المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المملكة العربية السعودية - الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة   المجلس العلمي - - أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية - المقدمة

[سعدي بن مهدي الهاشمي]

فهرس الكتاب

المملكة العربية السعودية - الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة

المجلس العلمي - إحياء التراث الإسلاي

- 3 -

أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية

مع تحقيق كتابه: الضعفاء - وأجوبته على أسئلة البرذعي

دراسة وتحقيق: الدكتور سَعْدي الهاشمي

ص: 1

هذا الكتاب في الأصل رسالة أعدها المؤلف لنيل الدكتوراة في الحديث وعلومه بإشراف الدكتور الحسيني عبد المجيد هاشم

(جميع الحقوق محفوظة)

الطبعة: الأولى

1602 هـ - 1982 م

ص: 4

- أ -

تقديم

بقلم: فضيلة الدكتور عبد الله بن عبد الله الزايد نائب رئيس الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وقائد الغر

المحجلين وعلى آله وصحابته ومن تبع سنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فإنا نقدم هذا السفر النافع الماتع (أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية مع تحقيق كتابه «الضعفاء» و «أجوبته عن أسئلة البرذعي» دراسة وتحقيق فضيلة الدكتور سعدي مهدي الهاشمي ..

وهو سفر جامع بين جهود الأئمة السابقين المتقدمين، وجهود الباحثين المحدثين، وجامع لأوليتين، إذ فيه أول دراسة وترجمة موسعة شاملة، تنشر عن الإمام أبي زرعة عبيد الله بن عبدالكريم الرازي رحمه الله تعالى، المتوفي سنة 264 هـ.

وفيه إخراج - لأول مرة - لكتاب (أسامي الضعفاء ومن تكلم فيهم من المحدثين) لأبي زرعة، و (أسئلة البرذعي لأبي زرعة عن الرواة الضعفاء).

وجاء الكتاب بجملته في ثلاثة أبواب، يتمتع القارئ للباب الأول بحياة علمية وعملية ومنهج علمي لإمام فذ من أفذاذ القرن الثالث الهجري، الذي ظهر فيه علية أئمة السنة، عاش حوالي سبعين عامًا نذر فيها عمره ومواهبه لخدمة السنة، فوهب الله تعالى له من العلم والحافظة ما لم يهبه لغيره إلا لعدد أقل من القليل.

يجد القارئ نفسه أمام رحالة يتنقل بين شرق البلاد وغربها، وشمالها

ص: 5

- ب -

وجنوبها لا يفتأ راحلا وقد يرحل إلى بلد ما عدة مرات، ويطيل المكث في بلده شهورة طويلة، لوفرة من فيها من أهل العلم.

وهو في هذه البلدة غريب فقير، ينفق ولا يكتسب، بل يبيع بعض مقتنياته الخاصة به جدا، لتحصيل العلم والكتب، همه الازدياد من الكتابة ولقاء الشيوخ، لا يجد فراغا للطعام إلا لما خف وسهل، حتى قال عن نفسه - وقد استغرق في إحدى رحلاته أربع سنوات ونصف السنة:«ما أعلم أني طبخت فيها قدرة بيد نفسيه»

(1)

.

وبهذه البداية المحرقة وصل إلى تلك النهاية المشرقة، نجده يقول:«إن في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة، ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتاب هو، في أي ورقة هو، في أي صفحة هو، في أي سطر هو»

(2)

!!

ومن الناحية العملية نجد رجلا قد بت هذه الدنيا وزخارفها، وأقبل بكليته على الآخرة يرجو الدخول فيها عن طريق المرابطة في سبيل الله وحراسة ثغور الاسلام.

يقول معبرة عن هذه الرغبة: لو كان لي صحة بدن على ما أريد كنت أتصدق بمالي كله وأخرج إلى طرطوس أو إلى ثغر من الثغور، وآكل المباحات وألزمها

(3)

.

ويتندم على ما فرط منه في شبابه أيام رحلاته الطويلة فإنه دخل ثغورة كثيرة: دخل قزوين والرها، وطرسوس، وبيروت. . . بنية كتابة الحديث وسماعه من الشيوخ، ولم يدخلها مرة واحدة بقصد المرابطة! ذكر هذا عن نفسه متأسفا فقال:(لا أعرف لنفسي رباطًا خلصت نيتي فيه. ثم بكي)

(4)

لعله يتدارك بعض ما فاته.

(1)

انظر: الفصل الثالث من هذه الدراسة.

(2)

انظر: الفصل السابع.

(3)

انظر: الفصل الثامن.

(4)

انظر: الفصل الثالث.

ص: 6

- جـ -

والدراسات الشاملة المستوعبة توقف القراء على كثير من هذه النماذج الحية في صدر الاسلام وسلف الأمة، وتبرز نوادر مذهلة كانت في حياتهم، وما أكثرها! وما أندرها في حياتنا وما أحوجنا إليها! لتستنهض هممنا وترفعنا عن حضيض الدعة والمادة.

كما يجد القاريء فيها الكثير من بحوث علمية شيقة تمتاز بالاستقراء والجدة. . . فأبو زرعة - كغيره من أئمة الحديث - معروف بكثرة الشيوخ، إلا أن مصدرًا من مصادر ترجمته لم يعدد فلانًا وفلانًا منهم إلى أن يصل به العدد إلى 556 شيخا يأخذ عنهم تلقيًا وشفاهًا، و 24 شيخًا آخرين يروى عنهم بالكتابة و 14 شيخًا تحمل عنهم ثم ترك الرواية عنهم! فيكون مجموعهم 594 شيخًا!! نجد إحصاء ذلك في الفصل الرابع من هذه الدراسة مجموعًا مستقصي من مصادر ترجمته المطبوع منها والمخطوط.

أما بعض ما في هذه الدراسة من جديد: فقد اشتهر بين أهل الحديث الخلاف في مسألة اشتراط ثبوت اللقاء بين الرواي وشيخه، كما هو مذهب البخاري وشيخه علي بن المديني، أو الاكتفاء بإمكان اللقاء بينهما، كما هو مذهب مسلم، فأبان الاستاذ جزاه الله خيرا أن مذهب أبي زرعة في هذه المسألة كمذهب الإمام أحمد وأبي حاتم الرازي (أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكي عنها أنه يعتبر أحد أمرين إما السماع وإما اللقاء، وأحمد ومن تبعه عندهم لا بد من ثبوت السماع»

(1)

.

وكانت خاتمة الباب الأول فصلا هو أهم فصول الدراسة علمية، إذ فيه بيان منهج الإمام أبي زرعة في علل الحديث، وفي مقدمة الفصل كلمة عن العلة وسبيل كشفها والوقوف عليها، ثم استقراء مطول لأهم الأساليب التي اتبعها أبو زرعة في تعليل الأحاديث، وذلك من خلال كتاب (علل الحديث) لابن أبي حاتم، فبلغ عدد طرق ذلك عنده 16 طريقا.

وفي الباب الثاني يعيش القاريء مع الإمام أبي زرعة وتلميذه المدون لقسط وفير من علمه في الجرح والتعديل أبي عثمان سعيد بن عمرو البرذعي، فالتلميذ

(1)

انظر: الفصل السادس

ص: 7

- د -

يسأل عن مشكلاته العلمية، وعمن تعسر عليه معرفة حاله جرحًا وتعديلًا، فيكون أبو زرعة قد عرف الرجل ورآه، وعايشه في رحلاته الطويلة، وخبر حاله خبرة تامة، فيجيبه بما استقر عليه رأيه فيه.

وفيه أيضأ (أسامي الضعفاء) ذكر منهم 384 راويًا ضعيفًا في اجتهاده ورأيه. وهذان الكتابان مصدران أصيلان ومن أقدم ما وصلنا في الرواة الضعفاء وأشباههم.

والناظر في سؤالات البرذعي يجد فيها جدة من وجهين:

• يجد أسماء كثيرة لرواة لهم ذكر في كتب الجرح والتعديل، إلا أنه لم يُنقل فيها قول أبي زرعة فيهم، فنجد حكمه عليهم هنا، ويجد القاريء في التعليقات كثيرًا قول المحقق: لم أجد من نقل قول أبي زرعة فيه.

• كما يجد القارئ تراجم لرواة آخرين لم يذكروا في كتب الجرح والتعديل المتداولة، مثل: العلاء بن بشر الشامي الراوي عن مكحول الشامي، والحسين السدي. الراوي عن محمد بن حميد الرازي، ومعاوية بن أبي العباس جار سفيان الثوري، وغير هؤلاء ممن ينبه المحقق اليهم بقوله: لم أقف على ترجمته.

فهذه إضافات إلى كتب الجرح والتعديل لا يدرك أهميتها إلا من يكثر وقوفه عند البحث عن تراجم فلا يجدها فيها بين يديه من تلك الكتب.

وفي سؤالات البرذعي أيضًا ما يلفت النظر ويدعو الباحث إلى التثبت، من اختلاف النقل عن أبي زرعة، فمثلا تنقل الكتب المتداولة عن أبي زرعة قوله في عبد الرحمن بن حماد الشعيثي:«لا بأس به» ، في حين أن البرذعي ينقل عنه قوله فيه:«شيخ ليس بذاك» .

ونقل البرذعي عنه أنه قال في عبد الله بن نافع الصائغ «منكر الحديث» والمنقول عنه في الكتب قوله فيه: «لا بأس به» .

فهذه مغايرات لها أهميتها لدى الباحث المحقق.

وبما أن الكتاب (سؤالات) فقد تضمن من أدب المتعلم مع العالم ما ينبغي الوقوف عنده والتخلق به.

ص: 8

- هـ -

من ذلك تأدب البرذعي مع شيخه أبي زرعة أن لا يذكر أمامه أحدا لا يرتضيه، بل يكنى عنه.

ذكر أبو عثمان حديث (الرويبضة: الفاسق الذي يتكلم في أمر العامة) فقال: (لم أجترأ أن أذكر له أنه من رواية هذا الرجل، لأنه لم يكن يرضاه! فقلت له: هو هذا الشامي).

ولعل هذا الكتاب أقدم كتاب كشف لنا عن التحريف الذي وقع في تفسير قوله تعالى {سأريكم دار الفاسقين} وبين لنا فيه أبو زرعة رحمه الله من الذي حصل له هذا التحريف.

قال البرذعي رحمه الله: قال لي أبو زرعة: حدثنا أبو سعيد الجعفي، قال: حدثنا يحيى بن سلام، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (سأريكم دار الفاسقين) قال: مصر.

وجعل أبو زرعة يعظم هذا ويستقبحه.

قلت: فأيش أراد بهذا؟ قال: هو في تفسير سعيد - ابن أبي عروبة-: عن قتادة: (مصيرهم).

وفي الكتاب من غرر أخبار العلم والعلماء ما يوجب إخراجه وتقديمه إلى الناس، من ذلك هذا الخبر الذي لا تقول فيه: إنه خبر مفيد، أو: لا يخلو من فائدة، بل نقول: إنه الفائدة أنى تناولتها بالدراسة والتحليل.

قال أبو زرعة: (كنت بالرملة، فرأيت شيخة جالسا بحذائي إذا نظرت إليه سبح، وإذا لم أنظر إليه سكت، فقلت في نفسي: هذا شيخ يتصنع لي، فسألت عنه؟ فقالوا: هذا محمد بن أيوب بن سويد.

فقلت لبعض أصحابنا: اذهب إليه، فأتيناه، فأخرج إلينا كتب أبيه أبوابًا مصنفة بخط أيوب بن سويد، وقد بيض أبوه كل باب، وقد زيد في البياض أحاديث بغير الخط الأول، فنظرت فيها، فإذا الذي بخط الأول أحاديث صحاح، وإذا الزيادات أحاديث موضوعة ليست من حديث أيوب بن سويد.

فقلت: هذا الخط الأول خط من هو؟ فقال: خط أبي. فقلت: هذه الزيادات خط من هو؟ قال: خطي. قلت: فهذه الأحاديث من أين جئت بها؟

ص: 9

- و -

قال: أخرجتها من كتب أبي. قلت: لا ضير، أخرج إلي كتب أبيك التي أخرجت هذه الأحاديث منها.

قال أبو زرعة: فاصفر لونه وبقي

(1)

، وقال: الكتب ببيت المقدس. فقلت لا ضير، أنا أكتري فيجاء بها إلي، فأوجه إلى بيت المقدس، وأكتب إلى من كتبك معه حتى يوجهها فبقي ولم يكن له جواب.

فقلت له: ويحك أما تتقي الله! ما وجدت لأبيك ما تفقه (؟) به سوي هذا؟! أبوك عند الناس مستور وتكذب عليه! أما تتقي الله! فلم أزل أكلمه بكلام من نحو هذا ولم يقدر لي على جواب).

وهكذا يحفل هذا السفر بعلم جم غزير نادر، أصيل في بابه، يجمع العلم وأخبار العلم، وفيه ما يفتح للباحث آفاقا جديدة ويسهم في حل بعض ما يشكل عليه.

واستيفاءً لأقوال أبي زرعة في الرجال، فقد عقد المحقق بابا ثالثا، جمع في فصوله الثلاثة الأولى أسماء الرواة الذين نقل عن أبي زرعة جرحهم، ولم يذكروا في الكتابين السابقين، ثم أسماء الرواة الذين عدلهم، ثم أسماء الذين روى عنه تعديلهم وتجريحهم.

وإنصافا للحق وأهله، فقد لاحظ فضيلة الدكتور جزاه الله خيرا أن أبا زرعة رحمه الله إمام مجتهد في هذا الفن، قد تختلف أنظاره مع غيره من الأئمة المجتهدين الآخرين، وقد يكون بدرت منه كلمات في الجرح خضعت العوامل زمنية أو نفسية، فختم كتابه بفصل رابع هام جدًا (انتقاد أبي زرعة لبعض الأئمة والدفاع عنهم) وقدم له بحكم كلام العلماء في بعضهم بعضا، وأتى بالكلمة الرائعة للامام ابن جرير الطبري رحمه الله: «ولو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعى به وسقطت عدالته وبطلت شهادته لذلك: للزم ترك أكثر محدثي

(1)

أي أفحم وبقي ساكتا.

ص: 10

- ز -

الأمصار، ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن».

وغير ذلك من النقول عن المتقدمين والمتأخرين.

ويجد القارئ في هذا الفصل الختامي جولات للمحقق علمية موفقة، وموازنات حكيمة سديدة، جزاه الله خيرا، وبارك بجهوده ويسر له إمتاع المسلمين بمؤلفات أخرى وتحقيقات تزيد في النفع على ما قدم، إنه ولي كل خير وإنعام.

وإن الجامعة الإسلامية التي تضم نخبة صالحة من أبناء العالم الاسلامي لترجو الله تعالى أن يوفقها لتخريج علماء عاملين، دعاة مخلصين، على نهج سلفنا القديم وأن يوفق القائمين عليها لكل خير، في مقدمتهم جلالة الملك خالد وسمو ولي عهده، فإنهما يبذلان لهذه الجامعة كل ما يدفع بها إلى الأمام، ويرفعها لتأدية رسالتها كما ينبغي لها.

أيدهما الله ووفقها لكل خير وبر - والحمد لله رب العالمين. .

ص: 11