وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22]. . .) إلخ، كذا في النسخة "الهندية" بغير لفظ "باب" وكذا في نسخة "الفتح" و"القسطلاني"، فهذه الآية والآية الأولى ترجمة واحدة، وفي نسخة "العيني" بزيادة لفظ "باب" على هذه الآية، قال العيني

(2)

: وليس في كثير من النسخ لفظ "باب"، وقال بعد ذكر حديث الباب: هذا طريق آخر في قصة الإفك وهو معلّق كما ذكرنا، وأسنده مسلم في كتاب التوبة مختصرًا، انتهى.

وقال الحافظ

(3)

: وصله أحمد بتمامه وقد ذكرت ما فيه من فائدة في أثناء حديث الإفك الطويل قريبًا، ووقع في رواية المستملي عن الفربري: حدثنا حميد بن الربيع حدثنا أبو أسامة، فظن الكرماني أن البخاري وصله عن حميد بن الربيع، وليس كذلك بل هو خطأ فاحش فلا يغتر به، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 197، 198).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 200).

(3)

"فتح الباري"(8/ 489).

ص: 217

(12 -‌

‌ باب قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:

31])

أي: وليضعن خمرهن - جمع خمار - على جيوبهن - جمع جيب -، وأريد به: على صدورهن، ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وقرطهن، وذلك لأن جيوبهن كانت واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة، فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها.

قوله: (فاختمرن) أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع، قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار، والخمار للمرأة كالعمامة للرجل، وقوله:(في الحديث الثاني)(أزرهن) بضم الهمزة جمع إزار وهي الملاءة بضم الميم وتخفيف اللام وبالمد وهي الملحفة.

فإن قلت: حديث عائشة يدل على أن اللاتي شققن أزرهن النساء المهاجرات، وورد في حديث عائشة أيضًا أن ذلك كان في نساء الأنصار رواه ابن أبي حاتم، قلت: يمكن الجمع بينهما بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك حين نزول الآية المذكورة، والله أعلم، انتهى مختصرًا من "الفتح" و"العيني"

(1)

.

(25)

‌ سورة الفرقان

هكذا في النسخ الهندية بغير لفظ "سورة" وبغير البسملة، وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادتهما.

قال العلامة العيني

(2)

: والفرقان مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل

(1)

"فتح الباري"(8/ 490)، و"عمدة القاري"(13/ 202).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 202، 203).

ص: 218

بينهما، وسمي القرآن به لفصله بين الحق والباطل، وقيل: لأنه لم ينزل جملة واحدة ولكن مفروقًا مفصولًا بين بعضه وبعض في الإنزال، قال تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106]، وهي مكية، وفي آية منها اختلاف وهي قوله عز وجل:{إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 70] وقيل: فيها آيتان اختلف الناس فيهما فقيل: إنهما مدنيتان، وقيل: مكيتان، وقيل: إحداهما مكية والأخرى مدنية، وهما قوله:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية [الفرقان: 68]، وقوله:{إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} الآية [الفرقان: 70]، فالذي قال: إن الأولى مكية وهو سعيد بن جبير وهي قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ} إلى قوله: {مُهَانًا} ، والثانية مدنية وهي قوله:{إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ، انتهى.

قوله: (قال الحسن: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} [الفرقان: 74] في طاعة الله) وصله سعيد بن منصور: حدثنا جرير بن حازم سمعت الحسن وسأله رجل عن قوله: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} ما القُرّة، أفي الدنيا أم في الآخرة؟ قال: بل في الدنيا هي والله أن يرى العبد من ولده طاعة الله إلى آخره، وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب البر والصلة عن حزم القطعي عن الحسن وسمى الرجل السائل كثير بن زياد.

قوله: (أن يرى حبيبه في طاعة الله) في رواية سعيد بن منصور: أن يرى حميمه، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: إن المراد بالقرة في الآية هي القرة الحاصلة بطاعة الله تعالى، ثم استدل عليه بقوله:"وما شيء. . ." إلخ، انتهى.

وفي هامشه بعد ذكر ما تقدم من كلام الحافظ: وفي العيني ({قُرَّةَ أَعْيُنٍ}) بأن نراهم مؤمنين صالحين مطيعين لك، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 491).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 136).

ص: 219

وفي "الجلالين": قوله تعالى: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} لنا بأن نراهم مطيعين لك، انتهى.

قوله: (وقال ابن عيينة: {عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6] عتت على الخزان) قال الحافظ

(1)

: كذا في تفسيره وهذا في سورة الحاقة وإنما ذكر ها هنا استطرادًا لما ذكر قوله: {عُتُوًّا} [الفرقان: 21]، وقد تقدم ذكر هذا في قصة هود من أحاديث الأنبياء، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

هناك: قوله: "عتت على الخزان" أي: بإذن منه تعالى، انتهى. فأجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في دفع ما يتوهم من عدوان الريح على الخزان؛ لأنها كيف عتت عليهم، وفي "تقرير مولانا محمد حسن المكي": قوله: "عتت" يعني إنما قال للريح عاتية لأنها عتت على خزنتها كأن خزنتها لم تقدر على إمساكها، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} [الفرقان:

34])

قال الحافظ

(3)

: قوله: "إن رجلًا قال: يا نبي الله" لم أقف على اسم السائل، وسيأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى.

(يحشر الكافر) في رواية الحاكم من وجه آخر عن أنس: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر أهل النار على وجوههم؟ "، وفي حديث أبي هريرة عند البزار:"يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف على الدواب، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم، فقيل: فكيف يمشون على وجوههم؟ " الحديث، ويؤخذ من مجموع الأحاديث أن المقربين يحشرون ركبانًا ومن دونهم من المسلمين على أقدامهم، وأما الكفار فيحشرون على وجوههم، انتهى من "الفتح".

(1)

"فتح الباري"(8/ 492).

(2)

"لامع الدراري"(8/ 16).

(3)

"فتح الباري"(8/ 492).

ص: 220

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية [الفرقان:

68])

قوله: ({يَلْقَ أَثَامًا} العقوبة) قال أبو عبيدة في قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] أي: عقوبة، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة:{يَلْقَ أَثَامًا} قال: نكالًا، قال: ويقال: إنه وادٍ في النار، وهذا الأخير أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو وعكرمة وغيرهما، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (نزلت هذه الآية تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .) إلخ، هكذا قال ابن مسعود، والقتل والزنا في الآية مطلقان وفي الحديث مقيدان وأما القتل فبالولد خشية الأكل معه، وأما الزنا فبزوجة الجار، والاستدلال لذلك بالآية سائغ لأنها وإن وردت في مطلق الزنا والقتل لكن القتل بذا والزنا بهذه أكبر وأفحش، وقد روى أحمد من حديث المقداد بن الأسود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرام، قال: لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره"، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(3 -‌

‌ باب قوله: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الفرقان: 69]. . .) إلخ

قرأ الجمهور بالجزم في {يُضَاعَفْ} {وَيَخْلُدْ} بدلًا من الجزاء في قوله: {يَلْقَ أَثَامًا} بدل اشتمال، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بالرفع على الاستئناف، انتهى

(3)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 493).

(2)

"فتح الباري"(8/ 494).

(3)

انظر: "فتح الباري"(8/ 494).

ص: 221

(4 -‌

‌ باب قوله: {إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان:

70])

قوله: (عن هاتين الآيتين: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية [النساء: 93]. . ." إلخ، هكذا أورده مختصرًا وسياق مسلم من هذا الوجه أتم، وأتم منهما ما تقدم في المبعث من رواية جرير بلفظ: هاتين الآيتين ما أمرهما التي في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] والتي في سورة النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} قال: سألت ابن عباس فقال: لما نزلت التي في سورة الفرقان قال مشركو مكة: قد قتلنا النفس ودعونا مع الله إلهًا آخر وأتينا الفواحش، قال: فنزلت {إلا مَنْ تَابَ} الآية، قال: فهذه لأولئك، قال: وأما التي في سورة النساء فهو الذي قد عَرَفَ الإسلام ثم قتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم لا توبة له، قال: فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من ندم.

وحاصل ما في هذه الروايات: أن ابن عباس كان تارة يجعل الآيتين في محل واحد فلذلك يجزم بنسخ إحداهما، وتارة يجعل محلهما مختلفًا، ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في الفرقان خصّ منها مباشرة المؤمن القتل متعمدًا، وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه، وقول ابن عباس بأن المؤمن إذا قتل مؤمنًا متعمدًا لا توبة له مشهور عنه، وقد جاء عنه في ذلك ما هو أصرح مما تقدم، ثم ذكر الحافظ رواية أحمد بطولها وفيه: أفرأيت إن تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة والهدى، وجاء على وفق ما ذهب إليه ابن عباس في ذلك أحاديث كثيرة.

وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السُّنَّة ما ورد من ذلك على التغليظ، وصححوا توبة القاتل كغيره، وقالوا: معنى قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] أي: إن شاء الله أن يجازيه، لقوله تعالى في سورة

ص: 222

النساء أيضًا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم أتى تمام المائة فقال له: لا توبة لك، فقتله فأكمل به مائة، ثم جاء آخر فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة، الحديث، وهو مشهور سيأتي في الرقاق واضحًا، وإذا ثبت ذلك لمن قبل من غير هذه الأمة فمثله لهم أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(5 -‌

‌ باب قوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]: هَلَكَةً)

قال الحافظ

(2)

: قال أبو عبيدة في قوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} أي: جزاء يلزم كل عامل بما عمل، وله معنى آخر: يكون هلاكًا، انتهى.

قال العيني

(3)

: وقال الثعلبي، اختلف في اللزام فقيل: يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون وقيل: عذاب القبر، وقال ابن جرير: عذابًا دائمًا لازمًا وهلاكًا مستمرًا، وقال في شرح الحديث:{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} قيل: هو القحط، وقيل: هو التصاق القتلى بعضهم ببعض في بدر، وقيل: هو الأسر فيه وقد أسر سبعون قرشيًا فيه، والحديث مرَّ في كتاب الاستسقاء، انتهى.

(26)

‌ سورة الشعراء

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة "بسم الله الرحمن الرحيم" بعد السورة.

قال القسطلاني

(4)

: سقط لفظ "سورة" والبسملة لغير أبي ذر، "قال مجاهد" فيما وصله الفريابي في قوله تعالى:{تَعْبَثُونَ} من قوله: {أَتَبْنُونَ

(1)

"فتح الباري"(8/ 495، 496).

(2)

"فتح الباري"(8/ 496).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 209، 210).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 549).

ص: 223

بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} [الشعراء: 128] أي: (تبنون) وقال الضحاك ومقاتل: هو الطريق، قال ابن عباس: كانوا يبنون بكل ريع عليًا يعبثون فيه بمن يمر في الطريق إلى هود عليه السلام، وقيل: كانوا يبنون الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم فنهوا عنه، ونسبوا إلى العبث، انتهى.

وفي "الفتح"

(1)

: وقيل: كانوا يهتدون في الأسفار بالنجوم ثم اتخذوا أعلامًا في أماكن مرتفعة ليهتدوا بها، وكانوا في غنية عنها بالنجوم فاتخذوا البنيان، عبثًا، انتهى.

قال العيني

(2)

: وقال الكرماني: كانوا يبنون بروجًا للجمامات يعبثون بها، والريع المرتفع من الأرض، انتهى.

قوله: ({هَضِيمٌ} يتفتت إذا مُسّ) أي: في قوله: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} [الشعراء: 147، 148] و"مس" بضم الميم وتشديد السين المهملة مبنيًا للمفعول، وهذا قاله مجاهد أيضًا، وقال ابن عباس: هو اللطيف، وقال عكرمة: اللين، وقيل:"هضيم"، أي: يهضم الطعام وكل هذا للطافته، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

: "هضيم يتفتت" يعني: أن إطلاق الهضيم عليه باعتبار صلاحه للتفتت والهضم لا أنه هضيم بالفعل.

وقوله: (الليكة والأيكة جمع أيكة) قرئ بهما والليكة هي الأيكة إلا أنها خففت الهمزة. وإطلاق الجمع على المعرف باللام من حيث إن اللام إما أن تكون للعهد، والمعهود هي أشجارهم التي كانوا سكنوها، أو اللام للاستغراق، فكأنها لاجتماعها والتفافها كأنها هي الشجر لا غير، انتهى من "اللامع".

وفي هامشه: قوله: قرئ بهما، وهو كذلك ففي "الجلالين" في قوله

(1)

"فتح الباري"(8/ 497).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 210).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 549).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 137، 138).

ص: 224

تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 176]: وفي قراءة بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وفتح الهاء، انتهى.

وبسط علماء التفسير في هذه الكلمة وإعرابها وقال صاحب "الجمل": قد وقع لفظ الأيكة في القرآن أربع مرات: في الحجر، وفي ق، وما ها هنا، أي: في الشعراء، وفي ص، والأوّلان بأل والجر لا غير، والآخران يقرآن بأل وبالجر وبالتصرف الذي قاله الشارح ها هنا مع فتح التاء مع أن الكل مجرورات لإضافة لفظ "أصحاب" إليها، انتهى.

وفي "تقرير البنجابي": الأيكة جمع أيكة، يعني: أدخل على أيكة لام الاستغراق، انتهى.

وفي "الجمل" في شرح قول الجلال: وإلقاء حركتها على اللام: وهذا الصنيع يقتضي أن اللام الموجودة لام التعريف وحينئذ لا يصح قوله: وفتح الهاء إذ الاسم المقرون بأل سواء كانت معرّفة أو غيرها يجر بالكسرة سواء وقع فيه نقل أو لا، وبعضهم وجّه فتح الهاء بأن الاسم بوزن ليلة فاللام بنية الكلمة ولا نقل بل حركة اللام أصلية فجره بالفتحة حينئذ ظاهر، انتهى.

قوله: (وهي جميع شجر) كتب الشيخ

(1)

: ترجمة المفرد لا الجميع، ومعنى الجميع المجموع، انتهى.

وفي هامشه: هذا غاية توجيه لكلام البخاري، وإلا فكلام البخاري هذا منتقد عند جميع الشرَّاح كما تقدم البسط في ذلك في مقدمة "اللامع" وفي "تقرير مولانا محمد حسن المكي": قوله: جمع أيكة، أي: جماعة أشجار، فأيكة بمعنى مطلق الأشجار، والجمع بمعنى الجماعة، وقوله:"وهي" أي: الأيكة بمعناه الحقيقي

(2)

، وفيه تكلف، والظاهر أنه أراد أن الليكة والأيكة، أي: معرفين بلام الاستغراق جمع أيكة نكرة باعتبار المعنى، وإن كان هذا المعنى غير مراد ها هنا لأن أصحاب الأيكة لقب لهم، انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 138).

(2)

أي: بن [ز].

ص: 225

قال القسطلاني

(1)

: قوله: "والإيكة" بألف وصل وسكون اللام وبعدها همزة مكسورة جمع أيكة، ولأبي ذر جمع الأيكة وهي جمع شجر، وكان شجرهم الدوم وهو المقل.

قال العيني: الصواب أن الليكة والأيكة جمع أيك، وكيف يقال: الأيكة جمع أيكة، انتهى.

وتقدم التوجيه من كلام الشيخ قُدِّس سرُّه.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء:

87])

سقط "باب" لغير أبي ذر.

قوله: (إن إبراهيم يرى أباه. . .) إلخ، كذا أورده مختصرًا، ولفظ النسائي: و"عليه الغبرة والقترة فقال له: لقد نهيتك عن هذا فعصيتني قال: لكني لا أعصيك اليوم" فعرف من هذا أن قوله: والغبرة هي القترة من كلام المصنف وأخذه من كلام أبي عبيدة، وأنه قال في تفسير سورة يونس:{وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} [يونس: 26] القتر الغبار، وأنشد لذلك شاهدين، قال ابن التِّين: وعلى هذا فقوله في سورة عبس: {غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 40، 41] تأكيد لفظي كأنه قال: غبرة فوقها غبرة، وقال غير هؤلاء: القترة ما يغشى الوجه من الكرب، والغبرة ما يعلوه من الغبار، أحدهما حسّيّ والآخر معنوي، وقيل: القترة شدة الغبرة بحيث يسوِّد الوجه، وقيل: القترة سواد الدخان فاستعير هنا، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} [الشعراء: 214، 215]: أَلِنْ جَانِبَكَ)

هو قول أبي عبيدة، وزاد:"وكلامك".

قوله: (عن ابن عباس قال: لما نزلت. . .) إلخ، هذا من مراسيل

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 550).

(2)

"فتح الباري"(8/ 499).

ص: 226

الصحابة، وبذلك جزم الإسماعيلي؛ لأن أبا هريرة أسلم بالمدينة، وهذه القصة وقعت بمكة، وابن عباس كان حينئذ إما لم يولد وإما طفلًا، ويؤيد الثاني نداء فاطمة؛ فإنه يشعر بأنها كانت حينئذ بحيث تخاطب بالأحكام، وقد قدمت في "باب من انتسب إلى آبائه" في أوائل السيرة النبوية احتمال أن تكون هذه القصة وقعت مرتين، لكن الأصل عدم تكرار النزول، وقد صرَّح في هذه الرواية بأن ذلك وقع حين نزلت، نعم وقع عند الطبراني من حديث أبي أمامة قال:"لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم ونسائه وأهله فقال: يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم، يا عائشة بنت أبي بكر، يا حفصة بنت عمر، يا أم سلمة" فذكر حديثًا طويلًا، فهذا إن ثبت دلّ على تعدد القصة؛ لأن القصة الأولى وقعمت بمكة لتصريحه في حديث الباب أنه صعد الصفا، ولم تكن عائشة وحفصة وأم سلمة عنده من أزواجه إلا بالمدينة فيجوز أن تكون متأخرة عن الأولى، فيمكن أن يحضرها أبو هريرة وابن عباس أيضًا، ويحمل قوله:"لما نزلت جمع. . ." إلخ، أي: بعد ذلك، لا أن الجمع وقع على الفور، ولعله كان نزل أولًا {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} فجمع قريشًا فعمّ ثم خصّ كما سيأتي، ثم نزل ثانيًا، "ورهطك منهم المخلصين" فخص بذلك بني هاشم ونسائه والله أعلم.

وفي هذه الزيادة تعقب على النووي حيث قال في "شرح مسلم": إن البخاري لم يخرجها أعني "ورهطك منهم المخلصين" اعتمادًا على ما في هذه السورة، وأغفل كونها موجودة عند البخاري في سورة تبت.

قوله: (لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}) زاد في تفسير تبّت من رواية أبي أسامة عن الأعمش بهذا السند "ورهطك منهم المخلصين" وهذه الزيادة وصلها الطبري من وجه آخر عن بهمرو بن مرة أنه كان يقرأها كذلك، قال القرطبي: لعل هذه الزيادة كانت قرآنًا فنسخت

ص: 227

تلاوتها، إلى آخر ما في "الفتح"

(1)

.

(27)

‌ سورة النَّمْل

كذا في النسخة "الهندية" و"القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح" و"العيني""سورة النمل" مع زيادة البسملة بعد السورة.

قال القسطلاني

(2)

: ولأبي ذر: "سورة النمل، بسم الله الرحمن الرحيم" وسقطت البسملة لغير أبي ذر، وللنسفي تقديمها، انتهى.

قال العلامة العيني

(3)

: ذكر القرطبي وغيره أنها مكية بلا خلاف، وعند السخاوي: نزلت قبل القصص وبعد القصص سبحان، انتهى.

قوله: ({الْخَبْءَ} [النمل: 25] ما خبأت) في رواية غير أبي ذر "والخبأ" بزيادة واو في أوله، وهذا قول ابن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال:{يُخْرِجُ الْخَبْءَ} يعلم كل خفية في السماوات والأرض، وقال الفراء في قوله:{يُخْرِجُ الْخَبْءَ} أي: الغيث من السماء والنبات من الأرض، قال: و"في" هنا بمعنى "من" وهو كقولهم: ليستخرجن العلم فيكم، أي: الذي منكم، وقرأ ابن مسعود "يخرج الخبء من" بدل "في"، وروى عبد الرزاق عن قتادة قال: الخبء السر، ولابن أبي حاتم من طريق مجاهد قال: الغيث، ومن طريق سعيد بن المسيب قال: الماء، انتهى من "الفتح"

(4)

.

قوله: ({مُسْلِمِينَ} طائعين)، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(5)

: إنما فسره به لئلا يلزم أنه أجبرها أولًا على الإسلام مع أن الحكم أنه يقبل منهم إذا بذلوا الجزية، فإذا فسر الإسلام بالانقياد شمل الأمرين كليهما، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 502).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 556).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 216).

(4)

"فتح الباري"(8/ 504).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 139 - 141).

ص: 228

وذكر في هامشه كلام الشرَّاح وأهل التفسير فارجع إليه لو شئت، وكتب الشيخ أيضًا: قوله: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} [النمل: 42] يقوله: سليمان" هذا على ما ذهب إليه المفسرون ظاهر من أنه قول سليمان، وأما إذا كان هذه مقولة بلقيس لا غير أمكن إرجاع هذا التفسير إلى قوله: {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16] فاكتفى بالتفسير ولم يذكر المفسر، انتهى من "اللامع".

وبسط في هامشه الكلام في إيضاح هذا المقام فارجع إليه.

وقال الحافظ

(1)

: قوله: " {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} يقوله: سليمان" وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا، ونقل الواحدي أنه من قول بلقيس قالته مُقِرَّةً بصحة نبوة سليمان والأول هو المعتمد، انتهى.

(28)

‌ القَصَص

وهكذا في نسخة "القسطلاني" بإسقاط البسملة ولفظ السورة، وفي نسخة "الفتح" و"العيني" بإثباتهما.

قال الحافظ

(2)

: سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر والنسفي، انتهى.

قال العيني

(3)

: قال أبو العباس: هي مكية إلا آية نزلت بالجحفة وهي قوله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] أي: إلى مكة، وعن ابن عباس: إلى الموت، وعنه: إلى يوم القيامة، وعنه: إلى بيت المقدس، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إلى الجنّة، انتهى.

وقال القسطلاني

(4)

: مكية، وقيل: إلا قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} إلى {الْجَاهِلِينَ} [القصص: 52 - 55]، انتهى.

قوله: ({إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] إلا ملكه) في رواية النسفي: "وقال معمر" فذكره، ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى وهذا كلامه في كتابه

(1)

"فتح الباري"(8/ 505).

(2)

"فتح الباري"(8/ 505).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 219).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 557).

ص: 229

"مجاز القرآن" لكن بلفظ "إلا هو" وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية وكذا ذكره الفراء، وقال ابن التِّين: قال أبو عبيدة: {إلا وَجْهَهُ} أي: جلاله، وقيل: إلا إياه، تقول: أكرم الله وجهك، أي: أكرمك الله، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(1 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:

56])

قال الحافظ

(2)

: لم تختلف النقلة في أنها نزلت في أبي طالب، واختلفوا في المراد بمتعلق {أَحْبَبْتَ} فقيل: المراد أحببت هدايته، وقيل: أحببته هو لقرابته منك.

قوله: (لما حضرت أبا طالب الوفاة. . .) إلخ، قال الكرماني

(3)

: المراد علاماتها وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن، ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم، انتهى.

ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة لكن رجا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقر بالتوحيد ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه وتسوغ شفاعته صلى الله عليه وسلم لمكانه منه، ولهذا قال:"أجادل لك بها وأشفع لك" ويؤيد الخصوصية أنه بعد ما امتنع من الإقرار بالتوحيد وقال: "هو على ملة عبد المطلب" ومات على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الشفاعة له بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره، وكان ذلك من الخصائص في حقه، انتهى من "الفتح"

(4)

.

وقال القسطلاني

(5)

في شرح الحديث: قوله: "فأنزل الله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: 113] " إلخ، واستشكل هذا بأن وفاة أبي طالب

(1)

"فتح الباري"(8/ 505).

(2)

"فتح الباري"(8/ 506).

(3)

"الكواكب الدراري"(7/ 135).

(4)

"فتح الباري"(8/ 506، 507)

(5)

"إرشاد الساري"(10/ 560، 561).

ص: 230

وقعت قبل الهجرة بمكة بغير خلاف، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، رواه الحاكم وابن أبي حاتم عن ابن مسعود، والطبراني عن ابن عباس، وفي ذلك دلالة على تأخر نزول الآية عن وفاة أبي طالب، والأصل عدم تكرار النزول، وأجيب باحتمال تأخر نزول الآية وإن كان سببها تقدم، ويكون لنزولها سببان: متقدم وهو أمر أبي طالب، ومتأخر وهو أمر آمنة، ويؤيد تأخر النزول ما في سورة براءة من استغفاره عليه الصلاة والسلام للمنافقين حتى نزل النهي عنه، قاله في "الفتح"، قال: ويرشد إلى ذلك قوله: "وأنزل الله في أبي طالب فقال. . ." إلخ، ففيه إشعار بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وغيره، والثانية نزلت فيه وحده، انتهى.

قوله: (أم القرى: مكة وما حولها) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: فإن أم القرى يطلق على قرية جامعة كبيرة واقعة بين قرى صغار واقعة حولها إلا أن مكة لما كانت كبيرة ما بين القرى الواقعة حولها أطلق عليها ذلك الاسم ثم غلب استعماله عليه لورود هذه الصفة لها في القرآن، انتهى.

وبسط في هامشه الكلام على تسمية مكة بأم القرى فارجع إليه لو شئت.

قوله: (وَيْكَ أَنَّ الله) كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: كتبهما منفردين ليطابق بينه وبين تفسيره حيث قال: "مثل {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ} " أي: في كونهما لفظين، فويك كلمة وأنّ كلمة أخرى، انتهى.

وفي هامشه: وهما كذلك منفردين في النسخ الهندية، وما في النسخ المصرية من المتون والشروح كتبه متصلة {وَيْكَأَنَّ} [القصص: 82] وهكذا تقدم في كتاب الأنبياء متصلة، فالظاهر أن ما ها هنا من الانفراد من تصرف النساخ.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 142، 143).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 143).

ص: 231

وفي "الجمل"

(1)

: ولم يرسم في [القرآن] إلا ويكأن وويكأنه متصلة في الموضعين فعامة القراء اتبعوا الرسم والكسائي وقف على "وَيْ" وأبو عمرو على "ويك" كذا في "السمين"، وفي الخطيب: هذه الكلمة والتي بعدها متصلة بإجماع المصاحف واختلف القراء في الوقف، انتهى.

قلت: وتقدم قول البخاري هذا في كتاب الأنبياء في "باب قوله: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} "[القصص: 76].

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه هناك

(2)

: والغرض منه بيان المماثلة بينهما في أن كلًّا منها كلمتان، فقوله:"ويك" كلمة كقوله: "ألم تر" والباقي منه كالباقي منه، وهذا ردّ لما يتوهم من أن الكاف على حدة وقوله:"وي" كلمة مستقلة، وقوله:"يبسط" كلام على حدة مما قبله، انتهى.

وبسط في هامشه أقوال المفسرين في تفسير هذا اللفظ فارجع إليه لو شئت.

(2 -‌

‌ باب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص:

85])

سقطت الترجمة لغير أبي ذر.

قوله: ({لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قال: إلى مكة) هكذا في هذه الرواية، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: كان ابن عباس يكتم تفسير هذه الآية، وروى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس قال:{لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قال: إلى الجنّة، وإسناده ضعيف، ومن وجه آخر قال: إلى الموت، وأخرجه ابن أبي حاتم وإسناده لا بأس به، ومن طريق مجاهد قال: يحييك يوم القيامة، انتهى من "الفتح"

(3)

.

وتقدم الأقوال في تفسيره في أول هذه السورة.

(1)

"الفتوحات الإلهية"(3/ 363).

(2)

"لامع الدراري"(8/ 55).

(3)

"فتح الباري"(8/ 510).

ص: 232

(29)

‌ العَنْكَبُوت

وهكذا في نسخة "القسطلاني" بدون البسملة ولفظ السورة، وفي نسخة الحافظين بزيادتهما.

قال الحافظ

(1)

: سقطت السورة والبسملة لغير أبي ذر، انتهى.

وقال العيني

(2)

: وهي مكية، وقال ابن عباس: فيها اختلاف في سبع عشرة آية فذكرها، وقال مقاتل: نزلت {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ} [العنكبوت: 1، 2] في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أول قتيل من المسلمين يوم بدر رماه ابن الحضرمي بسهم فقتله، وهو أول من يدعى إلى الجنّة من شهداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال السخاوي: نزلت بعد {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1، 2] وقبل سورة المطففين.

قوله: (قال مجاهد: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت: 38] ضللة) أي: في قوله تعالى: {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} .

قوله: (ضللة) جمع ضال، قاله الكرماني، وفيه ما فيه، والصواب ضلالة، وكذا هو في عامة النسخ، وفي التفسير {مُسْتَبْصِرِينَ} يعني: في الضلالة، وعن قتادة: مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها، وعن الفراء: عقلاء ذوي بصائر، وعن الضحاك والكلبي ومقاتل: حسبوا أنهم على الحق والهدى وهم على الباطل، انتهى.

قال القسطلاني

(3)

: والمعنى أنهم كانوا عند أهلهم مستبصرين، وقال في "الأنوار": أي متمكنين من النظر والاستبصار ولكنهم لم يفعلوا، وفي نسخة "ضلالة" بألف بين اللامين، انتهى.

قوله: (وقال غيره: الحيوان والحي واحد) كما في نسخة الحاشية، قال الحافظ

(4)

: ثبت هذا لأبي ذر وحده، وللأصيلي:"الحيوان والحياة واحد"

(1)

"فتح الباري"(8/ 510).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 224، 225).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 565).

(4)

"فتح الباري"(8/ 510).

ص: 233

وهو قول أبي عبيدة قال: الحيوان والحياة واحد، وزاد: منه قولهم: نهر الحيوان، أي: نهر الحياة، وتقول: حييت حيًّا، والحيوان والحياة اسمان منه، وللطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى:{لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] قال: لا موت فيها، انتهى.

(30)

-‌

‌ الم غُلِبَتِ الرُّوم

كذا في النسخة "الهندية" وكذا في نسخة "القسطلاني" بغير زيادة "سورة" وبغير البسملة، وفي نسخة "العيني" بزيادة لفظ "سورة" والبسملة، وفي نسخة "الفتح":"سورة الروم" ثم ذكر البسملة، قال الحافظ

(1)

: سقطت "سورة" والبسملة لغير أبي ذر.

قال العلامة العيني

(2)

: وهي مكية وفيها اختلاف في آيتين: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان: 27] فذكر السدي أنها نزلت بالمدينة، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]، انتهى.

قلت: كذا قال وفيه سبق قلم ولعله التبس عليه هذه السورة بالآتية فإن هاتين الآيتين في سورة لقمان، وسيأتي هذا الكلام بعينه هناك.

وقال القسطلاني

(3)

: هي مكية إلا قوله: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الآية [الروم: 17]، انتهى.

قال العيني

(4)

: وقال السخاوي: نزلت بعد {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وقبل العنكبوت، ثم قال: والروم اثنان: الأول من ولد يافث بن نوح عليه السلام وهو رومي بن لنطي بن يونان بن يافث، والثاني الذي رجع إليهم الملك من ولد رومي بن لنطي من ولد عيص بن إسحاق عليه السلام غلبوا على اليونانين فبطل ذكر الأولين، وغلب هؤلاء على الملك، وروى

(1)

"فتح الباري"(8/ 511).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 226).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 566).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 226).

ص: 234

الواحدي من حديث الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب بذلك المؤمنون فنزلت: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1، 2] إلى أن قال: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4] بظهور الروم على أهل فارس، انتهى.

قوله: ({فَلَا يَرْبُو} [الروم: 39] من أعطى يبتغي أفضل فلا أجر له فيها) وصله الطبري من ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} [الروم: 39] قال: يعطي ماله يبتغي أفضل منه، وقال عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن الضحاك في هذه الآية، قال: هذا هو الربا الحلال يهدي الشيء ليصاب أفضل منه ذاك لا له ولا عليه، وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبد العزيز وزاد: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه خاصة، ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن إبراهيم قال: هذا في الجاهلية كان يعطي الرجل قرابته المال يكثر به ماله، إلى آخر ما في "الفتح"

(1)

.

قال الحافظ

(2)

: ثم ذكر المصنف حديث ابن مسعود في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالسنين وسؤالهم له الدعاءَ برفع القحط، وقد تقدم شرح ذلك في الاستسقاء، ويأتي ما يتعلق بالذي وقع في صدر الحديث من الدخان في تفسير سورة الدخان إن شاء الله، انتهى.

كتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: وإنما أنكر ابن مسعود على القاصّ بيانَ هذا الدخان في تفسير الآية لأن المذكور في الآية غير المذكور فيما ذكره الراوي من الرواية، وهو وإن كان صحيحًا في نفسه إلا أنه لم يصح ذكره في تفسير الآية، لا أن ابن مسعود لم يبلغه الرواية أصلًا فأنكر ذلك لأنه أرفع شأنًا من أن يظن به خفاء الرواية عليه، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 511).

(2)

"فتح الباري"(8/ 512).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 144، 145).

ص: 235

وفي هامشه: ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه جدير بجلالة شأن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، ويؤيده ما سيأتي من الروايات عن ابن مسعود في تفسير سورة الدخان، لكن الظاهر من سياق حديث الباب الردّ من ابن مسعود على القاصّ مطلقًا فإن القاصّ لم يذكره في تفسير الآية بل ذكره في علامات القيامة، وقد أشبع الشيخ قُدِّس سرُّه الكلام على هذا الحديث في "الكوكب الدري" مع ما علّقت عليه.

فكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "الكوكب"

(1)

في تفسير سورة الدخان: قد ورد ذلك في الرواية وعُدّ من أشراط الساعة واختلف في تفسير الآية {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] وتعيين المراد بالدخان فيها، فالصحيح الذي لا يحول حماه الريب ويكون مطابقًا للسياق والسباق من غير رجم غيب هو الذي أراد ابن مسعود وإن كان يصح حمل الآية على ما ذكره القاصّ أيضًا؛ فإنه يبقى أربعين يومًا ثم يكشف بعد ذلك، والقول الثالث الذي قيل: إنه يكون بعد الحشر، قال أصحابه: إنه على التقدير، أي: لو كشفنا عنهم العذاب لعادوا، وإنما ردّ ابن مسعود على القاصّ قوله ذلك ظنًا منه أنه إنما ذكر ما ذكر من غير أن يستند ذلك إلى نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فظاهر أن وقائع نزول الآيات لا دخل فيها للعقل وإنما هي منوطة بالرواية والنقل، ولم يكن قصد ابن مسعود ردّ الرواية التي ذكرها القاصّ فإنها مسلّمة، بل المقصود الردّ على كون ذلك الدخان الذي هو من أشراط الساعة مراد الآية، فإن مساق الكلام آب عنه، انتهى.

قلت: ذكر المصنف حديث الباب مختصرًا في تفسير سورة الدخان.

قال الحافظ

(2)

: قد تقدم سبب قول ابن مسعود هذا في سورة الروم، وقد جرى البخاري على عادته في إيثار الخفي على الواضح، فإن هذه السورة كانت أولى بإيراد هذا السياق من سورة الروم لما تضمنته من ذكر

(1)

"الكوكب الدري"(4/ 262).

(2)

"فتح الباري"(8/ 572).

ص: 236

الدخان، لكن هذه طريقته يذكر الحديث في موضع ثم يذكره في الموضع اللائق به عاريًا عن الزيادة اكتفاء بذكرها في الموضع الآخر، شحذًا للأذهان وبعثًا على مزيد الاستحضار.

وهذا الذي أنكره ابن مسعود قد جاء عن علي، فأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن علي قال:"آية الدخان لم تمض بعد، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وينفخ الكافر حتى ينفد"، ويؤيد كون آية الدخان لم تمض ما أخرجه مسلم من حديث أبي شريحة رفعه:"لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة" الحديث، وروى الطبري من حديث ربعي عن حذيفة مرفوعًا في خروج الآيات والدخان قال حذيفة: يا رسول الله! وما الدخان؟ فتلا هذه الآية قال: "أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فيخرج من منخريه وأذنيه ودبره" وإسناده ضعيف أيضًا ثم ذكر الحافظ عدة روايات بأسانيد ضعاف، ثم قال: لكن تضافر هذه الأحاديث يدلّ على أن لذلك أصلًا، ولو ثبت طريق حديث حذيفة لاحتمل أن يكون هو القاص المراد في حديث ابن مسعود، انتهى.

قال القسطلاني

(1)

: وهذا الذي قاله ابن مسعود وافقه عليه جماعة كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي، واختاره ابن جرير، لكن أخرج ابن أبي حاتم عن الحارث عن علي فذكر ما تقدم في كلام الحافظ، وأخرج أيضًا عن عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت.

قال الحافظ ابن كثير: وإسناده صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة

(1)

"إرشاد الساري"(10/ 569).

ص: 237

وترجمان القرآن، ووافقه عليه جماعة من الصحابة والتابعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان مما فيه دلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، وهو ظاهر قوله تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] أي: بيِّن واضح، وعلى ما فسر به ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وكذا قوله:{يَغْشَى النَّاسَ} [الدخان: 11]، أي: يعمهم، ولو كان خيالًا يخص مشركي مكة لما قيل:{يَغْشَى النَّاسَ} ، وأما قوله:{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ} [الدخان: 15] أي: ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدنيا لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب، كقوله تعالى:{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا} [المؤمنون: 75] وقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28]، انتهى.

قلت: ذكر الحافظ

(1)

أثر ابن أبي مليكة وعزاه إلى عبد الرزاق ولفظه: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشينا الدخان قد خرج، وهذا أخشى أن يكون تصحيفًا وإنما هو الدجال بالجيم الثقيلة واللام، انتهى.

(باب قوله: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]: لِدِيْنِ الله، {خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] دِيْنُ الأَوَّلِيْن)

قال العلامة العيني

(2)

: وليس في كثير من النسخ لفظ "باب".

قوله: (لدين الله) تفسير " {لِخَلْقِ اللَّهِ} " وكذا روى الطبري عن إبراهيم النخعي، وفي التفسير، أي: لدين الله، أي: لا يصح ذلك ولا ينبغي أن يفعل، ظاهره نفي ومعناه نهي، هذا قول أكثر العلماء، وفيه قول آخر أخرجه الطبري من طرق عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد: لا تغيير لخلق الله تعالى من البهائم بالخصاء ونحوها.

(1)

"فتح الباري"(8/ 573).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 228، 229).

ص: 238

قوله: ({خُلُقُ الْأَوَّلِينَ}. . .) إلخ، أشار به إلى أن معنى قوله تعالى:{إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} يعني: دين الأولين، وهكذا روي عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وهذا يؤيد الأول، وفيه قول آخر أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن علقمة في قوله:{خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} قال اختلاق الأولين، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كذبهم، ومن طريق قتادة قال: سيرتهم.

قوله: (الفطرة الإسلام) أشار به إلى قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآية [الروم: 30] وفسّر الفطرة بالإسلام وهو قول عكرمة، وقيل: الفطرة هنا الفقر والفاقة، انتهى بزيادة من "الفتح"

(1)

.

(31)

‌ لُقْمَان

هكذا في النسخ الهندية، وفي نسخة الحافظين بزيادة لفظ "سورة والبسملة بعدها"، وفي نسخة "القسطلاني" بزيادة البسملة وبدون لفظ "السورة".

قال الحافظ

(2)

: سقطت "سورة والبسملة" لغير أبي ذر، وسقطت البسملة فقط للنسفي، انتهى.

قال العيني

(3)

: وهي مكية وفيها اختلاف في آيتين، إلى آخر ما تقدم في مبدء سورة الروم، ثم قال: وقال ابن النقيب: قال ابن عباس: هي مكية إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة، وعن الحسن: إلا آية واحدة وهي قوله عز وجل: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [لقمان: 4] لأن الصلاة والزكاة مدنيتان، انتهى.

زاد القسطلاني

(4)

، وضعف لأنه لا ينافي شرعيتهما بمكة، ثم ذكر العيني ترجمة لقمان وقد تقدم في أحاديث الأنبياء فلا حاجة إلى إعادته.

(1)

"فتح الباري"(8/ 512).

(2)

"فتح الباري"(8/ 513).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 229).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 572).

ص: 239

(1 -‌

‌ باب قوله تعالى: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:

13])

هكذا في النسخة "الهندية" وليس في نسخ الشروح الثلاثة لفظ "باب".

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإيمان، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:

34])

قال العلامة العيني

(2)

: هذه الآية نزلت في الوارث بن عمر من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الساعة ووقتها، وقال: أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث؟ وقد تركت امرأتي حبلى فمتى تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ فأنزل الله هذه الآية، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه حديث أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وغير ذلك، وفيه:"خمس لا يعلمهن إلا الله" وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الإيمان، وسيأتي في التوحيد شيء يتعلق بذلك، ثم ذكر الحافظ ها هنا الكلام على معنى الحصر في قوله:"لا يعلمهن إلا الله" وأنه لا منافاة بينه وبين قوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27] وغير ذلك من الآيات والروايات مما يتعلق بعلم الغيب فارجع إليه لو شئت.

(32)

‌ سورة تنزيلُ السَّجْدَة

هكذا في النسخة "الهندية" وكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح" و"العيني":"سورة السجدة" مع البسملة أخيرًا،

(1)

"فتح الباري"(8/ 513).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 230).

(3)

"فتح الباري"(8/ 514).

ص: 240

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر وسقطت البسملة للنسفي، ولغيرهما "تنزيل السجدة" حسب، انتهى.

قال العلامة العيني

(2)

: قال مقاتل: هي مكية وفيها من المدني {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} الآية [السجدة: 16] فإنها نزلت في الأنصار، قال السخاوي: نزلت بعد {قَدْ أَفْلَحَ} وقبل الطور، انتهى.

قوله: (وقال ابن عباس: {الْجُرُزِ} التي لا تمطر) أي: في تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} [السجدة: 27].

قال الحافظ

(3)

: وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن رجل عن مجاهد عنه مثله، وذكره الفريابي وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" من طريق ابن أبي نجيح عن رجل عن ابن عباس كذلك، زاد إبراهيم: وعن مجاهد قال: هي أرض أبين، وأنكر ذلك الحربي وقال: أبين مدينة معروفة باليمن، فلعل مجاهدًا قال ذلك في وقت لم تكن أبين تنبت فيه شيئًا، وأخرج ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في قوله:{إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} قال: هي أرض باليمن، وقال أبو عبيدة:{الْأَرْضِ الْجُرُزِ} : اليابسة الغليظة التي لم يصبها مطر، انتهى من "الفتح".

(1 -‌

‌ باب قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} [السجدة:

17])

قرأ الجمهور {أُخْفِيَ} بالتحريك على البناء للمفعول، وقرأ حمزة بالإسكان فعلًا مضارعًا مسندًا للمتكلم، ويؤيده قراءة ابن مسعود "نخفي" بنون العظمة، وقرأها محمد بن كعب "أخفى" بفتح أوله وفتح الفاء على البناء للفاعل وهو الله، ونحوها قراءة الأعمش "أخفيت"، وذكر المصنف في آخر الباب أن أبا هريرة قرأ:"قُرّات أعين" بصيغة الجمع وبها قرأ ابن مسعود أيضًا وأبو الدرداء، قال أبو عبيدة: ورأيتها في المصحف الذي يقال له

(1)

"فتح الباري"(8/ 515).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 231، 232).

(3)

"فتح الباري"(8/ 515).

ص: 241

الإمام: {قُرَّةَ} بالهاء على الوحدة وهي قراءة أهل الأمصار.

قوله: (يقول الله تعالى: أعددت لعبادي) ووقع في حديث آخر أن سبب هذا الحديث أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه: "من أعظم أهل الجنة منزلًا؟ فقال: غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" أخرجه مسلم والترمذي من طريق الشعبي: سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "أن موسى سأل ربه" فذكر الحديث بطوله وفيه هذا، وفي آخره: قال: "ومصداق ذلك في كتاب الله {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} "[السجدة: 17].

قوله: (ولا خطر على قلب بشر) زاد ابن مسعود في حديثه: "ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل" أخرجه ابن أبي حاتم، وهو يدفع قول من قال: إنما قيل: البشر؛ لأنه يخطر بقلوب الملائكة، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (من بله ما أطلعتم عليه. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: قال الخطابي: كأنه يقول: دع ما أطلعتم عليه فإنه سهل في جنب ما ادخر لهم، قلت: وهذا لائق بشرح "بله" بغير تقدم "من" عليها، وأما إذا تقدمت "من" عليها فقد قيل: هي بمعنى "كيف"، ويقال: بمعنى "أجل"، ويقال: بمعنى "غير" أو "سوى"، ويقال: بمعنى "فضل"، لكن قال الصغاني: اتفقت نسخ الصحيح على "من بله" والصواب إسقاط كلمة "من" وتعقب بأنه لا يتعين إسقاطها إلا إذا فسرت بمعنى "دع"، وأما إذا فسرت بمعنى "من أجل" أو "من غير" أو "سوى" فلا، وقد ثبت في عدة مصنفات خارج الصحيح بإثبات من، إلى آخر ما بسط الحافظ.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: كلمة "من" زائد و"بله" معناه حسب، أي: حسبكم ما ذكر في القرآن في تصديق ما قلته، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 516).

(2)

"فتح الباري"(8/ 516).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 146).

ص: 242

وذكر في هامشه ما تقدم من كلام الحافظ وفيه أيضًا: قال المجد في "القاموس"

(1)

: بله، ككيف: اسم لدع، ومصدر بمعنى الترك، واسم مرادف لكيف، وما بعدها منصوب على الأول، مخفوض على الثاني، مرفوع على الثالث، وفتحها بناء على الأول والثالث، وإعراب على الثاني، وفي تفسير سورة السجدة من البخاري:"ولا خطر على قلب بشر، ذخرًا من بله ما أطلعتم عليه" فاستعملت معربة مجرورة بمن خارجة من المعاني الثلاثة وفسرت بغير وهو موافق لقول من يعدّها من ألفاظ الاستثناء وبمعناها، انتهى.

(33)

‌ الأحزاب

وهكذا في نسخة "القسطلاني" من غير لفظ السورة والبسملة، وفي نسخة الحافظين بزيادتهما.

قال العيني

(2)

: وهي مدنية كلها لا اختلاف فيها، قال السخاوي: نزلت بعد آل عمران وقبل سورة الممتحنة، انتهى.

قوله: (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه، في قوله:{صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب: 26] هي (قصورهم) وحصونهم، جمع صيصة، يقال لكل ما يمتنع به ويتحصن: صيصة، ومنه قيل لقرن الثور ولشوكة الديك: صيصة، والصياصي أيضًا شوكة الحاكة وتتخذ من حديد، قال دريد ابن الصمة.

كوقع الصياصي في النسيج الممدد، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

‌(باب قوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:

5])

وفي نسخة الشروح بزيادة قوله: {هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5].

قال القسطلاني

(4)

: وسقط {هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} لغير أبوي الوقت وذر، و"باب" لغير أبي ذر، انتهى.

(1)

"القاموس"(ص 1120).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 234).

(3)

"إرشاد الساري"(10/ 580).

(4)

"إرشاد الساري"(10/ 581).

ص: 243

قال الحافظ

(1)

: أي أعدل، وسيأتي تفسير القسط والفرق بين القاسط والمقسط في آخر الكتاب، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب: 23]. . .) إلخ

قال الحافظ

(2)

: قوله: " {نَحْبَهُ} عهده" قال أبو عبيدة في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي: نذره، والنحب النذر، والنحب أيضًا النفس، والنحب أيضًا الخطر العظيم، وقال غيره: النحب في الأصل النذر ثم استعمل في آخر كل شيء، وعن الحسن:{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} قال: قضى أجله على الوفاء والتصديق، وهذا مخالف لما قاله غيره، بل ثبت عن عائشة أن طلحة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أنت يا طلحة ممن قضى نحبه" أخرجه ابن ماجه والحاكم، ويمكن أن يجمع بحمل حديث عائشة على المجاز، وقضى بمعنى يقضي، ووقع في تفسير ابن أبي حاتم:"منهم عمار بن ياسر"، وفي تفسير يحيى بن سلام:"منهم حمزة وأصحابه"، وقد تقدم في قصة أنس بن النضر قول أنس بن مالك: منهم أنس بن النضر، وعند الحاكم من حديث أبي هريرة: منهم مصعب بن عمير، انتهى.

قوله: (لم أجدها إلا مع خزيمة. . .) إلخ، تقدم الكلام عليها من اختلاف الروايات والجمع بينها في آخر تفسير سورة براءة.

قوله: (جعل شهادته رجلين. . .) إلخ، قال الحافظ

(3)

: (تنبيه): زعم ابن التِّين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته شهادتين: "لا تعد" أي: تشهد على ما لم تشاهده، انتهى، وهذه الزيادة لم أقف عليها، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 517).

(2)

"فتح الباري"(8/ 518).

(3)

"فتح الباري"(8/ 519).

ص: 244

(4 -‌

‌ باب قوله: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب:

28])

قوله: (التبرج أن تخرج زينتها) هو قول أبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى ولفظه في "كتاب المجاز" في قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} الآية [الأحزاب: 33] هو من التبرج وهو أن يبرزن محاسنهن، وتوهم مغلطاي ومن قلّده أن مراد البخاري معمر بن راشد فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر، ولا وجود لذلك في تفسير عبد الرزاق، وإنما أخرج عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية، قال: كانت المرأة تخرج تتمشى بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية، وعند ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج إذا خرجن من البيوت فنهين عن ذلك، ومن طريق عكرمة عن ابن عباس قال: قال عمر: ما كانت إلا جاهلية واحدة، فقال له ابن عباس: هل سمعت بأولى إلا ولها آخر؟ ومن وجه آخر عنه قال: كانت الجاهلية الأولى ألف سنة فيما بين نوح وإدريس، وإسناده قوي، ومن حديث عائشة قالت: الجاهلية الأولى بين نوح وإبراهيم، وإسناده ضعيف، ومن طريق الشعبي قال: هي ما بين عيسى ومحمد، انتهى

(1)

.

وتعقب العلامة العيني على قول الحافظ: وتوهم مغلطاي إلى آخر ما تقدم، فقال

(2)

: لم يقل الشيخ علاء الدين مغلطاي معمر بن راشد وإنما قال: هذا رواه عبد الرزاق عن معمر، ولم يقل أيضًا: في تفسيره، حتى يشنع عليه بأنه لم يوجد في تفسيره، وعبد الرزاق له تآليف أخرى غير تفسيره وحيث أطلق معمرًا يحتمل أحد المعمرين، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 519، 520).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 237).

ص: 245

(5 -‌

‌ باب قوله: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} [الأحزاب:

29])

قوله: (وقال قتادة: الحكمة القرآن والسُّنَّة) وصله ابن أبي حاتم عن قتادة بلفظ " {مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} الآية [الأحزاب: 34] القرآن والسُّنَّة" أورده بصورة اللف والنشر المرتب، وكذا هو في تفسير عبد الرزاق، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وفي "تفسير الجلالين"

(2)

: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] أي: العلم النافع المؤدي إلى العمل، انتهى.

وفي حاشية "الجمل"

(3)

: اختلف العلماء في الحكمة فقال السدي: هي النبوة، وابن عباس: هي المعرفة بالقرآن فقهه ونسخه ومحكمه ومتشابهه وغريبه ومقدّمه ومؤخره، وقال قتادة ومجاهد: الحكمة الفقه في القرآن، وقال مجاهد: الإصابة في القول والفعل، وقال ابن زيد: الحكمة الفقه في الدين، وقال مالك بن أنس: الحكمة المعرفة بدين الله والفقه فيه والاتباع له، وروى عنه ابن القاسم أنه قال: الحكمة التفكر في أمر الله تعالى والاتباع له.

وقال أيضًا: الحكمة طاعة الله تعالى والفقه في الدين والعمل به، وقال الربيع بن أنس: هي الخشية، وقال النخعي: هي الفهم في القرآن، وقال الحسن: هي الورع، قلت: وهذه الأقوال كلها ما عدا قول السدي والربيع والحسن قريب بعضها من بعض؛ لأن الحكمة مصدر من الإحكام وهو الإتقان في عمل وقول وكل ما ذكر في قول من الأقوال فهو نوع من الحكمة التي هي الجنس، فكتاب الله حكمة، وسُنَّة نبيه حكمة، وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه، فقيل للعلم حكمة لأنه يمتنع به من السفه،

(1)

"فتح الباري"(8/ 520).

(2)

"تفسير الجلالين"(ص 60).

(3)

"الفتوحات الإلهية"(1/ 223، 224).

ص: 246

وهو كل فعل قبيح، وكذا القرآن والعقل والفهم، انتهى.

وقد تقدم بعض الأقوال في تفسير الحكمة في مناقب ابن عباس.

قوله: (لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه) قال الحافظ

(1)

: ورد في سبب هذا التخيير ما أخرجه مسلم من حديث جابر قال: "دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث.

في قوله صلى الله عليه وسلم: (هن حولي كما ترى يسألنني النفقة) يعني: نساءه، وفيه أنه اعتزلهن شهرًا ثم نزلت عليه هذه الآية {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} حتى بلغ {أَجْرًا عَظِيمًا} [لأحزاب: 28 - 29]، قال: فبدأ بعائشة فذكر نحو حديث الباب.

ثم ذكر الحافظ اختلاف الروايات في سبب الاعتزال إلى أن قال: ويمكن الجمع بأن تكون القضيتان جميعًا سبب الاعتزال فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة، ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين، وقال الماوردي: اختلف هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة أو بين الطلاق والإقامة عنده على قولين للعلماء أشبههما بقول الشافعي الثاني، ثم قال: إنه الصحيح.

قال الحافظ: والذي يظهر الجمع بين القولين لأن أحد الأمرين ملزوم للآخر وكأنهن خيرن بين الدنيا فيطلقهن وبين الآخر فيمسكهن، وهو مقتضى سياق الآية، انتهى ملخصًا من "الفتح".

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ} [الأحزاب:

37])

قال الحافظ

(2)

: لم تختلف الروايات أنها نزلت في قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش.

قوله: (إن هذه الآية {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} نزلت. . .) إلخ،

(1)

"فتح الباري"(8/ 520، 521).

(2)

"فتح الباري"(8/ 523، 524).

ص: 247

هكذا اقتصر على هذا القدر من هذه القصة، وقد أخرجه في التوحيد من وجه آخر عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اتق الله وأمسك عليك زوجك" قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا لكتم هذه الآية، الحديث، وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة من طريق السدي فساقها سياقًا واضحا حسنًا، ولفظه: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه، ثم أعلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بعد أنها من أزواجه، فكان يستحيي أن يأمر بطلاقها وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون من الناس، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك عليه زوجه وأن يتق الله، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدًا.

إلى أن قال الحافظ: ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد، انتهى.

وفي "الفيض"

(1)

: قوله: " {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} " واعلم أن القصص المنقولة فيه كلها أباطيل وترّهات، والذي صح عندنا من خبره أنه كان بين زيد وزينب منافرة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يمسكها وينصحه بذلك وينهاه عن فراقها، وكان يضمر في نفسه أنه إن أسمعه ما يكره فإنه يتزوجها بنفسه؛ وذلك لأن زيدًا كان مطعونًا في نسبه وكانت زينب فيهم ذات نسب، وإنما رضيت بالتزوج منه لوجه النبي صلى الله عليه وسلم فقط فلما أزمع زيد على أن يطلقها تحدث نفسه أن يكرمها بتزوجها جبرًا لهذا الإيحاش والهوان، وكان في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم إياها تلافيًا لما صدر منه على أتم وجه، غير أن تزوج امرأة

(1)

"فيض الباري"(5/ 357، 358).

ص: 248

المتبنى كان عندهم شينًا فأراد الله سبحانه أن لا يبقى في أزواج أدعيائهم حرج فأنكحه إياها بعد طلاقها، إلى آخر ما بسط.

(7 -‌

‌ باب قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ. . .} الآية [الأحزاب:

51])

قال الحافظ

(1)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، وحكى الواحدي عن المفسرين أن هذه الآية نزلت عقب نزول آية التخيير، وذلك أن التخيير لما وقع أشفق بعض الأزواج أن يطلقهن ففوضن أمر القسم إليه فأنزلت {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} الآية.

وقوله: (قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) أي: ما أرى الله إلا موجدًا لما تريد بلا تأخير منزلًا لما تحب وتختار، انتهى من "الفتح"

(2)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: قوله: "ما أرى ربك. . ." إلخ، حيث أطلق لك كل ما أحببته فكان كل امرأة لك كالإماء والمملوكات، وفيه يظهر المناسبة بقولها:"كنت أغار على اللاتي. . ." إلخ، فإن الآية إذا نزلت علم أن الواهبة نفسها لم ترتكب بأسًا حيث وهبت نفسها لمالك رقها بتصديق الآية وحكمها بذلك، والله أعلم، انتهى.

وفي هامشه عن "الفتح": وحاصل ما نقل في تأويل {تُرْجِي} أقوال: أحدها: تطلق وتمسك، ثانيها: تعتزل من شئت منهن بغير طلاق وتقسم لغيرها، ثالثها: تقبل من شئت من الواهبات وترد من شئت، وحديث الباب يؤيد هذا والذي قبله، واللفظ محتمل للأقوال الثلاثة وظاهر ما حكته عائشة من استئذانه أنه لم يرج أحدًا منهن بمعنى أنه لم يعتزل، وهو قول الزهري: ما أعلم أنه أرجأ أحدًا من نسائه، أخرجه ابن أبي حاتم، وعن قتادة: أطلق له أن يقسم كيف شاء فلم يقسم إلا بالسوية، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 525).

(2)

"فتح الباري"(8/ 526).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 147).

ص: 249

قال صاحب "الجمل"

(1)

: واختلف العلماء في تأويل هذه الآية وأصح ما قيل فيها التوسعة على النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القسم فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته، وهذا القول هو الذي ثبت معناه في "الصحيح" عن عائشة رضي الله تعالى عنها، فذكر حديث الباب، انتهى.

وفي حاشية أبي داود: والمذهب عند الحنفية أنه لم يكن القسم واجبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} الآية، وبذلك صرَّح الشامي أن القسم لم يكن واجبًا عليه، انتهى.

وكذا حكى ابن كثير مذهب طائفة من الفقهاء الشافعية، وبسط البجيرمي الشافعي في حاشية "شرح الإقناع" الاختلاف بين الشافعية في ذلك، وهكذا صرَّح الدردير المالكي بعدم وجوب القسم وهو الراجح في مذهبهم، كما صرَّح به الزرقاني في "شرح المواهب" وقال في موضع آخر: وبه جزم الأصطخري من الشافعية، وصححه الغزالي في "الخلاصة"، واقتصر عليه في "الوجيز"، والبلقيني والسيوطي، وهو المختار للأدلة الصريحة الصحيحة، انتهى من هامش "اللامع".

(8 -‌

‌ باب قوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب:

53]

قوله: (يقال: {إِنَاهُ}: إدراكه، أنى يأني أناة. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: أنى بفتح الألف والنون مقصور، ويأني بكسر النون، وأناة بفتح الهمزة والنون مخففًا وآخره هاء تأنيث بغير مدّ: مصدر، قال أبو عبيدة في قوله تعالى:{إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] أي: إدراكه وبلوغه، ويقال: أنى يأنى أنيًا، أي: بلغ وأدرك، وقوله: أنيًا بفتح الهمزة وسكون النون مصدر أيضًا، وقرأ الأعمش وحده "آناه" بمد أوله بصيغة الجمع مثل

(1)

"الفتوحات الإلهية"(3/ 447).

(2)

"فتح الباري"(8/ 528 - 531).

ص: 250

{آنَاءَ اللَّيْلِ} ولكن بغير همز في آخره، انتهى.

ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث أنس عن عمر قال: "قلت: يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب" وهو طرف من حديث أوله: "وافقت ربي في ثلاث" وقد تقدم بتمامه في أوائل الصلاة وفي تفسير البقرة.

ثانيها: حديث أنس في قصة بناء النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول آية الحجاب، أورده من أربعة طرق عن أنس بعضها أتم من بعض.

وثالثها: حديث عائشة: خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب. . . إلخ، وقد تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري هذه عن عروة.

قال الكرماني: فإن قلت: وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجات وتقدم في الوضوء أنه كان قبل الحجاب، فالجواب: لعله وقع مرتين، قلت: بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني، والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرَّح بقوله له عليه الصلاة والسلام:"احجب نساءك" وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج، وقد اعترض بعض الشرَّاح بأن إيراد الحديث المذكور في الباب ليس مطابقًا بل إيراده في عدم الحجاب أولى، وأجيب بأنه أحال على أصل الحديث كعادته، وكأنه أشار إلى أن الجمع بين الحديثين ممكن، انتهى من "الفتح".

قلت: وبالتوجيه الذي أجاب به الحافظ جزم الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

في كتاب الطهارة إذ كتب: قوله: "فأنزل الله الحجاب" أي:

(1)

"لامع الدراري"(2/ 103 - 107).

ص: 251

الذي كان يهواه عمر لهن، إذ الحجاب الشرعي قد كان نزل من قبل، والحاصل أن عمر كان يهوى أن لا يخرجن محتجبات أيضًا ويتبرزن في البيوت، فصار ذلك مستحبًا بعد زمان، وإن بقي الجواز بعده أيضًا، فالفاء في قوله:"فأنزل الله" ليست للتعقيب الغير المتراخي، انتهى.

وفي هامشه: وعلى هذا التوجيه لا يبقى الإشكال الذي أورده الكرماني من التعارض بين الروايتين والتفصيل في هامش "اللامع".

ثم إنه قد ترجم المصنف في كتاب الاستئذان بقوله: "باب آية الحجاب" وذكر فيه حديث أنس في قصة بناء النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، والثاني حديث عائشة في قصة سودة وهناك فيه زيادة ليست ها هنا، وهي قوله:"قالت: فأنزل الله عز وجل آية الحجاب" فيشكل ها هنا نزول آية الحجاب في قصتين.

قال العلامة القسطلاني

(1)

: واستشكل بأنه ثبت أن قصة زينب كانت سببًا لنزول آية الحجاب فتعارضا، وأجيب: بأن عمر حرض على ذلك، حتى قال لسودة ما قال، فوقعت القصة المتعلقة بزينب فنزلت الآية، فكان كل من الأمرين سببًا لنزولها، أو أن عمر تكرر منه هذا القول قبل الحجاب وبعده، أو أن بعض الرواة ضم قصة إلى أخرى، انتهى.

ثم إنه قد ذكر العلامة القسطلاني ها هنا موافقات عمر رضي الله عنه بتمامها مبسوطًا، قال

(2)

: وقد تحصل من جملة الأخبار لعمر من الموافقات خمسة عشر: تسع لفظيات، وأربع معنويات، وثنتان في التوراة، ثم ذكرها، وفي هامش "الكوكب الدري"

(3)

: وقد وصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين، ذكرها صاحب "الجمل" والعلامة السيوطي في "تاريخ الخلفاء" وللسيوطي رسالة مستقلة فيها "قطف الثمر في موافقات عمر".

(1)

"إرشاد الساري"(13/ 285).

(2)

"إرشاد الساري"(10/ 595).

(3)

"الكوكب الدري"(2/ 321).

ص: 252

(9 -‌

‌ باب قوله: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب:

54])

ذكر فيه حديث عائشة في قصة أفلح أخي أبي القعيس، ومطابقته للترجمة من قوله:{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] إلى آخره، فإن ذلك من جملة الآيتين، وقوله في الحديث:"ائذني له فإنه عمك" مع قوله في الحديث الآخر: "العمّ صنو الأب" وبهذا يندفع اعتراض من زعم أنه ليس في الحديث مطابقة للترجمة أصلًا، وكأنّ البخاري رمز بإيراد هذا الحديث إلى الردّ على من كره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها كما أخرجه الطبري عن عكرمة والشعبي أنه قيل لهما: لِم لَم يذكر العم والخال في هذه الآية فقالا: لأنهما ينعتاها لأبنائهما، وكرها لذلك أن تضع خمارها عند عمها أو خالها، وحديث عائشة في قصة أفلح يرد عليهما، وهذا من دقائق ما في تراجم البخاري، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(10 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب:

56])

قوله: (قال ابن عباس: {يُصَلُّونَ} يبركون) وصله الطبري عنه في قوله: {يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قال: يبركون على النبي، أي: يدعون له بالبركة، فيوافق قول أبي العالية، لكنه أخصّ منه، وقد سئلت عن إضافة الصلاة إلى الله تعالى دون السلام وأمر المؤمنين بها وبالسلام، فقلت: يحتمل أن يكون السلام له معنيان: التحية والانقياد، فأمر به المؤمنون لصحتهما منهم، والله وملائكته لا يجوز منهم الانقياد، فلم يضف إليهم دفعًا للإيهام، والعلم عند الله.

قوله: {لَنُغْرِيَنَّكَ} لنسلطنك) كذا وقع هذا ها هنا، ولا تعلق له بالآية وإن كان من جملة السورة، فلعله من الناسخ، وهو قول ابن عباس، ووصله

(1)

"فتح الباري"(8/ 532).

ص: 253

الطبري أيضًا من طريق علي بن أبي طلحة عنه، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: ({لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزاب: 69]. . .) إلخ، وهكذا في نسخة "القسطلاني" بغير لفظ "باب"، وفي نسخة "الفتح" و"العيني" بزيادة لفظ "باب"، فهذه ترجمة مستقلة.

وقال الحافظ: ذكر فيه طرفًا من قصة موسى مع بني إسرائيل، وقد تقدم بسنده مطولًا في أحاديث الأنبياء، وقد روى أحمد بن منيع في "مسنده" والطبري وابن أبي حاتم بإسناد قوي عن ابن عباس عن علي قال:"صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقال بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته كان ألين لنا منك وأشد حبًا فآذوه بذلك، فأمر الله الملائكة فحملته، فمرت به على مجالس بني إسرائيل فعلموا بموته"، قال الطبري: يحتمل أن يكون هذا المراد بالأذى في قوله: " {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} " قلت: وما في "الصحيح" أصح من هذا، لكن لا مانع أن يكون للشيء سببان فأكثر كما تقدم تقريره غير مرة، انتهى.

(34)

‌ سبأ

كذا في النسخة "الهندية"، وفي نسخة "القسطلاني" بزيادة البسملة بغير لفظ سورة، وفي نسخة الحافظين بزيادتهما. قال القسطلاني

(2)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر كلفظ سورة، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: وهذه السورة سميت بقوله فيها: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ} الآية [سبأ: 15]، قال ابن إسحاق وغيره: هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ووقع عند الترمذي وحسّنه من حديث فروة بن مسيك قال: "أنزل في سبأ ما أنزل، فقال رجل: يا رسول الله!

(1)

"فتح الباري"(8/ 534).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 3).

(3)

"فتح الباري"(8/ 535).

ص: 254

وما سبأ أرض أو امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن ستة وتشاءم أربعة" الحديث، قال: وفي الباب عن ابن عباس، قلت: حديث ابن عباس وفروة صححهما الحاكم، وأخرج ابن أبي حاتم في حديث فروة زيادة: "أنه قال: يا رسول الله! إن سبأ قوم كان لهم عز في الجاهلية، وإني أخشى أن يرتدوا فأقاتلهم؟ قال: ما أمرت فيهم بشيء فنزلت: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} فقال له رجل: يا رسول الله! وما سبأ" فذكره، انتهى.

وقال العلامة العيني

(1)

: قال مقاتل: هي مكية غير آية واحدة: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ} الآية [سبأ: 6]، انتهى.

قوله: (العرم السد) قال القسطلاني

(2)

: أي: في قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16] هو "السد" بضم السين وفتحها وتشديد الدال المهملتين، الذي يحبس الماء بنته بلقيس، وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فأمرت به فسدّ، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني:"سيل العرم: السد" وله عن الحموي "الشديد" بشين معجمة بوزن عظيم: السيل "ماء أحمر أرسله في السد"، ولأبي ذر:"أرسله الله في السد" بفتح سين السد فيهما في اليونينية، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: قوله: "ماء أحمر. . ." إلخ، وهذا ليس بيانًا للسد بل هو بيان لما "أرسلنا" في قوله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16]، ثم التفاسير الثلاثة للعرم متقاربة والاختلاف بينها غير كثير، انتهى.

وفي هامشه: في "تقرير المكي": قوله: "سيل العرم" العرم بمعنى الشدة والفساد، وقوله:"السد" ليس تفسيرًا للعرم، بل هو تمهيد إلى القصة، وهو ما بيَّنه بقوله:"ماء أحمر. . ." إلخ، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 251).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 5).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 148، 149).

ص: 255

والتفاسير الثلاثة للعرم التي أشار إليه الشيخ في كلامه هي التي ذكرها الإمام البخاري: الأول بقوله: "العرم: السد" والثاني بقوله: "العرم: المسناة" والثالث بقوله: "الوادي" إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع".

(1 -‌

‌ باب قوله: {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23]. . .) إلخ

وفي نسخ الشروح الثلاثة: "باب {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} الآية" كما في التنزيل العزيز.

قوله: (إذا قضى الله الأمر في السماء) قال الحافظ

(1)

: في حديث النواس بن سمعان عند الطبراني مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع أهل السماء بذلك صعقوا وخروا سجدًا، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به على الملائكة، كلما مرَّ بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا، قال: الحق فينتهي به حيث أمر".

قوله: (كأنه) أي: القول المسموع (سلسلة على صفوان) هو مثل قوله في بدء الوحي: "صلصلة كصلصلة الجرس" وهو صوت الملك بالوحي، وقد روى ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه:"إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة" وقرأ {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} الآية، قال الخطابي: الصلصلة صوت الحديد إذا تحرك وتداخل، وكأن الرواية وقعت له بالصاد، وأراد أن التشبيه في الموضعين بمعنى واحد فالذي في بدء الوحي هذا، والذي هنا جر السلسلة من الحديد على الصفوان الذي هو الحجر الأملس يكون الصوت الناشي، عنهما سواء، انتهى.

قوله: (وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه. . .) إلخ، أي:

(1)

"فتح الباري"(8/ 538).

ص: 256

فرّق، وفي رواية عليّ:"ووصف سفيان بيده ففرج بين أصابع يده اليمنى، نصبها بعضها فوق بعض" وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه: "كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يسمعون منه الوحي يعني يلقيها" زاد علي عن سفيان: "حتى ينتهي إلى الأرض فيلقي على لسان الساحر. . ." إلخ، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "فحرفها" أي: أشار بها محرفة لا بجعل اليد مستقيمة فيفعلها هكذا (الخط المستقيم)، بل فعلها هكذا/ (الخط المعوج)، انتهى.

وفي هامشه بعد نقل كلام الحافظ المتقدم: قلت: وحديث علي الذي أشار إليه الحافظ تقدم في البخاري في تفسير سورة الحجر، وفي "مجمع البحار": ووصف سفيان بكفه فحرفها أي أمالها، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ:

46])

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه طرفًا من حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] وقد تقدم شرحه مستوفى سورة الشعراء، انتهى.

(35)

‌ الملائكة

كذا في النسخة "الهندية"، وكذا في نسخة "القسطلاني" بزيادة البسملة بعده، وفي نسخة "العيني":"سورة الملائكة". وفي نسخة "الفتح": "سورة الملائكة ويس" قال الحافظ

(4)

: كذا لأبي ذر، وسقط لغيره لفظ سورة ويس والبسملة، والأولى سقوط لفظ يس لأنه مكرر، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 538).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 150).

(3)

"فتح الباري"(8/ 539).

(4)

"فتح الباري"(8/ 540).

ص: 257

وقال العيني

(1)

: وهي مكية نزلت قبل سورة مريم وبعد سورة الفرقان، انتهى.

قلت: وسورة الملائكة هي المعروفة بسورة فاطر.

قوله: (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي: (القطمير) هو (لفافة النواة) وهو مثل في القلة كقوله:

وأبوك يخصف نعله متوركًا

ما يملك المسكين من قطمير

وقيل: هو القمع، وقيل: ما بين القمع والنواة.

(وقال ابن عباس) في تفسير الحرور: (الحرور بالليل، والسموم) بفتح المهملة (بالنهار) ونقله ابن عطية عن روبة، وقال: ليس بصحيح بل الصحيح ما قاله الفراء، وذكره في "الكشاف" الحرور السموم إلا أن السموم بالنهار والحرور فيه وفي الليل، قال في "الدر": وهذا عجيب منه كيف يردّ على أصحاب اللسان بقول من يأخذ عنهم، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

(36)

‌ سورة يس

هكذا في "الهندية"، وكذا في نسخ الشروح الثلاثة، وليست البسملة إلا في نسخة "العيني" أخيرًا. قال العلامة العيني

(3)

: ولم يثبت هذا (سورة يس) هنا لأبي ذر، وقد مرّ أن في روايته "سورة الملائكة ويس" والصواب إثباته ها هنا، وقال أبو العباس: هي مكية بلا خلاف نزلت قبل سورة الفرقان وبعد سورة الجن.

وقوله: (قال مجاهد: فعزّزنا شدّدنا) أي: في قوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: 14] ولفظه في تفسير عبد بن حميد: شدّدنا بثالث، وكانت

(1)

"عمدة القاري"(13/ 257).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 9، 10).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 258).

ص: 258

رسل عيسى عليه الصلاة والسلام الذين أرسلهم إلى صاحب أنطاكية ثلاثة: صادق وصدوق وشلوم، والثالث هو شلوم، وقيل: الثالث شمعون، انتهى.

قلت: وتقدم في "باب قول الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس: 13] من كتاب الأنبياء الكلام على أسماء هذه الرسل الثلاثة، والتحقيق في أنهم هم رسل المسيح أم لا، فكن منه على ذكر.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:

38])

قال العلامة القسطلاني

(1)

: وسقط "باب" لغير أبي ذر.

قوله: ({وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}) واللام في "لمستقر" بمعنى إلى، والمراد بالمستقر إما الزماني وهو منتهى سيرها وسكون حركتها يوم القيامة حين تكور، وينتهي هذا العالم إلى غايته، وإما المكاني وهو ما تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش كجميع المخلوقات، لأنه سقفها، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أهل الهيئة، بل هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، أو المراد غاية ارتفاعها في كبد السماء فإن حركتها إذ ذاك يوجد فيها إبطاء بحيث يظن أن لها هناك وقفة، والثاني أنسب بالحديث المسوق في الباب، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث أبي ذر مختصرًا، وأخرجه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ:"تذهب حتى تنتهي تحت العرش عند ربها" وزاد: "ثم تستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها، وتستشفع وتطلب فإذا كان ذلك قيل: اطلعي من مكانك" وذلك قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 12، 13).

(2)

"فتح الباري"(8/ 541).

ص: 259

قال العيني

(1)

: والحديث أخرجه البخاري في مواضع: منها في بدء الخلق، انتهى.

قلت: وسيأتي في التوحيد أيضًا.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: هناك: قوله: "مستقرها تحت العرش" فكان عروجًا لها إليه، ولا ينكر ما في الشمس من روحانية، انتهى.

وفي هامشه: أجاب به الشيخ قُدِّس سرُّه ما يرد على استئذان الشمس وسجودها مع كونها من الجمادات.

قال الحافظ: قال ابن بطال: استئذان الشمس معناه: أن الله تعالى يخلق فيها حياةً يوجد القول عندها؛ لأن الله تعالى قادر على إحياء الجماد والموات، وقال غيره: يحتمل أن يكون الاستئذان أسند إليها مجازًا، والمراد من هو موكل بها من الملائكة، انتهى.

قال النووي: وأما سجود الشمس فهو تمييز وإدراك يخلقه الله فيها، انتهى من "هامش اللامع".

قلت: وبسط العلَّامة النووي في "شرح مسلم"

(3)

الكلام على معنى قوله: مستقرها تحت العرش، فارجع إليه لو شئت.

قال العلامة العيني

(4)

: فإن قلت: قد قال الله تعالى: {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] فبينهما تخالف؟ قلت: لا تخالف فيه لأن المذكور في الآية إنما هو نهاية مدرك البصر إياها حال الغروب، ومصيرها تحت العرش للسجود إنما هو بعد الغروب، وليس معنى {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} سقوطها فيها، وإنما هو خبر عن الغاية التي بلغها ذو القرنين في مسيره حتى لم يجد

(1)

"عمدة القاري"(13/ 260).

(2)

"لامع الدراري"(10/ 343).

(3)

انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم"(1/ 474).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 261).

ص: 260

وراءها مسلكًا لها فوقها أو على سمتها، كما يرى عند غروبها من كان في لجة البحر لا يبصر الساحل كأنها تغرب في البحر وهي في الحقيقة تغرب وراءها، والله أعلم، انتهى.

(37)

‌ وَالصَّافَّات

وهكذا في نسخة "القسطلاني" بدون البسملة ولفظ السورة، وفي نسخة الحافظين بزيادتهما.

قال العيني

(1)

: وهي مكية إلا ما روي عن عبد الرحمن بن زيد أن قوله: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51] إلى آخر هذه القصة، انتهى من "العيني".

قوله: (وقال مجاهد) في قوله تعالى بسورة سبأ: ({وَيَقْذِفُونَ}) بفتح أوله وكسر ثالثه ({بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ})[سبأ: 53] أي: من كل مكان، وعند ابن أبي حاتم عنه من مكان بعيد، يقولون: هو ساحر هو كاهن هو شاعر، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

وقال الحافظ

(3)

: سقط هذا لأبي ذر، انتهى.

قلت: وليس هذا القول في نسخة "الكرماني" و"العيني"، وليس هو من سورة الصافات بل من سورة سبأ كما تقدم، ولعل الإمام البخاري ذكره لمناسبة قوله:{. . . وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا} وهو من "الصافات"، ومن دأب الإمام البخاري أنه يذكر بعضُ الألفاظ لمناسبة بعض كما لا يخفى على ناظري الكتاب، والبسط في هامش "اللامع"

(4)

.

قوله: ({تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28]) كتب الشيخ في "اللامع"

(5)

: وإتيان اليمين كناية عن كون المقالة حقًا، والمعنى تظهرون لنا أن الذي تقولون لنا حق وصواب، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 261).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 14).

(3)

"فتح الباري"(8/ 542).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 151).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 152، 153).

ص: 261

وبسط في هامشه الكلام على تفسير هذه الآية، وكتب الشيخ أيضًا: قوله: "لا تذهب عقولهم" تفسير للنفي لا المنفي فقط، وإن لم يذكر حرف النفي ها هنا، انتهى.

قوله: (غول وجع بطن) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [ال‌

‌ص

افات: 47] وفسر قوله: "غول" بقوله: "وجع بطن"، وهذا قول قتادة، وعن الكلبي: لا فيها إثم، نظيره:{لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] وعن الحسن: صداع، وقيل: لا تذهب عقولهم، وقيل: لا فيها ما يكره.

قوله: ({يَزِفُّونَ} النسلان في المشي) قال الحافظ

(1)

: سقط هذا لأبي ذر، وقد وصله عبد بن حميد من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله:{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] قال: الوزيف النسلان، انتهى.

والنسلان بفتحتين: الإسراع مع تقارب الخطا، وهو دون السعي، انتهى.

قلت: وقد تقدم في "كتاب الأنبياء""باب يزفون النسلان في المشي"، وتقدم الكلام عليه هناك.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:

139])

ذكر فيه حديث ابن مسعود "لا ينبغي لأحد أن يكون خيرًا من يونس ابن متى" وحديث أبي هريرة، وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الأنبياء

(2)

.

(38)

ص

كذا في النسخة "الهندية" بدون لفظ سورة، وكذا في نسخة "القسطلاني" لكن بزيادة البسملة بعدها، وفي نسخة "الحافظين" بزيادة لفظ السورة والبسملة كليهما.

(1)

"فتح الباري"(8/ 543).

(2)

"فتح الباري"(8/ 543).

ص: 262

قال الحافظ

(1)

: سقطت البسملة فقط للنسفي، واقتصر الباقون على ص، وحكمها حكم الحروف المقطعة أوائل السور، وقد قرأها عيسى بن عمر بكسر الدال، فقيل: للدرج، وقيل: بل هي عنده فعل أمر من المصاداة وهي المعارضة كأنه قيل: عارض القرآن بعملك، والأول هو المشهور، وسيأتي مزيد بيان في أسماء السور في أول غافر، انتهى.

وقال العلامة العيني

(2)

: وهي مكية بلا خلاف نزلت بعد سورة الانشقاق وقبل الأعراف، واختلف في معناه؛ فعن ابن عباس: بحر بمكة كان عليه عرش الرحمن لا ليل ولا نهار، وعن سعيد بن جبير: بحر يحيي الله به الموتى بين النفختين، وعن الضحاك:(ص) صدق الله تعالى، وعن مجاهد: فاتحة السورة، وعن قتادة، اسم من أسماء القرآن، وعن السدي: اسم من أسماء الله، وعن محمد القرظي: هو مفتاح أسماء الله تعالى: صمد وصانع المصنوعات وصادق الوعد، إلى آخر ما ذكر من الأقوال.

قوله: ({الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} [ص: 7] ملة قريش) قال الحافظ

(3)

: وصله الفريابي أيضًا عن مجاهد في قوله تعالى: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} [ص: 7] قال: ملة قريش، وأخرج الطبري عن ابن عباس في قوله:{الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} قال: النصرانية، وعن السدي نحوه، وكذا قال عبد الرزاق: عن معمر عن الكلبي، قال: وقال قتادة: دينهم الذي هم عليه، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

: قوله: "ملة قريش" لكونها آخر الملل في زعمهم الباطل لأنهم لم يكونوا مؤمنين باليهودية ولا بالنصرانية فلم يبق إلا الحنفية آخرًا، انتهى.

وفي هامشه: ذهب المفسرون في تفسيرها إلى قولين: أحدهما

(1)

"فتح الباري"(8/ 544).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 264).

(3)

"فتح الباري"(8/ 545).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 154).

ص: 263

النصرانية وكونها آخر الملل ظاهر، والثاني ملة قريش كما فسّره به الإمام البخاري، وما وجهه به الشيخ قُدِّس سرُّه في توجيه آخر الملة لطيف جدًا لم يتعرض لذلك الشرَّاح ولا المفسرون، قال الرازي: والملة الآخرة هي ملة النصارى، فقالوا: إن هذا التوحيد الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم ما سمعناه في دين النصارى، أو يكون المراد بالملة الآخرة ملة قريش التي أدركوا آباءهم عليها، انتهى.

وكذا ذكر القولين الخازن في تفسيره كما في هامش "اللامع".

قوله: ({أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} [ص: 63] أحطنا بهم) أشار به إلى قوله تعالى: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [ص: 63] وفسره بقوله: "أحطنا بهم".

قال القسطلاني

(1)

: هو من الإحاطة، وقال الدمياطي في حواشيه: لعله أخطأناهم وحذف مع ذلك القول الذي هذا تفسيره وهو {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} ، انتهى.

وعند ابن أبي حاتم من طريق مجاهد: أخطأناهم أم هم في النار لا يعلم مكانهم، وقال ابن عطية: المعنى ليسوا معنا أم هم معنا لكن أبصارنا تميل عنهم، وقال ابن كيسان: أم كانوا خيرًا منا ونحن لا نعلم فكأن أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدّهم شيئًا، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: فسر السخرية بالإحاطة لأن الإحاطة لازمة لها عادة، فإنهم إذا أرادوا الاستهزاء بأحد جعلوه وسطهم ليتمكن كل منهم على الاستهزاء كل التمكن، انتهى.

وفي هامشه: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في وجه تفسير اتخذناهم بالإحاطة وهكذا في "تقرير المكي" إذ قال: قوله: "أحطنا بهم" تفسير باللازم؛ لأن الساخر يحيط بمن يسخر به حين السخرية، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 21).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 155).

ص: 264

وما أفاده الشيخ أقرب إلى سياق البخاري، ثم قال بعد ذكر ما تقدم عن القسطلاني: وما يظهر من التدبر في أقوال هؤلاء المشايخ الكبار أن قول البخاري: "أحطنا بهم" إن كان من الإحاطة فهو تفسير لقوله: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} ووجه تفسير السخرية بالإحاطة هو ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه، وعلى هذا يكون معنى الآية: ما لنا لا نرى في جهنم رجالًا كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار وكنا نحيط بهم في الدنيا بالسخرية أم هم موجودون في جهنم ولا نراهم؟ وأما على قول الدمياطي وغيره من أن الصواب "أخطأناهم" بالخاء المعجمة بدل "أحطنا بهم" فيكون هذا تفسيرًا لقوله تعالى: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} وظاهر سياق البخاري الأول، انتهى من هامش "اللامع".

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} الآية [ص:

35])

أي: لا يصلح لأحد أن يسلبنيه، وظاهر السياق أنه سأل ملكًا لا يكون لبشر من بعده مثله ليكون معجزة مناسبة لحاله، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

قال العلامة العيني

(2)

بعد ذكر حديث الباب: مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث مرَّ في كتاب الصلاة في "باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد" بعينه متنًا وسندًا، انتهى.

قوله: (فذكرت قول أخي سليمان) قال الحافظ

(3)

: وأما ما أخرج الطبري عن قتادة قال في قوله: {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} لا أسلبه كما سلبته أول مرة، وظاهر حديث الباب يردّ عليه، وكأن سبب تأويل قتادة هذا هكذا طعن بعض الملاحدة على سليمان ونسبته في هذا إلى الحرص على الاستبداد بنعمة الدنيا، وخفي عليه أن ذلك بإذن له من الله وأن تلك كانت معجزته، كما اختص كل نبي بمعجزة دون غيره، والله أعلم، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 21).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 269).

(3)

"فتح الباري"(8/ 547).

ص: 265

وتقدم في "باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه" من كتاب الإيمان الإيراد بقول سليمان عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} مع الجواب عنه.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:

86])

ذكر فيه حديث ابن مسعود في قصة الدخان، وقد تقدم قريبًا في تفسير سورة الروم ويأتي في تفسير الدخان، وقد تقدم ما يتعلق منه بالاستسقاء.

(39)

‌ الزُّمَر

هكذا في النسخة "الهندية" بغير لفظ السورة، وهكذا في نسخة "القسطلاني" لكن بزيادة البسملة بعدها، وأما في نسخة الحافظين فبزيادتهما كلتيهما.

قال العلامة العيني

(1)

: قال ابن عباس: هي مكية إلا آيتان مدنيتان: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53] نزلت في وحشي بن حرب {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية [الزمر: 67]. وقال السخاوي: نزلت بعد سورة سبأ وقبل سورة المؤمن، انتهى.

قوله: ({وَرَجُلًا سَلَمًا}. . .) إلخ، بفتح اللام من غير ألف مصدر وصف به، ولأبي ذر وابن عساكر:"سالمًا" بكسرها مع الألف وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير، اسم فاعل من الثلاثي، ({لِرَجُلٍ}) أي:(صالحًا) كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي، وفي رواية الكشميهني:"خالصًا" بدل "صالحًا"، ومراده قوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر: 29] أي: متنازعون كل يدعي أنه عبده فهم يتجاذبونه حوائجهم وهو متحير في أمره كلما أرضى أحدهم غضب الباقون، وإذا احتاج إليهم ردّه كل واحد إلى الآخر فهو في عذاب دائم، ورجلًا سالمًا لرجل واحد لا يملكه غيره

(1)

"عمدة القاري"(13/ 270).

ص: 266

فهو يخدمه على سبيل الإخلاص وسيده يعينه على مهماته، هذا "مثل لآلهتهم الباطل والإله الحق" قاله مجاهد فيما وصله الفريابي، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: وتفسير السالم بالصالح مبني على أن العبد المشترك بين اثنين لا يبقى صالحًا لكل من الشركاء، ولا يبعد أن يقال: صلاح الغلام كناية عن صلاح الموالي، فإن الناس على دين ملوكهم، والرجل على سيرة صاحبه، فيؤثر صلاح الموالي في صلاح العبد، وكذلك عدمه في عدمه، فصار المعنى أن العبد إما أن يكون مشتركًا بين اثنين متشاكسين أو لا، فإما أن لا يكون مشتركًا أصلًا أو يكون مشتركًا بين اثنين صالحين، فشقا الترديد الآخران داخلان في قوله:{وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} يعني: أنه يكون صالحًا، ثم بعد ذلك تحصل له فاصلة وهي كونه لواحد لا مشتركًا فيه بين كثيرين، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية [الزمر:

53])

ذكر فيه حديث ابن عباس: "إن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا".

قال القسطلاني

(3)

: سمّى الواقدي منهم وحشي بن حرب قاتل حمزة، وكذا هو عند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر، انتهى.

زاد الحافظ

(4)

: وأنه لما قال ذلك نزلت: {إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} الآية [الفرقان: 70]، فقال: هذا شرط شديد، فنزلت:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية، وروى ابن إسحاق في "السيرة" قال: حدثني نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 25).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 156).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 27).

(4)

"فتح الباري"(8/ 550).

ص: 267

وهشام بن العاص أن نهاجر": فذكر الحديث في قصتهم ورجوع رفيقه فنزلت: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية، قال: فكتبت بها إلى هشام.

قوله: (ونزل {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}) في رواية الطبراني: "فقال الناس: يا رسول الله! إنا أصبنا ما أصاب وحشي فقال: هي للمسلمين عامة"، وروى أحمد والطبراني في "الأوسط" من حديث ثوبان قال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحب أن لي بهذه الآية الدنيا وما فيها {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية، فقال رجل: ومن أشرك؟ فسكت ساعة ثم قال: ومن أشرك، ثلاث مرات".

قال الحافظ

(1)

: واستدل بعموم هذه الآية على غفران جميع الذنوب كبيرها وصغيرها سواء تعلقت بحق الآدميين أم لا، والمشهور عند أهل السُّنَّة أن الذنوب كلها تغفر بالتوبة، وأنها تغفر لمن شاء الله ولو مات على غير توبة، لكن حقوق الآدميين إذا تاب صاحبها من العود إلى شيء من ذلك تنفعه التوبة من العود، وأما خصوص ما وقع منه فلا بد له من رده لصاحبه أو محاللته منه، نعم في سعة فضل الله ما يمكن أن يعوض صاحب الحق عن حقه ولا يعذب العاصي بذلك، ويرشد إليه عموم قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] والله أعلم، انتهى.

وقال القسطلاني

(2)

: قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] الكبائر وغيرها الصادرة عن المؤمنين بعد التوبة، لكن قال القاضي ناصر الدين: تقييده بالتوبة خلاف الظاهر، وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين كما هو عرف القرآن، وقال أيضًا: والذين أسرفوا عام في جميع المسرفين، ويغفر الذنوب جميعًا شامل لكبائرها وصغائرها فتغفر مع التوبة أو بدونها،

(1)

"فتح الباري"(8/ 550).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 26، 27).

ص: 268

خلافًا للمعتزلة حيث ذهبوا إلى أنه يعفو عن الصغائر قبل التوبة وعن الكبائر بعدها، وجمهور أصحابنا أنه يعفو عن بعض الكبائر مطلقًا ويعذب ببعضها إلا أنه لا علم لنا الآن بشيء من هذين البعضين بعينه، وقال كثير منهم: لا نقطع بعفوه عن الكبائر بلا توبة بل نجوزه، واحتج الجمهور بوجهين:

الأول: أن العفو لا يعذب على الذنب مع استحقاق العذاب، ولا تقول المعتزلة بذلك الاستحقاق في غير صورة النزاع إذ لا استحقاق بالصغائر أصلًا ولا بالكبائر بعد التوبة فلم يبق إلا الكبائر قبلها فهو يعفو عنها كما ذهبنا إليه.

الثاني: الآيات الدالة على العفو عن الكبيرة قبل التوبة نحو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية، فإن ما عدا الشرك داخل فيه، ولا يمكن التقييد بالتوبة لأن الكفر معفو معها فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما أثبت له، وذلك مما لا يليق بكلام عاقل فضلًا عن كلام الله تعالى، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} عام للكل فلا يخرج عنه إلا ما أجمع عليه، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية [الزمر:

67])

أي: ما عظّموه حق عظمته حين أشركوا به غيره، وسقط "باب" لغير أبي ذر، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

قوله: (جاء حبر) لم أقف على اسمه.

قوله: (إنا نجد أن الله يجعل السماوات على أصبع) الحديث يأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى، قال ابن التِّين: تكلّف الخطابي في تأويل الإصبع، وبالغ حتى جعل ضحكه صلى الله عليه وسلم تعجبًا وإنكارًا لما قال الحبر، وردّ ما وقع في الرواية الأخرى "فضحك صلى الله عليه وسلم تعجبًا وتصديقًا" بأنه على قدر

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 28).

ص: 269

ما فهم الراوي، قال النووي: وظاهر السياق أنه ضحك تصديقًا له، بدليل قراءته الآية التي تدل على صدق ما قال الحبر، والأولى في هذه الأشياء الكفّ عن التأويل مع اعتقاد التنزيه، فإن كل ما يستلزم النقص من ظاهرها غير مراد، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:

67])

لما وقع ذكر الأرض مفردًا حسن تأكيده بقوله: {جَمِيعًا} إشارة إلى أن المراد جميع الأراضي، وحديث الباب سيأتي شرحه مستوفي في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

(2)

.

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:

68])

اختلف في تعيين من استثنى الله، وقد لَمحت بشيء من ذلك في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء، انتهى من "الفتح"

(3)

.

قال العيني

(4)

: قوله: {إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} اختلفوا فيه فقيل: هم الشهداء، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية: "من أولئك الذين لم يشأ الله؟ قال: هم الشهداء متقلدين أسيافهم حول العرش" وقيل: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل، رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كعب الأحبار: اثنا عشر: حملة العرش ثمانية وجبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وعن الضحاك: هم رضوان والحور العين ومالك والزبانية، وعن الحسن:{إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} يعني: الله وحده، وقيل: عقارب النار وحياتها، وحديث الباب قد مضى مطولًا في أول "باب

(1)

"فتح الباري"(8/ 551).

(2)

انظر: "فتح الباري"(8/ 551).

(3)

"فتح الباري"(8/ 552).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 276).

ص: 270

الإشخاص" ومضى أيضًا في أحاديث الأنبياء عليهم السلام في "باب وفاة موسى".

قوله: (بعد النفخة الآخرة) وهي نفخة الإحياء، والنفخة الأولى نفخة الإماتة.

قوله: (فلا أدري أكذلك كان؟) أي: أنه لم يمت عند النفخة الأولى واكتفى بصعقة الطور، أم أحيى بعد النفخة الثانية قبلي، وتعلق بالعرش، هكذا فسره الكرماني، والتحقيق في هذا الموضع أن يقال: إن حديث أبي هريرة الذي مضى في الإشخاص: أن الناس يصعقون يوم القيامة فيصعق معهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون النبي أول من يفيق، فإذا أفاق يرى موسى عليه السلام متعلقًا بالعرش، ولا يدري أنه كان فيمن صعق فأفاق قبله صلى الله عليه وسلم أو كان ممن استثنى الله عز وجل، وهذا الذي ذكرناه مضمون ذلك الحديث الذي أخرجه في الإشخاص، وفي أحاديث الأنبياء، انتهى

(1)

.

قلت: وتقدم الكلام على قوله: "فأكون أول من يفيق" في هامش "اللامع"

(2)

في أول الخصومات، وتقدم أيضًا في "اللامع"

(3)

في كتاب الأنبياء ما كتب الشيخ قُدِّس سرُّه: قوله: "فيصعق من في السماوات. . ." إلخ. وهذه الصعقة سوى الصعقة التي تهلك بها الأحياء، وسوى التي تحيى بها الخلائق، وهذه النفخة إنما هي عند إتيان العرش وغيره في أرض المحشر، فينفخ في الصور ليصعق الناس وغيرهم ليخفى الأمر عليهم فلا ينظروا إلى ما يكون هناك إذًا، والاستثناء في قوله تعالى:{إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} جار في تلك الصعقة لا صعقة الموت ونفخة الفناء، فإنها عامة، قال الله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] فليتحفظ فإنه غريب، والله تعالى أعلم، انتهى.

وفي هامشه: اختلفوا في عدد الصعقات والنفخات من ثنتين إلى

(1)

انظر: "عمدة القاري"(13/ 377).

(2)

"لامع الدراري"(6/ 300).

(3)

"لامع الدراري"(8/ 58).

ص: 271

خمسة، واختلفوا أيضًا في أن الاستثناء في قوله تعالى:{إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} بأيتهن يتعلق.

وحاصل ما أفاده الشيخ: أنها ثلاثة: صعقة الإماتة وصعقة الإحياء، والثالثة عند إتيان العرش في أرض المحشر، والاستثناء متعلق بهذه الثالثة.

وحاصل ما أفاده في "الكوكب"

(1)

: أنها أربعة إلى آخر ما ذكر في هامش "اللامع" من كلام الشيخ قُدِّس سرُّه عن "الكوكب"، وكذا ذكر الكلام على تفصيل النفخات، فارجع إليه لو شئت.

وقال العلامة القسطلاني

(2)

في كتاب الرقاق: اختار ابن العربي أنها ثلاث: نفخة الفزع لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية [النمل: 87]، ونفختا الصعق والبعث لقوله تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] واستدل ابن العربي بما في حديث الصور الطويل من قوله: "ثم ينفخ في الصور ثلاث نفخات: نفخة الفزع فيفزع أهل السماء والأرض بحيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة القيام لرب العالمين"، أخرجه الطبري، لكن سنده ضعيف ومضطرب، وصحح القرطبي أنهما نفختان فقط فالأوليان عائدتان إلى واحدة، فزعوا إلى أن صعقوا، وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو:"ثم ينفخ في الصور فلا يسمع أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا ثم يرسل الله مطرًا كأنه الطل، فينبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون" ففيه التصريح بأنهما نفختان فقط، انتهى.

(1)

"الكوكب الدري"(4/ 255).

(2)

"إرشاد الساري"(13/ 606).

ص: 272

(40)

‌ المُؤْمِن

كذا في النسخ الهندية و"القسطلاني" بدون لفظ سورة والبسملة، وفي نسخة الحافظين بزيادتهما.

قال العيني

(1)

: وهي مكية بلا خلاف، وقال السخاوي: نزلت بعد الزمر وقبل حم السجدة، وبعد السجدة الشورى ثم الزخرف ثم الدخان ثم الجاثية، انتهى.

قوله: (قال مجاهد: {حم} مجازها مجاز أوائل السور) قال العلامة العيني

(2)

: قوله: "حم" في محل الابتداء، و"مجازها" مبتدأ ثان، وقوله:"مجاز أوائل السور" خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، و"مجازها" بالجيم والزاي، أي: طريقها، أي: حكمها حكم سائر الحروف المقطعة التي في أوائل السور للتنبيه على أن هذا القرآن من جنس هذه الحروف، وقيل: لقرع العصا عليهم، وعن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " {حم} اسم من أسماء الله تعالى، وهي مفتاح خزائن ربك جل جلاله"، وعن ابن عباس: هو اسم الله الأعظم، وعنه: قسم أقسم الله به، وعن قتادة: اسم من أسماء القرآن، وعن الشعبي: شعار السورة، وعن عطاء الخراساني: الحاء افتتاح أسماء الله تعالى: حليم وحميد وحيّ وحنان وحكيم وحفيظ وحبيب، والميم افتتاح اسمه: مالك ومجيد ومنان، وعن الضحاك والكسائي: معناه: قضى ما هو كائن كأنهما أرادا الإشارة إلى "حم" بضم الحاء وتشديد الميم، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: ووقع في رواية أبي ذر: "وقال البخاري: ويقال: "{حم} مجازها" إلخ، وهذا الكلام لأبي عبيدة في "مجاز القرآن" ولفظه: "{حم} مجازها" مجاز أوائل السور، وقال بعضهم: بل هو اسم، وهو يطلق المجاز ويريد به التأويل، أي: تأويل {حم} وتأويل أوائل السور،

(1)

"عمدة القاري"(13/ 278).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 279).

(3)

"فتح الباري"(8/ 554).

ص: 273

أي: أن الكل في الحكم واحد فمهما قيل مثلًا في {الم} يقال مثله في {حم} ، وقد اختلف في هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور على أكثر من ثلاثين قولًا ليس هذا موضع بسطها، إلى آخر ما في "الفتح".

(41)

‌ حم السجْدَة

كذا في النسخة "الهندية" بدون لفظ السورة، وكذا في نسخة "القسطلاني" لكن بزيادة البسملة بعدها، وفي نسخة الحافظين ابن حجر والعيني بزيادتهما.

قال العيني

(1)

: وهي مكية بلا خلاف، نزلت بعد المؤمن وقبل الشورى، انتهى.

قوله: (وقال طاوس عن ابن عباس: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: 11] أعطيا. . .) إلخ.

قال الحافظ

(2)

: وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط البخاري في الصحة، ولفظ الطبري في قوله:{ائْتِيَا} قال: أعطيا، وفي قوله:{قَالَتَا أَتَيْنَا} قالتا أعطينا، وقال عياض: ليس "أتى" ها هنا بمعنى "أعطى"، وإنما هو من الإتيان، وهو المجيء بمعنى الانفعال للوجود، بدليل الآية نفسها، وبهذا فسّره المفسرون أن معناه: جيئا بما خلقت فيكما وأظهراه، قالتا: أجبنا، وروي ذلك عن ابن عباس، قال: وقد روي عن سعيد بن جبير نحو ما ذكره المصنف، ولكنه يخرج على تقريب المعنى أنهما لما أمرتا بإخراج ما فيهما من شمس وقمر ونهر ونبات وغير ذلك وأجابتا إلى ذلك كان كالإعطاء؛ فعبر بالإعطاء عن المجيء بما أودعتاه، قلت: فإذا كان موجهًا وثبتت به الرواية فأي معنى لإنكاره عن ابن عباس، وكأنه لما رأى عن ابن عباس أنه فسره بمعنى المجيء نفى أن يثبت عنه أنه

(1)

"عمدة القاري"(13/ 282).

(2)

"فتح الباري"(8/ 556، 557).

ص: 274

فسره بالمعنى الآخر، وهذا عجيب، فما المانع أن يكون له في الشيء، قولان بل أكثر.

وقال ابن التِّين: لعلّ ابن عباس قرأها، "آتينا" بالمد ففسّرها على ذلك، قلت: وقد صرَّح أهل العلم بالقراءة أنها قراءته، وبها قرأ صاحباه مجاهد وسعيد بن جبير، وقال السهيلي في أماليه: قيل: إن البخاري وقع له في آي من القرآن وهم، فإن كان هذا منها وإلا فهي قراءة بلغته، ووجهه: أعطيا الطاعة، كما يقال: فلان يعطي الطاعة لفلان، قال: وقد قرئ {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا} [الأحزاب: 14] بالمد والقصر، والفتنة ضد الطاعة، وإذا جاز في إحداهما جاز في الأخرى، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

: بعد ذكر الإشكال: وأجيب بأن ابن عباس ومجاهدًا وابن جبير قرءوا آتيا قالتا آتينا بالمد فيهما، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه من المواتاة وهي الموافقة، أي: لتوافق كل منكما الأخرى كما يليق بها، وإليه ذهب الرازي والزمخشري، فوزن آتيا فاعلا كقاتلا وآتينا فاعلنا كقاتلنا.

والثاني: أنه من الإيتاء بمعنى الإعطاء، فوزن آتيا أفعلا كأكرما، ووزن آتينا افعلنا كأكرمنا، فعلى الأول يكون قد حذف مفعولًا، وعلى الثاني مفعولين إذ التقدير: أعطيا الطاعة من أنفسكما من أمركما، قالتا: آتينا الطاعة، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "ائتيا أعطيا" فسره به لأنهما لم يكونا موجودين حين أمرا ذلك، فلا يصح إرادة الإتيان منهما نعم طلب منهما الوجود والتكون فأعطياه وسارا موجودين، انتهى.

وفي هامشه: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في وجه تفسير الإتيان بالإعطاء، وعلى هذا لا يرد ما أورده الشرَّاح، ثم ذكر ما تقدم من كلام الشرَّاح وغيره من كلام المفسرين.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 39).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 156 - 159).

ص: 275

قوله: (والهدى الذي هو الإرشاد. . .) إلخ، كتب الشيخ في "اللامع": حاصله أن الهداية قد تكون بمعنى الدلالة كما سبق، وقد تكون بمعنى الإيصال وهو الإصعاد، أي: جعله صاعدًا على المراد، ونسخة الإسعاد أظهر، انتهى.

وبسط في هامشه توضيحه وتشريحه.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} الآية [فصلت:

22])

قال الحافظ

(1)

: قال الطبري: اختلف في معنى قوله: {تَسْتَتِرُونَ} ، ثم أخرج من طريق السدي قال: تستخفون، ومن طريق مجاهد قال: تتقون، ومن طريق شعبة عن قتادة قال: ما كنتم تظنون أن يشهد عليكم. . . إلخ، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ} الآية [فصلت:

23])

قال الحافظ

(2)

: الإشارة في قوله: {وَذَلِكُمْ} لما تقدم من صنيع الاستتار ظنّا منهم أنهم يخفى عملهم عند الله، وهو مبتدأ: والخبر {أَرْدَاكُمْ} [فصلت: 23] و {ظَنُّكُمُ} بدل من ذلك، ثم ذكر المصنف فيه الحديث الذي قبله، ثم قال: الحافظ تحت قوله: "كثيرة شحم بطونهم. . ." إلخ، وفيه إشارة إلى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة، قال الشافعي: ما رأيت سمينًا عاقلًا إلا محمد بن الحسن، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} الآية [فصلت:

24])

كذا في النسخ الهندية، وليس في نسخ الشروح الثلاثة لفظ "باب".

قال القسطلاني

(3)

: وسقطت الآية كلها لأبي ذر، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 561).

(2)

"فتح الباري"(8/ 562).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 48).

ص: 276

(42)

‌ حم عسق

كذا في النسخ الهندية ونسخة "القسطلاني" بغير لفظ سورة وبغير البسملة، وفي نسخة الحافظين بزيادتهما، قال العلامة العيني

(1)

: وفي بعض النسخ: "سورة حم عسق"، وفي بعضها:"ومن سورة حم عسق"، انتهى.

قلت: وهذا الأخير صنيع الإمام الترمذي في كتاب التفسير من "جامعه" فإنه يقول: من سورة كذا ومن سورة كذا، وذلك لأن المذكور تفسير لبعض آيات السورة لا لجميعها، فيستحسن إيراد "من" التبعيضية لأجل ذلك.

ثم قال العلامة العيني

(2)

: قيل: قطع {حم (1) عسق} ولم يقطع {كهيعص} و {الم} و {المص} لكونها بين سور أوائلها {حم} ، فجرت مجرى نظائرها قبلها وبعدها، فكان {حم} مبتدأ و {عسَق} خبره ولأنهما عدًّا آيتين وعدت أخواتهما التي كتبت موصولة آية واحدة، وذكروا في {حم (1) عسق} معاني كثيرة ليس لها محل ها هنا، وهي مكية، قال مقاتل: وفيها من المدني قوله: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ} الآية [الشورى: 23]، وقوله:{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] إلى قوله: {فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41]، انتهى.

قوله: (ويذكر عن ابن عباس: {عَقِيمًا} التي لا تلد) قال الحافظ

(3)

: وصله ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى: 50] قال: لا يلقح، وذكره باللفظ المعلق بلفظ جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، وفيه ضعف وانقطاع، فكأنه (أي: البخاري) لم يجزم به لذلك، انتهى.

قوله: ({فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشورى: 33] أي: يتحركن. . .) إلخ،

(1)

"عمدة القاري"(13/ 290).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 290، 291).

(3)

"فتح الباري"(8/ 563).

ص: 277

وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال: سفن هذا البحر تجري بالريح فإذا أمسكت عنها الريح ركدت، وقوله:"يتحركن" أي: يضربن بالأمواج، ولا يجرين في البحر بسكون الريح، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من زعم أن "لا" سقطت في قوله:"يتحركن" قال: لأنهم فسروا "رواكد" بسواكن، وتفسير "رواكد" بسواكن قول أبي عبيدة، ولكن السكون والحركة في هذا أمر نسبي، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "يتحركن" إنما فسره، بذلك لئلا يستبعد الركود على ظهر الماء بحيث يستقر ولا يتحرك أصلًا، فإنه وإن كان ممكنًا إلا أنه مستبعد عادة، فلا حاجة إليه، إذ لا يتوقف معنى الآية عليه، فإن المراد عدم الجري لا عدم الحركة أصلًا، فافهم فإنه مفيد، انتهى.

وذكر في هامشه ما تقدم من كلام الحافظ وغيره، وفيه أيضًا: قلت: وما أشار إليه الحافظ بقوله: يندفع اعتراض من زعم، بيَّنه القسطلاني بقوله: وقول صاحب "المصابيح" كأنه سقط منه "لا" إلخ.

(1 -‌

‌ باب قوله: {إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:

23])

ذكر فيه حديث طاوس عن ابن عباس: "سئل عن تفسيرها" إلخ، وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعًا، فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت قالوا: يا رسول الله! من قرابتك الذي وجبت علينا مودتهم؟ الحديث، وإسناده ضعيف وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح، والمعنى: إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني، والخطاب لقريش خاصة، والقربى قرابة العصوبة والرحم، فكأنه

(1)

"فتح الباري"(8/ 563).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 159، 160).

ص: 278

قال: احفظوني للقرابة، إن لم تتبعوني للنبوة، ثم ذكر ما تقدم عن عكرمة في سبب نزول [هذه الآية في المناقب] وقد جزم بهذا التفسير جماعة من المفسرين، واستندوا إلى ما ذكرته عن ابن عباس من الطبري وابن أبي حاتم، وإسناده واهٍ فيه ضعيف ورافضي، وذكر الزمخشري ها هنا أحاديث ظاهر وضعها، وردّه الزجاج بما صحّ عن ابن عباس من رواية طاوس في حديث الباب، وبما نقله الشعبي عنه، وهو المعتمد، وجزم بأن الاستثناء منقطع.

وفي سبب نزولها قول آخر ذكره الواحدي عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب، وليس بيده شيء، فجمع له الأنصار مالًا فقالوا: يا رسول الله! إنك ابن اختنا وقد هدانا الله بك، تنوبك النوائب وحقوق، وليس لك سعة، فجمعنا لك من أموالنا ما تستعين به علينا، فنزلت، وهذه من رواية الكلبي ونحوه من الضعفاء، وأخرج من طريق مقسم عن ابن عباس أيضًا قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنصار شيء فخطب فقال: "ألم تكونوا ضلالًا فهداكم الله بي" الحديث، وفيه فجثوا على الركب وقالوا: أنفسنا وأموالنا لك فنزلت، وهذا أيضًا ضعيف، ويبطله أن الآية مكية، والأقوى في سبب نزولها [ما ذكره القرطبي في تفسيره] عن قتادة قال: قال المشركون: لعل محمدًا يطلب أجرًا على ما يتعاطاه فنزلت، انتهى

(1)

.

قال القسطلاني

(2)

: وأما حديث ابن عباس أيضًا عند ابن أبي حاتم: لما نزلت هذه الآية، {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم، قال:"فاطمة وولدها عليهم السلام"، فقال ابن كثير: إسناده ضعيف، فيه متهم لا يعرف إلا عن شيخ شيعي مخترع، وهو حسين الأشقر، ولا يقبل خبره في هذا المحل، والآية مكية، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية فإنها لم تتزوج بعلي إلا

(1)

انظر: "فتح الباري"(8/ 564).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 50).

ص: 279

بعد بدر من السنة الثانية، وتفسير الآية بما فسر به حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس أحق وأولى، ولا تنكر الوصاة بأهل البيت واحترامهم وإكرامهم، إذ هم من الذرية الطاهرة التي هي أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسُّنَّة الصحيحة، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وآل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بمحبتهم، انتهى.

وفي حاشية البخاري

(1)

عن الكرماني: وحاصل كلام ابن عباس: أن جميع قريش أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المراد من الآية بنو هاشم ونحوهم كما يتبادر إلى الذهن من قول سعيد بن جبير، انتهى.

وذكره العيني من غير عزو إلى الكرماني، قلت: وتقدم حديث الباب في أوائل المناقب بلفظ: "قربى محمد صلى الله عليه وسلم" وكتب الشيخ قُدِّس سرُه هناك

(2)

: وكان سعيد يقول أولًا: إن المراد في الآية قرابة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، والاستثناء متصل، والمعنى لا أسألكم أجرًا على التبليغ إلا أن تصلوا أهل قرابتي، وكونه أجرة ظاهر، فردّ عليه ابن عباس قوله، وجعل الاستثناء منقطعًا بحمل القربى على المصدر لا الأقرباء، والمعنى لا أسألكم أجرًا إنما أسألكم أن تعاملوا بي ما تعاملون به فيما بينكم من وصل الأرحام فتصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، وظاهر أنه ليس أجرًا لأن المطلوب فيه ليس شيء من العروض أو النقدين أو غيرها، بل المطلوب ترك التعرض له بالأذى والتكذيب وغيرهما فإذا بيَّن ابن عباس ذلك ترك سعيد ما كان يقوله، انتهى.

(43)

‌ حم الزُّخْرُفْ

وهكذا في نسخة "القسطلاني" وفي نسخة "الفتح" و"العيني" بزيادة لفظ السورة والبسملة بعدها.

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(9/ 703).

(2)

"لامع الدراري"(8/ 98).

ص: 280

قال العيني

(1)

: قال مقاتل: هي مكية غير آية واحدة وهي {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} الآية [الزخرف: 45]، وقال أبو العباس: مكية لا اختلاف فيها، قال ابن سيده: الزخرف الذهب، هذا الأصل، ثم سمي كل زينة زخرفًا، وزخرف البيت زينته، انتهى.

قوله: (وقال ابن عباس: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: 33] لولا أن أجعل الناس كلهم كفارًا. . .) إلخ، قال العيني

(2)

: أي قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} الآية، وقد فسرها ابن عباس بقوله: لولا أن أجعل. . . إلخ.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: قوله: "لولا أن أجعل" أي: لولا كراهية ذلك، انتهى.

وفي هامشه: وفي "الجلالين": المعنى لولا خوف الكفر على المؤمن من إعطاء الكافر ما ذكر لأعطيناه ذلك، قال صاحب "الجمل": في الكلام حذف المضاف، أي: ولولا خوف أن يكون الناس، لكن في تقدير هذا المضاف شيء لأن الله تعالى لا يخاف من شيء، فالأولى في تقرير الآية ما سلكه البيضاوي ونصه: أي لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه، وقدر الزمخشري فيه مضافًا فقال: لولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر. . . إلخ، والغرض من تقديره أن كراهة الاجتماع هي المانعة من تمتيع الكفار، انتهى مختصرًا.

(1 -‌

‌ باب قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:

77])

أي: الكفار ينادون لمالك خازن النار {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أي: ليمتنا

(1)

"عمدة القاري"(13/ 293).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 294).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 161).

ص: 281

فنستريح، فيجيبهم مالك بعد ألف سنة:{إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} الآية [الزخرف: 77] في العذاب، وفي "تفسير الجوزي": ينادون مالكًا أربعين سنة فيجيبهم بعدها: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} ثم ينادون ربّ العزة: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون: 107] فلا يجيبهم مثل عمر الدنيا ثم يقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]، انتهى.

وحديث الباب قد مضى في بدء الخلق في "باب صفة النار"

(1)

.

(44)

‌ الدُّخَان

وكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة الحافظين ابن حجر والعيني:"سورة حم الدخان"، والبسملة بعدها موجودة في نسخ الشروح الثلاثة.

قال العيني

(2)

: وفي بعض النسخ "الدخان" بدون لفظ "حم"، قال مقاتل: هي مكية كلها، وقال أبو العباس: لا خلاف في ذلك، روى الترمذي مرفوعًا من حديث أبي هريرة:"من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك"، وقال: غريب، وعنه:"من قرأ الدخان في ليلة الجمعة غفر له"، انتهى.

(1 -‌

‌ باب: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:

10])

قال القسطلاني

(3)

: سقط لغير أبي ذر لفظ "باب" وقوله: {فَارْتَقِبْ} فقط، انتهى.

ثم ذكر المصنف حديثين مضى الأول منهما في آخر سورة الفرقان، والثاني سبق في تفسير سورة الروم وتقدم بسط الكلام عليه هناك.

(1)

انظر: "عمدة القاري"(13/ 297).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 299).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 59).

ص: 282

(2 -‌

‌ باب قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان:

11])

ليس لفظ "باب" في نسخة "الفتح" وموجود في نسخة "العيني" و"القسطلاني".

قال القسطلاني

(1)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

قال العلامة العيني

(2)

تحت حديث الباب: وقد ترجم لهذا الحديث ثلاث تراجم بعد هذا وساق الحديث بعينه مطوّلًا ومختصرًا، وقد مضى أيضًا في الاستسقاء وفي تفسير الفرقان مختصرًا وفي تفسير الروم وتفسير ص مطولًا، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:

12])

قال القسطلاني

(3)

: سقط "باب قوله" لغير أبي ذر.

ثم فسّر القسطلاني الآية، فقال: أي عذاب القحط والجهد، أو عذاب الدخان الآتي قرب قيام الساعة أو عذاب النار حين يدعون إليها في القيامة، أو دخان يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ورجح الأول بأن القحط لما اشتد على أهل مكة أتاه أبو سفيان فناشده الرحم ووعده: إن كشف عنهم آمنوا، فلما كشف عادوا، ولو حملناه على الآخرين لم يصح لأنه لا يصح؛ أن يقال لهم حينئذ:{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15]، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 59).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 302).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 61).

ص: 283

(4 -‌

‌ باب قوله: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} [الدخان:

13])

قال العيني والقسطلاني

(1)

: سقط "باب" لغير أبي ذر.

قوله: (قال: دخلت على عبد الله ثم قال. . .) إلخ، قال القسطلاني

(2)

: فيه حذف اختصره، والظاهر أن الذي اختصره قول مسروق: بينا رجل يحدث في كندة إلى قوله: فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا فغضب فجلس فقال: من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم، ثم قال: إلى آخر الحديث المذكور ها هنا، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان:

14])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، قاله القسطلاني

(3)

.

(باب قوله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15]. . .) إلخ

وفي نسخ الشروح الثلاثة ها هنا: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] بغير لفظ "باب".

قال العلامة العيني

(4)

: وقعت هذه الترجمة هكذا في النسخ كلها، انتهى.

(45)

‌ الجَاثِيَة

وفي نسخة "القسطلاني": "سورة الجاثية" وفي نسخة ابن حجر والعيني: "سورة حم الجاثية" والبسملة موجودة في نسخ الشروح الثلاثة.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 303)، و"إرشاد الساري"(11/ 62).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 63).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 63).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 304).

ص: 284

قال العلامة العيني

(1)

: وفي بعض النسخ: "ومن سورة الجاثية" وهي مكية لا خلاف فيها، انتهى.

‌(باب: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:

24])

هكذا في النسخ الهندية و"الفتح" و"القسطلاني"، وفي نسخة "العيني" بغير لفظ "باب"، قال

(2)

: وفي بعض النسخ "باب" انتهى.

قال القسطلاني

(3)

في تفسير الآية: أي وما يفنينا إلا مرّ الزمان وطول العمر واختلاف الليل والنهار، وقال في شرح قوله:"وأنا الدهر. . ." إلخ: روى نصب الدهر، أي: أقلب الليل والنهار في الدهر، والرفع كما مر أوجه، أي: أنا خالق الدهر، قال في "شرح المشكاة": لأنه لا طائل تحته على تقدير النصب؛ لأن تقديم الظرف إما للاهتمام أو للاختصاص، ولا يقتضي المقام ذلك لأن الكلام مفرغ في شأن المتكلم لا في الظرف، ولهذا عرف الخبر لإفادة الحصر فكأنه قيل: أنا أقلب الليل والنهار لا ما تنسبونه إليه، قيل: الدهر الثاني غير الأول، وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه: أنا الداهر المصرف المدبر المقدر لما يحدث فإذا سبّ ابن آدم الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبّه إليّ لأني فاعلها، وإنما الدهر زمان جعلته ظرفًا لمواقع الأمور، قاله الشافعي والخطابي وغيرهما، وهذا مذهب الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب المنكرين للمعاد والفلاسفة الدهرية الدورية المنكرين للصانع المعتقدين أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وكابروا المعقول وكذبوا المنقول، قال ابن كثير: وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذًا من هذا الحديث، وهذا الحديث أخرجه المؤلف أيضًا في التوحيد، ومسلم وأبو داود وفي الأدب، والنسائي في التفسير، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 305).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 305).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 67).

ص: 285

(46)

‌ الأحْقَافُ

وهكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة الحافظين:"سورة حم الأحقاف" والبسملة موجودة في الشروح الثلاثة.

قال العلامة العيني

(1)

: قال أبو العباس: هي مكية وفيها آيتان مدنيتان: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} [الأحقاف: 10] وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] والأحقاف قال الكسائي: هي ما استدار من الرمل، واحدها حقف وحقاف مثل دبغ ودباغ ولبس ولباس، وقيل: الحقاف جمع الحقف والأحقاف جمع الجمع، وقال ابن عباس: الأحقاف وادٍ بين عمان ومهرة، وعن مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت في موضع يقال له: مهرة تنسب إليها الجمال المهرية، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة إرم، وعن الضحاك: الأحقاف جبل بالشام، وعن مجاهد: هي أرض حسمي، وعن الخليل: هي الرمال العظام، انتهى.

قوله: (وقال غيره: {أَرَأَيْتُمْ} هذه الألف إنما هي توعد. . .) إلخ، أي: غير ابن عباس، {أَرَأَيْتُمْ} من قوله:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآية، هذه الألف التي في أول {أَرَأَيْتُمْ} المستفهم بها إنّما هي توعد لكفار مكة حيث ادعوا صحة ما عبدوه من دون الله: إن صح ما تدعون - بتشديد الدال - في زعمكم ذلك لا يستحق أن يعبد لأنه مخلوق ولا يستحق أن يعبد إلا الخالق. . .، إلى آخر ما قال القسطلاني

(2)

.

وكذا قال العيني

(3)

: إن الإمام البخاري أشار به إلى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} .

والأوجه عندي أن الإمام البخاري أشار به إلى تفسير قوله تعالى:

(1)

"عمدة القاري"(13/ 307).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 68).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 308).

ص: 286

{أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [الأحقاف: 4] وهو الأوفق بسياق البخاري كما هو ظاهر؛ فإن الاستدلال بالخلق وعدمه كما ذكره البخاري في كلامه إنما هو مذكور في هذه الآية لا في الآية التي ذكرها الشرَّاح.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} [الأحقاف: 17]. . .) إلخ

قال العيني

(1)

تحت حديث الباب: مطابقته للترجمة ظاهرة.

وقوله: (كان مروان على الحجاز) أي: أميرًا على المدينة من قبل معاوية.

قوله: (فجعل يذكر يزيد بن معاوية) إلى آخره، قد أوضحه الإسماعيلي في روايته بلفظ: أراد معاوية أن يستخلف يزيد فكتب إلى مروان وكان على المدينة فجمع الناس فخطبهم فقال: إن أمير المؤمنين قد رأى رأيًا حسنًا في يزيد ودعا إلى بيعة يزيد، فقال عبد الرحمن: ما هي إلا هرقلية، إن أبا بكر والله لم يجعلها في أحد من ولده ولا من أهل بلده ولا من أهل بيته، فقال مروان: ألست الذي قال الله فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} ؟ قال: فسمعتها عائشة فقالت: يا مروان أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا؟ والله ما أنزلت إلا في فلان ابن فلان الفلاني، وفي لفظ: والله لو شئت أن أسميه لسميته ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض - أي: قطعة - من لعنة الله عز وجل، فنزل مروان مسرعًا حتى أتى باب عائشة رضي الله عنها فجعل يكلمها وتكلمه ثم انصرف، وفي لفظ: فقالت عائشة: كذب والله ما نزلت فيه.

قوله: (فقال له عبد الرحمن شيئًا) ولم يبين ما هذا الشيء الذي قاله عبد الرحمن لمروان، وأوضح ذلك الإسماعيلي في رواية: فقال

(1)

"عمدة القاري"(13/ 309، 310).

ص: 287

عبد الرحمن: ما هي إلا هرقلية، وله من طريق شعبة عن محمد بن زياد: فقال مروان: سُنَّة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن، سُنَّة هرقل وقيصر.

قوله: (فقال: خذوه) أي: فقال مروان لأعوانه: خذوا عبد الرحمن.

قوله: (دخل) أي: عبد الرحمن بيت عائشة رضي الله تعالى عنها ملتجئًا بها.

قوله: (فلم يقدروا) على إخراجه من بيت عائشة إعظامًا لعائشة، امتنعوا من الدخول في بيتها.

قوله: (فقال مروان: إن هذا الذي) أراد به عبد الرحمن "أنزل الله فيه" أي: في حقه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} [الأحقاف: 17] فأجابت عائشة بقولها: ما أنزل الله فينا شيئًا، إلى آخره.

قوله: (إن الله أنزل عذري) أرادت بها الآيات التي نزلت في براءة ساحة عائشة رضي الله تعالى عنها وهي {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} [النور: 11] إلى آخره.

قوله: (فينا) أرادت به بني أبي بكر لأن أبا بكر رضي الله عنه نزل فيه {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة: 40] وقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29] وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] وفي آي كثيرة، انتهى من "العيني".

(2 -‌

‌ باب قوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} الآية [الأحقاف:

24])

قال القسطلاني

(1)

: سقط لغير أبي ذر "باب قوله"، انتهى.

قال الحافظ

(2)

في شرح حديث الباب: قوله: "عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ} " ظاهر هذا أن الذي عذبوا بالريح غير الذين قالوا ذلك؛ لما تقرر أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأول، لكن ظاهر آية الباب على أن الذين عذبوا بالريح هم الذين قالوا:

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 70).

(2)

"فتح الباري"(8/ 578، 579).

ص: 288

هذا عارض، ففي هذه السورة:{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} الآية [الأحقاف: 21] الآيات، وفيها:{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24]، وقد أجاب الكرماني عن الإشكال بأن هذه القاعدة المذكورة إنما تطرد إذا لم يكن في السياق قرينة تدل على أنها عين الأول، فإن كان هناك قرينة كما في قوله:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فلا، ثم قال: ويحتمل أن عادًا قومان: قوم بالأحقاف وهم أصحاب العارض، وقوم غيرهم، قلت: ولا يخفى بعده لكنه محتمل فقد قال تعالى في سورة النجم: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} [النجم: 50]؛ فإنه يشعر بأن ثم عادًا أخرى، وقد أخرج قصة عاد الثانية أحمد ثم ذكرها الحافظ ثم قال: وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه بعضه، والظاهر أنه في قصة عاد الأخيرة لذكر مكة فيه، وإنما بنيت بعد إبراهيم حين أسكن هاجر وإسماعيل بواد غير ذي زرع، فالذين ذكروا في سورة الأحقاف هم عاد الأخيرة، ويلزم عليه أن المراد بقوله تعالى:{أَخَا عَادٍ} نبي آخر غير هود، والله تعالى أعلم، انتهى.

قال القسطلاني: وحديث أحمد ذكره ابن كثير بطوله في تفسيره وابن حجر مختصرًا.

(47)

‌ الَّذِينَ كَفَرُوا

كذا في النسخة الهندية و"القسطلاني"، وفي نسخة الحَافِظَينَ:"سورة محمد صلى الله عليه وسلم" مع البسملة أخيرًا.

قال القسطلاني

(1)

: مدنية، وقيل: مكية، ثم قال بعد ذكر اختلاف النسخ: وتسمى السورة أيضًا "سورة القتال"، انتهى.

قال العيني

(2)

: قال أبو العباس: ذكر عن الحكم عن السدي أنه قال:

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 72).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 312).

ص: 289

هي مكية ثم وجدنا عامة من نقلنا عنهم تفسير هذه السورة مجمعين على أنها مدنية، وقال الضحاك والسدي: مكية، وفي تفسير ابن النقيب: حكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن قوله عز وجل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} [محمد: 13] نزلت بعد حجة النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، شرّفها الله تعالى، انتهى.

قال القسطلاني

(1)

: قوله: ({أَوْزَارَهَا}) في قوله: تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] أي: "آثامها" أو آلاتها وأثقالها وهو من مجاز الحذف، أي: حتى تضع أمة الحرب أو فرقة الحرب أوزارها، والمراد انقضاء الحرب بالكلِّيَّة حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم وهو غاية للضرب أو الشد أو للمن والفداء أو للمجموع يعني أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم، وقيل: بنزول عيسى، وأسند الوضع إلى الحرب لأنه لو أسنده إلى أهله بأن كان يقول: حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقي كقول القائل:

خصومتي ما انفصلت ولكن

تركتها في هذه الأيام

انتهى.

قال الحافظ

(2)

: قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} قال: حتى لا يكون شرك، قال: والحرب من كان يقاتله سماهم حربًا، قال ابن التِّين: لم يقل هذا أحد غير البخاري والمعروف أن المراد بأوزارها السلاح، وقيل: حتى ينزل عيسى ابن مريم، انتهى.

قال الحافظ: وما نفاه قد علمه غيره، قال ابن قرقول: هذا التفسير يحتاج إلى تفسير وذلك لأن الحرب لا آثام لها، فلعله كما قال الفراء: آثام أهلها ثم حذف وأبقى المضاف إليه، أو كما قال النحاس: حتى تضع أهل الآثام فلا يبقى مشرك، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 72).

(2)

"فتح الباري"(8/ 579).

ص: 290

ولفظ الفراء: الهاء في {أَوْزَارَهَا} لأهل الحرب أي آثامهم، ويحتمل أن يعود على الحرب، والمراد بأوزارها سلاحها، انتهى. فجعل ما ادعى ابن التِّين أنه المشهور احتمالًا، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} الآية [محمد:

22])

قرأ الجمهور بالتشديد ويعقوب بالتخفيف، قاله الحافظ

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

: وسقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

(48)

‌ سُورَةُ الفَتْحِ

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة البسملة بعدها.

قال العيني

(3)

: وهي مدنية، قيل: نزلت بين الحديبية والمدينة منصرفه من الحديبية أو بكراع الغميم، والفتح صلح الحديبية، وقيل: فتح مكة، انتهى.

قوله: ({سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29] السحنة) وفي رواية المستملي والكشميهني والقابسي: "السجدة" والأول أولى، فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق الحاكم عن مجاهد كذلك، والسحنة بالسين وسكون الحاء المهملتين، وقيَّده ابن السكن والأصيلي بفتحهما، قال عياض: وهو الصواب عند أهل اللغة، وهو لين البشرة والنعمة وقيل: الهيئة، وقيل: الحال، انتهى.

وقال العكبري: السحنة بفتح أوله وسكون ثانيه: لون الوجه، ولرواية المستملي ومن وافقه توجيه لأنه يريد بالسجدة أثرها في الوجه، يقال لأثر السجود في الوجه: سجدة وسجادة.

قول: (وقال منصور عن مجاهد: التواضع) وصله علي بن المديني عن

(1)

"فتح الباري"(8/ 580).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 73).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 316).

ص: 291

جرير عن منصور، ورويناه في "الزهد" لابن المبارك، وفي تفسير عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: هو الخشوع زاد في رواية زائدة: قلت: ما كنت أراه إلا هذا الأثر الذي في الوجه، فقال: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبًا من فرعون

(1)

، انتهى.

قال القسطلاني

(2)

: وقال بعضهم: إن للحسنة نورًا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس، فما كمن في النفس ظهر على صفحات الوجه، وفي حديث جندب بن سفيان البجلي عند الطبراني مرفوعًا:"ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر"، وغير ذلك من الأقوال ذكرها القسطلاني.

(1 -‌

‌ باب: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:

1])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، قاله القسطلاني

(3)

.

قال العلامة العيني

(4)

: عن أنس رضي الله عنه: الفتح فتح مكة، وعن مجاهد والعوفي: فتح خيبر، وعن بعضهم: فتح الروم، وقيل: فتح الإسلام، وعن جابر: ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية، انتهى.

وقال القسطلاني

(5)

: الأكثرون على أنه صلح الحديبية، وقيل: فتح مكة، والتعبير عنه بالماضي لتحققه قال في "الكشاف": وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر ما لا يخفى، انتهى.

قال الطيبي: لأن هذا الأسلوب إنما يرتكب في أمر يعظم مناله ويعز الوصول إليه ولا يقدر على نيله إلا من له قهر وسلطان ولذا ترى أكثر أحوال القيامة واردة على هذا المنهج؛ لأن فتح مكة من أمهات الفتوح، وبه دخل الناس في دين الله أفواجًا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستغفار والتأهب

(1)

انظر: "فتح الباري"(8/ 581، 582).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 78).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 79).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 318).

(5)

"إرشاد الساري"(11/ 79).

ص: 292

للمسير إلى دار القرار، ثم ذكر بعض الأقوال مما تقدم، وقيل: فتح الإسلام بالحجة والبرهان والسيف والسنان، انتهى.

قال الحافظ

(1)

: قوله: "كان في سفر" جاء في رواية الطبراني من طريق عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود أن السفر المذكور هو عمرة الحديبية، انتهى.

قال العيني

(2)

: قال القرطبي: وهذا السفر كان ليلًا منصرفه من الحديبية، لا أعلم بين أهل العلم في ذلك خلافًا، وهذا الحديث مضى في المغازي في "باب غزوة الحديبية"، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]. . .) إلخ

كذا في النسخ الهندية و"القسطلاني"، وفي نسخة "العيني" ذكرت هذه الآية بغير لفظ "باب"، وأما في نسخة شرح الحافظ فهذه الآية غير مذكورة، نعم هو موجود في نسخة متن شرح الحافظ.

قال العيني

(3)

: ليست هذه الآية بمذكورة في أكثر النسخ، انتهى.

قال العلامة القسطلاني

(4)

في تفسير هذه الآية: أي: جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه، واللام في {لِيَغْفِرَ} متعلق بـ {فَتْحًا} وهي لام العلة، وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة؟ قلت: لم يجعل علة للمغفرة ولكن لاجتماع عدد ما من الأمور الأربعة وهي: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، كأنه قال: يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين وأغراض العاجل والآجل، ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببًا للمغفرة والثواب، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 583).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 318).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 320).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 81، 82).

ص: 293

قال السمين: وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الآية فإن اللام داخلة على المغفرة فتكون المغفرة علة للفتح والفتح معلل بها فكان ينبغي أن يقول: كيف جعل فتح مكة معللًا بالمغفرة ثم يقول: لم يجعل معللًا، وقال ابن عطية: أي أن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك فكأنها لام الصيرورة فهو كلام ماش على الظاهر، انتهى.

(فائدة): قال الحافظ

(1)

تحت قوله: "فلما كثر لحمه": أنكره الداودي وقال: المحفوظ "فلما بدن" أي: كبر، فكأن الراوي تأوّله على كثرة اللحم، انتهى.

وتعقبه أيضًا ابن الجوزي فقال: لم يصفه أحد بالسمن أصلًا، ولقد مات صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز الشعير في يوم مرتين، وأحسب بعض الرواة لما رأى "بدن" ظنه كثر لحمه وليس كذلك وإنما هو بدن تبدينًا، أي: أسن، قاله أبو عبيد، قلت: وهو خلاف الظاهر، وفي استدلاله بأنه لم يشبع من خبز الشعير نظر؛ فإنه يكون من جملة المعجزات كما في كثرة الجماع وطوافه في الليلة الواحدة على تسع وإحدى عشرة مع عدم الشبع وضيق العيش، وأي فرق بين تكثير المني مع الجوع وبين وجود كثرة اللحم في البدن مع قلة الأكل، وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن عروة عن عائشة قالت: لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسًا، لكن يمكن تأويل قوله: ثقل، أي: ثقل عليه حمل لحمه وإن كان قليلًا لدخوله في السن، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفتح:

8])

قال القسطلاني

(2)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، وقال أيضًا بعد ذكر حديث الباب: هذا الحديث سبق في أوائل البيع، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 584، 585).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 83، 84).

ص: 294

(4 -‌

‌ باب قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:

4])

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث البراء في نزول السكينة وسيأتي بتمامه في فضائل القرآن مع شرحه إن شاء الله تعالى، انتهى.

قال القسطلاني

(2)

: ({هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ}): الطمأنينة والثبات في قلوب المؤمنين تحقيقًا للنصرة، والأكثرون على أن هذه السكينة غير التي في البقرة، انتهى.

وقال العلامة العيني

(3)

: قوله: {أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} أي: الرحمة والطمأنينة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كل سكينة في القرآن فهي الطمأنينة إلا التي في البقرة، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:

18])

سقط "باب قوله" لغير أبي ذر، انتهى من "القسطلاني"

(4)

.

قال العلامة العيني

(5)

: وأول هذه الآية {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} [الفتح: 18] وهي بيعة الرضوان سميت بذلك في قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} والشجرة كانت سمرة، وقيل: سدرة، وروي أنها عميت عليهم من قابل فلم يدروا أين ذهبت، وقيل: كانت بفج نحو مكة، وقال نافع: ثم كان الناس بعد يأتونها فيصلون تحتها فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأمر بقطعها، وقال أيضًا تحت حديث عبد الله بن المغفل: مطابقته للترجمة في قوله: إني ممن شهد الشجرة، وأما الحديث الموقوف والمرفوع فلا تعلق لهما بتفسير هذه الآية ولا بهذه السورة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 587).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 84).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 322).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 85).

(5)

"عمدة القاري"(13/ 322، 323).

ص: 295

وقال القسطلاني

(1)

: وقد أورد المؤلف الحديث الموقوف لبيان التصريح بسماع ابن صهبان من ابن المغفل، والمرفوع الأول لقوله: إني ممن شهد الشجرة لمطابقة الترجمة، انتهى.

وقال العيني

(2)

بعد آخر حديث الباب: والحديث مر في باب الشروط في الجهاد مطولًا جدًا، وفيه قضية عمر رضي الله تعالى عنه، وقضية سهل بن حنيف مضت مختصرة، في غزوة الحديبية، وذكره البخاري أيضًا في الجزية والاعتصام وفي المغازي، وأخرجه مسلم أيضًا، انتهى.

(49)

‌ الحُجُرات

كذا في النسخة الهندية و"القسطلاني" بدون لفظ السورة، وفي نسخة الحافظين بزيادة السورة، والبسملة مذكورة في الشروح الثلاثة.

قال العلامة العيني

(3)

: قال أبو العباس: مدنية كلها ما بلغنا فيها اختلاف، وقال السخاوي: نزلت بعد المجادلة وقبل التحريم، قال الزجاج: يقرأ {الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: 4] بضم الجيم وفتحها، ويجوز في اللغة التسكين، ولا أعلم أحدًا قرأه، وهي جمع الحجر والحجر جمع حجرة وهو جمع الجمع والمراد بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.

قوله: (وقال مجاهد: {لَا تُقَدِّمُوا} [الحجرات: 1] لا تفتاتوا) قال العيني

(4)

: أي لا تسبقوا من الافتيات وهو افتعال من الفوت وهو السبق إلى الشيء دون ائتمار من يؤتمر، ومادته فاء وواو وتاء مثناة من فوق، ثم ذكر الأقوال في تفسير هذه الآية.

قال القسطلاني

(5)

: قال الزركشي: إن هذا التفسير على قراءة ابن عباس بفتح التاء والدال وكذا قيَّده البياسي وهي قراءة يعقوب

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 87).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 324).

(3)

المصدر السابق.

(4)

"عمدة القاري"(13/ 326).

(5)

"إرشاد الساري"(11/ 89).

ص: 296

الحضرمي، والأصل لا تتقدموا فحذف إحدى التائين، وقال في "المصابيح" متعقبًا لقول الزركشي: ليس هذا بصحيح بل هذا التفسير متأت على القراءة المشهورة أيضًا فإن قدّم بمعنى تقدم، قال الجوهري: وقدّم بين يديه، أي: تقدم، قال الله تعالى:{لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ} [الحجرات: 1]، انتهى.

قال الإمام فخر الدين: والأصح أنه إرشاد عام يشمل الكل، ومنع مطلق يدخل فيه كل إثبات وتقدُّمٍ واستبدادٍ بالأمر وإقدامٍ على فعلٍ غيرِ ضروريٍ من غير مشاورةٍ، انتهى.

(باب {تَنَابَزُوا} يُدْعَى بالكفْر بَعْدَ الإسلام. . .) إلخ

ليس في نسخ الشروح الثلاثة ها هنا لفظ "باب"، ثم اختلفت النسخ ففي نسخة "العيني":"تنابزوا: يدعى بالكفر بعد الإسلام"، وفي نسخة "الفتح":"ولا تنابزوا: يدعى. . ." إلخ، وفي نسخة "القسطلاني":"تنابزوا: لا يدعى. . ." إلخ.

قال الحافظ

(1)

: وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ: لا يدعوا الرجل بالكفر وهو مسلم، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله:{وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: 11] قال: لا يطعن بعضكم على بعض، {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] قال: لا تقل لأخيك المسلم: يا فاسق يا منافق، وعن الحسن قال: كان اليهودي يسلم فيقال: يا يهودي، فنهوا عن ذلك، وروى أحمد وأبو داود من طريق الشعبي: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله لقبان أو ثلاثة، فكان إذا دعا أحدًا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: إنه يغضب منه، فنزلت، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 589).

ص: 297

(1 -‌

‌ باب قوله: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية [الحجرات:

2])

سقط لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني"، ولأبي ذر:"باب {لَا تَرْفَعُوا} الآية". ثم قال

(1)

في تفسير الآية: أي إذا كلمتموه لأنه يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام، ومن خشي قلبه ارتجف وضعفت حركته الدافعة فلا يخرج منه الصوت بقوة ومن لم يخف بالعكس، وليس المراد بنهي الصحابة عن ذلك أنهم كانوا مباشرين ما يلزم منه الاستخفاف والاستهانة، كيف وهم خير الناس؟ بل المراد أن التصويت بحضرته مباين لتوقيره وتعزيره، انتهى.

قال الحافظ

(2)

في شرح الحديث: قوله: "فأنزل الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية [الحجرات: 2] " في رواية ابن جريج: "فنزلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] إلى قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} [الحجرات: 5] " وقد استشكل ذلك، قال ابن عطية: الصحيح أن سبب نزول هذه الآية كلام جفاة الأعراب، قلت: لا يعارض ذلك هذا الحديث فإن الذي يتعلق بقصة الشيخين في تخالفهما في التأمير هو أول السورة: {لَا تُقَدِّمُوا} ولكن لما اتصل بها قوله: {لَا تَرْفَعُوا} تمسك عمر منها بخفض صوته، وجفاة الأعراب الذين نزلت فيهم هم من بني تميم والذي يختص بهم قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: 4] قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات فقال: يا محمد إن مدحي زين، وإن شتمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ذاك الله عز وجل" ونزلت، قلت: ولا مانع أن تنزل الآية لأسباب تتقدمها فلا يعدل للترجيح مع ظهور الجمع وصحة

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 90).

(2)

"فتح الباري"(8/ 591، 592).

ص: 298

الطرق، ولعل البخاري استشعر ذلك فأورد قصة ثابت بن قيس عقب هذا ليبين ما أشرت إليه من الجمع، ثم عقب ذلك كله بترجمة "باب قوله:{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} " [الحجرات: 5] إشارة إلى قصة جفاة الأعراب من بني تميم لكنه لم يذكر في الترجمة حديثًا كما سأبينه قريبًا، وكأنه ذكر حديث ثابت لأنه هو الذي كان الخطيب لما وقع الكلام في المفاخرة بين بني تميم المذكورين كما أورده ابن إسحاق في "المغازي" مطولًا.

قوله: (فما كان عمر يُسْمِعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. . .) إلخ، في رواية وكيع في الاعتصام: فكان عمر بعد ذلك إذا حدّث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدّثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه، قلت: وقد أخرج ابن المنذر من طريق محمد بن عمرو بن علقمة أن أبا بكر الصديق قال مثل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا مرسل، وقد أخرجه الحاكم موصولًا من حديث أبي هريرة ونحوه، وأخرجه ابن مردويه من طريق طارق بن شهاب عن أبي بكر قال: لما نزلت {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية، قال أبو بكر: قلت: يا رسول الله! آليتُ أن لا أكلمك إلا كأخي السرار.

قوله: (ولم ينكر ذلك عن أبيه - يعني: أبا بكر) قال مغلطاي: يحتمل أنه أراد بذلك أبا بكر عبد الله بن الزبير، أو أبا بكر عبد الله بن أبي مليكة، فإن أبا مليكة له ذكر في الصحابة، قلت: وهذا بعيد عن الصواب بل قرينة ذكر عمر ترشد إلى أن مراده أبو بكر الصديق، وقد وقع في رواية الترمذي، قال: وما ذكر ابن الزبير جده، زاد في رواية الطبري: جده - يعني: أبا بكر -، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} الآية [الحجرات: 4]. . .) إلخ

ذكر فيه حديث ابن الزبير وقد تقدم شرحه في الذي قبله.

ص: 299

‌(باب قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} [الحجرات:

5])

قال العلامة العيني

(1)

: وليس في كثير من النسخ لفظ "باب"، وهكذا في جميع الروايات الترجمة بلا حديث، والظاهر أنه أخلى موضع الحديث فإما أنه لم يظفر بشيء على شرطه أو أدركه الموت، والله أعلم، انتهى.

وتبعه القسطلاني في ذلك، وقال الحافظ

(2)

: هكذا في جميع الروايات الترجمة بغير حديث، وقد أخرج الطبري والبغوي وابن أبي عاصم في كتبهم في الصحابة من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة قال: حدثني الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أخرج إلينا؛ فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} الحديث، وسياقه لابن جرير، قال ابن منده: الصحيح عن أبي سلمة أن الأقرع، مرسل، وكذا أخرجه أحمد على الوجهين، وقد ساق محمد بن إسحاق قصة وفد بني تميم في ذلك مطولة بانقطاع، انتهى.

(50)

‌ سورةُ {ق}

وهكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة الحافظين بزيادة البسملة بعدها.

قال الحافظ

(3)

: روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: {ق} اسم من أسماء القرآن، وعن مجاهد قال: جبل محيط بالأرض، وقيل: هي القاف من قوله: {قُضِيَ الْأَمْرُ} دلت على بقية الكلمة كما قال الشاعر:

قلت لها قفي لنا قالت قاف

قال العلامة العيني

(4)

: هي مكية كلها، وعن ابن عباس: أنه اسم

(1)

"عمدة القاري"(13/ 329).

(2)

"فتح الباري"(8/ 592).

(3)

"فتح الباري"(8/ 593).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 330).

ص: 300

من أسماء الله تعالى أقسم الله به، وعن القرطبي: افتتاح اسم الله تعالى: قدير وقادر وقاهر وقريب وقاضي وقابض، وعن عكرمة والضحاك: هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء متصلة عروقه بالصخرة التي عليها الأرض كهيئة القبة، وعليه كتف السماء وخضرة السماء منه، والعالم داخله ولا يعلم ما وراءه إلا الله تعالى، وما أصاب الناس من زمرد ما سقط من ذلك الجبل، وهي رواية عن ابن عباس، وعن مقاتل: هو أول جبل خلق وبعده أبو قبيس، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} الآية [ق:

30])

قال الحافظ

(1)

: اختلف النقل عن قول جهنم {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} فظاهر أحاديث الباب أن هذا القول منها لطلب المزيد، وجاء عن بعض السلف أنه استفهام إنكار كأنها تقول: ما بقي فيَّ موضع للزيادة، فروى الطبري عن عكرمة في قوله:{هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أي: هل من مدخل؟ قد امتلأت. ومن طريق مجاهد نحوه، ورجح الطبري أنه لطلب الزيادة على ما دلت عليه الأحاديث المرفوعة، وقال الإسماعيلي: الذي قاله مجاهد موجه فيحمل على أنها قد تزاد وهي عند نفسها لا موضع فيها للمزيد.

ثم قال الحافظ: واختلف في المراد بالقدم، ثم بسط الأقوال فيه.

قال القسطلاني

(2)

: قال محيي السُّنَّة: القدم والرجل في هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزهة عن التكييف والتشبيه، فالإيمان بها فرض والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ، والمنكر معطل، والمكيف مشبه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، انتهى.

ثم ذكر المصنف في الباب حديث اختصام الجنة والنار.

(1)

"فتح الباري"(8/ 595).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 99).

ص: 301

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: (ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس. . .) إلخ، ولم تذكر المحاجة على وجهها فإن ما ذكر من مقالة الجنة لا تؤذن بالمحاجة لأنها أذعنت بالخضوع، والصحيح أنها ذكرت مقالتها هذه للاستدلال على علو مكانتها حتى أنها تجعل الضعفاء الغرباء ملوكًا وجبابرة، انتهى.

وفي هامشه: وهو كذلك فإن قولها: ما لي لا يدخلني إلا. . . إلخ، اعتراف منها بعجزها وغلبة الأخرى، وهذا ليس من شأن المحاجة، وما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه بقوله: والصحيح. . . إلخ، هو أيضًا واضح، وعلى هذا تصح المحاجة بينهما، فإن في هذه السورة ادعى كل واحد منهما غلبته على الآخر، وبهذا جزم الشيخ قُدِّس سرُّه في "كتاب الرد على الجهمية" فإن هذا الحديث سيأتي هناك في "باب قوله:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]" ولا يبعد عند هذا العبد الضعيف أن يقال: إن جهنم لما كانت مثوى المتكبرين عبرت كلامها بكلام المتكبرين فقالت: أنا كذا وكذا، ولما كانت الجنة مثوى المتواضعين ذكرت مقالتها على منوال المتواضعين، إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع" مما ذكره الشيخ قُدِّس سرُّه في "الكوكب"

(2)

ومن كلام الشرَّاح في شرح هذا الحديث.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:

39])

سقط لفظ "باب" في نسخة "القسطلاني"، وهو موجود في نسخة الحافظين، ثم اختلفت نسخ الشروح، ففي نسخة "الفتح": فسبح بالفاء، وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني": وسبح بالواو.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 164، 165).

(2)

انظر: "الكوكب الدري"(3/ 319).

ص: 302

قال الحافظ

(1)

: كذا لأبي ذر في الترجمة، وفي سياق الحديث، ولغيره: وسبح بالواو فيهما وهو الموافق للتلاوة، فهو الصواب، وعندهم أيضًا:{وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} وهو الموافق لآية السورة، ثم أورد فيه حديث جرير:"إنكم سترون ربكم" الحديث وفي آخره: ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] وهذه الآية في طه.

قال الكرماني: المناسب لهذه السورة و"قبل الغروب" لا غروبها قلت: لا سبيل إلى التصرف في لفظ الحديث، وإنما أورد الحديث هنا لاتحاد دلالة الآيتين، وقد تقدم في الصلاة، وكذا وقع هنا في نسخة من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ: ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} ، انتهى.

(51)

{وَالذَّارِيَاتِ}

كذا في "الهندية" و"القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح" و"العيني" بزيادة لفظ السورة والبسملة بعدها.

قال العيني

(2)

: وهي مكية كلها قاله مقاتل وغيره، وقال السخاوي: نزلت بعد سورة الأحقاف وقبل سورة الغاشية، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: والواو للقسم والفاءات بعدها عاطفات من عطف المتغايرات وهو الظاهر، وجوّز الزمخشري أنها من عطف الصفات وأن الحاملات وما بعدها من صفات الريح، انتهى.

قوله: ({إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ما خلقت أهل السعادة. . .) إلخ، قال العلامة العيني

(4)

: فإن قلت: ما الفرق بين هذين التأويلين؟ قلت: الأول لفظ عام أريد به الخصوص، وهو أن المراد أهل السعادة من الفريقين، والثاني على عمومه بمعنى خلقهم معدين لذلك، لكن منهم من أطاع ومنهم

(1)

"فتح الباري"(8/ 598).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 337).

(3)

"فتح الباري"(8/ 599).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 340).

ص: 303

من عصى، ومعنى الآية في الجملة أن الله تعالى لم يخلقهم للعبادة خلق جبلة واختيار، وإنما خلقهم لها خلق تكليف واختبار، فمن وفقه وسدده أقام العبادة التي خلق لها، ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما خلق له كقوله صلى الله عليه وسلم:"اعملوا فكل ميسر لما خلق له" وفي نفس الأمر هذا سر لا يطلع عليه غير الله تعالى، وقال:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: والفرق بين التأويلين أن المراد بالجن والإنس في التوجيه الأول صلحاؤهما فقط، وفي الثاني أعم منهم غير أن الطلحاء لم يأتوا ما أريد منهم، انتهى. وهو حاصل ما تقدم عن كلام العلامة العيني وهو مؤدى كلام الحافظ.

وكتب الشيخ أيضًا: قوله: (وليس فيه حجة لأهل القدر) القائلين بوقوع الشر من غير إرادته تعالى وأن الشر غير مخلوق له، وعدم حجيته لهم ظاهر فإن عدم كونه مرادًا لا يقتضي أنه ليس مخلوقًا له، انتهى.

ذكر الحافظ

(2)

في آخره هذه السورة: (تنبيه): لم يذكر البخاري في هذه السورة حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيها على شرطه حديث أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من طريق أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:"أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أنا الرزاق ذو القوة المتين"، قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان، انتهى.

(52)

{وَالطُّورِ}

هكذا في النسخة "الهندية"، وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة" والبسملة بعدها.

قال العلامة العيني

(3)

: قال أبو العباس: مكية كلها، وذكر الكلبي أن

(1)

"لامع الدراري"(9/ 166).

(2)

"فتح الباري"(8/ 601).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 342).

ص: 304

فيها آية مدنية وهي قوله: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الطور: 47] زعم أنها نزلت فيمن قتل ببدر من المشركين.

قال الثعلبي: كل جبل طور ولكن الله عز وجل يعني بالطور هنا الجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام بالأرض المقدسة وهو بمدين واسمه زبير، وقال مقاتل بن حيان: هما طوران يقال لأحدهما: طور زيتا، وللآخر: طور تينا؛ لأنهما ينبتان الزيتون والتين، ولما كذّب كفار مكة أقسم الله بالطور وهو الجبل بلغة النبط الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام بالأرض المقدسة، وقال الجوزي: وهو طور سيناء، وقال أبو عبد الله الحموي في كتابه "المشترك": طور زيتا مقصورًا: علم لجبل بقرب رأس عين وطور زيتا أيضًا جبل بالبيت المقدس وفي الأثر: مات بطور زيتا سبعون ألف نبي قتلهم الجوع وهو شرقي وادي سلوان، ثم ذكر عدة جبال المسمى بالطور، فارجع إليه لو شئت.

قوله: (قال مجاهد: الطور الجبل بالسريانية) قال الحافظ

(1)

: وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا، قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: قوله: {وَالطُّورِ} قال: جبل يقال له الطور، وعمن سمع عكرمة مثله، وقال أبو عبيدة: الطور الجبل في كلام العرب، وفي "المحكم": الطور الجبل وقد غلب على طور سيناء جبل بالشام وهو بالسريانية طورى بفتح الراء، والنسبة إليه طوري وطوراني، انتهى.

وقال القسطلاني

(2)

: وهو طور سينين جبل بمدين سمع فيه موسى كلام الله عز وجل، انتهى.

(53)

{وَالنَّجْمِ}

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة" والبسملة بعدها.

قال العيني

(3)

: وهي مكية، قال مقاتل: غير آية نزلت في نبهان التمار

(1)

"فتح الباري"(8/ 602).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 104).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 346).

ص: 305

وهي {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [النجم: 32] وفيه رد لقول أبي العباس في "مقامات التنزيل" وغيره: مكية بلا خلاف، وقال السخاوي: نزلت بعد سورة الإخلاص وقبل سورة عبس.

والواو في {وَالنَّجْمِ} للقسم، والنجم الثريا، قاله ابن عباس، والعرب تسمي الثريا نجمًا وإن كانت في العدد نجومًا، وعن مجاهد: نجوم السماء كلها حين تغرب، لفظه واحد ومعناه جمع، وسمي الكوكب نجمًا لطلوعه وكل طالع نجم، {إِذَا هَوَى} [النجم: 1] أي: إذا غاب وسقط، وقوله:{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [النجم: 2] جواب القسم والصاحب هو محمد صلى الله عليه وسلم، انتهى.

‌(باب قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:

9])

قال العيني

(1)

: ولم تثبت هذه الترجمة إلا لأبي ذر وحده، وفي بعض النسخ لم يذكر لفظ "باب" وقد تقدم تفسيره قريبًا عن مجاهد، انتهى.

قلت: وأشار به إلى ما تقدم في أوائل هذه السورة بقوله: {قَابَ قَوْسَيْنِ} : حيث الوتر من القوس، قال الحافظ

(2)

هناك: وصله الفريابي من طريق مجاهد، وقال أبو عبيدة:{قَابَ قَوْسَيْنِ} ، أي: قدر قوسين أو أدنى أو أقرب، انتهى.

وقال القسطلاني

(3)

: وفيه مضافان محذوفان، أي: فكان مقدار مسافة قربه عليه الصلاة والسلام منه تعالى مثل مقدار مسافة قاب، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: والقاب ما بين القبضة والسية من القوس، قال الواحدي: هذا قول جمهور المفسرين أن المراد القوس التي يرمى بها، قال: وقيل: المراد بها الذراع لأنه يقاس به الشيء، قلت: وينبغي أن يكون هذا القول هو الراجح، فقد أخرج ابن مردويه بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: القاب القدر والقوسين الذراعان، ويؤيده أنه لو كان المراد به القوس

(1)

"عمدة القاري"(13/ 351).

(2)

"فتح الباري"(8/ 604).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 107، 108).

(4)

"فتح الباري"(8/ 610).

ص: 306

التي يرمى بها لم يمثل بذلك ليحتاج إلى التثنية فكان يقال مثلًا: قاب رمح أو نحو ذلك، وقد قيل: إنه على القلب، والمراد: فكان قاب قوس؛ لأن القاب ما بين المقبض إلى السية فلكل قوس قابان بالنسبة إلى خالفته، وسيأتي بيان الاختلاف في معنى قوله:{فَتَدَلَّى} في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى، انتهى. ثم اعلم أنهم اختلفوا أن هذا الدنو والتدلي فيما بين نبينا صلى الله عليه وسلم وجبريل أو بينه صلى الله عليه وسلم وبين ربه عز وجل فهي مسألة خلافية بين العلماء.

وها هنا مسألة أخرى وهي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه عز وجل ليلة المعراج وهي أيضًا خلافية، ذكر شيء من الكلام عليهما في هامش "اللامع"، وسيأتي من كتاب التوحيد في "باب قوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وتقدم آنفًا في كلام القسطلاني ما يدل أن هذا الدنو والتدلي فيما بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين الرب تبارك وتعالى.

‌(باب قوله: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:

10])

سقط لفظ "باب" ولاحقه لغير أبي ذر، قاله القسطلاني

(1)

.

وقال الحافظ

(2)

: ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وحده، وهي عند الإسماعيلي أيضًا فأورد فيه حديث ابن مسعود المذكور في الذي قبله، انتهى.

‌(باب قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:

18])

قال القسطلاني

(3)

: سقط لغير أبي ذر لفظ "باب" وما بعده، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: واختلف في الآيات المذكورة فقيل: المراد بها جميع ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وحديث الباب يدل على أن المراد صفة جبريل، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 111).

(2)

"فتح الباري"(8/ 610).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 112).

(4)

"فتح الباري"(8/ 611).

ص: 307

(2 -‌

‌ باب قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:

19])

قال العيني

(1)

: وفي بعض النسخ لم يذكر لفظ "باب".

واللات مأخوذ من لفظة "الله" ثم ألحقت بها تاء التأنيث فأنثت، كما قيل للرجل: عمرو، ثم يقال للأنثى: عمرة، كذا قاله الثعلبي، وقيل: أرادوا أن يسموا إلههم الباطل باسم الله فصرفه الله تعالى إلى اللات صونًا له وحفظًا لحرمته، وفي "التفسير": كانت اللات صخرة بالطائف، وعن ابن زيد: بيت بنخلة كانت قريش تعبده، والعزى شجرة لغطفان يعبدونها، قاله مجاهد، قلت: هي التي بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها، وله قصة مشهورة، وعن الضحاك: صنم لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالم الغطفاني، وعن ابن زيد: بيت بالطائف كانت ثقيف تعبده، انتهى.

قوله: (عن ابن عباس: {اللَّاتَ وَالْعُزَّى} كانت اللات رجلًا يلتّ سويق الحاج. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: قال الإسماعيلي: هذا التفسير على قراءة من قرأ اللات بتشديد التاء، قلت: وليس ذلك بلازم بل يحتمل أن يكون هذا أصله وخفف لكثرة الاستعمال، والجمهور على القراءة بالتخفيف، وقد روي التشديد عن قراءة ابن عباس وجماعة من أتباعه ورويت عن ابن كثير أيضًا، والمشهور عنه التخفيف كالجمهور، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم:

20])

قال الحافظ

(3)

: سقط "باب" لغير أبي ذر، وقد تقدم شرح مناة في سورة البقرة، وقرأ ابن كثير وابن محيصن: مناءة بالمد والهمز.

قوله: (قلت: لعائشة رضي الله عنها فقالت. . .) إلخ، كذا أورده مختصرًا وتقدم في تفسير البقرة بيان ما قال وأنه سأل عن وجوب السعي بين الصفا والمروة، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 353).

(2)

"فتح الباري"(8/ 612).

(3)

"فتح الباري"(8/ 613).

ص: 308

قال العيني

(1)

: وسيأتي تفسيرها - أي: مناة - في الحديث، وقال أيضًا بعد ذكر حديث الباب: وهذا الحديث قد مضى مطولًا في الحج في "باب وجوب الصفا والمروة" وتكلم الشرَّاح ها هنا على قوله: {الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} فإن الثالثة لا يقال لها الأخرى فارجع إليه لو شئت.

(4 -‌

‌ باب قوله: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:

62])

في رواية الأصيلي: "واسجدوا" وهو غلط، قاله الحافظ

(2)

.

وتعقبه العيني فقال

(3)

: لا ينسب الغلط للأصيلي بل للناسخ لعدم تمييزه، وقال أيضًا: وحديث الباب قد مضى في أبواب سجود القرآن في "باب سجود المسلمين مع المشركين" ومضى الكلام فيه هناك، انتهى.

قلت: لعله أشار بقوله: تقدم الكلام عليه هناك، إلى ما اشتهر من قصة الغرانيق وتقدم الكلام عليه في أبواب سجود القرآن، وكذا في تفسير سورة الحج.

(54)

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ السورة والبسملة بعدها.

قال العيني

(4)

: وتسمى أيضًا سورة القمر، قال مقاتل فيما ذكره ابن النقيب وغيره: مكية إلا ثلاث آيات أولها: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} [القمر: 44] وآخرها قوله: {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46] كذا قالوه عن مقاتل، وفيه نظر من حيث إن الذي في تفسيره: هي مكية غير آية {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [القمر: 45] فإنها نزلت في أبي جهل بن هشام يوم بدر، انتهى.

قوله: (يقول كفر له. . .) إلخ، كتب الشيخ في "اللامع"

(5)

: الظاهر أن

(1)

"عمدة القاري"(13/ 355، 356).

(2)

"فتح الباري"(8/ 614).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 356، 357).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 358).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 169).

ص: 309

قوله: "له" متعلق بقوله: "جزاء" يعني أن ذلك الذي فعلنا بهم كان جزاء لمن كفروه ولم يؤمنوا به، انتهى.

وفي هامشه: وفي "تقرير المكي": قوله: "كفر له" يعني المراد بمن كفر من كفر له، وهو نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وسيجيء تفسير هذا قريبًا في البخاري بقوله: كفر فعلنا به إلخ، انتهى من هامش "اللامع".

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} [القمر:

1، 2])

قال الحافظ

(1)

: سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، ثم ذكر حديث انشقاق القمر من وجهين عن ابن مسعود، وفيه فرقتين، ومن حديث ابن عباس: انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حديث أنس: سأل أهل مكة أن يريهم آية، ومن وجه آخر عن أنس: انشق القمر فرقتين، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أوائل السيرة النبوية، انتهى.

قلت: وكذا تقدم في هذا الجزء الكلام عليه هناك.

(2 -‌

‌ باب قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} الآية [القمر:

14])

قوله: (قال قتادة: أبقى الله سفينة نوح. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلفظه وزاد: على الجودي، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال: أبقى الله السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة نظرًا، وكم من سفينة بعدها فصارت رمادًا.

قوله: (أنه كان يقرأ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}) أي: بالدال المهملة وسبب ذكر ذلك أن بعض السلف قرأها بالمعجمة، وهو منقول أيضًا عن قتادة.

(1)

"فتح الباري"(8/ 617).

(2)

"فتح الباري"(8/ 618).

ص: 310

ثم ذكر المصنف لهذا الحديث خمس تراجم في كل ترجمة آية من هذه السورة، ومدار الجميع على أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد، وساق في الجميع الحديث المذكور ليبين أن لفظ {مُدَّكِرٍ} في الجميع واحد، وقد تكرر في هذه السورة قوله:{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} بحسب تكرر القصص من أخبار الأمم استدعاءً لأفهام السامعين ليعتبروا، وقال في الأولى:"وقال مجاهد: {يَسَّرْنَا}: هونا قراءته" وقال في الثانية عن أبي إسحاق: أنه سمع رجلًا سأل الأسود فهل من مدكر أو مذكر؟ أي: بمعجمة أو بمهملة، فذكر الحديث وفي آخره:"دالًا" أي: مهملة، ولفظ الثالث والرابع كالأول، ولفظ الخامس: عن عبد الله: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم: فهل من مذكر، أي: بالمعجمة فقال: فهل من مدكر، أي: بالمهملة، وقوله:{مُدَّكِرٍ} أصله مذتكر بمثناة بعد ذال معجمة فأبدلت التاء دالًا مهملة ثم أهملت المعجمة لمقاربتها ثم أدغمت، انتهى من "الفتح"".

وسيأتي الكلام على تكرار حديث واحد في عدة تراجم في "باب قوله: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} الآية [القمر: 51]. . ." إلخ.

(3 -‌

‌ باب: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:

22])

قال القسطلاني

(1)

: سقط الباب لغير أبي ذر.

قوله: ({يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ}) أي: سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].

قوله: (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({يَسَّرْنَا}) أي: (هونا قراءته) وليس شيء يقرأ كله ظاهرًا إلا القرآن، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

وسيأتي عن ابن عباس: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله عز وجل.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 122).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 122).

ص: 311

(4 -‌

‌ باب قوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:

20، 21])

قال في "الأنوار": أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض، وقيل: شبهوا بالأعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم، وتذكير منقعر للحمل على اللفظ، والتأنيث في قوله:{أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] للمعنى، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

(5 -‌

‌ باب قوله: {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} الآية [القمر:

31])

سقط لغير أبي ذر لفظ "باب"، قوله:{الْمُحْتَظِرِ} بكسر الظاء المشالة المعجمة قراءة الجمهور اسم فاعل، قال ابن عباس: المحتظر هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشوك والشجر، فما سقط من ذلك وداسته الغنم فهو الهشيم، وقرأ الحسن بفتحها فقيل: هو مصدر، أي: كهشيم الاحتظار، وقيل: اسم مكان، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: 32]) يسرنا تلاوته على الألسن، وعن ابن عباس: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله عز وجل، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:

38])

دائم متصل بعذاب الآخرة، ({فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 39]) يريد العذاب الذي نزل بهم من طمس الأعين غير العذاب الذي أهلكوا به، فلذلك حسن التكرير، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 123).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 123، 124).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 124).

ص: 312

(7 -‌

‌ باب قوله: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:

51])

أشياعكم، أي: أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السالفة، وسقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

قلت: وقد تقدم الكلام على هذه الأبواب الخمسة، أعني من "باب {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: 32] " إلى ها هنا من كلام الحافظ قُدِّس سرُّه في "باب قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14].

وقال العلامة العيني

(2)

بعد ذكر الحديث: واعلم أن البخاري روى هذا الحديث من ستة طرق كما رأيت، الأول مترجم بقوله:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا. . .} إلخ، والباقي وهو الخمسة بخمس تراجم أيضًا على رأس كل ترجمة لفظ "باب" وفي بعض النسخ لم يذكر لفظ "باب" أصلًا.

وقال الكرماني: ما معنى تكرار هذا الحديث في هذه التراجم الستة؟ وما وجه المناسبة بينه وبينها؟ فأجاب بقوله: لعل غرضه أن المذكور

(3)

في هذه السورة الذي هو في المواضع الستة كله بالمهملة، انتهى.

قلت: مدار هذا الحديث بطرقه على أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد، وأما فائدة قوله:{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 39، 40] أن يجددوا عند استماع كل نبأ من الأنباء التي أتت من الأمم السالفة ادكارًا واتعاظًا، وينتبهوا إذا سمعوا الحثّ على ذلك، انتهى.

قلت: ولصنيع البخاري هذا - أعني إخراج حديث واحد بعدة طرق في تراجم عديدة - نظائر سيأتي ذكرها في تفسير سورة المنافقين.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 124).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 366).

(3)

كذا في الأصل: والمراد به لفظ "مدَّكِرّ".

ص: 313

(8 -‌

‌ باب قوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:

45])

قال القسطلاني

(1)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، ثم قال بعد ذكر حديث الباب: وهذا الحديث مر في الجهاد في "باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم"، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث ابن عباس في قصة بدر وقد تقدم بيانه في المغازي، ثم قال الحافظ أيضًا: وهذا الحديث من مرسلات ابن عباس لأنه لم يحضر القصة، وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة أن عمر رضي الله عنه قال: لما نزلت {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} جعلت أقول: أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الآية، فكأن ابن عباس حمل ذلك عن عمر، وكأن عكرمة حمله عن ابن عباس عن عمر، وقد أخرج مسلم من طريق سماك بن الوليد عن ابن عباس: حدثني عمر ببعضه، انتهى.

(9 -‌

‌ باب قوله: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر:

46])

أي: موعد عذابهم، ({وَالسَّاعَةُ}) أي: عذابها ({أَدْهَى}) أعظم بلية ({وَأَمَرُّ}) أشد مرارة من عذاب الدنيا، "يعني من المرارة" لا من المرور، قاله القسطلاني

(3)

.

قال الحافظ

(4)

: يعني من المرارة هو قول الفراء قال في هذه الآية معناه: أشد عليهم من عذاب يوم بدر، {وَأَمَرُّ} من المرارة، انتهى.

قوله: (إني عند عائشة أم المؤمنين قالت: لقد نزل على محمد صلى الله عليه وسلم) كذا

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 125، 126).

(2)

"فتح الباري"(8/ 619).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 126).

(4)

"فتح الباري"(8/ 620).

ص: 314

ذكره ها هنا مختصرًا وفيه قصة حذفها، وسيأتي مطولًا في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى، ثم ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي قبله، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(55)

‌ سُورةُ الرَّحمنِ

كذا في النسخة الهندية و"الفتح" بدون البسملة، وهي مذكورة في نسخة "العيني" و"القسطلاني" ففي الأول أولًا وفي الثاني أخيرًا.

قال الحافظ

(2)

: والأكثر عدّوا {الرَّحْمَنُ} آية وقالوا: هو خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ محذوف الخبر، وقيل: تمام الآية {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} وهو الخبر، انتهى.

وقال العلامة العيني

(3)

: قال أبو العباس: أجمعوا على أنها مكية، إلا ما روى همام عن قتادة أنها مدنية، قال: وكيف تكون مدنية وإنما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم بسوق عكاظ فسمعته الجن، وأول شيء سمعت قريش من القرآن جهرًا سورة الرحمن، قرأها ابن مسعود عند الحجر فضربوه حتى أثروا في وجهه، وفي رواية سعيد عن قتادة: أنها مكية، وقال السخاوي: نزلت قبل {هَلْ أَتَى} وبعد سورة الرعد، نزلت حين قالوا: وما الرحمن؟ انتهى.

قول: (وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى: ({بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]) أي: "كحسبان الرحى" ليس هذا في النسخ الهندية بل هو مذكور في نسخة الهامش، أي: يدوران في مثل قطب الرحى، والحسبان قد يكون مصدر حسبته أحسبه بالضم حسبًا حسابًا وحسبانًا مثل الغفران والكفران والرجحان، أو جمع حساب كشهاب وشهبان، أي: يجريان في منازلهما بحساب لا يغادران ذلك، انتهى من "القسطلاني"

(4)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 620).

(2)

"فتح الباري"(8/ 621).

(3)

عمدة القاري" (13/ 368).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 128).

ص: 315

وتقدم هذا القول أيضًا مع شرحه في أول بدء الخلق.

قوله: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ} [الرحمن: 9] يريد لسان الميزان) قال الحافظ

(1)

: هذا كلام الفراء بلفظه، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي المغيرة قال: رأى ابن عباس رجلًا يزن قد أرجح فقال: أقم اللسان كما قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: 9]، وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال:{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} قال اللسان، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "يريد لسان الميزان" لأنها إذا أقيمت كان الوزن غير بخس ولا زائد، انتهى.

قوله: ({الْمُنْشَآتُ} [الرحمن: 24] ما رفع من قلعه من السفن) كتب الشيخ

(3)

: يعني أن المنشآت ما كانت قلاعها مرفوعة، فقوله:"من" كما في نسخة المتن، ليس بيانًا لما بل هي زائدة، انتهى.

وفي هامشه: لفظة "من" في قوله: "من قلعه" موجود في النسخ الهندية ولا يوجد في النسخ المصرية من نسخة "الكرماني" و"الفتح" و"العيني" و"القسطلاني" ولم يتعرض لذلك أحد من الشرَّاح، فالظاهر أنها سهو من الكاتب، انتهى.

قوله: (وقال بعضهم: ليس الرمان والنخل بالفاكهة. . .) إلخ.

قال الحافظ

(4)

: قال شيخنا ابن الملقن: البعض المذكور هو أبو حنيفة، وقال الكرماني: قيل: أراد به أبا حنيفة، قلت: بل نقل البخاري هذا الكلام من كلام الفراء ملخصًا، ولفظه: قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] قال بعض المفسرين: ليس الرمان ولا النخل من الفاكهة، قال: وقد ذهبوا في ذلك مذهبًا، قلت: فنسبه الفراء لبعض المفسرين وأشار إلى توجيهه ثم قال: ولكن العرب تجعل ذلك فاكهة، وإنما

(1)

"فتح الباري"(8/ 621).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 170).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 171).

(4)

"فتح الباري"(8/ 623).

ص: 316

ذكرا بعد الفاكهة كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 238] إلخ.

والحاصل: أنه من عطف الخاص على العام كما في المثالين اللذين ذكرهما إلى آخر ما ذكر الحافظ من الاعتراض والجواب عنه، كما ذكر في هامش "اللامع".

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: "وقال بعضهم. . ." إلخ، ولم يقل هذا البعض غير صواب فإن مبنى الأيمان على العرف فلم تكن الرمان والنخل فاكهة عندهم فكيف يدخل فيها، نعم هي فاكهة في عرفنا أهل الهند، ولم ينكر هذا البعض كونهما فاكهة عند العرب

(2)

حتى يعترض عليه، وأما الآية فإنهم لم يستدلوا بها حتى يفتقر إلى الجواب عنها، ومع ذلك فإن لهم أن يقولوا: إن تخصيصهما بالذكر بعد التعميم ليس إلا لمزيد فيهما أو منقصة، كما في قوله:{الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وهو المراد، انتهى.

وبسط في هامشه الكلام في تأييد كلام الشيخ قُدِّس سرُّه من أقوال الفقهاء وأهل الأصول.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:

62])

سقط "باب قوله" لغير أبي ذر.

قوله: ({وَمِنْ دُونِهِمَا}) أي: الجنتين المذكورتين في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، ({جَنَّتَانِ}) لمن دونهم من أصحاب اليمين فالأوليان أفضل من اللتين بعدهما، وقيل بالعكس، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

وقال الترمذي الحكيم: المراد بالدون هنا القرب أي: وقربهما

(1)

"لامع الدراري"(9/ 171 - 174).

(2)

كذا في الأصل، والصواب:"عند أهل الهند".

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 134).

ص: 317

جنتان، أي: هما أدنى إلى العرش وأقرب، وزعم أنهما أفضل من اللتين قبلهما، وقال غيره: معنى دونهما بقربهما وليس فيه تفضيل، وذهب الحليمي إلى أن الأوليين أفضل من اللتين بعدهما، ويدل عليه تفاوت ما بين الفضة والذهب، وقد روى ابن مردويه من طريق حماد عن أبي عمران في هذا الحديث قال: من ذهب للسابقين ومن فضة للتابعين، وفي رواية ثابت عن أبي بكر: من ذهب للمقربين ومن فضة لأصحاب اليمين، انتهى

(1)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:

72])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، أي: محبوسات، ومن ثم سموا البيت الكبير قصرًا لأنه يحبس من فيه، قاله الحافظ

(2)

.

قال القسطلاني

(3)

: قال الترمذي الحكيم في قوله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} بلغنا في الرواية أن سحابة من العرش مطرت فخلقن من قطرات الرحمة، ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار سعتها أربعون ميلًا وليس لها باب، حتى إذا حل ولي الله بالخيمة انصدعت عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها، وقد اختلف أيها أتم حسنًا، الحور أم الآدميات؟ فقيل: الحور لما ذكر، ولقوله في صلاة الجنازة:"وأبدله زوجًا خيرًا من زوجه" وقيل: الآدميات أفضل بسبعين ألف ضعف، انتهى.

(56)

‌ الوَاقِعَةُ

كذا في النسخة "الهندية" و"القسطلاني" بغير لفظ "سورة"، وفي نسخة الحافظين بزيادتهما، وأما البسملة فموجودة في الشروح الثلاثة.

(1)

انظر: "فتح الباري"(8/ 624).

(2)

"فتح الباري"(8/ 624).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 135).

ص: 318

قال العلامة العيني

(1)

: قال أبو العباس: مكية، واختلف في {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: 27] وفي {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} [الواقعة: 81] والأولى نزلت في أهل الطائف وإسلامهم بعد الفتح وحنين، والثانية نزلت في دعائه بالسقيا فقيل: مطرنا بنوء كذا فنزلت: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] وكان علي يقرؤها (وتجعلون شكركم)، والمراد بالواقعة القيامة، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:

30])

قال العيني

(2)

: قوله: {مَمْدُودٍ} أي: دائم لا تنسخه الشمس، وعن الربيع: يعني ظل العرش، وعن عمرو بن ميمون: مسيرة سبعين ألف سنة، ثم قال: وحديث الباب مضى في كتاب بدء الخلق في "باب صفة الجنة"، انتهى.

قلت: والمذكور في حديث الباب: "يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" قال القسطلاني

(3)

: فالجنة كلها ظل لا شمس معه وليس هو ظل الشمس، بل ظل يخلقه الله تعالى، قال الربيع بن أنس: ظل العرش، انتهى.

(57)

‌ الحَديدُ

وهكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة الحافظين:"سورة الحديد والمجادلة"، والبسملة مذكورة في الشروح الثلاثة.

قال الحافظ

(4)

: كذا لأبي ذر، ولغيره:"الحديد" حسب، وهو أولى، انتهى.

قال القسطلاني

(5)

: وهي مدنية أو مكية، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 376).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 382).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 140).

(4)

"فتح الباري"(8/ 628).

(5)

"إشاد الساري"(11/ 141).

ص: 319

وقال العيني

(1)

: وهي مكية خلافًا للسدي، وقال الكلبي: فيها مكية وفيها مدنية هو الصحيح لأن فيها ذكر المنافقين ولم يكن النفاق إلا في المدينة، وفيها أيضًا {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} الآية [الحديد: 10]، ولم تنزل إلا بعد الفتح ولا قتال إلا بعد الهجرة، وأولها مكي فإن عمر رضي الله عنه قرأه في بيت أخته قبل إسلامه، قال السخاوي: نزلت بعد سورة الزلزلة وقبل سورة محمد صلى الله عليه وسلم، انتهى.

قوله: ({لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29] ليعلم أهل الكتاب) قال الحافظ

(2)

: هو قول أبي عبيدة، وقال الفراء: العرب تجعل "لا" صلة في الكلام إذا دخل في أوله جحد أو في آخره جحد كهذه الآية، وكقوله:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، انتهى.

وحكى عن قراءة ابن عباس والجحدري: ليعلم، وهو يؤيد كونها فريدة، وأما قراءة مجاهد: لكيلا فهي مثل لئلا، انتهى.

وقال أيضًا: لم يذكر فيه حديثًا مرفوعًا ويدخل فيه حديث ابن مسعود: و"لم يكن بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] إلا أربع سنين" أخرجه مسلم من طريق عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه عن عمه، انتهى.

(58)

‌ المُجَادِلَةُ

وهكذا في نسخة "القسطلاني" بغير لفظ "سورة" والبسملة، وفي نسخة "العيني" بزيادة لفظ السورة والبسملة بعدها، وفي نسخة "الفتح" بزيادة لفظ "سورة" بغير بسملة.

قال القسطلاني

(3)

: هي مدنية أو العشر الأول مكي والباقي مدني، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 382).

(2)

"فتح الباري"(8/ 628).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 141).

ص: 320

وقال العيني

(1)

: قال أبو العباس: مدنية بلا خلاف، وقال السخاوي: نزلت قبل الحجرات وبعد المنافقين، وفي تفسير عبد بن حميد: اسم هذه المجادلة خويلة، قاله محمد بن سيرين، وكان زوجها ظاهر منها وهو أول ظهار كان في الإسلام، وقال أبو العالية: هي خويلة بنت دليج، وقال عكرمة: هي خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت، وسماها مجاهد جميلة، وسماها ابن منده خولة بنت الصامت، وقال أبو عمر: خولة بنت ثعلبة بن أصرم إلى آخر ما ذكر من الأقاويل.

وقال الحافظ

(2)

رحمه الله: (تنبيه): لم يذكر فيه حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيه حديث التي ظاهر منها زوجها، وقد أخرجه النسائي، وأورد منه البخاري طرفًا في كتاب التوحيد معلقًا، انتهى.

(59)

‌ الحَشْرُ

وهكذا في نسخة "القسطلاني" بغير لفظ سورة، وفي نسخة "الحافظين" بزيادته، والبسملة مذكورة في نسخ الشروح الثلاثة.

قال العيني

(3)

: وهي مدنية، وسميت سورة الحشر لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2]، يعني الله هو الذي أخرج الذين كفروا من بني النضير الذين كانوا بيثرب، وعن ابن إسحاق كان جلاء بني النضير مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من أُحد، وكان فتح قريظة عند مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان، وإنما قال:{لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} لأنهم أول من حشروا من أهل الكتاب، ونفوا من الحجاز وكان حشرهم إلى الشام، وعن مرة الهمداني: كان هذا أول الحشر من المدينة، والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحا من الشام في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن قتادة: كان هذا أول الحشر، والحشر الثاني

(1)

"عمدة القاري"(13/ 384).

(2)

"فتح الباري"(8/ 628).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 385).

ص: 321

نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا وتأكل منهم من تخلف، انتهى.

قلت: وقد ترجم المصنف في كتاب الرقاق "باب كيف الحشر"، وسيأتي تفصيل الكلام على الحشر هناك، وسيأتي هناك أنها أربعة كما بسط في هامش "اللامع"

(1)

، وسيأتي في البخاري عن سعيد بن جبير أنه قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال: قل: سورة بني النضير، قال القسطلاني

(2)

: قال الزركشي: وإنما كره ابن عباس تسميتها بالحشر لأن الحشر يوم القيامة، وزاد في "الفتح": وإنما المراد به هنا إخراج بني النضير، انتهى.

قوله: (الجلاء الإخراج من أرض إلى أرض) هو قول قتادة، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد عنه، وقال أبو عبيدة: يقال الجلاء الإجلاء، أجْلَاه أخرجه، وأجليته أخرجته، والتحقيق أن الجلاء أخص من الإخراج؛ لأن الجلاء ما كان مع الأهل والمال، والإخراج أعم منه.

قوله: (سورة الحشر؟ قال: قل سورة بني النضير) كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد يوم القيامة، وإنما المراد به هنا إخراج بني النضير، انتهى من "الفتح"

(3)

.

وتقدمت الإشارة إلى هذا القول قريبًا.

(1 -‌

‌ باب قوله: " {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5] نخلة ما لم تكن عجوة أو برنية)

قال القسطلاني

(4)

: سقط "باب قوله" لغير أبي ذر، انتهى.

قال الحافظ

(5)

: قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}

(1)

انظر: "لامع الدراري"(10/ 80).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 143).

(3)

"فتح الباري"(8/ 629).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 143).

(5)

"فتح الباري"(8/ 629).

ص: 322

أي: من نخلة، وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية إلا أن الواو ذهبت بكسر اللام، وعند الترمذي من حديث ابن عباس:"اللينة: النخلة" في أثناء حديث، وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة قال: اللينة: ما دون العجوة، وقال سفيان: هي شديدة الصفرة تنشق عن النوى، انتهى.

قال العيني

(1)

: وعن ابن عباس: هي لون من النخل، وأصل لينة: لونة، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، انتهى.

(فائدة): قال الإمام الترمذي بعد ذكر حديث ابن عباس (المتقدم في كلام الحافظ) في تفسير سورة الحشر في قول الله عز وجل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} قال: اللينة: النخلة، قال أبو عيسى: سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث، انتهى.

قلت: ولذا عدوا في مناقب الإمام الترمذي أن شيخه الإمام البخاري أيضًا من تلامذته، وقالوا: إن الإمام البخاري سمع من تلميذه الإمام الترمذي حديثين

(2)

: أحدهما حديث ابن عباس هذا، والثاني حديث أبي سعيد:"يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك" قال الترمذي بعد إخراجه في مناقب علي: قد سمع محمد بن إسماعيل مني هذا الحديث، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر:

7])

قال القسطلاني

(3)

: قال الزمخشري: لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى، وسقط "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: تقدم تفسير الفيء والفرق بينه وبين الغنيمة في أواخر الجهاد، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 386).

(2)

انظر: "سنن الترمذي"(3303) و (3727).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 144).

(4)

"فتح الباري"(8/ 630).

ص: 323

قلت: وتقدم هناك أيضًا اختلاف العلماء في مصرف الفيء فكن منه على ذكر.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:

7])

أي: وما أمركم به فافعلوه؛ لأنه قابله بقوله: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] قاله الحافظ

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، وذكر في تفسير الآية احتمالين إذ قال {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} أي: وما أعطاكم من الفيء أو أمر {فَخُذُوهُ} لأنه حلال لكم أو فتمسكوا به لأنه واجب الطاعة، انتهى.

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9]. . .) إلخ

قال القسطلاني

(3)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر.

وقال الحافظ

(4)

في تفسير الآية: أي: استوطنوا المدينة، وقيل: نزلوا، فعلى الأول يختص بالأنصار، وهو ظاهر قول عمر، وعلى الثاني يشملهم ويشمل المهاجرين السابقين، ذكر فيه طرفًا من قصة عمر عند مقتله وقد تقدم في المناقب، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الآية [الحشر:

9])

قوله: (الخصاصة: الفاقة) قال الحافظ

(5)

: وهو قول مقاتل بن حيان أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 630).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 145).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 147).

(4)

"فتح الباري"(8/ 631).

(5)

"فتح الباري"(8/ 632).

ص: 324

قوله: (حي على الفلاح: عجل) قال الحافظ

(1)

: هو تفسير حي، أي: معنى "حي على الفلاح" أي: عجل إلى الفلاح، قال ابن التِّين: لم يذكره أحد من أهل اللغة، وإنما قالوا: معناه هلم وأقبل، قلت: وهو كما قال، لكن فيه إشعار بطلب الإعجال، فالمعنى أقبل مسرعًا.

وقال أيضًا

(2)

في شرح الحديث: قوله: (أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .) إلخ، هذا الرجل هو أبو هريرة، وقع مفسرًا في رواية للطبراني، وقد نسبته في المناقب إلى تخريج أبي البختري الطائي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو البختري لا يوثق به.

قوله: (فقام رجل من الأنصار) تقدم شرح هذا الحديث في مناقب الأنصار أنه أبو طلحة رضي الله عنه، وتردّد الخطيب، هل هو زيد بن سهل المشهور أو صحابي آخر يكنى أبا طلحة؟ وتقدم أيضًا قول من قال: إنه ثابت بن قيس، انتهى.

(60)

‌ المُمْتَحِنَةِ

وهكذا في نسخة "القسطلاني" بغير لفظ سورة، وفي نسخة "الحافظين" بزيادة لفظ سورة، والبسملة غير مذكورة في نسخ الشروح أيضًا.

قال العيني

(3)

: قال السهيلي: هي بكسر الحاء: المختبرة أضيف إليها الفعل مجازًا كما سميت سورة براءة المبعثرة والفاضحة لما كشفت عن عيوب المنافقين، ومن قال بفتح الحاء فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف وأم ولده إبراهيم، ثم ذكر الاختلاف في اسم هذه المرأة وهذا الاسم المذكور هو المشهور كما سيأتي.

(1)

"فتح الباري"(8/ 632).

(2)

"فتح الباري"(8/ 632).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 393).

ص: 325

ثم قال العيني: وقال أبو العباس: هي مدنية بلا خلاف، وقال السخاوي: نزلت بعد سورة الأحزاب وقبل سورة النساء، انتهى.

قال الحافظ

(1)

: والمشهور في هذه التسمية فتح الحاء، وقد تكسر وبه جزم السهيلي، فعلى الأول هي صفة المرأة التي نزلت السورة بسببها، والمشهور فيها أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وقيل: سعيدة بنت الحارث، وقيل: أميمة بنت بشر، والأول هو المعتمد كما سيأتي إيضاحه في كتاب النكاح، ومن كسر جعلها صفة للسورة كما قيل لبراءة: الفاضحة، انتهى.

(1 -‌

‌ باب: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآية [الممتحنة:

1])

ليست هذه الترجمة في نسخة "العيني".

وقال القسطلاني

(2)

: سقط الباب ولاحقه لغير أبي ذر، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: والعدو لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوقه، وقوله:{تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1] تفسير للموالاة المذكورة، ويحتمل أن يكون حالًا أو صفة، وفيه شيء لأنهم نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقًا، والتقييد بالصفة أو الحال يوهم الجواز عند انتفائهما، لكن علم بالقواعد المنع مطلقًا فلا مفهوم لهما، ويحتمل أن تكون الولاية تستلزم المودة، فلا تتم الولاية بدون المودة فهي حال لازمة، والله أعلم، انتهى من "الفتح"

(4)

.

قوله: (قال سفيان: هذا في حديث الناس) قال الحافظ

(5)

: يعني هذه

(1)

"فتح الباري"(8/ 633).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 151).

(3)

"فتح الباري"(8/ 634).

(4)

"فتح الباري"(8/ 634).

(5)

"فتح الباري"(8/ 635).

ص: 326

الزيادة، يريد الجزم برفع هذا القدر، وهذا يدل على أن هذه الزيادة لم يكن سفيان يجزم برفعها، وقد أدرجها عنه ابن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال في آخر الحديث: قال: وفيه نزلت هذه الآية، وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر وعمرو الناقد، انتهى.

قال العلامة العيني

(1)

: قال سفيان بن عيينة: هذا في حديث الناس ورواياتهم، وأما الذي حفظته من عمرو بن دينار فهو الذي رويته من غير ذكر النزول، وما تركت منه حرفًا، وملخص ما قاله سفيان: لا أدري أن حكاية نزول الآية من تتمة الحديث الذي رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقول عمرو بن دينار موقوفًا عليه أدرجه هو من عنده، وسفيان لم يجزم بهذه الزيادة، انتهى.

قلت: وقد اختلف أئمة الحديث في أن هذه الزيادة مدرجة من عمرو أو من غيره كما بسطه الحافظ.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: يعني أن إدخال هذه الكلمة في الحديث صدر من آخرين وأما أنا فلم يذكر لي عمرو أنها في الحديث، أو المعنى أن إدخال تلك الكلمة في الحديث من غير عمرو، وأما هو فلم يصرِّح بذلك، انتهى.

قلت: ما أفاده الشيخ من الاحتمال الثاني يدل عليه ما ذكره الحافظ إذ قال: وقع عند الطبري من طريق أخرى عن علي الجزم بذلك، لكنه من أحد رواة الحديث حبيب بن أبي ثابت الكوفي أحد التابعين، وبه جزم إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر عن عروة في هذه القصة إلى آخر ما قال.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 395).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 176).

ص: 327

(2 -‌

‌ باب قوله: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة:

10])

قال الحافظ

(1)

: اتفقوا على نزولها بعد الحديبية، وأن سببها ما تقدم من الصلح بين قريش والمسلمين على أن من جاء من قريش إلى المسلمين يردونه إلى قريش، ثم استثنى الله من ذلك النساء بشرط الامتحان، انتهى.

قلت: قد اختلف العلماء هل دخل ردّ النساء في عقد الهدنة أم لا، اختلف العلماء في ذلك، وتقدم شيء من الكلام عليه في أوائل كتاب الشروط.

(3 -‌

‌ باب قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة:

12])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر.

قوله: (فانطلقت ورجعت) قال القسطلاني

(2)

: أي "انطلقت" من عنده "ورجعت" إليه عليه الصلاة والسلام "فبايعها"، وللنسائي قال:"فاذهبي فأسعديها، قالت: فذهبتُ فساعدتها ثم جئت فبايعته"، وعند مسلم: أن أم عطية قالت: إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلا بدّ لي من أن أسعدهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إلا آل فلان" وحمله النووي على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة، قال: فلا تحل النياحة لغيرها، ولا لها في غير آل فلان، كما هو صريح الحديث، وللشارع أن يخصّ من العموم ما شاء، انتهى.

وعند أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال: أدركت عجوزًا لنا في من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فأخذ علينا: "ولا تنحن"، فقالت عجوز: يا نبي الله الحديث، وفيه: قال: "اذهبي فكافئيهم" قالت: فانطلقت فكافَأْئُهم، ثم أنها أتت فبايعته، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 636).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 155، 156).

ص: 328

قلت: فالظاهر على هذه الروايات الصريحة أن معنى قوله: فانطلقت، أي: لإسعادها في النوحة، ثم بعد ذلك رجعت للبيعة، ولما كان الحديث بظاهره مخالفًا لجمهور العلماء وسائر الروايات المحرمة للنياحة احتاج الشرَّاح إلى تأويل هذا الحديث، كما تقدم في كلام القسطلاني عن النووي، وعملًا بظاهر الحديث قال بعض المالكية: إن النياحة ليست بحرام، وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من شق جيب وخمش خد ونحو ذلك، خلافًا للجمهور، فإنهم قالوا: إن النياحة حرام مطلقًا، وأوّلوا هذا الحديث.

وأوّل الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

ما وقع ها هنا من قوله: "فانطلقت ورجعت" بما يناسب طبعه اللطيف بحيث لا يخالف الجمهور وسائر الروايات إذ كتب: قوله: "فانطلقت ورجعت" أي: ولم تساعدها في النوحة، انتهى.

ولا يخفى أن هذا التوجيه لا يتمشى إلا في هذه الرواية، بخلاف ما ورد من الروايات الصريحة في ذلك كما تقدمت، وبسط الكلام في الجواب عن هذا الحديث في هامش "اللامع" من كلام الشرَّاح، فارجع إليه.

(61)

‌ سورةُ الصَّفِّ

وفي نسخ الشروح بزيادة البسملة بعدها.

قال الحافظ

(2)

: ويقال لها أيضًا: سورة الحواريين، أخرج الطبري من طريق معمر عن قتادة: أن الحواريين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من قريش، فسمى العشرة المشهورين إلا سعيد بن زيد وحده وحمزة وجعفر بن أبي طالب وعثمان بن مظعون، وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلًا في حديث ذكر في أوله سبب نزولها وإسناده صحيح قلَّ أن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه، انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 177).

(2)

"فتح الباري"(8/ 641).

ص: 329

قال أبو العباس: مدنية بلا خلاف، وذكر ابن النقيب عن ابن بشار أنها مكية، وقال السخاوي: نزلت بعد التغابن وقبل الفتح، انتهى من "العيني"

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

: مدنية أو مكية، انتهى.

(1 -‌

‌ باب {يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:

6])

وفي نسخ الشروح الثلاثة {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} حسب من غير زيادة "باب و {يَأْتِي} ".

قال القسطلاني: ولأبي ذر "باب يأتي. . ." إلخ.

قال الحافظ: ذكر فيه حديث جبير بن مطعم، وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل السيرة النبوية، انتهى.

(62)

‌ الجُمُعَةِ

وفي نسخ الشروح الثلاثة سورة الجمعة، وأما البسملة فمذكورة في نسخة الحافظين دون القسطلاني.

قال العيني

(3)

: ومرَّ الكلام في ضبط الجمعة ومعناه في كتاب الصلاة، قال أبو العباس: مدنية بلا خلاف، وقال السخاوي: نزلت بعد التحريم وقبل التغابن، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} الآية [الجمعة:

3])

قال العلامة العيني

(4)

: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} فيه وجهان من الإعراب: أحدهما: الخفض على الردّ إلى الأميين مجازه: "وفي آخرين"، والثاني: النصب على الرد إلى الهاء والميم في قوله: "ويعلمهم" أي: ويعلم آخرين منهم، أي: من المؤمنين الذين يدينون بدينه.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 400).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 159).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 401).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 401).

ص: 330

قوله: ({لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}) أي: لم يدركوهم، ولكنهم يكونون بعدهم، انتهى.

قال القسطلاني

(1)

: أي: ويعلم آخرين لم يلحقوا بهم وسيلحقون، وكل من تعلم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزمان، فرسول الله صلى الله عليه وسلم معلمه بالقوة لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم، انتهى.

وقال العيني

(2)

تحت قوله في الحديث: "من هؤلاء": ثم إنهم اختلفوا في آخرين منهم فقيل: هم التابعون، وقيل: هم العجم، وقيل: أبناؤهم، وقيل: كل من كان بعد الصحابة، وقال أبو روق: جميع من أسلم إلى يوم القيامة، وقال القرطبي: أحسن ما قيل فيهم أنهم أبناء فارس بدليل هذا الحديث: "لناله رجال من هؤلاء"، وقد ظهر ذلك بالعيان فإنهم ظهر فيهم الدين وكثر فيهم العلماء، وكان وجودهم كذلك دليلًا من أدلة صدقه صلى الله عليه وسلم، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة:

11])

قال الحافظ

(3)

: قال ابن عطية: قال: {انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] ولم يقل "إليهما" اهتمامًا بالأهم، إذ كانت هي سبب اللهو من غير عكس، كذا قيل، وفيه نظر؛ لأن العطف بأو لا يثنى معه الضمير، لكن يمكن أن يدعى أن "أو" هنا بمعنى الواو على تقدير أن تكون "أو" على بابها، فحقه أن يقول: جيء بضمير التجارة دون ضمير اللهو للمعنى الذي ذكره، وقد تقدم بيان اختلاف النقلة في سبب انفضاضهم في كتاب الجمعة، انتهى.

قلت: والحديث قد مرَّ في الجمعة في "باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة".

قال الحافظ

(4)

هناك: والنكتة في قوله: {انْفَضُّوا إِلَيْهَا} دون قوله:

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 160).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 402).

(3)

"فتح الباري"(8/ 643).

(4)

"فتح الباري"(2/ 424).

ص: 331

"إليهما" أو "إليه" أن اللهو لم يكن مقصودًا لذاته، وإنما كان تبعًا للتجارة أو حذف لدلالة أحدهما على الآخر، انتهى.

(63)

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} إلى {لَكَاذِبُونَ} [المنافقون]

هكذا في النسخة "الهندية"، وفي نسخة الحافظين:"سورة المنافقين، بسم الله الرحمن الرحيم، باب قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، زاد في نسخة "العيني" بعده: "إلى {لَكَاذِبُونَ} ". وفي نسخة "القسطلاني": "سورة المنافقين، قوله:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} إلى {لَكَاذِبُونَ} ".

قال القسطلاني

(1)

تبعًا للعيني

(2)

: وهي مدنية، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يجتنون بها [المنافقون:

2])

أي: يستترون بها، قاله العيني

(3)

: قال الحافظ

(4)

: قال عبد بن حميد: حدثني شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} قال: يجتنون أنفسهم، وأخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن أبي نجيح باللفظ الذي ذكره المصنف، ثم ساق حديث زيد بن أرقم، وقد تقدم في الباب الذي قبله، انتهى.

وذكر الحافظ

(5)

في تعيين الغزوة المذكورة في هذا الحديث اختلافًا إذ قال: وقع في رواية محمد بن كعب عن زيد بن أرقم عند النسائي: أنها غزوة تبوك، ثم قال بعد ذكر الرواية المؤيدة لذلك: والذي عليه أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق، إلى آخر ما قال.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 162).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 404).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 405).

(4)

"فتح الباري"(8/ 646).

(5)

"فتح الباري"(8/ 644).

ص: 332

(2 -‌

‌ باب قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} الآية [المنافقون:

3])

قال القسطلاني

(1)

: سقط "باب قوله" لغير أبي ذر.

قال العيني

(2)

في تفسير الآية: أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا، أي: نطقوا بكلمة الشهادة، وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام، ثم كفروا ثم ظهر كفرهم بعد ذلك، فطبع على قلوبهم حتى لا يدخلهم الإيمان جزاء على نفاقهم فهم لا يفقهون ولا يفهمون صحة الإيمان وإعجاز القرآن كما يفهمه المؤمنون، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} الآية [المنافقون:

4])

أي: لحسن منظرهم كما يأتي.

{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} لفصاحتهم.

{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} جملة مستأنفة أو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هم كأنهم، أو في محل نصب على الحال من الضمير في قولهم، أي: تسمع لما يقولونه مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحًا خالية عن العلم والنظر، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

قلت: وسيأتي تفسير قوله: {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} في آخر الحديث بقوله: كانوا رجالًا أجمل شيء، وإليه أشار القسطلاني بقوله: كما يأتي، ثم ذكر المصنف في هذه الأبواب حديثًا واحدًا أعني حديث زيد بن أرقم بطرق مختلفة، سيأتي الكلام عليه في آخر السورة.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 165).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 406).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 166).

ص: 333

(4 -‌

‌ باب قوله: {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:

4])

هكذا وقعت هذه الترجمة في النسخ الهندية، وليست هذه في شيء من نسخ الشروح الثلاثة، وهذا القول مذكور في نسخ الشروح في آخر الحديث المذكور حديث زيد بن أرقم.

قال القسطلاني

(1)

: قوله: " {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} قال: كانوا رجالًا أجملَ شيء"، قال الحافظ ابن حجر: وهذا وقع في نفس الحديث، وليس مدرجًا، فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن عمرو بن خالد شيخ المؤلف فيه بهذه الزيادة، وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن زهير، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: قوله: "كانوا رجالًا أجمل شيء" هذا تفسير لقوله: {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} و {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} تمثيل لأجسامهم، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ} الآية [المنافقون:

5])

قال الحافظ

(3)

: وفي مرسل سعيد بن جبير: وجاء عبد الله بن أُبي فجعل يعتذر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"تب" فجعل يلوي رأسه فنزلت، ثم ذكر حديث زيد بن أرقم من وجه آخر كما مضى بيانه، ووقع لأكثر الرواة مختصرًا من أثنائه، وساقه أبو ذر تامًا إلا قوله:"وصدقهم" وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه ليس في السياق الذي أورده خصوص ما ترجم به، والجواب أنه جرى على عادته في الإشارة إلى أصل الحديث، ووقع في مرسل الحسن: فقال قوم لعبد الله بن أُبي: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه فنزلت، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 167، 168).

(2)

"فتح الباري"(8/ 647).

(3)

"فتح الباري"(8/ 648).

ص: 334

زاد العيني

(1)

على ما تقدم من كلام الحافظ: وها أنت قد رأيت أخرج البخاري حديث زيد بن أرقم من خمسة طرق، وترجم على رأس كل حديث منها أربعة منها عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم، وواحد عن محمد بن كعب القرظي عنه، انتهى.

وأفاد مولانا محمد حسن المكي من تقرير شيخه القطب الكَنكَوهي قُدِّس سرُّه: اعلم أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة في قصة عبد الله بن أُبي، فغرض الإمام البخاري من تعداد آياتها وتكرار تلك القصة فيها بيان أن تلك الآيات بأسرها نزلت في هذه القصة لا غير، انتهى

(2)

.

قلت: وضع الإمام البخاري مثل ذلك في تفسير سورة البقرة في باب قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} الآية [البقرة: 142] وفي الأبواب التي بعدها مما يتعلق بتحويل القبلة كما تقدم هناك أيضًا، وهكذا صنيعه في تفسير سورة {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ، وكذا في تفسير سورة {تَبَّتْ} .

(6 -‌

‌ باب قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} الآية [المنافقون:

6])

قال الحافظ

(3)

: أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: "أنزلت هذه الآية بعد التي في التوبة {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، وقوله: كنا في غزاة قال سفيان: مرة في جيش" وسمى ابن إسحاق هذه الغزوة غزوة بني المصطلق، وكذا وقع عند الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان قال: يرون أن هذه الغزاة غزاة بني المصطلق، وكذا في مرسل عروة الذي سأذكره إلى آخر ما ذكر الحافظ تفصيل القصة المذكورة في الحديث بعدة طرق.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 409).

(2)

انظر: "لامع الدراري"(9/ 178).

(3)

"فتح الباري"(8/ 649).

ص: 335

(7 -‌

‌ باب قوله: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} الآية [المنافقون:

7])

وهكذا في نسخة الحافظين، وفي نسخة "القسطلاني" بدون لفظ "باب".

قال الحافظ

(1)

: ووقع في رواية زهير سبب قول عبد الله بن أُبي ذلك وهو قوله: خرجنا في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أُبي:{لَا تُنْفِقُوا} الآية، فالذي يظهر أن قوله:{لَا تُنْفِقُوا} كان سبب الشدة التي أصابتهم، وقوله:{لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} سببه مخاصمة المهاجري والأنصاري كما تقدم في حديث جابر، انتهى.

قوله: (فكتب إليه زيد بن أرقم) قال الحافظ: وكان يومئذ بالكوفة يسليه، ومحصل ذلك أن الذي يصير إلى مغفرة الله لا يشتد الحزن عليه، فكان ذلك تعزية لأنس فيهم، وللترمذي

(2)

من رواية علي بن زيد عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم أنه كتب إلى أنس بن مالك يعزيه فيمن أصيب من أهله وبني عمه يوم الحرة، فكتب إليه: إني أبشرك ببشرى من الله، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذاريهم" انتهى.

وقال العيني

(3)

: مطابقة الحديث للترجمة تؤخذ من آخر الحديث وهو قوله: "هذا الذي أوفى الله له بأذنه" وذلك أن زيد بن أرقم لما حكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قول عبد الله بن أُبي قال له صلى الله عليه وسلم: "لعله أخطأ سمعك" قال: لا، فلما نزلت الآية التي هي الترجمة لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا من خلفه فحرك أذنه فقال:"وفت أذنك يا غلام"، وهو معنى قوله:"هذا الذي أوفى الله له بأذنه"، وهذا الحديث من أفراده، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

: قوله: "هو الذي يقول

(1)

"فتح الباري"(8/ 651).

(2)

انظر: "سنن الترمذي"(3902).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 411).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 178).

ص: 336

رسول الله صلى الله عليه وسلم. . ." إلخ، ومناسبته بالسورة ظاهرة فإن مقالته صلى الله عليه وسلم هذه كانت في الغزوة التي ذكرت في السورة، انتهى.

(8 -‌

‌ باب قوله: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} الآية [المنافقون:

8])

قال القسطلاني

(1)

: سقط لأبي ذر ما بعد قوله: {الْأَذَلَّ} ولغيره "باب" انتهى.

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث جابر الماضي، ولعله أشار بالترجمة إلى ما وقع في آخر الحديث المذكور، فإن الترمذي لما أخرجه عن ابن أبي عمر عن أبي سفيان بإسناد حديث الباب قال في آخره: وقال غير عمرو: فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله بن أُبي: والله لا ينقلب أبي إلى المدينة حتى تقول: إنك أنت الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز، ففعل، وهذه الزيادة أخرجها ابن إسحاق في المغازي عن شيوخه، وذكرها أيضًا الطبري من طريق عكرمة، انتهى.

(64)

‌ سورة التَّغَابُنِ

وهكذا في نسخة "القسطلاني" و"العيني" بزيادة البسملة بعدها، وفي نسخة "الفتح":"سورة التغابن والطلاق" من غير ذكر بسملة.

قال الحافظ

(3)

: كذا لأبي ذر ولم يذكر غيره: "والطلاق" بل اقتصروا على التغابن وأفردوا الطلاق بترجمة، وهو الأليق بمناسبة ما تقدم، انتهى.

قال العيني

(4)

: قال أبو العباس: مدنية بلا خلاف، وقال مقاتل: مدنية وفيها مكي، وقال الكلبي: مكية ومدنية، وقال ابن عباس: مكية إلا آيات من آخرها نزلت بالمدينة، قال: والتغابن اسم من أسماء القيامة،

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 173).

(2)

"فتح الباري"(8/ 652).

(3)

"فتح الباري"(8/ 652).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 412).

ص: 337

وسميت بذلك لأنه يغبن فيها المظلوم الظالم، وقيل: يغبن فيها الكفار في تجارتهم التي أخبر الله أنهم اشتروا الضلالة بالهدى، انتهى.

قال القسطلاني

(1)

: قيل: مكية، وقيل: مدنية.

قوله: (وقال علقمة) ابن قيس فيما وصله عبد الرزاق، (عن عبد الله) ابن مسعود في قوله: تعالى: ({وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]) مجزوم بالشرط، (هو الذي إذا أصابته مصيبة رضي بها وعرف أنها من الله) عز وجل فيسلم لقضائه، وعن محيي السُّنَّة فيما ذكره في "فتوح الغيب":{يَهْدِ قَلْبَهُ} : يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضائه.

(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي: (التغابن) هو (غبن أهل الجنة أهل النار) لنزول أهل الجنة منازل أهل النار لو كانوا سعداء وبالعكس، مستعار من تغابن التجار، كذا قرره القاضي كـ "الكشاف" لكن قال في "فتوح الغيب": لا يستقيم باعتبار الأشقياء لأنهم لا يغبنون السعداء بنزولهم في منازلهم من النار إلا بالاستعارة التهكمية، ولذا قال في "الكشاف": وفيه تهكم بالأشقياء لأن نزولهم ليس بغبن، وجعل الواحد التغابن من طرف واحد للمبالغة حيث قال: يوم التغابن يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل وأهل الإيمان أهل الكفر، ولا غبن أبين من هذا: هؤلاء يدخلون الجنة وهؤلاء يدخلون النار، انتهى كله من "القسطلاني"

(2)

.

قلت: وليس في النسخ الهندية قوله: "قول مجاهد: التغابن غبن أهل الجنة. . ." إلخ، نعم هو مذكور على هامش الهندية معلمًا بعلامة النسخة وكذا هو موجود في نسخ الشروح الثلاثة.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 174).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 174، 175).

ص: 338

(65)

‌ سورةُ الطَّلَاقِ

وهكذا في نسخ الشروح الثلاثة من غير بسملة.

قال العيني

(1)

: هكذا لغير أبي ذر، وفي روايته سورة الطلاق ذكرت مع التغابن كما ذكرناه، وهي مدنية كلها بلا خلاف، وقال مقاتل: وهي سورة النساء الصغرى، قيل: إنها نزلت بعد {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} وقيل {لَمْ يَكُنِ} ، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الآية [الطلاق:

4])

لفظة "باب" مذكورة في النسخ الهندية وكذا في نسخة "العيني" و"القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح" بغير لفظ "باب".

قوله: ({وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} واحدها ذات حمل) قال الحافظ

(2)

: هو قول أبي عبيدة، انتهى.

وقال العيني

(3)

: أشار بهذا إلى أن "أولات" جمع ذات و"الأحمال" جمع حمل، والمعنى أن أجلهن موقت وهو وضع حملهن، وهذا عام في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن، وهو قول عمر وابنه وابن مسعود وأبي مسعود البدري وأبي هريرة وفقهاء الأمصار، وعن ابن عباس أنه قال: تعتد أبعد الأجلين، وعن الضحاك: أنه قرأ {آجالهن} على الجمع، وقال أيضًا في شرح الحديث: وفقه هذا الحديث أن أجل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين عند ابن عباس، وروي عن علي وابن أبي ليلى أيضًا، واختاره سحنون، وروي عن ابن عباس رجوعه وانقضاء العدة بوضع الحمل، وعليه فقهاء الأمصار، وهو قول أبي هريرة وعمر وابن مسعود وأبي سلمة، وسبب

(1)

"عمدة القاري"(13/ 413).

(2)

"فتح الباري"(8/ 654).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 415، 416).

ص: 339

الخلاف تعارض الآيتين فإن كلًا منهما عام من وجه وخاص من وجه، فقوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الآية [البقرة: 234] عام في المتوفى عنهن أزواجهن سواء كن حوامل أم لا، وقوله:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} عام في المتوفى عنهن سواء كن حوامل أم لا، (كذا في الأصل وفيه سبق قلم والصواب هكذا: قوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} عام في الحوامل سواء كن متوفى عنهن أزواجهن أو مطلقات) فهذا هو السبب في اختيار من اختار عكس الأجلين لعدم ترجيح أحدهما على الآخر فيوجب أن لا يرفع تحريم العدة إلا بيقين وذلك بأقصى الأجلين، غير أن فقهاء الأمصار اعتمدوا على الحديث المذكور، فإنه مخصص لعموم قوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} وليس بناسخ لأنه أخرج بعض متناولاتها وحديث السبيعة أيضًا متأخر عن عدة الوفاة لأنه كان بعد حجة الوداع، انتهى من "العيني".

قال الحافظ

(1)

: قوله: (جاء رجل إلى ابن عباس) الحديث، ووقع عند الإسماعيلي: قيل لابن عباس في امرأة وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة أيصلح أن تتزوج؟ قال: لا إلى آخر الأجلين، قال أبو سلمة: فقلت: قال الله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] قال: إنما ذاك في الطلاق، وهذا السياق أوضح لمقصود الترجمة لكن البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى، وقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم بطرق متعددة إلى أُبي بن كعب أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} المطلقة ثلاثًا أو المتوفى عنها زوجها؟ قال: هي للمطلقة ثلاثًا أو المتوفى عنها، وهذا المرفوع وإن كان لا يخلو شيء من أسانيده عن مقال لكن كثرة طرقه تشعر بأن له أصلًا ويعضده قصة سبيعة المذكورة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 654).

ص: 340

(66)

‌ سورةُ المُتَحَرِّم

وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني": "سورة التحريم" وفي نسخة "العيني": "سورة لم تحرم" والبسملة مذكورة في الكل.

قال العيني

(1)

: وهي مدنية لا خلاف فيها، وقال السخاوي: نزلت بعد سورة الحجرات وقبل سورة الجمعة، قيل: نزلت في تحريم مارية، أخرجه النسائي وصححه الحاكم على شرط مسلم، وقال الداودي في إسناده نظر، ونقله الخطابي عن أكثر المفسرين، والصحيح أنه في العسل، وقال النسائي: حديث عائشة في العسل جيد غاية، وحديث مارية وتحريمهما لم يأت من طريق جيدة، انتهى.

(1 -‌

‌ باب: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآية [التحريم:

1])

ليس في نسخة "العيني" لفظ "باب".

قال القسطلاني

(2)

في تفسير الآية: قوله: " {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} " من شرب العسل أو مارية القبطية قال ابن كثير: الصحيح أنه كان في تحريمه العسل، وقال الخطابي: الأكثر على أن الآية نزلت في تحريم مارية حين حرمها على نفسه، ورجحه في "فتح الباري" بأحاديث عند سعيد بن منصور والضياء في "المختارة" والطبراني في "عشرة النساء" وابن مردويه والنسائي، ولفظه: عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطأها فلم تزل به حفصة وعائشة رضي الله عنهما حتى حرمها فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} الآية، انتهى.

قلت: وما قال العلامة القسطلاني ورجحه - أي: نزول الآية في تحريم مارية - في "فتح الباري" بأحاديث إلخ كذا قال، والذي ذكره الحافظ

(1)

"عمدة القاري"(13/ 418).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 179، 180).

ص: 341

ها هنا في "الفتح" هو غير ذلك؛ لأنه قال في "الفتح"

(1)

: واختلف في المراد بتحريمه ففي حديث عائشة ثاني حديثي الباب أن ذلك بسبب شربه صلى الله عليه وسلم العسل عند زينب، ثم قال: ووقع عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى مسروق قال: "حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة لا يقرب أمته"، وقال:"هي علي حرام" إلى أن قال: وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معًا، انتهى.

نعم قد بسط الحافظ ابن حجر الكلام على تلك المسألة في "كتاب النكاح" حيث قال في أول البحث

(2)

: وقد اختلف في الذي حرّم على نفسه وعوتب على تحريمه، كما اختلف في سبب حلفه على أن لا يدخل على نسائه على أقوال، ثم قال في آخره: والراجح من الأقوال كلها قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فإنه اجتمع فيه جماعة منهن، ويحتمل أن تكون الأسباب جميعها اجتمعت فأشير إلى أهمها، ويؤيده شمول الحلف للجميع ولو كان مثلًا في قصة مارية فقط لاختص بحفصة وعائشة، انتهى.

ثم ها هنا اختلاف آخر وهو أن شرب العسل عند أية امرأة كان من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، قال العيني

(3)

تحت قوله في حديث الباب: يشرب عسلًا عند زينب إلخ: واختلف في التي شرب النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها العسل فعند البخاري زينب، كما في حديث الباب وأن القائلة: أكلت مغافير: عائشة وحفصة، وفي رواية حفصة أن القائلة: أكلت مغافير: عائشة وسودة وصفية رضي الله عنهن، وفي تفسير عبد بن حميد أنها سودة، وكان لها أقارب أهدوا لها عسلًا من اليمن، والقائل له عائشة وحفصة، والذي يظهر أنها زينب على ما عند البخاري؛ لأن أزواجه صلى الله عليه وسلم كن حزبين على

(1)

"فتح الباري"(8/ 657).

(2)

"فتح الباري"(9/ 289، 290).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 421).

ص: 342

ما ذكرت عائشة قالت: أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب وأم سلمة والباقيات في حزب، انتهى.

وبسط العلامة القسطلاني الكلام عليه وعلى الروايات الواردة فيه، وفي آخره بعد ذكر الحزبين من أمهات المؤمنين

(1)

: وهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل، ولذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها، انتهى.

‌(باب {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:

1])

هكذا في النسخ الهندية وعلى هذا فالباب الأول خال عن الحديث، وأما بحسب نسخ الشروح فليس ها هنا لفظ "باب" فالآية بتمامها من قوله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ترجمة واحدة.

(2 -‌

‌ باب: {تَبْتَغِي} بذلك {مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}

باب: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} الآية [التحريم: 2])

هكذا في النسخ الهندية، وفي نسخ الشروح الثلاثة مجموع الآيتين ترجمة واحدة من غير زيادة لفظ "باب" قبل قوله:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ} .

قال العيني

(2)

في تفسير الآية: {تَبْتَغِي} : أي تطلب رضا أزواجك وتحلف، {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ} أي: بيَّن الله أو قدَّر الله ما تحللون به أيمانكم وقد بيَّنها في سورة المائدة، انتهى.

وقال القسطلاني

(3)

: أي شرع لكم تحلة أيمانكم، أي: تحليلها بالكفارة، وقد كفر عليه الصلاة والسلام قال مقاتل: أعتق رقبة في تحريم مارية، وقال الحسن: لم يكفر لأنه مغفور له، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: قوله: "مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب"

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 182).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 421).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 182).

(4)

"فتح الباري"(8/ 658).

ص: 343

فذكر الحديث بطوله في قصة اللتين تظاهرتا وقد ذكره في النكاح مختصرًا من هذا الوجه ومطولًا من وجه آخر، وتقدم طرف منه في كتاب العلم، وفي هذا الطريق هنا من الزيادة مراجعة امرأة عمر له ودخوله على حفصة بسبب ذلك بطوله ودخول عمر على أم سلمة، وذكر في آخر الأخرى قصة اعتزاله صلى الله عليه وسلم نساءه، وفي آخره حديث عائشة في التخيير، وسيأتي الكلام على ذلك كله مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، انتهى.

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

(3 -‌

‌ باب: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 3]. . .) إلخ

هكذا بزيادة البسملة في النسخ الهندية وكذا في نسخة "القسطلاني"، وليست البسملة مذكورة في نسخة الحافظين ولم يتعرضوا لاختلاف النسخ.

قوله: (فيه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ

(1)

: يشير إلى حديثها المذكور قبل بباب، انتهى.

قوله: (فما أتممت كلامي) كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: ولا ينافيه ما ذكر في الروايات أنه سرد الحديث بأسره إذ يحتمل أنه سماها أولًا تشفية للسائل عن كمد الانتظار ثم ذكر له القصة بتمامها، انتهى.

وفي هامشه: وذلك لأنه الوارد في الروايات المتقدمة أن عمر رضي الله عنه ذكر القصة بطولها فجمع بينهما الشيخ بأن عمر رضي الله عنه ذكر أولًا جواب السؤال بقوله: عائشة وحفصة وتم جواب السائل لكنه رضي الله عنه سرد القصة بطولها تكميلًا للفائدة وتكميلًا للقصة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 659).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 179).

ص: 344

(4 -‌

‌ باب قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:

4])

قال القسطلاني

(1)

في تفسير الآية: خطاب لحفصة وعائشة، وجواب الشرط:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي: فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة الرسول بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه، أو جواب الشرط محذوف تقديره: فذاك واجب عليكما، أو فتاب الله عليكما، انتهى.

قوله: (صغوت وأصغيت: ملت. . .) إلخ، سقط هذا لأبي ذر، وهو قول أبي عبيدة، قال في قوله:{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الأنعام: 113] لتميل، من صغوت إليه ملت إليه، وأصغوت إليه مثله، وقال في قوله:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} : أي عدلت ومالت، انتهى من "الفتح"

(2)

.

‌(باب {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} الآية [التحريم:

4])

هكذا في النسخ الهندية ترجمة مستقلة، وفي نسخ الشروح الثلاثة هذه بقية الترجمة السابقة وليست ترجمة مستقلة.

قوله: (وقال مجاهد: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} [التحريم: 6] بتقوى الله) اختلفت النسخ ها هنا ففي نسخة "الفتح": "قال مجاهد: {قُوا أَنْفُسَكُمْ} أوصوا أهليكم بتقوى الله"، وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني":{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} أوصوا أنفسكم وأهليكم. . ." إلخ.

قال الحافظ

(3)

: (تنبيه): وقع في جميع النسخ التي وقفت عليها "أوصوا" بفتح الألف وسكون الواو بعدها صاد مهملة من الإيصاء وسقطت

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 187).

(2)

"فتح الباري"(8/ 659).

(3)

"فتح الباري"(8/ 659، 660).

ص: 345

هذه اللفظة للنسفي، وذكرها ابن التِّين بلفظ " (قوا أهليكم): أو قفوا أهليكم" قال ابن التِّين: ولعل المعنى أوقفوا بتقديم القاف على الفاء، أي: أوقفوهم عن المعصية، قال: لكن الصواب على هذا حذف الألف لأنه ثلاثي من وقف، قال: ويحتمل أن يكون أوقفوا؛ يعني: بفتح الفاء وضم القاف: لا تعصوا فيعصوا مثل لا تزن فيزن أهلك، وتكون "أو" على هذا للتخيير، والمعنى: إما أن تأمروا أهليكم بالتقوى أو فاتقوا أنتم فيتقوا هم تبعًا لكم، انتهى.

وكل هذه التكلفات نشأت عن تحريف الكلمة وإنما هي "أوصوا" بالصاد، والله المستعان، ثم ذكر المصنف في الباب أيضًا طرفًا من حديث ابن عباس عن عمر أيضًا في قصة المتظاهرتين، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا} الآية [التحريم:

5])

ليس في نسخة "القسطلاني" لفظ "باب" وقال

(1)

: ولأبي ذر "باب"، انتهى.

ذكر فيه طرفًا من حديث أنس عن عمر في موافقاته واقتصر منه على قصة الغيرة، وقد تقدم بهذا الإسناد في أوائل الصلاة تامًا، وذكرنا كل موافقة منها في بابها، وسيأتي ما يتعلق بالغيرة في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: (في الغيرة عليه. . .) إلخ، لفظ الغيرة يطلق على كل ما يراد تغييره لأنفة أو غيرها، انتهى من "اللامع"

(3)

.

قال الحافظ

(4)

: الغيرة مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 189).

(2)

"فتح الباري"(8/ 660).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 180).

(4)

"فتح الباري"(9/ 320).

ص: 346

المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين، وقيل: الغيرة في الأصل الحمية والأنفة وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب، انتهى.

وبسط العيني في اشتقاقه كما في هامش "اللامع".

(67)

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}

وفي نسخ الشروح بزيادة لفظ "سورة"، والبسملة ساقطة عن الكل.

قال العيني

(1)

: وفي بعض النسخ: "سورة الملك" ولم تثبت البسملة ههنا للكل، وهي مكية كلها، قاله مقاتل، وقال السخاوي: نزلت قبل الحاقة وبعد الطور، انتهى.

(68)

{ن وَالْقَلَمِ}

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة" والبسملة بعدها.

قال القسطلاني

(2)

: سقط لفظ "سورة" والبسملة لغير أبي ذر.

قال العيني

(3)

: قال مقاتل: مكية كلها، وذكر ابن النقيب عن ابن عباس: من أولها إلى قوله: {سَنَسِمُهُ} الآية [القلم: 16] مكي، ومن بعد ذلك إلى قوله:{يَعْلَمُونَ} مدني، قال السخاوي: نزلت بعد سورة المزمل وقبل المدثر، واختلف المفسرون في معناه؛ فعن مجاهد ومقاتل والسدي وآخرين: هو الحوت الذي يحمل الأرض، وهي رواية عن ابن عباس وقيل: هي من حروف الرحمن، وهي رواية عن ابن عباس قال:{الر} و {حم} و {ن} حروف الرحمن مقطعة، وعن الحسن وقتادة والضحاك: النون الدواة وهي رواية عن ابن عباس أيضًا وغير ذلك من الأقاويل التي ذكرها العيني.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 427).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 192).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 429).

ص: 347

قال الحافظ

(1)

: والمشهور في {ن} أن حكمها حكم أوائل السور في الحروف المقطعة وبه جزم الفراء، وقيل: بل المراد بها الحوت، وجاء ذلك في حديث ابن عباس أخرجه الطبراني مرفوعًا قال:"أول ما خلق الله القلم والحوت، قال: أكتب، قال: ما أكتب؟ قال: كل شيء كائن إلى يوم القيامة، ثم قرأ: {ن وَالْقَلَمِ} فالنون الحوت والقلم القلم"، انتهى.

وذكر القسطلاني بعض أحوال هذا الحوت المعروف بين الناس ثم قال

(2)

: والقلم هو الذي خط اللوح والذي يخط به وأقسم به لكثرة فوائده، وجواب القسم الجملة المنفية، انتهى.

قوله: ({كَالصَّرِيمِ} [القلم: 20]: كالصبح انصرم. . .) إلخ، كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: والتشبيه في بقاء الأشجار كأنها لم تكن عليها ثمار كالصبح إذا انفصلت الليلة عنها آل الأمر كأنها لم تكن، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم:

13])

اختلف في الذي نزلت فيه فقيل: هو الوليد بن المغيرة، وذكره يحى بن سلام في تفسيره، وقيل: الأسود بن عبد يغوث، ذكره سنيد بن داود في تفسيره، وقيل: الأخنس بن شريق، وذكره السهيلي عن القتيبي، وحكى هذين القولين الطبري فقال: يقال: هو الأخنس، وزعم قوم أنه الأسود، وليس به وأبعد من قال: إنه عبد الرحمن بن الأسود، فإنه يصغر عن ذلك، وقد أسلم وذكر في الصحابة، انتهى من "الفتح""

(4)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:

42])

أخرج أبو يعلى بسند فيه ضعف عن أبي موسى مرفوعًا في قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: عن نور عظيم فيخرون له سجدًا، وقال عبد الرزاق

(1)

"فتح الباري"(8/ 661).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 192).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 180).

(4)

"فتح الباري"(8/ 662، 663).

ص: 348

عن معمر عن قتادة في قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: عن شدة أمر، وعند الحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: هو يوم كرب وشدة، قال الخطابي: فيكون المعنى: يكشف عن قدرته التي تنكشف عند الشدة والكرب، وذكر غير ذلك من التأويلات كما سيأتي بيانه عند شرح حديث الشفاعة مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى، انتهى من "الفتح""

(1)

.

(69)

{الْحَاقَّةُ}

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ السورة والبسملة بعدها.

قال القسطلاني

(2)

: سقط لفظ "سورة" والبسملة لغير أبي ذر، وهي مكية، انتهى.

وقال العيني

(3)

: هي مكية في قول الجميع، وقال السخاوي: نزلت قبل المعارج وبعد سورة الملك، وفي مسند ابن عباس عن معاذ: إنما سميت الحاقة لأن فيها حقائق الأعمال من الثواب والعقاب، انتهى.

قوله: ({الْقَاضِيَةَ} [الحاقة: 27]: الموتة الأولى التي متها لم أحي بعدها) قال العيني

(4)

: أشار به إلى قوله تعالى: {يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} أي: ليت الموتة الأولى كانت القاطعة لأمري لن أحي بعدها ولا يكون بعث ولا جزاء، وقال قتادة: تمنى الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء أكره من الموت، انتهى.

قوله: (لم أحي بعدها) وهكذا في نسخة "الفتح"، وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني""ثم" بدل "لم"، قال العيني

(5)

: وفي رواية أبي ذر: "لم أحي بعدها" وهذه هي الأصح، والظاهر أن الناسخ صحّف "لم" بـ "ثم"، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(6)

: قوله: "لم أحي بعدها. . ."

(1)

"فتح الباري"(8/ 664).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 195).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 433).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 434).

(5)

"عمدة القاري"(13/ 434).

(6)

"لامع الدراري"(9/ 181).

ص: 349

إلخ، زاد ذلك لأن مطلق القضاء من غير هذه الزيادة غير مطلوب لأنها قد وجدت، وإنما المطلوب استمرار هذا الموت حتى لا يوجد بعده حياة، فافهم، انتهى.

(70)

{سَأَلَ سَائِلٌ}

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة"، وأما البسملة فساقطة عن الجميع، كذا قال الحافظ

(1)

، قال العيني

(2)

: وتسمى سورة المعارج، وهي مكية، انتهى.

قوله: ({لِلشَّوَى} [المعارج: 16]: اليدان والرجلان والأطراف وجلدة الرأس يقال لها شواة. . .) إلخ، قال الحافظ

(3)

: هو كلام الفراء بلفظه أيضًا، وقال أبو عبيدة: الشوى واحدتها شواة وهي اليدان والرجلان والرأس من الآدميين، قال: وسمعت رجلًا من أهل المدينة يقول: اقشعرت شواتي، قلت له: ما معناه؟ قال: جلدة رأسي. والشوى قوائم الفرس يقال: عبل الشوى، ولا يراد في هذا الرأس لأنهم وصفوا الخيل بأسالة الخدين ورقة الوجه، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: قوله: "وما كان غير مقتل فهو شوى" تعميم بعد بيان المراد في الآية، انتهى.

وفي هامشه: وفي "الجمل": الشوى الأطراف، جمع شواة كنوى ونواة، وقيل: الشوى الأعضاء التي ليست بمقتل، ومنه يقال للرامي إذا رمى الصيد ولم يصب مقتله: رماه فأشواه، أي: أصاب الشوى، وقيل: هو جلد الإنسان، وقيل: جلد رأسه. انتهى.

وفي تقرير المكي: قوله: "غير مقتل" أي: لا يقتل منه صاحبه كاليدين، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 665).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 435).

(3)

"فتح الباري"(8/ 665).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 182).

ص: 350

(71)

{إِنَّا أَرْسَلْنَا}

وفي نسخة "القسطلاني""سورة {إِنَّا أَرْسَلْنَا} " بزيادة لفظ السورة، وفي نسخة الحافظين:"سورة نوح"، والبسملة ساقطة للجميع كما قال الحافظ

(1)

، قال العلامة العيني

(2)

: وهي مكية نزلت بعد النحل وقبل سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، انتهى.

قوله: {أَطْوَارًا} [نوح: 14]: طورًا كذا وطورًا كذا. . .) إلخ، تقدم قول البخاري هذا في أوائل بدء الخلق وتقدم هناك شرحه فارجع إليه لو شئت.

قال الحافظ

(3)

: وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} : نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم خلقًا آخر، انتهى.

قوله: ({دَيَّارًا} [نوح: 26]: من دور) بفتح الدال وسكون الواو "ولكنه فيعال" بفتح الفاء وسكون التحتية "من الدوران" لأن أصله دَيوار فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، ولو كان فعّالًا لكان دوّارًا، انتهى من "القسطلاني"

(4)

.

وكتب الشيخ

(5)

: قوله: "ولكنه فيعال" إذ لو كان فعّالًا لكان دوّارًا، انتهى.

(1 -‌

‌ باب: {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:

23])

قال الحافظان ابن حجر والعيني

(6)

: سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، قال العيني: وعن محمد بن كعب: كان لآدم عليه الصلاة والسلام خمس بنين: وَدّ، وسُواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، فمات رجل منهم فحزنوا عليه فقال الشيطان: أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه، قالوا: افعل،

(1)

"فتح الباري"(8/ 666).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 436).

(3)

"فتح الباري"(8/ 666).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 197).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 182).

(6)

"فتح الباري"(8/ 667)، و"عمدة القاري"(13/ 438).

ص: 351

فصوّره في المسجد من صفر ورصاص، ثم مات آخر وصوره، حتى ماتوا كلّهم وتنغصت الأشياء إلى أن تركوا عبادة الله بعد حين، فقال الشيطان للناس: ما لكم لا تعبدون إلهكم وإله آبائكم؟ ألا ترونها في مصلاكم؟ فعبدوها من دون الله، حتى بعث الله عز وجل نوحًا عليه الصلاة والسلام، إلى آخر ما بسط العيني في هؤلاء الخمس المذكورين.

قوله: (وقال عطاء عن ابن عباس) قال الحافظ

(1)

: قيل: هذا منقطع لأن عطاء المذكور هو الخراساني ولم يلق ابن عباس، فقد أخرج عبد الرزاق هذا الحديث في تفسيره عن ابن جريح، فقال: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس، إلى آخر ما بسط الحافظ من الكلام على انقطاع هذا الحديث والجواب عنه.

ولخصه القسطلاني فقال

(2)

: لكن عطاء لم يسمع من ابن عباس، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني، إنما أخذ الكتاب من ابنه عثمان فنظر فيه، لكن البخاري ما أخرجه إلا أنه من رواية عطاء بن أبي رباح؛ لأن الخراساني ليس على شرطه، ولقائل أن يقول: هذا ليس بقاطع في أن عطاء المذكور هو الخراساني فيحتمل أن يكون هذا الحديث عند ابن جريج عن الخراساني وابن أبي رباح جميعًا، قال في "المقدمة": وهذا جواب إقناعي، وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السديد، ولا بد للجواد من كبوة، انتهى.

قوله: ({وَنَسْرًا}: أسماء رجال صالحين) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: كثيرًا ما يذكر اللفظ بعد بيانه سابقًا مزيدًا للتأكيد، انتهى.

وفي هامشه أراد الشيخ قُدِّس سرُّه دفع ما يرد على الإمام البخاري أنه ذكر نسرًا وغيره أولًا، ثم ذكر نسرًا ثانيًا، فقال الشيخ قُدِّس سرُّه: إنه

(1)

"فتح الباري"(8/ 667).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 198).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 183).

ص: 352

للتأكيد، أي: في بيان مزيد أحوالهم، فما ذكره أولًا من كونهم آلهة هو بيان آخر حالهم إذ جعلوا أصنامًا، وما ذكره آخرًا من قوله:" {وَنَسْرًا} أسماء رجال. . ." إلخ، هو بيان ابتداء أحوالهم كما تقدم مفصلًا، فكأنه أشار بقوله:{نَسْرًا} إلى تمام الآية بذكر آخرها، انتهى.

(72)

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}

وفي نسخة الشروح بزيادة لفظ "سورة" بغير بسملة.

قال العيني

(1)

: وتسمى سورة الجن، وهي مكية، انتهى.

وقال أيضًا بعد ذكر حديث الباب: مطابقته للترجمة ظاهرة، ويوضح سبب النزول أيضًا، والحديث قد مضى في الصلاة في "باب الجهر بقراءة الصبح"، انتهى.

قوله: (وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: وظاهر هذا أن الحيلولة وإرسال الشهب وقعا في هذا الزمان المقدم ذكره، والذي تضافرت به الأخبار أن ذلك وقع لهم من أول البعثة النبوية، وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين، ولا يعكر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر أنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر؛ لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعًا وكذلك أصحابه، ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا؟ فيصح على هذا قول من قال: إن الفرض أولًا كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها، والحجة فيه قوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] ونحوها من الآيات، فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان

(1)

"عمدة القاري"(13/ 440، 441).

(2)

"فتح الباري"(8/ 671).

ص: 353

لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول المبعث، وهذا الموضع مما لم ينبه عليه أحد ممن وقفت على كلامهم في شرح هذا الحديث، وقد أخرج الترمذي والطبري حديث الباب بسياق سالم من الإشكال الذي ذكرته، ثم ذكر الحافظ تلك الرواية إلى أن قال

(1)

: وقد استشكل عياض وتبعه القرطبي والنووي وغيرهما من حديث الباب موضعًا آخر ولم يتعرضوا لما ذكرته، فقال عياض: ظاهر الحديث أن الرمي بالشهب لم يكن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لإنكار الشياطين له وطلبهم سببه، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب ومرجوعًا إليها في حكمهم حتى قطع سببها بأن حيل بين الشياطين وبين استراق السمع، وقد جاءت أشعار العرب باستغراب رميها وإنكاره إذ لم يعهدوه قبل المبعث وكان ذلك أحد دلائل نبوته، قال: وقال بعضهم: لم تزل الشهب يرمى بها مذ كانت الدنيا، واحتجوا بما جاء في أشعار العرب من ذلك، قال: وهذا مروي عن ابن عباس والزهري، ورفع فيه ابن عباس حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال القرطبي: ويجمع بأنها لم تكن يرمى بها قبل المبعث رميًا يقطع الشياطين عن استراق السمع، ولكن كانت ترمى تارة ولا ترمى أخرى، وترمى من جانب ولا ترمى من جميع الجوانب، إلى آخر ما ذكر الحافظ الجواب بعد ذلك من جانبه، فارجع إليه لو شئت.

(73)

{الْمُزَّمِّلُ}

وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني": "سورة المزّمل" بزيادة لفظ سورة، وفي نسخة "الفتح":"سورة المزمل والمدثر" والبسملة ساقطة عن الكل.

قال الحافظ

(2)

: كذا لأبي ذر واقتصر الباقون على المزمل وهو أولى؛ لأنه أفرد المدثر بعدُ بالترجمة، والمزّمل بالتشديد أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي، وقد جاءت قراءة أُبي بن كعب على الأصل، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 672).

(2)

"فتح الباري"(8/ 675).

ص: 354

قال العيني

(1)

: قال مقاتل: هي مكية إلا قوله: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]، انتهى.

وقال القسطلاني

(2)

: هي مكية، ولم يذكر الاستثناء المذكور، انتهى.

قلت: تكلم الشرَّاح على كون السورة مكية وعلى تحقيق استثناء هذه الآية في مبدء كتاب التهجد، وتقدم هناك في هامش "اللامع"

(3)

.

قال الحافظ

(4)

: (تنبيه): لم يورد المصنف في هذه السورة حديثًا مرفوعًا، وقد أخرج مسلم حديث سعد بن هشام عن عائشة فيما يتعلق منها بقيام الليل وقولها فيه: فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة، ويمكن أن يدخل في قوله تعالى في آخرها:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [المزمل: 20] حديث ابن مسعود: "إنما مال أحدكم ما قدم، ومال وارثه ما أخر" وسيأتي في الرقاق، انتهى.

(74)

{الْمُدَّثِّرُ}

هكذا في النسخ الهندية بغير لفظ "سورة" والبسملة وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادتهما.

قال الحافظ

(5)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر، قرأ أُبي بن كعب بإثبات المثناة المفتوحة بغير إدغام كما تقدم في المتزمل، وقرأ عكرمة فيهما بتخفيف الزاي والدال اسم فاعل، انتهى.

قال العيني

(6)

: وهي مكية، قال الثعلبي:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] أي: في القطيفة، والجمهور على أنه المدثر بثيابه، انتهى.

(1)

"ع"(13/ 441).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 201).

(3)

انظر: "لامع الدراري"(4/ 229).

(4)

"فتح الباري"(8/ 676).

(5)

"فتح الباري"(8/ 676).

(6)

"عمدة القاري"(13/ 442).

ص: 355

(1 -‌

‌ باب قوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:

2])

هكذا في النسخة "الهندية"، وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني":"قوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} " بدون لفظ "باب".

قال القسطلاني

(1)

: وسقط هذا لأبي ذر، انتهى.

قلت: وهكذا في "الفتح" فلم يأخذه الحافظ في شرحه ولم يتعرض له أيضًا.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:

3])

وهكذا في نسخة الحافظين، وفي نسخة "القسطلاني" بغير لفظ "باب".

وذكر المصنف فيه حديث جابر المذكور في الباب السابق، وفيه قوله:"أي القرآن أنزل أول؟ فقال: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ".

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: وكأن السؤال عما نزل أولًا بعد الفترة كما يدل عليه قول جابر نفسه: "فإذا الملك الذي جاءني بحراء" فإن هذا القول يشعر أنه كان يعلم أن نزوله هذا لم يكن أولًا حقيقيًا، فافهم وتفكر، انتهى.

وفي هامشه ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه واضح من سياق الرواية التي ستأتي قريبًا في "باب {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} "[المدثر: 4]، وبهذا استدل الحافظ ابن كثير في تفسيره فقال: وهذا السياق هو المحفوظ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله:"فإذا الملك الذي جاءني بحراء" ثم قال: ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة كما قال الإمام أحمد بسنده إلى جابر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثم فتر الوحي عني فترة فبينا أنا أمشي" الحديث أخرجاه من حديث الزهري به، انتهى مختصرًا.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 203).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 183، 184).

ص: 356

وقال الحافظ

(1)

: تقدم في بدء الوحي أن رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر تدل على أن المراد بالأولية في قوله: "أول ما نزل سورة المدثر" أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي أو مخصوصة بالأمر بالإنذار؛ لا أن المراد أنها أولية مطلقة.

قال الكرماني: استخرج جابر أن أول ما نزل {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} باجتهاد وليس هو من روايته، والصحيح ما وقع في حديث عائشة، إلى آخر ما ذكر في "الفتح".

وهكذا قال القسطلاني فقال

(2)

: وليس في هذا الحديث أن أول ما نزل {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} وإنما استخرج ذلك جابر باجتهاده، وظنه لا يعارض الحديث الصحيح الصريح السابق أول هذا الجامع أنه {اقْرَأْ} ، انتهى.

قلت: وهذا الجواب تسليمي، وما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه واختاره الحافظ ابن كثير جواب منعي، ثم إنهم اختلفوا في أول ما نزل على أربعة أقوال: والراجح المعروف: أنه خمس آيات من سورة اقرأ، والثاني: أنه المدثر كما في حديث الباب على بادئ النظر، الثالث: أنه الفاتحه كما في حديث مرسل عند البيهقي، والرابع: البسملة كما ورد في بعض الآثار.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} )

كذا في نسخة "العيني" و"القسطلاني" وقال

(3)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

قلت: وهكذا في نسخة الحافظ بدون لفظ "باب".

قال القسطلاني: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي: عن النجاسة أو قصرها خلاف جر العرب ثيابهم خيلاء فربما أصابتها النجاسة، وقال في آخر الحديث:

(1)

"فتح الباري"(8/ 678).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 203).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 205، 206).

ص: 357

قوله: "فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إلى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قبل أن تفرض الصلاة" فيه إشعار بأن الأمر بتطهير الثياب كان قبل فرض الصلاة، انتهى.

وهكذا ذكر الحافظ في "الفتح" ثم قال

(1)

: وأخرج ابن المنذر من طريق محمد بن سيرين قال: اغسلها بالماء، وعلى هذا حمله ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم، وأخرج من وجه آخر عنه قال: فطهر من الإثم، ومن وجه آخر عن ابن عباس قال: لا تلبسها على غدرة ولا فجرة، ومن طريق طاوس قال: شَمِّر، ومن طريق منصور قال: وعن مجاهد مثله، قال: أصلح عملك، وأخرج ابن المنذر من طريق الحسن قال: خلقك فحسِّنه، وقال الشافعي رحمه الله: قيل في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} : صَلِّ في ثياب طاهرة، وقيل غير ذلك والأول أشبه، ويؤيده ما أخرج ابن المنذر في سبب نزولها من طريق زيد بن مرثد قال: ألقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلى جزور فنزلت، ويجوز أن يكون المراد جميع ذلك، انتهى. كله من "الفتح"".

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} . . .) إلخ

وهكذا في نسخة "العيني" و"القسطلاني" وفي نسخة "الفتح": قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} بدون لفظ "باب".

قال القسطلاني

(2)

: وسقط لفظ "باب" لغير أبي ذر. قوله: (يقول: الرجز والرجس العذاب) قال الحافظ

(3)

: هو قول أبي عبيدة، وقد تقدم في الذي قبله أن الرجز الأوثان، وهو تفسير معنى، أي: اهجر أسباب الرجز، أي: العذاب وهي الأوثان.

وقال الكرماني: فسر المفرد بالجمع لأنه اسم جنس، وبين ما في سياق رواية الباب أن تفسيرها بالأوثان من قول أبي سلمة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 679).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 206).

(3)

"فتح الباري"(8/ 679).

ص: 358

(75)

‌ سورة {الْقِيَامَةِ}

قال العيني والقسطلاني

(1)

: هي مكية، وقال أيضًا: ومضى حديث الباب في بدء الوحي ومضى الكلام فيه هناك، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: تقدم الكلام على {لَا أُقْسِمُ} في آخر سورة الحجر، وأن الجمهور على أن "لا" زائدة والتقدير: أقسم، وقيل: هي حرف تنبيه مثل "ألا".

وقوله: ({لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} " [القيامة: 16] لم يختلف السلف أن المخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في شأن نزول الوحي كما دل عليه حديث الباب، وحكى الفخر الرازي أن القفال جوَّز أنها نزلت في الإنسان المذكور قبل ذلك في قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13] قال: يعرض عليه كتابه فيقال: اقرأ كتابك، فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفًا فأسرع في القراءة فيقال: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أي: أن نجمع عملك وأن يقرأ عليك {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} عليك {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} بالإقرار بأنك فعلت {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا} بيان أمر الإنسان وما يتعلق بعقوبته، قال: وهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة فيه، والحامل على ذلك عسر بيان المناسبة بين هذه الآية وما قبلها من أحوال القيامة، حتى زعم بعض الرافضة أنه سقط من السورة شيء وهي من جملة دعاويهم الباطلة، وقد ذكر الأئمة لها مناسبات، ثم ذكر الحافظ ثلاث مناسبات ثم قال: ومنها مناسبات أخرى ذكرها الفخر الرازي لا طائل فيها مع أنه لا تخلو عن تعسب، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 447، 448)، و"إرشاد الساري"(11/ 207).

(2)

"فتح الباري"(8/ 680).

ص: 359

(1 -‌

‌ باب: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:

17])

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور من رواية إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة أتم من رواية ابن عيينة، وسيأتي الحديث في الباب الذي بعده أتم سياقًا، انتهى مختصرًا.

قال العيني

(2)

: قوله: " {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ}. . ." إلخ، يحتمل أن يكون معلقًا عن ابن عباس وسياق الحديث الذي بعده أتم منه، انتهى.

قال القسطلاني

(3)

: قوله: " {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} " أي أن نبيِّنه على لسانك وفسره غير ابن عباس ببيان ما أشكل من معانيه، وفيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:

18])

قال القسطلاني

(4)

: سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر.

قوله: (قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم: " {قُرْآنَهُ} " أي: "بيناه {فَاتَّبِعْ} " أي: "اعمل به" وقال ابن عباس أيضًا فيما ذكره ابن كثير: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} : نبين حلاله وحرامه، انتهى.

قال الحافظ

(5)

: هذا التفسير رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم، وسيأتي في الباب عن ابن عباس تفسيره بشيء آخر.

قوله: (فيشتد عليه) ظاهر هذا السياق أن السبب في المبادرة حصول المشقة التي يجدها عند النزول فكان يتعجل بأخذه لتزول المشقة سريعًا، وبيَّن في رواية إسرائيل أن ذلك كان خشية أن ينساه حيث قال:"فقيل له: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} تخشى أن ينفلت"، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عن الحسن: كان يحرك به لسانه يتذكره، فقيل له: إنا سنحفظه

(1)

"فتح الباري"(8/ 681).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 448).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 209).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 209).

(5)

"فتح الباري"(8/ 682، 683).

ص: 360

عليك، وللطبري من طريق الشعبي: كان إذا نزل عليه عجل يتكلم به من حبه إياه، وظاهره أنه كان يتكلم بما يلقى إليه منه أولًا فأولًا من شدة حبه إياه، فأمر أن يتأنى إلى أن ينقضي النزول، ولا بعد في تعدد السبب.

قوله: (علينا أن نجمعه في صدرك) كذا فسره ابن عباس وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة تفسيره بالحفظ، ووقع في رواية أبي عوانة: جمعه لك في صدرك، ورواية جرير أوضح، وأخرج الطبري عن قتادة أن معنى {جَمْعَهُ} تأليفه.

قوله: ({قُرْآنَهُ}) زاد في رواية إسرائيل: "أن تقرأه" أي: أنت، ووقع في رواية الطبري: وتقرأه بعد قوله: " {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} " أي: قرأه عليك الملك " {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فإذا أنزلناه فاستمع" هذا تأويل آخر لابن عباس غير المنقول عنه في الترجمة، والحاصل أن لابن عباس في تأويل قوله تعالى:{أَنْزَلْنَاهُ} وفي قوله: {فَاسْتَمِعْ} [طه: 13] قولين، وعند الطبري من طريق قتادة في قوله: استمع اتبع حلاله واجتنب حرامه، انتهى من "الفتح".

(76)

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}

كذا في النسخ الهندية بغير لفظ "سورة" والبسملة، وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادتهما.

قال العيني

(1)

: ثبتت البسملة لأبي ذر، ثم قال: وهي مكية، قاله قتادة والسدي، وعن الكلبي أنها مكية إلا آيات {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} إلى قوله:{قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 8 - 10] ويذكر عن الحسن أنها مكية وفيها آية مدنية: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24]، وقيل: ما صح في ذلك قول الحسن ولا الكلبي وجاءت أخبار فيها أنها نزلت بالمدينة في شأن علي وفاطمة وابنيهما رضي الله تعالى عنهم، وذكر ابن النقيب أنها مدنية كلها، قاله الجمهور، وقال السخاوي: نزلت بعد سورة الرحمن وقبل الطلاق، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 450).

ص: 361

قوله: (يقال معناه: أتى على الإنسان. . .) إلخ، قال الحافظ

(1)

: كذا للأكثر، وفي بعض النسخ: و"قال يحيى" وهو صواب لأنه قول يحيى بن زياد الفراء بلفظ وزاد: لأنك تقول: هل وعظتك؟ هل أعطيتك؟ تقرره بأنك وعظته وأعطيته، والجحد أن تقول: هل يقدر أحد على مثل هذا؟ والتحرير أن "هل" للاستفهام لكن تكون تارة للتقرير وتارة للإنكار، فدعوى زيادتها لا يحتاج إليه، وقال أبو عبيدة:{هَلْ أَتَى} : معناه قد أتى وليس باستفهام، وقال غيره: بل هي للاستفهام التقريري كأنه قيل لمن أنكر البعث: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] فيقول: نعم، فيقال: فالذي أنشأه - بعد أن لم يكن - قادر على إعادته، ونحوه {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62] أي: فتعلمون أن من أنشأ قادر على أن يعيد، انتهى.

زاد القسطلاني

(2)

بعده: فهي هنا للاستفهام التقريري لا للاستفهام المحض، وهذا هو الذي يجب أن يكون؛ لأن الاستفهام لا يرد من الباري جلّ وعلا إلا على هذا النحو وما أشبهه، وقال أيضًا تحت قول البخاري:"وهذا من الخبر" أي: الذي بمعنى قد، والمعنى كما في "الكشاف": قد أتى، على التقرير والتقريب جميعًا، أي: أتى على الإنسان قبل زمن قريب حين من الدهر لم يكن فيه شيئًا مذكورًا، أو هي للاستفهام التقريري لمن أنكر البعث كأنه قيل، إلى آخر ما تقدم.

قوله: (يقول: كان شيئًا فلم يكن مذكورًا) قال الحافظ

(3)

: هو كلام الفراء أيضًا وحاصله: انتفاء الموصوف بانتفاء الصفة، ولا حجة فيه للمعتزلة في دعواهم أن المعدوم شيء، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: قوله: "فلم يكن مذكورًا" فالنفي ليس

(1)

"فتح الباري"(8/ 684).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 211).

(3)

"فتح الباري"(8/ 684).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 186).

ص: 362

واردًا على الشيئية لأنه كأنه شيئًا إذ ذاك وإنما المنفي كونه مذكورًا، انتهى.

وفي هامشه: قال الكرماني: ومعنى {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} ، أنه كان شيئًا لكنه لم يكن مذكورًا، يعني انتفاء هذا المجموع بانتفاء صفة لا بانتفاء الموصوف، انتهى.

قال القسطلاني

(1)

: قوله: "فلم يكن مذكورًا" بل كان شيئًا منسيًا غير مذكور بالإنسانية والمراد بالإنسان آدم، و {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} أربعون سنة، أو المراد بالإنسان الجنس وبالحين مدة الحمل، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: لم يورد المصنف في تفسير {هَلْ أَتَى} حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيه حديث ابن عباس في قراءتها في صلاة الصبح يوم الجمعة وقد تقدم في الصلاة، انتهى.

(77)

{وَالْمُرْسَلَاتِ}

هكذا في النسخ الهندية و"القسطلاني" بغير لفظ "سورة"، وفي نسخة الحافظين بزيادته، والبسملة ساقطة في الكل.

قال العيني

(3)

: وهي مكية بغير خلاف، قاله أبو العباس، وقال مقاتل: فيها من المدني: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48]، وقال السخاوي: نزلت بعد الهمزة وقبل ق، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: أخرج الحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1] الملائكة أرسلت بالمعروف، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات:

32])

سقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، قاله القسطلاني

(5)

.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 211).

(2)

"فتح الباري"(8/ 685).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 452).

(4)

"فتح الباري"(8/ 686).

(5)

"إرشاد الساري"(11/ 216).

ص: 363

قال الحافظ

(1)

: أي كقدر القصر، ثم قال في شرح الحديث: قوله: "فنرفعه للشتاء فنسميه القصر" بسكون الصاد وبفتحها وهو على الثاني جمع قصرة، أي: كأعناق الإبل، ويؤيده قراءة ابن عباس: كالقصر بفتحتين، وقيل: هو أصول الشجر، وقيل: أعناق النخل، وقال ابن قتيبة: القصر البيت، ومن فتح أراد أصول النخل المقطوعة، شبهًا بقصر الناس، أي: أعناقهم فكأن ابن عباس فسر قراءته بالفتح بما ذكر، وأخرج أبو عبيد بسنده عن ابن عباس: بشرر كالقصر بفتحتين، قال هارون: وأنبأنا أبو عمرو أن سعيدًا وابن عباس قرءا كذلك، وأسنده أبو عبيد عن ابن مسعود أيضًا بفتحتين، وقد أخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن مسعود في قوله تعالى:{إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} قال: ليست كالشجر والجبال ولكنها مثل المدائن والحصون، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات:

33])

ليس في نسخة "القسطلاني" لفظ "باب" وقال

(2)

: ولأبي ذر "باب" وسقط لفظ "باب" لغير أبي ذر، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه الحديث الذي قبله، ثم قال: قوله: "حتى تكون كأوساط الرجال" قلت: هو من تتمة الحديث وقد أخرجه عبد الرزاق عن الثوري بإسناده، وقال في آخره: وسمعت ابن عباس يسأل عن قوله تعالى: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} قال: حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال، وفي رواية قيس بن الربيع عن عبد الرحمن بن عابس: هي القلوص التي تكون في الجسور، والأول هو المحفوظ، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(4)

: قوله: "كأوساط الرجال" جمع وسط: ما بين خاصرتيه، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 688).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 216).

(3)

"فتح الباري"(8/ 688).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 187، 188).

ص: 364

وفي هامشه: أفاد بذلك دفعًا لما يتوهم من أن المراد به الرجال الذين هم متوسطو القامة، قال الكرماني: قوله: "تجمع" أي: يضم بعضها إلى بعض حتى تصير قوية غليظة كوسط الرجل، انتهى.

وفي "تقرير مولانا محمد حسن المكي": يعني مانندِ كمرهائى رجال، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} [المرسلات:

35])

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديث عبد الله بن مسعود في الحية، قوله:"قال عمر: حفظته من أبي في غار بمنى" يريد أن أباه زاد بعد قوله في الحديث: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى" انتهى.

(78)

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}

وفي نسخ الشروح بزيادة لفظ "سورة"، والبسملة ليست بمذكورة في شيء من النسخ الهندية ولا المصرية.

قال الحافظ

(2)

: قرأ الجمهور {عَمَّ} بميم فقط، وعن ابن كثير رواية بالهاء وهي هاء السكت أجري الوصل مجرى الوقف، وعن أُبي بن كعب وعيسى بن عمر بإثبات الألف على الأصل، وهي لغة نادرة، ويقال لها أيضًا: سورة النبأ، انتهى.

وقال العيني

(3)

: وهي مكية، و {عَمَّ} أصله "عما" حذفت الألف للتخفيف، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} [النبأ: 18]: زمرًا)

وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} قال: زمرًا زمرًا، ذكر فيه حديث أبي هريرة: "ما بين

(1)

"فتح الباري"(8/ 689).

(2)

"فتح الباري"(8/ 689).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 457).

ص: 365

النفختين أربعون" وقد تقدم شرحه في تفسير الزمر، انتهى

(1)

.

(79)

{وَالنَّازِعَاتِ}

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة" وليست البسملة في شيء من النسخ.

قال العلامة العيني

(2)

: وتسمى سورة الساهرة، وهي مكية لا اختلاف فيها، وقال السخاوي: نزلت بعد سورة النبأ وقبل سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] وفي النازعات أقوال: الملائكة تنزع نفوس بني آدم، روي ذلك عن ابن عباس، والموت ينزع النفوس، قاله سعيد بن جبير، والنجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب، والغزاة الرماة، قاله عطاء وعكرمة، انتهى.

(80)

{عَبَسَ}

هكذا في النسخ الهندية بغير لفظ "سورة" وبسملة، وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادتهما.

قال الحافظ

(3)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر.

قال العيني

(4)

: وتسمى سورة السفرة، وهي مكية، وذكر السخاوي أنها نزلت قبل سورة القدر وبعد سورة النجم، وذكر الحاكم مصححًا عن عائشة "أنها نزلت في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخرين" الحديث، انتهى.

قوله: (كلح وأعرض) وفي نسخة "العيني" و"القسطلاني" بعد ذكر

(1)

انظر: "فتح الباري"(8/ 690).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 459).

(3)

"فتح الباري"(9/ 692).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 461).

ص: 366

البسملة: " {عَبَسَ}: كلح وأعرض" أعني بإعادة لفظ عبس، وفي نسخة الحافظ:{عَبَسَ وَتَوَلَّى} ، ثم ذكر التفسير المذكور.

قال الحافظ

(1)

: أما تفسير {عَبَسَ} فهو لأبي عبيدة، وأما تفسير {تَوَلَّى} فهو في حديث عائشة الذي سأذكره بعد، ولم يختلف السلف في أن فاعل {عَبَسَ} هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأغرب الداودي فقال: هو الكافر، وأخرج الترمذي والحاكم من طريق يحيى بن سعيد الأموي، وابن حبان من طريق عبد الرحيم بن سليمان، كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:"نزلت في ابن أم مكتوم الأعمى فقال: يا رسول الله أرشدني - وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين - فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر فيقول له: أترى بما أقول باسًا؟ فيقول: لا، فنزلت: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} " قال الترمذي: حسن غريب، وقد أرسله بعضهم عن عروة لم يذكر عائشة، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن الذي كان يكلمه أبي بن خلف، وروى سعيد بن منصور من طريق أَبي مالك أنه أمية بن خلف، وروى ابن مردويه من حديث عائشة أنه كان يخاطب عتبة وشيبة ابني ربيعة، ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال: عتبة وأبو جهل وعياش، ومن وجه آخر عن عائشة: كان في مجلس فيه ناس من وجوه المشركين منهم أبو جهل وعتبة، فهذا يجمع الأقوال، انتهى.

قوله: ({مُطَهَّرَةٍ}: لا يمسها إلا المطهرون وهم الملائكة. . .) إلخ، قال العيني

(2)

: أشار به إلى قوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس: 13، 14] وفسر المطهرة بقوله: {لا يمسها إلا المطهرون} ، وهم الملائكة" يعني: لما كانت الصحف قد تتصف بالتطهير وصف أيضًا حاملها، أي: الملائكة فقيل: {لا يمسها إلا المطهرون} ، وهذا كما في

(1)

"فتح الباري"(8/ 692).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 462).

ص: 367

{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5]، فإن التدبير لمحمول خيول الغزاة فوصف الحامل يعني الخيول به فقيل:{فَالْمُدَبِّرَاتِ} .

وقال الكرماني: وفي بعض النسخ لا يقع بزيادة لا، وفي توجيهه تكلف، قلت: وجهه أن الصحف لا يقع عليها التطهير الذي هو خلاف التنجيس حقيقة وإنما المراد أنها مطهرة عن أن ينالها أيدي الكفار، وقيل: مطهرة عما ليس بكلام الله تعالى فهو الوحي الخالص والحق المحض، انتهى.

قلت: اختلفت النسخ ففي النسخة الهندية بلفظ: "لا يقع عليها التطهير" بزيادة حرف النفي، وفي نسخ الشروح الثلاثة:"الفتح" و"العيني" و"القسطلاني": "يقع عليها التطهير" بغير لفظة لا، وفي هامش الهندية

(1)

عن "الخير الجاري" بعد قول الكرماني: وفي توجيهه تكلف، وتوجيهها أنها ليست مما يحتاج إلى التطهير بل هي طاهرة بذاتها مطهرة لغيرها من الأنجاس الباطنة، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: "لا يقع عليها التطهير" يعني أن التطهير الواقع بعد قابلية التنجيس غير واقع على الصحف لتطهرها ذاتًا فلم يكن إطلاق المطهر عليها إلا مجازًا، والحاصل أن المطهر إما أن يكون صفة الصحف حقيقة والملائكة مجازًا أو بالعكس، وعلى الأول فالصحيح نسخة "يقع" بالإثبات وعلى الثاني فلكل منهما وجه نفيًا كان أو إثباتًا، وأيضًا فالتطهير على التوجيه الأول يعني إذا كان صفة للصحف ما لم يتقدمه صلاح التنجس وقابليته، وعلى الثاني ما كان قبله ذلك، وإذا علمت هذا فنقول: معنى قوله: {مُطَهَّرَةٍ. . .} إلخ، أن الصحف مطهرة بذواتها كما ذكر ههنا في السورة، وإطلاق المطهر في قوله تعالى:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] مجاز من قبيل وصف الحامل بصفة محموله، كما في قوله

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 155).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 188، 189).

ص: 368

تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} حيث وقع المدبر صفةً للخيل وكانت لراكبيه، وذلك لأن الملائكة ليست متصفة بهذا النوع من الطهر، وأما على الثاني فمعنى قوله:{مُطَهَّرَةٍ} إلخ أن إطلاق المطهرة على الصحف مجاز، وأما الحقيقة فما هو في قوله تعالى:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} فإن المطهر صفة للملك لأنه الذي طهر عن المأثم وسائر الأنجاس حدثًا كان أو خبثًا، وأما الصحف فلا يقع عليها التطهير لأنها لا تقبل النجس، ولا تصلح له حتى يصح ورود التطهير عليها، فليس ذلك إلا وصفًا للشيء بما يلابسه، كما وصفت الخيول بصفة الراكبين وإن كان الوصف في الخيول للركب وههنا بالعكس، وعلى هذا فقوله:"فجعل التطهير لمن حملها أيضًا" لا يخلو إرجاعه إلى هذا التقرير عن تكلف؛ لأن ظاهره لا يفيد هذا المدعي، وغاية توجيهه أن يقال:"فجعل التطهير" صفة للصحف "لأجل من حملها" أي: بواسطته ولتوصله "أيضًا" أي: كما قال صفة للصحف أصالة، انتهى.

قوله: (وهو عليه شديد فله أجران) قال الحافظ

(1)

: قال ابن التِّين: اختلف هل له ضعف أجر الذي يقرأ القرآن حافظًا أو يضاعف له أجره وأجر الأول أعظم، قال: وهذا أظهر، ولمن رجح الأول أن يقول: الأجر على قدر المشقة، انتهى.

زاد القسطلاني

(2)

: لكن لا نسلم أن الحافظ الماهر خال عن مشقة لأنه لا يصير كذلك إلا بعد عناء كثير ومشقة شديدة غالبًا، انتهى.

(81)

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}

هكذا في النسخة "الهندية" بغير لفظ سورة وبدون البسملة، وفي نسخ الشروح الثلاثة من "الفتح"" و"العيني" و"القسطلاني" بزيادتهما.

قال القسطلاني

(3)

: سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 693).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 223).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 224).

ص: 369

قال العلامة العيني

(1)

: ويقال لها: سورة كورت، وسورة التكوير، وهي مكية، انتهى.

قوله: (وقال مجاهد: البحر المسجور: المملوء) قال العلامة العيني

(2)

رحمه الله تعالى: وهو في سورة الطور ذكره استطرادًا.

قول: (وقال غيره) أي: غير مجاهد، والأصوب أن يقال: غير الحسن على ما لا يخفى، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: (تنبيه): لم يورد المصنف فيها حديثًا مرفوعًا، وفيها حديث جيد أخرجه أحمد والترمذي والطبراني وصححه الحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما رفعه: "من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، و‌

‌إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ

" لفظ أحمد، انتهى.

(82)

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}

هكذا في النسخة "الهندية" بغير لفظ سورة والبسملة، وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادتهما.

قال القسطلاني

(4)

: سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر، انتهى.

قال العلامة العيني

(5)

: ويقال لها أيضًا: سورة الانفطار، وهي مكية، انتهى.

قوله: (وقرأ الأعمش وعاصم: {فَعَدَلَكَ} بالتخفيف، وقرأه أهل الحجاز بالتشديد) قلت: قرأ أيضًا بالتخفيف حمزة والكسائي وسائر الكوفيين، وقرأ أيضًا بالتثقيل من عداهم من قراء الأمصار.

قوله: (وأراد معتدل الخلق. . .) إلخ، هو قول الفراء بلفظه إلى قوله: بالتشديد، ثم قال: فمن قرأ بالتخفيف فهو والله أعلم يصرفك في أي صورة

(1)

"عمدة القاري"(13/ 464).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 465).

(3)

"فتح الباري"(8/ 695).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 225).

(5)

"عمدة القاري"(13/ 466).

ص: 370

شاء إما حسن إلى آخره ومن شدّد فإنه أراد والله أعلم جعلك معتدلًا معتدل الخلق، قال: وهو أجود القراءتين في العربية وأحبهما إليّ، وحاصل القراءتين: أن التي بالتثقيل من التعديل، والمراد التناسب، وبالتخفيف من العدل وهو الصرف إلى أي صفة أراد، انتهى كله من "الفتح"

(1)

.

وقال العلامة العيني

(2)

: قوله: (ومن خفف) يحتمل أن يكون عطفًا على فاعل أراد، أي: ومن خفف أراد أيضًا معتدل الخلق، ولفظ: في أي صورة لا يكون متعلقًا به بل هو كلام مستأنف تفسير لقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8]، والباقي ظاهر، انتهى.

قلت: وعلى ما أفاده العيني يلزم أن يكون معنى القراءتين واحدًا من غير فرق بينهما أعني اعتدال الخلق، وقد عرفت من كلام الحافظ الفرق بين المعنيين، وكذا ما قال العيني: إن قوله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ} لا يكون متعلقًا به. . . إلخ، ليس كذلك كما عرفت في كلام الحافظ، فإن نقل عبارة الأصل المنقول عنه الذي هو مأخذ كلام البخاري، والله أعلم.

وفي هامش "اللامع"

(3)

عن حاشية "الجمل": قرأ الكوفيون {عَدَلَكَ} مخففًا والباقون مثقلًا، فالتثقيل بمعنى جعلك متناسب الأعضاء، فلم يجعل إحدى يديك أو رجليك أطول، ولا إحدى عينيك أوسع، فهو من التعديل، وقراءة التخفيف يحتمل هذا، أي: عدل بعض أعضائك ببعض، ويحتمل أن يكون من العدول، أي: حرفك إلى ما شاء من الهيآت والأشكال والأشباه، انتهى. والمذكور ههنا في البخاري على ما أفاده الحافظ هو الاحتمال الثاني المذكور في عبارة "الجمل" كما لا يخفى، واختار العيني الاحتمال الأوّل، لكن لا يساعده سياق البخاري، ثم قال الحافظ

(4)

: لم يورد المصنف فيها حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيها حديث ابن عمر المنبه عليه في التي قبلها، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 695).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 467).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 191).

(4)

"فتح الباري"(8/ 695).

ص: 371

(83)

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ سورة والبسملة بعدها.

قال القسطلاني

(1)

: سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر، انتهى.

قال العيني

(2)

: وفي بعض النسخ: سورة المطففين، وقال أبو العباس: في رواية همام وسعيد عن قتادة ومحمد بن ثور عن معمر أنها مكية، وقال السدي: إنها مدنية، وعن الكلبي أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه من مكة إلى المدينة، وقال مقاتل: مدنية غير آية نزلت بمكة: {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطففين: 13] وعند ابن النقيب عنه: هي أول سورة نزلت بالمدينة، وذكر السخاوي أنها نزلت بعد سورة العنكبوت، وفي "سنن النسائي" و"ابن ماجه" بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلًا، فأنزل الله عز وجل:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] فأحسنوا الكيل بعد ذلك، وقال الثعلبي: مدنية، انتهى. وقال أيضًا: قوله: "ويل" قال مقاتل: ويل واد في جهنم قعره سبعون سنة، فيه سبعون ألف شعب، إلى آخر ما ذكر من أحواله الهائلة، فارجع إليه لو شئت التفصيل.

(84)

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ سورة والبسملة ساقطة عن الكل.

قال الحافظ

(3)

: ويقال لها أيضًا: سورة الانشقاق وسورة الشفق.

وفي "العيني": وتسمى أيضًا: سورة الانشقاق، وسورة انشقت، وهي مكية، انتهى.

قوله: (حدثنا عمرو بن علي. . .) إلخ، هكذا في النسخ الهندية، وفي نسخ الشروح على هذا الحديث ترجمة وهي "باب {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 226).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 467).

(3)

"فتح الباري"(8/ 697).

ص: 372

يَسِيرًا} " [لانشقاق: 8] قال الحافظ

(1)

: سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:

19])

قال القسطلاني

(2)

: سقط لفظ "باب" وما بعده لغير أبي ذر.

قوله: (قال ابن عباس: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}: حالًا بعد حال، قال: هذا نبيكم صلى الله تعالى عليه وسلم) أي: الخطاب له، وهو على قراءة فتح الموحدة وبها قرأ ابن كثير والأعمش والأخوان، وقد أخرج الطبري الحديث المذكور بلفظ: أن ابن عباس كان يقرأ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} يعني: نبيكم حالًا بعد حال، وأخرجه أبو عبيد في "كتاب القراءات" عن هشيم وزاد: يعني بفتح الباء، قال الطبري: قرأها ابن مسعود وابن عباس وعامة قراء أهل مكة والكوفة بالفتح، والباقون بالضم على أنه خطاب للأمة، ورجحها أبو عبيد لسياق ما قبلها وما بعدها، ثم أخرج عن الحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم قالوا:{طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} يعني: حالًا بعد حال، ومن طريق الحسن أيضًا وأبي العالية ومسروق قال: السماوات، وفي لفظ للطبري عن ابن مسعود قال: المراد أن السماء تصير مرة كالدهان، ومرة تشقق ثم تحمر ثم تنفطر، ورجح الطبري الأول، وأصل الطبق الشدة، والمراد بها هنا ما يقع من الشدائد يوم القيامة، والطبق ما طابق غيره، يقال: ما هذا بطبق كذا، أي: لا يطابقه، ومعنى قوله:"حالًا بعد حال" أي: حال مطابقة للتي قبلها في الشدة، أو هو جمع طبقة وهي المرتبة، أي: هي طبقات بعضها أشد من بعض.

وقيل: المراد اختلاف أحوال المولود منذ يكون جنينًا إلى أن يصير إلى أقصى العمر، فهو قبل أن يولد جنين، ثم إذا ولد صبي، فإذا فطم

(1)

"فتح الباري"(8/ 697).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 229).

ص: 373

غلام، فإذا بلغ سبعًا يافع، فإذا بلغ عشرًا حزور، فإذا بلغ خمس عشرة قمدّ، فإذا بلغ خمسًا وعشرين عنطنط، فإذا بلغ ثلاثين صملّ، فإذا بلغ أربعين كهل، فإذا بلغ خمسين شيخ، فإذا بلغ ثمانين همّ، فإذا بلغ تسعين فان، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

: قوله: "هذا نبيكم صلى الله تعالى عليه وسلم" يعني يكون لك الظفر والغلبة على المشركين حتى يختم لك بجميل العاقبة، فلا يحزنك تكذيبهم وتماديهم في كفرهم، وقيل: سماء بعد سماء كما وقع في الإسراء والمعنى على الجمع: لتركبن أيها الناس حالًا بعد حال وأمرًا بعد أمر، وذلك في موقف القيامة، أو الشدائد والأهوال: الموت ثم البعث ثم العرض، أو حال الإنسان حالًا بعد حال: رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم كهل ثم شيخ، انتهى.

(85)

{الْبُرُوجِ}

هكذا في النسخ الهندية، وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة".

قال الحافظ

(3)

: تقدم في أواخر الفرقان تفسير البروج، انتهى.

قال العيني

(4)

: وهي مكية، والبروج الاثنا عشر وهي قصور السماء على التشبيه، وقيل: البروج النجوم التي هي منازل القمر، وقيل: عظام الكواكب، وقيل: أبواب السماء، انتهى.

قوله: (وقال مجاهد: {الْأُخْدُودِ} [البروج: 4]: شق في الأرض) قال الحافظ

(5)

: وصله الفريابي بلفظ: شق بنجران كانوا يعذبون الناس فيه، وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما من حديث صهيب قصة أصحاب الأخدود

(1)

"فتح الباري"(8/ 698).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 230).

(3)

"فتح الباري"(8/ 698).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 473).

(5)

"فتح الباري"(8/ 698).

ص: 374

مطولة، وفيه قصة الغلام الذي كان يتعلم من الساحر فمر بالراهب فتابعه على دينه، فأراد الملك قتل الغلام لمخالفته دينه، فقال: إنك لن تقدر على قتلي حتى تقول إذا رميتني: بسم الله رب الغلام، ففعل، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فخد لهم الملك الأخاديد في السلك وأضرم فيها النيران ليرجعوا إلى دينه، وفيه قصة الصبي الذي قال لأمه: اصبري فإنك على الحق، صرَّح برفع القصة بطولها حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب، ومن طريقه أخرجه مسلم والنسائي وأحمد، ووقفها معمر عن ثابت ومن طريقه أخرجها الترمذي وعنده في آخره: يقول الله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} إلى {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 4 - 8]، انتهى.

قلت: وذكر القسطلاني

(1)

قصة أصحاب الأخدود مطولة بتمامها من رواية مسلم فارجع إليه، انتهى.

(86)

{الطَّارِقُ}

كذا في النسخة "الهندية"، وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة".

قال العيني

(2)

: وهي مكية نزلت في أبي طالب وذلك لأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأتحفه بلبن وخبز فبينما هو جالس يأكل إذ انحطّ نجم فامتلأ ماء ثم نارًا ففزع أبو طالب، وقال: أي شيء هذا؟ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: "هذا نجم رمي به وهو آية من آيات الله تعالى" فعجب أبو طالب فأنزل الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1]، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: لم يورد المصنف في الطارق حديثًا مرفوعًا وقد وقع حديث جابر في قصة معاذ: فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أفتان يا معاذ؟! يكفيك أن تقرأ بالسماء والطارق، والشمس وضحاها"

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 230، 231).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 474).

(3)

"فتح الباري"(8/ 699).

ص: 375

الحديث، أخرجه النسائي هكذا ووصله في الصحيحين، انتهى.

(87)

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}

كذا في النسخة "الهندية" بغير لفظ "سورة" وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادته.

قال العلامة العيني

(1)

: ويقال لها سورة الأعلى، وهي مكية، وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، فقال:"سبحان ربي الأعلى"، وكذلك يروى عن علي وأبي موسى وابن عمر وابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يفعلون ذلك، وأخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير: سمعت ابن عمر يقرأ: (سبحان ربي الأعلى الذي خلق فسوى)، وهي قراءة أُبي بن كعب رضي الله عنه، انتهى.

(88)

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}

كذا في النسخة "الهندية"، وكذا في نسخة "القسطلاني" بغير لفظ "سورة" والبسملة، وفي نسخة الحافظين ابن حجر والعيني بزيادتهما.

قال الحافظ

(2)

: ويقال لها أيضًا: سورة الغاشية، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الغاشية من أسماء يوم القيامة، انتهى.

قال العلامة العيني

(3)

: وهي مكية بالإجماع، والغاشية اسم من أسماء يوم القيامة، يعني: تغشى كل شيء بالأهوال، قاله أكثر المفسرين، وعن محمد بن كعب: الغاشية النار، دليله قوله تعالى:{وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: 50].

(1)

"عمدة القاري"(13/ 475).

(2)

"فتح الباري"(8/ 700).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 476).

ص: 376

قال الحافظ

(1)

: (تنبيه): لم يذكر فيها حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيها حديث جابر رفعه:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" الحديث، وفي آخره: "وحسابهم على الله، ثم قرأ:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} إلى آخر السورة [الغاشية: 21 - 26]، أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وإسناده صحيح، انتهى.

(89)

{وَالْفَجْرِ}

كذا في النسخة "الهندية" وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة"، والبسملة ساقطة عن الكل.

قوله: ({إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7] يعني: عادًا الأولى) ولأبي ذر "يعني: القديمة" وفي اليونينية: "إرْم ذات" بكسر الهمز وسكون الراء وفتح الميم، ورويت عن الضحاك لكن بفتح الهمزة وأصله أرم على وزن فَعِل كفخذ مخفف، "والعماد" رفع مبتدأ خبره "أهل عمود لا يقيمون في بلد" وكانوا سيارة ينتجعون الغيث وينتقلون إلى الكلأ حيث كان، وعن ابن عباس: إنما قيل لهم ذات العماد لطولهم، واختار الأول ابن جرير وردّ الثاني، قال ابن كثير: فأصاب، وحينئذ فالضمير يعود على القبيلة، قال: وأما ما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية من ذكر مدينة يقال لها: إرم ذات العماد، مبنية بلبن الذهب والفضة، وأن حصباءها اللآلي وجواهر، وترابها بنادق المسك إلى غير ذلك من الأوصاف، وأنها تنتقل فتارةً تكون بالشام وتارة باليمن، وأخرى بغيرهما من الأرض، فمن خرافات الإسرائيليين وليس لذلك حقيقة، وأما ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه عن عبد الله بن أبي قلابة في هذه القصة أيضًا وذكر عجائبها فقال في "الفتح": فيها ألفاظ منكرة، وراويها عبد الله بن أبي قلابة لا يعرف، وفي إسناده ابن لهيعة، ومثله ما يخبر به

(1)

"فتح الباري"(8/ 701).

ص: 377

كثير من الكذبة المتحيلين من وجود مطالب تحت الأرض بها قناطير الذهب والفضة والجواهر واليواقيت واللآلي والإكسير، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها فيحتالون على أموال ضعفة العقول والسفهاء فيأكلونها بحجة صرفها في بخورات ونحوها من الهذيانات، وتراهم ينفقون على حفرها الأموال الجزيلة ويبلغون في العمق غاية ولا يظهر لهم إلا التراب والحجر فيفتقر الرجل منهم، وهو مع ذلك لا يزداد إلا طلبًا حتى يموت

(1)

، انتهى.

وكتب الشيخ

(2)

: قوله: "يعني: القديمة" تفسير لما لم يذكر ههنا وهو قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر: 6] والعاد عادان: أول وثانٍ فبيَّن المؤلف أن المراد في الآية القديمة منهما.

وفي هامشه عن الكرماني قال تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} أي: القديمة لما كانت عاد قبيلتين: عاد الأولى وعاد الأخيرة، جعل إرم عطف بيان لعاد إيذانًا بأنهم عاد الأولى القديمة، وهي اسم أرضهم التي كانوا فيها، انتهى.

وبسط الحافظ في تحقيق لفظ إرم وفي معنى ذات العماد، وذكر فيهما أقوالًا عديدة، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: قيل: إرم هو ابن سام بن نوح، وعاد ابن عوص بن إرم، وقيل: إرم اسم المدينة، وقيل أيضًا: إن المراد بالعماد شدة أبدانهم وإفراط طولهم، وقد أخرج ابن مردويه من طريق المقدام بن معديكرب قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في قوله: {ذَاتِ الْعِمَادِ} وقال: "كان الرجل يأتي الصخرة فيحملها على كاهله فيلقيها على أي حي أراد فيهلكهم" إلى آخر ما بسط من الأقاويل في تحقيق إرم وذات العماد.

(1)

انظر: "فتح الباري"(8/ 235، 236).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 191).

(3)

"فتح الباري"(8/ 701 - 703).

ص: 378

وقال الحافظ أيضًا: لم يذكر المصنف في الفجر حديثًا مرفوعًا ويدخل فيه حديث ابن مسعود رفعه في قوله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر: 23] قال: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها"، أخرجه مسلم والترمذي.

(90)

{لَا أُقْسِمُ}

كذا في النسخة "الهندية" وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة "سورة"، وليست البسملة في شيء من النسخ الموجودة.

قال العيني

(1)

: وهي مكية.

قال الحافظ

(2)

: ويقال لها أيضًا: سورة البلد، واتفقوا على أن المراد بالبلد مكة شرفها الله تعالى.

قوله: (وقال مجاهد: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 2]: مكة، ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم) قال الحافظ

(3)

: وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: يقول: لا تؤاخذ بما عملت فيه، وليس عليك فيه ما على الناس، وقد أخرجه الحاكم من طريق منصور عن مجاهد فزاد فيه عن ابن عباس بلفظ: أحل الله له أن يصنع فيه ما شاء. ولابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس: يحل لك أن تقاتل فيه، وعلى هذا فالصيغة للوقت الحاضر، والمراد الآتي لتحقق وقوعه؛ لأن السورة مكية والفتح بعد الهجرة بثمان سنين، انتهى.

قال العيني

(4)

: ومعنى {حِلٌّ} : أنت يا محمد حلال بهذا البلد في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر، وذلك أن الله عز وجل أحلَّ لنبيِّه يوم الفتح حتى قتل من قتل وأخذ ما شاء وحرم ما شاء، فقتل ابن خطل

(1)

"عمدة القاري"(13/ 481).

(2)

"فتح الباري"(8/ 703).

(3)

"فتح الباري"(8/ 704).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 481).

ص: 379

وأصحابه، وحرم دار أبي سفيان، وقال الواسطي: المراد المدينة، حكاه في "الشفاء"، والأول أصح؛ لأن السورة مكية، انتهى.

قال الحافظ

(1)

: لم يذكر المصنف في سورة البلد حديثًا مرفوعًا ويدخل فيها حديث البراء قال: "جاء أعرابي فقال: يا رسول الله علمني عملًا يدخلني الجنة، قال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة أو فكَّ الرقبة، قال: أوليستا بواحدة؟ قال: لا، إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها" أخرجه أحمد وابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن عوسجة عنه، وصححه ابن حبان، انتهى.

(91)

{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة".

قال العلامة العيني

(2)

: وهي مكية.

(92)

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح بزيادة لفظ "سورة".

قال العيني

(3)

: وهي مكية في رواية قتادة والكلبي والشعبي وسفيان، وعن ابن عباس أنها نزلت في أبي بكر الصديق حين أعتق بلالًا، وفي أبي سفيان، وقال عكرمة وعبد الرحمن بن زيد: مدنية نزلت في أبي الدحداح رجل من الأنصار وأم سمرة في قصة لهما طويلة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 704).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 482).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 485).

ص: 380

(1 -‌

‌ باب: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:

2])

قال الحافظ

(1)

: ذكر فيه الحديث الآتي في الباب الذي بعده وسقطت الترجمة لأبي ذر والنسفي، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل:

3])

قوله: (وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}) ووقع في رواية داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة في هذا الحديث: "وإن هؤلاء يريدونني أن أزول عما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون لي: اقرأ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} وإني والله لا أطيعهم"، أخرجه مسلم وابن مردويه، وفي هذا بيان واضح أن قراءة ابن مسعود كان كذلك، والذي وقع في غير هذه الطريق أنه قرأ:{والذي خلق الذكر والأنثى} ، كذا في كثير من كتب القراءات الشاذة، وهذه القراءة لم يذكرها أبو عبيد إلا عن الحسن البصري، وأما ابن مسعود فهذا الإسناد المذكور في "الصحيحين" عنه من أصح الأسانيد يروي به الأحاديث.

قوله: (قال علقمة: والذكر والأنثى) في رواية سفيان: فقرأت: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) وهذا صريح في أن ابن مسعود كان يقرؤها كذلك، وفي رواية إسرائيل عن مغيرة في المناقب:(والليل إذا يغشى والذكر والأنثى) بحذف {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} كذا في رواية أبي ذر وأثبتها الباقون

(2)

، انتهى.

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: قوله: "والذكر والأنثى. . ." إلخ، وكان قد نزل كذلك أولًا ثم نزل قوله:{وَمَا خَلَقَ} ولعل ابن مسعود رضي الله عنه لم يقف عليه أو يكون يرى القراءتين جائزة، غير أنه أحب أن يقرأ ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل أبو الدرداء، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 707).

(2)

انظر: "فتح الباري"(8/ 707).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 192، 193).

ص: 381

وفي هامشه بعد ذكر ما سيأتي من كلام الشرَّاح: ولعلك قد دريت من هذا كله أن مآل كلام الشيخ وكلام الشرَّاح واحد، فالذي عبره الشيخ بتعدد النزول عبره الشرَّاح بالنسخ، والمؤدى واحد.

قال الحافظ

(1)

: ثم هذه القراءة لم تنقل إلا عمن ذكر هنا، ومن عداهم قرءوا:{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه، ولعل هذا ممن نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه، والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة، وعن ابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد بهذا، فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت، انتهى.

قال العيني

(2)

: وإنما قال: "لا أتابعهم" مع كون قراءتهم متواترة؛ لكون طريقه طريقًا يقينيًا وهو سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن لا يخالفوه، قلت: لهم طريق يقيني أيضًا وهو ثبوت قراءتهم بالتواتر، وقال المازري: يجب أن يعتقد في هذا وما في معناه أنه كان قرآنًا ثم نسخ، ولم يعلم من خالف النسخ فبقي على النسخ، قال: أو لعله وقع من بعضهم قبل أن يبلغ مصحف عثمان رضي الله عنه المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ، وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن واحد منهم أنه خالف فيه، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل:

5])

ذكر فيه حديث علي رضي الله عنه: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد" الحديث، ذكره في خمسة تراجم أخرى الآتية من هذه السورة كلها من طريق الأعمش، إلا الخامس فمن طريق منصور، كلاهما عن سعد بن عبيدة عن

(1)

"فتح الباري"(8/ 707).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 487).

ص: 382

أبي عبد الرحمن السلمي عن علي، وصرح في الترجمة الأخيرة بسماع الأعمش له من سعد، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب القدر إن شاء الله تعالى، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قال العيني

(2)

: والحديث مضى في الجنائز في "باب موعظة المحدث عند القبر" ومرَّ الكلام فيه هناك، انتهى.

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل:

6])

قال الحافظ

(3)

: سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر والنسفي، وسقط لفظ "باب" من التراجم كلها لغير أبي ذر، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:

7])

قال القسطلاني

(4)

: أي: للجنة، وقال العيني: أي: فسنهيئه لليسرى، أي: للخلة اليسرى وهو العمل بما يرضاه الله تعالى، انتهى.

(6 -‌

‌ باب قوله: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل:

8])

أي: أما من بخل بالنفقة في الخير واستغنى عن ربه فلم يرغب في ثوابه، {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 9، 10] أي: للعمل بما لا يرضى الله تعالى حتى يستوجب النار، انتهى

(5)

.

(7 -‌

‌ باب قوله: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل:

9])

تقدم بعض ما يتعلق بهذه التراجم الستة في الأولى منها، أعني: في "باب قوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} ".

(1)

"فتح الباري"(8/ 708).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 488).

(3)

"فتح الباري"(8/ 708).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 243)، و"عمدة القاري"(13/ 488).

(5)

انظر: "عمدة القاري"(13/ 489).

ص: 383

(8 -‌

‌ باب قوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:

10])

قال العيني

(1)

تحت حديث الباب: هذا طريق سادس للحديث المذكور أخرجه من ستة طرق، ووضع على كل طريق ترجمة مقطعة، وفي هذا الطريق التصريح بسماع الأعمش عن سعد بن عبيدة، وانظر التفاوت اليسير في متونها من بعض زيادة ونقصان، انتهى.

وسيأتي في تفسير {تَبَّتْ} من كلام الحافظ

(2)

: إن من دأب الإمام البخاري إذا كان للحديث طرق أن لا يجمعها في باب واحد بل يجعل لكل طريق ترجمة تليق به، انتهى.

وقال القسطلاني

(3)

: قوله: "ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} " وقد ذكر ابن جرير أن هذه الآية نزلت في الصديق، ثم روى بسنده إلى عبد الله بن الزبير قال:"كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة وكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بني أراك تعتق أناسًا ضعافًا، فلو أنك تعتق رجالًا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك، فقال: أي أبت إنما أريد ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} إلى آخرها"، وذكر غير واحد من المفسرين أن قوله تعالى:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] إلى آخرها نزلت فيه أيضًا حتى أن بعضهم حكى إجماع المفسرين عليه، ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها، ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع الأوصاف الحميدة، انتهى. وتقدم شيء من الكلام في سبب نزولها في أول هذه السورة.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 490).

(2)

"فتح الباري"(8/ 738).

(3)

"إشاد الساري"(11/ 247).

ص: 384

(93)

‌ سورة {وَالضُّحَى}

بسم الله الرحمن الرحيم

قال العلامة العيني

(1)

: وهي مكية، ثم قال:{وَالضُّحَى} [الضحى: 1] يعني: النهار كله، قاله الثعلبي، وعن قتادة ومقاتل: يعني: وقت الضحى وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس واعتدال النهار من الحر والبرد في الشتاء والصيف، وهو قسم تقديره: ورب الضحى، انتهى.

قوله: ({عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8]: ذا عيال) قال الحافظ

(2)

: هو قول أبي عبيدة، وقال الفراء: معناه فقيرًا، وقد وجدتها في مصحف عبد الله قديمًا، والمراد أنه أغناه بما أرضاه لا بكثرة المال، انتهى.

قال القسطلاني

(3)

: يقال: أعال الرجل، أي: كثر عياله، وعال، أي: افتقر، انتهى.

وقال العلامة العيني

(4)

: فسر العائلة بقوله: ذو عيال، وقال الثعلبي: فأغناك بمال خديجة رضي الله تعالى عنها ثم بالغنائم، وقال مقاتل: أرضاك بما أعطاك من الرزق، وعن ابن عطاء: وجدك فقير النفس فأغنى قلبك، انتهى.

(1 -‌

‌ باب {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:

3])

سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، وذكر في سبب نزولها حديث جندب وأن ذلك سبب شكواه صلى الله عليه وسلم، وقد تقدمت في صلاة الليل أن الشكوى المذكورة لم ترد بعينها وأن من فسرها بإصبعه التي دميت لم يصب، ووجدت الآن في الطبراني بإسناد فيه من لا يعرف أن سبب نزولها وجود جرو كلب تحت سريره صلى الله عليه وسلم ولم يشعر به فأبطأ عنه جبريل لذلك، وقصة

(1)

"عمدة القاري"(13/ 491).

(2)

"فتح الباري"(8/ 709).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 248).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 491).

ص: 385

إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة، لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب بل شاذ مردود بما في الصحيح، والله أعلم.

وورد لذلك سبب ثالث وهو ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: "لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أيامًا فتغير بذلك فقالوا: ودعه ربه فقلاه، فأنزل الله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} "، ومن طريق إسماعيل مولى آل الزبير قال: فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وأحزنه، فقال:"لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني"، فجاء جبريل بسورة {وَالضُّحَى} ، وذكر سليمان التيمي في السيرة التي جمعها ورواها محمد بن عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال: وفتر الوحي فقالوا: لو كان من عند الله لتتابع ولكن الله قلاه، فأنزل الله:{وَالضُّحَى} و {أَلَمْ نَشْرَحْ} بكمالهما، وكل هذه الروايات لا تثبت، والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول {وَالضُّحَى} غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي، فإن تلك دامت أيامًا وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثًا، فاختلطتا على بعض الرواة، وتحرير الأمر في ذلك ما بيَّنته وقد أوضحت ذلك في التعبير، ولله الحمد.

ووقع في سيرة ابن إسحاق في سبب نزول {وَالضُّحَى} شيء آخر فإنه ذكر أن المشركين لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين والروح وغير ذلك ووعدهم بالجواب ولم يستثن، فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشرة ليلة أو أكثر، فضاق صدره وتكلم المشركون فنزل جبريل بسورة {وَالضُّحَى} وبجواب ما سألوا وبقوله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24]، انتهى.

وذكر سورة الضحى ههنا بعيد لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربًا فضم بعض الرواة إحدى القصتين إلى الأخرى، وكل منهما لم يكن في ابتداء البعث وإنما كان بعد ذلك بمدة، والله أعلم

(1)

.

(1)

انظر: "فتح الباري"(8/ 710).

ص: 386

قوله: (فجات امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك تركك) هي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب قيام الليل، وقد بيَّنت هناك أنه وقع في رواية أخرى عند الحاكم: فقالت خديجة، وأخرجه الطبري أيضًا من طريق عبد الله بن شداد: فقالت خديجة: ولا أرى ربك، ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه: فقالت خديجة لما ترى من جزعه، وهذان طريقان مرسلان ورواتهما ثقات، فالذي يظهر أن كلًّا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل عبَّرت لكونها كافرة بلفظ: شيطانك، وخديجة عبَّرت لكونها مؤمنة بلفظ: ربك أو صاحبك، وقالت أم جميل شماتة، وخديجة توجعًا، انتهى كله من "الفتح"

(1)

.

وقال العلامة العيني

(2)

: ههنا فصلان: الأول في مدة احتباس جبريل عليه السلام فعن ابن جريج: اثنا عشر يومًا، وعن ابن عباس: خمسة عشر يومًا، وعنه خمسة وعشرين يومًا، وعن مقاتل: أربعون يومًا، وقيل: ثلاثة أيام، الثاني سبب الاحتباس ففيه أقوال، إلى آخر ما ذكر، فقد تقدم تحقيقه في كلام الحافظ قُدِّس سرُّه.

(2 -‌

‌ باب قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:

3])

قال الحافظان

(3)

: كذا ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي، وهو تكرار بالنسبة إليه لا بالنسبة للباقين؛ لأنهم لم يذكروها في الأولى، انتهى.

قوله: (تقرأ بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد. . .) إلخ، أما القراءة بالتشديد فهي قراءة الجمهور، وقرأ بالتخفيف عروة وابنه هشام وابن أبي علية، وقال أبو عبيدة:{مَا وَدَّعَكَ} يعني: بالتشديد من التوديع، وما ودعك يعني بالتخفيف من ودعت، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 710، 711).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 493).

(3)

"فتح الباري"(8/ 711)، و"عمدة القاري"(13/ 493).

ص: 387

ويمكن تخريج كونهما بمعنى واحد على أن التوديع مبالغة في الودع لأن من ودعك مفارقًا فقد بالغ في تركك.

قوله: (قالت امرأة: يا رسول الله ما أرى صاحبك إلا أبطأك) هذا السياق يصلح أن يكون خطاب خديجة دون الخطاب الأول، فإنه يصلح أن يكون خطاب حمالة الحطب لتعبيرها بالشيطان والترك ومخاطبتها بمحمد، بخلاف هذه فقالت: صاحبك، وقالت: أبطأ، وقالت: يا رسول الله، وجوَّز الكرماني أن يكون من تصرف الرواة، وهو موجه لأن مخرج الطريقين واحد، وقوله:"أبطأك" أي: صيرك بطيئًا في القراءة لأن بطأه في الإقراء يستلزم بطأ الآخر في القراءة، ووقع في رواية:"إلا أبطأ عنك"، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(94)

‌ سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح الثلاثة: "سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} ".

قال الحافظ

(2)

: كذا لأبي ذر، وللباقين:" {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} " حسب، انتهى.

قال العيني

(3)

: وهي مكية، انتهى.

قوله: (قال ابن عيينة: أي إن مع ذلك العسر يسرًا آخر، كقوله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [لتوبة: 52]) قال الحافظ

(4)

: وهذا مصير من ابن عيينة إلى اتباع النحاة في قولهم: إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، وموقع التشبيه أنه كما ثبت للمؤمنين تعدد الحسنى كذا ثبت لهم تعدد اليسر، أو أنه ذهب إلى أن المراد بأحد اليسرين الظفر وبالآخر الثواب فلا بد للمؤمن من أحدهما، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 711).

(2)

"فتح الباري"(8/ 711).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 493).

(4)

"فتح الباري"(8/ 712).

ص: 388

وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

تحت قوله: " {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا. . .} " إلخ،: وهذا بيان لما كان الكفار يظنون بالمسلمين، وأما المسلمون فلا يخلون من الحسنيين كلتيهما: الأجر والمغنم، وهذا عين المدعى من وصول يسرين بعسر واحد، انتهى.

وفي هامشه: وهذا ظاهر لأن الكفار لا يظنون الأجر والشهادة حسنى بل يعدون الغنيمة الحسنى فقط، وأما عند المؤمنين فالأجر والشهادة أعلى مراتب الحسنى.

قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه تعليله بالآية؟ قلت: إشعارها بأن للمؤمنين حسنتين في مقابلة مشقتهم وهو حسن الظفر وحسن الثواب، انتهى.

وقد تقدم في كتاب الجهاد "باب قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} " وأورد فيه البخاري طرفًا من حديث هرقل، واختلفوا في مناسبة الحديث بالباب، قال ابن المنيِّر هناك: التحقيق أنه ما ساق حديث هرقل إلا لقوله: "وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة" قال: فبذلك يتحقق أن لهم إحدى الحسنيين: إن انتصروا فلهم العاجلة والعاقبة، وإن انتصر عدوهم فللرسل العاقبة، انتهى.

قوله: (ولن يغلب عسر يسرين) قال الحافظ

(2)

: روي هذا مرفوعًا موصولًا ومرسلًا، وروي أيضًا موقوفًا، أما المرفوع فأخرجه ابن مردويه من حديث جابر بإسناد ضعيف ولفظه:"أوحي إليّ أن مع العسر يسرًا، أن مع العسر يسرًا، ولن يغلب عسر يسرين" وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه، ولن يغلب عسر يسرين" ثم قال: "إن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا" وإسناده ضعيف، وأخرجه

(1)

"لامع الدراري"(9/ 193 - 195).

(2)

"فتح الباري"(8/ 712).

ص: 389

عبد الرزاق والطبري من طريق الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعود بإسناد جيد من طرق قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال: "لن يغلب عسر يسرين إن شاء الله".

وأما الموقوف فأخرجه مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه كتب إلى أبي عبيدة يقول: مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله له بعدها فرجًا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وقال الحاكم: صح ذلك عن عمر وعلي وهو في "الموطأ" عن عمر لكن من طريق منقطع، وأخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعود بإسناد جيد، وأخرجه الفراء بإسناد ضعيف عن ابن عباس، انتهى من "الفتح".

ثم قال الحافظ في آخر هذه السورة

(1)

: لم يذكر المصنف في سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ} حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيها حديث أخرجه الطبري وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد رفعه:"أتاني جبريل فقال: يقول لك ربك: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قال: الله أعلم، قال: إذا ذُكرتُ ذُكرتَ معي" وهذا أخرجه الشافعي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق مجاهد قوله، وذكر الترمذي والحاكم في تفسيرهما قصة شرح صدره صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وقد مضى الكلام عليه في أوائل السيرة النبوية، انتهى.

(95)

{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة"، والبسملة ساقطة عن نسخ الشروح.

قال القسطلاني تبعًا للعيني

(2)

: وهي مكية، وقيل: مدنية.

(1)

"فتح الباري"(8/ 712).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 251)، و"عمدة القاري"(13/ 495).

ص: 390

قوله: (وقال مجاهد: هو التين والزيتون الذي يأكل الناس) قال الحافظ

(1)

: وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1]، قال: الفاكهة التي تأكل الناس، {وَطُورِ سِينِينَ} الطور الجبل وسينين المبارك، وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس مثله، ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال: التين مسجد نوح الذي بني على الجودي، ومن طريق الربيع بن أنس قال: التين جبل عليه التين، والزيتون جبل عليه الزيتون، ومن طريق قتادة: الجبل الذي عليه دمشق، ومن طريق محمد بن كعب قال: مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء، ومن طريق قتادة: جبل عليه بيت المقدس، انتهى.

قال القسطلاني

(2)

: وخصهما بالقسم لأن التين فاكهة طيبة لا فضل فيها، وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع؛ لأنه يلين الطبع، ويحلل البلغم ويطهر الكليتين، ويزيل رمل المثانة، ويفتح سدة الكبد والطحال، ويسمن البدن، ويقطع البواسير، وينفع من النقرس، ويشبه فواكه الجنة لأنه بلا عجم، ولا يمكث في المعدة، ويخرج بطريق الرشح، وأما الزيتون ففاكهة وإدام ودواء، وله دهن لطيف كثير المنافع، وينبت في الجبال التي ليست فيها دهنية، فلما كان فيهما هذه المنافع الدالة على قدرة خالقهما لا جرم أقسم الله بهما، ثم ذكر الأقوال الأخر في مصداقهما كما تقدم عن الحافظ.

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: قوله: "والزيتون الذي يأكل الناس" رد بذلك ما زعم بعضهم أن المراد بهما جبلان، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 713).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 251).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 195).

ص: 391

(96)

‌ سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}

بسم الله الرحمن الرحيم

كذا في النسخة الهندية، وفي نسخ الشروح الثلاثة بغير البسملة.

قال العيني

(1)

: وتسمى سورة العلق وهي مكية، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: قال صاحب "الكشاف": ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أنها أول سورة نزلت، وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب، كذا قال، والذي ذهب أكثر الأئمة إليه هو الأول، وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول.

قوله: (عن الحسن قال: اكتب في المصحف في أول الإمام بسم الله الرحمن الرحيم، واجعل بين السورتين خطًا) وقوله: في أول الإمام: أي أم الكتاب، وقوله:"خطًا" قال الداودي: إن أراد خطًا فقط بغير بسملة فليس بصواب لاتفاق الصحابة على كتابة البسملة بين كل سورتين إلا براءة، وإن أراد بالإمام إمام كل سورة فيجعل الخط مع البسملة فحسن، فكان ينبغي أن يستثني براءة.

وقال الكرماني: معناه اجعل البسملة في أوله فقط، واجعل بين كل سورتين علامة للفاصلة، وهو مذهب حمزة من القراء السبعة، قلت: المنقول ذلك عن حمزة في القراءة لا في الكتابة، قال: وكأن البخاري أشار إلى أن هذه السورة لما كان أولها مبتدئًا بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أراد أن يبين أنه لا تجب البسملة في أول كل سورة بل من قرأ البسملة في أول القرآن كفاه في امتثال هذا الأمر، نعم استنبط السهيلي من هذا الأمر ثبوت البسملة في أول الفاتحة؛ لأن هذا الأمر هو أول شيء نزل من القرآن فأولى مواضع امتثاله أول القرآن، انتهى من "الفتح".

(1)

"عمدة القاري"(13/ 496).

(2)

"فتح الباري"(8/ 714).

ص: 392

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: "واجعل بين السورتين خطًا" فيه دلالة على أنه سلك مسلك الحنفية في كون البسملة آية واحدة من القرآن أنزلت للفصل بين السور فاستغنى عنها إذا كتبت مرة واحدة ولا يفتقر إلى كتابتها في أول كل سورة، انتهى.

وبسط في هامشه الكلام على شرح قول البخاري هذا الذي حكاه عن الحسن، وكذا بسط الكلام فيه على المسألة الخلافية التي أشار إليه الشيخ قُدِّس سرُّه أشد البسط، فارجع إليه لو شئت، وذكر الحافظ هذه المسألة الخلافية مبسوطًا تحت قوله:{بِاسْمِ رَبِّكَ} حيث قال: استدل به السهيلي على أن البسملة يؤمر بقراءتها أول كل سورة، لكن لا يلزم من ذلك أن تكون آية من كل سورة، إلى آخر ما بسط.

(1 -‌

‌ باب)

بغير ترجمة، قال القسطلاني

(2)

: هذا بدون ترجمة، وهو ثابت لأبي ذر.

قال العيني

(3)

: هذا كالفصل بالنسبة إلى الباب وليس في كثير من النسخ لفظ "باب" بموجود، انتهى.

قوله: (حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، ح وحدثني سعيد بن مروان. . .) إلخ، وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني" بدون: ح.

قال الحافظ

(4)

: الإسناد الأول قد ساق البخاري المتن به في أول الكتاب، وساق في هذا الباب المتن بالإسناد والثاني، ثم قال الحافظ: وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في أوائل هذا الكتاب وسأذكره هنا ما لم يتقدم ذكره مما اشتمل عليه من سياق هذه الطريق وغيرها من الفوائد، إلى

(1)

"لامع الدراري"(9/ 196، 197).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 253).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 497).

(4)

"فتح الباري"(8/ 716).

ص: 393

آخر ما بسط من الكلام في شرح هذا الحديث، وأيضًا قد بسط الحافظان الكلام في شرح إسناد هذا الحديث وقالا

(1)

من جملة ما أفادا: أن عبد الله - الواقع في السند - هو ابن المبارك الإمام المشهور وقد نزل البخاري في حديثه في هذا الإسناد درجتين، وفي حديث الزهري ثلاث درجات، قاله الحافظ، زاد العيني: وهذا من الغرائب إذ البخاري كثيرًا يروي عن ابن المبارك بواسطة شخص واحد مثل عبدان وغيره وهنا روى عنه بثلاث وسائط، وهذا الحديث من ثمانيات البخاري، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: "فقال: اقرأ. . ." إلخ، ومفعول القراءة ما أقرأه جبريل بعد ذلك من الآيات في أوقاتها، وأيضًا فالمقروء هو نفس هذه الآيات التي صدرها بقوله: اقرأ، انتهى.

(تنبيه): إلى ههنا تم ما في "لامع الدراري" مما يتعلق بكتاب التفسير، ثم بعد ذلك ترك الشيخ قُدِّس سرُّه بياضًا بقدر ثلاثة أوراق ولم أدر ما سبب ذلك، ولا يكون سببه عدم حضور الوالد في الدرس فإنه نوَّر الله مرقده قال مرارًا: لم يفتني حديث واحد بحمد الله تعالى من حضور الدرس عند شيخي وأستاذي القطب الكُنكَوهي نوَّر الله مرقده، ولا يكون سبب ذلك أيضًا القطب الكَنكَوهي قُدِّس سرُّه لم يقرر بشيء من الكلام على ما بقي من كتاب التفسير؛ لأنه لو كان كذلك لما ترك الوالد - نوَّر الله مرقده وأعلى الله مراتبه - البياض في الأصل، فالظاهر أنه ترك الكتابة لحدوث عارض من المرض وغيره، وأراد أن يكتبه بعد ذلك لكنه لم يتفق له ذلك لعارض.

وقد وجدت في تقرير مولانا محمد حسن المكي عن الشيخ الكَنكَوهي قُدِّس سرُّه الكلام على بعض المواضع من كتاب التفسير فذكرته في هامش

(1)

"فتح الباري"(8/ 716)، و"عمدة القاري"(13/ 498).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 199، 200).

ص: 394

"اللامع" تتميمًا للفائدة، وأضفت من عندي بعض ما سنح لي من مطالعة الشروح فارجع إليه لو شئت، وأنا ألتقط منها شيئًا ههنا مما يليق بهذا الجزء إن شاء الله تعالى.

(2 -‌

‌ باب قوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:

2])

قد أورد الحافظ على الإمام البخاري في اختصاره حديث الباب غاية الاختصار إذ قال

(1)

: ذكر فيه طرفًا من الحديث الذي قبله برواية عقيل عن ابن شهاب واختصره جدًا، قال: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، قال: فجاءه الملك فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وهذا في غاية الإجحاف، ولا أظن يحيى بن بكير حدث البخاري به هكذا ولا كان له هذا التصرف، وإنما هذا صنيع البخاري وهو دال على أنه كان يجيز الاختصار من الحديث إلى هذه الغاية، انتهى.

(3 -‌

‌ باب قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:

3])

قال العيني

(2)

بعد ذكر حديث الباب: هذا أيضًا مختصرًا من حديث عائشة جدًا، وأخرجه من طريقين: الأول عن عبد الله بن محمد المسندي عن عبد الرزاق بن همام عن معمر عن الزهري، والثاني عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة، وهذا معلق وصله في بدء الوحي، ثم في الباب الذي قبله، ثم في التعبير، أخرجه في المواضع الثلاثة عن يحى بن بكير عن الليث، انتهى.

(4 -‌

‌ باب قوله: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق:

4])

قال الحافظ

(3)

: كذا لأبي ذر وسقطت الترجمة لغيره، وأورد طرفًا من حديث بدء الوحي عن عبد الله بن يوسف عن الليث مقتصرًا منه على

(1)

"فتح الباري"(8/ 723).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 503).

(3)

"فتح الباري"(8/ 723).

ص: 395

قوله: "فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة، فقال: زملوني زملوني" فذكر الحديث كذا فيه، وقد ذكر من الحديث في ذكر الملائكة من بدء الخلق حديث جابر مقتصرًا عليه، انتهى.

(5 -‌

‌ باب قوله: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} الآية [العلق:

15])

قال الحافظ

(1)

: سقط لأبي ذر "باب" ومن {نَاصِيَةٍ} إلى آخره، وقوله:{لَنَسْفَعًا} كذا في النسخ الهندية بالألف وكذا في نسخة "العيني"، وقال

(2)

: وكتب بالألف في المصحف على حكم الوقف، انتهى.

وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني": "لَنَسْفَعن" أي: بالنون، وقد تقدم في أول السورة قوله البخاري:"لَنَسْفَعًا" قال: "لنأخذًا" وقد اختلفت النسخ ههنا أيضًا، ففي النسخة الهندية بالألف وفي نسخ الشروح الثلاثة "لَنَسْفَعن" أي: بالنون.

قال الحافظ

(3)

: هو كلام أبي عبيدة أيضًا ولفظه: "ولَنَسْفَعن" إنما يكتب بالنون لأنها نون خفيفة، انتهى.

وقد روي عن أبي عمرو بتشديد النون والموجود في مرسوم المصحف بالألف، والسفع القبض على الشيء بشدة، وقيل: أصله الأخذ بسفعة الفرس، أي: سواد ناصيته، انتهى.

وفي هامش "اللامع"

(4)

: اعلم أن الإمام البخاري ترجم في سورة اقرأ بأربعة تراجم، وذكر فيها قطعًا من حديث بدء الوحي، وذكر في الباب الخامس حديثًا آخر فلعله أشار بذلك إلى أن الايات الأول من سورة اقرأ نزلت في بدء الوحي إلى قوله تعالى:{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} ثم ترجم "باب قوله:

(1)

"فتح الباري"(8/ 724).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 503).

(3)

"فتح الباري"(8/ 714).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 200).

ص: 396

{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} " وذكر فيه حديثًا آخر غير الأول إشارة إلى أنها نزلت بعد ذلك في قصة أبي جهل، وقد صرَّح المفسرون به، ففي "الجلالين": سورة اقرأ مكية، تسع عشر آية، صدرها إلى {مَا لَمْ يَعْلَمْ} أول ما نزل من القرآن وذلك بغار حراء رواه البخاري، انتهى.

وفي "حاشية الجمل": وهي خمس آيات، انتهى.

وقال الحافظ

(1)

في شرح حديث الباب: قوله: "فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} " هذا القدر من هذه السورة هو الذي نزل أولًا بخلاف بقية السورة فإنما نزل بعد ذلك بزمان، وقد قدمت في تفسير المدثر بيان الاختلاف في أول ما نزل، والحكمة في هذه الأولية أن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن ففيها براعة الاستهلال وهي جديرة بأن تسمى عنوان القرآن؛ لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله، وهذا بخلاف الفن البديعي المسمى العنوان فإنهم عرفوه بأن يأخذ المتكلم في فن فيؤكده بذكر مثال سابق، وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن أنها تنحصر في علوم التوحيد والأحكام والأخبار، وقد اشتملت على الأمر بالقراءة والبداءة فيها ببسم الله، وفي هذه الإشارة إلى الأحكام وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة فعل، وفي هذا إشارة إلى أصول الدين وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله:{عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5]، انتهى.

(97)

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح "سورة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} " بزيادة لفظ سورة بإسقاط البسملة.

قال العيني

(2)

: هذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: "سورة

(1)

"فتح الباري"(8/ 718، 719).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 504).

ص: 397

القدر"، وهي مدنية في قول الأكثرين، وحكى الماوردي عكسه، وذكر الواحدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة، قال أبو العباس: مكية بلا خلاف، انتهى.

قوله: ({إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} الهاء كناية عن القرآن) أي: الضمير راجع إلى القرآن وإن لم يتقدم له ذكر.

قوله: ({أَنْزَلْنَاهُ} خرج مخرج الجمع. . .) إلخ، هو قول أبي عبيدة، ووقع في رواية أبي نعيم في "المستخرج" نسبته إليه قال: قال معمر، وهو اسم أبي عبيدة، كما تقدم غير مرة.

وقوله: (ليكون أثبت وأوكد) قال ابن التِّين: النحاة يقولون: إنه للتعظيم، يقوله المعظم عن نفسه ويقال عنه، انتهى. وهذا هو المشهور أن هذا جمع التعظيم، قاله الحافظ.

وقال أيضًا: لم يذكر المصنف في سورة القدر حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيها حديث "من قام ليلة القدر" وقد تقدم في أواخر الصيام، انتهى

(1)

.

(98)

‌ سورة {لَمْ يَكُنْ}

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في نسخ الشروح والبسملة ساقطة عن نسخة "العيني".

قال الحافظ

(2)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر، ويقال لها أيضًا: سورة القيِّمة وسورة البيِّنة، انتهى.

زاد العيني

(3)

: ويقال لها: سورة المنفكين، وهي مدنية في قول الجمهور، وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية، وفي رواية همام عن قتادة أنها مكية، وفي رواية سعيد عن قتادة أنها مدنية، انتهى.

قوله: (أضاف الدين إلى المؤنث) قال العيني

(4)

: أشار به إلى قوله

(1)

"فتح الباري"(8/ 725).

(2)

"فتح الباري"(8/ 725).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 505).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 505).

ص: 398

تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] وفسرها بقوله: "القائمة" أي: دين الملة القائمة المستقيمة، فالدين مضاف إلى مؤنث وهي الملة، والقيمة صفته فحذف الموصوف، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

: أضاف الدين إلى المؤنث على تأويل الدين بالملة، أو التاء تاء المبالغة كعلامة.

وفي تقرير

(2)

المكي: غرضه أن القيمة وإن كان مضافًا إليه لكنه في الحقيقة صفة للدين كما جاء في موضع آخر بالتركيب التوصيفي، وذلك صحيح لأن الدين هو الملة فكان مؤنثًا، انتهى، إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع"، وفيه أيضًا: لا يذهب عليك أن الشرَّاح قاطبة لم يفصلوا في كلام البخاري، والأوجه عند هذا العبد الضعيف أن الإمام البخاري أشار في كلامه إلى آيتين من سورة {لَمْ يَكُنْ} فأشار بقوله: قيمة، إلى قوله تعالى:{فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 3] وفسرها بقوله: القائمة، وأشار بقوله: دين القيمة، إلى قوله تعالى:{وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، إلى آخر ما ذكر فيه.

قوله: (أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنْ}) فيه ثلاثة مسائل: الأولى تخصيص أُبي رضي الله عنه بالقراءة عليه، والثانية تخصيص هذه السورة، والثالثة بكاء أُبي رضي الله عنه، أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في تقرير الترمذي المطبوع باسم "الكوكب الدري" الكلام على اثنتين منها بعبارة وجيزة إذ قال: والمناسبة ما فيها من ذكر أهل الكتاب وقوله: "فبكى" أي: شوقًا وتلذذًا بأمر الله، إلى آخر ما بسط من الكلام على المسائل الثلاث في هامش "اللامع"

(3)

أشد البسط فارجع إليه لو شئت.

وقال العيني

(4)

: والحديث مضى في "باب مناقب أُبي بن كعب" فإنه

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 262).

(2)

انظر: "لامع الدراري"(9/ 203، 204).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 204).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 505).

ص: 399

أخرجه هناك بعين هذا الإسناد، انتهى. قاله العيني في الحديث الأول من هذا الباب، ثم ذكر البخاري هذا الحديث بعد ذلك بطريقين آخرين كما ترى.

(99)

{إِذَا زُلْزِلَتِ}

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في النسخ الهندية، وفي نسخة "القسطلاني" بغير لفظ "سورة" وبغير البسملة، وفي نسخة الحافظين بإثباتهما.

قال العيني

(1)

: وهي مكية وتسمى سورة الزلزلة، وقوله:{زُلْزِلَتِ} أي: حركت حركة شديدة لقيام الساعة، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة:

7])

قال العيني

(2)

: لم يثبت لفظ "باب" إلا لأبي ذر، والمثقال على وزن مفعال من الثقل، ومعنى المثقال هنا الوزن، وسئل ثعلب عن الذّرّة فقال: إن مائة نملة وزن حبة والذرة واحدة منها، وعن يزيد بن هارون: زعموا أن الذرة ليس لها وزن، قوله:"يقال {أَوْحَى لَهَا}. . ." إلخ، أشار به إلى قوله تعالى:{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5] وغرضه أن هذه الألفاظ الأربعة بمعنى واحد، وجاء استعمالها بكلمة إلى وباللام، ومعناه أمرها بالكلام وأذن لها فيه، انتهى.

وقال الحافظ

(3)

: قال أبو عبيدة في قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} : قال العجاج: أوحي لها القرار فاستقرت، وقيل: اللام بمعنى "من أجل" والموحى إليه محذوف أي: أوحي إلى الملائكة من أجل الأرض، والأول

(1)

"عمدة القاري"(13/ 507).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 507، 508).

(3)

"فتح الباري"(8/ 727).

ص: 400

أصوب، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: أوحي إليها، انتهى من "الفتح". وقال أيضًا: تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الجهاد.

(2 -‌

‌ باب قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:

8])

قال القسطلاني

(1)

: ثبت لفظ "باب" لأبي ذر.

وقال العيني

(2)

: وليس في كثير من النسخ لفظ "باب"، انتهى.

ذكر المصنف فيه حديث أبي هريرة من وجه آخر عن مالك بسنده المذكور في الباب السابق مقتصرًا على القصة الأخيرة.

(100)

{وَالْعَادِيَاتِ}

بسم الله الرحمن الرحيم

اختلفت النسخ ههنا، ففي النسخة "الهندية" كما ذكر بغير لفظ سورة مع ذكر البسملة، وفي نسخة "العيني":"سورة والعاديات"، وفي نسخة "القسطلاني":"والعاديات" بغير لفظ "سورة"، وفي نسخة "الفتح":"والعاديات والقارعة".

وأما البسملة فليست في نسخة من نسخ الشروح الثلاثة.

قال الحافظ

(3)

: كذا لأبي ذر، ولغيره:"والعاديات" حسب، والمراد بالعاديات الخيل، وقيل: الإبل، انتهى.

قال العيني

(4)

: وهي مكية، انتهى.

قوله: (وقال مجاهد: الكنود الكفور) قال الحافظ

(5)

: وصله الفريابي عن مجاهد بهذا، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله، ويقال: إنه بلسان

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 266).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 509).

(3)

"فتح الباري"(8/ 727).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 509).

(5)

"فتح الباري"(8/ 727).

ص: 401

قريش الكفور، وبلسان كنانة البخيل، وبلسان كندة العاصي، وروى الطبراني من حديث أبي أمامة رفعه:"الكنود الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده"، انتهى.

(101)

‌ سورة {الْقَارِعَةُ}

بسم الله الرحمن الرحيم

كذا في الهندية مع ذكر البسملة وكذا في نسخة "العيني" وسقطت عن نسخة "الفتح" و"القسطلاني".

قال العلامة العيني

(1)

: وهي مكية، انتهى.

قوله: ({كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة: 4]: كغوغاء الجراد. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: هو كلام الفراء قال في قوله: {كَالْفَرَاشِ} : يريد كغوغاء الجراد، إلى آخره، وقال أبو عبيدة: الفراش طير لا ذباب ولا بعوض، والمبثوث المتفرق، وحمل الفراش على حقيقته أولى، والعرب تشبه بالفراش كثيرًا كقول جرير:

إن الفرزدق ما علمت وقومه

مثل الفراش غشين نار المصطلى

وصفهم بالحرص والتهافت، وفي تشبيه الناس يوم البعث بالفراش مناسبات كثيرة بليغة كالطيش والانتشار والكثرة والضعف والذلة والمجيء بغير رجوع والقصد إلى الداعي والإسراع وركوب بعضهم بعضًا والتطاير إلى النار، انتهى.

وفي "تفسير الجلالين"

(3)

: {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} كغوغاء الجراد المنتشر، وفي "حاشية الجمل"

(4)

: الغوغاء الجراد بعد أن ينبت شعره، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 510).

(2)

"فتح الباري"(8/ 728).

(3)

"تفسير الجلالين"(ص 819).

(4)

"حاشية الجمل"(4/ 578).

ص: 402

وقال في "القاموس"

(1)

: الغوغاء الجراد بعد أن ينبت جناحه، أو إذا انسلخ من الألوان وصار إلى الحمرة، وشيء يشبه البعوض ولا يعض لضعفه، انتهى.

وقال في "البحر"

(2)

: غوغاء الجراد صغيره الذي ينتشر في الأرض، انتهى.

قوله: ({كَالْعِهْنِ}: كألوان العهن) وهو قول الفراء قال: {كَالْعِهْنِ} لأن ألوانها مختلفة كالعهن وهو الصوف، انتهى من "الفتح"

(3)

.

وفي هامش "اللامع"

(4)

: قال الرازي في "التفسير الكبير" العهن الصوف ذو الألوان، وفي قراءة ابن مسعود: كالصوف المنفوش، واعلم أن الله تعالى أخبر أن الجبال مختلفة الألوان على ما قال:{وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] ثم إنه سبحانه وتعالى يفرق أجزاءها ويزيل التأليف والترتيب عنها فيصير ذلك مشابهًا بالصوف الملون بالألوان المختلفة، انتهى.

(102)

{أَلْهَاكُمُ}

بسم الله الرحمن الرحيم

كذا في النسخة "الهندية" بدون لفظ "سورة" وبزيادة البسملة، وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة" مع البسملة.

قال الحافظ

(5)

: ويقال لها: سورة التكاثر، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي بلال قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونها المقبرة، انتهى.

قال العيني

(6)

: وهي مكية.

(1)

"القاموس المحيط"(ص 725).

(2)

"البحر المحيط"(8/ 506).

(3)

"فتح الباري"(8/ 728).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 208، 209).

(5)

"فتح الباري"(8/ 728).

(6)

"عمدة القاري"(13/ 510).

ص: 403

ثم قال الحافظ

(1)

: (تنبيه): لم يذكر في هذه السورة حديثًا مرفوعًا، وسيأتي في الرقاق من حديث أُبي بن كعب ما يدخل فيها، انتهى.

(103)

{وَالْعَصْرِ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزياد لفظ "سورة"، والبسملة ساقطة عن نسخ الشروح.

قال العيني

(2)

: وهي مكية.

قال الحافظ

(3)

: العصر اليوم والليلة، قال عبد الرزاق عن معمر: قال الحسن: العصر العشي، وقال قتادة: ساعة من ساعات النهار.

قوله: (يقال الدهر، أقسم به) وفي نسخة الشروح: "وقال يحيى: الدهر أقسم به" قال الحافظ

(4)

: سقط "يحيى" لأبي ذر وهو يحيى بن زياد الفراء فهذا كلامه في "معاني القرآن"، انتهى.

قلت: إنما ذكره الإمام البخاري لأنهم اختلفوا في تفسير العصر على أقوال كما تقدم عن "الفتح".

وفي "الجلالين"

(5)

: قوله: (العصر): الدهر، أو ما بعد الزوال إلى الغروب، أو صلاة العصر، انتهى.

زاد الرازي قولًا رابعًا: إنه قسم بزمان الرسول عليه الصلاة والسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: "مثلكم ومثل من كان قبلكم مثل رجل استأجر أجيرًا" الحديث، فهذا الخبر دال على أن العصر هو الزمان المختص به وبأمته، إلى آخر ما بسط، ثم قال البخاري "أقسم به" نبه بذلك على أن الواو

(1)

"فتح الباري"(8/ 728).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 511).

(3)

"فتح الباري"(8/ 729).

(4)

"فتح الباري"(8/ 729).

(5)

"تفسير الجلالين"(ص 820).

ص: 404

للقسم، وأشار إشارة لطيفة إلى جواز حلفه تعالى بمخلوقه، وفي "الجمل" تحت قوله تعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} الآية [الواقعة: 75]: قال القشيري: هو قسم ولله أن يقسم بما يريد، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى وصفاته القديمة، انتهى. إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع"

(1)

.

قال الحافظ

(2)

: (تنبيه): لم أر في تفسير هذه السورة حديثًا مرفوعًا صحيحًا، لكن ذكر بعض المفسرين فيها حديث ابن عمر:"من فاتته صلاة العصر" وقد تقدم في صفة الصلاة مشروحًا، انتهى.

(104)

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}

بسم الله الرحمن الرحيم

كذا في النسخ الهندية، وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني" بزيادة لفظ "سورة"، وفي نسخة "العيني":"سورة الهمزة" والبسملة ثابتة في الجميع.

قال العيني

(3)

: وهي مكية، وعن ابن عباس: الهمزة المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة، وعن قتادة: الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم، واللمزة الطعّان، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: والمراد الكثير الهمز وكذا اللمزة الكثير اللمز، ثم ذكر أثر ابن عباس المتقدم، وقال: أخرجه سعيد بن منصور، انتهى.

لم يذكر المصنف فيه حديثًا مرفوعًا، وسيأتي ما يناسبه في سورة {لِإِيلَافِ} من كلام الحافظ.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 209).

(2)

"فتح الباري"(8/ 729).

(3)

"عمدة القاري"(13/ 511).

(4)

"فتح الباري"(8/ 729).

ص: 405

(105)

‌ سورة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ}

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في النسخ الهندية، وفي نسخة الحافظين:"سورة ألم تر" وفي نسخة "القسطلاني": "ألم تر" حسب، وليست البسملة في نسخ الشروح.

قال العيني

(1)

: وتسمى سورة الفيل، وهي مكة، انتهى.

قوله: (وقال مجاهد: {أَبَابِيلَ}: متتابعة مجتمعة) قال العيني

(2)

: أشار به إلى قوله: تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} [الفيل: 3] وفسر الأبابيل بقوله: متتابعة مجتمعة، روي هذا عن مجاهد، وقال النسفي في تفسير {أَبَابِيلَ}: جمع إبّالة، وقيل: أبابيل مثل عباديد لا واحد لها، وقيل: جمع أبول مثل عجول يجمع على عجاجيل، انتهى.

قلت: وما زعمه كثير من الناس من أنّ أبابيل اسم طير معروف ليس بصحيح.

وقوله: (قال ابن عباس: {سِجِّيلٍ}: من سَنْكِ وَكِلْ) أي: السجيل معرب من سنكَـ بمعنى الحجر وكَل بمعنى الطين، وفي "الجلالين"

(3)

: والسجيل طين مطبوخ بنار جهنم، وفي "القسطلاني"، وقيل: السجيل الديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، والمعنى ترميهم بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدون مما كتب الله في ذلك الكتاب، انتهى.

بسط الكلام على هذين القولين في هامش "اللامع"، فارجع إليه لو شئت، لم يذكر المصنف فيه حديثًا مرفوعًا وسيأتي ما يناسبه في سورة {لِإِيلَافِ} من كلام الحافظ قُدِّس سرُّه.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 512).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 512).

(3)

"تفسير الجلالين"(ص 822)، و"إرشاد الساري"(11/ 270)، وانظر:"لامع الدراري"(9/ 211).

ص: 406

(106)

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة "العيني" بزيادة لفظ "سورة" وفي نسخة الحافظ:"سورة لإيلاف" حسب، والبسملة ساقطة عن نسخ الشروح.

قال العيني

(1)

: ذكر أبو العباس أنها مكية بلا خلاف، وذكر الضحاك وعطاء بن السائب أنها مدنية، انتهى.

ثم اختلفوا في متعلق اللام في قوله: {لِإِيلَافِ} بسط الكلام عليه في هامش "اللامع"

(2)

: فارجع إليه لو شئت.

قال الحافظ

(3)

رحمه الله: قيل: اللام متعلقة بالقصة التي في السورة التي قبلها، ويؤيده أنهما في مصحف أُبي بن كعب سورة واحدة، وقيل: متعلقة بشيء مقدر، أي: اعجب لنعمتي على قريش، انتهى.

(تنبيه): لم يذكر في هذه السورة ولا

(4)

التي قبلها حديثًا مرفوعًا، فأما سورة الهمزة ففي صحيح ابن حبان من حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 3] يعني: بفتح السين، وأما سورة الفيل ففيها من حديث المسور الطويل في صلح الحديبية.

قوله: (حبسها حابس الفيل) قد تقدم شرحه مستوفي في كتاب الشروط، وفيها حديث ابن عباس مرفوعًا:"إن الله حبس عن مكة الفيل" الحديث، وأما هذه السورة فلم أر فيها حديثًا مرفوعًا صحيحًا، انتهى من "الفتح"".

(1)

"عمدة القاري"(13/ 512).

(2)

انظر: "لامع الدراري"(9/ 212).

(3)

"فتح الباري"(8/ 730).

(4)

كذا في الأصل ولعله: "اللتين قبلها"، [ز].

ص: 407

(107)

{أَرَأَيْتَ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وكذا في نسخة "القسطلاني" بغير لفظ "سورة" وفي نسخة الحافظين بزيادة لفظ "سورة"، والبسملة ساقطة عن نسخ الشروح.

قال العلامة العيني

(1)

: وتسمى سورة الماعون، وهي مكية، قال الثعلبي: قال مقاتل والكلبي: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وعن السدي وابن كيسان: في الوليد بن مغيرة، وعن الضحاك: في عمرو بن عائذ، وقيل: في هبيرة بن وهب المخزومي، وقال الفراء: وقرأ ابن مسعود: أرأيتك الذي يكذب، قال: والكاف صلة، وقال النسفي:{أَرَأَيْتَ} هل عرفت {الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} بالجزاء من هو؟ إن لم تعرفه {فَذَلِكَ الَّذِي} يكذب بالجزاء هو الذي {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} أي: يقهره ويزجره، انتهى.

قوله: ({الْمَاعُونَ}: المعروف كله) قال العيني

(2)

: ذكر البخاري في تفسير الماعون ثلاثة أقوال: الأول: المعروف كله، وهو الذي يتعاطاه الناس بينهم كالدلو والفأس والقدر، وهو قول الكلبي ومحمد بن كعب، الثاني: الماعون الماء، وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومقاتل، قالوا: الماعون الماء بلغة قريش، الثالث: قول عكرمة وهو أعلاها الزكاة، إلى آخره، وهو قول ابن عمر والحسن وقتادة، وقوله:"عارية المتاع" أي الماعون اسم جامع لمتاع البيت كالمنخل والغربال ونحو ذلك مما يستعمل في البيوت، وقيل: الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار وغير ذلك، إلى آخر ما بسط الكلام في تحقيقه في هامش "اللامع"

(3)

.

وقال الحافظ

(4)

: أما القول الأول فقال الفراء: قال بعضهم: إن

(1)

"عمدة القاري"(13/ 513).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 514).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 213).

(4)

"فتح الباري"(8/ 731).

ص: 408

الماعون المعروف كله حتى ذكر القصعة والدلو والفأس، ولعله أراد ابن مسعود فإنه أخرج أبو داود والنسائي عن ابن مسعود: كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر، وإسناده صحيح إلى ابن مسعود، وأخرجه البزار والطبراني من حديث ابن مسعود مرفوعًا صريحًا، إلى آخر ما ذكر الحافظ في تأييد القول الثاني والثالث، ثم قال في آخر هذه السورة: لم يذكر المصنف في تفسير هذه السورة حديثًا مرفوعًا ويدخل فيه حديث ابن مسعود المذكور قبل، انتهى ملخصًا من "الفتح".

(108)

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة" بغير البسملة.

قال العيني

(1)

: وهي مكية عند الجمهور، وقال قتادة والحسن وعكرمة: مدنية، وسبب الاختلاف فيه لأجل الاختلاف في سبب النزول، فعن ابن عباس: نزلت في العاص بن وائل فإنه قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: الأبتر، وقيل: في عقبة بن أبي معيط، وعن عكرمة: في جماعة من قريش، وقيل: في أبي جهل، وقال السهيلي: في كعب بن الأشرف، قال: ويلزم من هذا أن تكون السورة مدنية، وفيه تأمل، انتهى.

وقال القسطلاني

(2)

: مكية أو مدنية، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: هي سورة الكوثر، وقد قرأ ابن محيصن: إنا أنطيناك الكوثر بالنون، وكذا قرأها طلحة بن مصرف، والكوثر فوعل من الكثرة سمي به النهر لكثر مائه وآنيته وعظم قدره وخيره.

قوله: ({شَانِئَكَ}: عدوك) وقد وصله ابن مردويه من طريق

(1)

"عمدة القاري"(13/ 514).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 272).

(3)

"فتح الباري"(8/ 731 - 733).

ص: 409

علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كذلك، واختلف الناقلون في تعيين الشانئ المذكور فقيل: هو العاصي بن وائل، وقيل: أبو جهل، وقيل: عقبة بن أبي معيط، ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث.

الأول: حديث أنس وقد تقدم شرحه في أوائل المبعث في قصة الإسراء في أواخرها، ويأتي بأوضح من ذلك في أواخر كتاب الرقاق، وقوله:"لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر" هكذا اقتصر على بعضه ساقه البيهقي من طريق إبراهيم بن الحسن عن آدم شيخ البخاري فيه فزاد بعد قوله: الكوثر: "الذي أعطاك ربك فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكًا أذفر" وأورده البخاري بهذه الزيادة في الرقاق من طريق همام عن أبي هريرة.

الثاني: حديث عائشة وفيه: "هو نهر أعطيه نبيكم" زاد النسائي: "في بطنان الجنة، قلت: ما بطنان الجنة؟ قالت: وسطها" انتهى. وبطنان بضم الموحدة وسكون المهملة بعدها نون.

الحديث الثالث: حديث ابن عباس من رواية أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه، ثم ذكر الحافظ ألفاظ الرواية ثم قال: هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس، وكأن الناس الذين عناهم أبو بشر أبو إسحاق وقتادة ونحوهما ممن روي ذلك صريحًا أن الكوثر هو النهر، وقد أخرج الترمذي من طريق ابن عمر رفعه:"الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت" الحديث، قال: إنه حسن صحيح، وفي "صحيح مسلم" عن أنس:"بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسّمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إلى آخرها [الكوثر: 1 - 3] "، ثم قال:"أتدرون ما الكوثر؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة" الحديث.

ص: 410

وحاصل ما قاله سعيد بن جبير: أن قول ابن عباس: إنه الخير الكثير، لا يخالف قول غيره: إن المراد به نهر في الجنة؛ لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير، ولعل سعيدًا أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه، لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه، وقد نقل المفسرون في الكوثر أقوالًا أخرى غير هذين تزيد على العشرة، منها قول عكرمة: الكوثر النبوة، وقول الحسن: الكوثر القرآن، وقيل: تفسيره، وقيل: الإسلام، وقيل: إنه التوحيد، وقيل: كثرة الأتباع، وقيل: الإيثار، وقيل: رفعة الذكر، وقيل: نور القلب، وقيل: الشفاعة، وقيل: المعجزات، وقيل: إجابة الدعاء، وقيل: الفقه في الدين، وقيل: الصلوات الخمس، وسيأتي مزيد بسط في أمر الكوثر وهل الحوض النبوي هو أو غيره في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى.

(109)

{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة" من غير بسملة.

قال العلامة العيني

(1)

: ويقال لها: سورة الكافرين والمتشقسة - كذا في النسخة التي بأيدنا، وفي نسخة الحافظ بدله المقشقشة - أي: المبرئة من النفاق، وهي مكية، والخطاب لأهل مكة منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأُمية بن خلف، قالو:"يا محمد فاتبع ديننا ونتبع دينك، ونشركك في أمرنا كله، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فقال: معاذ الله أن أشرك به غيره، فأنزل الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} " إلى آخر السورة، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: وقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس قال:

(1)

"عمدة القاري"(13/ 516).

(2)

"فتح الباري"(8/ 733).

ص: 411

قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: "كفّ عن آلهتنا فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فنزلت"، وفي إسناده أبو خلف عبد الله بن عيسى وهو ضعيف.

وقال الحافظ أيضًا: (تنبيه): لم يورد في هذه السورة حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيها حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} : أخرجه مسلم، وقد ألزمه الإسماعيلي بذلك حيث قال في تفسير {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} لما أورد البخاري حديث البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها في العشاء، قال الإسماعيلي: ليس لإيراد هذا معنى هنا وإلا للزمه أن يورد كل حديث وردت فيه قراءته لسورة مسماة في تفسير تلك السورة، انتهى.

(110)

‌ سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الحافظ

(1)

: سقطت البسملة لغير أبي ذر، انتهى.

وقال العيني

(2)

: ويقال لها: سورة النصر، وقال أبو العباس: هي مدنية بلا خلاف، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: وقد أخرج النسائي من حديث ابن عباس أنها آخر سورة نزلت من القرآن، وقد تقدم في تفسير براءة أنها آخر سورة نزلت، والجمع بينهما أن آخرية سورة النصر نزولها كاملة بخلاف براءة كما تقدم توجيهه، ويقال: إن {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر] نزلت يوم النحر وهو بمنى في حجة الوداع، وقيل: عاش بعدها أحدًا وثمانين يومًا، وليس منافيًا للذي قبله بناء على بعض الأقوال في وقت الوفاة النبوية، وعند ابن أبي حاتم

(1)

"فتح الباري"(8/ 734).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 517).

(3)

"فتح الباري"(8/ 734).

ص: 412

من حديث ابن عباس: عاش بعدها تسع ليال، وعن مقاتل: سبعًا وعن بعضهم: ثلاثًا، وقيل: ثلاث ساعات وهو باطل، وأخرجه ابن أبي داود في "كتاب المصاحف" بإسناد صحيح عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: إذا جاء فتح الله والنصر.

وقال الحافظ

(1)

أيضًا في شرح حديث الباب: قوله: "يتأول القرآن" أي: يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال، وقد أخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن مسروق عن عائشة فزاد فيه:"علامة في أمتي أمرني ربي إذا رأيتها أكثر من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيت جاء نصر الله والفتح فتح مكة، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا"، وقال ابن القيم في "الهدي": كأنه أخذه من قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْهُ} لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور فيقول إذا سلم من الصلاة: "أستغفر الله" ثلاثًا، وإذا خرج من الخلاء قال:"غفرانك"، وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الآية [البقرة: 199]، قلت: ويؤخذ أيضًا من قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فقد كان يقول عند انقضاء الوضوء: "اللهم اجعلني من التوابين"، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر:

2])

وثبت لفظ "باب" لأبي ذر، ثم قال في تفسير الآية: قوله: {أَفْوَاجًا} أي: جماعات بعد ما كان يدخل فيه واحد واحد، وذلك بعد فتح مكة جاء العرب من أقطار الأرض طائعين، ونصب {أَفْوَاجًا} على الحال من فاعل {يَدْخُلُونَ} ، انتهى

(2)

.

(1)

"فتح الباري"(8/ 734).

(2)

انظر: "إرشاد الساري"(11/ 276).

ص: 413

وزاد العيني

(1)

في تفسيره: من غير قتال، انتهى.

وبسط في هامش "اللامع" الكلام على استنباط ابن عباس أجله صلى الله عليه وسلم من هذه السورة من كلام الشرَّاح ومن كلام الشيخ الكَنكَوهي وشيخ مشايخنا الشاه عبد العزيز الدهلوي نوَّر الله مرقده، فارجع إليه لو شئت

(2)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:

3])

وليست في نسخة "القسطلاني" لفظة "باب"، وقال

(3)

: ولأبي ذر "باب {فَسَبِّحْ}. . ." إلخ.

قوله: (تواب على العباد. . .) إلخ، قال العيني

(4)

: أشار بهذا إلى أن التواب له معنيان: أحدهما: تواب يقال لله تعالى بمعنى أنه رجّاع عليهم بالمغفرة وقبول التوبة، وقيل: الذي يرجع إلى كل مذنب بالتوبة، وأصله من التوب وهو الرجوع، وقيل: هو الذي ييسّر للمذنبين أسباب التوبة ويوفقهم لها، ويسوق إليهم ما ينبههم عن رقدة الغفلة ويطلعهم على ضخامة عواقب الزلة فسمي المسبب للشيء باسم المباشر له، كما أسند إليه فعله في قولهم: بنى الأمير المدينة، والمعنى الآخر: تواب يقال للعبد بمعنى أنه تائب من الذنوب التي اقترفها، وقال أيضًا تحت حديث الباب: مطابقته للترجمة ظاهرة تؤخذ من قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} إلى آخره، والحديث مرَّ في المغازي في باب مجرد عقيب "باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح"، فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن أبي عوانة إلى آخره، انتهى.

وقال الحافظ

(5)

في شرح حديث الباب: ولأبي يعلى من حديث ابن عمر: نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف

(1)

"عمدة القاري"(13/ 518).

(2)

انظر: "لامع الدراري"(9/ 217).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 277).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 518، 519).

(5)

"فتح الباري"(8/ 736).

ص: 414

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع، وسئلت عن قول "الكشاف": إن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صدرت بإذا الدالة على الاستقبال؟ فأجبت بضعف ما نقله، وعلى تقدير صحته فالشرط لم يتَكمَّل بالفتح؛ لأن مجيء الناس أفواجًا لم يكن كَمُل فبقية الشرط مستقبل، وقد أورد الطيبي السؤال وأجاب بجوابين: أحدهما: أن "إذا" قد ترد بمعنى إذ كما في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} الآية [الجمعة: 11]، ثانيهما: أن كلام الله تبارك وتعالى قديم، وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى، انتهى.

(111)

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة".

قال العيني

(1)

: وهي مكية، وأبو لهب ابن عبد المطلب واسمه عبد العزى وأمه خزاعية، وكني أبا لهب فقيل بابنه لهب، وقيل: لشدة حمرة وجنتيه وكان وجهه يتلهب من حسنه، ووافق ذلك ما آل إليه أمره وهو دخوله نارًا ذات لهب، وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وتمادى على عداوته حتى مات بعد بدر بأيام ولم يحضرها بل أرسل عنه بديلًا، فلما بلغه ما جرى لقريش مات غمًا، انتهى.

وقال أيضًا تحت حديث الباب: مطابقته للترجمة ظاهرة وفيه بيان سبب نزول السورة، والحديث قد تقدم بتمامه في "مناقب قريش" وببعضه في الجنائز، انتهى.

قوله: ({تَبَابٍ} [غافر: 37]: خسران. . .) إلخ، هكذا في النسخة "الهندية" وهكذا في نسخة "القسطلاني". زاد في نسخة الحافظين وكذا في نسخة الحاشية قبل هذا:" {وَتَبَّ}: خسر" وهو الأولى؛ لأن هذا اللفظ هو

(1)

"عمدة القاري"(13/ 519، 520).

ص: 415

الواقع في هذه السورة بخلاف اللفظين المذكورين بعده فقد ذكرهما لمناسبة اللفظ.

قال العيني

(1)

: قوله: "وتب خسر، تباب خسران، تتبيب تدمير" أشار به إلى قوله تعالى: {. . . وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} [المسد: 1 - 2] وفسَّر تبَّ بقوله: خسر، وفسر تباب بقوله: خسران، وأشار به إلى قوله تعالى:{وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلا فِي تَبَابٍ} [غافر: 37] وأشار بقوله: تتبيب إلى قوله تعالى: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101] أي: غير تدمير، أي: غير هلاك، انتهى.

قوله: (ورهطك منهم المخلصين) قال الحافظ

(2)

: كذا وقع في رواية أبي أسامة عن الأعمش، وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة الشعراء مع بقية مباحث هذا الحديث وفوائده، انتهى.

(1 -‌

‌ باب قوله: {. . . وَتَبَّ} [المسد:

1])

ذكر فيه الحديث الذي قبله من وجه آخر، وقوله فيه:"فهتف" أي: صاح، وقوله:"يا صباحاه" أي: هجموا عليكم صباحًا، انتهى من "الفتح"

(3)

.

(2 -‌

‌ باب قوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:

3])

قال الحافظ

(4)

: ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور مختصرًا، وقد قدمت أن عادة المصنف غالبًا إذا كان للحديث طرق أن لا يجمعها في باب واحد بل يجعل لكل طريق ترجمة تليق به، وقد يترجم بما يشتمل عليه الحديث وإن لم يسقه في ذلك الباب اكتفاءً بالإشارة، وهذا من ذلك، انتهى.

قلت: وما ذكر الحافظ من عادة البخاري: إذا كان للحديث طرق. . .

(1)

"عمدة القاري"(13/ 520).

(2)

"فتح الباري"(8/ 737).

(3)

"فتح الباري"(8/ 738).

(4)

"فتح الباري"(8/ 738).

ص: 416

إلخ، هو كذلك وله نظائر كثيرة تقدم ذكرها في تفسير سورة المنافقين.

(3 -‌

‌ باب قوله: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:

4])

اسم امرأة أبي لهب العوراء، وتكنى أم جميل، وهي بنت حرب ابن أمية أخت أبي سفيان والد معاوية، وتقدم لها ذكر في تفسير {وَالضُّحَى (1)} يقال: إن اسمها أروى والعوراء لقب، ويقال: لم تكن عوراء وإنما قيل لها ذلك لجمالها، إلى آخر ما ذكر الحافظ

(1)

في سبب نزول هذه السورة.

قوله: (وقال مجاهد: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: تمشي بالنميمة) بسط الكلام عليه في هامش "اللامع"

(2)

.

وقال الحافظ

(3)

: وصله الفريابي عنه، وأخرج سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيرين قال: كانت امرأة أبي لهب تنم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين، وقال الفراء: كانت تنم فتحرش فتوقد بينهما العداوة، فكنى عن ذلك بحملها الحطب، انتهى.

قوله: ({مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 3]) قيل: هو ليف المقل، وقيل هو مطلق الليف، والمقل شجر الدوم، انتهى من "الجمل"

(4)

. ليف بوست درخت خرما مقل نوع از دوا (كَوكَل)، انتهى.

كذا في "الصراح"، وفي "بيان القرآن"

(5)

: يه إيك رسي هوكَي خوب بتي هوئي، انتهى.

وفي "الفيض"

(6)

: (كَوكَل كي جهال)؛ لأنه يأخذ النار بالسرعة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(8/ 738).

(2)

انظر: "لامع الدراري"(9/ 220، 221).

(3)

"فتح الباري"(8/ 738).

(4)

"حاشية الجمل"(4/ 602).

(5)

"بيان القرآن"(3/ 671).

(6)

"فيض الباري"(5/ 464).

ص: 417

(112)

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

بسم الله الرحمن الرحيم

وهكذا في نسخة "القسطلاني" بغير لفظ "سورة" مع ذكر البسملة، وفي نسخة "العيني" بزيادة لفظ "سورة" بغير البسملة، وفي نسخة "الفتح" بزيادتهما.

قال العيني

(1)

: وتسمى سورة الإخلاص، وهي مكية، وقيل: مدنية نزلت لما قال قريش أو كعب بن الأشرف أو مالك بن الصعب أو عامر بن الطفيل العامري: انسب لنا ربك، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: وجاء في سبب نزولها من طريق أبي العالية عن أُبي بن كعب: أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فنزلت، أخرجه الترمذي والطبري، وفي آخره: قال: " {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ولا شيء يموت إلا سيورث، وربنا لا يموت ولا يورث، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: شبيه ولا عدل"، وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي العالية مرسلًا وقال: هذا أصح، وصحح الموصول ابن خزيمة والحاكم، وله شاهد من حديث جابر عند أبي يعلى والطبري والطبراني في "الأوسط"، انتهى.

قوله: (لا ينون {أَحَدٌ}) بسط الكلام عليه في هامش "اللامع"

(3)

وفيه: قال القسطلاني: قوله: "لا ينون {أَحَدٌ} " أي في الوصل يقال: {أحد الله} بحذف التنوين لالتقاء الساكنين، ورويت قراءة عن زيد بن علي وأبان بن عثمان والحسن وأبي عمرو في رواية عنه، وقوله:"واحد" قال العيني: تفسير قوله: {أَحَدٌ} ، إلى آخر ما ذكر في هامش "اللامع" من الفرق بين واحد وأحد.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 522).

(2)

"فتح الباري"(8/ 739).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 22)، و"إرشاد الساري"(11/ 282)، و"عمدة القاري"(13/ 522).

ص: 418

(1 -‌

‌ باب قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:

2])

هكذا هذه الترجمة في النسخة "الهندية" وكذا في نسخة الحافظين ابن حجر والعيني.

قال الحافظ

(1)

: ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر، انتهى.

وفي نسخة "القسطلاني": قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} بدون لفظ "باب".

قوله: (والعرب تسمي أشرافها الصمد) قال الحافظ

(2)

: وقال أبو عبيدة: الصمد السيد الذي يصمد إليه ليس فوقه أحد، فعلى هذا هو فعل بفتحتين بمعنى مفعول، انتهى.

وقال القسطلاني

(3)

في تفسير الصمد: قال ابن عباس: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، وهو من صمد إذا قصد، وهو الموصوف به على الإطلاق فإنه مستغن عن غيره مطلقًا، وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته، وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه، وعن الحسن: الصمد الحي القيوم الذي لا زوال له، وعن عكرمة: الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم، وعن الضحاك والسدي: الذي لا جوف له، وعن عبد الله بن يزيد: الصمد نور يتلألأ، وكل هذه الأوصاف صحيحة في صفاته تعالى على ما لا يخفى، انتهى.

(113)

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في النسخ "الهندية" بغير لفظ "سورة" وفي نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة".

قال العيني

(4)

: وفي بعض النسخ، "سورة الفلق" ولم تثبت البسملة إلا

(1)

"فتح الباري"(8/ 740).

(2)

"فتح الباري"(8/ 740).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 284، 285).

(4)

"عمدة القاري"(13/ 524).

ص: 419

لأبي ذر، وهي مدنية في قول سفيان، وفي رواية همام وسعيد عن قتادة: مكية، وكذا قاله السدي، وقال سفيان: الفلق والناس نزلتا فيما كان لبيد بن الأعصم سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصته مشهورة في التفاسير، والفلق الصبح كذا روي عن ابن عباس، وعنه: سجن في جهنم، وعن السدي: جب في جهنم وعن أبي هريرة يرفعه بسند لا بأس به: "الفلق جب في جهنم مغطى"، وعن كعب: الجب بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من شر حره، وقيل غير ذلك، انتهى.

قوله: (سألت أُبي بن كعب. . .) إلخ، قال الحافظ

(1)

: سيأتي في تفسير السورة التي بعدها بأتم من هذا السياق، ويشرح ثمة إن شاء الله تعالى، انتهى.

(114)

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}

بسم الله الرحمن الرحيم

في نسخ الشروح الثلاثة بزيادة لفظ "سورة" من غير بسملة.

قال العيني

(2)

: وفي بعض النسخ: "سورة الناس"، وهي مدنية، انتهى.

وقال القسطلاني

(3)

: هي مكية أو مدنية، فإن قلت: إنه تعالى رب جميع العالمين فلم خص الناس؟ أجيب: لشرفهم، أو لأن المأمور هو الناس، انتهى.

قوله: (ويذكر عن ابن عباس: الوسواس إذا ولد. . .) إلخ، وفي نسخة الحافظ:"وقال ابن عباس" قال الحافظ

(4)

: كذا لأبي ذر، ولغيره:"ويذكر عن ابن عباس "وكأنه أولى؛ لأن إسناده إلى ابن عباس ضعيف، أخرجه

(1)

"فتح الباري"(8/ 741).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 525).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 288).

(4)

"فتح الباري"(8/ 741، 742).

ص: 420

الطبري والحاكم، وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف، ولفظه:"ما من مولود إلا على قلبه الوسواس، فإذا عمل فذكر الله خنس، فإذا غفل وسوس" ورويناه في "الذكر" لجعفر بن أحمد بن فارس من وجه آخر عن ابن عباس وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال، ولفظه:"يحط الشيطان فاه على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس"، ولسعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم، قال: سأل عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ربّه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم فأراه، فإذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، وإذا ترك منّاه وحدثه، وقال ابن التِّين: ينظر في قوله: خنسه الشيطان، فإن المعروف في اللغة: خنس إذا رجع وانقبض، وقال عياض: كذا في جميع الروايات وهو تصحيف وتغيير، ولعله كان فيه نخسه، أي: بنون ثم خاء معجمة ثم سين مهملة مفتوحات، إلى آخر ما بسط الحافظ في تحقيقه، والمختصر ما قاله العيني

(1)

: قوله: "خنس الشيطان" قال الصاغاني: الأولى: نخسه الشيطان، مكان: خنسه الشيطان، فإن سلمت اللفظة من الانقلاب والتصحيف فالمعنى والله تعالى أعلم: أخره وأزاله عن مكانه لشدة نخسه وطعنه في خاصرته، ثم قال تحت حديث الباب: هذا طريق آخر في حديث أُبي بن كعب، وفيه قوله:"يقول كذا وكذا" يعني: أنهما ليستا من القرآن.

قوله: (قيل لي) أي: إنهما من القرآن، وهذا كان مما اختلف فيه الصحابة ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه، فلو أنكر اليوم أحد قرآنيتهما كفر، وقال بعضهم: ما كانت المسألة في قرآنيتهما بل في صفة من صفاتهما وخاصة من خاصتهما، ولا شك أن هذه الرواية تحتملها فالحمل عليها أولى، والله أعلم، فإن قلت: قد أخرج أحمد وابن حبان

(1)

"عمدة القاري"(13/ 526).

ص: 421

من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ: أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وأخرج عبد الله بن أحمد في "زيادات المسند" والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: كان عبد الله بن مسعود يحكّ المعوذتين من مصاحفه، ويقول: إنهما ليستا من القرآن أو من كتاب الله تعالى. قلت: قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأهما في الصلاة، وهو في "صحيح مسلم" عن عقبة بن عامر، وزاد فيه ابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر:"فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في صلاة فافعل" وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين، وقال له:"إذا أنت صليت فاقرأ بهما" وإسناده صحيح، وروى سعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

: وعنه - أي: عقبة بن عامر - أيضًا: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة، رواه أبو داود والترمذي، وعند النسائي عنه أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في صلاة الصبح، وقد روي ذلك من طرق قد تفيد التواتر يطول إيرادها، والله الموفق للصواب، انتهى.

وبسط الكلام على هذه المسألة في هامش "اللامع"

(2)

فارجع إليه لو شئت، وفيه عن "الإتقان" للسيوطي.

قال الحافظ ابن حجر: قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، ثم قال بعد ذكر الروايات المروية عن ابن مسعود: إن أسانيدها صحيحة، فقول

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 289، 290).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 224 - 226).

ص: 422

من قال: إنه كذب على ابن مسعود مردود، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الروايات صحيحة والتأويل محتمل، وقد أوّله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق، وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصريحة التي جاء فيها:"ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله" تدفع ذلك، ويمكن حمل لفظ: كتاب الله، على المصحف فيتم التأويل المذكور، انتهى.

وقوله: كما سبق، إشارة إلى ما تقدم في هامش "اللامع" أيضًا، وهو ما قال الحافظ: وقد تأول القاضي، أبو بكر الباقلاني في "كتاب الانتصار" وتبعه عياض وغيره ما حكي عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن وأنكر إثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئًا إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، انتهى.

قلت: بسط بحر العلوم الكلام على ذلك أشد البسط، وقال بعد نقل كلام صاحب "الإتقان" والنووي وابن حزم: فما قال الشيخ ابن حجر في شرح صحيح البخاري: أنه قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، باطل لا يلتفت إليه، والذي صح عنه ما روى أحمد وابن حبان: أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وإنما صح خلو مصحفه عنها، إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع".

وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره"

(1)

: وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتواتر عنده، ثم قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أثبتوهما في المصاحف ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنة، ثم ذكر

(1)

"تفسير ابن أبي كثير"(6/ 515).

ص: 423

عدة روايات صريحة دالة على كونهما من القرآن، فذكر حديث عقبة بن عامر المذكور قريبًا من عدة طرف، وذكر حديثين آخرين: أحدهما عن عبد الله الأسلمي هو ابن أنيس، وحديثًا آخر عن جابر بن عبد الله فارجع إليه لو شئت.

قلت: وما يخطر ببالي من قديم الزمان أن السؤال في قوله: سألت أُبي بن كعب عن المعوذتين، ليسر عن قرآنيتهما بل مقصود السائل السؤال عن قراءة لفظ {قُلْ} كما هو في أول هاتين السورتين، والمعنى أقرأهما بلفظ قل أو بدونه؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قيل لي" أي: أقرأنيهما جبريل بلفظ: "قل، فقلت" أي: قرأت بلفظ: قل، والله سبحانه وتعالى أعلم، وهذا آخر ما يتعلق بكتاب التفسير.

أما براعة الاختتام فعند الحافظ كما تقدم في مقدمة "اللامع"

(1)

من قول الحافظ: وفي آخر التفسير تفسير المعوذتين، وأما عند هذا العبد الضعيف فقد تقدم أيضًا بلفظ: وفي آخر التفسير شرور الشيطان والنفس فإنها كلها من مهلكات الآخرة.

* * *

(1)

"مقدمة لامع الدراري"(1/ 111 - 118).

ص: 424

66 -

‌ كتاب أبواب فضائل القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا في النسخ "الهندية"، وفي نسخ الشروح الثلاثة:"كتاب فضائل القرآن".

قال العيني

(1)

: ولم يقع لفظ كتاب إلا في رواية أبي ذر، والمناسبة بين كتاب التفسير وبين كتاب فضائل القرآن ظاهرة لا تخفى، والفضائل جمع فضيلة قال الجوهري: الفضل والفضيلة خلاف النقص والنقيصة، انتهى.

وفي هامش "اللامع"

(2)

: قال السيوطي في "الإتقان": اختلف الناس هل في القرآن شيء أفضل من شيء، فذهب الأشعري والباقلاني وابن حبان إلى المنع؛ لأن الجميع كلام الله عز وجل ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه، وروي هذا عن مالك، وذهب الجمهور إلى التفضيل لظواهر الأحاديث، قال القرطبي: إنه الحق، وقال ابن الحصار: العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك مع النصوص الواردة في التفضيل، ثم ذكر في هامش "اللامع" كلام الإمام الغزالي عن "جواهر القرآن" فارجع إليه لو شئت.

قال القسطلاني

(3)

: اختلف [هل] في القرآن شيء أفضل من شيء، فذهب الأشعري والقاضي أبو بكر إلى أنه لا فضل لبعضه على بعض؛ لأن الأفضل يشعر بنقص المفضول وكلام الله تعالى حقيقة واحدة لا نقص فيه، وقال قوم بالأفضلية لظواهر الأحاديث كحديث:"أعظم سورة في القرآن"،

(1)

"عمدة القاري"(13/ 527).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 231).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 291).

ص: 425

ثم اختلفوا فقال قوم: الفضل راجع إلى عظم الأجر والثواب، وقال آخرون: بل لذات اللفظ، وأن ما تضمنته آية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدلالة على وحدانيته تعالى وصفاته ليس موجودًا مثلًا في {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} فالتفضيل بالمعاني العجيبة وكثرتها لا من حيث الصفة، وقال الجويني: من قال: إن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أبلغ من {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} بجعل مقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التوحيد والدعاء على الكافرين فذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه، وكذلك في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها، فالعالم إذا نظر إلى {تَبَّتْ} في باب الدعاء بالخسران ونظر إلى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول: أحدهما أبلغ من الآخر، وهذا التقييد يغفل عنه من لا علم عنده بعلم البيان، ولعل الخلاف في هذه المسألة يلتفت إلى الخلاف المشهور: أن كلام الله شيء واحد أم لا؟ وعند الأشعري أنه لا يتنوع في ذاته بل بحسب متعلقاته، وليس لكلام الله الذي هو صفة ذاته بعض لكن بالتأويل والتعبير وفهم السامعين اشتمل على أنواع المخاطبات، ولولا تنزله في هذه المواقع لما وصلنا إلى فهم شيء منه، انتهى.

(1 -‌

‌ باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل. . .) إلخ

قال الحافظ

(1)

: قد تقدم البحث في كيفية نزوله في حديث عائشة: "إن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي" في أول الصحيح، وكذا أول نزوله في حديثها:"أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة" لكن التعبير بأول ما نزل أخص من التعبير بأول ما بدئ؛ لأن النزول يقتضي وجود من ينزل به، وأول ذلك مجيء الملك له عيانًا

(1)

"فتح الباري"(9/ 4).

ص: 426

مبلغًا عن الله بما شاء من الوحي، وإيحاء الوحي أعم من أن يكون بإنزال أو بإلهام، سواء وقع ذلك في النوم أو في اليقظة، انتهى.

قلت: ما أفاده الحافظ متعلق بالجزء الثاني من الترجمة، والظاهر عند هذا العبد الضعيف أن بين الترجمتين بين قوله:"كيف كان بدء الوحي" وبين قوله: "كيف نزل الوحي" عمومًا وخصوصًا من وجه، فإن المنظور في الأول بدء الوحي أعم من أن يكون قرآنًا أو غيره، والمنظور ههنا كيفية نزول القرآن كما يدل عليه ذكره في كتاب فضائل القرآن أعم من أن يكون بدءً أو لا، كما يظهر من ملاحظة الروايات الواردة في الباب، فتدبر.

قوله: (قال ابن عباس: المهيمن الأمين) قال الحافظ

(1)

: تقدم بيان هذا الأثر وذكر من وصله في تفسير سورة المائدة، وهو يتعلق بأصل الترجمة وهي فضائل القرآن، وتوجيه كلام ابن عباس: أن القرآن تضمن تصديق جميع ما أنزل قبله؛ لأن الأحكام التي فيه إما مقررة لما سبق، وإما ناسخة، وذلك يستدعي إثبات المنسوخ، وإما مجددة وكل ذلك دال على تفضيل المجدد، انتهى.

قوله: (ما مثله آمن عليه البشر) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: أي من شأنه وشأن جنسه أن يصدقه المتحدى به فيكون معجزة له، انتهى.

وبسط في هامشه في شرح هذا الحديث من كلام الشرَّاح أشد البسط فارجع إليه لو شئت.

وقال القسطلاني

(3)

: وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام، ومسلم في الإيمان، والنسائي في التفسير وفضائل القرآن.

(1)

"فتح الباري"(9/ 4).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 233).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 294).

ص: 427

(2 -‌

‌ باب نزل القرآن بلسان قريش)

أي: بلغة معظمهم، "والعرب" من عطف العام على الخاص، {قُرْآنًا} [الزخرف: 3]، ولأبي ذر:"وقول الله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ".

({بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ})[الشعراء: 195] قال القاضي أبو بكر الباقلاني: لم تقم دلالة قاطعة على نزول القرآن جميعه بلسان قريش، بل ظاهر قوله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] أنه نزل بجميع ألسنة العرب لأن اسم العرب يتناول الجميع تناولًا واحدًا، وقال أبو شامة: أي ابتداء نزوله بلغة قريش، ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

قال الحافظ

(2)

: أما نزوله بلغة قريش فمذكور في الباب من قول عثمان، وقد أخرج أبو داود من طريق كعب الأنصاري:"أن عمر كتب إلى ابن مسعود: أن القرآن نزل بلسان قريش، فأقرئ الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل"، وأما عطف العرب عليه فمن عطف العام على الخاص: لأن قريشًا من العرب، وأما ما ذكره من الآيتين فهو حجة لذلك، وقد أخرج ابن أبي داود في "المصاحف" من طريق أخرى عن عمر قال:"إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلسان مضر"، انتهى.

ومضر هو ابن نزار بن معد بن عدنان، وإليه تنتهي أنساب قريش وقيس وهذيل وغيرهم.

وقال الحافظ أيضًا بعد نقل قول أبي شامة المذكور سابقًا: وتكملته أن يقال: إنه نزل أولًا بلسان قريش أحد الأحرف السبعة، ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قرأتها تسهيلًا، كما سيأتي بيانه، فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن أولًا بلسانه أولى الأحرف، فحمل الناس عليه لكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولما له من الأولية المذكورة، وعليه يحمل كلام عمر لابن مسعود أيضًا.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 295، 296).

(2)

"فتح الباري"(9/ 9، 10).

ص: 428

وقال الحافظ أيضًا بعد ذكر حديث صفوان بن يعلى: وقد خفي وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب على كثير من الأئمة حتى قال ابن كثير في "تفسيره": ذكر هذا الحديث في الترجمة التي قبل هذه أظهر وأبين، فلعل ذلك وقع من بعض النساخ، قال ابن بطال: مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متلوًّا كان أو غير متلوٍ إنما نزل بلسان العرب، ولا يرد على هذا كونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة عربًا وعجمًا وغيرهم؛ لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم، ولذا قال ابن المنيِّر: كان إدخال هذا الحديث في الباب الذي قبله أليق، لكن لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسُّنَّة كان على صفة واحدة ولسان واحد، انتهى.

(3 -‌

‌ باب جمع القرآن)

المراد بالجمع ههنا جمع مخصوص وهو جمع متفرقه في صحف ثم جمع تلك الصحف في مصحف واحد مرتب السور، وسيأتي بعد ثلاثة أبواب "باب تأليف القرآن" والمراد به هناك تأليف الآيات في السورة الواحدة أو ترتيب السور في المصحف، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وقد جمع القرآن ثلاث مرات، قال الخطابي: إنما لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بموته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، وكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر رضي الله عنهما، وقد كان القرآن كله كتب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضح واحد ولا مرتب السور، ولهذا قال الحاكم: جمع القرآن ثلاث مرات: أحدها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج بسنده على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: "كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن في

(1)

"فتح الباري"(9/ 11).

ص: 429

الرقاع" الحديث، قال البيهقي: يشبه أن يكون المراد تأليف ما نزل من الآيات المفردة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية: بحضرة أبي بكر المذكورة في حديث الباب، الثالث: جمع عثمان جمع الصحابة فنسخوها في المصاحف وكتبوها بلغة قريش، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وكان ذلك في سنة خمس وعشرين، وأما ترتيب السور والآيات فالإجماع والنصوص مترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي ولا خلاف فيه بين المسلمين، انتهى من حاشية "الهندية" عن "اللمعات"

(1)

.

وقال السيوطي في "الإتقان": الإجماع والنصوص مترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي وأبو جعفر بن الزبير وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين، ثم بسط السيوطي في النصوص الدالة على ذلك ذكر بعض منها في هامش "اللامع"

(2)

فارجع إليه لو شئت.

قوله: (مع أهل لعراق) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: متعلق بأهل الشام فهم من جملة الغازين أيضًا، انتهى.

وفي هامشه: دفع الشيخ بذلك ظاهر ما يتوهم أن الغزوة كانت مع أهل العراق يعني يتوهم أن أهل العراق كانوا كفارًا، وأيضًا ظاهر قوله:"كان يغازي أهل الشام" أيضًا يوهم ذلك فدفعهما الشيخ بقوله: إن أهل الشام وأهل العراق كلاهما كانوا غزاة.

قال القسطلاني: قوله: و"كان عثمان يغازي أهل الشام"، أي: يجهز أهل الشام، وأمر أهل الشام أن يجتمعوا مع أهل العراق في غزو أرمينية وأذربيجان وفتحهما، انتهى مختصرًا.

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 257 - 258).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 237، 238).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 236، 237).

ص: 430

قال الحافظ: والمراد أن أرمينية فتحت في خلافة عثمان وكان أمير العسكر من أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وكان عثمان أمر أهل الشام وأهل العراق أن يجتمعوا على ذلك، وكان أمير أهل الشام على ذلك العسكر حبيب بن مسلمة الفهري، وكان حذيفة من جملة من غزا معهم وكان هو على أهل المدائن وهي من جملة أعمال العراق، وفي رواية يونس بن يزيد: اجتمع لغزوة أذربيجان وأرمينية أهل الشام وأهل العراق، واتفق غزوهما في سنة واحدة، واجتمع في غزوة كل واحد منها أهل الشام وأهل العراق، وكانت في سنة خمس وعشرين في السنة الثالثة أو الثانية من خلافة عثمان، انتهى مختصرًا.

(4 -‌

‌ باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم

-)

وكانوا جماعة، ولم يذكر الإمام البخاري منهم غير زيد بن ثابت، ولعل غيره لم يكن على شرطه، ولا إشكال على الترجمة، فإنها بلفظ الإفراد، وقد أورد الحافظ ابن كثير على الإمام البخاري كما سيأتي في كلام الحافظ، ولعله وقع في بعض النسخ كما قال العيني

(1)

: "باب كُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم" بلفظ الجمع، والتوجيه ظاهر من أنه أشار بالترجمة إلى الجماعة، ولما لم يكن غير زيد على شرطه لم يذكر.

قال العلامة العيني

(2)

: وكُتّاب النبي صلى الله عليه وسلم كثيرون غير زيد بن ثابت؛ لأنه أسلم بعد الهجرة، وكان له صلى الله عليه وسلم كُتّاب بمكة، فأوّل من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن أبي سرح، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح، وكتب له في الجملة الخلفاء الأربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الأسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد الله بن أرقم الزهري وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة، وأوّل من كتب بالمدينة أُبي بن كعب كتب له قبل زيد بن ثابت، وجماعة آخرون كتبوا له، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(13/ 537).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 537).

ص: 431

قال الحافظ

(1)

: قال ابن كثير: ترجم كُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر سوى حديث زيد بن ثابت، وهذا عجيب وكأنه لم يقع له على شرطه غير هذا، ثم أشار إلى أنه استوفى بيان ذلك في السيرة النبوية.

قال الحافظ: لم أقف في شيء من النسخ إلا بلفظ "كاتب" بالإفراد، وهو مطابق لحديث الباب، ثم ذكر أسماء كاتبي النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما تقدم من كلام العيني.

(5 -‌

‌ باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)

أي: على سبعة أوجه، يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراآت في الكلمة الواحدة إلى سبعة.

فإن قيل: فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه؟

فالجواب: أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء، كما في المدّ والإمالة ونحوهما، وقيل: ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التسهيل والتيسير، ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعين في العشرات، والسبعمائة في المئين، ولا يراد العدد المعين، وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه، وذكر القرطبي عن ابن حبان أنه بلغ الاختلاف في معنى الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولًا، ولم يذكر القرطبي منها سوى خمسة، وقال المنذري: أكثرها غير مختار، ولم أقف على كلام ابن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه من "صحيحه"، وسأذكر ما انتهى إليّ من أقوال العلماء في ذلك مع بيان المقبول منها والمردود إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب، انتهى من "الفتح"

(2)

.

وقد بسط الكلام في شرح هذا الحديث على عشرة أبحاث في "أوجز

(1)

"فتح الباري"(9/ 22).

(2)

"فتح الباري"(9/ 23).

ص: 432

المسالك شرح موطأ الإمام مالك"

(1)

وفيه: قال الحافظ

(2)

: قد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة بلّغها أبو حاتم بن حبان إلى خمسة وثلاثين قولًا، وقال المنذري: أكثرها غير مختار، انتهى. وقال القاري: اختلف في معناه على أحد وأربعين قولًا، منها أنه مما لا يدرى معناه، انتهى. وقال ابن العربي: لم يأت في ذلك نص ولا أثر، وقال أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي: هذا من المشكل الذي لا يدرى معناه؛ لأن الحرف يأتي لمعان: للهجاء والكلمة وللمعنى والجهة، قاله الزرقاني، قال السيوطي في "التنوير" و"زهر الربى": هذا أرجح الأقوال عندي، وبسط السيوطي في "الإتقان" الأربعين قولًا مع النسبة إلى قائليها، انتهى.

(6 -‌

‌ باب تأليف القرآن)

قال الحافظ

(3)

: أي جمع آيات السورة الواحدة، أو جمع السور مرتبة في المصحف، وقال أيضًا: إن ترتيب الآيات توقيفي إجماعًا، وترتيب السور اجتهادي، ولذا أجمعوا على جواز أن يقرأ سورة قبل سورة بخلاف آية قبل آية، انتهى.

والأوجه عند هذا العبد الضعيف أن المراد ههنا ترتيب السور، فإنه كان مختلفًا في زمانه، فإن ترتيب ابن مسعود غير ترتيب علي وأُبي، وإليه أشار المصنف بذكر الروايات في الباب.

قوله: (فأملت عليه آي السور) قال العلامة القسطلاني

(4)

: أي: آيات كل سورة كأن قالت له مثلًا: سورة البقرة كذا وكذا آية، وهذا يؤيد أن السؤال وقع عن تفصيل آيات كل سورة، انتهى.

وقال الحافظ في شرح حديث الباب

(5)

: وهذا كله على أن السؤال

(1)

"أوجز المسالك"(4/ 239).

(2)

"فتح الباري"(9/ 26).

(3)

"فتح الباري"(9/ 39، 40).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 312).

(5)

"فتح الباري"(9/ 40).

ص: 433

إنما وقع عن ترتيب السور، ويدل على ذلك قولها له:"وما يضرك أية قرأت قبل" ويحتمل أن يكون أراد تفصيل آيات كل سورة لقوله في آخر الحديث: "فأملت عليه آي السور" أي: آيات كل سورة كأن تقول له: سورة كذا مثلًا كذا كذا آية، الأولى كذا الثانية. . . إلخ، وهذا يرجع إلى اختلاف عدد الآيات، وفيه اختلاف بين المدني والشامي والبصري، وقد اعتنى أئمة القراء بجمع ذلك وبيان الخلاف فيه، والأول أظهر، ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين، والله أعلم، انتهى.

قلت: والظاهر عندي في غرض المصنف ترتيب السور كما يدل عليه روايات الباب، وإن كان المراد في هذا الحديث تفصيل الآيات مع احتمال أنها رضي الله عنها عدّت الآيات استطرادًا، وغرض السؤال كان ترتيب السور.

(7 -‌

‌ باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم

-)

بكسر الراء من العرض وهو بفتح العين وسكون الراء، أي: يقرأ، والمراد يستعرضه ما أقرأه إياه، وقال أيضًا في شرح قوله:"كان يعارضني بالقرآن": والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلًا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن) قال الحافظ

(2)

: هذا عكس ما وقع في الترجمة لأن فيها أن جبريل كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل، وتقدم في بدء الوحي بلفظ:"وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن" فيحمل على أن كلًا منهما كان يعرض على الآخر، ويؤيده ما وقع في رواية أبي هريرة آخر أحاديث الباب كما سأوضحه، انتهى.

قلت: وحديث الباب قد سبق أول الصحيح، وكذا في كتاب الصوم،

(1)

"فتح الباري"(9/ 43).

(2)

"فتح الباري"(9/ 44).

ص: 434

وتقدم الكلام في أن العرض كان من جانب أو جانبين مع بيان اختلاف الروايات في كتاب الصوم فارجع إليه لو شئت.

(8 -‌

‌ باب القرَّاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

-)

قال الحافظ

(1)

: أي الذين اشتهروا بحفظ القرآن والتصدي لتعليمه، وهذا اللفظ كان في عرف السلف أيضًا لمن تفقه في القرآن وذكر فيه ستة أحاديث، وقال بعد ذكر الحديث الأول: قال الكرماني: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعده، أي: أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك، وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين، وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة اليمامة، ومات معاذ في خلافة عمر، ومات أُبي وابن مسعود في خلافة عثمان، وقد تأخر زيد بن ثابت وانتهت إليه الرئاسة في القراءة، وعاش بعدهم زمانًا طويلًا.

فالظاهر: أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن، بل كان الذي يحفظون مثل الذين حفظوه وأزيد منهم جماعة من الصحابة، وقد تقدم في غزوة بئر معونة أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم: القراء وكانوا سبعين رجلًا، انتهى.

(9 -‌

‌ باب فضل فاتحة الكتاب)

كذا في النسخة "الهندية" ونسخة "الفتح"، وفي نسخة "القسطلاني""باب فاتحة الكتاب"، وفي نسخة "العيني""باب فضائل فاتحة الكتاب".

قال العيني

(2)

: ومن أول قوله: "باب فضائل القرآن" إلى هنا ليس فيها شيء يتعلق بفضائل القرآن نعم يتعلق بأمور القرآن، وهي التراجم التي ذكرها إلى هنا، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 47، 48).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 550).

ص: 435

وقال الحافظ

(1)

: ذكر فيه حديثين: أحدهما: حديث أبي سعيد بن المعلى في أنها أعظم سورة في القرآن، والمراد بالعظم عظم القدر بالثواب المرتب على قراءتها، وإن كان غيرها أطول منها، وذلك لما اشتملت عليه من المعاني المناسبة لذلك، ثانيهما: حديث أبي سعيد الخدري في الرقية بفاتحة الكتاب، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإجارة، وهو ظاهر الدلالة على فضل الفاتحة، قال القرطبي: اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاوية لجميع علومه لاحتوائها على الثناء على الله والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك مما يقتضي أنها كلها موضع الرقية، وذكر الروياني في "البحر": أن البسملة أفضل آيات القرآن، وتعقب بحديث آية الكرسي وهو الصحيح، انتهى.

وقال العلامة القسطلاني

(2)

: قال علي: لو أردت أن أملي

(3)

وقر بعير على الفاتحة لفعلت، انتهى.

(10 -‌

‌ فضل البقرة)

كذا في النسخة "الهندية" بدون لفظ "باب" وهكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة الحافظين ابن حجر والعيني:"باب فضل سورة البقرة".

ذكر المصنف فيه حديثين وقع في الأول منهما قوله: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" قال الحافظ

(4)

: قوله: "كفتاه" أي: أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن، وقيل: أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقًا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها، وقيل معناه: أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالًا، وقيل معناه: كفتاه كل سوء، وقيل: شر الشيطان، وقيل: دفعتا عنه شر الإنس والجن، وقيل

(1)

"فتح الباري"(9/ 54).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 323).

(3)

الوقر، بالكسر: الحمل الثقيل.

(4)

"فتح الباري"(9/ 56).

ص: 436

معناه: كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "الكوكب"

(1)

: قوله: "كفتاه" أي: عن حق قراءة القرآن، فلو قرأ قارئ كل يوم آيتين لم يعد تاركًا للقراءة، وفيه وجوه أخر، انتهى.

قال القسطلاني: عند الحاكم وصححه عن النعمان بن بشير رفعه: "إن الله كتب كتابًا وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار فيقربها الشيطان ثلاث ليال" وزاد أبو عبيدة من مرسل ابن جبير: "فاقرؤوهما وعلّموهما أبناءكم فإنهما قرآن وصلاة ودعاء"، انتهى.

(11 -‌

‌ باب فضل سورة الكهف)

وفي نسخ الشروح الثلاثة "باب فضل الكهف".

قال الحافظ

(2)

: وسقط لفظ "باب" لغير أبي ذر في هذا والذي قبله والثلاثة بعده.

قوله: (كان رجل يقرأ سورة الكهف) قال الحافظ

(3)

: قيل: هو أسيد بن حضير كما سيأتي من حديثه نفسه بعد ثلاثة أبواب، لكن فيه أنه كان يقرأ سورة البقرة، وفي هذا أنه كان يقرأ سورة الكهف وهذا ظاهره التعدد، وقد وقع قريب من القصة التي لأسيد لثابت بن قيس بن شماس لكن في سورة البقرة أيضًا، وأخرج أبو داود من طريق مرسلة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تر ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة تزهر بمصابيح، قال:"فلعله قرأ سورة البقرة" فسئل قال: قرأت سورة البقرة، ويحتمل أن يكون قرأ سورة البقرة وسورة الكهف جميعًا، أو من كل منهما، انتهى.

(1)

"الكوكب الدري"(4/ 8)، و"إرشاد الساري"(11/ 326).

(2)

"فتح الباري"(9/ 57).

(3)

"فتح الباري"(9/ 57).

ص: 437

(12 -‌

‌ باب فضل سورة الفتح)

وفي رواية غير أبي ذر بغير "باب" كما تقدم.

(13 -‌

‌ باب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فيه عمرة عن عائشة. . .) إلخ

قال الحافظ

(1)

: هو طرف من حديث أوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد" الحديث وفي آخره: "أخبروه أن الله يحبه" وسيأتي موصولًا بتمامه في أول كتاب التوحيد، وتقدم في صفة الصلاة من وجه آخر عن أنس، وذهل الكرماني فقال: قوله: "فيه عمرة" أي: روت عن عائشة حديثًا في فضل سورة الإخلاص ولما لم يكن على شرطه لم يذكره بنصّه واكتفى بالإشارة إليه إجمالًا، كذا قال، وغفل عما في كتاب التوحيد، والله أعلم، انتهى.

قوله: (ثلث القرآن) اختلفوا في معناه على أقوال بسطها الحافظ في "الفتح" وأجملها صاحب "التعليق الممجد" فقال

(2)

: قوله: "إنها لتعدل" أي: تساوي ثلث القرآن؛ لأن معاني القرآن ثلاثة علوم: علم التوحيد، وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق، وسورة الإخلاص تشتمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للقسمين وهو علم التوحيد، وقال الطيبي: وذلك لأن القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص، وأحكام، وصفات الله عز وجل، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ} متمحضة للصفات فهي ثلث القرآن، وقيل: ثوابها يضاعف بقدر ثلث القرآن، فعلى الأول لا يلزم من تكريرها استيعاب القرآن وختمه، وعلى الثاني يلزم، وقال ابن عبد البر: من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن اختار الرأي، وإليه ذهب أحمد وإسحاق فإنهما حملا الحديث على أن

(1)

"فتح الباري"(9/ 59).

(2)

"التعليق الممجد"(1/ 526، 527)، وانظر:"فتح الباري"(9/ 61).

ص: 438

معناه أن لها فضلًا في الثواب تحريضًا على تعلمها لا أن قراءتها ثلاث مرات كقراءة القرآن، قال: وهذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة، كذا في "المرقاة"

(1)

، انتهى.

وقال صاحب "التعليق"

(2)

أيضًا: قد وقع النزاع بين طلبتي المستفيدين مني بحضرتي في أنه إذا قرأ سورة الإخلاص هل يجد ثواب قراءة تمام القرآن؟ فقال بعضهم: نعم مستندًا بهذا الحديث، ورده بعضهم بأن جمع الأثلاث إنما يبلغ إلى الواحد التام إذا كانت من جنس واحد وإلا فلا، فحضروا لديّ سائلين تحقيق الحق في ذلك فقلت: قد صرَّح جمع من الفقهاء والمحدثين لذلك، فقالوا: غرضنا أنه هل يستنبط ذلك من هذا الحديث أم لا؟ فقلت: إن كانت الثلثية معللة باشتمالها على ثلث معاني القرآن وهو التوحيد كما هو رأي جماعة فلا دلالة لهذا الحديث على حصول ثواب ختم القرآن للتثليث؛ لأن التثليث حينئذ يكون تثليثًا لآيات التوحيد فقط، ولا يشتمل على باقي القرآن، وإن حمل ذلك على كون ثوابه بقدر ثواب ثلث القرآن مع قطع النظر عما ذكر يمكن ثواب الختم التام للتثليث فانقطع النزاع بينهم، ثم وجدت في "معجم الطبراني الصغير" بسنده عن أبي هريرة مرفوعًا:"من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بعد صلاة الصبح اثنتي عشر مرة فكأنما قرأ القرآن أربع مرات، وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى" فصار هذا أدل على المقصود قاطعًا للنزاع، انتهى مختصرًا.

(14 -‌

‌ باب فضل المعوذات)

قال القسطلاني

(3)

: بكسر الواو، وثبت لفظ "باب" لأبي ذر، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: أي: الإخلاص والفلق والناس، وقد كنت جوَّزت في باب الوفاة النبوية من كتاب المغازي أن الجمع فيه بناء على أن أقل الجمع

(1)

"مرقاة المفاتيح"(4/ 349).

(2)

"التعليق الممجد"(1/ 527).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 334).

(4)

"فتح الباري"(9/ 62).

ص: 439

اثنان، ثم ظهر من حديث هذا الباب أنه على الظاهر وأن المراد به أنه كان يقرأ بالمعوذات، أي: السور الثلاث وذكر سورة الإخلاص معهما تغليبًا لما اشتملت عليه من صفة الرب وإن لم يصرِّح فيها بلفظ التعويذ، وقد أخرج أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} تعوذ بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن" وفي لفظ: "اقرأ المعوذات دبر كل صلاة" فذكرهن، انتهى.

(15 -‌

‌ باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن)

كذا جمع بين السكينة والملائكة ولم يقع في حديث الباب ذكر السكينة ولا في حديث البراء الماضي في فضل سورة الكهف ذكر الملائكة، فلعل المصنف كان يرى أنهما قصة واحدة، ولعله أشار إلى أن المراد بالظلة في حديث الباب السكينة، لكن ابن بطال جزم بأن الظلة السحابة وأن الملائكة كانت فيها ومعها السكينة، قال ابن بطال: قضية الترجمة أن السكينة تنزل أبدًا مع الملائكة

(1)

، انتهى.

(16 -‌

‌ باب من قال: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين)

قال القسطلاني

(2)

: أي إلا ما جمعه الصحابة من القرآن بين الدفتين - بفتح الدال والفاء المشددة - أي: اللوحتين ولم يفتهم منه شيء لذهاب حملته ولم يكتموا منه شيئًا، خلافًا لما ادعته الروافض لتصحيح دعواهم الباطلة أن التنصيص على إمامة علي بن أبي طالب واستحقاقه للخلافة كان ثابتًا عند موت النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن فكتموه، وقال أيضًا تحت أثر محمد

(1)

انظر: "فتح الباري"(9/ 63).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 338).

ص: 440

ابن الحنفية "ما ترك إلا ما بين الدفتين": ولا يرد على هذا حديث علي السابق في العلم: "ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة"؛ لأنه أراد الأحكام التي كتبها عنه صلى الله عليه وسلم ولم ينف أن عنده أشياء أخر من الأحكام لم يكن كتمها، ونفي ابن عباس وابن الحنفية وارد على ما يتعلق بالنص في القرآن من إمامة علي، واستدل المؤلف رحمه الله على بطلان مذهب الرافضة بمحمد ابن الحنفية أحد أئمتهم في دعواهم وهو ابن علي، وابن عباس ابن عمه وأشد الناس له لزومًا، فلو كان شيء مما ادعوه لكانا أحق الناس بالاطلاع عليه ولما وسعهما كتمانه، فللَّه در المؤلف ما أدق نظره وألطف إشارته رحمه الله وإيانا، انتهى.

وقال الحافظ

(1)

في شرح ترجمة الباب: قوله: "إلا ما بين الدفتين" أي: ما في المصحف وليس المراد أنه ترك القرآن مجموعًا بين الدفتين؛ لأن ذلك يخالف ما تقدم من جمع أبي بكر ثم عثمان، وهذه الترجمة ردّ على من زعم أن كثيرًا من القرآن ذهب لذهاب حملته، وهو شيء اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم أن التنصيص على إمامة علي واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتًا في القرآن، وأن الصحابة كتموه، وهي دعوى باطلة؛ لأنهم لم يكتموا مثل:"أنت عندي بمنزلة هارون من موسى" وغيرها من الظواهر التي قد يتمسك بها من يدعي إمامته، كما لم يكتموا ما يعارض ذلك، أو يخصص عمومه، أو يقيد مطلقه، وقد تلطف المصنف في الاستدلال على الرافضة بما أخرجه عن أحد أئمتهم، فذكر نحو ما تقدم عن القسطلاني.

(17 -‌

‌ باب فضل القرآن على سائر الكلام)

غرض المصنف عندي تقوية حديث الترمذي: "فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه" ومن دأبه أنه قد يترجم لتأييد بعض

(1)

"فتح الباري"(9/ 65).

ص: 441

الروايات بالأحاديث التي على شرطه. قال الحافظ

(1)

: هذه الترجمة لفظ حديث أخرج الترمذي معناه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب عز وجل: من شغله القرآن عن ذكري وعن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" ورجاله ثقات إلا عطية العوفي وفيه ضعف، وأخرجه ابن عدي من رواية شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعًا:"فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" إلى آخر ما بسط الحافظ في تخريجه.

قال القسطلاني

(2)

: وقال المظهري: ينبغي أن لا يظن القارئ أنه إذا لم يطلب من الله حوائجه لا يعطيه أكمل الإعطاء فإنه من كان لله كان الله له، وعن العارف أبي عبد الله بن خبيق قدَّس الله سرّه: شغل القرآن القيام بموجباته من إقامة فرائضه والاجتناب عن محارمه، فإن الرجل إذا أطاع الله فقد ذكره وإن قل صلاته وصومه، وإن عصاه نسيه وإن كثر صلاته وصومه، وعند ابن الضريس من طريق الجراح بن الضحاك عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه:"خيركم من تعلم القرآن وعلمه" ثم قال: "وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" وذلك أنه منه، وقد بيَّن العسكري أن هذه الزيادة من قول أبي عبد الرحمن السلمي، انتهى.

وقال الحافظ

(3)

: ثم ذكر المصنف في الباب حديثين، ومطابقة الحديث الأول بالترجمة من جهة ثبوت فضل قارئ القرآن على غيره فيستلزم فضل القرآن على سائر الكلام كما فضل الأترج على سائر الفواكه، ومناسبة الحديث الثاني من جهة ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وثبوت الفضل لها بما ثبت من فضل كتابها الذي أمرت بالعمل به، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 66).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 339).

(3)

"فتح الباري"(9/ 66، 67).

ص: 442

قال الكرماني

(1)

: فإن قلت: الترجمة بفضل القرآن وفي الحديث الأول فضل القارئ، وأما الحديث الثاني فلا دلالة على الترجمة فيه أصلًا، قلت: فضل القارئ بقراءة القرآن وكذلك فضل هذه الأمة على الأمم إنما هو بسبب القرآن، انتهى.

(18 -‌

‌ باب الوصاة بكتاب الله)

كذا في النسخة "الهندية" و"الفتح" و"القسطلاني"، وفي نسخة "العيني""باب الوصاية بكتاب الله".

قال القسطلاني

(2)

: بألف بعد الصاد، ولأبي ذر عن الكشميهني "الوصية" بالتحتية المشددة بدل الألف، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: في رواية الكشميهني "الوصية" وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الوصايا، وتقدم فيه حديث الباب مشروحًا، وقوله فيه:"أوصى بكتاب الله" بعد قوله: "لا" حين قال له: هل أوصى بشيء؟ ظاهرهما التخالف وليس كذلك لأنه نفى ما يتعلق بالإمارة ونحو ذلك لا مطلق الوصية، والمراد بالوصية بكتاب الله حفظه حسًا ومعنى، فيكرم ويصان ولا يسافر به إلى أرض العدو، ويتبع ما فيه فيعمل بأوامره ويجتنب نواهيه، ويداوم تلاوته وتعلمه وتعليمه ونحو ذلك، انتهى.

(19 -‌

‌ باب من لم يتغن بالقرآن)

قال الحافظ

(4)

: هذه الترجمة لفظ حديث أورده المصنف في الأحكام من طريق ابن جريج عن ابن شهاب بسند حديث الباب بلفظ: "من لم يتغن بالقرآن فليس منا" وهو في "السنن" من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره.

(1)

"شرح الكرماني"(19/ 29، 30).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 342).

(3)

"فتح الباري"(9/ 67).

(4)

"فتح الباري"(9/ 68).

ص: 443

قوله: (وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ})[العنكبوت: 51] أشار بهذه الآية إلى ترجيح تفسير ابن عيينة: يتغنى يستغني، كما سيأتي في هذا الباب عنه، وأخرجه أبو داود عن ابن عيينة ووكيع جميعًا، وقد بيَّن إسحاق بن راهويه عن ابن عيينة أنه استغناء خاص، وكذا قال أحمد عن وكيع: يستغني به عن أخبار الأمم الماضية، وقد أخرج الطبري وغيره من طريق عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: جاء ناس من المسلمين بكتب وقد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عمّا جاء به نبيهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم"، فنزل {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} الآية، وقد خفي وجه مناسبة تلاوة هذه الآية هنا على كثير من الناس كابن كثير، فنفى أن يكون لذكرها وجه، على أن ابن بطال مع تقدمه قد أشار إلى المناسبة فقال: قال أهل التأويل في هذه الآية. . . فذكر أثر يحيى بن جعدة مختصرًا، قال: فالمراد بالآية الاستغناء عن أخبار الأمم الماضية، وليس المراد الاستغناء الذي هو ضد الفقر، قال: واتباع البخاري الترجمة بالآية يدل على أنه يذهب إلى ذلك، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

: قوله: "قال سفيان: تفسيره يستغني به" أي: عن غيره من الكتب السالفة، أو من الإكثار من الدنيا، وارتضى ذلك أبو عبيد في تفسيره وقال: إنه جائز في كلام العرب، واحتج بقول ابن مسعود رضي الله عنه: من قرأ آل عمران فهو غني، وقيل: المراد به الغنى المعنوي وهو غنى النفس وهو القناعة لا المحسوس الذي هو ضد الفقر، فإن ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القرآن، وقال النووي: معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء: تحسين الصوت به، انتهى.

قال الطيبي: قال الشافعي: لو كان معنى يتغنى بالقرآن على الاستغناء

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 344).

ص: 444

لقال: يستغني، وتحسين الصوت هو يتغنى، ونقل ابن الجوزي عن الشافعي أن المراد به التحزن، قال في "الفتح": ولم أره صريحًا إنما قال في "مختصر المزني": وأحب أن يقرأ حدرًا وتحزينًا، انتهى.

والحدر الإدراج من غير تمطيط، والتحزين رقة الصوت وتصيره كصوت الحزين، وقال ابن الأنباري في "الزاهر": المراد بالتغني التلذذ به كما يستلذ أهل الطرب بالغناء فأطلق عليه تغنيًا من حيث إنه يفعل عنده كما يفعل عند الغناء، وقيل: المراد الترنم به لحديث ابن أبي داود والطحاوي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "حسن الترنم بالقرآن"، قال الطبري: والترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القارئ وطرب به، قال: ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى، انتهى.

ويمكن كما في "الفتح" الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزن مستغنيًا به عن غيره طالبًا به غنى النفس راجيًا به غنى اليد، انتهى.

قال الحافظ

(1)

: وسيأتي ما يتعلق بحسن الصوت في القرآن في ترجمة مفردة، ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم؛ لأن للتطريب تأثيرًا في رقة القلب وإجراء الدمع، وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالألحان، أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك، ثم بسط الحافظ اختلاف العلماء في جواز القراءة بالألحان، انتهى.

(20 -‌

‌ باب اغتباط صاحب القرآن)

تقدم في أوائل كتاب العلم: "باب الاغتباط في العلم والحكمة" وذكرت هناك تفسير الغبطة، والفرق بينها وبين الحسد، وأن الحسد في

(1)

"فتح الباري"(9/ 72).

ص: 445

الحديث أطلق عليها مجازًا، قال الإسماعيلي: ترجمة الباب اغتباط صاحب القرآن وهذا فعل صاحب القرآن فهو الذي يغتبط، وإذا كان يغتبط بفعل نفسه كان معناه أنه يسر ويرتاح بعمل نفسه، وهذا ليس مطابقًا.

قلت: ويمكن الجواب بأن مراد البخاري بأن الحديث لما كان دالًا على أن غير صاحب القرآن يغتبط صاحب القرآن بما أعطيه من العمل بالقرآن فاغتباط صاحب القرآن بعمل نفسه أولى إذا سمع هذه البشارة الواردة في حديث الصادق، انتهى

(1)

.

ويمكن عندي أن يقال: إن الاغتباط المذكور في الترجمة مصدر مضاف إلى مفعوله، أي: الاغتباط على صاحب القرآن، فحينئذ مطابقة الحديث بالترجمة ظاهرة، ثم إن الترجمة شارحة في أن المراد بالحسد في الحديث هو الغبطة، ولذا قال القسطلاني

(2)

: قوله: "باب اغتباط" أي: تمنى مثل ما له من نعمة القرآن من غير أن تتحول عنه.

(21 -‌

‌ باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه)

قال الحافظ

(3)

: كذا ترجم بلفظ المتن وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية بالواو، وقال أيضًا في شرح حديث الباب: قوله: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" كذا للأكثر، وللسرخسي "أو علمه" وهي للتنويع لا للشك، وكذا الأحمد عن غندر عن شعبة، وزاد في أوله:"إن"، وأكثر الرواة عن شعبة يقولونه بالواو، وكذا أخرجه الترمذي من حديث علي وهي أظهر من حيث المعنى؛ لأن التي بأو تقتضي إثبات الخيرية المذكورة لمن فعل أحد الأمرين، فيلزم أن من تعلم القرآن ولو لم يعلمه غيره أن يكون خيرًا ممن عمل بما فيه مثلًا وإن لم يتعلمه، ولا يقال يلزم على رواية الواو أيضًا أن من تعلمه وعلّمه غيره أن يكون أفضل ممن عمل بما فيه من غير أن يتعلمه

(1)

انظر: "فتح الباري"(9/ 73).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 345).

(3)

"فتح الباري"(9/ 74 - 76).

ص: 446

ولم يعلمه غيره لأنا نقول: يحتمل أن يكون المراد بالخيرة من جهة حصول التعليم بعد العلم، والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يعمل فقط بل من أشرف العمل تعليم الغير، فمعلم غيره يستلزم أن يكون تعلمه وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد، ولا يقال: لو كان المعنى حصول النفع المتعدي لاشترك كل من علم غيره علمًا ما في ذلك؛ لأنا نقول: القرآن أشرف العلوم، فيكون من تعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القرآن وإن علمه فيثبت المدعى، ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي؛ ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] والدعاء إلى الله تعالى يقع بأمور شتى، من جملتها: تعليم القرآن وهو أشرف الجميع، وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام، كما قال تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام: 157]، فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه، قلنا: لا؛ لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لأنهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب فكان الفقه لهم سجية، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك لا من كان قارئًا أو مقرئًا محضًا لا يفهم شيئًا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه، انتهى.

قوله: (وأقرأني أبو عبد الرحمن. . .) إلخ، هكذا في النسخ الهندية التي بأيدينا، ومحا والدي قُدِّس سرُّه عن نسخة كتابه لفظ "ني" وهو الصواب؛ فإنه لا يوجد في النسخ المصرية لكن حكاه الحافظ في "الفتح"

(1)

عن الكرماني أنه وقع في بعض نسخ البخاري: "قال سعد بن عبيدة: وأقرأني أبو عبد الرحمن" قال: وهي أنسب لقوله: وذاك الذي أقعدني إلخ، أي: أن

(1)

"فتح الباري"(9/ 77).

ص: 447

إقراءه إياي هو الذي حملني على أن قعدت هذا المقعد الجليل، انتهى.

والذي في معظم النسخ "وأقرأ" بحذف المفعول وهو الصواب، وكأن الكرماني ظن أن قائل: وذاك الذي أقعدني، هو سعد بن عبيدة وليس كذلك بل قائله أبو عبد الرحمن إلى آخر ما بسط.

(22 -‌

‌ باب القراءة عن ظهر القلب)

ذكر فيه حديث سهل في الواهبة مطولًا، وهو ظاهر فيما ترجم له لقوله: فيه: "أتقرأهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم" فدل على فضل القراءة عن ظهر القلب لأنها أمكن في التوصل إلى التعليم، وقال ابن كثير: إن كان البخاري أراد بهذا الحديث الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل من تلاوته نظرًا من المصحف، ففيه نظر؛ لأنها قضية عين فيحتمل أن يكون الرجل كان لا يحسن الكتابة وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فلا يدل ذلك على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل في حق من يحسن ومن لا يحسن، وأيضًا فإن سياق هذا الحديث إنما هو لاستثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب ليتمكن من تعليمه لزوجته، وليس المراد أن هذا أفضل من التلاوة نظرًا ولا عدمه.

قلت: ولا يرد على البخاري شيء مما ذكر؛ لأن المراد بقوله: "باب القراءة عن ظهر قلب" مشروعيتها أو استحبابها، والحديث مطابق لما ترجم به، ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرًا، وقد صرَّح كثير من العلماء بأن القراءة من المصحف نظرًا أفضل من القراءة عن ظهر قلب، ثم ذكر الحافظ بعض الروايات الدالة على أفضلية قراءة القرآن نظرًا، ثم قال: لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع، والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص

(1)

، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 78، 79).

ص: 448

وتعقب العلامة العيني

(1)

: كلام الحافظ بأن المراد من الترجمة مشروعيتها أو استحبابها، ولم يتعرض لكونها أفضل. . . إلخ.

قلت: سبحان الله ما أبعد هذا الجواب وأبرده، والباب مذكور في بيان فضائل القرآن، فكيف يقول ذلك، ولم يضع هذه الترجمة إلا لبيان أفضلية القراءة نظرًا، إلى آخر ما قال.

(23 -‌

‌ باب استذكار القرآن وتعاهده)

أي: طلب ذكره بضم الذال، وتعاهده، أي: تجديد العهد به بملازمة تلاوته، انتهى من "الفتح"

(2)

. وهكذا قال العيني والقسطلاني.

قوله: (بئسما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت بل نُسِّي) كتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: يعني بذلك: أنه لا ينبغي له التغافل وعليه أن يتعاهد القرآن، فإذا ذهب عنه مع تعاهده فهو تنسية من الله تعالى وليس بنسيان، ولا مؤاخذة فيه، ولا ينبغي له أن يغفل عنه حتى يلزم النوبة أن يقول: نسيته، انتهى.

قال الحافظ في "الفتح"

(4)

: قال إسحاق بن راهويه: يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يومًا لا يقرأ فيه القرآن، ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود: بئس ما لأحد أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، انتهى.

(24 -‌

‌ باب القراءة على الدابة)

قال الحافظ

(5)

: أي: لراكبها، وكأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك وقد نقله ابن أبي داود عن بعض السلف، وتقدم البحث في كتاب الطهارة في قراءة القرآن في الحمام وغيرها، وقال ابن بطال: إنما أراد بهذه الترجمة

(1)

"عمدة القاري"(13/ 574).

(2)

"فتح الباري"(9/ 709)، و"عمدة القاري"(13/ 575)، و"إرشاد الساري"(11/ 351).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 249).

(4)

"فتح الباري"(9/ 86).

(5)

"فتح الباري"(9/ 83).

ص: 449

أن في القراءة الدابة سُنَّة موجودة، وأصل هذه السُّنَّة قوله تعالى:{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} الآية [الزخرف: 13] ثم ذكر المصنف حديث عبد الله بن المغفل مختصرًا وقد تقدم بتمامه في تفسير سورة الفتح، ويأتي بعد أبواب، انتهى.

(25 -‌

‌ باب تعليم الصبيان القرآن)

كأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك، وقد جاءت كراهية ذلك عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، وأسنده ابن أبي داود عنهما، ولفظ إبراهيم: كانوا يكرهون أن يعلّموا الغلام القرآن حتى يعقل، وكلام سعيد بن جبير يدل على أن كراهة ذلك من جهة حصول الملال له، ولفظه عند ابن أبي داود أيضًا: كانوا يحبون أن يكون يقرأ الصبي بعد حين، وحجة من أجاز ذلك أنه أدعى إلى ثبوته ورسوخه عنده، كما يقال: التعلم في الصغر كالنقش في الحجر، وكلام سعيد بن جبير يدل على أنه يستحب أن يترك الصبي أولًا مرفهًا ثم يؤخذ بالجد على التدريج، والحق أن ذلك يختلف بالأشخاص، والله أعلم، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

: وعند ابن سعد بإسناد صحيح أن ابن عباس قال: سلوني عن التفسير فإني حفظت القرآن وأنا صغير، وفي "تهذيب النووي": إن سفيان بن عيينة حفظ القرآن وهو ابن أربع سنين، انتهى.

(26 -‌

‌ باب نسيان القرآن)

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: يعني بذلك: أنه لا كراهة في إطلاق هذا اللفظ ونسبته إليه، وإنما المنهي التغافل وترك التعاهد المفضي إلى النسيان، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 83).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 354، 355).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 250).

ص: 450

قال الحافظ

(1)

: كأنه يريد أن النهي عن قوله: نسيت آية كذا وكذا، ليس للزجر عن هذا اللفظ بل للزجر عن تعاطي أسباب النسيان المقتضية لقول هذا اللفظ، ويحتمل أن ينزل المنع والإباحة على حالتين: فمن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دين كالجهاد لم يمتنع عليه قول ذلك؛ لأن النسيان لم ينشأ عن إهمال ديني، وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسبة النسيان إلى نفسه، ومن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دنيوي ولا سيما إن كان محظورًا امتنع عليه لتعاطيه أسباب النسيان، انتهى.

قوله: (كنت أنسيتها) قال الإسماعيلي: النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن يكون على قسمين: أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب وذلك قائم بالطباع البشرية، كما قال في حديث السهو:"إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون"، والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6، 7].

قال الحافظ

(2)

: وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما ليس طريقه البلاغ مطلقًا وكذا فيما طريقه البلاغ لكن بشرطين: أحدهما: أنه بعد ما يقع منه تبليغه، والآخر: أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكره إما بنفسه وإما بغيره، وهل يشترط في هذا الفور؟ قولان، فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلًا، وزعم بعض الأصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه نسيان أصلًا وإنما يقع منه صورته ليسن، قال عياض: لم يقل به من الأصوليين أحد إلا أبا المظفر الإسفرايني، انتهى من "الفتح".

(1)

"فتح الباري"(9/ 85).

(2)

"فتح الباري"(9/ 86).

ص: 451

(27 -‌

‌ باب من لم ير بأسًا أن يقول: سورة البقرة وسورة كذا)

قال الحافظ

(1)

: أشار بذلك إلى الرد على من كره ذلك، وقال: لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها كذا، وقد تقدم في الحج من طريق الأعمش أنه سمع الحجاج بن يوسف على المنبر يقول: السورة التي يذكر فيها كذا، وأنه رد عليه بحديث أبي مسعود، قال عياض: حديث أبي مسعود حجة في جواز قول سورة البقرة ونحوها، وقد اختلف في هذا فأجازه بعضهم وكرهه بعضهم.

قلت: وقد تقدم في أبواب الرمي من كتاب الحج أن إبراهيم النخعي أنكر قول الحجاج: لا تقولوا سورة البقرة، ففي رواية مسلم أنها سُنَّة، وأورد حديث أبي مسعود، وأقوى من هذا في الحجة ما أورده المصنف من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم.

قال النووي "في الأذكار": يجوز أن يقول: سورة البقرة، إلى أن قال: وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهة في ذلك، وقال بعض السلف: يكره ذلك، والصواب الأول، وهو قول الجماهير، قلت: وقد جاء فيما يوافق ما ذهب إليه البعض المشار إليه حديث مرفوع عن أنس رفعه: "لا تقول سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذلك القرآن كله" أخرجه أبو الحسين بن قانع في "فوائده" والطبراني في "الأوسط" وفي سنده عبيس بن ميمون العطار وهو ضعيف، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" قلت: وقد تقدم في "باب تأليف القرآن" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا"، قال ابن كثير في تفسيره: ولا شك أن ذلك أحوط ولكن استقر الإجماع على الجواز، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 87، 88).

ص: 452

(28 -‌

‌ باب الترتيل في القراءة)

أي: تبيين حروفها والتأني في أدائها ليكون أدعى إلى فهم معانيها. قوله: (قال ابن عباس: {فَرَقْنَاهُ} فصلناه) وصله ابن جريج من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وعند أبي عبيد من طريق مجاهد أن رجلًا سأله عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة فقط، قيامهما واحد وركوعهما واحد وسجودهما واحد، فقال: الذي قرأ البقرة فقط أفضل، ثم تلا:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106]، وعند ابن أبي داود من طريق أخرى عن أبي حمزة، قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة إني لأقرأ القرآن في ليلة، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة أحب إليّ، إن كنت لا بد فاعلًا فاقرأ قراءة تسمعها أذنيك ويوعيها قلبك، والتحقيق أن لكل من الإسراع والترتيل جهة فضل بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكون الواجبات، فلا يمتنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا، إلى آخر ما ذكر الحافظ في "الفتح"

(1)

.

(29 -‌

‌ باب مدّ القراءة)

المدّ عند القراء على ضربين: أصلي وهو إشباع الحرف الذي بعده ألف أو واو أو ياء، وغير أصلي وهو ما إذا أعقب الحرف الذي هذه صفته همزة وهو متصل ومنفصل، فالمتصل ما كان من لفظ الكلمة، والمنفصل ما كان بكلمة أخرى، فالأول: يؤتى فيه بالألف والواو والياء ممكنات من غير زيادة، والثاني: يزاد في تمكين الألف والواو والياء زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها إلا به من غير إسراف، والمذهب الأعدل أنه يمد كل حرف منها ضعفي ما كان يمده أولًا وقد يزاد على ذلك قليلًا وما أفرط فهو غير محمود، والمراد من الترجمة الضرب الأول، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(1)

"فتح الباري"(9/ 89).

(2)

"فتح الباري"(9/ 91).

ص: 453

وقال القسطلاني

(1)

: "باب مد القراءة" في حروف المد وهي: و، ا، ي، المدّ الأصلي الذي لا تقوم ذواتها إلا به، ومباحث مقادير المد للهمزة للقراء مذكورة في الدواوين المؤلفة في ذكر قراءاتهم، انتهى.

(30 -‌

‌ باب الترجيع)

في القراءة هو تقارب ضروب حركاتها وترديد الصوت في الحلق، قاله القسطلاني

(2)

.

وقال الحافظ

(3)

: وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن المغفل المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله: آء آء آء بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى، ثم قالوا: يحتمل أمرين:

أحدهما: أن ذلك حدث من هزّ الناقة، والآخر: أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك، وهذا الثاني أشبه بالسياق، فإن في بعض طرق:"لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن" أي: النغم، وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع فأخرج الترمذي في "الشمائل" والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود - واللفظ له - من حديث أم هانئ:"كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن" قال الشيخ ابن أبي جمرة: معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء: لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة، انتهى.

وقال القسطلاني

(4)

في شرح قوله: "وهو يرجع": زاد في التوحيد: قال: آء آء آء، وهو محمول على إشباع في محله، وإذا جمعت هذا إلى قوله عليه الصلاة والسلام:"زينوا القرآن بأصواتكم" ظهر لك أن هذا الترجيع منه عليه الصلاة والسلام كان اختيارًا لا اضطرارًا لهز الناقة له، فإنه لو كان لهز الناقة لما كان داخلًا تحت الاختيار، فلم يكن عبد الله بن مغفل

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 364، 365).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 365).

(3)

"فتح الباري"(9/ 92).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 365، 366).

ص: 454

يفعله ويحكيه اختيارًا ليتأسى به وهو يراه من هز الناقة له، ثم يقول: كان يرجع في قراءته فنسب الترجيع إلى فعله، وليس المراد ترجيع الغناء كما أحدثه قراء زماننا، عفا الله عنا وعنهم ووفقنا أجمعين لتلاوة كتابه على النحو الذي يرضيه عنا بمنّه وكرمه، انتهى.

(31 -‌

‌ باب حسن الصوت بالقراءة)

قال القسطلاني

(1)

: ولا ريب أنه يستحب تحسين الصوت بالقراءة، وحكى النووي الإجماع عليه لكونه أوقع في القلب وأشد تأثيرًا وأرق لسامعه، فإن لم يكن القارئ حسن الصوت فليحسنه ما استطاع، فمن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم فإن الحسن الصوت يزداد حسنًا بذلك، وهذا إذا لم يخرج عن التجويد المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: وقد تقدم في "باب من لم يتغن بالقرآن" نقل الإجماع على استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن، وأخرج ابن أبي داود من طريق ابن أبي مسجعة قال: كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم، انتهى.

(32 -‌

‌ باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره)

في رواية الكشميهني "القراءة" بدل "القرآن"، ذكر فيه حديث ابن مسعود:"قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليّ القرآن" أورده مختصرًا، ثم أورده مطولًا في الباب الذي بعده، قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سُنَّة، ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها، وهذا بخلاف قراءته هو صلى الله عليه وسلم على

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 366).

(2)

"فتح الباري"(9/ 92).

ص: 455

أُبي بن كعب كما تقدم في المناقب وغيرها، فإنه أراد أن يعلمّه كيفية أداء القراءة ومخارج الحروف ونحو ذلك، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(33 -‌

‌ باب قول المقرئ للقارئ: حسبك)

قال القسطلاني

(2)

: "باب قول المقرئ" أي: الذي يقرأ غيره "للقارئ" أي: الذي يقرأ عليه "حسبك" أي: يكفيك.

وقال بعد ذكر حديث الباب: وفي الحديث كما قال النووي: استحباب استماع القراءة والإصغاء إليها والبكاء عندها والتدبر فيها، واستحباب طلب القراءة من الغير ليستمع عليه وهو أبلغ في التدبر كما مر، وهذا الحديث سبق في سورة النساء، انتهى.

قلت: وسكت الشرَّاح عن غرض الترجمة ولعل الغرض منه الإشارة إلى جواز هذا القول؛ لأنه يتوهم المنع عن الخير، وثبوت الجواز لفعله صلى الله عليه وسلم ظاهر.

(34 -‌

‌ باب في كم يقرأ القرآن، وقول الله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:

20])

قال الحافظ

(3)

: كأنه أشار إلى الرد على من قال: أقل ما يجزئ من القراءة في كل يوم وليلة جزء من أربعين جزءًا من القرآن، وهو منقول عن إسحاق بن راهويه والحنابلة؛ لأن عموم قوله:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} يشمل أقل من ذلك فمن ادعى التحديد فعليه البيان، وقد أخرج أبو داود من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو:"في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين يومًا، ثم قال: في شهر" الحديث ولا دلالة فيه على المدعى.

وقال الحافظ

(4)

أيضًا: وقد خفيت مناسبة حديث أبي مسعود بالترجمة

(1)

"فتح الباري"(9/ 93، 94).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 368، 369).

(3)

"فتح الباري"(9/ 95).

(4)

"فتح الباري"(9/ 95 - 97).

ص: 456

على ابن كثير، والذي يظهر أنها من جهة أن الآية المترجم بها تناسب ما استدل به ابن عيينة من حديث أبي مسعود، والجامع بينهما أن كلًّا من الآية والحديث يدل على الاكتفاء بخلاف ما قال ابن شبرمة، ولأبي عبيد من طريق الطيب بن سلمان عن عمرة عن عائشة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث" فهذا اختيار أحمد وأبي عبيدة وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وثبت عن كثير من السلف أنهم قرءوا القرآن في دون ذلك.

قال النووي: والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرءوه هذرمة، والله تعالى أعلم، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

تحت حديث عبد الله بن عمرو: "فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك" وليس النهي للتحريم كما أن الأمر في جميع ما مر في الحديث ليس للوجوب، خلافًا لبعض الظاهرية، حيث قال بحرمة قراءته في أقل من ثلاث، وأكثر العلماء كما قاله النووي على عدم التقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط والقوة إلى أن قال: وقد كان بعضهم يختم في اليوم والليلة، وبعضهم ثلاثًا، وكان ابن الكاتب الصوفي يختم أربعًا بالنهار وأربعًا بالليل، وقد رأيت بالقدس الشريف في سنة سبع وستين وثمانمائة رجلًا يكنى بأبي الطاهر من أصحاب الشيخ شهاب الدين بن رسلان ذكر لي أنه كان يقرأ في اليوم والليلة خمس عشرة ختمة، وثبتني في ذلك في هذا

(1)

"إرشاد الساري"(373، 374).

ص: 457

الزمن شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف المقدسي نفع الله بعلومه، وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون كثرة، منهم عثمان وتميم الداري وسعيد بن جبير، والله تعالى يهب ما يشاء لمن يشاء، انتهى من "القسطلاني".

وبسط الكلام على هذه المسألة في "الأوجز" وفيه

(1)

: قال ابن قدامة: يستحب أن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام ليكون له ختمة في كل أسبوع، وهكذا في "نيل المآرب" في فقه الحنابلة إلى آخر ما بسط، وفيه أيضًا: قال القاري: وقد روي عن الشيخ موسى السدراني من أصحاب الشيخ أبي مدين المغربي أنه كان يختم في الليل والنهار سبعين ألف ختمة، ونقل عنه أنه ابتدأ بعد تقبيل الحجر وختم في محاذاة الباب بحيث سمعه بعض الأصحاب حرفًا حرفًا، انتهى.

قلت: وهذا من الغرائب وقد روى الحسن بن زياد عن الإمام الأعظم أبي حنيفة أنه قال: قراءة القرآن في كل سنة مرتين إعطاء لحقه لأنه صلى الله عليه وسلم عرض على جبريل عليه السلام في السنة التي قبض فيها مرتين، انتهى.

(35 -‌

‌ باب البكاء عند قراءة القرآن)

قال الحافظ

(2)

: قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين، قال الله تعالى:{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: 109]، {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] والأحاديث فيه كثيرة، قال الغزالي: يستحب البكاء مع القراءة وعندها، وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك، وإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وأنه من أعظم المصائب.

(1)

"أوجز المسالك"(4/ 228 - 230).

(2)

"فتح الباري"(9/ 98، 99).

ص: 458

وقال الحافظ أيضًا تحت حديث الباب: وأخرج ابن المبارك في "الزهد" من طريق سعيد بن المسيب قال: ليس من يوم إلا يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم -أمته غدوة وعشية، فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم، انتهى.

قوله: (قال يحيى: بعض الحديث عن عمرو بن مرة) قال الحافظ

(1)

: وحاصله: أن الأعمش سمع الحديث المذكور من إبراهيم النخعي وسمع بعضه من عمرو بن مرة عن إبراهيم، وقد أوضحت ذلك في تفسير سورة النساء أيضًا، ويظهر لي أن القدر الذي عند الأعمش عن عمرو بن مرة من هذا الحديث من قوله:"فقرأت النساء" إلى آخر الحديث، وأما ما قبله إلى قوله:"أن أسمعه من غيري" فهو عند الأعمش عن إبراهيم كما هو في الطريق الثانية في هذا الباب، وكذا أخرجه المصنف من وجه آخر عن الأعمش قبل ببابين، وتقدم قبل بباب واحد عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري مقتصرًا على طريق الأعمش عن إبراهيم من غير تبيين التفصيل الذي في رواية يحيى القطان عن الثوري، وهو يقتضي أن في رواية الفريابي إدراجًا، وقوله في هذه الرواية:"عن أبيه" هو معطوف على قوله عن سليمان، وهو الأعمش وحاصله: أن الثوري روى هذا الحديث عن الأعمش، ورواه أيضًا عن أبيه وهو سعيد بن مسروق عن أبي الضحى، ورواية إبراهيم عن عبيدة عن ابن مسعود موصولة، ورواية أبي الضحى عن ابن مسعود منقطعة، انتهى.

قوله: (يعني تسفحان عن أبيه. . .) إلخ، هكذا في النسخ الهندية وليس هذا اللفظ في الشروح الثلاثة بل انتهى فيها على قوله:"تذرفان" ووجّه المحشي بقوله: لعل المراد أن هذا التفسير رواه الثوري في رواية عن أبيه، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 98، 99).

ص: 459

ولم يتعرض له في تقرير الوالد المغفور له ولا في تقرير مولانا أنور شاه رحمه الله.

(36 -‌

‌ باب من رايا بقراءة القرآن)

هكذا في النسخة "الهندية" وكذا في نسخة "العيني" و"القسطلاني"، وفي نسخة "الفتح":"باب إثم من راءى" قال الحافظ

(1)

: كذا للأكثر وفي رواية "رايا" بتحتانية بدل الهمزة، و"تأكل" أي: طلب الأكل، وقوله:"أو فجر به" للأكثر بالجيم، وحكى ابن التِّين أن في رواية بالخاء المعجمة، ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث علي في ذكر الخوارج، وقد تقدم في علامات النبوة، والحديث الثاني: حديث أبي سلمة عن أبي سعيد في ذكر الخوارج أيضًا، وسيأتي شرحه أيضًا في استتابة المرتدين، وتقدم من وجه آخر في علامات النبوة ومناسبة هذين الحديثين للترجمة أن القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرياء أو للتأكل به ونحو ذلك، فالأحاديث الثلاثة دالة لأركان الترجمة لأن منهم من رايا به وإليه الإشارة في حديث أبي موسى، ومنهم من تأكل به وهو مخرج من حديثه أيضًا، ومنه من فجر به وهو مخرج من حديث علي وأبي سعيد، والحديث الثالث: حديث أبي موسى الذي تقدم مشروحًا في "باب فضل القرآن على سائر الكلام" وهو ظاهر فيما ترجم له، انتهى.

قوله: (وريحها مر) وسيأتي في كتاب التوحيد وكذا في الأطعمة في "باب قراءة الفاجر والمنافق" بلفظ: "لا ريح لها" وهكذا تقدم بلفظ "لا ريح لها" في "باب فضل القرآن على سائر الكلام".

قال الحافظ

(2)

في "باب فضل القرآن": قوله: "لا ريح لها" في رواية شعبة: "وريحها مر" واستشكلت هذه الرواية من جهة أن المرارة من أوصاف

(1)

"فتح الباري"(9/ 100، 101).

(2)

"فتح الباري"(9/ 67).

ص: 460

الطعوم فكيف يوصف بها الريح؟ وأجيب بأن ريحها لما كان كريهًا استعير له وصف المرارة، انتهى.

قلت: ويمكن الجواب عنه عندي أن بعض الأشياء يدرك طعمها في الفم بالريح والشم كبعض الأشياء الحامضة وذوي المرارة، وهكذا يظهر حلاوه بعض الفواكه بالشم وهو مشاهد.

وقال العيني

(1)

: أثبت الريح هناك ونفى ههنا؛ لأن المنفي الريح الطيبة بقرينة المقام، والمثبت المر، انتهى.

وقال الكرماني مجيبًا عن هذا الإشكال: قلت: المقصود منهما واحد وذلك هو بيان عدم النفع لا له ولا لغيره وربما كان مضرًا فمعناه: لا ريح لها نافعة، انتهى.

(37 -‌

‌ باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم)

أي: ما اجتمعت قلوبكم عليه، يعني: اقرءوه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة، فإذا حصل لكم ملالة فاتركوه فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور القلب، كذا فسَّره الطيبي.

وقال الكرماني: الظاهر أن المراد اقرؤوا ما دام بين أصحاب القراءة ائتلاف فإذا حصل اختلاف فقوموا عنه، وقال ابن الجوزي: كان اختلاف الصحابة يقع في القراءات واللغات فأمروا بالقيام عند الاختلاف لئلا يجحد أحدهم ما يقرؤه الآخر فيكون جاحدًا لما أنزل الله عز وجل، انتهى من "العيني"

(2)

.

وقال القسطلاني

(3)

: وحمله القاضي عياض على الزمن النبوي خوف

(1)

"عمدة القاري"(14/ 430).

(2)

"عمدة القاري"(13/ 595، 596).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 379، 380).

ص: 461

نزول ما يسوء ويحتمل كما في "الفتح" أن يكون المعنى: اقرءوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا وقع الاختلاف، أي: أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة، وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة، قال: وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم الذين يتبعون المتشابه منه فاحذروهم"، انتهى.

ومناسبة الحديث الأخير قال العيني

(1)

: مطابقته للترجمة في آخر الحديث، انتهى. يعني: في النهي عن المخالفة وهو ضد الائتلاف، والحديث قد مر في "الإشخاص"، وقال العيني أيضًا: واعلم أن الاختلاف المنهي هو الخارج عن اللغات السبع أو ما لا يكون متواترًا، وأما غيره فهو رحمة لا بأس به وذلك مثل الاختلاف بزيادة الواو ونقصانها في {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [يونس: 68] وبالجمع والإفراد {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104] والكتاب، إلى آخر ما ذكر من الأمثلة.

ثم البراعة عند الحافظ كما تقدم في "مقدمة اللامع"

(2)

من قوله: وفي آخر فضائل القرآن: "اختلفوا فأهلكوا"، انتهى. وهكذا عندي في قوله:"فأهلكهم الله".

* * *

(1)

"عمدة القاري"(13/ 597، 598).

(2)

"مقدمة لامع الدراري"(1/ 111).

ص: 462

67 -

‌ كتاب النكاح

تقدم مناسبة هذا الكتاب بما قبله في "مقدمة اللامع"

(1)

من كلام الحافظ قُدِّس سرُّه، وكذا من هذا العبد الضعيف من أن النكاح يحصل به النسل والذرية التي يقوم منها جيل بعد جيل يحفظون أحوال التنزيل، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: النكاح في اللغة الضم والتداخل، وتجوَّز من قال: إنه الضم، وقال الفراء: النكح بضم ثم سكون اسم الفرج، ويجوز كسر أوله، وكثر استعماله في الوطء وسمي به العقد لكونه سببه، وقال أبو القاسم الزجاجي: هو حقيقة فيهما، وقال الفارسي: إذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد العقد، وإذا قالوا: نكح زوجته فالمراد الوطء، ويكون في المحسوسات وفي المعاني، قالوا: نكح المطر الأرض ونكح النعاس عينه، وفي الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح، والحجة في ذلك كثرة وروده في الكتاب والسُّنَّة للعقد حتى قيل: إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد، ولا يرد مثل قوله:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسُّنَّة وإلا فالعقد لا بد منه؛ لأن قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ} معناه حتى تتزوج، أي: يعقد عليها، ومفهومه أن ذلك كاف بمجرده لكن بيَّنت السُّنَّة أن لا عبرة بمفهوم الغاية بل لا بد بعد العقد من ذوق العسيلة، كما أنه لا بد بعد ذلك من التطليق ثم العدة، نعم أفاد أبو الحسين بن فارس أن النكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج إلا في قوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] فإن المراد به الحلم، والله أعلم.

وفي وجه للشافعية كقول الحنفية أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد،

(1)

"مقدمة لامع الدراري"(1/ 279).

(2)

"فتح الباري"(9/ 103).

ص: 463

وقيل: مقول بالاشتراك على كل منهما، وبه جزم الزجاجي وهذا الذي يترجح في نظري وإن كان أكثر ما يستعمل في العقد، ورجح بعضهم الأول بأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباح ذكره، فيبعد أن يستعير من لا يقصد فحشًا اسم ما يستفظعه لما لا يستفظعه فدل على أنه في الأصل للعقد، وهذا يتوقف على تسليم المدعى أنها كلها كنايات، وقد جمع اسم النكاح ابن القطاع فزادت على الألف، انتهى.

قال العلامة العيني

(1)

: وفي "التوضيح": وللنكاح عدة أسماء جمعها أبو القاسم اللغوي فبلغت ألف اسم وأربعين اسمًا، انتهى.

وفي هامش "اللامع"

(2)

: اختلف في معناه لغة وشرعًا وفي حكمه عند الفقهاء، كما بسط في "الأوجز"، وفيه: قال الموفق في "المغني": النكاح في الشرع عقد التزويج، وقال القاضي: الأشبه في أصلنا أنه حقيقة في العقد والوطء جميعًا، وفي "الدر المختار": هو عند الفقهاء عقد يفيد ملك المتعة، وعند أهل الأصول واللغة حقيقة في الوطء مجاز في العقد، وليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم إلى الآن ثم تستمر في الجنة إلا النكاح والإيمان، واختلف في حكم النكاح وهو فرض عين؛ كالصوم والصلاة مطلقًا عند داود وغيره من الظاهرية، وأما عند الأئمة الأربعة فواجب عند التوقان كما هو المعروف، لكن المنصوص في كتب الشافعية أنه مستحب غير واجب عند التوقان أيضًا، ففي "الإقناع" النكاح مستحب لتائق له بتوقانه للوطء إن وجد أهبته من مهر وكسوة فضل التمكين ونفقة يومه تحصينًا لدينه، سواء كان مشتغلًا بالعبادة أم لا، فإن فقد أهبته فتركه أولى، وكسر إرشادًا توقانه بصوم، انتهى.

وهكذا ذكر مذهب الشافعية العلامة النووي والحافظ والقسطلاني،

(1)

"عمدة القاري"(14/ 3).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 253)، وانظر:"أوجز المسالك"(10/ 276).

ص: 464

وأما في غير حال التوقان فمندوب عند الأئمة الثلاثة ومباح عند الشافعية، وحكي عن الحنفية الوجوب عينًا أو كفاية، وحكي أيضًا أنه فرض كفاية، وفي "الدر المختار": أنه سُنَّة مؤكدة، انتهى من هامش "اللامع". وسيأتي الكلام على حكم النكاح في الباب الآتي أيضًا.

(1 -‌

‌ الترغيب في النكاح لقول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:

3])

كذا في النسخة "الهندية" بدون لفظ "باب" وكذا في نسخة "القسطلاني"، وفي نسخة الحافظين ابن حجر والعيني بزيادة لفظ "باب".

قال الحافظ

(1)

: وجه الاستدلال أنها صيغة أمر تقتضي الطلب وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب، وقال القرطبي: لا دلالة فيه لأن الآية سيقت لبيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء، ويحتمل أن يكون البخاري انتزع ذلك من الأمر بنكاح الطيب مع ورود النهي عن ترك الطيب ونسبة فاعله إلى الاعتداء في قوله تعالى:{لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [المائدة: 87]، وقد اختلف في النكاح فقال الشافعية: ليس عبادة، ولهذا لو نذره لم ينعقد، وقال الحنفية: هو عبادة، والتحقيق أن السورة التي يستحب فيها النكاح تستلزم أن يكون حينئذ عبادة، فمن نفى نظر إليه في حد ذاته، ومن أثبت نظر إلى الصورة المخصوصة، انتهى.

وقال القسطلاني

(2)

بعد ذكر حديث الباب: وفيه الترغيب في النكاح وقد اختلف هل هو من العبادات أو المباحات، فقال الحنفية: هو سُنَّة مؤكدة على الأصح، وقال الشافعية: من المباحات، قال القمولي في "شرح الوسيط" المسمى بالبحر: نص الإمام على أن النكاح من الشهوات لا من القربات، وإليه أشار الشافعي في "الأم" حيث قال: قال الله تعالى:

(1)

"فتح الباري"(9/ 104).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 385).

ص: 465

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] وقال عليه الصلاة والسلام: "حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء" وابتغاء النسل به أمر مظنون، ثم لا يدرى أصالح أم طالح، إلى آخر ما بسط الكلام عليه من كلام الشيخ ابن الهمام وغيره، وفي تراجم شيخ مشايخنا الدهلوي

(1)

: فإن قلت: الأمر في قوله: {فَانْكِحُوا} للإباحة فمن أين فهم البخاري الترغيب؟ قلت: فهمه من سوق الكلام بيانه أن الله تعالى أشار عند صورة العدل إلى نكاح النساء، وعند خوف عدم العدل في ذلك إلى نكاح الواحدة أو التسري، فنبَّه بذلك على أن النكاح أمر مهم في صورة العدل في ذلك، انتهى.

(2 -‌

‌ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة. . .) إلخ

بالموحدة والهمزة المفتوحتين وتاء التأنيث ممدودًا، وقد لا يهمز ولا يمد، وقد يهمز ويمد من غير هاء، انتهى من "القسطلاني"

(2)

.

قوله: (وهل يتزوج) كأنه يشير إلى ما وقع بين ابن مسعود وعثمان فعرض عليه عثمان فأجابه بالحديث، فاحتمل أن يكون لا أرب فيه له فلم يوافقه، واحتمل أن يكون وافقه وإن لم ينقل ذلك، ولعله رمز إلى ما بين العلماء فيمن لا يتوق إلى النكاح هل يندب إليه أم لا؟ وسأذكر ذلك بعد

(3)

، انتهى.

قلت: وتقدم الكلام عليه في أول كتاب النكاح.

قوله: (من استطاع منكم الباءة. . .) إلخ، قال الحافظ

(4)

: قال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد، أصحهما: أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع، فتقديره: من استطاع

(1)

"شرح تراجم أبواب البخاري" للشاه الدهلوي (ص 409).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 387).

(3)

انظر: "فتح الباري"(9/ 107).

(4)

"فتح الباري"(9/ 108 - 111).

ص: 466

منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبًا.

والقول الثاني: أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها، والذي حمل القائلين بهذا على ما قالواه قوله:"ومن لم يستطع فعليه بالصوم" قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة، فجواب تأويل الباءة على المؤن، وانفصل القائلون بالأول عن ذلك بالتقدير المذكور، انتهى إلى آخر ما بسط الكلام عليه الحافظ قُدِّس سرُّه فارجع إليه لو شئت المزيد.

وقد بسط الحافظ أيضًا الكلام على حكم النكاح وقال: وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام، ثم بسطها، وأيضًا ذكر عدة روايات واردة في الترغيب بالنكاح، وذكر من جملتها الحديث المعروف على الألسنة لكن لم يخرجه بل أحاله على السابق حيث قال: وقد تقدم في الباب الأول الإشارة إلى حديث عائشة: "النكاح سُنَّتي فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني"، انتهى. لكن لم أجد تلك الإشارة في الباب الأول فليتتبع.

(3 -‌

‌ باب من لم يَسْتطع الباءةَ فلْيصُم)

قال الحافظ

(1)

: أورد فيه حديث ابن مسعود المذكور في الباب قبله، وهذا اللفظ ورد في رواية الثوري عن الأعمش في حديث الباب فعند الترمذي عنه بلفظ:"فمن لم يستطع الباءة فعليه بالصوم" وعند النسائي بلفظ: "ومن لا فليصم"، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 112).

ص: 467

(4 -‌

‌ باب كثرة النساء)

يعني لمن قدر على العدل بينهن، وهكذا قال القسطلاني والعيني

(1)

.

قلت: ولعل المصنف أراد الترغيب إليها يعني بالشرط الذي ذكره الشرَّاح.

قوله: (كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع) أي: عند موته وهن: سودة وعائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة رضي الله عنهن، هذا ترتيب تزويجه إياهن، ومات وهن في عصمته، واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت قبله أو لا.

قوله: (كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة) زاد مسلم في روايته: قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب، قال عياض: قال الطحاوي: هذا وهم وصوابه سودة كما تقدم أنها وهبت يومها لعائشة، وإنما غلط فيه ابن جريج راويه عن عطاء، كذا قال، قال عياض: قد ذكروا في قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] أنه آوى عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة، فكان يستوفي لهن القسم وأرجى سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان يقسم لهن ما شاء، قال: فيحتمل أن تكون رواية ابن جريج صحيحة ويكون ذلك في آخر أمره حيث آوى الجميع فكان يقسم لجميعهن إلا لصفية، قلت: وقد أخرج ابن سعد من ثلاثة طرق: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم لصفية كما يقسم لنسائه"، لكن في الأسانيد الثلاثة الواقدي وليس بحجة، فيترجح أن مراد ابن عباس بالتي لا يقسم لها سودة كما قاله الطحاوي، لحديث عائشة:"أن سودة وهبت يومها لعائشة" وسيأتي في باب مفرد قبل كتاب الطلاق بأربعة وعشرين بابًا، والراجح عندي ما ثبت في "الصحيح"، ولعل البخاري حذف هذه الزيادة عمدًا، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 390)، و"عمدة القاري"(14/ 9).

(2)

"فتح الباري"(9/ 113).

ص: 468

(فائدة): ذكر الحافظ في حكمة استكثاره صلى الله عليه وسلم من النساء عشرة أوجه، فارجع إليه لو شئت

(1)

.

(5 -‌

‌ باب من هاجر أو عمِلَ خيرًا لتزويج امرأةٍ فله ما نوى)

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث عمر بلفظ "العمل بالنية، وإنما لامرئ ما نوى" وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب، وما ترجم به من الهجرة منصوص في الحديث، ومن عمل الخير مستنبط لأن الهجرة من جملة أعمال الخير، فكما عمم في الخير في شق المطلوب وتممه بلفظ "فهجرته إلى ما هاجر إليه" فكذلك شق الطلب يشمل أعمال الخير هجرة أو حجًّا مثلًا أو صلاة أو صدقة، وقصة مهاجر أم قيس أوردها الطبراني مسندة والآجري في "كتاب الشريعة" بغير إسناد، انتهى.

قال القسطلاني

(3)

: قال في "الفتح": وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجه وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية، وأما إذا نوى العبادة وخالطها شيء مما يغاير الإخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف: أن الاعتبار بالابتداء، فإن كان في ابتدائه لله خالصًا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره، والله أعلم.

(6 -‌

‌ باب تزويج المُعْسِر الذي معه القرآن والإسلام، فيه سهل بن سعد)

يعني: حديث سهل بن سعد في قصة التي وهبت نفسها، وما ترجم به مأخوذ من قوله:"التمس ولو خاتمًا من حديد"، فالتمس فلم يجد شيئًا ومع

(1)

انظر: "فتح الباري"(9/ 115).

(2)

"فتح الباري"(9/ 115).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 395).

ص: 469

ذلك زوجه، ثم ذكر طرفًا من حديث ابن مسعود "كنا نغزو وليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك" وقد تلطف المصنف في استنباطه الحكم كأنه يقول: لما نهاهم عن الاختصاء مع احتياجهم إلى النساء - وهم مع ذلك لا شيء لهم كما صرَّح به في نفس هذا الخبر كما سيأتي تامًا بعد باب واحد - وكان كل منهم لا بد وأن يكون حفظ شيئًا من القرآن فيتعين التزويج بما معهم من القرآن، فحكمة الترجمة من حديث سهل بالتنصيص ومن حديث ابن مسعود بالاستدلال، انتهى

(1)

.

(7 -‌

‌ باب قول الرجل لأخيه: انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها)

هذه الترجمة لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف في البيوع، قاله الحافظ

(2)

.

قال القسطلاني

(3)

: قوله: "حتى أنزل لك" بفتح الهمزة وكسر الزاي، أي: أطلقها، فإذا انقضت عدتها تزوجها، وحديث الباب قد مر في البيع، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: وفي الحديث ما كانوا عليه من الإيثار حتى بالنفس والأهل، وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة عند إرادة تزويجها، وجواز المواعدة بطلاق المرأة وسقوط الغيرة في مثل ذلك، إلى آخر ما ذكر.

ولا يبعد عندي أنه أشار إلى الجواز لما يدل على التحريم ما ورد من الوعيد عن الخطبة على خطبة أخيه وسؤال المرأة طلاق أختها، وعلى هذا لا يلزم التكرار بما سيأتي من "باب النظر إلى المرأة قبل التزويج".

(1)

انظر: "فتح الباري"(9/ 116).

(2)

"فتح الباري"(9/ 117).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 396، 397).

(4)

"فتح الباري"(9/ 117).

ص: 470

(8 -‌

‌ باب ما يكره من التبتل والخِصَاء)

قال الحافظ

(1)

: المراد بالتبتل هنا الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة، وأما المأمور به في قوله تعالى:{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] فقد فسَّره مجاهد فقال: أخلص له إخلاصًا، وهو تفسير معنى، وإلا فأصل التبتل الانقطاع، والمعنى انقطع إليه انقطاعًا، لكن لما كانت حقيقة الانقطاع إلى الله إنما تقع بإخلاص العبادة له فسَّرها بذلك، ومنه صدقة بتلة، أي: منقطعة عن الملك، ومريم البتول لانقطاعها عن التزويج إلى العبادة، وقيل لفاطمة:"البتول" إما لانقطاعها عن الأزواج غير علي أو لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف.

قوله: (والخصاء) هو الشق على الأنثيين وانتزاعهما.

وإنما قال: "ما يكره من التبتل والخصاء" للإشارة إلى أن الذي يكره من التبتل هو الذي يفضي إلى التنطع وتحريم ما أحل الله، وليس التبتل من أصله مكروهًا، وعطف الخصاء عليه لأن بعضه يجوز في الحيوان المأكول، انتهى.

وقد تقدم حكم الاختصاء في تفسير سورة المائدة.

(9 -‌

‌ باب نكاح الأبكارِ)

قال العيني

(2)

: وهو جمع بكر، والبكر خلاف الثيب، وهي التي لم توطأ واستمرت على حالتها الأولى، ويقعان على الرجل والمرأة، ومنه "البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة" انتهى بزيادة من "الفتح".

قلت: لعل غرض المصنف من الترجمة التأييد لما ورد من الترغيب في نكاح الأبكار، وفي "الإقناع"

(3)

: ويسن أن يتزوج بكرًا لخبر الصحيحين

(1)

"فتح الباري"(9/ 118).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 16)، و"فتح الباري"(9/ 120).

(3)

"الإقناع"(2/ 116).

ص: 471

عن جابر: "هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك" إلا لعذر كضعف آلته عن الافتضاض - إزالة البكارة - أو احتياجه لمن يقوم على عياله، انتهى.

(10 -‌

‌ باب تزويج الثيبات)

جمع ثيِّبة بمثلثة ثم تحتانية ثقيلة مكسورة ثم موحدة ضد البكر، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قال العيني

(2)

: وقال بعضهم: جمع ثيِّبة وليس كذلك بل جمع ثيب، انتهى.

قوله: "فهلا جارية تلاعبها. . ." إلخ، كتب الشيخ في "اللامع"

(3)

: ودلالة الحديث على الترجمة فيما لم يذكر ههنا، وهو أنه صلى الله عليه وسلم حسّن فعله، انتهى.

وفي هامشه: لم يتعرض الشرَّاح قاطبة عن غرض الإمام البخاري بالترجمة إلا ما في "التيسير" إذ قال: أي في بيان جواز نكاح الثيب، انتهى معربًا.

وإليه يظهر ميل العلامة العيني إذ قال: مطابقته للترجمة في قوله: "ثيبًا" انتهى.

وظاهر ألفاظ الترجمة والحديث الوارد فيها أن غرض المصنف بيان إباحة نكاح الثيِّب مع التنبيه على ترجيح نكاح البكر، فإن الإمام البخاري أورد في الباب حديث جابر مقتصرًا فيه على قوله:"هلَّا بكرًا" الحديث، ولم يذكر الزيادة التي أشار إليها الشيخ.

والظاهر عند هذا العبد الضعيف بعد ملاحظة كلام الشيخ قُدِّس سرُّه أن غرض البخاري رحمه الله تعالى بالترجمة ترجيح نكاح الثيب لمصلحة دينية، فإنه صلى الله عليه وسلم ردّ عليه أولًا بقوله:"هلا بكرًا" فلما ذكر جابر مصلحة مهمة

(1)

"فتح الباري"(9/ 121).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 18).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 257).

ص: 472

حسّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، فقد تقدم الحديث في كتاب الوكالة في "باب إذا وكل رجلًا أن يعطي شيئًا. . ." إلخ، وفيه قول جابر رضي الله عنه:"فأردت أن أنكح امرأةً قد جربت وخلا منها قال: فذلك".

قال الكرماني

(1)

: قوله: "فذلك" مبتدأ خبره محذوف، أي: فذلك مبارك ونحوه، انتهى.

وإلى هذه الزيادة أشار الشيخ بقوله: دلالة الرواية على الترجمة فيما لم يذكر ههنا.

قال الحافظ

(2)

بعد ذكر حديث الباب: وفي الحديث الحثّ على نكاح البكر، وقد ورد بأصرح من ذلك عند ابن ماجه بلفظ:"عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهًا وأنتق أرحامًا" ثم قال: وفي الحديث فضيلة لجابر لشفقته على أخواته وإيثاره مصلحتهن على حظّ نفسه، ويؤخذ منه إذا تزاحمت مصلحتان قدّم أهمهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صوّب فعل جابر ودعا له لأجل ذلك، واستنبط المصنف الترجمة من قوله:"بناتكن" لأنه خاطب بذلك نساءه، فاقتضى أن لهن بنات من غيره، فيستلزم أنهن ثيبات كما هو الأكثر الغالب، انتهى.

(11 -‌

‌ باب تزويج الصغار من الكبار)

أي: في السن، قال العيني

(3)

: مطابقة الحديث بالترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي صغيرة، وكان عمرها ست سنين، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: قال الإسماعيلي: ليس في الرواية ما ترجم به الباب، وصغر عائشة عن كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم من غير هذا الخبر، ثم الخبر الذي أورده مرسل، فإن كان مثل هذا يدخل في "الصحيح" فيلزمه في غيره

(1)

"شرح الكرماني"(10/ 141).

(2)

"فتح الباري"(9/ 120 - 123).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 20).

(4)

"فتح الباري"(9/ 124).

ص: 473

من المراسيل. قلت: الجواب عن الأول يمكن أن يؤخذ من قول أبي بكر: "إنما أنا أخوك" فإن الغالب في بنت الأخ أن تكون أصغر من عمها، وأيضًا فيكفي ما ذكر في مطابقة الحديث للترجمة ولو كان معلومًا عن خارج، وعن الثاني أنه وإن كان صورة سياقه الإرسال، فهو من رواية عروة في قصة وقعت لخالته عائشة وجده لأمه أبي بكر، فالظاهر أنه حمل ذلك عن خالته عائشة أو عن أمه أسماء بنت أبي بكر، وقد قال ابن عبد البر: إذا علم لقاء الراوي لمن أخبر عنه ولم يكن مدلسًا حمل ذلك على سماعه ممن أخبر عنه، ثم قال الحافظ: قال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعًا ولو كانت في المهد، لكن لا يمكّن منها حتى تصلح للوطء، فرمز بهذا إلى أن لا فائدة للترجمة لأنه أمر مجمع عليه، انتهى.

(12 -‌

‌ باب إلى من ينكح وأي النساء خير. . .) إلخ

قال الحافظ

(1)

: اشتملت الترجمة على ثلاثة أحكام، وتناول الأول والثاني من حديث الباب واضح، وأن الذي يريد التزويج ينبغي أن ينكح إلى قريش لأن نساءهنَّ خير النساء وهو الحكم الثاني، وأما الثالث فيؤخذ منه بطريق اللزوم لأن من ثبت أنهن خير من غيرهن استحب تخيرهن للأولاد، وقد ورد في الحكم الثالث حديث صريح أخرجه ابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عائشة مرفوعًا:"تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء" وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضًا، وفي إسناده مقال ويقوى أحد الإسنادين بالآخر، انتهى.

(13 -‌

‌ باب اتخاذ السراري)

لعله أشار إلى تقوية معنى ما رواه الطبراني: "عليكم بالسراري" الحديث وسيأتي في كلام الحافظ.

(1)

"فتح الباري"(9/ 125).

ص: 474

قال الحافظ: جمع سرية بضم السين وكسر الراء الثقيلة ثم تحتانية ثقيلة وقد تكسر السين أيضًا، وهي الأمة المتخذة للوطء، واشترط الفقهاء في صدق هذه التسمية حصول الوطء ولو مرة، سميت بذلك لأنها مشتقة من التسرر وأصله من السر، وهو من أسماء الجماع ويقال له الاستسرار أيضًا، وأطلق عليها ذلك لأنها في الغالب يكتم أمرها عن الزوجة، والمراد بالاتخاذ الاقتناء، وقد ورد الأمر بذلك صريحًا في حديث أبي الدرداء مرفوعًا:"عليكم بالسراري فإنهن مباركات الأرحام" أخرجه الطبراني وإسناده واه، ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا:"انكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة" وإسناده أصلح من الأول لكنه ليس بصريح في التسري، انتهى بزيادة من "القسطلاني"

(1)

.

قوله: (ومن أعتق جارية ثم تزوجها) عطف هذا الحكم على الاقتناء؛ لأنه قد يقع بعد التسري وقبله، وأول أحاديث الباب منطبق على هذا الشق الثاني.

ثم قال الحافظ

(2)

بعد حديث الباب: وفيه دلالة على مزيد فضل من أعتق أمته ثم تزوجها سواء أعتقها ابتداءً لله أو لسبب، وقد بالغ قوم فكرهوه فكأنهم لم يبلغهم الخبر، فمن ذلك ما وقع في رواية هشيم عن صالح بن صالح الراوي المذكور وفيه قال: رأيت رجلًا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها: فهو كالراكب بدنته، فقال الشعبي. . . فذكر هذا الحديث، وأخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن ابن مسعود أنه كان يقول ذلك، وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر مثله، وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أنس: أنه سئل عنه فقال: إذا أعتق أمته لله تعالى فلا يعود فيها، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 126، 127)، و"إرشاد الساري"(11/ 406).

(2)

"فتح الباري"(9/ 127).

ص: 475

قلت: وقصة سؤال الخراساني أخرجها مسلم أيضًا في "صحيحه" ولعل الإمام البخاري أشار إلى الرد على هذه الروايات المروية عن ابن مسعود وابن عمر وأنس وغيرهم من أهل العراق.

(باب من جعل عتق الأمة صداقها)

قال الحافظ

(1)

: كذا أورده غير جازم بالحكم، وقد أخذ بظاهره من القدماء سعيد بن المسيب والنخعي وطاوس والزهري، ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق قالوا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صحّ العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث، وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة أقربها إلى لفظ الحديث: أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها، ويؤيده قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب: سمعت أنسًا رضي الله عنه، قال:"سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت لأنس رضي الله عنه: ما أصدقها؟ قال: نفسها فأعتقها"، هكذا أخرجه المصنف في المغازي، وفي رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس في حديث قال: و"صارت صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها، فقال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمد أنت سألت أنسًا: ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها فتبسم"، فهو ظاهر جدًا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق فالتأويل الأول لا بأس به، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة مجهولة فإن في صحة العقد بالشرط المذكور وجهًا عند الشافعية.

وقال آخرون: بل جعل نفس العتق المهر ولكنه من خصائصه، وممن جزم بذلك الماوردي، وقال آخرون: قوله: "أعتقها وتزوجها" معناه: أعتقها ثم تزوجها، فلما لم يعلم أنه ساق لها صداقًا قال: أصدقها نفسها، أي: لم يصدقها شيئًا فيما أعلم، ولم ينف أصل الصداق، ومن ثم قال أبو الطيب

(1)

"فتح الباري"(9/ 129، 130).

ص: 476

الطبري من الشافعية وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما: إنه قول أنس رضي الله عنه، قاله ظنًا من قبل نفسه ولم يرفعه، وربما تأيّد ذلك عندهم بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة - ويقال: أمة الله - بنت رزينة عن أمها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة، وكان أتى بها مسبية من قريظة والنضير، وهذا لا يقوم به حجة لضعف إسناده، ومن المستغربات قول الترمذي بعد أن أخرج الحديث: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قال: وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرًا سوى العتق، والقول الأول أصح، وكذا نقل ابن حزم عن الشافعي، والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح لكن لعل مراد من نقله عنه صورة الاحتمال الأول، إلى آخر ما ذكر الحافظ.

قال القسطلاني

(1)

: وقد تمسك بظاهر الحديث أبو يوسف وأحمد فقالا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث، انتهى.

(14 -‌

‌ باب تزويج المُعْسِر)

قال الحافظ

(2)

: تقدم في أوائل كتاب النكاح: "باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام" وهذه الترجمة أخص من تلك وعلّق هناك حديث سهل الذي أورده في هذا الباب مبسوطًا، وسيأتي شرحه بعد ثلاثين بابًا.

قوله: (لقوله تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32]) هو تعليل لحكم الترجمة، ومحصله أن الفقر في الحال لا يمنع التزويج لاحتمال حصول المال في المآل، والله تعالى أعلم، انتهى.

قلت: والظاهر عندي في غرض الترجمة أن المصنف أراد دفع توهم ما يتوهم من ظاهر قوله عليه السلام: "فمن لم يستطع فعليه صوم" وأوضح منه قوله

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 411).

(2)

"فتح الباري"(9/ 131).

ص: 477

عز اسمه: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33] فإنه يشير إلى أن المعسر لا ينكح ما دام معسرًا، فأراد الإمام البخاري بهذا الباب بيان الجواز.

(15 -‌

‌ باب الأكفاء في الدين)

قال الحافظ

(1)

: جمع كُفْءٍ بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة: المثل والنظير، واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة للكافر أصلًا.

قوله: ({وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} الآية [الفرقان: 54])، قال الفراء: النسب من لا يحل نكاحه والصهر من يحل نكاحه، فكأن المصنف لما رأى الحصر وقع بالقسمين صلح التمسك بالعموم لوجود الصلاحية إلا ما دل الدليل على اعتباره وهو استثناء الكافر، وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك، ونقل عن ابن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور.

وقال أبو حنيفة: قريش أكفاء بعضهم بعضًا والعرب كذلك، وهو وجه للشافعية، وقال الثوري: إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح، وبه قال أحمد في رواية، وتوسط الشافعي فقال: ليس نكاح غير الأكفاء حرامًا فأراد به النكاح، وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء، فإذا رضوا صح ويكون حقًا لهم تركوه، فلو رضوا إلا واحدًا فله فسخه.

قال الحافظ

(2)

: ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث، إلى آخر ما ذكر.

وبسط الكلام على مسألة الكفاءة في هامش "اللامع" وفيه

(3)

: قال

(1)

"فتح الباري"(9/ 132).

(2)

"فتح الباري"(9/ 133).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 258 - 260)، و"بذل المجهود"(8/ 6).

ص: 478

الشيخ ابن القيم: وقد تنازع الفقهاء في أوصاف الكفاءة فقال مالك في ظاهر مذهبه: إنها الدين، وفي رواية عنه: إنها ثلاثة: الدين والحرية والسلامة من العيوب، وقال أبو حنيفة: هي النسب والدين، وقال أحمد في رواية عنه: هي الدين والنسب خاصة، وفي رواية أخرى: هي خمسة: الدين والنسب والحرية والصناعة والمال، إلى آخر ما قال، وفي "البذل": ومذهب الحنفية أن الكفاءة تعتبر نسبًا فقريش أكفاء بعضهم بعضًا، وباقي العرب أكفاء بعضهم بعضًا، وحرية وإسلامًا وديانةً ومالًا، وتعتبر للنساء لا للرجال؛ لأن النصوص وردت في جانب الرجال خاصة، إلى آخر ما ذكر.

وقال القسطلاني

(1)

: الكفاءة معتبرة في النكاح لما روى جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن من غير الأكفاء" ولأن النكاح يعقد للعمر ويشتمل على أغراض ومقاصد كالازدواج والصحبة والألفة وتأسيس القرابات، ولا ينتظم ذلك عادة إلا بين الأكفاء، وقد جزم مالك رحمه الله تعالى بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين، لقوله عليه الصلاة والسلام:"الناس سواء لا فضل لعربي علي عجمي، إنما الفضل بالتقوى" وقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وأجيب بأن المراد في حكم الآخرة وكلامنا في الدنيا، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} إيراد الرواية في هذا الباب مع إيراد الآية قبلها إشارة منه إلى أن المناكحة جائزة فيما بين من ليسوا أكفاء إلا أن اعتبار الكفوء والنسب أفضل؛ لأن الله تعالى مدح بالنسب فلا يخلو اعتباره عن مصالح وفوائد وإن لم يكن أمرًا لا بد له منه، كيف وقد أنكح أبو حذيفة سالمًا وكان مولاه بنت أخيه هند، وكذلك ضباعة كانت تحت المقداد، وكذلك الأمر في

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 414).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 258 - 264).

ص: 479

قوله: "فاظفر بذات الدين" يرجح اعتبار الدين على النسب، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"هذا خير من ملء الأرض مثل هذا" أشار إلى أن الدين هو المرجح القابل المزيد الاعتناء، فالمتدين أفضل من غيره وإن كان أدون منه في النسب والمال، وإذا كان خيرًا منه كان الإنكاح منه أفضل فعلم بذلك أن الأحق بالاعتناء في الكفاءة هو الدين، انتهى.

(16 -‌

‌ باب الأكفاء في المال)

بسط الكلام على المسألة في هامش "اللامع"

(1)

فارجع إليه لو شئت التفصيل.

وقال القسطلاني

(2)

: واختلف فيه والأشهر عند الشافعية أنه لا أثر له في الكفاءة، فالمعسر كفء للموسرة لأن المال غاد ورائح ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر، نعم لو زوج الولي بالإجبار موليته معسرًا بغير رضاها بمهر المثل لم يصح النكاح؛ لأنه بخس حقها كتزويجها بغير كفء، نقله في "الروضة" عن فتاوى القاضي، ومنعه البلقيني، وقال الزركشي: هو مبني على اعتبار اليسار مع أنه نقل عن عامة الأصحاب عدم اعتباره، انتهى.

ونقل صاحب "الإفصاح" فيما حكاه في "الفتح" عن الشافعي أنه قال: الكفاءة في الدين والمال والنسب، وجزم باعتباره أبو الطيب والصيمري وجماعة، واعتبره الماوردي في أهل الأمصار وخص الخلاف بأهل البوادي والقرى المتفاخرين بالنسب دون المال، انتهى.

وقد تقدم في الباب السابق تفصيل الخلاف في الأوصاف التي تعتبر في الكفاءة، ثم إنهم اختلفوا أن الكفاءة من حق العباد، والأوجه عندي أنها في الدين من حق الله، وفي البواقي من حق العبد يسقط بالرضا.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 265).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 422).

ص: 480

(17 -‌

‌ باب ما يتقى من شؤم المرأة)

قال الحافظ

(1)

: الشؤم بضم المعجمة بعدها واو ساكنة وقد تهمز وهو ضد اليُمن يقال: تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا.

قوله: (وقوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14]) كأنه يشير إلى اختصاص الشؤم ببعض النساء دون بعض مما دلت عليه الآية من التبعيض، وذكر في الباب حديث ابن عمر من وجهين وحديث سهل من وجه آخر، وقد تقدم شرحهما مبسوطًا في كتاب الجهاد، وقد جاء في بعض الأحاديث ما لعله يفسر ذلك، وهو ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعًا:"من سعادة ابن آدم ثلاثة: المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء".

قوله: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) قال الشيخ تقي الدين السبكي: في إيراد البخاري هذا الحديث عقب حديثي ابن عمر وسهل بعد ذكر الآية في الترجمة: إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة، لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها

(2)

أو أن لها تأثيرًا في ذلك، وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء، ومن قال: إنها سبب في ذلك فهو جاهل، إلى آخر ما ذكر.

قلت: وهو الأوجه عندي، يعني: أن المراد بالشؤم الوارد في الأحاديث ما تدل عليه الآية من كونها ذات عداوة للزوج.

(18 -‌

‌ باب الحرة تحت العبد)

قال الحافظ

(3)

: أي: جواز تزويج العبد الحرة، إن رضيت به، أورد

(1)

"فتح الباري"(9/ 137، 138).

(2)

وفي بعض النسخ بدله بعينها وهو الأوضح، (ز).

(3)

"فتح الباري"(9/ 139).

ص: 481

فيه طرفًا من قصة بريرة حيث خيِّرت حين عتقت، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الطلاق، وهو مصير من المصنف إلى أن زوج بريرة حين عتقت كان عبدًا، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: "باب الحرة تحت العبد" وهذا لا يثبت بالرواية الموردة فيه إلا إذا سلم ما ذهبت إليه الشافعية من أن زوجها كان حين عتقها عبدًا، انتهى.

وفي هامشه توضيح المسألة كما بسط في "الأوجز": أنهم اختلفوا في مسألة خيار العتق وهي أن الأمة إذا عتقت وكان زوجها عبدًا فللأمة المعتقة الخيار إجماعًا، لكن إذا كان زوجها حرًا فالمسألة خلافية لا خيار لها عند الأئمة الثلاثة وغيرهم، وذهبت جماعة منهم الشعبي والثوري والنخعي والحنفية إلى ثبوت الخيار لها، ومبنى الاختلاف بينهم هو اختلافهم في علة الخيار، فعلتها عند الأئمة الثلاثة عدم الكفاءة، ولذا قالوا: إن الزوج إذا كان حرًا فالكفاءة ثابتة فلا خيار لها حينئذٍ بخلاف ما إذا كان عبدًا، وعندنا الحنفية علة الخيار ملكها بضعها فإن الأمة قبل ذلك كانت محلًا للطلاقين فقط، وبعد العتق صارت محلًا للثلاث، وهذه العلة أولى لكونها مستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم لبريرة حين عتقت:"ملكت بضعك فاختاري" ثم اختلفت الروايات في زوج بريرة حين عتقت هل كان حرًا أو عبدًا، ورجح الأئمة الثلاثة رواية كونه عبدًا لكونها موافقة لأصلهم، ورجحت الحنفية رواية كونه حرًا إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع".

قلت: وميل المصنف إلى مسلك الجمهور وقد ترجم فيما سيأتي "باب خيار الأمة تحت العبد".

(1)

"لامع الدراري"(9/ 269)، "أوجز المسالك"(11/ 139).

ص: 482

(19 -‌

‌ باب لا يتزوج أكثر من أربع، لقوله تعالى:{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} )

قال القسطلاني

(1)

: كما اتفق عليه الأربعة وجمهور المسلمين، وأجاز الروافض تسعًا من الحرائر وكذا المدبرة وأم الولد، ونقل عن النخعي وابن أبي ليلى؛ لأنه بيَّن العدد المحلل بمثنى وثلاث ورباع بحرف الجمع، والحاصل عن ذلك تسع، وقد تزوج عليه الصلاة والسلام تسعًا، والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل وأجاز الخوارج ثمان عشرة لأن مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرر على ما عرف في العربية فيصير الحاصل ثمانية عشر، وحكي عن بعض الناس إباحة أيّ عدد شاء بلا حصر للعمومات من نحو {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} ولفظ {مَثْنَى} إلى آخره تعداد عرفي لا قيد، إلى آخر ما بسط.

وقال الحافظ

(2)

: أما حكم الترجمة فبالإجماع إلا قول من لا يعتد بخلافه من رافضي ونحوه، وأما انتزاعه من الآية فلأن الظاهر منها التخيير بين الأعداد المذكورة بدليل قوله تعالى في الآية نفسها:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] ولأن من قال: جاء القوم مثنى وثلاث ورباع، أراد أنهم جاؤوا اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، فالمراد تبيين حقيقة مجيئهم وأنهم لم يجيئوا جملة ولا فرادى، وعلى هذا فمعنى الآية انكحوا اثنتين اثنتين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، فالمراد الجميع لا المجموع، ولو أريد مجموع العدد المذكور لكان قوله مثلًا: تسعًا أرشق وأبلغ وأيضًا فإن لفظ مثنى معدول عن اثنين اثنين كما تقدم تقريره في تفسير سورة النساء، فدل إيراده أن المراد التخيير بين الأعداد المذكورة، واحتجاجهم بأن الواو للجمع لا يفيد مع وجود القرينة الدالة على عدم الجمع، وبكونه صلى الله عليه وسلم جمع بين تسع معارض بأمره صلى الله عليه وسلم من أسلم على أكثر من أربع بمفارقة من زاد على

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 428).

(2)

"فتح الباري"(9/ 139).

ص: 483

الأربع، وقد وقع ذلك لغيلان بن سلمة وغيره، كما خرج في كتب السنن، فدل على خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك.

وقوله: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]، تقدم الكلام عليه في تفسير فاطر، وهو ظاهر في أن المراد به تنويع الأعداد لا أن لكل واحد من الملائكة مجموع العدد المذكور.

قوله: (وقال علي بن الحسين) أي: ابن علي بن أبي طالب "يعني مثنى أو ثلاث أو رباع" أراد أن الواو بمعنى أو، فهي للتنويع أو هي عاطفة على العامل والتقدير: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وانكحوا ما طاب من النساء ثلاث إلخ، وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم، انتهى.

(20 -‌

‌ باب: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:

23])

قال الحافظ

(1)

: هذه الترجمة وثلاث تراجم بعدها تتعلق بأحكام الرضاعة، ووقع ههنا في بعض الشروح:"كتاب الرضاع" ولم أره في شيء من الأصول، وأشار بقوله:"ويحرم. . ." إلخ، أن الذي في الآية بيان بعض من يحرمه بالرضاعة وقد بيَّنت ذلك السُّنَّة، ووقع في رواية الكشميهني: ويحرم من الرضاعة، انتهى.

(21 -‌

‌ باب من قال: لا رضاع بعد حولين)

قال الشرَّاح: غرض الترجمة الرد على الإمام أبي حنيفة في قوله: إن أكثر مدة الرضاع ثلاثون شهرًا.

والأوجه عندي: أن الغرض من الترجمة الرد على رضاعة الكبير فقد ترجم الإمام أبو داود على حديث الباب: "باب في رضاعة الكبير"، قال

(1)

"فتح الباري"(9/ 140).

ص: 484

الشيخ في "البذل"

(1)

: وإليه ذهبت عائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية، وحكاه النووي عن داود الظاهري، وإليه ذهب ابن حزم، انتهى.

فههنا مسألتان: الأولى: اختلافهم في أقصى مدة الرضاع، وهي التي ذكرها الشرَّاح ههنا، والثانية: مسألة رضاعة الكبير.

قال الحافظ

(2)

: أشار بهذا إلى قول الحنفية: إن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرًا، وحجتهم قوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] أي: المدة المذكورة لكل من الحمل والفصال، وهذا تأويل غريب، والمشهور عند الجمهور أنها تقدير مدة أقل الحمل وأكثر مدة الرضاع، وإلى ذلك صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن ويؤيد ذلك أن أبا حنيفة لا يقول: إن أقصى الحمل سنتان ونصف، وعند المالكية رواية توافق قول الحنفية لكن منزعهم في ذلك أنه يغتفر بعد الحولين مدة يدمن الطفل فيها على الفطام؛ لأن العادة أن الصبي لا يفطم دفعة واحدة، بل على التدريج في أيام قليلات، فللأيام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين، ثم اختلفوا في تقدير تلك المدة، قيل: يغتفر نصب سنة، وقيل: شهران، وقيل: شهر ونحوه، وقيل: أيام يسيرة، وقيل: شهر، وقيل: لا يزاد على الحولين، وهي رواية ابن وهب عن مالك، وبه قال الجمهور، ومن حجتهم حديث ابن عباس رفعه:"لا رضاع إلا ما كان في الحولين" أخرجه الدارقطني وقال: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ، إلى آخر ما بسط في فروع المسألة.

وقال القسطلاني

(3)

: وقد ورد ظواهر أحاديث تمسك بها العلماء، فذهب الشافعي والجمهور إلى إناطة الحكم بالحولين بالأهلة من تمام

(1)

"بذل المجهود"(7/ 616).

(2)

"فتح الباري"(9/ 146).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 437).

ص: 485

انفصال الولد، وعن أبي حنيفة إناطته بحولين ونصف، وعن زفر بثلاثة، وعن مالك بزيادة أيام بعد الحولين، وعنه بزيادة شهر وشهرين، ورواية بثلاثة أشهر لأنه يغتفر بعد الحولين مدة يدمن فيها الطفل على الفطام لأن العادة أن الطفل لا يفطم دفعة واحدة بل على التدريج، وقيل: لا يزاد على الحولين، وهو رواية ابن وهب عن مالك وبه قال الجمهور، لحديث ابن عباس عند الدارقطني مرفوعًا:"لا رضاع إلا ما كان في الحولين"، وللترمذي وحسّنه:"لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الحولين"، وأما حديث سهلة السابق بعضه في "باب الأكفاء في الدين" أنها قالت: يا رسول الله إنا كنا نرى سالمًا ولدًا وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فإذا تأمرني؟ فقال: "أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن عليك" ففعلت فكانت تراه ابنًا، فأجاب عنه الشافعي وغيره بأنه مخصوص بسالم، قال القاضي: ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمص ثديها ولا التقت بشرتاهما، قال النووي: وهو حسن، ويحتمل [أنه] عفي عن مسه لحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر، انتهى.

قوله: (وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره) تمسكًا بعمومات أحاديث كحديث الباب، وهو قول مالك وأبي حنيفة ومشهور مذهب أحمد، وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على رضعة، وورد عن عائشة عشر رضعات، أخرجه مالك في "الموطأ"، وعنها أيضًا: سبع، أخرجه ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح، وعنها أيضًا في مسلم:"كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس رضعات محرمات" الحديث، وإلى هذا ذهب إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى، انتهى، قاله القسطلاني

(1)

.

في هامش النسخة "الهندية" عن الكرماني: مذهب البخاري أن الحرمة تثبت برضعة واحدة وعليه أبو حنيفة ومالك وقد صرَّح في الترجمة به، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 437)، و"شرح الكرماني"(19/ 80).

ص: 486

(22 -‌

‌ باب لبن الفحل)

قال القسطلاني

(1)

: بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة: الرجل، أي: هل يثبت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدًا له أم لا؟ ونسبة اللبن إليه مجاز لكونه سببًا فيه، ثم قال بعد حديث الباب: وفيه دليل على أن لبن الفحل يحرم حتى تثبت الحرمة في جهة صاحب اللبن كما تثبت في جانب المرضعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت عمومة الرضاع وألحقها بالنسب لأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معًا، فوجب أن يكون الرضاعه منهما، ولذا أشار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بقوله: المروي عند ابن أبي شيبة: اللقاح واحد، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه ومالك وأحمد كجمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وقال قوم منهم ربيعة الرأي وابن علية وابن بنت الشافعي وداود وأتباعه: الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئًا، واحتج بعضهم لذلك بأن اللبن لا ينفصل من الرجل، وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل؟ وأجيب بأنه قياس في مقابلة النص، فلا يلتفت إليه، وهذا الحديث سبق في كتاب الشهادة، انتهى.

وقال الحافظ

(2)

: وفي الحديث أن لبن الفحل يحرم فتنتشر الحرمة لمن ارتضع الصغير بلبنه فلا تحل له بنت زوج المرأة التي أرضعته من غيرها مثلًا.

ثم قال الحافظ بعد ذكر من قال بهذه المسألة: وحجتهم في ذلك قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]، ولم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب، وأجيبوا بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه، ولا سيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة، وحجة الجمهور حديث الباب، انتهى مختصرًا.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 438، 439).

(2)

"فتح الباري"(9/ 151).

ص: 487

(23 -‌

‌ باب شهادة المرضعة)

قال الحافظ

(1)

: أي: وحدها وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك في كتاب الشهادات، وأغرب ابن بطال هنا فنقل الإجماع على أن شهادة المرأة وحدها لا تجوز في الرضاع وشبهه، وهو عجيب منه، فإنه قول جماعة من السلف حتى أن عند المالكية رواية أنها تقبل وحدها لكن بشرط فشو ذلك في الجيران، انتهى.

وقد تقدم بيان مذاهب الأئمة في كتاب الشهادات فارجع إليه لو شئت.

(24 -‌

‌ باب ما يحل من النساء وما يحرم وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. . .) إلخ

قال العلامة العيني

(2)

: وقد بيَّن الله تعالى ههنا المحرمات من النساء وهن أربع عشرة امرأة: سبع من نسب وسبع بسبب، فالسبع التي من نسب هي قوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى قوله: {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} ثم بسط العيني تلك السبعة، وأما السبع التي من جهة السبب فهي من قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} إلى آخر الآية، ثم بسطها مع ذكر الاختلاف في بعضها.

قوله: (وقال أنس: لا يرى بأسًا أن ينزع الرجل جاريته. . .) إلخ، قال الحافظ

(3)

: وصله إسماعيل القاضي في كتاب "أحكام القرآن" بإسناد صحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك: أنه قال في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ} : ذوات الأزواج الحرائر {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] فإذا هو لا يرى بما ملك اليمن بأسًا أن ينزع الرجل الجارية

(1)

"فتح الباري"(9/ 152، 153).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 51).

(3)

"فتح الباري"(9/ 154).

ص: 488

من عبده فيطأها، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن التيمي بلفظ: ذوات البعول، وكان يقول: بيعها طلاقها، والأكثر على أن المراد بالمحصنات ذوات الأزواج يعني أنهن حرام، وأن المراد بالاستثناء في قوله:{إلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} المسبيات إذا كن متزوجات فإنهن حلال لمن سباهن، انتهى.

قلت: وما ذهب إليه أنس ليس مذهبًا لأحد من الأئمة الأربعة، نعم روي ذلك عن بعض الصحابة كما سيأتي في كلام الباجي، كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: قوله: "لا يرى بأسًا أن ينزع. . ." إلخ، ذهب في تفسير الآية إلى أن المراد بما ملكت أيمانكم أن الرجل إذا أنكح جاريته عبده فله أن ينزعها منه ويطلقها، والجمهور على أنه لا يملك المولى تطليق أمته، لقوله:"الطلاق لمن أخذ بالساق" ومحمل الآية السبايا اللاتي لهن أزواج فيطأهن بعد الاستبراء، انتهى.

وفي هامشه: وفي "الأوجز": في حديث: "الموطأ" عن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد" الحديث، قال الباجي: يريد أن السيد لا يملك أن يفرق بينه وبين زوجته ولا يوقع عليها طلاقًا، ولا يمنع العبد من إيقاع ذلك وإن كان له منعه من النكاح، وبهذا قال جمهور الصحابة عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف، وبه أخذ مالك وأبو حنيفة والشافعي وسائر فقهاء الحجاز والعراق، وروي عن جابر وعبد الله بن عباس أن الطلاق بيد السيد، وقال غيرهما: إن كان السيد زوّجه فالطلاق بيد العبد، وإن كان اشتراه مزوجًا فله أن يفرق بينهما، انتهى.

قوله: (وجمع عبد الله بن جعفر) أي: ابن أبي طالب "بين بنت علي وامرأة علي" قال الحافظ

(2)

: فإنه أشار بذلك إلى دفع من يتخيل أن العلة

(1)

"لامع الدراري"(9/ 274)، و"أوجز المسالك"(11/ 281).

(2)

"فتح الباري"(9/ 155)، و"عمدة القاري"(14/ 53، 54).

ص: 489

في منع الجمع بين الأختين ما يقع بينهما من القطيعة فيطرده إلى كل قريبتين ولو بالصهارة، فمن ذلك الجمع بين المرأة وبنت زوجها، والأثر المذكور وصله البغوي في "الجعديات" من طريق عبد الرحمن بن مهران أنه قال:"جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود".

قوله: (وليس فيه تحريم لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]) هذا من تفقه المصنف وقد صرَّح به قتادة قبله كما ترى، وقد قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا أبطل هذا النكاح، قال: وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا أن يحرمه، وقد أشار جابر بن زيد إلى العلة بقوله: للقطيعة، أي: لأجل وقوع القطيعة بينهما لما يوجبه التنافس بين الضرتين في العادة، وقد أخرج أبو داود وابن أبي شيبة من مرسل عيسى بن طلحة: نهى رسول الله أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة، وأخرج الخلال بسنده عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن، وقد نقل العمل بذلك عن ابن أبي ليلى وعن زفر أيضًا، ولكن انعقد الإجماع على خلافه، نقله ابن عبد البر وابن حزم وغيرهما، انتهى من "الفتح".

ونقل العيني عن ابن بطال: قال ابن أبي ليلى: لا يجوز هذا النكاح، وكرهه عكرمة، ونقل العيني أيضًا عن ابن بطال الكراهة عن مالك، قال: وليس بحرام إنما هو لأجل القطيعة، انتهى.

وتقدم عن الحافظ أن الإجماع قد انعقد على خلافه وأنه ليس بمكروه.

(25 -‌

‌ باب قوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:

23])

هذه الترجمة معقودة لتفسير الربيبة وتفسير المراد بالدخول، فأما الربيبة فهي بنت امرأة الرجل، قيل لها ذلك لأنها مربوبة، وغلط من قال: هو من التربية، وأما الدخول ففيه قولان: أحدهما: أن المراد به الجماع وهو

ص: 490

أصح قولي الشافعي، والقول الآخر وهو قول الأئمة الثلاثة: المراد به الخلوة، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (ومن قال: بنات ولدها. . .) إلخ، كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: يعني بذلك: أن التحريم غير مقتصر على الربائب اللاتي في حجوره بل تحرم بنت ولد زوجته وإن سفلت، انتهى.

وفي هامشه: لا يخفى عليك أن ههنا مسألتين: الأولى: التي أشار إليها المصنف بقوله: "ومن قال: بنات ولدها. . ." إلخ، والثانية: التي ذكرها بقوله: "وهل تسمى الربيبة. . ." إلخ، بسط الكلام عليهما في هامش اللامع.

قوله: (وهل تسمى الربيبة وإن لم تكن في حجره) قال القسطلاني

(3)

: الجمهور: تسمى به سواء كانت في حجره أم لا؟ لأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة لا مخرج الشرط، فهو تقييد عرفي لا تقييد للحكم؛ بدليل قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] علَّق الإباحة بعدم الدخول فقط، ولو كانت الحرمة مقيدة بهما لتعلقت الإباحة بعدمهما، وقال علي رضي الله عنه: لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجره لظاهر الآية، وقول علي رضي الله عنه هذا رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره وقال به أيضًا عمر بن الخطاب فيما رواه عنه أبو عبيد، انتهى.

(26 -‌

‌ باب قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء:

23])

قال الحافظ

(4)

: أورد فيه حديث أم حبيبة المذكور لقوله: "فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن" والجمع بين الأختين في التزويج حرام

(1)

"فتح الباري"(9/ 118).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 278).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 447).

(4)

"فتح الباري"(9/ 160).

ص: 491

بالإجماع، سواء كانتا شقيقتين، أم من أب، أم من أم، وسواء النسبي والرضاعي، واختلف فيما إذا كانتا بملك اليمين فأجازه بعض السلف وهو رواية عن أحمد، والجمهور وفقهاء الأمصار على المنع ونظيره الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وحكاه النووي عن الشيعة، انتهى.

(27 -‌

‌ باب لا تنكح المرأة على عمتها)

أي: ولا على خالتها، وهذا اللفظ رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن المبارك بإسناد حديث الباب، وكذا هو عند مسلم من حديث أبي هريرة، انتهى من "الفتح"

(1)

مختصرا.

وقال أيضًا: قال الترمذي: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافًا أنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، ولا أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها، وقال ابن المنذر: لست أعلم في منع ذلك اختلافًا اليوم، وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج، وإذا ثبت الحكم بالسُّنَّة واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه.

وكذا نقل الإجماع ابن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي، لكن استثنى ابن حزم عثمان البتي وهو أحد الفقهاء القدماء من أهل البصرة، وهو بفتح الموحدة وتشديد المثناة، واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة، واستثنى القرطبي الخوارج ولفظه: اختار الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين، انتهى.

وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الأختين غلط بيِّن، فإن عمدتهم التمسك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة، وإنما يردون الأحاديث لاعتقادهم عدم الثقة بنقلها، وتحريم الجمع بين الأختين بنصوص القرآن، ونقل

(1)

"فتح الباري"(9/ 160، 161).

ص: 492

ابن دقيق العيد: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف، انتهى.

وفي "الفيض"

(1)

تحت ترجمة الباب: والضابطة فيه عندنا أنه لا يجوز الجمع بين كل امرأتين لو فرضت إحداهما ذكرًا لم تحل له النكاح بالأخرى، ويشترط ذلك أن يتصور من الطرفين، انتهى.

(28 -‌

‌ باب الشغار)

قال العلامة القسطلاني

(2)

: مصدر شاغر يشاغر شغارًا ومشاغرة، وسمّي شغارًا إما من قولهم: شغر البلد عن السلطان: إذا خلا عنه، لخلوه عن المهر، وقيل: لخلوه عن بعض الشرائط، وقال ثعلب: هو من قولهم: شغر الكلب: إذا رفع رجله ليبول، وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة تقبيح للشغار وتغليظ على فاعله، كأن كلًا من الوليين يقول للآخر: لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك.

قوله: (والشغار أن يزوج الرجل ابنته أو موليته من أخت وغيرها. . .) إلخ، وقد اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار، فالأكثر لم ينسبوه لأحد، ولذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في "معرفة السنن": لا أدري [التفسير] عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن ابن عمر رضي الله عنهما، أو عن نافع الراوي عنه، أو عن مالك، وقال الخطيب: إنه قول مالك وصله بالمتن المرفوع، وفي "ترك الحيل" من البخاري أنه من قول نافع، وقال الباجي: هو من جملة الحديث، وبالجملة فإن كان مرفوعًا فهو المراد، وإن كان من قول الصحابي فمقبول لأنه أعلم بالمقال، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: وقد اختلف الفقهاء هل يعتبر في الشغار الممنوع ظاهر الحديث في تفسيره، فإن فيه وصفين: أحدهما تزويج كل من الوليين

(1)

"فيض الباري"(5/ 514).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 451، 452).

(3)

"فتح الباري"(9/ 163).

ص: 493

وليته للآخر بشرط أن يزوجه وليته، والثاني خلو بضع كل منهما من الصداق، فمنهم من اعتبرهما معًا حتى لا يمنع مثلًا إذا زوج كل منهما الآخر بغير شرط وإن لم يذكر الصداق، أو زوج كل منهما الآخر بالشرط وذكر الصداق، وذهب أكثر الشافعية إلى أن علة النهي الاشتراك في البضع لأن بضع كل منهما يصير مورد العقد، وجعل البضع صداقًا مخالف لإيراد عقد النكاح، وليس المقتضي للبطلان ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسمية الصداق، إلى آخر ما بسط في فروع المسألة.

وأما حكمه ففي هامش "الكوكب"

(1)

: قال النووي: أجمعوا على أنه منهي عنه لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا؟ فعند الشافعي يقتضي إبطاله، وحكاه الخطابي عن أحمد وإسحاق، وقال مالك: يفسخ قبل الدخول وبعده، وفي رواية قبله لا بعده، وقال جماعة: يصح بمهر المثل، وهو مذهب أبي حنيفة، وحكي عن الزهري والليث وهو رواية عن أحمد وإسحاق، وبه قال أبو ثور وابن جرير، كذا في "البذل"، انتهى.

(29 -‌

‌ باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد)

اعلم أن في الترجمة والحديث عدة مباحث: الأول: أن هبة المرأة نفسها خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أو يعم غيره أيضًا؟ وإليه أشار الإمام البخاري بقوله: "هل" ويتفرع على الثاني اختلافهم في أن النكاح بلفظ الهبة جائز أم لا؟ وهو البحث الثاني، والبحث الثالث: هل يجوز النكاح بغير صداق كما يدل عليه لفظ الهبة، ويتضمن هذا مسألتين: الأولى: هل يصح النكاح بغير ذكر الصداق، والثانية: هل يصح بنفي الصداق أم لا؟ والأنسب لهاتين المسألتين ما سيأتي من تبويب المصنف "باب التزويج على القرآن وبغير صداق" فنذكرهما هناك إن شاء الله تعالى.

(1)

"الكوكب الدري"(2/ 235)، و"بذل المجهود"(7/ 639).

ص: 494

والبحث الخامس: ما ذكره الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

إذ كتب: وفي كلام عائشة نوع اختصار من الراوي والأصل أنها قطعت أول الكلام ثم أخذت في الكلام، وهو أنه صلى الله عليه وسلم رخص في نسائه ولم يبق القسم واجبًا عليه، ودلالة الآية على هذا المعنى ظاهرة، وأما إذا أريد الاحتجاج على جواز هبة المرأة نفسها على أن يكون هذا هو المراد بقولها في:"هواك" فهو في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} الآية [الأحزاب: 50]، وهو وإن لم يكن مذكورًا لكنه على هذا التقرير الثاني مراد، وكفت الإشارة بذكر بعض الآية، انتهى.

والأوجه عندي: أن المراد بآية الإرجاء عدم نكاح الواهبات وهو أحد الأقوال المعروفة في سبب نزول الآية وإن كانت مسألة القسم أشهر، وهذا أحد الأبحاث الخمسة بسط الكلام على تلك المباحث في هامش "اللامع"

(2)

فارجع إليه لو شئت التفصيل.

وأما الإجمال فنذكر ههنا: أما البحث الأول - أعني: هبة المرأة نفسها - فلا يجوز لغير النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقًا، ففي "الأوجز" عن الباجي: لا خلاف أنه لا يجوز نكاح بدون صداق لغير النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في ذلك قوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} الآية، إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع". البحث الثاني جواز النكاح بلفظ الهبة، وهو مختلف بين الأئمة ففي "الأوجز"، قال الموفق: ينعقد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج إجماعًا، ولا ينعقد بغيرهما، وبهذا قال ابن المسيب وعطاء والزهري والشافعي، وقال الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأبو عبيدة وداود: ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والتمليك، وقال مالك: ينعقد بذلك إذا ذكر المهر.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 289).

(2)

انظر: "لامع الدراري"(9/ 282 - 288)، "أوجز المسالك"(10/ 314)، "فتح الباري"(9/ 164).

ص: 495

قال الحافظ: قوله: "باب هل للمرأة أن تهب. . ." إلخ، أي: فيحل له نكاحها بذلك، وهذا يتناول صورتين: أحدهما مجرد الهبة من غير ذكر مهر والثاني العقد بلفظ الهبة، فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح وأجازه الحنفية والأوزاعِي ولكن قالوا: يجب مهر المثل، وحجة المجمهور قوله تعالى:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] فعدوا ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المآل، انتهى.

إلى آخر ما ذكر في هامش "اللامع"، في دلائل الفريقين.

(30 -‌

‌ باب نكاح المحرم)

قال الحافظ

(1)

: كأنه يحتج إلى الجواز لأنه لم يذكر في الباب شيئًا غير حديث ابن عباس في ذلك، ولم يخرج حديث المنع كأنه لم يصح عنده على شرطه، انتهى.

والمسألة خلافية شهيرة تقدم شيء من الكلام عليها في "باب تزويج المحرم" من كتاب الحج، وبسط الكلام عليها الشيخ قُدِّس سرُّه في "البذل"

(2)

، وكذا العبد الضعيف في "الأوجز".

(31 -‌

‌ باب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرًا)

قال الحافظ

(3)

: يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة، وقوله في الترجمة:"أخيرًا" يفهم منه أنه مباحًا وأن النهي عنه وقع في آخر الأمر، وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك، لكن قال في آخر الباب: إن عليًّا رضي الله عنه بيَّن أنه منسوخ، وقد وردت عدة أحاديث

(1)

"فتح الباري"(9/ 165).

(2)

راجع: "بذل المجهود"(7/ 213 - 225)، و"أوجز المسالك"(7/ 47، 48).

(3)

"فتح الباري"(9/ 167 - 170).

ص: 496

صحيحة صريحة بالنهي عنها بعد الإذن فيها، وأقرب ما فيها عهدًا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري قال:"كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء، فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدَّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع"، وسأذكر الاختلاف في حديث سبرة هذا، انتهى.

وقال في الكلام على الروايات: وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بين سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر، انتهى.

قوله: (أن عليًّا قال لابن عباس) سيأتي بيان تحديثه له بهذا الحديث في ترك الحيل بلفظ: أن عليًا قيل له: إن ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى بمتعة النساء بأسًا، وفي رواية الثوري ويحيى بن سعيد كلاهما عن مالك عند الدارقطني: أن عليًّا سمع ابن عباس رضي الله عنهما وهو يفتي في متعة النساء، فقال: أما علمت. . . وأخرجه سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن الزهري بدون ذكر مالك، ولفظه أن عليًّا مر بابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها، ولمسلم من طريق جويرة عن مالك يسنده: أنه سمع عليًّا يقول لفلان: إنك رجل تائه، وفي رواية الدارقطني من طريق الثوري أيضًا: تكلم علي وابن عباس في متعة النساء، فقال له علي: إنك امرأ تائه، ولمسلم من وجه آخر: أنه سمع ابن عباس أنه يلين في متعة النساء فقال له: مهلًا يا ابن عباس، ولأحمد من طريق معمر: رخص في متعة النساء، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قال النووي في "شرح مسلم"

(2)

: قال المازري: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزًا في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة ههنا أنه نسخ وانعقد الإجماع على نسخه وتحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة

(1)

"فتح الباري"(9/ 168).

(2)

"شرح النووي على صحيح مسلم"(5/ 200).

ص: 497

من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها، وتعلقوا بقوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] وفي قراءة ابن مسعود: فما استمعتم به منهن إلى أجل، وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآنًا ولا خبرًا، قال: وقال زفر: من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه وكأنه جعل ذكر التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح، فإنها تلغى وتصح النكاح، انتهى.

وبسط الجصاص

(1)

في "أحكام القرآن" على مباحث المتعة في تفسير قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} الآية، وقال: وقد كان ابن عباس يتأول هذه الآية على متعة النساء، وروي عنه فيها أقاويل، روي أنه كان يتأول الآية على إباحة المتعة، إلى آخر ما بسط في الروايات الواردة عنه، ثم قال: فالذي حصل من أقاويل ابن عباس القول بإباحة المتعة في بعض الروايات من غير تقييد لها بضرورة ولا غيرها، والثاني أنها كالميتة تحل بالضرورة، والثالث أنها محرمة، وقد قدمنا ذكر سنده وقوله أيضًا: أنها منسوخة، ثم ذكر الجصاص ما يدل صريحًا على رجوعه عن إباحتها، حيث قال: ذاك السفاح.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "أن عليًّا قال لابن عباس. . ." إلخ، فظاهر كلام علي أنه حمل متعة الأوطاس على أنها كانت للاضطرار ورخصة ثابتة على غير القياس؛ إذ لو لم تكن كذلك لما أفاد التقييد بيوم خيبر معنى بل كان مضرًا له في إثبات مدعاه لأن الفعل الأخير يكون ناسخًا للأول، فإذا انتسخت الحرمة بمتعة الأوطاس لم يبق له دليل على ما أراد الاحتجاج به على ابن عباس، وأما ابن عباس فلعله لم يقتنع بكلام علي رضي الله عنه هذا حيث أفتى بجواز المتعة، انتهى.

(1)

"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 146 - 148).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 290، 291).

ص: 498

وفي هامشه: بسط الكلام في نكاح المتعة الحافظ في "الفتح"

(1)

بما لا مزيد عليه، ولخص كلامه وكلام غيره في "الأوجز"

(2)

وهو مبسوط أيضًا، واختلفت الروايات في زمن النهي عنه، والصحيح الراجح عند الحافظ من تلك الروايات رواية غزوة الفتح، كما سيأتي.

قال الحافظ بعد ما ذكر عن السهيلي اختلاف الروايات في ذلك: فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن: خيبر، ثم عمرة القضاء، ثم الفتح، ثم أوطاس، ثم تبوك، ثم حجة الوداع، وبقي حنين فإما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدًا لخطأ راويها أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدًا، ثم ذكر روايات هذه المواضع وتكلم عليها حديثًا حديثًا، فارجع إليه لو شئت.

ثم قال: فلم يبق من المواطن صحيحًا صريحًا سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح، وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم، كذا في "الأوجز"، وفيه أيضًا: قال النووي: الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعتا مرتين، فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس، ثم حرمت تحريمًا مؤبدًا، قال: ولا مانع من تكرير الإباحة، انتهى مختصرًا.

وقال الحافظ في "التلخيص": حكى العبادي في طبقاته عن الشافعي قال: ليس في الإسلام شيء أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم إلا المتعة، وقال بعضهم: نسخت ثلاث مرات، وقيل: أكثر، ويدل على ذلك اختلاف الروايات في وقت تحريمها، وإذا صحت كلها فطريق الجمع بينها الحمل على التعدد، والأجود في الجمع ما ذهب إليه جمع من المحققين أنها لم تحل قط في حال الحضر والرفاهية بل في حال السفر والحاجة، والأحاديث ظاهرة في ذلك، ويبين ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه:"كنا نغزو وليس لنا نساء فرخص لنا أن ننكح" فعلى هذا كل ما ورد من التحريم في

(1)

"فتح الباري"(9/ 168 - 174).

(2)

راجع: "أوجز المسالك"(10/ 518 - 534).

ص: 499

المواطن المتعددة يحمل على أن المراد بتحريمها في ذلك الوقت أن الحاجة انقضت، ووقع العزم على الرجوع إلى الوطن، فلا يكون في ذلك تحريم أبدًا إلا الذي وقع آخرًا، انتهى.

قوله: (نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية) قال الحافظ

(1)

: والحكمة في جمع علي بين النهي عن الحمر والمتعة أن ابن عباس كان يرخص في الأمرين معًا، وسيأتي النقل عنه في الرخصة في الحمر الأهلية في أوائل كتاب الأطعمة فرد عليه علي رضي الله عنه في الأمرين معًا، انتهى.

قوله: (فقال ابن عباس: نعم) كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: فيه دلالة أيضًا على أنه لم يجوزها على الإطلاق، انتهى.

بل يجوزها لمن يضطر إليها فإنه قد روي عنه كما في هامش "اللامع" أنه قال: ما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر، وقد تقدم اختلاف الروايات عن ابن عباس في هذه المسألة من كلام أبي بكر الجصاص.

(32 -‌

‌ باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح)

قال الحافظ

(3)

: قال ابن المنيِّر في الحاشية: من لطائف البخاري أنه لما علم الخصوصية في قصة الواهبة استنبط من الحديث ما لا خصوصية فيه، وهو جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه فيجوز لها ذلك، وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه، انتهى.

قوله: "جاءت امرأة" قال الحافظ: لم أقف على تعينها، وأشبه من رأيت بقصتها بمن تقدم ذكر اسمهن في الواهبات ليلى بنت قيس بن الخطيم، ويظهر لي أن صاحبة هذه القصة غير التي في حديث سهل، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 170، 171).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 291).

(3)

"فتح الباري"(9/ 175).

ص: 500

(33 -‌

‌ باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير)

قال الحافظ

(1)

تحت حديث الباب: وفيه عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه؛ لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه، وأنه لا استحياء في ذلك، وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه ولو كان متزوجًا؛ لأن أبا بكر كان حينئذ متزوجًا، انتهى.

(34 -‌

‌ باب قول الله عز وجل: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} الآية [البقرة:

235])

قال الحافظ

(2)

: قال ابن التِّين: تضمنت الآية أربعة أحكام: اثنان مباحان: التعريض والإكنان، واثنان ممنوعان: النكاح في العدة والمواعدة فيها، انتهى.

ثم قال الحافظ: اقتصر المصنف في هذا الباب على حديث ابن عباس الموقوف، وفي الباب حديث صحيح مرفوع وهو قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس:"إذا حللت فآذنيني" وهو عند مسلم، وفي لفظ:"لا تفوتينا بنفسك" أخرجه أبو داود، واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات عنها زوجها، واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها.

وأما الرجعية فقال الشافعي: لا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها، والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات، والتعريض مباح للأولى، حرام في الأخيرة، مختلف فيه للبائن، انتهى.

ولم يتعرض العلامة العيني لهذا الاختلاف، نعم تعرض لاختلاف آخر حيث قال

(3)

: وإن صرَّح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد إلا بعد انقضاء العدة صح العقد عند أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى، ولكن ارتكب

(1)

"فتح الباري"(9/ 178).

(2)

"فتح الباري"(9/ 179).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 76).

ص: 501

المنهي، وقال مالك: يفارقها دخل بها أو لم يدخل، ولو وقع العقد في العدة ودخل [بها] فيها يفرق بينهما بلا خلاف بين الأئمة، وقال مالك والليث والأوزاعي: لا يحل له بعد ذلك نكاحها، وقال الباقون: يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إن شاء، انتهى.

(35 -‌

‌ باب النظر إلى المرأة قبل التزويج)

استنبط البخاري جواز ذلك من حديثي الباب، لكون التصريح الوارد في ذلك ليس على شرطه، وقد ورد ذلك في أحاديث أصحها حديث أبي هريرة: قال رجل: إنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنظرت إليها"؟ قال: لا، قال:"فاذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا" أخرجه مسلم والنسائي، وفي لفظ له صحيح: إن رجلًا أراد أن يتزوج امرأة، فذكره، قال الغزالي في "الإحياء": اختلف في المراد بقوله: "شيئًا" فقيل: عمش، وقيل: صغر، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وأما حكم المسألة عند الأئمة فقال العلامة العيني

(2)

: اختلف فيه العلماء فقال طاوس والزهري والحسن البصري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي ومالك وأحمد وآخرون: يباح النظر إلى المرأة التي يريد نكاحها.

وقال عياض: وقال الأوزاعي: ينظر إليها ويجتهد وينظر [منها] مواضع اللحم منها، وقال الشافعي وأحمد: وسواء بإذنها أو بغير إذنها إذا كانت مستترة، وحكى بعض شيوخنا تأويلًا على قول مالك: أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها لأنه حق لها، ولا يجوز عند هؤلاء المذكورين أن ينظر إلى عورتها ولا وهي حاسرة، وعن داود: ينظر إلى جميعها حتى قال ابن حزم: يجوز النظر إلى فرجها، إلى آخر ما بسط في فروع المسألة وتفاصيلها، ثم

(1)

"فتح الباري"(9/ 181).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 77).

ص: 502

قال: وقال طائفة، منهم يونس بن عبيد وإسماعيل ابن علية وقوم من أهل الحديث: لا يجوز النظر إلى الأجنبية مطلقًا إلا لزوجها أو ذي رحم محرم منها، إلى آخر ما ذكر.

قال الحافظ

(1)

: قال الجمهور: لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة، قالوا: ولا ينظر إلى غير وجهها وكفيها، وقال الأوزاعي: يجتهد وينظر إلى ما يريد منها إلا العورة، وقال ابن حزم: ينظر إلى ما أقبل منها وإلى ما أدبر منها، وعن أحمد ثلاث روايات: الأولى كالجمهور، والثانية ينظر إلى ما يظهر غالبًا، والثالثة ينظر إليها متجردة، وقال الجمهور أيضًا: يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها، عن مالك رواية: يشترط إذنها، ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال؛ لأنها حينئذ أجنبية، ورد عليه للأحاديث المذكورة، انتهى.

ويظهر مما تقدم من كلام الحافظين ابن حجر والعيني جواز النظر إلى المخطوبة فقط، ويظهر من كلام القسطلاني استحباب النظر إليها، كما سيأتي كلام القسطلاني.

وفي "الإقناع"

(2)

من فروع الشافعية بحثًا على أنواع النظر: والضرب الرابع النظر لأجل النكاح فيجوز بل يسن إذا قصد نكاحها ورجا رجاء ظاهرًا أنه يجاب إلى خطبته، إلى آخر ما ذكر.

فقال القسطلاني

(3)

: "باب استحباب النظر إلى المرأة" والمرأة إلى الرجل "قبل التزويج" والخطبة لحديث المغيرة عند الترمذي وحسنه والحاكم وصححه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أي: تدوم بينكما المودة والألفة وأن يكون بعد العزم وقبل الخطبة لحديث أبي داود: "إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن

(1)

"فتح الباري"(9/ 182).

(2)

"الإقناع"(2/ 118 - 120).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 466).

ص: 503

ينظر إليها" وإنما اعتبر ذلك قبل الخطبة لأنه لو كان بعد فلربما أعرض عنها فيؤذيها، إلى آخر ما بسط.

(36 -‌

‌ باب من قال: لا نكاح إلا بولي)

قال العيني

(1)

: هذا لفظ حديث رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي موسى الأشعري، وإنما ترجم بهذا ولم يخرجه لكونه ليس على شرطه وكذلك لم يخرجه مسلم، وفيه كلام كثير قد ذكرناه عن قريب، ولكن لما كان ميله إلى من قال: لا نكاح إلا بولي، احتج بثلاث آيات ذكر هنا من كل آية قطعة، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: استنبط المصنف هذا الحكم من الآيات والأحاديث التي ساقها لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة على غير شرطها، ثم بسط الحافظ الكلام على هذا الحديث، ورجح وصله إذ قال: ومن تأمل ما ذكرته عرف أن الذين صححوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل الذي وصله على غيره، إلى آخر ما ذكر.

والمسألة خلافية قال الشيخ في "الكوكب"

(3)

: وقال الشافعي بظاهر الحديث أن لا نكاح إلا بولي، وعندنا إما أن يكون المراد بالنكاح هو الذي لا يستغنى فيه عن الولي كنكاح الصغيرة والأمة، أو المراد به نفي نفاذه وتمامه بحيث لا يتيسر للولي إبطاله إذا كان فيه إبطال حق له، كما إذا تزوجت في غير كُفْءٍ أو بأقل من مهر مثلها جمعًا بين الروايات وبينها وبين الآيات، أو يراد نفي حسنه فإن النكاح الذي لم يرض به الأولياء غير مستحسن شرعًا وعرفًا، انتهى.

وفي هامشه: وبقول الشافعي قال أحمد، وقال مالك: إن كانت

(1)

"عمدة القاري"(14/ 79).

(2)

"فتح الباري"(9/ 183، 184).

(3)

"الكوكب الدري"(2/ 217).

ص: 504

المرأة دنية يجوز لها أن تزوج نفسها أو توكل من يزوجها، وإن كانت شريفة لا بد من وليها، وقال الإمام الأعظم: لا يعتبر الولي في البالغة، وفي ابن الهمام: حاصل ما في الولي عن علمائنا سبع روايات، روايتان عن أبي حنيفة، هكذا في "البذل"

(1)

، انتهى.

قلت: والروايات السبع بسطت في "فتح القدير" وظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف ينعقد بدون الولي لكن لا يستحب، وعن محمد: ينعقد موقوفًا.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: "باب من قال: لا نكاح إلا بولي" وجملة ما أورده فيه لا تثبت أن جواز النكاح متوقف على إجازته فلا حاجة إلى الجواب أصلًا، انتهى.

وفي هامشه: ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه واضح فإن الإمام البخاري ذكر في الباب أربعة أحاديث ليس في واحد منها توقف النكاح على الولي، غاية ما في تلك الأحاديث إنكاح الرجل وليته، ولا ينكره أحد، إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع".

وفي "الفيض"

(3)

: واعلم أن ههنا مسألتين: الأولى: أن النكاح لا ينعقد إلا برضا الولي وإجازته، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد، والثانية: أن النساء لا أهلية فيهن للإنكاح فلا ينعقد النكاح بعبارتهن وإن أجاز به الولي ألف مرة، فمحصّل مذهب الجمهور أن رضا الولي مقدم على رضا المولية، وكذا العقد الذي هو عبارة عن الإيجاب والقبول لا يصلح إلا للرجال فإن عقدت النكاح بنفسها لم ينعقد وإن رضي به الولي أيضًا، وذهب صاحبا أبي حنيفة إلى اشتراط الولي فقط، فالضروري عندهما رضا الولي سواء صدر النكاح بعبارته أو بعبارتها، قلت: وليت شعري من أين

(1)

"بذل المجهود"(7/ 656)، وانظر:"فتح القدير"(3/ 355).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 296 - 299).

(3)

"فيض الباري"(5/ 520، 521).

ص: 505

فهموا أن الحديث حجة لهم في المسألة الثانية أيضًا، فإن أقصى ما يدل عليه الحديث لغةً هو أن رضا الولي وشركته أمر ضروري وأن النكاح لا يكون إلا بشهوده، سواء لحقته إجازة سابقة أو لاحقة، وسواء صدر النكاح من عبارة المولية أو وليها، فالحديث إن كان حجة ففي المسألة الأولى، وأما المسألة الثانية فلا مساس له بها، إلى آخر ما بسط الكلام على المسألة وفي ترجيح مسلك الحنفية أشد البسط.

(37 -‌

‌ باب إذا كان الولي هو الخاطب)

قال الحافظ

(1)

رحمه الله: أي: هل يزوج نفسه أو يحتاج إلى ولي آخر، قال ابن المنيِّر: ذكر في الترجمة ما يدل على الجواز والمنع معًا ليكل الأمر في ذلك إلى نظر المجتهد، كذا قال، وكأنه أخذه من تركه الجزم بالحكم، لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يرى الجواز فإن الآثار التي فيها أمر الولي غيره أن يزوجه ليس فيها التصريح بالمنع من تزويجه نفسه، وقد أورد في الترجمة أثر عطاء الدالّ على الجواز، وإن كان الأولى عنده أن لا يتولى أحد طرفي العقد، وقد اختلف السلف في ذلك فقال الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبو حنيفة وأكثر أصحابه: يزوج الولي نفسه، وعن مالك: لو قالت الثيب لوليها: زوجني بمن رأيت، فزوّجها من نفسه أو ممن اختار لزمها ذلك ولو لم تعلم عين الزوج، وقال الشافعي: يزوجهما السلطان أو ولي آخر مثله أو أقعد منه، ووافقه زفر وداود، وحجتهم أن الولاية شرط في العقد فلا يكون الناكح منكحًا كما لا يبيع من نفسه، انتهى.

وقال القسطلاني

(2)

: قوله: "إذا كان الولي هو الخاطب" كابن العم هل يزوج نفسه أو يزوجه ولي غيره، اختلف في ذلك فقال الشافعية: إذا أراد الولي تزويجها كابن العم لم يتول الطرفين فيزوجه من في درجته كابن عم آخر، فإن لم يكن زوّجه القاضي فإن أراد القاضي تزويجها زوّجه قاض

(1)

"فتح الباري"(9/ 188).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 475 - 477).

ص: 506

آخر بمحل ولايته إذا كانت المرأة في عمله أو يستخلف من يزوجه إن كان له الاستخلاف، وقال أيضًا بعد الحديث الأول من حديثي الباب: فإن قلت: ما وجه المطابقة؟ أجيب: في قوله: "فيرغب عنها أن يتزوجها" لأنه أعم من أن يتولى ذلك بنفسه أو يأمر غيره فيزوجه، وبه احتج محمد بن الحسن؛ لأن الله تعالى لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل الجمال والمال بدون سنتها من الصداق، وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحد على ترك ما هو حرام عليه، انتهى من "الفتح".

وقال بعد الحديث الثاني: قال في "فتح الباري": ووجه المطابقة بهذا الحديث يعني لمناسبة الترجمة الإطلاق أيضًا لكن انفصل من منع ذلك بأنه معدود من خصائصه أن يزوج نفسه وبغير ولي ولا شهود ولا استئذان وبلفظ هبة، انتهى.

وفي "الفيض"

(1)

: باب إذا كان الولي هو الخاطب، كابن العم ببنت عمه وحينئذ هل يكفي له اللفظ الواحد أو يجب اللفظان؛ فليراجع له "الكنز"، وأما ما في حديث البخاري من قوله:"قد تزوجتك" ففيه لفظ واحد فقط، ثم في "الهداية": إن إحدى الصيغتين إذا كانت للأمر والأخرى للماضي انعقد النكاح، ثم للمشايخ فيه بحث وهو أن صيغة الأمر منهما إيجاب والماضي قبول، أو أنها توكيل والماضي يقوم مقام الإيجاب والقبول، وليراجع له "البحر الرائق".

(38 -‌

‌ باب إنكاح الرجل ولده الصغار)

ضبط "ولده" بضم الواو وسكون اللام على الجمع وهو واضح، وبفتحهما على أنه اسم جنس وهو أعم من الذكور والإناث.

(1)

"فيض الباري"(5/ 527).

ص: 507

قوله: (لقول الله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]. . .) إلخ، أي فدل على أن نكاحها قبل البلوغ جائز، وهو استنباط حسن لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر، ويمكن أن يقال: الأصل في الأبضاع التحريم إلا ما دل عليه الدليل، وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبي بكر لها وهي دون البلوغ، فبقي ما عداه على الأصل، ولهذا السر أورد حديث عائشة قال المهلب: أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها لعموم قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فيجوز نكاح من لم يحضن من أول ما يخلق، وإنما اختلفوا في غير الآباء إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقًا أن الأب لا يزوّج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه، ومقابله تجويز الحسن والنخعي للأب إجبار بنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرًا كانت أو ثيبًا، انتهى من "الفتح" بزيادة من "العيني"

(1)

.

وفي "فيض الباري"

(2)

: قوله: "فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ" ومعلوم أنها لا تعتد إلا بعد النكاح ثم الطلاق، والظاهر أن الصغير لا ينكحه إلا أبوه فظهرت الترجمة، انتهى.

قلت: وسيأتي قريبًا "باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها" وقالت الشرَّاح كما سيأتي هناك: أي سواء كانتا صغيرتين أو كبيرتين، فعلى هذا الظاهر عندي أن يقال: إن غرض المصنف بهذه الترجمة الردّ على ابن شبرمة حيث لم يجوز نكاح الصغيرة التي لا توطأ مطلقًا، والغرض من الترجمة الآتية بيان مسألة الإجبار، قال العيني

(3)

ههنا: قال صاحب "التلويح": وكأن البخاري أراد بهذه الترجمة الردّ على ابن شبرمة فإن الطحاوي حكى عنه أن تزويج الآباء الصغار لا يجوز ولهن الخيار إذا بلغن، قال: وهذا لم يقل به أحد غيره، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 190)، و"عمدة القاري"(14/ 87).

(2)

"فيض الباري"(5/ 527).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 87).

ص: 508

وعلى هذا لا مخالفة بين هذه الترجمة وبين الترجمتين الآتيتين: "باب لا ينكح الأب وغيره. . ." إلخ" و"باب إذا زوج ابنته. . ." إلخ.

(39 -‌

‌ باب تزويج الأب ابنته من الإمام)

في هذه الترجمة إشارة إلى أن الولي الخاص يقدّم على الولي العام، وقد اختلف فيه عن المالكية، قال ابن بطال: دل حديث الباب على أن الأب أولى في تزويج ابنته من الإمام، وأن السطان ولي من لا ولي لها، وأن الولي من شروط النكاح.

قلت: ولا دلالة في الحديثين على اشتراط شيء من ذلك وإنما فيهما وقوع ذلك ولا يلزم منه ما عداه، وإنما يؤخذ ذلك من أدلة أخرى، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(40 -‌

‌ باب السلطان ولي. . .) إلخ

قال الحافظ

(2)

: ساق فيه حديث سهل بن سعد في الواهبة، وقد ورد التصريح بأن السلطان ولي في حديث عائشة المرفوع:"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" الحديث وفيه: "السلطان ولي من لا ولي لها" أخرجه أبو داود والترمذي وحسّنه، وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، لكنه لما لم يكن على شرط استنبطه من قصة الواهبة، انتهى.

وقال العيني

(3)

: قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن السلطان ولي من لا ولي له، وأجمعوا أن له أن يزوجها إذا دعت إلى كفء وامتنع الولي أن يزوجها، واختلفوا إذا غاب عن البكر أبوها وعمي خبره وضربت فيه الآجال من يزوجها، فقال أبو حنيفة ومالك: يزوجها أخوها بإذنها، وقال

(1)

"فتح الباري"(9/ 190).

(2)

"فتح الباري"(9/ 191).

(3)

"عمدة القاري"(4/ 88، 89).

ص: 509

الشافعي: يزوجها السلطان دون باقي الأولياء، وكذلك الثيب إذ غاب أقرب أوليائها، واختلفوا في الولي من هو؟ فقال مالك والشافعي: هو العصبة الذي يرث وليس الخال ولا الجد لأم ولا الإخوة للأم أولياء عند مالك في النكاح، وقال محمد بن الحسن: كل من لزمه اسم ولي فهو ولي يعقد النكاح، انتهى.

وفي "الفيض"

(1)

: والسلطان قد يكون وليًا في فقهنا أيضًا كما إذا لم يكن له العصبة بنفسه، انتهى.

(41 -‌

‌ باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها)

كذا في النسخة "الهندية" بإفراد الضمير، وفي نسخة "الفتح" و"القسطلاني" وكذا في نسخة الحاشية "برضاهما" بضمير التثنية، قال صاحب "الفيض"

(2)

: والظاهر أنه أشار إلى موافقته لأبي حنيفة أن ولاية الإجبار تنقطع بالبلوغ؛ لأن الصغيرة لا ولاية لها على نفسها فهي مستثناة عقلًا، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكرًا كانت أو ثيبًا، صغيرة كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، لكن تستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها، انتهى.

وهكذا قال القسطلاني إلا أنه لم يذكر ما ذكره الحافظ بقوله: لكن تستثنى الصغيرة إلخ.

قال الحافظ

(4)

: في هذه الترجمة أربع صور: تزويج الأب البكر،

(1)

"فيض الباري"(5/ 528).

(2)

"فيض الباري"(5/ 528).

(3)

"فتح الباري"(9/ 191، 192)، وانظر:"إرشاد الساري"(11/ 480).

(4)

"فتح الباري"(9/ 191).

ص: 510

وتزويج الأب الثيب، وتزويج غير الأب البكر، وتزويج غير الأب الثيب، وإذا اعتبرت الكبر والصغر زادت الصور، فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها اتفاقًا إلا من شذ كما تقدم، والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقًا إلا من شذ كما تقدم، والثيب غير البالغ اختلف فيها فقال مالك وأبو حنيفة: يزوجها أبوها كما يزوج البكر، وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد: لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطء لا بغيره، والعلة عندهم أن إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر، والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء، واختلف في استئمارها والحديث دال على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت، وقد ألحق الشافعي الجد بالأب، وقال أبو حنيفة والأوزاعي في الثيب الصغيرة: يزوجها كل ولي فإذا بلغت ثبت لها الخيار، وقال أحمد: إذا بلغت تسعًا جاز للأولياء غير الأب نكاحها، وكأنه أقام المظنة مقام المئنة، وقال مالك: يلتحق بالأب في ذلك وصي الأب دون بقية الأولياء لأنه أقامه مقامه، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

: وللعلماء في هذا المقام تفصيل واختلاف، فذكر نحو ما تقدم عن الحافظ، والظاهر من هذه الترجمة وكذا من الترجمة الآتية أن المصنف ذهب إلى المنع مطلقًا ولم يقل بالإجبار أصلًا ولم يذهب في المسألة إلى التفصيل المذكور التي اختارها الأئمة الأربعة، ويؤيد أيضًا ما سيأتي في كتاب الإكراه "باب لا يجوز نكاح المكره" ولم يذكر فيه تفصيلًا.

وحاصل الخلاف في هذه المسألة: أن الأئمة الأربعة أجمعوا على جواز إجبار البكر الغير البالغة، وكذا أجمعوا على عدم جواز إجبار الثيب البالغة، واختلفوا في إجبار الثيب الصغيرة يجوز عندنا ومالك لا عندهما، وكذا اختلفوا في البكر البالغة فلا يجوز عندنا ويجوز عند الأئمة الثلاثة،

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 481).

ص: 511

قال ابن رشد

(1)

في سبب اختلافهم: إنهم اختلفوا في موجب الإجبار هل هو البكارة أو الصغر، فمن قال: الصغر قال: لا يجبر البكر البالغة، ومن قال: البكارة قال: يجبر البكر البالغ ولا تجبر الثيب الصغيرة، ومن قال: كل واحد منهما قال: يجبر البكر البالغ والثيب الغير البالغ، والتعليل الأول تعليل أبي حنيفة، والثاني تعليل الشافعي، والثالث تعليل مالك، والأصول أكثر شهادة بتعليل أبي حنيفة، انتهى.

(42 -‌

‌ باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود)

قال الحافظ

(2)

: هكذا أطلق فشمل البكر والثيب لكن حديث الباب مصرح فيه بالثيوبة، فكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه، وردّ النكاح إذا كانت ثيبًا فزوجت بغير رضاها إجماع إلا ما نقل عن الحسن أنه أجاز إجبار الأب للثيب ولو كرهت، وعن النخعي: إن كانت في عياله جاز وإلا ردّ، واختلفوا إذا وقع العقد بغير رضاها فقالت الحنفية: إن أجازته جاز، وعن المالكية: إن أجازته عن قرب جاز وإلا فلا، وردّه الباقون مطلقًا، انتهى.

وكتب مولانا الشيخ أحمد علي المحدث السهارنفوري في حاشية البخاري

(3)

تفريعًا على قول الحافظ: فشمل البكر والثيب: كما هو مذهب الحنفية، وكتب أيضًا على قوله: كما سأبينه. ولعل المراد به ما ذكره بقوله: وقع في رواية الثوري: "فقالت: أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر" والأول أرجح، انتهى.

لكن لا يخفى أن وقوع الواقعة للثيبة بحسب الاتفاق لا يوجب أن يكون حكم البكر مخالفًا لها، والله تعالى أعلم، انتهى.

قال العيني

(4)

: قيل: هذه الترجمة مخالفة للترجمة السابقة حيث قال:

(1)

"بداية المجتهد"(2/ 6).

(2)

"فتح الباري"(9/ 194).

(3)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 471).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 91).

ص: 512

باب نكاح الرجل ولده الصغار، وأجيب بأن المراد بنته البالغة، يدل عليه قوله:"وهي كارهة" لأن هذه الصفة للبالغات، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

في شرح قول المصنف في الترجمة: فنكاحه مردود: إذا كانت ثيبًا اتفاقًا من الأئمة الأربعة، انتهى.

قلت: وقد ذكرت مقصود الترجمة السابقة هناك ولا يبقى حينئذ المخالفة بين الترجمتين كما ذكر العيني، وقد تقدم مني أيضًا أن الإمام البخاري لا يقول بالإجبار مطلقًا كما يستأنس ذلك من صنيعه في وضع التراجم في تلك المسألة، والله تعالى أعلم، وكذا لا يجوّز الإمام البخاري نكاح الرجل المكره فقد ترجم في كتاب الإكراه بعدم جوازه كما يأتي في محله.

(43 -‌

‌ باب تزويج اليتيمة، لقوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا} الآية [النساء:

3])

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث عائشة في تفسير الآية المذكورة وفيه دلالة على تزويج الولي غير الأب التي دون البلوغ بكرًا كانت أو ثيبًا؛ لأن حقيقة اليتيمة من كانت دون البلوغ ولا أب لها وقد أذن في تزويجها بشرط أن لا يبخس من صداقها، فيحتاج من منع ذلك إلى دليل قوي، انتهى.

وكذا قال القسطلاني

(3)

وزاد: وقد اختلف في ذلك فقال أصحاب أبي حنيفة: يصح النكاح ولها الخيار إذا بلغت في فسخ النكاح وإجازته، وقال الشافعي: باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليتيمة تستأمر" واليتيمة اسم للصغيرة التي لا أب لها وهي قبل البلوغ لا عبرة بإذنها، وكأنه صلى الله عليه وسلم شرط بلوغها فمعناه: لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 482).

(2)

"فتح الباري"(9/ 197).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 485).

ص: 513

قلت: فحديث الباب يوافق الحنفية ويخالف الشافعية قال صاحب "الجوهر النقي"

(1)

جوابًا عن استدلال البيهقي بحديث: "تستأمر اليتيمة": قلت: قد ذكر البيهقي فيما بعد في "باب اليتيمة تكون في حجر وليها" عن عائشة سبب نزول قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] وعزاه إلى الصحيحين، وفيه دليل على أن للأولياء إنكاح اليتامى قبل بلوغهن إذ لا يتم بعد الاحتلام، إلى آخر ما ذكر.

قوله: (وإذا قال: زوجني فلانة فمكث ساعة. . .) إلخ.

كتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: يعني بذلك: أن الإيجاب لا يبطل بالمكث والسكوت ما لم يشتغل بأمر آخر يدل على الإعراض، وفيه رد على أصحاب مالك حيث ذهبوا إلى بطلان الإيجاب إذا لم يقارنه القبول من غير تلبث وتربث، انتهى.

وفي هامشه: كما هو المعروف عند المالكية، ثم ذكر فيه النصوص عن كتب فروع المالكية، ثم ذكر: وبنحو قول المالكية قال الشافعية، قال الشلبي على "هامش الزيلعي على الكنز": وفي "البدائع": الفور في القبول ليس بشرط عندنا خلافًا للشافعي، وفي "التجريد": قبول النكاح في المجلس قول أصحابنا، وقال الشافعي على الفور، انتهى.

قوله: (فيه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ

(3)

: يعني حديث الواهبة وقد تقدم مرارًا، ومراده منه أن التفريق بين الإيجاب والقبول إذا كان في المجلس لا يضر ولو تخلل بينهما كلام آخر، وفي أخذه من هذا الحديث نظر لأنها واقعة عين يطرقها احتمال أن يكون قبل عقب

(4)

الإيجاب، انتهى.

(1)

"الجوهر النقي"(7/ 131).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 303، 304).

(3)

"فتح الباري"(9/ 197).

(4)

كذا في الأصل والظاهر أنه تصحيف والصواب: "قبل عقد الإيجاب"، (ز).

ص: 514

قال العلامة العيني

(1)

في وجه الاستدلال بحديث سهل: وفي آخر هذا الحديث: ملكتكها أو زوجتكها، وجرى بين قوله: زوجنيها، وبين قوله عليه الصلاة والسلام:"زوجتكها" أشياء كثيرة كما ذكرها في الحديث ولم يضر ذلك لاتحاد المجلس، انتهى.

(44 -‌

‌ باب إذا قال الخاطب: زوجني فلانة. . .) إلخ

قال الحافظ

(2)

: في رواية الكشميهني: "إذا قال الخاطب للولي" وبه يتم الكلام وهو الفاعل في قوله: "وإن لم يقل" وأورد المصنف فيه حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة أيضًا، وهذه الترجمة معقودة لمسألة هل يقوم الالتماس مقام القبول فيصير كما لو تقدم القبول على الإيجاب كأن يقول: تزوجت فلانة على كذا فيقول الولي: زوجتكها بذلك، أو لا بد من إعادة القبول، فاستنبط المصنف من قصة الواهبة أنه لم ينقل بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم:"زوجتكها بما معك من القرآن" أن الرجل قال: قد قبلت، لكن اعترضه المهلب فقال: بساط الكلام في هذه القصة أغنى عن توقيف الخاطب على القبول لما تقدم من المراوضة والطلب والمعاودة في ذلك، فمن كان في مثل حال هذا الرجل الراغب لم يحتج إلى تصريح منه بالقبول لسبق العلم برغبته، بخلاف غيره ممن لم تقم القرائن على رضاه، انتهى.

وغايته أنه يسلم الاستدلال لكن يخصه بخاطب دون خاطب وقد قدمت في الذي قبله وجه الخدش في أصل الاستدلال، انتهى.

قلت: وهو ما تقدم في الباب السابق من قوله: وفي أخذه من هذا الحديث نظر إلخ.

وقال القسطلاني

(3)

تحت الترجمة: وهذا مذهب الشافعية لوجود الاستدعاء الجازم، ولقوله في حديث الباب: "زوجنيها، فقال: زوجتكها

(1)

"عمدة القاري"(14/ 93).

(2)

"فتح الباري"(9/ 198).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 485).

ص: 515

بما معك من القرآن" ولم ينقل أنه قال بعد ذلك: قبلت نكاحها، انتهى.

قلت: وكذا عند الحنفية، وفي تقرير مولانا محمد حسن المكي: قوله: "جاز النكاح" ولا حاجة إلى القبول وهو المذهب فإن الواحد يتولى طرفي النكاح، وفي "الهداية": وينعقد باللفظين يعبر بأحدهما عن الماضي وبالآخر عن المستقبل، مثل أن يقول: زوجني، فيقول: زوجتك؛ لأن هذا توكيل بالنكاح والواحد يتولى طرفي النكاح، انتهى

(1)

.

(45 -‌

‌ باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع)

قال الحافظ

(2)

بعد ذكر حديث الباب: قال الجمهور: هذا النهي للتحريم، وقال الخطابي: هذا النهي للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء كذا قال، ولا ملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل عندهم للتحريم ولا يبطل العقد، بل حكى النووي أن النهي فيه للتحريم بالإجماع، ولكن اختلفوا في شروطه فقال الشافعية والحنابلة: محل التحريم ما إذا صرَّحت المخطوبة أو وليها الذي أذنت له حيث يكون إذنها معتبرًا بالإجابة، فلو وقع التصريح بالردّ فلا تحريم، فلو لم يعلم الثاني بالحال فيجوز الهجوم على الخطبة لأن الأصل الإباحة، وعند الحنابلة في ذلك روايتان، وإن وقعت الإجابة بالتعريض كقولها: لا رغبة عنك، فقولان عند الشافعية: الأصح وهو قول المالكية والحنفية لا يحرم أيضًا وإذا لم تردّ ولم تقبل فيجوز، وإذا وجدت شروط التحريم ووقع العقد للثاني فقال الجمهور: يصح مع ارتكاب التحريم، وقال داود: يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده، وعند المالكية خلاف كالقولين، وقال بعضهم: يفسخ قبله لا بعده، وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة والخطبة ليست شرطًا في

(1)

"لامع الدراري"(9/ 305).

(2)

"فتح الباري"(9/ 199، 200).

ص: 516

صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة، فحكى الطبري أن بعض العلماء، قال: إن هذا النهي منسوخ بقصة فاطمة بنت قيس، ثم ردّه وغلّطه بأنها جاءت مستشيرة فأشير عليها بما هو الأولى ولم يكن هناك خطبة على خطبة كما تقدم، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

في بيان المذاهب: وقال الشيخ خليل من المالكية: تحرم خطبة راكنة لغير فاسق، قال شارحه: قوله: لغير فاسق، احتراز مما إذا ركنت لفاسق فإن خطبتها لا تحرم، انتهى.

وذكره الحافظ أيضًا وزاد ورجحه ابن العربي من المالكية وهو متجه فيما إذا كانت المخطوبة عفيفة فيكون الفاسق غير كُفْءٍ لها فتكون خطبته كلا خطبة، ولم يعتبر الجمهور ذلك إذا صدرت منها علامة القبول. . . إلى آخر ما ذكر في فروع تلك المسألة.

(46 -‌

‌ باب تفسير ترك الخطبة)

ذكر فيه طرفًا من حديث عمر حين تأيمت حفصة، وفي آخره قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: ولو تركها لقبلتها، قال ابن بطال ما ملخصه: تقدم في الباب الذي قبله تفسير ترك الخطبة صريحًا في قوله: "حتى ينكح أو يترك" وحديث عمر في قصة حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة؛ لأن عمر لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حفصة، قال: ولكنه قصد معنى دقيقًا يدل على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط، وذلك أن أبا بكر علم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب إلى عمر أنه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على ما أنعم الله عليه به من ذلك، فقام علم أبي بكر بهذا الحال مقام الركون والتراضي، فكأنه يقول: كل من علم أنه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لأحد أن يخطب على خطبته.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 488)، و"فتح الباري"(9/ 200).

ص: 517

وقال ابن المنيِّر: الذي يظهر لي أن البخاري أراد أن يحقق امتناع الخطبة على الخطبة مطلقًا؛ لأن أبا بكر امتنع ولم يكن انبرم الأمر بين الخاطب والولي، فكيف لو انبرم وتراكنا، فكأنه استدلال منه بالأولى، قلت: وما أبداه ابن بطال أدق وأولى، والله أعلم، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قلت: وحاصل ما أبداه ابن بطال وهو الأوجه عندي أن الإمام البخاري أشار أن إرادة الرجل الخطبة أيضًا داخل في الخطبة؛ لأن أبا بكر امتنع عن الخطبة لعلمه إرادته صلى الله عليه وسلم الخطبة، مع أنه عليه السلام يخطب بعد، وإذا كانت إرادة الخطبة في حكم الخطبة فترك الإرادة تركها، فطابق الحديث بالترجمة.

وكتب الشيخ المحدث مولانا أحمد علي السهارنفوري في هامش النسخة "الهندية"

(2)

: قوله: "تفسير ترك الخطبة" أي: الاعتذار عن تركها، قال شارح التراجم: مراد البخاري الاعتذار عن الولي إذا خطب رجلًا على وليته لما في ذلك من ألم عار الردّ على الولي كذا في الكرماني، ثم ذكر ما تقدم من كلام الحافظ.

وفي "الفيض"

(3)

في شرح ترجمة الباب: يعني أن القرائن الدالة على إرادة ترك التزوج كافية ولا يحتاج إلى أن يصرِّح به أيضًا.

قوله: (ولو تركها لقبلتها) قاله أبو بكر لعمر، بقي أن أبا بكر كيف علم أن النبي صلى الله عليه وسلم تاركها؟ قلت: بهذه القرائن التي يعرف بها الدنيا.

(47 -‌

‌ باب الخطبة)

قال العلامة القسطلاني

(4)

: الخطبة بضم الخاء، أي: استحبابها قبل العقد، قال في "فتح الباري"

(5)

: وجه مناسبة الحديث للترجمة كأنه أشار

(1)

"فتح الباري"(9/ 201).

(2)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 481).

(3)

"فيض الباري"(5/ 531).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 489، 490).

(5)

"فتح الباري"(9/ 202).

ص: 518

إلى أن الخطبة وإن كانت مشروعة في النكاح فينبغي أن لا يكون فيها ما يقتضي صرف الحق إلى الباطل بتحسين الكلام، وقال المهلب: الخطبة في النكاح إنما شرعت للخاطب ليسهل أمره فشبه حسن التوصل إلى الحاجة بحسن الكلام فيه لاستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسحر، وإنما كان كذلك لأن النفوس طبعت على الأنفة من ذكر الموليات في أمر النكاح، فكان حسن التوصل لدفع تلك الأنفة وجهًا من وجوه السحر الذي يصرف الشيء إلى غيره، والمستحب في النكاح أربع خطب: خطبة من الخاطب قبل الخطبة بكسر الخاء، وخطبة من المجيب قبل الإجابة، وخطبتان قبل النكاح: إحداهما من الولي قبل الإيجاب، والأخرى من الخاطب قبل القبول؛ لحديث:"كل أمر ذي بال" ثم ذكر القسطلاني ألفاظ الخطبة المخرجة في "السنن" فارجع إليه لو شئت.

وقال الحافظ

(1)

: قال الترمذي: وقد قال أهل العلم: إن النكاح جائز بغير خطبة، وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم، انتهى.

وقد شرطه في النكاح بعض أهل الظاهر وهو شاذ، انتهى.

وفي "الفيض"

(2)

تحت ترجمة الباب: وهي مستحبة إلا أن الحديث فيه ليس على شرطه فأتى بحديث في الجنس، انتهى.

(48 -‌

‌ باب ضرب الدف في النكاح والوليمة)

يجوز في الدف ضم الدال وفتحها - وقال القسطلاني

(3)

: والضم أفصح - وقوله: "والوليمة" معطوف على النكاح، أي: ضرب الدف في الوليمة وهو من العام بعد الخاص، ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة، وأن ضرب الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلًا وعند الوليمة كذلك، والأول أشبه، وكأنه أشار بذلك إلى ما في بعض طرقه على

(1)

"فتح الباري"(9/ 202).

(2)

"فيض الباري"(5/ 531).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 490).

ص: 519

ما سأبينه، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قلت: ولعله أشار بذلك إلى ما ذكره بعد ذلك إذ قال: وأخرج الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من الأنصار في عرس لهن وهن يغنين" الحديث، قال المهلب: في هذا الحديث إعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح، انتهى.

قلت: وأوضح من ذلك ما في العيني

(2)

برواية الترمذي عن محمد بن حاطب الجمحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت" وصححه ابن حبان والحاكم وبسط العيني الكلام على سند هذا الحديث.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: قوله: "في النكاح والوليمة" عطف على النكاح، ودلالة الحديث على الجزء الثاني ظاهرة لقولها:"غداة بنى بي" وإذا جاز في الوليمة وهي من متعلقات النكاح جاز فيه أيضًا، انتهى.

قال القسطلاني

(4)

تحت حديث الباب: وفيه جواز ضرب الدف في النكاح، وقد قال الشافعية بجواز اليراع والدف وإن كان فيه جلاجل في الأملاك والختان وغيرهما، وقيل: يحرم اليراع وهو المزمار العراقي، ويحرم الغناء مع الآلات مما هو من شعار شاربي الخمر كالطنبور وسائر المعازف، أي: الملاهي من الأوتار والمزامير فيحرم استعماله واستماعه قصدًا، فلو لم يقصد لم يحرم، ولا يحرم الطبل إلا الكوبة وهي طبل طويل متسع الطرفين ضيق الوسط يعتاد ضربه المخنثون، ولا يحرم ضرب الكف بالكف كما صرَّح به في "الإرشاد" وغيره، ولا الرقص إلا أن يكون فيه تكسر وتثن، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 202).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 100).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 307).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 491).

ص: 520

وبسط الكلام في حكم الغناء ومسالك الأئمة فيه في هامش "اللامع" في كتاب العيدين، وفيه عن العيني بحثًا على المسألة

(1)

: ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحه غيره من الآلات كالعود ونحوه، وسئل أبو يوسف عن الدف أتكرهه في غير العرس مثل المرأة في منزلها والصبي؟ قال: فلا كراهة، وأما الذي يجيء منه اللعب الفاحش فإني أكرهه، انتهى.

وقال ابن عابدين

(2)

: وعن الحسن: لا بأس بالدف في العرس ليشتهر، وفي "السراجية": هذا إذا لم يكن له جلاجل ولم يضرب على هيئة التطرب، انتهى.

وقال الحافظ

(3)

: وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم: "أعلنوا النكاح"، زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة:"واضربوا عليه بالدف" وسنده ضعيف، ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب:"فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف"، واستدل بقوله:"واضربوا" على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن، انتهى.

وقال صاحب "الفيض"

(4)

: قوله: "باب ضرب الدف. . ." إلخ، ويستفاد من تكملة "فتح القدير" جواز الطبل أيضًا لأنه لا حظّ فيه للنفس، وإنما يتلذذ به من مسخ طبعه، وهو المختار عندي، وإن كان فيه خلافًا للشاه محمد إسحاق، فظهر أن المناط على حظ الطبائع السليمة، انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(4/ 105).

(2)

"رد المحتار"(9/ 505).

(3)

"فتح الباري"(9/ 226).

(4)

"فيض الباري"(5/ 531).

ص: 521

(49 -‌

‌ باب قول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً. . .} [النساء: 4]) إلخ

قال صاحب "الفيض"

(1)

: الظاهر أنه اختار مذهب الشافعي في عدم تعيين المهر، وقال أبو حنيفة: لا مهر أقل من عشرة دراهم، إلا أن في إسناده حجاج بن أرطاة، وحسن الترمذي حديثه في غير واحد من المواضع من كتابه، وإن كان المحدِّثون لا يعتبرون بتحسينه، أما أنا فأعتمد بتحسينه، وذلك لأن الناس عامة ينظرون إلى صورة الإسناد فقط، والترمذي ينظر إلى حاله في الخارج أيضًا، وهذا الذي ينبغي، والقصر على الإسناد فقط قصور، إلى آخر ما بسط.

قال الحافظ

(2)

: هذه الترجمة معقودة لأن المهر لا يتقدر أقله، والمخالف في ذلك المالكية والحنفية، ووجه الاستدلال مما ذكره الإطلاق من قوله:{صَدُقَاتِهِنَّ} ومن قوله: {فَرِيضَةٌ} ، وقوله: في حديث سهل: "ولو خاتمًا من حديد"، وأما قوله:"وكثرة المهر" فهو بالجر عطف على قول الله في الآية التي تلاها، وهو قوله:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] فيه إشارة إلى جواز كثرة المهر، انتهى.

قلت: واختلف الأئمة في مقدار أقل المهر، قال الحافظ

(3)

: قال ابن المنذر: وهو ما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه بما فيه منفعة كالسوط والنعل وإن كانت قيمته أقل من درهم، وبه قال أهل المدينة غير مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وداود وابن وهب من المالكية، وقال أبو حنيفة: أقله عشرة، وقال ابن شبرمة: أقله خمسة، ومالك: أقله ثلاثة أو ربع دينار بناء على اختلافهم في مقدار ما يجب فيه القطع.

وقال الحافظ

(4)

أيضًا: ونقل عياض الإجماع أن مثل الشيء الذي

(1)

"فيض الباري"(5/ 531، 532).

(2)

"فتح الباري"(9/ 204).

(3)

"فتح الباري"(9/ 209).

(4)

"فتح الباري"(9/ 211).

ص: 522

لا يتمول ولا له قيمة لا يكون صداقًا ولا يحل به النكاح، فإن ثبت نقله فقد خرق هذا الإجماع أبو محمد ابن حزم فقال: يجوز بكل ما يسمى شيئًا ولو كان حبة من شعير، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

تحت ترجمة الباب: والآية الأولى دالة بأكثر الصداق والحديث لأدناه، وهل يتقدر أدناه أم لا؟ فمذهب الشافعية والحنابلة أدنى متموّل لقوله صلى الله عليه وسلم:"التمس ولو خاتمًا من حديد" والضابط كل ما جاز أن يكون ثمنًا، وعند الحنفية عشرة دراهم، والمالكية ربع دينار، فيستحب عند الشافعية والحنابلة أن لا ينقص عن عشرة دراهم خروجًا من خلاف أبي حنيفة وأن لا يزيد على خمسمائة درهم كأصدقة بنات النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته، وأما إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار فكان من النجاشي إكرامًا له صلى الله عليه وسلم، وللصداق أسماء ثمانية مشهورة جمعت في قوله:

صداق ومهر نحلة وفريضة

حباء وأجر ثم عقر علائق

تْم ذكر الفرق بينها.

وقال أيضًا

(2)

: قوله: "على وزن نواة" اختلف في المراد بالنواة فقيل: واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب، وأن القيمة عنها يومئذ خمسة دراهم، وقيل: ربع دينار، وضعف بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارًا، أو أن لفظ النواة من الذهب خمسة دراهم من الورق، وجزم به الخطابي، ويشهد له رواية البيهقي عن قتادة: وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم أو وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه ابن قتيبة، واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاث مثاقيل ونصفًا، وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار، وعن الشافعي النواة ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهمًا فتكون خمسة دراهم، انتهى كله من "القسطلاني".

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 492، 493).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 493، 494).

ص: 523

وقال

(1)

أيضًا تحت قوله: "زنة نواة من ذهب. . ." إلخ،: وسيأتي في "باب الصفرة للمتزوج" قال ابن دقيق العيد: في معنى ذلك قولان: أحدهما: أن المراد نواة من نوى التمر، وهو قول مرجوح، والثاني: أنه عبارة عن قدر معلوم عندهم، وهو وزن خمسة دراهم، قال: ثم في المعنى وجهان: أحدهما: أن يكون المصدق ذهبًا وزنه خمسة دراهم، والثاني: أن يكون المصدق دراهم بوزن نواة من ذهب، قال: وعلى الأول يتعلق قوله: "من ذهب" بلفظ زنة، وعلى الثاني يتعلق بنواة، إلى آخر ما ذكر.

(50 -‌

‌ باب التزويج على القرآن وبغير صداق)

أي: على تعليم القرآن وبغير صداق مالي عيني، ويحتمل غير ذلك كما سيأتي البحث فيه، انتهى من "الفتح"

(2)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "الكوكب"

(3)

: قوله: "هل معك من القرآن شيء. . ." إلخ، كأنه رغب المرأة أن تعفو عنه ما لها من المهر المعجل وتقنع بما سيؤتيها إذا يسره الله تعالى له، ثم ما قال:"زوجتكها بما معك من القرآن" فالباء فيه للسببية وليست للعوض والمقابلة إذ كيف يصح المقابلة بما معك والحال أن كونه معه ليس شيئًا يعوض به، وتقدير المضاف خلاف الظاهر حتى يقال: إنه قال: زوجتكها لتعليم ما معك من القرآن، ثم إنهم اختلفوا فيما بينهم على جواز أخذ الأجر على تعليم القرآن وعدم جوازه، فجوزه الشافعية ومنعه الحنفية، إلى آخر ما ذكر من دليل المسألة، انتهى.

وفي هامشه: ولو سلم فهذا خاص بهذا الرجل كما جزم به الطحاوي والأبهري لما أخرجه سعيد بن منصور وابن السكن عن أبي النعمان الأزدي الصحابي قال: زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن، وقال:"لا يكون لأحد بعدك مهرًا" قاله أبو الطيب، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 500، 501).

(2)

"فتح الباري"(9/ 205).

(3)

"الكوكب الدري"(2/ 226، 227).

ص: 524

وبسط الكلام في شرح هذا الحديث وبيان مذاهب الأئمة وتفاريعها في "الأوجز"

(1)

وفيه: الباء يحتمل أن يكون للعوض كبعتك ثوبي بدينار، وعلى هذا يحتاج إلى تأويل لأن القرآن الذي معه لا يمكن أن يكون ثمنًا فيؤول بتعليمه والثاني أن يكون للسببية، أي: إكرامًا للقرآن الذي معك، وعلى هذا يكون النكاح بدون مهر كما هو ظاهر، ولذا اختلفت الأئمة في ذلك قال الموفق: إن أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة يصح لأنه منفعة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقًا، إلى أن قال: وكذا تعليم غير ذلك من العلوم الشرعية التي يجوز أخذ الأجرة على تعليمها، فأما تعليم القرآن فاختلفت الرواية عن أحمد في جعله صداقًا فقال في موضح: أكرهه، وقال في موضع: جاز، وهو مذهب الشافعي، ولا يجوز عند مالك والليث وأبي حنيفة، واحتج من أجازه بحديث الباب، انتهى.

وفي "نيل المآرب" في فروع الحنابلة: إن أصدقها تعليم شيء من القرآن ولو معينًا لم يصح وفاقًا لأبي حنيفة، انتهى.

وكذا في "الروض المربع"، وفي "المحلى": قال الحنفية: الباء للسببية، أي: بسبب ما معك من القرآن، فيخلو النكاح عن المهر فيرجع إلى مهر المثل، قال الترمذي: هو قول أحمد وإسحاق، فالنكاح عندهم جائز ولها صداق مثلها، إلى آخر ما بسط في "الأوجز".

ثم إنه قد تقدم في "باب هل للمرأة أن تهب نفسها" الإشارة إلى مسألتين تناسبان هذا الباب: الأولى: هل يصح النكاح بغير ذكر صداق؟ والثانية: هل يصح بنفي الصداق أم لا؟ أما الأولى ففي "البحر": ذكر الأكمل والكمال أنه لا خلاف لأحد في صحته بلا ذكر المهر، انتهى.

وفي "الأوجز" عن "شرح الإقناع": إن لم يسم صداقًا صح العقد بالإجماع لكن مع الكراهة كما صرَّح به الماوردي وغيره، إلى آخر ما بسط

(1)

"أوجز المسالك"(10/ 328 - 331).

ص: 525

في هامش "اللامع"

(1)

.

وأما المسألة الثانية ففي هامش "اللامع"

(2)

أيضًا: قال الموفق بعد ذكر صحة النكاح بدون التسمية: والاستدلال عليه بقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] ولأن القصد من النكاح الوصل والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقه، وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه، مثل أن يقول: زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك، ولو قال: زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضًا، وقال بعض الشافعية: لا يصح في هذه الصورة لأنها تكون كالموهوبة، وليس بصحيح لأن الشرط يفسد ويجب المهر، انتهى.

وفي "الهداية"

(3)

: وكذا يصح إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها وفيه خلاف مالك، انتهى.

لكن الموفق لم يذكر فيه خلاف مالك بل حكى خلاف بعض الشافعية كما تقدم، وقال الدردير: وفسد النكاح إن نقص صداقه عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو وقع العقد بإسقاطه، أي: على شرط إسقاطه فيفسخ، قيل: وفيه بعده صداق المثل، انتهى.

(51 -‌

‌ باب المهر بالعروض وخاتم من حديد)

العروض بضم العين والراء المهملتين جمع عرض بفتح أوله وسكون ثانيه والضاد المعجمة، ما يقابل النقد، وقوله بعده:"وخاتم من حديد" هو من الخاص بعد العام فإن الخاتم من حديد من جملة العروض، والترجمة مأخوذة من حديث الباب للخاتم بالتنصيص والعروض بالإلحاق، وتقدم في أوائل النكاح حديث ابن مسعود "فرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب" وتقدم في الباب قبله عدة أحاديث في ذلك، انتهى من "الفتح"

(4)

.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 285).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 287، 288).

(3)

"الهداية"(1/ 198).

(4)

"فتح الباري"(9/ 216، 217).

ص: 526

وفي هامش النسخة الهندية

(1)

: قال الكرماني: هذا هو المرة الثامنة من ذكر هذا الحديث في كتاب النكاح، انتهى.

(52 -‌

‌ باب الشروط في النكاح)

قال العيني

(2)

: وهي على أنواع منها: ما يجب الوفاء به كحسن العشرة، ومنها: ما لا يلزم كسؤال طلاق أختها، ومنها: ما هو مختلف فيه مثل أن لا يتزوج عليها، انتهى.

وقال الحافظ

(3)

: أي التي تحل وتعتبر، وقد ترجم في كتاب الشروط:"الشروط في المهر عند عقدة النكاح" وأورد فيه الأثر المعلق والحديث الموصول المذكور ههنا، انتهى.

قوله: (مقاطع الحقوق عند الشروط) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

: يعني أن حق صاحب الحق ينقطع باشتراط عدمه فإن المسلمين على شروطهم، وفيه خلاف مشهور، وهذا مع اتفاق العلماء على أن الشروط المخالفة لمقتضى الشريعة باطلة فالاختلاف فيما بينهم حينئذ إلى مخالفة الشروط للشرع فكم من شرط يخالف أصول الشرع عند أحدهم دون الآخر، ومن جملتها اشتراط الزوج أن لا يخرجها من بيت أهلها فإنه يبطل عندنا لمخالفته قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] وقوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، انتهى.

وقال الحافظ

(5)

: قوله: "مقاطع الحقوق. . ." إلخ، وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت مع عمر رضي الله تعالى عنه من حيث تمس ركبتي ركبته، فجاءه رجل فقال: يا أمير

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 490).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 106).

(3)

"فتح الباري"(9/ 217).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 309 - 311).

(5)

"فتح الباري"(9/ 217، و 5/ 323).

ص: 527

المؤمنين! تزوجت هذه وشرطت لها دارها وإني أجمع لأمري أو لشأني أن أنتقل إلى أرض كذا وكذا، فقال: لها شرطها، فقال الرجل: هلك الرجال إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها إلا طلقت، فقال عمر رضي الله عنه: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم، انتهى.

قلت: واستفيد من هذه القصة أن عمر رضي الله عنه ممن يجوز اشتراط الدار كما هو مذهب الحنابلة خلافًا للأئمة الثلاثة كما سيأتي بيان المذاهب، وذكره الإمام البخاري في الشروط التي تحل في النكاح، فعلى هذا مسلك الإمام البخاري في هذا يوافق مذهب الإمام أحمد.

قوله: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) تقدم في أول الترجمة أن شروط النكاح على أنواع، ولم يقل بعموم هذا الحديث أحد من الأئمة، قال النووي في "شرح مسلم"

(1)

: قال الشافعي وأكثر العلماء: هذا محمول على شروط لا تنافي مقتضى النكاح بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف ونحو ذلك، وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها ولا ينفق عليها ولا يسافر بها ونحو ذلك فلا يجب الوفاء بها، بل يلغو الشرط ويصح النكاح بمهر المثل، لقوله صلى الله عليه وسلم:"كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشرط مطلقًا لحديث الباب، والله أعلم، انتهى.

قلت: وترجم الإمام أبو داود على هذا الحديث: "باب في الرجل يشترط لها دارها" فأثبت الإمام أبو داود بهذا الحديث جواز اشتراط الدار كما هو مذهب الإمام أحمد بخلاف الأئمة الثلاثة، فإن لم يف الزوج بالشرط المذكور فلها فسخ نكاحها عند أحمد، والإمام أبو داود - كما ذكرت في محله - حنبلي

(2)

.

(1)

"شرح النووي على صحيح مسلم"(5/ 218).

(2)

انظر: "بذل المجهود"(8/ 71).

ص: 528

قال الموفق

(1)

: الشروط في النكاح تنقسم أقسامًا ثلاثة، أحدها: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها نفعه مثل أن يشترط أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، ولا يتسرى عليها، فهذا يلزم الوفاء لها به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، وبه قال الأوزاعي وإسحاق وغيرهما، وأبطل هذه الشروط مالك والشافعي وأصحاب الرأي - الثاقب - وغيرهم، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم. . . ثم ذكر حديث الباب إلى آخر ما ذكر.

قلت: وبهذا ظهر ما نقل بعضهم عن الحنابلة من أنه يجب الوفاء بالشرط عندهم مطلقًا غير واضح.

(تنبيه): قال الترمذي بعد تخريجه هذا الحديث: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة منهم عمر، قال: إذا تزوج الرجل المرأة وشرط أن لا يخرجها لزم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، انتهى.

فذكر موافقة الشافعي لأحمد وليس كذلك كما تقدمت المذاهب، ولذا قال الحافظ

(2)

: كذا قال، والنقل في هذا عن الشافعي غريب، والحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح، انتهى.

(53 -‌

‌ باب الشروط التي لا تحل في النكاح)

كأنه استثناء من الباب السابق، قال الحافظ

(3)

: في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص الحديث الماضي في عموم الحث على الوفاء بالشرط بما يباح لا بما نهي عنه لأن الشروط الفاسدة لا يحل الوفاء بها فلا يناسب الحث عليها، انتهى.

قوله: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها) قال الحافظ

(4)

: ظاهر في تحريم ذلك، وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك كريبة

(1)

"المغني"(9/ 483).

(2)

"فتح الباري"(9/ 218)، وانظر:"سنن الترمذي"(3/ 434).

(3)

"فتح الباري"(9/ 219).

(4)

"فتح الباري"(9/ 220).

ص: 529

في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج، إلى آخر ما ذكر. وقال ابن حبيب: حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح، وتعقبه ابن بطال بأن نفي الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح، وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ولترض بما قسم الله لها، انتهى.

وقال القسطلاني

(1)

: وقد اختلف في حكم ذلك فقال الحنابلة: إن شرط لها طلاق ضرتها صح، وقيل: لا، وهو الأظهر واختاره جماعة، وكذا حكم بيع أمته، وعلى القول بالصحة فإن لم يف فلها الفسخ، وقال الشافعي: يصح ولها مهر المثل وفى لها أو لم يف، انتهى.

(54 -‌

‌ باب الصفرة للمتزوج)

كذا قيده بالمتزوج إشارة إلى الجمع بين حديث الباب وحديث النهي عن التزعفر للرجال، وسيأتي البحث فيه بعد أبواب، انتهى من "الفتح"

(2)

.

قوله: (وبه أثر صفرة من خلوق) وهو طيب من زعفران وغيره تعلق به من زوجته فهو غير مقصود وإلا فالتزعفر منهي عنه عند الشافعية والحنفية، وقال المالكية: يجوز في الثوب دون البدن، ونقله إمامهم رحمه الله تعالى عن علماء المدينة، وفيه حديث أبي موسى مرفوعًا:"لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق"، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

وسيأتي في كتاب اللباس "باب النهي عن التزعفر للرجال" ونقل الحافظ

(4)

هناك عن النووي: ورخص مالك في المعصفر والمزعفر في البيوت وكرهه في المحافل، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 500).

(2)

"فتح الباري"(9/ 221).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 500).

(4)

"فتح الباري"(10/ 304).

ص: 530

(55 -‌

‌ باب)

بغير ترجمة، قال الحافظ

(1)

: كذا لهم بغير ترجمة وسقط لفظ "باب" من رواية النسفي وكذا من شرح ابن بطال ثم استشكله بأن الحديث المذكور لا يتعلق بترجمة الصفرة للمتزوج، وأجيب بما ثبت في أكثر الروايات من لفظ "باب" والسؤال باق فإن الإتيان بلفظ "باب" وإن كان بغير ترجمة لكنه كالفصل من الباب الذي قبله كما تقرر غير مرة، ومناسبة حديث الباب للترجمة من جهة أنه لم يقع في قصة تزويج زينب بنت جحش ذكر للصفرة فكأنه يقول: الصفرة للمتزوج من الجائز لا من المشروط لكل متزوج، انتهى.

(56 -‌

‌ باب كيف يدعى للمتزوج)

قال ابن بطال: إنما أراد بهذا الباب - والله أعلم - ردّ قول العامة عند العرس بالرفاء والبنين، فكأنه أشار إلى تضعيفه ونحو ذلك كحديث معاذ بن جبل:"أنه شهد إملاك رجل من الأنصار فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاري وقال: على الألفة والخير والبركة والطير الميمون والسعة في الرزق" الحديث أخرجه الطبراني في "الكبير" بسند ضعيف، وأخرجه في "الأوسط" بسند أضعف منه، وأخرجه أبو عمرو البرقاني في "كتاب معاشرة الأهلين" من حديث أنس، وزاد فيه: والرفاء والبنين، وفي سنده أبان العبدي وهو ضعيف.

قال الحافظ

(2)

: وقوله: بالرفاء والبنين، كانت كلمة تقولها أهل الجاهلية فورد النهي عنها، كما رواه بقي بن مخلد، إلى آخر ما ذكر من الروايات والكلام عليها.

(1)

"فتح الباري"(9/ 221).

(2)

"فتح الباري"(9/ 222).

ص: 531

(57 -‌

‌ باب الدعاء للنساء اللاتي يهدين العروس)

لعله أشار إلى ندبه وترغيبه، وفي هامش النسخة "الهندية"

(1)

: قوله: "يهدين" بفتح أوله من الهداية وبضمه من الهدية، ولما كانت العروس تجهز من عند أهلها إلى الزوج احتاجت إلى من يهديها الطريق إليه، وأما قوله:"وللعروس" فهو اسم للزوجين عند أول اجتماعهما يشمل الرجل والمرأة، وهو داخل في قول النسوة على الخير والبركة فإن ذلك يشمل المرأة وزوجها، ولعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة وفيه:"أن أمها لما أجلستها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله! بارك الله لك فيهم" كذا قاله الشيخ ابن حجر

(2)

، قال في "المجمع"

(3)

: والمهدية كانت أم عائشة، فهن دعون لها ولمن معها وللعروس لقولهن: على الخير، أي: جئتن أو قد متن على الخير، وكذا في الكرماني، انتهى من الحاشية بزيادة من "الفتح".

قال الحافظ

(4)

: أورد في الباب حديث عائشة وظاهره مخالف للترجمة فإن فيه دعاء النسوة لمن أهدى العروس لا الدعاء لهن إلى آخر ما بسط من الكلام في مناسبة الحديث بالترجمة وغير ذلك أشد البسط، وقال العلامة السندي: قلت: ليس في الحديث ما يدل على الدعاء لهن وإنما فيه الدعاء للعروس، وقد تكلف بعضهم تكلفًا.

وحاصل تكلفهم: أن الدعاء المذكور وهو على الخير والبركة شامل لعائشة وأمها فإنها مهدية لها وهي العروس، والله تعالى أعلم، انتهى.

وفي "فيض الباري"

(5)

: واعلم أن في الترجمة إِشكالًا، فإن المتبادر من الترجمة كونهن مدعوات لهن، لا كونهن داعيات، مع أن المراد منه كونهن داعيات، وهذا هو في الحديث.

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 497).

(2)

"فتح الباري"(9/ 223).

(3)

"مجمع البحار"(5/ 159).

(4)

"فتح الباري"(9/ 223).

(5)

"فيض الباري"(5/ 538، 539).

ص: 532

فقال الحافظ: إن المراد، من النساء هي أم رومان، قلت: فلزمه أن يريد من الجمع إياها، وفيه ما فيه، قلت: إن اللام بعد المصدر قد تدخل على الفاعل أيضًا، كما صرَّح به الأشموني في باب فعلي التعجب، فحينئذ النساء كلها مهديات وداعيات، فلا يلزم إطلاق الجمع على الواحد، وإليه تلوح الترجمة الآتية، وحينئذ لا حاجة إلى التأويل الذي ذكره الحافظ، انتهى.

(58 -‌

‌ باب من أحب البناء قبل الغزو)

أي: إذا حضر الجهاد ليكون فكره مجتمعًا، ذكر فيه حديث أبي هريرة الماضي في كتاب الجهاد ثم في فرض الخمس، قال ابن المنيِّر: يستفاد منه الردّ على العامة في تقديمهم الحج على الزواج ظنًّا منهم أن التعفف إنما يتأكد بعد الحج بل الأولى أن يتعفف ثم يحج، انتهى

(1)

.

قلت: وهذه الخصلة أعني تقديم الحج على الزواج توجد في هذا الزمان في سكان إندونيشيا، وتقدم أيضًا في كتاب الجهاد "باب من اختار الغزو بعد البناء" ولم يذكر هناك فيه حديثًا بل أحال إلى حديث أبي هريرة المذكور ههنا.

(59 -‌

‌ باب من بنى بامرأة وهي بنت تسع)

ذكر فيه حديث عائشة في ذلك، وقد تقدم شرحه في مناقبها قاله الحافظ

(2)

.

(60 -‌

‌ باب البناء في السفر)

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه حديث أنس في قصة صفية، وقد تقدم في

(1)

انظر: "فتح الباري"(9/ 224).

(2)

"فتح الباري"(9/ 224).

(3)

"فتح الباري"(9/ 224).

ص: 533

أول النكاح، وفيه إشارة إلى أن سُنَّة الإقامة عند الثيب لا تختص بالحضر ولا تتقيد بمن له امرأة غيرها، ويؤخذ منه جواز تأخير الأشغال العامة للشغل الخاص إذا كان لا يفوت به غرض والاهتمام بوليمة العرس وغير ذلك، انتهى.

وحديث الباب قد سبق في غزوة خيبر.

(61 -‌

‌ باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران)

كالشموع ونحوها بين يدي العروس، قاله القسطلاني

(1)

.

أشار بقوله: "بالنهار" إلى أن الدخول على الزوجة لا يختص بالليل، وبقوله:"بغير مركب ولا نيران" إلى ما أخرجه سعيد بن منصور ومن طريقه أبو الشيخ بن حبان في كتاب النكاح من طريق عروة بن رويم أن عبد الله بن قرط الثمالي - وكان عامل عمر على حمص - مرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها، فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم، ثم خطب فقال: إن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة، والله مطفئ نورهم، وفيه دليل على كراهة ذلك، انتهى من "الفتح" بزيادة من "القسطلاني"

(2)

.

(62 -‌

‌ باب الأنماط ونحوها للنساء)

قال العلامة القسطلاني

(3)

: أي: جواز اتخاذها، والأنماط بفتح الهمزة وسكون النون جمع نمط بفتح النون: ضرب من البسط له خمل، "ونحوها" من الحلل والأستار والفرش، انتهى.

قال الحافظ

(4)

: وتقدم بيان وجه الاستدلال على الجواز من هذا

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 505).

(2)

"فتح الباري"(9/ 224)، و"إرشاد الساري"(11/ 505).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 506).

(4)

"فتح الباري"(9/ 225).

ص: 534

الحديث - في علامات النبوة - ولعل المصنف أشار إلى ما أخرجه مسلم من حديث عائشة، إلى آخر ما ذكر، سيأتي قريبًا عن القسطلاني.

قال القسطلاني

(1)

تحت حديث الباب: قال النووي: فيه جواز اتخاذ الأنماط إذا لم تكن من حرير، تعقب بأنه لا يلزم من الإخبار بأنها ستكون الإباحة، وأجيب بأن إخباره عليه الصلاة والسلام أنها ستكون ولم ينه فكأنه أقره، نعم في حديث عائشة عند مسلم: أنها أخذت نمطًا فسترته على الباب فجذبه صلى الله عليه وسلم حتى هتكه وقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" قالت: فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك، قال في "الفتح" فيؤخذ منه أن الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل لما يصنع بها، وقد اختلف في ستر البيوت والجدار، والذي جزم به جمهور الشافعية الكراهة بل صرَّح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم لحديث عائشة هذا، انتهى.

وحديث الباب سبق في علامات النبوة.

(63 -‌

‌ باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها)

وفي هامش النسخة "الهندية"

(2)

عن الكرماني: قوله: "يهدين" من الإهداء أو من الهدي، واكتفى العيني والقسطلاني على الأول، انتهى.

ولعل المصنف أشار بالترجمة إلى جواز أو ندب اجتماعهن للعروس قوله: "أنها زفت" بالزاي المفتوحة والفاء المشددة المفتوحة أيضًا، قاله القسطلاني

(3)

.

وفي هامش "الهندية"

(4)

عن "الخير الجاري": فيه المطابقة لأنه من زفت العروس أزفها إذا أهديتها إلى زوجها، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 506).

(2)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 497).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 507).

(4)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 503).

ص: 535

(64 -‌

‌ باب الهدية للعروس)

أي: صبيحة بنائه بأهله قاله الحافظ

(1)

.

قلت: ولعل المصنف أشار إلى ندبه وترغيبه، وذكر العلامة العيني

(2)

تحت حديث الباب عدة فوائد إذ قال: وفيه فوائد: الأولى: كونه أصلًا في هدية العروس، وكان الإهداء قديمًا فأقرها الإسلام، الثانية: كونها قليلة فالمودة إذا صحت سقط التكلف فحال أم سليم كان أقل، الثالثة: اتخاذ الوليمة في العرس قال ابن العربي: بعد الدخول، وقال البيهقي: كان دخوله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الوليمة، إلى آخر ما ذكر من الفوائد.

(65 -‌

‌ باب استعارة الثياب للعروس وغيرها)

أي: وغير الثياب، كذا في "الفتح"

(3)

.

وقال القسطلاني

(4)

: قوله: "وغيرها" أي: وغير الثياب مما تتجمل به العروس كالحلي أو غير العروس، انتهى.

قلت: غرض الترجمة بيان الجواز وتقدم الكلام عليه في "باب الاستعارة للعروس عند البناء" من كتاب الهبة، وأيضًا يأتي في كتاب اللباس "باب استعارة القلائد" وذكر فيه حديث الباب أيضًا ذكر فيه حديث عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة، فقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم، ووجه الاستدلال به من جهة المعنى الجامع بين القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به للزوج أعم من أن يكون عند العرس أو بعده.

وقد تقدم في كتاب الهبة لعائشة حديث أخص من هذا وهو قولها: "كان لي منهن - أي: من الدروع القطنية - درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة، أي: تتزين إلا أرسلت إليّ تستعيره"، وترجم عليه

(1)

"فتح الباري"(9/ 227).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 121).

(3)

"فتح الباري"(9/ 228).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 510).

ص: 536

"الاستعارة للعرس"، وينبغي استحضار هذه الترجمة وحديثها هنا، انتهى

(1)

.

قال القسطلاني

(2)

بعد ذكر الحديث: قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة؛ إذ ليست القلادة من الثياب، ولم تكن عائشة حينئذ عروسًا، وأجاب في "الفتح"، فذكر ما تقدم عن "الفتح"، وأجاب العيني بأنا إذا أعدنا الضمير في قوله: في الترجمة "وغيرها" إلى العروس تحصل المطابقة، انتهى.

وفي هامش "الهندية"

(3)

عن "الخير الجاري": المطابقة باعتبار أن ضمير "غيرها" راجع إلى الثياب ويفهم من استعارة عائشة إياها بعد أن لم تكن عروسًا جوازها للعروس بالطريق الأولى، وكذا إن أرجع الضمير إلى العروس، انتهى.

(66 -‌

‌ باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله)

قال العلامة العيني

(4)

: يعني: إذا أراد الجماع، وقوله: في الحديث: "لم يضره شيطان" كذا بالتنكير وفي رواية مسلم وأحمد: "لم يسلط عليه الشيطان" أو "لم يضره الشيطان" معناه: لم يسلط عليه بحيث لم يكن له العمل الصالح، وقال القاضي: لم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوساوس، فقيل: المراد إنه لا يصرعه شيطان، وقيل: لا يطعن فيه عند ولادته، وفيه نظر لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما من مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد" الحديث، وقيل: لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} وقيل: لم يضره في بدنه، وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد: إن الذي يجامع ولا يسمي يلتفت الشيطان على إحليله فيجامع معه، انتهى.

(1)

انظر: "فتح الباري"(9/ 228).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 510).

(3)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 507).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 123).

ص: 537

وذكر الحافظ

(1)

هذه المعاني مع ترجيح بعض على بعض فارجع إليه لو شئت، وذكر من جملة الأقوال في معنى الحديث: قال الداودي: معنى "لم يضره" أي: لم يفتنه عن دينه إلى الكفر، وليس المراد عصمته منه عن المعصية، وقال أيضًا: وفي الحديث من الفوائد أيضًا استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الملاذ كالوقاع، وقد ترجم عليه المصنف في كتاب الطهارة وتقدم ما فيه، انتهى.

قلت: ولفظه في كتاب الطهارة: "باب التسمية على كل حال وعند الوقاع".

(67 -‌

‌ باب الوليمة حق)

قال الحافظ

(2)

: هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه: "الوليمة حق، والثانية معروف، والثالثة فخر" ولأبي الشيخ والطبراني في "الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة رفعه: "الوليمة حق وسُنَّة، فمن دعي فلم يجب فقد عصى" الحديث، وروى أحمد من حديث بريدة قال: لما خطب علي رضي الله عنه فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا بد للعروس من وليمة" وسنده لا بأس به، قال ابن بطال: قوله: "الوليمة حق" أي: ليست بباطل بل يندب إليها وهي سُنَّة فضيلة، وليس المراد بالحق الوجوب، ثم قال: ولا أعلم أحدًا أوجبها، كذا قال، وغفل عن رواية في مذهبه بوجوبها نقلها القرطبي، وقال: إن مشهور المذهب أنها مندوبة، وابن التِّين عن أحمد لكن الذي في "المغني" أنها سُنَّة، بل وافق ابن بطال في نفي الخلاف بين أهل العلم في ذلك، قال: وقال بعض الشافعية: هي واجبة، إلى آخر ما ذكر.

قال الحافظ: والبعض الذي أشار إليه من الشافعية هو وجه معروف عندهم وقد جزم به سليم الرازي وقال: إنه ظاهر نص "الأم" ونقله عن

(1)

"فتح الباري"(9/ 229).

(2)

"فتح الباري"(9/ 230، 231).

ص: 538

النص أيضًا الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" وهو قول أهل الظاهر كما صرَّح به ابن حزم، ثم بسط الحافظ الاختلاف في وقت الوليمة هل هو عند العقد أو عقبه أو عند الدخول أو عقبه أو موسع؟ إلى آخر ما بسط.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: "الوليمة حق" أي: ثابت على سُنِّيَّتها غير منسوخة، أو هو من الأمور الثابتة شرعًا لا من رسوم الجاهلية، انتهى.

وفي هامشه عن "الأوجز": قال الموفق: لا خلاف بين أهل العلم أن الوليمة سُنَّة في العرس لرواية عبد الرحمن بن عوف وغيره، وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم، انتهى مختصرًا.

وفي "العيني": الأمر للاستحباب وعند الظاهرية للوجوب، وبه قال بعض الشافعية لظاهر الأمر، انتهى.

وذكر العلامة القسطلاني مذهب الشافعية الوجوب واقتصر عليه، وتقدم عن الحافظ آنفًا أنه وجه معروف عندهم بل هو نص "الأم"، ونقل العلامة العيني الوجوب عن المالكية وقال: وهو مشهور مذهبهم كما قال القرطبي، انتهى.

وقد تقدم عن الحافظ خلاف ذلك وهو الحق ففي هامش "اللامع": قال الدردير: الوليمة وهي طعام العرس خاصة مندوبة، انتهى.

(68 -‌

‌ باب الوليمة ولو بشاة)

أي: لمن كان موسرًا كما سيأتي البحث فيه، وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث كلها عن أنس.

قاله الحافظ

(2)

، وبه جزم القسطلاني

(3)

إذ قال تحت الترجمة: أي للموسر، وسكت عنه العيني.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 311)، و"أوجز المسالك"(10/ 574).

(2)

"فتح الباري"(9/ 232).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 513).

ص: 539

(69 -‌

‌ باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض)

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: يعني: أن ذلك لا ينافي العدل في القسمة حتى يكون منهيًا عنه، وكذلك إذا أولم الرجل في نكاح بعض ولده أكثر من بعض إلى غير ذلك؛ لأنه مستبد بالتصرف في ماله، انتهى.

وبه جزم العلامة السندي كما في هامش "اللامع".

قال الحافظ

(2)

: ذكر فيه حديث أنس وهو ظاهر فيما ترجم لما يقتضيه سياقه، وأشار ابن بطال إلى أن ذلك لم يقع قصدًا لتفضيل بعض النساء على بعض، بل باعتبار ما اتفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها؛ لأنه كان أجود الناس، ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق، وجوَّز غيره أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز.

وقال الكرماني: لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان للشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه إياها بالوحي، وقال ابن المنيِّر: يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض بالأتحاف والألطاف والهدايا.

قلت: وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الهبة، انتهى من "الفتح". فقد ترجم الإمام البخاري هناك "باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه. . ." إلخ.

(70 -‌

‌ باب من أولم بأقل من شاة)

هذه الترجمة وإن كان حكمها مستفادًا من التي قبلها، لكن الذي وقع في هذه بالتنصيص، قاله الحافظ

(3)

.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 312).

(2)

"فتح الباري"(9/ 238).

(3)

"فتح الباري"(9/ 238).

ص: 540

قوله: (أَوْلَمَ على بعض نسائه بمُدَّين من شَعير) قال الحافظ

(1)

: لم أقف على تعيين اسمها صريحًا، وأقرب ما يفسر به أم سلمة فقد أخرج ابن سعد عن شيخه الواقدي بسند له إلى أم سلمة قال: لما خطبني النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة تزويجه بها فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة، فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنتُه ثم عَصَدْتُه في البُرْمَةِ، وأخذت شيئًا من إهالة فأدمته، فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" من طريق شريك عن حميد عن أنس قال:"أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بتمر وسمن" فهو وهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ أو من الراوي عنه وهو جَنْدَل بن والِقٍ، فإِنّ مسلمًا والبزار ضعّفاه، وإنما المحفوظ من حديث حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية

(2)

، كذلك أخرجه النسائي، وهذا الحديث مرسل لأن صفية

(3)

ليست بصحابية، أو صحابية لكنها لم تحضر القصة لأنها كانت بمكة طفلة، أو لم تولد وتزويج المرأة كان بالمدينة، إلى آخر ما بسط الكلام عليه.

(71 -‌

‌ باب حقّ إجابة الوليمة والدعوة)

قال القسطلاني

(4)

: أي: وجوب الإجابة إلى طعام العرس والدعوة بفتح الدال على المشهور، وهي أعم من الوليمة لأن الوليمة خاصة بالعرس، كما نقله ابن عبد البر عن أهل اللغة، ونقل عن الخليل وثعلب وجزم به الجوهري وابن الأثير، وعلى هذا فيكون قوله:"والدعوة" من عطف العام على الخاص، انتهى.

وبسط الحافظ

(5)

الكلام على تحقيق الوليمة لغة، وذكر أيضًا: قال النووي تبعًا لعياض: إن الولائم ثمانية، ثم بسط أسماءها مع وجه تسميتها،

(1)

"فتح الباري"(9/ 239 - 240).

(2)

أي: بنت حي زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

أي: بنت شيبة.

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 517).

(5)

"فتح الباري"(9/ 241 - 242).

ص: 541

ثم قال: وأما قول المصنف: "حق إجابة" فيشير إلى وجوب الإجابة، وقد نقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي الاتفاق على القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس، وفيه نظر، نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب، وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين، ونصّ عليه مالك، وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة، وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب، وكلام صاحب "الهداية" يقتضي الوجوب مع تصريحه بأنها سُنَّة، فكأنه أراد أنها وجبت بالسُّنَّة وليست فرضًا كما عرف من قاعدتهم، وعن بعض الشافعية والحنابلة: هي فرض كفاية، إلى آخر ما بسط الحافظ في تفاصيل المسألة وشرائطها.

قوله: (ومن أولم سبعة أيام ونحوه) يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت: لما تزوّج أبي دعا الصحابة سبعة أيام، فلما كان يوم الأنصار دعا أُبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما، فكان أُبَيّ صائمًا فلما طَعِمُوا دعا أُبي وأثنى، وأخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقًا منه، وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر إلى حفصة، وقال فيه: ثمانية أيام، وإليه أشار المصنف بقوله:"ونحوه" لأن القصة واحدة، وهذا وإن لم يذكره المصنف لكنه جنح إلى ترجيحه لإطلاق الأمر بإجابة الدعوة بغير تقييد، كما سيظهر من كلامه الذي سأذكره وقد نبّه على ذلك ابن المنيِّر

(1)

.

قوله: (ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يومًا ولا يومين) أخذ ذلك من الإطلاق وقد أفصح بمراده في "تاريخه" فإن أورد في ترجمة زهير بن عثمان الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثني عليه إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه يقوله: قتادة قال: قال رسول الله: "الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة" قال البخاري: لا يصح إسناده

(1)

راجع: "فتح الباري"(9/ 242).

ص: 542

ولا يصح له صحبة يعني لزهير، قال: وقال ابن عمر وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب" ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها، وهذا أصح، قال: وقال ابن سيرين عن أبيه: إنه لما بنى بأهله أولم سبعة أيام فدعا في ذلك أُبي بن كعب فأجابه، انتهى.

ثم قال الحافظ

(1)

: وقد وجدنا لحديث زهير بن عثمان شواهد، وقال بعد ذكرها: وهذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل على أن للحديث أصلًا، وقد وقع في رواية أبي داود والدارمي في آخر حديث زهير بن عثمان: قال قتادة: بلغني عن سعيد بن المسيب أنه دعي أول يوم فأجاب، ودعي ثاني يوم فأجاب، ودعي ثالث يوم فلم يجب، وقال: أهل رياء وسمعة، فكأنه بلغه الحديث فحمل بظاهره إن ثبت ذلك عنه، وقد عمل به الشافعية والحنابلة.

قال النووي: إذا أولم ثلاثًا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة، وفي الثاني لا تجب قطعًا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول، وقد حكى صاحب "التعجيز" في وجوبها في اليوم الثاني وجهين، وقال في شرحه: أصحهما الوجوب، واعتبر الحنابلة الوجوب في اليوم الأول، وأما الثاني فقالوا: سُنَّة تمسكًا بظاهر لفظ حديث ابن مسعود، وفيه بحث، وأما الكراهة في اليوم الثالث فأطلقه بعضهم لظاهر الخبر، وقال العمراني: إنما تكره إذا كان المدعوّ في الثالث هو المدعو في الأول، وكذا صوره الروياني، وإلى ما جنح إليه البخاري ذهب المالكية، قال عياض: استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعًا، قال: وقال بعضهم: محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ولم يكرر عليهم، وهذا شبيه بما تقدم عن الروياني، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 242، 243).

ص: 543

(72 -‌

‌ باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله)

قوله: (شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء، ويترك الفقراء) قال القسطلاني

(1)

: وهذا موقوف على أبي هريرة لكن قوله: "ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم" يقتضي كونه مرفوعًا إذ مثل هذا لا يكون من قبيل الرأي لكن جل رواة مالك كما قال ابن عبد البر: لم يصرحوا برفعه، نعم قال روح ابن القاسم عن مالك بسنده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا أخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن سلمة عن مالك، ولمسلم من طريق سفيان: سمعت زياد بن سعد يقول: سمعت ثابتًا الأعرج يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. . . فذكر نحوه، وفي قوله:"عصى الله ورسوله" دليل لوجوب الإجابة بأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب كما لا يخفى، وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الوليمة، وابن ماجه في النكاح، انتهى.

(73 -‌

‌ باب من أجاب إلى كراع)

قال القسطلاني: بضم الكاف وتخفيف الراء، أي: من أجاب إلى وليمة فيها كراع، وهو مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد، وهو من البقر والغنم بمنزل الوظيف من الفرس والبعير، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: الكراع ما دون الكعب من الدواب، وقال ابن فارس: كراع كل شيء طرفه.

قوله: (لو دعيت إلى كراع لأجبت. . .) إلخ، وقد زعم بعض الشرَّاح وكذا وقع للغزالي أن المراد بالكراع في هذا الحديث المكان المعروف في كراع الغميم بفتح المعجمة، وهو موضع بين مكة والمدينة، وزعم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الإجابة ولو بعد المكان، لكن المبالغة في الإجابة مع

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 521، 522).

(2)

"فتح الباري"(9/ 246).

ص: 544

حقارة الشيء أوضح في المراد، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشاة، وأغرب الغزالي في "الإحياء" فذكر الحديث بلفظ:"لو دعيت إلى كراع الغميم" ولا أصل لهذه الزيادة، انتهى.

قلت: وقوله الحافظ: وزعم بعض الشرَّاح، أراد به الكرماني كما قال العيني

(1)

: قال الكرماني: المراد به عند الجمهور كراع الشاة، وقيل: كراع الغميم، وتعقب العيني كلام الحافظ حيث قال: والكرماني نقل هذا بقوله: قيل، وما زعم هو بذلك فكيف يقول هذا القائل: وزعم بعض الشرَّاح، وكان ينبغي أن يقول: ونقل بعض الشرَّاح كذا وكذا، انتهى.

قلت: ولا يخفى أن هذا الإيراد في غير محله فإنه يمكن أن يكون مراد الحافظ ببعض الشرَّاح هو قائل هذا القول الذي نقل عنه الكرماني، فافهم.

(74 -‌

‌ باب إجابة الداعي في العرس وغيرها)

ذكر فيه حديث ابن عمر: "أجيبوا هذه الدعوة" وهذه اللام يحتمل أن تكون للعهد والمراد وليمة العرس، ويؤيده رواية ابن عمر الأخرى:"إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" وقد تقرر أن الحديث الواحد إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعين ذلك، ويحتمل أن تكون اللام للعموم وهو الذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس وغيره، وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقًا، عرسًا كان أو غيره بشرطه، وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية، وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع، انتهى

(2)

.

(1)

"عمدة القاري"(14/ 135).

(2)

"فتح الباري"(9/ 246، 247).

ص: 545

(75 -‌

‌ باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس)

قال الحافظ

(1)

: كأنه ترجم بهذا لئلا يتخيل أحد كراهة ذلك فأراد أنه مشروع بغير كراهة، انتهى.

وبما أفاده الحافظ في غرض الترجمة جزم العلامة العيني، وأشار إليه القسطلاني.

(76 -‌

‌ باب هل يرجع إذا رأى منكرًا في الدعوة)

هكذا أورد الترجمة بصورة الاستفهام ولم يبتّ الحكم لما فيها من الاحتمال، كما سأبينه إن شاء الله، ثم قال الحافظ

(2)

:

ذكر المصنف حديث عائشة في الصور، وسيأتي شرحه وبيان حكم الصور مستوفى في كتاب اللباس، وموضع الترجمة منه قولها:"قام على الباب فلم يدخل" قال ابن بطال: فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله عنه ورسوله لما في ذلك من إظهار الرضا بها، ونقل مذاهب القدماء في ذلك وحاصله: إن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس، وإن لم يقدر فليرجع، وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع، ومما يؤيد ذلك ما وقع في قصة ابن عمر من اختلاف الصحابة في دخول البيت الذي سترت جدره ولو كان حرامًا ما قعد الذين قعدوا ولا فعله ابن عمر، فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعًا بين الفعلين، ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين لم ينكروا كانوا يرون الإباحة.

وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه - كما تقدم في شرح ترجمة الباب - قالوا: إن كان لهوًا مما اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك، وإن كان حرامًا كشرب الخمر نظر فإن كان المدعوّ ممن إذا حضر رفع

(1)

"فتح الباري"(9/ 248).

(2)

"فتح الباري"(9/ 249 - 251).

ص: 546

لأجله فليحضر، وإن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان: أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر.

قال البيهقي: وهو ظاهر نص الشافعي، وقال صاحب "الهداية" من الحنفية: لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدى به، فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية، وحكي عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به، قال: وهذا كله بعد الحضور، فإن علم قبله لم تلزمه الإجابة، والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور، إلى آخر ما ذكره من تفصيل مذاهب بقية الأئمة، ثم قال:

وأما حكم ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلاف قديم، وجزم جمهور الشافعية بالكراهة، وصرح الشيخ

(1)

أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم، وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفًا، إنه أنكر ستر البيت، وقال: أمحموم بيتكم أو تحولت الكعبة عندكم، قال: لا أدخله حتى يهتك، انتهى.

(77 -‌

‌ باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس)

أي: بنفسها، ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة عرس أبي أسيد وترجم عليه في الذي بعده:"النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس"، وتقدم قبل أبواب في إجابة الدعوة، ثم قال الحافظ

(2)

بعد حديث الباب: وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر، وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك، انتهى.

(1)

كذا في الأصل، والصواب: أبو الفتح نصر المقدسي، [ز].

(2)

"فتح الباري"(9/ 251).

ص: 547

(78 -‌

‌ باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس)

تقدم في الذي قبله، وقوله:"الذي لا يسكر" استنبطه من قرب العهد بالنقع لقوله: أنقعته من الليل؛ لأنه في مثل هذه المدة من أثناء الليل إلى أثناء النهار لا يتخمر وإذا لم يتخمر لم يسكر، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قال القسطلاني

(2)

: وعطف الشراب على النقيع من عطف العام على الخاص لأنه يعم نقيع التمر وغيره، انتهى.

(79 -‌

‌ باب المداراة مع النساء. . .) إلخ

قال القسطلاني

(3)

: أي: المجاملة والملاينة معهن للألفة واستمالة قلوبهن لما جبلن عليه من الأخلاق، وقوله:"إنما المرأة كالضلع" بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وسكونها والفتح أفصح، ثم قال بعد حديث الباب: وفيه إشارة إلى الإحسان إلى النساء بالرفق بهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وغير ذلك، انتهى.

(80 -‌

‌ باب الوصاة بالنساء)

بفتح الواو والصاد المهملة مقصور وهي لغة في الوصية، وفي بعض الروايات "الوصاية"، انتهى من "الفتح"

(4)

.

وقال القسطلاني

(5)

: قوله: "استوصوا بالنساء خيرًا" أي: أوصيكم فاقبلوا وصيتي فيهن، كذا قرره البيضاوي لأن الاستيصاء استفعال وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد، وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة، أي: اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير، ويجوز أن يكون من الخطاب العام، أي: يستوصي بعضكم من بعض في حق النساء، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 252).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 527).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 528، 529).

(4)

"فتح الباري"(9/ 253).

(5)

"إرشاد الساري"(11/ 529، 530).

ص: 548

ذكر المصنف في الباب حديثين ومطابقة الحديث الأول ظاهر، وأما مطابقة الحديث الثاني فغير واضح.

قال العيني

(1)

: قيل: لا مطابقة بين الترجمة وبين هذا الحديث، ويمكن أن تؤخذ المطابقة من قوله:"وانبسطنا" لأن الانبساط إليهن من جملة الوصاية بهن، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "كنا نتقي الكلام والانبساط" وذلك لاستلزامه شيئًا من الضرب والتأديب فإن الرجل إذا انبسط إلى أهله أدى ذلك إلى دلّ وقلة مبالاة بأمر الزوج فيقع العصيان ويؤدي ذلك إلى ضرب وتأديب وقد كانوا نهوا عن ذلك، وبذلك يطابق الحديث بالترجمة، انتهى.

ولا يخفى أن المناسبة التي ذكرها الشيخ أدق وأجود.

(81 -‌

‌ باب قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:

6])

وهذا الباب عندي تقييد للباب السابق بأن المداراة والوصاة يتقيد بحدّ الجواز، أما المداراة في الأمور المنكرة التي لا تجوز لا يجوز.

قال القسطلاني

(3)

: وفي ذكر المؤلف هذه الآية عقب الباب السابق المذكور فيه "واستوصوا بالنساء خيرًا" كما قال في "فتح الباري" رمز إلى أنه يقومهن برفق بحيث لا يبالغ فيكسر، وليس المراد أنه يتركهن على الاعوجاج إذا تعدين ما طبعن عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب، بل المراد أن يتركهن على اعوجاجهن في الأمور المباحة كما لا يخفى، فللَّه در المؤلف ما أدق نظره، قال الحسن: ما أطاع رجل امرأته فيما تهوى إلا كبّه الله في النار، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(14/ 143).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 314).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 531).

ص: 549

(82 -‌

‌ باب حسن المعاشرة مع الأهل)

قال ابن المنيِّر: نبَّه بهذه الترجمة على أن إيراد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحكاية، يعني: حديث أم زرع ليس خليًا عن فائدة شرعية، وهي الإحسان في معاشرة الأهل.

قلت: وليس فيما ساقه البخاري التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم أورد الحكاية، وسيأتي بيان الاختلاف في رفعه ووقفه، وليست الفائدة من الحديث محصورة فيما ذكر بل سيأتي له فوائد أخرى منها ما ترجم عليه النسائي والترمذي، وقد شرح حديث أم زرع إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري وأبو عبيد القاسم بن سلّام في "غريب الحديث" وذكر أنه نقله عن عدة من أهل العلم لا يحفظ عددهم، ثم ذكر الحافظ عدة شروح لهذا الحديث إلى أن قال: ثم الزمخشري في "الفائق" ثم القاضي عياض وهو أجمعها وأوسعها، وأخذ منه غالب الشرَّاح بعده، وقد لخصت جميع ما ذكروه، انتهى من "الفتح"

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

: وهذا الحديث أخرجه مسلم في "الفضائل" والنسائي، وأخرجه الترمذي في "الشمائل"، انتهى.

وشرحه هذا العبد الضعيف في شرح شمائل الترمذي المسمى بـ "خصائلِ نبوي" في اللغة الأردية مع التعليق عليه باللغة العربية وفيه

(3)

: قوله: "حديث أم زرع" بزاي مفتوحة وراء ساكنة وعين مهملة: واحدة من النساء المذكورات في الحديث أضيف إليه الحديث لأن معظم الكلام فيه يتعلق بها، ولهذا الحديث ألقاب أشهرها هذا، وأفرده الأئمة بالتأليف منهم القاضي عياض والرافعي في مؤلف جامع، وساقه بتمامه في "تاريخ قزوين" وآخرهم مولانا فيض الحسن الأديب السهارنفوري شرحه في مؤلف سماه

(1)

"فتح الباري"(9/ 255، 256).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 550).

(3)

"خصائل نبوي"(ص 328)، وانظر:"جمع الوسائل" لعلي القاري (2/ 48).

ص: 550

"التحفة الصديقية" قال الحافظ ابن حجر: روي هذا الحديث من أوجه بعضها موقوف وبعضها مرفوع، ويقوي رفعه ما في آخره:"كنت لك كأبي زرع لأم زرع" متفق على رفعه وذلك يقتضي أنه عليه الصلاة والسلام سمع القصة وأقرها فيكون كله مرفوعًا من هذه الحيثية، قاله المناوي، انتهى.

(83 -‌

‌ باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها)

أي: لأجل زوجها، قال العلامة العيني

(1)

تحت حديث الباب: مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: "فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة" إلى قوله: "يريد عائشة" والحديث قد مضى في تفسير سورة التحريم، ومضى أيضًا مطولًا في كتاب المظالم في "باب الغرفة والعلية المشرفة" ومضى أيضًا مختصرًا في كتاب العلم ومضى الكلام فيه في المواضع المذكورة، فالناظر فيه يعتبر التفاوت من حيث الزيادة والنقصان في الإسناد والمتن، انتهى.

قوله: (حين أفشته حفصة إلي عائشة. . .) إلخ، قال الحافظ

(2)

: كذا في هذه الطريق لم يفسر الحديث المذكور الذي أفشته حفصة، وفيه أيضًا:"وكان قال: ما أنا بداخل عليهن شهرًا، من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله" وهذا أيضًا مبهم ولم أره مفسرًا، ثم قال: والمراد بالمعاتبة قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، الآيات، وقد اختلف في الذي حرم على نفسه وعوتب على تحريمه، كما اختلف في سبب حلفه على أن لا يدخل على نسائه على أقوال، فالذي في "الصحيحين" أنه العسل كما مضى في سورة التحريم مختصرًا، وسيأتي بأبسط منه في كتاب الطلاق، وذكرت في التفسير قولًا آخر أنه في تحريم جاريته مارية، وذكرت هناك كثيرًا من طرقه، ووقع في رواية عن عائشة عند ابن مردويه ما يجمع القولين، إلى أن قال:

(1)

"عمدة القاري"(14/ 161، 162).

(2)

"فتح الباري"(9/ 289، 290).

ص: 551

وجاء في ذلك ذكر قول ثالث أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال: دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم بيتها فوجدت معه مارية فقال: "لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة، إن أباك يلي هذا الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مُت" فذهبت إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة ذلك، والتمست منه أن يحرم مارية فحرمها، ثم جاء إلى حفصة فقال:"أمرتك أن لا تخبري عائشة فأخبرتها" فعاتبها [على ذلك] ولم يعاتبها على أمر الخلافة، فلهذا قال الله تعالى:{عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم: 3] وأخرج الطبراني في "الأوسط" وفي "عشرة النساء" عن أبي هريرة نحوه بتمامه وفي كل منهما ضعف.

وجاء في سبب غضبه منهن وحلفه أن لا يدخل عليهن شهرًا قصة أخرى، فأخرج ابن سعد من طريق عمرة عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها فزادها مرة أخرى فلم ترض، فقالت عائشة: لقد أقمئت وجهك ترد عليك الهدية، فقال:"لأنتن أهون على الله من أن تقمئنني لا أدخل عليكن شهرًا".

وفيه قول آخر أخرجه مسلم من حديث جابر، فذكر الحافظ قصة سؤالهن النفقه ثم قال: ويحتمل أن يكون مجموع هذه الأشياء كان سببًا لاعتزالهن وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه صلى الله تعالى عليه وسلم وسعة صدره وكثرة صفحه، وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن، صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن، والراجح من الأقوال كلها قصة مارية، إلى آخر ما تقدم في سورة التحريم فارجع إليه لو شئت.

(84 -‌

‌ باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعًا)

قال الحافظ

(1)

: هذا الأصل لم يذكره البخاري في كتاب الصيام، وذكره أبو مسعود في أفراد البخاري من حديث أبي هريرة، وليس كذلك فإن

(1)

"فتح الباري"(9/ 293).

ص: 552

مسلمًا ذكره في أثناء حديث في كتاب الزكاة، ووقع للمزي في "الأطراف" فيه وهم بيَّنته فيما كتبته عليه، انتهى.

قال القسطلاني

(1)

تحت حديث الباب: وفي رواية المستملي كما في "الفتح""لا تصومن" بزيادة نون التأكيد، وفي الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعًا في أثنائه:"ومن حق الزوج على زوجة أن لا تصوم تطوعًا إلا بإذنه، فإن فعلت لم يقبل منها" وهذا يدل على تحريم الصوم المذكور عليها، وهو قول الجمهور، قال النووي في "المجموع": وقال أصحابنا: يكره، والصحيح الأول، قال النووي: ومقتضى المذهب عدم الثواب، إلى آخر ما ذكره.

وقال العلامة العيني

(2)

تعليلًا لمسألة الباب: لأن حقه مقدم على الصوم التطوع بخلاف رمضان فإنه لا يحتاج فيه إلى الإذن لأنه أيضًا صائم، والخلاف في صوم قضاء رمضان فمنهم من قال: ليس لها ذلك بل تؤخره إلى شعبان، ومنهم من قال: لها ذلك، انتهى.

(85 -‌

‌ باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها)

أي: بغير سبب لم يجز لها ذلك، قاله الحافظ

(3)

.

(86 -‌

‌ باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها إلا بإذنه)

والمراد ببيت زوجها مسكنه سواء كان ملكه أم لا؟ كذا في "الفتح" و"العيني"

(4)

.

قوله: (ولا أن تأذن في بيت إلا بإذنه) فلو علمت رضاه جاز، قال قي "الفتح"

(5)

: وفي الحديث حجة على المالكية في تجويز دخول الأب ونحوه

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 558، 559).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 165).

(3)

"فتح الباري"(9/ 294).

(4)

"فتح الباري"(9/ 295)، و"عمدة القاري"(14/ 168).

(5)

"فتح الباري"(9/ 297)، و"إرشاد الساري"(11/ 561).

ص: 553

بيت المرأة بغير إذن زوجها، وأجابوا عن الحديث بأنه معارض بصلة الرحم، وأن بين الحديثين عمومًا وخصوصًا وجيهًا فيحتاج إلى مرجح، ويمكن أن يقال: صلة الرحم إنما تندب بما يملكه الواصل والتصرف في بيت الزوج لا تملكه المرأة إلا بإذن الزوج، فكما لأهلها أن لا تصلهم بماله إلا بإذنه فإذنها لهم في دخول البيت كذلك. انتهى من "القسطلاني".

(87 -‌

‌ باب)

(بغير ترجمة)، قال العيني

(1)

: هو كالفصل لما قبله، انتهى.

وقال الحافظ

(2)

: كذا لهم بغير ترجمة وأورد فيه حديث أسامة لقوله فيه: "وقفت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء" وسقط للنسفي لفظ "باب" فصار الحديث الذي فيه من جملة الباب الذي قبله، ومناسبته له من جهة الإشارة إلى أن النساء غالبًا يرتكبن النهي المذكور، ومن ثم كن أكثر من دخل النار، والله أعلم، انتهى من "الفتح".

(88 -‌

‌ باب كفران العشير وهو الزوج وهو الخليط، من المعاشرة)

قال العيني

(3)

: قوله: "وهو الزوج. . ." إلخ، أي: العشير هو الزوج والعشير على وزن فعيل بمعنى معاشر كالمصادق في الصديق؛ لأنها تعاشره ويعاشرها من العشرة وهي الصحبة، وقوله:"وهو الخليط" أي: العشير هو الخليط، أي: المخالط لأن بينهما مخالطة، قوله:"من المعاشرة" أراد به أن العشير الذي هو الزوج مأخوذ من المعاشرة التي بمعنى المصاحبة، واحترز به عن العشير الذي بمعنى العشر بالضم كما في الحديث:"تسعة أعشراء الرزق في التجارة" وهو جمع عشير كنصيب وأنصباء، ومن العشير

(1)

"عمدة القاري"(14/ 169).

(2)

"فتح الباري"(9/ 298).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 170).

ص: 554

الذي بمعنى المعشور فإنه [من] عشرت المال أعشره إذا أخذت عشرًا، انتهى.

(89 -‌

‌ باب لزوجك عليك حق)

أشار المصنف بهذا الباب والباب الآتي إلى رعاية الحقوق من الطرفين، قوله:"قاله أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قال الحافظ

(1)

: وهو طرف من حديثه في قصة سلمان وحديثه وقد مضى موصولًا مشروحًا في كتاب الصيام، قال ابن بطال: لما ذكر في الباب قبله حق الزوج على الزوجة ذكر في هذا عكسه، وأنه لا ينبغي له أن يجهد بنفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب، واختلف العلماء فيمن كفّ عن جماع زوجته فقال مالك: إن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما، ونحوه عن أحمد، والمشهور عن الشافعية أنه لا يجب عليه، وقيل: يجب مرة، وعن بعض السلف: في كل أربع ليلة، وعن بعضهم: في كل طهر مرة، انتهى من "الفتح".

زاد العيني

(2)

: وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يؤمر أن يبيت عندها، انتهى.

(90 -‌

‌ باب المرأة راعية في بيت زوجها)

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه عن ابن عمر وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى.

وقال العيني

(4)

: والحديث قد مرَّ في صلاة الجمعة في "باب الجمعة في القرى والمدن" بأتم منه، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 299).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 172).

(3)

"فتح الباري"(9/ 300).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 173).

ص: 555

(91 -‌

‌ باب قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:

34])

قال الحافظ

(1)

: إلى هنا عند أبي ذر، وزاد غيره:" {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} إلى قوله: {عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34] وبسياق الآية تظهر مطابقة الترجمة لأن المراد منها قوله تعالى: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} فهو الذي يطابق قوله: "آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا" لأن مقتضاه أنه هجرهن، وخفي ذلك على الإسماعيلي فقال: لم يتضح لي دخول هذا الحديث في هذا الحديث في هذا الباب ولا تفصيل الآية التي ذكرها، انتهى.

وبما قال الحافظ جزم العيني في المناسبة.

وذكر صاحب "التيسير" المطابقة بوجهين: الأول: أن إيلاءه صلى الله عليه وسلم كان للتنبيه والتحديد لنسائه ليتعظن ويمتنعن ويتبن عما لا يليق بشأنهن، وقد وقع ما أراده صلى الله عليه وسلم فناسب الحديث قوله تعالى:{فَعِظُوهُنَّ} ، والوجه الثاني: ما ذكر الحافظ وغيره من المناسبة بقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ} ، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سره في "اللامع"

(2)

: دلالة الرواية عليه من حيث إن الزوج كان له الإيلاء والامتناع عن قربانها ولا يمكن ذلك للمرأة إن قصدت، انتهى.

وفي هامشه: وعلى ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه لا يحتاج للمناسبة إلى ذكر تمام الآية التي لم يذكرها البخاري بل الحديث مطابق لما ذكره البخاري من جزء الآية من قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} بأن الزوج لما كان له الإيلاء والامتناع وليس ذلك للمرأة فكون الرجال قوامين ظاهر، والجدير بشأن البخاري أن تثبت المطابقة بما أفاده الشيخ لدقته، وأما إثبات المناسبة بقوله:{وَاهْجُرُوهُنَّ} فظاهر لا يليق بدقة شأن البخاري.

(1)

"فتح الباري"(9/ 300)، وانظر:"عمدة القاري"(14/ 174).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 327، 328).

ص: 556

(92 -‌

‌ باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن)

كأنه يشير إلى أن قوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} لا مفهوم له وأنه تجوز الهجرة فيما زاد على ذلك، كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من هجره لأزواجه في المشربة، وللعلماء في ذلك اختلاف.

قوله: (ويذكر عن معاوية رفعه: ولا تهجر إلا في البيت) وهذا طرف من حديث طويل أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن حكيم بن معاوية عن أبيه وفيه: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: "يطعمها إذا طعم، ويكسها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت"، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قوله: (والأول أصح) قال القسطلاني

(2)

: أي حديث أنس المروي في الباب السابق المذكور فيه هجره صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن أصح من حديث معاوية بن حيدة هذا، وعبَّر المؤلف بيذكر التي للتمريض إشارة إلى انحطاط رتبته بالنسبة لغيرها مع الصلاحية للاحتجاج بذلك، وللكرماني والعيني ههنا كلام أضربت عنه لطوله، والذي تقرر هنا من معنى الحديث المعلق مع الاستشهاد له بلفظ أبي داود هو الظاهر فليتأمل مع ما أبداه العيني في شرحه متعقبًا لما في "الفتح" مما ذكرته هنا منتصرًا للكرماني والله الموفق والمعين.

والحاصل: أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وغيرها، وأن الحصر المذكور في حديث معاوية المعلق هنا غير معمول به بل يجوز في غير البيوت، كما فعله صلى الله عليه وسلم، وقول المهلب: إن الهجران في غير البيوت فيه رفق بالنساء إذ هو معهن في البيوت آلم لقلوبهن، ليس على إطلاقه، بل يختلف باختلاف الأحوال على أن الغالب أن الهجران في غير البيوت أشق، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 301).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 568)، وانظر:"فتح الباري"(9/ 301).

ص: 557

وهذا الذي ذكره القسطلاني ملخص ما بسطه الحافظ في "الفتح".

(93 -‌

‌ باب ما يكره من ضرب النساء)

فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقًا بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم على ما سنفصله.

قوله: (وقول الله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} أي: ضربًا غير مبرح) هذا التفسير منتزع من المفهوم من حديث الباب من قوله: "ضرب العبد" كما سأوضحه، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث عمرو بن الأحوص "أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر حديثًا طويلًا، وفيه:"فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرح" الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي واللفظ له، وفي حديث جابر الطويل عند مسلم:"فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح"، قلت: وسبق التنصيص في حديث معاوية بن حيدة على النهي عن ضرب الوجه، انتهى من "الفتح"

(1)

.

ثم بسط الحافظ في الروايات الواردة في إباحة ضربهن ومنعه إلى أن قال: وفي قوله: "لن يضرب خياركم" دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديبًا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله، وقد أخرج النسائي حديث عائشة:"ما ضرب رسول الله امرأة له ولا خادمًا قط، ولا ضرب بيده شيئًا قط إلا في سبيل الله، أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا كثيرًا، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 303، 304).

ص: 558

(94 -‌

‌ باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية)

لمَّا كان الذي قبله يشعر بندب المرأة إلى طاعة زوجها في كل ما يرومه خصص ذلك بما لا يكون فيه معصية الله، فلو دعاها الزوج إلى معصية فعليها أن تمتنع، فإن أدّبها على ذلك كان الإثم عليه، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(95 -‌

‌ باب قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء:

128])

قال الحافظ

(2)

: قد تقدم الباب وحديثه في تفسير سورة النساء، وسياقه ههنا أتم، وذكرت هناك سبب نزولها وفيمن نزلت، واختلف السلف فيما إذا تراضيا على أن لا قسمة لها هل لها أن ترجع في ذلك؟ فقال الثوري وأحمد - وأخرجه البيهقي عن علي رضي الله عنه وغيرهم ذكر أسماءهم الحافظ: إن رجعت فعليه أن يقسم لها وإن شاء فارقها، وعن الحسن: ليس لها أن تنقض، وهو قياس قول مالك في الإنظار والعارية، والله أعلم، انتهى.

(96 -‌

‌ باب العزل)

قال القسطلاني

(3)

: قال النووي: قال أصحابنا: لا يحرم في مملوكته ولا زوجته الأمة سواء رضيت أم لا؛ لأن عليه ضررًا في مملوكته بأن تصير أم ولد لا يجوز بيعها، وفي زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقًا تبعًا لأمه، أما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم وإلا فوجهان: أصحهما لا يحرم، واستدلوا بحديث البخاري، ثم ذكر حديث الباب، انتهى.

قال في "الدر المختار"

(4)

: ويعزل عن الحرة بإذنها، وعن أمته بغير إذنها بلا كراهة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 304).

(2)

"فتح الباري"(9/ 304).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 574).

(4)

"رد المحتار"(4/ 334 - 336).

ص: 559

وقال أيضًا: والإذن في العزل لمولى الأمة لا لها، قال ابن عابدين: وهذا هو ظاهر الرواية عن الثلاثة، انتهى.

وفي "الأوجز"

(1)

: قال الموفق: يجوز العزل عن أمته بغير إذنها، نص عليه أحمد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي، ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها، قال القاضي: ظاهر كلام أحمد وجوب الاستئذان ويحتمل الاستحباب لأن حقها في الوطء دون الإنزال، وللشافعية في ذلك وجهان، وأما زوجته الأمة فيحتمل جواز العزل عنها بغير إذنها وهي قول الشافعي، إلى آخر ما ذكر.

وفي "الأوجز" أيضًا عن "الفتح": واختلفوا في الأمة المزوجة فعند المالكية يحتاج إلى إذن سيدها وهو قول أبي حنيفة، والراجح عن أحمد، وقال محمد وأبو يوسف: الإذن لها وهي رواية عن أحمد، انتهى.

وكذا لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها عند المالكية كما قال ابن عبد البر ونقل عليه الإجماع، وإن كان حكاية الإجماع متعقبًا عليه فإن للشافعية في المسألة قولان، والأصح الجواز كما تقدم في كلام النووي، وفي "الفتح": قال الغزالي وغيره: يجوز وهو المصحح عند المتأخرين.

(97 -‌

‌ باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرًا)

تقدم في حديث الإفك في التفسير مثل ذلك من حديث عائشة أيضًا، وساق المصنف في الباب قصة أخرى ولعلها كانت أيضًا في تلك السفرة، ولكن بينت في شرح حديث الإفك في التفسير أنه لم يكن معه في غزوة المريسيع إلا عائشة، وقد تقدم في الهبة والشهادات مثل ذلك في أول حديث آخر عن عائشة أيضًا، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(1)

"أوجز المسالك"(11/ 458، 459)، انظر:"المغني"(10/ 230)، و"فتح الباري"(9/ 308).

(2)

"فتح الباري"(9/ 310، 311).

ص: 560

وفيه أيضًا: واستدل بحديث الباب على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك، كما تقدم في أواخر الشهادات، والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة قال عياض: هو مشهور عن مالك وأصحابه؛ لأنه من باب الخطر والقمار، وحكي عن الحنفية إجازتها، انتهى.

وقد قالوا به في مسألة الباب، إلى آخر ما في "الفتح".

وفي هامش النسخة الهندية

(1)

: القرعة عند إرادة السفر مستحقة عند الشافعية وعند الحنفية مستحبة، كذا في "الهداية"، انتهى.

قال القسطلاني

(2)

: قال أصحابنا: لا يجوز للزوج السفر ببعض أزواجه إلا بالقرعة إذا تنازعن، وإذا سافر بإحداهن بها فلا قضاء عليه، إلى آخر ما ذكر في فروع المسألة، ثم قال: وهذا الحديث أخرجه مسلم في "الفضائل" والنسائي في "عشرة النساء"، انتهى.

وقد تقدم الكلام على القرعة مرارًا فإن الإمام البخاري رحمه الله تعالى قد ترجم لها في عدة مواضع كما نبهت عليه في كتاب الشركة فارجع إليه لو شئت.

(98 -‌

‌ باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرّتها)

" من" يتعلق بـ "يومها" لا بـ "تهب" أي: يومها الذي يختص بها، قوله:"وكيف يقسم ذلك" قال العلماء: إذا وهبت يومها لضرتها قسم الزوج لها يوم ضرتها فإن كان تاليًا ليومها فذاك وإلا لم يقدمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقي، وقالوا: إذا وهبت المرأة يومها لضرتها فإن قبل الزوج لم يكن للموهوبة أن تمتنع، وإن لم يقبل لم يكره على ذلك، وللواهبة في

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 584).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 577، 578).

ص: 561

جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت لكن فيما يستقبل لا فيما مضى، وأطلق ابن بطال أنه لم يكن لسودة رضي الله عنها الرجوع في يومها الذي وهبته لعائشة، انتهى من "الفتح"

(1)

باختصار.

وقد ذكر الحافظ الروايات في سبب هبة سودة يومها لعائشة مما أخرجها مسلم وأبو داود وغيرهما من أصحاب الصحاح وغيرهم، ثم قال: فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت، وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلًا "أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت: والذي بعثك بالحق ما لي في الرجال حاجة ولكن أحبّ أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي؟ قال: لا" الحديث، انتهى مختصرًا.

(99 -‌

‌ باب العدل بين النساء {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ. . .} [النساء: 129]) إلخ

كتب مولانا أحمد علي المحدث السهارنفوري على الحاشية

(2)

: ليس في هذا الباب حديث، ومرَّ توجيهه مرارًا فيما تقدم من أنه لم يجد على شرطه، أو أراد ولم يتفق، وهذا على ما يوجد في بعض النسخ من قوله:"باب إذا تزوج البكر على الثيب" بين الآية والحديث.

وقال القسطلاني: سقط التبويب ولاحقه لأبي ذر فعلى هذا لا إشكال، وعليه شرح ابن حجر حيث قال بعد قوله:"باب العدل بين النساء {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا. . .} " إلخ: أشار بذكر الآية إلى أن المنفي فيها العدل بينهن من كل جهة، وبالحديث إلى أن المراد بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل

(1)

"فتح الباري"(9/ 312، 313).

(2)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 586)، وانظر:"إرشاد الساري"(11/ 579)، و"فتح الباري"(9/ 313).

ص: 562

منهن، فإذا أوفى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء لم يضر ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة، وقد روى الأربعة وصححه ابن حبان والحاكم عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" قال الترمذي: يعني به المحبة والمودة، انتهى.

(100 -‌

‌ باب إذا تزوج البكر على الثيب)

كذا ثبتت هذه الترجمة في النسخة "الهندية" و"القسطلاني" و"العيني"، وليست في نسخة "الحافظ" كما تقدم في الباب السابق.

ولذا قال الحافظ

(1)

في شرح الباب الآتي: قوله: "‌

‌باب إذا تزوج الثيب على البكر

" أي: أو عكس كيف يصنع؟ والمسألة خلافية كما ستأتي في الباب الآتي.

قال العيني

(2)

: ولم يذكر جواب إذا الذي هو يبين الحكم اكتفاء بما في حديث الباب، والبكر خلاف الثيب ويقعان على الرجل والمرأة، انتهى.

(101 - باب إذا تزوج الثيب على البكر)

قال العلامة العيني

(3)

: وهذه الترجمة عكس الترجمة التي قبلها، ثم قال بعد حديث الباب: أخرج الطحاوي هذا الحديث من عشر طرق صحاح، ثم قال: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا تزوج الثيب أنه بالخيار إن شاء سبَّع لها وسبَّع لسائر نسائه، وإن شاء أقام عندها ثلاثًا ودار على بقية نسائه يومًا يومًا وليلة ليلة، قلت: أراد بالقوم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وأبا عبيد، ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: إن ثلَّث لها ثلَّث لسائر نسائه كما إذا سبّع لها سبّع لسائر نسائه.

(1)

"فتح الباري"(9/ 314).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 188).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 189، 190).

ص: 563

قلت: أراد بالقوم هؤلاء: حماد بن أبي سليمان والحكم بن عتيبة وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا رحمهم الله تعالى، واحتجوا في ذلك بحديث أم سلمة أخرجه الطحاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:"إن شئت سبَّعت عندك سبعت عندهن" وأخرجه أحمد في "مسنده" مطولًا، وأخرجه الطبراني بأطول منه، وأخرجه أبو يعلى أيضًا والبيهقي، قال الطحاوي: فلما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت سبعت لك سبعت عندهن" أي: أعدل بينهن وبينك فأجعل لكل واحدة منهم سبعًا كما أقمت عندك سبعًا، كذلك إذا جعل لها ثلاثًا جعل لكل واحدة منهن ثلاثًا.

قالت الشافعية: حديث أنس المذكور - في البخاري - حجة على الحنفية، قلت: كذلك حديث أم سلمة حجة على الشافعية، واحتجت الحنفية أيضًا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل" الحديث رواه الأربعة وقد مر عن قريب، فظاهره يقتضي المساواة بينهن مطلقًا، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "الكوكب الدري"

(1)

: قوله: "ثم قسم بينهما بالعدل" الرواية غير صريحة في إخراج هذه الأيام من القسمة فلا بد له من دليل، يعني: أن هذا الذي ذهبوا إليه ليس لهم حجة عليه فالصحيح أن تعتبر هذه المدة في القسم، انتهى.

وفي هامش النسخة "الهندية"

(2)

: قوله: "السُّنَّة إذا تزوج البكر. . ." إلخ، قال علي القاري في "المرقاة": أخذ بظاهر الشافعي، وعندنا لا فرق بين القديمة والحديثة لإطلاق الحديثين الآتيين في الفصل الثاني - أي: في "المشكاة" - وإطلاق قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء: 3] وقوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} وخبر الواحد لا ينسخ إطلاق الكتاب، انتهى.

وههنا مذهب ثالث حكاه الحافظ عن الأوزاعي وهو: أن للبكر ثلاث

(1)

"الكوكب الدري"(2/ 243).

(2)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 587).

ص: 564

وللثيب يومان، وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدًّا، انتهى.

وذكر الحافظ التفصيل في فروع تلك المسألة.

(102 -‌

‌ باب من طاف على نسائه في غسل واحد)

ذكر فيه حديث أنس في ذلك وقد تقدم سندًا ومتنًا في كتاب الغسل مع شرحه وفوائده والاختلافُ على قتادة في كونهن تسعًا أو إحدى عشرة، وبيانُ الجمع بين الحديثين، قاله الحافظ

(1)

.

وقال العيني

(2)

: مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، انتهى. كذا قال.

وقال القسطلاني

(3)

: فإن قلت: ليس في الحديث مطابقة للترجمة فالجواب أنه أشار إلى ما روي في بعض طرقه "أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، انتهى.

وترجمة المصنف في كتاب الغسل "باب إذا جامع ثم عاد" وتقدم هناك عن تراجم شيخ مشايخنا الدهلوي

(4)

: مقصوده إثبات جواز ذلك مع سُنِّية أن يتوضأ بين الجماعين، وذلك ثابت بالأحاديث الأخر، ويحتمل عندي أنه أشار إلى ترجيح رواية أنس رضي الله عنه عند أبي داود فجعلها غسلًا واحدًا كما رجحه أبو داود، ويحتمل أيضًا أنه أراد الرد على وجوب الوضوء على المعاود كما قال به الظاهرية وابن حبيب المالكي، انتهى.

(103 -‌

‌ باب دخول الرجل على نسائه في اليوم)

أي: ليعلم أن عماد القسم الليل لأنه وقت السكون، والنهار تابع له إلا نحو الحارس والخفير فإن نهاره ليله فهو عماد قسمه لأنه وقت سكونه،

(1)

"فتح الباري"(9/ 316).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 191).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 581).

(4)

"شرح تراجم أبواب البخاري"(ص 112).

ص: 565

فلو دخل من عماد قسمه الليل على إحدى زوجاته في ليلة غيرها ولو لحاجة حرم إلا لضرورة كمرضها المخوف ويقضي إن طال الزمن، وأما النهار فلا يجوز دخوله فيه على الأخرى إلا لحاجة كعيادة ووضع متاع، إلى آخر ما ذكره القسطلاني

(1)

.

(104 -‌

‌ باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرَّض في بيت بعضهن فأذِنّ له)

قوله: (أن يمرض) في هامش "الهندية"

(2)

عن "المجمع": بضم تحتية وفتح راء مشددة، أي: يخدم في مرضه، انتهى.

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية في آخر المغازي، والغرض منه هنا أن القسم لهن يسقط بإذنهن في ذلك فكأنهن وهبن أيامهن تلك للتي هو في بيتها، وقد تقدم في بعض طرقه التصريح بذلك، انتهى.

(105 -‌

‌ باب حبّ الرجل بعض نسائه أفضل من بعض)

[*]

قال العلامة القسطلاني

(4)

: أي: جواز ذلك فلا يؤاخذ بميل قلبه إلى بعضهن ولا بعدم التسوية في الجماع؛ لأن ذلك يتعلق بالنشاط والشهوة وهو لا يملك ذلك، انتهى.

وقال الحافظ

(5)

: ذكر فيه طرفًا من حديث ابن عباس عن عمر الذي

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 582).

(2)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 590)، وانظر:"مجمع بحار الأنوار"(4/ 581).

(3)

"فتح الباري"(9/ 317).

(4)

"إرشاد الساري"(11/ 583).

(5)

"فتح الباري"(9/ 317).

[*] تعليق الشاملة: كان ترقيم هذا الباب خطأ في المطبوع، فصححناه

ص: 566

تقدم في "باب موعظة الرجل ابنته" وهو ظاهر فيما ترجم له، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: ودلالة الرواية عليه في اعتراف عمر بذلك في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر له عمر ذلك فلم يردّ عليه.

(106 -‌

‌ باب المتشبع بما لم ينل، وما ينهى من افتخار الضرّة)

قال القسطلاني

(2)

: أي: باب ذم المتشبع بما لم ينل يتكثر بذلك ويتزين بالباطل، انتهى.

وقال الحافظ

(3)

: أشار بهذا إلى ما ذكره أبو عبيد في تفسير الخبر قال: قوله: "المتشبع" أي: المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل، كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها، وكذلك هذا في الرجال، ثم بسط الحافظ الكلام في شرح حديث الباب.

(107 -‌

‌ باب الغيرة)

بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء، قال عياض وغيره: هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين، انتهى.

وأورد المصنف في الباب تسعة أحاديث، وفي الحديث الأول قوله:"وقال وراد" هو كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه، وحديثه هذا المعلق عن المغيرة سيأتي موصولًا في كتاب الحدود واختصره ههنا، ويأتي أيضًا في كتاب التوحيد أتم سياقًا، انتهى

(4)

.

(فائدة): قال الحافظ

(5)

تحت آخر أحاديث الباب في شرح قوله: "بينا

(1)

"لامع الدراري"(9/ 332).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 584).

(3)

"فتح الباري"(9/ 317).

(4)

انظر: "فتح الباري"(9/ 320).

(5)

"فتح الباري"(9/ 325).

ص: 567

أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ. . ." إلخ: استدل الداودي بهذا الحديث على أن الحور في الجنة يتوضأن ويصلين.

قلت: ولا يلزم من كون الجنة لا تكليف فيها بالعبادة أن لا يصدر من أحد من العباد باختياره ما شاء من أنواع العبادة، وفيه أن الجنة موجودة وكذلك الحور، وقد تقدم تقرير ذلك في بدء الخلق، انتهى.

(108 -‌

‌ باب غيرة النساء ووجدهن)

هذه الترجمة أخص من التي قبلها، والوجد بفتح الواو: الغضب، ولم يبتّ المصنف حكم الترجمة لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، وأصل الغيرة غير مكتسب من النساء لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام، وضابط ذلك ما ورد في الحديث الآخر:"إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله" الحديث، إلى آخر ما ذكر الحافظ

(1)

.

(109 -‌

‌ باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف)

أي: في دفع الغيرة عنها وطلب الإنصاف لها، قاله الحافظ

(2)

.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(3)

: معنى الإنصاف القيام لاستيفاء نصيب صاحبها، ولا ريب في أن فاطمة لو أخذتها الغيرة في أمر ما أدى ذلك إلى افتتان في دينها وكان فيه فوات حقها، فافهم وتدبر، انتهى.

وفي هامشه: اختلفوا في شرح ألفاظ الترجمة، ثم ذكر ما تقدم من كلام الحافظ، ثم قال: وتبعه القسطلاني إذ قال: أي: دفعه عن ابنته في الغيرة وطلب الإنصاف لها، انتهى.

وقال العيني: أي: في بيان دفعه عن ابنته الغيرة وفي بيان الإنصاف لها، والإنصاف من أنصف إذا عدل، انتهى.

وفي "التيسير": "باب ذب الرجل. . ." إلخ، أي: باز داشتنِ مرد أز

(1)

"فتح الباري"(9/ 326).

(2)

"فتح الباري"(9/ 327).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 333).

ص: 568

دخترِ خود غيرت را، إين جنين شرح كرد عيني إين ترجمة را، وكَويا كلمه "في" زائد داشته، وحاصل: معنى آن كه دور كردن آن جه دختر أو را در غيرت وخشم آرد، ومي توان كَفت كه "في" بمعنى لام أست أز جهت غيرت، وقوله:"والإنصاف" أي: در بيان عدالت أست جناد كه أز آخر حديث معلوم شود، انتهى.

وأما الغرض من الترجمة فيمكن أنه أشار به إلى أن العون لها في دفع الغيرة بحد الإنصاف لا يدخل في العصبية المنهي عنها.

(110 -‌

‌ باب يقل الرجال ويكثر النساء)

يعني: في آخر الزمان، قاله العيني

(1)

وغيره.

قوله: (وقال أبو موسى. . .) إلخ، وهذا التعليق مضى موصولًا في كتاب الزكاة في "باب الصدقة قبل الرد" ثم قال بعد ذكر الحديث: ومطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث مضى في كتاب العلم في "باب رفع العلم"، انتهى من "العيني".

وقال القسطلاني

(2)

: قوله: "ويقل الرجال ويكثر النساء" بسبب القتل في الرجال من كثرة الفتن دون النساء لأنهن لسن من ذوات الحرب، وقيل: بل هي علامة محضة لا بسبب آخر بل يقدر الله في آخر الزمان أن يقلّ من يولد من الذكور ويكثر من يولد من النساء، انتهى.

(111 -‌

‌ باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة)

بضم الميم وكسر الغين المعجمة وبعد التحتية الساكنة موحدة: التي غاب عنها زوجها لسفر أو غيره، انتهى من "القسطلاني"

(3)

.

(1)

"عمدة القاري"(14/ 206).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 597، 598).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 598).

ص: 569

قال الحافظ

(1)

: وأحد ركني الترجمة أورده المصنف صريحًا في الباب، والثاني يؤخذ بطريق الاستنباط من أحاديث الباب، وقد ورد في حديث مرفوع صريحًا أخرجه الترمذي من حدث جابر رفعه:"لا تدخلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" ورجاله موثقون لكن مجالد بن سعيد مختلف فيه، ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا:"لا يدخل رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان" ذكره في أثناء حديث، انتهى.

(112 -‌

‌ باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس)

قال الحافظ

(2)

: أي: لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به كالشيء الذي تستحيي المرأة من ذكره بين الناس، وأخذ المصنف قوله في الترجمة:"عند الناس" من قوله: في بعض طرق الحديث: "فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك" وهي الطريق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبًا، انتهى.

قال القسطلاني

(3)

: "أن يخلو الرجل" الأمين "بالمرأة" الأجنبية في ناحية "عند الناس" لتسأله عن بواطن أمرها في دينها وغيره من أحوالها سرًا حتى لا يسمع الناس ذلك، إذ هو من الأمور التي تستحيي المرأة من ذكرها بين الناس، وليس المراد أن يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، انتهى.

(113 -‌

‌ باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة)

أي: بغير إذن زوجها وحيث تكون مسافرة مثلًا، انتهى من "الفتح"

(4)

(1)

"فتح الباري"(9/ 331).

(2)

"فتح الباري"(9/ 333).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 600).

(4)

"فتح الباري"(9/ 333).

ص: 570

(114 -‌

‌ باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة)

أي: تهمة، و"نحوهم" أي: من الأجانب.

قال الحافظ

(1)

: وظاهر الترجمة أن المصنف كان يذهب إلى جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف عكسه وهي مسألة شهيرة، واختلف الترجيح فيها عند الشافعية، وحديث الباب يساعد من أجاز، إلى آخر ما بسط الحافظ.

وقال القسطلاني

(2)

: قال النووي: نظر الوجه والكفين عند أمن الفتنة من المرأة إلى الرجل وعكسه جائز وإن كان مكروهًا، لقوله تعالى في الثانية:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وهو مفسر بالوجه والكفين وقيس بها الأولى، وهذا ما في "الروضة" عن أكثر الأصحاب، والذي صححه في "المنهاج" التحريم وعليه الفتوى، إلى آخر ما ذكر.

وقال العيني

(3)

: أشار بهذا إلى أن عنده جواز نظر المرأة إلى الأجنبي دون نظر الأجنبي إليها، وإنما ذكر الحبشة وإن كان الحكم في غيرهم كذلك لأجل ما ورد في حديث الباب، وأراد البخاري به الردّ لحديث أم سلمة أنها قالت:"كنت أنا وميمونة جالستين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن عليه ابن أم مكتوم فقال: احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله! أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه"؟ أخرجه الأربعة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال ابن بطال: حديث عائشة أعني حديث الباب أصح من حديث نبهان لأن نبهان ليس بمعروف بنقل العلم، إلى آخر ما بسط.

(1)

"فتح الباري"(9/ 336).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 603).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 211، 212).

ص: 571

وفي "الأوجز"

(1)

: قال الموفق: أما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد، وقال القاضي: يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنه عورة ويباح له النظر إليها مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر بغير شهوة، وهذا مذهب الشافعي؛ لقوله عز اسمه:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال ابن عباس: الوجه والكفين، إلى أن قال: وأما نظر المرأة إلى الرجل ففيه روايتان إحداهما: لها النظر إلى ما ليس بعورة، والأخرى: لا يجوز لها النظر من الرجل إلا إلى مثل ما ينظر إليها منها، وهذا أحد قولي الشافعي لحديث نبهان عن أم سلمة - المذكور سابقًا - رواه أبو داود وغيره، إلى آخر ما بسط.

وقال الدردير: وهي من حرة مع رجل أجنبي مسلم غير الوجه والكفين من جميع جسدها حتى قصتها وإن لم يحصل الالتذاذ، وأما مع أجنبي كافر فجميع جسدها حتى الوجه والكفين، وترى المرأة من الرجل الأجنبي ما يراه الرجل من محرمه: الوجه والأطراف، أي: من عنق ورأس وظهر قدم، قال الدسوقي: قوله: غير الوجه والكفين، أي: وأما هما فغير عورة يجوز النظر إليهما، ولا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما بشرط أن لا يخشى بالنظر لذلك فتنة وأن يكون النظر لغير قصد لذة، وإلا فحرم النظر لهما، انتهى.

وفي "الهداية": لا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه - أي: من الرجل - إذا أمنت الشهوة لاستواء الرجل والمرأة في النظر إلى ما ليس بعورة، انتهى.

وفي "الإقناع"

(2)

في الفروع الشافعية: ونظر الرجل إلى المرأة على

(1)

"أوجز المسالك"(11/ 333 - 335)، وانظر:"المغني"(9/ 498)، و"الشرح الكبير"(1/ 214)، و"الهداية"(2/ 368).

(2)

"الإقناع"(2/ 118).

ص: 572

سبعة أضرب: أحدها: نظره إلى أجنبية غير الوجه والكفين ولو غير مشتهاة قصدًا لغير حاجة فغير جائز قطعًا وإن أمن الفتنة، وأما نظره إلى الوجه والكفين فحرام عند خوف فتنة تدعو إلى الاختلاء بها لجماع أو مقدماته بالإجماع كما قاله الإمام، ولو نظر إليهما بشهوة وهي قصد التلذذ بالنظر المجرد وأمن الفتنة حرم قطعًا، وكذا يحرم النظر إليهما عند الأمن من الفتنة فيما يظهر له من نفسه من غير شهوة على الصحيح كما في "المنهاج"، ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة، وقد قال تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} الآية [النور: 30]، واللائق بمحاسن الشريعة سدّ الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية بأنهم لم يفصلوا في ذلك بل حرموا الاختلاء بها مطلقًا سدًّا لباب الفساد، وقيل: لا يحرم، أي: النظر للوجه والكفين لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وهو مفسر بالوجه والكفين، ونسبه الإمام للجمهور والشيخان للأكثرين، وقال في "المهمات": إنه الصواب لكون الأكثرين عليه، وقال البلقيني: الترجيح بقوة المدرك، والفتوى على ما في "المنهاج"، انتهى.

وفي هامش النسخة "الهندية"

(1)

عن "التوشيح": قوله: "وأنا أنظر إلى الحبشة. . ." إلخ، كان ذلك عام قدومهم سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة وذلك بعد الحجاب، فيستدل به على جواز نظر المرأة إلى الرجل، انتهى.

والجملة أن الغرض من الترجمة بيان جواز نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي وهو كذلك عند الأئمة الثلاثة، كما يظهر من النقول المتقدمة، ويخالف مذهب الشافعية على قول، والله تعالى أعلم.

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 613).

ص: 573

(115 -‌

‌ باب خروج النساء لحوائجهن)

قال الحافظ

(1)

: ذكر المصنف فيه حديث عائشة: "خرجت سودة لحاجتها" وقد تقدم شرحه وتوجيه الجمع بينه وبين حديثها الآخر في نزول الحجاب في تفسير سورة الأحزاب، وذكرت هناك التعقب على عياض في زعمه أن أمهات المؤمنين كان يحرم عليهن إبراز أشخاصهن ولو كن منتقبات متلففات، والحاصل في ردّ قوله: كثرة الأخبار الواردة أنهن كن يحججن ويطفن ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع"

(2)

: قوله: "يا سودة ما تخفين علينا" ناداها بذلك لتتأذى بذلك فيذكر ذلك له صلى الله عليه وسلم فيغار فينزل الحجاب، انتهى.

وفي هامشه: قوله: فينزل الحجاب، وهو نص الرواية المتقدمة في كتاب الطهارة في "باب خروج النساء للبراز" بلفظ "فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة" حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله الحجاب، ولكن يشكل عليه ما في تفسير سورة الأحزاب من حديث عائشة قالت: "خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب" الحديث، إلى آخر ما بسط في وجه الجمع بينهما في هامش "اللامع" وقد تقدم في تفسير سورة الأحزاب فارجع إليه لو شئت.

(116 -‌

‌ باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره)

قال ابن التِّين: ترجم بالخروج إلى المسجد وغيره، واقتصر في الباب على حديث المسجد، وأجاب الكرماني بأنه قاسه عليه والجامع بينهما ظاهر ويشترط في الجميع أمن الفتنة، انتهى

(3)

.

(1)

"فتح الباري"(9/ 337).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 335).

(3)

"فتح الباري"(9/ 337).

ص: 574

(117 -‌

‌ باب ما يحل من الدخول والنظر إلى نسائه في الرضاع)

قال القسطلاني

(1)

: أي: في وجود الرضاع بين الرجل الداخل والمرأة المدخول عليها، ثم قال بعد حديث الباب: وهذا الحديث قد سبق في أوائل النكاح، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: وقد تقدمت مباحث الحديث مستوفاة في أوائل النكاح، وهو أصل في أن للرضاع حكم النسب من إباحة الدخول على النساء وغير ذلك من الأحكام، انتهى.

(118 -‌

‌ باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها)

كذا استعمل لفظ الحديث في الترجمة بغير زيادة، وذكر الحديث من وجهين، انتهى من "الفتح" مختصرًا

(3)

.

(119 -‌

‌ باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائه)

هكذا في النسخ الهندية، وفي نسخة الشروح الثلاثة "على نسائي". قال العلامة العيني

(4)

: أي: لأدورنّ على نسائي في هذه الليلة بالجماع، وهذه الترجمة إنما وضعها في قول سليمان عليه السلام:"لأطوفن الليلة بمائة امرأة" على ما يجيء الآن، انتهى.

وقال الحافظ

(5)

: تقدم في كتاب الطهارة "باب من دار على نسائه في غسل واحد" وهو قريب من معنى هذه الترجمة، والحكم في الشريعة المحمدية أن ذلك لا يجوز في الزوجات إلا إن ابتدأ الرجل القسم بأن تزوج دفعة واحدة أو يقدم من سفر، وكذا يجوز إذا أذنّ له ورضين بذلك، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 606).

(2)

"فتح الباري"(9/ 338).

(3)

"فتح الباري"(9/ 338).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 216).

(5)

"فتح الباري"(9/ 339).

ص: 575

وتعقب عليه العيني

(1)

حيث قال: هذا الكلام هنا طائح لأنه لم يقصد من الترجمة هذا، وإنما قصد بذلك بيان قول سليمان عليه السلام ولذلك أورد حديثه، انتهى.

قلت: وما أفاده الحافظ هو واضح والتعقب ليس في محله، والظاهر عندي في غرض الترجمة أن المصنف أشار بذلك إلى أن القول المذكور وإظهار ذلك الأمر لا يدخل في النعت المنهي عنه المذكور فيما سبق، فتأمل.

(120 -‌

‌ باب لا يطرق أهله ليلًا إذا طال الغيبة مخافة أن يخونهم)

بفتح الخاء المعجمة وكسر الواو المشددة، أي: لأجل خوف تخوينه إياهم، أي: ينسبهم إلى الخيانة، قال السفاقسي: الصواب "يتخونهن وزلاتهن" بالنون فيهما قال في "الفتح": بل ورد في الصحيح بالميم فيهما في صحيح مسلم وغيره، وتوجيهه ظاهر، كذا قال، ولم يبين وجهه إلا من جهة المروي وهو وإن كان قويًّا في الحجة لكن يبقى الوجه في العربية، ويحتمل أن يكون المراد بالأهل أعم من الزوجة فيشمل الأولاد مثلًا فعبر بالميم تغليبًا، قاله القسطلاني

(2)

.

قلت: وأشار بقوله: "مخافة أن. . ." إلخ، إلى علة المنع، ولعله أشار إلى أن العلة إذا ارتفعت ارتفع الحكم فعموم الأحاديث معللة بذلك.

وقال القسطلاني

(3)

أيضًا في شرح حديث الباب: والعلة في ذلك أنه ربما يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سببًا للنفرة بينهما، أو يجدها على غير حالة مرضية والستر

(1)

"عمدة القاري"(14/ 216).

(2)

"إرشاد الساري"(11/ 609، 610).

(3)

"إرشاد الساري"(11/ 610).

ص: 576

مطلوب بالشرع، والتقييد بطول الغيبة يفيد عدم النهي في قصيرها كمن يخرج لحاجة مثلًا نهارًا ويرجع ليلًا إذ لا يتأتى فيه ما في طويلها، انتهى.

وفي هامش النسخة "الهندية"

(1)

عن "التوشيح": قوله: "فلا يطرق أهله ليلًا" زاد مسلم: "يتخونهم أو يطلب عثراتهم" وحذفه المصنف للاختلاف في إدراجه، انتهى.

زاد الحافظ: فاقتصر البخاري على القدر المتفق على رفعه واستعمل بقيته في الترجمة، انتهى.

(121 -‌

‌ باب طلب الولد)

أي: مطلوب ورد على المعالجة بأن لا تحمل.

قال الحافظ

(2)

: أي: بالاستكثار من جماع الزوجة، أو المراد الحثّ على قصد الاستيلاد بالجماع لا لاقتصار على مجرد اللذة، وليس ذلك في حديث الباب صريحًا لكن البخاري أشار إلى تفسير الكيس كما سأذكره، ثم قال في تفسير الكيس: جزم ابن حبان في "صحيحه" بعد تخريج هذا الحديث بأن الكيس الجماع وأصل الكيس العقل، كما ذكر الخطابي لكنه بمجرده ليس المراد ههنا، وقال ابن الأعرابي: الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلًا، انتهى من "الفتح".

(122 -‌

‌ باب تستحدّ المغيبة وتمتشط)

كأنه نبَّه بذلك على اهتمام النساء بذلك إذا آن رجوع أزواجهن.

(123 -‌

‌ باب {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:

31])

قال الحافظ

(3)

: في رواية أبي ذر: "إلى قوله: {عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} " وبهذه الزيادة تظهر المطابقة بين الحديث والترجمة.

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 621)، وانظر:"فتح الباري"(9/ 340).

(2)

"فتح الباري"(9/ 341، 342).

(3)

"فتح الباري"(9/ 343).

ص: 577

وقال الحافظ أيضًا تحت حديث الباب: تقدم الكلام على شرح الحديث في "باب غزوة أُحد" والغرض منه هنا كون فاطمة باشرت ذلك من أبيها صلى الله عليه وسلم فيطابق الآية، وهي جواز إبداء المرأة زينتها لأبيها وسائر من ذكر في الآية، انتهى.

(124 -‌

‌ باب {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور:

58])

الأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار، والمراد بيان حكمهم بالنسبة إلى الدخول على النساء ورؤيتهم إياهن، انتهى من "القسطلاني"

(1)

.

(125 -‌

‌ باب قول الرجل لصاحبه: هل أعرستم الليلة

؟)

لعله أشار إلى أن هذا القول غير داخل في النعت المنهي عنه، كما تقدم في "باب قول الرجل: لأطوفن الليلة. . ." إلخ.

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: أراد إثبات ذلك قياسًا على ما ذكر في الحديث أن أبا بكر دخل عليهما والنبي صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذها فلما لم يمنعه ذلك علم جواز سؤاله عن الإعراس بالطريق الأولى لأنه أدون من ذلك وأيسر، انتهى.

وفي هامشه: ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه أجود من توجيه الشرَّاح، وبهذا وجه في "تقرير المكي" إذ قال: قوله: "ورأسه على فخذي" فيه الترجمة لأنه لما جاز أن يرى أحد هذه الحالة بين المرء وزوجته جاز أن يقول له: هل أعرستم الليلة، انتهى.

وليست هذه الترجمة في نسخة "الفتح" بل فيها "باب طعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب" وهذه الترجمة موجودة في نسخة "العيني"، وقال:

(1)

"إرشاد الساري"(11/ 615).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 338 - 340)، وانظر:"عمدة القاري"(14/ 223).

ص: 578

وهذا المقدار زاده ابن بطال في شرحه ولم يذكر غيره إلا "باب طعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب"، انتهى.

وقال الكرماني

(1)

: فإن قلت: الحديث كيف يدل على الجزء الأول من الترجمة؟ قلت: هذا مفقود في أكثر النسخ، وعلى تقدير وجودها فوجهه أن البخاري كثيرًا يترجم ولا يذكر حديثًا، إلى آخر ما ذكر في هامش "اللامع" من الأجوبة. وفيه أيضًا: والأوجه عند هذا العبد الضعيف وهو الراجح عندي في أمثال هذه المواضع أن الإمام البخاري رضي الله عنه كثيرًا ما يخلي الأبواب عن الروايات تشحيذًا للأذهان إشارة إلى أنه يثبت بحديث ما وارد في صحيحه، فينبغي أن يجهد في التتبع والتدبر بسهر الليالي، انتهى.

وسيأتي هذا اللفظ في قصة أم سليم في "باب تسمية المولود" من "كتاب العقيقة".

ثم براعة الاختتام فعند الحافظ وكذا عند هذا العبد الضعيف كما تقدم من "مقدمة اللامع"

(2)

من قوله: "فلا يمنعني من التحرك" كما هو ظاهر فإن عدم التحرك من شأن الأموات.

* * *

(1)

"شرح الكرماني"(19/ 176).

(2)

"مقدمة لامع الدراري"(1/ 111).

ص: 579

68 -

‌ كتاب الطلاق

بسط الكلام عليه لغة وشرعًا في "الأوجز"

(1)

وفيه: إنه اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق كالسلام، وهو في اللغة حل الوثاق، وفي "الدر المختار": هو لغة رفع القيد لكن جعلوه في المرأة طلاقًا وفي غيرها إطلاقًا فلذا كان أنت مطلقة بالسكون كناية، وفي "البحر": إنه يستعمل في النكاح بالتطليق، في غيره بالإطلاق حتى كان الأول صريحًا والثاني كناية، قال إمام الحرمين: هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره، ثم الطلاق قد يكون حرامًا أو مكروهًا أو واجبًا أو مندوبًا أو جائزًا، إلى آخر ما بسط في "الأوجز"، انتهى من هامش "اللامع"

(2)

.

قوله: (وطلاق السُّنَّة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع) قال العلامة العيني

(3)

: أي: الطلاق السُّنِّي إن يطلق امرأته حالة طهارتها عن الحيض ولا تكون موطوءة في ذلك الطهر وأن يشهد شاهدين على الطلاق، فمفهومه إن طلقها في الحيض أو في طهر وطئها فيه أو لم يشهد يكون طلاقًا بدعيًا، واختلفوا في طلاق السُّنَّة فقال مالك: طلاق السُّنَّة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يمسها فيه تطليقة واحدة، ثم يتركها حتى تنقضي العدة برؤية أول الدم من الحيضة الثالثة، وهو قول الليث والأوزاعي، وقال أبو حنيفة: هذا أحسن من الطلاق.

وزعم المرغيناني أن الطلاق على ثلاثة أوجه عند أصحاب أبي حنيفة: حسن وأحسن وبدعي: فالأحسن أن يطلقها وهو مدخول بها تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها، والحسن وهو طلاق

(1)

"أوجز المسالك"(11/ 5، 6).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 341).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 226).

ص: 580

السُّنَّة وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثًا في ثلاثة أطهار، والبدعي أن يطلقها ثلاثًا بكلمة واحدة أو ثلاثًا في طهر واحد فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصيًا، انتهى.

وفي "المغني"

(1)

: وطلاق السُّنَّة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد، وقال أبو حنيفة والثوري: السُّنَّة أن يطلقها ثلاثًا في كل قرء طلقةً وهو قول سائر الكوفيين، إلى آخر ما بسط في الدلائل.

قال ابن رشد

(2)

: أجمع العلماء على أن المطلق للسُّنَّة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة، وأن مطلق في الحيض أو الطهر الذي مسها فيه غير مطلق للسُّنَّة، انتهى. وسيأتي بقية كلامه.

وفي "المغني"

(3)

في موضع آخر: ولو طلقها ثلاثًا في طهر لم يصبها فيه كان أيضًا للسُّنَّة وكان تاركًا للاختيار واختلفت الروايات عن أحمد في جمع الثلاثة، فروي عنه أنه غير محرم، اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي، والرواية الثانية أن جمع الثلاث طلاق بدعةٍ محرم، اختارها أبو بكر وأبو حفص وهو قول مالك وأبي حنيفة، انتهى.

قلت: قد صرَّح في فروع الشافعية أنه لا يحرم الجمع بين الطلقات الثلاث كما في "الأنوار لأعمال الأبرار" وغيره، وفيه الطلاق على أربعة أقسام: الأول الواجب، والثاني المستحب، الثالث المكروه وتسمى الثلاثة سُنِّيًا، الرابع: المحرم وتسمى بدعيًّا، ولتحريمه أسباب: الأول: الحيض، الثاني: المجامعة في الطهر، والسبب الثالث: الظلم، ولا يحرم الجمع بين الطلقات الثلاث، ويستحب التفريق، انتهى ملخصًا.

(1)

"المغني"(10/ 325، 326).

(2)

"بداية المجتهد"(2/ 63).

(3)

"المغني"(10/ 330، 331).

ص: 581

وفي "البذل"

(1)

عن ابن رشد بحثًا على طلاق السُّنَّة: واختلفوا من هذا الباب في ثلاثة مواضع: الموضع الأول: هل من شرطه، أي: طلاق السُّنَّة أن لا يتبعها طلاقًا في العدة؟ والثاني: هل المطلق ثلاثًا بلفظ الثالث مطلق للسُّنَّة أم لا؟ أما الأول فاختلف فيه مالك وأبو حنيفة ومن تبعهما، فقال مالك: من شرطه أن لا يتبعها في العدة طلاقًا آخر، وقال أبو حنيفة: إن طلقها عند كل طهر طلقة واحدة كان مطلقًا للسُّنَّة، وأما الثاني فإن مالكًا ذهب إلى أن المطلق ثلاثًا بلفظ واحد مطلق لغير سُنَّة، وذهب الشافعي إلى أنه مطلق للسُّنَّة، انتهى ملخصًا من "البذل". وعن أحمد روايتان كما تقدم عن "المغني".

وفي "الفيض"

(2)

في "باب من أجاز طلاق الثلاث": واعلم أن الطلاق البدعي ينقسم عندنا إلى قسمين: بدعي من حيث الوقت وهو في زمان الحيض، وبدعي من حيث العدد، وأما عند الشافعي فلا بدعي عنده من حيث العدد، فلا يكون الجمع بين الطلقات الثلاث بعدة عنده، وإليه مال المصنف خلافًا للجمهور، انتهى.

قوله: (مره) قال العيني

(3)

: اختلفوا في معنى هذا الأمر فقال مالك: هذا للوجوب، ومن طلق زوجته حائضًا أو نفساء فإنه يجبر على رجعتها، وقال ابن أبي ليلى، والشافعي وأحمد والأوزاعي وهو قول الكوفيين: يؤمر برجعتها ولا يجبر على ذلك، وحملوا الأمر في ذلك على الندب ليقع الطلاق على سُنَّة.

قوله: (فليراجعها) واختلف في وجوب الرجعة، فذهب إليه مالك وأحمد في رواية، والمشهور عنه وهو قول الجمهور: إنها مستحبة، وذكر صاحب "الهداية" أنها واجبة لورود الأمر بها، انتهى.

(1)

"بذل المجهود"(8/ 138).

(2)

"فيض الباري"(5/ 575).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 227).

ص: 582

قوله: (ثم ليمسكها حتى تطهر) قال الحافظ

(1)

: واختلف في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق والرجعة، وفيه للشافعية وجهان: أصحهما المنع، وكلام المالكية يقتضي أن التأخير مستحب، وقال ابن تيمية في "المحرر" ولا يطلقها في الطهر المتعقب له فإنه بدعة، وعنه، أي: عن أحمد، جواز ذلك، وفي كتب الحنفية عن أبي حنيفة الجواز، وعن أبي يوسف ومحمد المنع، انتهى.

وفي "الأوجز"

(2)

عن "البذل": أن قولهما ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، والجواز رواية له، وقال الموفق: فإن راجعها وجب إمساكها حتى تطهر، واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى، انتهى.

(2 -‌

‌ باب إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق)

قال الحافظ

(3)

: كذا بتّ الحكم بالمسألة، وفيها خلاف قديم عن طاوس وعن خلاس بن عمرو وغيرهما أنه لا يقع، ومن ثم نشأ سؤال من سأل ابن عمر عن ذلك، انتهى.

قال العيني

(4)

: وعليه أجمع أئمة الفتوى من التابعين وغيرهم، وقالت الظاهرية والخوارج والرافضة: لا يقع، وحكي عن ابن علية أيضًا، انتهى.

ويمكن أن يقال: إن المصنف أراد به الردّ على ما في بعض طرق هذا الحديث من قوله: "ولم يرها شيئًا" كما عند أبي داود وتكلم عليه الإمام أبو داود، فذكر اختلاف الروايات ثم قال

(5)

: والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير، انتهى.

قلت: وهو قوله: "ولم يرها شيئًا"، وفي "هامش أبو داود": ويمكن

(1)

"فتح الباري"(9/ 349، 350).

(2)

"أوجز المسالك"(11/ 297)، و"بذل المجهود"(8/ 140).

(3)

"فتح الباري"(9/ 351).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 228).

(5)

انظر: "سنن أبي داود"(1/ 663)، (ح 2185).

ص: 583

تأويله بأن معناه لم يرها شيئًا مانعًا عن الرجعة، قال الخطابي: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا، انتهى.

وفي "الفيض"

(1)

: قوله: "باب إذا طلقت الحائض" وهذه هي المسألة التي أنكرها ابن تيمية فإنه قال: إنه لا يعتد بالطلاق في حال الحيض مع أن ابن عمر الذي هو صاحب تلك الواقعة أقرّ باعتدادها، إلى آخر ما ذكر.

(3 -‌

‌ باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق)

قال الحافظ

(2)

: كذا للجميع، وحذف ابن بطال من الترجمة قوله:"من طلق" فكأنه لم يظهر له وجهه وأظن المصنف قصد إثبات مشروعية جواز الطلاق وحمل حديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" على ما إذا وقع من غير سبب، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره وأعل بالإرسال، وأما المواجهة فأشار إلى أنها خلاف الأولى لأن ترك المواجهة أرفق وألطف، إلا إن احتيج إلى ذكر ذلك، انتهى.

وتبع القسطلاني

(3)

الحافظ في توجيه الترجمة فذكر بعد قوله: "باب من طلق" امرأته جاز له ذلك لأن الله تعالى شرع الطلاق كما شرع النكاح قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] و {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1].

وأما حديث: "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق" فذكر نحو ما تقدم عن الحافظ، وأما العلامة العيني فتعقب أولًا كلام الحافظ، ورجح ما فعل ابن بطال من حذف هذا الجزء من الترجمة، ثم قال

(4)

: وعلى تقدير وجوده يمكن أن يقال: تقديره، فذكر نحو ما أفاده الحافظ والقسطلاني، فلزم القرار على ما منه الفرار.

(1)

"فيض الباري"(5/ 572).

(2)

"فتح الباري"(9/ 356).

(3)

"إرشاد الساري"(12/ 11).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 230).

ص: 584

قوله: (فأهوى بيده يضع يده عليها) لا يذهب عليك أن بعض الجهلة أوردوا عليه بأنه صلى الله عليه وسلم كيف بسط يده الشريفة إلى الأجنبية، والبعض الآخر أوردوا على الإمام البخاري في تخريجه هذه القصة في كتابه، وهذا كله نشأ من الجهالة، فقد قال الحافظ: واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها إذ لم يجر ذكر صورة العقد وامتنعت أن تهب له نفسها فكيف يطلقها؟ والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يزوج من نفسه بغير إذن المرأة وبغير إذن وليها، فكان مجرد إرساله إليها وإحضارها ورغبته فيها كافيًا في ذلك، إلى آخر ما ذكر الحافظ.

وسبق إلى ذلك الجواب الكرماني إذ قال

(1)

: فإن قلت: كيف دلّ الحديث على الترجمة إذ لا طلاق إذ لم يكن ثم عقد نكاح، إلى آخر ما في هامش "اللامع"، وفيه: والأوجه عندي في الجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوجها قبل ذلك، وبذلك جزم الشيخ المكي في "تقريره" إذ قال: قوله: "هبي نفسك" أي: سلمي نفسك أما نفس النكاح فقد وجد قبل هذه القصة كما سيصرِّح به في السطر الرابع، انتهى. أي: في الرواية المعلقة الآتية عن الحسين.

قال الحافظ: وصله أبو نعيم في "المستخرج"، إلى آخر ما بسط في توضيح هذا المقام، فارجع إليه لو شئت

(2)

.

(4 -‌

‌ باب من أجاز طلاق الثلاث)

أي: دفعة واحدة أو مفرقًا "لقول الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} أي: تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع "{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} " [البقرة: 229] برجعة "{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} " وهذا عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة واحدة، وقد دلّت الآية على ذلك من غير نكير خلافًا لمن لم يجز ذلك لحديث:

(1)

"شرح الكرماني"(19/ 181).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 342).

ص: 585

"أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وقال الشيعة وبعض أهل الظاهر: لا يقع إذا أوقعه دفعة واحدة، وعن بعض المبتدعة أنه إنما يلزم بالثلاث إذا كانت مجموعةً واحدة وهو قول محمد بن إسحاق صاحب "المغازي" وحجاج بن أرطاة، إلى آخر ما ذكره القسطلاني

(1)

.

وذكر الحافظ

(2)

في معنى الترجمة وجهين إذ قال: وفي الترجمة إشارة إلى أن من السلف من لم يجز وقوع الطلاق الثلاث، فيحتمل أن يكون مراده بالمنع من كره البينونة الكبرى وهي بإيقاع الثلاث أعم من أن تكون مجموعة أو مفرقة، ويمكن أن يتمسك له بحديث:"أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وأخرج سعيد بن منصور عن أنس "أن عمر رضي الله عنه كان إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثًا أوجع ظهره" وسنده صحيح، ويحتمل أن يكون مراده بعدم الجواز من قال: لا يقع الطلاق إذا أوقعها مجموعة للنهي عنه وهو قول الشيعة وبعض أهل الظاهر، ثم بسط الحافظ الكلام على المسألة وكذا بسط الكلام عليه الشيخ في "البذل"

(3)

فارجع إليهما لو شئت.

وتقدم من كلام صاحب "الفيض" أن ميل المصنف إلى مذهب الشافعي من أنه لا بدعي عنده من حيث العدد، فلذا لا يكون الجمع بين الطلقات الثلاث بدعة عنده.

قوله: (وقال ابن الزبير في مريض طلق. . .) إلخ، سكت الشرَّاح عن بيان مذاهب الأئمة في ذلك، قال الحافظ

(4)

: ومحل المسألة المذكورة كتاب الفرائض وإنما ذكرت هنا استطرادًا، وفي "الهداية"

(5)

: إذا طلق امرأته في مرض موته بائنًا فمات وهي في العدة ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث، وقال الشافعي: لا ترث في الوجهين، وقال ابن الهمام

(6)

: أجمعوا

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 16).

(2)

"فتح الباري"(9/ 362).

(3)

"بذل المجهود"(8/ 155 - 160)، و"فيض الباري"(5/ 575).

(4)

"فتح الباري"(9/ 366).

(5)

"الهداية"(1/ 251).

(6)

"فتح القدير"(4/ 145).

ص: 586

على أنها ترث في العدة في الطلاق الرجعي، وقيده بالعدة لأنها لا ترث بعدها خلافًا لمالك إذ قال: ترث وإن تزوجت بعشر، ولابن أبي ليلى: ترث ما لم تتزوج بآخر، وهو قول أحمد، انتهى.

وفي هامش "اللامع"

(1)

: بسط الكلام على إطلاق المريض في "الأوجز" وفيه: حكى صاحب "التعليق الممجد" عن "البناية" فيه ثنتي عشرة مذاهب، ثم ذكر فيه مذاهب الأئمة الأربعة في تلك المسألة فارجع إليه لو شئت.

قوله: (فطلقها ثلاثًا) في الحاشية: فيه المطابقة للترجمة وقال صاحب "الفيض"

(2)

: واستدل منه البخاري على أنه جمع بينها في اللفظ ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فدلّ على عدم كونها بدعة، إلى آخر ما بسط في الجواب عنه.

(5 -‌

‌ باب من خَيَّر نِساءَه)

[*]

قال القسطلاني

(3)

: وفي نسخة "أزواجه" أي: بين أن يطلقن أنفسهن أو يستمررن في العصمة، انتهى.

وفي هامش النسخة "الهندية"

(4)

: قال النووي: وفي هذه الأحاديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقًا ولا يقع به فرقة، وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة اختارت زوجها أم لا، ثم هو مذهب ضعيف مردود بهذه الأحاديث الصريحة، ولعل القائلين به لم تبلغهم هذه الأحاديث، انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 346)، وانظر:"أوجز المسالك"(11/ 261)، و"التعليق الممجد"(2/ 533).

(2)

"فيض الباري"(5/ 576).

(3)

"إرشاد الساري"(12/ 21).

(4)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 651).

[*] تعليق الشاملة: كان ترقيم هذا الباب خطأ في المطبوع، فصححناه

ص: 587

قال الحافظ

(1)

: وبقول عائشة المذكور يقول جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وهو أن من خيَّر زوجته فاختارته لا يقع بذلك طلاق، لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنًا أو يقع ثلاثًا، وحكى الترمذي عن علي: إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية، وعن زيد بن ثابت: إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة، إلى آخر ما بسط من ذكر الاختلاف.

(6 -‌

‌ باب إذا قال: فارقتك أو سرحتك)

قال القسطلاني

(2)

في شرحه: باب في كنايات الطرق وهي ما يحتمل الطلاق وغيره، ولا يقع الطلاق بها إلا بالنية لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعم من حكمه، والأعم في المادة الاستعمالية يحتمل كلًّا من ما صدقاته، ولا يتعين أحدها إلا بمعين، والمعين في نفس الأمر هو النية، ومقتضى ما ذكره المصنف أن لا صريح عنده إلا لفظ الطلاق وما تصرف منه، وهو قول الشافعي في القديم، لكن نصّ في الجديد على أن الصريح لفظ الطلاق والفراق والسراح لورود ذلك في القرآن بمعنى الطلاق، قوله:"فهو على نيته" إن نوى الطلاق وقع وإلا فلا، انتهى مختصرًا.

قال الحافظ

(3)

: وحجة القديم أنه ورد في القرآن لفظ الفراق والسراح لغير الطلاق بخلاف الطلاق فإنه لم يرد إلا للطلاق، وقد رجح جماعة القديم كالطبري والمحاملي وغيرهما وهو قول الحنفية، واختاره القاضي عبد الوهاب من المالكية، انتهى.

وفي "الفيض"

(4)

: قوله: "باب إذا قال. . ." إلخ، شرع في الكنايات

(1)

"فتح الباري"(9/ 368).

(2)

"إرشاد الساري"(12/ 23).

(3)

"فتح الباري"(9/ 369).

(4)

"فيض الباري"(5/ 578).

ص: 588

وهي عندنا بوائن وعند الشافعية رواجع، وذلك لأنهم أخذوها كنايات على مصطلح علماء البيان فيكون العامل لفظ التطليق ولا يقع منه إلا رجعيًّا، وهي عندنا كنايات على اصطلاح الأصوليين، أي: باعتبار استتار المراد، فالعوامل فيها ألفاظها وهي ألفاظ البينونة فقلنا بموجباتها، انتهى.

(7 -‌

‌ باب من قال لامرأته: أنت عليّ حرام)

كتب الشيخ قدس سره في "اللامع"

(1)

: ومذهب الحنفية أنه إن نوى بذلك يمينًا كان يمينًا، وإن ثلاثًا فثلاث، وإن واحدة بائنة فذلك، انتهى.

وفي "الفيض"

(2)

: قوله: "وقال الحسن: نيته" أي: ما نوى يمينًا أو طلاقًا أو ظهارًا، وهو أصل مذهبنا وإن أفتى المتأخرون بكونه طلاقًا، انتهى.

والمسألة خلافية شهيرة بسط الكلام عليها في هامش "اللامع" وأبسط منه في "الأوجز" ففي هامش "اللامع"

(3)

: قال الحافظ: في المسألة اختلاف كثير عن السلف بلّغها القرطبي إلى ثمانية عشر قولًا، وزاد غيره عليها، قال القرطبي: قال بعض علمائنا: سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحًا ولا في السُّنَّة [نصّ] ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة، فتجاذبها العلماء فمن تمسك بالبراءة الأصلية قال: لا يلزمه شيء، ومن قال: إنه يمين أخذ بظاهر قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] بعد قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، إلى آخر ما ذكر.

وذكر ابن القيم في "الهدي

(4)

" ثلاثة عشر مذهبًا أصولًا تفرعت على عشرين مذهبًا، وذكر في "إعلام الموقعين" خمسة عشر مذهبًا.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 346).

(2)

"فيض الباري"(5/ 579).

(3)

"لامع الدراري"(9/ 347، 348)، وانظر:"أوجز المسالك"(11/ 37 - 44).

(4)

"زاد المعاد"(5/ 276).

ص: 589

واختلفت الروايات عن الأئمة الأربعة في ذلك والمرجح عندهم ما في فروعهم، قال الموفق: إذا قال لزوجته: أنت عليّ حرام، وأطلق فهو ظهار، وأما إن نوى غير الظهار فالمنصوص عن أحمد أنه ظهار نوى الطلاق أو لم ينوه، وعده في "شرح الإقناع" للشافعية من ألفاظ الكناية قال البجيرمي: كناية إن قصد بها الطلاق وقع وإلا فلا، ومع عدم النية يلزمه كفارة يمين، وعدّه صاحب "الهداية"

(1)

من فروع الحنفية في الكنايات التي إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثًا كانت ثلاثًا، ثم قال في الإيلاء: وإن قال: أردت الظهار فهو ظهار عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: ليس بظهار إن قال: أردت التحريم أو لم أرد شيئًا فهو يمين يصير به مؤليًا.

وقال الباجي: الذي ذهب إليه مالك أنها في المدخول بها ثلاث نوى واحدة أو ثلاثًا، وإن زعم أنه لم ينو طلاقًا لم يصدق، وأما غير المدخول بها فإن مالكًا ينويه، وقوله: أردت واحدة ويحمله على الثلاثة إذا لم ينو عددًا، وفي "المحلى": قال عياض: المشهور عن مالك أنه يقع به ثلاث سواء كانت مدخولة بها أو لا لكن لو نوى أقل من ثلاث قبل في غير المدخول بها خاصة، انتهى.

وعده الدردير في ألفاظ تجب به الثلاث إلا أن ينوي أقل في غير المدخول بها.

والظاهر عند هذا العبد الضعيف أن الإمام البخاري مال في هذه المسألة إلى مذهب الإمام مالك كما يدل عليه الروايات الواردة في ذلك، لا يقال: إن المعروف من دأبه أن ميله يظهر من الآثار التي أورده في الباب، وههنا ذكر أولًا أثر الحسن وهو يشعر أنه مال إلى مذهب الشافعي فإن مسلك الشافعي موافق لأثر الحسن، وذلك لأن الإمام البخاري ذكر ههنا الأقوال المختلفة للعلماء ومن جملتها قول الحسن أيضًا.

وقال الحافظ

(2)

: الذي يظهر من مذهب البخاري أن الحرام ينصرف

(1)

"الهداية"(1/ 259).

(2)

"فتح الباري"(9/ 374).

ص: 590

إلى نية القائل، ولذا صدر الباب بقول الحسن، وهذه عادته في موضع الاختلاف مهما صدر به من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره، إلى آخر ما قال.

قلت: وكان رأي أولًا في ذلك ما ذهب إليه الحافظ من أن ميل البخاري في ذلك إلى قول الحسن كما هو الظاهر من صنيعه، لكن النظر الدقيق يشعر إلى أنه مال في ذلك إلى قول مالك للروايات المرفوعة الواردة في الباب، إلى آخر ما في هامش "اللامع".

قوله: (قال أهل العلم: إذا طلق ثلاثًا. . .) إلخ، كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: استدلال على وقوع الثلاث بلفظ الحرام إذا نوى به الطلاق ويستنبط منه الحكم في غير الثلاث، انتهى.

وبسط الكلام في شرح قول البخاري هذا في هامش "اللامع" فارجع إليه لو شئت.

قوله: (وليس هذا كالذي يحرم الطعام) قال العلامة القسطلاني

(2)

: أي: ليس هذا التحريم المذكور في المرأة كالذي يحرم الطعام على نفسه "لأنه يقال لطعام الحل" ولأبي ذر "للطعام الحل"، "حرام" قال الشافعي: وإن حرم طعامًا وشرابًا فلغو، ويقال للمطلقة حرام خلافًا لما نقل عن الأصبغ وغيره ممن سوّى بين الزوجة والطعام والشراب، وقد ظهر أن الشيئين وإن استويا من جهة فقد يفترقان من جهة أخرى، فالزوجة إذا حرمها على نفسه وأراد بذلك تطليقها حرمت عليه، والطعام والشراب إذا حرمه على نفسه لم يحرم عليه ولا يلزمه كفارة لاختصاص الأبضاع بالاحتياط وشدة قبولها التحريم، ولذا احتج باتفاقهم على أن المرأة بالطلقة الثالثة تحرم على الزوج، فقال:"وقال" تعالى "في الطلاق ثلاث. . ." إلخ، انتهى من "القسطلاني".

(1)

"لامع الدراري"(9/ 349).

(2)

"إرشاد الساري"(12/ 25، 26).

ص: 591

وكتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: قوله: "لأنه لا يقال. . ." إلخ، فلم يحتمل إلا اليمين بخلاف المرأة فإنها تصير حرامًا بتحريمه إياها عليه فاحتمل طلاقًا ويمينًا والمصير في مثله النية، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: وأظن البخاري أشار إلى قول أصبغ وغيره ممن سوّى بين الزوجة والطعام والشراب، ثم قال الحافظ: وقد اختلف العلماء فيمن حرم على نفسه شيئًا فقال الشافعي: إن حرم زوجته أو أمته ولم يقصد الطلاق ولا الظهار ولا العتق فعليه كفارة يمين، وإن حرم طعامًا أو شرابًا فلغو، وقال أحمد عليه في الجميع كفارة يمين، انتهى مختصرًا.

وفي "الإكليل شرح مدارك التنزيل" عن كتاب "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة": اختلفوا في الرجل إذا حرم طعامه أو شرابه أو أمته فقال أبو حنيفة وأحمد: هو حالف وعليه كفارة يمين بالحنث، وقال الشافعي: إن حرم الطعام أو الشراب أو الملبوس فليس بشيء ولا كفارة عليه، وإن حرم الأمة فقولان: أحدهما لا شيء عليه، والثانية لا يحرم ولكن عليه كفارة يمين، وهو الراجح، وقال مالك: لا يحرم عليه شيء من ذلك على الإطلاق ولا كفارة، انتهى مختصرًا، كذا في هامش "اللامع".

قال صاحب "الفيض"

(3)

: لفظ الحرام مؤثر في النساء عندنا وعند غيرنا، أما في غير النساء كالطعام والشراب فيؤثر فيه أيضًا عندنا بخلاف الشافعي، وتفرّد ابن عباس حيث أنكر تأثيره في النساء وغيرها سواء، انتهى.

ويأتي تبويب المصنف على هذه المسألة في كتاب الأيمان والنذور إذ ترجم بقوله: "باب إذا حرم طعامًا".

(1)

"لامع الدراري"(9/ 351، 352).

(2)

"فتح الباري"(9/ 372، 373).

(3)

"فيض الباري"(5/ 579).

ص: 592

(8 -‌

‌ باب {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:

1])

الأوجه عند هذا العبد الضعيف أن الغرض من هذه الترجمة تفسير الآية بأنها وردت في القصتين معًا ولذا ذكر في الباب الوقعتين، وأما مسألة التحريم فقد تقدم في الباب السابق.

قوله: (إذا حرم امرأته ليس بشيء) في "الفيض"

(1)

: وذلك من تفرد ابن عباس، انتهى.

(9 -‌

‌ باب لا طلاق قبل النكاح)

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: وأنت تعلم أنا لم نقل بوقوعه قبل النكاح حتى يجري علينا شيء من احتجاجاته التي ساقها، انتهى.

وفي هامشه: قال العيني: قال الكرماني: مذهب الحنفية صحة الطلاق قبل النكاح فأراد البخاري الردّ عليه، قال العيني: لم تقل الحنفية أن الطلاق يقع قبل وجود النكاح وليس هذا بمذهب لأحد، فالعجب من الكرماني ومن وافقه في كلامه هذا كيف يصدر منهم مثل هذا الكلام؟ إلى آخر ما ذكر، والمسألة خلافية شهيرة بسطت في "الأوجز"، وفيه: أن العلماء كافة أجمعوا على أن تنجيز الطلاق على الأجنبية لا يصح، أما تعليق الطلاق فالخلاف فيه شهير معروف في الفقه والأصول.

ومذهب الحنفية في ذلك أن الرجل إذا علّق الطلاق أو العتق على الملك أو سبب الملك فيصح التعليق وينفذ في الطلاق والعتق معًا، مثل أن يقول الرجل: إذا زوجت فلانة فهي طالق، أو: إن ملكت هذا العبد فهو حر، فينفذ الطلاق والعتق في الصور كلها عندنا الحنفية، ولا يصح الطلاق ولا العتق عند الشافعية لا تنجيزًا كما تقدم ولا تعليقًا ولا تعميمًا

(1)

"فيض الباري"(5/ 580).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 352، 353)، وانظر:"أوجز المسالك"(11/ 366 - 372).

ص: 593

ولا تخصيصًا، وللإمام أحمد في ذلك ثلاث روايات: الأولى مثل الحنفية، والثانية مثل الشافعية، والثالثة التفريق بين الطلاق والعتق، ففي الطلاق مثل الشافعية وفي العتق مثل الحنفية، واختلفت الحنابلة في الترجيح فمنهم من رجح الرواية الثانية كالموفق، ومنهم من اختار الثالثة كالخرقي، وللإمام مالك في ذلك ثلاث روايات: الأولى المرجوحة، وهي عدم الوقوع مطلقًا وهي رواية ابن وهب والمخزومي عنه، والثانية التوقف في ذلك، والثالثة الراجحة في المذهب، والمشهور المعروف من مذهبه والمختار عند المالكية أنه إن عيَّن امرأة أو عبدًا مثل أن يقول: إن تزوجت هذه المرأة أو ملكت هذا العبد أو نسبهما إلى قبيلة أو مكان أو زمان لزمه الطلاق أو العتق، وإن أطلق أو عمم مثل أن يقول: كل امرأة أتزوجها أو كل عبد ملكت فلا ينفذ الطلاق ولا العتق، إلى آخر ما بسطه في "الأوجز"، كذا في هامش "اللامع".

(10 -‌

‌ باب إذا قال لامرأته وهو مكره: هذه أختي. . .) إلخ

قال الحافظ

(1)

: قال ابن بطال: أراد بذلك الردّ على من كره أن يقول لامرأته: يا أختي، وقد روى عبد الرزاق من طريق أبي تميمة الهجيمي:"مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يقول لامرأته: يا أخية، فزجره" قال ابن بطال: ومن ثم قال جماعة من العلماء: يصير بذلك مظاهرًا إذا قصد ذلك فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب اللفظ المشكل، قال: وليس بين هذا الحديث وبين قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام معارضة؛ لأن إبراهيم إنما أراد بها أنها أخته في الدين، فمن قال ذلك ونوى أخوة الدين لم يضره.

قال الحافظ: وقد قيَّد البخاري بكون قائل ذلك إذا كان مكرهًا لم يضره، وتعقبه بعض الشرَّاح بأنه لم يقع في قصة إبراهيم إكراه، وهو كذلك لكن لا تعقب على البخاري لأنه أراد بذكر قصة إبراهيم الاستدلال

(1)

"فتح الباري"(9/ 387).

ص: 594

على أن من قال ذلك في حالة الإكراه لا يضره قياسًا على ما وقع في قصة إبراهيم، انتهى.

قال العيني

(1)

: قال أبو يوسف - فيمن قال لامرأته: يا أختي -: إن لم يكن له نية فهو تحريم، قال محمد بن الحسن: هو ظهار إذا لم يكن له نية، ذكره الخطابي، انتهى.

(11 -‌

‌ باب الطلاق في الإغلاق. . .) إلخ

اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجعلها أن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر، وشمل ذلك الاستدلال بالحديث لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشيء، انتهى من "الفتح"

(2)

.

وقوله: (الإغلاق) اختلفوا في تفسيره على أقوال، قال الحافظ

(3)

: الإغلاق بكسر الهمزة وسكون المعجمة: الإكراه على المشهور، وقيل: هو العمل في الغضب، وبالأول جزم أبو عبيد وجماعة، وإلى الثاني أشار أبو داود فإنه أخرج حديث عائشة:"لا طلاق ولا عتاق في غلاق" قال أبو داود: والغلاق أظنه الغضب، وترجم على الحديث:"الطلاق على غيظ" ووقع عنده غلاق بغير ألف، وحكى البيهقي أنه روي على الوجهين، ورد الفارسي في "مجمع الغرائب" على من قال: الإغلاق الغضب، وغلطه في ذلك وقال: طلاق الناس غالبًا إنما هو في حالة الغضب، وقيل: معناه النهي عن إيقاع الطلاق البدعي مطلقًا، والمراد النفي عن فعله لا النفي عن حكمه كأنه يقول: بل يطلق للسُّنَّة، انتهى مختصرًا.

وفي "البذل"

(4)

عن "المجمع": أو معناه لا يغلق التطليقات دفعة

(1)

"عمدة القاري"(14/ 258).

(2)

"فتح الباري"(9/ 389).

(3)

"فتح الباري"(9/ 389).

(4)

"بذل المجهود"(8/ 178).

ص: 595

واحدة حتى لا يبقى فيه شيء لكن يطلق طلاق السُّنَّة، وعن الشوكاني: قيل: الجنون، واستبعده المطرزي، انتهى مختصرًا.

أما غلق التطليقات بأن يطلق ثلاثًا بلفظ واحد فقد تقدم الكلام عليه قريبًا في "باب من أجاز طلاق الثلاث" وأما الطلاق في الغضب فقد تقدم قريبًا أن الإمام أبا داود مال إلى عدم وقوع الطلاق في الغضب.

قال الحافظ

(1)

: وأراد بذلك الردّ على من ذهب إلى أن الطلاق في الغضب لا يقع، وهو مروي عن بعض متأخري الحنابلة، ولم يوجد عن أحد من متقدميهم إلا ما أشار إليه أبو داود، انتهى.

قلت: ومذهب الحنابلة كما في فروعهم: إن الطلاق في حالة الغضب يقع بالكنايات أيضًا بدون النية فكيف بالصريح؟

قوله: (والكره) قال الحافظ

(2)

: في عطفه على الإغلاق نظر إلا إن كان يذهب إلى أن الإغلاق الغضب، ويحتمل أن يكون قبل الكاف ميم لأنه عطف عليه السكران فيكون التقدير: باب حكم الطلاق في الإغلاق وحكم المكره والسكران إلخ، وقد اختلف السلف في طلاق المكره، إلى آخر ما ذكر، وبسط الكلام على المسألة في "الأوجز"

(3)

وفيه عن "المغني": لا تختلف الرواية عن أحمد رحمه الله أن طلاق المكره لا يقع، روي ذلك عن عمر وعلي وجماعة نقلت أسماءهم في "الأوجز" منهم مالك والشافعي وإسحاق، وأجازه ابن عمر والشعبي والنخعي والزهري والثوري وأبو حنيفة وصاحباه وجماعة؛ لأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فينفذ كطلاق غير المكره، انتهى.

ولا يذهب عليك أنه وقع التحريف من الكاتب في حاشية النسخة "الهندية"

(4)

في نقل المذاهب في طلاق المكره إذ نقل فيه: قال الحنفية

(1)

"فتح الباري"(9/ 389).

(2)

"فتح الباري"(9/ 390).

(3)

"أوجز المسالك"(11/ 392)، وانظر:"المغني"(10/ 350).

(4)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 667).

ص: 596

لا يصح طلاق المكره، وقالت الأئمة الثلاثة يصح وعليه الجمهور، فانعكست المذاهب فإن مذهب الحنفية أنه يصح طلاق المكره بخلاف الأئمة الثلاثة.

قوله: (ولا السكران) قال الحافظ

(1)

: وذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران عطاء وربيعة والمزني، واختاره الطحاوي، وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب وغيره، وبه قال الثوري ومالك وأبو حنيفة، وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه، والخلاف عند الحنابلة لكن الترجيح بالعكس، انتهى.

قلت: وفيه عن الإمام أحمد ثلاث روايات: الأولى يقع الطلاق، والثانية لا، والثالثة التوقف عن الجواب، قال ابن القيم في "الهدي"

(2)

: وهي الرواية الثانية التي استقر عليها مذهبه، يعني: أحمد، وصرح برجوعه إليها، واختاره من الحنفية الطحاوي والكرخي.

وفي "الفيض"

(3)

: ولنا في السكر من الحرام قولان، فإن كان من الحلال لا يقع طلاقه قولًا واحدًا، انتهى.

وفي "الدر المختار"

(4)

: ويقع طلاق سكران ولو بنبيذ قال ابن عابدين: أي: سواء كان سكره من الخمر أو الأشربة الأربعة المحرمة أو غيرها من الأشربة المتخذة من الحبوب والعسل عند محمد، قال في "الفتح": وبقوله يفتى لأن السكر من كل شراب محرام، انتهى.

وما في "الخانية" من تصحيح عدم الوقوع فهو مبين على قولهما من أن النبيذ حلال والمفتى به خلافه، نعم لو زال عقله بمباح كما إذا سكر من ورق الرمان فإنه لا يقع طلاقه ولا عتاقه، ونقل الإجماع على ذلك صاحب "التهذيب" كذا في "الهندية"، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 391).

(2)

"زاد المعاد"(5/ 190).

(3)

"فيض الباري"(5/ 584).

(4)

"رد المحتار"(4/ 444 - 447).

ص: 597

قوله: (والمجنون) قال الموفق

(1)

: أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو ما في معناه لا يقع طلاقه، كذلك قال عثمان وعلي وجماعة من التابعين وغيرهم ذكر أسماءهم الموفق ومنهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق في حال نومه لا طلاق له، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق"، انتهى.

قوله: (والغلط) في "الفيض"

(2)

: هو الخطأ، أي: أراد أن يسبح الله فسبق على لسانه ذكر الطلاق.

قوله: (والنسيان. . .) إلخ، قال الحافظ

(3)

: أي: إذا وقع من المكلف ما يقتضي الشرك غلطًا أو نسيانًا هل يحكم عليه به؟ وإذا كان لا يحكم عليه به فليكن الطلاق كذلك، وقوله:"وغيره" أي: وغير الشرك مما هو دونه، ثم بسط الحافظ الكلام على ما في بعض النسخ من لفظ الشك بدل الشرك وقال: إن ثبت فهو عطف على النسيان لا على الطلاق، ثم قال: واختلف السلف في طلاق الناسي فكان الحسن يراه كالعمد إلا إن اشترط فقال: إلا أن أنسى، وعن عطاء أنه كان لا يراه شيئًا وهو قول الجمهور، وكذلك اختلف في طلاق المخطئ فذهب الجمهور إلى أنه لا يقع، وعن الحنفية فيمن أراد أن يقول لامرأته شيئًا فسبق لسانه فقال: أنت طالق، يلزمه الطلاق، انتهى.

وهكذا ذكر العيني

(4)

في بيان المذاهب في المخطئ لكن قال في طلاق الغالط والناسي: إنه واقع وهو قول عطاء والشافعي في قول وإسحاق ومالك والثوري والأوزاعي، انتهى.

وفي "الدر المختار"

(5)

: يقع طلاق كل زوج بالغ عاقل ولو عبدًا

(1)

"المغني"(10/ 345).

(2)

"فيض الباري"(5/ 584).

(3)

"فتح الباري"(9/ 390).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 260).

(5)

"رد المحتار"(4/ 438 - 449).

ص: 598

أو مكرهًا أو هازلًا أو مخطئًا بأن أراد التكلم بغير الطلاق فجرى على لسانه الطلاق أو غافلًا أو ساهيًا، قال ابن عبادين: المراد بالغافل ههنا الناسي وصورته أن يعلق طلاقها على دخول الدار مثلًا فدخلها ناسيًا التعليق، انتهى.

وفي "الفيض"

(1)

: استشكلت على بعضهم صورة النسيان وذكر له في "البحر" صورًا نحو أن يقول: إن أجزت لك أن تذهبي إلى بيت فلان فأنت طالق فنسي وأجاز، انتهى.

ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: "وما لا يجوز من إقرار الموسوس" ثم حكى عن عقبة: "لا يجوز طلاق الموسوس" قال الحافظ

(2)

: بمهملتين والواو الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، أي: لا يقع طلاقه لأن الوسوسة حديث النفس ولا مؤاخذة بما يقع في النفس، انتهى.

وهكذا في شرح الكرماني والعيني والقسطلاني.

ثم قال الحافظ

(3)

في أثر قتادة: "إذا طلق في نفسه فليس بشيء": وصله عبد الرزاق عن قتادة والحسن قالا: من طلق سرًّا في نفسه فليس طلاقه ذلك بشيء، وهذا قول الجمهور، وخالفهم ابن سيرين وابن شهاب فقالا: تطلق وهي رواية عن مالك، انتهى.

وفي "الأوجز"

(4)

عن "المغني": الطلاق لا يقع إلا بلفظ فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع في قول عامة أهل العلم، وقال الزهري: إذا عزم على ذلك طلقت، وقال ابن سيرين فيمن طلق في نفسه: أليس قد علمه الله، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل" رواه الترمذي، وقال: صحيح، انتهى.

وفي "تقرير المكي": قوله: "من إقرار الموسوس" أي: من إقرار

(1)

"فيض الباري"(5/ 585).

(2)

"فتح الباري"(9/ 390 - 392).

(3)

"فتح الباري"(9/ 394).

(4)

"أوجز المسالك"(11/ 25).

ص: 599

المجنون بالطلاق، انتهى ملخصًا من هامش "اللامع"

(1)

والبسط فيه.

وفي "الفيض"

(2)

: الموسوس المجنون أو المعتوه، والعته أخف من الجنون وضبطه مشكل، انتهى. وسيأتي حكم طلاق المعتوه في كلام المصنف.

قوله: (وقال عطاء: إذا بدأ بالطلاق فله شرطه) قال القسطلاني

(3)

: أي: إذا أرد أن يطلق وبدأ بالطلاق قبل الشرط بأن قال: أنت طالق إن دخلت الدار، فله شرطه كما في العكس بأن يقول: إن دخلت الدار فأنت طالق، فلا يلزم تقديم الشرط على الطلاق بل يصح سابقًا ولاحقًا، انتهى.

كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(4)

: أشار بذلك إن لفظ الطلاق لا يكون سببًا لوقوعه ما لم يجامعه النية، فإن من قال: أنت طالق وكان من نيته تقييده بشرط حتى عقبه بالشرط فقال: إن دخلت الدار لم يقع طلاقه هذا ما لم تدخل الدار، فلو كان الطلاق واقعًا بمجرد اللفظ لما أفاد تقييده هذا بالشرط لتقدم الطلاق ووقوعه وإن كانت نيته أن يقيده، وكذلك قوله: طلق رجل امرأته إن خرجت، انتهى.

وفي هامشه: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في مناسبة الأثر بالترجمة، ولم يتعرض لذلك أحد من الشرَّاح، وكأنّ الشيخ أشار بذلك إلى أن الترجمة من الأصل الثامن عشر من الأصول المذكورة في المقدمة وهو إرادة العام بالترجمة الخاصة وهو نص كلام الشيخ المكي في "تقريره" إذ قال: غرض البخاري أن طلاق هؤلاء لا يقع أصلًا لا قضاء ولا ديانة لعدم النية لهم، وكذلك لا يقع عندنا أيضًا، إلا أن القاضي يقضي بالوقوع لمكان التهمة لا أنه يقع، انتهى.

قوله: (وطلاق كل قوم بلسانهم) عجميًا أو غيره وهذا وصله ابن أبي

(1)

"لامع الدراري"(9/ 359 - 370)

(2)

"فيض الباري"(5/ 585).

(3)

"إرشاد الساري"(12/ 38)

(4)

"لامع الدراري"(9/ 356).

ص: 600

شيبة، وقال في "الروضة": ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية وسائر اللغات صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات كشهرة العربية عند أهلها، وقيل: وجهان ثانيهما أنها كناية

(1)

، انتهى.

وفي "الدر المختار"

(2)

: صريحه ما لا يستعمل إلا فيه ولو بالفارسية، قال ابن عابدين: قوله: بالفارسية، فما لا يستعمل فيها إلا في الطلاق فهو صريح يقع بلا نية، وما استعمل فيها استعمال الطلاق وغيره فحكمه حكم كنايات العربية، إلى آخر ما بسط فيه من الألفاظ التركية وغيرها، انتهى.

قوله: (وقال قتادة: إذا قال: إذا حملت فأنت طالق ثلاثًا. . .) إلخ، وصله ابن أبي شيبة بسنده عن قتادة مثله لكن قال: عند كل طهر مرة ثم يمسك حتى تطهر، وذكر بقيته نحوه، ومن طريق أشعث عن الحسن: يغشاها إذا طهرت من الحيض ثم يمسك عنها إلى مثل ذلك، وقال ابن سيرين: يغشاها حتى تحمل، وبهذا قال الجمهور، واختلفت الرواية عن مالك ففي رواية ابن القاسم: إن وطئها مرة بعد التعليق طلقت سواء استبان بها حملها أم لا، وإن وطئها في الطهر الذي قال لها ذلك بعد الوطء طلقت مكانها، وتعقبه الطحاوي بالاتفاق على أن مثل ذلك إذا وقع في تعليق العتق لا يقع إلا إذا وجد الشرط، قال: فكذلك الطلاق فليكن، انتهى من "الفتح"

(3)

.

وهكذا ذكر القسطلاني

(4)

قول ابن القاسم وقال: لأن الحمل موقوف على سبب والسبب بيد الحالف إن شاء أوقعه وإن شاء لم يوقعه وهو الوطء، ثم ذكر أقوال المالكية الأخر ووجوهها.

قوله: (وكل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه) قال العيني

(5)

: وهو الناقص العقل فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران، وقد روى الترمذي بسنده عن

(1)

انظر: "إرشاد الساري"(12/ 39).

(2)

"ردّ المحتار"(4/ 457).

(3)

"فتح الباري"(9/ 392).

(4)

"إرشاد الساري"(12/ 39).

(5)

"عمدة القاري"(14/ 265).

ص: 601

أبي هريرة مرفوعًا: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله" وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان وهو ضعيف ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز إلا أن يكون معتوهًا يفيق الأحيان فيطلق في حال إفاقته، انتهى.

قال القسطلاني

(1)

: والمعتوه كالمجنون في نقص العقل فمنه الطفل والمجنون والسكران، وذكر أقوالًا أخر في تعريف المعتوه، قلت: قد علمت فيما سبق حكم طلاق المجنون والسكران، وأما طلاق الصبي فقال القسطلاني أيضًا: ولو فرض لبعض الصبيان المراهقين عقل جيد لا يعتبر في التصرفات لأن المدار البلوغ لانضباطه فتعلق به الحكم، وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيب أنه، إذا عقل الصبي الطلاق جاز طلاقه، وعن ابن عمر جواز طلاق الصبي ومراده العاقل، ومثله عن الإمام أحمد، والله أعلم بصحة هذه النقول، قاله الشيخ كمال الدين ابن الهمام رحمه الله تعالى، وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة: لا يجوز طلاق الصبي، انتهى.

قال الخرقي: وإذا عقل الصبي الطلاق فطلَّق لزمه، قال الموفق

(2)

: وأما الصبي الذي لا يعقل فلا خلاف فيه أنه لا طلاق له، وأما الذي يعقل الطلاق ويعلم أن زوجته تبين به وتحرم عليه فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع، اختارها أبو بكر والخرقي وروي نحو ذلك عن ابن المسيب وعطاء والحسن والشعبي وإسحاق، وروى أبو طالب عن أحمد: لا يجوز طلاقه حتى يحتلم، وهو قول النخعي ومالك والثوري وأبي عبيد، وذكر أبو عبيد أنه قول أهل العراق وأهل الحجاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم"، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 41).

(2)

"المغني"(10/ 348، 349).

ص: 602

(12 -‌

‌ باب الخلع وكيف الطلاق فيه)

الخلع بضم الخاء المعجمة وسكون اللام مأخوذ من الخلع بفتح الخاء وهو النزع، سمّي به لأن كلًا من الزوجين لباس الآخر في المعنى، قال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] وضُمَّ مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي، قاله القسطلاني

(1)

.

قال الحافظ في "الفتح"

(2)

: ويسمى أيضًا فدية وافتداءً، وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور فإنه قال: لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئًا: لقوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] فأوردوا عليه {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] إلى أن قال الحافظ: وضابطه شرعًا فراق الرجل زوجته ببذل قابل للعوض يحصل لجهه الزوج، وهو مكروه إلا في حال مخافة أن لا يقيما أو واحد منهما ما أمر به، انتهى مختصرًا.

قوله: (وكيف الطلاق فيه) قال الحافظ

(3)

: أي: هل يقع الطلاق بمجرده أو لا يقع حتى يذكر الطلاق إما باللفظ وإما بالنية؟ وللعلماء فيما إذا وقع الخلع مجردًا عن الطلاق لفظًا ونيةً ثلاثة آراء، وهي أقوال للشافعي، ثم بسطها.

وفي هامش النسخة "الهندية"

(4)

: قال الطيبي نقلًا عن المظهر: اختلف في أنها لو قالت: خالعتك على كذا، فقال: قبلت وحصلت الفرقة بينهما هل هي طلاق أم فسخ؟ ومذهب أبي حنيفة ومالك وأصح قولي الشافعي أنه طلاق بائن، ومذهب أحمد وأحد قولي الشافعي أنه فسخ، انتهى.

وقال العلامة العيني

(5)

: وللفقهاء فيه خلاف فعند أصحابنا الواقع بلفظ

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 45).

(2)

"فتح الباري"(9/ 395، 396).

(3)

"فتح الباري"(9/ 396).

(4)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 678).

(5)

"عمدة القاري"(14/ 273).

ص: 603

الخلع والواقع بالطلاق على مالٍ بائن، وعند الشافعي في القديم فسخ وليس بطلاق، يروى ذلك عن ابن عباس حتى لو خالعها مرارًا ينعقد النكاح بينهما بغير تزوج بزوج آخر، وبه قال أحمد، وفي قول للشافعي أنه رجعي، وفي قول وهو أصح أقواله أنه طلاق بائن كمذهبنا، لقوله صلى الله عليه وسلم:"الخلع تطليقة بائنة".

وفي "التوضيح": اختلف العلماء في البينونة بالخلع على قولين: أحدهما: أنه تطليقة بائنة إلا أن تكون سمت ثلاثًا فهي ثلاث، وهو قول مالك والثوري والأوزاعي والكوفيين وهو أحد قولي الشافعي، والثاني: أنه فسخ وليس بطلاق إلا أن ينويه، وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول الشافعي الآخر، انتهى.

ثم ذكر العيني تخريج الحديث المذكور الذي هو مستدل الحنفية مع الكلام عليه.

قوله: (اقبل الحديقة وطلقها) كتب الشيخ في "اللامع"

(1)

: ولا يتوهم أنه يدل على أن الخلع لا يكون طلاقًا إذ لو كان كذلك لما احتيج إلى ذكر الطلاق؛ لأنا نقول: كان ذلك طلاقًا على مالٍ فاحتيج إلى ذكره إذ لو كان خلعًا لكان لفظه مذكورًا، وإذا كان الخلع والطلاق على مال في حكم واحد لم يحتج في إثبات أنه طلاق لا فسخ إلى علة أو حجة أخرى، فإن في هذه الرواية كفاية، فلو كان الخلع فسخًا كما قالته الشافعية لم يكن إيقاع الطلاق، انتهى.

وفي هامشه: قوله: كما قالته الشافعية، أي: على أحد الأقوال عنهم وإلا فهو مشهور مذهب الإمام أحمد، انتهى.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 372 - 374).

ص: 604

(13 -‌

‌ باب الشقاق)

قال العيني

(1)

: هو بالكسر الخلاف: وقيل: الخصام، وقوله:"هل يشير بالخلع" فاعل يشير محذوف وهو إما الحكم من أحد الزوجين أو الولي أو أحد منهما أو الحاكم إذا ترافعا إليه، والقرينة الحالية والمقالية تدل على ذلك، انتهى.

ثم استشكلوا وجه المطابقة بين الحديث والترجمة وذكروا له وجوهًا.

قال القسطلاني

(2)

: وأجاب في "الكواكب" فأجاد بأن كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك فكان الشقاق بينها وبين علي متوقعًا، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم دفع وقوعه بمنع علي من ذلك بطريق الإيماء والإشارة، وقيل غير ذلك مما فيه تكلف وتعسف، انتهى.

وكذا رجح هذا الجواب العلامة العيني بقوله: وأحسن من هذا وأوجه ما قاله الكرماني، فذكر ما تقدم عن القسطلاني.

وقال شيخ مشايخنا الدهلوي

(3)

في "التراجم": غرضه أنه يلزم دفع الشقاق بين الزوجين إما بصلح كما في قصة سودة، أو خلع كما في قصة امرأة بانت، أو بمنع الزوج عما يؤذيها كما في قصة علي رضي الله عنه وعنهم، انتهى.

قلت: هكذا في النسخة التي بأيدينا من "التراجم" والمذكور في حديث الباب إنما هي قصة علي فقط.

(14 -‌

‌ باب لا يكون بيع الأمة طلاقًا)

أورد فيه قصة بريرة، قال ابن التِّين: لم يأت في الباب بشيء مما يدل عليه التبويب، لكن لو كانت عصمتها عليه باقية ما خيِّرت بعد عتقها لأن

(1)

"عمدة القاري"(14/ 279).

(2)

"إرشاد الساري"(12/ 52، 53)، و"عمدة القاري"(14/ 280).

(3)

"شرح تراجم أبواب البخاري"(ص 413).

ص: 605

شراء عائشة كان العتق بإزائه، وهذا الذي قاله عجيب، أما أولًا فإن الترجمة مطابقة فإن العتق إذا لم يستلزم الطلاق فالبيع بطريق الأولى، وأيضًا فإن التخيير الذي جرّ إلى الفراق لم يقع إلا بسبب العتق لا بسبب البيع، وأما ثانيًا فإنها لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة، وأما ثالثًا فإن آخر كلامه يردّ أوله فإنه يثبت ما نفاه من المطابقة.

قال ابن بطال: اختلف السلف هل يكون بيع الأمة طلاقًا؟ فقال الجمهور: لا يكون بيعها طلاقًا، وروي عن ابن مسعود ابن عباس وأُبي بن كعب، ومن التابعين عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد قالوا: يكون طلاقًا، وتمسكوا بظاهر قوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وحجة الجمهور حديث الباب وهو أن بريرة عتقت فخيرت في زوجها فلو كان طلاقها يقع بمجرد البيع لم يكن للتخيير معنى، والآية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها، انتهى ملخصًا.

وما نقله عن الصحابة أخرجه ابن أبي شيبة بأسانيد فيها انقطاع، إلى آخر ما ذكر الحافظ

(1)

.

(15 -‌

‌ باب خيار الأمة تحت العبد)

قال الحافظ

(2)

: يعني إذا عتقت، وهذا مصير من البخاري إلى ترجيح قول من قال: إن زوج بريرة كان عبدًا، وقد ترجم في أوائل النكاح بحديث عائشة في قصة بريرة "باب الحرة تحت العبد" وهو جزم منه أيضًا بأنه كان عبدًا اعترض عليه هناك ابن المنيِّر بأنه ليس في حديث الباب أن زوجها كان عبدًا، وإثبات الخيار لها لا يدل لأن المخالف يدعي أن لا فرق بين ذلك في الحر والعبد، والجواب أن البخاري جرى على عادته من الإشارة إلى

(1)

"فتح الباري"(9/ 404).

(2)

"فتح الباري"(9/ 407).

ص: 606

ما في بعض طرق الحديث، إلى آخر ما بسط الحافظ من الكلام على الروايات المختلفة الواردة في هذا ال‌

‌باب

وترجيح ما هو الراجح عنده، ومسألة الباب خلافية تقدم في أوائل النكاح في "باب الحرة تحت العبد".

وفي "الفيض"

(1)

: خالف أبا حنيفة وجعل لها الخيار إن كانت تحت العبد، وإن كانت تحت الحر فلا خيار لها.

(16 -‌

‌ باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة)

أي: عند بريرة لترجع إلى عصمته، قال ابن المنيِّر: موقع هذه الترجمة من الفقه تسويغ الشفاعة للحاكم عند الخصم في خصمه أن يحط عنه أو يسقط ونحو ذلك، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(17 - باب)

(بغير ترجمة)، قال الحافظ

(3)

: كذا لهم بغير ترجمة وهو من متعلقات ما قبله، ثم بسط الحافظ الكلام على حديث قصة بريرة من ذكر اختلاف الروايات وترجيح ما هو الراجح عنده، وفي ذكر ما يستفاد منه من الفوائد الكثيرة فارجع إليه لو شئت.

قال العيني

(4)

: قوله: "باب" أي: هذا باب ذكره مجردًا لأنه كالفصل لما قبله، وقد جرت عادته بذلك كما يذكر الفقهاء في كتبهم: فصل، بعد ذكر لفظة كتاب أو باب، انتهى.

(18 -‌

‌ باب قول الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:

221])

لم يبتّ البخاري حكم المسألة لقيام الاحتمال عنده في تأويلها فالأكثر أنها على العموم وأنها خصت بآية المائدة، وعن بعض السلف أن المراد

(1)

"فيض الباري"(5/ 589).

(2)

"فتح الباري"(9/ 408).

(3)

"فتح الباري"(9/ 410).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 285).

ص: 607

بالمشركات هنا عبدة الأوثان والمجوس، حكاه ابن المنذر وغيره، ثم أورد المصنف فيه قول ابن عمر في نكاح النصرانية وهذا مصير منه إلى استمرار حكم عموم آية البقرة فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة، وبه جزم إبراهيم الحربي وردّه النحاس وحمله على التورع كما سيأتي، وذهب الجمهور إلى أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فبقي سائر المشركات على أصل التحريم، وأطلق ابن عباس أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة، وقد قيل: إن ابن عمر شذ بذلك فقال ابن المنذر: لا يحفظ عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، انتهى.

لكن أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن أن عطاء كره نكاح اليهوديات والنصرانيات، وقال: كان ذلك والمسلمات قليل وروي عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن، وقيل: إن هذا مراد ابن عمر لكنه خلاف ظاهر السياق لكن الذي احتج به ابن عمر يقتضي تخصيص المنع بمن يشرك من أهل الكتاب لا من يوحّد، وقد فصل كثير من العلماء كالشافعية بين من دخل آباؤها في ذلك الدين قبل التحريف أو النسخ أو بعد ذلك، وهو من جنس مذهب ابن عمر بل يمكن أن يحمل عليه، وذهب الجمهور إلى تحريم النساء المجوسيات، وجاء عن حذيفة أنه تسرى بمجوسية، أخرجه ابن أبي شيبة وأورده أيضًا عن سعيد بن المسيب وطائفة، وبه قال أبو ثور، وقال ابن بطال: هو محجوج بالجماعة والتنزيل، وأجيب بأنه لا إجماع مع ثبوت الخلاف عن بعض الصحابة والتابعين.

وأما التنزيل فظاهره أن المجوس ليسوا أهل كتاب، لقوله تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] لكن لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من المجوس دل على أنهم أهل كتاب، فكان القياس أن تجري عليهم بقية أحكام الكتابيين لكن أجيب عن أخذ الجزية من المجوس انهم اتبعوا فيهم الخير ولم يرد مثل ذلك في النكاح والذبائح، وسيأتي

ص: 608

تعرض لذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى، انتهى من "الفتح"

(1)

.

قال العيني

(2)

في شرح ترجمة الباب: وإنما ذكر هذه الآية الكريمة توطئة للأحاديث التي ذكرها في هذا الباب وفي البابين اللذين بعده، وإنما لم ينبه على المقصود من إيرادها للاختلاف القائم فيها وقد أخذ ابن عمر بعموم قوله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] حتى كره نكاح أهل الكتاب وأشار إليه البخاري بإيراد حديثه في هذا الباب، ونكح جماعة من الصحابة نساء نصرانيات ولم يروا بذلك بأسًا، إلى آخر ما بسط.

وقال القسطلاني

(3)

: والأئمة الأربعة على حلّ الكتابية الحرة وعلى المنع من غير أهل الكتابين من المجوس وإن كان لهم شبهة كتاب إذ لا كتاب بأيديهم، وكذا المتمسكون بصحف شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داود لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى وإنما أوحي إليهم معانيها، إلى آخر ما ذكر.

قلت: والذي يظهر عند هذا العبد الضعيف أن المصنف مال في تلك المسألة إلى قول ابن عمر ومن وافقه من بعض السلف، ثم لا يذهب عليك أن حكم الحرائر من الكتابيات يخالف حكم إماء أهل الكتاب، أما الأول فقد تقدم الحكم في ذلك وأن الأئمة الأربعة متفقة في إباحة النكاح فيها، وفي "الأوجز"

(4)

: لا اختلاف بين أهل العلم في حل حرائر أهل الكتاب قال ابن المنذر: لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، وبه قال سائر أهل العلم، وحرمته الإمامية لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] وقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] إلى آخر ما بسط فيه، وقد تقدم الخلاف فيه لبعض السلف كابن عمر وغيره.

وأما حكم إماء أهل الكتاب فهي مسألة خلافية فقد ترجم الإمام مالك

(1)

"فتح الباري"(9/ 416، 417).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 286).

(3)

"إرشاد الساري"(12/ 61).

(4)

"أوجز المسالك"(10/ 490).

ص: 609

في "موطئه": النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب، وفي "الأوجز"

(1)

: قال الموفق: وليس للمسلم وإن كان عبدًا أن يتزوج أمة كتابية لقوله تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وهذا ظاهر مذهب أحمد وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو ميسرة وأبو حنيفة: يجوز للمسلم نكاحها لأنها تحل بملك اليمين فحلت بالنكاح، ونقل ذلك عن أحمد إلا أن الخلال ردّ هذه الرواية وقال: إنما توقف أحمد فيها، إلى آخر ما فيه.

وههنا مسألة ثالثة وهي إجماعية بين الأئمة الأربعة، وهي إباحة وطء الأمة الكتابية بملك اليمين، ففي "الأوجز"

(2)

عن "المغني": إن أمته الكتابية حلال له وهذا قول عامة أهل العلم إلا الحسن البصري فإنه كرهه، انتهى.

(19 -‌

‌ باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن)

قال الحافظ

(3)

: أي: قدرها، والجمهور على أنها تعتد عدة الحرة، وعن أبي حنيفة: يكفي أن تستبرئ بحيضة، انتهى.

قال العيني

(4)

: أي هذا باب في بيان حكم من أسلم من المشركات وبيان حكم عدتهن، فإذا أسلمت وهاجرت إلى المسلمين وقعت الفرقة بإسلامها بينها وبين زوجها الكافر عند جماعة الفقهاء ووجب استبراؤها بثلاث حيض ثم تحل للأزواج، هذا قول مالك وأبي يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا عدة عليها وإنما عليها استبراء رحمها بحيضة، واحتج بأن العدة إنما تكون عن طلاق وإسلامها فسخ وليس بطلاق، انتهى.

قلت: وفي المسألة فروع كثيرة متقاربة خلافية بين الأئمة بسطت في "الأوجز"

(5)

في "باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته"، وفي "الفيض"

(6)

:

(1)

"أوجز المسالك"(10/ 499، 500).

(2)

"أوجز المسالك"(10/ 497).

(3)

"فتح الباري"(9/ 418).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 287).

(5)

انظر: "أوجز المسالك"(10/ 541 - 544).

(6)

"فيض الباري"(5/ 590).

ص: 610

أي: ما الحكم فيما أسلم أحد الزوجين؟ قلنا: إن كان الزوجان في دار الإسلام يعرض الإسلام على الآخر، فإن أسلم هو أيضًا فهما على نكاحهما وإلا بانت منه، وإن كانا في دار الحرب لم يقع الفرقة حتى تحيض ثلاث حيض، وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة وقعت البينونة بمجرد المهاجرة ولا عدة عليها.

(20 -‌

‌ باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي والحربي)

قال العيني

(1)

: واقتصاره على النصرانية ليس بقيد لأن اليهودية أيضًا مثلها، ولو قال: إذا أسلمت المشركة أو الذمية لكان أحسن وأشمل، ولم يذكر جواب "إذا" الذي هو الحكم لإشكاله، إلى آخر ما ذكر.

قال الحافظ

(2)

: وكأنه راعى لفظ الأثر المنقول في ذلك ولم يجزم بالحكم لإشكاله بل أورد الترجمة مورد السؤال فقط، وقد جرت عادته أن دليل الحكم إذا كان محتملًا لا يجزم بالحكم، والمراد بالترجمة بيان حكم إسلام المرأة قبل زوجها هل تقع الفرقة بينهما بمجرد إسلامها، أو يثبت لها الخيار، أو يوقف في العدة فإن أسلم استمر النكاح وإلا وقعت الفرقة بينهما؟ وفيه خلاف مشهور وتفاصيل يطول شرحها، وميل البخاري إلى أن الفرقة تقع بمجرد الإسلام كما سأبينها، انتهى.

وكتب الشيخ في "الكوكب الدري"

(3)

تحت ترجمة الإمام الترمذي "باب في الزوجين المشركين يسلم أحدهما": هذا يشمل ما إذا بقي بعد الإسلام في دار الكفر ولم ينتقل إلى دار الإسلام، وما إذا هاجر أحد الزوجين بعد الإسلام فعندنا لا يفرق بينهما من غير تباين الدارين وهو الثابت بالحديث، وأما إذا أسلم وبقي هناك فلا يقع التفريق بنفس الإسلام

(1)

"عمدة القاري"(14/ 289).

(2)

"فتح الباري"(9/ 420).

(3)

"الكوكب الدري"(2/ 243).

ص: 611

ما لم يصدر أمر ينسب إليه التفريق كالإباء فإن الإسلام جامع لا مفرق، إلى آخر ما بسط فيه من قصة زينب وغيرها.

وفي هامشه: قال ابن عباس: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه، وبذلك قال عطاء والثوري وفقهاء الكوفة، واختاره ابن المنذر وإليه جنح البخاري، وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الإسلام في تلك المدّة فيمتنع إن كانا معًا في دار الإسلام، وقال مجاهد: إذا أسلم في العدة يتزوجها وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبو عبيد، قاله الحافظ.

قلت: أي: بدون تجديد العقد في العدة كما صرَّحوا به.

قوله: (عن ابن عباس: إذا أسلمت. . .) إلخ، فقال بالحرمة بدون عرض الإسلام أو غيره وهو مختار البخاري فيقع الفرقة بلا مهلة، انتهى من "الفيض"

(1)

.

وفيه أيضًا: قوله: "وقال الحسن وقتادة في مجوسيين أسلما" أي: أسلما معًا فهما على نكاحهما وهو المذهب عندنا ولا عبرة بالنظر المنطقي بأن صورة إسلامهما متعذر فلا بد من التقدم ولو يسيرًا لأن التقدم مثله ساقط لا يعتبر به.

قوله: (وإذا سبق أحدهما صاحبه وأبى الآخر بانت. . .) إلخ، وهذا يشير إلى عرض الإسلام أيضًا؛ لأنه أدار البينونة على الإباء والإباء يشعر بعرض الإسلام عنده أيضًا، انتهى كلام "الفيض".

ثم ذكر الحافظ في "الفتح"

(2)

:

(تنبيه): استطرد البخاري من أصل ترجمة الباب إلى شيء مما يتعلق بشرح آية الامتحان، فذكر أثر عطاء فيما يتعلق بالمعاوضة المشار إليها في الآية بقوله تعالى:{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11]

(1)

"فيض الباري"(5/ 591).

(2)

"فتح الباري"(9/ 423، 424).

ص: 612

ثم ذكر أثر مجاهد المقوي لدعوى عطاء أن ذلك كان خاصًا بذلك العهد الذي وقع بين المسلمين وبين قريش، وأن ذلك انقطع يوم الفتح، وكأنه أشار بذلك إلى أن الذي وقع في ذلك الوقت من تقرير المسلمة تحت المشركة لانتظار إسلامه ما دامت في العدة منسوخ، لما دلت عليه هذه الآثار من اختصاص ذلك بأولئك، وأن الحكم بعد ذلك فيمن أسلمت أن لا تقرّ تحت زوجها المشرك أصلًا ولو أسلم وهي في العدة، وقد ورد في أصل المسألة حديثان متعارضان: أحدهما: ما أخرجه أحمد من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ ابنته زينب على أبي العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شيئًا، والحديث الثاني: ما خرجه الترمذي وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ ابنته زينب على أبي العاص الربيع بمهر جديد ونكاح جديد، إلى آخر ما بسط الحافظ من الكلام على هذين الحديثين فارجع إليه.

وقال أيضًا: ثم ذكر البخاري حديث عائشة في شأن الامتحان وبيانه لشدة تعلقه بأصل المسألة، انتهى.

(21 -‌

‌ باب قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآية [البقرة:

226])

ووقع في شرح ابن بطال "باب الإيلاء، وقوله تعالى .. . ." إلخ، قاله الحافظ

(1)

.

وقال العيني

(2)

: واعلم أن الكلام ههنا، أي: في الإيلاء في عدة مواضع، ثم بسطها أشد البسط، وفي هامش النسخة "الهندية"

(3)

عن "العيني": الإيلاء في اللغة الحلف والإيلاء المذكور في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ

(1)

"فتح الباري"(9/ 426).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 293).

(3)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 701).

ص: 613

يُؤْلُونَ} هو الحلف على ترك قربان امرأته، أي: وطئها أربعة أشهر أو أكثر منها، كقوله لامرأته: والله لا أقربك أربعة أشهر، أو لا أقربك، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري، وقال ابن المنذر: أكثر أهل العلم قالوا: لا يكون الإيلاء أقل من أربعة أشهر، وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور: الإيلاء أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر، وإن حلف على أربعة أشهر أو فيما دونها لم يكن مؤليًا، انتهى.

ثم قال العيني

(1)

: الموضع الثاني في حكم الإيلاء وهو أنه إن وطئها في الأربعة الأشهر كفّر؛ لأنه حنث في يمينه، وإن لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر بانت المرأة منه بتطليقة واحدة وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وعند ابن المسيب ومكحول وربيعة والزهري: يقع تطليقة رجعية، وذكر البخاري عن ابن عمر أن المولي يوقف حتى يطلق، وقال مالك: كذلك الأمر عندنا، وبه قال الليث والشافعي وأحمد وإسحاق، فإن طلق فهي واحدة رجعية إلا أن مالكًا قال: لا تصح رجعته حتى يطأ في العدة ولا يعلم أحد قاله غيره، انتهى.

وقال الإمام الترمذي

(2)

في "جامعه": والإيلاء أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته أربعة أشهر أو أكثر، واختلف أهل العلم فيه إذا مضت أربعة أشهر فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا مضت أربعة أشهر يوقف فإما أن يفيء، وإما أن يطلق وهو قول مالك ابن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة، انتهى.

وفي هامشه: قال محمد في "الموطأ": قال ابن عباس في تفسير آية الإيلاء أنه قال: الفيء الجماع في الأربع الأشهر وعزيمة الطلاق انقضاء

(1)

"عمدة القاري"(14/ 293).

(2)

"سنن الترمذي"(1201).

ص: 614

الأربعة، فإذا مضت بانت بتطليقة ولا يوقف بعدها، وكان عبد الله بن عباس أعلم بتفسير القرآن من غيره، وهو قول أبي حنيفة والعامة، انتهى.

وفي "التعليق الممجد"

(1)

: ثم عند أبي حنيفة وأصحاب والشافعي في الجديد: إذا حلف على ترك قربان زوجته أربعة أشهر يكون مؤليًا، واشترط مالك أن يكون مضرًا بها أو يكون حالة الغضب، فإن كان للإصلاح لم يكن مؤليًا، ووافقه أحمد واتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه لو حلف أن لا يقرب أقل من أربعة أشهر لا يكون مؤليًا، ثم في الإيلاء الشرعي إن جامع زوجته في أربعة أشهر فليس عليه إلا كفارة يمين، وإن مضت أربعة أشهر ولم يفيء بجماع ولا بلسان طلقت طلقة بائنة عند الحنفية، وبه قال ابن مسعود وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم، وذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن المولي إذا لم يفئ ومضت أربعة أشهر لا يقع بمضي هذه المدة طلاق بل يوقف حتى يفيء أو يطلق، انتهى مختصرًا.

وكتب الشيخ قدس سره في "الكوكب الدري"

(2)

: وفسروا - أي: الحنفية - قوله تعالى فيه: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} الآية [البقرة: 226] في أيام التربص فكذا وإن عزموا الطلاق فلم يفيئوا فكذا وهو أوفق بقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لما فيه من نقض ما حلفوا عليه من عدم القربان أربعة أشهر بخلاف ما فسروه، انتهى.

(22 -‌

‌ باب حكم المفقود فيى أهله وماله)

كذا أطلق ولم يفصح بالحكم ودخول حكم الأهل يتعلق بأبواب الطلاق بخلاف المال لكن ذكره معه استطرادًا، انتهى من "الفتح"

(3)

.

وفي هامش "الهندية"

(4)

: قوله: "وقال ابن المسيب" وصله عبدر

(1)

"التعليق الممجد"(2/ 538).

(2)

"الكوكب الدري"(2/ 274).

(3)

"فتح الباري"(9/ 430).

(4)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 704).

ص: 615

الرزاق بأتم منه عن الثوري عن داود بن أبي هند عنه قال: إذا فقد في الصف تربصت امرأته سنة، وإذا فقد في غير الصف فأربع سنين، وإلى قول ابن المسيب ذهب مالك لكن فرق بين ما إذا وقع القتال في دار الحرب أو في دار الإسلام، وفرق مالك بين من فقد في الحرب فتؤجل الأجل المذكور وبين من فقد في غير الحرب فلا تؤجل بل ينتظر مضي العمر الذي يغلب على الظن أنه لا يعيش أكثر منه، وقال أحمد وإسحاق: من غاب عن أهله فلم يعلم خبره لا تأجيل فيه وإنما يؤجل من فقد في البحر أو في الحرب أو نحو ذلك، وجاء عن علي: إذا فقدت المرأة زوجها لا تزوج حتى يقدم أو يموت، قال عبد الرزاق: بلغني عن ابن مسعود أنه وافق عليًا في أنها تنتظره أبدًا، وروي من طريق النخعي: لا تزوج حتى يستبين أمره، وهو قول فقهاء الكوفة والشافعي، كذا في "الفتح"، قال العيني: والكوفيون يقولون: لا يقسم ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش مثله، وقال الشافعي: لا يقسم حتى يعلم وفاته، انتهى.

ثم قال القسطلاني: ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الضالة كالمفقود فكما لم يزل ملك المالك فيها فكذلك يجب أن يكون النكاح باقيًا بينهما، وقد سبق الحديث مرات في اللقطة، انتهى.

قال صاحب "الفيض"

(1)

تحت ترجمة الباب: ويحكم عندنا بموته - أي: المفقود - بموت أقرانه ثم يجري الإرث في ماله، وفي "الهداية"

(2)

: إنه هو الأقيس وقد قدّره بعضهم بتسعين وغيره، وأما عند مالك فينتظر أربع سنين ثم يحكم بموته، وبه يفتي علماء زماننا، ونقل الشامي مذهب مالك ثم لم ينقل شرائطه عنده، والناس اليوم يفتون بمذهبه ولا يراعون شرائطه المدونة عندهم فهؤلاء لا يعملون بمذهبهم ولا بمذهبه، إلى آخر ما ذكره، انتهى.

(1)

"فيض الباري"(5/ 593، 594).

(2)

"الهداية"(1/ 423).

ص: 616

(23 -‌

‌ باب {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:

1])

كذا في النسخة "الهندية"، وفي نسخ الشروح الثلاثة "باب الظهار، وقول الله تعالى. . ." إلخ، ولم يتعرضوا عن اختلاف النسخ، وفي "الأوجز"

(1)

: والظهار بكسر الظاء المعجمة مصدر ظاهر مفاعلة من الظهر.

قال الحافظ: الظهار قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالبًا، ولذلك سمي المركوب ظهرًا فشبهت الزوجة بذلك؛ لأنها مركوب الرجل، انتهى.

وذكر في "الأوجز" في ذلك وجوه آخر فارجع إليه لو شئت، وكذا بسط فيه فروع عديدة مما يتعلق بالظهار.

وقال العيني

(2)

: ثم الكلام فيه على أنواع: الأول: سبب نزول هذه الآيات، ثم بسطها.

النوع الثاني: في صورة الظهار واعلم أن الألفاظ التي يصير به المرء مظاهرًا على نوعين: صريح نحو: أنت علي كظهر أمي، أو أنت عندي كظهر أمي، وكناية نحو أن يقول: أنت علي كأمي أو مثل أمي أو نحوهما، يعتبر فيه نيته فإن أراد ظهارًا كان ظهارًا، وإن لم ينو لا يصير مظاهرًا، وعند محمد بن الحسن: هو ظهار، وعن أبي يوسف: هو مثله إن كان في الغضب، وعنه أن يكون إيلاء وإن نوى [طلاقًا كان] طلاقًا بائنًا.

النوع الثالث: لا يكون الظهار إلا بالتشبيه بذات محرم فإذا ظاهر بغير ذات محرم فليس بظهار، وبه قال الحسن وعطاء وهو قول أبي حنيفة والشافعي في قول، وعنه وهو أشهر أقواله: إن كل من ظاهر بامرأة حل له نكاحها يومًا من الدهر فليس ظهارًا، ومن ظاهر بامرأة لم يحل له نكاحها

(1)

"أوجز المسالك"(11/ 95 - 99).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 301 - 303).

ص: 617

قط فهو ظهار، وقال مالك: من ظاهر بذات محرم أو بأجنبية فهو كله ظهار، وعن الشعبي: أنه لا ظهار إلا بأم أو جدة، وهو قول للشافعي وبه قالت الظاهرية.

النوع الرابع: فيمن يصح منه الظهار ثم بسط الاختلاف فيه.

والنوع الخامس: في بيان الكفارة وهو تحرير رقبة قبل الوطء سواء كانت ذكرًا أو أنثى، صغيرة أو كبيرة، مسلمة أو كافرة لإطلاق النص، وقال الشافعي: لا تجوز الكافرة، وبه قال مالك وأحمد، إلى آخر ما بسط.

وفي هامش "الهندية"

(1)

: واختلف فيما إذا لم يعين الأم بأن قال مثلًا: كظهر أختي، فعن الشافعي في القديم لا يكون ظهارًا بل يختص بالأم، وقال في الجديد: يكون ظهارًا وهو قول الجمهور وعليه الحنفية، قوله:"وقول الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللهُ}. . ." إلخ، واستدل بقوله:{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} الآية [المجادلة: 2] على أن الظهار حرام، وقد ذكر المصنف في الباب آثارًا واقتصر على الآية وعليها، وكأنه أشار بذكر الآية إلى الحديث المرفوع الوارد في سبب ذلك وقد ذكر بعض طرقه تعليقًا في أوائل كتاب التوحيد من حديث عائشة، وفيه تسمية المظاهر وتسمية المجادلة وهي التي ظاهر منها، والراجح أنها خولة بنت ثعلبة، وأنه أول ظهار كان في الإسلام، كذا في "الفتح"، انتهى ما في الهامش.

(24 -‌

‌ باب الإشارة في الطلاق والأمور. . .) إلخ

قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى أن الإشارة إذا كانت مفهمة تتنزل منزلة النطق، وخالفه الحنفية في بعض ذلك، ولعل البخاري ردّ عليهم بهذه الأحاديث التي جعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة قائمة مقام النطق، وإذا جازت الإشارة في أحكام مختلفة في الديانة فهي لمن لا يمكنه النطق أجوز، وقال

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 708)، وانظر:"فتح الباري"(9/ 433).

ص: 618

ابن المنيِّر: أراد البخاري أن الإشارة بالطلاق وغيره من الأخرس وغيره التي يفهم منه الأصل والعدد نافذ كاللفظ.

قال الحافظ

(1)

: ويظهر لي أن البخاري أورد هذه الترجمة وأحاديثها توطئة لما يذكره من البحث في الباب الذي يليه مع من فرق بين لعان الأخرس وطلاقه، والله تعالى أعلم.

وقد اختلف العلماء في الإشارة المفهمة فأما في حقوق الله تعالى فقالوا: يكفي ولو من القادر على النطق، وأما في حقوق الآدميين كالعقود والإقرار والوصية ونحو ذلك فاختلف العلماء فيمن اعتقل لسانه. ثالثها عن أبي حنيفة إن كان مأيوسًا من نطقه وعن بعض الحنابلة إن اتصل بالموت، ورجحه الطحاوي، وعن الأوزاعي إن سبقه كلام، ونقل عن مكحول: إن قال فلان حر ثم أصمت فقيل له وفلان فأومأ صح، وأما القادر على النطق فلا تقوم إشارته مقام نطقه عند الأكثرين، انتهى.

وتقدم شيء من الكلام على الإشارة في كتاب الوصايا في "باب إذا أومأ المريض برأسه" كذا في هامش "اللامع"

(2)

.

وردّ العلامة العيني

(3)

على أبلغ وجه وأوكده على من قال من الشرَّاح من ابن بطال وغيره: أن الإمام البخاري أراد بهذا الباب الردّ على أبي حنيفة، إذ قال: وكذلك ابن بطال الذي أطلق لسانه في أبي حنيفة بوجه باطل حيث قال: حاول البخاري بهذا الباب الردّ على أبي حنيفة لأنه صلى الله عليه وسلم حكم بالإشارة في هذه الأحاديث، إلى أن قال: وإنما حمل أبا حنيفة على قوله هذا أنه لم يعلم السنن التي جاءت بجواز الإشارات في أحكام مختلفة، انتهى.

قلت: هذا الذي قاله قلة أدب فمن قال: إن أبا حنيفة لم يعلم هذه

(1)

"فتح الباري"(9/ 438).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 379، 380).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 307).

ص: 619

السنن فمن نقله عنه أنه لم يجوز العمل بالإشارة؟ وهذه كتب أصحابه ناطقة بجواز ذلك كما نبهنا على بعض شيء من ذلك، وقال أصحابنا: إشارة الأخرس وكتابته كالبيان باللسان فيلزمه الأحكام بالإشارة وبالكتابة حتى يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه وغير ذلك من الأحكام بخلاف معتقل اللسان الذي حبس لسانه فإن إشارته غير معتبرة لأن الإشارة لا تنبئ عن المراد إلا إذا طالت وصارت معهودة كالأخرس، انتهى.

قلت: وطلاق الأخرس واقع عند الأئمة الأربعة قال الموفق

(1)

: ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق إلا في موضعين: أحدهما من لا يقدر على الكلام؛ كالأخرس إذا طلق بالإشارة طلقت زوجته، وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، إلى آخر ما فيه.

(25 -‌

‌ باب اللعان)

[*]

قال العلامة العيني

(2)

: هو مصدر لاعن وهو مشتق من اللعن وهو الطرد والإبعاد؛ لبعدهما من الرحمة أو لبعد كل منها عن الآخر ولا يجتمعان أبدًا، واللعان والالتعان والملاعنة بمعنى، وسمي به لما فيه من لعن نفسه في الخامسة، وهي من تسمية الكل باسم البعض كالصلاة تسمى ركوعًا وسجودًا، ومعناه الشرعي: شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن، وقال الشافعي: هي أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة، فيشترط أهلية اليمين عنده فيجري بين المسلم وامرأته الكافرة، وبين الكافر والكافرة، وبين العبد وامرأته، وبه قال مالك وأحمد، وعندنا يشترط أهلية الشهادة فلا يجري إلا بين المسلمين الحرين العاقلين البالغين غير محدودين في قذف، واختير لفظ اللعن على لفظ الغضب وإن كانا مذكورين في الآية لتقدمه فيهما، ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانب المرأة لأنه قادر على الابتداء باللعان، إلى آخر ما ذكر.

(1)

"المغني"(10/ 502).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 313، 314).

[*] تعليق الشاملة: كان ترقيم هذا الباب خطأ في المطبوع، فصححناه

ص: 620

وقال أيضًا: وجوِّز اللعان لحفظ الأنساب ودفع المعرة عن الأزواج، وأجمع العلماء على صحته، انتهى.

قوله: (فإذا قذف الأخرس امرأته. . .) إلخ، قال العيني

(1)

: أراد البخاري بهذا الكلام كله بيان الاختلاف بين أهل الحجاز وبين الكوفيين في حكم الأخرس في اللعان والحدّ فلذلك قال: "فإذا قذف الأخرس" إلى آخره بالفاء عقب ذكر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية [النور: 6]، وأخذ بعموم قوله:{يَرْمُونَ} لأن الرمي أعم من أن يكون باللفظ أو بالإشارة المفهمة، وبنى على هذا كلامه فقال: إذا قذف الأخرس امرأته إلخ، انتهى.

ثم قال العيني

(2)

: قوله: "وقال بعض الناس" أراد به الكوفيين لأنه لما فرغ من الاحتجاج لكلام أهل الحجاز شرع لبيان قول الكوفيين في قذف الأخرس، إلى آخر ما بسط في شرح كلام البخاري والجواب عن الحنفية فارجع إليه لو شئت.

واختلفت الأئمة في لعان الأخرس والخرساء قال الموفق

(3)

: فأما الأخرس والخرساء فإن كانا غير معلومي الإشارة والكتابة فهما كالمجنونين لأنه لا يتصور منهما لعان، وإن كانا معلومي الإشارة والكتابة فقد قال أحمد: إذا كانت المرأة خرساء لم تلاعن لأنه لا تعلم مطالبتها، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وأصحاب الرأي، وكذلك ينبغي أن يكون في الأخرس، وقال القاضي وأبو الخطاب: هو كالناطق في قذفه ولعانه، وهو مذهب الشافعي، انتهى مختصرًا.

وأما مذهب المالكية فموافق للشافعي قال الدردير

(4)

: شهد بالله أربعًا لرأيتها تزني وأشار الأخرس ذكرًا كان أو أنثى أو كتب ما يدل عليه، انتهى.

(1)

"عمدة القاري"(14/ 315).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 216).

(3)

"المغني"(11/ 127، 128).

(4)

"الشرح الكبير"(2/ 464).

ص: 621

قوله: (ثم زعم إن طلقوا بكتاب أو إشارة. . .) إلخ، في هامش "الهندية"

(1)

عن "الخير الجاري": المؤلف أورد النقض في كلام الحنفية حيث جعلوا أحد الكلامين وهو الطلاق صحيحًا بالإشارة دون الآخر وهو القذف، وهذا النقض غير وارد عليهم فإن القذف من الحدود وهي تندرء بالشبهات والطلاق من الأمور التي جدهن جد وهزلهن جد، فجده وهزله سواء، فأين أحدهما من الآخر؟ انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "فإذا قذف الأخرس امرأته. . ." إلخ، بحثه عن الإشارة بعد باب اللعان إشارة إلى أن الإشارة معتبرة في جملة هذه الأبواب لعانًا كان أو طلاقًا أو غير ذلك، ولذلك عمم في ترجمة الباب الأول لفظ الأمور ليشمل كل باب، وأنت تعلم أن اندراء الحدود عندنا مبني على قوله صلى الله عليه وسلم:"ادرءوا الحدود بالشبهات" فلا يضرنا ما ساقه من الروايات والآثار وغيرها؛ لأنا لم ننكر ثبوت الحكم بالإشارة حتى يفتقر إلى ثبوته، وإنما قلنا: إن الإشارة غير صريحه في المراد ولا شك فيه فنشأت شبهة درأت الحد في القاذف وكذلك في غيره من الحدود، وإنما سقط اللعان لقيامه مقام الحد، انتهى.

(26 -‌

‌ باب إذا عرّض بنفي الولد)

قال الحافظ

(3)

: بتشديد الراء من التعريض وهو ذكر شيء يفهم منه شيء آخر لم يذكر، ويفارق الكناية بأنها ذكر شيء بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه، وترجم البخاري لهذا الحديث في الحدود "ما جاء في التعريض" وكأنه أخذه من قوله في بعض طرقه: يعرّض بنفيه، انتهى.

وقال العيني

(4)

: مطابقة الحديث للترجمة تؤخذ من قوله: "ولد لي

(1)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 720).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 379 - 382).

(3)

"فتح الباري"(9/ 442).

(4)

"عمدة القاري"(14/ 320).

ص: 622

غلام أسود" فإن فيه تعريضًا لنفيه عنه، يعني: أنا أبيض وهذا أسود فلا يكون مني، انتهى.

قال القسطلاني

(1)

تحت حديث الباب: وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة بل لا بد من تحقق كأن رآها تزني، أو ظهور دليل قوي كأن لم يكن وطئها، أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدء وطئها، أو لأكثر من أربع سنين، بل يلزمه نفي الولد لأن ترك نفيه يتضمن استلحاقه واستلحاق من ليس منه حرام، كما يحرم نفي من هو منه، وقال أيضًا: وفي الحديث أن التعريض بالقذف ليس قذفًا، وبه قال الجمهور واستدل به إمامنا الشافعي لذلك، وعن المالكية: يجب به الحدّ إذا كان مفهومًا، انتهى.

قال العيني

(2)

في كتاب الحدود: اختلف العلماء في هذا الباب فقال قوم: لا حدّ في التعريض وإنما يحد الحد بالتصريح البين، وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي إلا أنهما يوجبان الأدب والزجر، وعليه يدل تبويب البخاري، وقال الآخرون: التعريض كالتصريح وبه قال مالك والأوزاعي، انتهى.

قلت: ففي "الموطأ": قال مالك: لا حد عندنا إلا في قذف أو نفي أو تعريض يُرى أن قائله إنما أراد بذلك نفيًا أو قذفًا، فعلى من قال ذلك الحد تامًا.

وفي "الأوجز"

(3)

: قال الباجي: وقد جلد عمر بن الخطاب في التعريض وبه قال عمر بن عبد العزيز، وقال أبو حنيفة والشافعي: ليس في التعريض حدّ، إلى آخر ما بسط. وقال الموفق: واختلفت الرواية عن أحمد في التعريض بالقذف مثل أن يقول لمن يخاصمه: ما أنت بزان، أو ما يعرفك الناس بالزنا، أو يقول: ما أنا بزان، فروى عنه حنبل: لا حدّ عليه، وهو

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 92).

(2)

"عمدة القاري"(16/ 123).

(3)

"أوجز المسالك"(15/ 369 - 372).

ص: 623

ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، ثم ذكر حديث الباب، وروى الأثرم وغيره عن أحمد أن عليه الحدّ، وبه قال إسحاق، إلى آخر ما فيه.

وفي "فيض الباري"

(1)

: "باب إذا عرض. . ." إلخ، والتعريض كالإيماء والإشارة بالقذف وعدّهما البخاري كالصريح، فلزمه أن يقول باللعان في صورة التعريض أيضًا، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: وقد اعترضه ابن المنيِّر فقال: ذكر ترجمة التعريض عقب ترجمة الإشارة لاشتراكهما في إفهام المقصود، لكن كلامه يشعر بإلغاء حكم التعريض فيتناقض مذهبه في الإشارة، انتهى.

وأجاب عنه الحافظ ببيان الفرق بينهما فارجع إليه.

(27 -‌

‌ باب إحلاف الملاعن)

المراد بالإحلاف ههنا النطق بكلمات اللعان، وقد تمسك به من قال: إن اللعان يمين وهو قول مالك والشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة: اللعان شهادة وهو وجه للشافعية، وقيل: شهادة فيها شائبة اليمين، وقيل بالعكس، انتهى من "الفتح"

(3)

.

وفي هامش "اللامع"

(4)

: أشار الإمام البخاري بهذه الترجمة إلى مسألة خلافية شهيرة بسطت في "الأوجز" وهي أن اللعان شهادات مؤكدات بالأيمان أو هو أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة، وقد تقدم الخلاف مع التفريع عليه في أول كتاب اللعان.

قال القسطلاني

(5)

في شرح قوله: "فأحلفهما النبي صلى الله عليه وسلم: أي:

(1)

"فيض الباري"(5/ 601).

(2)

"فتح الباري"(9/ 442).

(3)

"فتح الباري"(9/ 444).

(4)

"لامع الدراري"(9/ 383)، وانظر:"أوجز المسالك"(11/ 226 - 228).

(5)

"إرشاد الساري"(12/ 93).

ص: 624

الإحلاف المخصوص وهو اللعان وهو دليل على أن اللعان يمين، ثم ذكر الاختلاف المذكور.

(28 -‌

‌ باب يبدأ الرجل بالتلاعن)

أشار الإمام البخاري بذلك إلى مسألة خلافية بسطت في "الأوجز"

(1)

، ومنه في هامش "اللامع"

(2)

وفيه أنه استدل بالآية وبحديث ابن عباس في قصة هلال على أن الرجل يقدم قبل المرأة في الملاعنة، وبه قال الشافعي ومن تبعه وأشهب من المالكية، ورجحه ابن العربي، وقال ابن القاسم: لو ابتدأت به المرأة تصح واعتد به وهو قول أبي حنيفة، واحتجوا بأن الله تعالى عطفه بالواو وهي لا تقتضي الترتيب، وفي "الدر المختار": فإن لاعن لاعنت بعده لأنه المدعي فلو بدأ بلعانها أعادت فلو فرق قبل الإعادة صح لحصول المقصود، قال ابن عابدين: قوله: أعادت، ليكون على الترتيب المشروع وظاهره الوجوب لكن في "الغاية" لا تجب الإعادة وقد أخطأ في السُّنَّة ورجحه في "الفتح" بأن الوجه وهو قول مالك، انتهى.

قلت: ومقتضى كلام "البدائع" الوجوب كما في "الأوجز" وقال الموفق: يشترط في صحة اللعان شروط ستة: الخامس: الترتيب فإن قدّم لفظة اللعنة على شيء من الألفاظ الأربعة أو قدّمت المرأة لعانها على لعان الرجل لم يعتد به، انتهى.

(29 -‌

‌ باب اللعان ومن طلق بعد اللعان)

أشار الإمام بهذه الترجمة أيضًا إلى خلافية شهيرة ومال في ذلك إلى مسلك الحنفية، وهي أن الفرقة هل تقع بنفس اللعان أو بإيقاع الحاكم بعد الفراع أو بإيقاع الزوج؟ فذهب مالك والشافعي ومن تبعهما إلى أن الفرقة

(1)

"أوجز المسالك"(11/ 231).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 383، 384).

ص: 625

تقع بنفس اللعان، ثم اختلفا قال مالك وغالب أصحابه: بعد فراغ المرأة، وقال الشافعي: بعد فراغ الزوج، وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل، وفيما إذا علّق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى، وقال الثوري وأبو حنيفة وأتباعهما: لا تقع الفرقة حتى يوقعها عليها الحاكم، وعن أحمد روايتان: إحداهما مع الحنفية، والثانية مع المالكية، والقول الثالث أنه لا تقع الفرقة حتى يوقعها الزوج، ذهب إليه عثمان البتي، ومقابله قول أبي عبيد أن الفرقة تقع بنفس القذف ولو لم يقع اللعان، انتهى من هامش "اللامع"

(1)

ملخصًا.

وسيأتي في هذا المعنى "باب التفريق بين المتلاعنين".

(30 -‌

‌ باب التلاعن في المسجد)

قال الحافظ

(2)

: أشار بهذه الترجمة إلى خلاف الحنفية أن اللعان لا يتعين في المسجد وإنما يكون حيث كان الإمام أو حيث شاء، انتهى.

وتعقبه العلامة العيني

(3)

فقال: قلت: الذي يفهم مما قاله إنما وضع هذه الترجمة لتعين اللعان في المسجد، وليس كذلك وإنما هذا بيان ما قد وقع من التلاعن في المسجد، ولا يلزم من ذلك أن يكون المسجد متعينًا، ولهذا قال صاحب "التوضيح": استحب جماعة أن يكون التلاعن بعد العصر في أي مكان كان والمسجد الجامع أحرى، انتهى.

وتقدم بيان الخلاف في المسألة في أبواب المساجد فإنه قد ترجم المصنف هناك بقوله: "باب القضاء واللعان في المسجد" فارجع إليه.

(1)

"لامع الدراري"(9/ 384).

(2)

"فتح الباري"(9/ 453).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 323).

ص: 626

(31 -‌

‌ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجمًا بغير بينة. . .) إلخ

أي: من أنكر وإلا فالمعترف أيضًا يرجم، قاله الحافظ

(1)

.

وقال العيني

(2)

: وجواب "لو" محذوف، أي: لرجمته، انتهى.

وقال الحافظ

(3)

في شرح قوله في الحديث: "لو كنت راجمًا بغير بينة": تمسك به من قال: إن نكول المرأة عن اللعان لا يوجب عليها الحد، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي، واحتجوا بأن الحدود لا تثبت بالنكول، وبأن قوله صلى الله عليه وسلم:"لو كنت راجمًا" لم يقع بسبب اللعان فقط، وقال أحمد: إذا امتنعت تحبس، وأهاب أن أقول: ترجم لأنها لو أقرت صريحًا ثم رجعت لم ترجم فكيف ترجم إذا أبت اللعان؟ انتهى.

(32 -‌

‌ باب صداق الملاعنة)

أي: بيان الحكم فيه، وقد انعقد الإجماع على أن المدخول بها تستحق جميعه، واختلف في غير المدخول بها فالجمهور على أن لها النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول، وقيل: بل لها جميعه، قاله أبو الزناد والحكم وحماد، وقيل: لا شيء لها أصلًا قاله الزهري، وروي عن مالك، انتهى من "الفتح"

(4)

.

(33 -‌

‌ باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب. . .) إلخ

قال الحافظ

(5)

: قوله: "وقال: الله يعلم أن أحدكما لكاذب" قال عياض: ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان، فيؤخذ منه

(1)

"فتح الباري"(9/ 454).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 324).

(3)

"فتح الباري"(9/ 456).

(4)

"فتح الباري"(9/ 456).

(5)

"فتح الباري"(9/ 458).

ص: 627

عرض التوبة على المذنب ولو بطريق الإجمال، وأنه يلزم من كذبه التوبة من ذلك، وقال الداودي: قال ذلك قبل اللعان تحذيرًا لهما منه، والأول أظهر وأولى في سياق الكلام، قلت: والذي قاله الداودي أولى من جهة أخرى وهي مشروعية الموعظة قبل الوقوع في المعصية بل هو أحرى مما بعد الوقوع، إلى آخر ما ذكر.

(34 -‌

‌ باب التفريق بين المتلاعنين)

ثبتت هذه الترجمة للمستملي وذكرها الإسماعيلي وثبت عند النسفي "باب" بلا ترجمة، وسقط ذلك للباقين والأول أنسب، قاله الحافظ

(1)

.

وقال العيني

(2)

في شرح قوله في الحديث: "فرّق بين رجل وامرأة": فيه دليل لأبي حنيفة وصاحبيه أن اللعان لا يتم إلا بتفريق الحاكم وهو قول الثوري أيضًا، وقد مر الكلام فيه مبسوطًا، انتهى.

قلت: وأشار بذلك إلى ما تقدم في "باب اللعان ومن طلق بعد اللعان" وقد تقدم هناك تفصيل الخلاف في هذه المسألة، وتقدم هناك أيضًا أن الظاهر أن ميل المصنف إلى مسلك الحنفية، وذكر الحافظ توجيه الحديث على مسلك الشافعية بأن قوله:"فرق بينهما" بيان حكم لا إيقاع فرقة، إلى آخر ما بسط من الكلام على الروايات المختلفة في مسألة الباب.

(35 -‌

‌ باب يلحق الولد بالملاعنة)

قال العلامة العيني

(3)

: يعني: أن الولد يلحق بالمرأة الملاعنة إذا نفاه الزوج قبل الوضع أبو بعده، وحديث الباب رواه البخاري أيضًا في الفرائض، وأخرجه مسلم في اللعان، وأبو داود في الطلاق، وهو مشتمل على ثلاثة أحكام.

(1)

"فتح الباري"(9/ 458، 459).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 329).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 330).

ص: 628

الأول: اللعان، وليس فيه خلاف وأجمعوا على صحته ومشروعيته.

الثاني: التفرقة، واختلف العلماء فيها وقد مر قريبًا في الباب السابق.

والثالث: إلحاق الولد بالأم، وذلك أنه إذا لاعنها ونفى عنه نسب الحمل انتفى عنه ويثبت نسبه من الأم ويرثها وترث منه، قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أن الرجل إذا نفى ولد امرأته لم ينتف به ولم يلاعن به لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" قالوا: الفراش يوجب حق الولد في إثبات نسبه من الزوج والمرأة فليس لها إخراجه منه بلعان ولا غيره، قلت: أراد الطحاوي بالقوم هؤلاء: عامر الشعبي ومحمد بن أبي ذئب وبعض أهل المدينة، وخالفهم الآخرون وهم جمهور الفقهاء من التابعين ومن بعدهم منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم فإنهم قالوا: إذا نفى الرجل ولد امرأته يلاعن وينتفي نسبه منه ويلزم أمه، انتهى مختصرًا.

(36 -‌

‌ باب قول الإمام: اللَّهم بين)

قال ابن العربي: ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط؛ بل معناه أن تلد ليظهر الشبه ولا يمتنع دلالتها بموت الولد مثلًا فلا يظهر البيان، والحكمة فيه ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما وقع لما يترتب على ذلك من القبح ولو اندرأ الحد، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(37 -‌

‌ باب إذا طلقها ثلاثًا ثم تزوجت بعد العدة زوجًا غيره فلم يمسّها)

أي: هل تحلّ للأول إن طلقها الثاني بغير مسيس، قاله الحافظ

(2)

.

قال العيني

(3)

: وجواب "إذا" محذوف، أي: لا تحل للأول إلا بطلاق الزوج الثاني وكان قد وطئها، وهذا لا خلاف فيه إلا سعيد بن المسيب

(1)

"فتح الباري"(9/ 461).

(2)

"فتح الباري"(9/ 464).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 331 - 239).

ص: 629

فإنه قال: الصحيح كافٍ ويحصل به التحليل للزوج الأول، ولم يوافقه على هذا أحد إلا طائفة من الخوارج، وقيل: إن ابن المسيب رجع عن مذهبه، وقال الحسن البصري: الإنزال شرط، وزعم أن معنى العسيلة الإنزال، وخالفه سائر الفقهاء، فقالوا: التقاء الختانين يحلها للزوج الأول، انتهى مختصرًا.

قال القسطلاني

(1)

: وليس المراد طلاق الملاعن لأن الملاعنة لا تعود للذي لاعن منها ولو تزوجت عشرة سواء وطئها أو لم يطأها، انتهى.

قلت: وهكذا في "الفتح" وهو الصواب، وتوهم العلامة العيني فشرح الترجمة بطلاق الملاعن.

ثم لا يخفى عليك أن هذا الباب لا تعلق له باللعان بل هو متعلق بالعدة، ولذا قال الحافظ

(2)

:

(تنبيه): لم يفرد كتاب العدة عن كتاب اللعان فيما وقفت عليه من النسخ، ووقع في شرح ابن بطال قبل الباب الذي يلي هذا وهو "باب {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4]: "كتاب العدة"، ولبعضهم:"أبواب العدة"، والأولى إثبات ذلك هنا فإن هذا الباب لا تعلق له باللعان، ثم ذكر ما تقدم عن القسطلاني.

* * *

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 106)، وانظر:"فتح الباري"(9/ 464).

(2)

"فتح الباري"(9/ 464).

ص: 630

68‌

‌ م - كتاب العدّة

هكذا في هامش النسخ الهندية معلمًا بعلامة النسخة وهكذا في نسخة "العيني" بلفظ "كتاب العدة" وليس في متن النسخ الهندية ولا في نسخة "الفتح" و"القسطلاني"، وتقدم بيان اختلاف النسخ في الباب السابق.

قال العلامة العيني

(1)

: والعدة اسم لمدة تتربص بها المرأة عن الزوج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بالولادة أو بالأقراء أو بالأشهر، قلت: العدة مصدر من عدّ يعدّ يقال: عددت الشيء إذا أحصيته، وفي الشرع: هي تربص، أي: انتظار مدة تلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهه، إلى آخر ما بسط.

(38 -‌

‌ باب قوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق:

4])

قال الحافظ

(2)

: "باب" لأبي ذر وكريمة، وثبت للباقين، ووقع عند ابن بطال "كتاب العدة، باب قول الله. . ." إلخ، انتهى. وتقدم أيضًا ذكر اختلاف النسخ تحت الباب السابق.

قوله: (قال مجاهد: إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن) أي: فسر قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: لم تعلموا، وقوله:"واللائي قعدن عن الحيض" أي: حكمهن حكم اللائي يئسن، وقوله:"واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر" أي: أن حكم اللائي لم يحضن أصلًا ورأسًا حكمهن في العدة حكم اللائي يئسن، فكان تقدير الآية، واللائي لم يحضن كذلك لأنها وقعت بعد قوله:{فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} وأثر مجاهد هذا وصله الفريابي، وتقدم بيانه

(1)

"عمدة القاري"(14/ 333).

(2)

"فتح الباري"(9/ 470).

ص: 631

في تفسير سورة الطلاق، إلى آخر ما ذكر الحافظ

(1)

في تفسير الآية وبيان الاختلاف.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(2)

: قوله: "إن لم تعلموا يحضن. . ." إلخ، أي: اشتبه عليكم علمه بانجرار الدم من الاستحاضة وغيره، انتهى.

وقال القسطلاني

(3)

: قوله: "واللائي قعدن عن الحيض" أي: كبرن وصرن عجائز، وقوله:"واللائي لم يحضن"، أي: أصلًا وهن الصغار اللائي لم يبلغن سنَّ الحيض، انتهى.

فعلى هذا المذكور ههنا ثلاثة أقسام: الأولى: التي اشتبه أمرها بانجرار الدم. الثانية: العجوز التي بلغت سنّ الإياس. والثالثة: الصغيرة التي لم تبلغ سنّ الحيض.

قال القسطلاني

(4)

: وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس وهو اثنتان وستون سنة أهو دم حيض أو استحاضة فعدتهن ثلاثة أشهر، وإذا كانت عدة المرتابات بها فغير المرتابات أولى، والأكثرون على أن المعنى: إن ارتبتم في الحكم لا في اليأس، انتهى.

فحصل في تفسير الآية ثلاثة أقوال: الأول: المذكور في البخاري من قول مجاهد. والثاني والثالث ما حكاهما القسطلاني.

وفي هامش "اللامع"

(5)

: قال ابن كثير: وفي قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} قولان: أحدهما وهو قول طائفة من السلف كمجاهد والزهري: أي: إن رأين دمًا وشككتم في كونه حيضًا أو استحاضة وارتبتم فيه. والقول الثاني: إن ارتبتم في حكم عدتهن ولم تعرفوه فوق ثلاثة أشهر، وهذا مروي

(1)

"فتح الباري"(9/ 470).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 385).

(3)

"إرشاد الساري"(12/ 107).

(4)

"إرشاد الساري"(12/ 107).

(5)

"لامع الدراري"(9/ 385).

ص: 632

عن سعيد بن جبير وهو اختيار ابن جرير وهو أظهر في المعنى، انتهى.

قلت: وهذا الثاني هو المعنى الأخير المتقدم في كلام القسطلاني الذي نسبه إلى الأكثر.

ثم اعلم أنه اختلفت الأئمة في عدة المستحاضة فعن مالك فيه روايتان: إحداهما سنة مطلقًا، والثانية إن كانت مميزة فعدتها بالأقراء، وإلا فبالسُّنَّة، وفي مسلك الإمام أحمد تفاصيل كثيرة بسطت في "الأوجز"

(1)

جملتها: أنها إن كانت مميزة أو معتادة فتعتد بالأقراء، وإن كانت مبتدئة أو ناسية فعن أحمد فيها روايتان: إحداهما أن عدتها ثلاثة أشهر، والثانية تعتد سنة، وأما عندنا الحنفية فقال محمد في "موطئه": المعروف عندنا أن عدتها على أقرائها التي كانت تجلس فيما مضى، وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا، انتهى من هامش "اللامع"

(2)

.

(39 -‌

‌ باب {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:

4])

يتناول المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن، قاله القسطلاني

(3)

.

وقال أيضًا تحت حديث الباب: وهو مخصِّص كآية الطلاق لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] ثم قال: وهذا قد أجمع عليه جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار إلا ما روي عن علي أنها تعتد آخر الأجلين، يعني: إن وضعت قبل الأربعة الأشهر والعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع، وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع، وبه قال ابن عباس لكن روي أنه رجع عنه، انتهى.

(1)

"أوجز المسالك"(11/ 353 - 355).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 385 - 396).

(3)

"إرشاد الساري"(12/ 107 - 109).

ص: 633

قال الحافظ

(1)

: وبه، أي: بقول علي، قال ابن عباس، ويقال: إنه رجع عنه، ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك، وتقدم في تفسير الطلاق أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنكر على ابن سيرين القولَ بانقضاء عدتها بالوضع، وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك، وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجماعة حتى كان يقول: من شاء لاعنته على ذلك، وقد وافق سحنون من المالكية عليًا، نقله المازري وغيره، وهو شذوذ مردود لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع، والسبب الحامل له الحرصُ على العمل بالآيتين اللتين تعارض عمومهما، وقال ابن عبد البر: لولا حديث السبيعة لكان القول ما قال علي وابن عباس؛ لأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها فلا تخرج من عدتها إلا بيقين واليقين آخر الأجلين، انتهى ملخصًا من "الفتح".

وتقدم الكلام على مسألة الباب في تفسير سورة البقرة أيضًا.

(40 -‌

‌ باب قول الله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:

228])

قال العلامة القسطلاني

(2)

: سقط لفظ "باب" لأبي ذر، قوله:"قال إبراهيم فيمن تزوج في العدة" تزويجًا فاسدًا "فحاضت عنده" أي: عند الثاني "بانت" بانقضاء هذه العدة "من" الزوج "الأول ولا تحتسب به" بالحيض "لمن بعده" لمن بعد الأول بل تعتد أخرى للثاني فلا تداخل لتعدد المستحق فتعتد لكل واحد منهما عدة كاملة، وروى المدنيون عن مالك: إن كانت حاضت حيضة أو حيضتين من الأول أنها تتم بقية عدتها منه ثم تستأنف عدة أخرى، وهو قول الشافعي وأحمد، "وقال الزهري: تحتسب"

(1)

"فتح الباري"(9/ 474).

(2)

"إرشاد الساري"(12/ 110).

ص: 634

بالحيض الثاني كالأول فيكفي لهما عدة واحدة وهو قول الحنفية ورواية عن مالك، انتهى.

قال العيني

(1)

: هذه مسألة اجتماع العدتين فنقول أولًا: إن العلماء مجمعون على أن الناكح في العدة يفسخ نكاحه ويفرق بينهما، فإذا تزوج في العدة فحاضت عنده ثلاث حيض بانت من الأول لأنها عدتها منه، ثم ذكر نحو ما تقدم عن القسطلاني.

وفي هامش "اللامع"

(2)

: بسط الكلام على المسألة في "الأوجز" وفيه: وعن "المبسوط" للسرخسي بعد ذكر مذهب الحنفية: وهو قول معاذ بن جبل، وقال الجصاص: وهو قول إبراهيم النخعي، انتهى.

(41 -‌

‌ باب قصة فاطمة بنت قيس. . .) إلخ

سقط لفظ "باب" في نسخة الحافظ، وقال

(3)

: كذا للأكثر ولبعضهم "باب" وبه جزم ابن بطال والإسماعيلي، وفاطمة هي بنت قيس بن خالد من بني محارب بن فهر بن مالك، وهي أخت الضحاك بن قيس الذي ولي العراق ليزيد بن معاوية، وقتل بمرج راهط، وهو من صغار الصحابة وهي أسن منه، وكانت من المهاجرات الأُول، وكان لها عقل وجمال وتزوجها أبو عمرو بن حفص، ويقال: أبو حفص بن عمرو، فخرج مع علي لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فبعث إليها بتطليقة ثالثة بقيت لها، وأمر ابني عميه الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة أن يدفعا لها تمرًا وشعيرًا، فاستقلّت ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها:"ليس لك سكنى ولا نفقة" هكذا أخرج مسلم قصتها من طرق متعددة عنها ولم أرها في البخاري، وإنما ترجم لها كما ترى، وأورد أشياء من قصتها بطريق الإشارة إليها

(1)

"عمدة القاري"(14/ 336).

(2)

"لامع الدراري"(9/ 386)، وانظر:"أوجز المسالك"(10/ 447).

(3)

"فتح الباري"(9/ 477، 478).

ص: 635

ووهم صاحب "العمدة" فأورد حديثها بطوله في المتفق، انتهى.

قال العيني

(1)

: ثم العلماء اختلفوا في الباب في فصلين: الأول: أن المطلقة ثلاثًا تجب لها النفقة ولا السكنى عند قوم إذا لم تكن حاملًا وهم الحسن البصري وطاوس وعطاء بن أبي رباح وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر، وقال قوم: لها النفقة والسكنى حاملًا أو غير حامل، وهم حماد وشريح والنخعي والثوري وأبو حنيفة وصاحباه وهو مذهب عمر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وقال قوم: لها السكنى بكل حال والنفقة إذا كانت حاملًا وهم عبد الرحمن بن مهدي ومالك والشافعي، إلى آخر ما ذكر من الدلائل.

وفي "الأوجز"

(2)

: اختلفوا في مسألة النفقة والسكنى للمعتدة ففي "التعليق الممجد": اختلف العلماء في هذا الباب فذهب عمر بن الخطاب من الصحابة وآخرون وبه قال أصحابنا: أن للمطلقة المبتوتة النفقة والسكنى في العدة وإن لم تكن حاملًا، وقال ابن عباس وأحمد: لا نفقة لها ولا سكنى، وقال مالك والشافعي وغيرهما: يجب السكنى دون النفقة وأما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع والأصح وجوب السكنى، وأما المطلقة الرجعية فيجب لها النفقة والسكنى، انتهى.

وفي "البذل" عن "البدائع": أن المعتدة عن طلاق رجعي لها النفقة والسكنى بلا خلاف؛ لأن ذلك النكاح قائم فكان الحال بعد الطلاق كالحال قبله، وإن كان الطلاق ثلاثًا أو بائنًا فلها النفقة والسكنى إن كانت حاملًا بالإجماع، انتهى.

وقال النووي: المطلقة الحائل البائن لها النفقة والسكنى عند أبي حنيفة، وقال أحمد: لا نفقة لها ولا سكنى، وقال مالك والشافعي:

(1)

"عمدة القاري"(14/ 339).

(2)

"أوجز المسالك"(11/ 311 - 314)، وانظر:"التعليق الممجد"(2/ 558).

ص: 636

يجب لها السكنى لا النفقة، وأما البائن الحامل فتجب لها السكنى والنفقة، والرجعية تجبان لها بالإجماع، والمتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع، والأصح عندنا وجوب السكنى لها، ولو كانت حاملًا فالمشهور أنه لا نفقة لها كما لو كانت حائلًا، انتهى، إلى آخر ما بسط فيه.

وفي آخره: وقد علمت مما سبق أن السكنى للمبتوتة وإن لم تكن حاملًا تجب عندنا الحنفية، وبه قال مالك والشافعي وهو رواية لأحمد، والأخرى له وهو ظاهر مذهبه أن لا سكنى لها، وبه قال داود، أما إن كانت حاملًا فلا خلاف بين أهل العلم في وجوب السكنى، انتهى.

قال العيني

(1)

: والفصل الثاني في حكم خروج المبتوتة بالطلاق من بيتها في عدتها، روي ذلك عن ابن مسعود وعائشة، وبه قال ابن المسيب قالوا: تعتد في بيت زوجها حيث طلقها، وحكى أبو عبيد هذا القول عن مالك والثوري والكوفيين، وأنهم كانوا يرون أن لا تبيت المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إلا في بيتها، وفيه قول آخر أن المبتوتة تعتد حيث شاءت، روي ذلك عن ابن عباس وجابر وعطاء وطاوس والحسن وعكرمة، وكان مالك يقول: المتوفى عنها زوجها تزور وتقيم إلى قدر ما يهدأ الناس بعد العشاء ثم تنقلب إلى بيتها وهو قول الليث والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: تخرج المتوفى عنها نهارًا ولا تبيت إلا في بيتها، ولا تخرج المطلقة ليلًا ولا نهارًا، قال محمد: لا تخرج المطلقة ولا المتوفى عنها زوجها ليلًا ولا نهارًا في العدة، وقام الإجماع على أن الرجعية تستحق السكنى والنفقة إذ حكمها حكم الزوجات في جميع أمورها، انتهى.

وفي "الأوجز"

(2)

: اعلم أن ههنا ثلاثة مسائل كلها خلافية وطالما تلتبس إحداهما بالأخرى على نقلة المذاهب: الأولى: وجوب سكنى المتوفى عنها على الزوج يعني في ماله، الثانية: خروجها عن بيت العدة ليلًا

(1)

"عمدة القاري"(14/ 339، 340).

(2)

"أوجز المسالك"(11/ 344 - 417).

ص: 637

أو نهارًا لحوائجها، والثالثة: الاعتداد في بيتها الذي بلغها فيه نعيه سواء كانت السكنى عليها أو على زوجها، ثم بسط الكلام على تلك المسائل واختلاف العلماء فيها.

أما المسألة الأولى فقد تقدم آنفًا، وأما الثانية وهي أيضًا خلافية شهيرة قال الموفق: للمعتدة الخروج في حوائجها نهارًا سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها، انتهى.

وقال محمد في "موطئه": المتوفى عنها تخرج بالنهار في حوائجها ولا تبيت إلا في بيتها، وأما المطلقة مبتوتة كانت أو غير مبتوتة فلا تخرج ليلًا أو نهارًا ما دامت في عدتها، انتهى.

وقال مالك: تخرج المبتوتة أيضًا بالنهار لقضاء الحاجة وإنما تلزم بيتها في الليل، وسواء في ذلك الرجعية والبائنة، وقال الشافعي في الرجعية: لا تخرج ليلًا ولا نهارًا وإنما تخرج نهارًا المبتوتة، كذا قال ابن رسلان، وهكذا حكى الزرقاني مذهب مالك، انتهى من "الأوجز".

وتقدم أيضًا بيان الاختلاف في سكنى المتوفى عنها ونفقتها في التفسير في "باب قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} ".

(42 -‌

‌ باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها. . .) إلخ

قال العلامة القسطلاني

(1)

: وجواب "إذا" محذوف والتقدير: تنتقل إلى مسكن غير مسكن الطلاق، قال في "الفتح": وقد أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الأمرين: إما خشية الاقتحام عليها، وإما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش في القول، ولم ير أن بين الأمرين في قصة فاطمة معارضة لاحتمال وقوعهما معًا في شأنها.

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 116).

ص: 638

وقال الكرماني: فإن قلت: لم يذكر البخاري ما شرط في الترجمة من البذاء، قلت: علم من القياس على الاقتحام، والجامع بينهما رعاية المصلحة وشدة الحاجة إلى الاحتراز عنه، وقال شارح التراجم: ذكر في الترجمة الخوف عليها والخوف منها والحديث يقتضي الأول وقاس الثاني عليه، ويؤيده قول عائشة لها في بعض الطرق "أخرجك هذا اللسان" فكأن الزيادة لم تكن على شرطه فضمنها للترجمة قياسًا، انتهى.

(43 -‌

‌ باب قول الله: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] من الحيض والحمل)

قال الحافظ

(1)

رحمه الله: كذا للأكثر، وهو تفسير مجاهد، وفصل أبو ذر بين {أَرْحَامِهِنَّ} وبين "من" بدائرة إشارة إلى أنه أريد به التفسير، لا أنها قراءة، وأخرج الطبري عن طائفة أن المراد به الحيض، وعن آخرين الحمل، وعن مجاهد كلاهما، والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار على الحيض والطهر، والاطلاع على ذلك يقع من جهة النساء غالبًا، جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك، وقد تقدم بيان مدة أكثر الحيض وأقله في كتاب الحيض والاختلاف في ذلك، انتهى.

وفي هامش النسخة "الهندية"

(2)

عن "الخير الجاري": قوله: "كئيبة" أي: حزينة، وهذا موضع الترجمة إذ يفهم منه أنها أظهرت حيضها، انتهى.

وقال القسطلاني

(3)

: قال ابن المنيِّر: لما رتب صلى الله عليه وسلم على مجرد قول صفية: أنها حائض تأخيره عن السفر أخذ منه تعدي الحكم إلى الزوج فتصدق المرأة في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج وسقوطها وإلحاق الحمل به، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 482).

(2)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 761).

(3)

"إرشاد الساري"(12/ 117).

ص: 639

(44 -‌

‌ باب قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة:

228])

قال القسطلاني

(1)

: جمع بعل، والتاء لاحقة لتأنيث الجمع، أي: أزواجهن أولى برجعتهن ما كن في العدة، فإذا انقضت العدة احتيج لعقد جديد، انتهى.

قال الحافظ

(2)

: وقال ابن بطال ما ملخصه: المراجعة على ضربين: إما في العدة فهي على ما في حديث ابن عمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بمراجعتها، ولم يذكر أنه احتاج إلى عقد جديد، وإما بعد العدة فعلى ما في حديث معقل، وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها، ولو كرهت المرأة ذلك، فإن لم يراجع حتى انقضى العدة فتصير أجنبية، فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف، واختلف السلف فيما يكون به الرجل مراجعًا، فذكر نحو ما سيأتي من كلام العيني.

قوله: (وكيف يراجع) قال العيني

(3)

: جزء آخر للترجمة، ولم يذكر جواب المسألة، إما بناء على عادته اعتمادًا على معرفة الناظر بذلك، وإما اكتفاء بما يعلم من أحاديث الباب، واختلفوا فيما يكون به مراجعًا، فقالت طائفة: إذا جامعها فقد راجعها، روي ذلك عن ابن المسيب والأوزاعي، وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وقالا أيضًا: إذا لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة من غير قصد الرجعة فهي رجعة، وينبغي أن يشهد، وقال مالك وإسحاق: إذا وطئها في العدة وهو يريد الرجعة، وجهل أن يشهد فهي رجعة، وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد، وقال ابن أبي ليلى: إذا راجع ولم يشهد صحت الرجعة، وهو قول أصحابنا أيضًا، والإشهاد مستحب، وقال الشافعي: لا تكون الرجعة إلا بالكلام فإن جامعها بنية الرجعة فلا رجعة، ولها عليه مهر المثل، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 117).

(2)

"فتح الباري"(9/ 483).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 347).

ص: 640

(45 -‌

‌ باب مراجعة الحائض)

أي: إذا طلقت طلاقًا غير بائن، واختلفوا في وجوب هذه المراجعة وعدمه، كما تقدم في مبدء كتاب الطلاق من أنها واجبة عند مالك والحنفية وأحمد في رواية، وقال الجمهور: هي مستحبة، وفي "المغني"

(1)

: فإن طلق للبدعة - وهو أن يطلقها حائضًا، أو في طهر أصابها فيه - أثم، ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، ثم قال: ويستحب أن يراجعها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، وأقل أحوال الأمر الاستحباب، ولا يجب ذلك في ظاهر المذهب، وهو قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى أنها تجب وهو قول مالك وداود، انتهى مختصرًا.

(46 -‌

‌ باب تحدّ المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرًا)

تُحِدّ بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة من الثلاثي المزيد فيه، من أحدّ تحدّ إحدادًا، وهو لغةً: المنع، واصطلاحًا: ترك المتوفى عنها زوجها في عدة الوفاة لُبسَ مصبوغ بما يقصد لزينة، إلى آخر ما ذكر القسطلاني

(2)

.

وبسط الحافظ الكلام عليه لغة، وقال

(3)

: يروى بالجيم حكاه الخطابي، قال: يروى بالحاء والجيم، وبالحاء أشهر، والجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، فكأن المرأة انقطعت عن الزينة، انتهى.

قوله: (وقال الزهري: لا أرى أن تقرب الصبية. . .) إلخ، وفي هامش النسخة "الهندية"

(4)

عن الكرماني: اختلفوا في الصغيرة التي مات عنها زوجها فقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها، وقال الأئمة الثلاثة: عليها الإحداد يأمرها به من يتولاها، انتهى.

(1)

"المغني"(10/ 327، 328).

(2)

"إرشاد الساري"(12/ 120).

(3)

"فتح الباري"(9/ 485).

(4)

"صحيح البخاري بحاشية السهارنفوري"(10/ 767).

ص: 641

وهكذا حكى العيني عن الكرماني.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"

(1)

: قوله: "لا أرى أن تقرب الصبية. . ." إلخ، يعني بذلك: أنها وإن لم تكن مكلَّفة بذلك إلا أن الأولياء ليس لهم التلبس بما يحرم على المعتدة، فلا يجوز لهم إلباسها مزعفرًا ولا معصفرًا وغير ذلك مما نهي عنه، فإن لبست هي بنفسها أو تطيبت كانت غير مأخوذة، وعلى هذا التقرير لا يخالف مذهبه مذهب الأحناف، انتهى.

وفي هامشه: قال الحافظ: قوله: "لأن عليها العدة" أظنه من تصرف المصنف، فإن أثر الزهري وصله ابن وهب في "موطئه" عن يونس عنه بدونها، انتهى.

(47 -‌

‌ باب الكحل للحادة)

قال ابن التِّين: الصواب الحادّ بلا هاء؛ لأنه نعت للمؤنث كطالق وحائض، ثم رد الحافظ عليه بأنه جائز، وليس بخطأ، ثم ردّ العيني على الحافظ ثم أجاب عنه القسطلاني فارجع إليه

(2)

.

ومسألة الباب خلافية، قال الموفق

(3)

: يحرم عليها أن تختضب وأن تكتحل بالإثمد من غير ضرورة لرواية أم سلمة وغيرها؛ ولأن الكحل من أبلغ الزينة وتحرك الشهوة فهي كالطيب وأبلغ منه، وإن اضطرت إلى الكحل بالإثمد للتداوي فلها أن تكتحل ليلًا وتمسحه نهارًا، ورخص فيه عند الضرورة عطاء والنخعي ومالك وأصحاب الرأي وإنما منع من الكحل

(1)

"لامع الدراري"(9/ 386، 387).

(2)

انظر: "فتح الباري"(9/ 490)، و"عمدة القاري"(14/ 352)، و"إرشاد الساري"(12/ 127).

(3)

"المغني"(11/ 285).

ص: 642

بالإثمد لأنه الذي تحصل به الزينة، فأما الكحل بالتوتيا

(1)

ونحوه فلا بأس به لأنه لا زينة فيه، انتهى مختصرًا.

وقال النووي

(2)

: في حديث الباب دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا، وجاء في حديث أم سلمة في "الموطأ" وغيره:"اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار" ووجه الجمع أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل، وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل، انتهى مختصرًا.

وقال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقًا، وعنه: يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه، وبه قالت الشافعية مقيدًا بالليل، كذا في "الفتح"، قال الباجي: قال ابن المواز عن مالك: إن اكتحلت من علة وضرورة بالصبر بالليل فلتمسحه بالنهار، وقال مالك في "المختصر الصغير": لا تكتحل الحاد إلا أن تضطر فتكتحل بالليل وتمسحه بالنهار، انتهى مختصرًا من "الأوجز"

(3)

.

وفي "الدر المختار"

(4)

: وتحد بترك الكحل والحناء ولبس المعصفر والمزعفر إلا بعذر، إذ الضرورات تبيح المحظورات، قال ابن عابدين: وقيد بعض الشافعية الاكتحال للعذر بكونه ليلًا ثم تنزعه نهارًا، كما وردت في الحديث، ولم أر من قيد بذلك من علمائنا، وكأنه معلوم من قاعدة: إن الضرورة تتقدر بقدرها، لكن إن كفاها الليل أو النهار اقتصرت على الليل ولا تعكس؛ لأن الليل أخفى لزينة الكحل، وهو محمل الحديث، والله سبحانه أعلم، انتهى.

(1)

التوتيا: تكون في المعادن، منها بيضاء، ومنها إلى الخضرة، ومنها إلى الصفرة مشرب بحمرة، وهي جيدة لتقوية العين، "الجامع لمفردات الأدوية"(1/ 143).

(2)

"شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 255).

(3)

"أوجز المسالك"(11/ 473 - 475).

(4)

"رد المحتار"(5/ 218، 219).

ص: 643

(48 -‌

‌ باب القُسْطِ للحادة عند الطهر)

قال العيني

(1)

: أي: هذا باب في بيان استعمال القسط للمرأة الحادة عند طهرها من الحيض إذا كانت ممن تحيض، والقسط بضم القاف وسكون السين: وهو عود يتبخر به، وقال ابن الأثير: القسط: ضرب من العود، ثم قال العيني تحت حديث الباب: مطابقته للترجمة في قوله: "من كست" لأنه القسط فأبدلت الكاف من القاف والتاء من الطاء، وقد مر بيانه مستقصى في كتاب الحيض في "باب الطيب للمرأة عند غسلها من الحيض" فإنه أخرج هذا الحديث هناك بعين هذا الإسناد والمتن.

وقال النووي: القسط والأظفار: نوعان معروفان من البخور، وليسا من مقصود الطيب، ورخص فيهما لإزالة الرائحة لا للتطيب، انتهى.

(49 -‌

‌ باب تلبس الحادّة ثياب العصب)

بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وبالباء الموحدة: وهو برود اليمن يعصب غزلها، أي: يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج، فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال: برد عصب وبرود عصب بالتنوين والإضافة، وقيل: هي برود مخططة، قال ابن الأثير: فيكون نهي المعتدة عما صبغ بعد النسج، انتهى من كلام العيني

(2)

.

وقال الحافظ

(3)

: قوله: "إلا ثوب عصب" وهي برود اليمن يعصب غزلها، أي: يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبًا وإنما يعصب السدي دون اللحمة، ثم ذكر أقوالًا أخر في تفسيره، وقال أيضًا: قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفر ولا المصبغ إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن، وكره عروة العصب، وكره مالك غليظه.

(1)

"عمدة القاري"(14/ 354).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 355).

(3)

"فتح الباري"(9/ 491).

ص: 644

قال النووي: الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقًا، وهذا الحديث حجة لمن أجازه، وقال ابن دقيق العيد: يفهم من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغ وهي ثياب البيض، ومنع بعض المالكية المرتفع منها الذي يتزين به، وكذلك الأسود إذا كان مما يتزين به.

قال النووي: ورخص أصحابنا فيما لا يتزين به ولو كان مصبوغًا، انتهى.

والحاصل أنها لا تلبس العصب عند الحنفية مطلقًا وهو الأصح عند الشافعي كما قال النووي، وقوله الآخر: إنه يجوز مطلقًا، وأجاز الإمام مالك غليظه دون رقيقه كما صرَّح بذلك في "موطئه"، وعن أحمد فيه روايتان: إحداهما - وهو الأصح - أنه يحرم، قال الموفق

(1)

: وما صبغ غزله ثم نسج فيه احتمالان: إحداهما: يحرم لبسه لأنه أرفع وأحسن ولأنه مصبوغ للحسن فأشبه ما صجغ بعد نسجه، والثاني: لا يحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا ثوب عصب" وهو ما صبغ غزله قبل نسجه، والأول أصح، انتهى.

(50 -‌

‌ باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} الآية [البقرة:

234])

قد تقدم تبويب المصنف بهذه الترجمة في كتاب التفسير في تفسير سورة البقرة، وتقدم هناك الكلام على المسألة وبيان مسلك الجمهور ومذهب ابن عباس وعطاء ومجاهد في تلك المسألة بالبسط فارجع إليه لو شئت.

(51 -‌

‌ باب مهر البغي والنكاح الفاسد)

البغي بكسر المعجمة وتشديد التحتانية بوزن فعيل من البغاء وهو الزنا، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والتقدير: ومهر من نكحت في النكاح

(1)

"المغني"(11/ 289).

ص: 645

الفاسد، أتي: بشبهة من إخلال شرط أو نحو ذلك، انتهى

(1)

.

وقال العيني

(2)

: قوله: "والنكاح الفاسد" وأنواعه كثيرة كالنكاح بلا، شهود، وبلا ولي عند البعض، ونكاح المعتدة، والنكاح الموقت، والشغار عند البعض ونحوها.

قوله: (وقال الحسن: إذا تزوج محرمة. . .) إلخ، بضم الميم وتشديد الراء: امرأة محرمة عليه، وفي رواية المستملي "محرمه" بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء والميم وبالضمير، وقوله:"ولها ما أخذت" أي: من الرجل يعني صداقها المسمى، "وليس لها غيره" وهو قول مالك المشهور، قوله:"ثم قال" أي: الحسن "بعد" أي: بعد أن قال: وليس له غيره "لها صداقها" يعني صداق مثلها، وسائر الفقهاء على هذين القولين فطائفة تقول بصداق المثل، وطائفة تقول بالمسمى، وأما من تزوج محرمة وهو عالم بالتحريم فقال مالك وأبو يوسف ومحمد والشافعي: عليه الحد ولا صداق في ذلك، وقال الثوري وأبو حنيفة: لا حد عليه وإن علم يعزر، انتهى.

(52 -‌

‌ باب المهر للمدخول عليها وكيف الدخول)

[*]

قال العيني

(3)

: عطف على ما قبله، أي: وفي بيان كيفية الدخول، يعني: بم يثبت بين العلماء؟ فقالت طائفة: إذا أغلق بابًا وأرخى سترًا على المرأة فقد وجب الصداق كاملًا والعدة، وهو قول الكوفيين والليث والأوزاعي وأحمد، وقالت طائفة: لا يجب المهر إلا بالمسيس، أي: الجماع، وإليه ذهب الشافعي وأبو ثور، وقال ابن المسيب: إذا دخل بالمرأة في بيتها صدق عليها، وإن دخلت عليه في بيته صدقت عليه وهو قول مالك.

قوله: (أو طلقها قبل الدخول والمسيس) قال ابن بطال: تقديره:

(1)

انظر: "فتح الباري"(9/ 494).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 357، 358).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 359).

[*] تعليق الشاملة: كان ترقيم هذا الباب خطأ في المطبوع، فصححناه

ص: 646

أو كيف طلاقها؟ فاكتفى بذكر الفعل عن ذكر المصدر لدلالته عليه، انتهى.

وإنما ذكر اللفظين أعني الدخول والمسيس إشارة إلى المذهبين: الاكتفاء بالخلوة، والاحتياج إلى الجماع إنتهى كله من "العيني".

وقال الحافظ

(1)

في بيان مسألة الباب: قال الكوفيون: الخلوة الصحيحة يجب معها المهر كاملًا سواء وطء أم لم يطأ، إلا إن كان أحدهما مريضًا أو صائمًا أو محرمًا أو كانت حائضًا فلها النصف وعليها العدة كاملًا، وذهب الشافعي وطائفة إلى أن المهر لا يجب كاملًا إلا بالجماع، انتهى.

(53 -‌

‌ باب المتعة للتي لم يفرض لها)

قال الحافظ

(2)

: وتقييده في الترجمة بالتي لم يفرض لها قد استدل له بقوله في الآية: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} الآية [البقرة: 236] وهو مصير منه إلى أن "أو" للتنويع، فنفى الجناح عمن طلقت قبل المسيس فلا متعة لها لأنها نقصت عن المسمى فكيف يثبت لها قدر زائد عمن فرض لها قدر معلوم مع وجود المسيس، وهذا أحد قولي العلماء وأحد قولي الشافعي أيضًا، وعن أبي حنيفة: تختص المتعة بمن طلقها قبل الدخول ولم يسم لها صداقًا، وقال الليث: لا تجب المتعة أصلًا وبه قال مالك، وذهبت طائفة من السلف إلى أن لكل مطلقة متعة من غير استثناء، وعن الشافعي مثله، وهو الراجح، وكذا تجب في كل فرقة إلا في فرقة وقعت بسبب منها، انتهى.

وقال العيني

(3)

: قوله: "لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 236]. . ." إلخ، استدل البخاري بهذه الآية على وجوب المتعة لكل مطلقة مطلقًا وهو قول سعيد بن جبير وغيره واختاره ابن جرير، وقوله:

(1)

"فتح الباري"(9/ 496).

(2)

"فتح الباري"(9/ 496).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 360، 361).

ص: 647

" {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241]. . ." إلخ، أي: ولقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ} الآية، واستدل البخاري أيضًا بعموم هذه الآية في وجوب المتعة لكل مطلقة مطلقًا، انتهى.

قلت: وأجاب الجصاص

(1)

عن الجمهور بقوله: فإن قيل: قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَات مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} الآية، عام في سائرهن إلا ما خصه الدليل، قيل له: هو كذلك إلا أن المتاع اسم لجميع ما ينتفع به؛ قال الله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ} [عبس: 31، 32] وقال تعالى: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [آل عمران: 197] وغير ذلك من الآيات، فالمتعة والمتاع اسم يقع على جميع ما ينتفع به ونحن متى أوجبنا للمطلقات شيئًا مما ينتفع به من مهر أو نفقة فقد قضينا عهدة الآية، إلى آخر ما ذكر.

ثم لم أتحصل ما قاله العيني من أن البخاري قائل بالعموم والحال أن المصنف قيد في الترجمة بقوله: للتي لم يفرض لها، فتأمل.

ثم المذكور في الآية شيئان: أحدهما: عدم المسيس وهو واضح، والثاني: تسمية المهر بقوله: {تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] ولم يتعرض المصنف في الترجمة للأول منهما، وتعرض للثاني بقوله: للتي لم يفرض لها، والظاهر أن المصنف أشار بذلك إلى أن الشيء الثاني منهما داخل تحت النفي، واختلف فيه أقوال المفسرين كما في "الجمل" وغيره، قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن"

(2)

في تفسير هذه الآية: تقديره: ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة، ألا ترى أنه عطف عليه قوله:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] فلو كان الأول بمعنى: ما لم تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة أو لم تفرضوا، لَمَا عطف عليها المفروض لها، فدل ذلك على أن معناه: ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة، ثم ذكر تفصيل الخلاف في المسألة.

(1)

"أحكام القرآن"(1/ 432).

(2)

"أحكام القرآن"(1/ 427 - 428).

ص: 648

وقال أيضًا: وأما فقهاء الأمصار فإن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا قالوا: المتعة واجبة للتي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرًا، وقال ابن أبي ليلى وأبو الزناد: المتعة ليست واجبة إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ولا يجبر عليها، ولم يفرقا بين المدخول بها وبين غير المدخول بها، وبين من سمى لها وبين من لم يسم لها، وهكذا ذكر مذهب مالك وقال في مذهب مالك أنه قال: وإنما هي مما ينبغي أن يفعله فلا يجبر عليها، وقال الشافعي: المتعة واجبة لكل مطلقة ولكل زوجة إذا كان الفراق من قبله إلا التي سمى لها وطلق قبل الدخول، انتهى مختصرًا.

قوله: (ولم يذكر في الملاعنة متعة) قال الحافظ

(1)

: قد تقدمت أحاديث اللعان مستوفاة الطرق، وليس في شيء منها للمتعة ذكر، فكأنه تمسك في ترك المتعة للملاعنة بالعدم، انتهى.

ولم يذكر الحافظ ولا العلامة العيني ولا القسطلاني اختلاف الأئمة فيه، نعم قال الجصاص

(2)

: قال مالك: وليس للملاعنة متعة على حال من الحالات، ولم يذكر فيه خلاف غيره من الأئمة، وأما عندنا الحنفية فاللعان لا ينافي وجوب المتعة لأن اللعان في حكم التطليقة البائنة وضابطة وجوب المتعة عندنا ما في "البدائع"

(3)

إذ قال: الطلاق الذي تجب فيه المتعة نوعان: أحدهما: أن يكون قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه ولا فرض بعده، والثاني: أن يكون قبل الدخول في نكاح لم يسم فيه المهر وإنما فرض بعده، وقال أيضًا بحثًا على مسائل المتعة: وكذا الفرقة بالإيلاء واللعان والجب والعنة، فكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه فتوجب المتعة، إلى آخر ما ذكر.

وفي "الدر المختار"

(4)

: وتجب متعة لمفوضة وهي من زوّجت بلا مهر

(1)

"فتح الباري"(9/ 496).

(2)

"أحكام القرآن"(1/ 428).

(3)

بدائع الصنائع" (2/ 601، 602).

(4)

"رد المحتار"(4/ 243، 244).

ص: 649

طلقت قبل الوطء، قال ابن عابدين: قوله: طلقت قبل الوطء، أي: والخلوة، وقد مرَّ أنها وطء حكمًا، والمراد بالطلاق فرقة جاءت من قبل الزوج ولم يشاركه صاحب المهر في سببها طلاقًا كانت أو فسخًا كالطلاق والفرقة بالإيلاء واللعان والجب والعنة والردة وإبائه الإسلام، إلى آخر ما ذكر.

وفي "الأنوار" في فروع الشافعية في بيان من تجب لها المتعة: وكل فراق يحصل في الحياة من جهته لا بسبب من جهتها كالطلاق، وكل فراق منها أو بسببها فلا متعة لها وإن لم يجب لها مهر، انتهى.

لكن لم أجد فيه تصريح اللعان ثم وجدت في "شرح الإقناع"

(1)

حيث قال: وفرقة لا بسببها بأن كانت من الزوج كردته ولعانه كطلاق في إيجاب المتعة، انتهى.

وأما مذهب الحنابلة كمذهب مالك أنه لا متعة لها، ففي "نيل المآرب"

(2)

: ويسقط الصداق كله قبل الدخول حتى المتعة بفرقة اللعان قبل تقريره لكون الفرقة من قبلها؛ لأن الفسخ إنما يقع إذا تم لعانها، إلى آخر ما ذكر.

فالحاصل: أنهم اختلفوا في وجوب المتعة للملاعنة فعندنا الحنفية والشافعية: الملاعنة كالمطلقة فتجب فيما تجب للمطلقة، وعند المالكية والحنابلة: لا متعه لها.

ثم البراعة في قوله: "أبعد لك منها" عند الحافظ، وأما عندي ففي قوله:"حسابكما على الله".

* * *

(1)

"شرح الإقناع"(2/ 138).

(2)

"نيل المآرب"(2/ 194).

ص: 650

69 -

‌ كتاب النفقات

قال العلامة القسطلاني

(1)

: جمع نفقة، مشتقة من النفوق وهو الهلاك، يقال: نفقت الدابة تنفق نفوقًا: هلكت، وأنفق الرجل افتقر وذهب ماله، أو من النفاق وهو الرواج، يقال: نفقت السلعة نفاقًا راجت، وفي الشرع: عبارة عما وجب لزوجة أو قريب أو مملوك، وجمعها لاختلاف أنواعها من نفقة زوج وقريب ومملوك، انتهى مختصرًا.

وسيأتي الكلام على وجوب النفقة في باب مستقل.

(1 -‌

‌ باب فضل النفقة على الأهل)

وقع في النسخ الهندية هكذا، واختلفت النسخ ههنا كما ذكره الشرَّاح، وفي نسخ الشروح الثلاثة "كتاب النفقات، وفضل النفقة على الأهل".

قال القسطلاني

(2)

في شرح حديث الباب: قوله: "كانت له صدقة" أي: كالصدقة في الثواب وإلا لحرمت على الهامشي والمطلبي، والصارف له عن الحقيقة الإجماع، وإطلاق الصدقة على النفقة مجاز، والمراد بها الثواب، فالتشبيه واقع على أصل الثواب لا في الكمية ولا في الكيفية، إلى آخر ما بسط.

وقال الحافظ

(3)

: قال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب، والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده، ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي أفضل من صدقة التطوع، انتهى.

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 139).

(2)

"إرشاد الساري"(12/ 140).

(3)

"فتح الباري"(9/ 498).

ص: 651

(2 -‌

‌ باب وجوب النفقة على الأهل والعيال)

قال القسطلاني

(1)

: الأهل الزوجة، وقوله:"والعيال" من عطف العام على الخاص، وعيال الرجل من يقوم بهم وينفق عليهم، وبدأ بالزوجة لأنها أقوى لوجوبها بالمعاوضة وغيرها بالمواساة؛ ولأنها لا تسقط بمضي الزمان والعجز بخلاف غيرها، ولوجوبها سببان: نسب وملك، يجب بالنسب خمس نفقات: نفقة الأب الحر وآبائه وأمهاته، ونفقة الأم الحرة وآبائها وأمهاتها، ونفقة الأولاد الأحرار وأولادهم بشرط يسار المنفق بفاضل عن قوته وقوت زوجته وخادمها وخادمه وولده يومه وليلته، ويعتبر مع القوت الكسوة والسكنى، ويجب بالملك خمس أيضًا، إلى آخر ما بسط.

وقال الحافظ

(2)

: الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص، أو المراد بالأهل الزوجة والأقارب والمراد بالعيال الزوجة والخدم، فتكون الزوجة ذكرت مرتين تأكيدًا لحقها، ووجوب نفقة الزوجة دليله الإجماع، قال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع، ودليله من السُّنَّة حديث جابر عند مسلم "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج وانعقد الإجماع على الوجوب، لكن اختلفوا في تقديرها فذهب الجمهور إلى أنها بالكفاية، والشافعية وطائفة إلى أنها بالأمداد، ووافق الجمهورَ من الشافعية أصحابُ الحديث كابن خزيمة وابن المنذر ومن غيرهم أبو الفضل بن عبدان، إلى آخر ما بسط، انتهى مختصرًا ملتقطًا.

(3 -‌

‌ باب حبس الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال)

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه حديث عمر وهو مطابق لركن الترجمة

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 143).

(2)

"فتح الباري"(9/ 500).

(3)

"فتح الباري"(9/ 503).

ص: 652

الأول، وأما الركن الثاني وهو كيفية النفقة على العيال فلم يظهر لي أولًا وجه أخذه من الحديث، ولا رأيت من تعرض له، ثم رأيت أنه يمكن أن يؤخذ منه دليل التقدير لأن مقدار نفقة السَّنَة إذا عرف عرف منه توزيعها على أيام السَّنَة، فيعرف حصة كل يوم من ذلك فكأنه قال: لكل واحدة في كل يوم قدر معين من النخل المذكور، والأصل في الإطلاق التسوية، انتهى.

وسيأتي في كتاب الأطعمة "باب ما كان السلف يدخرون. . ." إلخ، ولا يتوهم التكرار لاختلاف الأغراض، فالأوجه عند هذا العبد الضعيف أن الغرض من هذا الباب بيان ندب نفقة العيال لسنة لكونه فعله صلى الله عليه وسلم ومداومة عليه، والغرض من الباب الآتي الردّ على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادخار طعام لغد، وأنه ينافي التوكل، وما ورد في الترمذي من حديث أنس من أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئًا لغد لا ينافي الجواز، أو مخصوص بذاته الشريفة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر شيئًا من التبر في الصلاة فيتخطى الناس حتى يأمر بقسمته، كما ورد في مواضع من البخاري، وهذا هو الجدير بشأنه الرفيع صلى الله عليه وسلم كما هو أهله، انتهى من هامش "اللامع"

(1)

.

وقال الحافظ

(2)

: قال ابن دقيق العيد: في الحديث جواز الادخار للأهل قوت سنة، وفي السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث:"كان لا يدخر شيئًا لغد" فيحمل على الادخار لنفسه، وحديث الباب على الادخار لغيره، إلى آخر ما ذكر.

(4 -‌

‌ باب قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة:

233])

كذا في النسخ الهندية و"العيني" و"القسطلاني"، وأما في نسخة "الفتح" فهذا الباب متأخر عن الباب الآتي.

قال العيني

(3)

: وهذه الترجمة وقعت في رواية النسفي بعد الباب الذي

(1)

"لامع الدراري"(9/ 387، 388).

(2)

"فتح الباري"(9/ 503).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 372).

ص: 653

يليه قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} خبر ومعناه أمر لما فيه من الإلزام، أي: لترضع الوالدات أولادهن، يعني: الأولاد من أزواجهن وهن أحق، وليس ذلك بإيجاب إذا كان المولود له حيًّا موسرًا في قوله تعالى في سورة النساء القصرى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وأكثر المفسرين على أن المراد بالوالدات هنا المبتوتات فقط، وقام الإجماع على أن أجر الرضاع على الزوج إذا خرجت المطلقة من العدة، واختلفوا في ذات الزوج هل تجبر على رضاع ولدها؟ قال ابن أبي ليلى: نعم ما كانت امرأته، وهو قول مالك وأبي ثور، وقال الثوري والكوفيون والشافعي: لا يلزمها رضاعه وهو على الزوج على كل حال، وقال ابن القاسم: تجبر على رضاعه إلا أن يكون مثلها لا ترضع، فذلك على الزوج.

قوله: ({وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]) ذكر هذه الآية الكريمة إشارة إلى قدر المدة التي يجب فيها الرضاع، قوله:"وقال {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]. . ." إلخ، أشار بهذه الآية الكريمة إلى مقدار الإنفاق وأنه بالنظر لحال المنفق، انتهى من "العيني".

وقال العلامة القسطلاني

(1)

: قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} وهذا الأمر على وجه الندب، أو على وجه الوجوب إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه، أو لم يوجد له ظئر، أو كان الأب عاجزًا عن الاستئجار، أو أراد الوالدات المطلقات، وإيجاب النفقة أو الكسوة لأجل الرضاع، قوله:"قال: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} " أي: تضايقتم فلم ترض الأم بما ترضع به الأجنبية ولم يزد الأب على ذلك {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} فستؤجر ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه، وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة، وقوله:" {لَهُ} " أي: للأب، أي: سيجد الأب غير معاسرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه، وفيه أنه لا يجب على الأم إرضاع ولدها، نعم عليها إرضاعه اللبأ - بالهمزة والقصر -

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 150، 151).

ص: 654

بأجرة وبدونها لأنه لا يعيش غالبًا إلا به وهو اللبن أول الولادة، وله إجبار أمته على إرضاع ولدها منه أو من غيره لأن لبنها ومنافعها له بخلاف الحرة، انتهى.

وقال الحافظ

(1)

في شرح ترجمة الباب: قيل: دلت الآية الأولى على إيجاب الإنفاق على المرضعة من أجل إرضاعها الولد سواء كان في العصمة أم لا؟ وفي الثانية الإشارة إلى قدر المدة التي يجب ذلك فيها، وفي الثالثة الإشارة إلى مقدار الإنفاق وأنه بالنظر لحال المنفق، وفيها أيضًا الإشارة إلى أن الإرضاع لا يتحتم على الأم، انتهى.

(5 -‌

‌ باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها)

قال القسطلاني

(2)

: إذا غاب الزوج الموسر عن زوجته فليس لها فسخ النكاح لتمكنها من تحصيل حقها بالحاكم، فيبعث قاضي بلدها إلى قاضي بلده فيلزمه بدفع نفقتها إن علم موضعه، واختار القاضي الطبري وابن الصباغ جواز الفسخ لها إذا تعذر تحصيلها في غيبته للضرورة، ولو انقطع خبره ثبت لها الفسخ لأنّ تعذر النفقة بانقطاع خبره كتعذرها بالإفلاس، نقله الزركشي عن صاحبي "المهذب" و"الكافي" وأقره، وأما نفقة الولد فتجب بشرط الحاجة والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة، انتهى.

وقال العيني

(3)

بعد الحديث الأول من حديثي الباب: مطابقته للترجمة ظاهرة في نفقة الولد فقط لأن أبا سفيان كان حاضرًا في المدينة، وقال بعد الحديث الثاني: قيل: لا وجه لإيراد هذا الحديث في هذا الباب فلا مطابقة بينه وبين الترجمة، وأجيب بأنه كما كان للمرأة أن تتصدق من مال زوجها من غير أمره بما تعلم أنه يسمح لمثله وهو غير واجب كان لها أن تأخذ من ماله بما يجب عليه بالطريق الأولى، وهذا هو الجامع بين الحديثين، وهذا القدر كاف في المطابقة، انتهى.

(1)

"فتح الباري"(9/ 504).

(2)

"إرشاد الساري"(12/ 152).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 371).

ص: 655

(6 -‌

‌ باب عمل المرأة في بيت زوجها)

الظاهر عندي أن المصنف أشار بالترجمة إلى مسألة خلافية شهيرة، وهي استخدام المرأة، قال ابن رسلان في شرح حديث عائشة:"كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لأغسله": قد يستدل به على أن على الزوجة خدمة زوجها لا سيما إذا طلب منها، واختلف العلماء فيه فمذهب الشافعي: ليس عليها الخدمة لأن العقد يتناول الاستمتاع لا الخدمة، وقال بعض المالكية: عليها خدمة مثلها: إن كانت شريفة المحل فعليها التدبير للمنزل، وإن كانت متوسطة فعليها أن تفرش الفراش وتناول الشراب، وإن كانت دون ذلك فعليها التكنس والتطبخ، قال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] انتهى.

قال الموفق: وليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطبخ وأشباهه، نص عليه أحمد، وقال أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني: عليها ذلك، واحتجا بقصة علي وفاطمة، انتهى مختصرًا.

وفي "الدر المختار": امتنعت المرأة من الطحن والخبز إن كانت ممن لا تخدم، أو كان بها علة فعليه أن يأتيها بطعام مهيأ، وإن لا بأن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك لا يجب عليه ولا يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك لوجوبه عليها ديانة ولو شريفة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قسم الأعمال بين علي وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي والداخل على فاطمة رضي الله عنهما مع أنها سيدة نساء العالمين، قال ابن عابدين: قال السرخسي: لا تجبر ولكن إذا لم تطبخ لا يعطيها الإدام وهو الصحيح، انتهى

(1)

.

(7 -‌

‌ باب خادم المرأة)

أي: هل يشرع ويلزم الزوج إخدامها؟ ذكر فيه حديث علي المذكور في الباب الذي قبله، وسياقه أخصر منه، قاله الحافظ

(2)

، ثم قال:

(1)

انظر: "لامع الدراري"(9/ 388، 389).

(2)

"فتح الباري"(9/ 507).

ص: 656

وحكى ابن حبيب عن أصبغ وابن الماجشون عن مالك أن خدمة البيت تلزم المرأة ولو كانت الزوجة ذات قدر وشرف إذا كان الزوج معسرًا، قال: ولذلك ألزم النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بالخدمة الباطنة، وعليًّا بالخدمة الظاهرة، وحكى ابن بطال أن بعض الشيوخ قال: لا نعلم في شيء من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على فاطمة بالخدمة بالباطنة وإنما جرى الأمر بينهم على ما تعارفوه من حسن العشرة وجميل الأخلاق، بل الإجماع منعقد على أن على الزوج مؤنة الزوجة كلها، ونقل الطحاوي الإجماع على أن الزوج ليس له إخراج خادم المرأة من بيته، فدل على أنه يلزمه نفقة الخادم على حسب الحاجة إليه، وقال الشافعي والكوفيون: يفرض لها ولخادمها النفقة إذا كانت ممن تخدم، وشذ أهل الظاهر فقالوا: ليس على الزوج أن يخدمها ولو كانت بنت الخليفة، انتهى مختصرًا.

(8 -‌

‌ باب خدمة الرّجل في أهله)

حمل العلامة القسطلاني

(1)

هذه الترجمة على بيان الجواز، ولذا قدّر لفظ الجواز فقال: باب جواز خدمة الرجل بنفسه، ولم يتعرض لذلك الحافظان، نعم قال العيني

(2)

في ذكر فوائد الحديث: وفيه أن خدمة الدار وأهله سُنَّة عباد الله الصالحين، انتهى.

وهذا يومئ إلى الاستحباب، وهو الظاهر عند هذا العبد الضعيف.

(9 -‌

‌ باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ. . .) إلخ

أي: مع حضور الزوج، فلا تكرار بما تقدم من "باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها" أو يقال: إن الغرض من الترجمة الأولى بيان

(1)

انظر: "إرشاد الساري"(12/ 156).

(2)

"عمدة القاري"(14/ 376).

ص: 657

وجوب النفقة مطلقًا سواء كان الزوج حاضرًا أو غائبًا، والغرض من هذه الترجمة أن الزوج إذا لم يعطيها النفقة فماذا تفعل، هل تأخذ بغير إذنه أم لا؟

قال الحافظ

(1)

: أخذ المصنف هذه الترجمة من حديث الباب بطريق الأولى؛ لأنه دل على جواز الأخذ لتكملة النفقة، وكذا يدل على جواز أخذ جميع النفقة عند الامتناع، ثم ذكر الحافظ فوائد عديدة في شرح الحديث فقال: وفيه وجوب نفقة الزوجة، وأنا مقدرة بالكفاية، ثم ذكر الخلاف فيه، وقد تقدم في باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، ثم قال: وفيه اعتبار النفقة بحال الزوجة، وهو قول الحنفية، واختار الخصاف منهم أنها معتبرة بحال الزوجين معًا، قال صاحب "الهداية": وعليه الفتوى، والحجة فيه ضم قوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الآية [الطلاق: 7] إلى هذا الحديث، وذهبت الشافعية إلى اعتبار حال الزوج تمسكًا بالآية، وهو قول بعض الحنفية، واستدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه، وهو قول الشافعي وجماعة، وتسمى مسألة الظفر، والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه إلا إذا تعذر حق جنسه، وعن أبي حنيفة المنع، وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه إلا أحد النقدين بدل الآخر.

وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء، وعن أحمد المنع مطلقًا، انتهى.

وقد تقدمت هذه المسألة في أبواب المظالم والقصاص فإنه قد ترجم المصنف هناك على حديث الباب بقوله: قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، فارجع إليه لو شئت.

(1)

"فتح الباري"(9/ 507 - 510).

ص: 658

(10 -‌

‌ باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة عليه)

المراد بذات اليد المال وعطف النفقة عليه من عطف الخاص على العام، ووقع في شرح ابن بطال "والنفقة عليه" وزيادة لفظ عليه غير محتاج إليها في هذا الموضع، وليست من حديث الباب في شيء، انتهى من "الفتح"

(1)

.

(11 -‌

‌ باب كسوة المرأة بالمعروف)

هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم من حديث جابر المطول في صفة الحج، ومن جملته في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة:"اتقوا الله في النساء، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ولما لم يكن على شرط البخاري أشار إليه، واستنبط الحكم من حديث آخر على شرطه، قال ابن المنيِّر: وجه مطابقة الحديث أن الذي حصل لزوجته فاطمة رضي الله عنها من الحلة قطعة فرضيت بها اقتصادًا بحسب الحال لا إسرافًا، وأما حكم المسألة فقال ابن بطال: أجمع العلماء على أن للمرأة مع النفقة على الزوج كسوتها وجوبًا، انتهى من "الفتح"

(2)

.

(12 -‌

‌ باب عون المرأة زوجها في ولده)

كأنه استنبط قيام المرأة على ولد زوجها من قيام امرأة جابر على أخواته، ووجه ذلك منه بطريق الأولى قال ابن بطال: وعون المرأة زوجها في ولده ليس بواجب عليها وإنما هو من جميل العشرة ومن شيمة صالحات النساء، انتهى من "الفتح"

(3)

.

(1)

"فتح الباري"(9/ 511).

(2)

"فتح الباري"(9/ 512، 513).

(3)

"فتح الباري"(9/ 513).

ص: 659

(13 -‌

‌ باب نفقة المعسر على أهله)

قال الحافظ

(1)

رحمه الله بعد ذكر استنباط الترجمة عن ابن بطال: والذي يظهر أن الأخذ من جهة اهتمام الرجل بنفقة أهله حيث قال لما قيل له: تصدق به، فقال: أعلى أفقر منا؟ فلولا اهتمامه بنفقة أهله لبادر وتصدق، انتهى.

قلت: أراد الإمام البخاري بالترجمة أن إعسار الزوج لا يسقط عنه النفقة على أهله.

(14 -‌

‌ باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:

233])

قال ابن بطال ما ملخصه: اختلف السلف في المراد بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فقال ابن عباس: عليه أن لا يضار، وبه قال الشعبي ومجاهد، والجمهور قالوا: ولا غرم على أحد من الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث، وقال آخرون: على من يرث الأب مثل ما كان على الأب من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له، ثم اختلفوا في المراد بالوارث فقال الحسن والنخعي: هو كل من يرث الأب من الرجال والنساء، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو من كان ذا رحم محرم للمولود دون غيره، وقال زيد بن ثابت: إذا خلف أمًّا وعمًّا فعلى كل منهما إرضاع الولد بقدر ما يرث، وبه قال الثوري، قال ابن بطال: وإلى هذا القول أشار البخاري بقوله: "وهل على المرأة منه شيء" ثم أشار إلى رده بقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} [النحل: 76] فنزل المرأة من الوارث منزلة الأبكم من المتكلم، انتهى مختصرًا من "الفتح"

(2)

.

وقال الكرماني

(3)

: قال شارح التراجم: مقصود البخاري الرد على

(1)

"فتح الباري"(9/ 514).

(2)

انظر: "فتح الباري"(9/ 514، 515).

(3)

"شرح الكرماني"(20/ 16).

ص: 660

من أوجب النفقة الإرضاع على الأم بعد الأب، وذلك لأن الأم كل على الأب ومن تجب النفقة له كيف تجب عليه لغيره، وحمل حديث أم سلمة على التطوع لقوله:"لك أجر" وحديث هند إذا أباح لها أخذها من ماله دلّ عليه سقوطها عنه فكذلك بعد وفاته، قال: وفي استدلاله نظر، إلى آخر ما بسطه، انتهى مختصرًا من هامش "اللامع"

(1)

.

وقال القسطلاني

(2)

: قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ} عطف على قوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] أي: وعلى وارث الصبي عند عدم الأب مثل الذي كان على أبيه في حياته من الرزق والكسوة وأجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له، واختلف في الوارث فعند ابن أبي ليلى: كل من ورثه، وهو قول أحمد، وعند الحنفية: من كان ذا رحم محرم منه، وقال الجمهور: لا غرم على أحد من الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث، وقال زيد بن ثابت: إذا خلف أمًّا وعمًّا فعلى كل واحد منهما إرضاع الولد بقدر ما يرث، وإليه أشار المؤلف بقوله:"وهل على المرأة" أي: الأم "منه" أي: من إرضاع الصبي "شيء" وهل ههنا للنفي وأشار به إلى الردّ على قول زيد.

ثم قال القسطلاني بعد حديث الباب: وغرض المؤلف أنه لما لم يلزم الأمهات نفقة الأولاد في حياة الآباء فالحكم مستمر بعد الآباء ويقويه قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} أي: رزق الأمهات وكسوتهن من أجل الإرضاع للأبناء فكيف يجب لهن في أوّل الآية ويجب عليهن نفقة الأبناء في آخرها، قاله في "الفتح"، انتهى.

(15 -‌

‌ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ترك كلًّا أو ضياعًا فإلي)

قال الحافظ

(3)

: ذكر فيه حديث أبي هريرة من غير لفظ الترجمة، وأما لفظ الترجمة فأورده في الاستقراض من طريق أبي حازم عن أبي هريرة،

(1)

"لامع الدراري"(9/ 389، 390).

(2)

"إرشاد الساري"(12/ 162 - 164).

(3)

"فتح الباري"(9/ 516).

ص: 661

وأراد المصنف بإدخاله في أبواب النفقات الإشارةَ إلى أن من مات وله أولاد ولم يترك لهم شيئًا فإن نفقتهم تجب في بيت مال المسلمين، والله أعلم، انتهى.

(16 -‌

‌ باب المراضع من المواليات وغيرهن)

قال العلامة القسطلاني

(1)

: بفتح الميم في الفرع كأصله، والذي في معظم الروايات "من الموالي"، انتهى.

وفي "شرح شيخ الإسلام"

(2)

: بفتح الميم جمع مولاة وهي الأمة، انتهى.

وبسط الشرَّاح من الحافظين ابن حجر والعيني الكلام في تحقيق هذا اللفظ، قال العلامة العيني

(3)

: قال ابن بطال: كانت العرب في أوّل أمرها تكره رضاع الإماء وتحبّ العربيات طلبًا لنجابة الولد، فأراهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد رضع من غير العرب وأن رضاع الإماء لا يهجن.

قوله: (وقال شعيب عن الزهري. . .) إلخ، تعليق مرّ في حديث موصول في أوائل كتاب النكاح وأراد بذكره ههنا إيضاح أن ثويبة كانت مولاة ليطابق الترجمة، انتهى.

وبراعة الاختتام كما تقدم في مقدمة "اللامع" في قوله: أعتقها أبو لهب.

وبه تم الجزء الخامس فالحمد لله أولًا وآخرًا، والصلاة والسلام على رسوله سرمدًا ودائمًا.

* * *

(1)

"إرشاد الساري"(12/ 165).

(2)

"تحفة الباري"(5/ 423).

(3)

"عمدة القاري"(14/ 382، 383).

ص: 662