المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم 1 قال الشيخ الأجل أبو عبد الله احمد - ديوان ابن الخياط

[ابن الخياط]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

1

قال الشيخ الأجل أبو عبد الله احمد بن محمد الخياط التغلبي الدمشقي يمدح الأمير ناصر الدين أبا القوام وثاب بن محمود بن نصر بن صالح، وأنشده إياها بحماة سنة أربع وسبعين وأربع مائة:

ص: 1

الوافر

عَتَادُكَ أَنْ تَشُنَّ بِها مُغَارا

فَقُدْها شُزَّباً قُبّاً تَبَارى

كَأَنَّ أَهِلَّةً قَذَفَتْ نُجُوماً

إِذا قَدَحَتْ سَنابِكُها شَرارا

وَهَلْ مَنْ ضَمَّرَ الْجُرْدَ المَذَاكي

كَمَنْ جَعَلَ الطِّرادَ لَها ضِمارا

كَأَنَّ اللَّيْلَ مَوْتُورٌ حَرِيبٌ

يحاوِلُ عِنْدَ ضَوْءِ الصُّبْحِ ثَارا

فَلَيْسَ يَحِيدُ عَنْها مُسْتَجِيشا

عَلَى الإِصْباحِ عِثْيَرَها الْمُثارا

ص: 2

أَخَذْنَ بِثَأْرِهِ عَنَقاً وَرَكْضاً

مَدَدْنَ عَلَى الصَّبَاحِ بِهِ إِزارا

وَقَدْ هَبَّتْ سُيُوفُكَ لامِعَاتٍ

تُفَرِّقُ في دُجُنَّتِهِ نَهارا

أَمَا وَالسَّابِقاتِ لَقَدْ أَبَاحَتْ

لَكَ الشَّرَفَ الْمُمَنَّعَ وَالْفَخَارا

فَزُرْ حَلَباً بِكُلِّ أَقَبَّ نَهْدٍ

فَقَدْ تُدْنِي لَكَ الْخَيْلُ الْمَزَار

وَكَلِّفْ رَدَّها إِنْ شِئْتَ قَسْراً

عَزائِمَ تَسْتَرِدُّ الْمُسْتَعارا

فَأَجْدِرْ بِالْممَالِكِ أَنْ تَراها

لِمَنْ كانَتْ مَمَالِكَهُ مِرارا

وَإِنْ وَلَدَتْ لَكَ الآمالُ حَظَّاً

فَما زالَتْ مَواعِدُها عِشَارا

إِذا عَايَنْتَ مِنْ عُودٍ دُخاناً

فَأَوْشِكْ أَنْ تُعايِنَ مِنْهُ نارا

وَيَأْبى اللهُ إِنْ أَبَتِ الأَعادي

لِنَاصِرِ دينِهِ إِلَاّ انْتِصارا

وَمَا كَبُرَتْ عَلَيْكَ أُمُورُ مَجْدٍ

إِذا أَصْدَقْتَها الْهِمَمَ الْكِبارا

ص: 3

وَمَا هِمَمُ الْفَتى إِلَاّ غُصُونٌ

تَكُونُ لَها مَطالِبُهُ ثِمارا

أَلَسْتَ ابْنَ الَّذي هَطَلَتْ يَداهُ

نَدىً سَرَفاً لِمَنْ نَطَقَ اخْتِصارا

وَأَعْطى الأَلْفَ لَمْ تُعْقَرْ بِنَقْصٍ

وَما غُنِّي وَلا شَرِبَ الْعُقارا

وَأَشْبَعَ جُودُهُ غَرْثى الأَمَانِي

وَرَوَّى بَأُسُهُ الأَسَلَ الْحِرارا

وَقَادَ إِلى الأَعَادِي كُلَّ جَيْشٍ

تَقُودُ إِلَيْهِ رَهْبَتُهُ الدِّيارا

ص: 4

وَلَوْ قُلْتُ ابْنُ مَحْمُودٍ كَفَتْنِي

صِفَاتُ عُلاكَ فَضْلاً وَاشْتِهار

وَهَلْ يَخْفَى عَلَى السَّارِينَ نَهْجٌ

إِذا ما الْبَدْرُ في الأُفُقِ اسْتَنارا

مِنَ الْقَوْمِ الأُولى جَادُوا سِرارا

وَعَادَوْا كُلَّ مَنْ عَادَوْا جِهارا

وَمَا كَتَمُوا النَّدى إِلَاّ لِيَخْفَى

وَيَأْبى الْغيْثُ أَنْ يَخْفى انْهِمارا

بُدُورُ الأَرْضِ ضَاحِيَةً عَلَيْها

وَأَطْيَبُ مَنْ ثَوى فِيها نُجِارا

إِذا ما زُلْزِلتْ كانوا جِبالاً

وَإِنْ هِيَ أَمْحَلَتْ كانوا بِحارا

وَأَنْتَ أَشَدُّهُمْ بَأْساً وَأَنْدَا

هُمُ كَفّاً وَأَكْثَرُهُمْ فَخارا

وَأَوْفَاهُمْ إِذا عَقَدُوا ذِماماً

وَأَحْمَاهُمْ إِذا حَامَوْا ذِمارا

وَأَمْرَعُهُمْ لِمُرْتَادٍ جَنَاباً

وَأَمْنعُهُمْ لِمَطْلُوبٍ جِوَارا

لَقَدْ لَبِسَتْ بِكَ الدُّنْيَا جَمالاً

فَلَوْ كَانَتْ يَداً كنْتَ السِّوَارا

يُضِيءُ جَبِينُكَ الْوَضَّاحُ فيها

إِذا ما الرَّكْبُ في الظُّلْمآءِ حَارا

ص: 5

فَما يدْرِي أَنَارُ قِراكَ لاحَتْ

لَهُ أَمْ بَرْقٌ غَيْثِكَ قَدْ أَنَارا

تَمَلَّ أَبا الْقِوامِ شَرِيفَ حَمْدٍ

رَفَعْتُ بِهِ عَلَى الدُّنْيا مَنارا

ثَناءُ ما حَدَاهُ الْفِكْرُ إِلَاّ

أَقَامَ بِكُلِّ مَنْزِلَةٍ وَسَارا

إِذا أُثْنِي بِحَمْدِكَ قَالَ قَوْمٌ

بِحَقِّ الرَّوْضِ أَنْ حَمِدَ الْقُطارا

غَفَرْتُ ذُنُوبَ هذا الدَّهْرِ لَمّا

أَصارَ إِلَيَّ رُؤْيَتَكَ اعْتِذَارا

وَرَدَّ لِيَ الصِّبا بِنَداكَ حَتّى

خَلَعْتُ لَدَيْهِ في اللَّهْوِ الْعِذارا

ص: 6

2

وقال أيضاً يمدح الأمير أبا الفوارس محمد بن مالك بحماة:

الوافر

سَقَوْهُ كَأْسَ فُرْقَتِهِمْ دِهَاقا

وَأَسْكَرَهُ الْوَدَاعُ فَما أَفَاقا

إِذا ما الْكَأْسُ لَمْ تَكُ كَأْسَ بَيْنٍ

فَلَيْسَتْ بِالْحَمِيمِ وَلا الْغَسَاقا

أَبى إِلَاّ افْتِرَاقا شَمْلُ صَبْرِي

وَدَمْعِي إِذْ نَأَوْا إِلَاّ افْتِراقا

رِفَاقٌ مَا ارْتَضَوا في السِّيْرِ إِلَاّ

قُلُوبَ الْعاشِقينَ لَهُمْ رِفَاقا

ص: 7

أَرائِقَةَ الْجَمَالِ وَلا جَميلٌ

أَرَاقَكِ أَنْ جَعَلْتِ دَمِي مُرَاقا

وَسِرْتِ فَلِمْ أَسَرْتِ فُؤَادَ حُرٍّ

حَلَلْتِ وَمَا حَلَلْتِ لَهُ وَثَاقا

تُعَيِّرُنِي بأَحْداثِ الْلَّيالِي

وَكَيْفَ يُدافِعُ الْبَدْرُ الْمِحاقا

شَبابٌ كانَ مُعْتَلاًّ فَوَلىَّ

وَصَدْرٌ كانَ مُتَّسِعاً فضَاقا

يُكَلِّفُنِي الزَّمَانُ مَدِيحَ قَوْمٍ

يَرَوْنَ كَسادَ ذِكْرِهِمُ نَفَاقا

وَمَنْ يَرْجُو مِنَ النَّارِ ارْتِواءً

كَمَنْ يَخْشى مِنَ الْمآءِ احْتِراقا

وَلَوْ أَنَّ الزَّمانَ أَرادَ حَمْلَ ال

م ذِي حُمِّلْتُ مِنْهُ مَا أَطَاقا

وَلي عَزْمٌ أَنَالُ بِهِ انْفِتاحاً

لِبابِ الْمَجْدِ إِنْ خِفْتُ انْغِلاقا

بَعَثْتُ بِهِ النِّياق وَقَدْ يُرَجِّي

أَنِيقَ الْعَيْشِ مَنْ بَعَثَ النِّياقا

سَريْتُ بِها وَحَظِّي ذُو سُبَاتٍ

وجئت أبا الفوارس فاستفاقا

سعى وسعى الملوك فكان

مَدىً وَأَشَدَّ في السَّعْيِ انْطِلاقا

ص: 8

وَأَطْوَلَهُمْ لَدى الْعلْياءِ باعاً

وَأَثْبَتَهُمْ لَدى الْهَيْجآءِ سَاقا

يُطَبِّقُ غَيْثُهُ أَرْضَ الأَمَاني

وَيَسْمو سَعْدُهُ السَّبْعَ الطِّباقا

وَيَسْبِقُ عَزْمُهُ كَلْمَ اللَّيالِي

فَكَيْفَ يُحاوِلُونَ لَهُ سِباقا

وَمَنْ يطْلُبْ لِلَمْعِ الْبَرْقِ شَأْواً

يَجِدْهُ أَعزَّ مَطْلُوبٍ لَحاقا

وَمَا بِالْجَدِّ فَاقَ النَّاسَ صِيتاً

وَلكِنْ بِالنَّدى وَالْبَأْسِ فَاقا

وَمَنْ خَطَبَ الْمَعالِيَ بِالْعوَالِي

وَبِالْجَدْوى فَقدْ أَرْبى الصِّدَاقا

وإن طرق العدى لم يرض منهم

سوى هام الملوك له طراقا

وَقَدْ كَرِهَ التَّلاقِيَ كُلُّ صَبٍّ

كَأَنَّ إِلي الفِراقِ بِهِ اشْتِيَاقا

وَشَدَّد بِالْخِناقِ عَلَى الأَعَادِي

فَتىً رَاخِى بِنَائِلِهِ الْخِنَاقا

ص: 9

تَلاقَتْ عِنْدَكَ الآمالُ حَتّى

أَبى إِسْرَافُ جُودِكَ أَنْ يُلاقا

وَأَقْبَلَ بِالْهَنَاءِ عَلَيْكَ عِيدٌ

حَدَاهُ إِلَيْكَ إِقْبالٌ وَسَاقا

فَسَرَّكَ وَهْوَ منْكَ أَسَرُّ قَلْباً

وَلا عَجَبٌ إِن الْمُشْتَاقُ شَاقا

وَمِثْلُكَ يَا مُحَّمدُ سَاقَ جَيْشاً

يُكَلِّفُ نَفْسَ رَائِيهِ السِّيَاقا

إذا الْخَيْلُ الْعِتَاقُ حَملْنَ هَمّاً

فَهَمُّكَ يَحْملُ الْخَيْلَ الْعِتَاقا

وَمَنْ عَشِقَ الدِّقاقَ السُّمْرَ يَوْماً

فإِنَّكَ تَعْشَقُ السُّمْرَ الْدَّقَاقا

وَتَخْتَرِمُ الْمُلُوكَ بِها اخْتِرَاماً

وَتَخْتَرِقُ الْعَجَاجَ بِها اخْتِرَاقا

يَسُرُّكَ أَنْ تُسَاقِي الْجَيْشَ كَأْساً

مِنَ الْحَرْبِ اصْطِباحاً وَاغْتِبَاقا

وَأَشْجَعُ مَنْ رَأَيْنَاهُ شُجَاعٌ

يُلاقِيهِ السُّرُورُ بِأَنْ يُلاقِي

وَمَا مَاءٌ لِذِي ظَمَإٍ زُلالٌ

بِأَعْذَب مِنْ خَلائِقِهِ مَذاقا

حَبَانِي جُودُهُ عَيْشاً كَأَنِّي

ظَفِرْتُ بِهِ مِنَ الدَّهْرِ استِرَاقا

فَأَيَّامِي بِهِ بِيضٌ يِقَاقٌ

وَكَانَتْ قَبْلَهُ سُوداً صِفَاقا

ص: 10

وطَوَّقَنِي ابْنُ مَالِكَ طَوْقَ مَنٍّ

فَصُغْتُ مِنَ الثَّناءِ لَهُ نِطَاقا

أَرَى الأَيَّامَ لا تُعْطِي كَرِيماً

بُلُوغَ مُرَادِهِ إِلَاّ فَوَاقا

فَلا عَاقَتْكَ عَنْ طَلَبِ الْمَعَالِي

إِذا الأَيَّامُ كَادَتْ أَنْ تُعَاقا

ص: 11

3

وقال يمدح الأمير سديد الملك أبا الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ سنة ست وسبعين وأربع مائة:

الطويل

يَقِيني يَقِيني حَادِثاتِ النَّوائِبِ

وَحَزْمِيَ حَزْمِي في ظُهُورِ النَّجائِبِ

ص: 12

سَيُنْجِدُنِي جَيْشٌ مِنَ الْعَزْمِ طَالَما

غَلَبْتُ بِهِ الْخَطْبَ الَّذِي هُوَ غَالِبي

وَمَنْ كَانَ حَرْبَ الدَّهْرِ عَوَّدَ نَفْسَهُ

قِرَاعَ اللَّيَالِي لا قِرَاعَ الْكَتَائِبِ

عَلَى أَنَّ لِي في مَذْهَبِ الصَّبْرِ مَذْهَباً

يَزِيدُ اتِّساعاً عِنْدَ ضِيقِ الْمَذَاهِبِ

وَمَا وَضَعَتْ مِنِّي الْخُطُوبُ بِقَدْرِ مَا

رَفَعْنَ وَقَدْ هَذَّبْنَنِي بِالتَّجارِبِ

أَخَذْنَ ثَرآءً غَيْرَ بَاقٍ عَلَى النَّدى

وَأَعْطَيْنَ فَضْلاً في النُّهى غيْرَ ذَاهِبِ

فَمَالِيَ لا رَوْضُ الْمَساعِي بِمُمْرِعٍ

لَدَيَّ وَلا مَاءُ الأَمَانِي بِسَاكِبِ

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَعْدي لَدَيْهَا بِحَائِنٍ

زَمَاناً وَلا دَيْنِي عَلَيْهَا بَوَاجِبِ

وَحَاجَةِ نَفْسٍ تَقْتضِيها مَخَايلِي

وَتَقْضِي بِها لِي عادلاتٍ مَناصِبي

عَدَدْتُ لَها بَرْقَ الْغَمَامِ هُنَيْدَةً

وَأُخْرى وَمَا مِنْ قَطْرَةٍ في الْمَذَانِبِ

وَهَلْ نَافِعي شَيْمٌ مِنَ الْعَزْمِ صَادِقٌ

إِذا كنْتُ ذَا بَرْقٍ مِنَ الْحَظِّ كاذِبِ

ص: 13

وَإِنِّي لأَغْنى بِالْحدِيثِ عَنِ الْقِرى

وَبِالْبَرْقِ عَنْ صوْبِ الْغُيُوثِ السَّواكِبِ

قَنَاعَةُ عِزٍّ لا طَمَاعَةُ ذِلَّةٍ

تُزَهِّدُ في نَيْلِ الْغِنى كُل رَاغِبِ

إِذَا مَا امْتطَى الأَقْوَامُ مَرْكَبَ ثَرْوَةٍ

خُضُوعاً رَأَيْتُ الْعُدْمَ خَيْرَ مَرَاكِبي

وَلَوْ رَكِبَ النَّاسُ الْغِنى بِبَرَاعَةٍ

وَفَضْلٍ مُبِينٍ كُنْتُ أَوَّلَ رَاكِبِ

وَقَدْ أَبْلُغُ الْغَايَاتِ لَسْتُ بِسَائِرٍ

وَأَظْفَرُ بِالْحَاجَاتِ لَسْتُ بِطَالِبِ

وَمَا كُلُّ دَانٍ مِنْ مَرَامٍ بِظَافِرٍ

وَلا كُلُّ نَآءٍ عَنْ رَجآءٍ بِخَائِبِ

وَإِنَّ الْغِنى مِنِّي لأَدْنى مَسَافَةً

وَأَقْرَبُ مِمَّا بَيْنَ عَيْنِي وَحَاجِبِي

سَأَصْحَبُ آمَالي إِلى ابْنِ مُقَلَّدٍ

فَتُنْجِحُ مَا أَلْوَى الزَّمَانُ بِصَاحِبِ

ص: 14

فَما اشْتَطَّتِ الآمَالُ إِلَاّ أَبَاحَهَا

سَمَاحُ عَلِيٍّ حُكْمَها فِي الْمَواهِبِ

إِذَا كُنْتَ يَوْماً آمِلاً آمِلاً لَهُ

فَكُنْ وَاهِباً كُلَّ الْمُنَى كُلَّ وَاهِب

وَإِنَّ امْرأً أَفْضى إِلَيْهِ رَجَاؤُهُ

فَلَمْ تَرْجُهُ الأَمْلاكُ إِحْدى الْعَجَائِبِ

مِنَ الْقَومِ لَوْ أَنَّ اللَّيالِي تَقَلَّدَتْ

بِأَحْسَابِهِمْ لَمْ تَحْتَفِلْ بِالْكَوَاكِبِ

إِذا أَظْلَمَتْ سُبْلُ السُّرَاةِ إِلى الْعُلى

سَرَوْا فَاسْتَضَاءُوا بَيْنَها بِالْمَنَاسِبِ

هُمُ غَادَرُوا بِالْعِزِّ حَصْبَاءَ أَرْضِهِمْ

أَعَزَّ مَنَالاً مِنْ نُجُومِ الْغَيَاهِبِ

تَرى الدَّهْرَ مَا أَفْضى إِلى مُنْتَوَاهُمُ

يُنَكِّبُ عَنْهُمْ بِالْخُطُوبِ النَّوَاكِبِ

إِذَا الْمُنْقِذِيُّونَ اعْتَصَمْتَ بِحَبْلِهِمْ

خَضَبْتَ الْحُسَامَ الْعَضْبَ مِنْ كُلِّ خَاضِبِ

أُولئِكَ لمْ يَرْضَوْا مِنَ الْعِزِّ وَالْغِنى

سِوى مَا اسْتَبَاحُوا بِالْقَنَا وَالْقَوَاضِبِ

كَأَنْ لَمْ يُحَلِّلْ رِزْقَهُمْ دِينُ مَجْدِهِمْ

بِغَيْرِ الْعَوَالِي وَالْعِتَاقِ الشَّوَازِبِ

ص: 15

إِذَا قَرَّبُوهَا لِلِّقَاءِ تَبَاعَدَتْ

مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الطُّلى وَالذَّوَائِبِ

إِذَا نَزَلُوا أَرْضاً بِهَا الْمَحْلُ رُوِّضَتْ

وَمَا سُحِبَتْ فِيهَا ذُيُولُ السَّحَائِبِ

بِأَنْدِيَةٍ خضْرٍ فِسَاحٍ رِبَاعُهَا

وَأَوْدِيَةٍ غَزْرٍ عِذَابِ الْمَشَارِبِ

أَرَى الدَّهْرَ حَرْباً لِلْمُسَالِمِ بَعْدَمَا

صَحِبْناهُ دَهْراً وَهْوَ سِلْمُ الْمُحَارِبِ

فَعُذْ بِنَهارِيِّ الْعَدَاوَةِ أَوْحَدٍ

مِنَ الْقَوْمِ لَيْلِيِّ النَّدَى وَالرَّغَائِبِ

تَنَلْ بِسَدِيدِ الْمُلْكِ ثَرْوَةَ مُعْدِمٍ

وَفَرْجَةَ مَلْهُوفٍ وَعِصْمَةَ هَارِبِ

سَعى وَارِثُ الْمَجْدِ التَّلِيدِ فَلَمْ يَدَعْ

بِأَفْعَالِهِ مَجْداً طَرِيفاً لِكَاسِبِ

يُغَطِّي عَلَيْهِ الْحَزْمُ بِالْفِكَرِ الَّتِي

كَشَفْنَ لَهُ عَمَّا وَرَاءَ الْعَوَاقِبِ

وَرَأْيٍ يُري خَلْفَ الرَّدَى مِنْ أَمَامِهِ

فَمَا غَيْبُهُ الْمَكْنُونُ عَنْهُ بِغَائِبِ

بَقِيتَ بَقَاءَ النَّيِّرَاتِ وَمِثْلَها

عُلُوًّا وَصَوْناً عَنْ صُرُوفِ النَّوَائِبِ

ص: 16

وَدامَ بَنُوكَ السِّتَّةُ الزُّهْرُ إِنَّهُمْ

نُجُومُ الْمَعَالِي فِي سَماءِ الْمَنَاقِبِ

سَلَلْتَ سِهَاماً مِنْ كِنَانَةَ لَمْ تَزَلْ

يُقَرْطِس مِنْهَا فِي الْمُنى كُلُّ صَائِبِ

فَأَدْرَكْتَ مَا فَاتَ الْملُوكَ بِعَزْمَةٍ

تَقُومُ مَقَامَ الْحَظِّ عِنْدَ الْمُطَالِبِ

وَمَا فُقْتُهمْ حَتّى تَفَرَّدْتَ دُونَهُمْ

بِرَأْيِكَ في صَرْفِ الْخُطُوبِ اللَّوَازِبِ

وَمَا شَرُفَتْ عَنْ قِيمَة الزُّبَرِ الظُّبى

إِذَا لَمْ يُشَرّفْهَا مَضاءُ الْمَضَارِبِ

تَجَانَفْتُ عَنْ قَصْدِ الْمُلُوكِ وَعِنْدَهُمْ

رَغَائِبُ لَمْ تَجْنَحْ إِلَيْهَا غَرَائِبِي

ص: 17

تَنَاقَلُ بِي أيْدِي الْمَهَارى حَثِيثَةً

كَمَا اخْتَلَفَتْ فِي الْعَقْدِ أَنْمُلُ حَاسِبِ

إِذَا الشَّوْقُ أَغْرَانِي بِذِكْرِكَ مَادِحاً

تَرَنَّمْتُ مُرْتَاحاً فَحَنَّتْ رَكَائِبِي

بِمَنْظُومَةٍ مِنْ خَالِصِ الدُّرِّ سِلْكُهَا

عَرُوضٌ وَلكنْ دُرُّهَا مِنْ مَنَاقِبِ

تُعَمَّرُ عُمْرَ الدَّهْرِ حَتّى إِذَا مَضى

أقَامَتْ وَمَا أَرْمَتْ علَى سِنِّ كَاعِبِ

شَعَرْتُ وَحَظُّ الشِّعْرِ عِنْدَ ذَوِي الْغِنى

شَبِيهٌ بِحَظِّ الشِّيْبِ عِنْدَ الْكَواعبِ

وَمَا بِيَ تَقْصِرٌ عَنِ الْمَجْدِ وَالْعُلى

سِوَى أَنَّنِي صَيَّرْتُهُ مِنْ مَكَاسِبي

يُعَدُّ منَ الأَكْفَآءِ مَنْ كَانَ عَنْهُمُ

غَنِيًّا وَإِنْ لَمْ يَشْأَهُمْ في الْمَرَاتِبِ

وَلَوْ خَطَرتْ بِي فِي ضَمِيرِكَ خَطْرَةٌ

لَعَادَتْ بِتَصْدِيقِ الظُّنُونِ الكَواذبِ

وَأَصْبَحَ مُخْضَرّاً بِسَيْبِكَ مُمْرِعاً

جَنَابِي ومَمْنُوعاً بِسَيْفِكَ جَانِبِي

ص: 18

4

وقال يذم الزمان ويستعين بعض إخوانه على استخلاص مال له عند جماعة:

الطويل

لَكَ الْخَيْرُ قَدْ أَنْحى عَلَيَّ زَمَاني

وَمَالي بِما يَأْتِي الزَّمَانُ يَدَانِ

كَأَنَّ صُروفَ الدَّهْرِ لَيْسَ يَعُدُّهَا

صُرُوفاً إِذَا مَكْرُوهُهُنَّ عَدَانِي

وَلَوْ أَنَّ غَيْرَ الدَّهْرِ بِالْجَوْرِ قَادَني

جَمَحْتُ وَلكِنْ في يَدَيْهِ عِنَابِي

مُنِيتُ بِبَيْعِ الشِّعْرِ مِنْ كُلِّ بَاخِلٍ

بِخُلْفِ مَوَاعِيدٍ وَزُورِ أَمَانِي

ص: 19

وَمَنْ لِي بِأَنْ يُبْتَاعَ مِنِّي وَإِنَّما

أُقِيمُ لِماءِ الْوَجْهِ سُوقَ هَوَانِ

إذَا رُمْتُ أَنْ أَلْقى بِهِ الْقَوْمَ لَمْ يَزَلْ

حَيائِي وَمَسُّ الْعُدْمِ يَقْتَتِلانِ

أَخَافُ سُؤَالَ الْبَاخِلِينَ كَأَنَّنِي

مُلاقِي الْوَغى كُرْهاً بِقَلْبِ جَبَانِ

قَعَدْتُ بِمَجْرَى الْحَادِثَاتِ مُعَرَّضاً

لأَسْبَابِها مَا شِئْنَ فِيِّ أَتَانِي

مُصَاحِبَ أَيَّامٍ تُجُرُّ ذُيُولَها

عَلَيَّ بِأَنْواعٍ مِنَ الْحَدَثانِ

أَرَى الرِّزْقَ أَمَّا الْعَزْمُ مِنِّي فَمُوشِكٌ

إِلَيْهِ وَأَمَّا الْحَظُّ عَنْهُ فَوانِ

وَهَلْ يَنْفَعَنِّي أَنَّ عَزْمِيَ مُطْلَقٌ

وَحَظِّي مَتى رُمْتُ الْمَطَالِبَ عَانِ

وَمَا زَالَ شُؤْمُ الْجَدّ مِنْ كُلِّ طَالِبٍ

كَفِيلاً بِبُعْدِ الْمَطلَبِ الْمُتَدَانِي

وَقَدْ يُحْرَمُ الْجَلْدُ الْحَرِيصُ مَرَامَهُ

وَيُعْطِى مُنَاهُ الْعَاجِزُ الْمُتَوَانِي

ص: 20

وَمِنْ أَنْكَدِ الأَحْدَاثِ عِنْدِيَ أَنَّنِي

عَلَى نَكَدِ الأَحْدَاثِ غَيْرُ مُعَانِ

فَها أَنَا مَتْرُوكٌ وَكُلَّ عَظِيمَةٍ

أُقارِعُها شَأْنَ الْخُطُوبِ وَشَانِي

فَعَثْراً لِدَهْرٍ لا تَرى فِيهِ قَائلاً

لَعَاً لِفَتىً زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمَانِ

فَهَلْ أَنْتَ مُولٍ نِعْمةً فَمُبَادِرٌ

إِلَيَّ وَقَدْ أَلْقَى الرِّدى بِجِرانِ

وَحَطَّ عَليَّ الدَّهْرُ أَثْقالَ لُؤْمِهِ

وَتِلْكَ الَّتِي يَعْيَا بِها الثَّقَلانِ

وَمُسْتَخْلِصِي مِنْ قَبْضَةِ الْفَقْرِ بَعْدَمَا

تَمَلَّكَ رِقِّي ذُلُّهُ وَحَوانِي

وَجَاعِلُ حَمْدِي مَا بَقِيتُ مُخَلَّداً

عَلَيكَ وَمَا أَرْسَتْ هِضَابُ أَبَانِ

إِذاً تَقْتَنِي شُكْرَ امْرِيءٍ غَيْرِ هَادِمٍ

بِكُفْرِ الأَيَادِي مَا ارْتيَاحُكَ بانِ

ص: 21

فَمِثْلُكَ أُنْسِ الدَّوْلَةِ انْتاشَ هَالِكاً

أَخَيِذَ مُلِمَّاتٍ أَسِيرَ زَمَانِ

وَغَادَرَ مَنْ يَخْشَى الزَّمَانَ كَأَنَّما

يُلاقِيهِ مِنْ مَعْرُوفِهِ بِأَمَانِ

5

وقال يمدح القاضي جلال الملك أبا الحسن علي بن محمد بن عمار بطرابلس الشام

الكامل

يَا سَيِّدَ الْحُكِّامِ هَلْ مِنْ وَقْفَةٍ

يَهْمِي عَلَيَّ بِهَا سَحَابُ نَداكا

أَمْ هَلْ يَعُودُ لِيَ الزَّمَانُ بِعَطْفَةٍ

يَثْنِي إِلَيَّ بِهَا عِنَانَ رِضَاكا

ص: 22

هَبْ ذَا الرَّمِيِّ مِنَ الْحَوادِثِ جُنَّةً

وَلِذَا الأَسِيرِ مِنَ الْخُطُوبِ فِكَاكا

قدْ نَالَ مِنِّي صَرْفُهَا مَا لَمْ تَنَلْ

يَوْم التُّلَيلِ مِنَ الْعُداةِ ظُبَاكا

آلَيْتُ لا أَبْغِي نَداكَ بِشَافِعٍ

مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَاّكا

غَضَباً لِمَجدِكَ أَنْ تُخَوِّلَ نِعْمَةً

فَتَكونَ فِيها مِنَّةٌ لِسِواكا

6

وقال أيضاً يمدحه:

الوافر

أُمَنِّي النَّفْسَ وَصْلاً مِنْ سُعَادِ

وَأَيْنَ مِنَ الْمُنى دَرَكُ الْمُرَادِ

وَكَيْفَ يَصِحُّ وَصْلٌ مِنْ خَليلٍ

إِذَا مَا كَانَ مُعْتَلَّ الْوِدَادِ

ص: 23

تَمَادى فِي الْقَطِيعَةِ لا لِجُرمٍ

وَأَجْفى الْهَاجِرِينَ ذَوُو التَّمادِي

يُفَرِّقُ بَيْنَ قَلْبِي وَالتَّأَسِّي

وَيَجْمَعُ بَيْنَ طَرْفِي وَالسُّهَادِ

وَلَوْ بَذَلَ الْيسِيرَ لَبَلَّ شَوْقي

وَقَدْ يَرْوى الظِّمَاءُ مِنَ الثِّمَادِ

أَمَلُّ مَخَافَةَ الإِمْلالِ قُرْبِي

وَبَعْضُ الْقُربِ أَجْلَبُ لِلْبِعَادِ

وَعِنْدِي لِلأَحِبَّةِ كُلُّ جَفْنٍ

طَلِيقِ الدِّمْعِ مَأْسُورِ الرُّقَادِ

فَلا تَغْرَ الْحَوَادِثُ بِي فَحَسْبِي

جَفَاؤُكُمُ مِنَ النُّوَبِ الشِّدَادِ

إِذَا مَا النَّارُ كَانَ لَها اضطِّرَامٌ

فَما الدَّاعِي إِلى قَدْحِ الزِّنادِ

أَرى الْبِيضَ الْحِدَادَ سَتَقْتَضِينِي

نُزُوعاً عَنْ هَوى الْبِيضِ الْخِرَادَ

فَمَا دَمْعِي عَلَى الأَطْلال وَقْفٌ

وَلا قَلْبي مَعَ الظُّعْنِ الْغَوَادِي

وَلا أَبْقى جَلالُ الْمُلْكِ يَوْماً

لِغَيْرِ هَوَاهُ حُكْماً في فُؤَادِي

ص: 24

أُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ مِنْهُ

وَأَعْشَقُ دَوْلَةَ الْمَلِكَ الْجَوَادِ

رَجَوْتُ فَما تَجَاوَزَهُ رَجائِي

وَكَانَ الْماءِ غَايَةَ كُلِّ صَادِ

إذَا مَا رُوِّضَتْ أَرْضِي وَساحَتْ

فَما مَعْنى انْتِجاعِي وَارْتِيادِي

كَفى بِنَدَى جَلالِ الْمُلْكِ غَيْثاً

إِذا نَزَحَتْ قَرَارَةُ كُلِّ وَادِ

أَمَلْنا أَيْنُقَ الآمَالِ مِنْهُ

إِلى كَنَفٍ خَصِيبِ الْمُسْتَرادِ

وَأَغْنَانا نَدَاهُ علَى افْتِقَارٍ

غَناءَ الْغَيْثِ في السَّنَةِ الْجَمادِ

فَمَنْ ذَا مُبْلِغُ الأَمْلاكِ عَنَّا

وَسُوِّاسِ الْحَوَاضِرِ وَالْبَوادِي

بِأَنَّا قَدْ سَكَنَّا ظِلَّ مَلْكٍ

مَخُوفِ الْبَأْسِ مَرْجُوِّ الأَيَادِي

صَحِبْنَا عنْدَهُ الأَيَّامَ بِيضاً

وَقَدْ عُمَّ الزَّمَانُ مِنَ الْسَّوَادِ

وَأَدْرَكْنَا بِعَدْلٍ مِنْ عَلِيٍّ

صَلاحَ الْعَيْشِ فِي دَهْرِ الْفسَادِ

فَما نَخْشى مُحَارَبَةَ اللَّيَالِي

وَلا نَرْجُو مُسَالَمَةَ الأَعَادِي

ص: 25

فَقُولا لِلْمُعانِدِ وَهْوَ أَشْقَى

بِمَا تَحْبُوهُ عَاقِبَةُ الْعِنَادِ

رُوَيْدَكَ مِنْ عَدَاوَتِنَا سَتُرْدِي

نَوَاجِذَ مَاضِغِ الصُّمِّ الصِّلادِ

وَلا تَحْمِلْ عَلَى الأَيَّامِ سَيْفاً

فَإِنَّ الدِّهْرَ يَقْطَعُ بِالنِّجادِ

فَأَمْنَعُ مِنْكَ جَاراً قَدْ رمَيْنَا

كَرِيمَتَهُ بِداهِيَةٍ نَآدِ

وَمَنْ يَحْمِي الْوِهَادَ بِكُلِّ أَرْضٍ

إذا ما السيل طمم على النجاد

هو الراميك عن أمم وعرض

إِذا مَا الرَّأْيُ قَرْطَسَ في السَّدَادِ

وَمُطْلِعُها عَلَيْكَ مُسَوَّمَاتٍ

تَضِيقُ بِهَمِّها سَعَةُ الْبِلادِ

إِذَا مَا الطَّعْنُ أَنْحَلَها الْعَوَالِي

فَدى الأَعْجَازَ مِنْها بِالْهَوَادِي

فِدَآؤُكَ كُلُّ مَكْبُوتٍ مَغِيظٍ

يخافيك العداوة أو يبادي

فإنك ما بقيت لنا سليماً

فَما نَنْفَكُّ فِي عِيدٍ مُعَادِ

ص: 26

أَبُوكَ تَدَارَكَ الإِسلامَ لَمَّا

وَهَى أَوْ كَادَ يُؤْذِنُ بِانْهِدَادِ

سَخَا بِالنَّفْسِ شُحّاً بِالْمَعَالِي

وَجَاهَدَ بِالطَّرِيفِ وَبِالتِّلادِ

كَيَوْمِكَ إِذْ دَمُ الأَعْلاجِ بَحْرٌ

يُرِيكَ الْبَحْرَ فِي حُلَلٍ وِرَادِ

عَزَائِمُكَ الْعَوَائِدُ سِرْنَ فِيهِمْ

بِمَا سَنَّتْ عَزَائِمُهُ الْبَوَادِي

وَهذا الْمَجْدُ مِنْ تِلْكَ الْمَسَاعِي

وَهذا الْغَيْثُ مِنْ تِلْكَ الْغَوَادِي

وَأَنْتُمْ أَهْلُ مَعْدِلَةٍ سَبَقْتُمْ

إِلى أَمَدِ الْعُلى سَبْقَ الْجِيَادِ

رَعى مِنْكَ الرَّعِيَّةَ خَيْرُ رَاعٍ

كَرِيمِ الذَّبِّ عَنْهُمْ وَالذِّيَادِ

تَقَيْتَ اللهَ حَقَّ تُقَاهُ فِيهِمْ

وَتَقْوى اللهِ مِنْ خَيْرِ الْعَتَادِ

كَأَنَّكَ لا تَرى فِعْلاً شَرِيفاً

سِوى مَا كَان ذُخْراً لِلْمَعادِ

مَكَارِمُ بَعْضُها فِيهِ دَلِيلُ

عَلَى ما فِيكَ مِنْ كَرَمِ الْوِلادِ

ص: 27

هَجَرْتَ لَها شَغَفاً وَوَجْداً

وَكُلُّ أَخِي هَوىً قَلِقُ الْوِسَادِ

غَنِيتُ بِسَيْبِكَ الْمَرْجُوِّ عَنْهُ

كَمَا يَغْنى الْخَصِيبُ عَنِ الْعِهَادِ

وَرَوَّانِي سَمَاحُكَ مَا بَدَالِي

فَمَا أَرْتَاحُ لِلْعَذْبِ الْبُرادِ

إِذَا نَفَقَ الثَّناءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ

فَلَسْتُ بِخَائِفٍ فِيهَا كَسادِي

فَلا تَزَلِ اللَّيَالِي ضَامِنَاتٍ

بَقَاءَكَ مَا حَدَا الأَظْعَانَ حَادِ

ثَنائِي لا يُكَدِّرُهُ عِتَابي

وَقَوْلِي لا يَخَالِفُهُ اعْتِقَادِي

ص: 28

7

وقال يرثي جمال الدولة مملوك جلال الملك ويعزيه به، وقد وقع عن فرسه في الميدان فمات في وقته.

الطويل

إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَادِثِ الدَّهْرِ مَوْئِلُ

وَلَمْ يُغْنِ عَنْكَ الْحُزْنُ فَالصَّبْرُ أَجْمَلُ

وَأَهْوَنُ مَا لاقَيْتَ مَا عَزَّ دَفْعُهُ

وَقدْ يَصْعُبُ الأَمْرُ الأَشَدُّ فَيَسْهُلُ

وَمَا هذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ إِقَامَةٍ

فَيَحْزَنَ فِيهَا الْقَاطِنُ الْمُتَرَحِّلُ

هِيَ الدَّارُ إِلَاّ أَنَّها كَمَفازَةٍ

أَنَاخَ بِها رَكْبٌ وَرَكْبٌ تَحَمَّلُوا

مُنِينَا بِهَا خَرْقَاءَ لا الْعَذْلُ تَرْعَوِي

إِلَيْهِ وَلا مَحْضَ النَّصِيحَة تَقْبَلُ

لَنَا وَلَهَا فِي كلِّ يَوْمٍ عَجَائِبٌ

يَحَارُ لَهَا لُبُّ اللَّبِيبِ وَيَذْهَلُ

يَطُولُ مَدَى الأَفْكَارِ في كُنْهِ أَمْرِها

فَيَنْكُصُ عَنْ غَايَاتِه الْمُتَوَغِّلُ

ص: 29

وَإِنَّا لَمِنْ مَرِّ الْجَدِيدَيْنِ في وَغىً

إِذَا فَرَّ مِنْهَا جَحْفَلٌ كَرَّ جَحْفَلُ

تُجَرِّدُ نَصْلاً وَالْخَلائِقُ مَفْصِلٌ

وَتُنْبِضُ سَهْماً وَالْبَرِيَّةُ مَقْتَلُ

فَلا نَحْنُ يَوْماً نَسْتَطِيعُ دِفَاعَهَا

وَلا خَطْبُهَا عَنَّا يَعِفُّ فَيُجْمِل

وَلا خَلْفَنَا مِنْهَا مَفَرٌّ لِهَارِبٍ

فَكَيْفَ لِمَنْ رَامَ النَّجَاةَ التَّحَيُّلُ

وَلا نَاصِرٌ إِلَاّ التَّمَلْمُلُ والأَسى

وَمَاذَا الَّذِي يُجْدِي الأَسى وَالتَّمَلْمُلُ

نَبيتُ عَلَى وَعْدٍ مِنَ الْمَوْتِ صَادِقٍ

فَمِنْ حَائِنٍ يُقْضى وَآخَرَ يُمْطَلُ

وَكُلٌّ وَإِنْ طَالَ الثَّوآءُ مَصِيرُهُ

إِلى مَوْرِدٍ مَا عَنْهُ لِلْخَلْقِ مَعْدٍلُ

ص: 30

فَوَا عَجَبا مِنْ حَازِمٍ مُتَيَقِّنٍ

بِأَنْ سَوْفَ يَرْدى كَيْفَ يَلْهُو وَيَغْفُلُ

أَلا لا يَثِقْ بِالدَّهْرِ مَا عَاشَ ذُو حِجَىً

فَمَا وَاثِقٌ بِالدَّهْرِ إِلَاّ سَيَخْجَلُ

نَزَلْتُ عَلَى حُكْمِ الرَّدَى في مَعاشِرِي

وَمَنْ ذَا على حكم الردى ليس ينزل

تبدلت بالماضين منهم تعلة

وأين من الْماضِينَ مَنْ أَتَبَدَّلُ

إِذَا مَاءُ عَيْنِي بانَ كَانَ مُعُوَّلِي

عَلَى الدَّمْعِ إِنَّ الدَّمْعَ بِئْسَ الْمُعوِّلُ

كَفى حَزَناً أَنْ يُوقِنَ الْحَيُّ أَنَّهُ

بِسَيْفِ الرَّدَى لا بُدَّ أَنْ سَوْفَ يُقْتَلُ

لِبَيْكِ جَمَالَ الدَّوْلَةِ الْبَأْسُ وَالنَّدَى

إِذَا قَلَّ مَنَّاعٌ وَأَعْوَزَ مُفْضِلُ

فَتىً كَانَ لا يُعْطِي الْسَّوَاءَ قَسِيمَهُ

إِباءً إِذَا مَا جَاشَ لِلْحَرْبِ مِرْجَلُ

وَلا يَعْرِفُ الإِظْمَاءَ فِي الْمَحْلِ جَارُهُ

سَمَاحاً وَلُوْ أَنْ الْمَجَرَّةَ مَنْهَلُ

فَمَنْ مُبْلِغُ الْعَلْياءِ أَنِّيَ بُعْدَهُ

ظَمِئْتُ وَأَخْلافُ السّحَائِبِ حُفَّلُ

فَوَا أَسَفَا مَنْ لِلطَّرِيدِ يُجِيرُهُ

إِذَا ناشَهُ نَابٌ مِنَ الْخَوْفِ أَعْصَلُ

ص: 31

وَوَا أَسَفَا مَنْ لِلْفَقِيرِ يَمِيرُهُ

إِذَا شَفَّهُ دَاءٌ مِنَ الْفَقْرِ مُعْضِلُ

تَهَدَّمَ ذَاكَ الْبَاذِخُ الْشَّامِخُ الذُّرى

وأَقْلَعَ ذَاكَ الْعَارِضُ الْمُتَهَلِّلُ

فَيَا مَانِعَ اللَاّجِينَ هَا أَنَا مُسْلَمٌ

وَيَا مُمْطِرَ الرَّاجِينَ هَا أَنَا مُمْحِلُ

أَحِينَ احْتَبى فِيكَ الْكَمَالُ وَخُوِّلَتْ

يَدَاكَ مِنَ الْعَليْاءِ مَا لا يُخَوَّلُ

وَشَايَعَكَ العَزْمُ الْفَتِيُّ وَنَاضَلَ النَّ

وَائِبَ عَنْكَ السُّؤْدَدُ الْمُتَكَهِّلُ

وَلَمْ تُبْقِ حَظّاً مِنْ عُلاً تَسْتَزيدُهُ

وَلا حُلَّةً مِنْ مَفْخَرٍ تَتَسَرْبَلُ

رَمَاكَ فَأَصْمَاكَ الزَّمَانُ بِكَيْدِهِ

كَذَا تَنْقُصُ الأَقْمَارُ أَيّانَ تَكْمُلُ

وَمَا كُنْتُ أَخْشى أَنْ يَفُوتَ بِكَ الرِّدى

وَلَمَّا يَكْنْ يَوْمٌ أَغَرُّ مُحَجَّلُ

وَلَمَّا يَقُمْ مِنْ دُونِ ثَأْرِكَ مَعْشَرٌ

إِذَا عَزَمُوا فِي النَّائِبَاتِ تَوَكَّلُوا

مَنَاجِيدُ وَثَّابُونَ فِي كُلِّ صَهْوَةٍ

مَنَ الْعِزِّ قَوَّالُون لِلْمَجْدِ فُعَّلُ

أَتَذْهَبُ لَمْ يُشْرَعْ َأَمَامَكَ ذَابِل

لِمَنْعٍ وَلَمْ يُشْهَرْ وَرَاءَكَ مُنْصُلُ

ص: 32

فَهَلَاّ بِحيْثُ الْمَشْرَفِيَّةُ رُكَّعٌ

تُكَبِّرُ فِي هَامِ الْعِدى وَتُهَلِّلُ

وَأَلَاّ بِحَيْثُ السَّمْهَرِيَّةُ شُرَّعٌ

تُعَلُّ مِنَ الأَكْبَادِ رَياً وَتُنْهَلُ

كَدَأْبِكَ أَيَّامَ الْحَوَادِثُ نُوَّمٌ

وَجَدُّكَ يَقْظَانٌ وَحَدُّكَ مِقْصَلُ

فَهَلْ عَالِمٌ جَيْهَانُ أَنَّكَ بَعْدَهُ

رَمى بِكَ مَرْمَاهُ الْحِمَامُ المُعَجَّلُ

سَلَكْتَ وَإِيَّاهُ سَبيلاً غَدَا بِهِ

زَمَانُكُمَا في قِسْمَةِ الْجَوْرِ يَعْدِلُ

سَقَاكَ وَإِنْ لَمْ يُرْضِنِي فِيكَ وَابِلٌ

وَلَوْ حَلَّ لِي قُلْتُ الرَّحِيقُ الْمُسَلْسَلُ

مِنَ الْمُزْنِ مَشْمَولٌ يَرِفُّ كَأَنَّهُ

بِجُودِ جَلالِ الْمُلْكِ يَهْمِي وَيَهْطِلُ

وَمَهْمَا هَفَتْ يَوْماً مِنَ الْجَوِّ نَفْحَةٌ

فَهَبَّ بِحِضْنَيْكَ النَّسِيمُ الْمُمَنْدَلُ

ص: 33

وَلا عَدِمَ الْمَوْلى مِنَ الأَجْرِ خَيْرَهُ

وَبُلِّغَ فِي أَعْدَائِهِ مَا يُؤَمِّلُ

فِدَىً لَكَ مَنْ تَحْتَ السِّماءِ وَلا تَزَلْ

وَمجْدُكَ مَرْفُوعُ الْبِنَاءِ مُؤَثِّلُ

إِذَا جَلَّ خَطْبٌ غَالَ همَّكَ عِنْدَهُ

نُهمىً تَسَعُ الْخَطْبَ الْجَلِيلَ وَتَفْضُلُ

وأَرْغَمْتَ أَنْفَ النَّائِبَاتِ بِوَطْأَةٍ

تَخِفُّ عَلَى ظَهْرِ الزَّمَانِ وَتَثْقُلُ

وَأَيُّ مُلِمٍّ يزدهيك وإنما

بحملك في أمثاله يتمثل

غنيت بِمَا تَقْضِي بِهِ عِنْدَكَ النُّهى

وَفَضْلِكَ عَنْ تَعْرِيف مَا لَسْتَ تَجْهَلُ

وَمَاذَا يَقُولُ الْقَائِلُونَ لِمَاجِدٍ

أَصِيلِ الْحِجى فِي لَفْظَةٍ مِنْهُ فَيْصَلُ

ص: 34

8

وقال يرثي أخت جلال الملك:

الطويل

أَحَتّى إِلى الْعَلْياءِ يا خَطْبُ تَطْمَحُ

وَحَتّى فُؤَادَ الْمَجْدِ يا حُزْنُ تَجْرَحُ

أَكُلُّ بَقاءٍ لِلفَناءِ مُؤَهَّلٌ

وَكُلُّ حَياةٍ لِلْحِمامِ تُرَشَّحُ

سَلَبْتَ فَلَمْ تَتْرُكْ لِباقٍ بَقِيَّةً

فَيا دَهْرُ هَلَاّ بِالأَفاضِلِ تَسْمَحُ

تَجافَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيْحَكَ إِنَّهُ

لِما يُجْتَوى مِنْ فَاسِدٍ فِيكَ مُصْلِحُ

إِذا كُنْتَ عَنْ ذِي الْفَضْلِ لَسْتَ بِصافِحٍ

فَواحَسْرَتا عمَّنْ تَكُفُّ وَتَصْفَحُ

خَلِيلَيَّ قَدْ كانَ الَّذِي كانَ يُتَّقى

فَما عُذْرُ عَيْنٍ لا تُجُودُ وَتَسْفَحُ

قِفا فَاقْضِيا حَقَّ الْمَعالِي وَقَلَّما

يَقُومُ بِهِ دَمْعٌ يَجِمُّ وَيَطْفَحُ

فَمَنْ كانَ قَبْلَ الْيَوْمِ يَسْتَقْبِحُ الْبُكا

فَقَدْ حَسُنَ الْيَوْمَ الَّذِي كانَ يَقْبُحُ

فَلا رُزْءَ مِنْ هذا أَعَمُّ مُصِيبَةً

وَلا خَطْبَ مِنْ هذا أَمَرُّ وَأَفْدَحُ

ص: 35

مُصابٌ لَوَ أَنَّ اللَّيْلَ يُمْنى بِبَعْضِ مَا

تَحَمَّلَ مِنْهُ الْمَجْدُ ما كانَ يُصْبِحُ

وَحُزْنٌ تَساوى النَّاسُ فِيهِ وَإِنَّما

يَعُمُّ مِنَ الأَحْزانِ ما هُوَ أَبْرَحُ

تَرى السَّيْفَ لا يَهْتَزُّ فِيه كآبَةً

وَلا زاعِبِيَّاتِ الْقَنا تَتَرَنَّحُ

فَيا لَلْمَعالِي وَالْعَوالِي لِهالِكٍ

لَهُ الْمَجْدُ باكٍ وَالْمَكارِمُ نُوَّحُ

مَضى مُذْ قَضى تِلْكَ الْعَشِيَّةَ نَحْبَهُ

وَمَا كُلُّ مَغْبُوقٍ مِنَ الْعَيْشِ يُصْبَحُ

لَغاضَ لَهُ مَاءُ النَّدَى وَهْوَ سائِحٌ

وضاق بِهِ صَدْرُ الْعُلى وَهْوَ أَفيَحُ

ظَلِلْنا نُجِيلُ الْفِكْرَ هَلْ تَمْنَعُ الرَّدى

كَتائِبُهُ وَالْيَوْمُ أَرْبَدُ أَكْلَحُ

فَما مَنَعَتْ بُتْرٌ مِنَ الْبِيضِ قُطَّعٌ

وَلا نَفَعَتْ جُرْدٌ مِنَ الْخَيْلِ قُرَّحُ

وَلا ذادَ مَشْهُورٌ مِنَ الْفَضْلِ باهِرٌ

وَلا كَفَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْخَيْرِ أَسْجَحُ

وَهَيْهاتَ ما يَثْنِي الْحِمامَ إِذا أَتى

جِدارٌ مُعَلَّىً أَوْ رِتاجٌ مَصَفَّحُ

وَلا مُشْرِعاتٌ بِالأَسِنَّةِ تَلْتَظِي

وَلا عادِياتٌ فِي الأَعِنَّةِ تَضْبَحُ

ص: 36

وَلا سُؤْدَدٌ جَمٌّ بِهِ الْخَطْبُ يُزْدَهى

وَلا نائِلٌ غَمْرٌ بِهِ الْقَطْرُ يَفْضَحُ

فَيا لَلَّيالِي كَيْفَ أَنْجُو مِنَ الرَّدى

وَخَلْفِي وَقُدَّامِي لَهُ أَيْنَ أَسْرَحُ

أَأَرْجُو انْتِصاراً بَعْدَ ما خُذِلَ النَّدَى

وَآمُلُ عِزّاً والْكِرامُ تُطَحْطَحُ

أَرى الإِلْفَ ما بَيْنَ النُّفُوسِ جَنى لهَا

جَوانِحَ تُذْكَى أَوْ مَدامِعَ تَقْرَحُ

فَيا وَيْحَ إِخْوانِ الصَّفاءِ مِنَ الأَسَى

إِذا ما اسْتَرَدَّ الدَّهْرُ ما كانَ يَمْنَحُ

وَمَنْ عاشَ يَوْماً سَاءَهُ ما يَسُرُّهُ

وَأَحْزَنَهُ الشَّيْءُ الَّذِي كانَ يُفْرِحُ

عَزاءً جَلالَ الْمُلْكِ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ

بِفَضْلِ النُّهَى فِي مَقْفَلِ الْخَطْبِ تَفْتَحُ

فَذا الدَّهْرُ مَطْوِيٌّ عَلَى الْبُخْلِ بَذْلُهُ

يَعُودُ بِمُرِّ الْمَذْقِ حِينَ يُصَرِّحُ

يُساوِي لَدَيْهِ الْفَضْلَ بِالنَّقْصِ جَهْلُهُ

وَسيَّانِ لِلْمَكْفُوفِ مُمْسىً وَمُصْبَحُ

وَمِثْلُكَ لا يُعْطِي الدُّمُوعَ قِيادَهُ

وَلَوْ أَنَّ إِدْمانَ الْبُكا لَكَ َأرْوَحُ

وَلَوْ كانَ يُبْكي كُلُّ مَيْتٍ بِقَدْرِهِ

إِذاً عَلِمَتْ جَمَّاتُها كَيْفَ تُنْزَحُ

ص: 37

لَسالَتْ نُفُوسٌ لا دُمُوعٌ مُرِشَّةٌ

وَعَمَّ حَمامٌ لا سَقامٌ مُبَرِّحُ

وَما كُنْتَ إِذْ تَلْقى الْخُطُوبَ بِضارِعٍ

لَها أَبَداً أَنّي وَحِلْمُكَ أَرْجَحُ

وَكَمْ عَصَفَتْ فِي جانِبِيْكَ فَلَمْ تَبِتْ

لَها قَلِقاً وَالطَّوْدُ لا يَتَزَحْزَحُ

وَأَيُّ مُلِمٍّ فِي عَلائِكَ يَرْتَقِي

وَأَيُّ الرَّزايا فِي صَفاتِكَ يَقْدَحُ

9

وقال يمدحه وكتب بها إليه من دمشق (بعد خروجه من طرابلس):

البسيط

لَئِنْ عَدانِي زَمانٌ عَنْ لِقائِكُمُ

لَما عَدانِيَ عَنْ تَذْكارِ ما سَلفَا

وَإِنْ تَعَوِّضَ قَوْمٌ مِنْ أَحِبَّتَهَمْ

فَما تَعَوَّضْتُ إِلَاّ الْوَجْدَ وَالأَسَفا

وَكَيْفَ يَصْرِفُ قَلْباً عَنْ وِدادِكُمُ

مَنْ لا يَرى مَنْكُمُ بُدّاً إِذَا انْصَرَفا

ما حقُّ شَوْقِي أَنْ يُثْنى بِلائِمَةٍ

وَلا لِدَمُعِيَ أَنْ يُنْهى إِذا ذَرَفا

ص: 38

ما وَجْدُ مَنْ فارَقَ الْقَوْمَ الأُلى ظَعَنُوا

كَوَجْدِ مَنْ فَارَقَ الْعَليْاءَ وَالشَّرَفا

لأَغْرَيَنَّ بِذَمِّ الْبَيْنِ بَعْدَكمُ

وَكَيْفَ تَحْمَدُ نَفْسُ التَّالِفِ التَّلَفا

أَمُرُّ بِالرَّوْضِ فِيهِ مِنْكُمُ شَبَهٌ

فَأَغْتَدِيَ بارئاً وَأَنْثَنِي دَنِفا

وَيَخْطِرُ الْغَيْثُ مُنْهَلاًّ فَيَشْغَفُنِي

أَنِّي أَرى فِيهِ مِنْ أَخْلاقِكُمْ طَرَفا

أَعْدَيْتُمُ يا بَنِي عَمَّارَ كُلَّ يَدٍ

بِالجُودِ حتّى كَأَنَّ الْبُخْلَ ما عُرِفا

ما كانَ يُعْرَفُ كَيْفَ الْعَدْلُ قَبْلَكُمُ

حَتّى مَلَكْتُمْ فَسِرْتُمْ سِيرَةَ الْخُلَفا

ما أَحْدَثَ الدَّهْرُ عِنْدِي بَعْد فُرْقَتِكُمْ

إِلَاّ وِداداً كَماءِ الْمُزْنِ إِذْ رُشِفا

وَشُرِّداً مِنْ ثَناءٍ لا يُغِبُّكُمُ

مُضَمَّناً مُلَحَ الأَشْعَارِ وَالطٌّرَفا

كَالوَرْدِ نَشْراً وَلكِنْ مِنْ سَجِيَّتِهِ

أَنْ لَيْسَ يَبْرَحُ غَضّاً كُلَّما قُطِفا

مَحامِدٌ لَيْسَ يُبْلِي الدَّهْرُ جِدَّتَها

وَكَيْفَ تَبْلى وَقَدْ أَوْدَعْتُها الصُّحُفا

غُرٌّ إِذا أَنْشِدَتْ كَادَتْ حَلاوَتُها

تُرْبِي الْقَصائِدَ مِنْ أَبْكارِها نُتفَا

ص: 39

يَغْنى بِها الْمَجْدُ عَنْ عَدْلٍ عَلَيَّ وَمَنْ

يَبْغِي الشُّهُودَ عَلَى مَنْ جاءَ مُعْتَرِفا

ما أَنْتُمُ بِالنَّدى إِذْ كَانَ دِينَكُمُ

أَشَدُّ مِنِّي عَلَى بُعْدِي بِكُمْ شَغَفَا

مَنْ راكِبٌ وَاصِفٌ شَوْقِي إِلى مَلِكٍ

لا يَخْجَلُ الرَّوْضُ إِلَاّ كُلَّما وُصِفَا

يُثْنِي بِحَمْدِ جَلالِ الْمُلْكِ عَنْ نِعَمٍ

عِنْدِي بِما رَقَّ مِنْ شُكْرِي لَهُ وَصَفا

قُلْ لِلْهُمامِ رَعى الآمالَ بَعْدَكُمُ

قَوْمٌ فَرُحْتُ أَسُوقُ الْعُرَّ وَالْعُجُفا

إِنْ كانَ يَخْشُنُ لِلأَعْداءِ جانِبُهُ

فَقَدْ يَلِينُ لرِاجِي سَيْبِهِ كَنَفَا

حاشا لِمَنْ حَكَّمَتْ نُعْماكَ هِمَّتَهُ

أَلَاّ يَبِيتَ مِنَ الأَيَّامِ مُنْتَصِفا

كَمْ عَزْمَةًٍ لَكَ فِي الْعَلْياءِ سابِقَةٍ

إِذا جَرى الدَّهْرُ فِي مَيْدانِها وَقَفا

وَبَلْدَةٍ قَدْ حَماها مِنْكَ رَبُّ وَغىً

لا تَسْتَقِيل الرَّدى مِنْهُ إِذا دَلَفَا

إِنْ أَقْلَقَ الْخَطْبُ كَانَتْ مَعْقِلاً حَرَماً

أَوْ الْمَحْلُ طبق كَانَتْ رَوْضَةً أُنُفا

ص: 40

إِنَّ النَّعِيمَ لِباسٌ خَوَّلَتْهُ بِكُمْ

فَدامَ مِنْكُمْ عَلَى أَيَّامِها وَضَفا

إِنْ كُنْتَ غادَرْتَ في دُنْياكَ مِنْ شَرَفٍ

فَزادَكَ اللهُ مِنْ إِحْسانِهِ شَرَفا

10

وقال أيضاً يغريه باليهودي المعروف بالمورد وكان فاسقا:

الوافر

أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي عَلِيًّا

وَقاهُ اللهُ صَرْفَ النَّائِباتِ

مَقالاً لَمْ يكُنْ وَأَبِيكَ مَيْناً

وَلمْ أَسْلُكْ بِهِ طُرُقَ السُّعاةِ

أَصِخْ لِيَبُثَّكَ الإِسْلامُ شَكْوى

تُلِينُ لَهُ الْقُلُوبَ الْقاسِياتِ

فَلَيْسَ لِنَصْرِهِ مَلِكُ يُرَجيّ

سِواكَ الْيَوْمَ يا مَجْدَ الْقُضاةِ

ص: 41

لأَعْيا الْمُسْلِمِينَ يَهُودُ سُوءٍ

فَما تَحْمِي الْحُصُونُ الْمُحْصَناتِ

وَلا لِلْمُورِدِ الْمَلْعُونِ وِرْدٌ

سِوى أَبْنائِهِمْ بَعْدَ الْبَناتِ

يَبِيتُ مُجاهِداً بِالْفِسْقِ فِيهِمْ

فَتَحْسِبُهُ يُطالِبُ بِالتِّراتِ

بِأَيَّةِ حُجَّةٍ أَمْ أَيِّ حُكْمٍ

أُحِلَّ لَهُ سِفاحُ الْمُسْلِماتِ

أَما أَحَدٌ يَغارُ عَلَى حَريمٍ

أَماتَتْ غِيرَةُ الْعَرَبِ النُّخاةِ

أَنامَت في الغمود سيوف طي

أم انقطعت متون المرهفات

أَما لَوْ كَانَ لِلإِسْلامِ عَيْنٌ

لَجادَتْ بِالدُّمُوعِ الْجارِياتِ

دَعاكَ الدِّينُ دَعْوَةَ مُسْتَجِيرٍ

بِعَدْلِكَ مِنْ أُمُورٍ فاضِحاتِ

لَعَلَّكَ غاسِلٌ لِلْعارِ عَنْهُ

بِسَيْفِكَ يا حَلِيفَ الْمَكْرُماتِ

تَنَلْ أَجْراً وَذِكْراً سَوْفَ يَبْقى

عَلَيْكَ مَعَ اللَّيالِي الْباقِياتِ

أَمِثْلُكَ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ هذا

بِخُبْثِ مِحالِهِ وَالتُّرَّهاتِ

ص: 42

وَما قَلَّ الْوَرى حَتّى تَراهُ

مَكاناً لِلصَّنِيعةِ فِي السُّراةِ

فَقَدْ مَلأَ الْبِلادَ لَهُ حَدِيثٌ

يُرَدَّدُ بَيْنَ أَفْواهِ الرُّواةِ

يَشُقُّ عَلَى الْوَلِيِّ إِذا أَتاهُ

وَيَشْمِتُ مَعْشَرَ الْقَوْمِ الْعُداةِ

فَخُذْ لِلهِ مِنْهُ بِكُلِّ حَقٍّ

وَلا تَضَعِ الْحُدُودَ عَنِ الزُّناةِ

بِقَتْلٍ أَوْ بِحَرْقٍ أَوْ بِرَجْمٍ

يُكَفِّرُ مِنْ عَظِيمِ السَّيِّئاتِ

وَلا تَغْفِرْ لَهُ ذَنْباً فَيَضْرى

فَبَعْضُ الْعَفْوِ أَغْرى لِلْجُناةِ

لِيَعْلَمَ مَنْ بِأَرْضِ النِّيلِ أَضْحى

وَمَنْ حَلَّ الْفُراتَ إلى الصَّراةِ

بِأَنَّكَ مِنْهُمُ لِلْعَدْلِ أَشْهى

وَأَرْغَبُ فِي التُّقى وَالصَّالِحاتِ

وَأَغْضَبُهُمْ لِدِينِ اللهِ سَيْفاً

وَأَقْتَلُ لِلْجَبابِرَةِ الْعُتاةِ

إِذا أَمْرٌ أُضِيعَ مِنَ الرَّعايا

فَإِنَّ اللَّوْمَ فِيهِ عَلَى الرُّعاةِ

ص: 43

11

وقال يمدح جلال الملك أيضا (بطرابلس ويهنيه بالعيد):

الطويل

أما وَالْهَوى يَوْمَ اسْتَقَلَّ فَرِيقُها

لَقَدْ حَمَّلَتْنِي لَوْعَةًَ لا أُطِيقُها

تَعَجَّبُ مِنْ شَوْقِي وَما طالَ نَأْيُها

وغَيْرُ حَبِيبِ النَّفْسِ مَنْ لا يَشُوقُها

فَلا شَفَّها ما شَفَّنِي يَوْمَ أَعْرَضَتْ

صُدُوداً وَزُمَّتْ لِلتَّرَحُّلِ نُوقُها

أَهَجْراً وَبَيْناً شَدَّ ما ضَمِنَ الْجَوى

لِقَلْبِيَ دانِي صَبْوةٍ وَسَحِيقُها

وَكُنْتُ إِذا اشْتَقْتُ عَوَّلْتُ في الْبُكا

عَلَى لُجَّةٍ إِنْسانُ عَيْنِي غَرِيقُها

فَلَمْ يَبْقَ مِنْ ذا الدَّمْعِ إِلَاّ نَشيجُهُ

وَمِنْ كَبِدِ الْمُشْتاقِ إِلَاّ خُفُوقُها

فَيا لَيْتَنِي أَبْقى لِيَ الْهَجْرُ عَبْرَةً

فَأَقْضِي بِها حَقَّ النَّوى وَأُرِيقُها

وَإِنِّي لآَبى الْبِرَّ مِنْ وَصْلِ خُلَّةٍ

وَيُعْجِبُنِي مِنْ حُبِّ أُخْرى عُقُوقُها

ص: 44

وَأُعْرِضُ عَنْ مَحْضَ الْمَوَدَّةِ باذِلٍ

وَقَدْ عَزَّنِي مِمَّنْ أَوَدُّ مَذِيقُها

كَذلِكَ هَمِّي وَالنُّفُوسُ يَقُودُها

هَواها إِلى أَوْطارِها وَيَسُوقُها

فَلَوْ سَأَلَتْ ذاتُ الْوِشاحَيْنِ شِيمَتِي

لَخَبَّرَها عَنِّي الْيَقِينَ صَدُوقُها

وَما نَكِرَتْ مِنْ حادِثاتٍ بَرَيْنَنِي

وقَدْ عَلِقَتْ قَبْلِي الرِّجالَ عَلُوقُها

فَإِمَّا تَرَيْنِي يا ابْنَةَ الْقَومِ ناحِلاً

فَأَعْلى أَنابِيبِ الْرِّمَاحِ دَقِيقُها

وَكُلُّ سُيُوفِ الْهِنْدِ لِلْقَطْعِ آلَةٌ

وَأَقْطَعُها يَوْمَ الْجِلادِ رَقيقهُا

وَما خانَنِي مِنْ هِمَّةِ تَأْمُلُ الْعُلى

سِوى أَنَّ أَسْبابَ الْقَضَاءِ تَعُوقُها

سَأَجْعَلُ هَمِّي فِي الشَّدائِدِ هِمَّتِي

فَكَمْ كرْبَةٍ بِالْهَمِّ فُرِّجَ ضِيقُها

وَخَرْقٍ كَأَنَّ ألْيَمَّ مَوْجُ سَرابِهِ

تَرامَت بِنا أَجْوازُهُ وَخُرُوقُها

ص: 45

كَأَنَّا عَلَى سُفْنٍ مِنَ الْعِيسِ فُوْقَهُ

مَجادِيفُها أَيْدِي الْمَطِيِّ وَسُوقُها

نُرَجِّي الْحَيا مِنْ راحَةِ ابْنِ مُحَمَّدٍ

وَأَيُّ سَماءٍ لا تُشَامُ بُرُوقُها

فَما نُوِّخَتْ حَتّى أَسَوْنا بِجُودِهِ

جِراحَ الْخُطُوبِ الْمُنْهَراتِ فُتُوقُها

وَإِنَّ بُلُوغَ الْوَفْدِ ساحَةَ مِثْلِهِ

يَدٌ لِلْمَطايا لا تُؤَدّى حُقُوقُها

عَلَوْنَ بِآفَاقِ الْبِلادِ يَحِدْنَ عَنْ

مُلُوكِ بَنِي الدُّنْيا إِلى مَنْ يَفُوقُها

إِلى مَلِكٍ لَوْ أَنَّ نُورَ جَبِينِهِ

ومَا يُدْرِكُ الْغاياتِ إِلَاّ سَبُوقُها

هُمامٌ إِذا ما هَمَّ سَلَّ اعْتِزامَهُ

كَما سُلَّ ماضِي الشَّفْرَتَيْنِ ذَلِيقُها

يَطُولُ إِذا غالَ الْذَّوابِلَ قَصْرُها

وَيَمْضِي إِذا أَعْيا السِّهامَ مُرُوقُها

نَهى سَيْفُهُ الأَعْداءَ حتّى تَناذَرَتْ

وَوُقِّرَ مِنْ بَعْدِ الْجِماحِ نُزُوقُها

وَما يُتَحامى اللَّيْثُ لَوْلا صِيالُهُ

وَلا تُتَوقّى النَّارُ لَوْلا حَرِيقُها

ص: 46

وَقى اللهُ فِيكَ الدِّينَ وَالْبأْسَ وَالنَّدى

عُيُونَ الْعِدى ما جاوَر الْعَيْنَ مُوقُها

عزَفْتَ عَنِ الدُّنْيا فَلَوْ أَنَّ مُلْكَها

لِمُلْكِكَ بَعْضٌ ما اطَّباكَ أَنِيقُها

خُشُوعٌ وَإِيمانٌ وَعَدْلٌ وَرَأْفَةٌ

فَقَدْ حُقَّ بِالنَّعْماءِ مِنْكَ حَقِيقُها

عَلَوْتَ فَلَمْ تَبْعُدْ عَلَى طالِبٍ نَدىً

كَمُثْمِرَةٍ يَحْمِي جَناها بُسُوقُها

فَلا تَعْدَمِ الآمالُ رَبْعَكَ مَوْئِلاً

بِهِ فُكَّ عانِيها وَعَزَّ طَلِيقُها

سَبَقْتَ إِلى غاياتِ كُلِّ خَفِيَّةٍ

وَما يُدْرِكُ الْغاياتِ إِلَاّ سَبُوقُها

وَلَمَّا أَغَرْتَ الْباتِراتِ مُخَنْدِقاً

تَوَجَّعَ ماضِيها وَسِيءَ ذَلُوقُها

وَيُغْنِكَ عَنْ حَفْرِ الْخَنادِقِ مِثْلُها

مِنَ الضَّرْبِ إِمَّا قامَ لِلْحَرْبِ سُوقُها

وَلكِنَّها فِي مَذْهبِ الْحَزْمِ سُنَّةٌ

يَفُلُ بِها كَيْدَ الْعَدُوِّ صَدِيقُها

ص: 47

لَنا كُلَّ يَوْمٍ مِنْكَ عِيدٌ مُجَدَّدٌ

صَبُوحُ التَّهانِي عِنْدَهُ وَغَبُوقُها

فَنَحْنُ بِهِ مِنْ فَيْضِ سَيْبِكَ فِي غِنىً

وَفِي نَشَواتٍ لَمْ يُحَرَّمْ رَحِيقُها

وَقَفْتُ الْقَوافِي ذَراكَ فَلَمْ يَكُنْ

سِواكَ مِنَ الأَمْلاكِ مَلْكٌ يرُوقُها

مُعَطَّلَةً إِلَاّ لَديْكَ حِياضُها

وَمَهْجُورَةً إِلَاّ إِلَيْكَ طَرِيقُها

وَمالِيَ لا أُهْدِي الثَّناءَ لأَهْلِهِ

وَلِي مَنْطِقٌ حُلْوُ الْمَعانِي رَشِيقُها

وَإِنْ تَكُ أَصْنافُ الْقَلائِد جَمَّةً

فَما يَتَساوى دُرُّها وَعَقِيقُها

ص: 48

12

وقال في عمه أبي المناقب:

الطويل

يَدٌ لَكَ عِنْدِي لا تُؤَدّى حُقُوقُها

بِشَكْرٍ وَأَي الشُّكْرِ مِنِّي يُطِيقُها

سَماحٌ وَبِشْرٌ كَالسَّحائِبِ ثَرَّةً

تَوالى حَياها وَاسْتَطارَتْ بُرُوقُها

وَكَمْ كُرْبَةٍ نادَيْتُ جُودَكَ عِنْدها

فَما رامنِي حَتّى تَفَرَّجَ ضِيقُها

وَمَكْرَمَةٍ وَالَيْتَها وَصَنيعَةٍ

زَكَتْ لَكَ عِنْدِي حِدْثُها وَعَتِيقُها

مَناقِبُ إِنْ تُنْسَبْ فَأَنْتَ لَها أَبٌ

وَعَليْاءُ إِنْ عُدَّتْ فَأَنْتَ شَقِيقُها

وَوَلَّيْتَها نَفْساً لَدَيْكَ كَرِيمَةً

تَبِيتُ أَغارِيدُ السَّماحِ تَشُوقُها

ص: 49

13

وقال يرثي ثقة الملك ابن الطهماني والي صيدا، ويعزي به القاضي جلال الملك أبا الحسن علي بن عمار بعد هربه من صيدا واستجارته به:

المتقارب

بِنَفْسِي عَلَى قُرْبِهِ النَّازِحُ

وَإِنْ غالَنِي خَطْبُهُ الْفادِحُ

تَصافَحَ تُرْبَتُهُ وَالْنَّسِيمُ

فَنَشْرُ الصَّبا عَطِرٌ فائِحُ

كَأَنَّ الْمُغَرِّدَ فِي مَسْمَعِي

لِفَرْطِ اكْتِئابِي لَهُ نائِحُ

أَيا نازِلاً حَيْثُ يَبْلى الْجَديدُ

وَيَذْوِي أَخُو الْبَهْجةِ الْواضِحُ

ذَكَرْتُكَ ذِكْرى الْمُحِبِّ الْحَبِيبَ

هَيَّجَها الطَّلَلُ الْماصِحُ

فَما عَزَّنِي كَبِدٌ تَلْتَظِي

وَلا خانَنِي مَدْمَعٌ سافِحُ

مُقِيمٌ بِحَيْثُ يَصَمُ السَّمِيعُ

وَيَعْمى عَنِ النَّظَرِ الطّامِحُ

ص: 50

يَرِقُّ عَلَيْكَ الْعَدُوُّ الْمُبِينُ

وَيَرْثِي لَكَ الْحاسِدُ الْكاشِحُ

كَأَنْ لَمْ يَطُلْ بِكَ يَوْمَ الْفخَارِ

سَرِيرٌ وَلا أَجْرَدٌ سابِحُ

وَلَمْ تَقْتَحِمْ غَمَراتِ الْخُطُوبِ

فَيُغْرِقَها قَطْرُكَ النّاضِحُ

سَقاكَ كَجُودِكَ غادٍ عَلَى

ثَراكَ بِوابِلِهِ رائحُ

يُدَبِّجُ فِي ساحَتَيْكَ الرِّياضَ

كَما نَمَّقَ الْكَلِمَ الْمادِحُ

أَرى كُلَّ يوْمٍ لَنا رَوْعَةً

كَما ذُعِرَ النَّعَمُ السّارِحُ

نُفاجا بِجِدٍّ مِنَ الْمُعْضِلاتِ

كَأَنَّ الزَّمانَ بِهِ مازِحُ

نُعَلِّلُ أَنْفُسَنا بِالْمُقامِ

وَفِي طَيِّهِ السَّفَرُ النَّازِحُ

حَياةٌ غَدَتْ لاقِحاً بِالْحمِامِ

وَلا بُدَّ أَنْ تُنْتَجَ اللاّقِحُ

وَكُلُّ تَمادٍ إِلى غايَةٍ

وَإِنْ جَرَّ أَرْسانَهُ الْجامِحُ

وَما الْعُمْرُ إِلاّ كَمَهْوى الرِّشاءِ

إِلى حَيْثُ أَسْلَمَهُ الْماتِحُ

ص: 51

لَقَدْ نَصَحَ الدَّهْرُ مَنْ غَرَّهُ

فَحَتّامَ يُتَّهَمُ النّاصِحُ

حَمى اللهُ أَرْوَعً يَحْمِي الْبِلادَ

مِنَ الْجَدْبِ مَعْرُوفُهُ السّائِحُ

أَغَرُّ يَزِينُ التُّقى مَجْدَهُ

وَيُنْجِدُهُ الْحَسَبُ الْواضِحُ

أيا ذا الْمَكارِمِ لا رُوِّعَتْ

بِفَقْدِكَ ما هَدْهَدَ الصّادِحُ

فَما سُدَّ بابٌ مِنَ الْمَكْرُماتِ

إِلاّ وَأَنْتَ لَهُ فاتِحُ

أَبى ثِقَةُ الْمُلْكِ إِلاّ حِماكَ

حِمىً وَالزَّمانُ بِهِ طائِحُ

وَما كُلُّ ظِلٍّ بِهِ يَسْتَظِلُّ

مَنْ شَفَّهُ الرَّمَضُ اللاّفِحُ

طَوى الْبَحْرَ يَنْشَدُ بَحْرَ السَّماحِ

إِلى الْعَذْبِ يُقْتَحَمُ الْمالِحُ

فَبادَرْتَ تَخْسَأْ عَنْهُ الْخُطُوبَ

دِفاعاً كَما يَخْسَأُ النَّابِحُ

تَرُوعُ الرَّدى وَالْعِدى دُونَهُ

كَما رَوَّعَ الأَعْزَلَ الرَّامِحُ

عَطَفْتَ عَلَيْهِ أَبِيَّ الْحُظُوظِ

قَسْراً كَما يُورَدُ الْقامِحُ

وَباتَ كَفِيلاً لَهُ بِالثَّراءِ

وَالْعِزِّ طائِرُكَ السّانِحُ

ص: 52

صَنائِعُ لا وابِلُ الْمُعْصِراتِ

نَداها وَلا طَلُّها الرّاشِحُ

وَأُقْسِمُ لُوْ أَنَّ عِزّاً حَمى

مِنَ الْمَوْتِ ما اجْتاحَهُ جائحُ

وَلكِنَّ أَنْفُسَ هذا الأَنامِ

مَنائِحُ يَرْتَدُّها الْمانِحُ

وَأَيُّ فَتىً ساوَرَتْهُ الْمَنُونُ

فَلَمْ يرده رَوْقُها النّاطِحُ

سَبَقْتَ إِلى الْمَجدِ شُوسَ الْمُلُوكِ

كَما سَبَقَ الْجَذَعَ الْقارِحُ

ص: 53

14

وقال يمدح القاضي فخر الملك أبا علي بن محمد بن عمار، وأنشده إياها بطرابلس الشام سنة 482:

الطويل

أَرى الْعَلْياءَ واضِحَةَ السَّبِيلِ

فَما لِلْغُرِّ سالِمَةَ الْحُجُولِ

إِلى كَمْ يَقْتَضِيكَ الْمَجْدُ دَيْناً

تُحِيلُ بِهِ عَلَى الْقَدَرِ الْمَطُولِ

وَأَيُّ فَتىً تَمرَّسَ بِالْمعالِي

فَلَمْ يَهْجُمْ عَلَى خَطَرٍ مَهُولِ

وَإِنَّ عَناقَ حَرِّ الْمَوْتِ أَوْلى

بِذِي الإِمْلاقِ مِنْ بَرْدِ الْمَقِيلِ

ص: 54

وَما كانَتْ مُنىً بَعُدَتْ لِتَغْلُو

بِطُولِ مَشَقَّةِ السَّيْرِ الطَّويلِ

فَكَيْفَ تَخِيمُ وَالآمالُ أَدْنى

إِلَيْكَ مِنَ الْقِداحِ إِلى الْمُجِيلِ

وَقَدْ نادى النَّدى هَلْ مِنْ رَجاءٍ

وَقالَ النَّيْلُ هَلْ مِنْ مُسْتَنِيلِ

وَلَمْ أَرَ قَبْلَهُ أَمَلاً جَواداً

يُشارُ بِهِ إِلى عَزْمٍ بَخِيلِ

عَلامَ تُرَوِّضُ الْحَصْباءُ خِصْباً

وَتَجْزَعُ أَنْ تُعَدَّ مِنَ الْمُحُولِ

وَكَيْفَ تَرى مِياهَ الْفَضْلِ إِلاّ

وَقَدْ رُشِفَتْ بِأَفْواهِ الْعُقُولِ

لَقَدْ أَعْطَتْكَ صِحَّتَها الأَمانِي

فَلا تَعْتَلَّ بِالْحَظِّ الْعَلِيلِ

وَما لَكَ أَنْ تَسُومَ الدَّهْرَ حَظّاً

إِذا ما فُزْتَ بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ

إِذا أَهْلُ الثَّناءِ عَلَيْكَ أَثْنَوا

فَسِرْ فِي الْمَكْرُماتِ بِلا دَلِيلِ

ص: 55

أرى حُلَلَ النَّباهَةِ قَدْ أَظَلَّتْ

تُنازِعُ فِيَّ أَطْمارَ الْخُمُولِ

فَيا جَدِّي نَهَضْتَ وَيا زمَانِي

جَنَيْتَ فَكُنْتَ أَحْسنَ مُسْتَقِيلِ

وَيا فَخْرِي وَفَخْرُ الْمُلْكِ مُثْنٍ

عَلَيَّ لَقَدْ جَرَيْتُ بِلا رَسِيلِ

تَفَنَّنَ فِي الْعَطاءِ الْجَزْلِ حَتّى

حَبانِي فِيهِ بِالْحَمْدِ الْجَزِيلِ

فَها أَنا بَيْنَ تَفْضِيلٍ وَفَضْلٍ

تَبَرُّعُ خَيْرِ قَوّالٍ فَعُولِ

غَرِيبُ الْجُودِ يَحْمَدُ سائِلِيهِ

وَفَرْضُ الْحَمْدِ أَلْزَمُ لِلسَّؤُولِ

سَقانِي الرِّيَّ مِنْ بِشرٍ وَجُودٍ

كَما رَقَصَ الْحَبابُ عَلَى الشَّمُولِ

وَأَعْلَمُ أَنَّ نَشْوانَ الْعَطايا

سَيَخْمَرُ بِالْغِنى عَمّا قَلِيلِ

أَما وَنَداكَ إِنَّ لَهُ لَحَقًّا

يُبِرُّ بِهِ أَلِيَّةَ كُلِّ مُولِ

لَئِنْ أَغْرَبْتَ فِي كَرَمِ السَّجايا

لَقَدْ أَغْربْتَ عَنْ كَرَمِ الأُصُولِ

أَلا أَبْلِغْ مُلُوكِ الأَرْضِ أَنِّي

لَبِسْتُ الْعَيْشَ مَجْرُورَ الذُّيُولِ

لَدى مَلِكٍ مَتى نَكَّبْتَ عَنْهُ

فَلَسْتَ عَلَى الزَّمانِ بِمُسْتَطِيلِ

ص: 56

وَلَمّا عَزَّ نائِلُهُمْ قِياداً

وَهَبْتُ الصَّعْبَ مِنْهُمْ لِلذَّلُولِ

وَطَلَّقْتُ الْمُنى لا الْعَزْمُ يَوْماً

لَهُنَّ وَلا الرَّكائِبُ لِلذَّمِيلِ

وَلُوْلا آلُ عَمّارِ لَباتَتْ

تَرى عَرْضَ السَّماوَةِ قِيدَ مِيلِ

أَعَزُّونِي وَأَغْنَوْنِي وَمِثْلِي

أُعِينَ بكُلِّ مَنّاعٍ بَذُولِ

وَحَسْبُكَ أَنَّنِي جارٌ لِقَوْمٍ

يُجِيرُونَ الْقَرارَ مِنَ السُّيُولِ

أَلا للهِ دَرُّ نَوىً رَمَتْ بِي

إِلى أَكْنافِ ظِلِّهِمِ الظَّلِيلِ

وَدَرُّ نَوائِبٍ صَرَفَتْ عِنانِي

إِلى تِلْقائِهِمْ عِنْدَ الرَّحِيلِ

أُسَرُّ بِأَنَّ لِي جَدّاً عَثُوراً

وَعَمّارُ بْنُ عَمّارٍ مُقِيلي

وَلَوْلا قُرْبُهُ ما كُنْتُ يَوْماً

لأَشْكُر حادِث الْخَطْبِ الْجَلِيلِ

وَقَدْ يَهْوى الْمُحِبُّ الْعَذْلَ شَوْقاً

إِلى ذِكْرِ الأَحِبَّةِ لا الْعَذُولِ

لَهُ كَرَمُ الْغَمامِ يَجُودُ عَفْواً

فَيُغْنِي عَنْ ذَرِيعٍ أَوْ وَسِيلِ

وَما إِن زِلْتُ أَرْغَبُ عَنْ نَوالٍ

يُقَلِّدُنِي يَداً لِسَوى الْمُنِيلِ

ص: 57

تَجُودُ بِطِيبِ رَيّاها الْخُزامى

وَيَغْدُو الشُّكْرُ لِلرِّيحِ الْقَبُولِ

وَغَيْرِي مَنْ يُصاحِبُهُ خُضُوعٌ

أَنَمُّ مِنَ الدُّمُوعِ عَلَى الْغَلِيلِ

يَعُبُّ إِذا أَصابَ الضَّيْمُ شَرْباً

وَبَعْضُ الذُّلِّ أَوْلى بِالذَّلِيلِ

تَرَفَّعَ مَطْلَبِي عَنْ كُلِّ جُودٍ

فَما أَبْغِي بِجُودِكَ مِنْ بَدِيلِ

وَمالِيَ لا أَعافُ الطَّرْقَ وِرْداً

وَقَدْ عَرَضَتْ حِياضُ السَّلْسَبِيلِ

وَقَدْ عَلَّمْتَنِي خُلُقَ الْمَعالِي

فَما أَرْتاحُ إِلاّ لِلنَّبِيلِ

وَلِي عِنْدَ الزَّمانِ مُطالَباتٌ

فَما عُذْرِي وَأَنْتَ بِها كَفيلي

وَإِنَّ فَتىً رَآكَ لَهُ رَجاءَ

لأَهْلٌ أَنْ يُبَلَّغَ كُلَّ سُولِ

وَرُبَّ صَنِيعَةٍ خُطِبَتْ فَزُفَّتْ

إِلى غَيْرِ الْكَفِيءِ مِنَ الْبُعُولِ

أَبِنْ قَدْرَ اصْطِناعِكَ لِي بِنُعْمى

تَبُوحُ بِسِرِّ ما تُسْدِي وَتُولِي

إِذا ما رَوَّضَ الْبَطْحاءَ غَيْثٌ

تَبَيَّنَ فَضْلُ عارِضِهِ الْهَطُولِ

ص: 58

وَأَعْلِنْ حُسْنَ رَأْيِكَ فِيَّ يَرْجَحْ

عَدُوِّي فِي الْمَوَدَّةِ مِنْ خَلِيلِي

فَلَيْسَ بِعائِبِي نُوَبٌ أَكَلَّتْ

شَبا عَزْمِي وَلَمْ يَكُ بِالْكَلِيلِ

فَإِنَّ السَّيْفَ يُعْرَفُ ما بَلاهُ

بِما فِي مَضْرِبَيْهِ مِنَ الْفُلُولِ

وَكَائِنْ بِالْعَواصِمِ مِنْ مُعَنّىً

بِشِعْرِي لا يَرِيعُ إِلى ذُهُولِ

أَقَمْتُ بأَرْضِهِمْ فَحَلَلْتُ مِنْها

مَحَلَّ الْخال فِي الْخَدِّ الأَسِيلِ

وَلكِنْ قادَنِي شَوْقِي إِلَيْكُمْ

وَحُبِّي كُلَّ مَعْدُومِ الشُّكُولِ

فَأَطْلَعَ فِي سَمائِكَ مِنْ ثَنائِي

نُجُومَ عُلىً تَجِلُّ عَنِ الأُفُولِ

سَوائِرُ تَمْلأُ الآفاقَ فَضْلاً

تُعِيدُ الْغُمْرَ ذا رَأْيٍ أَصيلِ

قَصائِدُ كالْكَنائِنِ فِي حَشاها

سِهامٌ كَالنُّصُولِ بِلا نُصُولِ

نَزائِعُ عَنْ قِسِيِّ الْفِكْرِ يُرْمى

بِها غَرَضُ الْمَوَدَّةِ وَالذُّحُولِ

وَكُنَّ إِذا مَرَقْنَ بِسَمْعِ صَبٍّ

أَصَبْنَ مَقاتِلَ الْهَمِّ الدَّخِيلِ

ص: 59

إِذا ما أُنْشِدَتْ فِي الْقَوْمِ رَقَّتْ

شَمائِلُ يُوْمِهِمْ قَبْلَ الأَصِيلِ

تزُورُ أَبا عَلِيٍّ حَيْثَ أَرْسَتْ

هِضابُ الْغِزِّ وَالْمَجدْ الأَثِيلِ

ومن يجزيك عن فعل بقول

لقد حاولت عين المستحيل

وَكَيْفَ لِيَ السَّبِيلُ إِلى مَقالٍ

يُخَفِّفُ مَحْمِلَ الْمَنِّ الثَّقِيلِ

فَلا تَلِمُ الْقَوافِيَ إِنْ أَطَالَتْ

قَطِيعَةَ بِرَّكَ الْبَرِّ الْوَصُولِ

هَرَبْتُ مِنَ ارْتِياحِكَ حِينَ أَنْحى

عَلَى حَمْدِي بِعَضْبِ نَدىً صَقِيلِ

وَلَمّا عُذْتُ بِالْعَلْياءِ قالَتْ

لَعَلَّكَ صاحِبُ الشُّكْرِ الْقَتِيلِ

فَيا لَكِ مِنَّةً فَضَحَتْ مَقالِي

وَمِثْلِي فِي الْقَرِيضِ بِلا مَثِيلِ

فَعُذْراً إِنْ عَجَزْتُ لِطُولِ هَمِّي

عَنِ الإِسْهابِ وَالنَّفَس الطَّوِيلِ

فَإِنْ وَجى الْجِيادِ إِذا تَمادى

بِها شَغَلَ الْجِيادَ عَنِ الصَّهِيلِ

ص: 60

15

وقال أيضاً يمدحه ويهنيه بالعيد:

الطويل

خَلِيلَيَّ إِنْ لَمْ تُسْعِدا فَذارنِي

وَلا تَحْسَبا وَجْدِي الذِي تَجِدانِ

خُذا مِنْ شُجُونِي ما يَدُلُّ عَلَى الْجَوى

فَما النّارُ إِلاّ تَحْتَ كُلِّ دُخانِ

أَماتَ الْهَوى صَبْرِي وَأَحْيا صَبابَتِي

فَها أنا مَغْلُوبٌ كَما تَرَيَانِ

وَلَوْ أَنَّ مَنْ أَهْواهُ عايَنَ لُوْعَتِي

لُعَنَّفَنِي فِي حُبِّهِ وَلَحانِي

تَحَمَّلْتُ مِنْ جُوْرِ الأَحِبَّةِ ما كَفى

فَلا يَبْهَظَنِّي الْيَوْمَ جَوْرُ زَمانِي

وكَيْفَ احْتفِالي بِالزَّمانِ وَصَرْفِهِ

وَما زالَ فَخْرُ الْمُلْكِ مِنْهُ أَمانِي

عَلِقْتُ إِذا ما رُمْتُ عَدَّ كِرامِهِ

بِأَوَّلِ مَنْ يُثْنى عَلَيهِ بَنانِي

بِأَزْهَرَ وَضَّاحِ الْجَبينِ مُهَذَّبٍ

جَمِيلِ الْحَيا ماضٍ أَغَرَّ هِجانِ

ص: 61

إِذا آلُ عَمّارٍ أَظَلَّكَ عِزُّهُمْ

فَغَيْرُكَ مَنْ يَخْشى يَدَ الْحَدَثانِ

هُمُ الْقَوْمُ إِلَاّ أَنَّ بَيْنَ بُيُوتِهِمْ

يُهانُ الْقِرى وَالْجارُ غَيْرُ مُهانِ

هُمُ أَطْلَقُوا بِالْجُودِ كُلَّ مَصَفَّدٍ

كَما أَنْطَقُوا بِالْحَمْدِ كُلَّ لِسانِ

لَهُمْ بِك فَخْرَ الْمُلْكِ فَخْرٌ عَلَى الْوَرى

لَهُ شائِدٌ مِنْ راحَتَيْكَ وَبَانِ

نُجُومُ عَلاءٍ فِي سَماءِ مَناقِبٍ

عَلِيٌّ وَعَمّارٌ بِها الْقَمَرانِ

هَنيئاً لَكَ الأَيّامُ فَالدَّهْرُ كُلُّهُ

إِذا وَقاكَ اللهُ دَهْرُ تَهانِ

لِذا الْخَلْقِ عِيدٌ فِي أَوانٍ يَزُورُهُمْ

وَأَنْتَ لَنا عِيدٌ بِكُلِّ أَوانِ

فَحَسْبِي مِنَ النَّعْماءِ أَنَّكَ وَالنَّدى

خَلِيلاً صَفاءِ لَيْسَ يَفْتَرِقانِ

إِذا رُمْتُ شِعْرِي فِي عُلاكَ أَطاعَنِي

وَإِنْ رُضْتُ فِكْرِي فِي سِواكَ عَصاني

وَما ذاكَ إِلاّ أَنَّنِي لَكَ ناطِقٌ

بِمْثِلِ الَّذِي يُطْوى عَلَيْهِ جَنانِي

ص: 62

أَلاّ حَبَّذا دَهْرٌ إِلَيْكَ أَصارَنِي

وَخَطْبٌ إِلى جَدْوى يَدَيكَ دَعانِي

لَقَدْ أَثْمَرَتْ أَيّامُهُ لِيَ أَنْعُماً

وَلَوْلاكَ لَمْ يُثْمِرْنَ غَيْرَ أَمانِي

وَإِنِّي لَتَقْتادُ الْمَطالِبَ هِمَّتِي

فَأَرْجَعُ مَثْنِيًّا إِلَيْكَ عَنانِي

وَإِنِّي لأَرْجُو منْ عطائِكَ رُتْبَةً

يُقَصِّرُ عَنْ إِدْراكِها الثَّقَلانِ

فَما تَقْرُبُ الدُّنْيا وَعَطْفُكَ نازِحٌ

وَلا تَبْعُدُ النُّعْمى وَجُودُكَ دانِ

ص: 63

16

وقال أيضاً يمدحه:

البسيط

أَعْطى الشَّبابَ مِنَ الآرابِ ما طَلبَا

وَراحَ يَخْتالُ في ثَوْبَيْ هَوىً وَصِبا

لَمْ يُدْرِكِ الشَّيْبُ إِلاّ فَضْلَ صَبْوَتِه

كَما يُغادِرُ فَضْلَ الْكَأْسِ مَنْ شَرِبا

رَأَى الشَّبِيبَةَ خَطّاً مُونِقاً فَدَرى

أَنَّ الزَّمانَ سَيَمْحُو مِنْهُ ما كَتَبا

إِنَّ الثَّلاثِينَ لَمْ يُسْفِرْنَ عَنْ أَحَدٍ

إِلاّ ارْتَدى بِرِداءِ الشِّيْبِ وانْتَقَبَا

وَالْمَرْءُ مَنْ شَنَّ فِي الأَيّامِ غارَتَهُ

فَبادَرَ الْعَيْشَ بِاللَّذّاتِ وَانْتَهَبا

ما شاءَ فَلْيَتَّخِذْ أَيّامَهُ فُرَصاً

فَلَيْسَ يَوْمٌ بِمَرْدُودٍ إِذا ذَهَبَا

هَلِ الصِّبي غَيْرُ مَحْبُوبٍ ظَفِرْتُ بِهِ

لَمْ أَقْضِ مِنْ حُبِّهِ قَبْلَ النَّوى أَرَبا

إِنِّي لأَحْسُدُ مَنْ طاحَ الْغَرامُ بِهِ

وَجَاذَبَتْهُ حِبالُ الشَّوْقِ فَانْجَذَبا

وَالْعَجْزُ أَنْ أَتْرُكَ الأُوْطارِ مُقْبِلَةً

حتّى إِذا أَدْبَرَتْ حاوَلْتُها طَلَبا

ص: 64

مالِي وَلِلْحَظِّ لا يَنْفَكُّ يَقْذِفُ بِي

صُمِّ الْمَطالِبِ لا وِرْداً وَلا قَرَبا

أَصْبَحْتُ فِي قَبْضَةِ الأَيّامِ مُرْتَهَناً

نائِي الْمَحَلِّ طَرِيداً عَنْهُ مُغْتَرِبا

أَلَحَّ دَهْرٌ لَجُوجٌ فِي مُعانَدَنِي

فَكُلَّما رُضْتُه فِي مَطْلَبٍ صَعُبا

كَخائِضِ الُوَحْلِ إِذْ طالَ الْعَناءُ بِهِ

فَكُلَّما قَلْقَلَتْهُ نَهْضَةٌ رَسَبا

لأَسْلُكَنَّ صُرُوفَ الدَّهْرِ مُقْتَحِماً

هُوْلاً يُزَهِّدُ فِي الأَيّامِ مَنْ رَغِبا

غَضْبانَ لِلْمَجْدِ طَلاّباً بِثَأْرِ عُلاً

وَاللَّيْثُ أَفْتَكُ ما لاقى إِذا غَضِبا

عِنْدِي عَزائمُ رَأْيٍ لُوْ لَقِيتُ بِها

صَرْفَ الزَّمانِ لَوَلىّ مُمْعِناً هَرَبا

لا يَمْنَعَنَّكَ مِنْ أَمْرٍ مَخافَتُهُ

لَيْسَ الْعُلى النَفِيسِ يَكْرَهُ الْعَطَبا

كُنْ كَيْفَ شِئْتَ إِذا ما لَمْ تَخِمْ فَرَقاً

لا عَيْبَ لِلسَّيْفِ إِلاّ أَنْ يُقالَ نَبا

لا تَلْحَ فِي طَلَب الْعَلْياءِ ذا كَلَفٍ

فَقَلَّما أَعْتَبَ الْمُشْتاقُ مَنْ عَتَبا

لَتَعْلَمَنَّ بَناتُ الدَّهْرِ ما صَنَعَتْ

إِذا اسْتَشاطَتْ بَناتُ الْفِكْرِ لِي غَضَبا

ص: 65

هِيَ الْقَوافِي فَإِنْ خَطْبٌ تَمَرَّسَ بِي

فَهُنَّ ما شاءَ عَزْمِي مِنْ قَنَاً وَظُبا

عَقائِلٌ قَلَّما زُفَّتْ إِلى مَلِكٍ

إلاّ أَباحَ لَهُنَّ الْوُدَّ وَالنَّشَبا

غَرائِبٌ ما حَدا الرَّكْبُ الرِّكابَ بِها

إِلاّ تَرَنَّحْنّ مِنْ تَرْجِيعهِا طَرَبا

مِنْ كُلِّ حَسْناءَ تَقْتادُ النُّفُوسَ هَوىً

إِذا أَلَمَّ بِسَمْعٍ رَجْعُها خَلَبا

شامَتْ بُرُوقَ حَياً باتَتْ تَشِبُّ كَما

تُجاذِبُ الرِّيحُ عَنْ أَرْماحِها الْعَذَبا

وَاسْتَوْضَحَتْ سبُلً الآمالِ حائِدَةً

عَنِ الْمُلُوكِ إِلى أَعْلاهُمُ حَسَبا

تَؤُمُّ أَبْهَرَهُمْ فَضْلاً وَأَغْمَرَهُمْ

بَذْلاً وَأَفْخَرَهُمْ فِعْلاً وَمُنْتَسَبا

تَفَيَّأَتْ ظِلَّ فَخْرِ الْمُلْكِ وَاغْتَبَطَتْ

بِحَيْثُ حُلَّ عِقالُ الْمُزْنِ فَانْسَكَبا

حَتّى إِذا وَرَدَتْ تَهْفُو قَلائِدَها

أَلْفَتْ أَغَرَّ بِتاجِ الْمَجْدَ مُعْتَصِبا

أَشَمَّ أَشْوَسَ مَضْرُوباً سُرادِقُهُ

عَلى الْمَالِكِ مُرْخٍ دُونَها الْحُجُبا

مُمَنَّعَ الْعِزِّ مَعْمُورَ الْفِناءِ بِهِ

مُظَفَّرَ الْعَزْمِ وَالآراءِ مُنْتَجَبا

مِنْ مَعْشَرٍ طالَما شَبُّوا بِكُلِّ وَغىً

ناراً تَظَلُّ أَعادِيهِمْ لهَا حَطَبا

ص: 66

بِيضٌ تَوَقَّدُ فِي أَيْمانِهِمْ شُعَلٌ

هِيَ الصَّواعِقُ إِذْ تَسْتَوْطِنُ السُّحُبا

مِنْ كُلِّ أرْوَعَ مَضّاءٍ إِذا قَصُرتْ

خُطى الْمُحامِينَ فِي مَكْرُوهَةٍ وَثَبا

ذا لا كَمَنْ قَصَّرَتْ فِي الْمَجْدِ هِمَّتُهُ

فَباتَ يَسْتَبْعِدُ الْمَرْمى الَّذِي قَرُبا

عَضْبِ الْعَزِيمَةِ لَوْ لاقَتْ مَضارِبُها

طُوْداً مِنَ الْمُشْرِفاتِ الصُّمِّ لانْقَضَبا

زاكِي الْعُرُوقِ لَهُ مِنْ طَيِّءٍ حَسَبٌ

لُوْ كَانَ لَفْظاً لَكانَ النَّظْمَ وَالْخُطَبا

الْهَادِمِينَ مِنَ الأَمْوالِ ما عَمَرُوا

وُالْعامِرِينَ مِنَ الآمالِ ما خَرِبا

رَهْطِ السَّماحِ وَفِيهِمْ طابَ مَوْلِدُهُ

إِنَّ السَّماحَ يَمانٍ كُلَّما انْتَسَبا

أَمّا الْمُلُوكُ فَمالِي عِنْدَهُمْ هَمِمِي

وَالْشُّهْبُ تَحْسَبُها مِنْ فَوْقِها الشُّهُبا

خَلا نَدى مَلِكٍ تُصْبِي خَلائِقُهُ

قَلْبَ الثَّناءِ إِذا قَلْبُ الْمُحِبِّ صَبا

ص: 67

لَقَدْ رَمَتْ بِي مَرامِيها النَّوى زَمناً

فَالْيَوْمَ لا أَنْتَحِي فِي الأَرْضِ مُضْطَرَبا

أَأَرْتَجِي غَيْرَ عَمّارٍ لِنائِبَةٍ

إِذَنْ فَلا آمَنَتْنِي كَفُّهُ النُّوبَا

الْمَانِعُ الْجارَ لُوْ شاءَ الزَّمانُ لَهُ

مَنْعاً لَضاقَ بِهِ ذَرْعاً وَإِنْ رَحُبا

الْبَاذِلُ الْمالَ مَسْئُولاً وَمُبْتَدِئاً

وَالصائِنُ الْمَجْدَ مَوْرُوثاً وَمُكْتَسَبا

الْواهِبُ النِّعْمَةَ الْخَضْرَاءَ يُتْبِعُها

أَمْثالَها غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِما وَهَبا

إِذا أَرَدْتُ أَفاءَتْنِي عَواطِفُهُ

ظِلاًّ يُريحُ لِيَ الْحَظِّ الَّذِي عَزَبا

وَالْجَدُّ وَالْفَهْمُ أَسْنى مِنْحَةٍ قُسِمَتْ

لِلطالِبينَ وَلكِنْ قَلَّما اصْطَحَبا

أَرانِي الْعَيْشَ مُخْضَراً وَأَسْمَعَنِي

لَفْظاً إِذا خاضَ سَمْعاً فَرَّجَ الْكُرَبا

خَلائِقُ حَسُنَتْ مَرْأىً وَمُسْتَمَعاً

قَوْلاً وَفِعْلاً يُفِيدُ الْمالَ وَالأَدَبا

كَالرَّوْضِ أَهْدى إِلى رُوّادِهِ أَرَجاً

يُذْكِي النَّسِيمَ وَأَبْدى مَنْظَراً عَجَبا

عادَتْ بِسَعْدِكَ أَعْيادُ الزَّمانِ وَلا

زالَ الْهَناءُ جَدِيداً وَالْمُنى كَثَبا

وَعِشْتَ ما شِئْتَ لا زَنْدٌ يُقالُ كَبا

يُوْماً وَلا بَرْقُ غَيْثٍ مِنْ نَداكَ خَبا

ص: 68

إِنَّ الزَّمانَ بَرَتْ عُودِي نَوائِبُهُ

فَما أُعَدُّ بِهِ نَبْعاً وَلا غَرَبا

وَغالُ بِالْخَفْضِ جَدّاً كانَ مَعْتَلِياً

وَبِالْمَرارَةِ عَيْشاً طالَما عَذُبا

فَما سَخا الْعَزْمُ بِي إِلاّ إِلَيْكَ وَلا

وَقَفْتُ إِلاّ عَلَيْكَ الظَّنَّ مُحْتَسِبا

يا رُبَّ أَجْرَدَ وَرْسِيٍّ سَرابِلُهُ

تَكادُ تَقْبِسُ مِنْهُ فِي الدُّجَى لَهَبا

إِذا نَضا الْفَجْرُ عَنْهُ صِبْغَ فِضَّتِهِ

أَجْرى الصَّباحُ عَلَى أَعْطافِهِ ذَهَبا

يَجْرِي فَتَحْسُرُ عَنْهُ الْعَيْنُ ناظِرَةً

كَما اسْتَطارَ وَمِيضُ الْبَرْقِ وَالْتَهَبَا

جَمِّ النَّشاطِ إِذا ظُنَّ الْكَلالُ بِهِ

رَأْيتَ مِنْ مَرَحٍ فِي جِدّهِ لَعِبا

يَرْتاحُ لِلْجَرْيِ فِي إِمْساكِهِ قَلِقاً

حَتّى كَأَنَّ لَهُ فِي راحَةٍ تَعَبا

يَطْغى مِراحاً فَيَعْتَنُّ الصَّهِيلُ لَهُ

كَالْبَحْرِ جاشَ بِهِ الآذِي فَاصْطَخَبا

جادَتْ يَداكَ بِهِ فِي عُرْضِ ما وَهَبْتْ

قَبْلَ السُّؤَالِ وَأَحْرِ كالْيَوْمَ أَنْ تَهَبا

رفْقاً بِنا آلَ عَمّارٍ إِذا طَلَعَتْ

خَيْلُ السَّماحِ عَلَى سَرْحِ الثَّنا سُرَبا

ص: 69

لا تَبْعَثُوها جُيُوشاً يَوْمَ جُودِكُمُ

إِنَّ الطَّلائِعَ مِنْها تَبْلُغُ الأَرَبا

قَدْ أَنْضَبَ الْحَمْدَ ما تَأْتِي مَكارِمُكُمْ

ما خِلْتُ أَنَّ مَعِيناً قَبْلَهُ نَضَبا

وَلَوْ نَظَمْتُ نُجُومَ اللَّيْلِ مُمْتَدِحاً

لُمْ أَقْضِ مِنْ حَقِّكُمْ بَعْضَ الَّذِي وَجَبا

لأَشْكُرَنَّ زَماناً كانَ حادِثُهُ

وَغَدْرُهُ بِي إِلى مَعْرُوفِكُمْ سَبَبا

فَكَمْ كَسا نِعْمَةً أَدْنى مَلابِسِها

أَسْنى مِنَ النِّعْمَةِ الأُولى الَّتِي سَلَبا

وَما ارْتَشَفْتُ ثَنايا الْعَيْشِ عِنْدَكُمُ

إِلاّ وَجَدْتُ بِها مِنْ جُودِكُمْ شَنبَا

ص: 70

17

وقال أيضاً يمدحه:

الطويل

هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدى عَلَى النَّأْي مَسْراهُ

فَمَنْ لِمَشُوقٍ أَنْ يُهَوِّمَ جَفْناهُ

وَهَلْ يَهْتَدِي طَيْفُ الْخَيالِ لِناحِلٍ

إِذا السُّقْمُ عَنْ لَحْظٍ الْعَوائِدِ أَخْفاهُ

غِنىً فِي يَدِ الأَحْلامِ لا أَسْتَفِيدُهُ

وَدَيْنٌ عَلَى الأَيّامِ لا أَتَقاضاه

وَما كُلُّ مَسْلُوبِ الرُّقادِ مُعادُهُ

وَلا كُلُّ مَأْسُورِ الْفُؤَادِ مَفاداهُ

يَرى الصَّبْرَ مَحْمُودَ الْعَواقِبِ مَعْشَرٌ

وَما كُلُّ صَبْرٍ يَحْمَدُ الْمَرْءُ عُقْباهُ

لِيَ اللهُ مِنْ قَلْبٍ يُجَنُّ جُنُونُهُ

مَتى لاحَ بَرْقٌ بِالْقَرِينَيْنِ مَهْواهُ

أَحِنُّ إِذا هَبَّتْ صَباً مُطْمَئِنَّةٌ

حَنِينَ رَذايا الرَّكْبِ أَوْشَكَ مُغْداهُ

خَوامِسَ حَلاّها عَنِ الْوِرْدِ مَطْلَبٌ

بَعِيدٌ عَلَى الْبُزْلِ الْمَصاعِيبِ مَرْماهُ

ص: 71

هَوىً كَلَّما عادَتْ مِنَ الشَّرْقِ نَفْحَةٌ

أَعادَ لِيَ الشَّوْقَ الَّذِي كانَ أَبْداهُ

وَما شَغَفِي بِالرِّيحِ إِلاّ لأَنَّها

تَمُرُّ بِحَيٍّ دُونَ رامَةَ مَثْواهُ

أُحِبُّ ثَرى الْوادِي الَّذِي بانَ أَهْلُهُ

وَأَصْبُو إِلى الرَّبْعِ الَّذِي مَحَّ مَغْناهُ

فَما وَجَد النِّضْوُ الطَّلِيحُ بَمِنْزِلٍ

رَأْى وِرْدَهُ فِي ساحَتَيْهِ وَمَرْعاهُ

كَوَجْدِي بِأَطْلالِ الدِّيارِ وَإِنْ مَضى

عَلَى رَسْمِها كَرُّ الْعُصُورِ فَأَبْلاهُ

دَوارِسَ عَفّاها النُّحُولُ كَانَّما

وَجَدْنَ بِكُمْ بعْدَ النَّوى ما وَجَدْناهُ

أَلا حَبَّذا عَهْدُ الْكَثِيبِ وَناعِمٌ

مِنَ الْعَيْشِ مَجْرُورُ الذُّيُولِ لَبِسْناهُ

لَيالِيَ عاطَتْنا الصَّبابَةُ دَرَّها

فَلَمْ يَبْقَ مِنْها مَنْهَلٌ ما وَرَدْناهُ

وَللهِ وادٍ دُونَ مَيْثاءِ حاجِرٍ

تَصِحُّ إِذا اعْتَلَّ النَّسِيمُ خُزاماهُ

أُناشِدُ أَرْواحَ الْعَشِيّاتِ كُلَّما

نَسَبْنَ إِلى رَيّا الأَحْبَّةِ رَيّاهُ

أَناشَتْ عَرارَ الرَّمْلِ أَمْ صافَحَتْ ثَرىً

أَغَذَّ بِهِ ذاكَ الْفَرِيقُ مَطاياهُ

ص: 72

خَلِيَليَّ قَدْ هَبَّ اشْتِياقِي هُبُوبُها

حُسُوماً فَهَلْ مِنْ زَوْرَةٍ تَتَلافاهُ

أَعِينا عَلَى وَجْدِي فَليْسَ بِنافِعٍ

إِخاؤُكُما خِلاًّ إِذا لَمْ تُعِيناهُ

أَما سُبَّةٌ أَنْ تَخْذُلا ذا صَبابَةٍ

دَعا وَجْدَهُ الشَّوْقُ الْقَدِيمُ فَلَبّاهُ

وَأَكَمَدْ مَحْزُونٍ وَأَوْجَعُ مُمْرَضٍ

مِنَ الْوَجْدِ شاكٍ لَيْسَ تُسْمَعُ شَكْواهُ

شَرى لُبَّهُ خَبْلُ السَّقامِ وَباعَهُ

وَأَرْخَصَهُ سَوْمُ الْغَرامِ وَأَغْلاهُ

وَبِالْجِزْعِ حَيٌّ كلِّما عَنَّ ذِكْرُهُمْ

أَماتَ الْهَوى مِنِّي فُؤاداً وَأَحْياهُ

تَمَنَّيْتُهُمْ بِالرَّقْمَتَيْنِ وَدارُهُمْ

بِوادِي الْغَضا يا بُعْد ما أَتَمَنّاهُ

سَقى الْوابِلُ الرّبْعِيُّ ماحِلَ رَبْعِكُمْ

وَراوحَهُ ما شاءَ رَوْحٌ وَغاداهُ

وَجَرَّ عَلَيْهِ ذَيْلَهُ كُلُّ ماطِرٍ

إِذا ما مَشى فِي عاطِلِ الْتُّرْبِ حَلاّهُ

وَما كنْتُ لُوْلا أَنَّ دَمْعِيَ منْ دَمٍ

لأَحْمِلَ مَنّاً لِلسَّحابِ بِسُقْياهُ

غَلى أَنَّ فَخْرَ الْمُلْكِ لِلأَرْضِ كافِلٌ

بِفَيْض نَدىً لا يَبْلُغُ الْقَطْرُ شَرْواهُ

ص: 73

بَصُرْتُ بِأُمّاتِ الْحَيا فَظَنَنْتُها

أَنامِلَهُ إِنَّ السَّحائِبَ أَشْباهُ

أَخُو الْحَزْمِ ما فاجاهُ خَطْبٌ فَكادَهُ

وَذُو الْعَزْمِ ما عاناهُ أَمْرٌ فَعَنّاهُ

وَساعٍ إلى غاياتِ كُلِّ خَفِيَّةٍ

مِنَ الْمَجْدِ ما جاراهُ خَلْقٌ فَباراهُ

بِهِ رُدَّ نَحْوِي فائِتُ الْحَظِّ راغِماً

وَأَسْخَطَ فِيَّ الدَّهْرُ مَنْ كانَ أَرْضاهُ

تَحامَتْنِيَ الأَيّامُ عِنْدَ لِقائِهِ

كَأَنِّيَ فِيها بَأْسُهُ وَهْيَ أَعْداهُ

إِلَيْكَ رَحَلْتُ الْعِيسَ تَنْقُلُ وَقْرَها

ثَناءً وَلِلأَعْلى يُجَهَّزُ أَعْلاهُ

وَلا عُذْرَ لِي إِنْ رابَنِي الدَّهْرُ بَعْدَما

تَوَخَّتْكَ بِي يا خَيْرَ مَنْ تَتَوَخّاهُ

وَرَكْبٍ أَمَاطُوا الْهَمَّ عَنْهُمْ بِهِمَّةٍ

سَواءٌ بِها أَقْصى الْمَرامِ وأَدْناهُ

قَطَعْتُ بِهِمْ عَرْضَ الْفَلاةِ وَطالَما

رَمى مَقْتَلَ الْبَيْداءِ عَزْمِي فَأَصْماهُ

وَسَيْرٍ كَإِيماضِ الْبُرُوقِ وَمَطْلَبٍ

لَبِسْنا الدُّجى مِنْ دُونِهِ وَخَلَعْناهُ

إِلى الْمَلِكِ الْجَعْدِ الْجَزِيلِ عَطاؤُهُ

إِلى الْقَمَرِ السَّعِدْ الْجَمِيلِ مُحَيّاهُ

ص: 74

إِلى رَبْعِ عَمّارِ بْنِ عَمّارِ الَّذِي

تَكَفَّلَ أَرْزاقَ الْعُفاةِ بِجَدْواهُ

وَلَمّا بَلَغْناهُ بَلَغْنا بِهِ الْمُنى

وَشِيكاً وَأَعْطَيْنا الْغِنى مِن عَطَاياهُ

فَتىً لَمْ نَمِلْ يَوْماً بِرُكْنِ سَماحِهِ

عَلَى حَدثانِ الدَّهْرِ إِلاّ هَدَمْناهُ

مِنَ الْقُوْمِ ياما أَمْنَعَ الْجارُ بَيْنَهُمْ

وَأَحْلَى مَذاقَ الْعَيْشِ فِيهِمْ وَأَمْراهُ

وَأَصْفى حَياةً عِنْدُهمْ وَأَرَقَّها

وَأَبْرَدَ ظِلاًّ فِي ذَراهُمْ وَأَنْداهُ

اغَرُّ صَبِيحٌ عِرْضُهُ وَجَبِينُهُ

كَأَنَّهُما أفْعالُهُ وَسَجاياهُ

لَكَ اللهُ ما أَغْراك بِالْجُودِ هِمَّةً

سُرُوراً بِما تَحْبُو كَأَنَّكَ تُحْباهُ

دَعَوْنا رَقُودَ الْحَظِّ بِاسْمِكَ دَعْوَةً

فَهَبَّ كَأَنّا منْ عَقالٍ نَشَطْناهُ

وَجُدْتَ فَأَثْنَيْنا بِحَمْدِكَ إِنَّهُ

ذِمامٌ بِحُكْمِ الْمَكْرُماتِ قَضَيْناهُ

مَكارِمُ أَدَّبْنَ الزَّمان فَقَدْ غَدا

بِها مُقْلِعاً عَمّا جَنى وَتَجَنّاهُ

أَيامَنْ أَذاك الدَّهْرُ حَمْدِي فَصانَهُ

وَقَلَّصَ ظِلَّ الْعَيْشِ عنِّي فَأَضفْاهُ

وَعَلَّمَنِي كَيْفَ الْمَطالِبُ جُودُهُ

وَما كنْتُ أَدْرِي ما الْمَطالِبُ لَوْلاهُ

لأَنْتَ الذِي أَغْنَيْتَنِي وَحَمَيْتَنِي

لَيالِيَ لا مالٌ لَدَيَّ وَلا جاهُ

ص: 75

أَنَلتَنِيَ الْقَدْرَ الَّذِي كنْتُ أَرْتَجِي

وَأَمَّنتَنِي الْخطْبَ الَّذِي كُنْتُ أَخْشاهُ

وَأَمْضَيْتَ عَضْباً مِنْ لِسانِيَ بَعدَما

عَمِرْتُ وَحَدّاهُ سَواءُ وَصَفْحاهُ

وَسَرْبَلَتْنِي بِالْبِرِّ حتّى تَرَكْتَنِي

بِحَيْثُ يَرانِي الدَّهْرُ كُفْؤاً وَإِيّاهُ

فَدُوْنَك ذا الْحَمْدَ الَّذِي جَلَّ لَفْظُهُ

وَدَقَّ عَلَى الإفْهامِ فِي الْفَضْلِ مَعْناهُ

فَلا طُلَّ إلاّ منْ حبائِكَ رَوْضُهُ

وَلا باتَ إلاّ فِي فِنائِكَ مَأْواهُ

ص: 76

18

وقال ارتحالا يهنيه بظهور ولده شرف الدولة أول يوم ركوبه وعمره خمس سنين:

المتقارب

ألا هكَذا تَسْتَهِلُّ الْبُدُورُ

مَحَلٌّ عَلِيٌّ وَوَجْهٌ مُنِيرُ

وَجَدٌّ سَعِيدٌ وَمَجْدٌ مَشِيدٌ

وَعِزٌّ جَدِيدٌ وَعَيْشٌ نَضِيرُ

وَيَوْمٌ يَصِحُّ الرَّجاءُ الْعَلِيلُ

بِهِ وَيَطُولُ الثَّناءُ الْقَصِيرُ

دَعا شَرَفَ الدَّوْلَةِ الْمَجْدُ فِيهِ

فَلَبّاهُ مِنْبَرُهُ وَالسّرِيرُ

مَرامٌ بِكُلِّ فَلاحٍ حَقِيقٌ

وَسَعْيٌ بِكُلِّ نَجاحٍ جَدِيرُ

عَلَى الطّالِعِ السَّعْدِ يا بْنَ الْمُلُو

كِ هذا الرُّكُوبُ وَهذا الظُّهُورُ

طَلَعْتَ تُجَلِّي الدُّجى وَالْخُطُوبَ

بِوَجُهٍ عَلَيْهِ بَهاءٌ وَنُورُ

تَكَفَّلَ رِيَّ الِّلحاظِ الْعِطا

شِ ماءٌ مِنَ الْحُسْنِ فِيهِ نَميرُ

يَتِيهُ بِكَ الْمُلْكُ وَهْوَ الُوَقُورُ

وَيَشْجى بِكَ الْدَّهْرُ وَهْوَ الصَّبُورُ

ص: 77

ظُهُورٌ ظَهِيرٌ عَلَى الْمَطْلَباتِ

فَكُلُّ عَسِيرٍ لَدَيْها يَسِيرُ

صَباحٌ صَبِيحٌ بِأَمْثالِهِ

تَقَرُّ الْعُيوُنُ وَتَشْفى الصُّدُورُ

شَرِبْنا بِهِ الْغِزِّ صِرْفاً فَمالَ

بِنا طَرَباً وَاتَّقَتْنا الْخُمُورُ

وَما لَذَّةُ السُّكْرِ إِلاّ بِحَيْثُ

تُغَنّى الْمُنى وَيَدُور السُّرُورُ

فَيا شَرَفَ الدَّوْلَةِ الْمُستَجارُ

لَكَ اللهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ مُجِيرُ

لِمِثْلِكَ حَقّاً وَإِنْ قَلَّ عَنْكَ

يُرْشَّحُ هذا الْمَحَلُّ الْخَطِيرُ

فَإِنَّ النُّجُومُ حَرىً بِالسَّماءِ

وَأَحْرى بِها الْقَمَرُ الْمُسْتَنِيرُ

لَقَدْ هُزَّ لِلطَّعْنِ رُمْحٌ سَدِيدٌ

وَجُرِّدَ لِلضَّرْبِ نَصْلٌ طَرِيرُ

وَسُوِّمَ لِلسَّبْقِ يَوْمَ الرِّهانِ

جَوادٌ بِطُولِ الْمَدى لا يَخُورُ

فَتىً سادَ فِي مَهْدِهِ الْعالَمِينَ

وَشادَ الْعلُى وَهْوَ طِفْلٌ صَغِيرُ

غَنِيٌّ مِنَ الْمَجْدِ وَالْمَكْرُماتِ

وَلكِنَّهُ مِنْ نَظِيرٍ فَقِيرُ

ص: 78

فَلا زالَ ذا السَّعْدُ مُسْتَوْطِناً

مَحَلَّكَ ما حَلَّ قَلْباً ضَمِيرُ

وَلا بَرِحَ الْمُلْكُ يا فَخْرَهُ

وَمَجْدُكَ قُطْبٌ عَلَيْهِ يَدُورُ

وَأُعْطِيتَ فِي شَرَفِ الدَّوْلُةِ الْ

بَقاءِ الَّذِي تَتَمَنّى الدُّهُورُ

وَلا زالَ حَمْدِيَ وَقْفاً عَلَيْكَ

إِلَيْكَ رَواحِي بِهِ وَالْبُكُورُ

ثَناءٌ كَما هَبَّ غِبَّ الْحيَا

بِنَشْرِ الرِّياضِ نَسِيمُ عَطِيرُ

مُقِيمٌ لَدَيْكَ وَلكِنَّهُ

بِمَدْحِكَ في كُلِّ فَجٍّ يَسِيرُ

ص: 79

19

وقال أيضاً يمدح شرف الدولة ووالده فخر الملك، ويهنيه بعيد الفطر وبالبرء من مرضه سنة (482):

المتقارب

لَنا كُلَّ يُوْمٍ هَناءٌ جَدِيدُ

وَعِيدٌ مَحاسِنُهُ لا تَبِيدُ

وَعَيْشٌ يَرِفُّ عَلَيْهِ النَّعِيمُ

وَجَدٌّ تَظافَرُ فِيهِ السُّعُودُ

وَدارٌ يُخَيِّمُ فِيها السَّماحُ

وَبابٌ تَلاقى عَلَيْهِ الْوُفُودُ

بِبُرْئِكَ يا شَرَفَ الدَّوْلَةِ اسْ

تَفادَ سَعادَتهُ الْمُسْتَفِيدُ

لَقَدْ دَفَعَ اللهُ لِلْمَجْدِ عَنْكَ

وأَعْطِيَ فِيكَ النَّدَى ما يُريدُ

فَسُهِّلَ مِنْهُ الطِّلابُ الْعَسِيرُ

وَقُرِّبَ مِنْهُ الْمرَامُ الْبَعِيدُ

وَأَشْرَقَ ذاكَ الرَّجاءُ الْعَبُوسُ

وَرُدَّ عَلَيْنا الْعَزاءُ الشَّرُودُ

ص: 80

فَأَعْيادُنا ما لَها مُشْبِهٌ

وَأَفْراحُنا ما عَلَيْها مَزِيدُ

وَكَيْفَ يُقَوَّضُ عنّا السُّرُورُ

وَأَنْتَ إِذا ما انْقَضى الْعِيدُ عِيدُ

هَنِيئاً لأَيّامِ دَهْرٍ نَمَتْكَ

أَلا إِنَّ ذا الدَّهْرَ دَهْرٌ سَعِيدُ

لَقَدْ طَرَّقَتْ بِكَ أُمُّ العَلاءِ

بِيَوْمٍ لَهُ كُلُّ يَوْمٍ حَسُودُ

فَأَنْتَ عَلَى الدَّهْرِ حَلْيٌ بَهِيٌّ

وَأَنْتَ عَلَى الْمَجْدِ تاجٌ عَقِيدُ

رَجَعْتَ لَيالِيَهُ السُّودَ بِيضاً

وَكانَ وَأيّامُهُ الْبِيضُ سُودُ

فَعِشْ ما تَشاءُ بِهِ ضافِياً

عَلَيْكَ مِنَ الْعِزِّ ظِلٌّ مَدِيدُ

فَأَنْزَرُ نَيْلِكَ فِيهِ الْعَلاءُ

وَأَيْسَرُ عُمْرِكَ فِيهِ الْخُلُودُ

وَقُلْ لأَبِيكَ وُقِي السُّوءَ فِيكَ

كَذا فَلْتُرَبِّ الشُّبُولَ الأُسُودُ

فَلَوْلاكَ أَعْجَزَ أَهْلَ الزَّمانِ

شَبِيهٌ لَهُ فِي الْعُلى أَوْ نَدِيدُ

فَبُقِّيتُما ما دَجا غَيْهَبٌ

وَما ابْيَضَّ صُبْحٌ وَما اخْضَرَّ عُودُ

وَلا أَخْفَقَتْ فِيكَ هذِي الظُّنُونُ

وَلا أَخْلَفَتْ مِنْك هذِي الْوُعُودُ

وَلِي حُرْمَةٌ بِكَ إِنْ تَرْعَها

فَمِثْلُكَ تُرْعى لَدَيْهِ الْعُهُودُ

بِأَنِّيَ أَوَّلُ مُثْنٍ عَلَيْكَ

وَأَوَّلُ مَنْ نالَهُ مِنْكَ جُودُ

ص: 81

20

وقال يمدح فخر الملك عند وصوله إلى دمشق (من طرابلس في شهر رمضان سنة إحدى وخمس مايه):

السريع

ما طَلَعَتْ شَمْسٌ مِنَ الْمَغْرِبِ

قَبْلَكَ فِي أُفْقٍ وَلا مَوْكِبِ

وَلا سَمَتْ هِمَّةُ ذِي هِمَّةٍ

حَتّى اسْتَوَتْ فِي ذِرْوَةِ الْكَوْكَبِ

هانَ الَّذِي عَزَّ وَنِلْتَ الَّذِي

حاوَلْتَهُ مِنْ دَرَكِ الْمَطْلَبِ

فاسْعَدْ وَبُشْراكَ بِها عِزَّةً

مَتى تَرُمْ صَهْوَتَها تَرْكَبِ

مُمَلأً بِالْعِزِّ سامِي الْعُلى

مُهَنَّأً بِالظَّفَرِ الأَقْرَبِ

ما الْفَخْرُ فَخْرَ الْمُلْكِ إِلاّ الَّذِي

شِدْتُ بِطِيبِ الْفِعْلِ وَالْمَنْصِبِ

فاليوم أدركت المنى غالباً

وليس غير الليث بالأغلب

فَالنَّصْرُ كُلُّ النَّصْرِ فِي سَيْفِكَ الْ

باتِكِ أَوْ فِي عَزْمِكَ الْمِقْضَبِ

فِي عِزِّكَ الأَقْعَسِ أَوْ هَمِّكَ الْ

أَشْرَفِ أَوْ فِي رَأْيكَ الأَنْجَبِ

يا كاشِفاً لِلخَطْبِ يا راشِفاً

لِلْعَذْبِ مِنْ ثَغْرِ الْعُلى الأَشْنَبِ

ص: 82

21

وقال يهنئ شمس الملك أبا الفرج محمد بن أمين الدولة أبي طالب عبد الله بن عمار بولد له، أنشده إياها بطربلس الشام:

الكامل

أَتُرى الْهِلالَ أَنَارَ ضَوْءَ جَبِينِهِ

حَتّى أَبانَ اللَّيْلُ عَنْ مَكْنُونِهِ

شَفَّ الحِجابُ بِنُورِهِ حَتّى رَأَى

مُتَأَمِّلُ ما خَلْفَهُ مِنْ دُونِهِ

أَوَ ما رَأَيْتَ الْمُلْكَ تَمَّ بَهاؤُهُ

بِضِياءِ كَوْكَبِ شَمْسِهِ ابْنِ أَمِينِهِ

نُضِيَ الْحُسامُ فَدَلَّ رَوْنَقُ صَفْحِهِ

وَظُباهُ أَنَّ الْمَجْدَ بُعْضُ قُيُونِهِ

يا حَبَّذا الثَّمَرُ الْجَنِيُّ بِدَوْحَةٍ الْ

حَسَبِ الزَّكِيِّ وَناعِماتِ غُصُونِهِ

ما عُذْرُهُ أَلاّ يَطِيبَ مَذاقُهُ

طِيبَ السُّلافِ وَأَنْتَ مِنْ زَرَجُونِهِ

ص: 83

الْيَوْمَ مَدَّ إلى الْمَطالِبِ باعَهُ

مَنْ لَمْ تَكُنْ خَطَرتْ بِلَيْلِ ظُنُونِهِ

حَلَّ الرِّجاءُ وَثاقَ كُلِّ مَسَرَّةٍ

كانَتْ أَسِيرَةَ هَمِّهِ وَشُجُونِهِ

قَدْ كَانَ رَجَّمَ ظَنَّهُ فِيكَ النَّدى

فَجَلا ظَلامَ الشَّكِّ صُبْحُ يَقِينِهِ

أَطْلَعْتَ بَدْراً فِي سَماءِ مَمالِكٍ

سَهِرَ الْجَمالُ وَنامَ فِي تَلْوِينِهِ

عَلِقَتْ يَدُ الآمالِ يَوْمَ وِلادِهِ

بِمَرِيرِ حَبْلِ الْمَكْرُماتِ مَتِينِهِ

بِأَجَلِّ مَوْلُودٍ لأَكْرَمِ والِدٍ

سَمْجٍ مُبارَكِ مَوْلِدٍ مَيْمُونِهِ

صَلْتِ الْجَبِينِ كَأَنَّ دُرَّةَ تاجِهِ

جَعَلَتْ تَرَقْرَقُ فِي مَكانِ غُضُونِهِ

رَبِّ الْجِيادَ لِرَبِّها يَوْمَ الْوغَى

وَصُنِ الْحُسامَ لِخِلِّهِ وَخَدِينِهِ

قَدْ باتَ يَشْتاقُ الْعِنانُ شِمالَهُ

شَوْقَ الْيَراعِ إِلى بَنانِ يَمِينِهِ

ص: 84

وَاعْقِدْ لَهُ التّاجَ الْمُنِيف فإِنَّما

فَخْرُ الْمَفاخِرِ عَقْدُها لِجَبِينِهِ

لَغَدَوْتَ تَقْتادُ الْمُنى بِزمامِها

وَتَرُوضُ سَهْلَ النِّيْلِ غَيْرِ حَرَونِهِ

بِالْعَزْمِ إِذْ يُنْطِيكَ عَفْوَ نَجاحِهِ

والْحَزْمَ إِذْ يُمْطِيكَ ظَهْرَ أَمُونِهِ

فَالْيَوْمَ هَزَّ الْمَجْدُ مِنْ أَعْطافِهِ

تِيهاً وَباحَ مِنَ الْهَوى بِمصُونِهِ

وَالآنَ ذُدْتَ عَنِ الْعُلى وَذَبَيْتَ عَنْ

مَجْدٍ يَعْدُّكَ مِنْ أَعَزِّ حُصُونِهِ

وَاللَّيْثُ ذُو الأَشْبالِ أَصْدَقُ مَنْعَةً

لِفَرِيسَةٍ وَحِمايَةً لِعَرِينِهِ

وَالآنَ إذْ نَشَأَ الْغَمامُ وَصَرَّحَتْ

نَفَحاتُ جَوْنِيِّ الرَّباب هَتُونِهِ

فَلْيَعْلَمِ الْغَيْثُ الْمُجَلْجِلُ رَعْدُهُ

أَنَّ السَّماحَ مُعِينُهُ بِمَعِينِهِ

وَلْيَأْخُذِ الْجَدُّ الْعَلِيُّ مَكانَهُ

مِنْ أُفْقِ مَحْرُوسِ الْعَلاءِ مَكِينِهِ

وَلْيَضْرِبِ الْغزُّ الْمَنيعُ رُواقَهُ

بِجنَابِ مَمْنُوعِ الْجَنابِ حَصِينِهِ

وَلْتَبْتَنِ الْعَلْياءُ شُمَّ قِبابِها

بِذُرى رُباهُ أَوْ سُفُوحِ مُتُونِهِ

ص: 85

وَلْيَحْظَ رَبْعُ الْمَكْرُماتِ بِأَنْ غَدا

شَرِقَ الْمَنازِلَ آهِلاً بِقَطِينِهِ

وَلْتَخْلَعِ الأَفْكارُ عُذْرَ جَماحِها

بِنَظامِ أَبْكارِ الْقَرِيضِ وَعُونِهِ

سِرْبٌ مِنَ الْحَمْدِ الْجَزِيلِ غَدَوْتُمُ

مَرْعى عَقائِلِهِ وَمَوْرِدَ عِينِهِ

كَمْ مِنْبَرٍ شَوْقاً إِلَيْهِ قَدِ انْحَنَتْ

أَعْوادُهُ مِنْ وَجْدِهِ وَحَنِينِهِ

وَمُطَهَّمٍ قَدْ وَدَّ أَنَّ سَراتَهُ

مَهْدٌ لَهُ فِي سَيْرِهِ وَقُطُونِهِ

وَمُخَزَّمٍ ناجَتْ ضَمائِرُهُ الْمُنى

طَمَعاً بِقَطْعِ سُهُولِهِ وَحُزُونِهِ

وَمُهَنَّدٍ قَدْ وامَرتْهُ شِفارُهُ

بِطُلى الْعَدُوِّ أَمامَهُ وَشُؤُونِهِ

وَمُثَقَّفٍ قَدْ كَانَ قَبْلَ طِعانِهِ

تَنْدَقُّ أَكْعُبُهُ بِصَدْرِ طَعِينِهِ

وَكَأَنَّ عَبْدَ اللهِ عَبْدُ اللهِ فِي

حَرَكاتِ هِمَّتِهِ وَفَضْلِ سُكُونِهِ

لَمْ تَرْضَ أَنْ كُنْتَ الْكَفِيلَ بشَخْصِهِ

حَتّى شَفَعْتَ كَفِيلَهُ بِضَمِينِهِ

نَشَرَ الأَمِينَ وِلادُهُ فَجَنَيْتَهُ

منْ غَرْسِهِ وَجَبَلْتَهُ مِنْ طِينِهِ

ص: 86

ذاكَ الَّذِي لُوْ خَلَّدَ اللهُ النَّدى

وَالْبَأْسَ ما مُنِيا بِيُوْمِ مَنُونِهِ

وَإِذا أَرَدْتُ لِقَبْرِهِ أَزْكى حَياً

يُرْوِيهِ قُلْتُ سَقاهُ فَضْلُ دَفِينِهِ

أَمّا الْهَناءُ فَلِلزَّمانِ وَأَهْلِهِ

كُلٌّ يَدِينُ مِنَ الزَّمانِ بِدِينِهِ

كَالْغَيْثِ جادَ فَعَمَّ أَرْضَ شَرِيفِهِ

وَدَنِيِّهِ وَصَرِيحِهِ وَهَجِينِهِ

لكِنّ أَهْلَ الْفَضْلِ أَوْلاهُمْ بِهِ

مَنْ ذا أحَقُّ مِنَ الصَّفا بِحَجُونِهِ

عِيدٌ وَمَوْلُودٌ كَأَنَّ بَهاءَهُ

زَهْرُ الرَّبِيعِ وَمُعْجِباتُ فُنُونِهِ

فَتَمَلَّهُ عُمْرَ الزَّمانِ مُمَتَّعاً

بِفَتى الْعُلى وَأَخِي النَّدى وَقَرِينِهِ

ص: 87

22

وقال يهني الشريف أنس الدولة أبا جعفر عبيد الله بن الحسن بن المحسن الجعفري بطهور ولده الحسين:

الكامل

بِبَهاءِ وَجْهِكَ تُشْرِقُ الأَنْوارُ

وَبِفَضْلِ مَجْدِكَ تَفْخَرُ الأَشْعارُ

آنَسْتَ أُنْسَ الدَّوْلَةِ الْمَجْدَ الَّذِي

ما زالَ فِيهِ عَنِ الأَنامِ نِفارُ

بِمَكارِمٍ نَصَرَتْ يَداكَ بِها الْعُلى

إِنَّ الْمَكارِمَ لِلْعُلى أَنْصارُ

وَإِذا الْفَتى جَعَل الْمَحامِدَ غايَةً

لِلمَكْرُماتِ فَبَذْلُها الْمِضمارُ

فَاسْعَدْ وَدامَ لَكَ الْهَناءُ بِماجِدٍ

طالَتْ بِهِ الآمالُ وَهْيَ قِصارُ

لُوْلاهُ فِي كَرَمِ الْخَلِيقَةِ وَالنُّهى

لَمْ تَكْتَحِلْ بِشَبِيهِكَ الأَبْصارِ

كَمْ لَيْلةٍ لَكَ ما لَها مِنْ ضَرَّةٍ

مِنْهُ وَيَوْمٍ ما لَهُ أَنْظارُ

جادَتْ أَنَامِلكُ الْغِزارُ بِهِ الْوَرى

وَمِنَ السَّحائِبِ تُغْدِقُ الأَمْطارُ

ص: 88

وَتَتَابَعَتْ قَطَراتُ غَيْثُكَ أَنْعُماً

إِنَّ الْكَرِيمَ سَماؤُهُ مِدْرارُ

وَأَضاءَ مَجْدُكَ بِالْحُسَيْنِ وَمَجْدِهِ

وَكَذا السَّماءُ تُنِيرُها الأَقْمارُ

قَدْ نالَ أفْضَلَ ما يُنالُ وَقدْرُهُ

أَعْلى وَلَوْ أَنَّ النُّجُومَ نِثارُ

وَجَرَتْ بِهِ خَيْلُ السُّرُورِ إِلى مَدى

فَرَحٍ دُخانُ النَّدِّ فِيهِ غُبارُ

وَحَوى صَغِيرَ السِّنَّ غاياتِ الْعُلى

وَصِغارُ أَبْناءِ الْكِرامِ كِبارُ

يُنْبِي الْفَتى قَبْلَ الْفِطامِ بِفَضْلِه

وَيَبِينُ عِتْقُ الْخَيْلِ وَهْيَ مِهارُ

لَمْ تَلْحَظ الأَبْصارُ يَوْمَ طَهُورِهِ

إِلاّ كُؤوساً لِلسُّرُور تُدارُ

فَغَدَوْتَ تَشْرَعُ فِي حَلالٍ مُسْكِرٍ

ما كُلُّ ما طَرَدَ الْهُمُومَ عُقارُ

قَمَرٌ يُضِيءُ جَمالُهُ وَكَمالُهُ

حَتّى يُعِيدَ اللَّيْلَ وَهْوَ نَهارُ

وَمِنَ الْعَجائِبِ أَنْ تَرُومَ لِمِثْلِهِ

طُهْراً وَكَيْفَ يُطَهَّرُ الأَطْهارُ

قدْ طَهَّرَتْهُ أُبُوَّةٌ وَمُرُوءَةٌ

وَنَمى بِهِ فَرْعٌ وَطابَ نِجارُ

إِنَّ الْعُرُوقَ الطَّيِّباتِ كَفِيلَةٌ

لَكَ حِينَ تُثْمِرُ أَنْ تَطِيبَ ثِمارُ

ص: 89

لَلَبِسْتَ مِنْ شَرَفِ الَمَناسِبِ حُلَّةً

بِالْفَخْرِ يُسْدِي نَسْجُها وَيُنارُ

فَطُلِ الأَنامَ وَهَلْ تَرَكْتَ لِفاخِرٍ

فَخْراً وَجَدُّكَ جَعْفَرُ الطِّيّارُ

يَنْمِيكَ صَفْوَةُ مَعْشَرٍ لَوْلاهُمُ

ما كانَ يُرْفَعُ لِلْعَلاءِ مَنارُ

وَلىَّ وَخَلَّفَ كُلَّ فَضْلٍ فِيكُمُ

والْغَيْثُ تُحْمَدُ بُعْدَهُ الآثارُ

إِنِّي اقتَصَرْتُ عَلَى الثَّناءِ وَليْسَ بِي

عَنْ أَنْ تَطُولَ مَناسِبِي إِقْصارُ

وَلَرُبَّ قَوْلٍ لا يُعابُ بِأَنَّهُ

خَطَلٌ وَلكنْ عَيْبُهُ الإِكْثارُ

وَأَراكَ وَابْنَكَ لِلسَّماحِ خُلِقْتُما

قَدْراً سواءً وَالْوَرى أَطْوارُ

فَبَقِيتُما عُمُرَ الزَّمانِ مُصاحِبيْ

عَيْشٍ تَجَنَّبُ صَفْوَهُ الأَكْدارُ

ص: 90

23

وكتب إلى القاضي شمس الملك وقد احترق منزله وجميع ما فيه، يستعينه:

الرمل

يا بْنَ مَنْ شادَ الْمَعالِي جُودُهُ

وَبَنى الْمَجْدَ فَأَعْلى ما بَنا

آمَنَ الأُمَّةَ فِي أَيّامِهِ

كُلَّ خَوْفٍ وَأَخافَ الزَّمَنا

كُلَّما يَمَّمَ عافٍ رَبْعَهُ

عَذُبَ الْمَنْهَلُ أَوْ ساغَ الْجنا

قَدْ نَحَتْ عَظْمِي خُطُوبٌ لَمْ تَزَلْ

تَأْكُلُ الأَحْرارَ أَكْلاً مُمعِنا

وَأَتَتْنِي بَعْدَها نازِلةٌ

أَنْزَلَتْ فِي ساحَتَيَّ الْمِحَنا

وَلأَنْتَ الْيَوْمَ أَوْلى أَنْ تَلِي

كَشْفَها يا بْنَ أَمِين الأُمَنا

فَانْتَهِزْها فُرْصَةً مُمْكِنَةً

قَلَّ ما يُوجَدُ مَجْدٌ مُمْكِنا

ص: 91

24

وكتب إلى أبي الحسين أحمد بن علي الزهيري وقد عول على الحج:

أحذ الكامل

يا فَرْحَةَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ إِذا

ما قِيلَ هذا أَحْمَدُ بْنُ عَلِي

وافاهُ خَيْرُ مُعَرِّسٍ وَثَنى

عَنْهُ الأَزِمَّةَ خَيْرُ مُحْتَمِلِ

فَكَأَنَّنِي بِالْعِيسِ قافِلةً

بِأَبَرِّ نَزّالٍ وَمُرْتَحِلِ

سِرْ فِي ضَمانِ اللهِ مُكَتَنَفاً

حَتّى تَعُودَ مُبَلَّغَ الأَمَلِ

فَلَكَمْ حَجَجْتَ بِما تُنَوِّلُهُ

وَأَرَحْتَ أَيْدِي الْخَيْلِ وَالإِبِلِ

لوْ كانَ يَغْنى عَنْ تَيَمُّمِهِ

أَحَدٌ غَنِيتَ بِصالِحِ الْعَمَلِ

ص: 92

25

وقال في أبي الكتائب حمزة بن الحسين بطرابلس الشام:

الكامل

يَا بْنَ الْحُسَيْنِ وَأَنْتَ مَنْ غُرِسَ النَّدى

فِي راحَتَيْهِ فَأَثْمَرَ الْمَعْرُوفا

كَرَماً شُعِفْتَ بِهِ فَشاعَ حَدِيثُهُ

حَتّى اغْتَدى بِكَ ذِكْرُهُ مَشعُوفا

وَلأَنْتَ أَعْرَقُ فِي الْمكَارِمِ مَنْصِباً

مِنْ تَبِيتَ بِغَيْرِها مَوْصُوفاً

وَإِذا الْفتَى كَانَ السَّماحُ حَلِيفَهُ

أَمْسى وَأَصْبَحَ لِلثَّناءِ حَلِيفاً

كَمْ هِزَّةٍ لَكَ وَارْتِياحِ لِلنَّدى

لَوْلاهُ ما كانَ الشَّرِيفُ شَرِيفا

أَفْنَيْتَ مالَكَ فِي اكْتِسابِكَ لِلْعُلى

وَصَحِبْتَ أَيّامَ الزَّمانِ عَزُوفا

ما ضَرَّ دَهْراً غَدْرُهُ بِكِرامِهِ

تَرَكَ الْقَوِيَّ مِنَ الرَّجاءِ ضَعِيفا

أَلاّ يَكونَ عَلَى الأَفاضِلِ أَنْعُماً

وَعَلَى اللِّئامِ حَوادِثاً وَصُرُوفا

ص: 93

26

وقال يرثي أبا محمد الحسن بن أحمد الزرافي وقد توفي باليمن بعد طول غيبة ويعزي أخاه أبا علي:

المتقارب

بَكَيْتُكَ لِلْبَيْنِ قَبْلَ الْحِمامِ

وَأَيْنَ مِنَ الثُّكْلِ حَرُّ الْغَرامِ

وَما كانَ ذاكَ الْفِراقُ الْمُشِ

تُّ إِلاّ دُخاناً لِهذا الضِّرامِ

فَعُوِّضْتُ بَعْدَ الْحَنِينِ الأَنِينَ

وَبُدِّلْتُ بَعْدَ الْجَوى بِالسَّقامِ

إِذا قَتَلَ الْبُعْدُ أَهْلَ الْهَوى

فأَقْتَلُ لِي مِنْهُ مَوْتُ الْكِرامِ

فَيا قَمَراً يَمَنِيَّ الْمَغِيبِ

وَإِنْ كانَ مَطْلِعُهُ بِالشآمِ

أَكادُ لِذِكْرِكَ ألْقى الْحِمامَ

إِذا هتَفَتْ ساجِعاتُ الْحَمامِ

فَأَنْشُدُ مَثْواكَ عِنْدَ الْهُبُوبِ

وَأَرْقُبُ طَيْفَكَ عِنْدَ الْمَنامِ

وَأَهْفُوا إِلى كُلِّ بَرْقٍ يَمانٍ

وَأَصْبُو إلى كُلِّ رَكْبٍ تَهامِ

وَأَسْأَلُ عَنْكَ نَسيمَ الرِّياحِ

وَمَنْ لِلنَّسِيمِ بِمَنْ فِي الرِّجامِ

ص: 94

وَإِنِّي لَظامٍ إِلى نَفْحةٍ

بِرَيّاكَ ما وَرَدَ الْماءَ ظامِي

وَكَمْ عَبْرَةٍ لِي وَما بَيْنَنا

سِوى أَنْ تَكِلَّ بَناتُ الْمَوامِي

فَكَيْفَ وَقَدْ أَنْزَلَتْكَ الْمَنُونُ

بأَسْحَقِ دارٍ وَأَنْأَى مَقامِ

غَرِيباً يُبَكِّي لَهُ الأَبْعَدُونَ

صَرِيعاً يُوَسَّدُ صُمَّ السِّلامِ

سَلِيباً يُجِلْبَبُ ثَوْبَ الْبِلى

ضَعِيفاً يُحَمَّلُ ثِقْلَ الرَّغامِ

وَيا غائِباً كَمَدِي حاضِرٌ

بِهِ ما شَجَتْ فاقِدٌ بِالْبُغامِ

تَشَكَّتْ رِكابُكَ عَضَّ الْقُتُودِ

لَيالِي سُراكَ وَجَبَّ السَّنامِ

وَما كان غارِبُها فِي الرَّحِيلِ

بأَوْجَعَ مِنْ كَبِدِي فِي الْمُقامِ

زِمامٌ مَعَ الْوَجْدِ لِي طَيِّعٌ

طِواعَ الْمُذَلَّلِ جَذْبَ الزِّمامِ

وَدَمْعٌ يُبارِي وَجِيفَ الْمَطِيِّ

فَأَخْفافُها وَجُفُونِي دَوامِي

رُزِئْتُكَ حَيّاً وَخَطْبُ الْفِرا

قِ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِخَطْب الْحِمامِ

وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَكَ لِي مُقْلةٌ

تَبِيتُ لِفَقْدِكَ ذاتَ انْسِجامِ

ص: 95

فَداوَيْتُ شَوْقِي بِذِكْرِ اللِّقاءِ

وَعَلَّلْتُ شَمْلِي بِعَوْدِ النِّظامِ

أُؤَمِّلُ قُرْبَكَ فِي كُلِّ يُوْمٍ

وَأَرْجُو لِقاءَكَ فِي كُلِّ عامِ

وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ مَرامِي الْقَضا

ءِ قَدْ حُلْنَ بَيْنِي وبَيْنَ الْمَرامِ

فَسُدَّتْ مَطالِعُ ذاكَ الْجَوادِ

وَفُلَّتْ مَضارِبُ ذاكَ الْحُسامِ

وَغُودِرَ مُحْيِي النَّدى لِلْفناءِ

وَعُوجِلَ بانِي الْعُلى بِانْهِدامِ

فَواحَسْرتا مَنْ أَذَلَّ الْعَزِيزَ

وَوَاأَسَفا مَنْ أَذَلَّ الْمُحامِي

عَجِبْتُ لِضَيْمِكَ تِلْكَ الْغَداةَ

وَما كانَ جارُكَ بِالْمُستَضامِ

وَأَيُّ فَتىً حاولَتْهُ الْمَنُونُ

فَلَمْ تَرْمِ عِزَّتَهُ بِاهْتِضامِ

وَكَمْ بُزَّ مِنْ مانعٍ لِلْجِوارِ

وَضُيِّعَ مِنْ حافِظٍ لِلذِّمامِ

سَقَتْكَ بِأَلْطَفِ أَنْدائِها

وَأَعْزَزِها سارِياتُ الْغَمامِ

وَإِنْ قَلَّ ماءٌ مِنَ الْقَطْرِ جارٍ

فَجادَكَ قَطْرٌ مِنَ الدّمْعِ هامِ

وَبَكَّتْكَ كُلُّ عَرُوضيَّةٍ

تُرِنُّ بِها كُلُّ مِيمٍ وَلامِ

إِذا ضُنَّ عَنْكَ بِنَوْرِ الرِّياضِ

حَبَتْكَ غَرائِبَ نَوْرِ الْكَلامِ

ص: 96

لَعَمْرِي لَئِنْ ساءَنا الدَّهْرُ فِيكَ

لَقَدْ سَرِّنا في أَخِيكَ الْهُمامِ

هُوَ الْمَرْءُ يَشْجُعُ فِي كُلِّ خَطْبٍ

مَهُولٍ وَيَجْبُنُ عَنْ كُلِّ ذامِ

ذَهَبْتَ وَكَلَّفْتَهُ فِتْيَةً

ذَوِي غُرَرٍ وَوُجُوهٍ وِسامِ

كَما أَوْدَعَ الأُفْقَ زُهْرَ النُّجُومِ

وَوَلّى إِلى الْغَرْبِ بَدْرُ التَّمامِ

عَلَى أَنَّ أَدْمُعَنا بِالْجُفُو

نِ أَغْرى مِنَ الْوجْدِ بِالمُسْتَهامِ

وَلِمْ لا وَذكْرُكَ يَرْمِي الْقُلُوبَ

بِأَنْفَذَ مِنْ صائِباتِ السِّهامِ

هُمُومٌ تُبَلِّدُ فَهْمَ الْبَلِيغِ

وَتُعْيِي نَوافِثَ سِحْرِ الْكَلامِ

صَدَعْنَ الْقُلُوبَ فَلْولا أَبُو

عَلِيٍّ لَما ظَفِرَتْ بِالْتِئامِ

أَغَرُّ تُمَزَّقُ عَنْهُ الْخُطُوبُ

كَما مَزَّقَ الْبَدْرُ ثَوْبَ الظَّلامِ

رَعَتْ مَجْدَ آلِ الزَّرافِيِّ مِنْهُ

مَكارِمُ تَعْضُدُهُ بِالْدَّوامِ

فإِنْ حُطِمَ اللَّدْنُ فَالْعَضْبُ باقٍ

وَإِنْ أَقْلَعَ الْغَيْثُ فَالْبَحْرُ طامِ

ص: 97

وَفِي واحِدٍ مِنْ بَنِي أَحْمَدٍ

لَنا خَلَفٌ مِنْ جَمِيعِ الأَنامِ

عَزاءَكَ يَا بْنَ الْعُلى إِنَّما

تَهُونُ الْعَظائِمُ عِنْد الْعِظَامِ

كَذا أَخَذَ النّاسُ في دَهْرِهِمْ

بِقِسْمَيْنِ مِنْ عِيشَةٍ واخْتِرامِ

فَكُلُّ اجْتمِاعٍ بِهِ لِلشَّتاتِ

وَكُلُّ رِضَاعٍ بِهِ لِلْفِطامِ

بَقِيتَ وَأَبْناؤُكَ الأَكْرَمُونَ

بَقاءِ الْهِضابِ بِرُكْنَيْ شَمامِ

فَمِثْلُكَ لَيْسَ عَلَى حادِثٍ

أَلَمَّ فَنَكَّبَهُ مِنْ مَلامِ

27

وقال يرثي أبا محمد بن أبي علي الزرافي:

الكامل

يا قَبْرُ ما لِلْمَجْدِ عِنْدَكَ فَاحْتَفِظْ

بِمُهَنَّدٍ ما كُنْتَ مِنْ أَغْمادِهِ

تَشْتاقُ مِنْهُ الْعَيْنُ مِثْلَ سَوادِها

وَيَضُمُّ مِنْهُ الصَّدْرُ مِثْلَ فُؤادِهِ

ص: 98

28

وقال في علي بن الزرافي أيضا:

الطويل

مَحا الدَّهْرُ آثارَ الْكِرامِ فَلَمْ يَدَعْ

مِنَ الْبَأْسِ وَالْمَعْرُوفِ غَيْرَ رُسُومِ

وَأَصْبَحْتُ أَسْتَجْدِي الْبخِيلَ نَوالَهُ

وَأَحْمَدُ فِي اللَّزْباتِ كُلِّ ذَمِيمِ

سِوى أَنَّ مِنْ آلِ الزَّرافِيِّ مَعْشَراً

وَفَوْا لِيَ لَمّا خانَ كُلُّ حَمِيمِ

هُمُ جَبَرُوا عَظْمِي الْكَسِيرَ وَلاءَمُوا

عَلَى طُولِ صَدْعِ النّائِباتِ أَدِيمِي

مَتى خِفْتُ حالاً حالَ بَيْنِي وَبَيْنَها

تَخاطُرُهُمْ مِنْ بُزَّلٍ وَقُرُومِ

وَإِنَّكَ مِنْهُمْ يا عَلِيُّ لَناصِري

عَلَى كُلِّ خَطْبٍ لِلزَّمانِ عَظِيمِ

ص: 99

29

وسأله أبو الفرج علي بن الحسين الزرافي أن يعمل أبياتا في جارية أراد شراءها واعترضها أبو الفتوح محمد بن محمد القابض فتجافى له عنها، وأدرك المعترض غفلة عنها كانت سببا إلى أن اشتراها غيره، فقال أبو عبد الله:

البسيط

يا مُفْلِتَ الظَّبْيَةِ الْغَنّاءِ مِنْ يَدِهِ

هَلاّ عَلِقْتَ بِها حُيِّيتَ مُقْتَنِصاً

ذُقِ الْمَلامَةَ مَحْقُوقاً فَما ظَلَمَتْ

كَأْسُ النَّدامَةِ إِنْ جُرِّعْتَها غُصَصا

قَدْ أَمْكَنَتْكَ فَما بادَرْتَ فُرْصَتَها

مَنْ شاوَرَ الْعَجْزَ لَمْ يَسْتَنْهِضِ الْفُرَصا

وَقَدْ تَحاماكَ فِيها حاذِقٌ دَرِبٌ

بِالصَّيْدِ لَوْلاكَ لَمْ يُحْجِمْ وَلا نَكَصا

إِنَّ اللَّبِيبَ إِذا ما عَنَّ مَطْلَبُهُ

أَهْوى إِلَيْهِ وَلَمْ يَنْظُرْ بِهِ الرُّخَصا

ص: 100

30

وقال يرثي والدة أبي المغيث محمد بن علي بن روزنة (كاتب القاضي جلال الملك بن عمار) ويعزيه بها:

الطويل

صُرُوفُ الْمَنايا لَيْسَ يُودِي قَتِيلُها

وَدارُ الرَّزايا لا يَصِحُّ عَلِيلُها

مَنِيتُ بِها مُسْتَكْرَهاً فَاجْتويْتُها

كَما يَجْتَوِي دارَ الْهَوانِ نَزِيلُها

يُشَهِّي إِلَيَّ الْمَوْتَ عِلْمِي بِأَمْرِها

وَرُبَّ حَياةٍ لا يَسُرُّكَ طُولُها

وَأَكْدَرُ ما كانَتْ حَياةُ نُفُوسِها

إِذا ما صَفَتْ أَذْهانُها وَعُقُولُها

وَمَنْ ذا الّذِي يَحْلُو لهُ الْعَيْشُ بَعْدَما

رَأَتْ كُلُّ نَفْسٍ أَنَّ هذا سَبِيلُها

أَقِمْ مَأْتَماً قَدْ أُثْكِلَ الْفَضْلُ أَهْلَهُ

وَبَكّ الْمَعالِي قَدْ أَجَدَّ رَحِيلُها

إِذا أَنْتَ كَلَّفْتَ المَدامِعَ حَمْلَ ما

عَناكَ مِنَ الأَحْزانِ خَفَّ ثَقِيلُها

وَيا باكِيَ الْعلْياءِ دُونَكَ عَبْرَةً

مَلِيّاً بِإِسْعادِ الْخَلِيلِ هُمُولها

وَمُهْجَةَ مَحْزُونٍ تَخَوَّنَها الضَّنا

فَلَمْ يَبْقَ إِلاّ وَجْدُها وَغَلِيلُها

ص: 101

ألا بِالتُّقى وَالصّالِحاتِ مُفارِقٌ

طَوِيلٌ عَلَيْهِ بَثُّها وَعَوِيلُها

أَصابَ الرَّدى نَفْساً عَزِيزاً مُصابُها

كَرِيماً سَجاياها قَلِيلاً شُكُولُها

فَأَقْسَمْتُ ما رامَتْ مَنِيعَ حِجابِها الْ

مَنُونُ وَفي غَيْرِ الْكِرامِ ذُحُولُها

وَما زالَ ثَأْرُ الدَّهْرِ عِنْدَ مَعاشِرٍ

يَشِيمُ النَّدى أيْمانَهُمْ وَيُخِيلُها

فَمَنْ يَكُ مَدْفُوعاً عَنِ الْمَجْدِ قُوْمُهُ

فَإِنَّ قَبِيلَ الْمَكْرُماتِ قَبِيلُها

وَمَنْ يَكُ مَنْسِيَّ الْفِعالِ فَإِنَّهُ

مَدى الدَّهْرِ بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ كَفِيلُها

يَطِيبُ بِقَدْرِ الْفائِحاتِ نَسِيمُها

وَتَزْكُو الْفُرُوعُ الطَّيِّباتُ أُصُولُها

سَحابَةُ بِرٍّ آنَ مِنْها انْقِشاعُها

وَأَيْكَةُ مَجْدٍ حانَ مِنْها ذُبُولُها

أَوَدُّ لَها سُقْيا الْغَمامِ وَلَوْ أَشا

إِذاً كَشَفتْ صَوْبَ الْغَمامِ سُيُولُها

وَكَيْفَ أُحَيِّي ساكِنَ الْخُلْدِ بِالْحَيا

وَما ذُخِرَتْ إلاّ لَهُ سَلْسَبِيلُها

ص: 102

سَيشْرُفُ فِي دارِ الْحِسابِ مَقامُها

وَيَبْرُدُ فِي ظلِّ الْجِنانِ مَقِيلُها

نَلُوذُ بِأَسْبابِ الْعَزاءِ وَإِنَّهُ

لَيَقْبُحُ فِي حُكْمِ الْوَفاءِ جَمِيلُها

وَهَلْ يَنْفَعُ الْمَرْزِيَّ أَنْ طالَ عَتْبُهُ

عَلَى الدَّهْرِ وَالأَيّامُ صَعْبٌ ذَلُولُها

فَلا يَثْلِمَنَّ الْحُزْنُ قَلْبَكَ بَعْدَها

فَقِدْماً أَبادَ الْمُرْهَفاتِ فُلُولُها

وَماذا الَّذِي يَأْتِي بِهِ لَكَ قائلٌ

وَأَنْتَ قَؤُولُ الْمَكْرُماتِ فَعُولُها

إِذا ابْنُ عَلِيٍّ رامَ يَوْماً بَحِزْمِهِ

لِقاءَ خُطُوبِ الدَّهْرِ دَقَّ جَلِيلُها

وَما زِلْتَ مَمْلُوءًا مِنَ الْهِمَمِ الَّتي

تُقَصِّرُ أَيّامَ الرَّدى وَتُطِيلُها

يَنالُ مَدى الْمَجْدِ الْبَعِيدِ رَذِيُّها

وَيَقْطَعُ فِي حَدِّ الزَّمانِ كَلِيلُها

فَقَدْتَ فَلَمْ تَفْقَدْ عَزاكَ وَإِنَّما

يُضَيِّعُ مَأْثُورَ الأُمُورِ جَهُولُها

عَلَى أَنَّ مَنْ فارَقْتَ بِالأَمْسِ لا تَفِي

بِحَقٍّ لَهُ أغْزارُ دَمْعٍ تُسِيلُها

وَما عُذْرُها أَنْ لا يَشُقَّ مُصابُها

عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيا وَأَنْتَ سَلِيلُها

ص: 103

31

وقال يمدح أبا الحسين أحمد بن عبد الرزاق:

الخفيف

يا نَسِيمَ الصَّبا الْوَلُوعَ بِوَجْدِي

حَبَّذا أَنْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِنَجْدِ

أَجْرِ ذِكْرِي نَعِمْتَ وَانْعَتْ غَرامِي

بِالْحِمى وَلْتَكُنْ يَداً لَكَ عِنْدِي

وَلَقَدْ رابَنِي شَذاكَ فَبِاللّ

هِ مَتى عَهْدُهُ بِأَطْلالٍ هِنْدِ

إِنْ يَكُنْ عَرْفُها امْتَطاكَ إِلَيْنا

فَلَقَدْ زُرْتَنا بِأَسْعَدِ سَعْدِ

أَهْدِ لِي نَفْحَةً تَضَمَّنُ رَيّا

ها بِما شِئْتَ مِنْ عَرارٍ وَرَنْدِ

رُبَّما نَهْلَةٍ سُقِيتُ بِفِيها

فَكَفَتْنِي مَعَ الصَّدى كُلَّ وِرْدِ

وَغَرِيمٍ مِنَ الْهُمُومِ اقْتَضانِي

دَلَجَ الْعِيسِ بَيْنَ وَجْدٍ وَوَخْدِ

كُلَّما أَرْزَمَتْ مِنَ الشَّوْقِ كِدْنا

فَوْقَ أَكْوارِها مِنَ الشَّوْقِ نَرْدِي

ص: 104

يا خَلِيلَيَّ خَلِّيانِي وَهَمِّي

أَنا أَوْلاكُما بِغَيِّي وَرُشْدِي

لُوْ أَمِنْتُ الْمَلامَ وَالْدَّمْعَ ما اخْتَرْ

تُ وُقُوفِي عَلَى الْمَنازِلِ وَحْدِي

وَلَقَدْ أَصْحَبُ الْمُرِاحَ إِلى اللَّ

ذّاتِ مُلْقى الْوِشاحِ أَسْحَبُ بُرْدِي

بَيْنَ دُعْجٍ مِنَ الظِّباءِ وَنُعْجٍ

وَلِدانٍ مِنَ الْحِسانِ وَمُلْدِ

فِي زَمانٍ مِنَ الشَّبِيبَةِ مَصْقُو

لٍ وَعَيْشٍ مِنَ الْبَطالَةِ رَغْدِ

وَأَمانٍ مِنَ الْخُطُوبِ كَأَنِّي

لاِبْنِ عَبْدِ الرَّزّاقِ أَخْلَصُ عَبْدِ

لِكَرِيمِ الثَّناءِ وَالْيَدِ وَالْخِي

مِ عَمِيمِ الأَخْلاقِ وَالْخَلْقِ نَجْدِ

يَقِظٍ تَلْجَأُ الْعُلى أَبَداً مِنْ

هُ إِلى أَوْحَدِ الْعَزِيمَةِ فَرْدِ

طالِبٍ أَشْرَفَ الْمَطالِبِ لا يَهْ

جُمُ إِلاّ عَلَى الْمَرامِ الأَشَدِّ

تُنْذِرُ النّائِباتُ أَنْفُسَها مِنْ

هُ بِخَصْمٍ للِنّائِباتِ أَلَدِّ

جاعِلٍ مالَهُ طَرِيقاً إِلى الْحَمْ

دِ فما يَأْتَلِي يُنِيرُ وَيْسْدِي

ص: 105

فَقرِاهُ سارٍ إِلى كُلِّ سارٍ

وَنَداهُ وَفْدٌ عَلَى كُلِّ وَفْدِ

يُوْمُهُ فِي النَّدى بِعامٍ مِنَ الْغَيْ

ثِ إِذا قَلَّ مَنْ يَجُودُ وَيُجْدِي

كَرَمٌ شافِعٌ بِناصِيةَ الْفقْ

رِ وَجُودٌ عَلَى النَّوائِبِ مُعْدِي

وَيَدٌ أَغْنَتِ الْمُقِلِّينَ حَتّى

ما تَرى فِي الأَنامِ طالِبَ رِفْدِ

جادَ قَبْلَ السُّؤالِ لا ماءُ وَجْهِي

نابَ فِي جُودِهِ وَلا ماءُ حَمْدِي

وَبداني بِالْوِدِّ عَفْواً وَما كنْ

تُ خَلِيقاً فِي ذا الزَّمانِ بِوُدِّ

وَلَعَمْرِي لَقَدْ عَلِمْتُ يَقِيناً

أَنَّ ذِكْرِي بِهِ سَيَعْلُو وَجَدِّي

ما تَوهَّمْتُهُ فَخالَجَ فِكْرِي

أَنَّهُ لَيْسَ لِي بِزادٍ مُعَدِّ

جادَنِي مِنْ نَدى عَلِيٍّ سَحابٌ

مُسْتَهِلٌ بِغَيْرِ بَرْقٍ وَرَعْدِ

ص: 106

حِينَ لا قادَنِي إِلى نَكَدِ الْمَطْ

لِ وَلا راعَنِي بِخَجْلَةِ رَدِّ

إِنَّ خَيْرَ الْمَعْرُوفِ ما جاءَ لا سِي

نُ سُؤالٍ فِيهِ وَلا واوُ وَعْدِ

عاقَدَتْنِي بِهِ اللَّيالِي فَما تَخْ

فِرُ عَهْدِي وَلا تُغَيِّرُ عَقْدِي

وَلَعَمْرِي ما كُنْتُ لُولاهُ إلاّ

فِي طِرادٍ مَعَ الْهُمُومِ وَطَرْدِ

يا بْنَ عَبْدِ الرَّزَاقِ لا زَايَلَتْكُمْ

نِعَمُ اللهِ بَيْنَ طُرْفٍ وَتُلْدِ

مُطْلِقاتٍ أَعِنَّةَ الشُّكْرِ مِنْ كُ

لِّ لِسانٍ حَتّى يُعِيدَ وَيُبْدِي

مِنْ بُدُورٍ عَلَى نَمارِقَ ميثٍ

وَلُيُوثٍ عَلَى سَوابِقَ جُرْدِ

وَكُهُولٍ قَشاعِمٍ تَتلاقَى

فِي ذُرى الْمَجْدِ أَوْ غَطَارِفَ مُرْدِ

حَيْثُ يُلْفى أَبُو الْحُسَيْنِ مَلِياً

بِالنَّفِيسَيْنِ مِنْ عَلاءٍ وَمَجْدِ

ذُو الْمقامِ الْحَمِيدِ فِي كلِّ فَضْلٍ

يَتَعاطاهُ وَالْمَقالِ الأَسَدِّ

ص: 107

ضارِبٌ فِ الصَمِيمِ مِنْهُ إِلى خَيْ

رِ أَبٍ بَاهِرِ الأُصُولِ وَجَدِّ

هَلْ يُجارِي سَماحَ كَفِّكَ تَقْري

بِيَ فِي حَلْبُةِ الثَّناءِ وَشَدِّي

فَأُجَازِيكَ بالْمَدِيحِ وَهَيْها

تَ وَلكِّنِنِي سأَبْلَغُ جَهْدِي

وَلَئِنْ نَوَّهَتْ عُلاكَ بِأَشْعا

رِي وَأَوْرَيْتَ بِالْمَكارِمِ زَنْدِي

فَلَقَدْ أُوْدَعَتْ أَمِيناً عَلَى الْمِنَّ

ةِ لا يُفْسِدُ الْجَمِيلَ بِجَحْدِ

بِقَوافٍ مِثْلِ النُّجُومِ سَوارٍ

تَتَبارَى فِي كُلِّ نَشْرٍ وَوَهْدِ

سابِقاتِ الرَّكابِ وَالرّكْبِ ما تَنْ

فَكُّ تُحْدِي بِها الرَّذايا فَتَخْدِي

باقِياتٍ لَمْ تَخْلُ ما قَدُمَ الْعَهْ

دُ عَلَيْها مِنْ مَفْخَرٍ مُسْتَجَدِّ

لَوْ أُتِيحَتْ لِلْغانِياتِ لَفَضَّلْ

نَ بِها الْمُنْفِساتِ مِنْ كُلِّ عِقْدِ

فَادَّخِرْها مالاً نَفِيساً فَخَيْرُ الْ

مالِ ما لَمْ يَنَلْهُ حادِثُ فَقْدِ

ص: 108

32

وقال يشكر القاضي أبا علي الحسين بن أبي العش على جميل تقدم له ويستزيده، بطربلس:

الكامل

مَنْ كانَ مِثْلَ أَبِي عَلِيٍّ فَلْيَنَلْ

أُفُقُ السَّماءِ بِهِمَّةٍ لَمْ تُخْفَضِ

أَغْنى وَقَدْ أَبْدى النَّدى وَأَعادَهُ

عَنْ أَنْ أَقُولَ لَهُ أَطَلْتَ فَأَعْرِضِ

ما كانَ فِيما نِلْتُ مِنْهُ بِواعِدٍ

فَأَقُولَ إِنَّ الْوَعْدَ غَيْرُ مُمَرِّضِ

سَبَقَتْ مَواهِبُهُ الْوُعُودَ وَرُبَّما

جادَ السَّحابُ وَبَرْقُهُ لَمْ يُومِضِ

وَقَفَ الْحُسَيْنُ عَلَى السَّماحِ غَرامَهُ

لَيْسَ الْمُحِبُّ عَنِ الْحَبِيبِ بِمُعْرِضِ

كَشّافُ كُلِّ عَظِيمَةٍ إِنْ تَدْعُهُ

لا تَدْعُهُ لِلْخَطْبِ ما لَمْ يُرْمِضِ

وَإِذا أَرَدْتَ إلى الْحُسِيْنِ صَنِيعَةً

فَاعْرِضْ لِفَضْلِ نَوالِهِ وَتَعرَّضِ

إِنَّ السُّؤالَ لَواقِعٌ مِنْهُ بِمَنْ

زِلَةِ النَّوالِ مِنَ الْمُقِلِّ الْمُنْفِضِ

ص: 109

وَلَهُ إِذا وَعَدَ الْجَمِيلَ مَكارِمٌ

لا يَقْتَضِيهِ بِغَيْرِهِنَّ الْمُقْتَضِي

مَحْضُ الْعَلاءِ صَرِيحُهُ فِي أُسْرَةٍ

جَمَحِيَّةِ النَّسَبِ الصَّرِيحِ الأَمْحَضِ

ضَربَ الْحِمامُ عَلَيْهِمُ فَتَقَوَّضُوا

وَبِناءُ ذاكَ الْمَجْدِ لَمْ يَتَقَوَّضِ

قَوْمٌ لَهُمْ شَرَفُ الْحَطِيمِ وَمُبْتَنى الْ

عِزِّ فِي الْبِطاحِ الأَعْرَضِ

يُحْيي الثَّنا مَوْتى الْكِرامِ وَرُبَّما

ماتَ اللَّئِيمُ وَرُوحُهُ لَمْ تُقْبَضِ

ماذا تَقُولُ لِمَنْ أَتاكَ مُصَرِّحاً

نِعَمُ تَعَرِّضُها لِكُلِّ مُعَرِّضِ

قَدْ كانَ خَيَّمَ صَرْفُ كُلِّ مَلِمَّةٍ

عِنْدِي فَقالَ لَهُ سَماحُكَ قَوِّضِ

وَلَحَظْتَنِي فَعَرَفْتَ مَوْضِعَ خَلَّتِي

نَظَرَ الطَّبِيبِ إلى الْعَلِيلِ الْمُمْرَضِ

وَنَظَرْتَ مِنْ تَحْتَ الْخُمُولِ تَطَلُّعِي

كَالْماءِ بُرْقِعَ وَجْهُهُ بِالْعَرْمَضِ

لَمّا رَأَيْتَ الدَّهْرَ يَقْصُرُ هِمَّتِي

عَنْ غايَةِ الأَمَلِ الْبَعِيدِ الْمَرْكَضِ

أَنْهَضْتَنِي وَالسَّهْمُ لَيْسَ بِصائِبٍ

غَرَضاً إِذا الرّامِي بِهِ لَمْ يُنْبِضِ

وَالْعَضْبُ لَيْسَ بِبَيِّنٍ تَأْثِيرُهُ

وَالأَثْرُ حَتّى يَنْتَضِيهِ الْمُنْتَضِي

وَعَلَيْكَ حَقٌّ رَفْعُ ما أَسَّسْتَهُ

فِي مَذْهَبِ الكَرَمِ الَّذِي لَمْ يُرْفَضِ

ص: 110

لا يَمْنَعَنَّكَ مِنْ يَدٍ والَيْتَها

أَنِّي بِشكْرِ صَنِيعهِا لَمْ أَنْهَضِ

إِنَّ الْغَمامَ إِذا تَرادَفَ وَبْلُهُ

أَبْقى أَنِيقَ الرَّوْضِ غَيْرَ مُرَوَّضِ

وَلَئِنْ بَقِيتُ لَتَسْمَعَنَّ غَرائِباً

يَقْضِي الزَّمانَ وفَضْلُها لَمْ يَنْقَضِ

يَظْمَا إِلَيْها الْمُنْعِمُونَ فَمَنْ يَرِدْ

يَرِدِ الثَّناءِ الْعَذْبَ غَيْرَ مُبَرَّضِ

هذا وَلَسْتُ بِبالِغٍ بَعْضَ الَّذِي

أَوْلَيْتَ ما لُبِسَ الظَّلامُ وَما نُضِي

أَقْرَضْتَنِي حُسْنَ الصَّنِيعِ تَبَرُّعاً

وَالْقَرْضَ أَفْضَلُ مِنْ جَزاءِ الْمُقْرِضِ

فَاعْذُرْ إِذا ما الدَّهْرُ أَخْمَدَ فِكْرَتِي

أَيُّ الْكِرامِ بَدَهْرِهِ لَمْ يَغْرَضِ

جاءَتْكَ تُنْذِرُ بِالتَّوالِي بَعْدَها

كَالفَجْرِ فِي صَدْرِ الصَّباحِ الأَبْيضِ

أَبَنِي أَبِي الْعَيْشِ الأَكارِمَ إِنَّنِي

لُوْ لاكُمْ لَرَضِيتُ ما لَمْ أَرْتَضِ

ما زِلْتُ أَعْتَرِضُ الْمَوارِدَ قامِحاً

حَتّى وَصَلْتُ إلى الْبُحُورِ الْفُيَّضِ

ص: 111

33

وقال وقد أهدى إليه القاضي أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي العيش أخو المقدم ذكره، هدية ومعها أبيات يعتذر فيها من بزارة ما أهده إليه:

الوافر

سَأَشْكُرُ ما مَنَنْتَ بِهِ وَمِثْلِي

لأَهْلِ الْمَنِّ فَلْيَكُنِ الشَّكُورُ

وَأَحْمَدُ حُسْنَ رَأْيِكَ فِيِّ حَمْداً

يَدُومُ إِذا تَطاوَحَتِ الدُّهُورُ

وَإِنْ تَكُ مُسْتَقِلاً ما أَتَانِي

فَمِثْلُكَ يُسْتَقَلُّ لَهُ الْكَثِيرُ

وَأَذْكى ما يَكُونُ الرَّوْضُ نَشْراً

إِذا ما صَابَهُ الْقَطْرُ الْيَسِيرُ

وَلا وَأَبِي الْعُلَى ما قَلَّ نَيْلٌ

بِنَيْلِ أَقَلِّهِ غَنِيَ الْفَقِيرُ

وَلا فُوْقَ الْغِنى جُودٌ فَحَسْبِي

كَفى بِالْمَحْلِ عارِضُكَ الْمَطِيرُ

وَلا عِنْدِي مَكانٌ لِلْعَطايا

فَقُلْ لِلسَّيْلِ قَدْ طَفَحَ الْغَدِيرُ

فِداؤُكَ مَعْشَرٌ سُئِلُوا فَأَجْدَوْا

فَإِنَّكَ غَيْرَ مَسْئُولٍ تَمِيرُ

فَكَيْفَ بِأُمَّةٍ لُؤُمُوا وَذَلُّوا

فَلا خَلْقٌ يَجُودُ وَلا يُجِيرُ

ص: 112

رَأَيْتُكَ حاضِراً فِي حالِ غَيْبٍ

وَبَعْضُ الْقَوْمِ كالْغَيَبِ الْحُضُورُ

لَقَدْ سُدَّتْ مَوارِدُ كُلِّ خَيْرٍ

وَساحَ بِكَفِّكَ الْكَرَمُ الْغَزِيرُ

عَلَى رُغْمِ الزَّمانِ أَجَرْتَ مِنْهُ

وَقَدْ قَلَّ الْمُمانِعُ وَالْمُجِيرُ

تَخَطّى النّائِباتِ إِلَيَّ جُودٌ

كَما فاجاكَ فِي الظَّلْماءِ نُورُ

تَخِذْتَ بِهِ يَداً عِنْدَ الْقَوافِي

يَقُومُ بِشُكْرِها الْفِكْرُ الْمُنِيرُ

وَأَيْنَ الشُّكْرُ مِمّا خَوَّلَتْهُ

جَهِلْتُ وَرُبَّما جَهِلَ الْخَبِيرُ

سَماحٌ رَدَّ رُوحاً فِي الأَمانِي

وَمَعْرُوفٌ بِهِ جُبِرَ الْكَسِيرُ

وَشِعْرٌ لَوْ يَكُونُ الشِّعْرُ غَيْثاً

لَباتَ وَنَوْؤُهُ الشِّعْرِى الْعَبُورُ

مَعانٍ تَحْتَ أَلْفاظٍ حِسانٍ

كَما اجْتمَعَ الْقَلائِدُ وَالنُّحُورُ

يُخَيَّلُ لِي لِعَجْزِي عَنْهُ أَنِّي

بِما أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنٍ كَفُورُ

وَتَعْذِلُنِي الْقَوافِي فِيكَ طُوْراً

وَطَوْراً فِيكَ لي مِنْها عَذِيرُ

ص: 113

وَأَعْلَمُ أَنَّ طَوْلَكَ لا يُجازى

وَهَلْ تُجْزى عَلَى الدُّرِّ الْبُحُورُ

وَتَسْمُو هِمَّتِي فَإِخالُ أَنِّي

عَلَى ما لَسْتُ واجِدَهُ قَدِيرُ

أُعَلَّلُها بِمَدْحِكَ كُلِّ يَوْمٍ

وَما تَعْلِيلُها إِلاّ غُرُورُ

أَمِثْلُكَ مُنْعِماً يُجْزى بِشُكْرٍ

لَقَدْ أَلْقَتْ مَقالِدَها الأُمُورُ

وَما الْعَنْقاءُ بِالْمَكْذُوبِ عَنْها

حَدِيثٌ بَعْدَ ما زَعَمَ الضَّمِيرُ

وَلا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بَعْدَ ذا فِي

أَمانٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرُ

أَغَرُّ مُهَذَّبٌ حَسَباً وَفِعْلاً

يَخِفُّ لِذِكْرِهِ الأَمَلُ الْوَقُورُ

بَني لِبَنِي أَبِي الْعَيشِ الْمَعالِي

فَتىً يَحْلُو بِهِ الْعَيْشُ الْمَرِيرُ

أُناسٌ لا يَزالُ لِمُجْتَدِيهِمْ

عَلَيْهِمْ مِنْ مَكارِمِهِمْ ظَهِيرُ

هُمُ انْتُجِبُوا مِنَ الْحَسَبِ الْمُزَكّى

كَما قُدَّتْ مِنَ الأَدَمِ السُّيُورُ

وَهُمْ فَكُّوا مِنَ الإِخْفاقِ ظَنِّي

بِطَوْلِهِمُ كَما فُكَّ الأَسِيرُ

وَقامَ بِنَصْرِ آَمالِي نَداهُمْ

أَلا إِنَّ النَّدى نِعْمَ النَّصِيرُ

فَإِنْ لَمْ أَحْبُهُمْ وُدِّي وَحَمْدِي

فَلا طَرَدَ الْهُمُومَ بيَ السُّرُورُ

وَقُلْتُ شَبِيهُ جُودِهِمُ الْغَوادِي

إِذا هَطَلَتْ وَمِثْلُهُمُ الْبُدُورُ

ص: 114

34

وقال يرثي الأمير مختار الدولة بن بزال وقد توفي بطرابلس (سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة):

المتقارب

لَقَدْ جاوَزَتْ فِيكَ مِقْدارَها

خُطُوبٌ قَضَتْ مِنْكَ أَوْطارَها

وَكَيْفَ تَرَقَّتْ إِلى مُهْجَةٍ

يَوَدُّ الرَّدى لَوْ غَدا جارَها

سَمَتْ هَمَّةُ الْخَطْبِ حَتّى إِلَيْكَ

لَقَدْ عَظَّمَ الدَّهْرُ أَخْطارَها

وَمَنْ ذا الَّذِي يَأْمَنُ النّائِباتِ

وَقَدْ أَنْشَبَتْ فِيكَ أَظْفارَها

سَماحُكَ أَثْكَلَها صَرْفَها

فَجاءَتْكَ طالِبَةً ثارَها

سَتَبْكِيكَ إِذا عُمِّرَتْ دَوْلَةٌ

دَعَتْكَ الْمَكارِمُ مُخْتارَها

فَمَنْ لِحِماها إِذا ما الْعَدُ

وُّ أَمَّتْ كَتائِبُهُ دارَها

وَمَنْ يَشْهَدُ الْحَرْبَ غَيْرُ الْجَبانِ

إِذا الْخَوْفُ غَيَّبَ أَنْصارَها

وَمَنْ يَجْعَلُ السَّيْفَ مِنْ دُونِها

حِجاباً يُمِيطُ بِهِ عارَها

وَمَنْ ذا يُكَثِّرُ حُسّادَها

وَمَنْ ذا يُقَلِّلُ أَنْظَارَها

ص: 115

وَمَنْ لِلأُمُورِ إِذا أُورِدَتْ

فَلَمْ يَمْلِكِ الْقَوْمُ إِصْدارَها

وَمَنْ ذا يُطِيلُ قِراعَ الْخُطُو

بِ حَتّى يُقَصِّرَ أَعْمارَها

سَقى اللهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَراكَ

حَياءَ السَّماءِ وَأَمْطارَها

تَوَلّى كَما أَقْلَعَتْ دِيمَةٌ

وَأَوْدَعَتِ الأَرْضَ آثارَها

مَضَتْ وَاقْتَضَتْ شُكْرَ آلائِها

نَسِيمَ الرِّياضِ وَنُوّارَها

خَلائِقُ إِنْ بانَ مِنْها الْعِيانُ

رَوَتْنا الصَّنائِعُ أَخْبارَها

أَرى كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الْحادِثاتِ

لَنا وَقْعَةً نُصْطَلِي نارَها

فَيا لَيْتَ شِعْرِي وَما نَفْعُ لَيْتَ

مَتى تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزارَها

وَحَتّامَ ذِمّةُ هذِي الْجُسُو

مِ لا يَرْهَبُ الْمَوْتُ إِخْفارَها

تُفِيتُ الْمَقادِيرُ أَرْواحَها

وَتُبْلِي عَلَى الدَّهْرِ أَبْشارَها

هَرَبْنا بِأَنْفُسِنا وَالْقَضا

ءُ يَسْبِقُ بِالْمَشْي إِحْضارَها

وَما اعْتَرَفَتْ أَنْفُسٌ بِالْحِما

مِ لَوْ كانَ يَقْبَلُ إِنْكارَها

ص: 116

إِذا أَقبَلَتْ بِالْفَتَى عِيشَةٌ

تَوَقَّعَ بِالْمَوْتِ إِدْبارَها

وَكَيْفَ يُحاوِلُ صَفْوَ الْحَيا

ةِ مَنْ لَيْسَ يُمْنَحُ أَكْدَارَها

وَما عُمْرُ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الْوَفا

ةُ إِلاّ كَمَرْحَلةٍ سارَها

35

وقال يرثي الأمير أبا العطاء رسلان المنقذي بطرابلس:

الوافر

لَعَمْرُ أَبِي الْعَطَاءِ لَئِنْ تَوَلّى

لَنِعْمَ مُعَرَّجُ الرَّكْبِ الطِّلاحِ

ونعم أبو الضيوف إذا أطاحت

بيوت الحي عاصفة الرياح

وَنِعْمَ الْمُوضِحُ الْعَميْاءَ رَأْياً

وَقَدْ كَثُرَ التَّمادِي وَالتَّلاحِي

وَنِعْمَ مُفَرِّجُ الْغَمَراتِ عَزَّتْ

عَلَى سَوْمِ الأَسِنَّةِ وَالصِّفاحِ

يَعَزُّ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِي رِثائِي

إِلَيْكَ بِغِبِّ شُكْرِي وَامْتِداحِي

وَكُنْتُ إِذا أَتَيْتُكَ مَسْتَمِيحاً

لِمَكْرُمَةٍ نَزَلْتَ عَلَى اقْتِراحِي

سَأَبْكِي والْقَوافِي مُسْعِداتِي

بِنَدْبٍ مِنْ ثَنائِكَ أَوْ مَناحِ

ص: 117

إذا ما خانَنِي دَمْعٌ بَلِيدٌ

بَكَيْتُ بأَدْمُعِ الشِّعْرِ الْفِصاحِ

جَزاءً عَنْ جَمِيلٍ مِنْكَ والَتْ

يَداكَ بِهِ ادِّراعِي وَاتِّشاحِي

فَلا بَرِحَتْ تَجُودُكَ كُلَّ يُوْمٍ

مَدامِعُ مُزْنَةٍ ذاتُ انْسِفاحِ

تَرُوحُ بِها فُرُوعُ الرَّوْضِ سَكْرى

تَمِيدُ كَأَنَّما مُطِرَتْ بِراحِ

إِلى أَنْ يَغْتَدِي وَكَأَنَّ فِيهِ

مَخايِلَ مِنْ خَلائِقِكَ السِّجاحِ

36

وقال وهو في طرابلس:

الوافر

إِذا ما ارْتاحَ لِلرّاحِ النَّدامى

وَهَيَّجَتِ ابْنَةُ الكَرْمِ الْكِراما

وَقامَ يُدِيرُها صَهْباءَ صِرْفاً

تُميتُ الْهَمَّ أَوْ تُحْيِي الْغَراما

تُرِيكَ فَمَ النَّدِيمِ إِذا حَساها

كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ ذَهَبٍ لِثاما

وَطافَ بِها أَغَنُّ يَبِيتُ صَبًّا

مُحاوِلُهُ وَيُصْبِحُ مُسْتَهاما

ص: 118

تَرى في قُرْبِهِ مِنْكَ ازْوِراراً

وَفِي إِعْراضِهِ عَنْكَ ابْتِساما

فَلا تَكُ كَالَّذِي إِنْ جِئْتُ أَشْكُو

إِلَيْهِ الْوَجْدَ أَوْسَعَنِي مَلاما

يَمُرُّ مَعَ الْغَوايَةِ كَيْفَ شاءَتْ

وَيَعْذُلُ في تَطَرُّفِها الأَناما

37

وقال وقد حصر الماوردية مع صديق له، وبها صبي بديع الجمال، قد احمرت وجنتاه من النار، فسأله صديقه أن يعمل في ذلك شيئا، فقال مرتجلا:

الكامل

يا مُوقِدَ النّار الَّذِي لَمْ يَأْلُ في اسْ

تِخْراجِ ماءِ الْوَرْدِ غايَةَ جَهْدِهِ

أَوَ ما ترَى الْقَمَر الْمُحْرِّقَ ظَالِماً

قَلْبِي بِنارٍ مِنْ جَفاهُ وَبُعْدِهِ

انْظُرْ إِلَيْهِ تَضَرَّجَتْ وَجَناتُهُ

خَجَلاً وَقَدْ عاتَبْتُهُ في صَدِّهِ

إِنْ تَخْبُ نارُكَ فَاقْتَبِسْ مِنْ مُهْجَتِي

أَوْ يَفْنَ وَرْدُكَ فَاقْتَطِفْ مِنْ خَدِّهِ

ص: 119

38

وكتب إلى صديق له، يعاتبه في تأخر حاجة سأله إياها:

الطويل

أَبا أَحْمَدٍ كَيْفَ اسْتَجزْتَ جَفائِي

وَكَيْفَ أُضِيعَتْ خُلَّتِي وَإِخائِي

وَهَبْنِي حُرِمْتُ الْجُودَ عِنْدَ طِلابِهِ

فَكَيْفَ حُرِمْتُ الْبِشْرَ عِنْدَ لِقائِي

نأَيْتَ عَلى قُرْبٍ مِنَ الدّارِ بَيْنَنا

وَكُلُّ قَرِيبٍ لا يَوَدُّكَ نائِي

كَأَنَّكَ لَمْ تُصْمِ الْحَسُودَ بِمَنْطِقِي

وَلَمْ تُلْبِسِ الأَيّامَ ثَوْبَ ثَنائِي

لَئِنْ كانَ عُزِّي قَبْلَها عَنْ مَوَدَّةٍ

صَدِيقٌ لَقَدْ حُقَّ الْغَدَاةَ عَزائِي

وَفي أَيِّ مَأْمُولٍ يَصِحُّ لآمِلٍ

رَجاءٌ إذا ما اعْتَلَّ فِيكَ رَجائِي

أُعِيذُكَ بِالنَّفْسِ الْكَرِيمَةِ أَنْ تُرى

مُخِلاًّ بِفَرْضِ الْجُودِ في الْكُرَماءِ

وَبِالْخُلُقِ السَّهْلِ الَّذِي لَوْ سَقَيْتَهُ

غَليلَ الثَّرى لَمْ يَرْضَ بَعْدُ بِماءِ

فَلا تَزْهَدَنْ في صالِحِ الذِّكْرِ إِنَّما

يَلِيقُ رِداءُ الْفَضْلِ بِالْفُضَلاءِ

فَلَيْسَ بِمَحْظُوظٍ مِنَ الْحَمْدِ مَنْ غَدا

وَلَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ الشُّعَراءِ

ص: 120

39

وكتب إلى القاضي أبي العضل بن أبي الدوح، وكان قد أمر القاضي جلال الملك أن يفرق على أهل دار العلم ذهبا، فلم يصله منه شيء، وكان ابن أبي الدوح متوليا دار العلم، فأعطاه من ماله لما كتب له هذه الأبيات:

المتقارب

أَبا الْفَضْلِ كَيْفَ تَناسَيْتَنِي

وَما كنْتَ تَعْدِلُ نَهْجَ الرَّشادِ

فَأَوْرَدْتَ قَوْماً رِواءَ الصُّدُورِ

وَحَلأْتَ مِثْلِي وَإِنِّي لَصادِ

لَقَدْ أَيْأَسَتْنِيَ مِنْ وُدِّكَ الْ

حَقِيقَةُ إِنْ كانَ ذا بِاعْتِمادِ

مَنَحْتُكَ قَلْبِي وَعانَدْتُ فِي

كَ مَنْ لا يَهُونَ عَلَيْهِ عِنادِي

أَظَلُّ نَهارِيَ وَالْحاسِدُوكَ

كَأَنِّي وَإِيّاهُمُ في جَهادِ

وَيُجْدِبُ ظَنِّيَ فِيمَنْ أَوَدُّ

وَظَنِّيَ فِيكَ خَصِيبُ الْمَرادِ

إِلى أَنْ رَأَيْتُ جَفاءً يَدُ

لُّ أَنَّ اعْتِقادَكَ غَيْرُ اعْتِقادِي

فَيا لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ قَبْلَها

شَغَفْتُ بِحُبِّكَ يَوْماً فُؤادِي

فَإِنَّ الْقَطِيعَةَ أَشْهى إِلَيَّ

إِذا أَنا لَمْ أَنْتَفِعْ بِالْوِدادِ

ص: 121

بَلَوْتُ الأَنامَ فَما رَأَيْتُ

خَلِيلاً يَصِحُّ مَعَ الاِنْتِقادِ

وَلَوْلا شَماتَةُ مَنْ لامَنِي

عَلَى بَثِّ شُكْرِكَ في كلِّ نادِ

وَقَوْلُهُمُ وَدَّ غَيْرَ الْوَدُودِ

فَجُوزِي عَلَى قربه بالبعاد

لما كنت من بعد نيل الصفا

لأرغب في النّائِلِ الْمُسْتَفادِ

وَما بِيَ أَنْ يَرْدَعَ الشَّامِتِينَ

وِصالُكَ بِرِّي وَحُسْنَ افْتقِادِي

وَلكِنْ لِكَيْ يَعْلَمُوا أَنَّنِي

شَكَرْتُ حَقِيقاً بِشُكْرِ الأَيادِي

وَلَمْ أَمْنَحِ الْحَمْدَ إِلاّ امْرَأً

أَحَقَّ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْعِبادِ

وَما كُنْتَ لُوْ لَمْ أَعُمْ في نَداكَ

لأُثْنِي عَلَى الرَّوْضِ قَبْلَ ارْتِيادِي

وَأَنَّكَ أَهْلٌ لأَنْ تَقْتَنِي

ثَنائِيَ قَبْلَ اقْتِناءِ الْعَتاِدِ

فَلا يُحْفِظَنَّكَ أَنِّي عَتَبْتُ

فَتَمْنَعَنِي من بلوغ المراد

فإن البلاد إذا أجدبت

فما تَسْتَغِيثُ بِغَيْرِ الْعِهادِ

إِذا ما تَجافى الْكِرامُ الشِّدا

دُ عَنّا فَمَنْ لِلْخُطُوبِ الشِّدادِ

ص: 122

40

وقال وقد سئل أن يعمل شعرا يكتب على قائم سيف:

مجزوء الكامل

أَنا وَالنَّدى سَيْفانِ في

يَدِ ماجِدٍ نَصَرَ الْمَكارِمْ

هذا يَفُلُّ بِهِ الْخُطُو

بُ وَذا يَقُدُّ بِهِ الْجَماجِمْ

41

وقال يعاتب صديقا له، وهو أبو القاسم بن عبد الرزاق:

الطويل

رَأَيْتُكَ لَمّا شِمْتُ بَرْقَكَ خُلَّباً

وَما أَرَبِي في عارِضٍ لَيْسَ يُمْطِرُ

فَأَخْطَأَنِي مِنْكَ الَّذِي كُنْتُ أَرْتَجِي

وَأَدْرَكَنِي مِنْكَ الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ

وَما ذاكَ عَنْ عُذْرٍ فأَسْلُوهُ مَطْلَباً

تَعَذَّرَ لَكِنْ حَظِّيَ الْمُتَعَذِّرُ

ص: 123

وَكَمْ مانِعٍ رِفْداً وَما كانَ مانِعاً

وَلكنْ أَبى ذاكَ الْقَضاءُ الْمُقَدَّرُ

وَقَدْ كانَ فِيما بَيْنَنا مِنْ مَوَدَّةٍ

وَمَعْرِفَةٍ مَعْرُوفُها لَيْسَ يُنْكَرُ

مِنَ الْحَقِّ ما يَقْضِي عَلَيْكَ بِأَنْ أُرى

لَدَيْكَ وَحَظِّي مِنْ نَوالِكَ أَوْفَرُ

وَما هِيَ إِلاّ حُرْمَةٌ لُوْ رَعَيْتَها

رَعَيْتَ فَتىً عَنْ شُكْرِها لا يُقَصِّرُ

كَرِيماً مَتى عاطَيْتَهُ كَأْسَ عِشْرَةٍ

تَعَلَّمْتَ مِنْ أَخْلاقِهِ كَيْفَ يُشْكَرُ

42

وقال فيه أيضاً:

الطويل

وَيَعْتادُنِي ذِكْراكَ في كُلِّ حالَةٍ

فَتَشْتَفُّنِي حَتّى تُهَيِّجَ وَسْواسِي

وَأَشْتاقُكُمْ وَالْيَأْسُ بَيْنَ جَوانِحِي

وَأَبْرَحُ شَوْقٍ ما أَقامَ مَعَ ألْياسِ

وَلَوْلا الرَّدى ما كانَ بِالعَيْشِ وَصْمَةٌ

وَلَوْلا النَّوى ما كانَ بِالْحُبِّ مِنْ باسِ

ص: 124

43

وقال بديها، وقد سئل أن يصف غدير ماء قد شعشعته الشمس:

الكامل

أوَ ما تَرى قَلَقَ الْغَدِيرِ كَأَنَّما

يَبْدُو لِعَيْنِكَ مِنْهُ حَلْيُ مَناطِقِ

مُتَرَقْرِقٌ لَعِبَ الشُّعاعُ بِمائِهِ

فَارْتَجَّ يَخْفُقُ مِثْلَ قَلْبِ الْعاشقِ

فَإِذا نَظَرْتَ إِلَيْهِ راعَكَ لَمْعُهُ

وَعَلَلْتَ طَرْفَكَ مِنْ سَرابٍ صادِقِ

44

وقال:

الوافر

أَلا يا مُحْرِقِي بالنّارِ مَهْلاً

كَفانِي نارُ حُبلِّكَ وَاشْتِياقِي

فَما تَرَكَتْ وَحَقَّكَ فِي فُؤادِي

وَلا جَسَدِي مَكاناً لاِحْتِراقِ

فَها أَنا مِاثِلٌ كَرَمادِ عُودٍ

مَضى مَحْصُولُهُ والشَّخصُ باقِ

ص: 125

فَلوْ واصَلْتَنِي يَوْماً لأَوْدى

بِجِسْمِي مَسُّ جِسْمِكَ بِالْعِناقِ

تُحَرِّقُنِي بِنارِكَ مُؤْذِناً لِي

بما أَنا فِيكَ يَوْمَ الْبَيْنِ لاقِ

وَنِيرانُ الصَّبابَةِ بالغِاتٌ

مُرادَكَ فِيَّ مِنْ قَبْلِ الْفِراقِ

45

وقال أيضاً:

الكامل

أَمُعَذِّبِي بِالنّارِ سَلْ بِجَوانِحِي

عِنْدِي مِنَ الزَّفَراتِ ما يَكْفِينِي

لا تَبْغِ إِحْراقِي فإِنَّ مَدامِعِي

تُغْرِي بِنارِكَ ماءَها فَيَقِينِي

لُوْلا بَوادِرُها الْغزِارُ لأَوْشَكَتْ

وَهَوَاكَ نارُ هَواكَ أَنْ تُرْدِينِي

كَمْ وَقْعَةٍ لِلشَّوْقِ شُبَّ ضِرامُها

فَلَقِيتُ فِيها أَضْلُعِي بِجُفُونِي

ص: 126

46

وقال أيضاً:

الكامل

يا مُؤْذِياً بالنّارِ جِسْمَ مُحِبِّهِ

نارُ الْجَوى أَحْرى بِأَنْ تُؤْذِيهِ

وَلِحَرِّها بَرْدٌ عَلَى كَبِدِي إِذا

أَيْقَنْتُ أَنَّ تَحَرُّقِي يُرْضِيهِ

عَذِّبْ بِها جَسَدِي فَداكَ مُعَذَّباً

وَاحْذَرْ عَلَى قَلْبِي فَإِنَّكَ فِيهِ

47

وقال، وقد تعذرت مطالبه في بعض السنين، بطرابلس:

البسيط

يا لَيْتَ أَنَّ يَدِي شَلَّتْ وَلَمْ يَرَنِي

خَلْقٌ أَمُدُّ إِلَيْهِ بِالسُّؤالِ يَدا

وَلَيْتَ سُقْمِي الَّذِي فِي الْحالِ مِنْ عَدَمِي

أَحَلَّهُ الدَّهْرُ مِنِّي الرُّوحَ وَالْجسَدَا

بَلْ لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ خَلْقاً وَإِذْ قَسَمَ الْ

حَياةَ قاسِمُها لي قَصَّرَ الأَمَدا

فَالْمَوْتُ أَرْوحُ مِنْ عَيْشٍ مُنِيتُ بِهِ

وَلَمْ يَعِشْ مَنْ تقَضّى عَيْشُهُ نَكَدا

ص: 127

48

وقال أيضاً في مثله:

البسيط

ألا فَتىً مِنْ صُرُوفِ الدَّهْرِ يَحْمِينِي

أَلا كَريمٌ عَلَى الأَيّامِ يُعْدِيني

مَضى الْكِرامُ وَقَدْ خُلِّفْتُ بَعْدَهُمُ

أَشْكُو الزَّمانَ إِلى مَنْ لَيْسَ يُشْكِينِي

كَمْ أَسْتَفِيدُ أخاً بَرًّا فَيُعْجِزُنِي

وَأَبْتَغِي ماجِداً مَحْضاً فَيُعْيِيِني

أَرْجُو السَّماحَةَ مِمَّنْ لَيْسَ يُسْعِفُنِي

وَأَبْتَغِي الرِّفْدَ مِمَّنْ لا يُواسِينِي

لَوْ كانَ فِي الْفَضْلِ مِنْ خَيْرٍ لِصاحِبِهِ

مِنِّي فَحَتّامَ لا يَنْفَكُّ يَرْمِينِي

لَوْ كانَ فِي الْفَضْلِ مِنْ خَيْرٍ لِصاحِبِهِ

لَكانَ فَضْلِيَ عَنْ ذِي النَّقْصِ يُغْنِينِي

يا هذِهِ قَدْ أَصابَ الدَّهْرُ حاجَتَهُ

مِنِّي فَحَتّامَ لا يَنْفَكُّ يَرْمِينِي

إِنْ كانَ يَجْهَدُ أَنْ أَصْلى نَوائِبَهُ

جَمْعاً فَواحِدَةٌ مِنْهُنَّ تَكْفِينِي

كَأَنَّهُ لَيْسَ يَغْدُو مُرْسِلاً يَدَهُ

بِكُلِّ نافِذَةٍ إِلاّ لِيُصْمِينِي

سَلَوْتُ لا مَلَلاً عَمَّنْ كَلِفْتُ بِهِ

وَمِثْلُ ما نالَ مِنِّي الدَّهْرُ يُسْلِينِي

ما كُنْتُ أَرْضى الْهَوى وَالْوَجْدُ يُنْحِلُنِي

حَتّى بُلِيتُ فَصارَ الْهَمُّ يُنْضِينِي

مَنْ كانَ ذا أُسْوَةٍ فِيمَنْ بِهِ حَزَنٌ

فَالْيَوْمَ بِي يَتَأَسّى كُلُّ مَحْزُونِ

ص: 128

49

وقال أيضا:

الوافر

نَفضْتُ يَدِي مِنَ الآمالِ لَمّا

رَأَيْتُ زِمامَها بِيَدِ الْقَضاءِ

وَما تَنْفَكُّ مَعْرِفَتِي بِحَظِّي

تُرِينِي الْيَأْسَ في نَفْسِ الرَّجاءِ

50

وكتب إلى الشريف أبي المجد بن أبي الجن، يستهديه مسكا، بطرابلس:

المتقارب

أَبا الْمَجْدِ كَمْ لَكَ مِنْ طالِبٍ

يَرى بِكَ أَفْضَلَ مَطْلُوبِهِ

سَأَلْتُكَ مِسْكاً وَوَجْدِي بِهِ

كَوَجْدِ الْمُحِبِّ بِمَحْبُوبِهِ

وَلَوْ قَدْ ذَكَرْتُكَ فِي مَحْفِلٍ

غَنِيتُ بِذِكْرِكَ عَنْ طِيبِهِ

وِذِكْرِي لِمِثْلِكَ نِعْمَ الْبَدِيلُ

إِذا ضَنَّ غَيْرُكَ عَنِّي بِهِ

ص: 129

51

وقال فيه أيضاً:

الوافر

تَحَرّانِي الزَّمانُ بِكُلِّ خَطْبٍ

وَعانَدَنِي الْقَضاءُ بِغَيْرِ ذَنْبِ

كَأَنَّ الدَّهْرَ يُحْزِنُهُ سُرُورِي

أَوِ الأَيّامَ يُظْمِئُهُنَّ شُرْبِي

أَيا زَمَنَ اللِّئامِ إِلى مَ حَمْلاً

عَلَيَّ وَبَعْضُ ما حُمِّلْتُ حَسْبِي

أَما يَحْظَى الْكِرامُ لَدَيْكَ يُوْماً

فَأَرْكَبَ فِيكَ عَيْشاً غَيْرَ صَعْبِ

أَعُدْماً وَاغْتِراباً وَاكْتِئاباً

لَقَدْ أَغْرَيْتَ بِي يا دَهْرُ نَحْبِي

لَعَلَّ فَتىً حَمَيْتُ بِهِ حَياتِي

زماناً وَالخُطُوبُ يُرِدْنَ نَهْبِي

يُعِينُ كَما أَعانَ فَيَجْتَبِينِي

بِنُعْمى طالَما فَرَّجْنَ كَرْبِي

فَيُنْقِذَ مِنْ غَمارِ الْمَوْتِ نَفْسِي

وَيُطْلِقَ من إسار الهم قلبي

وكنت إذا عتبت على زمان

أزال سَماحُ نَصْرِ اللهِ عَتْبِي

أُؤَمِّلُهُ لِحادِثَةِ الليالِي

فَأُخْصِبُ وَالزَّمانُ زَمانُ جَدْبِ

وَكَيْفَ يَخِيبُ مَنْ أَلْقى عَصاهُ

بِساحَةِ مُغْرَمٍ بِالْجُودِ صَبِّ

ص: 130

وَما يَنْفَكُّ يَنْفَحُ كًلَّ يُوْمٍ

نَسِيمُ الْعَيْشِ مِنْ ذاكَ الْمَهَبِّ

يَرُدُّ هُبُوبُهُ كَرَماً وَجُوداً

رِياحَ الدَّهْرِ مِنْ سُودٍ وَنُكْبِ

خَلائِقُ منْ أَبِي الْمَجْدِ اسْتَطالَتْ

بِهِمَّةٍ فاخِرٍ لِلْمجْدِ تَرْبِ

حَلَتْ أَعْراقُهُ كَرَماً فَباتَتْ

تُتَيِّمُ كُلَّ ذِي أَمَلٍ وَتُصْبِي

مَكارِمُ طالَما رَوَّيْتُ صَدْرِي

بِها وَوَرَدْتُ مِنْها كُلَّ عَذْبِ

تَزِيدُ غَزارَةً وَصَفاءَ وِرْدِ

عَلى ما طالَ مِنْ رَشْفِي وَعَبِّي

وَأَلْبَسَنِي صَنائِعَ لا أُبالِي

إِذا سالَمْنَنِي مَنْ كانَ حَرْبِي

وَقَفْتُ بِها الثَّناءَ عَلَى كَرِيمٍ

يَرى كَسْبَ الْمَكارِمِ خَيْرَ كَسْبِ

فَتىً لَمْ يُدْعَ لِلْمَعْرُوفِ إِلاّ

وَنائِلُهُ لِداعِيهِ الْمُلَبِّي

فِداؤُكَ كُلُّ مَمْنُوعٍ جَداهُ

ضَنِينٍ بَلْ فِداؤُكَ كُلُّ نَدْبِ

فَكَمْ قَرَّبْتَ حَظِّي بَعْدَ نَأْيٍ

وَباعَدْتَ النَّوائِبَ بَعْد قُرْبٍ

إِذا ما كُنْتَ مِنْ عُشّاقِ حَمْدِي

أَدَلَّ وَزارَ مَجْدَكَ غَيْرَ غِبِّ

وَمِثْلُكَ حَلَّ بَذْلُ الْجُودِ مِنْهُ

مَحَلَّ هُوى الْحَبِيبِ مِنَ الْمُحِبِّ

ص: 131

52

وقال:

الوافر

وَإِنِّي لِلزَّمانِ لَذُو نِضالٍ

فَبِي مِنْ حَدِّ أَسْهُمِهِ كُلُومُ

وَسَلانِي عَنِ الأَحْبابِ دَهْرٌ

يَضِيمُ الْحُرَّ حادِثُهُ الْغَشُومُ

فَقَدْ أَصْبَحْتُ لا تُجْرِي دُمُوعِي الطُّ

لُولُ وَلا تُهَيِّجُنِي الرُّسُومُ

53

وقال مديها، وقد حضر عند أبي الفضلبن يوسف، وأحضر شرابا أصفر:

الكامل

يا حُسْنَها صَفْراءَ ذاتَ تَلَهُّبٍ

كَالنّارِ إلاّ أَنَّها لا تَلْفَحُ

عاطَيْتَنِيها وَالمِزْاجُ يَرُوضُها

وَكَأَنَّها فِي الْكَأْسِ طِرْفٌ يَجْمَحُ

وَتَضَوَّعَتْ مِسْكِيَّةً فَكَأَنَّها

مِنْ نَشْرِ عِرْضِكَ أَوْ ثَنائِكَ تَنْفَحُ

ص: 132

54

وقال يمدح منير الدولة والي صور، ووفد إليه وأنشده إباها بصور، سنة أربع وثمانين وأربعمائة:

الطويل

إِذا عَزَّ نَفْسِي عَنْ هَواكَ قُصُورُها

فَمِثْلُ النَّوى يَقْضِي عَلَيَّ يَسِيرُها

وَهَلْ غادَرَ الهِجْرانُ إِلاّ حُشاشَةً

لِنَفْسٍ بأَدْنى لَوْعَةٍ يَسْتَطِيرُها

هَوىً وَنَوىً يُسْتَقْبَحُ الصَّبْرُ فِيهِما

وَحَسْبُكَ مِنْ حالٍ يُذَمُّ صَبُورُها

وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تَماسَكَ مُهْجَتِي

وَأَنَّكَ مِنْ جَوْرِ الْفِراقِ مُجِيرُها

ص: 133

فَما كانَ إِلَاّ غِرَّةً ما رَجَوْتُهُ

أَلا شَرُّ ما أَرْدى النُّفُوسَ غُرُورُها

وإِنِّي لَرَهْنُ الشَّوْقِ وَالشَّمْلُ جامِعٌ

فَكَيْفَ إِذا حَثَّ الْحُداةَ مَسِيرُها

وَما زِلْتُ مِنْ أَسْرِ الْقَطِيعَةِ باكِياً

فَمَنْ لِي غَداةَ الْبَيْنِ أَنِّي أَسِيرُها

وَكُنْتُ أَرى أَنَّ الصُّدودَ مَنِيَّةٌ

يَكُونُ مَعَ اللَّيْلِ التَّمامِ حُضُورُها

فَلَمّا قضَى التَّفْرِيقُ بِالْبُعْدِ بَيْنَنا

وَجَدْتُ اللَّيالِي كَانَ حُلْواً مَرِيرُها

أَعُدُّ سُرُورِي أَنْ أَراكَ بِغِبْطَةٍ

وَأَنْفَسُ ما يُهْدِي لِنَفْسٍ سُرُورُها

كَفى حَزَناً أَنِّي أَبِيتُ مُعَذَّباً

بِنارِ هُمُومٍ لَيْسَ يَخْبُو سَعِيرُها

وَأَنَّ عَدُوِّي لا يُراعُ وَأَنَّنِي

أَبِيتُ سَخِينَ الْعَيْنِ وَهْوَ قَرِيرُها

تَعافُ النُّفُوسَ الْمُرَّ مِنْ وِرْدِ عَيْشِها

وَتَكْرَهُ حَتّى يَسْتَمِرَّ مَرِيرُها

وَلا والْقَوافِي السّائِراتِ إِذا غَلَتْ

بِحُكْمِ النَّدى عِنْدَ الْكِرامِ مُهُورُها

لَئِنْ أَنا لَمْ يَمْنَعْ حِمايَ انْتِصارُها

وَيَثْنِي أَذى الْعادِينَ عَنِّي نَكِيرُها

فَلا ظَلَّ يُوْماً مُصْحِباً لِي أَبِيُّها

وَلا باتَ لَيْلاً آنِساً بِي نَفُورُها

قَطَعْتُ صُدُورَ الْعُمْرِ لَمْ أَدْرِ لَذَّةً

وَغَفْلَةَ عَيْشٍ كَيْفَ كَانَ مُرُورُها

ص: 134

وَلَمّا رَمانِي الدَّهْرُ عُذْتُ بِدَوْلَةٍ

جَلا الْحادِثاتِ الْفادِحاتِ مُنِيرُها

وَكَيْفَ يَخافُ الدَّهْرُ رَبُّ مَحامِدٍ

غَدا كَرَمُ الْمَنْصُورِ وَهْوَ نَصِيرُها

إِلى عَضُدِ الْمُلْكِ امْتطَيْتُ غَرائِباً

مُحَرَّمَةٌ إِلاّ عَلّي ظُهُورُها

ِإلى مَلِكٍ تَعْنُو الْمُلُوكُ لِبَأْسِهِ

ويَقْصُرُ يَوْمَ الْفَخْرِ عَنْهُ فَخُورُها

أَعَمُّهُمُ غَيْثاً إِذا بَخِلَ الْحيَا

وَأَطْعَنُهُمْ وَالْخَيْلُ تُدْمى نُحُورُها

إِلى حَيْثُ تَلْقى الْجُودَ هَيْناً مَرامُهُ

لِباغِيهِ وَالْحاجاتِ سَهْلاً عَسِيرُها

لَدى مَلِكٍ ما انْفَكَّ مِنْ مَكْرُماتِهِ

مَوارِدُ يَصْفُو عَذْبُها وَنَمِيرُها

يَزِيدُ عَلَى غُوْلِ الطُّرُوقِ صَفاؤُها

وَيَنْمِي عَلَى طُولِ الْوُرُودِ غَزِيرُها

أَغَرُّ لَوَ أَنَّ الشَّمْسَ يَحْظَى جَبِينُها

بِبَهْجَتِهِ ما كَانَ يُكْسَفُ نُورُها

غَنِيٌّ الْعُلى مِنْ كُلِّ فَضْلٍ وَسُؤْدَدٍ

وَلكِنَّهُ مِنْ كُلِّ مِثْلٍ فَقِيرُها

يُعُدُّ الْمَنايا مُسْتَساغاً كَرِيههُا

وَبِيضَ الْعَطايا مُسْتَقَلاًّ كَثِيرُها

سَقى اللهُ أَيّامَ الْمُؤَيَّدِ ما سَقَتْ

حَوافِلُ مُزْنٍ لا يُغِبُّ مَطِيرُها

ص: 135

فَما نَقَلَتْ جَرْداءُ سابِحَةٌ لَهُ

شَبِيهاً وَلا وَجْناءُ يَقْلَقُ كُورُها

سَقى لهذِه الدُّنْيا مِنَ الْعَدْلِ رَيَّها

فَأَصْبَحَ لا يَخْشَى الذَّواءَ نَضِيرُها

وَهَبَّ لَهُ فِيها نَسِيمُ غَضارَةٍ

مِنَ الْعَيْشِ حَتّى عادَ بَرْداً هَجِيرُها

عَفُوٌّ فَما عايَنْتُ زَلَّةَ مُجْرِمٍ

لَدى عَفْوِهِ إِلاّ صَغِيراً كَبِيرُها

لَهُ الرَّأْيُ وَالْبَأسُ اللَّذانِ تَكَفَّلا

لأَعْدائِهِ أَوْحى حِمامٍ يُبِيرُها

سُيُوفٌ مِنَ التَّدْبِيرَ والْفَتْكِ لَمْ يَزَلْ

وَمُغْمَدُها فِي كَفِّهِ وَشَهِيرُها

رَأَى أَرْضَ صُورٍ نُهْبَةً لِمُغالِبٍ

يُنازِلُها يَوْماً وَيَوْماً يُغِيرُها

تداركها والنصر في صدر سيفه

أخو عز مات لا يخاف فتورها

هُمامٌ إِذا ما حَلَّ يَوْماً بِبَلْدَةٍ

فَخَنْدَقُها حَدُّ الْحُسام وَسُورُها

وَسُمْرٌ مِنَ الْخَطِّيِّ لا تَرِدُ الْوَغى

فَتُحْطَمَ إِلاّ فِي الصُّدُورِ صُدُورُها

أَرى أُمَراءِ الْمُلْكِ لِلْفَخْرِ غايَةً

وَأَنْتَ إِذا عُدَّ الْفَخارُ أَمِيرُها

وَما زِلْتَ تسْمُو لِلْعَلاءِ بِهِمَّةٍ

تَقِلُّ لَكَ الدُّنْيا بِها كيْفَ صُورُها

ص: 136

وَأَقْسِمُ لَوْ حاوَلْتَ قَدْرَكَ فِي الْعُلى

لَما آثَرَتْ عَنْكَ السَّماءَ بُدُورُها

وَإِنَّ بِلاداً أَنْتَ حائِطُ ثَغْرِها

بِسَيْفِكَ قَدْ عَزَّتْ وَعَزَّ نَظِيرُها

فَسَعْداً لأَمْلاكٍ عَلَيْكَ اعْتمِادُها

وَفَخْراً لأيّامٍ إِلَيْكَ مَصِيرُها

لَقَدْ عَطَّرَ الدُّنْيا ثَناؤُكَ فَانْثَنى

بِهِ ذا كَسادٍ مِسْكُها وَعَبِيرُها

فَتاهَتْ بِذِكْراهُ الْبِلادُ وَأَهُلُها

وَهَبَّتْ بِرَيّاهُ الصِّبا وَدَبُورُها

مَلأْتَ بِهِ الآفاقَ طِيباً مَتى دَعا

إِلى نَشْرِهِ الآَمالَ خَفَّ وَقُورُها

فَجِئتُكَ ذا نَفْسٍ يُقَيِّدُها الْجَوى

وَقَدْ كادَ حُسْنُ الظَّنِّ فِيكَ يُطِيرُها

رَمِيمٍ أُزَجِّيها إِلَيْكَ لَعَلَّهُ

يَكُونُ بِنُعْمى راحَتَيْكَ نُشُورُها

وَلَسْتُ بِشاكٍ مُدَّةَ الْخَطْبِ بَعْدَها

وَأَوَّلُ إِفْضائِي إِلَيْكَ أَخِيرُها

ص: 137

55

وقال يشكر صديقا له على جميل أولاه إياه ويستئجره وعدا، من الطرابلسيات:

الوافر

أبا حَسَنٍ لَئِنْ كانَتْ أَجابَتْ

هِباتُكَ مَطْلَبِي قَبْلَ الدُّعاءِ

لَما ضاعَ اصْطِناعُكَ فِي كَرِيمٍ

مَلِيٍّ حِينَ تَقْرِضُ بِالْجَزاءِ

سَأُثْنِي بِالَّذِي أَوْلَيْتَ جَهْدِي

وَيُثْنِي السّامِعُونَ عَلَى ثَنائِي

وَكَيْفَ جُحُودُ مَعُرُوفٍ تَوالى

فَكانَ مِنَ الْخُطُوبِ دَواء دائي

أَأَجْحَدُ مِنَّةً بَدَأَتْ وَعادَتْ

إِذَنْ فَعَدَلْتُ عَنْ سَنَنٍ الْوفاءِ

سَبَقْتَ إِلى جَمِيلِ الصُّنْعِ ظَنِّي

وَقَرْطَسَ جُودُ كَفِّكَ فِي رَجائِي

وَكان نَداكَ حِينَ يَسِيرُ نَحْوِي

جَنِيباً لِلْمَوَدَّةِ وَالصَّفاءِ

فَما أَدْرِي أَأَشْكُرِ مِنْكَ قَصْدِي

بِجُودِكَ وَاصْطِناعِكَ أَمْ إِخائِي

ص: 138

أَبَتْ أَخْلاقُكَ الْغُرُّ اللَّواتِي

أَحَبُّ إِلى النُّفُوسِ مِنَ الْبَقاءِ

وَكَوْنُكَ وَالسَّماحُ إِلَيْكَ أَشْهى

مِنَ الْماءِ الزُّلالِ إِلى الظِّماءِ

سِوى كَرَمٍ وَمَعْرُوفٍ وَحِلْمٍ

وَضَرْبٍ فِي التَّكَرُّمِ وَالسَّخاءِ

وَقَدْ أَسَّسْتُ بِالْمِعادِ شُكْرِي

وَما بَعْدَ الأَساسِ سِوى الْبِناءِ

فَإِنْ تَسْمَحْ يَداكَ فَلا عَجِيبٌ

وَمَنْ ذا مُنْكِرٌ قَطْرَ السَّماءِ

56

وقال في غرض له:

مجزوء الكامل

كَمْ ذا التَّجَنُّبُ وَالتَّجَنِّي

كَمْ ذا التَّحامُلُ وَالتَّعَدّي

أَتَظُنُّنِي لا أَسْتَطِي

عُ أُحِيلُ عَنْكَ الدَّهْرَ وُدِّي

مَنْ ظَنَّ أَنْ لا بُدَّ مِنْ

هُ فَإِنَّ مِنْهُ أَلْفَ بُدِّ

ص: 139

57

وقال بديها وقد قيل: إن الشعر يحتاج إلى طلاوة:

الرجز

يُحْتاجُ فِي الشِّعْرِ إلى طَلاوَهْ

وَالشِّعْرُ ما لَمْ يَكُ ذا حَلاوَهْ

فإِنّما سَماعُهُ شَقاوَهْ

58

وقال أيضاً:

السريع

لَيْتَ الَّذِي قَلْبِي بِهِ مُغْرَمُ

يَعْلَمُ مِنْ وَجْدِي كَما أَعْلَمُ

لَعَلَّهُ إِنْ لَمْ يَصِلْ رَغْبَةً

يَرِقُّ لِلْكْرُوبِ أَوْ يَرْحَمُ

أَذَلَّنِي حُبُّكُمُ فِي الْهُوى

فَما حَمَتْنِي ذِلَّتِي مِنْكُمْ

وَمَذْهَبٌ ما زالَ مُسْتَقْبحاً

فِي الْحَرْبِ أَنْ يُقْتَلَ مُسْتَسْلِمُ

ص: 140

59

وقال وقد سأله صديق له أن يستهدي له خمرا، وقد حضر عندهما غلام أمرد جميل الوجه:

أحذ الكامل

أَبْلِغْ أَبا الْفَضْلِ الَّذِي شَهِدَتْ

بِالْفَضْلِ مِنْهُ الْبَدْوُ والْحَضْرُ

الْعُذْرُ عَنْدَكَ لا يَسُوغُ وَلِي

فِي أَنْ أَطِيلَ عَتابَكَ الْعُذْرُ

أَيَجُوزُ فِي حُكْمِ الْمُرُؤَةِ أَنْ

أَظْما وَدُونَ سَماحِكَ الْبَحْرُ

وَالسَّبْتُ مِنْ شَرْطِ الْمُدامِ وَلا

سِيمَا وَثَوْبُ زَمانهِ الْقُرُّ

وَلَدَيَّ بَدْرٌ لُوْ تَأَمَّلَهُ

يُوْماً لتاهَ بِحُسْنِهِ الْبَدْرُ

لا الْبَذْلُ شِيمَتُهُ وَلا الِفَتىً

عَرَفَ الْهوى عَنْ مِثْلِهِ صَبْرُ

فِي خُلْقِهِ سَرَسٌ وَلَيْسَ يُرى

إلاّ التَّمَتُّعُ مِنْهُ وَالْهَجْرُ

ص: 141

فَابْعَثْ لَنا خَمْراً يُراضُ بِها

فَعَسى يُذَلِّلُ صَعْبهُ الْخَمْرُ

وَالسُّكْرُ قَدْ ضَمِنَ الْوِصالَ لَنا

وَلَكَمْ وَفى بِضمانِهِ السُّكْرُ

سارِعْ إلى كَرَمٍ يُحازُ بِهِ الْ

شُّكْرُ الْجَمِيلُ وَيُعْدَمُ الأَجْرُ

60

وقال يهجو ابن المحلي وكان يدعي الأدب والشعر، وفتح صيرفيا، وكان متهما بالبغاء:

الخفيف

صِرْتَ بَيْنَ الصّادَيْنِ يَا بْنَ الْمُجَلِّي

بَيْنَ صَفْعٍ يُوهِي قَفاكَ وَصَرْفِ

بَعْدَ باءَيْنَ مِنْ بِغُاءٍ وَبَرْدٍ

حِلْفَ ضادَيْنِ فِيكَ وَضُعْفِ

ثُمَّ شِينَيْنِ شُؤْمِ جَدٍّ وَشِعْرٍ

لَمِغِيضٍ فِيهِ يَنابِيعُ كُنْفِ

قِرْنَ عَيْنَيْنِ عُدْمِ عَقْلٍ وَمالٍ

وَعَمىً عاجِلٍ بِوَقْعِ الأَكُفِّ

وَسَتأْتِي الْفاءَانِ فَقْدُكَ بَلْ فَقْ

رُكَ إِثْرَ الْحاءَيْنِ حُرْفٍ وَحَتْفٍ

ص: 142

وَإِذا ما السِّيناتُ حُزْنَكَ يا حُزْ

نَ ذَوِي الصَّرْفِ قُمْتَ مِنْ غَيْرِ خُلْفِ

سَفَهٌ فِي سَفالَةٍ فِي سُقُوطٍ

دائمٍ في سَوادٍ وَجْهٍ وسُخْفِ

61

وقال في جواب كتاب:

البسيط

وافى كَتابُكَ أَسْنى ما يَعُودُ بِهِ

وَفْدُ الْمَسَرَّةِ مِنِّي إِذْ يُوافِينِي

فَظَلْتُ أَطْوِيهِ مِنْ شَوْقٍ وَأَنْشُرُهُ

وَالشَّوْقُ يَنْشُرُنِي فِيهِ وَيَطْوِينِي

ص: 143

62

وقال يمدح يمين الملك أبا النجم هبة الله بن محمد بن بديع الأصفهاني

ص: 144

وأنشده إياها بالري سنة سبع وثمانين وأربع ماية:

الطويل

أَيا بَيْنُ ما سُلِّطْتَ إلاّ عَلَى ظُلْمِي

وَيا حُبُّ ما أَبْقَيْتَ مِنِّي سِوى الْوَهْمِ

فِراقٌ أَتى فِي إثْرِ هَجْرٍ وَما أَذىً

بِأَوْجَعَ مِنْ كَلْمٍ أَصابَ عَلَى كَلْمِ

لَقَدْ كانَ لي فِي الْوَجْدِ ما يُقْنِعُ الضَّنى

وَفِي الْهَجْرِ ما يَغْنِي بِهِ الْبَيْنُ عَنْ غَشْمِي

وَلَكِنَّ دَهْراً أَثَخَنَتْنِي جِراحُهُ

إذا حَزَّ فِي جِلْدِي أَلَحَّ عَلَى عَظْمِي

وَإنْ كُنْتُ مِمَّنْ لا يَذُمُّ سِوى النَّوى

فإِنَّ القِلى وَالصَّدَّ أَجْدَرُ بِالذَّمِّ

وَما مَنْ رَمى مِنْ غَيْرِ عَمْدٍ فَأَقْصَدَتْ

نَوافِذُهُ كَمَنْ تَعَمَّدَ أَنْ يَرْمِي

فَيا قَلْبُ كَمْ تَشْفى بِدانٍ وَنازِحٍ

فَشاكٍ إِلى خَصْمٍ وَباكٍ عَلَى رَسْمِ

وَحَتّامَ أَسْتَشْفِي مِنَ النّاسِ مَنْ بِهِ

سَقامِي وَأسْتَرْوِي مِنَ الدَّمْعِ ما يُظْمِي

ص: 145

غَرِيمِي بِدَيْنِ الْحُبِّ هَلْ أَنْتَ مُقْتضىً

وَهَلْ لِفُؤادٍ أَتْلَفَ الْحُبُّ مِنْ غُرْمِ

أَحِنُّ إلى سُقْمِي لَعَلَّكَ عائِدي

وَمِنْ كَلَفٍ أَنِّي أَحِنُّ إلى السُّقْمِ

وَبِي مِنْكَ ما يُرْدِي الْجَلِيدَ وَإِنَّما

لِحُبِّكَ أَهْوى أَنْ يَزِيدَ وَأَنْ يَنْمِي

وَيا لائمِي أَنْ باتَ يُزْرِي بِيَ الْهَوى

عَلَىَّ سَفاهِي لا عَلَيْكَ وَلِي حِلْمِي

أَقَلْبُكَ أَمْ قَلْبِي يُصَدَّعُ بِالنَّوى

وَجِسْمُكَ يَضْنى بِالْقَطيعَةِ أَمْ جِسْمِي

وَلا غَرْوَ أَنْ أَصْبَحْتَ غُفْلاً مِنَ الْهَوى

فَأَنْكَرْتَ ما بِي لِلصَّبابَةِ مِنْ رَسْمِ

نُدُوبٌ بِخَدِّي لِلدُّمُوعِ كَأَنَّها

فُلُولٌ بِقَلْبِي مِنْ مُقارَعَةِ الْهَمِّ

وَعائِبَتِي أَنَّ الْخُطُوبَ بَرَيْنَنِي

وَرُبَّ نَحِيفِ الْجِسْمِ ذُو سُؤْدَدٍ ضَخْمِ

ص: 146

رَأَتْ أَثَراً لِلنّائِباتِ كَما بَدا

مِنَ الْعَضْبِ ما أَبْقى بِهِ الضَّرْبُ مِنْ ثَلْمِ

فَلا تُنْكِري ما أَحْدَثَ الدَّهْرٌ إِنَّما

نَوائِبُهُ أَقْرانُ كُلِّ فَتىً قَرْمِ

وَلا بُدَّ مِنْ وَصْلٍ تُسَهِّلُ وَعْرَهُ

وَعىً تَنْتَمِي فِيها السُّيُوفُ إلى عَزْمِي

فَرُبَّ مَرامٍ قَدْ تَعاطَيْتُ وِرْدَهُ

فَما ساغَ لِي حَتّى أَمَرَّ لَهُ طَعْمِي

وَخَيْلٍ تَمَطَّتْ بِي وَلَيْلٍ كَأَنَّهُ

تَرادُفُ وَفْدِ الْهَمِّ أَوْ زاخِرُ الْيمِّ

شَقَقْتُ دُجاهُ وَالنُّجُومُ كَأَنَّها

قَلائدُ نَظْمِي أَوْ مساعِي أَبِي النَّجْمِ

إِليْكَ يَمِينَ الْمُلْكِ واصَلْتُ شَدَّها

مُقَلْقَلةَ الأَغْلاقِ جائِلَةَ الْحُزْمِ

غُوارِبُ أَحْياناً طَوالِعُ كُلَّما

هَبَطْنَ فَضا سَهْلٍ عَلَوْنَ مَطا حَزْمِ

تَمِيلُ بِها الآمالُ عَنْ كُلِّ مَطْمَعٍ

دَنِيءٍ وَتَسْمُو لِلطِّلابِ الَّذِي يُسْمِي

تَزُورُ امْرَأً لا يُجْتنَى ثَمَرُ الْغِنى

بِمْثِلِ نَداهُ الْغَمْرِ وَالنَّائِلِ الْجَمِّ

مَتى جِئْتَهُ وَالْمُعْتَفُونَ بِبابِهِ

شَهِدَتْ بِنُعْمى كَفِّهِ مَصْرَعَ الْعُدْمِ

إلى مُسْتَبِدٍّ بِالْفضائِل قاسِمٍ

لِهِمَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْفَرَ الْقِسْمِ

ص: 147

تُعَدُّ عُلاهُ مِنْ مَناقِبِ دَهْرِه

كَعَدِّكَ فَضْلَ اللَّيْلِ بِالقَمَرِ التِّمِّ

وَكَرَّمَهُ عَنْ أَنْ يُسَبَّ بِمِثْلِهِ الزَّ

مانُ كَمالٌ زَيَّنَ الجَدَّ بِالْفَهْمِ

وَجُودٌ عَلَى الْعافِي وَذَبٌّ عَنِ الْعُلى

وَصَدٌّ عَنِ الْواشِي وَصَفْحٌ عَنِ الْجُرْمِ

وَرُتْبَةُ مَنْ لَمْ يجْعَلِ الْحَظَّ وَحْدَهُ

طَرِيقاً إِلى الْعالِي مِنَ الرُّتَبِ الشُّمِّ

تَناوَلَها اسْتِحْقاقُهُ قَبْلَ حَظِّهِ

وَحامى عَلَيْها وَالْمقادِرُ لَمْ تَحْمِ

وَغَيْرُ بَدِيعِ مِنْ بَدِيعِ مُشَيِّدٌ

لِما شادَهُ وَالْفَرْعُ يُنْمى إِلى الجِذْمِ

سَقى اللهُ عَصْراً حافَظَ ابْنَ مُحَمَّدٍ

بِما فِي ثُغُورِ الْغانِياتِ مِنَ الظَّلْمِ

أَغَرُّ إِذا ما الْخَطْبُ أَعْشى ظَلامُهُ

تَبَلَّجَ طَلْقَ الرَّأْي فِي الحادِثِ الْجَهْمِ

تَرِقُّ حَواشِي الدَّهْرِ فِي ظِلِّ مَجْدِهِ

وَتَظْرُفُ مِنْهُ شِيمَةُ الزَّمَن الْفَدْمِ

ص: 148

وَيَكْبُرُ قَدْراً أَنْ يُرى مُتكبرَّاً

وَيَعْظُمُ مَجْداً أَنْ يَتيِهَ مَعَ العُظْمِ

وَيَكْرُمُ عَدْلاً أَنْ يَميلَ بهِ الهَوى

وَبَشْرُفُ نَفْساً أَنْ يَلَذَّ مَعَ الإِثمِ

وَيُورِدُ عَنْ فَضْلٍ وَيُصْدِرُ عَنْ نُهىً

وَيَصْمُتُ عَنْ حِلْمٍ وَيَنْطِقُ عَنْ عِلْمِ

بَدِيهَهُ رَأْيٍ فِي رَوِيَّةِ سُؤْدَدِ

وَإِقْدامُ عَزْمٍ فِي تَأَيُّدِ ذِي حَزْمِ

خَلائِقُ إِنْ تَحْوِ الثَّناءَ بِأَسْرِهِ

فَما الفَخْرُ إِلَاّ نُهْبَةُ الشَّرَفِ الْفَخْم

أَبَرُّ عَلَى الأَقْوامِ مِنْ شَيْبَةِ الْحَيا

وَأَشْهَرُ فِي الأَيّامِ مِنْ شَيْبَةِ الدُّهْمِ

أَضاءَتْ بِكَ الأَوْقاتُ وَالشَّمْسُ لَمْ تُنِرْ

وَرُوِّضَتِ السّاحاتُ وَالْغَيْثُ لَمْ يَهْمِ

وَشُدَّتْ أَواخِي الْمُلْكِ مِنْكَ بِأَوْحَدٍ

بَعِيدِ عُرى الْعَقْدِ الْوَكِيدِ مِنَ الفَصْمِ

فَتىً لا تُصافِي طَرْفَهُ لَذَّةُ الْكَرى

وَلا تَطَّبِي أَجْفانَهُ خُدَعُ الحُلْمِ

يُسَهِّدُهُ تَشْيِيدُهُ الْمَجْدَ وَالْعُلى

وَتَفْرِيجُ غَمّاءِ الْحَوادِثِ وَالْغَمِّ

وَغَيْرُ النُّجُومِ الزُّهْرِ يَأْلَفُها الْكَرى

وَيَعْدَمُها الإِشْراقُ فِي الظُّلَمِ الْعُسّمِ

لقَدْ شَرَّفَ الأَقْلامَ مَسُّ أَنامِلٍ

بِكَفِّكَ لا تَخْلُو مِنَ الْجُودِ وَاللَّثْمِ

ص: 149

فَكُلُّ نُحُولِ فِي الظُّبِى حَسَدٌ لَها

وَكُلُّ ذُبُولٍ غَيْرَهُ بِالْقَنا الصُّمِّ

وَكُنْتَ إِذا طالَبْتَ أَمْراً مُمَنَّعاً

أَفَدْتَ بِها ما يُعْجِزُ الْحَرْبَ فِي السِّلْمِ

كَفَيْتَ الْحُسامَ الْعَضْبَ فَلَّ غِرارِهِ

وَآمَنْتَ صَدْرَ السَّمْهرِيِّ مِنَ الْحَطْمِ

وَجاراكَ مَنْ لا فَضْلَ يُنْجِدُ سَعْيَهُ

وَأَيُّ امْرِيءٍ يَبْغِي النِّضالَ بِلا سَهْمِ

لَكَ الذِّرْوَةُ الْعَلْياءِ مِنْ كُلِّ مَفْخرٍ

سَنِيٍّ وَما لِلْحاسِدِينَ سِوى الرُّغْمِ

وَكَيْفَ يُرَجِّي نَيْلَ مَجْدِكَ طالِبٌ

وَبَيْنَهُما ما بَيْنَ عِرْضِكَ وَالْوَصْمِ

لَئِنْ أَوْحَدَتْنِي النّائِباتُ فَإِنَّنِي

لَمِنْ سَيْبِكَ الْفَيّاضِ فِي عَسْكَرٍ دَهْمِ

وَإِنْ لَمْ أُفِدْ غُنْماً فَقُرْبُكَ كافِلٌ

بِأَضْعِافِهِ حَسْبي لِقاؤُكَ مِنْ غُنْمِ

هَجَرْتُ إِلَيْكَ الْعالَمِينَ مَحَبَّةً

وَمِثْلُكَ مَنْ يُبْتاعُ بِالْعُرْبِ وَالْعُجْمِ

وَما قَلَّ مَنْ تَرْتاحُ مَدْحِي صِفاتُهُ

وَلكِنْ رَأَيْتُ الدُّرَّ أَلْيَقَ بِالنِّظْمِ

أَرى نَيْلَ أَقْوامٍ وَآبي امْتِنانَهُمْ

وَلَيْسَ تَفِي لِي لَذَّةُ الشُّهْدِ بِالسُّمِّ

فَهلْ لَكَ أَنْ تَنْتاشَنِي بِصَنِيعَةٍ

يَلِينُ بِها عُودُ الزَّمانِ عَلَى عُجْمِي

ص: 150

تَحُلُّ مَحَلّ الْماءِ عِنْدِي مِنَ الثَّرى

وَأَشْكُرُها شُكْرَ الرِّياضِ يَدَ الْوسْمِي

أَقَّرَّ ذَوُو الآدابِ طُرّاً لِمَنْطِقِي

وَغَيْرُهُمُ فِيما حَكى كاذِبُ الزَّعْمِ

فَلَسْتُ بِمُحتاج عَلَى ما ادَّعَيْتُهُ

إِلى شاهِدٍ بَعْدَ اعْتِرافٍ مِنَ الْخَصْمِ

تُطِيعُ الْقَوافِي الآبِياتُ قَرائِحي

وَيَنْزِلُ فِيهِنَّ الْكَلامُ عَلَى حُكْمِي

وَسيّارَةِ بِكْرٍ قَصَرْتُ عِنانَها

فَطالَتْ بِهِ والْخَيْلُ تُمْرَحُ فِي اللُّجْمِ

نَمى ذكْرُها قَبْلَ اللِّقاءِ وَإِنَّما

يَسُرُّكَ بَوْحِي بِالْمَحامِدِ لا كَتْمِي

كَمَخْتُومَةِ الدّارِيِّ نَمَّ بِفَضْلهِا

إِلَيْكَ شَذاها قَبْلَ فَضِّكَ لِلْخَتْمِ

حَدِيثَهُ عَصْرٍ كَلَّما امْتَدَّ دَهْرُها

سَما فَخْرُها حَتّى تَطُولَ عَلَى الْقُدْمِ

وَما فَضْلُ بِنْتِ الْكَرْمِ يَوْماً ببَيِّنٍ

إِذا لَمْ يَطُلْ عَهْدُ ابْنَةِ الْكَرْمِ بِالْكَرْمِ

ص: 151

63

وكتب إليه، وقد بلغه أنه استجفاه:

الطويل

أَتانِيَ أَنَّ الْمَجْدَ عَنِّي سائِلٌ

وَأَنَّ الْعُلى لَمْ يَعْدُنِي فِيكَ عَتْبُها

فَيَا فَخْرَ شَخْصٍ حَلَّ سِرَّكَ ذِكْرُهُ

وَيا سَعْدَ نَفْسٍ سَرَّ مِثْلَكَ قُرْبُها

وَلا عُذْرَ إلاّ أنَّ لُبّاً شَدَهْنَهُ

نَوائِبُ مَغْفُورٌ بِجُودِكَ ذَنْبُها

وَما كانَ لِي لُوْلاكَ بِالرَّيِّ مَنْزِلٌ

وَإِنْ شَعَفْتْ غَيْرِي وَتَيَّمَ حُبُّها

وَما هِي إِلاّ كَالْبِلادِ وإِنَّما

بِوَطْئِكَ فَلْيَفْخَرَ عَلَى الْمِسْكِ تُرْبُها

64

وقال وقد شرفه بحلعة وصلة:

الطويل

لَعَمْرِي لَئِنْ شَرَّفْتَنِي بِصَنِيعَةٍ

وَحَلِّيْتَ مِنِّي بِالنَّدى راحَةً عُطْلاً

فَلَمْ يَأْتِ عِنْدِي غَيْرُ ما أَنْتَ أَهْلُهُ

وَلا عَجَبٌ لِلْغَيْثِ أَنْ رَوَّضَ الْمَحْلا

ص: 152

65

وقال وهو متوجه إلى دمشق من خراسان:

الطويل

ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً

يُرَوِّحُنِي بِالْغُوطَتَيْنِ نَسِيمُ

وَهَلْ يَجْمَعَنَّ الْكَأْسُ شَمْلِي بِفِتْيَةٍ

عَلَى الْعَيْشِ مِنْهُمُ نَضْرَةٌ وَنَعِيمُ

66

وقال يهجو مستوفي الري واسمه فحراور:

السريع

قولا لِفَخْراوَرَ قَوْلَ امْرِئٍ

فِي عِرْضِهِ عاثَ وَفِي الرِّيشِ راثْ

يا جَبَلَ الُّلؤْمِ الثَّقِيلِ الَّذِي

لَيْسَ لَهُ فِي الصّالِحاتِ انْبِعاثْ

ما كنْتَ أَهْلاً لِرَجائِي وَلا

مِثْلُكَ فِي الْكُرْبَةِ مَنْ يُسْتَغاثْ

لكَّنِنِي كُنْتُ كَذِي جَوْعَةٍ

حَلَّتْ لَهُ الْمَيْتَةُ بَعْدَ الْثَّلاثْ

ص: 153

67

وكتب إلى أبي النجم بعد عودهما إلى دمشق:

الوافر

تَجافَ عَنِ الْعُفاةِ وَلا تَرُعْهُمْ

فَإِنِّي ناصِحٌ لَكَ يا زَمانُ

أَخافُ نَدى يَمِينِ الْمُلْكِ يَقْضِي

عَلَيْكَ إِذا هَمَتْ تِلْكَ الْبَنانُ

وَقَدْ عايَنْتَ سَطْوَتَها غَداةَ اسْ

تَطَلْتَ وَلَيْسَ كَالْخَبَرِ الْعِيانُ

68

وقال يمدح الأمير أبا الندى حسان بن مسمار بن سنان:

البسيط

هِيَ الدِّيارُ فَعُجْ فِي رَسْمِها الْعارِي

إِنْ كانَ يُغْنِكَ تَعْرِيجٌ عَلَى دارِ

إِنْ يَخْلُ طَرْفُكَ مِنْ سُكَانِها فَبِها

ما يَمْلأُ الْقَلْبَ مِنْ شَوْقٍ وَتَذْكارِ

ص: 154

يا عُمْرُو ما وَقْفَةٌ فِي رَسْمِ مَنْزِلَةٍ

أَثارَ شَوْقَكَ فِيها مَحْوُ آثارِ

أَنْكَرْتَ فِيها الْهَوى ثُمَّ اعْتَرَفْتَ بِهِ

وَما اعْتِرافُكَ إلاّ دَمْعُكَ الْجارِي

تَشْجُو الدِّيارُ وَما يَشْجُو أَخا كَمَدٍ

مِنَ الْهَوى مِثْلُ دارٍ ذاتِ إفْقارِ

يا حَبَّذا مَنْزِلٌ بالسَّفِحِ مِنْ إِضَمٍ

وَدِمْنَةٌ بِلوى خَبْتٍ وَتعِشْارِ

وَحَبَّذا أُصُلٌ يُمْسِي يَجَرُّ بِها

ذَيْلُ النَّسِيمِ عَلَى مَيْثاءِ مَعْطارِ

لُوْ كُنْتُ ناسِيَ عَهْدٍ مِنْ تَقادُمِهِ

نَسِيتُ فِيها لُباناتِي وَأَوْطارِي

أَيّامَ يَفْتِكُ فِيها غَيْرَ مُرْتَقَبٍ

طَبْيُ الْكِناسِ بِلَيْثِ الْغابَةِ الضّارِي

يَصْبُو إِليَّ وَيُصْبِي كُلِّ مُنْفَرِدٍ

بِالدَّلِّ وَالْحُسْنِ مِنْ بادٍ وَمِنْ قارِ

لا أُرْسِلُ اللَّحْظَ إلاّ كانَ مَوْقِعُهُ

عَلَى شُمُوسٍ مُنِيراتٍ وَأَقْمارِ

ما أَطْيَبَ الْعَيْشَ لَوْ أَنِّي وَفَدْتُ بِهِ

عَلَى شَبابٍ وَدَهْرٍ غَيْرِ غَدّارِ

ص: 155

الآنَ قَدْ هَجَرَتْ نَفْسِي غَوايَتَها

وَحانَ بَعْدَ حُلُولِ الشِّيْبِ إِقْصارِي

وَالْعَيْشُ ما صَحِبَ الْفِتْيانُ دَهْرَهُمُ

مُقَسَّمُ بَيْنَ إِحْلاءٍ وإِمْرارِ

يا مَنْ بِمُجْتُمُعِ الشَّطَّيْنِ إِنْ عَصَفَتْ

بِكُمْ رِياحِي فَقَدْ قَدَّمْتُ إِعْذارِي

لا تُنْكِرُنَّ رِحِيلِي عَنْ دِيارِكُمُ

لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى ضَيْمِ بِصَبّارِ

يَأْبى لِيَ الضَّيْمَ فُرْسانُ الْخِلاجِ وَما

حَبَّرْتُ مِنْ غُرَرٍ تُهْدى وَأَشْعارِ

وَقَدْ غَدَوْتُ بِعِزِّ الدِّينِ مُعْتَصِماً

إِنَّ الْكِرامَ عَلَى الأَيّامِ أَنْصارِي

مَلْكٌ إِذا ذُكِرَتْ يُوْماً مَواهِبُهُ

أَثْرى الرَّجاءُ بِها مِنْ بَعْدِ إِقْتارِ

يُعْطِيكَ جُوداً عَلَى الإِقْلال تَحْسَبُهُ

وافاكَ عَنْ نَشَبٍ جَمٍّ وَإِكْثارِ

رَيّانُ مِنْ كَرَمٍ مَلآنُ مِنْ هِمَمٍ

كَأَنَّهُ السَّيْفُ بَيْنَ الْماءِ وَالنّارِ

لَيْسَ الْجَوادُ جُواداً ما جَرى مَثَلٌ

حَتّى يَكُونَ كَحَسّانِ بْنِ مِسْمارِ

الْواهِبُ الْخَيْل إِمّا جِئْتَ زائِرَهُ

أَقَلَّ سَرْجَكَ مِنْها كُلُّ طَيّارِ

ص: 156

الطّاعِنُ الطَّعْنَةَ الْفَوْهاءَ جائِشَةً

تَرُدُّ طاعِنَها عَنْها بِتَيارِ

يَكادُ يَنْفُذُ فِيها حِينَ يُنْفِذُها

لُوْلا عُبابُ دَمٍ مِنْ فُوْرِها جارِ

تَلْقى السِّنانَ بِها وَالسَّرْدَ تَحْسَبُهُ

ما ضَلَّ منْ فُتُلٍ فِيها وَمِسْبارِ

فِي كَفِّهِ سَيْفُ مِسْمارَ الَّذِي شَقِيَتْ

هامُ الْمُلُوكِ بِهِ أَيّامَ سِنْجارِ

لا يَأْمُلُ الرّزْقَ إلاّ مِنْ مَضارِبِهِ

فَرْسُ الْهُمامِ بِأَنْيابٍ وَأَظْفارِ

نِعْمَ الْمُناخُ لِشُعْثٍ فَوْتِ مَهْلَكَةٍ

أَرْماقِ مَسْغَبَةٍ أنْضاءِ أَسْفارِ

لا يَشْتَكُونَ لَدَيْهِ الْمَحْلَ فِي سَنَةٍ

يَشْكُو بِها السَّغَبَ الْمَقْرِيُّ وَالقَارِي

سَحابُ جُوْدٍ عَلَى الرّاجِينَ مُنْهَمِلٍ

وَبَحْرُ جُودٍ عَلَى الْعافِينَ زَخّارِ

ص: 157

إذا تَرَحَّلَ عَنْ دارٍ أَقامَ لَهُ

مِنَ الصَّنائِعِ فِيها خَيْرُ آثارِ

كَالْغَيْثِ أَقْلَعَ مَحْمُوداً وَخَلَّفَ ما

يُرْضِيكَ مِنْ زَهَرٍ غَضٍّ وَنُوّارِ

تَبْقى الذَّخائِرُ مِنْ فَضْلاتِ نائِلِهِ

كَأَنَّها غُدُرٌ مِنْ بَعْدِ أَمْطارِ

مُظَفَّرُ الْعَزْمِ ما تَأْلُو مُوَفَّقَةً

آراؤُهُ بَيْنَ إِيْرادٍ وَإِصْدارِ

سامٍ إلى الشَّرَفِ الْممْنُوعِ جانِبُهُ

نامٍ إِلى الْحَسَبِ الْعَارِي مِنَ الْعارِ

مُخَوَّلٌ فِي جَنابٍ يَيْتَ مَمْلَكَةٍ

عَزُّوا بِهِ وَأَذَلُّوا كُلَّ جَبّارِ

أَيّامَ كَلْبٌ لَها ما بَيْنَ جُوسِيَةٍ

وَبَيْنَ غَزَّةَ مِنْ رِيفٍ وَأَمْصارِ

يَقُودُها مِنْ سِنانٍ عَزْمُ مُتَّقِدٍ

أَمامَها كَسِنانِ الصَّعْدَةِ الْوارِي

تَرْمِي بأَعُيُنِها فِي كُلِّ داجِيةٍ

مِنْهُ إلى كَوْكَبٍ بِالسَّعْدِ سَيّارِ

يَبِيتُ كلُّ ثَقِيلِ الرُّمْحِ حامِلُه

فِي سَرْجِ كُلِّ خَفِيفِ اللِّبْدِ مِغْوارِ

ص: 158

مُجْدٌ تَأَثَّلَ فِي نَجْدٍ أَوائِلُهُ

وَشِيد بِالشّامِ مِنْهُ الطّارِفُ الطّارِي

يَا بْنَ الْكرِامِ الأُلى ما زالَ مَجْدُهُمُ

مُغْرىً بِقِلَّةِ أشْباهٍ وَأَنْظارِ

الْمانِعِينَ غَداةَ الْخَوْفِ جارهُمُ

وَالْحافِظِينَ بِغَيْبٍ حُرْمَةَ الْجَارِ

بِيضُ الْعَوارِفِ أَغْمارٌ إِذا وَهَبُوا

جُوداً وَلَيْسُوا إِذا عُدُّوا بِأَغْمارِ

لا يَصْحَبُ الدَّهْرُ مِنْهُمْ طُولَ ما ذُكِرُوا

إِلاّ الثَّناءُ وَإلاّ طِيبُ أَخْبارِ

إِنَّ الْعَشائِرَ مِنْ أَحْياءِ ذِي يَمَنٍ

لَمّا بَغَوْكَ جَرَوْا فِي غَيْرِ مِضْمارِ

أَصْحَرْتَ إِذْ مَدَّ بِالْمِدّانِ سَيْلُهُمُ

وَاللَّيْثُ لا يُتَّقى مِنْ غَيْرِ إِصْحارِ

سالُوا فَأَغْرَقَهُمْ قطر نضحت به

ما كل سبل على خيل بجرار

مالوا فقوم منهم كل مناظر

طَعْنٌ يُعَدِّلُ مِنْهُمْ كُلَّ جُوّارِ

حَتّى إِذا نَهَتِ الأُولى فَما انْتَفَعُوا

بِالنَّهْي وَالْبَغْيُ فِيهِمْ شَرُّ أَمّارِ

ص: 159

أَبَحْتَها وَحَمَيْتَ الشّامَ معْتقِداً

أَنْ لَيْسَ يَنْفَعُ إِلاّ كُلُّ ضَرّارِ

قَدْ نابَكَ الدَّهْرُ أَزْماناً بِغَيْرِهِمِ

فَظَلَّ يَغْمِزُ عُوداً غَيْرَ خُوّارِ

وَكَمْ أَبَتَّ عَلَى ثَأْرٍ ذَوِي ضَغَنٍ

وَلَمْ تَبِتْ قَطُّ مِنْ قُوْمٍ عَلَى ثارِ

إِنْ زُرْتُ دارَكَ عنْ شَوْقٍ فَمَجْدُكَ بِي

أَوْلى وَما كُلُّ مُشْتاقٍ بِزَوّارِ

لَيْسَ الْمُطِيقُونَ حِجَّ الْبَيْتِ ما تَرَكُوا

فَرِيضَةَ الْحَجِّ عَنْ زُهْدٍ بِأَبْرارِ

وَقَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَعْدِي عَلى زَمَنٍ

لا يَشْرَبُ الْحُرُّ فِيهِ غَيْرَ أَكْدارِ

مُوَكِّلُ الْجُوْرِ بِالأَحْرارِ يَقْصِدُهُمْ

كَأَنَّهُ عِنْدُهُمْ طَلاّبُ أَوْتارِ

وَالْحَمْدُ أَنْفَسُ مَذْخُورٍ تَفَوزُ بِهِ

فَخُذْ بِحظِّكَ مِنْ عُونِي وَأَبْكارِي

مِنَ الْقَوافِي الَّتِي ما زِلْتُ أُودِعُها

عُلالَةَ الرَّكْبِ مِنْ غادٍ وَمِنْ سارِ

إِنَّ السِّماحَةَ َأُولاها وَآخِرَها

فِي كَفِّ كُلِّ يَمانٍ يَا بْنَ مِسْمارِ

لا تَسْقِنِي بسِوى جَدْوى يَدَيْكَ فَما

يُرْوِي مِنَ السُّحْبِ إِلاّ كُلُّ مِدْرارِ

وَلَسْتُ أَوَّلَ راج قادَهُ أَمَلٌ

قَدْ راحَ مِنْكَ عَلَى شَقْراءَ مِحْضارِ

ص: 160

69

وقال أيضاً يمدحه:

الوافر

مَتى أَنا طاعِنٌ قَلْبَ الْفِجاجِ

وَرامِي الْخَرْقِ بِالْقُلُصِ النَّواجِي

وَقائِدُ كُلِّ سَلْهَبَةٍ عَبُوسٍ

إِلى يَوْمٍ يَطُولُ بِهِ ابْتِهاجِي

سَيَعْتَمُّ الْهَواجِرَ كُلُّ مُجْرٍ

إِلى أَمَدِي وَيلْتَحِفُ الدَّياجِي

فِراشِي مَتْنُ كُلِّ أَقَبَّ نَهْدٍ

وَثَوْبِي ما يُثِيرُ مِنَ الْعَجاجِ

إِذا الْجَوْزاءُ أَمْسَتْ مِنْ مَرامِي

فَأَيْنَ سُرايَ مِنْها وَادِّلاجِي

سِوى الصَّهْباءِ عاصِفَةٌ بِهَمِّي

وَغَيْرُ الْبِيضِ مِنْ أَرَبِي وَحاجِي

عَزَفْتُ فَما لِسارِي الْبَرْقِ شَيْمِي

وَلا لِلرَّسْمِ قَدْ أَقْوى مَعاجِي

وَما عَنْ سَلْوَةٍ إِغْبابُ دَمْعِي

وَإِقصارُ الْعَواذِلِ عَنْ لَجاجِي

وَلكِنْ جَلَّ عَنْ فَنَدٍ وَلَوْمٍ

غَرامِي بِالْمَحامِدِ وَالْتِهاجِي

حَمانِي الْعَزْمُ حَظِّي مِنْ ذَواتِ الثُّ

غُورِ الْغُرِّ وَالْمُقَلِ السَّواجِي

ص: 161

وَما عِنْدَ الْحِسانِ جَوى مَشُوقٍ

صَدَعْنَ فُؤادَهُ صَدْعَ الْزجاجِ

عَرَضْنَ لَنا فَمِنْ لَحْظٍ مَرِيضٍ

وَمِنْ بَرَدٍ غَرِيضٍ فِي مُجاجِ

وَمِسْنَ فَكَمْ قَضِيبٍ فِي كَثِيبٍ

يَشُوقُكَ بِاهْتِزازٍ فِي ارْتِجاجِ

كَأَنَّ نِعاجَ رَمْلٍ لاحَظَتْنا

وَإِنْ كُرِّمْنَ عَنْ حَمْشِ النِّعاجِ

إِلامَ أَرُوضُ جامِحَةَ الأَمانِي

وَداءُ الدَّهْرِ مَغْلُوبُ الْعِلاجِ

إِذا اْلعَذْبُ النَّمِيرُ حَماهُ ضَيْمٌ

فَجاوِزْهُ إِلى الْمِلْحِ الأُجاجِ

أَحُلُّ بِحَيْثُ لا غَوْثٌ لِعافٍ

وَأَطَّرِحُ الْمَغاوِثَ وَالْمَلاجِي

كَمَن تَرَكَ الأَسِنَّةَ صادِياتٍ

غَداةَ وَغىً وَطاعَنَ بِالزِّجاجِ

أَأَبْغِي فِي ذِئابِ الْقاعِ مَنْعاً

وَأَتْرُكُ جانِبَ الأَسَدِ الْمُهاجِ

فَأُقْسِمُ لا نَقَعْتُ صَدىً بِماءٍ

إِلى غَيْرِ الْكِرامِ بِهِ احْتِياجِي

عَسى الطَّعْنُ الخِلاجُ يَذُبُّ عَنِّي

إِذا جاوَرْتُ فُرسانَ الْخِلاجِ

ص: 162

أُولئِكَ إِنْ دُعُوا لِدَفاعِ خَطْبٍ

أَضاءُوا نَجْدَةً وَالْيَوْمُ داجِ

هُمُ الأمْلاكُ حَلُّوا مِنْ عَدِيٍّ

مَحَلَّ الطَّرْفِ حُصِّنَ بِالْحَجاجِ

بُدُورُ دُجُنَّةٍ وَبُحُورُ سَيْبٍ

وَأُسْدُ كَرِيهَةٍ وَحُصُونُ لاجِي

كِرامٌ وَالظُّبى كَالنّارِ شُبَّتْ

عَشِيَّةَ عاصِفٍ ذاتِ اهْتِياجِ

مَواسِمُهُمْ مَضارِبُ كُلِّ ماضٍ

خَلُوطٍ لِلْجَماجِمِ بِالْجآجِي

إِذا عَمَدُوا لِداءٍ أَنْضَجُوهُ

وَلَيْسَ الْكَيُّ إِلاّ بِالنِّضاجِ

جَحاجِحُ لا يُعابُ مَنِ اسْتَباحَتْ

صُدُورُ رِماحِهِمْ يَوْمَ الْهِياجِ

لَهُمْ خَفْضُ النَّواظِرِ حَيْثُ حَلُّوا

مِنَ الدُّنْيا وَمُنْقَطَعُ الضَّجاجِ

تَرى الْهاماتِ ناكِسَةً لَدَيْهِمْ

كَأَنَّ بهِنَّ مُوضِحَةَ الشِّجاجِ

بِحسّانِ بِنِ مِسْمارٍ أُقِيمَتْ

قَناةُ الدِّينِ مِنْ بَعْدِ اعْوِجاجِ

ص: 163

بِأَرْوَعَ لا يَهابُ هُجُومَ خَطْبٍ

وَلا يَرْتاعُ لِلأْحَدَثِ الْمُفاجِي

نَفُوذٌ حَيْثُ لا تَصِلُ الْعَوالِي

إِلى قَصْدٍ يُجِيزُ وَلا انْعِراجِ

إِذا شَوْكُ الْقَنا اليَزَنِيُّ أَضْحى

أَمامَ الْخَيْلِ مَضْروبَ السِّياجِ

وَما طَرَقَ الرَّجاءَ الْفِكْرُ إِلاّ

وَعِزُّ الدِّينِ غايَةُ كُلِّ راجِ

أَغَرُّ مَتى أَخّذْتَ لَهُ بحَبْلٍ

فَما الْغَمَراتُ إِلاّ لانْفِراجِ

جَمِيلُ مَكارِمِ الأَخْلاقِ يَجْلُو

بِها الشَّحْناءَ مِنْ صَدْرِ الْمُداجِي

عَمَدْتَ الْبَيْتَ مِنْ كَلْبٍ وَطَيٍّ

عَلَى حَسَبِ وَصِهْرٍ ذِي انْتِساجِ

يُناجِي مِنْهُ تحَسّانٌ سِناناً

لَقَدْ كَرُمَ الْمُناجى وَالْمُناجِي

ذُُؤابَةُ كُلِّ مُعْتَمٍّ بِفَخْرٍ

وَنُخْبَةُ كُلِّ مُعْتَصِبٍ بِتاجِ

وَرامَ الْحاسِدُونَ لَدَيْكَ تَبْلاً

وَدُونَ مَرامِهِمْ حَزُّ الْوِداجِ

وإِنَّ طِلابَ مَجْدِكَ وَهْوَ بَسْلٌ

كَخِيسِ اللَّيْثِ مَحْذُورِ الْوِلاجِ

لأَعْجَزُ مِنْ قُصُورِكَ عَنْ سَماحٍ

وَأَعْوَزُ مِنْ عَدُوٍّ مِنْكَ ناجِ

وَما غَرّاءُ سارِيَةٌ هَطُولٌ

تَبَجَّسُ بِانْسِفاحٍ وارْتِجاجِ

ص: 164

كأَنَّ بُرُوقَها بِسَناكَ لاحَتْ

فَهمَّ اللَّيلُ مِنْها بانْبِلاجِ

يَشُوقُكَ ما تُغادِرُ مِنْ غَدِيرٍ

وَرَوْضٍ بِالأناعِمِ وَالنِّباجِ

بِأجْوَدَ مِنْ نَدى كَفَّيْكَ جُوداً

وَلا طامِي الْغَوارِبِ ذُو الثجاجِ

أَبَيْتَ أَبا النَّدى إِلا اخْتِلاطِي

بِنائِلِكَ الْمُؤَمَّلِ وَامْتِزاجِي

وَما الشِّيَمُ الْحِسانُ بِمُسْلِماتٍ

فَتىً مِثْلِي إِلى النُّوَبِ السِّماجِ

مَتى ما أَدَّعِي أَنَّ الْقَوافِي

يَمانِيةُ الْهَوى فَبِكَ احْتِجاجِي

أَلَمْ تَرَها تَزُورُكَ مُحْكَماتٍ

كَرائِمَ مِنْ وُحادٍ أَوْ زُواجِ

يَضِيقُ الأَعْصُرِي بِها ذِراعاً

وَيَعْذُرُ عَجْزَهُ عَنْها الخَفاجِي

ص: 165

كَسَرْدِ التُّبَّعِيِّ ثَنى الْعَوالِي

بِأَمْنَعَ مِنْ مُصَفَّحَةِ الرِّتاجِ

تُكَلِّفُ مَعْشَراً فَتَهِيمُ وَجْداً

بِمَدْحِكَ وَالشَّجى غَيْرُ التَّشاجِي

إِذا ما هَجْمَةٌ وَرَدَتْ لِخِمْسٍ

كَفاها ظِمْئُها زَجَلَ المُجاجي

وَغَيْرُكَ مَنْ يُقَصِّرُ بِي فَيُمْسِي

لِسانِي مادِحاً وَالْقَلْبُ هاجِ

وَظَنِّي فِيكَ لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ

كَهَمِّي عِنْدَ مَدْحِكَ وَاعْتلاجِي

كَما أَرْسَلْتَ في عِدٍّ جَمُومٍ

مَرِيرَ الْفَتْلِ مَشْدُودَ الْعِناجِ

سَأَشْكُرُ حادِثاً ألْقى زِمامِي

إِلَيْكَ وَرُبَّ أَمْنٍ فِي انْزِعاجِ

وَيَجْزِي حُسْنَ صُنْعِكَ رَبُّ فِكْرٍ

ذَكِيُّ الزَّنْدِ وَهّاجُ السِّراجِ

وَتَعْلَمُ أَنَّ خَيْرَ الْمالِ مالٌ

سَقاكَ الْحَمْدَ مَعْسُولَ الْمِزاجِ

فَإِنَّ لَقائِحَ الْمَعْرُوفِ كانَتْ

لَدى الْكُرَماءِ مُنْجِبَةَ النَّتاجِ

ص: 166

70

وقال يعاتب قوما من العرب:

الطويل

تَغَيَّرْتُمُ عَنْ عَهْدِكُمْ آلَ كامِلٍ

فَلِلْيَوْمِ مِنْكُمْ غَيْرُ ما أَسْلَفَ الأَمْسُ

نَبا السَّيْفُ مِنْكُمْ فِي يَدِي وَهْوَ قاطِعٌ

كَما أَظْلَمَتْ فِي ناظِرِي مِنْكُمُ الشَّمْسُ

وَأَوْحَشْتُمُ مِنِّي مكَانَ اصْطِفائِكُمْ

كَأَنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَوَدَّةُ والأُنْسُ

غَرَسْتُمُ ثَناءً لَمْ تَجُدْهُ سَحابُكُمْ

بِرَيٍّ وَهَلْ يَنْمِي مَعَ الْعَطَشِ الغَرْسُ

مَواعِدُ مرَضى كُلَّما قُلْتُ قَدْ بَرا

لَكُمْ مَوْعِدٌ بِالْبَذْلِ عاوَدَهُ النُّكْسُ

وَإِنِّي لَذُو شُحٍّ بِكُمْ عَنْ تَقَلُّبٍ

إلى خُلُقٍ فِيهِ لأَعْراضِكُمْ وَكْسُ

وَأَنْتُمْ بَنُو الْجُودِ الَّذِي ابْتَسَمَتْ بِهِ

مِنَ الزَّمَنِ الْمُرْبَدِّ أَيّامُهُ الْعُبْسُ

ص: 167

سَماحاً فَإِنْ تَدْعُو كِفاحاً فَأَنْتُمُ الْ

فَوارِسُ لا مِيلٌ هُناكَ وَلا نُكْسُ

فَما بالُ سُوقِي لَيْسَ تَنْفُقُ عِنْدَكُمْ

وَحَظُّ ثَنائِي مِنْكُمُ الثَّمَنُ البَخْسُ

أَيَرْتَجِعُ الْمَعْرُوفَ مَنْ كانَ واهِباً

وَيَسْلُبُ ثَوْبَ الْمَنِّ مَنْ لَمْ يَزَلْ يَكْسُو

أُساهِلُ إِغْضاءً وَفِيكُمْ تَصَعُّبٌ

وَأَرْطَبُ إِجْمالاً وَفِي عُودِكُمْ يُبْسُ

وَلَيْسَ بِعَدْلٍ أَنْ أَلِينَ وَتَخْشُنُوا

وَلَيْسَ بِحَقٍّ أَنْ أَرِقَّ وَأَنْ تَقْسُوا

عَلَيْكُمْ سَلامٌ لَمْ أَقُلْ ما يُرِيبُكُمْ

وَلكِنَّهُ عَتْبٌ تَجِيشُ بِهِ النَّفْسُ

حَبَسْتُ الْقَوافِي قَبْلَ إِغْضابِ رَبِّها

وَما لِلْقَوافِي بَعْدَ إِغْضابِها حَبْسُ

إِذا الْعَرَبُ الْعَرْباءُ لَمْ تَرْعَ ذِمَّةً

فَغَيْرُ مَلُومٍ بَعْدَها الرُّومُ وَالْفُرْسُ

ص: 168

71

وقال يمدح عبد المنعم بن حفاظ بن أحمد البقلي:

الخفيف

قَدْ تَوالَتْ عَلَيَّ مِنْكَ أَيادِي

عائِداتٍ بِالْمَكْرُماتِ بَوادِي

ما أُبالِي إِذا تَعَهَّدْنَ مَغْنا

يَ بِأَنْ لا يَصُوبَ صَوْبُ الْعِهادِ

وَالْجَمِيلُ الْمُعادُ أَحْلى وَإِنْ أَزْ

رَى بِشُكْرِي مِنَ الشَّبابِ الْمُعادِ

ما ثَنائِي وَإِنْ تَطاوَلَ إِلاّ

دُونَ آلائِكَ الْحِسانِ الْمَرادِ

كَيْفَ اشْكُو حَظَّاً عَلِيلاً وَحالاً

كانَ فِيها نَداكَ مِنْ عُوّادِي

سَوْفَ أُثْنِي عَلَى الجِيادِ فَقَدْ أَهْ

دَتْ إِلَيْنا الْجِيادُ خَيْرَ جَوادِ

حَمَلَتْ صَوْبَ مُزْنَةٍ مِنْ بِلادٍ

مِنْكَ أَحْيَتْ بِهِ رَبِيعَ بِلادِي

كُنْتُ أَرتادُ جُودَ كُلِّ كَرِيمٍ

فَكَفى جُودُ راحَتَيْكَ ارْتِيادِي

ص: 169

زُرْتَنا مُنْعِماً وَما بَرِحَ الزّا

ئِرُ يَرْجُو الإِنْعامَ فِي كُلِّ وادِ

وكَذاكَ الْحَيا يَرُوحُ مِنَ الْغَوْ

رِ وَتَغْدُو لَهُ بِنَجْدٍ غَوادِ

لا أَرى لِي حَقَّاً عَلَيْكَ سِوى بِ

رِّكَ عِنْدِي وَمَنْطِقِي وَوِدادِي

وَإِذا ما الْخُطُوبُ كانَتْ شِداداً

دَفَعَتْنا إِلى الْكِرامِ الشِّدادِ

72

وقال يمدح الأمير مجد الدين عضب الدولة أيق بن عبد الرزاق:

الطويل

خُذا مِنْ صَبا نَجْدٍ أَماناً لِقَلْبِهِ

فَقَدْ كادَ رَيّاها يَطِيرُ بِلُبِّهِ

وَإِيَاكُما ذاكَ النَّسِيمَ فَإِنَّهُ

إِذا هَبَّ كانَ الْوَجْدُ أَيْسَرُ خَطْبِهِ

خَلِيلَيَّ لَوْ أَحْبَبْتُما لَعلِمْتُما

مَحَلَّ الْهَوى مِنْ مُغْرَمِ الْقَلْبِ صَبِّهِ

تَذَكَّرَ وَالذِّكْرى تُشُوقُ وَذُو الْهَوى

يَتُوقُ وَمَنْ يَعْلَقْ بِهِ الْحُبُّ يُصْبِهِ

ص: 170

غَرامٌ عَلَى يَأْسِ الْهَوى وَرَجائِهِ

وَشَوْقٌ عَلى بُعْدِ الْمَزارِ وَقُرْبِهِ

وَفِي الرَّكْبِ مَطْوِيُّ الضُّلُوعِ عَلَى جَوىً

مَتى يَدْعُهُ داعِي الْغَرامِ يُلَبِّهِ

إِذا خطَرْتَ مِنْ جانِبِ الرَّمْلِ نَفْحَةٌ

تَضَمَّنَ مِنْها داءَهُ دُونَ صَحْبِهِ

وَمُحْتَجِبٍ بَيْنَ الأَسِنَّةِ مُعْرِضٍ

وَفِي الْقَلْبِ مِنْ إِعْراضِهِ مِثْلُ حُجْبِهِ

أَغارُ إِذا آنَسْتُ فِي الْحَيِّ أَنَّةً

حِذاراً وَخَوْفاً أَنْ تَكُونَ لِحُبِّهِ

وَيَوْمَ الرِّضى وَالصَّبُّ يَحْمِلُ سُخْطَهُ

بِقَلْبٍ ضَعِيفٍ عَنْ تَحَمُّلِ عَتْبِهِ

جَلالِيَ بَرّاقَ الثَّنايا شَتِيتَها

وَحلأنِي عَنْ بارِدِ الْوِرْدِ عَذْبِهِ

كَأَنِّيَ لَمْ أَقْصُرْ بِهِ اللَّيْلَ زائِراً

تَحُولُ يَدِي بَيْنَ الْمِهادِ وَجَنْبِهِ

وَلا ذُقْتُ أمْناً مِنْ سَرارِ حُجُولِهِ

وَلا ارْتَعْتُ خَوْفاً مِنْ نَمِيمَةِ حَقْبِهِ

فَيا لَسَقامِي مِنْ هَوى مُتَجَنِّبٍ

بَكى عاذِلاهُ رَحْمَةً لِمُحِبِّهِ

وَمِنْ ساعَةٍ لِلْبَيْنِ غَيْرِ حَمِيدَةٍ

سَمَحْتُ بِطَلِّ الدَّمْعِ فِيها وَسَكْبِهِ

ص: 171

أَلا لَيْتَ أَنِّي لَمْ تَحُلْ بَيْنَ حاجِرٍ

وَبَيْنِي ذُرى أَعْلامِ رَضْوى وَهَضْبِهِ

وَلَيْتَ الرِّياحَ الرّائِحاتِ خَوالِصٌ

إِلَيَّ وَلَوْ لاقَيْنَ قَلْبِي بِكَرْبِهِ

أَهِيمُ إِلى ماءٍ بِبُرْقَةِ عاقِلٍ

ظَمِئْتُ عَلَى طُولِ الْوُرُودِ بِشُرْبِهِ

وَأسْتافُ حُرَّ الرَّمْلِ شَوْقاً إِلى اللِّوى

وَقَدْ أَوْدَعَتْنِي السُّقْمَ قُضْبانُ كثْبِهِ

وَلَسْتُ عَلَى وَجْدِي بِأَوَّلِ عاشِقٍ

أَصابَتْ سِهامُ الْحُبِّ حَبَّةَ قَلْبِهِ

صَبَرْتُ عَلَى وَعْكِ الزَّمانِ وَقَدْ أُرى

خَبِيراً بِداءِ الحادِثاتِ وَطِبِّهِ

وَأَعْرَضْتُ عَنْ غُرِّ الْقَوافِي وَمَنْطِقِي

مَلِيءٌ لِمُرْتادِ الْكَلامِ بِخِصْبِهِ

وَما عَزَّ نِي لَوْ شِئْتُ مَلْكٌ مُهَذَبُ

يَرى أَنَّ صَوْنَ الْحَمْدِ عَنْهُ كَسَبِّهِ

لَقَدْ طالَما هَوَّمْتُ فِي سِنَةِ الْكَرى

وَلا بُدَّ لِي مِنْ يَقْظَةِ الْمُتَنَبِّهِ

سأَلْقى بِعَضْبِ الدَّوْلَةِ الدَّهْرَ واثِقاً

بِأَمْضى شَباً مِنْ باتِرِ الْحَدِّ عَضْبِهِ

وَأَسْمُو عَنِ الآمالِ هَمَّاً وَهِمَّةً

سُمُوَّ جَمالِ الْمُلْكِ عَنْ كُلِّ مُشْبِهِ

هُوَ الْملْكُ يَدْعُو الْمُرْمِلِينَ سَماحُهُ

إِلى واسِعٍ باعَ الْمَكارِمِ رَحْبِهِ

ص: 172

يُعَنَّفُ مَنْ لَمْ يَأْتِهِ يَوْمَ جُودِهِ

وَيُعْذَرُ مَنْ لَمْ يَلْقَهُ يَوْمَ حَرْبِهِ

كَأَنِّي إِذا حَيَّيْتَهُ بِصِفاتِهِ

أَمُتُّ إِلى بَدْرِ السَّماءِ بِشُهْبِهِ

هُوَ السَّيْفُ يُغْشِي ناظِراً عِنْدَ سَلِّهِ

بِهاءً وَيُرْضِي فاتِكاً يَوْمَ ضَرْبِهِ

يَرُوقُ جَمالاً أَوْ يَرُوعُ مَهابَةً

كَصَفْحِ الْحُسامِ الْمَشْرَفِيِّ وَغَرْبِهِ

هُمامٌ إِذا أَجْرى لِغايَةِ سُؤْدُدٍ

أَضَلَّكَ عَنْ شَدِّ الْجَوادِ وَخَبِّهِ

تَخَطّى إِلَيْها وادِعاً وَكَأَنَّهُ

تَمَطّى عَلَى جُرْدِ الرِّهانِ وَقُبِّهِ

وَما أَبَقٌ إِلا حَياً مُتَهَلِّلٌ

إِذا جادَ لَمْ تُقْلِعْ مَواطِرُ سُحْبِهِ

أَغَرُّ غِياثٌ لِلأَنامِ وَعِصْمَةٌ

يُعاشُ بِنُعْماهُ ويُحْمى بِذَبِّهِ

يَقُولُونَ تِرْبٌ لِلْغَمامِ وإِنَّما

رَجاءُ الْغَمامِ أَنْ يُعَدَّ كَتِرْبِهِ

فَتىً لَمْ يَبِتْ وَالْمَجْدُ مِنْ غَيْرِ هَمِّهِ

وَلَمْ يَحْتَرِفْ وَالْحَمْدُ مِنْ غِيْرِ كَسْبِهِ

وَلَمْ يُرَ يَوْماً راجِياً غَيْرَ سَيْفِهِ

وَلَمْ يُرَ يَوْماً خائِفاً غَيْرَ رَبِّهِ

ص: 173

تَنَزَّهَ عَنْ نَيْلِ الْغِنى بِضَراعَةٍ

وَلَيْسَ طَعامُ اللَّيْثِ إِلاّ بِغَصْبِهِ

أَلا رُبَّ باغٍ كانَ حاسِمَ فَقْرِهِ

وَباغٍ عَلَيْهِ كانَ قاصِمَ صُلْبِهِ

وَيَومِ فَخارٍ قَدْ حَوى خَصْلَ مَجْدِهِ

وَأَعْداؤُهُ فِيما ادَّعاهُ كَحِزْبِهِ

هُوَ السَّيْفُ لا تَلْقاهُ إِلاّ مُؤَهَّلاً

لإيجابِ عِزٍّ قاهِرٍ أَوْ لِسَلْبِهِ

مِنَ الْقَوْمِ راضَوا الدَّهْرَ وَالدَّهْرُ جامِحٌ

فَراضُوهُ حَتى سَكَّنُوا حَدَّ شَغْبِهِ

بِحارٌ إِذا أَنْحَتْ لَوازِبُ مَحْلِهِ

جِبالٌ إِذا هَبَّتْ زَعازِعُ نُكْبِهِ

إِذا وَهَبُوا جادَ الْغَمامُ بِصَوْبِهِ

وَإِن غَضِبُوا جاءَ الْعَرِينُ بِغُلْبِهِ

إِذا ما وَرَدْتَ اْعِزَّ يَوْماً بِنَصْرِهِمْ

أَمَلَّكَ مِنْ رَشْفِ النَّمِيرِ وَعَبِّهِ

أَجابَكَ خَطِّيُّ الْوَشِيجِ بِلُدْنِهِ

وَلَبّاكَ هِنْدِيُّ الْحَدِيدِ بِقُضْبِهِ

أُعِيدَ لَهُمْ مَجْدٌ عَلَى الدَّهْرِ بَعْدَما

مَضى بِقَبِيلِ الْمَجْدِ مِنْهُمْ وَشَعْبِهِ

بِأرْوَعَ لا تَعْيا لَدَيْهِ بِمَطْلَبٍ

سِوى شَكْلِهِ فِي الْعالَمِينَ وَضَرْبِهِ

ص: 174

تُرَوِّضُ قَبْلَ الرَّوْضِ أَخْلاقُهُ الثَّرى

وَتَبْعَثُ قَبْلَ السُّكْرِ سُكْراً لِشَرْبِهِ

وَتَفْخُرُ دارٌ حَلَّها بِمٌقامِهِ

وَتَشْرُفُ أَرْضٌ مَرَّ فِيها بِرَكْبِهِ

وَلَمّا دَعَتْهُ عَنْ دِمَشْقَ عَزِيمَةٌ

أَبى أَنْ يُخِلَّ الْبَدْرُ فِيها بِقُطْبِهِ

تَرَحَّلَ عَنْها فَهْيَ كاسِفَةٌ لَهُ

وَعادَ إِلَيْها فَهْيَ مُشْرِقَةٌ بِهِ

وَإِنَّ مَحَلاً أُوطِئَتْهُ جِيادُهُ

لَحَقَ عَلَى الأَفْواهِ تَقْبِيلُ تُرْبِهِ

رَأَيْتُكَ بَيْنَ الْحَزْمِ وَالْجُودِ قائِماً

مَقامَ فَتى الْمَجْدِ الصَّمِيمِ وَنَدْبِهِ

فَمِنْ غِبِّ رَأْيٍ لا تُساءُ بِوِرْدِهِ

وَمِنْ وِرْدِ جُودٍ لا تُسَرُّ بِغِبِّهِ

وَلَمّا اسْتَطالَ الخَطْبُِ قَصَّرْتَ باعَهُ

فَعادَ وَجِدُّ الدَّهْرِ فِيهِ كَلَعِبِه

وَما كانَ إِلاّ الْعَرَّ دَبَّ دَبِيبُهُ

فَأَمَّنْتَ أَنْ تُعْدى الصِّحاحُ بِجُرْبِهِ

وَصَدْعاً مِنَ الْمُلْكِ اسْتَغاثَ بِكَ الْوَرى

إِلَيْهِ فَما أَرْجَأْتَ فِي لَمِّ شِعْبِهِ

فَغاضَ أَتِيٌّ كُنْتَ خائِضَ غَمْرِهِ

وَأَصْحَبَ خَطْبٌ كُنْتَ رائِضَ صَعْبِهِ

حُبِيتَ حَياءً فِي سَماحٍ كَأَنَّهُ

رَبِيعٌ يَزِينُ النَّوْرُ ناضِرَ عُشْبِهِ

ص: 175

وَأَكْثَرْتَ حُسّادَ الْعُفاةِ بِنائِلٍ

مَتى ما يُغِرْ يَوْماً عَلى الْحَمْدِ يَسْبِهِ

مَناقِبُ يُنْسِيكَ الْقَدِيمَ حَدِيثُها

وَيَخْجَلُ صَدْرُ الدَّهْرِ فِيها بِعُقْبِهِ

لَئِنْ خَصَّ مِنْكَ الْفَخْرُ ساداتِ فُرْسِهِ

لَقَدْ عَمَّ مِنْكَ الْجُودُ سائِرَ عُرْبِهِ

إِذا ما هَزَزْتُ الدَّهْرَ بِاسْمِكَ مادَحاً

تَتَثّنّى تَثَنِّي ناضِرِ الْعُودِ رَطْبِهِ

وَإِنَّ زَماناً أَنْتَ مِنْ حَسَناتِهِ

حَقِيقٌ بِأَنْ يَخْتالَ مِنْ فَرطِ عُجْبِهِ

مَضى زَمَنٌ قَدْ كانَ بالْبٌعْدِ مُذْنِباً

وَحَسْبِي بِهذا الْقُرْبِ عُذْراً لِذَنْبِهِ

وَما كُنْتُ بَعْدَ الْبَيْنِ إِلاّ كَمُصْرِمٍ

تَذَكَّرَ عَهْدَ الرَّوْضِ أَيامَ جَدْبِهِ

وَعِنْدِي عَلَى الْعِلاّتِ دَرُّ قَرائِحٍ

حَوى زُبَدَ الأَشْعارِ ما خِضُ وَطْبِهِ

وَمَيْدانُ فِكْرٍ لا يُحازُ لَهُ مَدىً

وَلا يَبْلُغُ الإِسْهابُ غايَةَ سَهْبِهِ

يُصَرِّفُ فِيهِ الْقَوْلَ فارِسُ مَنْطِقٍ

بَصِيرٌ بِإِرْخاءِ الْعِنانِ وَجَذْبِهِ

ص: 176

وَغَرّاءُ مَيَّزْتُ الطَّوِيلَ بِخَفْضِها

فَطالَ عَلَى رَفْعِ الْكَلامِ وَنَصْبِهِ

مِنَ الزُّهْرِ لا يُلْفَيْنَ إِلاّ كَواكباً

طَوالِعَ فِي شَرْقِ الزَّمانِ وَغَرْبِهِ

حَوالِيَ مِنْ حُرِّ الثَّناءِ وَدُرِّهِ

كَواسِيَ مِنْ وَشْيِ الْقَرِيضِ وَعصْبِهِ

خَطَبْتَ فَلَمْ يَحجُبْكَ عَنْها وَلِيُّها

إِذا رُدَّ عَنْها خاطِبٌ غَيْرَ خِطْبِهِ

ذَخَرْتُ لَكَ الْمَدْحُ الشَّرِيفَ وَإِنَّما

عَلَى قَدْرِ فَضْلِ الزَّنْدِ قِيمَةُ قُلْبِهِ

فَجُدْهُ بِصَوْنٍ عَنْ سِواكَ وَحَسْبُهُ

مِنَ الصَّوْنِ أَنْ تُغْرِي السَّماحَ بِنَهْبِهِ

73

وقال عقيب هذه القصيدة، وقد خلع عليه وشرفه:

الطويل

لَقَدْ أَصْبَحَتْ نُعْماكَ عِنْدِي مُشِيدَةً

بِذِكْرِكَ في سُوقٍ مِنَ الْحَمْدِ قائِمِ

وَقَدْ يُعْجِبُ الرَّوْضَ الأَنِيقُ وَإِنّما

يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْحَيا الْمُتَراكِمِ

ص: 177

غَمَرْتَ نَوالاً واصْطِفاءً وَإِنَّما

يُحَلَّى وَيُقْنى كُلَّ أَبْيَضَ صارِمِ

وَلَسْتُ عَلَى عَلْياكَ أَوَّلَ وافِدٍ

ولا أَنا مِنْ جَدْواكَ أَوَّلُ غانِمِ

وَما شِئْتُ إِلاّ أَنْ أُشَرِّفَ مَنْطِقِي

بِمَدْحِكَ أَوْ أَقْضِي ذِمامَ الْمَكارِمِ

74

وقال يمدحه ويعاتبه:

الوافر

مَتى ارْتَجَعْتَ مَواهِبَها الْكِرامُ

وَهَلْ يَسْتَرْجِعُ الْغَيْثَ الْغَمامُ

أَيَصْعَدُ عائِداً فِي السُّحْبِ قَطْرٌ

تَنَزَّلَ فِي الوَهادِ بهِ الرِّهامُ

أَرى الْعَلْياءَ مِنْ تَقْصِيرِ أَمْرِي

بِها خَجَلٌ وَبِالْمَجْدِ احْتِشامُ

جَمالَ الْمُلْكِ غَيْرِي مِنْكَ يُدْهى

وَغَيْرُكَ مَنْ تُغَيِّرُهُ اللِّئامُ

ص: 178

أُعِيذُكَ مِنْ رِضَىً يَتْلُوهُ سُخْطٌ

وَمِنْ نُعْمى يُكَدِّرُها انْتِقامُ

أَيَرْجِعُ جَفْوَةً ذاكَ التَّصافِي

وَيُخْفَرُ ذِمَّةً ذاكَ الذِمامُ

أَتَبْرِينِي يَدٌ راشَتْ جَناحِي

وَيَحْسِمُنِي نَدَىً هُوَ لِي حُسامُ

وَيُغْرِي بِي الْحِمامَ أَخُو سَماحٍ

بِهِ عَنْ مُهْجَتِي دُفِعَ الْحِمامُ

أَعِرْنِي طَرْفَ عَدْلِكَ تَلْقَ عِرْضاً

نَقِيّاً لا يُلِمُّ بِهِ الْمَلامُ

وَحَقِّقْ بِالتَّأَمُّلِ كَشْفَ حالِي

فَغَيْرِي عاشِقٌ وَبِيَ السَّقامُ

إِذا ما افْتَرِّ بَرْقُكَ فِي سَمائِي

تَجَلّى الظُّلْمُ عَنِّي وَالظَّلامُ

أَتُغْرِقُنِي وَلَيْسَ الْماءُ مِنِّي

وَتَحْرُقُنِي وَمِنْ غَيْرِي الضِّرامُ

وَأُوخَذُ فِي حِماكَ بِذَنْبِ غَيْرِي

فَأيْنَ الْعَدْلُ عَنِّي وَالْكِرامُ

وَأَيْنَ خَلائِقٌ سَتَحُولُ عَنْها

إِذا حالَتْ عَنِ السُّكْرِ الْمُدامُ

فَلا تَعْدِلْ إِلى الْواشِينَ سَمْعاً

فَإِنَّ كَلامَ أَكْثَرِهِمْ كِلامُ

وَإِنَّ الْوَدَّ عِنْدَهُمُ نِفاقٌ

إِذا طاوَعْتَهُمْ وَالْحَمْدَ ذامُ

ص: 179

وَللأَقْوالِ إِنْ سُمِعَتْ سِهامٌ

تُقَصِّرُ عَنْ مَواقِعِها السِّهامُ

فَما نُصْحاً لِمَجْدِكَ بَلْ مُراداً

لِما قَدْ ساءَنِي قَعَدُوا وقامُوا

وَلَوْ إِذْ أَقْدَمُوا لاقَوْكَ دُونِي

كَعَهْدِكَ أَحْجَمُوا عَنِّي وَخامَوا

فَلَيْتَكَ تَسْمَعُ الْقَوْلَيْنِ حَتّى

يُبَيِّنَ فِي مَنِ الْحَقُّ الْخِصامُ

أَبَعْدَ تَمَسُّكِي بِنَداكَ دَهْراً

وَحَبْلُ نَداكَ لَيْسَ لَهُ انْصِرامُ

وَكَوْنِي مِنْ دِفاعِكَ فِي حُصُونٍ

مَنِيعاتِ الذَّوائِبِ لا تُرامُ

وَأَخْذِي مِنْكَ ميثاقاً كَرِيماً

وَعَهْداً ما لِعُرْوَتِهِ انْفِصامُ

يَنالُ مُرادَهُ مِنِّي حَسُودٌ

وَيُمْكِنُ عادِياً فِيَّ اهْتِضامُ

أَتَرْضى لِلْمَحامِدِ أَنْ تَراها

بِأَرْضِكَ تُسْتَباحُ وَتُسْتَضامُ

وَتَصْبِرُ عَنْ غَرائِبِها وَصَبْرُ الْ

فَتى فِي دِينِها أَبَداً حَرامُ

وَهَلْ يَسْلُو عَنِ الأَحْبابِ يُوْماً

مُحِبٌّ لَيْسَ يَسْلُوهُ الْغَرامُ

فَلا تَدَعِ الْعِراقَ وَأَرْضَ مَصْرٍ

تَفُوزُ بِها وَيُحْرَمُها الشَّآمُ

فَمِنْ حَقِّ الْقَوافِي مِنْكَ دَفْعٌ

يَجِيشُ بِمِثْلِهِ الْجَيْشُ اللُّهامُ

لَقَدْ مَلَّ الرُّقادُ جُفُونَ عَيْنِي

وَما مَلَّ الدُّمُوعَ لَها انْسِجامُ

ص: 180

فَما يَسْرِي إِلى قَلْبي سُرُورٌ

وَلكِنْ لِلْهُمُومِ بِيَ اهْتمِامُ

سَيَرْضى الْحاسِدُونَ إِذا تَمَطَّتْ

بِيَ الْوَجْناءُ وَاضْطَّرَبَ الزِّمامُ

إِذا جاوَزْتُ غُرَّبَ أَوْ غُراباً

وَحالَ الْقاعُ دُونِي وَالإِكامُ

فَمَنْ يَجْلُو عَلَيْكَ بَناتِ فِكْرِي

وَأَنْتَ بِهِنَّ صَبٌّ مُسْتَهامُ

يُقَيِّدُنِي بِنَجْدِ الشّامِ وَجْدٌ

وَيَدْعُونِي إِلى الْغَوْرِ اعْتِزامُ

فَمَنْ أمْرِ النَّوائِبِ لِي رَحَيلٌ

وَفِي حُكْمِ الصَّبابَةِ لِي مُقامُ

وَمَنْ يَرْضى مِنَ الدُّنْيا بِعَيْش

عَلَيْهِ لجِائِرٍ فِيهِ احْتِكامُ

تَأَمَّلْ ما أَبُثُّ تَجِدُ حَقِيقاً

بشَمْلٍ فِي ذَراكَ لَهُ الْتِئامُ

أَيَعْظُمُ أَنْ تَذُودَ الْخَطْبَ عَنِّي

وَعِنْدَكَ تَصْغُرُ النُّوَبُ الْعِظامُ

إِذا لَمْ أَعْتَصِمْ بِكَ مِنْ عَدُوٍّ

فَهَلْ فِي الْعالَمِينَ لِيَ اعْتِصامُ

لَعَلَّ دُجى الْحَوادِثِ أَنْ تُجَلّى

بِبَدْرٍ لا يُفارِقُهُ التَّمامُ

أَتِيهُ عَلَى الزَّمانِ بِهِ ابْتِهاجاً

وَتَحْسُدُنِي الْكَواكِبُ لا الأَنامُ

ص: 181

وَحَسْبِي اللهُ فِيما أَرْتَجِيه

وَعَضْبُ الدَّوْلَةِ الْمَلِكُ الْهُمامُ

لَقَدْ شَغَلَ الْمَحامِدَ عَنْ سِواهُ

أَغَرُّ بِمَدْحِهِ شَرُفَ الْكَلامُ

جَمَعْتُ صِفاتِهِ جَمْعَ الَّلآلِي

فَلِي مِنْها الْفَرائِدُ وَالتُّؤامُ

تَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْجُلّى عُلاهُ

وَهَلْ لِلْبَدْرِ فِي الظُّلَمِ اكْتِتامُ

أَنافَ عَلَى الْقِيامِ فَطالَ عَنْهُمْ

كَأَنَّ قُعُودَهُ فِيهِمْ قِيامُ

تَصَوَّبَ جُودُهُ فِي كُلِّ وادٍ

كَما يَتَصَوِّبُ السَّيْلُ الرُّكامُ

دَقِيقُ مَحاسِنِ الأَخْلاقِ يَبْدُو

أَمامَ نَداهُ بِشْرٌ وَابْتِسامُ

وَمُقْتَرِحٌ عَلَيَّ الْحَمْدَ أَرْضِى

سَلامَتَهُ اقْتِراحِي وَالسَّلامُ

75

وقال يمدحه أيضا ويحضه على الجهاد، وذكر أنه عمل هذه القصيدة في ليلة واحدة:

فَدَتْكَ الصَّواهلُ قُبّاً وَجُرْدا

وَشُمُّ الْقَبائِلِ شِيباً وَمُرْدا

وَذَلَّتْ لأَسْيافِكَ الْبِيضُ قُضْباً

وَدانَتْ لأَرْماحِكَ السُّمْرُ مُلْدا

ص: 182

وَقلَّ لِمَنْ قامَ فِي ذا الزَّمانِ

مَقامَكَ أنْ باتَ بِالْخَلْقِ يُفْدا

أَلَسْتَ أَبَرَّ الْبَرايا يَداً

وَأَنْدى مِنَ الْمُزْنِ كَفّاً وَأَجْدا

وَأَمْضى حُساماً وَأَوْفى ذِماماً

وَأَهْمى غَماماً إِذا الْغَيْثُ أَكْدا

وَأَكْلا إِذا ضُيِّعَ الأَمْرُ طَرْفاً

وَأَوْرى إِذا أَظْلَمَ الْيَومُ زَنْدا

إِذا الْتَبَسَ الرَّأْيُ كُنْتَ الأَسَدَّ

وَإِنْ غالَبَ الْخَطْبُ كُنْتَ الأَشَدّا

وَإِنْ قَصَّرَ الْنّاسُ عَنْ غايَةٍ

سَبَقْتَ إِلَيْها مِنَ النّاسِ فَرْدا

وَمَنْ ذا يُجارِيكَ فَضْلاً وَنُبْلاً

وَمَنْ ذا يُساوِيكَ حَلاًّ وَعَقْدا

سَجِيَّةُ مَنْ لَمْ يَزَلْ بِالثَّنا

ءِ وَالْحَمْدَ مُنْفَرِداً مُسْتَبِدّا

تجِلُّ مَعالِيهِ أَنْ تُسْتَطاعَ

وَتَأْبَى مَناقِبُهُ أَنْ تُعَدّا

حَقِيقٌ إِذا ما انْتَضى سَيْفَهُ

بِأْنْ يَجْعَلَ الْهامَ لِلسَّيْفِ غِمْدا

زَعِيمَ الْجُيُوشِ لَقَدْ أَعْجَزَتْ

أَيادِيكَ واصِفَها أَنْ تُحَدّا

وَأَمْعَنَ ذِكْرُكَ فِي الْخافِقَيْ

نِ شَرْقاً وَغَرْبا وَغَوْراً وَنَجْدا

فَسارَ مَسِيرَ هِلالِ السَّما

ءِ يَزْدادُ نُوراً إِذا ازْدادَ بُعْدا

فَلَوْ طُبِعَ الْفَخُرُ سَيْفاً لَكُنْ

تَ دُونَ الْوَرى حَدَّهُ وَالْفِرِنْدا

ص: 183

وَكَمْ لَكَ مِنْ نائِلٍ نائِلٍ

رِقابَ الْمآثِرِ شُكْراً وَحَمْدا

نَدىً يَعْتِقُ الْعَبْدَ مِنْ رِقِّةِ

وَلكِنَّهُ يَتْرُكُ الْحُرَّ عَبْدا

وَإِنِّي لَمُهْد إِلَيْكَ الْقَرِي

ضَ يُطْوى عَلَى النُّصْحِ وَالنُّصْحُ يُهْدا

إِلى كَمْ وَقَدْ زَخَرَ الْمُشْرِكُون

بِسَيْلٍ يُهالُ لَهُ السَّيْلُ مَدّا

وَقَدْ جاشَ مِنْ أَرْضِ إِفْرَنْجَةٍ

جُيُوشٌ كَمِثْلِ جِبالٍ تَرَدّا

تُراخُونَ مَنْ يَجْتَرِي شِدَّةً

وَتُنْسُونَ مَنْ يَجْعَلُ الْحَرْبَ نَقْدا

أَنوْماً عَلَى مِثْلِ هَدِّ الصَّفاةِ

وَهَزْلاً وَقَدْ أَصْبَحَ الأَمْرُ جِدَّا

وَكَيْفَ تَنامُونَ عَنْ أَعْيُنٍ

وَتَرْتُمْ فَأَسْهَرْتُمُوهُنَّ حِقْدا

وَشَّرُّ الضَّغائِنِ ما أَقْبَلَتْ

لَدَيْهِ الضَّغائِنُ بِالكُفْرِ تُحْدا

بَنُو الشِّرْكِ لا يُنْكِرُونَ الْفَسادَ

وَلا يَعْرِفُونَ مَعَ الْجَوْرِ قَصْدا

وَلا يَرْدَعُونَ عَنِ الْقَتْلِ نَفْساً

وَلا يَتْرُكُونَ مِنَ الْفَتْكِ جَهْدا

ص: 184

فَكَمْ مِنْ فَتاةٍ بِهِمْ أَصْبَحَتْ

تَدَقُّ مِنَ الْخَوفِ نَحْراً وَخَدّا

وَأُمِّ عَواتِقَ ما إِنْ عَرَفْ

نَ حَرّاً وَلا ذُقْنَ فِي اللَّيْلِ بَرْدا

تَكادُ عَلَيْهِنَّ مِنْ خِيفَةٍ

تَذُوبُ وَتَتْلَفُ حُزْناً وَوَجْدا

فَحامُوا عَلَى دِينِكُمْ وَالْحَرِيمِ

مُحاماةَ مَنْ لا يَرى الْمَوتَ فَقْدا

وَسُدُّوا الثُّغُورَ بِطَعْنِ النُّحُورِ

فَمِنْ حَقِّ ثَغْرٍ بِكُمْ أَنْ يُسَدّا

فَلَنْ تَعْدَمُوا فِي انْتِشارِ الأُمُورِ

أَخا تُدْرَإٍ حازِمَ الرَّأْيِ جَلْدا

يُظاهِرُ تَدْبِيرُهُ بَأْسَهُ

مُظاهَرَةَ السَّيْفِ كَفًّا وَزَنْدا

كَمِثْلِ زَعِيمِ الْجُيُوشِ الْمَلِيِّ

بِعَزْمٍ يَبيتُ لَهُ الْحَزْمُ رِدّا

وَعاداتُ بَأْسِكُمُ فِي اللِّقا

ءِ لَيْسَتْ تَحُولُ عَنِ النَّصْرِ عَهْدا

فَدُونَكُمُ ظَفَراً عاجِلاً

لَكُمْ جاعِلاً سائِرَاً الأَرْضِ مَهْدا

فَقَدْ أًيْنَعَتْ أَرْؤُسُ الُمُشْرِكِينَ

فَلا تُغْفِلُوها قِطافاً وَحَصْدا

فَلا بُدَّ مِنْ حَدَّهِمْ أَنْ يُفَلَّ

وَلا بُدَّ مِنْ رُكْنِهِمْ أَنْ يُهَدّا

ص: 185

فإنَّ ألْبَ رَسْلانَ فِي مِثْلِها

مَضى وَهْوَ أَمْضَى مِنَ السَّيْفِ حَدّا

فَأَصْبَحَ أَبْقى مِنَ الْفَرْقَدَيْ

نِ ذِكْراً وَأَسْنى مِنَ الشَّمْسِ مَجْدا

لَعَلَّكُمُ أَنْ تُعِيدُوا مِنَ الْ

مَآثِرِ وَالْمَجْدِ ما كانَ أَبْدا

وَهذا ابْنُهُ قائماً فِيكُمُ

مَقامَ الْمُفاخِرِ جَدَاً وَجِدّا

بِخَيْلٍ تُخالُ غَداةَ الْمَكَرِّ

طَيْراً تَحَمَّلْنَ غَاباً وَأُسْدا

وَطَعْنٍ أَمَرَّ مِنَ الْمَوْتِ طَعْماً

وَضَرْبٍ أَحَرَّ مِنَ النّارِ وَقْدا

إِذا ما السُّيُوفُ غَداةَ الْحُتُو

فِ نَوَّعَتِ الضَّرْبَ قَطْعاً وَقَدّا

ص: 186

تَرى لُمَّعاً وُقَّعاً لا يَزَلْ

نَ يَخْطَفْنَ بَرْقاً وَيَقْصُفْنَ رَعْدا

فَذُوا الْبَأْسِ مَنْ جابَ مِنْ تَرْكَةٍ

لَهُ عِمَّةً وَمِنَ الدِّرْعِ بُرْدا

وَلَمْ يَضَعِ السَّرْدِ عَنْ مَنْكِبَيْ

هِ حَتّى يَصِيرَ مَعَ الْجِلْدِ جِلْدا

فَما يَنْزِعُ الْيَوْمَ عَنْهُ الْحَدِي

دَ مَنْ رامَ أَنْ يَلْبَسَ الْعِزَّ رَغْدا

وَأَيْسَرُ ما كابَدَتْهُ النُّفُوسُ

مِنَ الأَمْرِ ما لَمْ تَجِدْ مِنْهُ بُدّا

بَقِيتمْ وَلا زِلْتُمُ فِي اللِّقاءِ

بُدُوراً تَوافِقُ فِي الأُفْقِ سَعْدا

ولا بَرِحَ الْعِزُّ لِلْمُسْلِمي

نَ مِنْ بَحْرِكُمْ أَبَداً مُسْتَمِدّا

فَلَسْنا نَرى بَعْدَ طُولِ البَقا

ءِ أَكْرَمَ مِنْكُمْ عَلَى اللهِ وَفْدا

وَقَدْ قِيلَ فِي التُّرْكِ إِنَّ الَّذِي

يُتارِكُهُمْ أَسْعَدُ النّاسِ جَدّا

ص: 187

76

وقال يمدحه رحمه الله، ويهنيه بتشريف الخليفة:

الطويل

جَرى لَكَ بِالتَّوْفِيقِ أَيْمَنُ طائِرِ

وَمُلِّيتَ مَأْثُورَ الْعُلى وَالْمآثِرِ

وَأَيَّدَكَ اللهُ الْعِليُّ ثَناؤُهُ

بَعاجِلِ نَصْرٍ خالِدِ الْعِزِّ قاهِرِ

وَلا زِلْتَ وَرّاداً إِلى كُلِّ مَفْخَرٍ

مَوارِدَ مَحْمُودٍ سَعِيدِ الْمَصادِرِ

لَقَدْ دَلَّ تَشْرِيفُ الْخَلِيفَةِ أَنَّهُ

بِخَيْرِ بَنِي أَيّامِهِ خَيْرُ خابِرِ

وَأَنَّ لَهُ فِي حَوْطَةِ الدِّينِ هِمَّةً

بِها يَسْتَحِقُّ النَّصْرَ مِنْ كُلِّ ناصِرِ

تَسَرْبَلْتَ عَضْبَ الدَّوْلَةِ الْمُلْكَ فَخْرَهُ

وَما الْفَخْرُ إِلاّ لِلسُّيُوفِ الْبَواتِرِ

وما جَهِلَتْ نُعْماهُ عِنْدَكَ قَدْرَها

وَقَدْ كَشَفَتْ عَمّا طَوى فِي الْضّمائِرِ

وَما نَبَّهَتْ إِلاّ عَلَى ذِي نَباهَةٍ

كَما سُقِي الرَّوْضُ الْخَطِيبُ بِماطِرِ

ص: 188

وَما كانَ إِلاّ الْعَنْبَرَ الْوَرْدَ فِعْلُهُ

أُضِيفَ إِلى نَشْرٍ مِنَ الْمِسْكِ عاطِرِ

وَما شاءَ إلاّ أَنْ تُحَقِّقَ عِنْدَهُ

مَحَلَّكَ مِنْ طاوٍ هَواهُ وَناشِرِ

وَأَنَّكَ مَعْقُودٌ بِأَكْبرِ هِمَّةٍ

وَأَنَّكَ مَعْدُودٌ لَهُ فِي الذَّخائِرِ

وَلَيْسَ يَبِينُ الدَّهْرَ إِخْلاصُ باطِنٍ

إذا أَنْتَ لَمْ تُدْلَلْ عَلَيْهِ بِظاهِرِ

رَآكَ بِعَيْنِ اللُّبِّ أَبْعَدَ فِي الْعُلى

وَأَسْعَدَ مِنْ زُهْرِ النُّجُومِ الْبَواهِرِ

وَأَبْهى مَحَلاً فِي الْقُلُوبِ وَمَوْقِعاً

وَأَشْهى إِلى لَحْظِ الْعُيُونِ النَّواظِرِ

وَأَطْعَمَ فِي الَّلأْواءِ والدَّهْرُ ساغِبٌ

وَأَطْعَنَ فِي صَدْرِ الْكَمِيِّ الْمَغامِرِ

فَناهَزَ فَخْراً باصْطِفائِكَ عاجِلاً

عَلَى كُلِّ باقٍ فِي الزّمانِ وَغابِرِ

وَما ذاكَ مِنْ فِعْلِ الْخَلِيفَةِ مُنْكَرٌ

وَلا عَجَبٌ فيض البحور الزواخر

وما عد إلا من مناقبه التي

مثلن بِهِ فِي الفِعْلِ طِيبَ الْعَناصِرِ

وَما كانَ تَأْثِيلٌ شَرِيفٌ وَسُؤْدُدٌ

لِيُنْكَرَ مِنْ أَهْلِ النُّهَى وَالْبَصائِرِ

ص: 189

وأَنْتَ الَّذِي مِنْ بَأْسِهِ فِي جَحافِلٍ

وَمِنْ مَجْدِهِ فِي أُسْرَةٍ وَعَشائِرِ

بِعَزْماتِ مَجْدٍ ثاقِباتٌ هُمُومُها

وَآراءِ مَلْكٍ مُحْصَداتِ الْمَرائِرِ

يَراها ذَوُو الأَضْغانِ بَثَّ حَبائِلٍ

وَما هِيَ إلاّ أَسْهُمٌ فِي الْمَناحِرِ

وَآياتُ مَجْدٍ باهِراتٌ كَأَنَّها

بَدائِعُ تَأْتِي بِالْمَعانِي النَّوادِر

وَأَخْلاقُ مَعْشُوقِ السَّجايا كَأَنَّما

سَقاكَ بِها كَأْسَ النَّدِيمِ الْمُعاقِرِ

يَبيتُ بَعِيداً أَنْ تُوَجَّهَ وَصْمَةٌ

عَلَى عِرْضِهِ والدَّهْرُ باقِي الْمَعايرِ

إِذا دَفَعَ الطُّلابَ إِلْحاحُ لَزْبَةٍ

فأَنْتَ الَّذِي لا يَتَّقِي بِالْمُعاذِرِ

وَما لِلْبُدُورِ أَنْ تَكُفَّ ضِياءَها

وَلا الْبُخْلُ فِي طَبْعِ الْغَمامِ البَواكِرِ

لَعَمْرِي لَقَدْ أَتْعَبْتَ بِالْحَمْدِ مَنْطِقِي

وَأَكْثَرتَ مِنْ شُغْلِ الْقَوافِي السَّوائِرِ

وَما نَوَّهَتْ مِنْكَ الْقَوافِي بِخامِلٍ

وَلكِنْ رَأْيْتُ الشِّعْرَ قَيْدَ الْمَفاخِرِ

ص: 190

إِذا أَنْتَ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْكَ جانِباً

فَمَنْ يَقْتَنِي الْحَمْدَ اقْتِناءَ الْجَواهِرِ

وَما زِلْتَ مَشْغُوفاً لَدَيَّ مُتَيَّماً

بِكُلِّ رَداحٍ مِنْ بَناتِ الْخَواطِرِ

لَهُنَّ إِذا وافَيْنَ مَجْدَكَ قُرْبَةُ الْ

حِسانِ وَدَلُّ الآنِساتِ الْغَرائِرِ

يَرِدْنَ رَبِيعاً مِنْ جَنابِكَ مُمْرِعاً

وَيَرْتَعْنَ فِي إِثْرِ الْغُيُومِ الْمَواطِرِ

وَإِنِّي لَقَوّالٌ لِكُلِّ قَصِيدَةٍ

إِذا قِيلَ شِعْرٌ أَقْحَمَتْ كُلَّ شاعِرِ

فَمِنْ كَلِمٍ يَكْلُمِنْ أَكْبادَ جُسَّدِي

وَمِنْ فِقَرٍ تَرْمِيهِمْ بِالفَواقِرِ

ألا لَيْتَ شِعَرِي هَلْ أَفُوزُ بِدَوْلَةٍ

تُصَرِّفُ كَفِّي فِي عِنانِ الْمَقادِرِ

وَهَلْ تَنَهْضُ الأَيّامُ بِي فِي مَقاوِمٍ

تَطُولُ بِناهٍ لِلزَّمانِ وَآمِرِ

فإِنَّ مِنَ الْعَجْزِ الْمُبِينِ وَأَنْتَ لي

نُزُولِي عَلَى حُكْمِ اللَّيالِي الْجَوائِرِ

ص: 191

77

وقال، وقد حضر في غداة مطيرة توالى فيها الغيث بعد محل، وهناك تمثال ديك في وسط بركة دار الأمير عضب الدولة رحمه الله يجري الماء من أجنحته وذنبه، وقد حضر الشراب، بديها يصف ذلك:

المتقارب

نَشَدْتُكَ لا تُعْدِمِ الرّاحَ راحا

وَلا تَمْنَعَنَّ الصَّبُوحَ الصَّباحا

فَقَدْ أَصْبَحَ الْغَيْثُ يَكْسُو الْجَمالَ

وُجُوهاً مِنَ الأَرْضِ كانَتْ قِباحا

يُعِيدُ إلى الْعُودِ إِيراقَهُ

وَيَهْتَزُّهُ بِالنَّسِيمِ ارْتِياحا

بَكى رَحْمَةً لِجُدُوبِ الْبِلادِ

وَحَنَّ اشْتِياقاً إِلَيْها فَساحا

وَسَحَّ كَما غَلَبَ الْمُسْتَها

مَ وَجْدٌ فَأَجْرى دُمُوعاً وَباحا

كَأَنَّ الْغُيُومُ جُيُوشٌ تَسُومُ

مِنَ الْعَدْلِ فِي كُلِّ أَرْضٍ صَلاحا

إِذا قاتَلَ الْمَحْلَ فِيها الْغَمامُ

بِصَوْبِ الرَّهامِ أَجادَ الْكِفاحا

فَوافاهُ يَحْمِلُ مِنْ طَلِّهِ

وَمِنْ وَبْلِهِ لِلقِّاءِ السِّلاحا

يُقَرْطِسُ بِالطَّلِّ فِيهِ السِّهامَ

وَيُشْرِعُ بِالْوَبْلِ فِيهِ الرِّماحا

ص: 192

وَسلَّ عَلَيْهِ سُيُوفَ البُرُوقِ

فَأَثْخَنَ بِالضَّرْبِ فِيهِ الْجِراحا

تَرى أَلْسُنَ النَّوْرِ تُثْنِي عَلَيْهِ

فَتَعْجَبُ مِنْهُنَّ خُرْساً فِصاحا

كَأَنَّ الرِّياضَ عَذارى جَلَوْنَ

عَلَيْكَ مَلابِسَهُنَّ الْمِلاحا

وَقَدْ غادَرَ الْقَطْرُ مِنْ فَيْضِهِ

غَدِيراً هُوَ السَّيْلُ حَلَّ الْبِطاحا

إِذا صافَحَتْهُ هَوافِي الرِّياحِ

تَمَوَّجَ كَالطِّرْفِ رامَ الْجِماحا

وَدِيكاً تَرى الصُّفْرَ جِسْماً لَهُ

وَمِن فِضَّةٍ رِيشهُ وَالْجَناحا

إِذا الماءُ راسَلَهُ بِالْخَرِي

رِ أَحْسَنَ تَغْرِيدَهُ وَالصِّياحا

لَهُ شِيمَتانِ مِنَ الْمَكْرُماتِ

يُرِيكَ الْوَقارَ بِها وَالْمِراحا

إِذا هَمَ مِنْ طَرَبٍ أَنْ يَطِيرَ

لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ حَياءٍ بَراحا

إِذا ما تَغَنّى أَغارَ الْحَمامَ

فَرَجَّعَ أَلْحانَهُ ثُمَّ ناحا

غَداةٌ غَدا الْيَوْمُ فِيها صَرِيحاً

وَأَضْحى الْغَمامُ لَدَيْها صُراحا

كَأَنَّ حَياها يُجارِي الأَمِيرَ

لِيُشْبِهَ مَعْرُوفَهُ وَالسَّماحا

وَكَيْفَ يُشاكِلُ مَنْ لا يُغِ

بُّ مَجْداً مَصُوناً وَمالاً مُباحا

ص: 193

أَعّمَّ نَوالاً مِنَ الْبَحْرِ فاضَ

وَأَطْيَبَ نَشراً مِنَ الْمِسْكِ فاحا

فَدُونَكَ فاشْرَبْ كُؤُوساً تُصِيبُ

مِزاجاً لَهُنَّ السُّرُورَ الْقَراحا

إِذا ما جَلَوْنا عُرُوسَ الْمُدامِ

أَجالَ الْحَبابُ عَلَيْها وِشاحا

وَقَدْ فَسَحَ الوَصْلَ لِلْعاشِقينَ

فَصادَفَ مِنْهُمْ صُدُوراً فِساحا

إِذا كَرُمَ الدَّهْرُ فِي عَصْرِنا

فَكَيْفَ نَكُونُ عَلَيْهِ شِحاحا

78

وقال، وقد ناوله الأمير عضب الدولة، رحمه الله، تفاحة حمراء وطاقتين من نرجس وبنفسج، وأمره أن يقول في ذلكً:

الكامل

أَهْدى الأَمِيرُ إِلَيْكَ خَيْرَ تَحيَّةٍ

مِنْ خَيْرِ بَسّامٍ أَغَرَّ بَشُوشِ

عَضْبٌ لأَكْرَمِ دَوْلَةٍ وَبَهاءُ اش

رَفِ مِلَّةٍ وَزَعِيمُ أَيِّ جُيُوشِ

مِنْ نَرْجِسٍ وَبَنَفْسَجٍ غَضٍّ وَتُفَّ

احٍ كَوَشْيِ الْحُلَّةِ الْمَرْشُوشِ

جُمَلٌ كَما قُضِيَتْ مَواعِدُ عاشِقٍ

مِنْ ناصِحٍ فِي الْحُبِّ غَيْرِ غَشُوشِ

فَكَأَنَّها وَجْهُ الْحَبِيبِ إِذا رَنا

وَبِخَدِّهِ أَثَرٌ مِنَ التَّجْمِيشِ

ص: 194

79

وقال وقد حضر عند الأمير عضب الدولة رحمه الله في مجلس، فيه سماع، وقد نضد بطرائف من الأزهار، وقد أوقدت نار ذكية الجمر، وفيه شراب رائق ونارنج شديد الاحمرار، بديها بعد أن ثمل:

الطويل

لَنا مَجْلِسٌ ما فِيهِ لِلْهَمِّ مَدْخَلٌ

وَلا مِنْهُ يَوْماً لِلْمَسَرَّةِ مَخْرَجُ

تَضَمَّنَ أَصْنافَ المَحاسِنِ كُلَّها

فَلَيْسَ لِباغِي الْعَيْشِ عَنْهُ مُعَرَّجُ

غِناءً إِلى الفِتْيانِ أَشْهى مِنَ الْغِنى

بِهِ الْعَيْشُ يَصْفُو وَالْهُمُومُ تُفَرَّجُ

يَخِفُّ لَهُ حِلْمُ الْحَليمِ صَبابَةً

وَيَصْبُو إِلَيْهِ النّاسِكُ الْمُتَحَرِّجُ

وَرَوْضاً كَأَنَّ الْقَطْرَ غاداهُ فَاغْتدى

يَضُوعُ بِمِسْكِيِّ النَّسيمِ وَيَأْرَجُ

تَرى نُكَتَ الأَزْهارِ فِيه كأَنَّها

كَواكِبُ فِي أُفْقٍ تُنِيرُ وتُسْرَجُ

وَيذْكِرُكمَ الأَحْبابَ فِيهِ بَدائِعٌ

مِنَ النَّوْرِ مِنْها نَرْجِسٌ وَبَنَفْسَجُ

ص: 195

فَهذا كَما يَرْنُو إِلَيْكَ بِطَرْفِهِ

أَغَنُّ غَرِيرٌ فَاتِنُ الطَّرْفِ أَدْعَجُ

وَهذا كَما حَيّا بِخَطِّ عِذارِهِ

مِنَ الهيِفِ مَمْشُوقُ العِذارِ مُعَرَّجُ

غَرِيبُ افْتِتانِ الدَّلِّ فِي الْحُسْنِ لَمْ يَزَلْ

تُعَقْربُ أَصْداغٌ لَهُ وَتُصَوْلَجُ

وَمَعْشُوقُ نارَنْجٍ يُرِيكَ احْمِرارُهُ

خُدُودَ عَذارى بِالْعِتابِ تُضَرَّجُ

وَنارٌ تُضاهِيها الْمُدامُ بِنُورِها

فَتَخْمُدُ لكِنَّ الْمُدامَ تَأَجَّجُ

كُؤوسٌ كَما تَهْوى النُّفُوسُ كَأَنَّها

بِنَيْلِ الأَمانِي وَالْمَآرِبِ تُمْزَجُ

كَأَنَّ الْقَنانِي والصّوانِي لِناظِرٍ

نُجُومُ سَماءٍ سائِراتٌ وَأَبْرُجُ

مَعانٍ كَأَخْلاقِ الأَمِيرِ مَحاسِناً

وَلكِنَّهُ مِنْهُنَّ أَبْهى وَأَبْهَجُ

كَأَنّا جَمِيعاً دُونَهُ وَهْوَ واحِدٌ

بِساحِلِ بَحْرٍ رِيعَ مِنْهُ الْمُلَجِّجُ

أَغَرُّ غَرِيبُ المَكْرُماتِ بِمِثْلِهِ

تَقَرُّ عُيُونُ الْمَكْرُماتِ وَتَثْلَجُ

هُوَ الْبَحْرُ لكِنْ عِنْدَهُ الْبَحْرُ باخِلٌ

هُوَ الْبَدْرُ لكِنْ عِندَهُ الْبَدْرُ يَسْمُجُ

ص: 196

80

وقال يمدحه ويهنيه بقدومه من سفر:

الكامل

شَرَفاً لِمَجْدِكَ بانِياً وَمُقَوِّضاً

وَلِسعْدِ جَدِّكَ ناهضاً أَوْ مُنْهِضا

إِمّا أَقَمْتَ أَوِ ارْتَحَلْتَ فَلِلْعُلى

وَالسَّيْفُ يُشْرُفُ مُغْمَداً أَوْ مُنْتَضا

لَقَضى لَكَ اللهُ السَّعادَةَ آيِباً

أَوْ غائِباً وَالله أَعْدَلُ مَنْ قَضا

تقِصُ الأَعادي ظاعِناً أَوْ قاطِناً

واللَّيْثُ أَغْلَبُ مُصْحِراً وَمُغَيِّضا

مُسْتَعْلِياً إِنْ جَدَّ سَعْيُكَ أَوْ وَنى

وَمُظَفَّراً إِنْ كَفَّ عَزْمُكَ أَوْ مَضا

حَزْماً وَإِقْداماً وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ

بَأْسُ الضَّراغِمِ وُثَّباً أَوْ رُبَّضا

وَإِلَيْكَ عَضْبَ الدَّوْلَةِ الْماضِي الشَّبا

أَلْقى مَقالِدَهُ الزَّمانُ وَفَوَّضا

ص: 197

فَإِلى ارْتِياحِكَ يَنْتَمِي صَوْبُ الْحَيا

وَعَلَى اقْتِراحِكَ ينْتَهِي صَرْفُ الْقَضا

يا مَنْ إِذا نَزَعَ الْمُناضِلُ سَهْمَهُ

يَوْماً كَفاهُ مُناضِلاً أن يُنْبِضا

وَإِذا النَّدى عَزَّ الطِّلابَ مُصَرِّحاً

بَلَغَ المُنى راجِي نَداهُ مَعُرِّضا

أَرْعَيْتَ هذا الْمُلْكَ أَشْرَفَ هِمَّةٍ

تَأْبى لِطَرْفِكَ طَرْفَةً أَنْ يُغْمِضا

حصَّنْتَ هَضْبَةَ عِزِّهِ أَنْ تُرْتَقى

وَمَنَعْتَ عالِيَ جَدِّهِ أَنْ يُخْفَضا

وَحَمَيْتَ بِالجُنْدَيْنِ طَوْلِكَ وَالنُّهى

مَبْسُوطَ ظِلِّ الْعَدْلِ مِنْ أَنْ يُقْبَضا

أَشْرَعْتَ حَدَّ صَوارِمٍ لَنْ تختطا

وَشَرَعْتَ دِينَ مَكارمٍ لَنْ يُقْبَضا

ما إِنْ تُؤَيِّدُهُ بِبَأْسٍ يُتَّقى

حَتّى تُشَيِّدَهُ بِسَعْيٍ مُرْتَضا

وَلَقَدْ نَعَشْتَ الدِّينَ أَمْسِ مِنَ الَّتِي

ما كادَ واصِمُ عارِها أَنْ يُرْحَضا

ص: 198

حِينَ اسْتَحالَ بِها الْعُقُوقُ نَدامَةً

وَأَخَلَّ راعِيها الْمُضِلُّ فَأَحْمَضا

وَغَدا الْمَرِيضَ بِها الَّذِي لا يُهْتَدى

لِشِفائِهِ مَنْ كانَ فِيها الْمُمْرِضا

لَمّا دَجا ذاكَ الظَّلامُ فَلَمْ يَكُنْ

مَعَهُ لِيغْنِينا الصَّباحُ وَإِنْ أَضا

إِذْ باطِلُ الأَقْوامِ أَكْثَرُ ناصِراً

وَالْحَقُّ مَدْفُوعُ الدَّلِيلِ لِيَدْحَضا

وَالنُّصْحُ مُطَّرَحٌ مُذالٌ مَحْضُهُ

إِنْ كانَ يُمْكِنُ ناصِحاً أَنْ يَمْحَضا

حَتّى أَقَمْتَ الْحَزْمَ أَبْلَغَ خاطِبٍ

فِيها فَحَثَّ عَلَى الصَّلاحِ وَحَضَّضا

يَثْنِي بِوَجْهِ الرَّأْيِ وَهْوَ كَأَنَّهُ

ماءُ الْغَدِيرِ حَسَرْتَ عَنْهُ الْعَرْمَضا

حَتّى اسْتَضاءَ كَأَنَّما كَشَفَتْ بِهِ

كَفَّاكَ فِي الظَّلْماءِ فَجْراً أَبْيَضا

لَمْ تُبْدِ إِلاّ لَحْظَةً أَوْ لَفْظَةً

حتّى فَضَضْتَ الْجَيْشَ قَدْ مَلأَ الْفَضا

ص: 199

دانَيْتَ بَيْنَ قُلُوبِ قَوْمِكَ بَعْدَما

شَجَتِ الْوَرى مُتَبايِناتٍ رُفَّضا

وَرَفَعَتْ ثَمَّ بِناءَ مَجْدٍ شامِخٍ

لَوْ لَمْ تَشِدْهُ لَكادَ أَنْ يَتَقَوَّضا

مِنْ بَعْدِ ما أَحْصَدْتَ عَقْدَ مَواثِقٍ

يَأْبى كَريمُ مُمَرِّها أَنْ يُنْقَضا

لِلهِ أَيَّةُ نِعْمَةٍ مَحْقُوقَةٍ

بِالشُّكْرِ فِيكَ وَأَيُّ سَعْدٍ قُيِّضا

أَخَذَ الزَّمانُ فَما أَلِمْنا أَخْذَهُ

إِذْ كانَ خَيْراً منْهُ ما قدْ عَوَّضا

وَمَكِينَةٍ لَوْ أَمكَنَتْ زُحَلاً إِذاً

لَغَدا لَها مُتَرَشِّحاً مُتَعَرِّضا

عَزَّتْ سِواكَ وَأَسْمَحَتْ لَكَ صَعْبَةً

فَعَلَوْتَ صَهْوَتَها ذَلُولاً رَيِّضا

أُعْطِيتَ فِي ذاكَ الْمَقامِ نُبُوَّةٌ

حُقَّتْ لِمَجْدِكَ أَنْ تُسَنَّ وَتُفْرَضا

وَبِأَيِّما خَطْبٍ مُنِيتَ فَلَمْ تَكُنْ

سَكَّنْتَ مِنْهُ ما طَغى وَتَغَيَّضا

ما مَرَّ يَوْمٌ مِنْ زَمانِكَ واحِدٌ

إِلاّ أَطالَ شَجى الْحَسُودِ وَأجْرَضا

لَكَ كُلَّ يَوْمٌ عِيدُ مَجْدٍ عائِدٌ

لِلْحَمْدِ فيه أَنْ يَطُولَ ويَعْرُضا

فَالدَّهْرُ يَغْنَمُ مِنْ عَلائِكَ مَفْخَراً

طَوْراً وَيَلْبَسُ مِنْ ثَنائِكَ مِعْرَضا

ص: 200

فَتَهَنَّهُ وَتَمَلَّ عُمْرَ سَعادَةٍ

تَقْضِي النَّجُومُ الْخالِداتُ وَما انْقَضا

لَوْ حُلِّيَ الْمَدْحُ السَّنِيُّ بِحِلْيَةٍ

يَوْماً لَذُهِّبَ ما أَقُولُ وَفُضِّضا

أو عطرت يوماً مقالة مادح

لغدا مقالي للغوالي مخوضا

وكفاه عِطْرٌ مِنْ ثَناكَ كَناسِمٍ

بِالرَّوْضِ مَرَّ تَحَرُّشاً وَتَعَرُّضا

أَلْبَسْتُهُ شَرَفاً بِمَدْحِكَ لا سَرى

عَنْ مَتْنِهِ ذاكَ اللِّباسَ وَلا نَضا

وَلَقَدْ مَطَلْتُكَ بِالْمَحامِدِ بُرْهَةً

وَلَرُبَّما مَطَلَ الْغَرِيمَ الْمُقْتَضا

لَوْلا الْهَوى وَدَلالُ مَعْشُوقِ الْهَوى

ما سَوَّفَ الْوَعْدَ الْحَبِيبُ وَمَرَّضا

وَلَديَّ مِنْها ما يَهُزُّ سَماعُهُ

لَوْ كنْتُ أَرْضى مِنْ مَدِيحِكَ بِالرّضا

فَإِلَيْكَ مَجْدَ الدِّينِ غُرَّ قَصائِدٍ

أَسْلَفْتَهُنَّ جَمِيلَ صُنْعِكَ مُقْرِضا

وَبَلَوْتَهُنَّ وَإِنَّما يُنْبِيكَ عَنْ

فَضْلِ الْجِيادِ وَسَبْقِها أَنْ تُرْكضا

ص: 201

مَمَا تَنَخَّلَه وَحَصَّلَ ماهِرٌ

فَضَلَ الْبَرِيَّةَ ناثِراً وَمُقَرِّضا

رَقَّتْ كَما رَقَّ النَّسِيمُ بِعَرْفِهِ

مَرِضاً وَلَيْسَ يَصِحُّ حتّى يَمْرَضا

يُخْجِلْنَ ما حاكَ الرَّبِيعُ مُفَوَّفاً

وَيَزْدْنَهُ خَجَلاً إِذا ما رَوَّضا

وَكَأنَّ نُوّارَ الثُّغُورِ مُقَبَّلاً

فِيها وَتُفّاحَ الْخُدُودِ مُعَضَّضَا

تُهْدى إِلى مَلِكٍ نَداُ مَعْقِلٌ

حَرَمٌ إِذا خَطْبٌ أَمَضَّ وَأَرْمَضا

عارِي الشَّمائِلِ مِنْ حَبائِلِ غَدْرَةٍ

يُمْسِي بِها الْعِرْضُ الْمَصُونُ مُعَرَّضا

لا يُمْطِرُ الأَعْداءَ عارِضُ بَأْسِهِ

إِلاّ إِذا بَرْقُ الصَّوارِمِ أَوْمَضا

أَثْرى مِنَ الْحَمْدِ الزَّمانُ بِجُودِهِ

وَلَقَدْ عَهِدْناهُ الْمُقِلَّ الْمُنْفِضا

كُلٌّ عَلى ذَمِّ اللَّيالِي مُقْبِلٌ

ما دامَ عَنْهُ الْحَظُّ فِيها مُعْرِضا

فَلأمْنَحَنَّكَ ذا الثَّناءَ مُحَبَّباً

ما دامَ مَدْحُ الْباخِلِينَ مُبَغَّضا

أُثْنِي عَلَى مَنْ لَمْ أَجِدْ مُتَحَوَّلاً

عَنْهُ وَلا منْ جُودِهِ مُتَعَوّضا

ما سَوَّدَ الدَّهْرُ الْخَؤونُ مَطالِبي

إِلاّ مَحا ذاكَ السَّوادَ وَبَيَّضا

مَنْ لَمْ يَرِدْ جَدْوى أَنامِلِكَ الَّتي

كُرِّمْنَ لَمْ يَرِد الْبُحُورَ الْفُيَّضا

ص: 202

81

وقال بديها، وقد أمره الأمير عضب الدولة يمدح أناس:

الطويل

أَلا أَيُّها الْعَضْبُ الَّذِِي لَيْسَ نابِياً

وَلا مُغْمَداً بَلْ مُصْلَتاً فِي الْحَوادِثِ

رَأَيْتُكَ تَدْعُونِي إِلى مَدْحِ مَعْشَرٍ

تَفُوقُهُمُ عِنْدَ الخُطُوبِ الْكَوارِثِ

وَإِنِّي وَمَدْحِيهِمْ وَتَرْكَكَ كَالَّذِي

رَأَى الْجدَّ أَوْلى أَنْ يُناطَ بِعابِثِ

وَكُنْتُ عَلَى عَهْدِ اصْطِناعِكَ ثابِتاً

فَلَسْتُ لَهُ ما عِشْتُ يَوْماً بِناكِثِ

82

وقال يرثي أبا عبد الله محمد بن الأمير عضب الدولة، ويعزيه عنه، وقد توفي بدمشق:

الوافر

سِوى باكِيكَ مَنْ ينْهى الْعَذُولُ

وَغَيْرُ نَواكَ يَحْمِلُها الْحَمُولُ

أَيُنْكَرُ يا مُحَمَّدُ لِي نَحِيبُ

وَقَدْ غالَتْكَ لِلأَيَّامِ غُولُ

أذا الوَجْهِ الْجَمِيلِ وَقَدْ تَوَلَّى

قَبِيحٌ بَعْدَكَ الصَّبْرُ الْجَمِيلُ

ص: 203

رَحَلْتَ مُفارِقاً فَمَتى التَّلاقِي

وَبِنْتَ مُوَدِّعاً فَمَتى الْقُفُولُ

وَكنْتَ يَقِينَ مَنْ يَرْجُوكَ يَوْماً

فَأَنْتَ الْيَوْمَ ظَنٌّ مُسْتَحِيلُ

نَضَتْ بِكَ ثَوْبَ بَهْجَتِها اللَّيالِي

وَغالَ بَهاءَهُ الدَّهْرُ الْجَهُولُ

وَلَوْ تَدْرِي الْحَوادِثُ ما جَنَتْهُ

بَكَتْكَ غَداةُ دَهْرِكَ والأَصِيلُ

أَيا قَمَرَ الْعُلى بِمَنِ التَّسَلِّي

إِذا لَمْ تَسْتَنِرْ وَمَنِ الْبَدِيلُ

مَتى حالَتْ مَحاسِنَكَ اللَّواتِي

لَها في القَلْبِ عَهْدٌ لا يَحُولُ

مَتى صالَ الْحِمامُ عَلى ابْنِ بَأْسٍ

بِهِ فِي كُلِّ مَلْحَمَةٍ يَصُولُ

مَتى وَصَلَ الزَّمانُ إِلى مَحَلٍّ

إِلى دَفْعِ الزَّمانِ بِهِ الْوُصُولُ

سَأُعْوِلُ بِالْبُكاءِ وَأَيُّ خَطْبٍ

يَقُومُ بِهِ بُكاءٌ أَوْ عَوِيلُ

فإِمّا خانَنِي جَلَدٌ عَزيزٌ

فَعِنْدِي لِلأَسى دَمْعٌ ذَلِيلُ

وَما أُنْصِفْتَ إِنْ وَجِلَتْ قُلُوبٌ

مِنَ الإِشْفاقِ أَوْ ذَهِلَتْ عُقُولُ

وَهَلْ قَدْرُ الرَّزِيَّةِ فَرْطُ حُزْنٍ

فَيُرْضِيَ فِيكَ دَمْعٌ أَوْ غَلِيلُ

لَقَدْ أَخَذَ الأَسى مِنْ كلِّ قَلْبٍ

كَما أَخَذَتْ مِنَ السَّيْفِ الفُلُولُ

وَما كَبِدٌ تَذُوبُ عَلَيْكَ وَجْداً

بِشافِيَةٍ ولا نَفْسٌ تسِيلُ

ص: 204

فَيا قَبْراً حَوى الشَّرَفَ الْمُعَلَّى

وَضُمِّنَ لَحْدَهُ الْمَجْدُ الأَثِيلُ

أُحِلَّ ثَراكَ مِنْ كَرَمٍ غَمامٌ

وأُودِعَ فِيكَ مِنْ بَأْسٍ قَبِيلُ

حُسامٌ أَغْمَدَتْهُ بِكَ اللَّيالِي

سَيَنْحَلُّ فِيكَ مَضْرَبُهُ النَّحِيلُ

وَكانَ السَّيْفُ يُخْلِقُ كُلَّ جَفْنٍ

فَأَخْلَقَ عِنْدَكَ السَّيْفُ الصَّقِيلُ

تَخَرّمَهُ الحِمامُ وَكُلُّ حَيٍّ

عَلَى حُكْمِ الْحِمامِ لَهُ نُزُولُ

فَيا لِله أَيُّ جَلِيلِ خَطبٍ

دَقِيقٌ عِنْدَهُ الْخَطْبُ الْجَلِيلُ

أَما هَوْلٌ بِأَنْ يُحْثى وَيُلْقى

عَلَى ذاكَ الْجَمالِ ثَرىً مَهِيلُ

أَما انْدَقَّتْ رِماحُ الْخَطِّ حُزْناً

عَلَيْكَ أَما تَقَطَّعَتِ النُّصُولُ

أَما وَسَمَ الْجِيادَ أَسىً فَتُحْمى

بِهِ غُرَرُ السَّوابِقِ وَالْحُجُولُ

أَما ساءَ الْبُدُورَ وَأَنْتَ مِنها

طُلُوعٌ مِنْكَ أَعْقَبَهُ الأُفُولُ

أَما أَبْكى الْغُصُونَ الْخُضْرَ غُصْنٌ

نَضِيرُ الْعُودِ عاجَلُه الذُّبُولُ

أما رَقَّ الزَّمانُ عَلى عَلِيلٍ

يَصِحُّ بِبُرْئِهِ الأَمَلُ الْعَلِيلُ

تَقَطَّعَ بَيْنَ حَبْلِكَ وَاللَّيالِي

كَذاكَ الدَّهْرُ لَيْسَ لَهُ خَلِيلُ

وَأَسْرَعْتَ التَّرَحُّلَ عَنْ دِيارٍ

سَواءٌ هُنَّ بَعْدَكَ وَالطُّلُولُ

ص: 205

وَمِثْلُكَ لا تَجُودُ بِهِ اللَّيالِي

وَلكِنْ رُبَّما سَمَحَ الْبَخِيلُ

أَنِفْتَ مِنَ الْمُقامِ بِشَرِّ دارٍ

تَرى أَنَّ الْمُقامَ بِها رَحِيلُ

وما خَيْرُ السَّلامَةِ فِي حَياةٍ

إِذا كانَتْ إِلى عَطَبٍ تَؤُولُ

هِيَ الأَيّامُ مُعْطِيها أَخُوذٌ

لِما يُعْطِي وَمُطْعِمُها أَكُولُ

تَمُرُّ بِنا وَقائِعُ كُلِّ يَوْمٍ

يُسَمّى مَيِّتاً فِيها الْقَتِيلُ

سَقاكَ وَمَنْ سَقى قَبْلِي سَحاباً

تُرَوَّضُ قَبْلَ مَوْقِعِهِ الْمَحُولُ

غَمامٌ يُلْبِسُ الأهْضامَ وَشْياً

تَتِيهُ بِهِ الْحُزُونَةُ وَالسُّهولُ

كَأَنَّ نَسِيمَ عَرْفِكَ فِيهِ يُهْدى

إِذا خَطَرَتْ بِهِ الرِّيحُ الْقَبُولُ

كَجُودِكَ أو كَجُودِ أَبِيكَ هامٍ

عَميمُ الْوَدْقِ مُنْبَجِسٌ هَطُولُ

وَلَوْلا سُنَّةٌ لِلْبِرِّ عِنْدِي

لَقُلْتُ سَقَتْكَ صافِيَةٌ شَمُولُ

أَعَضْبَ الدَّوْلَةِ الْمَأْمُولَ صَبْراً

وَكَيْفَ وَهَلْ إِلى صَبْرٍ سَبيلُ

وَما فارَقْتَ مَنْ يُسْلى وَلكِنْ

سِوى الآسادِ تُحْزِنُها الشُّبُولُ

وَما فَقْدُ الْفُرُوعِ كَبيرُ رُزْءٍ

إِذا سَلِمَتْ عَلى الدَّهْرِ الأُصُولُ

ص: 206

وَما عَزَّاكَ مِثْلُكَ عَنْ مُصابٍ

إِذا ما راضَكَ اللُّبُّ الأَصِيلُ

سَدادُكَ مُقْنِعٌ وَحِجاكَ مُغْنٍ

وَدُونَكَ ما أَقُولُ فَما أَقُولُ

فَلا قَصُرَتْ عَوالِيكَ الأَعالِي

وَلا زالَ الزَّمانُ بها يَطُولُ

83

وقال بديها في المأمونية، يصف الوقت والبركة والأنابيب والفوارة والشاذروان والساقي وزهر الخشخاش، وكان الأمير عضب الدولة قد جعل الأتراك من جانبه، والعرب إلى جانب سيف الدولة بن الصقيل:

المتقارب

وَيَوْمٍ أَخَذْنا بِهِ فُرْصَةً

مِنَ الْعَيْشِ وَالْعَيْشُ مُسْتَفْرَصُ

ص: 207

رَكَضْنا مَعَ اللَّهْوِ فِيْهِ الصِّبى

وَأَفْراسُهُ مَرَحاً تَقْمِصُ

إِلى جَنَّةٍ لا مَدى عَرْضِها

يَضِيقُ وَلا ظِلُّها يَقْلِصُ

أَعَزُّ الْمَآرِبِ فِيها يَهُونُ

وَأَغْلى السُّرُورِ بِها يَرْخُصُ

وَشَرْبٍ تَعاطُوا كُؤُوسَ الْحَياةِ

فَما كَدَّرُوها وَلا نَغَّضُوا

سَدَدْنا بِها طُرُقاتِ الْهُمُومِ

فَعادَتْ عَلى عَقْبِها تَنْكُصُ

فَلَوْ هَمَّ هَمٌّ بِنا لَمْ يَجْدْ

طَرِيقاً إِلَيْنا بِها يَخْلُصُ

ظَلِلْنا كَجَيْشَيْ كِفاحٍ تَكُرُّ

عَلى الْعُرْبِ أَتْراكُهُ الْخُلَّصُ

لَدى بِرْكَةٍ حُرِّكَتْ راؤُها

فَلَيْسَتْ تَقِلُّ وَلا تَنْقُصُ

تَغَنى لَنا طَرَباً ماؤُها

وَقامَتْ أَنابِيبُها تَرْقُصُ

يُرِيكَ الْجَواهِرَ تَقْبِيبُها

وَهُنَّ طَوافٍ بِها غُوَّصُ

وَمُسْتَضْحِكٍ ذَهَبِيِّ الشِّفاهِ

بِما جَزَّعُوا مِنْهُ أَوْ فَصَّصُوا

مُنِيفٍ يَخِرُّ بِذَوْبِ اللُّجِيْنِ

عَلى ذَهَبٍ سَبْكُهُ الْمُخْلَصُ

تَرى الطَّيْرَ وَالْوَحْشَ مِنْ جانِبَي

هِ يَشْكُو الْبَطِينَ بِها الأَخْمَصُ

ص: 208

دَوانٍ رَوانٍ فَلا هذِهِ

تُراعُ وَلا هذِهِ تُقْنَصُ

تَرى آمِناً فِيهِ سِرْبَ الظِّبا

ءِ وَالذِئْبُ ما بَيْنَها يَرْعَصُ

وَفوَّارَةٍ ما بَغى وَصْفَها

جَرِيرٌ وَلا رامَهُ الأَحْوَصُ

كَأَنَّ لَها مَطْلَباً فِي السَّما

ءِ فَهْيَ عَلى نَيْلِهِ تَحْرِصُ

إِذا ما وَفى قَدُّها بِالسُّمُوِّ

أَخْلَفَها عُنُقٌ يَوْقَصُ

وَتَوَّجَها الشَّرْبُ نارَنْجَةً

فَخِلْتُ الْمِذَبَّةَ تَسْتَخْوِصُ

مُشَجَّرَةَ الْماءِ نَخْلِيَّةٍ

كَجُمَّةِ شَمْطاءَ لا تُعْقَصُ

وَدَوْحٍ أَغانِيُّ قُرِيِّهِ

يَهُزُّ اللَّبِيبَ وَيَسْتَرْقِصُ

يَشُوقُ وَبَيِّنُهُ مُشْكِلٌ

وَيَشْجُو وَمُسْهِلُهُ أَعْوَصُ

وَرَوْضٍ جَلا النَّوْرَ خَشْخاشُهُ

تَحارُ لَهُ الْعَيْنُ أَوْ تَشْخَصُ

كَأَنَّ بِهِ مَعْشَراً وُقَّفاً

بِزِينَةِ عِيدٍ لَهُ أَخْلَصُوا

ص: 209

تَخالَفُ فِي الشّكْلِ تِيجانُهُمْ

وَتَحْكِي غَلائِلَها الأَقْمُصُ

فَمِنْ أَبْيَضٍ يَقَقٍ لَوْنُهُ

يَرُوقُكَ كافورُهُ الأَخْلَصُ

وَمِنْ أَحْمَرٍ شابَهُ زُرْقَةٌ

حَكى الْوَجَناتِ إِذا تُقْرَصُ

وَحِلْفَيْنِ مِثْلُهُما يُصْطَفى

لِيَوْمِ الْمُدامِ وَيُسْتَخْلَصُ

رَسِيلَيْنِ مَعْناهُما في الْغِناءِ

أَدَقُّ وَلَفْظُهُما أَلْخَصُ

يَظلُّ الْحَلِيمُ إِذا غَنَّيا

كَأَنَّ فَرائِصَهُ تُفْرصُ

وَبَيْنَ السُّقاةِ مَرِيضُ الْجُفُونِ

يَسُومُ الْقُلُوبَ فَيَسْتَرْخِصُ

غَنِيٌّ بِأَلْحاظِهِ لَوْ يَشاءُ

عَنِ الكَأْسِ لكِنَّهُ أَحْرَصُ

فَدُونَكُمُ فَاسْأَلُوا طَرْفَهُ

وَعَنْ خَبَرِي فِيهِ لا تَفْحَصُوا

إِذا ما غَدَوْنا عَلَى لَذَةٍ

فَحَظُّ مُفارِقَنا الأَنْقَصُ

مَحاسِنُ فِي حَسَناتِ الأَمِي

رِ تَصْغُرُ قَدْراً وَتُسْتَنْقَصُ

ص: 210

سَقى اللهُ مَنْ لَمْ يَزَلْ جُودُه

يَعُمُّ إِذا مَعْشَرٌ خَصَّصُوا

فَكائِنْ مَحا بِنَداهُ الْعُفاةُ

ذُنُوبَ الزَّمانِ وَكَمْ مَحَّصُوا

وَكُنْتُ إِذا عَنَّ بَحْرُ الْقَرِيضِ

فَإِنِّي عَلى دُرّهِ أَغْوَصُ

84

وقال أيضا، في مجلس سرايه، وقد أحصر سمع من ورد وفي ثمة وردة حمراء دون حسده جميعا، فأنشأ:

لَنا أَسَدٌ وَرْدٌ سَبانا بِهِ الْهَوى

وَما كانَ يُهْوى قَبْلَهُ الأَسَدُ الوَرْدُ

يُحَبَّبُ لِي مِنْ أَجْلِهِ كُلُّ ضَيْغَمٍ

هَصُورٍ وَتُصْبينِي إِلى قُرْبِها الأُسْدُ

لَهُ وَرْدَةٌ حَمْراءُ فِي فِيهِ غَضَّةٌ

يُرى عادِياً مِنْها وَإِنْ كانَ لا يَعْدُوا

كَلَيْثٍ قَرِيبٍ بِالْفَرِيسَةِ عَهْدُهُ

فَباقِي دَمِ الْمَفْرُوسِ فِي فَمِهِ يَبْدُو

ص: 211

85

وقال أيضا بديها:

لِلهِ نَيْلُ مَسَرَّةٍ ضَمِنَ الْهَوى

فَوَفى عَلى رَغْمِ النَّوى بِضَمانِهِ

سَمَحَ الزَّمانُ بِصَفْوِهِ وَجَرى بِنا

فِيهِ السُّرُورُ يَمُدُّ فِي مَيْدانِهِ

بِمُقَرْطَقٍ يَمْحُو إِساءَةَ صَدِّهِ

فَالْحِبُّ إِنَّ الْحُسْنَ مِنْ إِحْسانِهِ

الْوَرْدُ فِي وَجَناتِهِ وَالْخِمْرُ فِي

رَشَفاتِهِ وَالسِّحْرُ فِي أَجْفانِهِ

فَكَأَنَّما الرَّوْضُ اسْتَعارَ مَحاسِناً

مِنْ حُسْنِ صَنْعَتِهِ وَمَفْخَرِ شَانِهِ

فَلِثَغْرِهِ الْمَرْشُوفِ رِقَّةُ نَوْرِهِ

وَلِقَدِّهِ الْمَهْزُوزِ نَشْوَةُ بانِهِ

86

وقال بديها، وقد أمره الأمير بوصف منثور، حضر، أحمر وأصفر:

تَأَمَّلْ بَدائِعَ ما يَصْطَفِيكَ

بِهِ الرَّوْضُ مِنْ كُلِّ فَنٍّ عَجِيبِ

فَفِي نَظْمِ مَنْثُورِهِ قُرَّةُ ال

عُيُونِ وَفِيهِ حَياةُ الْقُلُوبِ

ص: 212

تَبِدَّتْ غَرائِبُ أَنْوارِهِ

تُلاقِي بِها كُلَّ حُسْنٍ وطِيبِ

فَمِنْ أَحْمَرٍ ضَمَّهُ أَصْفَرٌ

كَلَوْنِ الْمُحِبِّ وَلَوْنِ الْحَبِيبِ

تُلاصَقَ خَدَّاهُما لِلْعِناقِ

وَقَدْ وَجَدا غَفْلَةً مِنْ رَقِيبِ

87

وقال يرثي السلارقول بن الأمير عثمان، وكان قتل في البقاع سنة 501، ويعزي به الأمير عضب الدولة:

لَيْسَ الْبُكاءُ وَإِنْ أطِيلَ بِمُقْنِعِي

الْخَطْبُ أَعْظَمُ قِيمَةً مِنْ أَدْمُعِي

أَوَكلَّما أَوْدى الزَّمانُ بِمُنْفِسٍ

مِنِّي جَعَلْتُ إِلى الْمَدامِعِ مَفْزَعي

هَلاّ شَجانِي أَنَّ نَفْسِيَ لَمْ تَفِظْ

أَسَفاً وَأَنَّ حَشايَ لَمْ تَتَقطَّعِ

ص: 213

ما كان هذا الْقَلْبُ أَوَّلَ صَخْرَةٍ

مَلْمُومَةٍ قُرِعَتْ فَلَمْ تَتَصَدَّعِ

أَلْقى السِّلامَ عَلَى أَبَرَّ مُؤَمَّلٍ

وَحَثا التُّرابَ عَلَى أَغَرَّ سَمَيْدَعِ

يا لَلرِّجالِ لِنازِلٍ لَمْ يُحْتَسَبْ

وَلِحادِثٍ ما كانَ بِالْمُتَوَقَّعِ

ما خِلْتُنِي أَلْجا إِلى صَبْرٍ عَلَى

زَمَنٍ بِتَفْريقِ الأَحِبَّةِ مُولَعِ

تاللهِ ما جارَ الزَّمانُ وَلا اعْتَدى

بِأَشَدَّ مِنْ هذا الْمُصابِ وَأَوجَعِ

خَطْبٌ يُبَرِّحُ بِالْخُطُوبِ وَفادِحٌ

مَنْ لَمْ يَمُتْ جَزَعاً لَهُ لَمْ يَجْزَعِ

لا أَسْمَعَ النّاعِي فَأَيْسَرُ ما جَنى

صَدْعُ الْفُؤادِ بِهِ وَوَقْرُ الْمَسْمَعِ

يا قُولُ قَوْلَةَ مُكْمَدٍ مُسْتَنْزِرٍ

ماءَ الشُّؤُونِ لَهُ وَنارَ الأَضْلُعِ

شاكِي النَّهارِ إِذا تَأوَّبَ لَيْلُهُ

هَجَعَ السَّلِيمُ وَطَرْفُهُ لَمْ يَهْجَعِ

مَلآنَ مِنْ حُزْنٍ فَلَيْسَ لِتَرْحَةٍ

أَوْ فَرْحَةٍ بِفُؤادِهِ مِنْ مَوَِضعِ

يَبْكِي لَهُ مَنْ لَيسَ يَبْكِي مِنْ أَسىً

وَجْداً وَيُصْدَعُ قَلْبُ مَنْ لَمْ يُصْدَعِ

ص: 214

أَشْكُو إِلى الأَيّامِ فِيكَ رَزِيَّتِي

لَوْ تَسْمَعُ الأَيّامُ شَكْوى مُوجَعِ

وَأَبِيتُ مَمْنُوعَ الْقَرارِ كَأَنَّنِي

ما راعَنِي الْحَدَثانُ قَطُّ بأَرْوَعِ

وَرَنِينِ مَفْجُوعٍ لَدَيْكَ وَصَلْتُهُ

بَحَنِينِ باكِيَةٍ عَلَيكَ مُرَجَّعِ

غَلَبَ الأَسى فِيكَ الأُساةَ فَلا أَرى

مَنْ لا يُكاثِرُ عَبْرَتِي وَتَفَجُّعِي

فَإِذا صَبَرْتُ فقَدْتُ مِثْلِيَ صابِراً

وإِذا بَكَيْتُ وَجَدْتُ مَنْ يَبْكي مَعي

قَدْ غَضَّ يَوْمُكَ ناظِرِي بَلْ فَضَّ فَقْ

دُكَ أَضْلُعِي وَأَقَضَّ بُعْدُكَ مَضْجَعِي

أَخْضَعْتَنِي لِلنَّائِباتِ وَمَنْ يُصَبْ

يَوْماً بِمِثْلِكَ يَسْتَذِلَّ وَيَخْضَعِ

وَأهانَ خَطْبُكَ ما بِقَلْبِ مِنْ جَوىً

كَالسَّيْلِ طَمَّ عَلَى الغَدِيرِ الْمُتْرَعِ

يا قُولُ ما خانَ الْبَقاءُ وَإِنَّما

صُرِعَ الزَّمانُ غَداةَ ذاكَ المَصْرَعِ

ما كنْتُ خائِفَها عَلَيْكَ جِنايَةً

لَوْ كانَ هذا الدَّهْرُ يَعْقِلُ أَوْ يَعي

صُلْ بَعْدَها يا دَهْرُ أَوْ فَاكْفُفْ وَخُذْ

مَنْ شِئْتَ يا صَرْفَ المَنِيَّةِ أَوْدَعِ

قَدْ بانَ بِالْمَعْرُوفِ أَشْجى بائِنٍ

وَنَعى إِلَيْنا الجُودُ أَعْلى مَنْ نُعي

ص: 215

غاضَ الْحِمامُ بِزاخِرٍ مُتَدَفِّقٍ

وَهَوى الْحُسامُ بِباذِخٍ مُتَمَنِّعِ

منْ دَوْحَةِ الْحَسَبِ الْعَلِيِّ الْمُنْتَمى

وَسُلالَةِ الْكَرَمِ الْغَزِيرِ الْمَنْبَعِ

إِنْ أَظْلَمَتْ تِلْكَ السَّماءُ فَقَدْ خَلا

مِنْ بَدْرِها الأَبْهى مكانُ الْمَطْلَعِ

أَوْ أَجْدَبَتْ تِلْكَ الرِّباعُ فَبَعْدَما

وَدَّعْتَ تَوْدِيعَ الْغَمامِ الْمُقْلِعِ

أَعْزِزْ عَلَيَّ بِمِثْلِ فَقْدِكَ هالِكاً

خَلَعَ الشَّبابَ وَبُرْدَهُ لَمْ يَخْلَعِ

لَوْ أُمْهِلَتْ تِلْكَ الشَّمائِلُ لَمْ تَفَزْ

يَوْماً بِأَغْرَبَ مِنْ عُلاكَ وَأَبْدَعِ

قُلْ لِي لأَي فَضِيلَةٍ لَمْ تُبْكِنِي

إِنْ كانَ قَلْبِي ما بَكاكَ وَمَدْمَعِي

لِجَمالِكَ الْمَشْهُورِ أَمْ لِكَمالِكَ الْ

مَذْكورِ أَمْ لِنَوالِكَ الْمُتَبَرِّعِ

ما خالَفَ الإِجْماعَ فِيكَ مَقالَتِي

فَأُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ما أَدَّعِي

أَيُضَيِّعُ الْفِتْيانُ عَهْدَكَ إِنَّهُ

ما كنَ عِنْدَكَ عَهْدُهُمْ بِمُضَيَّعِ

قَدْ كُنْتَ أَمْرَعَهمْ لِمُرْتادِ النَّدى

كَفاً وَأَسْرَعَهُمْ إِلى الْمُسْتَفْزِعِ

ص: 216

حَلِيَتْ مَجالِسُهُمْ بِذِكْرِكَ وَحْدَهُ

وَعَطَلْنَ مِنْ ذاكَ الأَبِيِّ الأَرْوَعِ

وَالدَّهْرُ يَقْطَعُ بَعْدَ طُولِ تَواصُلٍ

وَيُشِتُّ بَعْدَ تَلاؤُمٍ وَتَجَمُّعِ

قُبْحاً لِعادِيَةٍ رَمَتْكَ فَإِنَّها

عَدَتِ الذَلِيلَ إِلى الأَعَزِّ الأَمْنَعِ

ما كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ ضَيْماً واصِلٌ

بِيَدِ الدَّنِيَّ إِلى الشَّرِيفِ الأَرْفَعِ

قَدَرٌ تَرَفَّعَ يَوْمَ رُزْثِكَ هَمُّهُ

فَرَمى إِلى الْغَرَضِ الْبَعِيدِ الْمَنْزَعِ

كَيْفَ الْغِلابُ وَكَيْفَ بَطْشُكَ واحِداً

فَرْداً وَأَنْتَ مِنَ الْعِدى فِي مَجْمَعِ

عَزَّ الدِّفاعُ وَما عَدِمْتَ مُدافِعاً

لَوْلا مَقادِرُ ما لَها مِنْ مَدْفَعِ

وَلَقَدْ لَقِيتَ الْمَوْتَ يَوْمَ لَقِيتَهُ

كَرَماً بِأَنْجَدَ مِنْهُ ثَمَّ وَأَشْجَعِ

عِفْتَ الدَّنِيَّةَ وَالْمَنِيَّةُ دُونَها

فَشَرعْتَ فِي حَدِّ الرِّماحِ الشُّرَّعِ

وَلَو أنَّكَ اخْتَرتَ الأَمانَ وَجَدْتَهُ

أَنى وَخَدُّ اللَّيْثِ لَيْسَ بِأَضْرَعِ

مَنْ كانَ مِثْلَكَ لَمْ يَمُتْ إِلاّ لقىً

بَيْنَ الصَّوارِمِ وَالْقَنا الْمُتَقَطِّعِ

ص: 217

جادَتْكَ وَاكِفَةُ الدُّمُوعِ وَلَمْ تَكُنْ

لَولاكَ مُخْجِلَةَ الْغُيُومِ الْهُمَّعِ

وَبَكاكَ مَنْهَلُّ الْغَمامِ فَإِنَّهُ

ما كانَ مِنْكَ إِلى السَّماحِ بِأَسْرَعِ

وتَعَهَّدَتْ مَغْناكَ سارِيَةٌ مَتى

تَذْهَبْ تَعُدْ وَمَتى تُفارِقْ تَرْجِعِ

تَغْشاكَ تائِقَةً تَزُورُ وَتَنْثَنِي

بِمُسَلِّمٍ مِنْ مُزْنِها وَمُوَدِّعِ

تَحْبُوكَ مَوْشِيَّ الرِّياضِ وَإِنَّما

تهْدِي الرَّبيعَ إِلى الرّبِيعِ الْمُمْرِعِ

لا يُطمِعِ الأَعداءَ يَوْمٌ سَرَّهُمْ

إِنَّ الرَّدى فِي طَيِّ ذاكَ الْمَطْمَعِ

الثَّأْرُ مَضْمُونٌ وَفِي أَيْمانِنا

بِيضٌ كخاطِفَةِ الْبُرُوقِ اللُّمَّعِ

وَذَوابِلٌ تَهْوِي إِلى ثُغَرِ الْعِدى

تَوْقَ الْعِطاشِ إِلى صَفاءِ الْمَشْرَعِ

قَدْ آنَ لِلدَّهْرِ الْمُضِلِّ سَبيلَهُ

أَنْ يَسْتَقِيمَ عَلى الطَّرِيقِ الْمَهْيَعِ

مُسْتَدْرِكاً غَلَطَ اللَّيالِي فِيكُمُ

مُتَنَصِّلاً مِنْ جُرْمِها الْمُسْتَفْظَعِ

أَفَغَرَّكُمْ أَنَّ الزَّمانَ أَجَرَّكُمْ

طِوَلاً بِغَيِّكُمُ الْوَخِيمِ الْمَرْتَعِ

هَلاّ وَمَجْدُ الدِّينِ قَدْ عَصَفَتْ بِكُمْ

عَزَماتُهُ بِالْغَوْرِ عَصْفَ الزَّعْزَعِ

ص: 218

وَغَداةَ عَلْعالَ الَّتِي رَوّتْكُمُ

بِالْبِيضِ مِنْ سَمِّ الضِّرابِ الْمُنْقَعِ

لا تَأْمَنُنَّ صَرِيمَةً عَضْبِيَّةً

مِنْ أَنْ تُقِيمَ الْحَقَّ عِنْدَ الْمَقْطَعِ

بِقَناً لِغَيْرِ رِداكُمُ لَمْ تُعْتَقَلْ

وَظُبىً لِغَيْرِ بَوارِكُمْ لَمْ تُطْبَعِ

يا خَيْرَ مَنْ سُمِّي وَأَكْرَمَ مَنْ رُجِي

وَأَبَرَّ مَنْ نُودِي وَأَشْرَفَ مَنْ دُعِي

إِنّا وَإِنْ عَظُمَ الْمُصابُ فَلا الأَسى

فِيهِ الْعَصِيُّ ولا السَّلُّوُ بِطَيِّعِ

لَنَرى بَقاءَكَ نِعْمَةً مَحْقُوقَةً

بِالشُّكْرِ ما سُقِيَ الأَنامُ وما رُعِي

ولَقَدْ عَلِمْتَ وَلَمْ تَكُنْ بِمُعَلَّمٍ

أَنَّ الأَسى وَالْوَجْدَ لَيْسَ بِمُنْجِعِ

هَيْهاتَ غَيْرُكَ مَنْ يَضِيقُ بِحادِثٍ

وَسِواكَ مَنْ يَعْيى بِحَمْلِ الْمُضْلِعِ

دانتْ لَكَ الدُّنْيا كَأَحْسَنِ رَوْضَةٍ

شُعِفَ النَّسِيمُ بِنَشْرِها الْمُتَضَوِّعِ

ص: 219

لا زالَ رَبْعُ عُلاكَ غَيْرَ مُعَطَّلٍ

أَبَداً وَسِرْبُ حِماكَ غَيْرَ مُرَوَّعِ

ما تاقَ ذُو شَجَنٍ إِلى سَكَنٍ وَما

وَجَدَ الْمُقِيمُ عَلاقَةً بِالْمُزْمِعِ

88

وقال بديها على السكر، في غلام كان يسقي في مجلس الأمير عضب الدولة رحمه الله، وعليه قباء أخضر:

المتقارب

سَقانِي بِعَيْنَيْهِ شِبْهَ الَّتي

بِكَفَّيْهِ هذا الأَغَنّْ الرَّشِيقُ

فَلمْ أَدْرِ أَيُّهُما الْمُسْكِرِي

وَأَيُّ الشَّرابَيْنِ مِنْهُ الرَّحِيقُ

بَدا فِي قَباءٍ لَهُ أَخْضَرٍ

كَما ضَمِنَ النَّوْرَ رَوْضٌ أَنِيقُ

وَقَدْ أَسِيَ الدُّرُّ مِنْ ثَغْرِهِ

وَأُخْجِلَ مِنْ وَجْنَتَيْهِ الشّقيقُ

فَما كِدْتُ مِنْ سَكْرَتِي أَنْ أُفِيقَ

وَكَيْفَ يُفِيقُ الْمُحِبُّ المَشُوقُ

عَلَى كَبِدِي مِنْهُ بَرْدُ الرِّضى

وَإِنْ كانَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ الْحَرِيقُ

وَلَسْتُ بِأَوَّلِ ذِي صَبْوَةٍ

تَحَمَّلَ فِي الْحُبِّ ما لا يُطِيقُ

ص: 220

89

وقال يمدح عضب الدولة:

المتقارب

سَلُوا سَيْفَ أَلْحاظِهِ الْمُمْتَشَقْ

أَعِنْدَ الْقُلُوبِ دَمٌ لِلْحَدَقْ

أَما مِنْ مُعِينْ وَلا عاذِرٍ

إِذا عَنُفَ الشَّوْقُ يَوْماً رَفَقْ

تَجَلى لَنا صارِمُ الْمُقْلَتَيْ

نِ ماضِي الْمُوَشَّحِ وَالمُنْتَطَقْ

مِنَ التُّرْكِ ما سَهْمُهُ لَوْ رَمى

بِأَقْتَلَ مِنْ لَحْظِهِ إِذْ رَمَقْ

تَعَلَّقْتُهُ وَكَأَنَّ الْجَمالَ

يُضاهِي غَرامِي بِهِ وَالْعَلَقْ

وَلَيْلَةَ راقَبْتُهُ زائراً

سَمِيرَ السُّهادِ ضَجِيعَ الْقَلَقْ

كَأَنِّي لِرِقْبَتِهِ حابِلٌ

دَنَتْ أُمُّ خَشْفٍ لَهُ مِنْ وَهَقْ

دَعَتْنِي الْمَخافَةُ مِنْ فَتْكِهِ

إِلَيْهِ وَكَمْ مُقْدِمٍ مِنْ فَرَقْ

وَقَدْ راضَتِ الكَأْسُ أخْلاقَهُ

وَوُقِّرَ بِالسُّكْرِ مِنْهُ النَّزَقْ

ص: 221

وَحُقَّ الْعِناقُ فَقَبَّلْتُهُ

شَهِيَّ الْمُقَبَّلِ وَالْمُعْتَنَقْ

وَباتَتْ ثَناياهُ عانِيّةَ ال

مُرَشَّفِ دارِيَّةَ الْمُنْتَشَقْ

وَبِتُّ أُخالِجُ شَكِّي بِهِ

أَزَوْرٌ طَرا أَمْ خَيالٌ طَرَقْ

أُفَكِّرُ فِي الْهَجْرِ كَيْفَ انْقَضى

وأَعْجَبُ لِلْوَصْلِ كَيْفَ اتَّفَقْ

فَللْحُبِّ ما عَزَّ مِنِّي وَهانَ

وَلِلْحُسْنِ ما جَلَّ مِنْهُ وَدَقّْ

لَقَدْ أَبِقَ الْعُدْمُ مِنْ راحَتَيَّ

لَمّا أَحَسَّ بِنُعْمى أَبَقْ

تَطاوَحَ يَهْرُبُ مِنْ جُودِهِ

وَمَنْ أَمَّه السَّيْلُ خافَ الْغَرَقْ

ص: 222

90

وقال بديها، وعضب الدولة يرمي في مجلس الشراب:

المتقارب

لَقَدْ غالَ نَبْلُكَ يا نابِلُ

وَقَصَّرَ عَنْ فِعْلِكَ الْقائِلُ

أَسَهْمُكَ حِينَ يُصِيبُ الْقَضا

ءُ أَمْ يَدُكَ الْقَدَرُ النّازِلُ

يَدٌ لِلنَّدى وَالرَّدى صَوْبُها

فَعَزْمُكَ مُحْيٍ بِها قاتِلُ

فَلَيْسَ يَطِيشُ لَها مُْسَلٌ

كَما لا يَخِيبُ لَها آمِلُ

91

وقال يرثي الأمير عضب الدولة (توفي ليلة عيد البحر سنة اثنتين وخمس مايه):

الوافر

أَبَعْدَكَ أَتَّقِي نُوَبَ الزَّمانِ

أَبَعْدَكَ أَرْتَجِي دَرَكَ الأَمانِي

أَيَجْمُلُ بِيَ الْعَزاءُ وَأَنْتَ ثاوٍ

أَيَحْسُنُ بِي الْبَقاءُ وَأَنْتَ فانِ

لِكُلِّ رَزِيَّةٍ أَلَمٌ وَمَسٌّ

وَلا كَرَزِيَّةِ الْمَلِكَ الهِجانِ

ص: 223

وما أَنا بِالرَّبِيطِ الْجَأْشِ فِها

فَأَسْلُوَهُ وَلا الثَّبْتِ الْجَنانِ

أُلامُ عَلَى امْتِناعِ الشِّعْرِ مِنِّي

وَما عِنْدَ اللَّوائِمِ ما دَهانِي

أَلِي قَلْبٌ أَلِي لُبٌّ فَأَمْضِي

مَضاءَ السَّيْفِ فِهِ وَالسِّنانِ

كَفى بِدَلِيلِ حُزْنِي أَنَّ دَمْعِي

أَطاعَ وَأَنَّ فِكْرِيَ قَدْ عَصانِي

إِذا خَطَرَتْ لِمَجْدِ الدِّينِ ذِكرى

وَجَدْتُ الشِّعْرَ حَيْثُ الشِّعْرَيانِ

وَما إِنْ ذاكَ تَقْصِيرٌ بِحَقٍّ

وَلكِنَّ الأَسى قَيْدُ اللِّسانِ

وَمَنْ كَمُصِيبَتِي وَعَظِيمِ رُزْئِي

أُصِيبَ وَمَنْ عَراهُ كَما عَرانِي

أَعَضْبَ الدَّوْلَةِ اخْتَرَمَتْكَ مِنّا

يَدٌ ما لِلأَنامِ بِها يَدانِ

وكُنْتَ السَّيْفَ تُشْحَذُ شَفْرَتاهُ

لِفَلِّ كَتِيبَةٍ وَلِفكِّ عانِ

فَقُطِّعَ بِالنَّوائِبِ صَفْحَتاهُ

وَفُلِّلَ بِالْخُطُوبِ الْمَضْرِبانِ

ص: 224

سَحابٌ لِلأَباعِدِ مُسْتَهِلُّ

وَبَحْرٌ مُسْتَفِيضٌ لِلأَدانِي

وَبَدْرٌ لَوْ أَضاءَ لَما أَسِينا

عَلى أَنْ لا يُضِيءَ النَّيِّرانِ

سَأُنْفِقُ ما بَقِيتُ عَلَيْكَ عُمْرِي

بُكاءً شَأْنُهُ أَبَداً وَشانِي

وَلَو أَنِّي قَتَلْتُ عَلَيْكَ نفْسِي

مُكافاةً لِحقِّكَ ما كَفانِي

92

وقال يمدح تاج الملوك:

الطويل

هُوَ الرَّسْمُ لَوْ أَغْنى الْوُقُوفُ عَلَى الرَّسْمِ

هُوَ الْحَزْمُ لَوْلا بُعْدُ عَهْدِكَ بِالْحَزْمِ

ص: 225

تَجاهَلْتُ عِرْفانِي بِهِ غَيْرَ جاهِلٍ

وَلِلشَّوْقِ آياتٌ تَدُلُّ عَلى عِلْمِي

وَوَاللهِ ما أَدْرِي أَبَوْحِيَ نافِعِي

عَشِيَّةَ هاجَتْنِي الْمَنازِلُ أَمْ كَتْمِي

عَشِيَّةَ جُنَّ الْقَلْبُ فِيها جُنُونُهُ

وَنازَعَنِي شَوْقِي مُنازَعَةَ الْخَصْمِ

وَقَفْتُ أُدارِي الْوَجْدَ خَوْفَ مَدامِعٍ

تُبِيحُ مِنَ السِّرِّ الْمُمَنَّعِ ما أَحْمِي

أُغالِبُ بِالشَّكِّ الْيَقِينَ صَبابَةً

وَأَدْفَعُ فِي صَدْرِ الْحَقِيقَةِ بِالْوَهْمِ

فَلَمّا أَبى إِلاّ البُكاءَ لِيَ الأَسى

بَكَيْتُ فَما أَبْقَيْتُ لِلرَّسْمِ مِنْ رَسْمِ

وَما مُسْتَفِيضٌ مِنْ غُرُوبٍ تَنازَعَتْ

عُراها السَّوانِي فَهْيَ سُجْمٌ عَلَى سُجْمِ

بِأَغْزَرَ مِنْ عَيْنَيَّ يَوْمَ تَمَثّلَتْ

عَلَى الظَّنِّ أَعْلامَ الْحِمى وَعَلى الرَّجْمِ

كَأَنِّي بِأَجْزاعِ النَّقِيبَةِ مُسْلَمٌ

إِلى ثائِرٍ لا يَعْرِفُ الصَّفْحَ عَنْ جُرْمي

لَقَدْ وَجَدَتْ وَجْدِي الدِّيارُ بِأَهْلِها

وَلَو لَمْ تَجِدْ وَجْدِي لَما سَقِمتْ سُقْمِي

عَلَيْهِنَّ وَسْمٌ لِلْفِراقِ وَإِنَّما

عَلَيَّ لَهُ ما لَيْسَ لِلنّارِ مِنْ وَسْمِ

ص: 226

وَكَمْ قَسَمَ الْبَنِيْنُ الضَّنى بَيْنَ مَنْزِلٍ

وَجِسْمٍ وَلكِنَّ الْهَوى جائِرُ الْقَسْمِ

مَنازِلُ أَدْراسٌ شَجانِي نُحُولُها

فَهَلاّ شَجاها ناحِلُ الْقَلْبِ وَالْجِسْمِ

سَقاها الْحَيا قَبْلِي فَلَمّا سَقَيْتُها

بِدَمْعِي رَأَتْ فَضْلَ الْوَلِيِّ عَلَى الْوَسْمِي

وَلَوْ أَنَّنِي أَنْصَفْتُها ما عَدَلْتُها

عَنِ الكَرَمِ الْفَيَّاضِ والنّائِلِ الْجَمِّ

إِذا ما نَدى تاجِ الْمُلُوكِ انْبَرى لَها

فَما عارِضٌ يَنْهَلُّ أَوْ دِيمَةٌ تَهْمِي

هُوَ الْمَلْكُ أَمّا حاتِمُ الْجُودِ عِنْدَهُ

فَيُلْغى وَيُنْسى عِنْدَهُ أَحْنَفُ الْحِلْمِ

يَجِلُّ عَنِ التَّمْثِيلِ بِالْماطِرِ الرِّوى

وَيَعْلُو عَنِ التَّشْبِيهِ بِالْقَمَرِ النِّمِّ

ويكرم أن نرجوه للأمر هيناً

ويشرف أن ندعوه بالماجد القرم

إِذا نَحْنُ قُلْنا الْبَدْرُ وَالْبَحْرُ وَالْحَيا

فَقَدْ ظُلِمَتْ أَوْصافُهُ غايَةَ الظُّلْمِ

وَأَيْسَرُ حَقٍّ لِلْمكارِمِ عِنْدَهُ

إِذا هُوَ عَدَّ الْغُرْمَ فِيها مِنَ الْغُنْمِ

يَرُوحُ سَلُوباً لِلنُّفُوسِ مَعَ الْوَغى

وَيَغْدُو سَلِيباً لِلثَّناءِ مَعَ السِّلْمِ

وَلا يَعْرِفُ الإِحْجامَ إِلا عَنِ الْخَنا

وَلا يُنْكِرُ الإِقْدامَ إِلاّ عَلَى الذَّمَّ

خَفِيفٌ إِلى الْعَلْياءِ وَالْحَمْدِ وَالنَّدى

ثَقِيلٌ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالبَغْيِ وَالإثْمِ

ص: 227

سَرِيعٌ إِلى الدّاعِي بَطِيءٌ عَنِ الأَذى

قَرِيبٌ مِنَ الْعافِي بَعِيدٌ مِنَ الوَصْمِ

هُمامٌ إِذا ما ضافَهُ الْهَمُّ لَمْ يَجِدْ

سِوى الْمَجْدَ شَيْئاً باتَ مِنْهُ عَلَى هَمِّ

إِذا ذُكِرَ الأَحْبابُ كانَ ادِّكارُهُ

شِفارَ الْمَواضِي أَوْ صُدُورَ الْقَنا الصُّمِّ

يَرى الْمالَ بَسلاماً ما عَداها وَلَمْ يَكُنْ

لِيَطْعَمَ لَيْثٌ دُونَ فَرْسٍ وَلا ضَغْمِ

وَكَمْ فِي ظُباها مِنْ ظِباءٍ غَرِيرَةٍ

وَفِي قَصَبِ الْمُرّانِ مِنْ قَصَبٍ فَعْمِ

إِذا قارَعَ الأَعْداءَ وَالْخَصْمَ لَمْ يَقِفْ

عَلَى غايَةٍ بَيْنَ الشَّجاعَةِ وَالْحَزْمِ

يُعَوِّلُ مِنْهُ الْعَسْكَرُ الدَّهْمُ فِي الْوَغى

عَلَى واحِدٍ كَمْ فيهِ مِنْ عَسْكَرٍ دَهْمِ

إِذا حَلَّ فَالأَمْوالُ لِلْبَذْلِ وَالنَّدى

وَإِنْ سارَ فَالأَعْداءُ لِلذُّلِّ وَالْوَقَمِ

حُسامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ابْنُ سَيْفِهِ

فَيا لَكَ مِنْ فَرْعٍ وَيا لَكَ مِنْ جِذْمِ

مُكابِدُ أَيّامِ الْجِهادِ وَمَوْئِلُ الْ

عِبادِ وَحامِيهِمْ وَقْدْ قَلَّ مَنْ يَحْمِي

وَمُقْتَحِمُ الأَجْبالِ يَوْمَ تَمَنَّعَتْ

ذِئابُ الأَعادِي فِي ذَوائِبِها الشُّمِّ

ص: 228

غَداةَ يَغُورُ السَّهْمُ فِي السُّهْمِ وَالقَنا

بِحَيْثُ الْقَنا وَالْكَلْمُ فِي مَوْضِعِ الْكَلْمِ

وَلا فَرْقَ فِيها بَيْنَ عَزْمٍ وَصارِمٍ

كَأَنَّ الظُّبى فِيها طُبِعْنَ مِنَ الْعَزْمِ

وَما يَوْمُهُ فِي الْمُشْرِكِينَ بِواحِدٍ

فَنَجْهَلَهُ وَالْعالَمُونَ ذَوُو عِلْمِ

وَقَدْ عَجَمَ الأَعْداءُ مِنْ قَبْلُ عُودَهُ

فَأَدْرَدْهُم وَالنَّبْعُ مُمْتَنِعُ الْعَجْمِ

سَمَوْتُ إِلى الْفَخْرِ الشَّرِيفِ مَقامُهُ

وَمِثْلِيَ مَنْ يَسْمُو إِلَيْهِ وَمَنْ يُسْمِي

وَكُنْتُ عَلَى حُكْمِ النَّوائِبِ نازِلاً

فَأَنْزَلَها تاجُ الْمُلُوك عَلَى حُكْمِي

وَما الْعُذْرُ عِنْدِي بَعْدَ أَخْذِي بِحَبْلِهِ

إِذا قَدَمي لَمْ أُوْطِها هامَةَ النَّجْمِ

إِذا ما نَظَمْتُ الْحَمْدَ عِقْداً لِمَجْدِهِ

تَمَنَّتْ نُجُومُ اللَّيْلِ لَوْ كُنَّ مِنْ نَظْمِي

وَكَمْ لِلْمَعالِي مِنْ مَعالٍ بِمَدْحِهِ

وَلِلشَّرَفِ الْمَذْكُورِ مِنْ شَرَفٍ فَخْمِ

أَلا لَيْتَ لِي ما حاكَهُ كُلُّ قائِلٍ

وَما سارَ فِي عُرْبٍ مِنَ الْمَدْحِ أَوْ عُجْمِ

فَأُثْنِي عَلى الْعِيسِ الْعِتاقِ لِقَصْدِهِ

بِما جَلَّ مِنْ فِكْرِي وَما دَقَّ مِنْ فَهْمِي

فَلَمْ أَقْضِ إِبْلاً أَوْصَلَتْنِيهِ حَقَّها

وَلوْ عُفِّيَتْ مِنْها الْمَناسِمُ بِاللَّثْمِ

ص: 229

إِلَيْكَ ابْنَ النّاسِ ظَلَّتْ رِكابُنا

كَأَنَّ عَلَيْها السَّيْرَ حَتْمٌ مِنَ الْحَتْمِ

إِلى مَلِكٍ ما حَلَّ مِثْلُ وَقارِهِ

عَلَى مَلِكٍ صَتْمٍ وَلا سَيِّدٍ ضَخْمِ

جَوادٌ وَما جادَتْ سَماءٌ بِقَطْرِها

كَرِيمٌ وَما دارَتْ عَلَيْهِ ابْنَةَ الْكَرْمِ

تَخَوَّنَتِ الأَيّامُ حالِي وَأَقْسَمَتْ

عَلَيَّ اللَّيالِي أَنْ أَعِيشَ بِلا قِسْمِ

وَلَمْ يُبْقِ مِنِّي الدَّهْرُ إِلاّ حُشاشَةً

وَإِلاّ كَما أَبْقى نَداكَ مِنَ الْعُدْمِ

رَمى غَرَضَ الدُّنْيا هَوايَ فَلَمْ يُصِبْ

وَكَمْ غَرَضْ مِنْها أُصِيبَ وَلَمْ أَرْمِ

وَما بَعْدَ إِفْضائِي إِلَيْكَ وَمَوْقِفِي

بِرَبْعِك مِنْ شَكْوىً لِدَهْرٍ وَلا ذَمِّ

وَها أَنا ذا قَدْ قُدْتُ وُدِّي وَمُهْجَتِي

إِلى ذا النَّدى قَوْدَ الذَلُول بِلا خَزْمِ

لِتَبْسُطَ بالْمَعْرُوفِ ما كَفَّ مِنْ يَدِي

وَتَجْبُرَ بِالإِحْسانِ ما هاضَ مِنْ عَظْمِي

ص: 230

93

وقال أيضا يمدحه:

أَمّا الْعُفاةُ فَأَنْتَ خَيْرُ رَجائِها

وَالْمَكْرُماتُ فَأَنْتَ بَدْرُ سَمائِها

ما أَحْسَنَتْ بِكَ ظَنَّها فِي رَغْبَةٍ

أَوْ رَهْبَةٍ فَعَداكَ حُسْنُ ثَنائِها

لَوْلاكَ يا تاجَ الْمُلُوكِ لَعَزَّها

مَلِكٌ يُجِيبُ نَداهُ قَبْلَ نِدائِها

أَحْيَيْتَها قَبْلَ السُّؤالِ بِأَنْعُمٍ

رَدَّتْ وُجُهَ السّائِلِينَ بِمائِها

حَمْداً لأَيامٍ سَما بِكَ فَخْرُها

أَنى تُذَمُّ وَأَنْتَ مِنْ أَبْنائِها

مَنْ ذا يقُومُ بِشُكْرِها وَعُلاكَ مِنْ

حَسَناتِها وَنَداكَ مِنْ آلائِها

مَعَ أَنَّنِي أَبْغي دُيُوناً عِنْدَها

مَمْطُولَةً هذا أَوانُ قَضائِها

وَكَفى بِزَفِّي كُلَّ بِكرٍ حُرَّةٍ

لَوْلاكمَ ما زُفَّتْ إِلى أَكْفائِها

ص: 231

سَعِدَتْ بِكَ الأَقْمارُ جاراً فَلْتَفُزْ

بِمُجاوِرِ الأَقْمارِ فِي عَلْيائِها

أَشْبَهْتَها فِي سَعْدِها وَعُلُوِّها

وَبَهائِها فَبَقِيتَ مِثْلَ بِقائِها

94

وقال بديها في مجلس شرابه:

البسيط

نَبِي الْعُلى وَالنَّدى ما لِي صَفَتْ وَضَفَتْ

عِنْدِي لَكُمْ طُرَفُ الأَشْعارِ وَالمُلَحُ

إِنِّي لَرَبُّ الْقَوافِي فِي زَمانِكُمُ

وَقَدْ سَأَلْتُ اقْتِراحَ الْقَوْمِ فاقْتَرِحُوا

مَعْنىً بَلِيغاً وَالْفاظاً يَرُقْنَ وَأَغْ

راضاً يَفُقْنَ وَبَحْراً لَيْسَ يُنْتَزَحُ

وَما يَكادُ يُدِيرُ الْفِكْرُ أَكْؤُسَهُ

إِلاّ بِحَيْثُ يَدُورُ اللُّهْوُ وَالْقَدَحُ

أَلا تَرَونَ وُجُوهَ الْعَيْشِ مُقْبِلَةً

تُزْهى وَصَدْرَ الأَمانِي وَهْوَ مُنْشَرِحُ

وَالْيَوْمَ يَوْمٌ يُرِينا الشَّمْسَ ضاحِكَةً

طَوْراً وَدَمْعَ الْغَوادِي وَهْوَ مُنْسَفِحُ

ص: 232

وَالنّايُ كَالنَّأْيِ في قَلْبِ المُحِبِّ وَلِلْ

أَوْتارِ فِي كُلِّ سَمْعٍ أَلْسُنٌ فُصُحُ

وَمُسْمِعِينَ إِذا مَرَّتْ لَهُمْ نَغَمٌ

كادَتْ لَهُنَّ قُلُوبُ القَوْمِ تَنْجَرِحُ

لا تَعْذِرَنَّ بَنِي اللَّذّاتِ إِنْ نَزَعُوا

عَنْهَا فَأَفْسَدُ ما كانُوا إِذا صَلُحُوا

وَفِي ذُرى الْمَجْدِ مِنْ تاجِ الْمُلُوكِ فَتىً

بِالْعِزِّ مُغْتَبِقٌ بِالسَّعْدِ مُصْطَبِحُ

الْيَوْمَ حَصَّنَ مَدْحِي بَعْدَ بِذْلَتِهِ

مَلْكٌ بِهِ تَفْخَرُ الأَيّامُ وَالْمِدَحُ

مَلْكٌ إِذا انْهَلَّ فِي بَأْسٍ وَفَيْضِ نَدىً

فَاللَّيْثُ مُهْتَصِرٌ والْغَيْثُ مُفْتَضِحُ

بَدْرٌ لَوَانَّ لِبَدْرِ الأُفْقِ بَهْجَتَهُ

أَضْحى بِهِ اللَّيْلُ مِثْلَ الصُّبْحِ يَتَّضِحُ

حارَ الثُّناءُ فَما يَدْرِي أَغايَتُهُ

أَعْراقُهُ الْبِيضُ أَمْ أَخْلاقُهُ السُّجُح

لَوْ لَمْ تَكُنْ أَوْحَدَ الأَقْوامِ كُلِّهِمِ

لَقُلْتُ إِنَّ الْمَعالِي وَالنَّدى مِنَحُ

أَمّا الزَّمانُ فَقَدْ أَضْحى بِدَوْلَتِهِ

نَضْراً حَكى الرَّوْضَ وَالطُّلابُ قَدْ نَجَحُوا

وَالْعَيْشُ مُتَّسِعٌ وَالأَمْنُ مُقْتَبَلٌ

وَاللَّهْوُ مُسْتَخْلَصٌ والْهَمُّ مُطَّرَحُ

ص: 233

95

وقال بديها في مجلس شرابه بالميدان:

الطويل

أَلا هكَذا فَلْيُحْرِزِ الْحَمْدَ وَالأَجْرا

وَيَحْوِ جَميلَ الذِّكْرِ مَنْ طَلَبَ الذِّكْرا

لَقَدْ كَرَّمَ اللهُ ابْنَ دَهْرٍ تَسُودُهُ

وَشَرَّفَ يا تاجَ الْمُلُوكِ بِكَ الدَّهْرا

وَمَنَّ عَلَى هذا الزَّمانِ وَأَهْلِهِ

بِأَرْوَعَ لا يَعْصِي الزَّمانُ لَهُ أَمْرا

حُسامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ تَكنْ

حُساماً لَهُ فَلْيَقْتُلِ الْخَوْفَ وَالْفَقْرا

هَزَزْناكَ لَدْناً وانْتَضَيْناكَ صارِماً

فَطُلْتَ الْقَنا صُمَّاً وَغُلْتَ الظُّبى بُتْرا

حُساماً نَرى في صَفْحِهِ الصَّفْحَ وَالنَّدى

وَفِي حَدِّهِ الْجَدَّ الْمُظَفَّرَ والنَّصْرا

وَفِي قُرْبِهِ الزُّلْفى وَفِي نَيْلِهِ الْعُلى

وَفِي حُكْمِهِ الْبُقْيا وَفِي ظِلِّهِ الْيُسْرا

ص: 234

فَتىً لا يَرى إِلاّ الْمَحامِدَ مَغْنَماً

وَلا يَقْتَنِي إِلاّ الثَّناءَ لَهُ ذُخْرا

وَمُقْرَبَةً جُرْداً وَزُغْفاً سَوابِغاً

وَهِنْدِيَّةً بِيضاً وَخَطِّيَّةً سُمْرا

إِذا صالَ بَأْساً قَطَّعَ الْبِيضَ وَالْقَنا

وَإِنْ فاضَ جُوداً بخَّلَ الدَّيَمَ الْغُزْرا

لَعَمْرِ لَئِنْ أَعْدَتْ أَنامِلُكَ الْحَيا

سَماحاً لَقَدْ أَعْدَتْ شَمائِلُكَ الْخَمْرا

وَكائِنْ مَنَحْتَ الرّاحَ مِنْ خُلْقِكَ الصَّفا

وَأَكْسَبْتَها مِنْ نَشْرِكَ الطَّيِّبِ النَّشْرا

وَأَوْدَعْتَها مِنْ حَدِّ بَأْسِكَ سَورَةً

وَعَلَّمْتَها مِنْ أَرْيَحِيَّتِكَ السُّكْرا

كَأَنَّ الثُّرَيّا تَلْثِمُ الْبَدْرَ كُلَّما

تَمَطَّقْتَها فِي الْكَأْسِ عانِسَةً بِكْرا

أَبا الأَْنجُمِ الزُّهْر الأُولى لَوْ تَحَلَّتِ السَّ

ماءُ بِهِمْ لَمْ تَحْفِلِ الأَنْجُمَ الزُّهْرا

إِذا واحدٌ مِنْهُمْ جَلَتْهُ مَخِيلَةٌ

تَبَيَّنْتَ فِي أَعْطافِهِ الْعَسْكَرَ الْمَجْرا

وَكَمْ لَيْثِ غابٍ كانَ شِبلاً مُرَيَّناً

وَعادِيِّ نَبْعِ قَدْ غَدا غُصُناً نَضْرا

رَجَوْتُكَ بَحْراً يُخْجِلُ الْبَحْرَ نائِلاً

وَزُرْتُكَ بَدْراً جَلَّ أَنْ يُشْبِهَ الْبَدْرا

وَقَدْ خَطَبَ الأَمْلاكُ مَدْحِي فَصُنْتُهُ

لأكْرَمِهِمْ نَجْراً وَأَشْرَفهِمْ قَدْرا

ص: 235

وَما كانَ لِي أَنْ لا أَزُفَّ عَرائِسِي

إِلَيْكَ وَقَدْ أَغْلَيْتَها دُونَهُمْ مَهْرا

جَعَلْتُ لَها مِنْ مَدْحِكَ الْفاخِرِ الْحُلى

وَمِنْ جُودِكَ النُّعْمى وَمِنْ ظِلِّكَ الْخِدْرا

وَإِنْ طالَ عُمْرٌ لَمْ تُقَصِّرْ غَرائِبٌ

يَعُزُّ اللَّيالِي أَنْ تُطاوِلَها عُمْرا

بَدائِعُ إِنْ بَغْدادُ هامَتْ بِحُبِّها

فَفَدْ تَيَّمَتْ مِنْ قَبْلِها وَشَجَتْ مِصْرا

وَوَاللهِ لا أَغْبَبْتُ شُكْراً وَسَمْتُهُ

بِمَدْحِكَ ذا ما اسْتَوجَبَ الْمُحْسِنُ الشُّكْرا

لِيَلْبَسَ جِيدُ الْمَجْدَ مِنْ حَلْيِ مَنْطِقِي

قَلائِدَ دُرٍّ تَزْدَرِي عِنْدَهُ الدُّرّا

إِذا قُلْتُ فِي تاجِ الْمُلُكِ قَصِيدَةً

مِنَ الشِّعْرِ قالُوا قَدْ مَدَحْتَ بِهِ الشِّعْرا

96

وقال أيضاً يمدحه، وأنشده إياها في عيد البحر سنة أربع عشرة وخمس مائة:

الوافر

أَلَمْ تَكُ لِلْمُلُوكِ الْغُرِّ تاجا

وَلِلدُّنْيا وَعالَمِها سِراجا

أَلَمْ تَحْلُلْ ذُرى الْمَجْدِ الْتِهاماً

بِغاياتِ الْمَكارِمِ وَالْتِهاجا

لَقَدْ شَرُفَ الزَّمانُ بِكَ افْتِخاراً

كَما سَعِدَ الأَنامُ بِكَ ابْتِهاجاً

رَأَوْا مَلِكاً أَنامِلُهُ بِحارٌ

مَنَ الْمَعْروفِ تَلْتَجُّ الْتِجاجا

ص: 236

حَقِيقاً أَنْ يُجابَ عَلَى اللَّيالِي

بِهِ ثَوْبُ الثُّناءِ وَأَنْ يُساجا

يَكادُ الْغَيْثُ يُشْبِهُهُ سَماحاً

إِذا انْهَلَّ انْسِفاحاً وَانْثِجاجا

أَغَرُّ يهِيجُ طِيبُ الذِّكْرِ مِنْهُ

هَوىً بِرَجائِهِ ما كانَ هاجا

تَبِيتُ رِكابُنا ما يَمَّمَتْهُ

تُخالِجُنا أَزِمَّتَها خِلاجا

كأَنَّ الْعِيسَ خابِرَةٌ إِلى مَنْ

بِنا تَطْوِي الْمَخارِمَ وَالْفِجاجا

كَأَنَّ الْفَوْزَ بِالآمالِ تُمْسِي

إِلَيْهِ النَّاجِياتُ بِهِ تُناجا

مَلِيٌّ حِينَ يُنْذَرُ بِالأَعادِي

وَأَمضى الْعالَمِينَ إِذا يفاجا

يَرُوحُ وَخَيْلُهُ تَخْتالُ تِيهاً

بِأَشْجَعِ مَنْ بِها شَهِدَ الْهِياجا

وَما الْمِسْكُ السَّحِيقُ إِذا امْتَطاها

بِأَهْلٍ أَنْ يَكُونَ لهَا عَجاجا

يَطُولُ بِها الثَّرى إِنْ صافَحَتْهُ

وَإِنْ سَلَكَتْ بِهِ سُبُلاً فِجاجا

كَأَنَّ بِسَهْلِهِ وَالْحَزْنِ مِنْها

عِضاضاً لِلسَّنابِكِ أَوْ شِجاجا

مَدَدْتَ إِلى اقْتِناءِ الْحَمْدِ كَفَّاً

طِمى بَحْرُ السَّماحِ بِها وَماجا

ص: 237

وَغادَرْتَ الْعَوالِيَ بِالْمَعالِي

كَخِيسِ اللَّيْثِ عَزَّ بِهِ وِلاجا

وَأَنْتَ جَعَلْتَ بَيْنَهُما انْتِساباً

بِما آلى إِباؤُكَ وَانْتِساجا

ضَرَبْتَ مِنَ الظُّبى سُوراً عَلَيْها

وَمِنْ شَوْكِ الرِّماحِ لَها سِياجا

وَلَمْ تَقْنُ الْقَنا يَوْماً لِتَقْضِي

بَغِيْرِ صُدُورِها لِلْمَجْدِ حاجا

وَلَوْلا الطَّعْنُ فِي الْهَيْجاءِ شَزْراً

لَما فَضَلَتْ أَسِنَّتُها الزِّجاجا

إِذا داءٌ مِنَ الأَيّامِ أَعْيا

عَلَى الأَيّامِ طِبَّاً أَوْ عِلاجا

أَعَدْتَ لَهُ بِبِيضِ الهِنْدِ كَيَّاً

وَأَشْفى الْكَيَّ أَبْلَغُهُ نِضاجا

وَكَمْ سَيْلٍ ثَنَيْتَ بِها وَمَيْلٍ

أَقَمْتَ فَلَمْ تَدَعْ فِيهِ اعْوِجاجا

وَقِيلٍ قَدْ دَلَفْتَ لَهُ بِخَيْلٍ

كَشُهْبِ الْقَذْفِ تَرْتَهِجُ ارْتِهاجا

كَأَنَّ دَبىً وَرِجْلاً مِنْ جَرادٍ

بِها وَالْغابَ يُرْقِلُ وَالْحِراجا

عَصَفْنَ بِعِزِّهِ وَضَرَبْنَ منْهُ

مَعَ الهامِ الْمَعاقِدَ وَالْوِداجا

وَكُنْتَ إِذا عَلَوْتَ مَطا جَوادٍ

مَلأْتَ الأَرْضَ أَمْناً وانْزِعاجا

ص: 238

وَكَمْ أَحْصَدْتَ مِنْ عَقْدٍ لِجارٍ

وَلا كَرَباً شَدَدْتَ وَلا عِناجا

إِذا باتَتْ لأبناءٍ عِظامٍ

بَناتُ الصَّدْرِ تَعْتَلِجُ اعْتِلاجا

جَزاكَ اللهُ نَصْراً عَنْ مَساعٍ

حَمَيْنَ الدِّينَ عِزّاً أَنْ يُهاجا

فَلَمْ تَكُ إِذْ تَمُورُ الأَرْضُ مَوْراً

وَتَرْتَجُّ الْجِبالُ بِها ارْتِجاجا

لِثَغْرِ مَخُوفَةٍ إِلاّ سِداداً

وَبابِ مُلِمَّةٍ إِلاّ رِتاجا

وَلَمْ تَضِقِ الْخُطُوبُ السُّودُ إِلا

جَعَلْنا مِنْ نَداكَ لَها انْفِراجا

كَفى ظُلَمَ النَّوائِبِ واللَّيالِي

بِبَهْجَتِكَ انْحِساراً وَانْبِلاجا

وَحَسْبُ الْعِيدِ عِيدٌ مِنْكَ يَحْظى

بِهِ ما عادَ مُرْتَقِباً وَعاجا

فَدُمْتَ لَهُ وَلِلنِّعَمِ اللَّواتِي

غدَوْتَ بِها لِرَبِّ التَّاجِ تاجا

ص: 239

تَجِلُّ حِلىً إِذا ما الْقَطْرُ حَلى

بِرَيِّقِهِ الأَناعِمَ وَالنَّباجا

إِذا ما كُنْتَ تاجَ عُلىً فَمَنْ ذا

يَكُونُ لَكَ الْجَبِينَ أَوِ الْحَجاجا

إِلَيْكَ زَفَفْتُ أَبْكارَ الْقَوافِي

وُحاداً كَالْفَرائِدِ أَوْ زَواجا

سَوامِي الْهَمِّ لا تَعْدُوكَ مَدْحاً

إِذا اخْتَلَجَ الضَّمِيرُ بها اخْتِلاجا

تَزُورُ عُلاكَ مَرَّاً وانْثِناءً

وَقَصْداً بِالْمَحامِدِ وانْعِراجا

فَكَمْ شادٍ لَها طَرِبٍ وَحادٍ

بها غَرِدٍ بُكُوراً وادِّلاجا

وَكَمْ راوٍ كَأَنَّ بِفِيهِ مِنْها

مُجاجَ النَّحْلِ حُبَّ بِهِ مُجاجا

يَزِيدُ بِها الشَّجِيُّ شَجىً وَبَثّاً

وَيَهْتاجُ الْخَلِيُّ بِها اهْتِياجا

أَقُولُ بِحَقِّ ما تُسْدِي وَتُولِي

وَلَيْسَ بِحَقّ مَنْ حابى وَداجا

ص: 240

وَأَنْتَ أَعَدْتَ لِي بِيضاً حِساناً

لَيالِيَ دَهْرِيَ السُّودَ السِّماجا

أَتَيْتُكَ لَمْ أَدَعْ لِلْحَظِّ عُذْراً

إِلَيَّ وَلا عَلَيَّ لَهُ احْتِجاجا

وَلَمْ أَجْعَلْكَ دُونَ الْخَلْقِ قَصْدِي

لِتَجْعَلَ لِي إِلى الْخَلْقِ احتِياجا

أُقِيمُ عَلَى الصَّدى ما لَمْ يُهَبْ بِي

إِلى الْوِرْدِ الْكَرِيمِ وَلَمْ يُجاجا

فَكَمْ جاوَزْتُ مِنْ عَذْبٍ زُلالٍ

إِلَيْكَ أَعُدُّهُ ملْحاً أُجاجا

إِلى مَلِكٍ سَقى الإِحْسانَ صِرْفاً

فَلَمْ يَذَرِ الْمِطالَ لَهُ مِزاجا

سَنِيِّ الْبَذْلِ ما حَمَلَتْ تَماماً

مَواعِدُهُ وَلا وَضَعَتْ خِداجا

وَخَيْرُ لَقائِحِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ النَّ

دى ما كانَ أَسْرَعها نَتاجا

إِذا ما عاتَبَ الأَيّامَ حُرٌّ

بِغَيْرِكَ لَمْ تَزِدْ إِلاّ لَجاجا

ص: 241

97

وقال يمدح الرئيس أبا الذواد المفرج بن الحسن بن الحسين الصوفي بدمشق:

الطويل

أفَيْضُ دُمُوعٍ أَمْ سُيُولٌ تَمَوَّجُ

وَحَرُّ ضُلُوعٍ أَمْ لَظىً تَتَأَجَّجُ

كَفى مِنْ شَجايَ عَبْرَةٌ بَعْدَ زَفْرَةٍ

وَلُبٌّ مُطارٌ أَمْ سَقامٌ مُهَيَّجُ

شَرِبْتُ مِنَ الأَيّامِ كَأْساً رَوِيَّةً

وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الصَّقْوَ بِالرَّنْقِ يُمْزَجُ

وَلَمْ يُبْكِنِ رَسْمٌ بِنَعْمانَ دارِسٌ

وَلا شَفَّنِي ظَبْيٌ بِرامَةَ أَدْعَجُ

وَلكِنْ جُنُونٌ مِنْ زَمانٍ مُسَفَّهٍ

وَدَهْرٌ جَهُولٌ أَوْلَقُ الرَّأْيِ أَهْوَجُ

ص: 242

سَلَوْتُ وَما كادَ السُّلُوُّ يُطِيعُنِي

لَوَانَّ زَماناً جائِراً يَتَحَرَّجُ

إِذا دَخَلَ الْهَمَّ الْغَرِيبُ عَلَى فَتىً

رَأَيْتَ الْهَوى مِنْ قَلْبِهِ كَيْفَ يَخْرُجُ

تَعَفَّتْ رُسُومُ الْمَكْرُماتِ كَما عَفا

عَلَى الدَّهْرِ مَلْحُوبٌ وَأَفْقَرَ مَنْعِجُ

فَلَوْلا بَنُو الصُّوفِيِّ أَعْوَزَ مُفْضِلٌ

إِلى بابِهِ لِلْوَفْدِ مَسْرىً وَمَدْلَجُ

وَلِلسَّيِّدِ الْمَأْمُولِ فِيهِمْ مَكارِمٌ

تُساحُ بِأرْزاقِ الْعُفاةِ وَتُمْزَجُ

لَعَمْرِي لَقَدْ سادَ الْكِرامَ وَبَذَّهُمْ

أَغَرُّ صَقِيلُ الْعِرْضِ أَزْهَرُ أَبْلَجُ

حَطَطْنا رِحالَ الْعِيسِ فِي ظِلِّ جُودِهِ

إِلى خَيْرِ مَنْ تُحْدى إِلَيْهِ وَتُحْدَجُ

خَصيبُ مَرادِ الْخَيْرِ وَالْخَيْرُ مُجْدِبٌ

جَدِيدُ رِداءِ الفَضْلِ وَالْفَضْلُ مُنْهَجُ

أَبَرُّ وَأَنْدَى مِنْ نَدى الْمُزْنِ راحَةً

وَأَبْهى مِنَ الْبَدْرِ الْمُنِيرِ وَأَبْهَجُ

ص: 243

قَضى حاجَتِي بِالْجُودِ حَتّى كَأَنَّهُ

إِلى بَذْلِ ما يُسْدِي مِنَ الْجُودِ أَحْوَجُ

وَكُنّا إِذا ما رابَنا الدَّهْرُ مَرَّةً

وَلِلدَّهْرِ أَحْوالٌ تَسُوءُ وَتُبْهِجُ

دَعَوْنا لَهُ جُودَ الْوَجِيهِ وَإِنَّما

دَعَونا حَياً أَوْ وابِلاً يَتَثَجَّجُ

وَكَمْ قَطَعَتْ فِينا اللَّيالِي وَغالَنا

لَها مُقْلِقٌ مِنْ فادِحِ الْخَطْبِ مُزْعِجُ

فَذادَ أَبُو الذَوّادِ عَنّا صُرُوفَها

وَفَرَّجَ غَمّاءَ الْخُطُوبِ الْمُفَرِّجُ

فَتىً يَسَعُ الآمالَ أَدْنى ارْتِياحِهِ

وَيَغْرَقُ فِي نُعْماهُ مَنْ لا يُلَجِّجُ

فَتىً لَمْ يَزَلْ لِلْمَجْدِ تاجاً وَمَفْخَراً

إِذا ماجِدٌ بِالْفَخْرِ أَمْسى يُتَوَّجُ

كَفانِي نَدى كَفَّيْهِ خُلْفَ مَواعِدٍ

بِها يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ أَعْوَجُ

وَأَغْنى عَنِ الْبُخّالِ راجَعْتُ جُودَهُمْ

فَلَمْ أَرَ جُلْمُوداً عَلَى الطَّبْخِ يَنْضَجُ

حَلَفْتُ لَقَدْ أَوْلَيْتَنِي مِنْكَ نِعْمَةً

بِها الشُّكْرُ يُغْرى وَالْمَحامِدُ تَلْهَجُ

وَأَحْسَنَ بِي مِنْ قَبْلِكَ الْحَسَنُ الَّذِي

تَوَلى وَما لِلْمَجْدِ عَنْهُ مُعَرَّجُ

ص: 244

أَبُوكَ الَّذِي ما زالَ يَرْحَبُ هِمَّةً

يَضِيقُ بِها صَدْرُ الزَّمانِ وَيَحْرَجُ

بَنى لَكُمُ بَيْتاً رَفِيعاً عِمادُهُ

تَرَقَّى إِلَيْهِ النَّيِّراتُ وَتَعْرُجُ

فَلا ظِلُّهُ عَنْ مُسْتَظِلٍّ بِقاصِرٍ

وَلا بابُهُ عَنْ مُرْتجِي الْخَيْرِ مُرْتَجُ

بِرُغْمِ الْعِدى أَنْ بِتَّ وارِثَ مَجْدِهِ

وَذلِكَ حَقٌّ لَمْ تَكُنْ عَنْهُ تُفْرجُ

وَما هِيَ إِلاّ صَعْبَةٌ عَزَّ ظَهْرُها

وَأَنْتَ عَلَى أَمْثالِها تَتَفَحَّجُ

وَما زِلْتَ تَعْلُو مَنْكِبَ الْعَزْمِ ظافِراً

وَتُلْجِمُ بِالْحَزْمِ الْحَمِيدِ وَتُسْرِجُ

تَزِيدُ عَلَى وَعْكِ الزَّمانِ نَباهَةً

كَأَنَّكَ صُبْحٌ فِي دُجىً يَتَبَلَّجُ

تُشَرَّفُ وَالأَيّامُ فِيها دَناءَةٌ

وَتَخْلَصُ وَالأَقْوامُ زَيْفٌ وَبَهْرَجُ

عَزائِمُ مَحْسُودِ الْمَعالِي كَأَنَّها

سَوابِقُ تَرْدِي بِالْكُماةِ وَتَمْعَجُ

خَلائِقُ تَجْتاحُ الْخَطُوبَ كَأَنَّها

ظُبىً بِدَمِ الْفَقْرِ الْمُضِرِّ تُضَرَّجُ

ص: 245

أَتَتْكَ بِمِسْكِيِّ الثَّناءِ كَأَنَّما

أَطابَ شَذاها عِرْضُكَ الْمُتَأَرِّجُ

لَها مِنْ نِظامِ الدُّرِّ ما جَلَّ قَدْرُهُ

وَقِيمَتُهُ لا ما يُحاكُ وَيُنْسَجُ

مُحَجَّبَةٌ لَوْلاكَ لَمْ يَحْوِ ناظِرٌ

بِها الْفَوْزَ وَالْحَسْناءُ لا تَتَبَرَّجُ

وَكُلُّ ثَناءٍ دُونَ قَدْرِكَ قَدْرُهُ

وَإِنْ زانَ قَوْماً وَشْيُهُ والْمُدَبَّجُ

أَرى فِيكَ لِلآمالِ وَعْدَ مَخِيلَةٍ

وَما هِيَ إِلاّ مُقْبِبٌ سَوْفَ تُنْتَجُ

سَقى اللهُ حُسْنَ الظَّنِّ فِيكَ فَإِنَّهُ

طَرِيقٌ إِلى الْغُنْمِ الْكَرِيمِ وَمَنْهَجُ

فَأَسْمَحُ خَلْقٍ عِنْدَ جُودِكَ باخِلٌ

وَأَحْسَنُ فِعْلٍ عِنْدَ فِعْلِكَ يَسْمُجُ

98

وقال يعريه بولده أبي الغنائم:

الوافر

أَظُنُّ الدَّهْرَ جاءَكَ مُستَثِيراً

فَقَدْ أَحْقَدْتَهُ كَرَماً وَخِيرا

تَبِيتُ عَلى نَوائِبه مُعِيناً

وَتُضْحِي مِنْ حَوادِثِهِ مُجِيرا

وَتَصْرِفُ صَرْفَهُ عَنْ كُلِّ حُرٍّ

وَتَمْنَعُ خَطْبَهُ مِنْ أَنْ يَجُورا

فَكَمْ أَنْقَذْتَ مِنْ تَلَفٍ أَخِيذاً

وَكَمْ أَطْلَقْتَ مِنْ عُدْمٍ أَسِيرا

فَلا عَجَبٌ وَإِنْ وافى بِأَوفى الْ

فَوادِحِ أَنْ يَسُوءَ وَأَنْ يَسُورا

ص: 246

وَهَلْ قَصَدَ الزَّمانُ سِوى كَرِيمٍ

حَماهُ أَنْ يَضِيمَ وَأَنْ يَضِيرا

وَما زالَتْ صُرُوفُ الدَّهْرِ تَحْدُو

إِلى الأَخْيارِ شَراً مُسْتَطِيرا

تُسِيءُ إِلى ذَوِي الْحُسْنى وَتَحْبُو

مُقَيِلَ عِثارِها الْجَدَّ الْعَثُورا

وَلَوْ راعى ذَوِي الأَخْطارِ دَهْرٌ

رَعى ذا الْمَجْدَ وَالشَّرَفَ الْخَطِيرا

وَلَو دُفِعَ الْحِمامُ بِعِزِّ قَوْمٍ

لَكُنْتَ أَعَزَّ ذِي عِنٍّ نَصِيراً

هُوَ الْقَدَرُ الَّذِي لَمْ تَلْقَ خَلْقاً

عَلَى دَفْعٍ لَهُ أَبَداً قَدِيرا

سَواءٌ مَنْ يَقُودُ إِلَيْهِ جَيْشاً

وَمَنْ يَحْدُو مِنَ الأَقْوامِ عِيرا

وَما ينَفْكُّ هذا الدَّهْرُ حَتّى

يَصِيرَ إِلى الْفَناءِ بِنا الْمَصِيرا

فيا لِيَ مِنْهُ صَوّالاً فَتُوكاً

وَيا لِيَ مِنْهُ خَلاّباً سَحُورا

كَذلِكَ شِيمَةُ الأَيّامِ فِينا

تَسُوءُ حَقِيقَةً وَتَسُرُّ زُورا

وَكَمْ سُكّانِ دُنْياً لَوْ أَفاقُوا

لَما سَكَنَتْ قُلُوبُهُمُ الصُّدُورا

أَهَبَّ عَلَيْهِمُ الْحَدَثانُ رِيحاً

بِكُلِّ عَجاجَةٍ تُغْري مُثِيرا

تَحَدّاهُمْ كَأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِمْ

يَمِيناً أَوْ قَضى بِهمُ النُّذُورا

ص: 247

فَيا عَيْشا مُنِحْناهُ خِداعاً

وَيا دُنْيا صَحِبْناها غُرُورا

وَيا دَهْراً أَهابَ بِنا رَداهُ

لِيُتْبِعَ أَوَّلاً مِنّا أَخِيرا

أَما تَنْصَدُّ وَيْحَكَ عَنْ فَعالٍ

ذَمِيمٍ لا تَرى فِيهِ عَذِيرا

سَمَوتَ إلى سَماءِ الْفَخْرِ حَتّى

تَناوَلْتَ الْهِلالَ الْمُسْتَنِيرا

وَطُفْتَ بِدَوْحَةِ الْعَلْياءِ حَتّى

خَلَسْتَ بِكَيْدِكَ الْغُصْنَ النَّضِيرا

كأَنَّ أَبا الْغَنائِمِ كانَ مِمَّنْ

تَعُدُّ وَفاتَهُ غُنْماً كَبِيرا

كَأَنَّكَ كُنْتَ تَطْلُبُهُ بِثَأْرٍ

غَشُومٍ لا تَرى عَنْهُ قُصُورا

خَطَوْتَ الْعالَمِينَ إِلَيْهِ قَصْداً

كَأَنَّكَ قَدْ سَأَلْتَ بِهِ خَبِيرا

إِلى أَنْ أَغْمَدَتْ كَفّاكَ مِنْهُ

حُساماً زانَ حامِلَهُ شَهِيرا

مُصابٌ لَوْ تَحَمَّلَهُ ثَبِيرٌ

دَعا وَيْلاً وَأَتْبَعَها ثُبُورا

يُذَكِّرُنِي سَدِيدَ الْمُلْكِ وَجْداً

وَكُنْتُ لِمِثْلِهِ أَبَداً ذَكُورا

فَما أَطْفَأْتَ مِنْ نارٍ لَهِيباً

إِلى أَنْ عُدْتَ تُذْكِيها سَعِيرا

ص: 248

وَما طالَ الْمَدى فَيَسُوعَ عُذْرٌ

بِأَنْ يَكْبُوا الْجَوادُ وَانْ يَخُورا

قَصَرْتَ مَداهُ حَتّى كادَ يَوْماً

بِهِ أَنْ يَسْبِقُ النّاعِي الْبَشِيرا

وَلَمْ يَكْسُ الْفَتى كَمَداً طَوِيلاً

كَمَفْقُودٍ نَضى عُمْراً قَصِيرا

وَلَمْ أَجِدِ الْكَبِيرَ الرُّزْءِ إِلاّ

سَلِيلَ عُلاً فُجِعْتَ بِهِ صَغِيراً

عَلَى أَنَّ الْكِرامَ تَعُدُّ لَيْثاً

هَصُوراً مِنْهُمُ الرَّشَأَ الْغَرِيرا

تَرى أَيّامَهُمْ أَعْوامَ قَوْمٍ

وَساعاتِ الْفَتى مِنْهُمْ شُهُورا

فَلا يَبْعُدْ حِبِيبٌ بانَ عَنّا

وَإِنْ كانَ الْبعادُ بِهِ جَدِيرا

وَكَيْفَ دُنُوُّ مَنْ طَوَتِ اللَّيالِي

كَما تَطْوِي عَلَى الظَّنِّ الضَّمِيرا

فَيا رامِيهِ عَنْ قَوْسِ الْمَنايا

أَصَبْتَ بِواحِدٍ عَدَداً كَثِيرا

ويا راجيه يجعله ظهيراً

نبا لك حادث قطع الظهورا

ويا حاثِي التُّرابِ عَلَيْهِ مَهْلاً

كَسَفْتَ بَهاءَهُ ذاكَ الْبَهِيرا

فَلَو أَنِّي اسْتَطَعْتُ حَمَلْتُ عَنْهُ

ثَقِيلَ التُّرْبِ وَالْخَطْبَ الْكَبِيرا

أَصُونُ جَمالَهُ وَأُجِلُّ مِنْهُ

جَبِينَ الْبَدْرِ أَنْ يُمْسِي عَفِيرا

ص: 249

بِنَفْسِي نازِحٌ بِالغَيْبِ دانٍ

يُجاوِرُ مَعْشَراً غَيَباً حُضُورا

أَقامَ بِحَيْثُ لا يَهْوى مُقاماً

وَلا يَبْغِي إِلى جِهَةٍ مَسِيرا

وَلا هَجْراً يَوَدُّ وَلا وِصالاً

وَلا بَرْداً يُحِسُّ وَلا هَجِيرا

أَقُولُ سَقى مَحَلَّتَهُ غَمامٌ

يَمُرُّ بِها مِراراً لا مُرُوراً

وَرَوَّضَ ساحَتَيْهِ كَأَنَّ وَشْياً

يَحُلُّ بِها وَدِيباجاً نَشِيرا

إِذا خَطَرَ النَّسِيمُ عَلَيْهِ أَهْدى

إِلى زُوّارِهِ أَرَجاً عَطِيرا

وَما أَرَبِي لَهُ فِي ماءِ مُزْنٍ

وَقَدْ وَدَّعْتُ مِنْهُ حَياً مَطِيرا

وَلَوْلا عادَةُ السُّقْيا بِغَيْثٍ

إِذاً لَسَقَيْتُهُ الدُّرَّ النَّثِيرا

وَقَلَّ لِقَدْرِهِ مِنِّي وَقَلَّتْ

لَهُ زُهْرُ الْكَواكِبِ أَنْ تَغُورا

أَحِنُّ إِلى الصَّعِيدِ كَأَنَّ فِيهِ

شِفايَ إِذا مَرَرْتُ بِهِ حَسِيرا

وَاسْتافُ الثُّرى مَذْ حَلَّ فِيهِ

وَأَلْصِقُهُ التَّرائِبَ وَالنُّحُورا

وَلَوْلا قَبْرُهُ ما كُنْتُ يَوْماً

لأَلْثِمَهُ وَأَعْتَنِقَ الْقُبُورا

ص: 250

عَلَيْكَ بِأَدْمُعٍ آلَيْنَ أَلاّ

يَغِضْنَ وَلَوْ أَفَضْنَ دَماً غَزِيرا

يَزُرْنَكَ مُسْعِداتٍ مُنْجِداتٍ

رَواحاً بِالتَّفَجُّعِ أَوْ بُكورا

فَأَوْلى مَنْ يُقاسِمُكَ الأَسى فِي

خُطُوبِكَ مَنْ تُقاسِمُهُ السُّرُورا

وَلا تَعْلَقُ بِصَبْرٍ بَعْدَ بَدْرٍ

ذَمَمْنا الصَّبْرَ عَنْهُ والصَّبُورا

وَإِنْ قالُوا اسْتَرَدَّ الدَّهْرُ مِنْهُ

مُعاراً كَيْفَ تَمْنَعُهُ اْلمُعِيرا

فَلِمْ أَعطاكَهُ نَجْماً خَفِياً

وَعادَ لأَخْذِهِ قَمَراً مُنِيرا

أَبا الذَوّادِ ما كَبِدٌ أُذِيبَتْ

بِشافِيَةٍ وَلا قَلْبٌ أطِيرا

فَهلَْ لَكَ أَنْ تُراقِبَ فِيهِ يَوْماً

يُوَفّى الصَابِرونَ بِهِ الأُجُورا

وَلَوْلا أَنْ أَخافَ اللهَ مِنْ أَنْ

يَرانِي بَعْدَ إيمانٍ كَفُورا

لَما عَزَّيْتُ قَلْبَكَ عَنْ حَبِيبٍ

وَكُنْتُ بِأَنْ أُحَرِّقَهُ بَصِيرا

وَلَمْ نَعْهَدْكَ فِي سَرّاءِ حالٍ

وَلا ضَرّائِها إِلاّ شَكُورا

فَصَبْراً لِلْمُلِمِّ وإِنْ أَصَبْنا

جَناحَ الصَّبْرِ مُنْهاضاً كَسِيرا

أَلَمْ تَعْلَمْ وَكانَ أَبُوكَ مِمَّنْ

إِذا خَطَبَ الْعُلى أَغْلى الْمُهُورا

ص: 251

بِأَنَّكُمُ أَطَبُّ بِكُلِّ أَمْرٍ

إِذا ما ضَيَّعَ النّاسُ الأُمُورا

وَأَيُّ الْخَطْبِ يَنْقُصُ مِنْ عُلاكُمْ

وَأَيُّ النَّزْفِ يَنْتَزِحُ الْبُحُورا

وَأَيُّ عَواصِفِ الأَرْواحِ يَوْماً

تَهُبُّ فَتُقْلِقُ الطُّوْدَ الْوَقُورا

وَإِنَّكَ شائِدٌ وَأَخُوكَ مَجْداً

سَيَخْلُدُ ذِكْرُهُ حَسَناً أَثِيرا

إِذا وُقِّيتُما مِنْ كُلِّ خَطْبٍ

فَما نَبْغِي عَلَى زَمَنٍ ظَهِيرا

وَما الْقَمَرانِ إِذْ سَعِدا وَتَمّا

بِأَبْهَرَ مِنْكُما فِي الْفَضْلِ نُورا

أُرانِي لا أَسُومُ الصَّبْرَ قَلْبِي

فَأُدْرِكُهُ يَسِيرا أَوْ عَسِيرا

كَأَنِّي مُبْتَغٍ لَكُما شَبِيهاً

بِهِ أَوْ مُدَّعِ لَكُما نَظِيرا

فَلا أَخْلى الزَّمانُ لَكُمْ مَحَلاّ

وَلاعَدِمَتْ سَماؤُكُمُ الْبُدُورا

99

وقال فيه وفي أخيه سيف:

السريع

مَهْلاً بَنِي الصّوفِيِّ إِنَّكُمُ

لَيُعَدُّ دُونَ حصاتِكُمْ جَبَلِي

ص: 252

لَوْ تُنْصِفُونَ صَفاءَ نِعْمَتِكُمْ

ما احْتاجَ بَحْرُكُمْ إِلى وَشَلِي

لا يَشْهَرَنَّ عَلَيَّ سَيْفُكُمُ

سَيْفاً بِهِ فِي الْحَقِّ لَمْ يَصُلِ

إِنَّ الْكَرِيمَ الْمَحْضَ سُؤْدَدُهُ

مَنْ لَمْ تَضِقْ بِوَفائِهِ حِيَلِي

وَالْماجِدَ الْمَرْجُوَّ نائِلُهُ

مَنْ لَمْ يَخِبْ فِي وُدِّهِ أَمَلِي

بِئْسَ الْجَزاءُ جَزَيْتُمُ رَجُلاً

لَمْ يَخْفَ مَوْضِعُهُ عَلَى رَجُلِ

دَبَّتْ عَقارِبُكُمْ إِلَيَّ وَقَدْ

تَهْوِي إِلى أَقْدامِكُمْ قُبَلِي

100

وقال في وجيه الدولة أبي الذواد المفرج، وكتب بها إليه:

الخفيف

كَمْ سَما لِي بِحُسْنِ رَأْيِكَ جَدُّ

وَصَاف لِي بِفَيْضِ كَفِّكَ وِرْدُ

وَتَوالَتْ عَلَيَّ مِنْكَ أَيادٍ

كَتَوالِي الْحَيا يَرُوحُ وَيَغْدُو

فَاجِئاتٌ فَلَيْسَ يُعْدَمُ بَذْلٌ

مِنْ نَداها وَلَيْسَ يُوجَدُ وَعْدُ

ثِقَةَ الْمُلْكِ لَيْسَ فِي الْحُكْمِ جُوْرٌ

مِنْكَ يَوْماً وَلَيْسَ فِي الْجُودِ قَصْدُ

رُبَّ بِرٍّ فِي إِثْرِهِ مِنْكَ بِرٌّ

بَعْدَ رِفْدٍ فِي طَيِّهِ مِنْكَ رِفْدُ

ص: 253

كُلَّ يَوْمٍ جُودٌ أَتِيٌّ وَمَعْرُو

فٌ فَتِيٌّ وَنائِلٌ مُسْتَجِدُّ

كُلُّ أَيّامِ حُبِّكَ الْجُودَ وَصْلٌ

مُسْتَمِرٌّ وَالْحُبُّ وَصْلٌ وَصَدُّ

كَرَمٌ لا أَبِيتُ إِلاّ وَلِي مِنْ

هُ عَلَى ما اقْتَرَحْتُ زادٌ مُعَدُّ

أَعْجَزَ الْحَمْدَ وَالثَّناءَ فَلَمْ يَنْ

هَضْ ثَناءٌ بِهِ وَلا قامَ حَمْدُ

وَمِنْ الْعَجْزِ أَنَّ شُكْرِي نَسِيءٌ

كُلَّ وَقْتٍ وَأَنَّ بِرَّكَ نَقْدُ

أَيْنَ عُذْرِي إَذا اسْتَزَدْتُكَ جُوداً

لَمْ يَدَعْ خَلَّةً لَدَيَّ تُسَدُّ

غَيْرَ أَنِّي أَدْعُو نَداكَ إِلى يَوْ

مٍ بِهِ زادَ فِي عَبِيدِكَ عَبْدُ

وَلَعَمْرِي ما كانَ يَخْرُجُ نَجْلٌ

عَنْ قَبِيلٍ أَبُوهُ فِيهِمْ يُعَدُّ

وَلأَنْتَ الأَوْلى بِعَبْدِكَ مِنِّي

كُلُّ مَوْلىً بِعَبْدِهِ مُسْتَبِدُّ

101

وقال أيضاً يمدحه:

الكامل

لَو كُنْتَ شاهِدَ عَبْرَتِي يَوْمَ النَّقا

لَمَنَعْتَ قَلْبَكَ بَعْدَها أَنْ يَعْشَقا

ص: 254

وَلَكُنْتَ أَوَّلَ نازِعٍ مِنْ خُطَّتِي

يَدَهُ وَلَوْ كُنْتَ الْمُحِبَّ الْمُشْفِقا

وَعَذَرْتَ فِي أَنْ لا أُطِيقَ تَجَلُّداً

وَعَجِبْتَ مِنْ أَنْ لا أَذُوبَ تَحَرُّقا

ناشَدْتُ حادِيَ نُوقِهِمْ ِفي مُدْنَفٍ

أَبْكى الْحُداةَ بُكاؤُهُ والأَيْنُقا

وَمَنحْتُهُمْ جَفْناً إِذا نَهْنَهْتُهُ

رَقَأَتْ جُفُونُ الثّاكِلاتِ وَما رَقا

يا عَمْرُو أَيُّ عَظِيمِ خَطْبٍ لَمْ يَكُنْ

خَطْبُ الْفِراقِ أَشَدَّ مِنْهُ وَأَوْبَقا

كِلْنِي إِلى عُنْفِ الصُّدُودِ فَرُبَّما

كانَ الصُّدُودُ مِنَ النَّوى بِي أَرْفَقا

قَدْ سالَ حَتى قَدْ أَسالَ سَوادَهُ

طَرْفِي فَخالَطَ دَمْعَهُ الْمُتَرَقْرِقا

وَاسْتَبْقِ لِلأطْلالِ فَضْلَةَ أَدْمُعٍ

أَفْنَيْتَهُنَّ قَطِيعَةً وَتَفَرُّقا

أَوْ فَاسْتَمِحْ لِي مِنْ خَلِيٍّ سَلْوَةً

إِنْ كانَ ذُو الإِثْراءِ يُسْعِفُ مُمْلِقا

إِنَّ الظِّباءَ غَداةَ رامَةَ لَمْ تَدَعْ

إِلاّ حَشىً قَلِقاً وَقَلْباً شَيِّقا

سَنَحَتْ فما مَنَحَت وَكَمْ مِنْ عارِضٍ

قَدْ مَرَّ مُجْتازاً عَلَيْكَ وَما سَقا

غِيدٌ نَصَبْتُ لِصَيْدِهِنَّ حَبائِلاً

يَعْلَقْنَهُنَّ فَكُنْتُ فِيها أَعْلَقا

وَلَكَمْ نَهَيْتُ اللَّيْثَ أَغْلَبَ باسِلاً

عَنْ أَنْ يَرُودَ الظَّبْيَ أَتْلَعَ أَرْشَقا

فَإِذا الْقَضاءُ عَلَى الْمَضاءِ مُرَكَّبٌ

وَإذا الشَّقاءُ موَكَّلٌ بِأَخِي الشَّقا

ص: 255

وَلَقَدْ سَرَيْتُ إِذا السَّماءُ تَخالُها

بُرْداً بِراكِدَةِ النُّجُومِ مُشَبْرَقا

وَاللَّيْلُ مِثْلُ السَّيْلِ لَوْلا لُجَّةٌ

تَغْشى الرُّبى بِأَعَمّ مِنْهُ وَأَعْمَقا

وَمُشَمِّرينَ تَدَرَّعُوا ثَوْبَ الدُّجى

فَأَجَدَّ لُبْسَهُمُ الزَّماعُ وَأَخْلَقا

عاطَيْتُهُمْ كَأْسَ السُّرى فِي لَيْلَةٍ

أَمِنَ الظَّلامُ بِفَجْرِها أَنْ يُشْرِقا

حَتَّى إِذا حَسَرَ الصّبَاحُ كَأَنَّهُ

وَجْهُ الْوَجِيهِ تَبَلُّجَاً وَتَأَلُّقا

حَطُّوا رِحالَ الْعِيسِ مِنْهُ بِخَيْرِ مَنْ

هَزُّوا إِلَيْهِ رِقابَها وَالأَسْؤُقا

بِأَغَرَّ يَجْلُوا لِلْوُفُودِ جَبِينُهُ

شَمْساً تَكُونُ لَها الْمَعالِي مَشْرِقا

نَزَلُوا فَما وَصَلُوهُ مَهْجُوراً وَلا

فَتَحُوا إِلى نُعْماهُ باباً مُغْلقَا

إِنْ زُرْتَهُ فَتَوَقَّ فَيْضَ بَنانِهِ

إِنَّ الْبِحارَ مَلِيَّةٌ أَنْ تُغْرِقا

وَإِذا أَبُو الذَّوّادِ حاطَكَ ذائِداً

فَلَقَدْ أَخَذْتَ مِنَ اللَّيالِي مَوْثِقا

يَشْتَدُّ مُمْنُوعاً وَيُكْرِمُ قادِراً

وَيَطُولُ مَحْقُوقاً وَيَصْفَحُ مُحْنَقا

ص: 256

لَوْ أَنَّ مَنْ يَرْوِي حَدِيثَ سَماحِهِ

يَرْوِيهِ عَنْ صَوْبِ الْحَيا ما صُدِّقا

صَحِبَ الزَّمانَ وَكانَ يَبْساً ذاوِياً

فَسَقاهُ بِالْمَعْرُوفِ حَتّى أَوْرَقا

لا تَذْكُرَنَّ لَهُ الْمَكارِمَ وَالعُلى

فَتَهِيجَ صَبّاً أَوْ تَشُوقَ مُشَوَّقا

عَشِقَ الْمَحامِدَ وَهْيَ عاشِقَةٌ لَهُ

وَكَذاكَ ما بَرِحَ الْجَمالُ مُعَشَّقا

يَجْرِي عَلَى سَنَنِ الْمَكارِمِ فِعْلُهُ

خُلُقاً إِذا كانَ الْفَعالُ تَخَلّقا

لا يَمْنَحُ الإِحْسانَ إِلاّ شامِلاً

خَيْرُ الْحَيا ما عَمَّ مِنْهُ وَطَبَّقا

كَتَمَ الصَّنائِعَ فَاسْتَشاعَ ثَناؤُها

مَنْ ذا يَصُدُّ الصُّبْحَ عَنْ أَنْ يُشْرِقا

قَدْ حالَفَ الْعَزْمَ الْحَمِيدَ فَلَمْ يَخَفْ

خَطْباً يُحاوِلُ فَتْقَهُ أَنْ يَرْتُقا

وَرَمى إِلى الْغَرَضِ الْبَعِيدِ فَلَمْ يَبِتْ

أَبَداً بِغَيْرِ الْمَكْرُماتِ مُؤَرَّقا

سامِي الْمَرامِ شَرِيفُهُ إِنْ تَدْعُهُ

لا تَدْعُهُ لِلْخَطْبِ إِلاّ مُقْلِقا

إِنْ جادَ فِي بِشْرٍ تُوُهِّمَ عارِضاً

أَوْ حَلَّ فِي نَفَرٍ تَراءَوا فَيْلَقا

ص: 257

تَلْقاهُ فِي هَيْجاءٍ كُلِّ مُلِمَّةٍ

بَطَلاً إِذا شَهِدَ الْكَرِيهَةَ حَقَّقا

كَالْمَشْرَفِيِّ الْعَضْبِ إِلاّ أَنَّهُ

أَمْضى شَباً مِنُْ وَأَبْهرُ رَوْنَقا

جارى عِنانَ الْفَضْلِ فِي أَمَدِ الْعُلى

أَدْنى وَأَقْرَبُ شَأْوِهِ أَنْ يَسْبُقا

لا يُدْرِكُ الْجارُونَ غايَةَ مَجْدِهِ

مَنْ يَسْتَطِيعُ إِلى السَّماءِ تَسَلُّقا

هَيْهاتَ يَمْنَعُ ذاكَ حَقٌّ أَخْلَقٌ

لا يُحْسِنُ الْعَيُّوقُ فِيهِ تَحَلُّقا

وَمِنَ التَّأَخُّرِ أَنْ يُقَدِّمَ واطِئٌ

قَدَماً عَلَى دَحْضٍ أَزَلَّ وَأَزْلَقا

ما كُلُّ مَنْقَبَةٍ يُحاوَلُ نَيْلُها

تُحْوى ولا كُلُّ الْمَنازِلِ تُرْتَقا

يا سَيِّدَ الرُّؤَساءِ أَيُّ مُطاوِلٍ

أَنْ يَسْتطِيعَ بِكَ اللَّحاقَ فَيَلْحَقا

ماذا يُحاوِلُهُ الْمُغامِرُ بَعْدَما

وَجَدَ الْمَجالَ إِلى قِراعِكَ ضيِّقا

إِنَّ الرِّياسَةَ لا تَلِيقُ بِغَيْرِ مَنْ

مُذ كانَ كانَ بِثَدْيِها مُتَمَطِّقا

بِغَنائِها مُتَكَفِّلاً وَبِفَضْلِها

مُتَوَحِّداً وَبِمُلْكِها مُتَحَقِّقا

كمْ فِيكَ مُجْتَمِعاً مِنَ الْحَسَناتِ ما

يُعْيِي وَيُعْجِزُ فِي الْوَرى مُتَفَرِّقاً

ص: 258

وَلَبَيْتِكَ الْفَخْرُ الَّذِي لَوْ أَنَّهُ

سامى السِّماكَ لَكانَ مِنْهُ أَسْمَقا

مَنْ كانَ يَفْخَرُ أَنَّهُ مِنْ أُسْرَةٍ

كَرُمَتْ وَيَضْرِبُ فِي الْكِرامِ مُعْرِقا

فَلْيَأْتِنا بِأَبٍ كَمِثْلِ أَبِيكَ فِي الْ

عَلْياءِ أَو جَدٍّ كَجَدِّكَ فِي التُّقا

أَمّا دِمَشْقُ فَقَدْ حَوَتْ بِكَ عِزَّةً

كَرُمَتْ بِها عَنْ أَنْ تَكُونَ الأَبْلَقا

حَصَّنْتَها بِسَدادِ رَأْيِكَ ضارِباً

سُوراً عَلَيْها مِنْ عُلاكَ وَخَنْدَقا

وَحَميْتَ حَوْزَتَها بِهِمَّةِ أَوْحَدٍ

ما زالَ مَيْمُونَ الْفَعالِ مُوَفَّقا

أَمْطَرْتَها مِنْ فَيْضِ عَدْلِكَ أَنْعُماً

لا تُعْدِمُ الرُّوّادَ رَوْضاً مُونِقا

إِنْ أَظْلَمَتْ كُنْتَ الضَّحاءَ الْمُجْتَلى

أَوْ أَجْدَبَتْ كُنْتَ الرَّبِيعَ الْمُغْدِقا

وَأَنا الَّذِي أَضْحى أَسِيرَ عَوارِفٍ

لَكَ لا يَوَدُّ أَسِيرُها أَنْ يُطْلَقا

أَوْفى وَأَشْرَفُ ما يُؤَمِّلُ آمِلٌ

أَنْ لا يُرى مِنْ رِقِّ جُودِكَ مُعْتَقا

ص: 259

أَجْمَمْتُ جُودَكَ فَاسْتَفاضَ سَماحَةً

وَإِذا حَبَسْتَ السَّيْلَ زادَ تَدَفُّقا

وَحَمَيْتُ آمالِي سِواكَ وَعاطِلٌ

مَنْ كانَ مِنْ مَنِّ اللِّئامِ مُطَوَّقا

لَمْ يُبْقِ سَيْبُ نَداكَ مَوْضِعَ نائِلٍ

فَهَقَ الْغَدِيرُ وَحَقُّهُ أَنْ يَفْهَقا

وَلَئِنْ مَنَنْتَ فَواجِبٌ لَكَ فِي النَّدى

إِمّا نَزَعْتَ بِسَهْمِهِ أَنْ يُغْرِقا

أُثْنِي عَلَيْكَ بِحَقِّ حَمْدِكَ صادِقاً

حَسْبُ الْمَعالِي أَنْ تَقُولَ فَتَصْدُقا

وَلَكَمْ يَدٍ لَكَ لا يُؤَدّى حَقُّها

ما خَبَّ رَكْبٌ بِالْفِجاجِ وَأَعْنَقا

أَعْيَتْ ثَنايَ وَأَوْجَبَتْ شُكْرِي لِسا

لِفِها فَأَحْمَنِي نَداكَ وَأَنْطَقا

خُذْها كَما حَيّاكَ نَوْرُ خَمِيلَةٍ

خَطَرَ النَّسِيمُ بِهِ ضُحىً فَتَفَتَّقا

تَأْبى عَلَى الكِتْمانِ غَيْرَ تَضَوُّعٍ

مَنْ ذا يَصدُّ الْمِسْكَ عَنْ أَنْ يَعْبَقا

عَذْراءُ لا تَجْلُو الثَّناءَ عَلَيْكَ إِطْ

راءً وَلا تَصِفُ الْوَلاءَ تَمَلُّقا

تُحْيِي حَبِيباً وَالْوَلِيدَ وَتَجْتَبِي

لِخُلُودِ فَخْرِكِ أَخْطَلاً وَفَرَزْدَقا

ص: 260

وَكَأَنَّ تَغْرِيدَ الْغَرِيضِ مُرجَّعاً

فِيها وَعانِيَّ الرَّحِيقِ مُعَتَّقا

وَكَأَنَّ أَيّامَ الصَّبابَةِ رِقَّةً

فِيها وَمُفْتَرَق الْنَّوى وَالْمُلْتَقا

وَقَدْ اسْتَشادَ لَكَ الثَّناءَ فَما تَرى

إِلاّ بَلِيغاً بِامْتِداحِكَ مُفْلِقا

فَمَتى تَغَنَّى الرَّكْبُ يَوْماً أَوْ حَدا

لَمْ يَعْدُ مَدْحَكَ مُشْئِماً أَوْ مُعْرِقا

وَالدُّرُّ يَشْرُفُ قِيمَةً وَيَزِيدُهُ

شَرَفاً إِذا ما كانَ دُرّاً مُنْتَقا

مَنْ باتَ يَسْأَلُ رَبَّهُ أُمْنِيَّةً

فَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يُطِيلَ لَكَ الْبَقا

102

وقال يمدحه وقد توجه إلى بعلبك:

المتقارب

أَطاعَكَ فِيما تَرُومُ الْقَدَرْ

وَأَسْفَرَ عَمّا تُحِبُّ السَّفَرْ

وَأَسْعَدَكَ اللهَ بِالْوِرْدِ مِنْهُ

وأَحْمَدَ بِالْيُمْنِ مِنْكَ الصَّدَرْ

يَزِيدُ مَسِيرُكَ ذا عِزَّةٍ

كَما ازْداد بِالسَّيْرِ نُورُ القَمَرْ

ص: 261

دَعاكَ الْهُمامُ لِنَيْلِ الْمَرامِ

فَكُنْتَ الْحُسامَ الْحَمِيدَ الأَثَرْ

رَأَى ثِقَةُ الْمُلْكِ عَوْناً لَهُ

فَباتَ عَلَى ثِقَةٍ بِالظَّفَرْ

وَلَمْ يَدْعُ ذُو خَطَرٍ لِلْمُلِمِّ

مِنَ الأَمْرِ إِلاّ الْعَظِيمَ الْخَطَرْ

بَقاؤُكَ أَشْرَفُ ما يُرْتَجى

وَأَوْبُكَ أَبْهَجُ ما يُنْتَظَرْ

103

وقال يمدحه ويهنيه بشهر رمضان:

المتقارب

بَقاؤُكَ أَوْفى اقْتِراحِ الأَمانِي

وَعِزُّكَ أَشْرَفُ حَظِّ التُّهانِي

وَحَمْدُكَ أَفْضَلُ نُطْقِ اللَّبِيبِ

وَمَدْحُكَ أَصْدَقُ سِحْرِ الْبَيانِ

وَما الشَّهْرُ وَالدَّهْرُ إِلاّ بِأَنْ

تَفُوزَ بِسَعْدِهِما يَسْعَدانِ

بِمَجْدِكَ يا ثالِثَ النَّيِّرَيْنِ

وَثانِي الْحَيا يَفْخَرُ النَّيِّرانِ

فَلا تَجْهَلَنَّكَ زُهْرُ النُّجُومِ

فَإِنَّكَ مِنْها عَلى الْبُعْدِ دانِ

فَيا سَيِّدَ الرُّؤَساءِ الَّذِي

نَ سادُوا وَسَيِّدَ أَهْلِ الزَّمانِ

ص: 262

وَيا خَيْرَ مَنْ وَلَدَ الْمُنْجِبُونَ

وَأَكْرَمَهُمْ شائِداً بَعْدَ بانِ

دَعانِي نَداكَ فَكَمْ نِعْمَةٍ

تَقَلَّبْتُ فِي ظِلِّها مُذْ دَعانِي

إِذا ما سَأَلْتُ أَفادَ الْغِنى

وَإِنْ لَمْ أَسلْ جادَنِي وَابْتَدانِي

وَإِنْ أَنا أَغْبَبْتُهُ زائِراً

تَعَهَّدَنِي تائِقاً واقْتَضانِي

مَواهِبُ تُنْتَجُ قَبْلَ المخا

ضِ جُوداً وَتُثْمِرُ قَبْلَ الأَوانِ

فَمالِي تُطاوِلُنِي حاجَةٌ

عَنانِيَ مِنْ شأْنِها ما عَنانِي

وَكَيْفَ يُحَلِّئُنِي مَنْ شَفَى

أُوامِي وَيُهْمِلُنِي مَنْ رَعانِي

وَكَمْ باتَ يَخْذُلُنِي مَنْ أَعا

نَ فَضْلِي وَيُسْلِمُنِي مَنْ حَمانِي

وَما كُنْتُ آمُلُ أَنِّي لَدَي

كَ أَلْجا إِلى غَفْلَةٍ أَوْ تَوانِ

وَلَوْ شِئْتُ إِذ رابَنِي ما يَرِيبُ

هَزَزْتُكَ هزَّ الْحُسامِ الْيَمانِي

أُدِلُّ عَلَيْكَ وَأَشْكُو إِلَيْ

كَ نَبْوَةَ حَظٍّ شَدِيدِ الْحرانِ

وَيُطْمِعُنِي فِيكَ أَنَّ الثنا

ءَ ما زالَ مِنْكَ مَكِينَ الْمَكانِ

بَقِيتَ لإحْسانِكَ الْمُرْتَجى

بَقاءَ الْمَدائِحِ فِيكَ الْحِسانِ

وَعِشْتَ لِراجِيكَ فِي النّائِبا

تِ فَلاًّ لِعادٍ وَفكَّاً لِعانِ

ص: 263

فَكَمْ لَكَ مِنْ نِعْمَةٍ ضَخْمَةٍ

لَدَيَّ وَمَنٍّ بِغَيْرِ امْتِنانِ

أَراكَ أَماناً مِنَ الْحادِثاتِ

فَلا زِلْتَ مِنْ صَرْفها فِي أَمانِ

وَشَدَّ لَكَ الأزْرَ رَبٌّ حَباكَ

بِنَجْلَيْنِ نَسْلِ الأَغَرِّ الْهِجانِ

إِلى أَنْ تُرى قَمَراً طالِعاً

عَلَى الْخَلْقِ يَحْجُبُه الْفَرْقَدانِ

104

وقال يمدحه ويهنيه بقدومه من الحج:

الوافر

أَلَمْ أَكُ لِلْقَوافِي الْغُرِّ خدْناً

وَقِرْناً لَنْ يُرامَ وَلَنْ يُرازا

أَبِيتُ أَرُوضُها طَوْراً وَطَوْراً

أُذَلِّلُها صِعاباً أَوْ عِزازا

تَكادُ تَئِنُّ مِنْ أَلَمٍ إِذا ما

ثِقافُ الْفِكْرِ عاصَرَها لِزازا

أَلَسْتُ إِلى النَّدى أُنْمى اعْتِزاءً

أَلَمْ أَكُ بِالنَّدى أُحْمى اعْتِزازا

أَلَمْ تُثْمِرْ يَدُ الْمَعْرُوفِ عِنْدِي

وَقَدْ طابَتْ غِراساً أَوْ غِرازا

فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ أَعْدُو صَنِيعاً

عَدا حَدَّ السَّماحِ بِهِت وَجازا

وَكَمْ مِنْ جاهِدٍ قَدْ رامَ عَفْوِي

فَما بَلَغَتْ حَقِيقَتُهُ الْمَجازا

ص: 264

يَرُومُ بِعَجْزِهِ الإِعْجازَ جَهْلاً

وَكَيْفَ يَصِيدُ بِالْكَرَوانِ بازا

سأَبْسُطُ فِي الثَّناءِ لِسانَ صِدْقٍ

يَطُولُ بِهِ ارْتِجالاً وارْتِجازا

يَعُبُّ عُبابُهُ بَحْراً خِضَمَّاً

وَيَبِتُكُ حَدُّهُ عَضْباً جُرازا

لَعَلِّي أَنْ يَفُوزَ بِسَعْدِ مَدْحِي

فَتىً سَعِدَ الزَّمان بِهِ وَفازا

فَأَجْزِيَ سَيِّدَ الرُّؤَساءِ نُعْمى

لَهُ عِنْدِي وَجَلَّتْ أَنْ تُجازا

وَمَنْ لِي أَنْ أَقُومَ لَها بِشُكْرٍ

وَأَنْ أُغْرِي بِما أَعِدُ النّجازا

عَنَتْنِي لا الثَّناءَ لَها مُطِيقاً

وَلا كُفْرانُها لِي مُسْتَجازا

رَأَى بَيْنِي وَبَيْنَ الدَّهْرِ حَرْباً

أُكابِدُها نِزالاً أَوْ بِرازا

تَتُوقُ إِلى الْغُمُودِ الْبِيضُ فِيها

وَتَشْتاقُ الرِّماحُ بِها الرِّكازا

فَأَصْلَتَ مِنْ مَكارِمِهِ حُساماً

يَجُبُّ غَوارِبَ النُّوَبِ احْتِزازا

حَمى وَهَمى فَعُذْتُ وَلُذْتُ مِنْهُ

بِأَكْرَمِ مَنْ أَجارَ وَمَنْ أَجازا

وَإِنِّي مُذْ تَحَدَّتْنِي اللَّيالِي

لَمُنْحازٌ إِلى الْكَرَمِ انْحِيازا

إِلى مُتَوَحِّدٍ بِالْحَمْدِ فاتَ الْ

كِرامَ بِهِ اخْتِصاصاً وامْتِيازا

ص: 265

أَعَمُّهُمُ إِذا كَرُمُوا سماحاً

وَأَثْقَلُهُمْ إِذا حَلُمُوا مَرازا

عَلِيٌّ أَنْ يُطاوَلَ أَوْ يُساما

أَبِيٌ أَنْ يُماثَلَ أَوْ يُوازا

أَقَلُّ النّاسِ بِالْمالِ احْتِفالاً

وَأَكْثَرُهُمْ عَلى الْمَجْدِ احْتِرازا

تَهُونُ طَرِيقُ سائِلِه إِلَيْهِ

وَإِنْ عَزَّ احْتِجاباً وَاحْتِجازا

فَتىً لَمْ يَسْتَكِنْ لِلدَّهْرِ يَوْماً

وَلَمْ تَضِقِ الْخُطُوبُ بِهِ الْتزازا

وَلَمْ يَكُ جُودُهُ فَلَتاتِ غِرٍّ

أُبادِرُ فُرْصَةً مِنْها انْتِهازا

صَلِيبٌ حِينَ تَعْجُمُهُ اللَّيالِي

وَغَيْرُ النَّبْعِ يَنْغَمِزُ انْغِمازا

يُغالِبُها اقْتِداراً واقْتِساراً

وَيَسْلُبُها ابْتِذالاً وابْتِزازا

عُلىً تُقْذِي الْعُيُونَ مِنَ الأَعادِي

وَتُنْبِتُ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَزازا

أَبا الذَّوادِ كَمْ لِي مِنْ مَقامٍ

لدَيْكَ وَكَمْ أَفادَ وكَمْ أَفازا

أُغِيرُ عَلَى نَداكَ وَكانَ حَقَّاً

لِجُودِكَ أَنْ يُغاوَرَ أَوْ يُغازا

وَما لِسَوامِ وَفْرِكَ مِنْكَ حامٍ

فَيَأْمَنَ سَرْحُهُ مِنِّي اخْتِزازا

عَمَمْتَ الشّامَ صَوْبَ حَياً فَلمّا

تَرَوّى الشّامُ ناهَضْتَ الْحِجازا

ص: 266

أُتِيحَ لَهُ وَقُيِّضَ مِنْكَ غَيْثٌ

حَوى خِصْبَ الزَّمانِ بِهِ وَحازا

فَأَمْطَرَهُ النَّدى لا ماءَ مُزْنٍ

وَأَنْبَتَهُ الْغِنى لا الْخازَبازا

سَقى بَطْحاءَ مَكَّةَ فَالْمُصَلّى

وَرَوَّضَ سَهْلَ طَيْبَةَ وَالْعَزازا

وَكُنْتَ إِذا وَطِئْتَ تُرابَ أَرْضٍ

رَبا بِنَداكَ واهْتَزَّ اهْتِزازا

إِذا لَمْ تَرْوِها الأَنْواءُ قَصْداً

كَفاها أَنْ تَمُرَّ بِها اجْتِيازا

رَأَى الْحُجّاجُ يَوْمَ حَجَجْت بَدْراً

وَبَحْراً لَنْ يغامَ وَلَنْ يُجازا

سُقُوا وَرُعُوا بِجُودِكَ لا اسْتِقاءً

أَيا جَمَّ السَّماحِ وَلا احْتِيازا

أَجَزْتَهُمُ الْمَخافَةَ لَمْ يُرابُوا

بِها رَيْباً وَمِثْلُكَ مَنْ أَجازا

وَأَرْهَبُ ما يَكُونُ السَّيْفُ حَدَّاً

إِذا ما فارَقَ السَّيْفُ الجَهازا

وَكَمْ لَكَ حِجَّةً لَمْ تَدْعُ فِيها

إِلى الْوَخْدِ الْمُضَبَّرَةَ الْكِنازا

صَنائِعُ كَمْ رَفَعَتَ بِها مَناراً

لِفَخْرٍ واتَّخَذْتَ بِها مَفازا

ص: 267

وَما جاراكَ فِي فَضْلٍ فَخارٌ

فَلَمْ تَجْتَزْ مَدى الْفَضْلِ اجْتِيازا

وَلا ساماكَ فِي عَلْياءَ إِلاّ

وَفُزْتَ بِها انْفِراداً وَانْفِرازا

لَبِسْتَ مِنَ الْفَضائِلِ ثَوْبَ فَخْرٍ

وَلكِنْ كُنْتَ أَنْتَ لَهُ الطِّرازا

105

وقال أيضاً يمدحه:

الخفيف

أَنْتَ لِلْمُسْلِمِينَ حِصْنٌ وَحِرزُ

وَلِراجِي نَداكَ ذُخْرٌ وَكَنْزُ

أَبَداً ما تَزالُ عَطْفاً عَلَيْهِمْ

وَدِفاعاً عَنْهُمْ تَحُجُّ وَتَغْزُو

أَصْبَحَتْ هذِهِ الرَّعِيَّةُ مِنْ عَدْ

لِكَ فِي ظِلّ نِعْمَةٍ لا تُبَزُّ

سَكَنَتْ مَعْقِلاً مِنَ الأَمْنِ لا تُزْ

عَجُ يَوْماً بِهِ وَلا تُسْتَفَزُّ

ما لَها مِنْ مُزِيلِ خَطْبٍ وَلا كا

شِفِ كَرْبٍ سِواكَ حِينَ تُلَزُّ

فَهْيَ مِنْ بعْدِ حَمْدِها الله لا يُسْ

مَعُ مِنْها بِغَيْرِ حَمْدِكَ رِزُّ

ص: 268

لا تَرى إِنْ دَعَتْ إِلى اللهِ أَوْلى

مَنْ دُعاءٍ تَبْقى بِهِ وَتَعِزُّ

وَمَعَ الرَّأْفَةِ الَّتِي أَلِفَتْ مِنْ

كَ فَفِي اللين شدة ومهز

رضتها لم تجر مقيماً لميل

ربما صَدَّعَ الْمُثَقَّفَ غَمْزُ

كَيْفَ يُبْطِي عَنْكَ الثَّناءُ وَقَدْ أَسْ

رَعَ جُودٌ يَحْدُوهُ حَثٌّ وَحَفْزُ

غَرَّقَ السَّائِلِينَ وَالنّجْدَ غَوْرٌ

وَحَمى العائِذِينَ وَالْوَهْدَ نَشْزُ

لا كَجُودٍ يُعْيِي وَيُعْنِفُ إِدْلا

ءٌ إِلى جَفْرِهِ الْعَمِيقِ وَنَهْزُ

ما رَأَيْْناكَ نابِياً عَنْ مَرامٍ

مُذْ هَزَزْناكَ وَالْحُسامُ يُهَزُّ

لا وَلا غَيَّرَتْكَ عَنْ طِيبِ أَعْرا

قِكَ هذِي الْخُطُوبُ وَالْبَزُّ بَزُّ

فَمَنِ الْمُرْتَجى لِلَهْفَةِ حُرٍّ

باتَ فِي صَدْرِهِ مِنَ الْهَمِّ وَخْزُ

يَتَحامى الشَّكْوى إِذا أَعْلَنَ النَّجْ

وى وَحَسْبُ الْكَرِيمِ لَمْحٌ وَلَمْزُ

قَدْ نَحَتْ عَظْمِيَ الْخُطُوبُ فَفِيهِ

بَيْنَ جِلْدِي وَالنَّحْضِ حَزٌّ وَجَزُّ

كَيْفَ يُغْضِي عَلَى النَّوائِبِ مُغْضٍ

وَلأَنْيابِهِنَّ نَهْشٌ وَنَكْزُ

ص: 269

فِي زَمانٍ بِهِ الرَّئِيسُ وَجِيهُ ال

دَّوْلَةِ الأَوْحَدُ الأَجَلُّ الأَعَزُّ

الّذِي بَيْنَنا وَبَيْنَ اللَّيالِي

أَبَداً مِنْ نَداهُ حَسْمٌ وَحَجْزُ

يا هُماماً ما شانَهُ قَطُّ لُؤْمٌ

يا غَماماً ما شابَهُ قَطَّ رِجْزُ

أَنْتَ أَحْمَيْتَ مَشْرَبِي وَهْوَ مَطْرُو

قٌ وَأَغْزَرْتَ مَطْلَبِي وَهْوَ نَزُّ

أَنْتَ أَهْضْتَنِي وَقَدْ خَرِقَ الْخَطْ

بُ فَلَمْ يُغْنِ فِيهِ رَكْلٌ وَهَمْزُ

أَنْتَ أَلْبَسْتَنِي مَلابِسَ نُعْمى

خَشِنٌ عِنْدَهُنَّ خَزُّ وَقَزُّ

قَدْ هَجَرْتُ الْوَرى إِلَيْكَ وَلمْ أَظ

لِمْ وَمَدْحِي سِواكَ لِلْمَدْحِ وَهْزُ

لا تُقِلُّ الرِّكابُ رَحْلِي وَلا يَحْ

مِلُ رِجْلِي إِلاّ لِقَصْدِكَ غَرْزُ

مَشْيُها الْقَهْقَرى إِلَيْهِمْ وَإِنْ أَمَّ

تْكَ يَوْماً فَالمَشْيُ وَثْبٌ وَجَمْزُ

وَإِذا الْبَحْرُ عَنَّ لِي وَهْوَ طامٍ

فَقُعُودِي مَعَ الصَّدى عَنْهُ عَجْزُ

ص: 270

لَيْسَ أَيّامُكَ الْمُنِيرَةُ لِلأَيّ

امِ إِلاّ حُلىً تَزِينُ وَطَرْزُ

أَنْتَ أَعْلى مِنْ كُلِّ ما ينْسِبُ النّا

سِبُ مِنْ سُؤْدُدٍ وَيَعْزُو

106

وقال يمدح الوزير كمال الدين أمين الملك أبا علي طاهر بن سعد بن علي المزدقاني:

الوافر

أَمِنَ الْمُلْكِ حَسْبُكَ مِنْ أَمِينِ

وُقِيتَ نَوائِبَ الزَّمَنِ الْخَؤُونِ

لِيَهْنِ الْمُلْكَ أَنَّكَ بِتَّ مِنُْ

بِمَنْزِلَةِ الْخَدِينِ مِنَ الْخَدِينِ

وَلَوْ تُحْبا بِقَدْرِكَ كُنْتَ مِنْهُ

مَكانَ التّاجِ مِنْ أَعْلى الْجَبِينِ

سَمَوْتَ بِهِمَّتَيْ عَزْمٍ وَحَزْمٍ

وَطُلْتَ بِشِيمَتَيْ كَرَمٍ وَدِينِ

فَما تَنْفَكُّ مِنْ فَضْلٍ عَمِيمٍ

عَلَى الْعافِي وَمِنْ فَضْلٍ مُبِينِ

ص: 271

كَأَنَّكَ مُطْلَقُ الْحَدَّيْنِ ماضٍ

أَفاضَتْ ماءهُ أَيْدِي الْقُيُونِ

صَفاءُ خلائِقٍ وَبَهاءُ خَلْقٍ

فَسَعْداً لِلْقُلُوبِ وَلِلْعُيُونِ

كَأَيّامِ الصِّبا حَسُنَتْ وَرَقَّتْ

وَأَيّامِ الصَّبابَةِ وَالشُّجُونِ

ظَنَنْتُ بِكَ الْجَمِيلَ فَكُنْتَ أَهْلاً

لِتَصْدِيقِي وَتَصْدِيقِ الظُّنُونِ

وَما شيِمَتْ سَحابُ نَداكَ إِلاّ

سَحَبْتُ ذَلاذِلَ الْحَمْدِ الْمَصُونِ

فَما بالِي جُفِيتُ وَكُنْتُ مِمَّنْ

إِلَيْهِ الشَّوْقُ مَجْلُوبُ الْحَنِينِ

أَبَعْدَ تَعَلُّقِي بِكَ مُسْتَعيذاً

وَأَخْذِي مِنْكَ بِالْحَبْلِ الْمَتِينِ

يُرَشَّحُ لِلْعُلى مَنْ لَيْسَ مِثْلِي

وَيُدْعى لِلغِنى مَنْ كانَ دُونِي

أَرى عِيدانَ قَوْمٍ غَيْرَ عُودِي

مِنَ الأَثْمارِ مُثْقَلَةَ الْغُصُونِ

وَمالِي لا أَذُمُّ إِلَيْكَ دَهْرِي

إِذا الْمُتَأَخِّرُونَ تَقَدَّمُونِي

وَما إِنْ قُلْتُ ذا حَسَداً لِحُرٍّ

أَفاقَ الدَّهْرُ فِيهِ مِنَ الْجُنُونِ

وَلكِنَّ الْعُمُومَ مِنَ الْغَوادِي

أَحَقُّ بِشِيمَةِ الْغَيْثِ الْهَتُونِ

ص: 272

لَقَدْ قَبَضَ الزَّمانُ يَدِي وَأَعْيَتْ

عَلَيَّ رِياضَهُ الْحَظِّ الْحَرُونِ

وَما اسْتَصْرَخْتُ فَيْضَ نَداكَ حَتّى

عَنانِي مِنْهُ بِالْحَرْبِ الزَّبُونِ

بَقِيتَ لِرَوْحِ مَكْرُوبٍ لَهِيفٍ

دعاكَ وَفَكِّ مأْسُورٍ رَهِينِ

وَعِشْتَ مُحَسَّدَ الأَيّامِ تَسْمُو

إِلى الْعَلْياءِ مُنْقَطِعَ القَرِينِ

107

وقال في مجلسه بديها، وقد عزم على السفر إلى العراق:

الخفيف

أَسْعَدَ اللهُ بِالْمَسِيرِ وَأَعْطى

فِيهِ عَزْمَ الْوَزِيرِ نَجْحاً وَنَصْرا

وَحَباهُ الْمُرادَ فِيهِ وَأَسْنى

مِنْهُ ذِكراً يَبْقى وَأَعْلاهُ قَدْرا

غَيْرُ نُكرٍ أَنْ تُدْرِكَ الْحَظَّ فِيهِ

كَمْ هِلالٍ قَدْ عادَ بِالسَّيْرِ بَدْرا

108

وقال يمدحه أيضاً:

الطويل

أَما وَعِتاقِ الْعِيسِ لَوْ وَجَدَتْ وَجْدِي

لَقَيَّدَ أَيْدِي الْواخِداتِ عَنِ الْوَخْدِ

إِذاً عَلِمَتْ أَنَّ الْوَجى لَيْسَ كَالْجَوى

وَحَبَّبَ ما يُنْضِي إِلَيْها الَّذِي يُرْدِي

ص: 273

دَعاها نَسِيمُ الْبانِ وَالرَّنْدِ بِالْحِمى

وَهَيْهاتَ مِنْها مَنْبِتُ الْبانِ وَالرَّنْدِ

يَطِيرُ بِها لُبّاً عَلَى الْقُرْبِ وَالنَّوى

وَيَحْمِلُها شَوْقاً عَلَى الْجَوْرِ وَالْقَصْدِ

وَلَوْلا الْهَوى لَمْ تَرْضَ بِالْجِزْعِ حاجِراً

وَلَمْ تَهْجُرِ الْغَمْرَ النَّمِيرَ إِلى الثَّمْدِ

أَجِدَّكَ ما تَنْفَكُّ بِالْغَوْرِ ناشِداً

فُؤادَاً بِنَجْدٍ يا لِقَلْبِكَ مِنْ نَجْدِ

وَإِنِّي لَتُصْمِينِي سِهامُ ادِّكارِكُمْ

وَإِنْ كانَ رامِي الشَّوْقِ مِنِّي عَلَى بُعْدِ

تَمادِي غَرامٍ لَيْسَ يَجْرِي إِلى مَدىً

وَفَرْطُ سَقامٍ لا يُقِيمُ عَلَى حَدِّ

وَما أَنْسَ لا أَنْسَ الْحِمى وَأَهِلَّةً

تُضِلُّ وَمِنْ حَقِّ الأَهِلَّةِ أَنْ تَهْدِي

زَمانٌ إِخالُ الْجَهْلَ فِيهِ مِنَ النُّهى

وَحَبٌّ أَعُدُّ الْغَيَّ فِيهِ مِنَ الرُّشْدِ

غَنِينَ وَما نَوَّلْنَ نَيْلاً سِوى الْجَوَى

وَبِنَّ وَما زَوَّدْنَ زاداً سِوى الْوَجْدِ

عَواطِفُ يُعْيِي عَطْفُها كُلَّ رائِضٍ

ضَعائِفُ يُوهِي ضَعْفُها قُوَّةَ الْجَلْدِ

ص: 274

إِذا نَظَرَتْ بَزَّتْ قُلُوباً أَعِزَّةً

وَإِنْ خَطَرَتْ هَزَّتْ قُدُودَ قَناً مُلْدِ

غَوالِبُ فَتْكٍ لَمْ يَصُلْنَ بِقُوَّةٍ

طَوالِبُ ثَأْرٍ لَمْ يَبِتْنَ عَلَى حِقْدِ

مِنَ الْمُصِبِياتِ الْمُحْيِياتِ بِدَلِّها

عَلَى خَطَإٍ وَالْقاتِلاتِ عَلَى عَمْدِ

فَوَدَّعْنَّ بَلْ أَوْدَعْنَ قَلْبِي حَزازَةً

وَخَلَّفْنَ فَرْدَ الشَّوْقِ بِالْعَلَمِ الْفَرْدِ

خَلِيلَيَّ ما أَحْلى الْحَياةَ لَوَانَّها

لِطاعِمِها لَمْ تَخْلِطِ الصّابِ بِالشُّهْدِ

لَقَدْ حالَتِ الأَيّامُ عَنْ حالِ عَهْدِها

وَمَنْ لِي بأَيامٍ تَدُومُ عَلَى الْعَهْدِ

سَلَبْنَ جَمالِي مِنْ شَبابٍ وَثَرْوَةٍ

وَوَفَّرْنَ حَظِّي مِنْ فِراقٍ وَمِنْ صَدِّ

وَأَنْحَيْنَ حَتّى ما تَرَكْنَ بَوارِياً

عَلَى الْعَظْمِ منْ نَحْضٍ لِبارٍ وَلا جلْدِ

وَما شاقَنِي أَنْ لَسْتُ مُسْتَعْدِياً عَلَى

نَوائِبِها إِلاّ لِقِلَّةِ مَنْ يُعْدِي

وَلا بُدَّ أَنْ أَدْعُو لِدَفْعِ خُطُوبِها

كَرِيماً فَإِنْ كانَ ابْنَ سَعْدٍ فَيا سَعْدِي

فَما عَنْ كَمالِ الدِّينِ فِي الأَرْضِ مَذْهَبٌ

لِحُرٍّ أَحاجَتْهُ الْخُطُوبُ وَلا عَبْدِ

ص: 275

وَإِنَّ اعْتِصامِي بِالْوَزِيرِ وَظِلِّهِ

يَدٌ لِلنَّدى ما مِثْلُها مِنْ يَدٍ عِنْدِي

وَأَيُّ مَرامٍ أَبْتَغِي بَعْدَ جُودِهِ

كَفى الْغَيْثُ مَنْ يُجْدى عَلَيْهِ وَمَنْ يُجْدِي

وَها أَنا قَدْ أَلْقَيْتُ رَحْلِي بِرَبْعِهِ

إِلى السُّؤدُدُِ الْعادِيِّ والكَرَمِ الْعِدِّ

إِلى هَضْبَةٍ شَمّاءَ عَزَّتْ عَلَى الذُّرى

وَفِي جُنَّةٍ حَصْداءَ جَلَّتْ عَنِ السَّرْدِ

إِلى أَوْحَدٍ أُهْدِي لَهُ الْحَمْدَ وَحْدَهُ

بَحَقٍّ وَلا يُهْدِي إِلَيَّ الْغِنى وَحْدِي

أَقَلُّ عَطاياهُ التَّوَقُّلُ فِي الْعُلى

وَأَدْنى سَجاياهُ التَّفَرُّدُ بِالْمَجْدِ

مُبِيدُ الْعِدى قَهْراً وَلَيْسَ بِمُعْتَدٍ

وَمُحْيِي الْوَرى بَذْلاً وَلَيْسَ بِمُعْتَدِّ

أَغَزُّ حِمىً مَنْ فازَ مِنْهُ بِذِمَّةٍ

وَأوْفَى غِنىً مَنْ باتَ مِنْهُ عَلَى وَعْدِ

فَتىً هَمُّهُ ما كانَ لِلْبِرِّ وَالتُّقى

وَمَغْنَمُهُ ما كانَ لِلأجْرِ وَالْحَمْدِ

مِنَ النّاقِدِينَ الْعاقِدِينَ عَنِ الْخَنا

مَآزِرَهُمْ وَالسّالِمِينَ عَلَى النَّقْدِ

مُجاوِرُهُمْ فِي الْخَوْفِ لِلْجارِ مَعْقِلٌ

وَوَفْدُهُمُ تفِي الْمَحْلِ مُنْتَجَعُ الْوَفْدِ

إِذا الْغَيثُ أَكْدى أَنْشَأَتْ مَكْرُماتُهُمْ

مَواطِرَ غَيْثٍ لا يُغِبُّ وَلا يُكْدِي

وإِنْ زَمَنُ الْوَرْدِ انْقَضى كانَ عِنْدَهُمْ

مَواهِبُ يُلْغى عِنْدَها زَمَنُ الْوَرْدِ

ص: 276

لَهُمْ مِنْ ذَوِي التِّيجانِ كُلُّ مُخَلَّدٍ

عَلَى فَقْدِهِ إِنَّ الثَّناءَ مِنَ الْخُلْدِ

وَمَجْدٌ حَماهُمْ طاهِرٌ أَنْ يُقَصِّرُوا

بِهِ عَنْ أَبٍ حازَ الْمَكارِمَ أَوْ جَدِّ

أَغَرُّ إِذا أَعْطى أَفادَ وَإِنْ سَطا

أَبادَ وَإِنْ أَبْدى أَعادَ الَّذِي يُبْدِي

مُنِيفٌ عَلَى هامِ الْمُسامِي كَأَنَّما

أطَلَّ مِنَ النَّشْزِ الْعَلِيِّ عَلَى وَهْدِ

يُرِيكَ اهْتِزازاً فِي الأَسِرَّةِ فَخْرُها

بِهِ واخْتِيالاً فِي الْمُطَهَّمَةِ الْجُرْدِ

وَتُعْزى إِلَيْهِ الْمَكْرُماتُ وَلَيْسَ لِلْ

كَواكِبِ أَنْ تُنْفى عَنِ الْقَمَرِ السَّعْدِ

جَدِيرٌ بِأَنْ يُبْدِي لَهُ عَفْوُ رَأْيِهِ

خَفِيَّةَ ما يُعْيِي الرِّجالَ مَعَ الْجَهْدِ

وَأَنْ يَسَعَ الأَمْرَ الَّذِي حَرِجَتْ بِهِ

مَذاهِبُ خَطِيِّ الْقَنا وَظُبى الْهِنْدِ

جَلَوْتَ الْقَذى عَنْ ناظِرِ الدِّينِ بَعْدَ ما

أَتاكَ بِعَيْنِ الشَّمْسِ في الأَعْيُنِ الرُّمْدِ

وَكُنْتَ ثِقافاً لِلْزَّمانِ فَلَمْ تَزَلْ

تُقَوِّمُ مِنْهُ كُلَّ أَعْوَجَ مُنْأَدِّ

فَلَمْ تُخْلِ سَرْحاً ذَلَّ راعِيهِ مِنْ حِمىً

وَلَمْ تُخْلِ ثَغْراً قَلَّ حامِيهِ مِنْ سَدِّ

أَخائِذُ دَيْنٍ باتَ يُمْنُكَ كافِلاً

لَهُ يَوْمَ أَمْضِيْتَ اعْتزامَكَ بالرَّدِّ

ص: 277

وَلَيْسَ بِبِدْعٍ مِنْكَ حَدُّ صَرِيمَةٍ

ثَنَتْ نُوَبَ الأَيّامِ مَفْلُولَةَ الْحَدِّ

وَفِي أَيِّ خَطْبٍ لَمْ تَكُنْ قاضِبَ الشَّبا

وَفِي أَيِّ فَضْلٍ لَمْ تَكُنْ ثاقِبَ الزَّنْدِ

كَأَنَّكَ مَجْبُورٌ عَلَى الْفَضْلِ وَحْدَهُ

فَمالَكَ مِنْ أَنْ تُدْرِكَ الْفَضْلَ مِنْ بُدِّ

إِلَيْكَ زَفَفْنا كُلَّ حَسْناءَ لَوْ عَدَتْ

عُلاكَ لَعادَتْ غَيْرَ مَلْثُومَةِ الْخَدِّ

مِنَ الْحالِياتِ الْعالِياتِ مَناصِباً

تُماثِلُ مِنْ قَبْلِي وَتَفْضُلُ مَنْ بَعْدِي

تُظَنُّ مُقِيماتٍ وَهُنَّ سَوائِرٌ

مُخَيِّمَةً تَسْرِي مُعَقَّلَةً تَخْدِي

رِواءٌ وَسَجدْفُ الْغَيْمِ لَيْسَ بِمُسْبَلٍ

ضَواحٍ وَجَيْبُ اللَّيْلِ لَيْسَ بمُنْقَدِّ

تَمُتُّ بِآمالٍ إِلَيْكَ كَأَنَّها

رِقابُ صَوادٍ يَعْتَرِكْنَ عَلَى وِرْدِ

وَما زِلْتَ لَبّاساً مِنَ الْحَمْدِ فَخْرَهُ

وَلكِنَّ غَيْرَ السَّيْفِ يَفْخَرُ بِالغِمْدِ

إِذا زَيَّنَ الْحَسْناءَ عِقْدٌ بِجِيدِها

فَأَحْسَنُ مِنُْ زِينَةً موْضِعُ الْعِقْدِ

أَتَيْتُكَ لِلْعَلْيا فَإِنْ كُنْتَ مُنْعِماً

فَبِالْعِزَّةِ الْقَعْساءِ لا الْعِيشَةِ الرَّغْدِ

إِذا نائِلٌ لَمْ يَحْبُنِي الْفَخْرَ نَيْلُهُ

فَإِنَّ انْقِطاعَ الرَّفْدِ فِيهِ مِنَ الرِّفْدِ

ص: 278

109

وقال يمدح الحاجب علي بن حامد الأتابكي، وعملها بديها في مجلسه على السكر:

المتقارب

أَتَطْمَعُ فِي الْوُدِّ مِنْ زاهِدِ

وَأَيْنَ الْخَلِيُّ مِنَ الْواجِدِ

وَكَمْ قَلَقْ لَكَ مِنْ ساكِنٍ

عَلَى سَهَرٍ لَكَ مِنْ راقِدِ

عَنانِي الْغَرامُ بِحُبِّ السَّقا

مِ شَوْقاً إِلى ذلِكَ الْعائِدِ

وَقَدْ كُنْتُ جَلْداً أَبِيَّ الْقِيا

دِ لَوْ أَنَّ غَيْرَ الْهَوى قائِدِي

وَمالِيَ فِي الدَّهْرِ مِنْ حامِدٍ

إِذا لَمْ أَعُذْ بِعُلى حامِدِ

هُوَ الْبَدْرُ يُشْرِقُ لِلْمُسْتَنِيرِ

هُوَ الْبَحْرُ يَزْخَرُ لِلوارِدِ

تَجَمَّعَ فِيهِ خِلالُ الْكِرامِ

وَقَد يُجْمَعُ الْفَضْلُ فِي واحِدِ

فَتىً يحْجُبُ الْفَضْلَ عَنْ طالِبِيهِ

وَلا يَحْجُبُ الرِّفْدَ عَنْ قاصَدِ

ص: 279

يَدُلُّ عَلَى جُودِهِ بِشْرُهُ

وَقَدْ يُعْرَفُ الرَّوْضُ بِالرّائِدِ

وَيَنْطِقُ عَنْ بَأْسِهِ سَيْفُهُ

بِشَيْطانِ فَتْكٍ لَهُ مارِدِ

وَمَنْ يَكُ مَوْلاهُ هذا الْمَجِيدُ

يَكُنْ فَوْقَ كُلِّ فَتىً ماجِدِ

110

وقال في بعض أولاد الرؤساء بديها:

البسيط

يا أَيُّها النَّجْمُ ما وَفَّيْتُهُ لَقَباً

وَأَنْتَ بَدْرٌ وَمِنْكَ الْبَدْرُ يَعْتَذِرُ

أَخُوكَ شَمْسٌ عَلَى الأَيّامِ طالِعَةٌ

فَكَيْفَ يُنْكِرُ خَلْقٌ أَنَّكَ الْقَمَرُ

111

وقال، وقد حضر في غداه مطيرة عند الأمير سيف الدولة عون بن الصقيل ودخل عليهم غلام حسن الوجه أول شربهم:

البسيط

لِلهِ يَوْمٌ سَقانا اللَّهْوُ وَالْمَطَرُ

بِهِ وَأُحْمِدَ مِنّا الْوِرْدُ وَالصَّدَرُ

ص: 280

يَوْمٌ كَفانا مِنَ اللَّذّاتِ أَنَّ بِهِ

لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ حَتّى زارَنا الْقَمَرُ

فِي قامَةِ الْغُصْنِ إِلاّ انَّهُ رَشَأٌ

فِي طَلْعَةِ الْبَدْرِ إِلاّ أَنَّهُ بَشَرُ

زِيارَةٌ لَيْتَ يَوْمِي لا يَكُونُ لَهُ

فِيها عِشاءٌ وَلَيْلِي ما لَهُ سَحَرُ

112

وقال في هذا اليوم أيضا، وقد حضر الأمير عضب الدولة أبق بن عبد الرزاق بديها:

الوافر

بِنَفْسِي مَنْ تُضِيءُ بِهِ الدَّياجِي

وَيُظْلِمُ حِينَ يَبْتَسِمُ النَّهارُ

وَمَنْ أَمَلِي لِزَوْرَتِهِ غُرُورٌ

وَمَنْ نَوْمِي لِفُرْقَتِهِ غِرارُ

يُكَدَّرُ وَصْلُهُ وَالْوُدُّ صافٍ

وَيَبْعُدُ كُلَّما قَرُبَ الْمَزارُ

وَأَحْلى ما ظَفِرْتَ بهِ وِصالٌ

إِذا هُوَ لَمْ يَشِنْهُ الانْتِظارُ

ص: 281

113

وقال، وقد قال له الأمير عضب الدولة: رأيت الهلال لائحا. وفوقه كوكبان يعلو أحدهما على الآخر، فشبهت جميع ذلك بكف تلقف كرتين:

الكامل

لاحَ الْهِلالُ كَما تَعَوَّجَ مُرْهَفا

وَالْكَوْكَبانِ فَأَعْجَبا بَلْ أَطْرَفا

مُتَتابِعَيْنِ تَتابُعَ الْكَعْبَيْنِ فِي

رُمْحٍ أُقِيمَ الصَّدْرُ مِنْهُ وَثُقِّفا

فَكَأَنَّهُ وَقَدِ اسْتَقاما فَوْقَهُ

كَفٌّ تُخالِفُ أُكرَتَيْنِ تَلَقُّفا

114

وقال فيه أيضاً بديها:

أحذ الكامل

لاحَ الْهِلالُ فَما يَكادُ يُرى

سُقْماً كَصَبٍّ شَفهُ الْخَبْلُ

كَالْفِتْرِ أَوْ كَالْحَجْلِ قَدْ فَتَحَتْ

مِنْهُ الْكَعابُ لِتَدْخُلَ الرِّجْلُ

وَالزُّهْرَةُ الزَّهْراءُ تَقْدُمُهُ

فِي الْجَوِّ وَهْوَ وَراءَها يَتْلُو

كَالْقَوْسِ فُوِّقَ سَهْمُها فَبَدا

مُتَأَلِّقاً فِي رَأْسِهِ النَّصْلُ

ص: 282

115

وقال بديها، وقد دخل على قوم في دار نزهة بطرابلس:

مجزوء الكامل

دارٌ يَدُورُ بِها السُّرُورُ

أَبَداً وَيَسْكُنُها الْحُبُورُ

ما إِنْ تُخِلُّ بِمَجْلِسٍ

فِيهِ الْبُدُورُ أَوِ الْبُحُورُ

تَحْدُو الْكُؤُوسَ سُقاتُها

وَكَأَنَّها فَلَكٌ يَدُورُ

116

وقال في نهر نورا:

الطويل

جَرى النَّهْرُ مِنْ شَوْقٍ إِلى ما حِلِ الثَّرى

وَأَجْرَيْتُ دَمْعاً شاقَهُ الْمَنْزِلُ الْقَفْرُ

فَلَوْ كُنْتَ يَوْمَ الْبَيْنِ شاهِدَ عَبْرَتِي

وَعَبْرَتِهِ لَمْ تَدْرِ أَيُّهُما النَّهْرُ

فَيا نَهْرَ ثَوْرا قَدْ أَثَرْتَ مِنَ الْهَوى

دَفِيناً أَجَنَّتْهُ الْجَوانِحُ وَالصَّدْرُ

فَلَو كانَ لِي صَبْرٌ كَفَفْتُ مَدامِعِي

وَلكِنَّ مَنْ يَشْتاقُ لَيْسَ لَهُ صَبْرُ

ص: 283

117

وقال في الكمثرى:

مجزوء الكامل

ثَمَرٌ كَأَنَّ بِهِ الَّذِي

بِي مِنْ جَوىً فِيه اصْفِرارُ

أَبْقى الْهَوى أَثَراً بِهِ

وَالسُّكْرُ يَتْبَعُهُ الْخُمارُ

118

وقال في الخيار:

الوافر

خِيارٌ حِينَ تَنْسُبُهُ خِيارُ

لرَيْحانِ السُّرُورِ بِهِ اخْضِرارُ

كَأَنَّ نَسِيمَهُ أَنْفاسُ حِبٍّ

فَلَيْسَ لِمُغْرَمٍ عَنْهُ اصْطِبارُ

119

وقال في النرد:

الرجز

أَقُولُ وَالْيَوْمُ بَهِيمٌ خَطْبُهُ

مُسْوَدُّ أَوْضاحِ الضُّحى دَغُوشُها

ص: 284

يُظْلِمُ فِي عَيْنَيَّ لا مِنْ ظُلْمَةٍ

بَلْ مِنْ هُمُومٍ جَمَّةٍ غُطُوشُها

وَالنَّرْدُ كالنّلوَرْدِ فِي مَجالِها

أَوْ كَالْمَجُوسِ ضمَّها ما شُوشُها

كأَنَّها دَساكِرٌ لِلشُّرْبِ أَوْ

عَساكِرٌ جائِشَةٌ جُيُوشُها

وَلِلْفُصُوصِ جَوْلَةٌ وَصَوْلَةٌ

تُحَيِّرُ الأَلْبابَ أَوْ تُطِيشُها

قاتَلَها اللهُ فَلا بُنُوجُها

تَرْفَعُ بِي رَأْساً وَلا شُشُوشها

أُرْسِلُها بِيضاً إِذا أرْسَلْتها

كَأَنَّها قَدْ مُحِيَتْ نُقُوشُها

كَأَنَّنِي أَقْرَأُ مِنْها أَسْطُراً

مِنَ الزَّبُور دَرَسَتْ رُقُوشُها

كَأنَّ نُكْراً أَنْ أَبِيتَ لَيْلَةً

مَقْمُورُها غَيْرِيَ أَوْ مَقمُوشُها

تُطِيعُ تقَوْماغً عَمَّهُمْ نَصُوحُها

وَخَصَّنِي مِنْ بَيْنِهِمْ غَشُوشُها

يُجِيبُهُمْ مَتى دَعَوْ أَخْرَسُها

وَإِنْ يَقُولُوا يَسْتَمِعْ أُطْرُوشُها

مُذَبْذَبِين دَأْبُهُمْ غَيْظِي فَما

تَسْلَمُ مِنْهُمْ عِيشَةٌ أَعِيشُها

كَأَنَّ رُوحِي بَينَهُم أَيْكِيَّةٌ

راحَتْ وَكَفُّ أَجْدَلٍ تَنُوشُها

يَبْتِكُ مِنْها لَحْمَها وَتارَةً

تَكادُ تَنْجُو فَيُطارُ رِيشُها

إِذا احْتَبى أَبُو الْمُرَجّا فِيهِمُ

فَهامُنا مائِلَةٌ عُرُوشُها

ص: 285

كأَنَّما شَنَّتْ قُشَيْرٌ غارَةً

عَجْلانُها الْخُرّابُ أَوْ حَرِيشُها

كَأَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَ مِنْهُ قُطِعَتْ

خَمْسُ أَفاعٍ مُرْعِبٌ كَشِيشُها

أَظْفارُها أَنْيابُها فَطالَما

نَيَّبَ قَلْبي وَيَدِي نَهُوشُها

لا يَأْتَلِي مِنْ ذَهَبٍ يَلُفُّهُ

مِنِّي وَمِنْ دراهِمٍ يَحُوشُها

وَمِنْ خِرافٍ لَهُمُ مِنْها الَّذِي

طابَ وَلِيَ ما ضُمِّنَتْ كُرُوشُها

وَمِنْ دَجاجاتٍ إِذا ما كرْدِنَتْ

كَأَنَّما شَكَّ فُؤادِي شِيشُها

120

وقال ارتحالا:

الطويل

أُرانِيَ مِنْ رَوْعاتِ بَيْنِكَ نازِلاً

عَلَى حَرَكاتٍ ما لَهُنَّ سُكُونُ

وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّ الأَسى غَيْرُ قاتِلِي

عَلَيْكَ وَأَنَّ الصَّبْرَ عَنْكَ يَهُونُ

ص: 286

121

وقال أيضاً بحلب، وكتبهما إلى الأمير أبي العتيان بن حيوس، سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة:

الكامل

لَمْ يَبْقَ عِنْدِي ما يُباعُ بِحَبَّةٍ

وَكَفاكَ مِنِّي مَنْظَرٌ عَنْ مَخْبَرِ

إِلا بَقِيَّةُ ماءِ وَجْهٍ صُنْتُها

عَنْ أَنْ تبُاعَ وَأَينَ أَيْنَ الْمُشْتَرِي

122

وقال أيضاً:

المديد

ما عَلَى العُذّالِ مِنْ سَقَمِي

أَبِجِسْمِي ذاكَ أَمْ بهِمِ

لائِمِي فِي الْحُبِّ وَيْحَكَ لَوْ

ذُقْتَ طَعْمَ الْحُبِّ لَمْ تَلُمِ

هَلْ تُرِيحُ الْجَفْنَ مِنْ سَهَرٍ

أَمْ تُداوِي الْقَلْبَ مِنْ أَلَمِ

ص: 287

123

وقال يمدح أبا المنى فضل بن يوحنا:

الكامل

يا دَهْرُ قَدْ عَدَّيْتُ عَنْكَ طِلابِي

وَمَلَلْتُ مِنْ أَرْيٍ لَدَيْكَ وَصاب

وَرَأَيْتُ صَرْفَكَ بِالْكِرامِ مُوَكَّلاً

فَعَرَفْتُ وَجْهَ غَرامِهِ بِعِقابِي

ما فَوْقَ جَوْرِكَ مِنْ مَزِيدٍ بَعْدَما

عِنْدِي فَذَرْنِي يا زَمانُ لِما بِي

أَتَظُنُّ أَنَّكَ ضائِرِي بِأَشَدَّ مِنْ

عُدْمِ الشَّبابِ وَفُرْقَةِ الأَحْبابِ

لا وَالَّذِي جَعَلَ الْغِنى بِأَبِي الْمُنى

سَهْلاً مَطالِبُهُ عَلَى الطُّلابِ

بِإَغَرَّ تُسْكِرُ صَحْبَهُ أَخْلاقُهُ

وَالْخَمْرُ جائِرَةٌ عَلَى الأَلْبابِ

خَضِلٍ أَنامِلُهُ مَتى أَسْتَسْقِهِ

فَالْغَيْثُ غَيْثِي وَالسَّحابُ سَحابِي

أَنا أَوْحَدُ الشُّعَراءِ فاحْبُ قَرائِحِي

بِكَ رُتْبَةً يا أَوْحَدَ الْكُتّابِ

إِنِّ خَلَعْتُ عَلَيْك بُرْدَ مَدائِحي

وَلَوِ اسْتَطَعْتُ خَلَعْتُ بُرْدَ شَبابِي

ص: 288

124

وقال يمدح المكين وجيه الدولة أبا محمد إسماعيل بن أبي الرضي المحسن بن الحسن الأنصاري:

الطويل

أَصُونُ لِسانِي وَالْجَنانُ يُذالُ

وَأَقْصِرُ بَثِّي وَالشُّجُونُ طِوالُ

وَأَحْبِسُ عَنْ قَوْمٍ عِنانَ قَصائِدِي

وَقَدْ أَمْكَنَ الطَّرْفَ الْجَوادَ مَجالُ

تُذَمُّ اللَّيالِي إِنْ تَعَذَرَ مَطْلَبٌ

وَأَوْلى لَعَمْرِي أَنْ تُذَمَّ رِجالُ

وَما أُلْزِمُ الأَيّامَ ذَنْبَ مَعاشِرٍ

لِدَرِّهِمُ قَبْلَ الرَّضاعِ فِصالُ

وَآلِ غِنىً جَمٍّ هُمُ الْبَحْرُ ثَرْوَةً

وَلكِنَّهُمْ عِنْدَ النَّوائِبِ آلُ

لَوَ أنَّ بِلالاً جاءهُمْ بِمُحَمَّدٍ

لَعادَ وَما فِي فِيهِ مِنْهُ بِلالُ

خَلِيلَيَّ ما كُلُّ الْعَسِيرِ بِمُعْجِزٍ

مَرامِي وَلا كُلُّ الْيَسِيرِ يُنالُ

وَلَيْسَ أَخُو الْحاجاتِ مَنْ باتَ راضِياً

بِعَجْزٍ عَلَى الأَقْدارِ فِيهِ يُحالُ

ص: 289

تَقَلَّبْتُ فِي ثَوْبِي رَخاءٍ وَشِدَّةٍ

كَذلِكَ أَحْوالُ الزَّمانِ سِجالُ

وَقَدْ وَسَمَتْنِي الأَرْبَعُونَ بِمَرِّها

وَحالَتْ بِشَيْبِي لِلْشَّبِيبَةِ حالُ

فَلَيْتَ الَّذِي أَرْجُو مِنَ الْعُمْرِ بَعْدَها

يَطِيبُ بِهِ عَيْشٌ وَيَنْعَمُ بالُ

يَقُولُ أناسٌ كَيْفَ يُعْجزُكَ الْغِنى

وَمِثْلُكَ يَكْفِيهِ الْفِعالَ مَقالُ

وَما عِنْدَهُمْ أَنَّ السُّؤالَ مَذَلَّةٌ

وَنَقْصٌ وَما قَدْرُ الْحَياةِ سُؤالُ

تَرَفَّعَتُ إِلاّ عَنْ نَدى ابْنِ مُحَسِّنٍ

وَخَيْرُ النَّدى ما كانَ فِيهِ جَمالُ

وَعِنْدَ وَجِيهِ الدَّوْلَةِ ابْنِ رَشِيدِها

سَماحٌ وَبَذْلٌ غامِرٌ وَنَوالُ

وَأَخْلاقُ غَيْثٍ كُلما جِئْتُ صادِياً

وَرَدْتُ بِهِنَّ الْعَيْشَ وَهْوَ زُلالُ

وَبِشْرٌ إِلى الزُّوّارِ فِي كُلِّ لَزْبَةٍ

بِهِ تُلْقَحُ الآمالُ وَهْيَ حِيالُ

تَدانَتْ بِهِ الْغاياتُ وَهْيَ بَعِيدَةٌ

وَخَفَّتْ بِهِ الْحاجاتُ وَهْيَ ثِقالُ

وما البِشْرُ إِلاّ رائِدٌ بَعْدَهُ الْحَيا

أَلا إِنَّما وَعْدُ السَّحابَةِ خالُ

مَتى أَرجُ إِسمعيلَ لِلْعِزِّ وَالْغِنى

فَما هُوَ إِلاّ عِصْمَةٌ وَثِمالُ

فَتىً ظافَرَتْ هِمّاتُهُ عَزَماتِهِ

كَما ظافَرَتْ سُمْرَ الصِّعادِ نِصالُ

ص: 290

هُوَ الْبَدْرُ إِلا أَنَّهُ لا يُغِبُّهُ

عَلَى طُولِ أَوْقاتِ الزَّمانِ كَمالُ

مِنَ الْقَوْمِ ذادَ النّاسَ عَنْ نَيْلِ مَجْدِهِمْ

قِراعٌ لَهُمْ دُونَ الْعُلى وَنِضالُ

نِبالُ الْمَساعِي ما تَزالُ ثَوابِتاً

لَهُمْ فِي قُلُوبِ الحاسِدِينَ نِبالُ

إِذا قاوَلُوا بِالأَحْوَذِيَّةِ أَفْحَمُوا

وَإِنْ طاوَلُوا بِالْمَشْرَفِيَّةِ طالُوا

أُولئِكَ أَنْصارُ النَّبِيِّ وَرَهْطُهُ

إِذا عُدَّ فَخْرٌ باهِرٌ وَجَلالُ

أَأَزْعُمُ أَنْ لا مالَ لِي بَعْدَ هذِهِ

وَجُودُكَ ذُخْرٌ لِلْمُقِلّ وَمالُ

وَمَنْ سارَ يَسْتَقْرِي نَداكَ إِلى الْغِنى

فَلَيْسَ بِمَخْشِيٍّ عَلَيْهِ ضَلالُ

وَما جَوْهَرُ الأَشْياءِ وَالْخَلْقِ خافِياً

إِذا ما طِباعٌ مُيِّزَتْ وَخِلالُ

لَفَضَّلَ ما بَيْنَ السُّيُوفِ مَضاؤُها

وَفَضَّلَ ما بَيْنَ الرِّجالِ فِعالُ

تَأَخَّرَ عَنْكَ الْمَدْحُ لا عَنْ تَجَنُّبٍ

وَلكِنَّهُ الْمَعْشُوقُ فِيهِ دَلالُ

وَعِنْدِي ثَناءٌ لا يُمَلُّ كَما انْثَنى

إِلى عاشِقٍ بَعْدَ الصُّدُودِ وِصالُ

يُزانُ بِهِ عِرْضُ الْفَتى وَهْوَ ماجِدٌ

كَما زانَ مَتْنَ الْمَشْرَفِيِّ صِقالُ

وَلا بُدَّ لِي مِنْ دَوْلَةٍ بِكَ فَخْمَةٍ

بِها مِنْ صُرُوفِ النّائِباتِ أُدالُ

وَمِنْ نِعْمَةٍ خَضْراءَ عِنْدَكَ غَضَّةٍ

يُمَدُّ عَلَيْها لِلنَّعيمِ ظِلالُ

ص: 291

فَلا يَسْتَرِثْ مِيعادَ مَجْدِكَ جاهِلٌ

فَما عِنْدَ مَجْدِ الأَسْعَدينَ مِطالُ

فَإِنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ فِي حِنْدِسِ الدُّجى

يُرَيْنَ بَطِيئاتٍ وَهُنَّ عِجالُ

وَهَلْ لِلْوَرى إِلاّ عَلَيْكَ مُعَوَّلٌ

وَهَلْ لِلعُلى إِلاّ إِلَيْكَ مَآلُ

فَما الْمَجْدُ إِلاّ لِلْكِرامِ مَمالِكٌ

وَلا النّاسُ إِلاّ لِلْكُفاةِ عِيالُ

إِذا ما الْقَوافِي بَشَّرَتْكَ بِمَطْلَبٍ

وَفى لَكَ مِنْها بِالْحقائِقِ فالُ

125

وقال أيضاً يمدحه:

الكامل

أَدْنى اشْتِياقِي أَنْ أَبِيتَ عَلِيلاً

وَأَقَلُّ وَجْدِي أَنْ أَذُوبَ نُحُولا

كَمْ أَكْتُمُ الشُّوْقَ الْمُبَرِّحَ وَالْهَوى

وَكَفى بِدَمْعِي وَالسَّقامِ دَلِيلا

فَالْيَوْمَ قَدْ أَمْضى الصُّدُودُ تَلَدُّدِي

وَأَعادَ حَدَّ تَجَلُّدِي مَفْلُولا

أَشْكُو فَيَنْصَدِعُ الصَّفا لِيَ رِقَّةً

لَوْ كانَ يَرْحَمُ قاتِلٌ مَقْتُولا

وَأَذِلُّ مِنْ كَمَدٍ وَفَرْطِ صَبابَةٍ

وَالْحُبُّ ما تَرَكَ الْعَزِيزَ ذَلِيلا

ص: 292

يا لَيْتَنِي إِذْ خانَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ

يَوْماً وَجَدْتُ إِلى السُّلُوِّ سَبِيلا

ما لِي شُغِلْتُ بِحُبِّ مَنْ لا يَنْثَنِي

كَلِفاً بِغَيْرِ مُحِبَّهِ مَشْغُولا

ما لِي أَرى بَرْدَ الشَّرابِ مُعَرَّضاً

فأُذادُ عَنْهُ وَما شَفَيْتُ غَلِيلا

مَنْ مُسْعِدِي مَنْ عاذِرِي مَنْ راحِمِي

مَنْ ذا يُعِينُ مُتَيَّماً مَخْبُولا

يا عاذِلِي أَرَأَيْتَ مَغْلُوبَ الْحَشا

يَعْصِي الصَّبابَةَ أَوْ يُطِيعُ عَذُولا

لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ ما لَقِيتُ مِنَ الْهَوى

لَوَجَدْتَنِي لِلنّائِباتِ حَمُولا

ما لِي عَلَى صَرفِ الْحَوادِثِ مُسْعِدٌ

إِلاّ رَجاءُ سَماحِ إِسْماعِيلا

الْماجِدُ الْغَمْرُ الأَبِيُّ الأَوْحَدَ الْ

بَرُّ الْوَفِيُّ الْباذِلُ الْمَأْمُولا

مَنْ لا يَرى أَنَّ الْجَوادَ بِمالِهِ

مَنْ لا يَكُونُ عَلَى الْعَلاءِ بَخِيلا

الْجاعِلُ الْفِعْلَ الْجَمِيلَ ذَرِيعَةً

إِبَداً إِلى حَمْدِ الْوَرى وَوَسِيلا

مَنْ لا يَعُدُّ الْبَحْرَ نَهْلَةَ شابِبٍ

يَوْماً وَلا الْخَطْبَ الْجَلِيلَ جَلِيلا

قَدْ نالَ مِنْ شَرَفِ الْفِعالِ ذَخِيرَةً

تَبْقى إِذا كادَ الزَّمانُ يَزُولا

وَاسْتَخْلَصَ الْحَمْدَ الْجَزِيلَ لِنَفْسِهِ

فَحَواهُ وَاتَّخَذَ السَّماحَ خَلِيلا

ما إِنْ تَراهُ الدَّهْرَ إِلا قائِلاً

لِلْمَكْرُماتِ الْباهِراتِ فَعُولا

ص: 293

إِنْ سِيلَ عِنْدَ الْجُودِ كانَ غَمامَةً

أَوْ عُدَّ يَوْمَ الْبَأْسِ كانَ قَبِيلا

هِمَماً تَطُولُ بِحَزْمِهِ وَعَزائِما

بُتْكاً كَما اخْتَرَطَ الْكُماةُ نُصُولا

وَمَناقِباً لا يَأْتَلِينَ طَوالِعاً

أَبَداً إِذا هَوَتِ النّجُومُ أُفُولا

وَإِلى وَجِيهِ الدَّوْلَةِ ابْنِ رَشِيدِها

حَمْداً كَنائِلِهِ الْجَزِيلِ جَزِيلا

مِنْ مَعْشَرٍ كانُوا لأُماتِ الْعُلى

أَبَداً فُحُولاً أَنْجَبَتْ وَبُعُولا

الْباهِرِينَ فَضائِلاً وَالْغامِرِي

نَ نَوافِلاً وَالطَّيِّبِينَ أُصُولا

يَابْنَ الْمُحَسِّنِ طالَ ما أَحْسَنْتِ بِي

كَرَماً يَبِيتُ مِنَ الزَّمانِ مُدِيلا

إِنْ كانَ يَقْصُرُ عَنْكَ ثَوْبُ مَدائِحِي

فَلَقَدْ يَكُنُ عَلَى سِواكَ طَوِيلا

مَنْ ذا يَقُومُ بِشُكْرِ ما أَوْلَيْتَهُ

حَمَّلْتَنِي مَنّاً عَلَيَّ ثَقِيلا

فَلأَشْكُرَنَّكَ ما تَغَنّى تائِقٌ

طَرِبٌ وَما دَعَتِ الْحَمامُ هَدِيلا

ولأَمْنَحَنَّكَ مِنْ ثَنائِي مِقْوَلاً

ما كانَ قَبْلَكَ فِي الزَّمانِ مَقُولا

لا تَسْقِنِي إِلاّ بِكَفِّكَ إِنَّما

خَيْرُ السَّحائِبِ ما يَبِيتُ هَمُولا

قَدْ آمَنَتْكَ الْمَكْرُماتُ الْغُرُّ أَنْ

أُمْسِي لِغَيْرِكَ عافِياً وَنَزِيلا

حاشا لِنائِلِكَ الَّذِي عَوَّدْتَنِي

مِنْ أَنْ أَرى لَكَ مُشْبِهاً وَمَثِيلا

هَبْ لِي نَصِيباً مِنْ شَمائِلِكَ الَّتِي

لَوْ كُنَّ مَشْرُوباً لَكُنَّ شَمُولا

وَاسْلَمْ عَلَى الأَيّامِ تَكبِتُ حاسِداً

وَتُذِلُّ أَعْداءً وَتَبْلُغُ سُولا

ص: 294

126

وقال أيضاً:

المتقارب

أَسُومُ الْجِبابَ فَلا خَزَّها

أُطِيقُ ابْتِياعاً وَلا صُوفَها

وَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلى جُبَّةٍ

لِمَنْ لَيْسَ يَمْلِكُ تَصْحِيفَها

فسأله إنسان أن يتم عليهما بيتين آخرين، ويبعثها على يده إلى ابن أبي الرضا، وهو الممدوح، والسائل المقترح أبو طاهر، فقال:

فإن أَمْكَنَتْ بِأَيادِي الْمَكِينِ

فَما زِلْتُ أَعْرِفُ مَعْرُوفَها

وَكَمْ بَرَزَ الرَّوْضُ فِي حُلَّةٍ

تَوَلَّتْ يَدُ الْغَيْثِ تَفْوِيفَها

127

وقال يستهدي مقلمة من الفقيه أبي الحسن علي بن أحمد بن منصور الغساني:

ص: 295

المتقارب

أَبا حَسَنٍ أَنْتَ أَهْلُ الْجَمِيلِ

فَهَلْ لَكَ هَلْ لَكَ فِي مَكْرُمَهْ

يُفِيدُ بِها الْحَمْدَ مَنْ نَفْسُهُ

مُتَيَّمَةٌ بِالْعُلى مُغْرَمَهُ

وَما زِلْتَ تَرْفَلُ فِي بُرْدِهِ

وَتَلْبَسُ أَثْوابَهُ الْمُعْلَمَهْ

ثَناءٌ يَعُزُّ الْوَرى جَحْدُهُ

كَما عَزَّكَ الْمِسْكُ أَنْ تَكْتُمَهْ

وَمَنْ كانَ يَبْغِي لَدَيْكَ النَّوالَ

فَلَسْتُ بِباغٍ سِوى مَقْلَمَهْ

تُرى وَهْيَ مُسْمَنَةٌ ظاهِراً

وَلكِنَّها باطِناً مُسْقَمَهْ

كَأَنَّ حَشاها فُؤادُ الْخَلِ

يِّ لَمْ يَصْلَ نارَ الْهَوى الْمُضْرَمَهْ

إِذا أُهْدِيَتْ وَهْيَ صِفْرٌ رَأَيْ

تَ صُورَةَ مُتْأَقَةٍ مُفْعَمَهْ

وَإِن جُدْتَ فِيها بِأَقْلامِه

جَمَعْتَ الذَّوابِلَ فِي مَلْحَمَهْ

فَكَمْ ثَمَّ مِنْ زاعِبِيٍّ تَخالُ

مَكانَ المِدادِ بِهِ لَهْذَمَهْ

إِذا ما طَعَنْتَ بِهِ مَطْلَباً

سَفَكْتَ بِغَيْرِ جُناحٍ دَمَهْ

كَمِثْلِ الْكِنانَةِ يَوْمَ النَّضا

لِ أَوْدَعَها نابِلٌ أَسْهُمَهْ

مُضَمَّنَةٌ آلَةً لِلسُّمُ

وِّ تُثْرِي بِها الْهِمَّةُ الْمُعْدِمَهْ

ص: 296

إِذا فُتِحَتْ أَبْرَزَتْ أَنْصُلاً

كَما فَغَر اللَّيْثُ يَوْماً فَمَهْ

لَكَ الفَضْلُ فِي صُنْعِها إِنَّها

بِلُطْفِكَ مَلْمُومَةٌ مُحْكَمَهْ

يَنُمُّ بِهِ ماكَسَتْها يَدا

كَ مِنْ مَعْجِزِ الْوَشْيِ وَالنَّمْنَمَهْ

كَأَنَّ عَلَيْها لأَخْلاقِكَ الْ

حِسانِ مِنَ الظَّرْفِ أَبْهى سِمَهْ

سَرى بِكَ عِلْمُكَ مَسْرى الْبُدُورِ

فَقَصَّرَ مَنْ قالَ ما أَعْلَمَهْ

وَأَكَّدَ عَقْدَك أَنَّ الْجَمِي

لَ لَيْسَ لِبانِيهِ أَنْ يَهْدِمَهْ

وَوَفْدِ ثَناءٍ بَعَثْنا إِلَيْ

كَ يَشْتاقُ أَهْلُ النُّهى مَقْدَمَهْ

جَمَعْتُ صِفاتِكَ فِي سِلْكِهِ

لِمَنْ وَجَدَ الدُّرَّ أَنْ يَنْظِمَهْ

128

وقال يهنيء الأمير جاروخ بولد:

البسيط

مُلِّيتَ بَدْراً تُهَنّاهُ وَضِرْغاما

تَحْوِي بِهِ لِلْعِدى كَبْتاً وَإِرْغاما

ص: 297

سَمّاهُ مَجْدُكَ بَهْراماً لأَنَّ لَهُ

سَعْداً يُطاوِلُ كَيْواناً وَبهْراما

قَدْ عادَ مِنْ نُورِهِ الإِظْلامُ وَهْوَ ضُحىً

مِنْ بِعْدِ ما غادَرَ الإِصْباحَ إِظْلاما

بُشْراكَ أَنَّكَ ما تَنْفَكُّ تُلْبِسُهُ النُّ

عْمى وَتَلْبَسُ إِجْلالاً وَإِعْظاما

يا أَكْرَمَ النّاسِ آباءً وَأَشْرَفَهُمْ

عِنْدَ التَّفاخُرِ أَخْوالاً وَأَعْماما

أَطْلَعْتَ بِالشّامِ مِنْ بَهْرامَ بَدْرَ دُجىً

أَضْحى العِراقُ عَلَيْهِ يَحْسُدُ الشّاما

فَاسْعَدْ بِهِ دائِمَ النَّعْماءِ مُعْتَلِياً

عَلَى الزَّمانِ وَخَيْرُ الْعَيْشِ ما داما

129

وقال بديها، وقد استدعاه إلى مجلسه خاطبا لمدحه:

المجتث

دَعانِي الأَمِيرُ فَلَبَّيْتُهُ

وَلِمْ لا أُلَبِّيكَ يا خَيْرَ داعِ

فَوافَيْتُ أَزُهَرَ رَحْبَ الذِّراعِ

شَدِيدَ الْمِصاعِ شَريفَ المَساعِي

كَرِيمَ الْفَعالِ غَرِيبَ النَّوالِ

غَرِيمَ نِضالِ الْعِدى والْقِراعِ

وَقَدْ كُنْتُ أَنْتَجِعُ الأَكْرَمِينَ

فَقُلْ فِي كَرِيمٍ حَداهُ انْتِجاعِي

ص: 298

أَشَمْسَ الأَنامِ وَمَوْلى الْكِرامِ

وَتِرْبَ الْغَمامِ وَرَبَّ الزِّماعِ

سَاشْكُرُ ما دُمْتُ فِي الْعالَمِينَ

مَكارِمَ أَحْسَنَّ فِيكَ اصْطِناعِي

أُطيلُ الثَّناءَ عَلى ماجِدٍ

أَطالَ عَلَى نُوَبِ الدَّهْرِ باعِي

130

وقال في مجلسه بديها:

الرمل

قُلْتُ لِلسّاقِي وَقَدْ طافَ بِها

قَهْوَةً مَصْبُوغَةً مِنْ وَجْنَتَيْهِ

أَتُرى مِنْ دَنِّهِ أَتْرَعَها

أَمْ تُرى أَتْرَعَها مِنْ مُقْلَتَيْهِ

أَمْ تَراهُ شارِباً مِنْ رِيقِهِ

ضِعْفَ ما يَشْرَبُ قَوْمٌ مِنْ يَدَيْهِ

فَأَرى أَعْطافَهُ شاهِدَةً

أَنَّهُ قَدْ جارَتِ الْكَأْسُ عَلَيْهِ

مَنْ يَكُنْ هامَ مِنَ الْوَجْدِ بِهِ

فَلَقَدْ ذُبْتُ مِنَ الشَّوْقِ إِلَيْهِ

ص: 299

131

وقال في مجلسه بديها، وقد وقع القدح من يد الساقي فانكسر:

المتقارب

أَتُرى أَبْصَرَهُ مِثْلِي الْقَدَحْ

فَغَدا زَنْدُ حَشاهُ يُقْتَدَحْ

وانْثَنَى مُنْكَسِراً مِنْ وَجْدِهِ

بِكَسِيرِ الطَّرْفِ كَالظَّبْيِ سَنَحْ

قَمَرٌ يَسْعَدُ لَوْ يُشْبِهُهُ

قَمَرُ اللَّيْلِ إِذا اللَيْلُ جَنَحْ

لَبِسَ الْحُسْنَ كَشَمْسِ الدَّوْلَةٍ الْ

مَلْكِ إِذْ يَلْبَسُ مَعْشُوقَ الْمِدَحْ

132

وقال عند انصرافه:

الطويل

أَرُوحُ وَقَلْبِي عَنْكَ لَيْسَ بِرائِحِ

وَذِكْرُكَ باقِي الشَّوْقِ بَيْنَ الْجَوانِحِ

وَحَسْبِي شَمْسَ الدَّوْلَةِ الْمَلْكُ غايَةً

مِنَ الْفَخْرِ أَنْ تُهْدِى إِلَيْكَ مَدائِحِي

وَقَدْ كانَ شِعْرِي يَفْضَحُ الشِّعْرَ كُلَّهُ

فَأَمْسى بِما تُولِي سَماحُكَ فاضِحِي

ص: 300

133

وقال في العميد أبي الحسن علي بن الحسين بن الجسطار:

البسيط

قُلْ لِلْعَمِيدِ عِمِيدِ الْمُلْكِ إِنَّ لَهُ

عَزْماً يُؤَمَّلُ لِلدُّنْيا وَلِلدِّينِ

يا خَيْرَ مَنْ شَعَفَ الْحَمْدُ الْجَزِيلُ لَهُ

قَلْباً بِغَيْرِ الْمَعالِي غَيْرَ مَفْتُونِ

ما بالُ بابِكَ مَفْتُوحاً لِداخِلِهِ

وَلَسْتُ أَلْقاهُ إِلاّ مُغْلَقاً دُونِي

إِنِّي أَعُوذُ بِعَطْفٍ مِنْكَ أَعْرِفُهُ

ما زالَ يَقْتُلُ أَعْدائِي وَيُحْيِينِي

مِنْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمُ

شَيْئاً سِوى الْحَظِّ يُدْنِيهِمْ وَيُقْصِينِي

134

وقال أيضاً يمدحه:

الطويل

وكُنْتُ إِذا ما رابَنِي الدَّهْرُ مَرَّةً

وَقَدْ وَلَدَ الدَّهْرُ الْكِرامَ فَأَنْجَبا

دَعَوْتُ كَرِيماً فَاسْتَجابَ لِدَعْوَتِي

أَغَرَّ إِذا ما رادَهُ الظَّنُّ أَخْصَبا

إِذا كُنْتَ راجِي نِعْمَةٍ مِنْ مُؤَمَّلٍ

فَحَسْبِيَ أَنْ أَرْجُو الْعَمِيدَ الْمُهَذَّبا

ص: 301

عَسى جُودُهُ الْمأْمُولُ يَنْتاشُ هالِكاً

أَسِيرَ زَمانٍ بِالْخُطُوبِ مُعَذَّبا

أَرى الدَّهْرَ لا يَزْدادُ إِلاّ فَظاظَةً

عَلَيَّ وَلا أَزْدادُ إِلاّ تَعَتُّبا

فَكُنْ لِبَنِي الأَحْرارِ حِصْناً وَمَعْقِلاً

إِذا خانَهُمْ صَرْفُ الزَّمانِ وَخَيَّبا

سِواكَ يُعابُ الْمادِحُونَ بِنَيْلِهِ

وَغَيْرُكَ مَنْ آبى لِجَدْواهُ مَطْلَبا

135

وقال يقتضي ناهض الملك أبا الحسن علي بن الزراد حاجة:

المتقارب

أَيا ناهِضَ الْمُلْكِ أَيُّ الثَّناءِ

يَقُومُ بِشُكْرِكَ أَوْ يَنْهَضُ

وَمَنْ ذا يَراكَ فَيَدْعُو سِوا

كَ يَوْماً لِخَطٍْ إِذا يُرْمِضُ

وَكَيْفَ وَلَمّا تَزَلْ لِلنَّدى

مُحِباًّ إِذا كَثُرَ المُبْغِضُ

فَتَعْطِفُ غِنْ صَدَّ عَنْهُ اللِّئامُ

وَتُقْبِلُ بِالوُدِّ إِنْ أَعْرَضُوا

دَعانِيَ بِشْرُكَ قَبْلَ النَّوالِ

وَأَثْرى بِهِ الأَمَلُ الْمُنْفِضُ

ص: 302

وَأَحْرى الحَيا أَنْ يُرَوِّي الثَّرى

حَياً باتَ بارِقُهُ يُومِضُ

وَأَطْعَمَنِي فِي نَداكَ الْجَزِيلِ

خَلائِقُ يُشْفى بِها الْمُمْرَضُ

وَوَجْهُكَ وَالْفِعْلُ إِذْ يُشْرِقانِ

كَأَنَّهُما عِرْضُكَ الأَبْيَضُ

فَإِمّا وَهَبْتَ فَنِعْمَ الْوَهُوبُ

وَإِلاّ فَكَالواهِبِ الْمُقْرِضُ

136

وقال يهنيه بمولود:

الخفيف

عِشْتَ لِلْمَجْدِ أَطْوَلَ الأَعْمارِ

بالِغاً فِيهِ افْضَلَ الإِيثارِ

وَشَفاكَ الإِلهُ مِنْ كُلِّ داءٍ

وَوَقاكَ الْمَخُوفَ مِنْ كُلِّ طارِي

يا عَلِياً عَنْ كُلِّ ضِدٍّ وَنِدٍّ

وَبَرِياً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَعارِ

أَنْتَ بَدْرُ العُلى فَكَيْفَ وَقَدْ ضُمَّ

تْ إِلَيْهِ زُهْرُ النُّجُومِ الدَّرارِي

قَدْ أَتاكَ الْهَناءُ يَرْفُلُ فِي ثَوْ

بِ ثَناءٍ باقٍ عَلى الآثارِ

ص: 303

بِهِلالٍ كَأَنَّما غُرَّةُ الشَّهْ

رِ بِرُؤْياهُ لَيْلَةُ الإِبْدارِ

وَجَوادٍ حازَ الْمَدى وهْوَ فِي الْمَهْ

دِ سَلِيمِ الْخُطى أَمِينِ الْعِثارِ

وَحُسامٍ قَدْ قُلِّدَ الْمَجْدَ ماضٍ

غَيْرِ خالِي الْقِرابِ ماضِي الْغِرارِ

حُزْتَ فِيهِ الْمُنى فَأَطْلَعْتَ مِنْهُ

قَمَرَ الْمَجْدِ فِي سَماءِ الْفَخارِ

فَازَ مَنْ فازَ مِنْهُ يَوْمَ تَجَلَّى

بِجِلاءِ الْقُلُوبِ وَالأَبْصارِ

وَأَقْرَّ الْعُيُونَ مِنُْ بِمَأْمُو

لٍ لَهُ الْمَكْرُماتُ دارُ قَرارِ

قَدْ تَحَلَّتْ بِذِكْرِهِ غُرَّةُ المَجْ

دِ وَسارَتْ شَوارِدُ الأَشْعارِ

حَسَرَ الدَّهْرُ عَنْهُ وانْجابَ غَيْمُ ال

غَيْثِ عَنْ كَوْكَبِ الْعَلاءِ السَّارِي

فَتَمَلَّ الْهَناءَ وَاسْعَدْ بِهِ حِلْ

فَ سُرُورٍ صافٍ مِنَ الأَكْدارِ

وَلَئِنْ خِلْتَهُ صَغِيراً فَما زا

لَ صِغارُ الْكِرامِ غَيْرَ صِغارِ

والْفَتى عِنْدَ قَدْرِهِ وَعُلاهُ

وَكِبارُ اللِّئامِ غَيْرُ كِبارِ

فَوقاكَ الإِلهُ فِيهِ وَفِي مَجْ

دِكَ ما يُتَّقَى مِنَ الأَقْدارِ

ص: 304

أبَداً ما اسْتَقَلَّ رَكْبٌ وما جا

دَ بِرِيِّ الْبِلادِ صَوْبُ قِطارِ

كَوْكَبٌ تَسْتَنِيرُ حَتّى تَراهُ

قَمَراً باهِراً أَبا أَقْمارِ

137

وقال يمدح أبا اليمن سعيد بن علي بن عبد اللطيف التنوخي المعري:

الطويل

سِوايَ لِمَنْ لَمْ يَعْشَقِ الْمَجْدَ عاشِقُ

وَغَيْرِي لِمَنْ لَمْ يَصْطَفِ الْحَمْدَ وامِقُ

عَزَفْتُ عَنِ الأَحْبابِ غَيْرَ ذَوِي النُّهى

فَلَسْتُ بِمُشْتاقٍ وَغَيْرُكَ شائِقُ

أُحِبُّكَ ما حَنَّتْ سَلُوبٌ وما شَدا

طَرُوبٌ وَما تاقَ الْعَشِيّاتِ تائِقُ

وَمالِيَ لا يَقْتادُنِي نَحْوَكَ الْهَوى

وَعِنْدِيَ حادٍ مِنْ هَواكَ وَسائِقُ

أَأَثْنِي عِنانِي عَنْكَ أَطْلُبُ مَطْلَباً

وَأَتْرُكُ خَيْراً مِنْهُ إِنِّي لَمائِقُ

يُطِيعُ النَّوى مَنْ خافَ فِي أَرْضِهِ الطَّوى

وَلَوْلا احْتِباسُ الْغَيْثِ ما شِيمَ بارِقُ

أَيا بْنَ عَلِيٍّ إِنْ تَرَدَّيْتَ فاشْتَمِلْ

رِداءَ الْمَعالِي إِنَّهُ بِكَ لا ئِقُ

ص: 305

فَأَنْتَ الْحَقِيقُ بِالْعَلاءِ وَبِالثَّنا

إِذا الْحَقُّ يَوْماً أَوْجَبْتْهُ الْحَقائِقُ

لَعَمْرِي لَئِنْ كُنْتُ امْرَأً فاتَهُ الْغِنى

فَحَسْبِي غِنىً أَنِّي بِجُودِكَ واثِقُ

وَقَدْ عَلِقَتْنِي النّائِباتُ فَوَيْحَها

أَما عَلِمَتْ أَنِّي بِحَبْلِكَ عالِقُ

أَلَمْ تَدْرِ أَنِّي مِنْ أَبِي الْيُمْنِ نازِلٌ

بِحَيْث ُتَحامانِي الخُطُوبُ الطَّوارِقُ

أَلَمْ يغْنِنِي بَحْرٌ جُودِكَ زاخِرٌ

أَلَمْ يَحْمِنِي طَوْدٌ بِعِزِّكَ شاهِقُ

أَلَمْ يَكُ لِي مِنْ حُسْنِ رَأْيِكَ صارِمٌ

لِهامِ الْعِدى والْفَقْرِ وَالدَّهْرُ فالِقُ

لَقَدْ بَرَّحَتْ كَفّاكَ فِي الْجُودِ بِالْحَيا

فَلا عاقَها إِلاّ عَنِ الْبُخْلِ عائِقُ

سَماؤُكَ مِدْرارٌ وَرِيحُكَ غَضَّةٌ

وَعِزُّكَ قَهّارٌ وَمَجْدُكَ باسِقُ

وَما بَرِحَتْ مِنْكَ الْخَلائِقُ تَعْتَلِي

إِلى سُؤْدَدٍ لا تَدَّعِيهِ الْخَلائِقُ

إِذا ما تَنُوخِيٌّ سَما لِفَضِيلَةٍ

تَخَلَّى مُجارِيِهِ وَقَلَّ الْمُرافِقُ

تَوَسَّطْتَ مِنْهُمْ بَيْتَ فَخْرٍ عِمادُهُ

صُدُورُ الْقَنا وَالْمُرْهَفاتُ الذَوالِقُ

بَنى أَوَّلٌ مِنْهُمْ وَشَيَّدَ آخِرٌ

إِلى مِثْلِهِ تَسْمُو الْعُيُونُ الرَّوامِقُ

ص: 306

سَمَتْ بِسَعِيدٍ فِي تَنُوخَ وَغَيْرِها

ذَوائِبُ مَجْدٍ بِالنُّجُومِ لَواصِقُ

بِأَزْهَرَ لَوْ أَلْقَى عَلى الْبَدْرِ مَسْحَةً

بِبَهْجَتِهِ لَمْ يَمْحَقِ الْبَدْرَ ماحِقُ

أَغَرُّ إِذا أَجْرى الْكِرامُ إِلى مَدىً

شَآهُمْ جَوادٌ لِلسَّوابِقِ سابِقُ

فَتىً عَطَّرى الأَيامَ مِنْ طِيبِ ذِكْرِهِ

شَذىً تَتَهاداهُ الأُنُوفُ النَّواشِقُ

وَزِينَتْ بِهِ الدُّنْيا فَباهَتْ وَطاوَلَتْ

مَغارِبُها تِيهاً بِهِ وَالْمَشارِقُ

أَنامِلُهُ لِلْمَكْرُماتِ مَفاتِحٌ

عَلَى أَنَّها لِلْحادِثاتِ مَغالِقُ

غَمائِمُ غُرٌّ لَيْسَ تُدْرى هِباتُها

أَهُنَّ سُيُوبٌ أَمْ سُيُولٌ دَوافِقُ

تَأَلى عَلَى الإِسْرافِ فِي بَذْلِ مالِهِ

فَلَمْ يَقْتَصِرْ وَالصّادقُ الْعَزْمِ صادقُ

فَوَاللهِ ما أَدْرِي أَتِلْكَ مَواعِدٌ

تَقَدَّمْنَ مِنْ إِحْسانِهِ أَمْ مَواثِقُ

بَقِيتَ لِعَبْدٍ عائِدٍ بِكَ سَعْدُهُ

وَعِشْتَ لِعَيْشٍ خالِدٍ لا يُفارِقُ

وَلا زِلْتَ مَأْمُولاً لأَيّامِ عِزِّكَ الْ

بَواقِي وَمَأْمُوناً عَلَيْكَ الْبَوائِقُ

نَطَقْتُ بِمَدْحٍ أَنْتَ أَهْلٌ لِخَيْرِهِ

وَمِنْ شَرَفِي أَنِّي بِمَدْحِكَ ناطِقُ

ص: 307

شَرُفْتُ بِهِ وَالْفَخْرُ فَخْرُكَ مِثْلَ ما

تَعَطَّرَ مِنْ فَضِّ اللَّطِيمَةِ فاتِقُ

وَلَسْتُ أُبالِي عِنْدَ مَنْ باتَ كاسِداً

إِذا هُوَ أَضْحى وَهْوَ عِنْدَكَ نافِقُ

غَرائِبُ مِنْ أَبْكارِ مَدْحٍ كَأَنَّها

كَرائِمُ مِنْ أَزْهارِ نَوْرٍ فَتائِقُ

تَشُوقُ وَتُصْبِي السّامِعِينَ كَأَنَّما

بِها يَتَغَنّى مَعْبَدٌ أَوْ مُخارِقُ

تَمُرُّ بِأَفْواهُ الرَّواةِ كَأَنَّها

مُصَفَّقَةٌ مِنْ خَمْرِ عانَةَ عاتِقُ

لَقَدْ حَدَقَتْ بِي مِنْ أَيادِيكَ أَنْعُمٌ

فَعِنْدِي مِنْ شُكْرِي لَهُنَّ حَدائِقُ

فَإِنْ أَنا لَمْ أُطْلِقُ لِسانِي بِحَمْدِها

فَأُمُّ الْعُلى وَالْمَجْدِ مِنِّيَ طالِقُ

138

وقال يهنيه بولده أبي سالم الميسر:

الكامل

يا حُسْنَهُ قَمَراً وَأَنْتَ سَماؤُهُ

أَطْلَعْتَهُ فَجَلا الظَّلامَ ضِياؤُهُ

ص: 308

يا سَعْدَهُ مِنْ قادِمٍ سُرَّ السُّرُو

رُ بِهِ وَهُنَّئَ بِالخُلُودِ هَناؤُهُ

وافاكَ فِي جَيْشِ الْفَخارِ مُتَوَّجاً

بِالْحَمْدِ خَفّاقاً عَلَيْهِ لِواؤُهُ

قَمَرٌ كَفى الأَقمارَ سَعْداً أَنَّها

أَشْباهُهُ فِي الْمَجْدِ أَوْ أَكْفاؤُهُ

يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي الْبَقاءِ شَرِيكَها

أَبَداً كَما هِيَ فِي الْعُلى شُرَكاؤُهُ

كَفَلَتْ عُلاكَ لَهُ بِكُلِّ فَضِيلَةٍ

إِنَّ النَّبِيهَ نَبِيهَةٌ أَبْناؤُهُ

مَنْ كُنْتَ أَنْتَ أَباهُ كانَ لِمَجْدِهِ

أَنْ يَسْتَطِيلَ وَأَنْ يُشادَ بِناؤُهُ

تُنمى الْفُرُوعُ إِلى الأُصُولِ وَخَيْرُها

وَأَجَلُّها فَرْعٌ إِلَيْكَ نَماؤُهُ

مَنْ كانَ مِنْ نَجْلِ الْبُدُورِ وَنَجْرِها

لَمْ يَعْدُها إِشْراقُهُ وَعَلاؤُهُ

وَلَقَدْ ثَلَثْتَ النَّيِّرَيْنِ بِثالِثٍ

لَوْلاكَ أَعْجَزَ ناظِراً نُظَراؤُهُ

لا فَرْقَ بَيْنَهُما يُعَدَّ وَبَيْنَةُ

فِي الْفَضْلِ لولا بَأْسُهُ وَسَخاؤُهُ

مَنْ ذا يَذُمُّ الشَّمْسَ عَمَّ ضِياؤُها

أَمْ مَنْ يَعِيبُ الْبَدْرَ تَمَّ بَهاؤُهُ

وَهُما هُما لكِنَّ مَنْ لِمُؤَمِّلٍ

أَكْدَتْ مَطالِبُهُ وَخابَ رَجاؤُهُ

وَطَرِيدِ خَوْفٍ لا يُحاوَلُ مَنْعُهُ

سُدَّتْ مَطالِعُهُ وَعَزَّ نَجاؤُهُ

وَأَسِيرَ دَهْرٍ لا يُرامُ فَكاكُهُ

وَقَتِيلِ فَقْرٍ لا يُرى إِحْياؤُهُ

لَمْ يُعْطَ هذا الدَّهْرُ قَطُّ فَضِيلَةً

كَنَدى أَبِي الْيُمْنِ الْجَزِيلِ عَطاؤُهُ

إِنَّ الْكِرامَ لِداءٍ كُلِّ مُلِمَّةٍ

أَعْيا عَلَى الْفَلَكِ الْعَلِيِّ دَواؤُهُ

ص: 309

ما مَرَّ خَطْبٌ مُمْرِضٌ إِلاّ وَفِي

أَيْدِي بَنِي عَبْدِ اللَّطِيفِ شِفاؤُهُ

إِنّ الْمُيَسَّرِ وَهْوَ كَوْكَبُ سَعْدِهِمْ

لَيَجِلُّ عَنْ رَأْدِ الضُّحى إِمْساؤُهُ

وَلَدٌ إِذا فَخَرَتْ بِآباءِ الْعُلى

أَوْلادُها فَخَرَتْ بِهِ آباؤُهُ

مَنْ رامَ مُشْبِهَهُ سِوى أَسْلافِهِ

فِي الْمَكْرُماتِ الْغُرِّ طالَ عَناؤُهُ

مَلَكَ الْجَمالَ فَأَشْرَقَتْ لأْلاؤُهُ

وَحَبا الْجَمِيلَ فَأَغْرَقَتْ آلاؤُهُ

مِثْلُ الْحَيا سَطَعَتْ لَوامِعُ بَرْقِهِ

فِي أُفْقِهِ وَتَبَجَّسَتْ أَنْواؤُهُ

قُلِّدْتَ مِنْهُ مُهَنَّداً ما سُلَّ إِ

لا راق رَوْنَقُهُ وَراعَ مَضاؤُهُ

تَسْمُو بِأَخْمَصِهِ الْمَنابِرُ واطِئاً

وَتَتِيهُ إِنْ رُقِيَتْ بِها خُطَباؤُهُ

وَيُجِلُّ قَدْرَ الْمَدْحِ عاطِرُ مَدْحِهِ

وَيَطُولُ عَنْ حُسْنِ الثَّناءِ ثَناؤُهُ

وَكَأَنَّما أَخْلاقُهُ أَعْراقُهُ

وَكَأَنَّما أَفْعالُهُ أَسْماؤُهُ

جارى الأُصُولَ فَجِدُّهُ مِنْ جَدِّهِ

فِي النّائِباتِ وَمِنْ أَبِيهِ إِباؤُهُ

فتَهَنَّهُ وَتَمَلَّ عَيْشَكَ لابِساً

فَضْفاضَ عَيْشٍ لا يَضِيقُ فَضاؤُهُ

وَتَهَنَّ إِخْوَتَهُ الَّذِينَ وُرُودُهُمْ

دَيْنٌ عَلَى الأَيّامِ حَلَّ قَضاؤُهُ

ص: 310

حَتّى تَراهُمْ مِنْ تَنُوخٍ أُسْرَةً

كَرُمَ الزَّمانُ بِأَنَّهُمْ كُرَماؤُهُ

واسْتَعْلِ وَابْقَ فَما لِراجٍ مُنْيَةٌ

إِلا بَقاؤُكَ لِلْعُلى وَبَقاؤُهُ

إِنِّي هَجَرْتُ الْعالَمِينَ إِلى الَّذِي

هَجَرَ الْغَبِيَّ إِلى الأَبِيِّ صَفاؤُهُ

شُكْراً وَكَيْفَ جُحُودُ فَضْلِ مُؤَمَّلٍ

شَهِدَتْ بِباهِرِ فَضْلِهِ أَعْداؤُهُ

لا يُصْلِتُ الْبَطَلُ الْمُقارِعُ سَيْفَهُ

إِلاّ إِذا ما الرُّمْحُ قَلَّ غَناؤُهُ

139

وقال يمدحه أيضاً:

الرمل

ما عَلَى فَضْلِكَ ذا مِنْ مُفْضِلِ

يا أَبا اليُمْنِ سَعِيدَ بْنَ عَلِي

مَنْ يَكُنِ مِثْلَكَ فِي الْجُودِ يَكُنْ

غايَةَ الضّارِبِ عِنْدَ الْمَثَلِ

أَنْتَ بَدْرُ التِّمِّ فِي السَّعْدِ إِذا

ذُكِرَ السَّعْدُ وَشَمْسُ الْحَمَلِ

مِثْلَ ما كُنِّيتَ أَوْ سُمِّيتَ لا

زِلْتَ محْرُوسَ الْعُلى والأَجَلِ

ص: 311

فابْقَ وَاسْلَمْ واسْمُ وَاسْعَدْ أَبَداً

واعْلُ وافْخَرْ واعْدُ وَاقهَر وَطُلِ

ما هَمى غَيْثٌ حَكى بِرَّكَ بِي

وَصَفا عَيْشُ حَكى وُدِّكَ لِي

140

وقال أيضاً فيه وقد حضر في مجلسه منثور وورد في وقت واحد:

الهزج

ايا ما أَحْسَنَ الْمَنْثُو

رَ مَنْظُوماً وَمَنْثُورا

وَما أَطْيَبَهُ نَشراً

وَما أَشْرَقَهُ نُورا

وَيا لِلْوَرْدِ ما أَبْها

هُ مَنْظُوراً وَمَخْبُورا

يَقِلُّ الْمِسْكُ مَفْتُوقاً

لَهُ والرَّوْضُ مَمْطُورا

كَانَّ عَوارِضاً غُرَّاً

بِهِ أَوْ أَعْيُناً حُورا

تَراهُ كَأنَّما أَهْدى

أَكْفّاً لَمْ تَزِرْ زُورا

عَذارى غُلْنَ أَيْدِيَهُ

نَّ تَخْتِيماً وَتَسْوِيرا

قَصَرْنا عِنْدَهُ عَيْشاً

عَلَى اللَّذاتِ مَقْصُورا

ص: 312

سُرُوراً وَالْفَتى مَنْ صا

حَبَ الأَيّامَ مَسْرُورا

كَأَنّا بِابِي الْيُمْنِ

صَحِبْنا الْعُمْرَ مَعْمُورا

صَفاءً ما نَرى فِيهِ

مَدى الأَيامِ تَكْدِيرا

141

وقال فيه، وقد مرض أبو عبد الله:

مجزوء الكامل

مَوْلايَ تَصْبِرُ عَنْ أَدِيبِكْ

حَقّاً وَتُعْرِضُ عَنْ حَبِيبِكْ

أَوَ ما نِصابُكَ مِنْ عَلِ

يٍّ وَالْعُلى أَدْنى نَصِيبِكْ

أَوَ ما ضَرَبْتَ فَهَلْ قَدِرْ

تَ عَلَى شَبِيهِكَ أَوْ ضَرِيبِكْ

مَنْ مِثْلُ شاعِرِكَ الَّذِي

بَهَرَ الْبَرِيَّةَ أَوْ خَطِيبِكْ

يُهْدِي إِلَيْكَ مَحاسِناً

تَدَعُ الْمَحاسِنَ مِنْ عُيُوبِكْ

نَفَحاتِ مَدْحٍ لَمْ تَزَلْ

تُغْنِيكَ عَنْ نَفَحاتِ طِيبِكْ

أَمّا دِمَشْقُ فَقَدْ حَوَتْ

قَمَراً تَطَلَّعَ مِنْ جُيُوبِكْ

ص: 313

لَوْلا طُلُوعُكَ لَمْ تُنِرْ

فَاللهُ يُؤْمِنُ مِنْ مَغِيبِكْ

للهِ رَوْحُ صَباكَ كَمْ

تَرِدُ الْمُنى وَنَدى جَنُوبِكْ

كَمْ تَكْتُمُ النُّعْمى وَما

يَنْفَكُّ جُودُكَ أَنْ يَشِي بِكَ

142

وقال فيه أيضاً:

المتقارب

طَرِبْتُ وَما كانَ ذاكَ الطَّرَبْ

إِلى دَعَجٍ فِي الْمَها أَوْ شَنَبْ

وَلكِنْ إِلى كُلِّ ماضِي الْجَنا

نِ سَبْطِ الْبَنانِ كَرِيمِ الْحَسَبْ

كَمِثْلِ أَبِي الْيُمْنِ فِي الْعالَمِينَ

وَهَلْ مِثْلُ نائِلِهِ فِي السُّحُبْ

إِذا كُنْتَ جاراً لِجارٍ لَهُ

فَكَيْفَ تَخافُ صُرُوفَ النُّوَبْ

يَطُولُ بِأَطْولِ أَسْلٍ وَفَرْعٍ

وَيُنْمى إِلى خَيْرِ جَدٍّ وأَبْ

يَدُلُّ عَلَيْهِمْ وَهَل لِلْهِلا

لِ مَعْدىً عَنِ الْبَدْرِ إِمّا انْتَسَبْ

يَرى الْمَجْدَ أَفْضَلَ ما يَقْتَنِي

هِ وَالْحَمْدَ أَشْرَفَ ما يُكْتَسَبْ

شَرِيفُ الْمَرامِ مُنِيفُ الْمَقامِ

غَرِيبُ النَّدى وَالنُّهى وَالأَدَبْ

فَتىً بِالْعُلى أَبَداً مُغْرَمٌ

وَِالْجُودِ مُغْرىً وَبِالْمَجْدِ صَبْ

تَعَوَّدَ بِالْجُودِ صَرْفَ الْمُهِمِّ

وَدَفْعَ الْمُلِمِّ وَكَشْفَ الْكُرَبْ

ص: 314

وقال فيه أيضاً:

الرمل

كَمْ تَوالَتْ يا سَعِيدُ بْنَ عَلِي

لَكَ عِنْدِي مِنْ أَيادٍ هُطُلِ

بادِئاتٍ عائِداتٍ أَبَداً

لا تَرى الْوَسْميَّ إِلاّ بِالْوَلِي

كُلَّما وافَتْ يَدٌ بَعْدَ يَدٍ

هَوَّنَ الآخِرُ قَدْرَ الأَوَّلِ

كَرَمٌ يَضْعُفُ شُكْرِي عِنْدَهُ

وَنَدىً يَقْصُرُ عَنْهُ أَمَلِي

وَسَجايا لَوْ عَدَتْ أَخْلاقَهُ

لَمْ تَجِدْها فِي الْغَمامِ الْمُسْبِلِ

شامِلُ الْفَضْلِ غَرِيبُ الْحِلْمِ لا

يَنْظُرُ الْعَلْياءِ إِلاّ مِنْ عَلِ

144

وقال فيه أيضاً:

الرمل

أَمَدَّ اللهُ ظِلَّكَ يا سِعِيدُ

عَلَيَّ فَإِنَّهُ الظِّلُّ الْمَدِيدُ

وَعِشْتَ تُصاحِبُ الدُّنْيا خُلُوداً

وَتَصْحَبُكَ الأَيامِنُ وَالسُّعُودُ

إِذا ما كانَ مِثْلُكَ لِي مُجِيراً

وَمِثْلُكَ لا يَجُودُ بِهِ الْوُجُودُ

فَإِنَّ بَعِيدَ ما أَرْجُو قَرِيبٌ

وَإِنَّ قَرِيبَ ما أَخْشى بَعِيدُ

ص: 315

عَلَوْتَ بَنِي الوَرى كَرَماً وَجُوداً

وَحَسْبُكَ مِنْ عُلىً كَرَمٌ وَجُودُ

نَماكَ أَبٌ نَماهُ خَيْرُ جَدٍّ

كَذا الآباءُ تَنْمِيها الْجُدُوُدُ

هُمُ بَدَءُوا الْعُلى فَسَمَوْا عُلُوَّاً

وَأَنْتَ لِخَيْرِ ما بَدَؤُوا مُعِيدُ

وَما جُحِدَتْ مَحاسِنُ فَخْرِ قَوْمٍ

خَلائِقُكَ الْحِسانُ بِها شُهُودُ

وَلَوْ سَجَدَ الوَرَى لأَبَرِّ خَلْقٍ

يَداً وَنَدىً لَحُقَّ لَكَ السُّجُودُ

وَسُدْتَ فَما أَحَقَّ بِكُلِّ مَجْدٍ

سِواكَ إِذا تَفَرَّدَ مَنْ يَسُودُ

145

وقال يشكو حاله إليه:

الخفيف

كُنْتُ أَدْعُوكَ فِي مُداواةِ حالِي

بِنَداكَ الْفَيّاضِ مِنْ كُلِّ سُقْمِ

وَقَدِ اعْتَلَّ بَعْدُ جِسْمِي فَما عِنْ

دَ أَيادِيكَ مِنْ مُداواةِ جسْمِي

وَإِذا كُنْتَ لِي عَلَى الدَّهْرِ عَوناً

فَمُحالٌ أَنْ يُمْكِنُ الدَّهْرَ ظُلْمِي

ص: 316

146

وقال، يداعبه ويقنضيه فوطة يلبسها مع ثوب كان وصله به:

السريع

يَابْنَ عَلِيٍّ ما أُضِيعَتْ عُلىً

أَمْسَتْ بِتَأْيِيدِكَ مَضْبُوطَهْ

مَنْ كانَ مَغْبُوطاً بِإِدْراكِها

فَهْيَ بِإِدْراكِكَ مَغْبُوطَهْ

كَمْ مِنْ يَدٍ لَيْسَتْ بِمَجْحوُدَةٍ

وَنْعْمَةٍ لَيسَتْ بِمَغْمُوطَهْ

حُزْتَ بِها شُكْرِي وَدَلَّتْ عَلَى

مَحَبَّةٍ بِالنَّفْسِ مَخْلُوطَهْ

وَالْماجِدُ الْمِفْضالُ لا يَأْمَنُ الْ

مالُ غَداةَ الْجُودِ تَفْرِيطَهْ

قَدْ وَصَلَ الثُّوْبُ وَلا عُذْرَ لِي

أَنْ أَلْبَسَ الثَّوْبَ بِلا فُوطَهْ

لا سِيَّما وَهْيَ بِحُكْمِ النَّدى

فِي عَقْدِ مِيعادِكَ مَشْرُوطَهْ

كَيْفَ وَأَخْلاٌقكُ مَرضِيَّةٌ

أَصْحَبُها وَالْحالُ مَسْخُوطَهْ

لا قَبَضَ الدَّهْرُ يَدِي عَنْ غِنىً

وَهْيَ إِلى جُودِكَ مَبْسُوطَهْ

ص: 317

147

وقال يهنئه بالعيد:

الكامل

أيّامُ دَهْرِكَ كُلُّها أَعْيادُ

أَبَداً عَلَيْكَ بِما تَشاءُ تُعادُ

لا يَدْعُونَّكَ بِالْجَوادِ مُقَصِّرٌ

وأَقَلُّ حَقِّكَ أَنْ يُقالَ جَوادُ

وَلَئِنْ غَدَوْتَ الْفَرْدَ فِي نَيْلِ الْعُلى

وَالْمَجْدِ فَالْقَمَرُ الْمُنِيرُ فُرادُ

وَأَمَا وَجُودِكَ يا سَعِيدُ فَإِنَّهُ

ذُخْرٌ لِكُلِّ مُؤَمِّلٍ وَعَتادُ

لَقَدِ اسْتَفادَ بِكَ الزَّمانُ فَضِيلَةً

ما خالَها أَبَدَ الزَّمانِ تُفادُ

كَمْ مِنْ يَدٍ لَكَ قَدْ وَسَمْتَ بِعَهْدِها

جُوداً كَما وسَمَ الرِّياضَ عِهادُ

أَوْلَيْتِنِي نِعَماً أَقَلُّ ثَنائِها

بَيْنِي وََيْنَ الْفِكْرِ فِيهِ جِهادُ

كَلَّفْتَنِي بِنَداكَ عَدَّ مَناقِبٍ

يَفْنى الثَّناءُ وَما لَهُنَّ نَفادُ

فَبِعَطْفِكَ الإِنْجاءُ وَالإِنْجادُ لِي

وَبِكَفِّكَ الإِسْعافُ وَالإِسْعادُ

ص: 318

لا زالَ رَبْعُكَ لِلْمَطالِبِ مَرْبَعاً

يَحْيى بِهِ الْوُرّادُ وَالرُّوادُ

وَبَقِيتَ ما بَقِيَ الرَّجاءُ فَإِنَّهُ

جِسْمٌ وَنائِلُكَ الْجَزِيلُ فُؤادُ

148

وقال فيه أيضاً:

الطويل

أَقُولُ لِدَهْرٍ ضامَنِي بَعْدَ عِزَّةٍ

بِما فلََّ مِنْ حَدِّي وَما هَدَّ مِنْ رُكْنِي

أَيا دَهْرُ إِنْ حَمَّلتَنِي وَيْكَ مِنَّةً

لِمُولِي جِمِيلٍ فَلْتَكُنْ لأَبِي الْيُمْنِ

فَلَسْتُ بِداعِ غَيْرَهُ عِنْدَ كُرْبَةٍ

إِذا لَمْ يُفَرِّجْها فَلا فُرِّجَتْ عَنِّي

كَفى بِسَعِيدٍ فِي النَّوائِبِ مُسْعِداً

سَيَبْلُغُ مِنْها فَوْقَ ما بَلَغَتْ مِنِّي

فَتىً لَيْسَ كَالْمُزْنِ الْهَطُولِ بَنانُهُ

وَلكِنَّهُ أَنْدى بَناناً مِنَ الْمُزْنِ

149

وقال فيه أيضاً:

السريع

ما لأَبِي اليُمْنِ عَلَيْنا يَدٌ

لكِنْ أَيادِينا جَمِيعاً عَلَيْهْ

ص: 319

لأَنَّهُ يَعْتَدُّ إِسْداءهُ الْ

جَمِيلَ إِسْداءَ جَمِيلٍ إِلَيْهْ

كَأَنَّما نعطِيهِ مِنْ جُودِ أَيْ

دِينا الَّذِي نَأْخُذُهُ مِنْ يَدَيْهْ

150

وقال فيه أيضاً:

البسيط

أَمّا أَبُو الْيُمْنِ فَلْتَفْخَرْ بِهِ اليمَنُ

وَالْفَخْرُ وَالدَّهْرُ وَالأَيّامُ وَالزَّمَنُ

فاقَ الأَنامَ عَلاءً والْكِرامَ نَدىً

وَلَيْسَ مُسْتَنكَراً أَنْ يَحْسُنَ الْحَسَنُ

أَغَرُّ أَزْهَرُ فَيّاضٌ لَهُ مِنَنٌ

لا تَسْتَقِلُّ بِأَدْنى شكْرِها الْمُنَنَ

تَغَرَّبَ الْجُودُ حَتّى حَلَّ فِي يَدِهِ

فَلَيْسَ لِلْجُودِ إِلا كَفَّهُ وَطَنُ

151

وقال فيه أيضاً:

السريع

أَخْلاقُهُ أَحْلى مِنَ الأَمْنِ

وَكَفُّهُ أَنْدى مِنَ الْمُزْنِ

ص: 320

إِذا وَصَفْناهُ وَلَمْ نُسْمِهِ

قَالَ الْوَرى ذاكَ أَبُو الْيُمْنِ

ذاكَ الَّذِي لَوْ لَمْ نَبُحْ بِاسْمِهِ

لَمْ يَجْهَلِ الْعالَمُ مَنْ نَعْنِي

152

وقال بديها في مجلسه، يمدحه ويهنيه بفطام ولده أبي سالم الميسر، وقد اقتضاه أن يعمل في ذلك أبياتا:

رَأَيْتُكَ تَقْتَضِي شُكْرَ الرِّجالِ

وَلَسْتَ بِمُقْتَضى بَذْلِ النَّوالِ

غَراماً بِالْمَحامِدِ وَالْمَساعِي

وَوَجْداً بِالْمَكارِمِ وَالْمَعالِي

وَلَسْتَ بِعاطِلٍ مِنْ حَلْيِ حَمْدٍ

وَكُلُّ مُؤَمِّلٍ بِنَداكَ حالِ

وَلَيسَ الشُّكْرُ بَعْدَ الْجُودِ إِلاّ

أَسِيرَ الْجُودِ مِنْ قَبْلِ السُّؤالِ

عَلَوْتَ عَنِ الثَّناءِ وَأَيُّ خِرْقٍ

سِواكَ عَنِ الثَّناءِ الْمَحْضِ عالِ

وَأَيْنَ الشُّكْرُ مِنْ هذِي الْعَطايا

وَأَيْنَ الْحَمْدُ مِنْ هذا الْجَلالِ

سَلا الْعُذْرِيُّ عَمَّنْ باتَ يَهْوى

وَلَسْتَ عَنِ النَّدى يَوْماً بِسالِ

ص: 321

بَقِيتَ مُمَلأً غَفَلاتِ عَيْشٍ

نَمِيرِ الْوِرْدِ مَمْدُودِ الظِّلالِ

تُعَمَّرُ وَالْمُيَسَّرَ فِيهِ عُمْراً

جَدِيداً ثَوْبُهُ وَالدَّهْرُ بالِ

تُسَرُّ بِهِ وَتُمْنَحُهُ أَمِينَ الْ

فِطامِ حَمِيدَ عاقِبَةِ الْفِصالِ

بِيُمْنِكَ يا أَبا الْيُمْنِ اسْتَطَلْنا

إِلى الْعَلْياءِ مِنْ كَرَمِ الْخِلالِ

سَعِيداً يا سَعِيدُ تَفُوزُ مِنْهُ

بِأَيّامٍ كَأَيّامِ الْوِصالِ

لَقَدْ شَرُفَتْ بِكَ الدُّنْيا وَطالَتْ

بِكَ الأَيّامُ فَخْراً وَاللَّيالِي

فَعِشْتَ بِها تُسَرْبَلُ مِنْكَ فَخْراً

وَتَلْبَسُ مِنْكَ أَثْوابَ الْجَمالِ

153

وكتب إلى العميد شرف الدين أبي يعلى حمزة بن أسد، في أمر عرض له:

ص: 322

الوافر

دَعَتْنِي حاجَةٌ فَبَعَثْتُ وَفْداً

حَقِيقاً بِالمَطالِبِ أَنْ يَعُودا

ثَناءً لا يَزُورُ الدَّهْرَ إِلاّ

مَلِيكاً قاهِراً وَأَخاً وَدُودا

وَلَو أَنِّي أَشاءُ هَزَزْتُ قَوْماً

وَلكِنِّي أَراكَ أَغَضَّ عُودا

154

وكتب إليه، وقد عاده في مرضه:

أحذ الكامل

قَدْ عُدْتَنِي فَشَفيْتَ مِنْ سَقَمي

وَحَمَيْتَ إِذْ أَلْمَمْتَ مِنْ أَلَمِي

وَوَسَمْتَ مَغْنايَ الْجَدِيبَ فَقَدْ

أَثْرى بِمَوْطئِ ذلَكَ الْقَدَمِ

وَمواطِئُ الأَقْدامِ حَيْثُ خَطا الْ

كُرَماءُ مِثْلُ مَواقِعِ الدِّيَمِ

وَعِيادَتِي فِي الْحالِ تُوجِبُها

أَبَداً عَلَيْكَ سَجِيَّةُ الْكَرَمِ

إِنْ لَمْ يَعُدْ حالِي نَداكَ إِذاً

فَبِمَ الشِّفاءُ لَها مِنَ الْعَدَمِ

ص: 323

155

وكتب إلى ولده مجد الكتاب أبي الفتح نصر الله بن حمزة بن أسد، في آخر رفعه، يستشفعه في رسم كان له على والده:

أحذ الكامل

أَمّا الزَّمانُ فَلَمْ يَزَلْ يُنْحِي

أَبَداً عَلَيَّ بِمؤْلِمِ الْجُرْحِ

فَلَئِنْ نَوائِبُهُ سَمَحْنَ عَلَى

ما كانَ مِنُْه بِماجِدٍ سَمْحِ

فَلأَثْنِيَنَّ عَلَى يَدٍ فَتَحَتْ

بابَ الرَّجاءِ إِلى أَبِي الْفَتْحِ

ص: 324

156

وقال يمدح العميد (أبا يعلى حمزة بن أسد)، وكتب بها إليه في مرصته التي توفي فيها سنة 517:

المتقارب

عَسى باخِلٌ بِلِقاءٍ يَجُودُ

عَسى ما مَضى مِنْ تَدانٍ يَعُودُ

عَسى مَوْقِفٌ أَنْشُدُ الْقَلْبَ فِيهِ

فَيُوجَدَ ذاكَ الْفُؤادُ الْفَقِيدُ

عَناءً سَهِرْتُ إِلى هاجِدٍ

وَأَيْنَ مِنَ السّاهِرِينَ الْهُجُودُ

إِذا طالَ عَهْدُكَ بِالنّازِحِينَ

تَغَيَّرَ وُدٌّ وَحالَتْ عُهُوُد

أَأَحْمِلُ يا هَجْرُ جَوْرَ الْبِعادِ

وَجَوْرَكَ إِنِّي إِذا لَلْجَلِيدُ

أَيا كَمَدِي أَللِيلِي انْقِضاءٌ

أَيا كَبِدِي أَلِنارِي خُمُودُ

مَرِضْتُ فَهَل مِنْ شِفاءٍ يُصابُ

وَهَيهاتَ وَالدّاءُ طَرْفٌ وَجِيدُ

ص: 325

وَيا حَبَّذا مَرَضِي لَوْ يَكُو

نُ مُمْرِضِيَ الْيَوْمَ فِيمَنْ يَعُودُ

أَيا غُرْمَ ما أَتْلَفَتْ مُقْلَتاهُ

وَقَدْ يَحْمِلُ الثَّأْرَ مَنْ لا يُقِيدُ

وَمَنّى الْوِصالَ فَأَهْدى الصُّدُوُدَ

وَما وَعْدُ ذِي الْخُلْفِ إِلاّ وَعِيدُ

خَلِيلَيَّ إِنْ خانَ خِلٌّ أَلا

حَلِيفٌ عَلَى هَجْرِهِ أَوْ عَقِيدُ

وَهَلْ إِنْ وَفى لِي بِعَهْدِ الْوِصالِ

أَيَنْقُصُ هذا الْجَوى أَمْ يَزِيدُ

وَيا قَلْبُ إِنْ أَخْلَقَ الْوَجْدُ مِنْكَ

فَأَنى لِيَ الْيَوْمَ قَلْبٌ جَدِيدُ

إِلى مَ تَحُومُ حِيامَ الْعِطاشِ

إِذا مَورِدٌ عَنَّ عَزَّ الْوُرُودُ

تَمَنّى زَرُودَ ولَمْ تَحْتَرِقْ

بِنارِ الصَّبابَةِ لَوْلا زَرُودُ

وَتُمْسِي تَهِيمُ بِماءِ الْغُوَيْرِ

وَقَدْ ذادَ عَنْ وِرْدِهِ مَنْ يَذُودُ

إِذا الرِّيُّ جاوَزَ أَيْدِي الْكِرامِ

فَلا ساغَ لِي مِنْهُ عًذْبٌ بَرُودُ

فَأَنْقَعُ مِنْ وِرْدِهِ ذا الصَّدى

وَأَنْفَعُ مِنْ بَرْدِهِ ذا الْوُقُودُ

وَماذا تُرِيدُ مِنَ الْباخِلِينَ

إِذا لَمْ تَجِدْ عِنْدَهُمْ ما تُرِيدُ

أَتَأْمُلُ إِسْعادَ قَوْمٍ إِذا

كُفِيتَ أَذاهُمْ فَأَنْتَ السَّعِيدُ

ص: 326

عَمِرْتُ أَرُوضُ خُطُوبَ الزَّما

نِ لَوْ أَنَّ جامِحَها يَسْتَقِيدُ

وَما كانَ أَجْدَرَنِي بِالْعَلا

ءِ لَوْ قَدْ تَنَبَّهَ حَظٌّ رَقُودُ

وَمَنْ لِي بِيَوْمٍ أَبِيِّ الْمُقامِ

تُقامُ عَلَى الدَّهْرِ فِيهِ الْحُدُودُ

سَلا الْخَلْقُ جَمْعاً عَن الْمَكْرُماتِ

وَأمّا الْعَمِيدُ فَصَبٌّ عَمِيدُ

غَذاهُ هَواها وَلِيداً فَلَيْ

سَ يَسْلُوهُ حَتّى يَشِيبَ الْوَلِيدُ

يُعَنِّيهِ وَجْدٌ بِها غالِبٌ

وَيُصْبِيهِ شَوْقٌ إِلَيْها شَدِيدُ

عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَخُنْهُ النَّوى

وَلَمْ يَدْرِ فِي حُبِّها ما الصُّدُودُ

فَتىً لَمْ يَفُتْهُ الثَّناءُ الْجَمِيلُ

وَلَمْ يَعْدُ فِيهِ الْمَحَلُّ الْمَجِيدُ

وَلَمْ يَنْبُ عَنْهُ رَجاءٌ شَرِيفٌ

وَلَمْ يخْلُ مِنْهُ مَقامٌ حَميدُ

سَما لِلْعُلى وَدَنا لِلنَّدى

وَذُو الْفَضْلِ يَقْرَبُ وَهْوَ الْبَعِيدُ

مِنَ الْقَوْمِ سادُوا وجَادُوا وَقَلَّ

لَهُمْ أَنْ يَسُودُوا الْوَرى أَوْ يَجُودُوا

بَنِي أَسَدٍ إِنما أَنْتُمُ

بُدُورُ عَلاءٍ نَمَتْها أُسُودُ

ص: 327

أَلَيْسَ لَكُمْ ما بَنى الْكامِلُ الْ

أَمِينُ عُلُوّاً وَشادَ السَّدِيدُ

سَماءُ عُلىً قَمَراها لَكُمْ

وَمِنْكُمْ كَواكِبُها وَالسُّعُودُ

لَنا مِنْ ذُرى الْعزّ طَوْدٌ أَشَمُّ

وَمِنْ رَغَدِ الْعَيْشِ رَوْضٌ مَجُودُ

فَما الْمَحْلُ كَالْفَقْرِ إِلاّ قَتِيلٌ

وَما الْخَوْفُ كَالْجَوْرِ إِلاّ طَرِيدُ

كَأَنّا سَقانا بِنُعْماهُ أَوْ

حَمانا بِظِلِّ عُلاهُ الْعَمِيدُ

فَتىً لَمْ تَزَلْ عاقِراً فِي ذَرا

هُ أُمُّ الْحَوادِثِ وَهْيَ الْوَلُودُ

يُظَفَّرُ فِي ظِلِّهِ الْخائِبُونَ

وَتَنْهَضُ بِالْعاثِرِينَ الْجُدُودُ

إِذا نَحْنُ عُذْنا وَلُذْنا بِهِ

فَمَنْ ذا نَشِيمُ وَمَنْ ذا نَرودُ

كَسا الْفَخْرَ وَالدَّهْرَ وَالْعالَمِي

نَ فَخْراً بِهِ أَبَداً لا يَبِيدُ

فَلا يَدْعُهُ زَيْنَ كُتّابِهِ

حَسُودٌ يُصادِيهِ خابَ الْحَسُودُ

ص: 328

فَما خَصَّهُمْ ما يَعُمَّ الأَنامَ

وَلا جَهِلُوا ما أَرادَ المُرِيدُ

وَإِنْ غَرسُوا غَرْسَهُ فِي الْكِرامِ

فَما كلُّ عُودٍ وَإِنْ طابَ عُودُ

مِنَ الْكاظِمِي الْغَيْظِ وَالْمُحْسِنِينَ

إِذا بَرَّحَتْ بِالصُّدُورِ الْحُقُودِ

فَمُتَّ بِحَزْمٍ إِلى جودِهِ

يَنَلْكَ مَعَ الْعَفْوِ بِرٌّ وَجُودُ

إِذا كُنْتَ سَيِّدَ قَوْمٍ وَلَمْ

تَسَعْهُمْ بِحِلْمٍ فَأَنْتَ الْمَسودُ

يُفِيدُ فَيَحْزُنُهُ جُودُهُ

إِذا كان دُونَ الْعُلى ما يُفِيدُ

وَيُبْدِي فَيَعْظُمُ مَعْرُوفُهُ

وَلكِنْ يُصَغِّرُهُ ما يُعِيدُ

كَأَوْبَةِ أَحْبابِهِ عِنْدَهُ

حُلُولُ وُفُودٍ يليهِمْ وُفُودُ

وَكَالْبَيْنِ أَنْ تَسْتَقِلَّ الرِّكابُ

بِهِمْ أَوْ تُشَدُّ لِعافٍ قُتُودُ

يَجِلُّ عُلىً أَنْ يُرى راكِباً

طَرِيقاً عَنِ الْقَصْدِ فِيها يَحِيدُ

وَيَشْرُفُ عَنْ فِعْلِ ما لا يَشُقُّ

وَيَكْرُمُ عَنْ حَمْلِ ما لا يَؤُودُ

غَنِيٌّ بِآرائِهِ الْبِيضِ أَنْ

تُظاهِرَهُ عُدَّةٌ أَوْ عَدِيدُ

وَقَفْتُ الْقَوافِي عَلى حَمْدِهِ

وَما رَجَزِي عِنْدَهُ وَالْقَصِيدُ

يُقَصِّرُ عَنْ قَدْرِهِ جَهْدُها

وَفِي عَفْوِها عَنْ أُناسٍ مَزِيدُ

ص: 329

أنالَ فَكُلُّ جوادٍ بَخِيلٌ

وَقالَ فَكُلُّ بَلِيغٍ بلِيدُ

كَأَنَّكَ مِنْ سَيْبِهِ تَسْتَمِيحَ

مَتى جِئْتَ مِنْ عِلْمِهِ تَسْتَفِيدُ

كِلا الزّاخِرَيْنِ كَفيلاكَ أَنْ

تَفِيضَ سُيُولٌ وَتَطْمُو مُدُودُ

لَهُ فِقَرٌ لَوْ تَجَسَّدْنَ لَمْ

يُفَضَّلْنَ إِلاّ بِهِنَّ الْعُقُودُ

فَيُظْلَمْنَ إِنْ قِيلَ نَورٌ نَضِيرٌ

وَيُبْخَسْنَ إِنْ قِيلَ دُرٌّ نَضِيدُ

وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ لَمْ تَعْدُنِي

نَفائِسُ بِيضٌ مِنَ الْغُرِّغِيدُ

لَيَحْسُنُ بِي فِي هَواكَ الْغُلُوُّ

وَيَقْبُحُ بِي عَنْ نَداكَ الْعُقُودُ

مَضى الأَكْرَمُونَ فَأَمْسى يُشِيدُ

بِذِكْرِ مَناقِبِهِمْ مَنْ يُشِيدُ

كأَنْ لَمْ يَبِينُوا بِما خَلَّدُوا

وَلَيْسَ الْمَحامِدَ إِلاّ الْخُلُودُ

مَناقِبُ تَشْرُدُ ما لَمْ يَكُنْ

لَها مِنْ نِظام الْقَوافِي قُيُودُ

وَما زالَ يُحْفَظُ مِنْها الْمُضاعُ

لَدَيْكَ وَيُجْمَعُ مِنْها الْبَدِيدُ

فِداءُ عَطائِكَ ذاكَ الْجَزِيلِ

يا حَمْزَ شُكْرِيَ هذا الزَّهِيدُ

وُجِدْتَ فَكُنْتَ حَياً لا يُغِبُّ

سَقى الْكَوْنَ رِيّاً وَجِيدَ الْوُجُودُ

بَلَغْتَ مِنَ الْفَضْلِ أَقْصى مَداهُ

فَما يَسْتَزِيدُ لَكَ الْمُسْتَزِيدُ

ص: 330

وطَالَ أَبُو الْفَتْحِ أَنْ لا يَكُونَ

طَرِيفُ الْعُلى لَكُما وَالتَّلِيدُ

فَلَوْلاهُ أَعْوَزَ أَهْلَ الزَّمانِ

شَبِيهُكَ فِي عَصْرِهِم والنَّدِيدُ

لَقَدْ صَدَقَتْ فِي نَدَاهُ الظُّنُونُ

فَلا كَذَبَتْ فِي عُلاهُ الْوُعُودُ

تم الديوان على ما قرره صاحبه أبو عبد الله أحمد بن الخياط، من نسخة الشيخ أبي عبد الله محمد بن نصر بن صغير الخالدي.

قال مؤلفه: كل ما رواه الشيخ الأحل الأديب أبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير فهو ما سمعه مني وقرأه علي. وما رواه غيره فخالف ما في نسخته هذه ولا يعتد وكتبه أحمد بن محمد بن علي الخياط في سنة سع عشرة وخمسمائة والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده. ووافق الفراغ من كتابة هذه النسخة في شهر شوال سنة أربع وثمانين وتسعمائه على يد الفقير الحقير محمد بن علي الأحلاقي الأزهري الشافعي غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين وهو حسبي ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين

تم

ص: 331

المستدرك

ورد في الصفحة 84 من نسخة كونها ع ما نصه:

"وله في أبي الحسين ناصر بن محمد بن حبون"

وقال أيضاً:

الوافر

أَلَيْسَ مِنَ العَجائِبِ أَنَّ مِثْلِي

وَأَنْتَ صَفِيُّهُ يَشْكُو الزَّمَانا

وَما جَارَتْ خُطُوبُ الدَّهْرِ إِلَاّ

وَجَدْتُكَ مِنْ حَوَادِثِها أَمانا

وَلا ابْتَسَمَتْ ثُغُورُ النَّوْرِ إِلَاّ

ذَكَرْتُ بِها خَلائِقَكَ الْحِسانا

خُلِقْتَ أَبَرَّ هذا الْخَلْقِ كَفَّاً

وَأَجْدَاهُمْ وَأَنْدَاهُمْ بَنَانا

فَلَوْ أَنَّ الْعُلى كانَتْ قَناةً

لَكُنْتَ أَبا الْحُسَيْنِ لَها سِنانا

ولم ترد هذه الأبيات في بقية النسخ المخطوطة، وقد سهونا عن وضعها في مكانها عند طبع الديوان.

ص: 332