المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدمة الحمد لله الواحد القهار، خلق الداء والدواء والمنافع والمضار، بيده - الأحكام الشرعية المتعلقة بالوباء والطاعون مع دراسة فقهية للأحكام المتعلقة بفيروس كورونا

[هيثم الحمري]

فهرس الكتاب

‌المقدمة

الحمد لله الواحد القهار، خلق الداء والدواء والمنافع والمضار، بيده الخير والشر، والنفع والضر، والنهي والأمر، لا إله إلا هو العزيز الغفار، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقدوة المتوكلين، وعلى آله وصحبه الأبرار.

أما بعد:

فهذه ورقات يسيرة، جمعت فيها ما يحتاجه السائلون، في أحكام الوباء والطاعون، وذلك بعد تفشي الأوبئة، وكثرة انتشارها في هذه الأزمنة، ومن آخرها ما حل في البلاد الصينية، وانتشر في شتى بقاع الكرة الأرضية، حتى حل بالبلاد العربية، من الفيروس الموسوم بـ «فيروس كورونا» .

فاستعنت بالله في جمع ما تفرق، وتأليف ما تشتت، من مسائل هذا الباب وأحكامه، مع الحرص على الإيجاز والاختصار، والبعد عن التفصيل والإكثار، لعل ما كتبته يكون فاتحة للعلماء والباحثين، لمزيد من البحث والتنقيب، والتحرير والتقريب، لمسائل هذا الباب وأحكامه

(1)

،

(1)

وهذا ما حدث والحمد لله رب العالمين فقد ظهرت بعد كتابة هذا البحث كثير من الرسائل والأبحاث، وعقدت بعض المؤتمرات لمناقشة الأحكام الشرعية المستجدة في النازلة الحاصلة، ولعل القارئ يجد عذرا لي في عدم ذكر بعض المسائل التي لم تكن مطروقة على الساحة وقت كتابة البحث، وذلك لأن كتابته كانت في وقت مبكر، وهذه المسائل إنما استجدت فيما بعد، وقد سخر الله لها عدد من العلماء والباحثين الذين بينوا أحكامها، ووضحوا مسائلها، والحمد لله رب العالمين.

ص: 5

خصوصًا مع مسيس الحاجة إليه، وشح الكتابات فيه، والله أسأل العون والإمداد، والتوفيق والسداد، ومنه أرجو النفع والفائدة، والأجر والعائدة، فهو سبحانه خير مسئول، وأفضل مأمول.

وجعلته على فصول أربعة:

الفصل الأول: حقيقة الطاعون والوباء وفضله والمسائل المتعلقة بذلك.

الفصل الثاني: أحكام البلد المصاب بالطاعون والوباء والمسائل المتعلقة بذلك.

الفصل الثالث: سبل رفع الطاعون والوباء ودفعهما والمسائل المتعلقة بذلك.

الفصل الرابع: بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالوباء والطاعون.

أبو عبد العزيز هيثم بن قاسم الحمري

مملكة البحرين - حرسها الله -

الأربعاء 9/ 7/1441 هـ - الموافق 4/ 3/2020 م

للتواصل بالملحوظات:hq-1991@hotmail.com

ص: 6

الفصل الأول

في حقيقة الطاعون والوباء

وفضله والمسائل المتعلقة بذلك

ص: 7

•‌

‌ المسألة الأولى: تعريف الطاعون والوباء والفرق بينهما:

اختلف العلماء في تعريف الطاعون وتحديد ماهيته، ولهم في ذلك مسلكان اثنان:

‌المسلك الأول:

تعريف الطاعون بالمرض العام المهلك، وهذا التعريف عام يشمل كل مرض معد واسع الانتشار يؤدي للموت العام، وقد سلك هذا المسلك جمع من العلماء وأهل اللغة، وتنوعت عبارتهم في ذلك:

فمنهم من عبر عنه: بالمرض العام كما فعل ابن الأثير

(1)

، وابن منظور

(2)

، وصاحب المصباح المنير

(3)

.

ومنهم من عبر عنه بالوباء، كما فعل الجوهري

(4)

، وابن الملقن

(5)

، والكرماني

(6)

، والقرطبي

(7)

، والداوودي

(8)

، والفيروز آبادي

(9)

، والعيني

(10)

.

(1)

النهاية (3/ 127).

(2)

لسان العرب (13/ 267).

(3)

المصباح المنير (2/ 373).

(4)

الصحاح (6/ 2158).

(5)

التوضيح (6/ 434).

(6)

الكواكب الدراري (5/ 42، 9/ 69).

(7)

المفهم (3/ 757).

(8)

بذل الماعون (ص: 96).

(9)

القاموس المحيط (ص: 1213).

(10)

عمدة القاري (5/ 171).

ص: 9

وعبر عنه ابن العربي: بالوجع الغالب الذي يطفئ الروح

(1)

.

وقال أبو الوليد الباجي: مرض يعم كثيرًا من الناس في جهة من الجهات

ويكون مرضهم واحدًا

(2)

.

وقال ابن حزم: هو الموت الذي كثر في بعض الأوقات كثرة خارجة عن المعهود

(3)

.

وهذا المسلك هو الذي ارتضاه صاحب عون المعبود

(4)

، ومال إليه الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-

(5)

.

‌المسلك الثاني:

تعريف الطاعون بنوع خاص من الأوبئة المعدية القاتلة، وهو ما ينتج عنه القروح والبثور الجلدية، وانتفاخ الغدد وتوهجها، وغالبًا ما تكون هذه الأورام خلف الأذن والآباط واللحوم الرخوة.

وممن سلك هذا المسلك في تعريف الطاعون ابن عبد البر

(6)

، والنووي

(7)

،

(1)

المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 573).

(2)

المنتقى شرح الموطأ (7/ 198).

(3)

المحلى بالآثار (3/ 403).

(4)

عون المعبود وحاشية ابن القيم (8/ 255).

(5)

شرح رياض الصالحين (6/ 569).

(6)

الاستذكار (3/ 68).

(7)

تهذيب الأسماء واللغات (3/ 187).

ص: 10

والقاضي عياض

(1)

، وابن القيم

(2)

، وابن حجر العسقلاني

(3)

، وابن نجيم المصري

(4)

، والخرشي المالكي

(5)

، والزرقاني

(6)

، والغزالي

(7)

، والبندنيجي

(8)

، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث

(9)

.

وقد ذكر القاضي عياض

(10)

، ومثله ابن حجر العسقلاني

(11)

، وابن حجر الهيتمي

(12)

، أن الطاعون مع كون حقيقته مختصة بالمرض المذكور إلا أنه قد يطلق على غيره من الأوبئة بطريق المجاز؛ لاشتراكهما في عموم المرض به أو كثرة الموت

(13)

.

وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: «فناء أمتي بالطعن والطاعون» قالت: فقلت يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال:

(1)

إكمال المعلم (7/ 132).

(2)

الطب النبوي لابن القيم (ص: 31).

(3)

فتح الباري لابن حجر (10/ 180).

(4)

ضبط أهل النقل (ص: 4).

(5)

شرح مختصر خليل (4/ 155).

(6)

شرح الموطأ (1/ 463).

(7)

انظر: بذل الماعون (ص 98).

(8)

المصدر السابق (ص: 98).

(9)

المصدر السابق (ص: 95).

(10)

إكمال المعلم (7/ 132).

(11)

فتح الباري لابن حجر (10/ 180).

(12)

الفتاوى الكبرى (4/ 27).

(13)

فتح الباري (10/ 180) الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 27).

ص: 11

«غدة كغدة الإبل

»

(1)

.

ووصف النبي صلى الله عليه وسلم للطاعون بغدة كغدة البعير، يؤيد ما ذهب له الفريق الثاني من اختصاص الطاعون بالطاعون المشهور الذي يكون فيه تورم الغدد انتفاخها، ومما يؤيده كذلك: حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: «يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا عز وجل في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول الشهداء: إخواننا قتلوا كما قتلنا، ويقول المتوفون على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا على فرشنا، فيقول ربنا عز وجل: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراحهم جراح المقتولين، فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم»

(2)

؛ فوصف إصابتهم بالطاعون بالجروح يؤكد كذلك ما ذهب له الفريق الثاني، والله أعلم.

وإذا نظرنا لتعريف أهل الطب والاختصاص للطاعون، نجد أن الأطباء القدامى يعرفون الطاعون بما عرفه به أصحاب القول الثاني، وهو: الأورام والقروح التي تظهر على وجه مخصوص، كما نقل ذلك الذهبي وابن القيم في كتابيهما في الطب النبوي عن أهل الطب

(3)

، وهذا ما ذكره ابن سينا في كتابه قانون الطب حيث قال: «إذا

(1)

أحمد (26182)، صححه الألباني في الإرواء (1638).

(2)

أحمد (17159) والنسائي (3164) حسنه الألباني في صحيح الجامع (8046).

(3)

انظر: الطب النبوي للذهبي (ص: 265) والطب النبوي لابن القيم (ص: 30).

ص: 12

وقع الخراج في اللحوم الرخوة والمغابن وخلف الأذنين والأرنبة وكان من جنس فاسد سمي طاعونًا»

(1)

. وذكر ابن سينا أن الطاعون كان يطلق على كل ورم يكون في الأعضاء الغددية اللحم والخالية، ثم أصبح يطلق على كل ورم قتال

يعرض في أكثر الأمر في الأعضاء الضعيفة مثل الآباط والأربية وخلف الأذن

(2)

.

وأما في الطب المعاصر، فإن منظمة الصحة العالمية، وهي أعلى منظمات الصحة الدولية، تعرف الطاعون بأنه: مرض تسببه بكتيريا حيوانية المنشأ تدعى اليرسنية الطاعونية، وينتقل الطاعون عن طريق لدغ البراغيث المصابة أو بالملامسة أو بالرذاذ الخارج من الجهاز التنفسي للمصاب بالطاعون الرئوي.

وفي موقع وزارة الصحة للمملكة العربية السعودية: الطاعون هو مرض معدٍ شديد الخطورة تسببه بكتيريا، وينتقل عن طريق البراغيث؛ حيث كان يعد من الأمراض الوبائية شديدة الانتشار، والذي أودى بحياة الملايين في السابق.

وتجعل منظمة الصحة العالمية للطاعون ثلاثة أشكال رئيسة:

1 -

الطاعون العقدي (الدملي أو الدبلي)، وهو ينجم عن لدغة

(1)

القانون في الطب (1/ 108).

(2)

المصدر السابق (3/ 164).

ص: 13

برغوث مصاب بعدوى المرض وتظهر أعراضه في الجلد بظهور انتفاخات وأورام وقروح، وغالبًا ما تكون تحت الإبطين وأعلى الفخذ وخلف الأذنين والرقبة، وهذا النوع هو الأشهر، وهو المتعارف عليه قديمًا.

2 -

الطاعون الدموي تلوث الدم: وهو ينتج عن عدم علاج الطاعون الدبلي، حيث تنتشر العدوى في الدم وينخر الأنسجة ويحول لونها إلى الأسود، وتظهر القروح والأورام.

3 -

الطاعون الرئوي: وهو الذي يصيب الرئتين

(1)

.

‌والخلاصة في أقوالهم في مسألة التفريق بين المرض والوباء والطاعون:

أن أي إصابة في جسم الإنسان تسبب خللًا او اضطرابًا في شيء من وظائفه، تسمى (مرض)، ثم إن هذا المرض قد يقتصر تأثيره على الشخص المصاب وهو (المرض غير المعدي)، وقد يكون معديًا بحيث ينتقل لغيره وهو (المرض المعدي).

وهذا المرض المعدي إما أن يكون انتقاله محدودًا، فينتقل من الفرد المصاب إلى أشخاص محدودين في نطاق محدود على الوجه

(1)

راجع: الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية على الشبكة العنكبوتية، والمحتوى التثقيفي في الموقع الرسمي لوزارة الصحة في المملكة العربية السعودية، وانظر كذلك: بذل الماعون في فضل الطاعون (92 - 100) مع مقدمة المحقق ص: (22 - 23) ودائرة معارف القرن العشرين (5/ 737).

ص: 14

المعتاد، وإما أن يكون انتشاره سريعًا وواسعًا ويتفشى في المجتمع على خلاف العادة، فهذا الأخير هو الذي يعبر عنه أهل اللغة والطب بـ (الوباء)

(1)

، ثم إن انضاف لهذا الوباء أن يكون مع سعة انتشاره قاتلًا مميتًا، فهذا ما يرى كثير من أهل اللغة والفقه أنه يسمى (طاعونًا)، بينما يرى فريق آخر من العلماء وأهل اللغة أن الطاعون نوع خاص من أنواع الأوبئة الفتاكة، وهو ما ينتج عنه قروح وأورام رديئة تخرج على وجه مخصوص، فليس كل وباء فتاك يعتبر طاعونًا في اصطلاحهم.

وهذا القول في وجهة نظر الباحث هو الأقوى؛ وذلك لورود النص الشرعي الواضح في تفسير الطاعون به، كما سبق بيانه، قال ابن عبد البر رحمه الله:«وأما قوله: «المطعون شهيد» فهو الذي يموت في الطاعون، وقد جاء تفسير الطاعون في حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن فناء أمتي بالطعن والطاعون» قالت: أما الطعن فقد عرفناه، فما الطاعون؟ قال:«غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط من مات منه مات شهيدًا»

(2)

.

وبناء على الاختلاف في نظرة العلماء لمفهوم الطاعون، وقع

(1)

انظر في تعريف الوباء: العين (8/ 418) المحيط (2/ 85) النهاية (5/ 144) التعريفات (ص: 35) لسان العرب (1/ 189) مفاتيح العلوم (ص: 190) المجموع المغيث (3/ 377) معجم لغة الفقهاء (ص: 498) مختار الصحاح (ص: 332).

(2)

الاستذكار (3/ 69).

ص: 15

الاختلاف في تنزيل الأحكام الشرعية الواردة في الطاعون على كثير من الأمراض الفتاكة التي تنتشر بين الناس.

•‌

‌ المسألة الثانية: هل فيروس كورونا يعتبر طاعونًا:

بناء على ما تقدم من الاختلاف في تعريف الطاعون، يقع الخلاف في تصنيف (فيروس الكورونا) وغيره من الأوبئة المنتشرة هل تعد طاعونًا أم لا؟ وقد ذهب إلى أن (فيروس كورونا) في حكم الطاعون فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية، وفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد البدر، وفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي حفظهم الله جميعا، وسبق أن أفتى فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان في وباء أنفلونزا الخنازير بأنه في حكم الطاعون ومن مات فيه من أهل الإسلام كان شهيدًا، وإذا رجحنا هذا القول ونظرنا لما ذكره أهل الطب المعاصر في أشكال الطاعون فإن فيروس كورونا النازل يشبه أن يكون من النوع الثالث من أنواع الطاعون، ألا وهو الطاعون الرئوي، والله أعلم.

على أن الأظهر من أقوال أهل العلم كما سبق بيانه أن الطاعون نوع خاص من أنواع الأوبئة، ولا تنطبق أوصافه على فيروس كورونا المعاصر، كما جاء وصفه في السنة النبوية:«غدة كغدة البعير» ، ويؤكد هذا ما ذُكِرَ من دخول هذا الفيروس إلى المدينة النبوية قبل عدة سنين، وسيأتي بيان أن من خصائص الطاعون عدم دخول المدينة المنورة، والله أعلم.

ص: 16

•‌

‌ المسألة الثالثة: الطاعون وخز أعدائنا من الجن:

جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فناء أمتي بالطعن والطاعون» . فقيل: يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال:«وخز أعدائكم من الجن، وفي كل شهداء»

(1)

، والوخز: طعن غير نافذ.

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الطاعون منه ما يكون بسبب الجن، ومنه نوع آخر يكون بسبب الأدواء والتغيرات الطبيعية

(2)

، وذهب ابن حجر للجمع بين الأمرين فأصله من الجن وينتج عنه التغيرات الظاهرة في البدن

(3)

.

قال ابن القيم: «وهذه العلل والأسباب ليس عند الأطباء ما يدفعها، كما ليس عندهم ما يدل عليها، والرسل تخبر بالأمور الغائبة»

(4)

.

(1)

أحمد (19528)، وصححه الألباني الإرواء (1637).

(2)

انظر: بذل الماعون (ص: 106 - 107) ونسب هذا القول للكلاباذي في معاني الأخبار.

(3)

انظر: المصدر السابق (ص: 108)

(4)

زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 36): وقال رحمه الله: «في كون الطاعون وخز أعدائنا الجن حكمة بالغة، فإن أعداءنا منهم شياطينهم، وأما أهل الطاعة منهم فهم إخواننا، والله أمرنا بمعاداة أعدائنا من الجن والإنس، وأن نحاربهم طلبًا لمرضاته، فأبى أكثر الناس إلا مسالمتهم، فسلطهم عليهم عقوبة لهم، حيث استجابوا لهم حين أغووهم وأمروهم بالمعاصي والفجور والفساد في الأرض فأطاعوهم، فاقتضت الحكمة أن يسلطهم عليهم بالطعن فيهم، كما سلّط عليهم أعداءهم من الإنس، حيث أفسدوا في الأرض ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فهذه ملحمة من الإنس، والطاعون ملحمة من الجن، و كل منهما بتسليط العزيز الحكيم، عقوبة لمن يستحق العقوبة، وشهادة ورحمة لمن هو أهل لها، وهذه سُنة الله في العقوبات؛ تقع عامة فتكون طهرًا للمؤمنين وانتقامًا من الفاجرين» ا. هـ نقلًا عن بذل الماعون (ص: 153).

ص: 17

وقد جعل المفرقون بين الطاعون والوباء هذا الأمر من خصائص الطاعون، فالأوبئة تكون من الأسباب الظاهرة، بخلاف الطاعون فهو من وخز أعدائنا من الجن.

•‌

‌ المسألة الرابعة: منشأ الطاعون:

عن أسامة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الوجع رجز أو عذاب أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم»

(1)

، وفي رواية أخرجها الشيخان:«رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل»

(2)

، وفي رواية عند الشيخين:«ثم بقي بعد بالأرض، فيذهب المرة ويأتي الأخرى» ، وفي رواية عند مسلم:«الطاعون آية الرجز، ابتلى الله عز وجل به ناسًا من عباده» .

والرجز: العقوبة والعذاب، وذلك يكون بسبب الذنوب، وأعظم أسبابه ظهور الفواحش والمعاصي فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم»

(3)

، وهذا عام في الوباء والطاعون

(4)

.

ص: 18

•‌

‌ المسألة الخامسة: الحكمة من الطاعون:

الطاعون عذاب وعقوبة للكفار والعصاة، ورحمة لعباد الله المؤمنين يمحو الله به خطاياهم ويرفع به درجاتهم، وهو سبب لعودة العباد إلى ربهم، وإقبالهم على إصلاح أنفسهم، والإكثار من الصالحات والابتعاد عن السيئات، ويكرم الله من مات فيه من أهل الإيمان بالشهادة، قال صلى الله عليه وسلم:«فالطاعون شهادة لأمتي، ورحمة، ورجس على الكافر»

(1)

، وتشترك سائر الأوبئة مع الطاعون في هذه الحكم والغايات.

•‌

‌ المسألة السادسة: فضل من مات بسبب الطاعون:

في حديث أنس رضي الله عنه: «الطاعون شهادة لكل مسلم»

(2)

، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«المبطون شهيد، والمطعون شهيد»

(3)

.

وشرط الشهادة أن يكون المرء في مرضه صابرا محتسبا كما في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنه: «ما من عبد يكون في بلد يكون فيه، ويمكث فيه لا يخرج من البلد، صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا

(1)

أحمد (20767) وصححه الألباني في السلسلة (761) والوادعي في الصحيح المسند (1239).

(2)

متفق عليه.

(3)

البخاري.

ص: 19

ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد»

(1)

.

وهل ينطبق هذا على الموتى بفيروس كورونا ونحوه كأنفلونزا الطيور والخنازير؟ مسألة تبنى على الخلاف في مفهوم الطاعون الوارد في النصوص، على أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله نص على أن الطاعون سواء قيل إنه وباء معين، أو كل وباء عام مثل الكوليرا وغيرها، فإن من مات به يكتب له أجر الشهيد، إن مات صابرًا محتسبًا

(2)

، والذي يبدو أن مثل هذا الحكم الغيبي يحتاج إلى نص، والنص جاء خاصًا بالطاعون، وعليه فلا يشمل هذا سائر الأوبئة المشار إليها، لعدم الدليل على ذلك، ومثل هذا الأمر لا يدخله القياس فلا يتأتى الحكم عليهم بالشهادة إلا على مذهب من لا يفرق بين الوباء والطاعون، أو في حالة أن يلتحق بالوباء سبب آخر يدخل صاحبه في أصناف الشهداء، كأن ينتج عنه إصابة ذات الجنب أو البطن أو السل، فهذه الأصناف جاءت النصوص بحكم الشهادة لأصحابها، وقد نص ابن حجر الهيتمي على أن الميت بالوباء المجرد من غير الطاعون ليس بشهيد

(3)

، والله أعلم.

تنبيه: شهادة المطعون شهادة أخروية، وأما في الدنيا فيعامل معاملة سائر الموتى فيغسل ويصلى عليه

(4)

.

(1)

البخاري.

(2)

انظر: شرح رياض الصالحين (1/ 233).

(3)

الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 141).

(4)

صحيح مسلم بشرح النووي (13/ 63) عمدة القاري (21/ 261).

ص: 20

•‌

‌ المسألة السابعة: فضل الصابر المحتسب في زمن الطاعون ولو لم يمت به:

بوب البخاري في صحيحه: «باب أجر الصابر في الطاعون» ، ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني «كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد يكون فيه، ويمكث فيه لا يخرج من البلد، صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد»

(1)

.

قال ابن حجر: «اقتضى منطوقه أن من اتصف بالصفات المذكورة، يحصل له أجر الشهيد، وإن لم يمت بالطاعون، ويدخل تحته ثلاث صور: أن من اتصف بذلك: فوقع به الطاعون فمات به، أو وقع به ولم يمت به، أو لم يقع به أصلا ومات بغيره عاجلا أو آجلا»

(2)

.

وقال ابن حجر الهيتمي: «الميت به، بل وفي زمنه وإن لم يمت به،

(1)

البخاري.

(2)

فتح الباري (10/ 194) وقال في بذل الماعون: قال "فمن اتصف بهذه الصفات مثلًا فمات بغير الطاعون، فإن ظاهر الحديث أنه يحصل له أجر الشهيد

ويؤيده الرواية السابقة في حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ: «ومن مات في الطاعون فهو شهيد» ولم يقل: بالطاعون، فإن ظاهرها شاهد لما قلناه

و يتفرع من هذا: أن من اتصف بالصفات المذكورة، وذهب الطاعون ولم يمت به ولا في زمنه، هل يكون شهيدًا أو لا؟ ظاهر الحديث يعمّ، وفضل الله واسع، ونية المؤمن أبلغ من عمله ا. هـ وانظر: فيض القدير للمناوي (4/ 288).

ص: 21

بل وفي غير زمنه إذا مكث في بلده أيامه؛ صابرًا محتسبًا راضيًا بما ينزل به يكون شهيدًا»

(1)

. وهذا الحكم من خصائص الطاعون ولا يقاس عليه غيره.

•‌

‌ المسألة الثامنة: الطاعون لا يؤثر بنفسه:

الطاعون والعدوى لا تأثير لها بنفسها، وإنما تأثيرها بإذن الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا عدوى ولا طيرة»

(2)

. أي: لا عدوى مؤثرة بنفسها كما كان اعتقاد أهل الجاهلية، فالأمر لله أولًا وآخرًا، والأسباب لا تملك نفعًا ولا تأثيرًا إلا بإذن مسببها وهو الله رب العالمين، فنشر الخوف والهلع من هذه الأسباب ضعفٌ في التوكل واليقين، وهذا الحكم يشمل الوباء وسائر الأمراض.

(1)

الفتاوى الكبرى (1/ 141) وانظر حاشية البجيرمي (1/ 487) والدر المختار (2/ 252).

(2)

متفق عليه.

ص: 22

الفصل الثاني

في أحكام البلد المصاب بالطاعون

والمسائل المتعلقة بذلك

ص: 23

•‌

‌ المسألة الأولى: حكم الخروج من البلد المصاب بالطاعون فرارًا منه

.

لا يجوز خروج المرء من البلد المصاب بالطاعون فرارًا منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه»

(1)

، وذهب جمع من فقهاء المالكية إلى أن النهي للتأديب والإرشاد، والصواب: أن النهي في الحديث للتحريم، وهو قول جماهير العلماء، بل عده بعض العلماء من الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الفار من الطاعون كالفار من الزحف»

(2)

(3)

.

وهل هذا الحكم خاص بالطاعون أم أنه يعم كل وباء فتاك؟ سيأتي توضيح في المسألة الرابعة بإذن الله تعالى.

•‌

‌ المسألة الثانية: حكم الذهاب للبلد المصاب بالطاعون:

لا يجوز لمن كان في خارج البلد المصاب بالطاعون أن يقدم عليه؛ للحديث السابق، ولما في ذلك من إلقاء النفس للتهلكة، وهل يشمل ذلك الوباء؟ سيأتي توضيحه في المسألة الرابعة بإذن الله تعالى

(4)

.

(1)

متفق عليه.

(2)

أحمد (14478)، وصححه الألباني في الجامع (4276).

(3)

انظر: شرح مسلم (14/ 205 - 207) الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 285).

(4)

انظر: زاد المعاد (4/ 39).

ص: 25

•‌

‌ المسألة الثالثة: علة النهي عن الخروج من البلد المصاب بالطاعون:

اختلف العلماء في علة النهي عن الخروج من البلد المصاب بالطاعون أو الدخول إليه:

فمنهم من جعل الأمر تعبديًّا لا يعقل معناه، ومنهم من جعل العلة شرعية وهي تحقيق صدق التوكل على الله، وتفويض الأسباب إليه، والتسليم لقضائه وقدره وعدم الفرار منه، وعدم مخالفة الصبر المأمور به في هذه الحال، أو خشية وقوع الشرك والتعلق بالأسباب بحيث يظن أن الفرار هو الذي أنجاه أو أن الدخول هو الذي أهلكه ونحو ذلك.

ومنهم من جعل العلة متعلقة بمصلحة العباد، وهي خشية انتشار العدوى، أو خشية ألا يبقى للموتى من يجهزهم وللمرضى من يتعاهدهم ويقوم بأمرهم في البلد المصاب

(1)

.

•‌

‌ المسألة الرابعة: حكم الخروج من البلد المصاب بالوباء فرارًا منه:

الخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في علة النهي الوارد في النص، فعلى القول بأن علة النهي خشية انتشار العدوى فيمكن أن يقاس الوباء بالطاعون في هذه المسألة لاشتراكهما في العلة، ولا يتأتى قياس الوباء على الطاعون في العلل الأخرى؛ لعدم اطرادها، ولورود

(1)

انظر: بذل الماعون (ص: 302 - 306) والفتاوى الكبرى (4/ 27) الذخيرة للقرافي (13/ 325)

ص: 26

النصوص بالأمر بالفرار من أسباب الهلاك، ومواطن العطب.

ويشكل على هذا أن ابن حجر الهيتمي ذكر الإجماع على جواز الفرار من أرض الوباء بخلاف الطاعون، نقل حكاية الإجماع عن السيوطي وأقره

(1)

، ونقل عن السيوطي أن الطاعون مختص عن سائر الأوبئة بـ (كونه شهادة، ورحمة، وتحريم الفرار منه) والفرار من سائر الأوبئة والمهالك جائز بالإجماع

(2)

.

وسئل الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-: لو كان الوباء غير الطاعون، هل يخرج فرارًا؟ فأجاب: لا بأس، يخرج

(3)

.

وهذا يقتضي أن سائر الأوبئة لا تقاس بالطاعون في حكم دخول البلد المصاب به والخروج منه فرارًا.

وعلى القول باختصاص الطاعون بهذا الحكم، فإن الوباء إذا انتشر في بلد ما، وتحقق الضرر بالدخول إليه، أو بالخروج منه، فإنه يحرم الدخول إليه والخروج منه، لا على أنه طاعون، بل للضرر الناتج عن ذلك، وقاعدة الشريعة أنه: لا ضرر ولا ضرار، أما إن لم يتحقق الضرر فتحريم الخروج والدخول غير متجه، وذلك بخلاف الطاعون فعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فرارًا منه» يقتضي المنع من الخروج سواء تحقق الضرر بالخروج أم لا، والله أعلم.

(1)

الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 11)

(2)

المصدر السابق (4/ 11)

(3)

مسائل الإمام ابن باز (ص: 250)

ص: 27

•‌

‌ المسألة الخامسة: حكم الخروج من البلد المصاب بالطاعون أو الوباء لغرض غير الفرار:

الخروج من البلد المصاب بالطاعون لحاجة أو شغل أو غرض غير الفرار جائز، كالخروج للتداوي وطلب العلم ونحو ذلك، ومنه من قدم للبلد لدراسة أو تجارة أو مهمة ما وقد انتهت مهمته، فيجوز له أن يعود إلى بلده، ولا يلزمه أن يبقى؛ لأن المنع في الحديث مقيد بالخروج لغرض الفرار:«فلا تخرجوا فرارًا منه» ، وإذا كان هذا الحكم في البلد المصاب بالطاعون فالوباء من باب أولى

(1)

.

•‌

‌ المسألة السادسة: حكم الخروج من البلد المصاب بالطاعون لمن ثبت طبيًّا عدم إصابته به:

الخلاف في هذه المسالة مبني على الخلاف في المسألة السابقة وهي علة النهي عن الخروج من البلد، فلو جعلنا النهي عن الفرار تعبديًّا، أو جلعنا علته أحد العلل الشرعية المذكورة سابقًا، فإن الخروج يكون ممنوعًا على كل حال، ولو جعلنا العلة متعلقة بمصالح العباد فإن الحكم يختلف باختلاف تلك المصلحة وعدمها، فمثلًا لو جعلنا العلة خشية انتشار العدوى فإنها تنتفي بتحقق سلامة الشخص من الداء، فيكون خروجه جائزًا لا بأس به؛ لانتفاء علة النهي في حقه، وتحقق المصلحة بخروجه، وبهذا الرأي الأخير أفتى

(1)

انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 370) شرح النووي على مسلم (14/ 207) وعمدة القاري (21/ 259) منة المنعم (3/ 463) الذخيرة للقرافي (13/ 325)

ص: 28

فضيلة الشيخ سليمان الرحيلي، وبيَّن أنه إذا ثبت طبيًّا بالفحوصات الحديثة عدم إصابة المرء بالوباء المنتشر في منطقته فإنه يجوز له الخروج من بلده حينئذ، وبمثل هذا أفتى فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان.

بينما أشار الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- إلى أن تعليل ذلك بالحجر الصحي لمنع العدوى خطأ، قال:«لأن النبي صلى الله عليه وسلم راعى ما هو أعم وأهم، وهو الفرار من قدر الله قال: «لا تخرجوا منها فرارًا منه» ا. هـ

(1)

.

وذكر الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لسنن أبي داواد أنه لا يقال أن علة النهي عن الخروج من البلد هي لتفادي العدوى فقط، بل التعليل الشرعي هو الفرار مطلقًا، سواء أصيب بالمرض أو لم يصب، هكذا ذكر حفظه الله تعالى.

وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فرارًا منه» يقتضي المنع من الخروج بهذه النية سواء للصحيح أو المريض، والله أعلم.

•‌

‌ المسألة السابعة: ضابط المكان الذي يحرم الخروج منه والدخول إليه:

يحرم الدخول أو الخروج من المنطقة أو البلدة التي وقع فيها الوباء لا عموم الدولة والبلد، إذ ان تقسيم البلدان المعاصر إنما هو

(1)

الشرح الممتع (11/ 111).

ص: 29

أمر حادث لم يكن فيما سلف، والنصوص جاءت بمنع الخروج من الأرض والمنطقة التي وقع بها الطاعون خاصة لا من البلد عامة.

قال شهاب الدين الرملي: «والمراد بالأرض في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع بأرض» : محل الإقامة الواقع به الطاعون سواء كان بلدًا أم قرية أم محلة أو غيرها، لا جميع الإقليم»

(1)

.

•‌

‌ المسألة الثامنة: متى يعتبر خارجًا من البلد المصاب بالطاعون

؟

المرجع في ذلك للعرف، قال ابن حجر الهيتمي:«وإذا كان في بلد مثلًا فهل الفرار منها بالخروج إلى خارج عمرانها أو سورها أو إلى خارج مزارعها؟ لم أر في ذلك كالذي قبله شيئًا، والذي يظهر أنه يتبع في ذلك عرف أهلها فكل محل عدوا الخروج إليه فرارًا حرم الخروج إليه، وإلا فلا»

(2)

.

•‌

‌ المسألة التاسعة: من خرج فارًّا من الطاعون هل يلزمه الرجوع

؟

القول في هذه المسألة كالقول في سابقتها، حيث يختلف حكمها باختلاف القول في علة النهي عن الخروج، فإن قلنا بأن النهي عن الخروج تعبدي وجب الرجوع، وإن جعلنا العلة خشية العدوى فإن كان سليمًا لم تجب عودته، وإن كانت العلة القيام بحق المرضى في

(1)

فتاوى الرملي (4/ 233).

(2)

الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 26).

ص: 30

البلد المصاب، فإن وجد في البلد من يكفي بالمهمة لم تلزمه العودة، وإلا لزمه، وهكذا

(1)

.

•‌

‌ المسألة العاشرة: المدينة النبوية لا يدخلها الطاعون وقد يدخلها الوباء:

ثبت بالحديث الصحيح أن الطاعون لا يدخل المدينة النبوية فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال»

(2)

، وفي رواية للبخاري:«لا يدخل المدينة المسيح، ولا الطاعون» ، وهذا الحكم خاص بالطاعون دون سائر الأوبئة والأمراض، فيمكن دخولها المدينة كما سبق.

•‌

‌ المسألة الحادية عشر: هل يدخل الطاعون والوباء مكة المكرمة

؟

أما الوباء فلا إشكال في إمكانية دخوله، وأما الطاعون فقد جاء في رواية لحديث أبي هريرة رضي الله عنه:«المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك لا يدخلها الدجال ولا الطاعون»

(3)

، وهذه الرواية تدل على أن مكة لا يدخلها الطاعون كذلك، ولكن مدار هذه الرواية على فليح بن سليمان وهو وإن أخرج له الشيخان، فقد ضعّفه

(1)

انظر: الفتاوى الكبرى (4/ 27).

(2)

متفق عليه.

(3)

رواه البخاري في التاريخ الكبير (2099) وابن أبي خيثمة في أخبار المكيين (19) وابن عساكر في تاريخه (14/ 307) كلهم من طريق فليح بن سليمان عن عمر بن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة به. وذكر ابن حجر أن عمر بن شبة اخرجه كذلك في تاريخه، من الطريق نفسه. انظر: فتح الباري (10/ 191).

ص: 31

ابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة الرازي

(1)

، وقال الحافظ ابن حجر: صدوق كثير الخطأ

(2)

، فمثله لا يقبل تفرده، وقد تفرد بهذه الرواية ولا متابع له فيها، ولذلك قال ابن الملقن:«وقد ورد أن الطاعون لا يدخل مكة أيضًا، وإسناده ضعيف»

(3)

، وقد ذكر جماعة أن الطاعون دخل مكة سنة 749 هـ، ومن صحح الحديث ذهب إلى أن ما دخلها كان وباء وليس بطاعون، والله أعلم بالصواب.

(1)

انظر: تهذيب الكمال (23/ 319) وتهذيب التهذيب (8/ 304) والسير (7/ 353) وتحرير التقريب (3/ 165).

(2)

تقريب التهذيب (ص: 448).

(3)

التوضيح (27/ 472).

ص: 32

الفصل الثالث

في سبل رفع الطاعون

والمسائل المتعلقة بذلك

ص: 33

•‌

‌ المسألة الأولى: سبل دفع الطاعون والوباء ورفعهما:

الأخذ بالأسباب الشرعية وأهمها توبة الناس من الذنوب والمعاصي، وعدم إظهار الفواحش والمنكرات، والإكثار من الأعمال الصالحات، والتحصن بالأذكار الشرعية كأذكار الصباح والمساء، وإظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتضرع لله بالدعاء الصادق، والإكثار من الصدقات والنفقات، والإكثار من الحمد والاستغفار، والتحلل من المظالم، مع الأخذ بالأسباب الطبية والتعليمات الوقائية التي يدعو لها ولاة الأمر وأهل الاختصاص.

•‌

‌ المسألة الثانية: حكم الدعاء برفع الطاعون والوباء:

يشرع للعبد أن يدعو الله برفع الطاعون والوباء عن نفسه خاصة وعن البلاد عامة، كما نص عليه جمع من أهل العلم، خلافا لبعض الفقهاء الذين منعوا الدعاء برفع الطاعون خاصة، وانظر تعليلات المانعين والجواب عليها في المسألة الآتية

(1)

.

•‌

‌ المسألة الثالثة: حكم القنوت في المساجد لرفع الطاعون والوباء:

اختلف العلماء هل يشرع القنوت في المساجد عند حلول الطاعون، فذهب الشافعية والحنفية لمشروعيته، خلافا لقول الحنابلة، والأظهر من أقوال أهل العلم جواز ذلك لأن القنوت للنوازل ثابت بالسنة النبوية، وهذ الأمراض الفتاكة تعد من أعظم

(1)

انظر: بذل الماعون (316 - 318).

ص: 35

النوازل، وقد علل المانعون بأن الطاعون رحمة والموت فيه شهادة، فلا يشرع الدعاء برفعه، وأن القنوت له لم ينقل عن الصحابة فعله، والجواب أن الدعاء برفعه لا يعارض فضله، كما في النهي عن تمني لقاء العدو وهو سبب للشهادة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من أمور ثبت فضل الموت بها وأنه شهادة كالطاعون ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، وأعوذ بك من الغرق والحرق، وأعوذ بك أن أموت لديغًا .. »

(1)

، وسائر الأمراض والابتلاءات قد جعل الله فيها من الفضل والخير للمؤمن الشيء العظيم، ومع ذلك فالمشروع للعبد سؤال العفو والعافية في الدنيا والآخرة، كما أنه لا يباح الدعاء على أحد من المسلمين بالطاعون أو الغرق أو الهدم - بلا موجب - ولو كان في ضمنه الشهادة، وأما كونه لم ينقل عن الصحابة فعله، فعدم النقل ليس نقلًا للعدم.

وقد علل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عدم مشروعية القنوت للطاعون، بأن ظاهر السنة أن القنوت إنما يشرع في النوازل التي تكون من غير الله مثل إيذاء الكفار للمسلمين، أما ما كان من فعل الله كالكسوف والزلازل والقحط والطاعون ونحوها فلا يقنت لها

(2)

، ويجاب عن هذا بأن تسليط الكفار على بلاد المسلمين إنما هو بأمر

(1)

أبو داود (1552)، والنسائي (3194)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1282).

(2)

القول المفيد (1/ 301)

ص: 36

الله وإرادته كذلك، ومثله تسليط الطاعون وغيره من الأوبئة والنوازل، بأمر الله وإرادته، فلا يظهر وجه التفريق بينهما، والله أعلم.

هذا مع ما ذكره المجيزون مما في الطاعون من مضار ومفاسد تجعل الدعاء برفعه مطلوبا كهلاك العلماء والأولياء والصالحين، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء أن حلول الوباء من الأسباب التي يشرع لها القنوت

(1)

.

•‌

‌ المسألة الرابعة: حكم قنوت النوازل للجماعة في غير المسجد وللمنفرد:

نص شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى (23/ 111) أن قنوت النوازل مشروع في حق كل مصل سواء كان إمامًا أو منفردًا، قال رحمه الله:«والقنوت فيها إذا كان مشروعاً كان مشروعاً للإمام والمأموم والمنفرد»

(2)

.

وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو المتقرر عند فقهاء الشافعية

(3)

.

ونص عليه أحمد في رواية، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

(1)

فتاوى اللجنة الدائمة الفتوى رقم (15391) وانظر في المسألة: بذل الماعون (ص 315) غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (4/ 132) الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي (ص: 331) الدر المختار (2/ 11) الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (1/ 298).

(2)

وانظر: الإنصاف للمرداوي (2/ 175).

(3)

انظر: المجموع شرح المهذب (3/ 501) تحفة المحتاج (2/ 69) نهاية المحتاج (1/ 805) والعزيز شرح الوجيز (1/ 518) حاشية الجمل (1/ 369).

ص: 37

تعالى

(1)

حيث قال رحمه الله: «والقول الراجح أنه يقنت الإمام العام، ويقنت غيره من أئمة المساجد، وكذلك من المصلين وحده» ، وقال في لقاء الباب المفتوح:«لكن الصحيح أن يقنت الإمام ونائب الإمام، وإمام المسجد والمصلي منفردًا» وأفتى به الشيخ وصي الله عباس في سؤال شخصي له.

وذلك لأن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم عموم مشروعيتها وأن ما فعله شرع يتبع ويعمل به، حتى يأتي ما يخصصه، وما ذهب له بعض العلماء من تخصيص الدعاء بالإمام الأعظم، لا دليل عليه، بل فعل جمع من الصحابة كأنس وأبي هريرة وابن عباس والبراء ومعاوية رضي الله عنهم في قنوتهم يدل على أنهم لم يفهموا هذه الخصوصية ولا مخالف لهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«صلوا كما رأيتموني أصلي» وكان إذا وقعت النازلة صلى وقنت.

وبناء على ما قرره هؤلاء العلماء: يشرع لمن صلى في بيته منفردًا أو جماعة أن يقنت في صلاته عند النازلة، والحكم كذلك للمرأة في صلاتها في بيتها فالقاعدة: أن ما ثبت في حق الرجال ثابت في حق النساء ما لم يدل الدليل على تخصيصه، والله أعلم.

•‌

‌ المسألة الخامسة: من البدع المحدثة عند نزول الطواعين والأوبئة:

- تخصيص بعض الأذكار والأدعية التي لم ترد في النصوص.

(1)

كما في مجموع فتاوى الشيخ (14/ 133).

ص: 38

- الدعاء الجماعي والابتهال الجماعي في المساجد ونحوها بنية دفع البلاء، وذكر ابن حجر أنها بدعة حدثت سنة تسع وأربعين وسبعمائة ولم يفد ذلك شيئًا، بل ازداد الأمر شدة

(1)

.

- تحديد وقت معين يؤدي فيه الجميع الصلاة في بيوتهم بنية رفع الطاعون أو دفعه.

- قراءة صحيح البخاري لدفع نازلة الوباء، حيث توزع أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة ويعينون للختام يومًا يجتمعون فيه في الجامع، وهي من البدع التي حدثت في دمشق في عهد جمال الدين القاسمي

(2)

.

فكل هذه الطرق وما شابهها غير مشروعة في الكتاب ولا السنة وهي بدع محدثة باتفاق العلماء فيجب الحذر منها، وتحذير الناس من الوقوع بها

تنبيه: ما ينشر في بعض الرسائل أن من السنة النبوية التبخير باللبان لدفع الطاعون، ليس بصحيح فلم يثبت بذلك شيء، ولم يقع الطاعون في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، والله أعلم.

(1)

انظر: إصلاح المساجد (ص: 191).

(2)

انظر: إصلاح المساجد (ص 256 - 258).

ص: 39

الفصل الرابع

بعض المسائل الفقهية

المتعلقة بالطاعون والوباء

ص: 41

•‌

‌ المسألة الأولى: حكم التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة والتخلف عن الحج والعمرة بحجة الخوف من العدوى:

لا يجوز التخلف عن الجمع والجماعات وفريضة الحج والعمرة إلا إذا كان الخوف من الضرر متحققًا متيقنًا، أو يغلب على الظن حصوله، أما مجرد الاحتمال والأوهام والظنون فلا تبيح التخلف عن شيء من ذلك، والمرجع في تقدير الضرر بذلك هو لأهل الاختصاص والشأن من الأطباء الثقات والجهات المسئولة.

•‌

‌ المسألة الثانية: حكم لبس الكمامات في الصلاة:

يكره للمصلي التلثم ولبس الكمامات وتغطية الفم في الصلاة، إلا إذا دعت الحاجة لشيء من ذلك فلا حرج في ذلك، وبذلك أفتى الشيخان ابن باز والعثيمين، وسواءً في ذلك الرجل أو المرأة

(1)

.

•‌

‌ المسألة الثالثة: حكم لبس الكمامات للمحرم بحج أو عمرة:

المحرم من الرجال يجوز له لبس الكمامات على وجهه؛ لأن تغطية الوجه للمحرم من الرجال جائزة على الأصح من قولي العلماء وهو مذهب الشافعية والحنابلة وبه أفتى ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-.

وأما المرأة المحرمة فمن محظورات الإحرام بحقها تغطية الوجه بما فُصِّلَ على قدره، كنقاب ونحوه مما يغطي الوجه بعضه أو كله، ولذلك فلا يجوز لها لبس الكمام، لكن إن دعت الحاجة للبسه

(1)

مجموع فتاوى ابن باز (11/ 114) الحاشية العثيمينية على الزاد (ص: 68)

ص: 43

لانتشار داء أو عدوى أو غير ذلك من الأسباب، فيجوز لها أن تلبس الكمام مع إخراج فدية أذى

(1)

.

•‌

‌ المسألة الرابعة: حكم لبس القفازات في الصلاة والإحرام:

أما في الصلاة فيجوز لبس القفازات سواء للرجل أو المرأة ولو بغير حاجة وبهذا يفتي الشيخان ابن باز وابن عثيمين، وأما في الإحرام فلا يجوز لبسهما للرجل ولا للمرأة، إلا إن دعت الحاجة للبسهما فيلبسهما المحرم ويخرج فدية الأذى كما سبق

(2)

.

• المسألة الخامسة: حكم استخدام معقمات اليد (مطهرات الجراثيم):

تنقسم مطهرات اليد لقسمين اثنين:

- قسم خالٍ من الكحول فهذا ليس محل إشكال.

- والقسم الثاني: معقمات تحتوي على مواد كحولية، واستخدام مثل هذه المعقمات محل خلاف كبير بين أهل العلم، والأحوط لدين المرء أن يستغني عنها بغيرها من المعقمات والمطهرات الخالية من المواد الكحولية، خصوصًا مع عدم الضرورة لاستعمالها، والله أعلم

(3)

.

(1)

انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 254)

(2)

انظر: المغني (5/ 120) فتح الباري (4/ 53) فتاوى نور على الدرب لابن باز (7/ 271، 8/ 304) مجموع فتاوى العثيمين (12/ 298)

(3)

انظر في المسألة: مجموع فتاوى ابن باز (6/ 18، 10/ 41) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (11/ 257 - 258) فتاوى اللجنة الدائمة (22/ 106، 25/ 21، 24) فتاوى إسلامية (1/ 195) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 94 (6/ 16).

ص: 44

•‌

‌ المسألة السادسة: التصرف المالي للمصاب بالطاعون، ومن حل الطاعون ببلده:

نص جمهور الفقهاء على أن من كان في مرض الموت، أو حل به مرض مخوف: وهو الذي يخشى عليه فيه من الموت عادة، فإن تصرفه بما زاد على ثلث ماله غير صحيح، ولا تنفذ تبرعاته بما زاد عن الثلث، ولا تصح هبته لأحد الورثة، ومن الأمراض المخوفة مرض الطاعون إذ أنه يخشى على صاحبه من الموت، وقرر جمع من الفقهاء أن مما يدخل في حالة المرض المخوف كل حالة يحيط الخطر فيها بالإنسان ويغلب في أمثالها الهلاك، ولو لم يكن الإنسان مريضًا، ونص جمع من الفقهاء على أن مما يدخل في ذلك وقوع الطاعون والوباء ببلد، فكل من كان فيه ولو كان سالمًا، فهو في تصرفاته كالمريض مرضًا مخوفًا، وخالف في ذلك آخرون، والمرجع في كون الوباء النازل مخوفًا أو غير مخوف لأهل الاختصاص، كما نص على ذلك الشافعي في الأم

(1)

، وابن قدامة في المغني

(2)

.

وقال الإمام العمراني رحمه الله: «وإن أشكل شيء من الأمراض: هل هو مخوف أو غير مخوف؟ رجع فيه إلى أهل الصنعة من أهل الطب،

(1)

الأم (4/ 113).

(2)

المغني (6/ 109).

ص: 45

كما يرجع فيما أشكل من الشرع إلى أهل الفقه، ولا يقبل فيه أقل من طبيبين؛ لأن ذلك يحل محل الشهادة، ولا يقبل فيه إلا قول مسلمين عدلين، كما قلنا في الشهادة»

(1)

.

(1)

البيان في مذهب الإمام الشافعي (8/ 190) وانظر في المسألة: المغني (6/ 109) الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 28) الوسيط للغزالي (4/ 421) بذل الماعون (335 - 339) الشرح الممتع على زاد المستقنع (11/ 110) الملخص الفقهي (2/ 214).

ص: 46

‌خاتمة

‌خلاصة النتائج التي تم التوصل لها من خلال البحث:

1 -

أن المراد بالطاعون نوع خاص من أنواع الأوبئة المعدية القاتلة، وهو ما ينتج عنه القروح والبثور الجلدية، وانتفاخ الغدد وتوهجها، وغالبًا ما تكون هذه الأورام خلف الأذن والآباط واللحوم الرخوة.

2 -

أن المراد بالوباء: كل مرض عام ينتشر في الناس انتشارًا واسعًا.

3 -

من خصائص الطاعون:

أ- كونه وخز أعدائنا من الجن.

ب- أن الموت به شهادة.

جـ- أنه لا يدخل المدينة النبوية.

د- حرمة الخروج من البلد الواقع فيه والدخول إليه.

4 -

أن الوباء لا يقاس على الطاعون في كونه من وخز الجن، وكون الموت به شهادة، وعدم دخوله المدينة، لأنها أمور غيبية لا تدخلها التعليلات، ولا يمكن معرفتها إلا من خلال الشرع، فلا يقاس على الطاعون بها غيره من الأمراض والأوبئة.

5 -

لا يحرم الخروج من البلد المصابة بالوباء أو الدخول عليها إلا عند تحقق الضرر بذلك، بخلاف الطاعون فيحرم الخروج والدخول

ص: 47

للبلد المصاب به مطلقًا لعموم النهي في ذلك.

6 -

أن فيروس كورونا وما أشبهه يعد من الأوبئة النازلة، ولا يظهر دخوله في اسم الطاعون.

7 -

أن منشأ الطاعون رجز وعذاب أرسل على أمم سابقة، وجعله الله لهذه الأمة رحمة وشهادة.

8 -

أن الأمرض والفيروسات وغيرها من الأوبئة لا تؤثر وتنتقل بنفسها، بل الأمر لله -رحمها الله-.

9 -

أن النهي عن الخروج من البلد المصاب بالطاعون خاص بمن خرج فرارًا منه، وأما الخروج لغرض آخر غير الفرار، فهو جائز.

10 -

أن المراد بالبلد الذي يحرم الخروج منه: المنطقة المصابة بالطاعون لا عموم البلد.

11 -

لم يثبت الحديث في عدم دخول الطاعون مكة المكرمة.

12 -

قد يدخل الوباء المدينة المنورة بخلاف الطاعون فقد جاء النص بعدم دخوله لها.

13 -

جواز الدعاء برفع الوباء أو الطاعون.

14 -

جواز القنوت في المساجد لرفعهما.

15 -

عدم مشروعية الدعاء الجماعي، أو تخصيص أوراد معينة لدفع الوباء والطاعون، أو الحث على أداء صلاة جماعية تؤدى في البيوت في وقت محدد.

16 -

عدم جواز التخلف عن الجمع والجماعات أو فريضة

ص: 48

الحج والعمرة إلا عند تحقق الضرر بذلك، أو غلبة الظن به، والمرجع في تحقق الضرر من عدمه لأهل الاختصاص.

17 -

جواز لبس الكمامات في الصلاة وغيرها عند الحاجة.

18 -

جواز وضع الكمامات للمحرم من الرجال، وعدم جواز ذلك من المحرمة، إلا إن دعت الحاجة فتضعها وتخرج فدية الأذى.

19 -

لا حرج من لبس القفازات في الصلاة للرجل والمرأة، ويمنع المحرم من لبسهما سواء كان ذكرًا أو أنثى، فإن دعت الحاجة جاز لبسهما مع إخراج فدية الأذى.

20 -

الأحوط للعبد أن يستخدم معقمات اليد الخالية من الكحول خروجًا من الخلاف.

21 -

من حل به طاعون أو وباء يخشى عليه فيه من الموت عادة، فحكمه حكم صاحب المرض المخوف، في عدم نفاذ تصرفات المالية بما فوق الثلث، وعدم صحة هبته لأحد من الورثة، ونحو ذلك.

هذا ما تيسر جمعه وتحريره من المسائل المتعلقة بأحكام الطاعون والوباء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 49