الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبا طاهرًا مباركًا فيه.
اللهم إنى أثنى عليك كما أثنيت على نفسك، وكما أثنى عليك أنبياؤك ورسلك، وعبادك الصالحون، وملائكتك المقربون.
وصلى الله تعالى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ..
فهذا كتاب "الإجابة"، وهو كتاب فريد رائد في بابه؛ لأن موضوعه هو استدراكات السيدة عائشة، المُحَدِّثة الفقيهة، على الصحابة في رواياتهم، ومن هنا جاءت أهمية هذا الكتاب، إذ يرسى من خلال هذه الاستدراكات قواعد في توثيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهى تعرض ما يرويه الصحابة على الأصول الثابتة والمشاهدة من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتجد الكثير الذي أُدِّى أداء متقنًا، كما صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتجد بعضه قد اعتراه الخطأ أو الوهم، أو يتعارض مع ما شاهدته أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا نشأت قواعد النقد الخارجي والداخلي للحديث،
ومنها قواعد الضبط، وعرض السنة على القرآن الكريم، والثابت المتعارف عليه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأصول الإسلامية الأخرى.
ولم تكن السيدة الصِّدِّيقة وحدها في هذا المجال، وإنما كان هناك من الصحابة من حذا حذوها، أو حذت حذوه، أو تشابها في هذه الاستدراكات، وفى القواعد التي أسست عليها.
ومن مجموع هذه الاستدراكات التي صدرت من السيدة عائشة، ومن غيرها يمكننا أن نقول: إن السنة خرجت من أيدى الصحابة خالية من الأخطاء والأوهام التي كانت تعترى بعض الصحابة وهم يقومون بدور تبليغها، وهم بشر ليسوا بمعصومين.
ومعنى هذا أيضًا أن السيدة عائشة كان عندها هذه المقاييس وطبقتها على ما عندها السنة كلها فما هو صحيح أَقَرَّته، ولو من طريق السكوت عنه، وما كان فيه خطأ - من وجهة نظرها - بينته.
ولا يَظُنَّ ظَانٌّ أن ما أبدته السيدة عائشة من استدراكات كانت غير قابلة للمناقشة، أو جاءت فيها بالقول الفصل، بل كثير منها اجتهادات تقابلها وجهات نظر أخرى تُقِرُّ ما عليه الآخرون، مما استدركته عليهم بحيث لا تتعارض الروايات التي استدركتها مع ما تراه هي صحيحًا، أو تكون هذه الروايات المستدركة منسوخة وصدر ناسخها دون علم بعض الصحابة الذين يروونها بهذا الناسخ، أو يكون هذا وذاك من باب العام والخاص، أو المطلق والمقيد. بحيث يمكن الجمع بين هذه الروايات التي تبدو متعارضة وهى في الحق ليست بمتعارضة. وكلها بحمد الله تعالى على هذا النحو.
وكل هذا قد فَصَّلَته دراسة يتواكب خروجها مع هذا التحقيق وهى "توثيق السيدة عائشة للسنة" وقد أحلنا عليها، وبينا مواضع التفصيل في القضايا التي تناولها هذا الكتاب بالإيجاز.
وهذا الكتاب يؤكد من طَرْفٍ غير خفى أن الصحابة لم يكونوا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما كان هناك استدراك اتُّهِمَ فيه أحد الصحابة أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل بادرت السيدة عائشة بنفى الكذب في بعض الاستدراكات فقالت: "إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكنَّ السمعَ يُخطئ".
ولكن المفيد غاية الفائدة - كما قلنا - أن السيدة عائشة، بهذه الاستدراكات، قد أرست قواعد في النقد الخارجي والداخلي للسنة كانت فيما بعد أدوات لتوثيق السنة، وإبعاد التحريف والزيف والخطأ عنها.
إنها في مجال النقد الداخلى عرضت السنة على القرآن الكريم، وعلى السنة النبوية المعروفة والمشهورة أو المشاهدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الأصول الإسلامية.
وفى مجال النقد الخارجي بينت خطأ بعض الرواة بما أسهم في اشتراط الضبط في تلقى الأحاديث، وفي أدائها.
وكل ذلك كان له شأن كبير على مر العصور في توثيق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم الأصل الثاني من أصول التشريع الإسلامي؛ في الدراسات الحديثية والفقهية على حد سواء.
وهذا من بركات السيدة عائشة رضي الله عنها، وما أكثر بركاتها.
ولسنا في حاجة إلى تقديم ترجمة للسيدة عائشة رضي الله عنها، فقد كفانا المؤلف مئونة ذلك، وقدّم ترجمة طيبة لها في أول الكتاب.
ترجمة المؤلف:
أما مؤلف الكتاب فهو الإمام المحدِّث محمد بن عبد الله بن بهادر أبو عبد الله بدر الدين الزَّرْكَشِى، الفقيه، الأصولي، المُحَدَّث، الشافعي المذهب.
ولد في مصر عام (745 هـ) من أسرة تركية، واشتغل أولا بصناعة الزركش، ثم وجهه الله عز وجل نحو العلم من صغره فأخذ عن الشيخين جمال الدين الأسنوى (ت 772) وسراج الدين البلقيني (ت 805) ولازمهما.
ثم رحل للاستزادة من الشيوخ ومن العلم، فرحل إلى حلب فأخذ عن الشيخ شهاب الدين الأذرعى (ت 783)، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، وسمع من علماء الشام، كابن قدامة المقدسي (ت 780 هـ) والحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ) وغيرهما.
وبعد فترة التحصيل انقطع للاشتغال بالعلم، والتدريس والإفتاء. قال ابن حجر: كان الزركشي منقطعًا في منزله لا يتردد إلى أحد، إلا إلى سوق الكتب، وكان يطالع في حانوت الكتبى طول نهاره، ومعه أوراق يعلق فيها ما يعجبه، ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه (الدرر الكامنة 3/ 398).
وقال أحد تلاميذه: "كان منقطعًا إلى الاشتغال بالعلم لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه".
وتتلمذ عليه الكثيرون منهم العلامة شمس الدين الدين محمد بن عبد الدائم البرماوى الشافعي، والقاضى المفتى نجم الدين بن حجى الدمشقي الشافعي.
مؤلفاته:
وكان الانقطاع للعلم مثمرًا مؤلفاتٍ قَيِّمَةً نذكر منها ما يلي غير كتابنا هذا:
1 -
إعلام الساجد بأحكام المساجد، وهو في الفقه، وطبع في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، بتحقيق أبى الوفا المراغى سنة:(1385 هـ).
2 -
البرهان في علوم القرآن.
طبع بتحقيق أبي الفضل إبراهيم في مصر في أربعة مجلدات.
3 -
رسالة معنى لا إله إلا الله، في التوحيد.
طبعت بدار البشائر الإسلامية ببيروت - تحقيق على محيى الدين على القرداغى عام (1406 هـ - 1986 م).
4 -
التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح؛ في الحديث.
وقد طبع في المطبعة العصرية بمصر سنة 1933 م.
5 -
تشنيف السامع، شرح جمع الجوامع في أصول الفقه وهو شرح لكتاب جمع الجوامع للإمام السبكى وطبع بمصر في مطبعة شركة التمدن سنة 1382.
كما طبع حديثا في مصر أيضًا في مجلدات عدة.
6 -
تخريج أحاديث الشرح الكبير للرافعي في علم الحديث. قال ابن حجر: وخرج أحاديث الرافعى، ومشى فيه على جمع ابن الملقن، لكنه سلك طريق الزيلعي في سوق الأحاديث بأسانيد خرجها فطال الكتاب بذلك. (الدرر 3/ 397).
ولعله ما ذكره الزركشي هنا في الإجابة "الذهب الإبريز في تخريج أحاديث فتح العزيز (ص: 64).
7 -
البحر المحيط في أصول الفقه:
ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم (483) أصول.
8 -
سلاسل الذهب، في أصول الفقه:
ذكر فيه مسائل هامة أصول الفقه.
وهو محقق بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر بتحقيق مأمون عبد القيوم
9 -
خبايا الزوايا، في الفقه:
وهو كتاب في المسائل التي ذكرها الرافعى والنووى في غير مظانها، وحققه عبد القادر عبد الله لنيل درجة الماجستير في كلية الشريعة بالأزهر. وقد طبع هذا الكتاب عام 1402 هـ / 1982 م.
10 -
النكت على مقدمة ابن الصلاح، وقد نشر هذه الكتاب في أربعة مجلدات بتحقيق د/ زين العابدين بن محمد بلا فريح - أضواء السلف - الرياض 1419 هـ / 1998 م.
11 -
زهر العريش في تحريم الحشيس. حققه د/ السيد أحمد فرج - دار الوفاء - مصر 1407 هـ / 1987 م. ومؤلفات غير هذه كثيرة.
وبعد حياة حافلة بالعلم وعطائه؛ اشتغالا بتدريسه، والتأليف فيه توفى بمصر ثالث رجب سنة (794 هـ)
(1)
.
منهج الزركشي في الإجابة
رتب الزركشي كتابه على أسماء الصحابة الذين استدركت عليهم السيدة عائشة رضي الله عنها.
(1)
انظر ترجمة له في:
- شذرات الذهب: (6/ 398).
- الدرر الكامنة: (3/ 397 - 398).
- طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: (3/ 167 - 168)
- طبقات المفسرين للداودى: (2/ 162 - 163).
وتحت اسم كل صحابي يأتى بالأحاديث التي رواها الصحابي، واستدراك السيدة عائشة عليها.
ثم يناقش ويصحّح ويضعف، ويجمع بين الروايات - إن أمكن الجمع بينها.
وفى كل هذا يتجلى سعة علم الزركشى، ومعرفته بالروايات؛ ما يتفق منها وما يختلف، وكثرةُ مصادره، بما يكون فيه إنصاف للسيدة عائشة رضي الله عنها، وإنصاف للصحابة الآخرين الذين استدركت عليهم.
وقد سبق الزركشي في التأليف في هذا الموضوع أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي الشِّيمى البغدادى ت (406 هـ) في كتابه "استدراك أم المؤمنين عائشة على الصحابة".
وأبو منصور يكتفى بإيراد الأحاديث التي استدركتها السيدة عائشة بإسناده إلى الصحابي الذي رواها دون ترتيب فقد يذكر استدراكًا على ابن عمر، ثم عن أبي هريرة، ثم عن ابن عمر، وهكذا.
وهو يكتفى بإيراد الأحاديث فقط دون تعليق عليها، أو تصحيح، أو تضعيف، أو مناقشة، أو إيراد روايات أخرى، كما يفعل كل هذا الزركشي.
وقد نقل الزركشي عن أبي منصور بعض الروايات التي لم يجدها في مصدر آخر، مما يدل على أنه اطلع على هذا الكتاب.
ولا شك أنه بهذا الإطلاع قد استفاد منه، ولكنها الاستفادة التي قد تنحصر في أنها فتحت للزركشى بعض آفاق هذا الموضوع، ودلته على كثير من رواياته التي تشكل الأساس في الموضوع.
ولكن يبقى للزركشى مصادره المتنوعة، ورواياته الغزيرة، ومادته الواسعة، وجَوَلاته المتعددة؛ على طريق الجمع بين الروايات وتوثيقها، وتصحيح بعضها، وتضعيف بعضها الآخر، والإلمام بجوانب كل موضوع من موضوعات الاستدراكات.
ولا بأس من الإشارة هنا إلى كتاب آخر على علاقة بالإجابة والكلام عنه مفيد
في بيان منهج الإجابة، ألا وهو:"عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة" لجلال الدين السيوطي.
لخص في هذا الكتاب الإجابة، ولكنه - كما ذكر في المقدمة - حذف ما رآه أنه ليس من الاستدراكات، كما يبين ذلك في مقدمة الكتاب.
وأهم من هذا أنه رتبه على الموضوعات، وليس على الصحابة كما صنع الزركشي، فجمع ما يتعلق بالطهارة من الاستدراكات في موضع واحد، ثم الصلاة، ثم الجنائز، ثم الصيام، .. وهكذا.
وهو يكتفى بإيراد الحديث فقط في الغالب الأعم، ولا يصول ويجول في الموضوع كما يفعل الزركشي.
عملنا في هذا الكتاب:
هذا الكتاب طبع في طبعته الأولى عام (1358 هـ / 1939 م)، طبعه الأستاذ سعيد الأفغانى على نسخة وحيدة بخط المؤلف.
وقد بذل الأستاذ سعيد جهدًا كبيرًا في قراءة هذا المخطوط، ونقله، فالمخطوط تصعب قراءته، ولولا هذا الجهد الذي بذله، والمعاناة التي عاناها - فلربما ما خرج هذا الكتاب إلى النور، فجزاه الله تعالى خير الجزاء وأحسنه.
وهذه الصعوبة في الخط قد ألقت بظلالها على النسخة المطبوعة على الرغم من هذا الجهد، فهناك بعض الكلمات التي لم يستطع قراءتها أو قرئت قراءة غير صحيحة، وأثبتت كذلك.
كما أن الكتاب لم تخرج أحاديثه بالرجوع إلى مصادر المصنف، والدلالة على مواضع الأحاديث فيها، ومقارنتها بما في هذه المصادر؛ إذ اكتفى المصنف بالعزو إلى هذه المصادر، ولم يصنع شيئًا في هذا المجال صاحب الطبعة الأولى.
هنا كان الكتاب في حاجة إلى إعادة تحقيق وتخريج لأحاديثه، وإعادة لقراءته في ضوء ما في هذه المصادر مقارنة بما في الكتاب، وشرح لغريبه، وتعليق على ما يحتاج إلى تعليق وتوثيق لنصوصه ما أمكن، وهذا ما صنعناه.
وبحمد الله عز وجل وعونة وتوفيقه صححنا الكثير من الألفاظ والعبارات بالرجوع إلى مصادر المصنف، والمقارنة بين ما فيها وما في الإجابة، كما يتضح ذلك في الفروق التي أثبتناها في الهوامش.
وخَرَّجْنَا الأحاديث ووثقنا كثيرًا من النصوص من مصادرها، وعلّقنا بالتفصيل على ما في الكتاب، بما يُجَلَّى مراده، وما هدف إليه.
والحق أن الرجوع إلى أغلب المصادر كان بمثابة النسخة الثانية للكتاب الذي لا توجد له إلا نسخة واحدة على أغلب الظن، هي التي طبع عليها الأستاذ سعيد الأفغانى الكتاب والتي حققنا عليها الكتاب كذلك، وهي سقيمة الخط، كما بينا.
وهى في المكتبة الظاهرية بدمشق ضمن مجموع برقم (32) مجاميع وهى من ورقة (68) إلى (114) أي في أربعة وأربعين ورقة وهذه الورقات ليست على وتيرة واحدة - كما نشاهده في معظم المخطوطات فنجد بعضها مزدحمًا بالأسطر، وخاصة ما يُلْحِقه المؤلف في الحواشى مما هو من النص، وبعضها ليس فيه إلا أسطر قليلة، ولهذا فأَفْضَلُ وصف لها هي نشر بعض هذه الصفحات ليتعرف عليها الباحثون واقعا ملموسًا، وليس وصفًا لا يجلِّى طبيعة هذه النسخة.
وفى صفحة العنوان جاء عنوان الكتاب:
"الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة".
تأليف الفقير إلى رحمة ربه وعفوه محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي، لطف الله به. آمين ..
وتحت العنوان أسطر فيها كلام للحافظ ابن حجر، ننقله، ثم نعلق عليه، وهو:
"قال أبو الفضل بن حجر: أصل هذا التصنيف للأستاذ الجليل أبي منصور عبد المحسن بن محمد بن علي بن طاهر البغدادى الفقيه المُحَدِّث المشهور، رأيته في مجلدة لطيفة، وجملة ما فيه من الأحاديث (25) حديثًا، وكان الكتاب المذكور عند القاضي برهان الدين بن جماعة، فما أدرى: هل خفى عليه وقت
تقديم هذا له أو أعلمه به؟ نعم، لمصنف الإجابة حُسْنُ الترتيب والزيادات البَيِّنَة، والعزو إلى التصانيف الكبار، والأول على عادة من تقدم يقتصر على سوق الأحاديث بأسانيده إلى شيوخه، وجملة من أخرج ذلك عنه من شيوخه نحو من ثلاثين شيخًا من شيوخ بغداد ومصر وغيرها، ولا يعزو التخريج إلى أحد. وقد نقل هذا المصنف عن أبي منصور في هذا الكتاب، فعلم أنه وقف عليه، وكان ينبغي له أن ينبه على ذلك، وهذا التصنيف القديم أخبرنا به غير واحد من شيوخنا إجازة عن عبد القادر بن أبي البركات بن القريشي: أنا المُسَلَّم بن عَلَّان سماعًا، عن الخشوعي، عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن خسرو، أخبرنا المصنف سماعًا".
وهذا النص فيه مقارنة بين كتاب أبي منصور البغدادي والإجابة؛ لما قلناه من أن الزركشى قد استفاد من أبي منصور، ولكن ذلك لم يصل به إلى درجة النقل، كما قد يفهم من هذا النص، وكما جاء في نقل للسخاوى عن ابن حجر قوله:"فصل فيمن أخذ تصنيف غيره فادَّعاه لنفسه، وزاد فيه ونقص. قال السخاوى: كذا قرأت بخطه على "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة" للزركشى، أصل هذا التصنيف .. الخ" وهذا يبين أن كلام ابن حجر السابق إنما هو بخطه.
والحق أن في هذا تَجَنٍّ على الزركشي؛ إذ أنه لم يَدَّع كلام أبي منصور؛ لأن الأخير إنما روى أحاديث فقط عن شيوخه، أما الزركشي فقد نحا نحوًا آخر، وهو عزو الروايات ونقلها عمن رواها من المصنِّفين، أي من غير طرق أبى منصور، وكان يلجأ إلى أبي منصور في الروايات التي لم يجدها عند غيره من المصنفين. وهي قليلة جدًّا، ويعزوها إليه وإلى روايته.
وكما لمس ابن حجر نفسه فـ "لمصنف الإجابة حسن الترتيب، والزيادات البينة، والعزو إلى التصانيف الكبار".
وكما قال ابن حجر نفسه في أبى منصور: إن كل عمله "على عادة من تقدم يقتصر على سَوْق الأحاديث بأسانيده إلى شيوخه".
ومهما يكن من أمر فقد أكد ابن حجر بهذا أن الكتاب للزركشى، ويضاف ذلك إلى البَيِّنَات الأخرى من تسجيل قراءة ابن المصنف ونسخه، كما يتضح من صفحة العنوان، في مربع على اليسار، ففيه:
"فرغه قراءة ونسخًا العبد محمد بن محمد بن الزركشي، عامله الله تعالى بلطفه الخفى".
ومن سماع الابن المذكور الكتاب على والده هو وإخوته وأخواته وقد سجلنا ذلك في آخر الكتاب.
وهناك نَصَّان آخران في صفحة العنوان يتعلقان بأخبار عن السيدة عائشة - رضي الله عنها، وهما:
النص الأول:
"نقلت من كتاب أبى بكر محمد بن عبد الملك التاريخي
(1)
الذي وضعه أخبار النحاة: حدثنا سوادة بن علي: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير: ثنا أبو معاوية: ثنا المنهال بن خليفة عن سلمة بن هشام قال: كانت حفصة وعائشة متآخيتين، وكانت سودة وأم سلمة متآخيتين، فكانت سودة تنشد:
"عَدِيٌّ وتَيْمٌ تَبْتَغِي مَنْ تُحالِفُ"
فقالت عائشة: "ما تُعَرِّضُ إلا بى وبك يا حفصة. فإذا رأيتني قد قمت فأخذت برأسها فأعينينى" فقامت فأخذت برأسها وخافت حفصة فأعانتها، وجاءت أم سلمة فأعانت سودة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر، وقيل له:"أدرك نساءك يقتتلن" فقال: "ويحكن ما لكن؟ " فقالت عائشة: "يا رسول الله، ألا تسمعها تقول: "عدى وتيم تبتغى من تحالف"؟ فقال: "ويحكن ليس عَدِيُّكُنَّ ولا تَيْمُكُنَّ، إنما هو عدى تميم، وتيم تميم".
(1)
توفى سنة (549) وروى عن محمد بن سلام الجمحى. وقد نقل من الكتاب المذكور البغدادي في خزانة الأدب 1/ 24، 237 - 238، 3/ 37، 64، 5/ 144، 8/ 499، 10/ 346.
قال الكلبي: "تيم تميم هو الرَّبَاب وقيل: إن عَدِيًّا وتَيْمًا وتيم أخوان، قال جرير:
يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لا أَبَا لَكُمْ
…
لا يُوقِعَنَّكُمُ فِي سَوْءَةٍ عُمَرُ
والنص الثاني:
روى أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء
(1)
في ترجمتها: "حدثنا سليمان بن أحمد، (ثنا أحمد)
(2)
بن يحيى بن خالد (بن حيان)
(2)
الرقى، ثنا محمد بن بشر المصرى، ثنا عثمان بن عبد الله، ثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:"قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف حبك لي؟ " قال: "كَعُقْدَة الحَبْل" فكنت أقول: "كيف العُقْدَة يا رسول الله؟ " قالت: فيقول: "هي على حالها" اهـ.
هذا، وقد طبع هذا الكتاب طبعة أخرى في مصر، في مطبعة العاصمة بالقاهرة، نشره زكريا على يوسف، وهى نسخة منقولة من نسخة الأستاذ سعيد الأفغانى بعُجَرِها وبُجَرِها مع التعمية في ذلك. وليس عليها تاريخ نشر ولذلك لم نعبأ بها.
سندى إلى بدر الدين الزركشي:
أروى الإجابة وسائر مؤلفات الزركشي عن شيخي المحدّث الكبير محمد الحافظ بن عبد اللطيف الحسنى الحسينى إجازة عن العلامة عبد الحي الكتاني صاحب فهرس الفهارس، عن أحمد رضا على خان، عن آل الرسول الأحمدى، عن عبد العزيز الدهلوى، عن أبيه ولى الله الدهلوى، عن محمد وفد الله بن محمد بن سليمان الرُّدَاني، وأبى الطاهر الكورانى، كلاهما عن محمد بن سليمان الرُّدَانى صاحب صلة الخلف بموصول السلف، عن علي بن أحمد
(1)
حلية الأولياء: (2/ 44).
(2)
ما بين المعكوفين من الحلية.
الأجهورى وقاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي، عن الشمس محمد بن أحمد الرملي، والسراج بن الجاى، والشيخ بدر الدين الكرخي، عن الجلال السيوطي، عن تقى الدين الشهنى، عن والده، عن بدر الدين الزركشي.
* * *
والله أسأل لى ولمن يقرأ هذا الكتاب وينتفع به، وللمسلمين أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يغفر زلاتنا، ويقبل عثراتنا، ويرحم موتانا وموتى المسلمين، وأن يتجاوز عما قصرت فيه.
وصلى الله تعالى وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين
رفعت فوزى عبد المطلب
القاهرة في شعبان من
سنة 1412 هـ / 2000 م.