الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
الحمدُ لله الذي جعلنا مِن خَدَمَةِ سُنة خاتَمِ النبيين، والصلاة والسلامُ على رسولنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فخلالَ إعداد رسالةِ الدكتوراه "فهم السنة عند الصحابة"
(1)
راجعتُ كتابَ "الإجابة" للزركشي عِدَّة مرات، لأن هذا الكتابَ له مزيتانِ:
الأولى: أنه يُقدِّمُ لنا أمثلةَ نقد متن الحديث في عهدِ الصحابة، خاصةً في فهم السيدة عائشة رضي الله عنها.
الثانية: أن هذا الكتاب يُعد أنموذجًا أصيلًا في نقد الحديث النبوي من جهة المتن، لأن الزركشي قد ألّفه في القرن الثامن الهجري.
ولكني أثناء هذه المراجعات، رأيتُ في النسخة المطبوعة التي نشرها الأستاذُ سعيد الأفغاني رحمه الله (1939) أخطاءَ كثيرةً في الأسانيد والمتون، كما وجدتُ فيها بياضات ومشكلات متروكة دون حلٍّ. وقد طبع مرات فيما بعد، وها هي ذي الطبعة الرابعة المصورة في سنة 1985 مليئة بالأخطاء نفسها الواردة في الطبعة الأولى. وكانت النسخةُ المطبوعة بحالتها هذه تحتاج إلى خدمة علمية، ولكنها كانت نشرت عن نسخةٍ وحيدةٍ موجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق الشام فقط.
ولهذا نويتُ أن أكونَ خادِمَ هذا الكتاب القيم، فبدأت بتدريسه
(1)
طبع في أنقرة سنة 1999، وط. الثانية سنة 2000 باللغة التركية، 494 ص.
وترجمته إلى اللغة التركية، وبحثتُ عن نصوص الأحاديث وما يلزمها مِن تخريج لأصولها، وراجعتُ مصادر الزركشي المطبوعة الممكنة لأحقق اقتباساته وأُقارنها لحلِّ مشكلاتها، فصححتُ جُلَّ هذه الأخطاء، ثم رتبت استدراكات عائشة رضي الله عنها ترتيبًا منهجيًا وفقًا لمقاييس النقد من قِبَلِ أم المؤمنين. ولما فرغت من عملي هذا راجعت مركز المعلومات الحاسوبية للمكتبات في تركيا لأفتش عن تصانيف الزركشي المخطوطة أو المطبوعة فيها، وأخذتُ قائمةً بهذه الكتب من الحاسوب وقرأتُها فورًا، ولما عثرت في مكتبة الدولة - بيازيد باستانبول على نسخة من كتاب "الإجابة" للزركشي، لم أصدق عينيّ، لأننا كنا نجمع على أن هذا الكتابَ لا تُوجد منه نسخة إلا في المكتبة الظاهرية بدمشق على أنها هي الوحيدة المعلومة في العالم حتى الآن. فاتصلتُ بصديق لي في استانبول هاتفيًا، وطلبتُ منه أن يأخذ عنها صورةً كاملة أو بالميكروفيلم، لأتأكد منها هل هي الكتابُ ذاته أم لا، فاستجابَ - جزاه الله خير الجزاء - وأرسل إليَّ صورةً كاملةً بالميكروفيلم وكانت - والشكر لله تعالى - هي نسخة ثانية للإجابة واضحة. وعلى أثر ذلك تمكنتُ من حل المشكلات التي كانت قائمة أمامنا بنسخة الظاهرية بمعونة هذه النسخة الموجودة في إستانبول، ووضعت أهمَّ الاختلافات الواردة بين نسختي المطبوعة والمخطوطة في هامش عملي قبل نشره باللغة التركية فنشرتها
(1)
بحمده تعالى.
ثم قررتُ أن أُحقق هذا الكتابَ مقابَلًا بين نسخة إستانبول والنسخة المطبوعة وأنشرها مبتغيًا بذلك وجه العلم ورضوان الله وتوسعة النفع بما لدينا من تراث ثمين. ثم استشرت أستاذي الفاضل الكريم المحدث المحقق الشيخ شعيب الأرنؤوط في الأردن، فأجابني بالتشجيع، ووعدني
(1)
طبع في أنقرة سنة 2000، وط. الثانية سنة 2002، 232 ص.
بمساعدتي في نشرها فور إنجازها. فلما فرغت من عملي سافرت إلى الأردن في بداية شهر آب / أغسطس 2001 لأقدمه إلى فضيلة الأستاذ، داعيًا الله تعالى أن يجعل سفري هذا رحلةً من رحلات العلم، فجزاه الله خير الجزاء فقد لقيني بالقبولِ وضيفني وأكرمني - فأكرمه الله من نعيم الجنة - وترك أعماله العلمية لأجلي، وخصص لي خمسة مجالس عمل لِعرض العمل عليه ومقابلته. وكان بين يديه النسخة المصورة عن المكتبة الظاهرية والنسخة المطبوعة التي قرأها ووضع إشارات عليها للأخطاء كما كتب عليها التصحيحات والتعليقات المفيدة، وانتهت هذه المقابلة بين النسخ في خمسة أيام وأوصاني أن أعيد النظر فيها وأكتب تعليقاتي عليها على الطريقة المتداولة في العالم الإسلامي، لأنني كنت قد استعملت الرموز للمراجع والزيادات والسقطات بقصد الاختصار.
ولما عُدْت إلى بلدي راجعتُ عملي من جديد، وأفدت من أقراص الحديث المضغوطة، وبحثت عن بعض الروايات والمشكلات الباقية، فوجدتها في هذه الأقراص، وهكذا استطعتُ الوقوف على بعض المشكلات الواردة في التحقيق ومن ثم حلّها بحمده تعالى.
ثم كتبت مقدمة لعملي، وكلمة عن منهج السيدة عائشة في نقدِ الحديث وقيمة نهجها، لتوسعة النفع من هذا الكتاب والموضوع. وأرسلته إلى الشيخ لإعادة النظرِ فيها مرة أخرى ومساعدتي في طبعها وشكر الله له على ما قدمه إليَّ من عون وإلى هذا الكتاب القيم من خدمة، وأدعو الله أن يُطيل عمره حتى نستفيد منه طول حياته كما استفدنا إلى الآن.
وها هو ذا تحقيقي حاولت أن أتقنه حسب طاقتي وأُقدِّمَه إلى الباحثين الأعزاء والقراء الكرام، وأعترف بأنني كم أفدت من تجربة الشيخ شعيب
الأرنؤوط - حفظه الله - كما استفدت من تعليقاته وتحقيقاته القيمة ولا سيما من تلك التي على "مسند الإمام أحمد" و "الإحسان" و "سير أعلام النبلاء" واكتفيت أحيانًا بالإحالة على تلك المراجع خشية الإطناب، لأن الشيخ قد أفاد فيها وأجاد.
وأرجو الله أن أكون قد وُفقت عملي في هذا - وهو أول تجربة لي في التحقيق - وأن يكون علمًا ينتفع به إلى قيام الساعة.
وأشكر الأستاذ المحدث شيخنا شعيب الأرنؤوط - متعنا الله بطول حياته وعم المسلمين بنفعه - كما وأشكر تلاميذ الشيخ والإخوة الأتراك بعمان الذين لم يألوا جهدًا في سبيل إنجاح هذا العمل.
وجزى الله عني خيرًا كل من أسهم في ذلك من أساتذتي وأصحابي وأهلي
وما توفيقي إلا بالله.
الدكتور بنيامين أرُولْ.
أ. المساعد بقسم الحديث النبوي
كلية الإلهيات - بجامعة أنقرة
2002/ 1422 - تركيا
عنوان الإنترنت
berul [email protected]
القسم الأول
1 - استدراكات عائشة واهتمام العلماء بها
اشتهرت السيدةُ عائشة بردودها وانتقاداتها واستدراكاتِها على معاصريها من الصحابة والتابعين متى وجدت أيَّ خطأ أو وهم أو سهوٍ في رواياتهم مِن جهة الضبط، أو من جهة الفهم أو التأويل. وكانت تُصحح هذه الأخطاء معتمدةً على حفظها أو رأيها.
واستدراكاتُها هذه مبثوثة في كتب الحديث والسنة، وقد نبه إليها بعضُ العلماء، واهتموا بجمعها. وكما بيّن الحافظ ابن حجر، فإن أول من ألّف في هذا الموضوع هو: أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 489 هـ، فأورد في مصنفه خمسة وعشرين حديثًا، اقتصرَ فيه على سوقِ الأحاديث بأسانيده إلى شيوخه، دونَ أن يعزو التخريج إلى أحد، وسماها بـ "رد العقول الطائشة بذكر ما استدركته عائشة" كما هو مذكورٌ في ملحق على غلاف نسخة إستانبول للإجابة. والمخطوط هذا يوجد في مكتبة سعدية بحيدر آباد بقسم الحديث برقم 360
(1)
.
وجاء الزركشيُّ فنقل عن أبي منصور البغدادي، وزاد عليه، وبَيَّنَ غامضه، واستعان بتخريجات السابقين لأحاديثه، وعزاها لأصحابها، كما صرح بذلك في مواضع متعددة من الإجابة، وفي بعضها سمَّى كتابه باختصار، فقال: قال أبو منصور البغدادي في استدراكه، ونراه أحيانًا ينقل ثم يرمج نقلَه ويثبتُ الحديث مِن طريق آخرَ غير طريقه كما سيمر بك.
(1)
قد نشرته الدار السلفية بالهند باسم "استدراك أم المؤمنين عائشة".
ثم وقعت "الإجابة" في ملك العلامة أبو الأسباط الرملي المتوفى سنة 877 هـ فزاد عليها استداركًا للسيدة عائشة على مروان بن الحكم كما أشار إليه بعدَ الرواية.
ثم جاء السيوطي فاختصره - على عادته في كثير من مؤلفاته - وأسماه: "عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة"
(1)
ورتبه على أبوابِ الفقه، بخلاف كتاب الإجابة للزركشي، الذي رتبه على أسماء الصحابة بطريقة المسند.
وتعقب عليه الدكتور السيد أحمد فرج محقق "زهر العريش" للزركشي في مقدمته وقال: "ولقد شوَّه السيوطي - بهذا التلخيص - العمل الذي أتقنه الزركشي، لأن السيوطي اقتصرَ على ذكرِ المتون، وتبويبها على أبواب الفقه، وحذف البيان الذي بيَّن فيه الزركشي كيف وقع الوهمُ عندَ بعض الصحابة، وتصحيحَ عائشة رضي الله عنها لهم باستدراكها عليهم. . وهي تحقيقاتٌ قيمة في التخريج، والغريب في الأمر أن السيوطي حذفها، معللًا ذلك في خطبة كتابه بأنها - بزعمه ليست من باب الاستدراك، ولهذا قام بحذفها، وكان مقصود الزركشي من إيرادها أن يُبيِّن بها الوهم، ويكشف غامِضَه، وفي ذلك تكمنُ القيمةُ العلمية لعمله
(2)
.
قال السيوطي
(3)
بعد ما لخصها: هذا آخر ما أورده الزركشي، وقد حذفتُ مما ذكره أشياء، لأنها ليست مِن باب الاستدراك، وهذه زيادات لم يذكرها:
(1)
قد طبعت هذه الرسالة بدكن سنة 1886/ 1304، ثم نشرته دار الإيمان بدمشق وبيروت سنة 1983/ 1403، ثم نشرته مكتبة العلم بالقاهرة سنة 1988 بتحقيق عبد الله محمد الدرويش.
(2)
من مقدمة "زهر العريش" ص 20 - 21.
(3)
انظر: عين الإصابة للسيوطي بتحقيق عبد الله محمد الدرويش ص 76 - 78.
أخرج الأئمة الستة إلا أبا داود، عن أبي هريرة، قال: أتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه
(1)
.
وأخرج الترمذي عن عائشة قالت: ما كان الذراعُ أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبًا، فكان يعجل إليه، لأنه أعجلُها نضجًا
(2)
.
ثم ذكر روايتين عن ابن أبي شيبة وأبي رزين في نهيه عليه السلام عن المشي في نعل واحدة من جهة أبى هريرة واستدراك عائشة عليه، وقد أورده الزركشيُّ في الحديث الحادي عشر من استدراكها على أبي هريرة عن الشيخين وابن أبي شيبة أيضًا، ولذلك لا تُعد هذه زيادة على الإجابة. إذًا حديث الذراع هذا هو الزيادة الوحيدة من السيوطي على الإجابة فقط.
ثم زاد الأستاذ المرحوم سعيد الأفغاني على الإجابة ذيلًا، فيه خمس استدراكات من مسند الإمام أحمد بن حنبل فراجعه
(3)
.
وكتب فضيلة الأستاذ الدكتور محمد سعيد خطيب أوغلي - محقق شرف أصحاب الحديث للخطيب - مقالة قيمة عن نقد الحديث عند السيدة عائشة ونشرها سنة 1973 م في مجلة كلية الإلهيات بجامعة أنقرة، كما ألّف الأستاذ الدكتور نَوْزَادْ عَاشِقَ كُتيبا عن السيدة عائشة كمحدِّثة ونشره سنة 1987 م في مدينة إزْمير، وكلاهما باللغة التركية وكلاهما قد استفاد من الإجابة.
(1)
أخرجه البخاري برقم (3340) و (4712)، ومسلم (480)، والترمذي (1837) و (2434)، وابن ماجه (3307).
(2)
أخرجه الترمذي في الأطعمة باب ما جاء في أي اللحم أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (1838)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن (غريب)، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(3)
الإجابة، ص 147 - 149.
وعلَّق الأستاذ هشام الغَرَاوي المقيم بأنقرة على الإجابة وأتى بردود ومؤاخذات على الزركشي وكتب ملاحظاته حول استدراكات عائشة على الصحابة سنة 1997/ 1417 هـ بأنقرة بخط يده، باللغة العربية ولم يطبع. ووَصَفَ الغراوي عمله هذا بدراسة علمية قرآنية ناقدة لكتاب الزركشي واستدراكات عائشة رضي الله عنها.
وقد قمنا بترجمة الإجابة إلى اللغة التركية ونشرناها سنة 2000 م، والطبعة الثانية سنة 2002، ورتبناها بترتيب منهجي وفقًا لمقاييس السيدة في استدراكاتها كما يلي:
1 -
عرضها الحديث على القرآن.
2 -
عرضها الحديث على السنة.
3 -
عرضها الحديث على الحديث.
4 -
عرضها الحديث على رأيها وعقلها المنضبط بمقاصد الشريعة وأصولها.
5 -
عرضها الحديث على الواقعة التاريخية.
6 -
عرضها الحديث على اللغة.
وذكرنا في كل باب استدراكاتها على روايات الصحابة، ثم فتاويهم، ثم على ما قاموا به من أعمال، ثم تأويلاتهم للنصوص ثم أجوبتها على الأسئلة. وعزونا الأحاديث أو الروايات إلى المصادر الأصلية، كما راجعنا مراجع الزركشي وتثبتنا منها مع تعليقات عليها عند الحاجة، ووضعنا عنوانًا لِكل حديث، وكتبنا مقدمة عن منهج السيدة عائشة في نقد الحديث وأردفناها بذيل ذكرنا فيه بعض استدراكات الصحابة على السيدة عائشة حفظًا للإنصاف والعدالة بحمد الله ومنّه تعالى.
2 - قيمة كتاب الإجابة للزركشي
قد ألّف الزركشي كتابَه هذا في آخرِ حياته، وأهداه إلى القاضي برهان الدين بن جَماعة المتوفَّى سنة (790 هـ) يبدو أنه سوَّده قبل بضع سنوات من وفاته، إلا أننا نراه في لوحة السماع في آخر كتاب الإجابة أن ابنه محمدًا قرأه على والده وشيخه في سنة (794 هـ) أي في السنة التي تُوفي فيها الزركشي رحمه الله. ولا نُبالغُ إذا قلنا: إن هذا الكتاب هو حصيلة الزركشي العلامة المصنف الفقيه الأصولي العلمية، ولبّ ما رزقه الله مِن لدنه طولَ حياته.
واعترف العلامةُ ابن حجر بقيمة الإجابة للزركشي بعدما ذكر الأصلَ لأبي منصور البغدادي فقال: "نعم، لمصنف الإجابة حسنُ الترتيب والزيادات البينة، والعزو إلى التصانيف الكبار الأُوَل"
(1)
. وقد أفاد الحافظُ منها كما أفاد مِن تأليفات أخرى للزركشي - بدليل أنه ذكرها في شرحه فقال: "وجزم البدرُ الزركشي فيما استدركته عائشة على الصحابة. ."
(2)
.
قال الدكتور السيد أحمد فرج في مقدمة تحقيقه لكتاب "زهر العريش" للزركشي: ". . والذي يقرأ كتاب الإجابة يجد مستوى عاليًا من التحقيق، بيَّنه الزركشي في تحقيقه لاستدراكاتِ عائشة على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ فهو يُعَدُّ بحق مِن أهم كتب تحقيق السنة على صغره"
(3)
.
(1)
من مقدمة الإجابة للأفغاني ص 17.
(2)
فتح الباري لابن حجر، 8/ (4750).
(3)
من مقدمة زهر العريش، ص 17 - 18.
نعم، نرى في الإجابة ذروة علم الزركشي في العلوم المختلفةِ مِن الفقه إلى أصوله، ومن الحديث إلى الجرح والتعديل، والدِّراية من الأسانيد إلى المتون، وتظهر في هذا الكتاب قوة الزركشي في التوجيه والتأويل بين الأحاديث المختلفة سندًا ومتنًا، ويتبلورُ مِن هذا الكتاب أيضًا كثرة المصادر التي اطلع عليها الزركشي وإفادته من كتب المتقدمين والمتأخرين وبخاصة من كان ينتحل مذهب الشافعي منهم. وقد جاوز عدد المراجع المذكورة في الإجابة مئة بالإحصاء الدقيق وهذا يدل على سعة مطالعته، وغنى مكتبته، وقوةِ ذاكرته.
واشتهر هذا الكتابُ بين الباحثين والأساتذة في علم الحديث ولا سيما الذين يهتمون بنقد الحديث، فقد رجعوا إليه وأفادوا منه كثيرًا كما رأينا في "منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي" للإدلبي، و "مقاييس نقد متون السنة" للدميني و"منهج النقد عند المحدثين" للأعظمي، إلا أن هذا الأخير قد أخذ على الزركشي في هذا الكتاب قائلًا:
"أما الأحاديثُ التي أوردها الإمامُ بدر الدين الزركشي، فالبعضُ منها غيرُ ثابت سندًا، والبعض الآخر كان في الواقع فتاوى بعض الصحابة خالفوا فيها الأحاديثَ النبوية لعدم معرفتهم بها، فصححت فتواهم، وبعد هذا وذاك أيضًا، تصفو عدةُ أحاديث، رواها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأنكرت عليهم إما معارضة بالقرآن الكريم، أو مبينة الخطأ في الرواية حسب نظرتها، أو استعملت الآيات القرآنية وأضافت إليها الرواية التي كانت ترى أنها صحيحة"
(1)
.
(1)
منهج النقد عند المحدثين للأعظمي، ص 77. (ط. الثالثة، سنة 1990، مكتبة الكوثر بالمملكة).
وقد يعتذر عن الزركشي بأنه أراد أن يجمعَ كُلَّ ما اطلع على رواية فيها تصحيح السيدة عائشة لخطأ الراوي في روايته، أو فتواه، أو تأويله، أو عمله وإن كانت ضعيفة سندًا. على أنه كثيرًا ما ذكر ضعف الحديث بعدما ساقه وذكر الضعفاء من الرواة، أو سبب ضعفهم كما سيرى القارئ الكريم. وشيء آخر أن الزركشي أكثرَ الروايةَ عن الصحاح ولا سيما من "الصحيحين" و"السنن" والمصنفات، فعدد الأحاديث الضعيفة قليلة بالنسبة للأحاديث الصحيحة. وأما فتاوى بعض الصحابة فأكثرها مستندة إلى الحديث أو السنة وإن لم يصرحوا بأنه قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله، وقد عدَّ بعض العلماء بعض هذه الفتاوى في حكم المرفوع، كما ورد بعضها في الكتب موقوفًا بسند ومرفوعًا بسند آخر.
ثم إن الزركشي لم يشترط في هذا الكتاب بأنه يجمع الأحاديثَ الصحيحة المرفوعة فقط، بل قال في مقدمته:
"وبعد، فهذا كتاب أجمعُ فيه ما تفردت به الصِّديقةُ رضي الله عنها، أو خالفت فيه سواها برأي منها أو كان عندها فيه سنة بينة، أو زيادة علم متقنة، أو أنكرت فيه على علماء زمانها، أو رجع فيه إليها أجلة من أعيان أوانها، أو حررته من فتوى، أو اجتهدت فيه من رأي رأته أقوى. موردًا ما وقع إليَّ من اختياراتها، ذاكرًا من الأخبار في ذلك ما وصل إليَّ عن رواتها، غير مدَّع في تمهيدها للاستيعاب، وأن الطاقة أحاطت بجمعِ ما في هذا الباب"
(1)
.
ولا بُدَّ هنا أن نعترِف بأن الزركشي حاول أن يَعُدَّ أربعين خصيصةً مِن خصائص السيدة عائشة في أول كتابه واستدلّ فيها ببعض الرواياتِ
(1)
من مقدمة الزركشي للإجابة، ص 27 - 28.
الضعيفة، وبأقوال المتقدمين، واستنبط منها بعضَ الفوائد والنتائج، فيها شيءٌ مِن التكلف، وفيها نظر على ما رأينا كما وقع في خصائصها رقم (11، 12، 13، 25، 38، 40). ونظن أن الزركشي إنما عدها مدافعًا عن شأن السيدة ضدَّ الروافض الذين نالوا منها ونسبوها إلى ما برأها الله، وهم ليسوا بمقتنعين بهذه الاستدلالات الضعيفة، لأنهم لم يقتنعوا بما أنزل الله تعالى ببراءتها في القرآن الكريم. نعم، هي أم المؤمنين، أمُّنا العفيفة البريئة المبرَّأة مِن السماء، ويكفي لإثبات فضلها تلك الآياتُ المتواليات في سورة النور [النور: 11 - 26]، كما تكشف عن مدى علمها تلك الاستدراكات الحكيمة، إذًا لا حاجة إلى ذكر الروايات الضعيفة والأقوال المتكلفة بعدَ الكتاب والسنة الصحيحة، وأيُّ دليل أقوى من كتاب الله وسنة رسول الله؟! والذي يقرأ قسم الاستدراكات يطمئن اطمئنانًا كاملًا إلى درجة علم أمِّ المؤمنين وفضلها.
وأما قسم الاستدراكات، فقد اعترف بقيمته كل الباحثين المتخصصين ونحن نكتفي بأن نقول: لقد مرت على هذه الأمة ثمانمئة سنة تقريبًا وهي تحتاج إلى من يقوم بتأليف كتاب في نقد متن الحديث فقيض الله لها الإمام الزركشي حيث ألّف كتابه الإجابة، ثم مرت عليها ستمئة سنة أخرى حتى نشره لأول مرة الأستاذ سعيد الأفغاني، وأخيرًا مرت عليها أكثر من ستين سنة حتى وفقنا الله تعالى إلى تحقيقه تحقيقًا علميًّا تَقَرَّ به عيون أهل العلم بعد أن عثرنا على نسخة ثانية لأول مرة بحفظه وعنايته.
3 - الإمام الزركشي في سطور على الترتيب الزمني
سنة
745 -
ولد محمد بن بَهَادِر، بدر الدين الزركشي في مصر.
- وكان أبوه من الأتراك وكان مملوكًا لبعض الأكابر.
(755)
- اشتغل في صغره بخدمةِ أحدِ المماليك، وتعلم صنعة الزركشة (التطريز بالذهب)، فمهر بها حتى لقب بـ "الزركشي".
- ثم ترك هذه الصنعة فعُنِيَ بالاشتغالِ بتحصيل العلم منذ صغره، وبدأ يتردد بين المشايخ، والعلماء في مصر.
- لازم الشيخين: جمالَ الدين الإسنوي حتى توفاه الله سنة 772 هـ، وسراجَ الدين البُلقيني حتى وَلِيَ قضاءَ الشام سنة (769 هـ).
- حفظ "منهاج الطالبين" للنووي عند البُلقيني وهو صغير فَلُقِّب بـ "المنهاجي". ثم حفظ كتبًا كثيرة من المختصرات والمتون.
قبل 762 - تخرج بِمُغُلْطَاي المتوفى سنة (762 هـ) في الحديث.
763 -
رحل إلى حلب وهو في الثامنة عشرة من عمره، فالتقى بالشيخ الشهاب الأذرعي (ت / 783) ولازمه.
764 -
ألّف كتابه "عقود الجمان".
- ثم رحل إلى الشيخ الصلاح بن أبي عمر (ت / 780)، والإمام ابن أميلة (ت / 778) فلازمهما.
- ثم تتلمذ على غير هؤلاءِ رحمهم الله، وسَمِعَ الحديثَ بدمشق وغيرها من الشيخ ابن كثير (ت / 774) وابن الحنبلي الشافعي (ت/ 774).
769 -
استقل عن شيخه البلقيني لما وَلِيَ قضاء الشام.
- جمع حواشي "الروضة" للبلقيني - وهو المسمى بـ "الزركشية" - وهو في الرابعة والعشرين من عمره.
772 -
أكمل شرح كتاب المنهاج، الذي كان قد بدأ شرحه شيخه الإسنوي ومات قبل أن يكمله، فأكمله الزركشي وهو في السابعة والعشرين من عمره.
- رزقه الله بالبنات والبنين: عائشة وفاطمة ومحمد وعلي وأحمد.
- تفرغ للعلم تفرغًا كاملًا، فلم يشغله عن ذلك شاغل، وكان له أقاربُ يكفونه أمر دنياه، ويكفونه مؤنةَ عياله، فتوفر له الوقتُ، وبارك اللهُ له فيه، فأنتج التصانيفَ الكثيرة المتنوعة في العلوم.
- تولى إمامة أيوان الشافعية بالمدرسة الظاهرية فدرَّس وأفتى.
789 -
تتلمذ عليه ابن حِجي بعدَ قدومه إلى مصر سنة (789).
- وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقَرافة الصغرى.
قبل 790 - ألّف كتابه "الإجابة" وأهداه إلى القاضي برهان الدين بن جَماعة المتوفى سنة (790 هـ).
792 -
رزق بابنه الصغير أحمد.
794 -
قرأ عليه "الإجابة" ابنُه محمد مع حضورِ إخوانه وأخواته وأجاز الزركشيُّ لهم بجميع مؤلفاته.
794 -
توفي الزركشي في يوم الأحد الثالث من شهر رجب بمصر ودفن بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة بكتمر الساقي
(1)
. أدخله الله جنانه برحمته الواسعة.
(1)
عن الدرر الكامنة لابن حجر، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، وطبقات المفسرين للداودي، وذيل طبقات الحفاظ للسيوطي، وطبقات الشافعية لابن قاضي، ومقدمات للإجابة وزهر العريش وخبايا الزوايا بتصرف يسير.
4 - مكانة الزركشي العلمية
هو الشيخُ بدرُ الدين الزركشي محمدُ بنُ بهادر بن عبد الله التركيُّ الأصل، المصريُّ المَوْطِن. وكان الزركشي مثالَ الطالب المجتهد، ثم مثالَ العالم المتفرغِ للعلم، لا يشغلُه عنه غيره، التزم شيوخه أثناءَ الطلب والتزم دارَه أثناء التأليف، وكان يتردد على المكتبات الأميرية، والمكتبات الخاصة مثل مكتبة القاضي برهان الدين بن جماعة، أو إلى سوق الكتب، يُطالع في حانوت الكتبي طولَ نهاره، ومعه ظهورُ أوراق يُعلق فيها ما يُعجبه، ثم يرجع، فينقله إلى تصانيفه.
بعدَ رحيلهِ إلى الشام، وأخذه عن الأذرعي، وابن كثير، وهُمْ مِن جيل العلماء الذين خَلَفُوا الفحولَ أمثال النووي وابنِ تيمية وابنِ القيم وابنِ الصلاح فاتصل عِلمُه - عن طريق شيوخه - بعلمهم، تأثر الزركشيُّ بشيوخه الذين تَلْمَذَ لهم، كما تبيَّن تأثُّره بطريقتهم في التأليف وسلوكِهم في حياتهم العامة.
ولقد استقلَّ بالتأليف في وقت مبكر، وأخذ من الذين سبقوه، وانتفع بهم خاصة شيوخ المذهب الذين انتشرت أسماؤهم وأسماء كتبهم في مصنفاته، ولكنه كان يعزو ما يأخذه إلى أصحابه، وإلى كتبهم. ولكن الزركشي - مع هذا - لم يكن مجردَ ناقل أو مقتبس، وإنما هو مؤلفٌ يعتمدُ على طرق البحث العلمي ومناهجه. نعم هو يأخذ من السابقين، ولكنه يُؤلف بين الآراء، ويُقرر مذهبه، وقد لاحظ العلماءُ والفقهاء الذين قرؤوا مؤلفاتهِ ذلك، وعلقوا عليه.
لم يشتهر الزركشي - مع عُلو قدره - إلا بعدَ موته، ويرجع ذلك إلى عزلته وعزوفه عن الحياة الاجتماعية، وحجبه نفسَه عن الناس لِميله
الطبيعي إلى العزلة وضيق ذات يده، والزهد في الحياة، والإقبال على التحصيل والتصنيف، في عزلته بعيدًا عن أضواء المجتمع.
ومع هذا فلم يجهل قدرَ علمه العلماء الذين عاصروه، والذين جاؤوا بعده، كالحافظ ابن حجر الذي ترجم له ترجمة حسنةً وافية في "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"، فقد عرف ابن حجر قدرَه، إذ وقف على مؤلفاته في الحديث، وأفاد منها، كذلك أفاد منه في علوم الحديث، من نكته الجيدة على كتاب المصطلح في علومِ الحديثِ لابنِ الصلاح، كما أفاد من شرحه على صحيح البخاري في "فتح الباري".
يُعَدُّ الإمامُ السيوطي أكثَر العلماء انتفاعًا بالزركشي، سار على الدرب الذي رسمه، ونقل كثيرًا من فصوله، مرة معزوة إليه، ومرةً بدون عزو. أفاد منه في جوانبَ كثيرة من تأليفه، وقد انتفع بالزركشي غير ابن حجر والسيوطي، علماءُ كثيرون.
ولم يقتصر الانتفاع بالزركشي في مجال تحقيق السنة وعلوم القرآن فحسب، بل انتفع العلماء بعلمه في مجال الفقه وعلوم الحديث وغيرها. نعم انتفع به الفقهاء خاصة فقهاء الشافعية الذين جاؤوا من بعده. وقد قال العلامة ابن حجر عن "تكملة شرح المنهاج" للزركشي: هو أنفع شروح المنهاج على كثرتها
(1)
.
وقد راجعنا قرص "المكتبة الألفية للسنة النبوية" لنبحث عن اسم "الزركشي" في المصارد المختلفة فوجدناه قد تكرر اسم "الزركشي" أكثر من ثلاثمئة مرة كما يلي بعضها:
(1)
لخصناه من مقدمة الدكتور السيد أحمد فرج على "زهر العريش" للزركشي، ص 5 - 24 بتصرفات قليلة.
في "فيض القدير" لعبد الرؤوف المناوي
…
107
…
مرة
في "كشف الخفاء" للعجلوني
…
37
…
مرة
في "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني
…
25
…
مرة
في "شرح السيوطي لسنن النسائي"
…
22
…
مرة
في "كشف الظنون" لحاجي خليفة
…
19
…
مرة
في "تدريب الراوي" للسيوطي
…
17
…
مرة
في "المصنوع" لعلي القاري
…
11
…
مرة
في "عون المعبود" لعظيم آبادي
…
11
…
مرة
نظن أن هذا الإحصاء البسيط يكفي للتدليل على اعتماد أصحاب التصانيف على الزركشي وعلمه وتأليفاته رحمه الله تعالى.
5 - مؤلفات الزركشي
ألّف الإمامُ الزركشيُّ في الفقه والأصولِ والحديثِ والتفسيرِ والتاريخِ والبلاغةِ والأدبِ مما يدل على مكانته الفائقةِ ورسوخهِ في العلم، ولُقِّبَ بالمصنف لكثرة تصانيفه. وسنذكر هنا تلك المؤلفات في ثلاثة أقسام: المطبوعة والمخطوطة والمنسوبة إليه، مراعين في ذلك ترتيبها على حروف المعجم.
أ - مؤلفاته المطبوعة:
1 -
الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة.
نشره الأستاذ سعيد الأفغاني عن المكتب الإسلامي دمشق - بيروت سنة 1939 م، ط الرابعة سنة 1985 م. ونشره أيضًا أ. د. رفعت فوزي عبد المطلب عن مكتبة الخانجي بالقاهرة سنة 2001 م، بعدما انتهينا من تحقيق الكتاب قبيل طبعه.
2 -
إعلام الساجد في أحكام المساجد.
نشره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (مصر) بتحقيق الشيخ أبو الوفا المراغي سنة 1977 م، ومطابع الأهرام التجارية بالقاهرة سنة 1982 م، ودار الكتب العلمية ببيروت سنة 1995 م.
3 -
البحر المحيط (في أصول الفقه).
نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت، ويقع في ست مجلدات اعتنى بها أربعة من الأساتذة الفضلاء.
4 -
البرهان في علوم القرآن.
حققه الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم ونشر بمصر سنة 1957 م، وله طبعات مختلفة أيضًا.
5 -
التذكرة في الأحاديث المشتهرة.
نشرته دار الكتب العلمية ودار الكتب العالمية ببيروت سنة 1986 م.
6 -
تشنيف المسامع بجمع الجوامع.
طبع في مجموع شروح جمع الجوامع بالقاهرة سنة 1322 هـ.
7 -
التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح (للإمام البخاري).
طبع بالمطبعة العصرية بمصر سنة 1933 م.
8 -
خبايا الزوايا (في الفروع).
حققه عبد القادر عبد الله العاني وطبعته وزارة الأوقاف بالكويت سنة 1982 م.
9 -
الديباج في توضيح المنهاج.
مطبوع في المطبعة العثمانية بمصر سنة 1306 هـ.
10 -
زهر العريش في تحريم الحشيش.
حققه الدكتور السيد أحمد فرج وطبعته دار الوفاء بالمنصورة سنة 1987 م.
11 -
سلاسل الذهب في الأصول.
نشرته مكتبة ابن تيمية بالقاهرة سنة 1990 م.
12 -
الغرر السوافر فيما يحتاج إليه المسافر.
طبعه المكتب الإسلامي ببيروت، سنة 1989 م.
13 -
اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة.
نشره المكتب الإسلامي ببيروت، سنة 1996 م.
14 -
لقطة العجلان وبلة الظمآن.
طبع بمصر سنة 1326 هـ مع تعليقات للشيخ جمال الدين القاسمي، وطبع أيضًا في مصر بشرح فتح الرحمن شرح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري ونشرته أيضًا مطبعة النيل بمصر 1328 هـ، وطبع مرة أخرى بدمشق.
15 -
معنى لا إله إلا الله.
نشرته دار البشائر الإسلامي ببيروت سنة 1986 م.
16 -
المنثور في القواعد.
حققه الدكتور تيسير فائق أحمد محمود، ونشرته وزارة الأوقاف بالكويت سنة 1982، 1985، 1986 و 1993 م بثلاثة أجزاء.
17 -
النكت على ابن الصلاح.
نشرته مكتبة أضواء السلف بالرياض سنة 1998 م.
ب - مؤلفاته المخطوطة:
قد أشار بعض المحققين لمؤلفات الزركشي في مقدماتهم
(1)
إلى بعض النسخ من تلك المخطوطات في مكتبات متعددة ولا نرى أن نعيد ذكرها هنا ونكتفي بذكر مواضعها في مكتبات تركيا لبعضها فقط.
18 -
تجلي الأفراح في شرح تلخيص المفتاح (أو مجلي الأفراح).
(1)
انظر: مقدمة الدكتور السيد أحمد فرج على "زهر العريش" ص 25 - 38، ومقدمة عبد القادر عبد الله العاني على "خبايا الزوايا" ص 13 - 22، ومقدمة سعيد الأفغاني على "الإجابة" ص 8 - 15، ومقدمة الأستاذ أبي الفضل إبراهيم على "البرهان في علوم القرآن" 1/ 3 - 10، ومقدمة الدكتور تيسير فائق على "المنثور في القواعد"، 1/ 40 - 44.
منه نسخة في مكتبة سليمانية (97208 - قسم شهيد على/ 2222) بإستانبول.
19 -
التذكرة النحوية.
منه نسخة في مكتبة كوبريلي (2019 - فاضل أحمد باشا/ 1458) بإستانبول.
20 -
التكملة لشرح الإسنوي على المنهاج (تكملة شرح المنهاج= التكملة في شرح منهاج الطالبين) منه نسخة في مكتبة سليمانية (92674 - قسم سليمانية / 507) بإستانبول.
21 -
خادم الرافعي والروضة (أو خادم الشرح والروضة).
منه نسخة في مكتبة طوبقابي (8629 - قسم أحمد الثالث/ 672) بإستانبول.
22 -
خلاصةُ الفنون الأربعة.
23 -
الذهب الإبريز في تخريج أحاديث فتح العزيز للرافعي.
منه نسخ في مكتبة طوبقابي (1998، 6999، 7000 - قسم أحمد الثالث / 482) بإستانبول.
24 -
رسالة في كلمات التوحيد (ولعلها هو "معنى لا إله إلا الله" المطبوع).
25 -
شرح قصيدة البردة.
منه نسخة في مكتبة الدولة - بيازيد (6004/ 3542) بإستانبول.
26 -
شرح الوجيز في الفروع للغزالي.
27 -
الطراز المذهب في قواعد المذهب.
لم يذكره أحد، منه نسخة في مكتبة سليمانية (12533 - قسم
بغدادلي وهبي/ 333/ 862) ونسخة أخرى في مكتبة سليمانية (97213 - قسم شهيد على / 662) بإستانبول.
28 -
العروض الساوية.
منه نسختان في مكتبة سليمانية (75422 و 57423 - قسم لآله لي/ 1975 و 1985) بإستانبول وهو بخط المؤلف.
29 -
عقود الجمان (وتذييل وفيات الأعيان لابن خلكان).
منه نسخة في مكتبة سليمانية (33972 - قسم فاتح / 4434) بإستانبول وهو بخط المؤلف سنة 764 هـ.
30 -
في أحكام التمني.
31 -
كتاب النكاح.
منه نسخة في مكتبة سليمانية (97210 - قسم شهيد على/ 925) بإستانبول.
32 -
ما لا يسع المكلف جهله.
33 -
مجموعة فقه على مذهب الإمام الشافعي.
34 -
مختصر عقود الجمان وذيل وفيات الأعيان.
منه نسخة في مكتبة سليمانية (25532 - قسم أسعد أفندي/ 2446) بإستانبول.
35 -
المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر.
ج - مؤلفاته المذكورة في المصادر:
ذكر في بعض المصادر عدة كتب أخرى ألّفها الزركشي أو نسبت إليه كما يلي:
36 -
الأزْهِية في أحكام الأدعية.
ذكر في هدية العارفين 2/ 175.
37 -
بداية المحتاج في شرح المنهاج. لعله "الديباج في توضيح المنهاج" أو "غنية المحتاج في شرح المنهاج". وقد عدّ السيوطي في حسن المحاضرة "شرح المنهاج" غير "الديباج" فلعل هذا الشرح أوفى. انفرد بذكر البداية أبو بكر بن هداية في "طبقات الشافعية (الصغرى) ص 342.
38 -
تفسير القرآن.
وصل فيه إلى تفسير سورة مريم. ذكره الداودي (2/ 158)، والسيوطي (1/ 206) وحاجي خليفة ص 448. (منه نسخة في المكتبة الشعبية لمدينة مارْدِين (13511) وعدد أوراقها: 316 ورقة).
39 -
ربيع الغزلان في الأدب.
ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ص 834.
40 -
رسالة في الطاعون وجواز الفرار منه.
ذكر في كشف الظنون ص 876.
41 -
الزركشية.
جمع فيها حواشي شيخه البلقيني كما ذكره ابن حجر في "الدرر الكامنة".
42 -
شرح الأربعين النووية.
ذكره الداودي وابن حجر.
43 -
شرح البخاري (وهو غير التنقيح).
ذكره الداوودي (2/ 158) وقال: وشرح البخاري والتنقيح عليه.
وقال ابن حجر في "الدرر": وشرع في شرح البخاري وترك مسوَّدة،
وقفت على بعضها، ولخص منها كتاب التنقيح في مجلد، وذكره السيوطي أيضًا في حسن المحاضرة (1/ 206).
44 -
شرح التنبيه للشيرازي.
ذكره الداودي والسيوطي (1/ 206) وحاجي خليفة ص 490.
45 -
عمل من طب لمن حب.
ذكره السيوطي في المزهر (2/ 228).
46 -
فتاوى الزركشية.
ذكره حاجي خليفة، ص 1223.
47 -
القواعد في الفقه (القواعد في الفروع - القواعد والضوابط في الفقه = القواعد والزوايد) ولعل كلها أسماء مختلفة لكتابه "المنثور في القواعد" المطبوع.
48 -
كشف المعاني في الكلام على قوله تعالى: "ولما بلغ أشده".
ذكر في هدية العارفين 2/ 175، وكشف الظنون.
49 -
المختصر في الحديث.
ذكر في حاشية الأجهوري على شرح البيقونية للزرقاني كما قاله الأستاذ سعيد الأفغاني.
50 -
النكت على البخاري. ولعله "التنقيح" المطبوع.
51 -
النكت على عمدة الأحكام.
ذكره الداودي (2/ 158)
(1)
.
(1)
انظر أيضًا: المقدمات المذكورة آنفًا.
6 - وصف النسختين
(أ) نسخة المكتبة الظاهرية: وهي النسخةُ الأصليةُ ومُسوَّدَةُ المؤلف، وقد رمزنا لها بالحرف (أ)، وهي النسخة التي اعتمدها الأستاذ الأفغاني في طبعته، وقد وصفها رحمه الله في مقدمة الكتاب بما نصه:
"لم يرد لهذه الرسالة ذكرٌ في فهارس المكتبات المطبوعة، ولم نسمع أنها في مكتبة خاصة، ولم يذكرها بروكلمان، حتى فهرس المكتبة الظاهرية القديم خالٍ مِن ذكرها، فهي على هذا ولما سيأتي، فريدةٌ في العالم ذاتُ قيمة ممتازة، تشغل كما تقدم الجزءَ الأخير مِن المجموعة ذات الرقم (32 مجاميع) في القبة الظاهرية، وهي بحجم صغير 14× 19 س. م. وعدد أوراقها (44). والظاهر أنها مُسَوَّدةٌ كتبها المؤلف وهو ينوي أن يعودَ إليها بالتنقيح بدليلِ الشطب الكثيرِ الذي فيها، والحواشي الدقيقة التي أُلحقت ببعض صحفها، وبَياض ترك في صحف متعددة بَيْنَ الفقرة والفقرة، أو بين الفصل والفصل، ثم لم يُسعفه الوقت، فأبقاها على حالها، وصُحُفُها لا تتشابه، فبينما تجد الصفحة (16) مثلًا مكتظة السُّطور والحواشي حتى لا تتبين فيها بياضًا، إذا بك في بعضها الآخر إزاءَ سطرين أو ثلاثة، وهي في أكثرها غيرُ منقوطة. وقد قرأها على المؤلف نفسه ولده محمد الزركشي وإخوته حتى الصغار منهم وسنثبت السماع في آخر الكتاب كما هو في الأصل. وكان الفراغُ مِن قراءته سنةَ أربع وتسعين وسبعمئة وهي السنةُ التي مات فيها المؤلفُ رحمه الله. أما تاريخُ كتابتها، فقبل سنة (790 هـ)، لأنها أُهديت إلى القاضي برهان الدين بن جماعة المتوفى سنة 790 هـ.
أما خطُّ المؤلف، فإنا إذا استثنينا خُطْبةَ الكتابِ التي تخف فيها صعوبةُ القراءة، فإن ما بقي منه أشبهُ بالرموز والطلاسم، ويبلغ فنُّ التعمية
نهايته في الصفحة السادسة عشرة، فقد لزت حواشيها لزًا بخطٍ دقيق يُشبه في بعضها ما يكتبه الأطباءُ إلى الصيادلة باللاتينية، وإن كان خط صاحبنا أدقَّ وأغمضَ. وبعضُ الكلمات يكتفي منها بأول حرفٍ إذا وافق حرف الصفحة، وجرى على كتابة العناوين بالحبر الأحمر، وقد صورنا هذه الصفحة ليطلع القارئ على أسلوب المؤلف في تهيئة تصانيفه.
أما الصفحة الأولى، فقد أثبت فيها إلى جانب اسم الكتاب نحو اليسار (فرغه قراءةً ونسخًا العبدُ محمد بن محمد بن الزركشي عامله الله تعالى بلطفه الخفي) وهي بخطِّ ولده المذكور الذي كتب الإجازة في آخرِ الكتاب بالخط نفسِه، وليس المراد بالنسخ أن الرسالة من خطه، بل هي من خط والده، أما خط الولد فجيد مقروء"
(1)
.
قلنا: ونحن أيضًا اعتمدنا على هذه النسخة، لأنها نسخةُ المؤلف. واستعملنا نسخة (ب) في حل كثير من المشكلات أو البياضات، وأثبتناها منها كما ذكرنا الاختلافات المُهِمَّة في الهامش، إلا أننا أهملنا ذِكر الأخطاء الناتجة عن سبق القلم الموجودة فيها، لأنها مستنسخة من مُسَوَّدَةِ المؤلف.
(ب) - نسخة إستانبول: وقد رمزنا لها بالحرف (ب). وأوصافُها كما يلي:
هذه النسخة هي رسالةٌ رابعة من المجموعةِ المحفوظةِ بمكتبة الدولة - بيازيد في إستانبول بالقسم العمومي تحت رقم 2932/ 7951. . . بين (65 ب - 120 أ) وعَدَدُ أوراقها 55 ورقة، وتتكون الصفحة الواحدة من (18) سطرًا وقياسها (13×9) س. م.
(1)
من مقدمة الإجابة للأفغاني ص 15 - 16.
خصائصُ النسخة: كلماتها خاليةٌ من التنقيط في الأغلب، والعناوينُ مكتوبة بالحبر الأحمرِ، والكلماتُ المهموزة مكتوبة بدون الهمزة، ونلاحظ أن المستنسخ قد أخطأ في كتابة بعض الكلمات، وصحح بعضها أو رَمَّجَ عليها أحيانًا، فكلمة "ابن" مثلًا مكتوبة بدون ألف. ولكن الخط جيدٌ، وسهلُ القراءة.
ونسخةُ كتاب الإجابة هذه لا يتضح في ختامها اسم مستنسخها، غير أننا لاحظنا أن الرسالة الموجودة قبلَ كتاب الإجابة مباشرةً تحتوي في آخرها على اسم مستنسخها، وذلك كما يلي:
"علق لنفسه فقيرُ رحمة ربه العزيز المقتدر أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن الأزهري". ولما كان الخط واحدًا غلب على ظننا أنه مستنسخ كتاب "الإجابة" أيضًا.
وأما تاريخ الاستنساخ، فقد جاء عنه في نهاية كتاب الإجابة أن الفراغ منه كان سنة 861 للهجرة.
ويبدو أنها مستنسخة مِن مُسَوَّدَةِ المؤلف بدليل أن المستنسخ يقول في آخرها:
"هذا آخر ما وجدته في المُسَوَّدَةِ، وكان فيها تخاريج وجُزازات، فما تيسر نقلُها على هذا الوجه إلا بعسر، فمن رأى في ذلك خللًا، فلا ينسبنَّه للمصنف".
7 - النسخة المطبوعة
أما النسخة المطبوعة فقد نشرها الأستاذ سعيد الأفغاني رحمه الله معتمدًا على نسخة المؤلف، وكتب مقدمة عن الزركشي ومؤلفاته وكتابه "الإجابة" دون تخريج الأحاديث التي وردت فيه ولم يُعلق عليه إلا بالإشارة إلى أرقام الآيات الكريمة أو معاني بعض الكلمات الغربية أو ما رمَّجَ عليه المؤلف، أو بذكر المشكلات والبياضات في النسخة، وإن قال إنه رجع إلى كتب الرجال وإلى كتب الحديث وإلى كتب المعاجم في حلِّ ما أشكل عليه. حتى نرى أنه قال في مقدمته:
أما ما لقيتُ مِن عناءٍ، وبذلتُ مِن جُهد ووقت، فما يفيد القارئَ بيانُه، إلا أني كنتُ بعد أن نسخ الرسالة ناسخ متقن متمرن، حيالَ مئة وعشرين مشكلًا، فما زلتُ أرجع إلى الأمات التي أشرنا إليها. وأستعينُ بمذكراتي عن السيدة عائشة حتى لم يبق منها إلا دون المواضع الخمسة وهي إما مِن كلام المؤلف نفسهِ، أو من نص منقول عن كتاب مفقود فلا سبيل إلى حله ولم أشأ التصرف مِن عندي بشيء. وبقي كذلك نقص في ثلاث جمل ذهبت بعضُ كلماتها مع حرف الصفحة، فلم يكن سبيلٌ إلى معرفته. وأكبرُ ظني أن المؤلف رحمه الله لو أراد تبييضَ هذه النسخة، لما استطاعَ حلَّ رموزٍ هو عَقَدها، ولا أريدُ أن أكتم القارئ اغتباطي، من نزول العدد من مئة وعشرين إلى ما دون العشرة، فقد نَعِمْتُ بلذةٍ لا يُستطاع وصفها
(1)
.
يرحمُ الله الأفغاني، فليس الأمر كما زعمه، بل وجدنا فيه عشرات من الأخطاء والمشكلات وها هو ذا جدول يبين لنا أمثلة من الأخطاء في الأسماء والمتون التي وقعت له في طبعته هذه.
(1)
من مقدمة الأفغاني ص 19 - 20.
بعض الأمثلة من الأخطاء الواردة في النسخة المطبوعة (ط. الرابعة - 1985) بتحقيق الأفغاني:
1 -
في أسماء الرجال:
صحيفة
سطر
الخطأ
الصواب
التصويب من
30
12
أبي عبيدة
أبي عبيد
(أ)
32
1
دعدة
دعد
(أ)
43
10
عن الشافعي
عنه السهيلي
(ب)
46
12
أبو الوفا عقيل
أبو الوفاء بن عقيل
(أ) و (ب)
49
7
غرازة زوج خيرة
غرارة زوج جبرة
"تهذيب الكمال"
52
7
عبد الله بن عمرو
عبد الله بن عمر
(ب)
56
14
؟ الطبري
إلكيا الطبري
(أ) و (ب)
57
17
الحسن بن صالح
يحيى بن صالح
"التهذيب" وابن ماجه
63
7
في الإفصاح
في الإيضاح
(أ) و (ب)
65
12
أبو عبيدة
أبو عبيد
(أ) و (ب)
66
15
في التنقيح
في التلقيح
(أ) و (ب)
68
12
المصري
المقرئ
(ب) والطحاوي
73
11
قال طلحة
قال لطلحة
الموطأ لمالك
74
3
أبي بكر
أبزى
(أ) و (ب)
75
6
يحيى بن نصر
بحر بن نصر
(أ) و (ب)
75
13
في كفايته
في كتابه
(ب)
81
14
يزيد بن يحيى
زيد بن يحيى
(ب)
صحيفة
سطر
الخطأ
الصواب
التصويب من
84
20
مسلم بن جعفر هو البغدادي
سلم بن جعفر هو البكراوي
(أ) و (ب)
87
9
هشام
همام
(أ) والمسند
98
6
ابن حزم
ابن خزيمة
(ب)
98
8
عثمان
عفان
(أ) و (ب)
104
12
الأجرد
الأحرد
(أ) و (ب)
106
10 - 11 و 15
الجزار
الخزاز
"التهذيب"
109
11
بن مسعود
بن عمرو
النسائي
112
12
أبو عبيدة
أبو عبيد
(أ) و (ب)
115
6
هشام
همام
(أ) و (ب)
119
2
ثنا قتيبة
بن قتيبة
(ب)
128
11
القطان
العطار
"التهذيب"
128
12
أبي حماد
أبي مسلم
"التقريب"
130
11
أبي أمامة
أبي أسامة
(أ) و (ب)
131
8
السحتي
السمتي
(أ) و (ب)
133
17
بشير بن آدم
بشر بن آدم
(أ) و (ب)
136
8
بن معقل
بن مغفل
(أ) و (ب)
143
3
بمقام
تمتام
(أ) و (ب)
2 -
في المتون
صحيفة
سطر
الخطأ
الصواب
التصويب من
30
12
لإسناد أبي عبيدة
لإنكار أبي عبيد
(أ) و (ب)
32
18
فوهاه الواقدي
فوهاه بالواقدي
(أ) و (ب)
35
2
أعزب
أغرب
(أ)
صحيفة
سطر
الخطأ
الصواب
التصويب من
36
12
فيعرفهم
فيؤمهم
(ب)
38
3
الثياب
الثيبات
(أ) و (ب)
46
5
إنكار (صحبة) غيره
أنظار غيره
(أ) و (ب)
61
9
أي؟
خلطته مخالطة
(أ) و (ب)
62
10
وفهم من له
ومنهم من حمله
(ب)
62
10
؟ بي
أي بي
(ب)
66
3
. روايتنا
رؤيتنا
(أ) و (ب)
66
5
؟ الله
ونحن نراهم
(ب)
68
9
عرفوني
تحدثون
(ب) ومسلم
68
10
وهل ذكره أبو منصور
وفي رواية: وَهَلَ، ذكرها أبو منصور
(أ) و (ب)
70
14
ولما فعلنا ذلك بإذن رسول الله تيممنا
ربما فعلنا ذلك أنا ورسول الله فقمنا
(أ) و (ب)
72
13
بالمسك
بالسك
(أ)
73
7
مني
شيء
(أ) و (ب)
76
9
التجفاف
الخفاف
(أ) و (ب)
79
14
إن صح الحج
أن فسخ الحج
(أ) و (ب)
84
16
أخذ عنه
أخّر عنه
(أ) و (ب)
88
2
كان
كاد
(أ) و (ب)
92
10
وهل حمل
وهو حمل
(أ) و (ب)
98
4
ومسدد
في مسنده
(ب)
صحيفة
سطر
الخطأ
الصواب
التصويب من
101
8
فكلمناها
فكلتاهما
مسلم
101
9
غير طهر
غير حلم
(أ) و (ب)
103
20
الشك
الشأن
(أ) و (ب)
105
8
وفي الثاني
وفي الباب
(أ) و (ب)
107
15، 18
أقنع
أمتع
(أ) و (ب)
108
3
(أ) و (ب)
115
1
؟
يرويه يزيد بن أبي زياد
(أ) و (ب)
140
3
لا على
لأجل
(أ) و (ب)
126
10
عن كيفيته
عن حفصة
(أ) و (ب)
126
11
أربع
الربع
(أ) و (ب)
فإذا نظرنا إلى هذه الأخطاء نلاحظ أن أكثرها ناجمة عن صعوبة خط الزركشي - وكان ضعيفًا جدًّا وقل من يقدر أن يقرأه - وبعضها ناشيء عن قصر باع الأفغاني رحمة الله عليه في علوم الحديث ورجاله وكتبه وعن إهماله التثبت من مصادر الزركشي المطبوعة. إذ كان بإمكانه أن يصحح أكثر الأخطاء بالرجوع إلى تلك المصادر على الأقل ولكنه لم يفعل ذلك.
فقبل أن نعثر على نسخة إستانبول قدرنا أن نصحح أكثر الأخطاء الواردة في المطبوعة من خلال الرجوع إلى المصادر، فلما عثرنا على هذه النسخة وجدنا - والحمد لله - أنها تطابق في معظمها ما صححناه فأسعفتنا في تصحيح ما تبقى من الأخطاء وحل المشكلات من البياضات وغيرها.
ونحمد الله تعالى على ما وهب لنا هذه النسخة ومنحنا الحرص الشديد على أن يخرج الكتاب سالمًا من الأخطاء والتحريفات والتصحيفات.
بعدما فرغت عن عملي هذا وقعت على طبعة جديدة لكتاب الإجابة بتحقيق أستاذنا د. رفعت فوزي عبد المطلب أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة نشرتها مكتبة الخانجي بمصر سنة 2001 م. وقد اعتمد الأستاذ أيضًا على نسخة الظاهرية وأعاد النظر فيها كما اعتمد على طبعة الشيخ سعيد الأفغاني.
وقال في مقدمته: "وبحمد الله عز وجل وعونه وتوفيقه صححنا الكثير من الألفاظ والعبارات بالرجوع إلى مصادر المصنف، والمقارنة بين ما فيه وما في الإجابة، كما يتضح ذلك في الفروق التي أثبتناها في الهوامش"
(1)
. ولكننا عندما قارنّا بين الطبعتين رأينا بوضوح أنه قد وقعت له أكثر التحريفات والبياضات والمشكلات الموجودة عند الأفغاني ولم يستدرك منها إلا الثلث. إذ ما كان عند الأستاذ نسخة ثانية للإجابة ولهذا اكتفى بالرجوع إلى بعض المصادر والتخريج للأحاديث والتعليق عند الحاجة، ولم يكتب له مقدمة حافلة تليق بمكانة هذا الكتاب. وهذا جدول بالأخطاء التي بقيت في طبعته:
(1)
المصدر نفسه، ص 10.
1 -
في أسماء الرجال:
صحيفة
…
سطر
…
الخطأ
…
الصواب
…
التصويب من
8
…
2
…
دعدة
…
دعد
…
(أ)
25
…
14
…
عن الشافعي
…
عنه السهيلي
…
(ب)
35
…
10
…
عن هشام
…
عن هشام به
…
(أ) و (ب)
39
…
6
…
عبد الله بن عمرو
…
عبد الله بن عمر
…
(ب)
45
…
6 - 7
…
الحسن بن صالح
…
يحيى بن صالح
…
المراجع
54
…
2
…
في الإفصاح
…
في الإيضاح
…
(أ) و (ب)
59
…
8
…
في التنقيح
…
في التلقيح
…
(أ) و (ب)
67
…
10
…
قال طلحة
…
قال لطلحة
…
الموطأ لمالك
85
…
2
…
هشام
…
همام
…
(أ) والمسند
97
…
11
…
ابن حزم
…
ابن خزيمة
…
(ب)
121
…
4
…
هشام
…
همام
…
(أ) و (ب)
123
…
5
…
شرحبيل بن سلمة
…
شرحبيل بن مسلم
…
(أ) و (ب)
130
…
2
…
ثنا قتيبة
…
بن قتيبة
…
(ب)
143
…
3
…
القطان
…
العطار
…
التهذيب
143
…
3 - 4
…
ابن أبي ححار
…
ابن أبي مسلم
…
التقريب
145
…
8
…
بمقام
…
تمتام
…
(أ) و (ب)
147
…
7
…
العبدي
…
العبدري
…
المراجع
159
…
3
…
علي بن الحسين
…
علي بن الحسن
…
المراجع
166
…
3
…
ابن أبي أمامة
…
ابن أبي أسامة
…
(أ) و (ب)
1 -
في المتون:
صحيفة
…
سطر
…
الخطأ
…
الصواب
…
التصويب من
6
…
2
…
لإسناد أبي عبيد
…
لإنكار أبي عبيد
…
(أ) و (ب)
10
…
14
…
فوهي الواقدي
…
فوهاه بالواقدي
…
(أ) و (ب)
13
…
5
…
اعزب
…
اغرب
…
(أ)
17
…
3
…
الثياب
…
الثيبات
…
(أ) و (ب)
29
…
14
…
في إنكار غيره
…
في أنظار غيره
…
(أ) و (ب)
50
…
14
…
أي يتغير
…
أي خلطته مخالطة
…
(أ) و (ب)
53
…
2
…
وفهم منه
…
ومنهم من حمله
…
(ب)
53
…
2
…
فبي من الوجع
…
أي بي من الوجع
…
(ب)
58
…
12
…
وهو ذا يراهم
…
ونحن نراهم
…
(ب)
61
…
6
…
ما عرفوني
…
تحدثون
…
(ب) ومسلم
61
…
7
…
وقد ذكره أبو منصور
…
وفي رواية: وَهَلَ، ذكره
…
(أ) و (ب)
64
…
3 - 4
…
ولما فعلنا ذلك بإذن رسول الله تيممنا واغتسلنا
…
ربما فعلنا ذلك أنا ورسول الله فقمنا واغتسلنا
…
(أ) و (ب)
68
…
14
…
وأصله في العموم
…
داخلة في هذا
…
(ب)
85
…
12
…
كان يدعى
…
كاد يدعي
…
(أ) و (ب)
97
…
10
…
ومسدد
…
في مسنده
…
(ب)
102
…
8
…
غير طهر
…
غير حلم
…
(أ) و (ب)
140
…
13
…
عن كيفيته
…
عن حفصة
…
(أ) و (ب)
140
…
14
…
أربع
…
الربع
…
(أ) و (ب)
8 - عملنا في الكتاب
- قارنّا بين النسختين: النسخة الأصلية وهي نسخة المؤلف (أ)، والنسخة الموجودة بإستانبول (ب) مبينين الفروق في الهامش، وأثبتنا الصحيح في المتن، وإن كان من نسخة (ب) أشرنا إليه في الهامش، وذكرنا بعض أهم التحريفات الواردة في النسخة المطبوعة أيضًا.
- صححنا غير السوي من الألفاظ معتمدين في ذلك على مصادر المؤلف مشيرين إلى مواضعها في الهامش.
- قمنا بضبط ما يحتمل اللبس مِن الألفاظ، وشرحنا بعض الألفاظ الغريبة في الكتاب.
- وضعنا اسم السورة ورقم الآية بعد ذكرها في المتن بين القوسين هكذا [:].
- خرجنا الأحاديث وعزوناها إلى مواضعها في المصادر مشيرين إلى الكتاب والباب ورقم الحديث أو الجزء والصفحة ما أمكن. واعتمدنا في الترقيم على موسوعة الحديث الشريف الكتب الستة التي طبعتها دار السلام للنشر والتوزيع في مجلد فقط سنة 1999 م/ 1420 هـ بالرياض.
- قارنّا أيضًا بين ما أورده المصنف من مصادره وبين هذه المصادر المطبوعة وذكرنا في الهامش مواضعها وبعض الفروق المهمة.
- خرجنا الشواهد الشعرية وعزوناها إلى مصادرها.
- ترجمنا للأعلام الواردة في الكتاب، وأشرنا إلى بعض المصادر للتوسعة والإطناب في الترجمات.
- أثبتنا أرقامَ أوارق المخطوط من النسخة الأصلية بجانب السطرِ الذي وردت فيه أول كلمة من الورقة ووضعنا قبل تلك الكلمة إشارة /.
- قمنا بإكمال بعض الروايات والمنقولات من المصادر إذا كان المقام يقتضي ذلك ونقلنا بعض النصوص من الشروح لفهم الأحاديث.
- اقتصرنا من التعليق على ما تمس إليه الحاجة.
- اكتفينا في تخريج بعض الأحاديث بالإشارة إلى مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط وأصحابه وإلى بعض المراجع المحققة.
- استفدنا في البحث عن الروايات والرواة أو الأعلام من أقراص الحديث المضغوطة لا سيما "المكتبة الألفية للسنة النبوية" وغيرها.
- حذفنا ما رمج عليه المؤلف في مسوَّدته.
- ألحقنا بآخر الكتاب الفهارس العلمية التالية:
1 -
فهرس أطراف الحديث.
2 -
فهرس الأعلام.
3 -
فهرس الأماكن.
4 -
فهرس المصادر المرجوع إليها في التحقيق.
5 -
فهرس الموضوعات.
القسم الثاني أم المؤمنين عائشة ومنهجها في نقد الحديث
الحمدُ لله الذي أرسل نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم هُدىً ورحمةً للعالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتَم الأنبياء وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضوانُ الله تعالى على الذين آمنوا به وعزروه ووقروه من الأنصار والمهاجرين والذين اتبعوه بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:
فَمِنَ المعلومِ أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلَّغ الرسالة، وعلّم الكتاب والحكمة، وأدى الأمانة وخلَّف الكتاب والسنة، والذين صحبوه، واتبعوه، وهاجروا، وجاهدُوا معه، أخذوا منه ما أخذوا ثم عملوا به، ونقلوه، وكانوا يحرصون على صحبته، ويهتمون بسماع الأحاديث منه ومشاهدة سننه كل الحرص. ولكنهم لم يكونوا يسمعون كُلَّ الأحاديث مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة بسبب شغلهم فيحدث بعضهم بعضًا. قال الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه.
"وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبونَ ما يفوتُهم سماعُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعونه مِن أقرانهم وممن هو أحفظُ على منهم، وكانوا يتشدَّدون على مَنْ يسمعون منه"
(1)
.
ومِن مظاهر هذا التشدد أن بعضَ الصحابة ولا سيما الخلفاء الراشدين احتاطُوا، وتثبتوا في قبولِ الأخبار عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يُقِلُّون من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يقبلونَ الحديثَ مِن كل محدِّث خشيةَ أن يدخلوا في الحديث ما ليس منه سهوًا أو خطأ، فيقعوا في شُبهة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير قصد.
(1)
معرفة علوم الحديث للحاكم، ص 14.
وكان بعضُهم يُنكر على من يكثر الرواية لأن الإكثار كانَ مَظِنةَ الوهم عندهم، كما ينكرون أحيانًا فيكذبون بعضهم بسبب رواياتهم، إلا أنهم كانوا يفعلون ذلك للاحتياط في ضبط الحديث، لا للاتهام بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سوء الظن به.
وكانوا يتفاوتون في الحمل والأداء، والحفظِ والذاكرة، كما يختلفون في الرواية والدراية كأي واحدٍ من البشر. وكان بعضهم يخطئ في السماع والحفظ كما يخطئ في الضبط والنقل، وكان بعضهم أفقهَ وأتقنَ وأدرك مِن بعضهم، ويستدرك أو يصحح أخطاء الآخرين.
وفي بعض الأحيان كان يُراجع بعضُهم بعضًا فيما يرويه، إما للتثبت والتأكد لأن الإنسانَ قد ينسى أو يسهو، أو يغلط عن غير قصد، وإما لأنه ثبت عنده ما يُخالفه أو ما يُخصصه أو يقيده، أو لأنه يري مخالفتَه لِظاهر القرآن أو لظاهر ما حفظه من سنة إلى غير ذلك.
"وقد يقع للصحابيِّ أن يسمع من صحابي آخر حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتوقفُ فيه، حيث لا يراه منسجمًا ما فهمه من معاني القرآن الكريم، وما سمعه هو من فم النبي صلى الله عليه وسلم وهنا إما أن يتوقف الصحابي في الرواية مُجرَّدَ توقف، وإما أن يُنكرها إطلاقًا، حملًا لها على سهو النقل وخطئه ووهمه.
وحيث لا يُوجد بين الصحابي وبين الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام سلسلة إسناد، بل الواسطة هي واحد من الصحابة غالبًا فقط، فإن الوهمَ إن كان، فإنما هو مِن هذا الراوي الصحابي، وإنما يقع له الوهمُ غالبًا لأحد الأسباب التالية:
- أن يُحدِّث بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يَدْري أنه منسوخ.
- أن يقعَ له انقلاب بين شيئين أو لفظين، فيجعل كل واحد منهما مكانَ الآخر، وهذا هو "المقلوب".
- أن يقول مع رواية الحديث قولًا من عند نفسه، متصلًا بنص الحديث، فيظنه السامعون أنه مرفوع، وهذا هو "المدرج".
- أن يرويَ الحديث في مورد يجعلُه يتحمل من المعنى أكثر مما يحتمل.
- أن لا يضبط لفظ الحديث بحيث يختلف المعنى.
- أن يرويَ الحديثَ على غير وجههِ لغفلته عن سبب الورود.
- أن يقعَ له غلط فيروي واهمًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه منه"
(1)
.
ففي مثل هذه الحالات، كان المتثبتون أو النقاد من الصحابة كانوا يسألون الراوي عمن سمع هذا الحديث، هل من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أم من صحابي آخر بواسطة. وإذا كان المصدر هو النبي صلى الله عليه وسلم ربما كانوا يطلبون شاهدًا آخر ليؤكده أو يسألونه من هو أحفظ مثل السيدة عائشة فيثبتونه.
وإذا كان المصدر هو صحابيًا آخر، فكانوا يرسلون إليه فيسألونه عن صحة هذه الرواية. إن كان يخبر أنه سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فيقبلون حديثه، وإن لم يؤيده فيبدو لهم خطأ الراوي فيصحح خطأه ثم يقبلونه.
علمًا بأن هذا التثبت - وإن كان يعدُّ نوعًا ابتداءً مِن تطبيق الإسناد - لم يقع إلا عندَ الحاجة في بعض الأحيان فقط، أو عندما رأوا في الحديث شيئًا منكرًا حسب اجتهادهم، لأنهم لم يكونوا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهدُ الغائب، وكثيرًا ما كانوا يقبلونَ من الآحاد فيعملون بها إذا لم يجدوا أي مشكلة في الرواية.
(1)
منهج نقد المتن، للإدلبي، ص 105 - 106.
وبالرغم من أن نقد الحديث يَشْمَلُ دراسةَ السند والمتن، فقد وقع نقد السند في أواخر أيام الصحابة. وكان في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، كما قال ابن سيرين
(1)
، وكانوا يُحدثون بعضهم بعضًا حتى ركب الناسُ الصعبَ، والذلولَ، فلم يأخذوا من الناس إلا ما يعرفون كما بيَّنه ابن عباس رضي الله عنه
(2)
.
لقد عاشَ النقد الحديثي أسعدَ أوقاته في عهد الصحابة. فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يَرُدُّ بعضُهم على بعض حينما يستمعون إلى متونِ الأحاديث المروية، والأحكام المتصلة بها، منهم من اعترض على رواية أخيه ومنهم من استدركه ومنهم من كذَّب ومنهم مَنْ صحَّح روايةَ صحابي أو تابعي وفقًا لمنهجه أو مقاييسه، وليس هذا إلا ليفهم القرآن وحديث الرسول فهما صحيحًا مستقيمًا.
ولا شَكَّ في أن نقدَ المتن من المنهج النقدي للحديث هو الأولُ عندَ الصحابة. ونماذجُ النقد المتنبي للحديث غير قليلة عندهم. وفي طليعتهم أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث إن انتقاداتها مبثوثة في كتب الحديث ومصادر السنة ومجموعة عة في هذا الكتاب القيم.
1 - عائشة الصدِّيقة:
وكانت أم المؤمنين عائشةُ تعد أروعَ مثال في نقدِ الحديث بعشراتِ استدراكاتها على الصحابة والتابعين، "لأنها رُبيت في حجر أبي بكر الصديق أعلم الناسِ بأنسابِ العرب وأخبار قبائلها، وميزات بطونها،
(1)
انظر كتاب العلل من سنن الترمذي (5/ 740).
(2)
انظر مقدمة صحيح مسلم، ص 13.
فحازت من ذلك علمًا كثيرًا، ثم انتقلت إلى بيتِ الرسول ومهبطِ الوحي، فكانت أقربَ الناس مِن معين العلم، فغرفت منه ما لم يتيسَّرْ لأحدٍ غيرها، لمكانها منه زوجة، ولما تفردت به مِن ذكاء نادر ذكاء نادر، وفكر واسع
(1)
.
نعم، لقد كانت سيدتُنا عائشة أنموذجًا حسنًا للمسلمات كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنةً للمسلمين والمسلمات جميعًا. وقد تجِدُ كُلُّ مسلمة في حياة أم المؤمنين منذ طفولتها إلى وفاتها دروسًا عديدة مفيدة، وإذا ما تأملنا حياتَها، فسنجد أنها تنقسم إلى أربعة مراحل كما يلي:
أ - عائشة بنت أبي بكر الصديق:
وُلِدَتْ عائشةُ في السنواتِ الأولى مِن الرسالة وهي ابنةُ مسلميْن مِن السابقين، ونشأت في تلك الأُسرة المسلمة، وتعلمت الشعر والأدب وعلمَ النسب والتاريخَ مِن أبيها كما تعلمتْ مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي هو أقربُ صديقٍ من أبيها أبي بكر وزائر بيتهم كل يوم مرة أو مرتين كما تقولُ عائشة:
"لم أعقل أبوي قطُّ إلا وهما يدينان الدين ولم يمرَّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية"
(2)
.
ب - عائشة حبيبةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
-:
وقد انتقلت عائشةُ مِن بيت الصدِّيق إلى بيت الرسول وهي بنتُ تسعة اكتملت تطوراتُها العلمية والشخصية فيه بدراسة الكتاب والحكمة، كذلك
(1)
من مقدمة الأفغاني على الإجابة، ص 4.
(2)
أخرجه البخاري بأرقام (476، 2138، 2297، 3905،6079)، وعبد الرزاق (9743) والإمام أحمد في المسند (25774) و (25626) وفيه تمام تخريجه.
شاهدت كثيرًا مِن أسباب النزول والورود من الآيات والسنن ومِن الأحاديث والحوادث، وتميزت بقوة عقلها وذكائها وحسن فهمها وحافظتها وفصاحتها بين أمهات المؤمنين، ونالت أعلى درجة عندَ النبي صلى الله عليه وسلم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبها ويُحب السَّفَر معها، والتحدث في ليالي السفر معها، حتى نجد أنه يهتم بألعابها.
واشتركت معه في غزوات عديدة: في أحد والحُدَيْبيةِ والخندق وبني المصطلقِ. وقد آثر النبي صلى الله عليه وسلم حُجرتها في أيام مرضه التي توفي فيها بعد إذن سائر أزواجه، وارتحل إلى الرفيق الأعلى في حِجرها، ودفن في حجرتها رضي الله عنها.
ج - عائشة زعيمة الحركة السياسية:
لما تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كانت في الثامنة عشرة من عمرها، وكانت علاقتُها بالخليفتيْن الأوليْن علاقة ممتازةً جدًّا، وكان سيدنا عمر يستفتيها ويستشيرها في المسائل الفقهية لا سيما المسائل المتعلقة بأحوال النساء، واستمر الحال على ذلك إلى أول عهدِ عثمان بن عفانِ. ولكن في عهده الثاني جعلت تنتقِدُ بعضَ إجراءاته، وتنقل شكوى الناسِ إليه. بعدما رأت الممارسات السلبية في هذا العهد دخلت في حركة المعارضة ضدَّ الخليفة، وبدأت تهتم بالأمور السياسية. حتى نراها تطلب من عثمان أن يتركَ الخلافة حينما رأت أنه لا يُبالي بشكوى الناسِ أبدًا.
فلما حُوصِرَ بيتُ عثمان رجحت أن تتركَ المدينةَ المنورة، وسافرت إلى مكة المكرمة للحج. وفي عودتها مِن الحج أخبرها كُلٌّ من طلحة والزبير أن الخليفةَ قد قُتِلَ، وولي الأمر علي بن أبي طالب، فرجعوا إلى مكة. ثم سافرت إلى البصرة مع أصحابها لمعاقبةِ قاتلي عثمان وإصلاح
أمر المسلمين. وفي سنة (36) ظهرت وقعةُ الجمل بينَها وبينَ علي، فغُلِبَتْ ورجَعَتْ إلى المدينةِ المنورة. ثم نَدِمَتْ عائشة بسبب خُروجها، ورجحت تدريسَ الناس في المدينة
(1)
.
هذه الحركة - وإن انتهت بالمغلوبية، لها أهمية كبيرة بالنسبة للنساء، لأن عائشة كانت زعيمةً لآلاف الرجالِ بينهم بعضُ كبار الصحابة كطلحة والزبير، فيبدو من هذه الحركة أن امرأةً مسلمة قد تتولى بعضَ الأمور الاجتماعية والسياسية مثل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
د - عائشة عالمة حكيمة:
قال سعيد الأفغاني في مقدمته على "الإجابة" وهو يتناول علم عائشة:
"وبعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، كان عِلْمُ عائشةَ قد بلغ ذورةَ الإحاطَةِ والنُّضج، في كل ما اتَّصلَ بالدين مِن قرآن وحديثٍ وتفسيرٍ وفقهٍ. . . ومع حمل الأصحاب إلى الأمصار طائفةً صالحة من الأحاديث والأحكام حتى كانوا ثمَّةَ مرجِعَ طلابِ العلم ورُواةِ الحديث، بقيتِ المدينةُ - لأسباب أهمها وجودُ عائشةَ - دارَ الحديث، ومنبعَ العلم.
فحين يُشْكِلُ على أهل الأمصار أمرٌ مِن الأمور، يكتبون إلى أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الحجاز يسألونهم عن حُكم الله فيه، فكان هؤلاءِ إذا فاتهم علمُ شيءٍ، رجعوا إلى عُلماء بينَهم اشتهروا بحملِ العلمِ وفقهه، كعبد الله بن عمر، وأبي هُريرة وعبدِ الله بن عمرو، وعُروة، وعبد الله ابني الزبير
…
تُروى عنهم الأحاديثُ وتُنشر الأحكامُ، حتى صاروا مقصدَ الرواد.
(1)
راجع لتفصيلات هذه الأمور "عائشة والسياسة" لسعيد الأفغاني. ط. الثانية 1957 بالقاهرة.
ومقامُ السيدةِ بينهم مقامَ الأستاذِ من تلاميذه، فكان عمرُ بن الخطاب يُحيل عليها كُلَّ ما تعلق بأحكامِ النساء أو بأحوالِ النبي البيتية، لا يُضارعها في هذا الاختصاص أحدٌ مِن الرجال ولا النساء.
ويصِل إلى مسمع السيدة عن أولئك العلماءِ روايات وأحكام على غيرِ وجهها، فَتُصحح لهم ما أخطؤوا فيه، أو خفي عليهم، حتى عُرِفَ ذلك عنها فصار من شَكَّ في رواية أتى عائشةَ سائلًا، وإن كان بعيدًا، كَتَبَ إليها يسألُها. ومن هنا طار لها ذلك الصِّيتُ في التمكن من العلم، ورجع إلى قولها كبارُ الصحابة، كأبيها أبي بكر وعمر وابنه وأبي هريرة، وابن عباس وابن الزبير. وصار معاويةُ في خلافته يكتبُ إليها سائلًا عن حكم أو حديثٍ، أو شيءٍ من فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يَطْمَئِنُّ إلى يقين مما يسمع مِن غيرها حتى يَرِدَ عليه جوابُها، فيبردُ صدرُه. وستجد أن خطأ الصحابة كثيرًا ما يرجع إلى أنهم حضروا آخرَ الحديث، وفاتهم أوله. وسترى في كُلِّ ما تَسْتَدْرِكُ: صحةَ النظر، وصوابَ النقد، وحضورَ الحفظ، وجودةَ النقاش. وأغلبُ الأسبابِ في تَخَبُّطِ الرواياتِ أن الرواة يستنبطون الحكم من الجملة التي حضروها، وكثيرًا ما يكونُ الرسولُ ذكرها في مَعْرِضِ الإنكار، وترى ذلك في مرويات أبي هريرة بصورةٍ خاصة.
وكما اسْتَدْرَكَتْ على أبي هريرة ضياعَ أول الكلام عليه أو آخره، استدركت على كثيرين فَهُمَهُمْ لحديث، أو خطأَ استنباط حكم مِن آية، أو ضلالًا في معرفة أسبابِ النزول، أو اجتهادًا فيه مشقة على الناس. وكان الناسُ يقعون منها في كُلِّ ذلك على علم غزيرٍ، وفهم حصيفٍ، ورأي صائب. ولا غرو فقد كانت السيدةُ عائشة الملجأ الأخيرَ الذي ترفع إليه مسائل الخلاف والروايات وأحكام الشريعة لِتمحيصها، والقضاء فيها بالقول الفصل.
ومِنْ هُنا توقن أن حياةَ السيدة بَنَتْ مجدًا باذخًا لِتاريخ المرأةِ العلمي في الإسلام، بل إن عبقريتَها وحدَها كفيلةٌ بملء تاريخٍ كامل.
ولتعلم بعد هذا سيداتُنا، أن امرأة منهن في صدرِ الإسلام تتلمذَ عليها مشيخةُ المهاجرين والأنصار مِن كل حَبْرٍ وعالمٍ وفقيه وقارئ وراوية. وعنها وحدَها نقل ربع الشريعة، كما قال الحاكم في "المستدرك"
(1)
.
وقد ذكر ابن حزم المكثرين مِن الصحابة رضي الله عنهم فيما رُوِيَ عنهم من الفتيا وقدَّمَ عائشة أمَّ المؤمنين على عمر بن الخطاب وابنهِ عبد الله، وعلي بن أبي طالب وابنِ عباس وابنِ مسعود، وزيدِ بن ثابت
(2)
.
علمًا بأن ابنَ حزم قد فَضَّلَها على جميعِ الناسِ، لأن حبَّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لها أكثرُ مِن محبته لجميع الناس، فقد فضلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيها وعلى عمر وعلى علي وفاطمة رضي الله عن جميعهم تفضيلًا ظاهرًا بلا شكٍّ
(3)
.
وسُئِلَ شَيخُ الإسلام (ابن تيمية) رحمه الله تعالى عن خديجةَ وعائشةَ أمي المؤمنين أيُّهُمَا أفضلُ، فأجاب:
بأن سبق خديجة وتأثيرَها في أول الإسلام ونصرَها وقيامَها في الدين لم تَشْرَكْهَا فيه عائشةُ ولا غيرُها مِن أمهات المؤمنين.
وتأثيرُ عائشة في آخرِ الإسلام، وحمل الدين، وتبليغه إلى الأُمَّةِ وإدراكها من العلم ما لم تَشْرَكْها فيه خديجةُ ولا غيرُها مما تميزت به عن غيرها
(4)
.
(1)
من مقدمة الأفغاني على الإجابة، ص 5 - 6.
(2)
انظر: الإحكام 5/ 92.
(3)
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 4/ 191.
(4)
مجموع الفتاوى، 4/ 393 و 462 - 463 وبدائع الفوائد، 3/ 684.
وقال الذهبي في ترجمة عائشة أم المؤمنين: "فروت عنه صلى الله عليه وسلم علمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه وعن أبيها وعن عمر. . ." ثم قال: ولا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولا في النساء مطلقًا، امرأة أعلم منها
(1)
.
قال سعيد الأفغاني: "ماتت السيدةُ، فعظم الحزنُ على من شغلتْ الناسَ نحوًا من خمسين سنة، تُعلمهم وتهديهم إلى سُنة نبيهم، وتُحيي فيهم سيرته، واجتهدَتْ للمسلمين، وكانت ملجأَ المهتدين والملتجئين والمتعلمين على السواء
(2)
.
تُوفيت أُمُّ المؤمنين عائشة سنةَ سبع وخمسين أو ثمان وخمسين وعُمْرُها ثلاثٌ وستون سنةً وأشهر، وصلَّى عليها أبو هريرة، وكان خليفةَ مروان على المدينة ودُفِنَتْ بالبقيع ليلًا رحمها الله تعالى
(3)
.
2 - مقاييس عائشة في نقد الحديث ومدى صحته:
نلاحظ من كتاب الإجابة للزركشي أن للسيدة عائشة استدراكات كثيرة على بعضِ الصحابة والتابعين. ورتَّب الرزكشيُّ هذه الاستدراكات ترتيبًا على أسماء الرجال، ورتبها السيوطي ترتيبًا فقهيًا. وإذا تتبعنا استدراكاتها نجد أن السيدة استعملتْ بعضَ المقاييس في ردودها أو تصحيحاتها. وخلصنا بعدَ دراسة مقاييسها في نقد الحديثِ إلى أن نقدها يتشكَّل مِن عرضها على صريح القرآن، أو السنة، أو الحديث، أو عرضها على عقلها ورأيها، أو عرضها على الواقعة التاريخية، ولكن على كلا الترتيبين (الترتيب على أسماء الرجال أو المواضيع الفقهية) لا تتبلور هذه المقاييس في ذهن القارئ. ولذا أردنا دراسة هذا الموضوع
(1)
انظر: سير أعلام النبلاء، 2/ (19).
(2)
عائشة والسياسة لسعيد الأفغاني ص 248.
(3)
"السير" للذهبي 2/ (19).
باختصار في مقدمة عملنا هذا كي يكون القارئ على بينة منها ولا تضيع بين السطور وخِضَمِّ الأسانيد.
ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه الاستدراكات لم تتلق كُلُّها بالقبول لدى بعض العلماء. بل أُجيب عن بعضها، وخُطِّئت السيدة عائشة في جانب منها، كما سنرى في الإجابة أيضًا، ولذلك نودّ هنا أن نناقش مدى صحة نقدِ السيدة، وكيف اعترض عليها بعض العلماء.
ونعتقد أن هذه المقدمة الدراسية المنهجية ستمهد القراء لفهم نصوص الكتاب والتعرف على منهج عائشة في نقدِ الحديث ومقاييسها، وها نحن نوردها على الترتيب المار ذكره موضحين ذلك بذكر بعض الأمثلة وأقوال العلماء بعونه تعالى.
أ - عرضها الحديث على القرآن:
هذا هو أول مقاييس النقد، وأهمها في تثبيت صحة الأحاديث، إلا أن هذا المقياس ناقشه العلماء مِن المتقدمين والمتأخرين، وهو مستند على عمل النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيق بعض الصحابة الكبار، والأحاديث المروية في هذا المجال عندَ بعضهم. وقد اعترض بعضهم بأن هذه الروايات ضعيفة جدًّا، إذ الحديث الصحيح لا يخالف القرآن، ولهذا لا حاجة لعرض الحديث الصحيح على القرآن عندهم. ولا نريد أن نسرد هذه الروايات والمناقشات هنا، ولكن لا شك أن هذا المنهج استعمله بعض الصحابة والفقهاء وبعض المحدثين على ما رأينا في مصادرنا.
وإذا نظرنا إلى أقوال هؤلاء الصحابة وأفعالهم وجدناهم هم أول من طبق هذا المعيار حق التطبيق، فإنهم - رضوانُ الله عليهم - كانوا يردون الأحاديث حينما يرون أنها معارضة للقرآن الكريم، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا.
"وقد تبين بعد استقراء تلك المسائل أن القرآن الكريم كان عندهم المقياسَ الأول، فلم يقبلوا ما خالفه من أحاديث، بل حكموا على رواتها بالوهم والخطأ، وتركوا الأخذ بها والعمل بمقتضاها لمعارضتها لذلك النص القرآني، ويتبين هذا باستعراضِ المسائلِ التي جعلوا فيها معارضةَ الحديث لنص الكتاب كافيةً في رده على صاحبه. وهذا الردُّ ليسَ لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن والسنة الصحيحة لا يُمكن أن يختلفا أو يتناقضا، ولعل الناقل أخطأ أو نسي، أو لم ينقل ما سمعه كله، أو فَهِمَ مِن اللفظ النبوي غير ما أراده صلى الله عليه وسلم "
(1)
.
ونرى في مقدمة هؤلاء الصحابة الذين كانوا يعرضون الروايات على القرآن أم المؤمنين عائشة، وقد استدركت رضي الله عنها على كثير من الصحابة وأشارت إلى أوهامهم وأخطائهم وصححت رواياتهم بهذا المقياس وقد أجادت وأفادت وسنت هذا المنهج الحكيم لمن جاء بعدها إلى يوم الدين.
حتى إننا نراها تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم آيةً من القرآن عندما سمعت منه الحديثَ، فكأنها رأت بينهما تعارضًا، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر كما أخرجه البخاري في العلم باب من سمع شيئًا فراجع فيه حتى تعرفه وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من حُوسِب عُذِّب" قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول الله تعالى: ? {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قالت: فقال: "إنما ذلك العَرْضُ، ولكن مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ يَهْلِكُ"
(2)
.
"وهذا يدل على ما كان عند عائشة مِن الحرص على تفهم معاني الحديث، ومقابلة السنة بالكتاب والمبادرة إلى السؤال عما لم يظهر لها
(1)
انظر: مقاييس نقد متون السنة للدميني، ص 61 (بالاختصار).
(2)
أخرجه البخاري (103) وأحمد (24605) و (24772) و (24200).
وجهه، فهذه ميزة فيها، وممارستها لهذا بين يدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتلقيها التوجيه والتصحيح منه، يُعطيها القوةَ العلمية، ويُربي فيها الملكة الفكرية"
(1)
.
وقد جمع الزركشي عِدةَ أمثلة في كتابه هذا لِعرض أم المؤمنين في روايات سمعتها مِن الصحابة والتابعين على القرآن. على ما سيرى القُرَّاءُ الكِرام أنها قد أصابت في أكثر انتقاداتها كُلَّ الإصابة.
غير أن هناك بعض الأمثلة الأخرى مِن استدراكاتها على الصحابة قد اعترض عليها بعضُ العلماء بأنها هي وهمت فيها، ولم تصب في العرض على القرآن.
خذ مثلًا ما أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهلِ القَلِيب، فقال:"وجدتم ما وَعَد ربكم حقًّا؟ " فقيل له: أتدعو أمواتًا؟ فقال: "ما أنتم بأسمعَ منهم ولكن لا يُجيبون"
(2)
.
وأخرج البخاري بعدها عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهم ليعلمون الآن أنَّ ما كنت أقول لهم حق. وقد قال الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]
(3)
.
وقد خالفها الجمهورُ في ذلك، وقبلوا حديثَ ابن عمر لموافقة من رواه غيره عليه
(4)
. فقد بَيَّنَ العلماءُ أنها غيرُ مصيبة في استدراكها على من
(1)
منهج نقد المتن للإدلبي، ص 108 - 109.
(2)
أخرجه البخاري (1370) و (4026).
(3)
أخرجه البخاري (1371) و (3979 - 3981).
(4)
فتح الباري لابن حجر 3/ (1370)، وانظر أيضًا: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، ص 101 - 104.
روى حديث "ما أنتم بأسمعَ لما أقولُ منهم" في قصة القَلِيب التي رواها الشيخان وغيرهما. وإنكارها لسماع الموتى هو من جنس إنكارها لغيره من الأمور التي لم يتقدم لها به علم، وهي مجتهدة وقد تُصيب، وقد تخطئ رضي الله عنها
(1)
.
فكما تلحظ فإن جملة (إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق) غير ثابتة من رواية الصحابة الذين شهدوا الواقعة، وسمعوا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، إنما هو من رواية عائشة، والظاهر أنه من اجتهادها في فهم ما قاله النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولهذا احتجت بالقرآن، ولم تذكر أنها سمعت مِن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وظنت أن الصحابي الذي روى الحديثَ قد أخطأ في سماع الحديث فاستدركت عليه، وفاتها أن الحديث رواه أيضًا أبو طلحة وعُمر وابنُ مسعود وعبدُ الله بن سيدان، وكلهم ممن شهد الواقعة"
(2)
.
وقد اعترض السهيليُّ على استدراك عائشة وعرضها هذا الحديث على القُرآنِ مِن وجوه وقال:
1 -
"عائشة لم تحضر، وغيرها ممن حضر أحفظُ لِلفظ النبي صلى الله عليه وسلم.
2 -
إذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين جازَ أن يكونوا سامعين.
3 -
إن الله تعالى جعل الكفارَ أمواتًا وصُمًّا على جهة التشبيه بالأموات وبالصم في هذه الآية، فلا تعلق لها في الآية"
(3)
.
(1)
سماع الميت في ضوء الكتاب والسنة، للدكتور ياسر أحمد الشمالي، مجلة دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلد: 24، العدد: 2، سنة،1997، ص 232 - 233.
(2)
جمع المفترق من الحديث النبوي، للمؤلف السابق، ص 91، دار الفرقان، عمان - 1999.
(3)
الروض الأنف، للسهيلي 5/ 174 - 176.
وقال الحافظ ابن حجر: "ومن الغريب أن في المغازي لابنِ إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل هذا الحديث وفيه "ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم" أخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظًا فكأنها رَجَعَتْ عن الإنكارِ، لِما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة"
(1)
.
قلت: والذي عند أحمد: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة عن إبراهيم عن عائشة، ولفظها: فقال: "ما أنتم بأفهم لقولي منهم، أو لَهُمْ أفهمُ لقولي منكم"، وإسناده ضعيف لانقطاعه
(2)
.
وأما رواية ابن إسحاق فلفظها:. . . فقال لهم: "لقد علموا أن ما وعدهم رَبُّهم حقٌّ". قالت عائشة: "والناس يقولون: لقد سمعوا ما قلتُ لهم" وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد عَلِموا"
(3)
. ونقلها عنه الإمام أحمد في مسنده بهذا اللفظ
(4)
.
وقال الإسماعيلي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرةِ الرواية، والغوصِ على غوامض العلم ما لا مزيدَ عليه، لكن لا سبيلَ إلى رد رواية الثقة إلا بنصٍّ مثلهِ يدل على نسخه أو تَخصيصه أو استحالته، فكيف والجمعُ بين الذي أنكرتْه وأثبتَه غيرُها ممكن"
(5)
.
وهناك أمثلة أخرى اعترض بعضُ العلماء على عائشة رغم أنها قد أصابت في استدراكها على ما رأينا.
(1)
فتح الباري، لابن حجر 7/ (3979 - 3981) بالاختصار.
(2)
المسند (25372).
(3)
السيرة النبوية لابن هشام 1/ 638 - 639.
(4)
المسند، (26361) إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق.
(5)
نقله ابن حجر في الفتح 7/ (1392 - 381).
ومثال لهذا اعتراض ابن خزيمة عليها في إنكارها على رواية ابن عباس في الرؤية وتابعه النووي وقال: "إن عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لم أرَ ربي" وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51] ولقول الله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103].
ثم إن ابن عباس أثبت شيئًا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي، فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره. ثم أن عائشة رضي الله عنها لم تنفِ الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان معها فيه حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات
(1)
.
قال الزركشي في الإجابة: ونقل عن ابن خزيمة أنه قال في كتاب التوحيد له: "إنه خاطب عائشة على قدر عقلها ثم أخذ يحاول تخطئتها، وليس كما قال، فقد جاء عن غيرها ذلك مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود. وقد بسط الزركشي الكلام في هذا الموضوع ونقل المناقشات فيه كما سيرى القارئ الكريم
(2)
.
والمثال الثاني لهذا إنكار ابن الجوزي على عائشة في رَدِّها على رواية أبي هُريرة: "الشؤمُ في ثلاثةٍ: في الدارِ والمرأةِ والفَرَسِ". فقالت عائشة: لم يحفظ أبو هريرة، إنه دخلَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قاتل الله
(1)
شرح مسلم للنووي 3/ 5 - 6.
(2)
انظر: استدراكها على ابن عباس (الحديث الثالث) من الإجابة. انظر أيضًا: فتح الباري لابن حجر 8/ (4855).
اليهودَ، يقولون: الشؤم في ثلاثة: في الدار والمرأة والفرس"، فَسَمِعَ آخرَ الحديثِ ولم يسمع أوله.
وفي رواية عن أبي هريرة يُحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الطِّيَرَةُ في المرأة والدابة والدار". فطارت شِقَّة منها في السماء وشِقَّةٌ منها في الأرضِ، وقالت: والذي أنزلَ القرآن على أبي القاسم ما هكذا يقول، ولكن كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان أهلُ الجاهلية يقولون: الطِّيَرَةُ في المرأةِ والدابَّةِ والدارِ، ثم قرأت عائشة:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22]. فأنكر ابن الجوزي في "المشكل" على عائشة هذا الرد وقال: "الخبر رواه جماعة ثقات فلا يعتمد على ردها"
(1)
.
وقال معمرُ بنُ راشد: "سمعتُ مَنْ يفسر هذا الحديثَ يقولُ: شؤمُ المرأة: إذا كانت غيرَ ولود، وشؤم الفَرَسِ: إذا لم يغز عليه في سبيل الله، وشؤمُ الدارِ: جارُ السوء"
(2)
.
وقد ذهب الخطابيُّ إلى جهة التأويل وقال: "لما كان الإنسان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها، وزوجة يُعاشرها، وفرس يرتبطه، وكان لا يخلو مِن عارض مكروه، أضيفَ اليُمن والشؤم إلى هذه الأشياء إضافةَ محل وظرف، وإن كانا صادرين عن قضاء الله"
(3)
.
وقال ابن حجر بعدما ذكر استدراك عائشة: "ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا مِن الصحابة له في ذلك، وقد تأوله
(1)
انظر: استدراكها على أبي هريرة، (الحديث الثاني) من الإجابة.
(2)
الجامع لمعمر بن راشد، 10/ (19528) ضمن مصنف عبد الرزاق.
(3)
هذا ما نقله الزركشي في الإجابة، ووقع تأويله بألفاظ قريبة منه في معالم السنن للخطابي 4/ 218.
غيرُها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك، وسياقُ الأحاديث الصحيحة المتقدِّم ذكرها يُبْعِدُ هذا التأويل
(1)
.
وقال الزركشي
(2)
: قال بعضُ الأئمة: "وروايةُ عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله لموافقتها نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطِّيَرة نهيًا عامًا، وكراهتها وترغيبه في تركها بقوله: "يدخل الجنة سبعون ألفًا بغيرِ حساب، وهم الذين لا يكتوون لا يَسْتَرْقُونَ ولا يتطيرون وعلى رَبِّهم يتوكلون"
(3)
.
ب - عرضها الحديث على السنة:
أحد أهم مقاييس نقدِ الحديث هو عرض الرواية على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: على أعماله أو أفعاله أو إقراره. وقد اعتمد بعضُ الصحابة في نقد الروايات على السنن حيث إنهم لازموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وشاهدُوا سننه طول صحبتهم معه ولا سيما أمُّ المؤمنين عائشة قد استندت على هذا المقياس في كثير من ردودها على الصحابة. وكانت عاشت معه عليه السلام ليلًا ونهارًا، في حَضَرٍ وسَفَرٍ حتى ارتحل إلى الرفيق الأعلى، وكانت أعرفَ الناسِ بأحواله وأعماله عليه السلام بذكائها وفقهها ووعيها، ومحاكمتها الحكيمة. وكانت تبحث عن قصدِ النبي وعلة فعله، أو منشأ تصرفه، أو مواظبته لهذا العمل، أو الظروف التي جرت السنة فيها، وتعيها كل الوعي، وتصحح الروايات راجعة إلى السنة المعروفة عندها.
(1)
فتح الباري لابن حجر 6 / (2858) و (2859).
(2)
الإجابة نفس الموضع.
(3)
أخرجه البخاري في الطب (5705) و (5752) ومسلم في الإيمان (524 - 525) وأحمد (19913) و (19966) و (19984).
وقد أخذ بهذا المعيارِ كثيرٌ من العلماء في تمييز الروايات الموضوعةِ من الأحاديث الصحيحة إذا خالف الحديث لما جاءت به السنةُ الصريحة والسنةُ المعلومة، والفعل الجاري مجرى السنة كما بينه ابن القيم والخطيب البغدادي وغيرهما
(1)
.
ولقد أطلق الأستاذ المفكر المرحوم السيد أبو الأعلى المَوْدوُدي الباكستاني على العلماء الذين وهبهم اللهُ تعالى التفقه والوعي في البحث عن دراسة القرآن والسيرة بحثًا عميقًا دقيقًا، والذين أجابوا عن المسائل المختلفة بآرائهم واجتهاداتهم وفقًا لفهمهم الإسلامي تعبيرَ "مزاج شناس رسول" أي الذي يعرف مزاج الرسول حق المعرفة أو بعبارة أخرى الذي أُشْرِبَ قلبُه مزاج الرسول. فكأن هذا العالم - على ما قاله المودودي - يرى بعين النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلم بلسانه، فيحصل عنده حدس إلى درجة أنه يستطيع أن يميز الرواياتِ السقيمةَ من الروايات الصحيحة بسهولة مستندًا لهذه الملكة.
قلت: السيدة عائشة أحقُّ الناس بهذه الصفة التي حملتها على أن تقول حينما رأت بعض تغيرات في أحوالِ النساء في المدينة المنورة: "لو أدرك النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساءُ لَمَنَعَهن المسجد كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل"
(2)
.
وهذا الخبرُ دليل واضح على معرفة أم المؤمنين بالرسولِ عليه السلام وأحواله معرفة حقًّا، وهي التي تجعلها تقول: "لو أدرك النبيُّ. . . لفعل
(1)
انظر: المنار المنيف لابن القيم، ص 56، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 472.
(2)
أخرجه البخاري في الأذان (869) ومسلم في الصلاة (999)، وأحمد (24602) و (25610) ومالك في القبلة ص 12.
كذا .. " ولا شَكَّ أنها رضي الله عنها استفادت مِن أفعال النبي عليه السلام وأحواله التي عاشتها ورصدتها طول صحبتها معه، وأشارت إلى موقفِ النبي عليه السلام المحتمل من هذه الحالة التي أحدثتها النساء بعد ارتحال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يورد الزركشي في "الإجابة" عدةَ أمثلة من هذا النوع قد أصابت عائشةُ فيها كما سنراها بوضوح، ولا حاجة لذكرها هنا، ولكنها أحيانًا ردَّت رواية صحابي عن فعل فعله النبي عليه السلام أمام هذا الصحابي بأن هذا الفعل ليس من الأفعال التي واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت مواظبته على عكس هذا العملِ المروي كما شاهدته أمُّ المؤمنين منذ سنين. ولذلك لما رأت هذه الرواية أو الخبر عن عمل النبي عليه السلام مخالفةً لِعادته زعمت أن الصحابي المُخبِرَ أخطأ في روايته ولم تقبل خبره.
ومثال هذا ردُّها الأخبارَ التي وردت في بوله عليه السلام قائمًا كما روى حذيفة رضي الله عنه في حديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما قال: "رأيتني أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نتماشي، فأتى سُباطة قوم خلفَ حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال". وفي رواية أخرى: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم قبال قائمًا، ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ"
(1)
.
فقد ردت أم المؤمنين هذه الروايات وادَّعتْ أن النبيَّ عليه السلام لم يَبُلْ قائمًا كما نرى في الروايات التالية:
(1)
أخرجه البخاري (224 - 226) و (2471)، ومسلم (624 - 625)، وعبد الرزاق (751) وابن أبي شيبة (1309).
"من حدَّثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال قائمًا، فلا تُصدِّقْه، أنا رأيتُه يبولُ قاعدًا"
(1)
. وفي رواية: " .. ما بَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمًا منذ أُنزل عليه القرآن"
(2)
. وفي رواية أخرى: "مَنْ حدَّثكم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يبولُ قائمًا فلا تُصدِّقوه، ما كان يَبُولُ إلا قاعِدًا"
(3)
.
والمراد الإخبار عن الحالة المستمرة، ولم تطّلعْ على ما اطَّلعَ عليه حذيفةُ، ولهذا علَّقت مستندةً في إنكارها برؤيتها حيث قالت:"أنا رأيتُه يبول قاعدًا"
(4)
.
قال الخطابي: والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعتاد مِن فعله أنه كان يبول قاعدًا، وهذا هو الاختيار، وهو المستحسن في العادات، وإنما كان ذلك الفعل منه نادرًا لسببٍ أو ضرورة دعته إليه"
(5)
.
وقد أخرج الحاكم عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سمعتُ عائشةَ تُقْسِمُ بالله ما رأى أحدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم يبولُ قائمًا منذ أنزل عليه الفرقان. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والذي عندي أنهما لما اتفقا على حديث منصور عن أبي وائل عن حذيفة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سُباطة قوم، فبالَ قائمًا، وجدا حديث المقدام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها معارضًا له، فتركاه والله أعلم
(6)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (1323).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (25045) و (25596) و (25787).
(3)
أخرجه الترمذي في الطهارة (12).
(4)
انظر استدراكها البول قائمًا من هذا الكتاب.
(5)
معالم السنن للخطابي 1/ 18 - 19، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 62.
(6)
المستدرك للحاكم، 1/ 185.
قال الزركشي: "القاعدةُ الأصولية تقضي لحديث حذيفة من حيث إنه مثبت، فيقدَّم على من روى النفي. وجمع بعضُهم بين الروايتين لأن النفي في حديث عائشة ورد على صيغة (كان) بمعنى الاستمرار في الأغلب، وحديث حذيفة ليس فيه (كان) فلا يدل إلا على مطلق الفعل ولو مرة"
(1)
.
قلت: ولو سلّمنا هذا الجمعَ لبقي الإشكال في قولها: "فلا تُصدقوه".
وهذه كلمة صدرت منها عفويًا ولا ينبغي تكذيبُ صحابي جليل مثل حذيفة فيما شاهده مِنْ فعلِ النبي صلى الله عليه وسلم عند الحاجة ولو كانت مرة. يرحم اللهُ أم المؤمنين لو فَسَّرَتْ هذه الحالةَ مثل ما فَسَّرَتْ حديث غسل يوم الجمعة من ناحية سبب الورود والظروف، لكان خيرًا وأحسن تأويلًا.
ج - عرضها الحديث على حديث عندها:
مِن المعلوم أن أمَّ المؤمنين عائشة معدودة في علماء الصحابة بالأحاديثِ روايةً ودرايةً، وهي الرابعة من المكثرين بين الصحابة الكرام، لقد ساعدتها قوة ذاكرتها في تصحيح المتون فعرضت الحديثَ أو الفتوى على الحديث عندها، واستعملت هذا المنهجَ في عدة استدراكاتها، ويبدو من هذه الروايات أنها:
1 -
لما ذكر لها حديثٌ ما، إما صدقته بأنها سمعته من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإما أنها تذكر اللفظ الذي عندها.
2 -
بعد ما صدقت الحديث، تبيَّنُ قصدَ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث إذا فهم منه غير المعنى المقصود كما بينت في حديث "من أحبَّ لِقاء الله أحب الله لقاءه".
(1)
انظر الموضع نفسه من هذا الكتاب.
3 -
أحيانًا تعرض الرواية على حديث أصحَّ وأقوى عندها كما عرضت رواية أبي هريرة "من لم يُوتِرْ فلا صلاة له" على حديث عندها: "من جاء بالصلوات الخمس يومَ القيامة. .".
4 -
وأحيانًا تجد الرواية ناقصة، أو أن الصحابي أخطأ في الفهم والنقل، فتستدرك وتُصحح هذا الخطأ بسماعها هي أو بمشاهدتها، كما قالت في حديث غسلِ يوم الجمعة:
"أكثرَ الناسُ في الغسل يوم الجمعة، وإنما كان ذلك في بيتي، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرٌ من أهل العاليةِ في يوم حَارٍّ قد عملوا في نخلهم، وعليهم ثيابُهم الصوف، فدخلوا ولهم أرواح منكرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان هذا اليوم فاغتسِلُوا"
(1)
.
5 -
وأحيانًا ترى أو تزعُمُ أن الروايةَ ناقصة، أو نقلت بالخطأ، وأغلب ظنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يقوله كذلك، وتُحاوِلُ أن تصححها بالتأويل أو التخمين، ولا تقول إنها سمعتها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أشار بعضُ العلماء أنها ردت بعض الروايات بالتأويل كما نرى في ردها حديث أبي هريرة:
"لأن يمتلئ جوفُ أحدكم قيحًا ودمًا خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا". فقالت عائشة رضي الله عنها: "لم يحفظ الحديث إنما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوفُ أحدكم قيحًا ودمًا أن يمتلئ شعرًا هُجيتُ به". وذكر ابن وهب في جامعه أن عائشة رضي الله عنها تأولت هذا الحديث في الأشعار التي هُجِيَ بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنكرت قولَ من حمله على العموم في جميع الشعر"
(2)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (6547) وانظر أيضًا (8384).
(2)
انظر لتخريج الأحاديث والإطناب: استدراكها على أبي هريرة (الحديث الثامن) من هذا الكتاب.
علمًا بأن حديثَ عائشة هذا ضعيف فلم تثبت هذه الزيادة في الصحاح والسنن، وهذا يؤيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله، وإنما قالته أمُّ المؤمنين عائشة بالتأويل فقط.
ومثال ثان لهذا رَدُّهَا على عمر وابن عمر لحديثهما عن عذاب الميت ببكاء أهله عليه فقالت تارة: "إنما مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها أهلُها فقال: "إنهم يبكون عليها، وإنها لتُعذَّبُ في قبرها"
(1)
. وتارة أخرى قالت: "يَرْحَمُ الله عمر، والله ما حَدَّثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن الله يعذِّبُ المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليزيدُ الكافرَ عذابًا ببكاءِ أهله عليه"، وقالت: "حَسْبُكُمُ القرآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]
(2)
". وفي رواية عند مسلم: "وَهَلَ (ابن عمر)، إنما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليُعذَّبُ بخطيئته أو بذنبه، وإن أهله ليبكُون عليه الآن"
(3)
.
"وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه إشعار بأنها لم تردَّ الحديثَ بحديثٍ آخر، بل بما استشعرته من معارضة القرآن" كما قال ابن حجر
(4)
.
وقال القرطبي: إنكارُ عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان، أو على أنه سمع بعضها ولم يسمع بعضًا بعيدٌ، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (1289) ومسلم (2153) و (2154).
(2)
أخرجه البخاري (1288) ومسلم (2149 - 2150).
(3)
أخرجه مسلم (2154).
(4)
فتح الباري لابن حجر، 3/ (1288 - 1289).
(5)
الموضع نفسه.
وقال الزركشي: واعلم أن تعذيبَ الميتِ ببكاءِ أهله عليه رواه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من الصحابة، منهم عمر وابن عمر وأنكرته عليهما عائشة، وحديثُها موافق لظاهر القرآن وهو قوله سبحانه:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وموافق للأحاديث الأخرى في بكاء النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة من الموتى وإقراره على البكاء عليهم. وكان رحمة للعالمين فمحال أن يفعل ما يكون سببًا لعذابهم أو يقرَّ عليه
(1)
.
والذي عندي أن السيدة عائشة أنكرت الحديث حيث وجدته معارضًا للقرآن وصححته بالتأويل لا بأحاديثَ سمعتها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وأظن أنها أصابت في الردِّ بهذه الآية وأخطأت في تأويلها بقولها: "إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه" لأن حكم هذه الآيةِ الكريمة شاملةٌ للمؤمن بعمومها للمؤمن وللكافر معًا، وما الله يزيد المؤمن ولا الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه إن أخذنا بهذه الآية الجليلة.
والذي يهمنا هنا أنها أنكرت على بعض الروايات بتأويلاتها قائلة: "ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، كذا، إنما قال كذا. . ." وأغلب ظني هنا أن السيدة تعنى بهذا القولِ: "ربما قال النبي صلى الله عليه وسلم أو ولعله قال كذا" ولا تعني الجزمَ والله أعلم بالصواب.
ومثال ثالث لهذا إنكارها على حديث "وَلَدُ الزِّنى شَرُّ الثلاثة" بوجهين:
1 -
قالت: "فلم يكن الحديثُ على هذا، إنما كان رجل من المنافقين يُؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من يَعْذِرُني من فلان؟ " قيل: "يا رسول الله، إنه مع ما به ولدُ زنى" فقال:"هو شَرُّ الثلاثة". والله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]
(2)
.
(1)
انظر استدراكها على عبد الله بن عمر (الحديث الأول) من هذا الكتاب.
(2)
المستدرك للحاكم، 2/ 215.
2 -
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد الزنى شَرُّ الثلاثة إذا عَمِلَ بعمل أبويه". وقال البيهقي: ليس بالقوي، وقد روى مثله بإسناد ضعيف من حديث ابن عباس ثم قال: وإنما يروى هذا الكلامُ على الخبر من قول سفيان الثوري فنقله بسنده ومتنه
(1)
.
فهذه الرواية الأخيرة - مع ضعفها - دليل على أن هذا تأويلٌ واضح، إما من السيدة عائشة، وإما من سفيان الثوري، دخل إلى المتن وليس من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأول هو أشبه بالصواب، والله أعلم.
د - عرضها الحديث على عقلها ورأيها:
إذا جاءت الرواية مخالفةً لصريح العقل، أو موجباتِ العقول بحيث لا يقبلُ التأويل، ويلحق به ما يدفعه الحِسُّ والمشاهدة، فيعلم بطلانها ويُردُّ. لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق والمعقول.
ولذلك كانت أم المؤمنين عائشةُ تعرض الروايات والفتاوى على مقياس العقل حين ترى أنها معارضةٌ لعقلها، ولا يُتوقع أن يقوله النبيُّ صلى الله عليه وسلم فتردها فورًا، ونرى أنها تستعملُ في إنكارها أسلوبًا لامزًا وهي تعتمدُ على علمها بأحوالِ النبي عليه السلام وبما يُمكن أن يقوله أو لا يقوله. وهكذا ردت رواية أبي هريرة:"مَنْ غَسَّلَ ميتًا، اغتسل، ومن حمله توضأ" بقولها: "أو نجس موتى المسلمين؟! وما على رجل لو حَمَلَ عودًا؟! "
(2)
.
(1)
السنن للبيهقي، 10/ 58.
(2)
انظر استدراكها على أبي هريرة (الحديث السابع) من هذا الكتاب.
كما ردَّت فتوى عبد الله بن عمرو بن العاص بقولها: "يا عجبًا لابن عمرو، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنتُ أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وما أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات"
(1)
.
وكما أنكرت لما ذكر عندها ما يقطعُ الصلاة: الكلب والحمار والمرأة، فقالت:"قد شبهتمونا بالحمير والكلاب؟! " وفي رواية أخرى: "عدلتمونا بالكلاب والحمر؟! "
(2)
.
وهناك مقياسٌ آخر في منهج نقدِ السيدة لا بد أن نذكره هُنا، وهو عرضُ الرواية على رأيها أو بعبارة أخرى على اجتهادها الفقهي. والفرقُ بين العرض على عقلها والعرض على رأيها هي أنها في الأولى تنكر الرواية فورًا بصريح العقل فقط بأنها مخالفة للمعقول، وفي الثانية تنكرها نتيجة رأيها واجتهادها الفقهي بعدما تذكر الظروف والأسباب.
مثاله ما رواه أصحابُ الأصول في قضية التحصيب - أي النزول بالأبطح عند النفر - نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به. فذهب أبو هريرة وابنُ عمر إلى أنه على وجه القربة، فجعلوها من سِنن الحج، وذهبت عائشة وابن عباس إلى أنه على وجه الاتفاق، وليس من السنن
(3)
.
وكان ابن عمر يرى التحصيب سنة ويروي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح
(4)
. وأما عائشة فتنظر إلى القضية برأيها،
(1)
أخرجه مسلم (747) والنسائي (416) وابن خزيمة 1/ (247).
(2)
أخرجه البخاري (514) ومسلم (1142 - 1144) وأحمد (25929).
(3)
حجة الله البالغة للدهلوي 1/ 409 - 411.
(4)
أخرجه مسلم في الحج (3167 - 3168).
وتقول: ليس التحصيبُ بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزول الأبطح ليسَ بسنة. وعللت رأيها بقولها:"إنما نزله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان منزلًا أَسْمَحَ لخروجه"
(1)
. وفي رواية أخرى: "أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي وانتظرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح حتى فرغت .. "
(2)
والله ما نزلها إلا من أجلي"
(3)
.
وعلى اجتهاد أم المؤمنين عائشة التحصيبُ ليس بسنة، "فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله"
(4)
.
فالحاصل أن من نفى أنه سنةٌ كعائشة وابن عباس أراد أنه ليسَ مِن المناسك، فلا يلزم بتركه شيء، ومن أثبته كابن عمر، أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الإلزام بذلك
(5)
. ويؤيد المذهب الأول ما رواه أبو رافع: "لم يأمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من مِنى، ولكن جئتُ فضربت فيه قبته فجاء فنزل"
(6)
. ويؤيد المذهب الثاني ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ننزل غدًا إن شاء الله بخَيْفِ بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر"
(7)
. يعني المحصب
(8)
.
(1)
أخرجه مسلم في الحج (3169 - 3171).
(2)
أخرجه أبو داود في المناسك (2005).
(3)
فتح الباري لابن حجر 3/ (1766).
(4)
أخرجه أبو داود في المناسك (2008).
(5)
فتح الباري لابن حجر 3/ (1766).
(6)
أخرجه مسلم في الحج (3173).
(7)
أخرجه مسلم في الحج (3174 - 3175).
(8)
أخرجه أبو داود أيضًا في المناسك (2010).
ومثال آخر لهذا إنكارها على رواية أبي هريرة في المرأة التي عُذبت في هِرة، فقالت:"إن المرأة كانت كافرة" ورأت أن المؤمن أكرمُ عند الله من أن يعذبه من جري هِرة
(1)
على حسب اجتهادها.
قال النووي: "فظاهر الحديث أنها كانت مسلمة، وإنما دخلت النار بسبب الهرة"
(2)
.
وقال الشيخ يوسف القرضاوي
(3)
.
"أنكرت عائشة أم المؤمنين على أبي هريرة تحديثه بهذا الحديث بصيغته وحسبت أنه لم يَضْبِط لفظه حين سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. وحجة عائشة أنها تستكثر أن يُعذب إنسان مؤمن من أجل هرة! وأن المؤمن أكرم على الله من أن يدخله النار من أجل حيوان أعجم!.
وغفر الله لعائشة، لقد غفلت عن شيء هنا في غاية الأهمية، وهو ما يدلُّ عليه العمل، إن حبس الهرة حتى تموت جوعًا، لهو برهانٌ ناصع على جمود قلب تلك المرأة وقسوتها على مخلوقات الله الضعيفة، وأن أشعة الرحمة لم تنفذ إلى حناياها، ولا يدخل الجنة إلا رحيم، ولا يرحم الله إلا الرحماء، فلو رحمت من في الأرض لرحمها من في السماء.
إن هذا الحديث وما جاء في معناه ليعد فخرًا للإسلام في مجال القيم الإنسانية، التي تحترم كل مخلوق حي، وتجعل في رعاية كل كبد رطبة أجرًا.
(1)
انظر استدراكها على أبي هريرة (الحديث الثالث) من هذا الكتاب.
(2)
شرح مسلم للنووي، 14/ 240.
(3)
كيف نتعامل مع السنة النبوية للقرضاوي، ص 46 - 47، 1990 - المنصورة.
مما يتمم هذا المعنى ما جاء في الحديث الآخر الذي رواه البخاري: أن رجلًا سقى كلبًا، فشكر الله له، فغفر له
(1)
. وأن امرأة بغيًا سقت كلبًا، فغفر الله لها
(2)
.
على أن أبا هريرة لم ينفرد برواية هذا الحديث، حتى يُظَنَّ أنه لم يضبط ألفاظه، كيف وهو أحفظ الصحابة على الإطلاق؟
فقد روى أحمد والبخاري ومسلم عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم، قال:"عُذِّبَتِ امرأةٌ في هرة! حبستها حتى ماتت جوعًا، فدخلت فيها النار، قال الله: لا أنت أطعمتيها، ولا سقيتيها حين حبستيها، ولا أنت أرسلتيها، فأكَلَتْ مِن خشاش الأرض"
(3)
.
ورواه الإمامُ أحمد عن جابر عنه صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبت امرأة في هر ربطته حتى مات، ولم ترسله فيأكل من خشاشِ الأرض"
(4)
.
فلم ينفرد أبو هريرة برواية الحديث، ولو أنه انفرد ما ضره ذلك شيئًا
(5)
.
هـ - عرضها الحديث على اللغة والمنطق:
ومن مقاييس نقد الحديث في منهج السيدة عائشة هي عرض الرواية على قواعد اللغة والمنطق بفهمها الواعي، وبمعرفتها العميقة مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من حديثه.
(1)
أخرجه البخاري (2466) و (6009) ومسلم (5859).
(2)
أخرجه البخاري (3467) ومسلم (5861) ولفظهما: إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل.
(3)
أخرجه البخاري (2364) و (3482) ومسلم (6675) و (5852) و (5855) وأحمد (26963).
(4)
أخرجه أحمد (14602).
(5)
كيف نتعامل مع السنة النبوية، للقرضاوي، ص 47.
كما رأينا في حديث أخرجه مسلم عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَسْرَعُكُنَّ لُحوقًا بي، أطولُكُن يدًا" قالت: فكن يتطاولن أيَّتُهُنَّ أطول يدًا. قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب، لأنها كانت تعمل بيدِها وتصدق"
(1)
.
قال النووي: "معنى الحديث أنهن ظنن أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقية وهي الجارحة فكن يذر عن أيديهن بقصبة فكانت سودة أطولهن جارحة، وكانت زينب أطولهن يدًا في الصدقة وفعل الخير فماتت زينب أولهن فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة والجود. قال أهل اللغة: فلان طويل اليد وطويل الباع إذا كان سمحًا جوادًا
(2)
.
وكما رأينا في إنكارها على فهم أبي سعيد الخدري أنه لما حضره الموت، دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ الميت يُبْعَثُ في ثيابه التي يموتُ فيها"
(3)
.
ونقل الزركشي عن أبي الحسين أحمد بن القطان في كتاب أصول الفقه له أنه قال: "إنَّ أبا سعيد رضي الله عنه فهم من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالثياب الكفن وأن عائشة رضي الله عنها أنكرت على ذلك وقالت: "يرحم الله أبا سعيد إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم عمله الذي مات عليه، قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُحشر الناسُ حفاة عراة غرلًا"
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (6316) والبخاري (1420) والنسائي (2542). ووقع هذا الحديث في البخاري (والنسائي أيضًا) بلفظ متعقد يوهم أن أسرعهن لحوقًا سودة، وهذا الوهم باطل بالإجماع. قاله النووي 9/ 16.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 8 - 9.
(3)
أخرجه أبو داود في الجنائز (3114).
(4)
أخرجه البخاري (3349) ومسلم (7198) وأحمد (24265) و (24588).
قال الخطابي: "أما أبو سعيد، فقد استعمل الحديث على ظاهره، وقد روى في تحسين الكفن أحاديث، وقد تأوله بعض العلماء على خلاف ذلك فقال: معنى الثياب العمل، كنى بها عنه أنه يُريد أنه يُبعث على ما مات عليه من عمل صالح أو عمل سيء. قال: والعرب تقول: فلان طاهرُ الثياب: إذا وصفوه بطهارة النفس، والبراءة من العيوب، ودنس الثياب إذا كان بخلاف ذلك"
(1)
.
ويؤيد إنكار عائشة وفهمها بعضُ الأحاديث المرفوعة كما أخرجه مسلم عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يبعث كل عبد على ما مات عليه". وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد الله بقوم عذابًا، أصابَ العذابُ مَنْ كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم"
(2)
.
قال النووي: قال العلماء: معناه يُبعث على الحالة التي مات عليها ومثله الحديثُ الآخر بعده، ثم بعثوا على نياتهم
(3)
.
وفي هذا الحديث عرضت السيدةُ عائشة ما سمعته من أبي سعيد على ما يعرفه الجميعُ من أن الناس يحشرون حُفاة عراة غرلًا، وهي هنا لم تُخطّئ أبا سعيد فيما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل في فهمه الذي فهمه من الحديث، فقد أخذ بظاهر النص، ولم يدر أن النبي صلى الله عليه وسلم يعني بثيابه التي يبعث فيها عمله الذي مات عليه.
وهذا المنهج الذي سنته السيدةُ عائشة أحرى بالاتباع، فلا يبادر المرء إلى رَدِّ حديث صحيح لمعارضته معنى حديث آخر مع إمكان الجمع
(1)
معالم السنن للخطابي 1/ 262 - 263.
(2)
أخرجه مسلم (7232) و (7234).
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 210.
بينهما، بل يحمل أحدهما على وجه والثاني على وجه آخر، حتى يتخلص من الخلاف الظاهري كما عملت السيدة في هذا الحديث
(1)
.
إذًا قد فهم أبو سعيد الخدري هذا الحديث على الحقيقة، وفهمته السيدة عائشة على المجاز، وبيَّنت ما أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وقد أفادت وأجادت والله أعلم.
ومثال آخر لهذا الموضوع ما رواه كل من البخاري ومسلم عن عُروة قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة. قالت: بئسما قلت يا ابنَ أختي، إنَّ هذه لو كانت كما أوَّلتها عليه، كان لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهلون لِمَنَاة الطاغية التي كانوا يعبدونها بالمشلل، فكان مَن أهَلَّ يتحرج أن يطوفَ بينَ الصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا: "يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوفَ بَيْنَ الصفا والمروة فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما
(2)
.
قال النووي: قال العلماء: هذا من دقيق علمها، وفهمها الثاقب، وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ، لأن الآية الكريمة إنما دلّ لفظها على رفع الجناح عمَّن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي ولا
(1)
مقاييس نقد متون السنة للدميني، ص 107 - 108.
(2)
أخرجه البخاري (1634) ومسلم (3081).
على وجوبه، فأخبرته عائشةُ رضي الله عنها أن الآية ليست فيها دلالة للوجوب ولا لعدمه، وبيَّنت السبب في نزولها والحكمة في نظمها، وأنها نزلت في الأنصار حين تحرَّجُوا مِن السعي بين الصفا والمروة في الإسلام، وأنها لو كانت كما يقول عُروة لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوفَ بهما
(1)
.
قال الزركشي: قال بعض علماء التفسير: "إذا كان الحرجُ في الفعل، قيل: لا جناح أن تفعل، وإن كان في الترك قيل: لا جناح ألا تفعل .. فاستدل ابن الزبير على عدم الوجوب بأن الحرج كان في الفعل لا في الترك، فقالت عائشة رضي الله عنها: "لو كان الحرج في الترك وأريد نفيُه كان "لا جناح ألا يطوف، لكن الحرج كان في الفعل فقيل:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}
(2)
.
وهذا منها يدل على علم وفير، وفهم دقيق، ونظر ثاقب تفحص كُلَّ ما يُروى، وتُبيِّنُ خطأَه، وتوجهه التوجية اللائق به، فرضي الله عنها وأرضاها
(3)
.
و - عرضها الحديث على الوقائع التاريخية:
وهذا مقياسٌ آخر استعملته السيدةُ عائشة أحيانًا في نقد الحديث. وقد حاولت أن تصحح بعض الأخطاء معتمدة على معرفتها بالوقائع التي عاينتها، أو تعرضها على معلومة تاريخية ثابتة عندها.
(1)
شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 21.
(2)
انظر استدراكها على عروة بن الزبير من هذا الكتاب.
(3)
مقاييس نقد متون السنة للدميني، ص 108.
لقد رأينا بوضوح في جوابها لسؤال أبيها عن كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي استدراكها على من لا يري الصلاة على الجنازة في المسجد مذكرة أن النبي عليه السلام صلى على سهيل بن بيضاء في جوف المسجد.
كما رأينا في استدراكها على ابن عمر والبراء بن عازب في عدد عُمرِ النبي صلى الله عليه وسلم وكما رأينا في استدراكها لما ذكروا عندها أن عليًّا كان وصيًا، فقالت:"متى أوصى إليه؟ فقد كنت مسندته إلى صدري - أو قالت حجري - فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري وما شعرتُ أنه مات، فمتى أوصى إليه؟ "
(1)
.
تلك الأمثلة التي ذكرناها تؤكِّدُ لنا أن للسيدة عائشة منهجًا في نقد الحديث ومقاييس استعملتها في استدراكاتها أصابت في جُلها، وأخطأت في النَّزْر اليسير كما اعترض العلماء عليها. وقد ابتكرت رحمة الله عليها هذا المنهج في النقد - وإن كانت بشكل يسير - حتى يفهم الناسُ سنة نبيهم فهمًا صحيحًا، ولا شك أنها وُفِّقَتْ في تطبيق منهجها - وإن أخطأت أحيانًا - وأرشدت إلى طريقة سليمة لفهم الأحاديث والسنن، فاتبعها العلماء من المتقدمين والمتأخرين في هذا المجال ولا سيما الباحثين في عصرنا هذا والذين يهتمون بالنقد المتنبي في علم الحديث، فلم يهملوا التعويل على استدراكات السيدة والتذكير بأصولها في انتقاداتها. ونحن الآن محتاجون إلى الأخذ بهذا المنهج في النقد أكثر من الأمس لفهم السنة فهمًا صحيحًا ونقلها إلى أجيالنا القادمة نقلًا سليمًا.
فرضي الله عن أم المؤمنين عائشة التي أنارت الطريق لأبنائها بالأمس واليوم وغدًا، وعلمتهم كيف يتعاملون مع الأحاديث النبوية، وكيف
(1)
انظر استدراكاتها على كل منهم من هذا الكتاب.
يتثبتون من تحقيق السنن حتى لا يقعوا في أخطاء حمل الأحاديث وأدائها، وفي فهم السنة وتأويلها.
ونعتقد أن هذا الكتاب الذي توارثناه من القرن الثامن الهجري يُذكّرنا بالدور الحي لنقدِ الحديث عند أصحاب النبي صلوات الله عليه، ويعلّمنا مدى تثبتهم وتيقظهم، ويقدم لنا عدة أمثلة لنقد الحديث، فرضوان الله عليهم أجمعين.
واسمحوا لي أيها القُراء أن أنسحب وأتركَكم مع أمِّ المؤمنين عائشة، ومع المؤلف الزركشي.
بسم الله الرحمن الرحيم
(مقدمة المؤلف)
الحمد لله الذي جعل فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام، وأعلى أعلام فتواها بين الأعلام، وألبسها حُلَّة الشرف حيث جاء إلى سيد الخلق الملكُ بها في سرقةٍ
(1)
من حرير في المنام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً تَنْظِمُنا في أَبْناءِ أُمهات المؤمنين وتَهْدِينا إلى سَنَنِ السُّنةِ آمنين.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدهُ ورسوله الذي أرشدَ إلى الشريعة البيضاء، وأعلن بفضل عائشة حتى قيل: خذوا شطرَ دِينكم عن الحُميراء
(2)
،
(1)
أي في قطعة من جيد الحرير، وجمعها سَرَق. انظر "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير 2/ 362.
(2)
قال السخاوي في "المقاصد الحسنة"(432): حديث: خذوا شطر دينكم عن الحميراء، قال شيخنا في تخريج ابن الحاجب من إملائه لا أعرف له سندًا؛ ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في "النهاية"، لابن الأثير ذكره في مادة ح م ر، ولم يذكر من خرجه ورأيته أيضًا في كتاب الفردوس. لكن بغير لفظه، وذكره من حديث أنس بغير إسناد أيضًا ولفظه:"خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء" وبيض له صاحب مسند الفردوس فلم يخرج له إسنادًا وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير أنه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه. وقال العجلوني في "كشف الخفاء"(1198) وقال الحافظ عماد الدين في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب: هو حديث غريب جدًّا، بل هو منكر، سألت عنه شيخنا المزي فلم يعرفه، وقال لم أقف له على سند إلى الآن، وقال شيخنا الذهبي هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد. وقد ذكره ابن القيم في "المنار المنيف" (91) بعد حكمه: وكل حديث فيه "يا حميراء" أو ذكر "الحميراء" فهو كذب مختلق (89). انظر ما علق عليه الشيخ أبو غدة هناك. =
صلى الله عليه وعلى آله وصبحه صباح مساءٍ، وعلى أزواجه اللواتي قيلَ في حقهن:{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] صلاةً باقيةً في كل أوانٍ دائمة ما اختلف الملون
(1)
.
وبعد، فهذا كتاب أجمعُ فيه ما تفردت به الصِّدِّيقةُ رضي الله عنها أو خالفت فيه سواها برأي منها، أو كان عندها فيه سنةٌ بيّنة، أو زيادةُ علمٍ متقنة، أو أنكرت فيه على علماء زمانها، أو رجع فيه إليها
(2)
أجلَّةٌ مِن أعيان أوانها، أو حرَّرَته من فتوى، أو اجتهدَتْ فيه من رأي رأته أقوى، مُوردًا ما وقع إليَّ مِن اختياراتها، ذاكرًا من الأخبار في ذلك ما وصل إليَّ عن رواتها. غير مدَّعٍ في تمهيدها للاستيعاب، وأن الطاقة أحاطت بجميع
(3)
ما في هذا الباب. على أني حررتُ ما وقع لي من ذلك تحريرًا ونمّقت بُرودَه رقْمًا وتحبيرًا مع فوائد أضمُّها إليه وفرائدَ
(4)
أنثُرُها عليه، ليبقى
(5)
عِقدًا ثمينةً جواهرُه، وفَلكًا منيرةً زواهِرُه.
ولقد وُفّقتُ لجمعها في زمن قريب، وأصبح مأهولُ ربعها مأُوىً لِكل غريب. وما هذا إلا ببركة هذا البيتِ العظيم الفخر، وما هي بأول
= وسيأتي كلام الزركشي على هذه الكلية أيضًا أثناء تعداد خصائص عائشة رضي الله عنها الخامسة والعشرين.
والحميراء تصغير حمراء، وكانت عائشة بيضاء، والعرب تسمي الأبيض أحمر.
(1)
هو الليل والنهار.
(2)
إليها سقطت من (ب).
(3)
في (ب) بجمع.
(4)
في (ب): فوائد وهو خطأ.
(5)
كذا في مسودة المؤلف، وفي (ب) ليكن.
بركَتِكُم
(1)
يا آل أبي بكر
(2)
. وسميته (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشةُ على الصحابة) والله أسألُ أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، موصلًا إلى جنان
(3)
النعيم وأهديته إلى بحر علم ثمينٍ جوهرُه، وأُفق فضل أضاءَ شمسُه وقمرُه، وروضِ آدابِ
(4)
يانعةٍ ثماره، ساطعةٍ أزهاره، سيدي
(5)
قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة
(6)
الشافعي أدام الله عُلُوَّه وكَبَتَ عدوّه إذ لمذهب الشافعي من ثماره أيُّ روضات، وهو لمحرابه إمام يتلو فيه من معجز القولِ آيات. قد أظهر عرائس فضله المجلوّة، وأبرز نفائس نقلهِ المحبوة، وبهر العقول بدقائقه التي بَهَرَتْ، وزاد المباحث رونقًا بعبارته التي سحرت الألباب وما شعرت.
(1)
في (ب): تركتكم وهو خطأ.
(2)
من قول الصحابي الجليل أسيد بن الحضير، والحديث أخرجه البخاري في التيمم (334) ومسلم في التيمم باب التيمم (816) وأحمد في مسنده (25455). إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(3)
في (ب): جنات.
(4)
في (ب): أوان وهو خطأ.
(5)
سقطت من (ب) لفظة: سيدي.
(6)
هو عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله جماعة علي بن جماعة، قاضي القضاة، شيخ المحدثين بركة المسلمين أبو عمر بن قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله الكناني، الحموي الأصل، الدمشقي المولد المصري المتوفى سنة 767 هـ. صنف تصانيف كثيرة وولي القضاء فسار فيه سيرة حسنة. ومن تصانيفه تخريج أحاديث الرافعي، والمناسك الكبرى والمناسك الصغرى والسيرة الكبرى والسيرة الصغرى.
انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (647) والطبقات للسبكي (10/ 79 - 81).
قد نشر كتابه "هداية السالك إلى المذاهب الأربع في المناسك" الأستاذ نور الدين عتر ثلاثة مجلدات، بيروت 1994/ 1414 هـ.
تُهدى العُلُومُ إليه وهُو حقيقةً أدرى مِن المُهدي بِهِنَّ وأعلمُ.
وكنتُ في إهدائه إلى مقامه كمن يُهدي إلى البستان أزهاره؛ وإلى الفَلَك شموسَه وأقماره، وإلى البحر
(1)
جدولًا، وإلى السَّيل وَشَلًا، ولكن عرضت هذا المُصَنَّف على مَلِكِ الكلام؛ بل أمير المؤمنين في الحديث والإمام، لأثقفه باطلاعه عليه والسلام. والله تعالى يجعل أيامه كُلَّها مواسِمَ، ويُطرز التصانيف بفوائده حتى تصير كالثغور البواسم.
(1)
في (ب) وفي البحر.
فصل في ذكر شيءٍ من حالها
هي
(1)
أم المؤمنين وأُم عبد الله عائشةُ بنت أبي بكر الصدِّيقة بنت الصديق رضي الله عنه
(2)
وعنها، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقيهةُ الربّانية. كنيتها أُم عبد الله كناها به النبي صلى الله عليه وسلم، بابن أُختها عبد الله بن الزبير. رواه أبو داود
(3)
، وقال الحاكم: صحيح الإسناد
(4)
.
وجاء في معجم ابن الأعرابي
(5)
: أنها جاءت بسقطٍ
(6)
فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله وكناها به
(7)
، وفي إسناده نظر لأن مداره على داود بن المحبَّر
(8)
صاحب كتاب العقل.
(1)
سقطت لفظة هي من (ب).
(2)
سقطت من (ب) عنه و.
(3)
أخرجه أبو داود في الأدب باب في المرأة تكنى (4970) من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، كل صواحبي لهنَّ كُنىً، قال:"فاكتني بابنك عبد الله" - يعني ابن أختها - قال: فكانت تُكنَّى بأم عبد الله. وهو حديث صحيح. انظر لتخريجه مسند الإمام أحمد (24619) بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط وأصحابه.
(4)
انظر: "المستدرك" 4/ 278 ووافقه الذهبي.
(5)
هو إمام اللغة أبو عبد الله محمد بن زياد بن الأعرابي الهاشمي مولاهم الأحولُ النَّسَّابة المتوفى سنة 231 هـ، انظر:"سير أعلام النبلاء" 10/ (254).
(6)
السقط بالكسر والفتح والضم والكسرُ أكثرُها: الوليد الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه. انظر "النهاية في غريب الحديث" 2/ 378. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 12/ 463: "ذكر أبو سعيد بن الأعرابي في معجمه 2/ 918 بسند ضعيف جدًّا أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطًا وأمرت أن تدفن ليلًا وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه.
(7)
ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 9 من حديث داود بن المحبر حدثنا محمد بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطًا فسماه عبد الله وكناني أم عبد الله. وقال ابن الجوزي هذا حديث موضوع.
(8)
هو داود بن المحبر بن قَحْذَم أبو سليمان البصري المتوفى سنة 206 هـ. ضعفه العلماء. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 2 / (2646).
وعائشة مأخوذة من العيش، ويقال أيضًا عَيْشة، لغة حكاها ابنُ الأعرابي، وعلي بن حمزة
(1)
، ولا التفات لإنكار
(2)
أبي أبي عبيد
(3)
في "الغريب المصنف" ذلك.
وذكر أبو الفضل الفلكي
(4)
في الألقاب: النبي صلى الله عليه وسلم صغَّر اسمها وقال يا عُويش.
(1)
هو الإمام شيخ القراءة والعربية، أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بَهْمَن بن فَيروز الأسدي، مولاهم الكوفي، الملقب بالكسائي لكساء أحرم فيه. وكان ذا منزلة رفيعة عند الرشيد وأدَّب ولده الأمين، ونال جاهًا وأموالًا وسار مع الرشيد، فمات بالريّ بقرية أَرَنْبُويَة سنة تسعٍ وثمانين ومئة عن سبعين سنة، وفي تاريخ موته أقوال، فهذا أصحها. انظر ترجمته في "السير" 9/ (44).
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: لإسناد وهو تحريف واضح، أثبتناه من (أ) و (ب).
(3)
وقع في (ب) والنسخة المطبوعة: أبو عبيدة وهو خطأ. وأبو عبيد هو الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد القاسم بن سلام، صاحب الغريب المصنف والتآليف الموفقة التي سارت بها الركبان المتوفى سنة 224 هـ. له ترجمة حافلة في "السير"(10/ (164).
وأما أبو عبيدة فهو الإمام العلَّامة البحر، أبو عبيدة، مَعْمر بن المثنى التَّيْمي، مولاهم البصري، النحوي صاحب غريب الحديث والتصانيف المتوفى سنة 209 هـ وقيل 210 هـ. له ترجمة في "السير (9/ 168). وقد حدث عنه أبو عبيد القاسم بن سلام.
(4)
هو الحافظ الأوحد، أبو الفضل، علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن، الهَمَذَاني، عُرف بالفلكي المتوفى سنة 427 هـ. صنف الكتب منها: الطبقات الملقب بـ "المنتهى في معرفة الرجال" في ألف جزء.
انظر لترجمته "السير" 17/ (325).
وذكر صاحبُ "مسند الفردوس"
(1)
أن الإمام أحمد في "مسنده"
(2)
رواه من حديث أم سلمة: قالت عائشة: "يا
(3)
رسول الله علمني دعوةً أدعو بها" فقال: يا عُوَيْش قولي: اللهم ربَّ محمد النبي
(4)
الأُمِّي أذهب عني غيظَ قلبي وأجرني من مضلات الفتن" واستغربه ابنُ الصلاح في طبقاته
(5)
.
وفي "الصحيحين"
(6)
"يا عائِشُ" على الترخيم، وفي الأول دليل
(1)
أخرجه الديلمي 5/ (8644) كما عزاه الزركشي بدون سند، ولفظه: يا عويش قولي: اللهم رب محمد النبي الأمي أذهب عني غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن.
(2)
حديث يا عويش نسبه المصنف إلى مسند الإمام أحمد وهو ليس فيه انظر (26576) وإنما رواه ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة برقم (622):
أخبرني أبو عروبة حدثنا علي بن ميمون حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع عن سلمة بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غضبى فأخذ بطرف المفصل من أنفي فعركه ثم قال: يا عويش قولي اللهم اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من الشيطان، وجاء في تاريخ ابن عساكر 19/ 335 عن طريق أبي أحمد الحاكم أخبرنا محمد بن سليمان الواسطي حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون عن مؤذن لعمر عنه مسلم بن يسار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غضب أخذ بأنفها وقال: يا عويش قولي اللهم ربِّ النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم اغفر ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن.
(3)
يا سقطت من (ب).
(4)
سقطت لفظة النبي من (أ)، أثبتناه من (ب).
(5)
"الطبقات" 2/ 613. قال: وفي ألقابه (الفلكي) غرائب ألقاب منها: أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عويش صغّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمها وكناها أم عبد الله.
(6)
في (ب): وفي الصحيح وهو خطأ، فالحديث أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي باب فضل عائشة رضي الله عنها (3768) ومسلم في فضائل الصحابة باب [في] فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (6304) بلفظ: قال رسول الله =
على جواز التصغير كقوله: "يا أَبا عُمَيْرٍ"
(1)
وهو
(2)
تصغيرُ تحبيبٍ. وجعل صاحب "البسيط"
(3)
من النحويين مثل قوله: "يا حميراء" تصغير تقريب ما يُتوهم أنه بعيد، كقولهم بُعَيْدَ العَصْر وقُبَيْلَ الفجر، قال: لأن المراد بها البيضاءَ، فكأنَّها غيرُ كاملة البياض، قال: وكذلك قوله: "كُنَيْف مُلِيءَ علمًا"
(4)
اهـ.
وقال أبو القاسم الثمانيني
(5)
في "شرح اللمع": "قولُ عمر رضي الله عنه في ابن مسعود: "كُنيف ملئ علمًا" قالوا إنه أراد بهذا التحقير تعظيمه، كما قالوا في داهية: دُويهية وخُوَيخِية" قال: والصحيح أن ابن
= صلى الله عليه وسلم يا عَائِش، هذا جبريل يقرأ عليك السلام فقالت [فقلت]: وعليه السلام ورحمة الله. قالت: وهو يرى ما لا أرى.
(1)
أخرجه البخاري في الأدب باب الانبساط إلى الناس (6129) ومسلم في الآداب باب جواز تكنية من لم يولد له وكنية الصغير (5622) وأحمد في مسنده (12137). ولفظ البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا أبو التَّيَّاح قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عُمير ما فعل النُّغَيْر؟.
(2)
سقطت النسخة المطبوعة وأثبتناه من (أ) و (ب).
(3)
هو الإمام العلامة، الأستاذ أبو الحسن، علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، صاحب "التفسير" وإمام علماء التأويل. صنف التفاسير الثلاثة:"البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز" المتوفى سنة 468 هـ. انظر لترجمته "السير" 18/ (161).
(4)
أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 152، والحاكم في المستدرك 3/ 318 وأحمد في فضائل الصحابة (1550).
(5)
هو أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانيني الموصلي الضرير المتوفى سنة 442 هـ. انظر "شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي 3/ 269.
مسعود كان صغيرَ الجسم قصيرًا، فقال:"كُنَيْف" مصغرة لِيَدُلَّ على تصغير جسمه، لأن كنيفًا تكبيرُه كِنفٌ وهو شيءٌ يكون فيه أداة الراعي فأراد أنه حافظ لما فيه" اهـ.
وأمُّها أم رُومان - بفتح الراء وضمها - بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن كِنانة، روى البخاري لأُم رومان حديثًا واحدًا من حديث الإفك
(1)
من رواية مسروقٍ عنها ولم يلقها وقيل: "عن مسروق حدثتني أُم رومان" وهو وَهُمٌ.
ونقل النووي أن ابن إسحاق
(2)
سماها في السيرة: زينب. وفي "الروض" للسهيلي
(3)
: "اسمها دعد"
(4)
.
وذكر محمدُ بنُ سعد
(5)
وغيره: أن أُم رومان ماتت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ست من الهجرة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها. وهذا يقوّي الإشكال في إخراج البخاري رواية مسروق عنها، لكن أنكر قوم موتها في
(1)
أخرجه البخاري في المغازي باب حديث الإفك (4143). وعبد الرزاق في مصنفه 5/ (9748).
(2)
انظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/ 299.
(3)
والذي وجدناه عند السهيلي 6/ 439 كما يلي: هي زينب بنت عامر بن عُوَيْمر بن عبد شمس بن دُهمان. ولعل دعدة هنا خطأ أو سبق قلم.
(4)
في (ب) عد وفي النسخة المطبوعة دعدة وفي (أ) دعد وهو الصحيح وكذا في بعض المصادر: قال المزي في تحفة الأشراف 13/ 78 (933) - ومن مسند أم رومان - والدة عائشة - عن النبي صلى الله عليه وسلم. واسمها فيما قيل: زينب، وقيل دَعْد من بني غنم بن مالك.
وقال ابن حجر في تقريب التهذيب (8730): أم رومان الفراسية، زوج أبي بكر الصديق، وأم عائشة وعبد الرحمن، صحابية، يقال اسمها زينب، وقيل: دعد.
(5)
الطبقات 8/ 287 - 288.
حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو نُعيم الأصفهاني، ولا عُمدةَ لمن أنكره إلا روايةُ مسروق. وقال الخطيب: لم يسمع مسروق من أُم رومان شيئًا، والعجب كيف خفي ذلك على البخاري وقد فطن مسلم له
(1)
.
(1)
قال ابن حجر في "الفتح" 7/ (4143) وقد استشكل قول مسروق "حدثتني أم رومان" مع أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومسروق ليست له صحبة لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر أو عمر .. وقد حكى المزي كلام الخطيب هذا في التهذيب وفي الأطراف ولم يتعقبه بل أقره وزاد أنه روى عن مسروق عن ابن مسعود عن أم رومان وهو أشبه بالصواب. كذا قال. وهذه الرواية شاذة وهي من المزيد في متصل الأسانيد على ما سنوضحه. والذي ظهر لي بعد التأمل أن الصواب مع البخاري، لأن عمدة الخطيب ومن تبعه في دعوى الوهم الاعتماد على قول من قال إن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع وقيل: سنة خمس، وقيل: ست وهو شيء ذكره الواقدي، ولا يتعقب الأسانيد الصحيحة بما يأتي عن الواقدي.
وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقًا سمع من أم رومان وله خمس عشر سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر لأن مولد مسروق كان في سنة الهجرة ولهذا قال أبو نعيم الأصبهاني: عاشت أم رومان بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد تعقب ذلك كله الخطيب معتمدًا على ما تقدم عن الواقدي والزبير، وفيه نظر، لما وقع عند أحمد من طريق أبي سلمة عن عائشة قالت:"لما نزلت آية التخيير بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة فقال: "يا عائشة إني عارض عليك أمرًا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان" الحديث وأصله في الصحيحين دون تسمية أم رومان وآية التخيير نزلت سنة تسع اتفاقًا، فهذا دال على تأخر موت أم رومان عن الوقت الذي ذكره الواقدي والزبير أيضًا. فقد تقدم في علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر قال عبد الرحمن: "وإنما هو أنا وأبي وأمي وامرأتي وخادم" وفيه عند المصنف في الأدب "فلما جاء أبو بكر قالت له أمي احتبست عن أضيافك" الحديث، وعبد الرحمن إنما هاجر في هدنة الحديبية وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست وهجرة عبد الرحمن في سنة سبع في قول ابن سعد وفي قول الزبير فيها أو في التي بعدها، أن روي عبد الرحمن خرج في فئة من قريش قبل الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم =
تزوجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث بعد موت خديجة وقبلَ سودة بنت زمعة، وقيل:"بعدها" وهذا هو الأشهر، والأول حكاه ابن عبد البر
(1)
عن غير واحد، ويشهد له ما أخرجه مسلم في "صحيحه"
(2)
من حديث هشام عن أبيه عن عائشة أنها قالت: "ما رأيت امرأة أحبّ إليَّ أن أكونَ في مِسلاخها من سودة بنت زمعة .. الحديث". وقالت في آخره في بعض طرقه: "وكانت أول امرأةٍ
(3)
تزوجها بعدي"
(4)
.
وتزوجها وهي بنت ست أو سبع، والأولُ أصحُّ، وبنى بها بالمدينة وهي بنتُ تسع في شوال مُنصَرفه صلى الله عليه وسلم من بدر في السنة الثانية من مَقْدَمه. وقال الواقدي:"في الأُولى" وصححه الدِّمياطي
(5)
. وأما ابن
= فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الذي ذكراه فيه. وفي بعض هذا كفاية في التعقب على الخطيب ومن تبعه فيما تعقبوه على هذا الجامع الصحيح والله المستعان. (بالاختصار). انظر هدي الساري لابن حجر أيضًا ص 392، وزاد المعاد لابن القيم 3/ 266 - 267.
(1)
الاستيعاب 4/ 356 - 361.
(2)
أخرجه مسلم في الرضاع باب جواز هبتها نوبتها لضرتها (3629) ودوامه: من امرأة فيها حدّة، قالت فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة.
(3)
من قوله أحب إلى هنا سقطت من (ب).
(4)
أخرجه مسلم في الباب نفسه برقم (3630).
(5)
هو الإمام العلامة الحافظ الحجة الفقيه النسّابة شيخ المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني الدمياطي الشافعي المتوفى سنة 705 هـ، صاحب التصانيف. انظر:"تذكرة الحفاظ" للذهبي 4/ (1166).
دِحية
(1)
فوهاه بالواقدي
(2)
.
وأقامت في صحبته ثمانية أعوام وخمسة أشهر، وتوفي عليه الصلاة والسلام وهي ابنةُ ثماني عشرة
(3)
سنة، وعاشت خمسًا وستين، ووُلدت سنة أربعٍ من النبوة، وتوفيت بالمدينة زمن معاوية ليلة الثلاثاء لسبعَ عشرةَ خَلَتْ من رمضان سنةَ سبع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين، وأوصت أن يُصلي عليها أبو هريرة.
وذكر الواقدي: "أنها ماتت بعدَ الوتر وأمرت أن تُدفن مِن ليلتها فاجتمع الأنصار، وحضروا، فلم نرَ ليلةً أكثر ناسًا منها، نزل أهلُ العوالي، فدفنت بالبقيع".
قال الواقدي: "فحدثني ابن جريج عن نافع قال: شهدت أبا هريرة صلَّى على عائشة بالبقيع وابنُ في الناس لا ينكره. وكان مروانُ اعتمر في تلك السنة تلك السنة واستخلف أبا هريرة".
(1)
هو الإمام العلامة الحافظ الكبير أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي بن محمد الملقب بالجميل - بتشديد الياء المفتوحة - ابن فرج بن خلف الأندلسي الداني الأصل السبتي المتوفى سنة 633 هـ. يذكر أنه من ولد دحية الكلبي. انظر: "تذكرة الحفاظ"، 4/ (1136) و"السير" 22 / (248) للذهبي.
(2)
قد وقع في النسخة المطبوعة: وأما ابن دحية فوهاه الواقدي وهو غلط فاحش. وكيف يصح ذلك؟ لأن ابن دحية قد توفي في سنة 633 هـ وبينه وبين الواقدي أربعة قرون تقريبًا وقد توفي هذا الأخير سنة 207 هـ. وصواب العبارة كما في (أ) و (ب)، أي أن ابن دحية وهَّى رواية الواقدي بالواقدي نفسه، لأنه على سعة علمه ضعيف جدًّا باتفاق العلماء، وبعضهم اتهمه.
(3)
في (أ) و (ب): ثمانية عشر وهو خطأ.
رُوي لها عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفا حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث
(1)
. اتفق البخاري ومسلم منها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم بثمانية وستين.
روى عنها خلقٌ من الصحابة والتابعين من متأخريهم: مسروق والأسود وسعيد بن المسيب وعروة ابن أُختها والقاسم بن أخيها وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والشعبي، ومجاهد، وعطاء وعكرمة وعَمْرَةَ بنتُ عبد الرحمن، ونافع مولى ابن عمر وآخرون
(2)
.
وكان مسروقٌ إذا حدَّث عنها قال: حدثتني الصدِّيقةُ بنتُ الصدِّيق حبيبةُ حبيب الله المبرَّأةُ مِن السماء"
(3)
وروي بسندٍ حسنِ عن علي رضي الله عنه أنه ذكر عائشة فقال: "خليلةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(4)
وكذلك قال عمارُ بن ياسر لرجل نالَ منها: "اغْرُبْ
(5)
مقبوحًا منبوحًا"، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(6)
.
ومن مواليها رضي الله عنها
-:
1 -
(بَريرة): وهي التي كان فيها ثلاثُ سنن
(7)
وحديثهُا مشهور في
(1)
عدد الأحاديث التي روتها بلغت في مسند الإمام أحمد: (2402).
(2)
انظر لأسماء الرواة الذين حدثوا عنها من الرجال والنساء في "السير" 2/ (19).
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 65.
(4)
انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 2/ 177.
(5)
في النسخة المطبوعة: أعزب وهو تحريف. أثبتناه من (أ).
(6)
أخرجه الترمذي في المناقب باب من فضل عائشة رضي الله عنها (3888) وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ وابن سعد في الطبقات 8/ 65، وأبو نعيم في الحلية 2/ 44.
(7)
في (ب): كانت قبلها ثلاث سنين. وهو خطأ.
الصحيح
(1)
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجلَ لَيُدْفَعُ عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها على محجمة مِن دم يُريقه من مسلم" يعني بغير حق
(2)
. روته لعبد الملك بن مروان، رواه عنها زيدُ بن واقد، وهو من ثقات الشاميين، لقي واثلة بن الأسقع.
2 -
ومنهن (سائبة): روى عنها نافع مولى ابن عمر عن سائبة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت إلا ذا الطُّفيتين والأبتر فإنهما يخطِفانِ البصَرَ، ويَطْرَحانِ ما في بطون النساء". رواه مالك في
(1)
أخرجه البخاري في النكاح باب الحرة تحت العبد (5097) وفي الطلاق باب لا يكون بيع الأمة طلاقًا (5279) وفي الأطعمة باب الأُدم (5430) ومسلم في العتق باب بيان أن الولاء لمن أعتق (3786).
عن عائشة قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن: خُيّرت على زوجها حين عتقت، وأُهْدِيَ لها لَحْمٌ فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والبُرمة على النار، فدعا بطعام، فأُتِيَ بخُبْزٍ وأُدُم من أدم البيت، فقال: أَلَمْ أرَ بُرْمةً على النار فيها لحمٌ! فقالوا: بلى يا رسول الله ذلك لحمٌ تُصُدِّقَ به على بريرة، فكرهنا أن نُطْعمك منه فقال: هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: إنما الوَلاء لمن أعْتَقَ.
(2)
أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (24/ (526)، والهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 298 وابن عبد البرّ في الاستيعاب 4/ 250 عن عبد الخالق بن زيد بن واقد قال: حدثنى أبي أن عبد الملك بن مروان حدثهم قال: كنت أجالس بريرة بالمدينة قبل أن ألي هذا الأمر فكانت تقول لي: يا عبد الملك إني أرى فيك خصالًا وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر فإن وليت هذا الأمر فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها بملء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق. وعبد الخالق بن زيد لين. قال النسائي: ليس بثقة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/ 37: وسألت أبي عنه، فقال: ليس بقوي منكر الحديث، قلت: يكتب حديثه؟ قال: زحفا.
"الموطأ"
(1)
عن نافع به. وقد وصله ثقات من أصحاب نافع عن سائبة عن عائشة.
3 -
ومنهن: (مرجانة) وهي أُمُّ علقمة بن أبي علقمة أحد شيوخ مالك.
4 -
ومنهم: (أبو يونس) روى عنه القعقاع بن حكيم، أخرج مالك
(2)
عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أُم المؤمنين أنه قال:"أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا ثم قالت: "إذا بلغت هذه الآية فَآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فلما بلغتها قالت: "وصلاة العصر، سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(3)
.
(1)
أخرجه مالك في الاستئذان باب ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك 2/ 976 وهو مرسل. ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت.
وأخرجه موصولًا البخاري عن ابن عمر وأبي لبابة في بدء الخَلْق باب خير مال المسلم غَنَم يتبع بها شَعَفَ الجبال (3300) ومسلم في السلام باب قتل الحيات وغيرها (5825) - 5831).
(2)
أخرجه مالك في صلاة الجماعة باب الصلاة الوسطى 1/ 138 - 139 وفيه بعد قولها فآذني: فلما بلغتها آذنتها. فأملت عليّ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه مسلم في المساجد باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (1427).
(3)
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: وقول عائشة في هذا الحديث "وصلاة العصر" يوهم أن هذه الجملة من القرآن وهي ليست منه يقينًا، لأن خبر الواحد لا يثبت به قرآن، ولهذا لم يثبتها أمير المؤمنين عثمان بن عفان في المصحف الإمام، ولا قرأ بذلك أحد من القراء الذين يثبت الحجة بقراءتهم، لا من السبعة ولا من غيرهم على =
5 -
ومنهم (أبو عمرو) كما رواه الشافعي في "مسنده"
(1)
عن عبد الله بن أبي مليكة: أنه كان يأتي عائشة بأعلى الوادي هو وعُبيد بن عُمير، والمِسور بن مَخْرَمَة، وناس كثير فيؤمهم
(2)
أبو عمرو مولى عائشة وهو غلامُها يومئذ لم يُعتق" وفي رواية لابن أبي شيبة في "مصنفه"
(3)
: أنها
= أنه قد جاءت آثار على عائشة رضي الله عنها تفيد أن ما قالته هو تفسير لقوله تعالى: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فقد روى الطبري (5393) عن حميدة مولاة عائشة قالت:
أوصت عائشة لنا بمتاعها فوجدت في مصحف عائشة {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وهي العصر. وروى أيضًا عن القاسم بن محمد عن عائشة في قوله: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قالت: صلاة العصر.
وفيه أيضًا (5397) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عروة قال: كان في مصحف عائشة {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وهي صلاة العصر. ومنه أيضًا (5401) عن أبي أيوب عن عائشة أنها قالت: الصلاة الوسطى، صلاة العصر.
وتفسير الصلاة الوسطى بالعصر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في صحيح مسلم في المساجد باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (1425) عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا. ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء. وهو مذهب طائفة من الصحابة والتابعين ومذهب كثير من أهل الأثر. انظر: زاد المسير 1/ 282 بتحقيق الشيخين شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط. ومسند أحمد (24448).
(1)
المسند 1/ 54 ولفظه: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثيرون فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة رضي الله عنها وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يعتق. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (3824)، والبيهقي في سننه 3/ 88، وإسناده صحيح.
(2)
في النسخة المطبوعة: فيعرفهم وهو تحريف. أثبتناه من (ب) والمصنف لعبد الرزاق.
(3)
المصنف (6103) ولفظها يختلف كما يلي: عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها كان يؤمها مُدَبَّرٌ لها.
كانت دبَّرته وقوله بأعلى الوادي: يريد وادي مكة، كانوا يأتونها للزيارة والاستفتاء، وذلك عندما تحُجُّ. ولما خرجت إلى مكة مُغاضبةً لعثمان في السنة التي قُتِلَ فيها، قاله ابن الأَثير
(1)
في شرح المسند
(2)
.
ولها خصائص كثيرة لم يَشْرَكُها أحدٌ مِن أزواجه فيها.
الأولى: أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرًا غيرها، فإن قلت: "كيف حثَّ على نكاح الأبكار، وتزوج من الثيبات
(3)
أكثر؟ فيه أربعة أجوبة
(4)
:
قلتُ: تقليلًا للاستلذاذ لأن الأبكار أعذبُ أفواهًا، ولذلك قال:"فهلًا بكرًا تلاعبها وتلاعبك"
(5)
وتكثيرًا لتوسعة الأحكام إذ هنَّ بالفهم
(6)
والتبليغ أَعْلَقُ، وجبرًا لما فاتهن من البكارة كما قُدِّمْنَ في قوله تعالى:
(1)
هو القاضي الرئيس العلامة البارع الأوحد البليغ مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجَزَري ثم الموصلي، الكاتب ابن الأثير صاحب "جامع الأصول" وغريب الحديث (النهاية) وغير ذلك المتوفى سنة 606 هـ. انظر لترجمته في "السير" 21/ (252) للذهبي.
(2)
المراد بالمسند مسند الشافعي وشرح مسند الشافعي تأليف ابن الأثير صاحب جامع الأصول ولم يطبع، منه نسخة خطية في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة.
(3)
في النسخة المطبوعة: الثياب وهو خطأ. أثبتناه من (أ) و (ب).
(4)
ليس في (ب): فيه أربعة أجوبة.
(5)
أخرجه البخاري في النكاح باب تزويج الثيبات (5079) ومسلم في الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين (3636) وباب استحباب نكاح البكر (3637 - 3642) وأحمد في المسند (14132) ولفظ مسلم (3636) عن عطاء: أخبرني جابر بن عبد الله قال: تزوجت امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم: يا جابر تزوجتَ؟ قلت: نعم. قال: بكر أم ثيب؟ قلت ثيب، قال: فهلَّا بكرًا تلاعبها؟ قلت: يا رسول الله إن لي أخوات، فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال: فذاك إذًا.
(6)
في (ب) بالتفهيم.
{ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5]، أو للإشارة إلى تعظيم عائشة وتمييزها بهذه الفضيلة وحدَها دونهن، لئلا تُشارك فيها، فكأنها في كِفّة وهنَّ في كفة أخرى.
الثانية: أنَّها خُيِّرَتْ، واختارت الله ورسوله على الفور، وكُنَّ تبعًا لها في ذلك
(1)
.
الثالثة: أنها حيثُ خُيِّرَتْ كان خيارُها على التراخي بلا خلاف، وأما الخلافُ في جوابهن: هل كان مشروطًا بالفور أم لا؟ ففي غيرها، هكذا قاله القاضي أبو الطيب الطبري
(2)
في تعليقه، فإنه حكى الخلاف، وصحَّحَ الفورية، ثم قال:"والخلافُ في التخيير المطلق، فأما إذا قال لها: "اختاري أيَّ وقتٍ شئتِ، كان على التراخي بالإجماع. قال:
(1)
حديث التخيير أخرجه البخاري في تفسير سورة الأحزاب: باب قوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (4785) ومسلم في الطلاق: باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية (3681) عن عائشة قالت: لما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: إني ذاكر لكِ أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت: ثم قال: إن الله [عز وجل] قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29] قالت قلت: في أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت.
(2)
هو الإمام العلامة، شيخ الإسلام، القاضي أبو الطيب، طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، الطبري الشافعي، فقيه بغداد المتوفى سنة 450 هـ. شرح "مُختصر" المُزَني، وصنّف في الخلاف والمذهب والأصول والجدل كتبًا كثيرة. انظر لترجمته في "السير 17/ (459) للذهبي.
وعائشةُ من هذا القبيل، لقوله:"ولا عليك ألَّا تعجلي حتى تستأمري أبويك"
(1)
.
وهو تقييدٌ يرتبط
(2)
به إطلاق (الشرح)
(3)
و (الروضة)
(4)
، ولم يقف ابن الرفعة
(5)
على هذا النقل، فقال في "شرح الوسيط":"وفي طرد ذلك في بقية أزواجها صلى الله عليه وسلم كُلِّهنَّ نظرٌ، من جهة أن المُهَلَ في التخيير إنما قيل لعائشة فقط، وسببه - والله أعلمُ - أنها كانت أحدثَ نسائه سنًا، وأحبَّ نسائه إليه فكان قوله لها: "لا تبادريني بالجواب" خوفًا أن تَبْتَدِرَه باختيار الدنيا. ومغبَّتُه
(6)
ألا يَطَّرِد الحكمُ في غيرها، لا سيما إذا نظرنا إلى ما جاء في "الصحيح" من تخصيص ذلك بها كان
(7)
ذلك ينزل منزلة
(1)
من حديث التخيير وقد تقدم قبل قليل.
(2)
في النسخة المطبوعة: مرتبط، أثبتناه من (أ) و (ب).
(3)
يعني "الفتح العزيز في شرح الوجيز" لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي الفقيه الشافعي المصنف المتوفى سنة 623 هـ. انظر لترجمته في "السير" 22 / (139) وله "شرح مسند الشافعي" أيضًا.
(4)
يعني: "روضة الطالبين وعمدة المتقين" لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي ويسمى بالتهذيب أيضًا. انظر: كشف الظنون لكاتب جلبي 1/ 929.
قلت: وقد طبع في اثني عشر مجلدًا في المكتب الإسلامي بتحقيق الشيخين شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط.
(5)
هو العالم العلامة شيخ الإسلام وحامل لواء الشافعية في عصره أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس الأنصاري، أبو العباس، ابن الرفعة المصري المتوفى سنة 710 هـ. صنف "الكفاية" في شرح التنبيه، و"المطلب" في شرح الوسيط في نحو أربعين مجلدًا. انظر لترجمته طبقات الشافعية لأبن قاضي شهبة 2/ (500).
(6)
في (ب): وقضيته.
(7)
في (ب): فإن.
ما لو قال الواحد منا لبعض نسائه "اختاري متى شئتِ" وقال لأُخرى: "اختاري" فإن خيار الأولى يكونُ على التراخي والأُخرى على الفور.
الرابعة: نزول آية التيمم بسبب عقدها حين حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال لها أُسيد بن حضير:"ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر"
(1)
.
الخامسة: نزول براءتها من السماء بما نسبه إليها أهلُ الإفكِ في ست عشرة
(2)
آية متوالية
(3)
، وشهد الله لها بأنها من الطيبات، ووعدها بالمغفرة والرزق الكريم. وانظر تواضعها وقولها:"ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بوحي يتلى"
(4)
قال الزمخشري
(5)
: "ولو فلَّيتَ القرآن وفتشت
(6)
عما أُوعِد به العصاةُ، لم ترَ الله عز وجل قد غلَّظ في شيء تغليظه في إفك عائشة. وعن ابن عباس أنه قال بالبصرة يوم عرفة وقد سُئِلَ عن هذه الآيات:"من أذنب ذنبًا ثم تاب منه قُبِلَتْ توبتُه، إلا مَن خاض في إفكِ عائشة" ثم قال: "برأ الله تعالى أربعةً بأربعة: يوسف بالوليد، وموسى بالحَجَرِ، ومريم بإنطاقِ ولدها: "إني عبد الله" وبرأ عائشة بهذه الآيات العظيمة.
فإن قلت: فإن كانت عائشة المرادةُ فكيف قال: المحصنات؟ قلت: "فيه وجهان: أحدهما أن المراد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وليكنِ
(7)
الحكمُ
(1)
قول الصحابي أسيد بن حضير وتخريج الحديث تقدم في ص 80 فراجعه.
(2)
في (أ) و (ب): ستة عشر آية، والصواب ما أثبتنا.
(3)
انظر: [النور: 11 - 36].
(4)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9748)، والبخاري في المغازي: باب حديث الإفك (4141) ومسلم في التوبة: باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (7020) وأحمد في مسنده (25623) إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(5)
"الكشاف" 3/ 68 وقد نقله الزركشي عنه بالمعنى والاختصار.
(6)
في (ب): نبشت.
(7)
في النسخة المطبوعة: ليكون وهو تحريف
شاملًا للكل، والثاني: أنها أم المؤمنين فجمعت إرادةً لها ولبناتها من نساء الأمة.
السادسة: جعله قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة.
السابعة: شرع جَلْدَ القاذف
(1)
وصارَ باب القذف وحده بابًا عظيمًا من أبواب الشريعة، وكان سببه قصتها
(2)
رضي الله عنها، فإنه ما نزل بها أمر تكرهه إلا جعل الله فيه للمؤمنين فرجًا ومخرجًا كما سبق نظيره في التيمم.
تنبيه جليل: على وهمين وقعا في حديث الإفك في صحيح البخاري
(3)
:
أحدهما قول علي رضي الله عنه: "وسَل الجارية تَصْدُقْكَ" قال: "فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة .. " وبريرة إنما اشترتها عائشةُ وأعتقتها بعد ذلك. ويَدُلُّ عليها أنها لما أُعْتِقَتْ واختارت نفسها، جعل زوجها يطوف وراءها في سكك المدينة ودموعُه تتحادر على لحيته. فقال لها صلى الله عليه وسلم:"لو راجعتيه" فقالت: "أتأمرني؟ " فقال: "إنما أنا شافعٌ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عباس ألا تَعْجَبُ مِن حب مغيث لبريرة وبغضها له"
(4)
والعباسُ إنما قدم
(1)
انظر: [سورة النور: 4].
(2)
في (ب): قضيتها.
(3)
تقدم تخريجه في ص 97.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (13010) والبخاري في الطلاق: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة (5283) وأبو داود في الطلاق: باب في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد (2231) وأحمد في مسنده (1844) إسناده صحيح على شرط البخاري. وبريرة بفتح الباء وكسر الراء: مولاة كانت لبعض الأنصار كاتبوها، فأدت عنها السيدة عائشة فأعتقتها، فصارت مولاة لها، وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتقها فاختارت نفسها وقصتها معروفة في المصادر من حديث عائشة وغيرها.
المدينة بعد الفتح. والمَخْلَصُ من هذا الإشكال: أن تفسير الجارية ببريرة مدرج في الحديث من بعض الرواة، ظنًا منه أنها هي
(1)
. وهذا كثير مما يقع
(2)
في الحديث من تفسير بعض الرواة، فيظن أنه من الحديث وهو نوعٌ غامض لا يتنبه
(3)
له إلا الحذَّاق.
ومن نظائره ما وقع في الترمذي
(4)
وغيره من حديث يونس بن أبي
(1)
ربما أخذه المؤلف من ابن القيم في زاد المعاد 3/ 268 أو كلاهما من مصدر لم يذكراه. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(8/ (4750): وقد قيل إن تسميتها هنا وَهْمٌ .. ويمكن الجواب بأن تكون بريرة كانت تخدم عائشة وهي في رقِّ مواليها. وأما قصتها معها في مكاتبتها وغير ذلك فكان بعد ذلك بمدة أو أن اسم هذه الجارية المذكورة في قصة الإفك وافق اسم بريرة التي وقع لها التخيير وجزم البدر الزركشي فيما استدركته عائشة على الصحابة أن تسمية هذه الجارية ببريرة مدرجة من بعض الرواة وأنها جارية أخرى وأخذه من ابن القيم الحنبلي فإنه قال: تسميتها ببريرة وَهْمٌ من بعض الرواة، فإن عائشة إنما اشترت بريرة بعد الفتح، ولما كاتبتها عقب شرائها وعتقت خُيِّرتْ فاختارت نفسها فظن الراوي أن قول علي:"وسل الجارية تصدقك" أنها بريرة فغلط، قال: وهذا نوع غامض لا يتنبه له إلا الحذاق. قلت: وقد أجاب غيره بأنها كانت تخدم عائشة بالأجرة وهي في رقِّ مواليها قبل وقوع قصتها في المكاتبة، وهذا أولى من دعوى الإدراج، وتغليط الحفاظ.
(2)
كثير مما يقع، كذا في (ب).
(3)
في (أ) والمطبوعة: لا ينتبه وهو تحريف، أثبتناه من (ب).
(4)
أخرجه الترمذي في المناقب: باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم (3620) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال ابن القيم في "زاد المعاد" 1/ 76 - 77: ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالًا، وهو من الغلط الواضح، فإن بلالًا إذ ذاك لعله لم يكن موجودًا، وإن كان، فلم يكن مع عمه، ولا مع أبي بكر، وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل: وأرسل معه عمه بلالًا، ولكن قال: رجلًا. =
إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش (فذكر الراهب وقال في آخرها) فردَّه أبو طالب، وبعثَ معه أبو بكر بلالًا، وزوَّده الراهب من الكعك والزبيب. فهذا من الأوهام الظاهرة لأن بلالًا إنما اشتراه أبو بكر بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أسلم بلالٌ وعذَّبه قومه، ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبي طالب كان له من العمر اثنتا عشرة
(1)
سنة وشهران وأيام. ولعل بلالًا لم يكُن بعد ولد
(2)
ولما خرج المرة الثانية، كان له قريبٌ من خمس وعشرين سنة ولم يكن مع أبي طالب إنما كان مع ميسرة.
الثاني: ما ذكره من تحاورِ سعدِ بن عُبادة وسعد بن معاذ، وقصة
(3)
الإفك كانت بعد الخندق عندَ البخاري وجماعة. قال البخاري في
= والحديث ذكره الحاكم أيضًا في "المستدرك" 2/ 615 - 616 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي في تلخيصه وقال: أظنه موضوعًا فبعضه باطل. وقال في "الميزان"(4934): ومما يدل على أنه باطل قوله: وردَّه أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالًا وبلال لم يكن خلق بعد وأبو بكر كان صبيًا. وانتقده أيضًا من جهة متنه بعدما أورده بطوله في السيرة النبوية من "تاريخ الإسلام" 1/ - 55 - 57 تحت عنوان سفره مع عمه إن صح" وقال: وهو حديث منكر جدًّا: وأين كان أبو بكر؟ كان ابن عشر سنين فإنه أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف، وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث، ولم يكن ولد بعد .. وفي الحديث ألفاظ منكرة، تشبه ألفاظ الطُرُقية، مع أن ابن عائذ قد روى معناه في مغازيه دون قوله: "وبعث معه أبو بكر بلالًا" إلى آخره.
(1)
في (أ) و (ب): إثني عشر، والصواب ما أثبتنا.
(2)
في (ب): لم يكن ولد بعد.
(3)
في (ب): قضية.
صحيحه
(1)
: قال موسى بنُ عقبة: كانت في شوال سنة أربع، واحتجَّ البخاري لهذا القول بحديث ابن عمر عُرِضْتُ على النبي صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُد وأنا ابن أربع عشرة فردّني، ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
وأُحُد بلا شك سنة ثلاث، فدل على أن الخندق سنة أربعٍ. ثم قال في الصحيح
(2)
: إنها غزوة المريسيع، قال ابن إسحاق: سنة ست، وقال النعمان بن راشد عن الزهري: كان الإفك في غزوة المريسيع، وأما موسى بن عقبة فقال: سنة أربع. ولا ريب أن قصة الإفك كانت بعد نزولِ آية الحجاب
(3)
، والحجابُ نزل في شأن زينب بنت جحش أم المؤمنين، وهي في قصة الإفك كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تتكلم في عائشة، ونكاحُ زينب رضي الله عنها كان في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة في قول ابن سعد
(4)
وقال قتادة والواقدي: تزوجها في سنة خمس من الهجرة، وبه قال غيرهم من علماء أهل المدينة.
فدلّ تأخرُ آيةِ الحجاب على أنها كانت بعد الخندق، وقد ثبت بلا ريب أن سعد بن معاذ تُوفي عقب الخندق، وعقب حكمه في بني قُريظة، ولم يكن بين الخندق وقريظة غَزاةٌ. ولهذا يعدل البخاري في أكثر رواياته
(1)
أخرجه البخاري في المغازي: باب غزوة الخندق وهي الأحزاب (4097) ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يُجِزْه، وعرَضَه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه.
(2)
أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة بني المصطلق من خُزاعة وهي غزوة المريسيع قبل الرقم (4138).
(3)
يعني سورة الأحزاب: 59.
(4)
الطبقات 8/ 113.
لحديث الإفك عن نسبة سعد إلى أبيه فيقول: فقام سعد أخو بني عبد الأشهل وهذه روايته في المغازي
(1)
، وقال: سنة أربع فالظاهرُ أنها على قوله قبل الخندقِ، لأن الخندق كانت في آخر السنة في شوال، واتصلت بغزوة قريظة. وعلى هذا فيصح أن يكون الرادُ على سعد بن عبادة هو سعد بن معاذ.
وقد تقدم وَهْمٌ آخر
(2)
: وهو رواية مسروق عن أُم رومان. وأجاب القاضي أبو بكر بنُ العربي
(3)
عن هذا: بأنه جاء في طريق: حدثتني أُمُّ رُومان، وفي أُخرى: عن مسروق، عن أُم رومان معنعنًا. قال رحمه الله: والعنعنة أصحُّ فيه، وإذا كان الحديث معنعنًا كان محتملًا ولم يلزم فيه ما يلزم في حدثني، لأن للراوي أن يقول: عن فلان وإن لم يدركه. حكاه عنه السُّهيلي
(4)
.
فهذه ثلاثة أوهام ادُّعيت في حديث الإفك
(5)
: وهمٌ في بريرة، ووهم في سعد بن معاذ، ووهم في أُم رومان. والثلاثة ثابتة في
(1)
أخرجه البخاري في المغازي: باب حديث الإفك (4141) ولفظ النسخة المطبوعة بأيدينا: فقام سعد بن معاذ - أخو بني عبد الأشهل -.
(2)
تقدم في ص 86 - 87 فراجعه.
(3)
هو الإمام العلامة الحافظ القاضي، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، ابن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي صاحب التصانيف المتوفى سنة 543 هـ. له ترجمة حافلة في "السير" 20/ (128) للذهبي.
(4)
قد وقعت في النسخة المطبوعة: حكاه عن الشافعي وهو تحريف أثبتناه من (ب).
(5)
انظر لشرح هذا الحديث: "زاد المعاد" لابن القيم 3/ 265 - 268، و"هدى الساري" ص 392، و"الفتح" لابن حجر 8/ (4750) ص 471 - 472. والنقد يأتي من الخطيب البغدادي كما ذكره ابن حجر.
الصحيح فلا ينبغي الإقدام على التوهيم إلا بأمر بيِّن. وقد تقدم ما يدفعُ الكُلَّ.
الثامنة: لم ينزل بها أمر إلا جعل الله لها منه مخرجًا وللمسلمين بركة.
التاسعة: أن جبريل أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم في سرقةٍ
(1)
من حرير فقال: هذه زوجتُك، فقلتُ:"إن يكن من عند الله يُمْضِهِ" وقد أدخله البخاري
(2)
في باب النظر إلى المرأة إذا أراد تزويجَها. قال بعضهم: "وهو استدلال صحيحٌ، لأنَّ فعل النبي صلى الله عليه وسلم في النوم واليقظة سواءٌ وقد كشف عن وجهها.
وفي رواية الترمذي
(3)
: "في خرقةِ حريرٍ خضراء" وقال: حسن
(1)
شرح المؤلف على حاشية هذه الصفحة من (أ) معنى السرقة فقال: السرقة بفتح السين والراء، جمعها سَرَقٌ وهي شقق الحرير البيض قاله أبو عبيد. قال: وأصلها بالفارسية سَرَهْ، أي: جيدة فعَرَّبوه كما قالوا: الإستبرق للغليظ من الديباج. والذي وجدناه في غريب الحديث 4/ 242 لأبي عبيد: هكذا: وأحسب أصل هذه الكلمة فارسية إنما هو سَرَهُ يعني الجيد فعُرِّب فقيل: سرق .. والإستبرق مثله إنما هو إستَبْرَهْ يعني الغليظ من الديباج.
(2)
أخرجه البخاري في النكاح باب النظر إلى المرأة قبل التزويج (5125) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قاله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريتُكِ في المنام يجيءُ بك الملك في سرقة من حرير فقال لي: هذه امرأتك فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي، فقلت: إن يك هذا من عند الله يمضه.
(3)
أخرجه الترمذي في المناقب باب من فضل عائشة رضي الله عنها (3880) عن عائشة أن جبريل جاء بصورتها في خِرْقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة.
[قال أبو عيسى]: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة، وقد روى عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث عن عبد الله بن علقمة =
غريب. وجاء في رواية غريبة: "أن طول تلكَ الخرقة ذراعان وعرضها شِبر" ذكره الخطيب في تاريخ بغداد
(1)
من رواية أبي هريرة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن يكن من عند الله يُمضِهِ" فقال السُّهيلي
(2)
: ليس بشك، لأن رُؤْيا الأنبياء وحي، ولكن لما كانت الرؤيا تارةً تكون على ظاهرها وتارة تزهو نظير المرئي أو شبهه فيطرق الشكُّ من هاهنا. ويبقى سؤال: لماذا أتى بـ "إن" والمناسب للمقام "إذا" لأنها للمحقق و"إن" للمشكوك فيه؟ وجوابه يعلم مما قبله.
وذكر الحاكم في "المستدرك"
(3)
عن الواقدي: حدثني عبد الواحد بن ميمون مولى عروة، عن حبيب مولى عروة قال: لما ماتتْ خديجة حَزِنَ عليها النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بعائشة في مَهد فقال: "هذه تذهبُ ببعض حزنك وإن فيها لَخَلفًا من خديجة" الحديث. اهـ. فيحتمل أنها عرضت عليه مرتين لما يدل عليه اختلافُ الحال، ويشهد له رواية البخاري مرتين.
= بهذا الإسناد مرسلًا ولم يذكر فيه عن عائشة. وقد روى أبو أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذا.
(1)
تاريخ بغداد للخطيب 2/ 193. وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 7 - 8.
(2)
الروض الأنف للسهيلي 6/ 434 ونصُّه فيه: وهذا استدلال حسن. وفي قوله إن يكن من عند الله سؤال، لأن رؤياه وحي، فكيف يشُكُّ في أنها من عند الله. والجواب أنه لم يشك في صحة الرؤيا. ولكن الرؤيا قد تكون على ظاهرها وقد تكون لمن هو نظير المرء أو سَمِيُّه فمن هاهنا تطرق الشك ما بين أن تكون على ظاهرها أو لها تأويل كذلك.
(3)
"المستدرك" 4/ 5. والواقدي متهم.
العاشرة: أنها كانت أحبَّ أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم إليه: قال له عمرو بن العاص: "يا رسول الله أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ " قال: "عائشة" قال: "ومن الرجال؟ " قال: "أبوها". أخرجه الشيخان وصححه الترمذي
(1)
.
الحادية عشرة: وجوبُ محبتها على كل أحد، ففي الصحيح
(2)
: لما جاءَت فاطمة رضي الله عنها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال لها: "ألستِ تحبين ما أُحِبُّ؟ " قالت: "بلي" قال: "فأحبي هذه". يعني عائشة، وهذا الأمر ظاهرُ الوجوب.
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم لما حاضت عائشة: "إن هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم"
(3)
وقوله لما حاضت صفية: "عَقْرَى حَلْقى
(4)
أَحَابِسَتُنا
(1)
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3662) ومسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (6177) والترمذي في المناقب باب من فضل عائشة رضي الله عنها (3885) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
أخرجه مسلم في فضائل الصحابة: باب في فضائل عائشة أم المؤمنين (6290).
(3)
أخرجه البخاري في الحج: باب قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (1560) وفي الأضاحي: باب الأضحية للمسافر والنساء (5548) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وحاضت بسَرِفٍ قبل أن تدخل مكة، وهي تبكي، فقال: ما لكِ أنفِسْتِ؟ قالت نعم، قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضِي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت.
(4)
قال ابن الأثير في النهاية 3/ 272 - 273 و 2/ 428: عقرى حلقى: أي عقرها الله وأصابها بعقر في جسدها. وظاهره الدعاء عليها، وليس بدعاء في الحقيقة، وهو في مذهبهم معروف. تقديره: عقرها الله عقرًا وحلقها حلقًا. ويقال للأمر يعجب منه: عقرًا حلقًا. ويقال أيضًا للمرأة إذا كانت مؤذية مشئومة. ومن مواضع التعجب قول أم الصبي الذي تكلم: عقرى! أو كان هذا منه!
وقال ابن حجر في "الفتح"(1762) بعدما نقل معنى عقرى حلقى: وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض، فهذا أصل هاتين الكلمتين، ثم اتسع العرب في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا: قاتله الله! وتربت يداه! ونحو ذلك.
هي؟ "
(1)
وفرقٌ عظيم بين المقامين. ولعلَّ مِن جملة أسباب المحبة كثرةَ ما بلَّغته عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من النساء الصحابيات
(2)
كما قيل بمثل ذلك في قوله: وحُبِّب إليَّ من دنياكم النساءُ"
(3)
.
الثانية عشرة: أنَّ مَن قذفها، فقد كفر لتصريح القرآن الكريم ببراءتها. قال الخوارزمي
(4)
في "الكافي"من أصحابنا، في كتاب الردة:"لو قَذَفَ عائشة بالزنى، صار كافرًا بخلاف غيرها من الزوجات، لأن القرآن نزل ببراءتها" اهـ.
وعند مالك: "أن مَن سبَّها قُتِلَ" قال أبو الخطاب بن دحية
(5)
في أجوبة المسائل: "ويشهد لقول مالك كتابُ الله، فإن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سَبَّحَ نفسه لنفسه. قال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [الأنبياء: 26] والله تعالى ذكر عائشة فقال:
(1)
أخرجه البخاري في الحج باب التمتع، والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي (1561) وباب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (1762) وباب الادّلاج من المحصب (1771 - 1772) ومسلم في الحج باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (3228) وأحمد في مسنده (24558).
(2)
انظر ما نقله ابن حجر في "الفتح" عن القرطبي وبعضهم نفس الإيضاح (1762).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (12293) بإسناد حسن. والنسائي في عشرة النساء باب حب النساء (3391) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حبِّب إليَّ من الدنيا النساء والطيب وجعل قرّة عيني في الصلاة.
(4)
هو أبو محمد محمود بن محمد بن العباس بن رسلان الخوارزمي الشافعي المتوفى سنة 568 هـ وكان فقيهًا، فاضلًا، عارفًا بالمتفق والمختلف وصنف "الكافي" وتاريخًا لخوارزم. انظر لترجمته طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 19 - 20.
(5)
تقدمت ترجمته في ص 89.
{وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] فسبَّح نفسه في تنزيه عائشة كما سَبَّحَ نفسه لنفسه في تنزيهه" حكاه القاضي أبو بكر بن الطيب
(1)
.
الثالثة عشرة: من أنكر كون أبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه صحابيًا كان كافرًا، نص عليه الشافعي فإن الله تعالى يقول:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] ذكره صاحب "الكافي".
ومقتضاه: أنه لا يجري ذلك في أنظار غيره
(2)
، وليس كذلك. نعم: مَدْركُ
(3)
تكفير منكر صحبة الصديق تكذيب النص
(4)
وصحبة غيره التواتر.
الرابعة عشرة: أن الناس كانوا يَتَحرَّوْنَ بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيُتحفونه بما يُحب في منزل أحبِّ نسائه إليه، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الشيخان
(5)
.
(1)
هو الإمام العلامة، أوحد المتكلمين، مقدم الأصوليين، القاضي أبو بكر، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف المتوفى سنة 403 هـ المالكي. مؤلف "التقريب والإرشاد" الصغير المطبوع بتحقيق د. عبد الحميد بن علي أبو زنيد وهو مترجم في مقدمة هذا الطبع بالتفصيل وفي "السير" 17 / (110) للذهبي.
(2)
في النسخة المطبوعة: أنه لا يجري ذلك في إنكار [صحبة] غيره وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(3)
في النسخة المطبوعة: يدرك وهو تحريف أيضًا. أثبتناه من (ب).
(4)
في النسخة المطبوعة: [النصوص]. والصواب ما أثبتناه من (ب).
(5)
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب فضل عائشة رضي الله عنها (3775) ومسلم في فضائل الصحابة باب في فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (6289) عن عائشة: أن الناس كانوا يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الخامسة عشرة: أن سودة وهبت يومًا لها بخصوصها
(1)
.
السادسة عشرة: اختياره صلى الله عليه وسلم أن يمرَّض في بيتها. قال أبو الوفا بن عقيل
(2)
رحمه الله: "انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت واختار لموضعه من الصلاة الأبَ، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكادُ تخفى عن البهيم
(3)
فضلًا عن الناطق".
السابعة عشرة: وفاته صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونَحْرها قال الصاغاني
(4)
: "السحَر - بفتح السين وضمها - ما تعلق بالحُلقوم وبالمري من أعلى البطن من الرئة وغيرها" وعن الفراء
(5)
فيه: "سَحَر بالتحريك" وكان عُمارة بنُ عقيل بن بلال بن جرير
(6)
يقول: "إنما هو بين شَجْري" بشين
(1)
تقدم تخريجه في ص 88.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: أبو الوفا عقيل وهو خطأ أثبتناه من (أ) و (ب)، هو الإمام العلامة البحر، شيخ الحنابلة، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظَفَري الحنبلي المتكلم المتوفى سنة 513 هـ. علّق كتاب "الفنون" وهو أزيد من أربعمئة مجلد. انظر لترجمته في "السير" 19/ (259) للذهبي.
(3)
في (ب): البهيمة.
(4)
هو الحافظ الحجة أبو بكر محمد بن إسحاق بن جعفر الصاغاني المتوفى سنة 270 هـ. انظر: "السير" 12/ (224).
(5)
هو العلامة، صاحب التصانيف، أبو زكريا، يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسدي مولاهم الكوفي النحوي المتوفى سنة 207 هـ، صاحب معاني القرآن. انظر:"السير" 10/ (12).
(6)
هو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية الخطفي الشاعر من أهل بصرة. كان عمارة واسع العلم، غزير الأدب وقدم بغداد فأخذ أهلها عنه. ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 12/ 282 (6722).
معجمة وجيم، فسئل عن ذلك، فشبك بين أصابعه، وقدمها عن صدره كأنه يضم شيئًا، يريد أنه عليه السلام قبض وقد ضمته بيديه إلى نحرها وصدرها وخالفت بَيْنَ أصابعها. وكأنه عنده مأخوذ من قولهم: اشتجرت
(1)
الرماحُ، إذا اشتبكت بعضُها ببعض.
الثامنة عشرة: وفاته صلى الله عليه وسلم في يومها.
التاسعة عشرة: دفنه في بيتها ببقعة هي أفضل بقاع الأرض بإجماع الأُمة.
العشرون: أنها رأت جبريل صلى الله عليه وسلم
(2)
في صورة دحية الكلبي وسلَّمَ عليها. ثبت في "الصحيحين"
(3)
، زاد الحاكم في "مستدركه"
(4)
عن
(1)
في (ب): استحرب، خطأ.
(2)
في (ب): عليه السلام.
(3)
عزا المؤلف هذا الحديث إلى الصحيحين لكننا لم نجده بهذا المعنى إلا في المسند لأحمد (24462) و (25131 عن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا يديه على مَعْرفَة فرسٍ وهو يكلم رجلًا، قلت: رأيتك واضعًا يديك على معرفة فرس دحية الكلبي وأنت تكلمه. قال: ورأيتِ؟ قالت: نعم. قال: ذاك جبريل عليه السلام وهو يقرئك السلام قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، جزاه الله خيرًا من صاحب ودخيل، فنعم الصاحب ونعم الدخيل. إسناده ضعيف لضعف مجالد، وهو ابن سعيد الهَمْداني. انظر تمام تخريجه مسند أحمد (24462). ولعل المؤلف يشير إلى رواية "يا عائش" في الصحيحين تقدم في ص 84. وليس فيه "في صورة دحية الكلبي" فراجعه.
(4)
ولفظه: عن مسروق قال: قالت لي عائشة: لقد رأيت جبريل عليه الصلاة والسلام واقفًا في حجرتي هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه فلما دخل قلت: يا رسول الله، من هذا؟ قال: بمن شبهتيه؟ قلت: بدحية الكلبي. قال: لقد رأيت خيرًا كثيرًا ذاك جبريل عليه السلام، فما لبثت إلا يسيرًا حتى قال: يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك =
مسروق، عنها:"قلت: يا رسول الله من هذا؟ قال: بمن شبهتهِ؟ قلت: بدحية. قال: لقد رأيتِ جبريل" وفي رواية له عن عبد الله بن صفوان، عنها:"ورأيتُ جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري"
(1)
.
فأخرج
(2)
من جهة مالك بن سُعَيْر، عن إسماعيل بن أبي خالد، أنا عبد الرحمن بن الضحاك: أن عبد الله بن صفوان أتى عائشة وآخرُ معه، فقالت عائشة لأحدهما:"أسمعت حديث حفصة يا فلان؟ " فقال: "نعم يا أُمَّ المؤمنين" فقال لها عبد الله بن صفوان: "وما ذاك يا أُمَّ المؤمنين"؟ قالت: "خِلالٌ تسعٌ لم تكُ لأحد من النساء قبلي إلا ما أتى الله مريمَ بنتَ
= السلام، قالت قلت: وعليه السلام، جزاه الله من دخيل خيرًا. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 8/ 67 - 68.
(1)
أخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 10 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه وقال: صحيح.
قلت: بل رأته أيضًا أم سلمة رضي الله عنه كما أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أم سلمة [أم المؤمنين رضي الله عنها (6315) عن مُعْتَمِر بن سليمان قال: سمعت أبي: حدثنا أبو عثمان عن سلمان قال: لا تكونن إن استطعت، أوَّل من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته. قال: وأنبئتُ أن جبريل [عليه السلام] أتى نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، قال: فجعل يتحدث ثم قام، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: من هذا؟ أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي قال: فقالت أم سلمة: أيم الله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم يخبر خبرنا، أو كما قال، قال: فقلت لأبي عثمان: ممّن سمعت هذا؟ قال: من أسامة بن زيد. وأخرجه البخاري في فضائل القرآن: باب كيف نزل الوحي وأوّل ما نزل (4980).
قلت: فَعَلى هذا، إما خفي هذا الحديث على عائشة وإما اختلط اسم أم المؤمنين وذكروا أم سلمة بدلًا من عائشة أو كلتاهما رأتاه في صورة دحية الكلبي والله أعلم.
(2)
أي الحاكم في "المستدرك" 4/ 10.
عمران، والله ما أقول هذا أني أفخر على أحد من صواحباتي" فقال لها عبدُ الله بنُ صفوان: وما هُنَّ يا أُمَّ المؤمنين؟ " قالت: "جاءَ المَلَك بصورتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوجني رسولُ الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنةُ سبع سنين، وأُهدِيتُ إليه وأنا ابنة تسع سنين، وتزوجني بكرًا لم يشركه فيَّ أحدٌ مِنَ الناس، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكُنْتُ مِنْ أحبِّ الناس إليه، ونزل فيَّ آياتٌ من القرآن كادت الأُمة تهلِكُ فيها، ورأيتُ جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقُبِضَ في بيتي ولم يله أحدٌ غير الملك وأنا". وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه
(1)
. اهـ.
ومالك بن سُعَيْر من رجال مسلم، وقال أبو حاتم
(2)
: "صدوق" وضعفه أبو داود
(3)
وهذه الزيادة فيها نظر لما في كتاب مسلم
(4)
: أن أُم سَلَمة رأته في صورة دحية أيضًا. قال أبو الفرج: "وإنما سلَّم عليها ولم يُواجهها لحرمة زوجها، وواجه مريم، لأنه لم يكن لها بَعْلُ؛ فمن نزهت
(5)
لحرمة بعلها عن خطاب جبريل كيف يُسلط عليها أكفُ أهل الخطايا؟ "
(6)
.
متمم العشرين
(7)
: اجتماع ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وريقها في آخر أنفاسه. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين
(8)
.
(1)
أخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 10، ولفظ آخر الجملة فيه: وقبض في بيتي ولم يله أحد غير الملك إلا أنا. ووافقه الذهبي.
(2)
"الجرح والتعديل" 8/ 210 (924).
(3)
انظر: "ميزان الاعتدال" 4/ 346 - 347 (7018).
(4)
مر بنا آنفًا في ص 110.
(5)
في (ب): ترهب.
(6)
انظر: "كشف المشكل" 4/ 350.
(7)
في (ب): والعشرون.
(8)
"المستدرك" 4/ 7. يعني أنها أخذت السواك الرطب لأخيها عبد الرحمن فمضغته وقضمته وطيبته ثم دفعته إليه عليه السلام.
الحادية والعشرون: لم ينزل الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في لحاف امرأة من نسائه غيرها. أخرجه البخاري في المناقب
(1)
ورواه ابن حبان في صحيحه
(2)
والحاكم في المستدرك
(3)
بلفظ: "ما نزل الوحي عليَّ وأنا في بيت امرأة من نسائي غير عائشة". وقال: صحيح الإسناد لم يخرجاه
(4)
. والأول أصحُّ، فقد كان ينزل
(5)
عليه في بيت خديجة.
الثانية والعشرون: كانت أكثرهن علمًا، قال الزهري:"لو جُمِعَ علمُ عائشة إلى علم جميع" النساء، لكان علم عائشةَ أفضل"
(6)
.
وقال عطاء: "كانت عائشة أفقَهَ الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة"
(7)
.
وذكر أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: "أنها كانت وحيدة عصرها في ثلاث علوم: علمِ الفقه، وعلمِ الطب، وعلم الشعر"
(8)
.
(1)
بل أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب فضل عائشة رضي الله عنها (3775).
(2)
"الإحسان" 16/ (7108) بتحقيق وشرح شيخنا شعيب الأرنؤوط.
(3)
"المستدرك" 4/ 9. ولفظه: والله ما نزل الوحي علي وأنا في ثَوْب امرأة من نسائي غير عائشة.
(4)
بل أخرجه البخاري في الهبة وفضلها باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض (2580) في حديث طويل عن عائشة وفيه: لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة.
(5)
في (ب): كان يدخل عليه.
(6)
ذكره الهيثمي في "المجمع" 9/ 243 بهذا اللفظ ونسبه للطبري، وقال: رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 11: لو جُمع علم الناس كلِّهم ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكانت عائشة أوسعهم علمًا.
(7)
في (ب): الغاية، خطأ. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 14.
(8)
ذكر ابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 358 قول عروة: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة.
وقال أبو بكر البزار في "مسنده"
(1)
: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا خلاد بن يزيد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن (المليكي) أبو غرارة زوج جبرة
(2)
قال حدثني عروةُ بنُ الزبير قال: قلت لعائشة: إني لأتفكرُ في أمرك، فأعجبُ: أجِدُكِ مِن أفقه الناس، فقلتُ: ما يمنعها؟ زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر، وأجدك عالمةً بأيام العرب وأنسابها وأشعارها فقلت: وما يمنعها، وأبوها علَّامة قريش؟ ولكن إنما أعجب أن وجدتُك عالمةً بالطب فمن أين؟ " فَأَخَذَتْ بيدي، وقالت: "يا عُرَيَّة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر مِن أسقامه، فكان أطباءُ العرب والعجم ينعتون له فتعلمتُ ذلك". قال: وهذا الحديثُ لا نعلمه مرويًا
(3)
عن عائشة إلا بهذا الإسناد. اهـ.
ومحمد بن عبد الرحمن مختلف فيه، لكن رواه أبو نعيم في "الحلية"
(4)
عنه من جهة أحمد بن حنبل: حدثنا عبدُ الله بن معاوية الزبيري، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، به وأخرج
(5)
الحاكم نحوه من جهة إسرائيل، عن هشام، به
(6)
. وقال صحيح الإسناد، قال الذهبي في مختصره: على شرط الشيخين
(7)
.
(1)
أخرجه البزار في "المسند"(البحر الزخار) 3/ (2662). وأحمد في "المسند"(24380).
(2)
في النسخة المطبوعة: أبو غرازة زوج خيرة وهو تحريف. هو محمد بن عبد الرحمن المليكي أبو غرارة زوج جَبْرة كما في "تهذيب الكمال" 25/ 591.
(3)
في (ب): يروى.
(4)
"حلية الأولياء" 2/ 50.
(5)
في النسخة المطبوعة: ورد في وهو تحريف.
(6)
لفظة به سقطت في النسخة المطبوعة، أثبتناه من (أ) و (ب). وفي "المستدرك" 4/ 197: هشام بن عروة عن أبيه.
(7)
في "المستدرك" 4/ 197 ولفظه: قلت لعائشة رضي الله عنها قد أخذتِ السنن=
الثالثة والعشرون: كانت أفصحهن لسانًا، عن موسى بن طلحة قال: ما رأيتُ أحدًا أفصح من عائشة. أخرجه الترمذي
(1)
وقال: حسن صحيح غريب.
وروي محمدُ بن سيرين، عن الأحنف بن قيس قال: سمعتُ خطبة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، والخلفاء كلهم هلم جرًّا إلى يومي هذا، فما سمعتُ الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه مِنْ في عائشة. أخرجه الحاكم في "مستدركه"
(2)
وساق أبو الفرج في "التبصرة لها كلامًا طويلًا موشَّحًا بغرائب اللغة والفصاحة. وقال صاحبُ "زهر الآداب"
(3)
: لما توفي الصديقُ رضي الله عنه، وقفت عائشة على قبره فقالت:
"نَضَّرَ الله وجهَكَ يا أبتِ، وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مُذلًّا بإدبارك عنها، وللآخرة مُعزًا بإقبالك عليها، ولئن كان أجلَّ الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رُزْؤُكَ، وأعظمَ المصائب بعده فقدُك، إِنَّ كتاب الله لَيَعِد بحسن الصبر عنك حسنَ العوض منك، وأنا أستنجز
= عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والشعر والعربية عن العرب فعن من أخذت الطب؟ قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجلًا مسقامًا وكان أطباء العرب يأتونه فأتعلم منهم. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وقال: صحيح.
(1)
أخرجه الترمذي في المناقب باب من فضل عائشة رضي الله عنها (3884).
والحاكم في "المستدرك" 4/ 11.
(2)
في "المستدرك" 4/ 11.
(3)
هو الأديب، شاعر المغرب، أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن تميم القيرواني الحُصري المتوفى سنة 453 هـ، وله كتاب "زهر الآداب" وكتاب "المصون في الهوى". انظر:"السير" 18/ (74) للذهبي.
موعودَ الله فيك بالصبر، وأستقضيه بالاستغفار لك. أما لئن كانوا قاموا بأمر الدنيا لقد قمتَ بأمرِ الدين لما وهى شَعْبُهُ، وتفاقم صَدْعُهُ، ورَجَعَتْ جوانبُه، فعليك سلامُ الله توديع غيرِ قاليةٍ لحياتك، ولا زاريةٍ
(1)
على القضاء فيه"
(2)
.
الرابعة والعشرون: أن الأكابر من الصحابة كان إذا أشكل عليهم الأمرُ في الدين، اسْتَفْتَوْها، فيجدون علمه عندها. قال أبو موسى الأشعري ما أشكل علينا - أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ قطُّ، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه عِلمًا. أخرجه الترمذي
(3)
وقال: حسن صحيح. وقال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض
(4)
.
الخامسة والعشرون: جاءَ في حقها: "خُذُوا شطرَ دينكم عن الحميراء"
(5)
وسألت شيخنا الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله عن ذلك فقال: كان شيخنا حافظُ الدنيا أبو الحجاج المزي رحمه الله يقول: كُلُّ حديث فيه ذكرُ الحميراء باطل إلا حديثًا في الصوم في "سنن
(1)
في (ب): رازية، خطأ.
(2)
"زهر الآداب" 1/ 33 - 34.
(3)
أخرجه الترمذي في المناقب باب من فضل عائشة رضي الله عنها (3883) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(4)
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 8/ 66، والحاكم في "المستدرك" 4/ 11، والدارمي في الفرائض باب في تعليم الفرائض ص 738 - 739 عن مسلم قال: سألنا مسروقًا: كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والذي لا إله غيره لقد رأيت الأكابر من أصحاب محمد يسألونها عن الفرائض.
(5)
تقدم تخريجه ص 78 - 79 فراجعه.
النسائي"
(1)
قلت: وحديث آخر في النسائي
(2)
أيضًا عن أبي سلمة قال: قالت عائشة: دخل الحبشةُ المسجد يلعبون فقال لي: "يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم" الحديث، وإسناده صحيح. وروى الحاكم في "مستدركه"
(3)
حديث: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة فقال:"انظري يا حُميراء ألَّا تكوني أنتِ" ثم التفت إلى علي، فقال:"إن وليتَ مِن أمرها شيئًا فارفُق بها" وقال: صحيح الإسناد
(4)
.
(1)
لم أعثر على هذه الرواية في كِلتي السنن للنسائي، والحديث في هذا الباب رواه إسحق بن راهويه في مسنده 2 / (673): أخبرنا بقية بن الوليد، حدثني عبد الملك بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلها وهو صائم وقال: إن القبلة لا تنقض الوضوء ولا تفطر الصائم وقال: يا حميراء إن في ديننا لسعة. وقال إسحاق: أخشى أن يكون غلطًا. وقد استدل بهذه الرواية الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 73 وعزاها إلى مسند إسحاق بن راهويه أيضًا. وربما أخطأ المزي في العزو إلى النسائي والله أعلم.
قلت: بقية بن الوليد ضعيف، كثير التدليس عن الضعفاء. انظر: تحرير تقريب التهذيب، 1/ (734). وميزان الاعتدال للذهبي 1 / (1250).
(2)
أخرجه النسائي في الكبرى في عشرة النساء باب إباحة الرجل لزوجته النظر إلى اللعب (8951) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون فقال لي: يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك فقلت: يا رسول الله لا تعجل فقام لي ثم قال: حسبك. فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: وما لي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه.
إسناده صحيح كما قال ابن حجر في الفتح 2/ (950) وقال: ولم أرَ في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا.
(3)
في "المستدرك" 3/ 119.
(4)
قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي: عبد الجبار لم يخرجا له. =
وذكرها الشيخ أبو إسحاق الشِّيرازي في "طبقاته"
(1)
في جملة فقهاء الصحابة. ولما ذكر ابن حزم
(2)
أسماء الصحابة الذين رويت عنهم الفتاوى في الأحكام على مزيد
(3)
كثرة ما نقل عنهم، قدَّم عائشة على سائر الصحابة. وقال الحافظ أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي الميانشي
(4)
في كتاب "إيضاح ما لا يسع المحدث جهله"
(5)
: اشتمل كتابُ البخاري ومسلم على ألف حديث ومائتي حديث من الأحكام، فروت عائشة من جملة الكتابين مائتين ونيفًا وتسعين
(6)
حديثًا لم يخرج عن الأحكام منها إلا يسير
(7)
.
= قلت: وسالم بن أبي الجعد من ثقات التابعين لكنه يدلس ويرسل، انظر: تحرير تقريب التهذيب 2/ (2170) وعمار بن معاوية الدُّهني صدوق نُسب إليه من تشيع انظر المصدر نفسه 3 (4833) والحديث في الخروج على علي فانتبه.
وقال سعيد الأفغاني في تعليقه على هذا الحديث: كذا والله أعلم بصحته.
(1)
"طبقات الفقهاء" للشيرازي المتوفى سنة 476 هـ ص 47 - 48.
(2)
في "الإحكام" 5/ 92 وفي "جوامع السيرة" ص 319.
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: مزية وهو تحريف. في (أ) و (ب): مزيد.
(4)
هو أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن الحسن المهدي الميانِشي نزيل مكة المكرمة وشيخ الحرم المتوفى بها سنة 581 هـ، وكان محدثًا متقنًا صالحًا. صنف جزءًا في ما لا يسع المحدث جهله حققه وعلق عليه صبحي السامرائي. انظر لترجمته: مقدمة هذه الرسالة و"تاريخ الإسلام" للذهبي 41/ 120 - 121. ونسبته إلى ميانش، قال ياقوت في "معجم البلدان" 5/ 239: وميانش، بالفتح والتشديد من قرى المهدية بإفريقية ماؤها عذب. انظر أيضًا: "العقد الثمين" لتقي الدين الفاسي 6/ 334.
(5)
انظر ص 10 من هذه الرسالة.
(6)
في (ب) وفي رسالة الميانشي المطبوعة: وسبعين وهو خطأ، لأن مسند عائشة يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث. اتفق لها البخاري ومسلم على مئة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين وانفرد مسلم بتسعة وستين على ما قال الذهبي في "السير" 2/ (19) يعني جملتها في الصحيحين: مئتين وسبعة وتسعين.
(7)
في (ب): يسيرًا، خطأ.
قال الحاكم أبو عبد الله: فَحُمِلَ عنها ربعُ الشريعة. قال أبو حفص
(1)
: وروينا بسندنا عن بقي بن مخلد رضي الله عنه: أن عائشة روت ألفين ومائتي حديث وعشرة أحاديث
(2)
، والذين رووا الأُلوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: أبو هريرة وعبد الله بن عمر
(3)
وأنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهم
(4)
.
السادسة والعشرون: لم ينكحِ النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبواها مهاجران بلا خلاف، سواها.
السابعة والعشرون: أن أباها وجدها صحابيان، وشاركها في ذلك جماعةٌ قليلون. قال موسى بن عُقبة: لا نعرف أربعةً أدركوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة، فذكر أبا بكر الصديق وأباه وابنه عبد الرحمن وابنه محمدًا أبا عتيق. حكاه عنه ابن الصلاح في النوع الرابع والأربعين من "علومه"
(5)
، وكذا صاحبُ "مسند الفردوس" وقال: ولا نعلمُ من العشرة أحدًا أسلم أبوه على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر. قلت: وقد أفرد ابن منده
(6)
جزءًا فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هو وولده وولد ولده
(1)
في "ما لا يسع المحدث جهله" ص 10.
(2)
والمخرج في مسند أحمد (2402).
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: وعبد الله بن عمرو، معتمدًا على (أ) وهو خطأ. أثبتناه من (ب).
(4)
انظر أيضًا: "عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث"، ص 79 لبقي بن مخلد بتحقيق أكرم ضياء العمري.
(5)
"علوم الحديث" لابن الصلاح، ص 303.
(6)
هو الإمام الحافظ الجوّال، محدث الإسلام، أبو عبد الله، محمد بن المحدث أبي يعقوب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني، صاحب التصانيف المتوفى سنة 395 هـ. له ترجمة حافلة في "السير" 17/ (13).
واشتركوا في رؤيته وصحبته والسماع منه، وبدأ بوالد الصديق أبي قُحافة، وروى له حديثًا، ثم بالصديق، ثم بولده عبد الرحمن.
ومنهم حارثة بن شراحيل وابنُه زيد بن حارثة وابنُه أسامة بن زيد حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو القاسم البغوي
(1)
في "معجمه" من جهة محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن عبد الله بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ المرءُ المسلمُ أربعين سنةً صرف الله عنه ثلاثة أنواعٍ من البلاء: الجنون والجُذام والبَرَص
(2)
.. الحديث" ثم قال: لا أعلم لعبد الله بن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وفي إسناده ضعف وإرسال. وقال الدارقطني: حدثنا عبد الله بن أبي بكر فأسند عنه حديثًا في إسناده نظر. يرويه عثمان بن الهيثم المؤذن عن رجال ضعفاء
(3)
. قال المنذري
(4)
:
(1)
هو الحافظ الإمام الحجة المعمَّر، مسند العصر، عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور بن شاهنشاه، أبو القاسم البغوي الأصل، البغدادي الدار والمولد، المتوفى سنة 317 هـ صاحب المسند، له ترجمة في "السير" 14/ (247).
(2)
أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 549) عن عبد الله بن أبي بكر الصديق، ودوام الحديث: فإذا بلغ خمسين خفف عنه ذنوبه، فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه، فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء فإذا بلغ ثمانين أثبتت حسناته ومحيت سيئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمّي أسير الله في الأرض وشفع لأهل بيته.
(3)
وذكر نحوه ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 79 - 180. عن أنس قال: قال رسول الله: إذا بلغ العبد أربعين سنة أمنه الله تعالى من البلايا الثلاث: الجنون والجذام والبرص.
(4)
هو الإمام العلامة الحافظ المحقق شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصل =
وقد وقع لنا من حديث عبد الله بن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان آخران غير هذا الحديث، أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرّق بين جارية بكر وزوجها، زوَّجَها أبوها وهي كارهة
(1)
.. الحديث" الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُجْلَدُ فوق عشرة أسواط إلا في حدِّ من حدود الله"
(2)
.
وهذان الحديثان يرويهما عنه المهاجر بن عكرمة المخزومي. وعندي في سماع المهاجر هذا من عبد الله بن أبي بكر نظر، فإن عبد الله قديمُ الوفاة، فإنه توفي في شوال سنة إحدى عشرة من الهجرة وهي السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: سنة اثنتي عشرة، والأولى أشهر. وكان وفاتُه بالمدينة ونزل حفرَته عُمَرُ بن الخطاب، وطلحةُ بنُ عبيد الله، وعبدُ الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم.
الثامنة والعشرون: كان أبوها أحبَّ الرجال إليه وأعزَّهم عليه.
= المصري الشافعي، صاحب التصانيف، المتوفى سنة 656 هـ. انظر لترجمته: في "السير" 23/ (222).
(1)
أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 549) عن عبد الله بن أبي بكر، ودوامه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زوج أحدًا من بناته أتى خدرها فقال: إن فلانًا يذكر فلانة.
(2)
أخرج أحمد في مسنده (15834) و (15835) و (15832)، والبخاري (6848) ومسلم (1708) والحاكم في "المستدرك" 4/ 410 والبيهقي في "السنن" 10/ 142 و 8/ 328 وآخرون كلهم عن أبي بردة بن نيار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله. قال البيهقي: وله شاهد مرسل وذكره من جهة يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة أن عبد الله بن أبي بكر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد. وقال يعقوب: ورواه بعض من لا يوثق بروايته فقال: إن عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حدثه، وإنما هو عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم. انظر "السنن" 8/ 328.
التاسعة والعشرون: أن أباها أفضلُ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد سئل عن ذلك مالك فقال: وهل في ذلك شك؟
وقد صح عن علي بن أبي طالب ذلك أيضًا. أخرجه أبو ذر
(1)
في كتاب "السنة" له.
وأخرج البخاري في صحيحه
(2)
عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أيُّ الناسِ خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثُمَّ مَنْ؟ قال: عمر، وخشيتُ أن يقول: عثمان؛ قلت: ثم أنت قال: ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين.
وإنما وقع الخلاف في التفضيل بين علي وعثمان، وذهب قوم إلى تساويهما في الفضل
(3)
، وحُكي عن مالك ويحيى بن سعيد القطان. وأما ما ذكره ابن عبد البر في كتاب "الصحابة"
(4)
: أن السلف اختلفوا في تفضيل أبي بكر وعلي، فقد غُلِّطَ في ذلك ووهِّم، لا سيما وثبت بأن من كان يعتقد ذلك من السلف أبو سعيد الخدري وهذا بعيد. وقد أخرج البخاري في "صحيحه"
(5)
عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا نخيِّر بين الناس الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنُخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نُفاضِلُ بينهم. وقد
(1)
هو الحافظ الإمام المجوّد، العلامة، شيخ الحرم، أبو ذر، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غُفير بن محمد، المعروف ببلده بابن السمّاك، الأنصاري الخراساني الهروي المالكي، صاحب التصانيف، المتوفى سنة 434 هـ. له ترجمة حافلة في "السير" 17/ (370).
(2)
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب (3671).
(3)
وقعت في (ب) وفي النسخة المطبوعة: الفضيلة، أثبتناه من (أ).
(4)
"يعني الاستيعاب" 3/ 52.
(5)
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عثمان بن عفان (3698).
أنكر ابن عبد البر
(1)
صحة هذا الخبر وقال: إنه غلط لِوجهين أحدهما: أنه حكى عن هارون بن إسحاق قال: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعرف لعلي سابقتَه وفضلَه، فهو صاحبُ سنة، ومن قال أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة. فذكرت له هؤلاء الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ. وهذا عجيبٌ، لأن ابن معين إنما أنكر على رأي قوم لا على نقلهم. وهؤلاء القوم العثمانية، المُغلون في عثمان وذم علي. ومن قال ذلك واقتصر على عثمان، فلا شك أنه مذموم. وليس في الخبر ما يدل على أن عليًا ليس بخير الناس بعدهم.
الثاني: أنه خلافُ قولِ أهل السنة: إن عليًا أفضلُ الناس بعد عثمان. هذا لا خلاف فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان؛ قال: واختلف السلف أيضًا في تفضيل علي وأبي بكر. وفي إجماع الجماعة التي ذكرنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط اهـ
(2)
. وهذا أعجبُ من الأول، فإن الحديث صحيح أورده الأئمة: البخاري فَمَنْ دونَه في كتبهم الصحاح، والحامل له على ذلك اعتقاده أن حديث ابن عمر يقتضي أن عليًا ليس بأفضل الناس بعد عثمان، وليس كذلك بل هو مسكوت عنه.
الثلاثون: كان لها يومان وليلتان في القَسم دونهنَّ لما وَهبَتْها سَودة يومها وليلتها
(3)
.
(1)
في "الاستيعاب" 3/ 52.
(2)
وفي دوامه يقول ابن عبد البر: وإنه لا يصح معناه، وإن كان إسناده صحيحًا.
(3)
تقدم تخريجه في ص 88، وأخرجه أحمد في "المسند" (24859) قالت: عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة كانت وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا النبي صلى الله عليه وسلم. =
الحادية والثلاثون: أنها كانت تغضب فيترَضّاها ولم يثبت ذلك لغيرها.
الثانية والثلاثون: لم يَرْوِ عن النبي صلى الله عليه وسلم امرأةٌ أكثر منها. ونقل الماوردي في الأقضية من "الحاوي"
(1)
عن أبي حنيفة: أنه لا يقبل
(2)
من أحاديث النساء إلا ما ورته عائشة وأُم سلمة. وهو غريب.
الثالثة والثلاثون: كان يتتبعُ
(3)
رضاها كلعبها باللعب، ووقوفه في وجهها لِتنظرَ إلى الحبشة يلعبون، واستنبط العلماءُ ذلك أحكامًا كثيرة. فما أعظم بركتها
(4)
.
الرابعة والثلاثون: أنها أفضلُ امرأة مات عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خلاف، واختلفوا في التفضيل بينها وبين خديجة على وجهين: حكاهما المتولي
(5)
في "التتمة". وقال الآمدي
(6)
في "أبكار الأفكار"
(7)
: مذهب
(1)
بل قاله الماوردي في الحاوي 20/ 146 كتاب أدب القاضي ما نصه: وامتنع أبو حنيفة من قبول أخبار النساء في الدين إلا أخبار عائشة وأم سلمة. ثم قال الماوردي: وهذا فاسد من وجهين: أحدهما: لو كان نقص الأنوثة مانعًا لَعَمَّ، والثاني: أن قبول قولهن في الفتيا يوجب قبوله في الأخبار، لأن الفتيا يوجد قبوله، لأن الفتيا أغلظ شروطًا.
(2)
في (أ) والنسخة المطبوعة: لا ينقل، أثبتناه من (ب)، ويؤيده ما قاله الماوردي.
(3)
في النسخة المطبوعة: يتبع، خطأ.
(4)
في: (ب) تركبها، خطأ.
(5)
هو الشيخ عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن إبراهيم النيسابوري أبو سعيد المتولي المتوفى سنة 478 هـ. انظر "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة 1/ 211؛ كشف الظنون لكاتب جلبي 1/ 1.
(6)
هو علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، سيف الدين الآمدي، شيخ المتكلمين في زمانه ومصنف "الأحكام" المتوفى سنة 631 هـ. انظر لترجمته "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة 2/ 79 - 80.
(7)
في (ب) الأذكار، خطأ.
أهل السنة أن عائشة أفضلُ نساء العالمين. وقالت الشيعة: "أفضل زوجاته خديجة وأفضل نساء العالمين فاطمة ومريم ومريم وآسية" اهـ.
ومنهم من توقف في ذلك وهو ما مال إليه إلكيا
(1)
الطبري في تعليقه في الأصول. واحتج مَن فضَّل خديجة بأنها أولُ الناس إسلامًا، كما نقل الثعلبي
(2)
الإجماع عليه، وبأن لها تأثيرًا في أوَّل الإسلام وكانت تُسلِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبذُلُ دونه مالها، فأدركَتْ غُرة الإسلام، واحتَمَلَت الأذى في الله ورسوله، وكانت نصرتُها للرسول في أعظم أوقات الحاجة، فلها من ذلك ما ليس لغيرها. قال أبو بكر بن داود
(3)
: ولأن عائشة أقرأها
(1)
وضع هنا الأستاذ سعيد الأفغاني رحمه الله أداة الاستفهام وقال في تعليقه: هنا كلمة لم نستطع حلها ولم نجد في تراجم الملقبين بالطبري اسمًا أو نعتًا قريبًا من رسمها في الأصل.
قلت: بل هي واضحة في كل من (أ) و (ب) وهو: إلكيا الطبري، العلامة، شيخ الشافعي، ومدرس النظامية، أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الهراسي المتوفى سنة 504 هـ. له تصانيف حسنة، منها "أحكام القرآن" وهو مطبوع في أربعة أجزاء. انظر "السير" 19/ (207) والكيا، بكسر الكاف وفتح الياء لفظة فارسية معناها: الكبير القدر، المقدم بين الناس. وترجمته في "وفيات الأعيان" لابن خلكان 3/ 286 - 289، ومن كلامه السائر: إذا جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح، طارت رؤوس المقاييس في مهاب الرياح.
(2)
هو الإمام الحافظ العلامة، شيخ التفسير أبو إسحاق، أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المتوفى سنة 427 هـ. له كتاب "التفسير الكبير" وكتاب "العرائس" في قصص الأنبياء انظر:"السير" 17/ (292).
(3)
هو محمد بن داود بن علي الظاهري، العلامة البارع، ذو الفنون، أبو بكر المتوفى سنة 297 هـ وهو مصنف كتاب "الزهرة" في الآداب والشعر. له ترجمة في "السير" 13 / (56).
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل، وخديجة أقرأها جبريلُ السلام من ربّها على لسان محمد، فهي أفضل.
واحتجَّ مَن فضل عائشة بأن تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقُّه في الدين، وتبليغه إلى الأمة وانتفاع بنيها بما أدَّت إليهم من العلم ما ليس لغيرها. قال السُّهيلي: وأصحُ ما رُوي في فضلها على النساء حديثُ: "فضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" يعني كما أخرجه الشيخان من حديث أنس
(1)
قال: وأراد بالثريد اللحم. كذلك رواه مَعْمر في "جامعه"
(2)
مفسرًا عن قتادة - وأبان يرفعه - فقال فيه: "كفضل الثريد باللحم" ووجه التفضيل من هذا الحديث أنه قال في حديث آخر: "سيد أُدُم الدنيا والآخرة اللحم"
(3)
أن الثريد إذا أُطلق لفظه، فهو ثريدُ اللحم، أنشد سيبويه
(4)
:
إذا ما الخبزُ تأدِمُه بِلَحْمٍ
…
فذاك أمانة اللهِ الثَّريدُ
(5)
(1)
أخرجه البخاري في الأطعمة باب الثريد (5419) ومسلم في فضائل الصحابة باب في فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (6299).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10 / (19572) ولفظه: عن قتادة وأبان قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل عائشة في النساء مثل الثريد واللحم في الطعام.
(3)
أخرج الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/ 35 عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم" .. وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سعيد بن عبية القطان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وفي بعضهم كلام لا يضر.
(4)
هو إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قَنبر الفارسي، ثم البصري المتوفى سنة 180 هـ. انظر:"السير" 8/ 97.
(5)
البيت أنشده السبويه 3/ 61 ورقم البيت: 434، تأدمه: تخلطه، وأمانة نصب بنزع إسقاط حرف الجر ومعناها: أحلف بأمانة الله.
قال: ولولا قولُه في خديجة: "والله ما أبدلني الله خيرًا منها"
(1)
لقلنا بتفضيلها على خديجة وعلى نساء العالمين. اهـ. وهذا الحديث الذي أشار إليه أخرجه ابن ماجه في "سننه"
(2)
: حدثنا العباس بن الوليد الخلال الدمشقي حدثنا يحيى بن صالح
(3)
، حدثني سليمان بن عطاء الجزري، حدثني مسلمة الجهني، عن عمه أبي مشجعة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم" وقال ابن الجوزي في "مشكله": "العرب" تُفضِّلُ الثريد، لأنه أسهلُ في تناوله، ولأنه يأخذ جوهر المرَق"
(4)
فلم يقف على هذا المعنى الحسن.
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في طبقاته
(5)
: "روينا عن الإمام أبي الطيب سهل الصُّعلوكي
(6)
أنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فضل عائشة
(1)
أخرجه أحمد في "المسند"(24864) عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة، أثنى عليها، فأحسن الثناء، قالت: فغِرْتُ يومًا، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراءَ الشِّدْق، قد أبدلك الله عز وجل بها خيرًا منها قال:"ما أبدَلَني الله عز وجل خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذْ كذَّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل وَلَدَها إذ حرمني أولاد النساء. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: صحيح وهذا سند حسن في المتابعات. انظر تمام تخريجه في "المسند" (24864).
(2)
أخرجه ابن ماجه في الأطعمة باب اللحم (3305) من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة. اللحم. وهو ضعيف جدًّا لأن فيه سليمان بن عطاء الجزري وهو منكر الحديث وأبو مَشْجَعَة مجهول.
(3)
وقع في (أ) و (ب): الحسن بن صالح وهو خطأ. والصواب ما أثبتناه من ابن ماجه. انظر "التهذيب" 4/ 211؛ وتحرير تقريب التهذيب 4/ (7568).
(4)
انظر: "كشف المشكل" 1/ 415.
(5)
"طبقات الفقهاء الشافعية" 1/ 482 - 483.
(6)
هو العلامة، شيخ الشافعية بخراسان، الإمام أبو الطيب، سهل بن محمد بن =
على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" أراد فضل ثريد عمرو العُلى الذي عظم نفعه وقدره، وعم خيره وبره، وبقي له ولعقبه ذكر حتى قال فيه القائل:
عمرو العُلى هَشَمَ الثّريد لقومه
…
ورجالُ مكةَ مُسْنِتُونَ عِجافُ
(1)
ثم قال ابن الصلاح: "أبعد سهلٌ في تأويل الحديث والذي أراه: أن معناه ثريد كل طعام على باقي ذلك الطعام. وسائر بمعنى باقي .. وهو كذلك، فإن خير اللحم قد حصل فيه، فهو أفضل منه"
(2)
اهـ.
وسئل ابن الحاجب
(3)
في "أماليه" عن قوله صلى الله عليه وسلم: "كَمُلَ مِن الرجالِ كثيرٌ، ولم يَكْمُلْ مِن النساء إلا مريمُ ابنةُ عِمران وآسيةُ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"
(4)
هل الألف واللام لاستغراق الجنس أو لا؟ فأجاب: "بأن النساء في الأول لمن عدا عائشة.
= سليمان بن محمد العجلي الحنفي، ثم الصُّعلوكي النيسابوري، الفقيه الشافعي المتوفى سنة 404 هـ. انظر لترجمته "السير" 17/ (121).
(1)
البيت لعبد الله بن الزَّبَعْرَى أنشده المبرد في المقتضب 2/ 312 تحت باب الصفة التي تجعل وما قبلها بمنزلة شيء واحد فيحذف التنوين من الموصوف. وعمرو العلى هو هاشم بن عبد المطلب الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
"طبقات الفقهاء الشافعية" 1/ 482 - 483.
(3)
هو الشيخ الإمام العلامة المقرئ الأصولي الفقيه النحوي جمال الأئمة والملة والدين أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي الدُّويني الأصل الإسنائي المولد المالكي المتوفى سنة 646 هـ. صاحب التصانيف. انظر لترجمته في "السير" 23/ (185).
(4)
أخرجه البخاري في الأطعمة باب الثريد (5418) ومسلم في فضائل الصحابة باب في فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها (6272) وابن أبي شيبة في "المصنف" 6/ (32276).
وفي الثاني لمن عدا وآسية" فلا دلالة فيها على تفضيل أحد القبيلين على الآخر، كقولك زيدٌ أفضلُ القوم، وعمرو أفضلُ القوم: فيه دليل على أنهما أفضلُ القوم ولا تفضيل لمجرد ذلك لأحدهما على الآخر.
فائدة:
وذكر الأستاذ أبو منصور البغدادي
(1)
أحدُ أئمة أصحابنا في كتاب "الأصول الخمسة عشر"
(2)
كلامًا في فضل عائشة وفاطمة، قال: "فكان شيخنا أبو سهل محمد بن سليمان الصُّعلوكي
(3)
وابنه سهل يُفضلانِ فاطمة على عائشة، وبه قال الشافعي، وللحسين بن الفضل
(4)
رسالة في ذلك" اهـ. وهذا مما لا شك فيه وقد قال
(5)
صلى الله عليه وسلم: "فاطمة بضعة مني"
(6)
ولا نعدِلُ بِبُضعةٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا - كما قاله ابن داود.
(1)
هو عبد القاهر بن طاهر، العلامة البارع، المتفنن الأستاذ، أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 هـ. نزيل خراسان وصاحب التصانيف البديعة، وأحد أعلام الشافعية، انظر لترجمته في "السير" 17/ (377).
(2)
عنوان هذا الكتاب على النسخة المطبوعة: "كتاب أصول الدين". انظر: ص 306.
(3)
هو الإمام العلامة ذو الفنون أبو سهل محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون الحنفي العجلي الصُّعلوكي النيسابوري، الفقيه الشافعي، المتكلم، النحوي، المفسر، اللغوي، الصوفي، شيخ خراسان، المتوفى سنة 369 هـ. انظر لترجمته في "السير" 16/ 168.
(4)
هو الحسين بن فضل بن عُمير، العلامة، المفسر، الإمام، اللغوي، المحدث أبو علي البَجَلي الكوفي ثم النيسابوري المتوفى سنة 282 هـ. له ترجمة في "السير" 13 (202).
(5)
في (ب): النبي.
(6)
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب فاطمة رضي الله عنها (3767) عن المِسْوَر بن مَخرُمَة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاطمة بضعة مني، فمن=
فائدة:
أما زوجاته صلى الله عليه وسلم فهن أفضل النساء لقوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] قالوا: "ويجب الوقف هنا ثم يبتدأ بالشرط وهو قوله: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} الأحزاب: 32] وجوابه: {فَلَا تَخْضَعْنَ} [الأحزاب: 32] دون ما قبله. بل حكم الله بتفضيلهن على النساء مطلقًا من غير شرط وهو أبلغ في مدحهن، وجواب الشرط ما بعده.
فإن قيل فقد روي: "كل مع صاحبه في الدرجة" فإذا كانت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم في درجته، وفاطمة مع علي في درجته، فتفاوت ما بينهما كتفاوت ما بين الدرجتين.
قيل: قال الإمام
(1)
في "الشامل" هذا لا يترى
(2)
لأنه معلوم أن عائشة لا تكونُ في درجتها كدرجة النبوة، فإن قلت: هي في منازل الأتباع، قلت: لهذا لا يعطي فضيلة متأصلة ولو كانت الفضيلة بهذا القدر لكان يتعدى هذا إلى كل من خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه، وليس الأمر كذلك
(3)
.
الخامسة والثلاثون: أن عمر فضلها في العطاء عليهن، كما أخرجه
= أغضبها أغضبني. ومسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل فاطمة بنت النبي رضي الله عنها (6308) عنه أيضًا ولفظه: إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها.
(1)
المقصود هو إمام الحرمين الإمام الكبير، شيخ الشافعية، أبو المعالي، عبد الملك بن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجُوَيْني ثم النيسابوري، ضياء الدين الشافعي، صاحب التصانيف المتوفى سنة 478 هـ. له ترجمة حافلة في "السير" 18/ (240).
(2)
في (ب): لا يقوي، خطأ، ومعنى يترى: يطرد.
(3)
كلمة "فإن قيل فقد روى" إلى "وليس الأمر كذلك" وقعت في نسخة (ب) قبل الفائدة.
الحاكم في "مستدركه"
(1)
من جهة مصعب بن سعد
(2)
قال: "فرض عُمَرُ لأُمهاتِ المؤمنين عشرة آلاف وزاد عائشة ألفين، وقال: "إنها حبيبةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم أخرج عن مُصعب بن سعدٍ
(3)
عن سعد نحوه. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لإرسال مطرف بن طريف
(4)
.
السادسة والثلاثون فضل عبادتها: قال القاسم: "كانت عائشة تصوم الدهر"
(5)
.
(1)
"المستدرك" 4/ 8.
(2)
في (ب): سعيد، خطأ.
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: عن مصعب بن سعد نحوه، خطأ. وفي (ب): عن مصعب بن سعيد وهو خطأ أيضًا. أثبتناه من (أ) والمستدرك.
(4)
قد وقعت هنا حاشية من المصنف في (أ) فقط، رأينا أن نذكرها في الهامش وهاك نصها: سئل الدارقطني في "علله" عن حديث مصعب بن سعد، عن عمر أنه فرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف؟ فقال: يرويه أبو إسحاق، واختلف عنه، فرواه مطرف عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد عن عمر. وتابعه إسرائيل، ورواه الأعمش عن أبي إسحاق عن بعض أصحابه عن عمر ولم يسم أحدًا، وقول مطرف وإسرائيل صحيح انظر: العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني، 2/ 226.
(5)
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 8/ 68 وفي "صفة الصفوة" 2/ 31 وفيه أيضًا عن حفصة 4/ 26 ومن جهات أخرى في السنن للبيهقي 4/ 301 وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/ 71 وفي مسنده ابن الجعد 1/ 234 و 385. ومن طريق قبيصة، عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بلفظ: أن عائشة كانت تسرد الصوم أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 75. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على هذه الرواية في "السير" 2/ 187: يعني أنها كانت تصوم الأيام التي لم يرد في حقها النهي عن صومها كالعيدين وأيام التشريق وأيام الحيض ويبدو أنها تصوم غالبها، فهو من باب إطلاق الكل وإرادة البعض.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى بالآثار" 4/ 434 (المسألة: 790) وقال:
وموّهوا أيضًا بما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة كانت تصوم الدهر؛ قلت: الدهر؟ قال: كانت تسرد. ثم ذكر بعض الروايات في سرد الصوم وقال: هذا كله لا حجة لهم =
وقال عُروة: "بعث معاويةُ مرةً إلى عائشة بمائة ألف درهم فقسمتها لم تَتْرُكْ منها شيئًا، فقالت بريرةُ: "أنتِ صائمةٌ، فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحمًا؟ " قالت:"لو ذكرتني لفعلتُ" رواه الحاكم
(1)
.
وعنه أيضًا قال: "رأيت
(2)
عائشة تصدقت بسبعينَ ألفَ درهم، وإنها لترقع جانبَ درعها"
(3)
. وقد اشتمل هذا على ثلاثِ فضائل: فضلِ عبادتها وجودها وزهدِها.
السابعة والثلاثون: شدةُ ورعها: في صحيح مسلم
(4)
: أن شريحًا لما سألها عن المسح على الخفين، فقالت:"إيتِ عليًا، فإنه أعلمُ بذلك مني".
وذكر أهلُ المغازي منهم سعيد بن يحيى بن سعيد الأُموي
(5)
: أن عائشة رضي الله عنها لما دُفِنَ عمرُ بن الخطاب في حُجرتها صارت تحتجبُ من القبر فرضي الله عنها.
وأسند الحاكم في "مستدركه"
(6)
من جهة
(7)
هشام عن أبيه، عن عائشة قالت: "كنت أدخلُ البيتَ الذي دُفِنَ مَعَهُما عمر، والله ما دخلتُ
= فيه: أما عائشة رضي الله عنها فقد فرق عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بين صيام الدهر وبين سرد الصوم كما ذكرنا، ولم يثبت عليها إلا السرد وهو المتابعة لا صوم الدهر، ولو صح عنها ذلك ولا يصح!
(1)
في "المستدرك" 4/ 13 وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 47، وابن سعد 8/ 67.
(2)
في المطبوع: وإن، والمثبت من (أ) و (ب).
(3)
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 8/ 66 بلفظ: رأيتها تصدق بسبعين ألفًا وإنها لترفع (لترقع) جانب درعها. وذكره الذهبي في "السير" 2/ 187.
(4)
أخرجه مسلم في الطهارة باب التوقيت في المسح على الخفين (639).
(5)
هو سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي المتوفى سنة 249 هـ. انظر: في "الجرح والتعديل" 4/ 74 وتهذيب التهذيب 4/ 86.
(6)
"المستدرك" 4/ 7.
(7)
من جهة هشام، كذا في (أ) و (ب).
إلا وأنا مشدودٌ عليَّ ثيابي حياءً مِن عمر" وقال [صحيح] على شرط الشيخين ولم يُخرجاه.
قال شيخنا الحافظ عمادُ الدين بن كثير: ووجه هذا ما قاله شيخنا الإمام أبو حجاج المِزي: "أن الشهداءَ كالأحياءِ في قبورهم وهؤلاء
(1)
أرفعُ درجةً منهم"
(2)
.
قال شيخنا: وأيضًا فإن حجابَهن كثيفٌ غليظ رضي الله عنهن. فإن قيل: فقد روى الترمذي
(3)
عنها رضي الله عنها قالت: "قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفيةَ كذا وكذا" قال بعض الرواة يعني قصيرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَتْ بِماء البحرِ لمزجته" قال الترمذي حسن صحيح أي خلطته مخالطة
(4)
يتغير بها طعمُه أو ريحُه لشدة نتنها.
فالجواب إنما صدر هذا القول عن عائشةَ مَعَ وفورِ فضلها، وكمالِ عقلها، لفرط الغيرة الغريزية التي جُبِلَتْ عليها القلوبُ البشرية. وقد حكى القاضي عياض في "الإكمال" عن مالك وغيره: أن المرأة إذا رَمَتْ
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: وهذه، وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه من (أ) و (ب).
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: فيهم وهو خطأ. والصحيح: منهم كما ثبت في (أ) و (ب).
(3)
أخرجه الترمذي في صفة القيامة باب حديث: لو مزج بها ماء البحر (2502) عن عائشة قالت حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلًا فقال: ما يسرني أني حكيت رجلًا وأنّ لي كذا وكذا قالت: فقلت: يا رسول الله إن صفية امرأة وقالت بيدها هكذا كأنها تعني قصيرتها فقال: لقد مزجت بكلمة لو مزج بها ماء البحر لمُزِجَ.
وقد أخرج هذا الحديث بلفظ قريب من لفظ المؤلف أبو داود في الأدب باب في الغيبة (4875) عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مُسَدَّد: تعني قصيرة - فقال: لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَ بها البحرُ لمزجَتْهُ.
(4)
قال سعيد الأفغاني في الهامش: كلمتان أو ثلاث كلمات لم تحل. والكلمتان واضحتان في كل من (أ) و (ب) وهما: خلطته مخالطة.
زوجَها بالفاحشة على جهة الغَيرة لا يجب عليها الحدُّ. قال: واحتج لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "وما تدري الغيراءُ أعلى الوادي من أسفله"
(1)
.
وقد روى البخاري
(2)
في مناقب عمر أنه أرسل في مرض موته ابنه عبد الله إلى عائشة: "أن عمر يُقرئك السلامَ، ويستأذنك أن يُدفن مع صاحبيه" فقالت عائشة: "لقد كنتُ أردتُه لنفسي ولأوثرنَّه اليومَ على نفسي". وقد استشكل ذلك بأن الإيثار بالقبر من خلاف
(3)
شِيَم الصالحين كمن يؤثر بالصف الأول لغيره
(4)
ويتأخر هو. وأجاب بعضُهم بأن الميت
(1)
أخرجه نحوه أبو يعلى في مسنده 8/ (4670) مع قصة لطيفة جرت بين عائشة وصفية وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الغيرى لا تبصر الوادي من أعلاه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 322 عن مسند أبي يعلى.
وعن عائشة أنها قالت: وكان متاعي فيه خف وكان على جمل ناج وكان متاع صفية فيه ثقل وكان على جمل ثفال بطيء يبطئ بالركب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حولوا متاع عائشة على جمل صفية وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الركب قالت عائشة فلما رأيت ذلك قلت يا لَعباد الله غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمَّ عبد الله إن متاعك كان فيه خف وكان متاع صفية فيه ثقل فأبطأ بالركب فحولنا متاعها على بعيرك وحولنا متاعك على بعيرها قالت: فقلت: ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتبسم فقال: أو في شك أنت يا أم عبد الله؟ قالت: قلت: ألست تزعم أنك رسول الله فهلا عدلت؟ وسمعني أبو بكر وكان فيه غرب أي حدة فأقبل عليّ ولطم وجهي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلًا يا أبا بكر فقال: يا رسول الله أما سمعت ما قالت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه".
(2)
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان (3700) وفي الجنائز باب موت الفجأة البغتة (1392) ولفظها: كنت أريدها لنفسي فلأوثرنه اليوم على نفسي، قال ابن حجر في "الفتح" 3/ (1392): وفيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور طمعًا في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم وفي دعاء من يزورهم من أهل الخير.
(3)
في (ب): بخلاف.
(4)
سقطت كلمة "لغيره" في النسخة المطبوعة، أثبتناه من (أ) و (ب).
ينقطع عمله بموته فلا يتصور في حقه
(1)
الإيثارُ بالقرب
(2)
بعد الموت
(3)
إذ لا تقرب في حق الميت وإنما هو إيثار بمسكن شريف وكأنها فهمت قرينة الحال أن الموضع له للحديث المشهور الذي رواه الطبراني في معجمه الكبير
(4)
أنها رأت أن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتها فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال لها الصدّيق: هذا أحد أقماري وهو خيرها".
الثامنة والثلاثون: أنها سمعته يقولُ في يومٍ من الأيام فقدها: "واعَروساه"
(5)
فجمعها الله عليه. ذكر ابن شاهين
(6)
في كتاب "السنة".
(1)
قال سعيد الأفغاني في التعليق هنا: "رموز لم تحل أصلًا وقد ذهب بعض حروفها مع حرف الصفحة"، أثبتناه من (ب).
(2)
أثبتناه من (ب) أيضًا.
(3)
وقع في النسخة المطبوعة بياضات وفراغات لم تحل، استدركناها كلها من (ب).
(4)
رواه الطبراني في "معجمه" الأوسط 7/ (6369): حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا أبي حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة أنها رأت في المنام أنه سقط في حجرتها ثلاثة أقمار فذكرت ذلك لأبي بكر فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن في بيتها قال أبو بكر: هذا خير أقمارك.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 185: وعن أيوب عن نافع عن ابن عمر أو محمد بن سيرين عن عائشة أنها قالت: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فقال أبو بكر: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال لها أبو بكر: خير أقمارك يا عائشة ودفن في بيتها أبو بكر وعمر. رواه الطبراني في الكبير وهذا سياقه والأوسط عن عائشة من غير شك ورجال الكبير رجال الصحيح.
(5)
أخرجه أحمد في "المسند"(26112) كما يلي: حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا يونس، حدثنا أبو شداد، عن مجاهد قال: قالت عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كنا بالحزّ انصرفنا وأنا على جمل، وكان آخر العهد منهم، وأنا أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهري ذلك السَّمُرَ وهو يقول: واعَرُوساهُ، قالت: فوالله إني لعلى ذلك إذ نادى منادٍ أن ألقي الخطام، فألقيته، فأعلقه الله بيده، إسناده ضعيف لجهالة أبي شداد.
(6)
هو الشيخ الصدوق، الحافظ العالم، شيخ العراق، وصاحب التفسير الكبير، =
ووجعت يومًا فقالت: "وارأساه" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل أنا وارأساه"
(1)
ففيه إشارة للغاية في الموافقة، حتى تألَّمَ بألمها، فكأنه أخبرها بصدقِ محبتها حتى واساها في الألم ومنهم مَن حمله
(2)
على الأمر بالصبر أي
(3)
: بي من الوجع مثلُ ما بكِ فتأسِّيْ بي في الصبر وعدم الشكوى. والظاهرُ الأول.
وروى الإمام أحمد في مسنده
(4)
حدثني عبد الله حدثنى أبي عن وكيع عن إسماعيلَ عن مصعب بن إسحاق بن طلحة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليهوِّن عليَّ أني
(5)
رأيتُ بياضَ كف عائشة في
= أبو حفص، عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب بن أزداذ البغدادي الواعظ ابن شاهين المتوفى سنة 385 هـ. له ترجمة في "السير" 16/ (320).
(1)
أخرجه البخاري في المرضى باب ما رخِّص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وارأساه، أو اشتد بي الوجع (5666) وفي الأحكام باب الاستخلاف (7217) عن عائشة قالت: وارأساه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حيٌّ فأستغفر لكِ وأدعو لك، فقالت عائشة: واثُكْلَيَاهْ والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك، لظلتَ آخر يومك معرسًا ببعض أزواجك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهدَ، أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة وفهم من له، وهو تحريف، أثبتناه من (ب).
(3)
أثبتناه من (ب) أيضًا.
(4)
"المسند"(25076) إسناده ضعيف لجهالة مصعب بن إسحاق بن طلحة، وهو من رجال "التعجيل"، تفرد بالرواية عنه إسماعيل بن أبي خالد، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان.
(5)
في (ب): أن.
الجنة" وأخرج
(1)
الطبراني
(2)
في معجمه من جهة أبي حنيفة الإمام حدثنا حماد
(3)
عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يهوِّن
(4)
علي منيَّتي
(5)
أنْ أرِيتُ
(6)
عائشة زوجتي في الجنة".
التاسعة والثلاثون: تسابقُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم معها. رواه أبو داود
(7)
والنسائي
(8)
وابن ماجه
(9)
وصححه ابن حبان
(10)
وفيه فائدة جليلة وهي جوازُ السبقِ
(1)
أثبتناه من (أ) و (ب).
(2)
في "الكبير" 23/ (98)، وفي الأوسط (3185) من طريق أبي معاوية، عن أبي حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم عن الأسود مرفوعًا بلفظ: إنه يهون على الموت أن رأيتك زوجتي في الجنة. وهذا إسناد ضعيف فقد تفرد به حماد بن أبي سليمان، وله أوهام ولا يحسن تفرده. وقد ثبت أن عائشة زوجته صلى الله عليه وسلم في الجنة من حديث عمار بن ياسر عند البخاري (3772) وأحمد (18331).
(3)
من جهة أبي حنيفة الإمام حدثنا حماد سقطت من النسخة المطبوعة. أثبتناه من (أ) و (ب).
(4)
في (ب): هوّن.
(5)
في (ب): ميتتي.
(6)
في (ب): رأيت.
(7)
أخرجه أبو داود في الجهاد باب في السبق (2578) عائشة أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، قالت: فسابقته فسبقته على رجليّ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السبقة.
(8)
أخرجه النسائي في الكبرى في عشرة النساء (8942 - 8945).
(9)
أخرجه ابن ماجه في النكاح باب حسن معاشرة النساء (1979) عن عائشة قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته.
(10)
"الإحسان" 10/ (4691) بتحقيق شيخنا، وقال: إسناده صحيح. وقد أخرجه أيضًا أحمد في المسند مطولًا ومختصرًا بالأرقام (24118)، (24119)، (24981)، (25488)، (26252)، (26277)، (26398).
من النساء خلافًا، لما قاله الصيمري
(1)
في الإيضاح
(2)
: "إنه لا يجوز السبق والرمي مِن النساء، لأنهن لَسْنَ مِن أهل الحرب". وقد نقله الرافعي وابنُ الرفعة
(3)
عنه وأقرَّاه، وهو مُشْكِلٌ بما ذكرنا إلا أن يخصص المنعُ بمسابقة المرأة المرأة
(4)
.
الأربعون: أن الله تعالى اختارها لِرسوله؛ قال أبو الفرج بنُ الجوزي في كتاب "فتوح الفتوح": "افتخرت زينبُ على نساءِ النبيِّ فقالت: كلكنَّ زوَّجَها أبوها وأنا زوَّجني رَبِّي"
(5)
تشيرُ إلى قوله: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وأنا أتوب
(6)
فقال: "يا زينبُ لقد صَدَقْتِ، ولقد شاركتكِ عائشةُ في أن الله تعالى بعث صورتَها في سرَقةٍ من حريرٍ مع جبريل، فَجلَّاها فقال: "هذه زوجتُك" - فهذا تزويجٌ مطوي في سرِّ القدر ظهرَ أثرُه يومَ عُقِدَ العقدُ غير أن عائشةَ كانت مِن اختيار الله لرسوله - وكنت يا زينبُ مِن اختيار الرسولِ لنفسه".
(1)
هو شيخ الشافعية وعالمهم، القاضي أبو القاسم، عبد الواحد بن الحسين الصَّيْمَري، من أصحاب الوجوه المتوفى سنة 405 هـ، وصنف كتاب "الإيضاح في المذهب" سبع مجلدات وكتاب "القياس والعلل" وغير ذلك. له ترجمة في "السير" 17/ (6) وانظر ص 177 أيضًا.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: الإفصاح وهو تحريف. أثبتناه من كل من (أ) و (ب).
(3)
تقدمت تراجمهما في ص 96.
(4)
قلت: الأولى الرسول قدوة، فما فعله ولم يكن من اختصاصه فللمؤمنين أن يفعلوه.
(5)
أخرج نحوه البخاري في التوحيد باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7](7420) و (7421) عن أنس قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكنّ أهاليكن وزوَّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات. وأخرج نحوه ابن سعد في "الطبقات" 8/ 103.
(6)
في (ب): أتوَبُ، كذا مشكَّل.
رجوع الصدِّيق رضي الله عنه
(1)
إلى رأيها
روى
(2)
الإمام محمد بن إسماعيل البخاري
(3)
، عن هشام، عن أبيه عن عائشةَ قالت:"دخلتُ على أبي بكر، فقال: "في كَمْ كفَّنتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم؟ " قالت: "في ثلاثةِ أثوابٍ بيضٍ سَحُوليةٍ
(4)
ليس فيها قميصٌ ولا عِمامة". وقال لها: "في أيِّ يوم تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "؟ قالت: "يومُ الاثنين" قال: فأيُّ يوم هذا؟ " قالت: "يومُ الإثنين" قال: "أرجو فيما بيني وبينَ الليل" فنظر
(5)
إلى ثوبٍ عليه كان يُمرض فيه، به رَدْعٌ
(6)
من زعفران، فقال:"اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني بها"
(7)
قلت: "إن هذا خَلَقٌ" قال: "إن الحيَّ أَحقُّ بالجديدِ مِن الميتِ، إنما هو لِلمُهْلةِ" فلم يَتَوفَّ حتى أمسى
(8)
(1)
رضي الله عنه سقطت من النسخة المطبوعة، أثبتناه من (أ) و (ب).
(2)
الإمام محمد بن إسماعيل ليس في (أ)، أثبتناه من (ب).
(3)
أخرجه البخاري في الجنائز باب موت يوم الاثنين (1387). قد ذكر المؤلف هنا تحت العنوان رواية عبد الرزاق من كتاب الاستقصاء لابن حزم ورواية مالك نقلًا من ابن عبد البر ثم رمج عليها ولم تذكر في (ب) انظر مصنف عبد الرزاق 3/ (6176) ومالك في الجنائز باب ما جاء في كفن الميت ص 224 وأحمد في المسند (24186) و (24122) و (24790) و (25005).
(4)
سحولية: قال ابن الأثير في "النهاية" 2/ 347: يُرْوى بفتح السين وضمها، فالفتح منسوب إلى السحول، وهو القصَّار، لأنه يسحلها: أي يغسلها، أو إلى سحولٍ وهي قرية باليمن. وأما الضم فهو جمع سَحْل، وهو الثوب الأبيض النقي ولا يكون إلا من قطن.
(5)
في (أ) والنسخة المطبوعة: ينظر. أثبتناه من (ب) والبخاري.
(6)
به ردع: أي لطخ لم يعمه كله. انظر: "النهاية" لابن الأثير 2/ 215.
(7)
في (ب): ثوب وكفنوني فيها، خطأ. وعند البخاري: فيهما.
(8)
سقط من (ب) جملة: يتوف حتى أمسى.
ليلة
(1)
الثلاثاء ودُفِنَ قبلَ أن يُصْبِحَ". ورواه عبدُ الرزاق
(2)
.
قال، وقوله:(إنما هُوَ للمهلة): مَنْ كَسَرَ الميمَ، فإنه أراد الصديدَ، ومن ضمَّها شبهه بعَكَرِ الزيتِ وهو المُهْلُ. والرواية بكسر الميم.
وقال ابن السيِّد
(3)
في "المقتبس": قوله: إنما هو للمُهلة كذا رواه يحيى؛ والمعروف المَهلة أو المِهلة يعني بالفتح أو بالكسر، فإذا حذفت تاءُ التأنيث قلت: المُهل لا غير. ورواه أبو عُبيد
(4)
: إنما هو للمُهل وقال: المهل في هذا الحديث الصديدُ والقيح، وهو في غيره كُلُّ شيء أُذيب مِن جواهر الأرض، كالذهب والفضة والنُّحاسِ، والمهل: عَكَرُ الزيت
(5)
قال: وأكثرُ رواة الموطَّأ على الكسر.
وقال الزمخشري في الفائق
(6)
: روي للمُهلة وللمَهلة والمِهلة بالكسر
(7)
، ثلاثتُها: الصديدُ والقيح الذي يذوب ويسيل من الجسد، ومنه قيل للنحاس الذائب: المهل
(8)
.
قال البيهقي في "شعب الإيمان"
(9)
وقد روى حديثَ أبي قتادة "مَنْ وَلِي
(1)
في (ب) قبل هذه الكلمة: من وكذا في البخاري.
(2)
"المصنف" 3/ (6176).
(3)
هو العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البَطْليَوْسي النحوي اللغوي صاحب التصانيف المتوفى سنة 521 هـ. انظر لترجمته: "السير" 19/ 315). والمقتبس هو شرح الموطأ.
(4)
وقع في النسخة المطبوعة: أبو عبيدة وهو تحريف. أثبتناه من كل من (أ) و (ب).
(5)
قول أبي عبيد في "غريب الحديث" 3/ 217 - 218 هكذا: المهل في هذا الحديث: الصديد والقيح، والمهل في غير هذا كل فِلزّ أذيب، والفلز جواهر الأرض من الذهب والفضة والنحاس وأشباه ذلك .. وقال أبو عمرو: المهل في شيئين، هو في حديث أبي بكر: الصديد والقيح وفي غيره: دُرْدِيّ الزيت.
(6)
"الفائق" 3/ 395.
(7)
في النسخة المطبوعة: بكسر وهو تحريف، أثبتناه من (أ).
(8)
هذه الجملة أي قول الزمخشري سقطت من (ب).
(9)
"شعب الإيمان"(9268) و (9269). =
أخاه فليُحْسِنْ كفنَه فإنهم يتزاورون فيها": هذا إن صحَّ لم يُخالف قولَ الصِّديق رضي الله عنه، إنما هو للمهل يعني الصديد، لأنه كذلك رؤيتنا
(1)
ويكون ما شاءَ اللهُ في علم الله، كما في الشهداء:{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] ونحن نراهم
(2)
يتشحَّطُونَ في الدماء، وهُم في الغيب كما أخبر الله عنهم، ولو كانوا في رؤيتنا كما أخبر عنهم لارتفع الإيمانُ بالغيب.
وقد روى الصِّديق رضي الله عنه
(3)
عنها أحاديث.
= أخرجه الترمذي في الجنائز باب أمر المؤمن بإحسان كفن أخيه (995) عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه. وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء فيما يستحب من الكفن (1474). وأخرجه مسلم في الجنائز باب في تحسين كفن الميت (2185) عن جابر بن عبد الله يحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فذكر رجلًا من أصحابه قبض فكُفِّن في كفن غير طائل وقُبِرَ ليلًا. فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصلِّي عليه. إلا أن يُضطرّ إنسان إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كفن أحدكم أخاه فَلْيُحَسِّنْ كفنه. وأخرج حديث جابر أيضًا أبو داود (3148) والنسائي (1891) وعبد الرزاق (6549) وأحمد (14145 و 14524 و 14617 و 14766 و 14993)، والحاكم 1/ 523 - 524، والبيهقي 3/ 403 و 4/ 32 وابن حبان 7/ (3034).
والحديث عند عبد الرزاق (6208) عن ابن سيرين قال: كان يقال: من ولي أخاه فليحسن كفنه وإنه بلغني أنهم يتزاورون في أكفانهم. وعند ابن أبي شيبة 2/ (11131) عن ابن سيرين قال كان يحب حسن الكفن ويقال: أنهم يتزاورون في أكفانهم.
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: روايتنا وهو تحريف. أثبتناه من كل من (أ) و (ب).
(2)
وقع في النسخة المطبوعة فراغ هنا وقال الأستاذ سعيد الأفغاني: "كلمة غير مفهومة"، وثَمَّ لفظة: الله وهو تحريف، أثبتناه من (ب)، وكلمتان في (أ) تشبهان: ونحن نراهم.
(3)
الصديق رضي الله عنه، أثبتناه من (ب).
منها ما أخرجه الطبراني في "معجمه الوسط"
(1)
من جهة منصور
(2)
عن مجاهد، عن خالد بن سعد، عن غالب بن أبجر عن أبي بكر الصديق.
(1)
"المعجم الأوسط" 1/ (105) وقال أيضًا: تفرد به عبيد الله بن موسى.
وأخرج البخاري في الطب باب الحبة السوداء (5687)، وابن ماجه (3449) واللفظ للبخاري: حدثني عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا عبيد الله، حدثنا إسرائيل عن منصور، عن خالد بن سعد قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبي عتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحُبَيْبة السُّوَيْداء، فخذوا منها خمسًا أو سبعًا فاسحَقُوها، ثم اقْطَرُوها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب، فإن عائشة رضي الله عنها حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام، قلت وما السام؟ قال: الموت. وأخرجه ابن أبي شيبة عن نفس الجهة مختصرًا 5/ (23441).
قال ابن حجر: في "الفتح" 10/ (5687): وقد أخرجه المنجنيقي في كتاب رواية الأكابر عن الأصاغر عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد فأدخل بين منصور وخالد بن سعد مجاهدًا، وتعقبه الخطيب بعد أن أخرجه من طريق المنجنيقي بأن ذكر مجاهد فيه وهمٌ. ووقع في رواية المنجنيقي أيضًا "وخالد بن سعيد" بزيادة ياء في اسم أبيه، وهو وَهْمٌ نبه عليه الخطيب أيضًا .. قال الخطيب: وقوله في السند: "عن غالب بن غالب بن أبجر" وَهْمٌ فليس لغالب فيه رواية، وإنما سمعه خالد مع غالب من أبي بكر بن أبي عتيق، قال: وأبو بكر بن أبي عتيق هذا هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
وفي الباب عن عائشة أخرجه أحمد (25067) و (25133) عن أبي هريرة (7287) و (7557) و (7638) و (8517) و (9473) و (9543) و (9544) و (10550) و (10626) و (10046) وعن بريدة الأسلمي (22938 و 22972 و 22999) ولفظها: عليكم بهذه الحبة السوداء - وهي الشونيز - فإن فيها شفاء وأخرج حديث أبي هريرة في هذا الباب أيضًا البخاري (5688)، ومسلم (5766 - 5768) والترمذي (2041)، والنسائي في الكبرى (7578)، والحميدي (1107) ومعمر بن راشد في الجامع (20169) والطيالسي (2460)، والبيهقي 9/ 345.
(2)
من جهة منصور سقطت من (ب).
عن عائشة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "في الحبَّة السوداءِ شفاءٌ مِنْ كل داءٍ إلا السَّام".
وقال: لا يُروى عن أبي بكر عن عائشة إلا بهذا الإسناد.
وذكر ابن الصلاح
(1)
في النوع الرابع والأربعين من علومه: أن هذا غلط ممن رواه عن أبي بكر الصديق عن عائشة إنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق عن عائشة وهو عبدُ الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق اهـ. وفي "التلقيح"
(2)
لابن الجوزي في باب من روى عن ابنه: روى أبو بكر الصديق
(3)
عن ابنته عائشة حديثين
(4)
. وكذلك روت أمُّ رومان عن ابنتها عائشة حديثًا
(5)
.
(1)
"علوم الحديث" ص 302. ينتهي النقل عند ابن الصلاح إلى قوله: عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: التنقيح وهو تحريف وليس لابن الجوزي كتاب يسمى بالتنقيح، إنما هو "التلقيح" كما رأينا في كل من (أ) و (ب)، انظر:"تلقيح فهوم أهل الأثر" لابن الجوزي، ص 440.
(3)
من جملة: وفي التلقيح إلى قوله الصديق سقطت من (ب).
(4)
من جملة: وفي التلقيح إلى قوله حديثين. ذكره العراقي في "التقييد والإيضاح" ص 302 في النسخة المطبوعة مع مقدمة ابن الصلاح، وليس فيها: وكذلك روت أم رومان عن ابنتها عائشة حديثين.
(5)
في (ب) حديثين. قال السيوطي في "تدريب الراوي" 2/ 256: قال العراقي: لكن ذكر ابن الجوزي: أن الصديق روى عن ابنته عائشة حديثين، وروت عنها أم رومان أمها حديثين، قال البلقيني: فإن كان ابن الجوزي أخذ رواية الصديق ذلك الحديث فقد تبين أنه وهم.
قلت: قد ذكر المزي في "تحفة الأشراف" من مسند أم رومان 13/ 78 - 79 حديثين عنها برقم (18317) و (18318) وأشار إلى أربعة روايات في البخاري (3388) و (4143) الحديث نفسه مطولًا، و (4691) و (4751) مختصرين. وكل هذه الروايات الأربعة من جهة حصين عن أبي وائل عن مسروق عن أم رومان في حديث الإفك وهو حديث واحد.
استدراكها على عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فيه أحاديث:
الحديث الأول:
أخرج البخاري
(1)
ومسلم
(2)
مِن حديث عبدِ الله بن أبي مُلَيْكة قال:
توفيت ابنةٌ
(3)
لعثمانَ بن عفان بمكة قال
(4)
فجئنا لِنشهدها، وحضرها ابنَ عمر، وابنَ عباس، وإني لجالسٌ بينهما قال جلستُ إلى أحدهما، ثم جاء الآخَرُ، فَجَلَسَ إلى جنبي، فقال عبدُ الله بن عمر لعمرو بن عثمان وهو مواجِهُهُ: ألا تنهى عن البُكاءِ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ الميتَ لَيُعذَّبُ ببكاءِ أهلهِ عليه" فقال ابن عَبَّاس: "قد كان عُمَرُ يقول بعضَ ذلك" ثم حَدَّث قال: صَدَرْتُ
(5)
مع عمر مِن مكة حتَّى إذا كنا
(6)
بالبيداءِ إذا هو بركبٍ تحتَ ظِلِّ سَمُرةٍ
(7)
فقال: "اذهب فانظُرْ مَنْ هُؤلاءِ الرَّكْبُ" قال: فنظرتُ، فإذا هو صُهَيب قال: فأخبرتُه، فقال:"ادْعُهُ لي" قال: فرجعتُ إلى صهيب فقلتُ: "ارتحِلْ، فالحق أميرَ المؤمنين" قال: فلما أُصيب عُمَرُ جعل
(8)
(1)
أخرجه البخاري في الجنائز باب قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته (1286 - 1288).
(2)
أخرجه مسلم في الجنائز باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأُولى (2150).
(3)
عند الصحيحين: بنت.
(4)
قال: ليس في (ب) ولا في البخاري وهو في (أ) وفي مسلم.
(5)
وقع في النسخة المطبوعة: حدرت وهو تحريف، أثبتناه من (ب) والصحيحين.
(6)
في (أ): كانا وفي النسخة المطبوعة: كان، خطأ. أثبتناه من (ب) والصحيحين.
(7)
في مسلم و (أ): شجرة، وفي البخاري و (ب): سمرة.
(8)
في (أ) و (ب): وجعل وهو عند الشيخين: دخل.
صُهيب يبكي يقول: وا أخاه وا صاحِباه، فقال عمر:"يا صهيبُ أتبكي عليَّ وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميتَ يُعَذَّبُ ببعضِ بُكاءِ أهلهِ عليه". قال ابن عَبَّاس: فلما مات عمر ذكرتُ ذلك لعائشة فقالت: "رحم
(1)
الله عمر، والله ما حَدَّثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال مسلم: "يرحم الله عمر، لا
(2)
واللهِ ما حدثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إن الله يُعذِّبُ المؤمن ببكاءِ أحد ولكن قال: "إن الله يزيدُ الكافرَ عذابًا ببكاءِ أهلهِ عليه" قال: وقالت عائشة: حَسْبُكُم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] قال: وقال ابن عَبَّاس عند ذلك: واللهُ أضحكَ وأبكى
(3)
قال ابن أبي مُليكة: "فوالله ما قال ابن عمر شيئًا".
ووقع في "الوسيط"
(4)
وشرح الوجيز
(5)
للرافعي
(6)
: أنها قالت: "وَرَحِمَ الله عمر ما كذب؛ ولكنه أخطأ أو نَسِيَ" وهذا مردود، ولم تَقُلْ ذلك إلا لابنِ عمر على ما سيأتي.
قال النووي في تهذيبه
(7)
: "ولا شَكَّ في غلط الغزالي في هذا ولا عذر له
(1)
في (أ) و (ب): رحم وهو عند البخاري: يرحم.
(2)
لا سقط من (ب).
(3)
هذه الجملة الموجودة عند "الصحيحين" سقطت في كل من (أ) و (ب) وسقطت الواو قبل الآية في (أ) و (ب)، وهو عند "الصحيحين" والقرآن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
(4)
يعني "الوسيط في المذهب" للإمام الغزالي حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، صاحب التصانيف المتوفى سنة 505 هـ. له ترجمة حافلة في "السير"(19/ 204).
(5)
يعني "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي. و "الوجيز" للإمام الغزالي أيضًا.
(6)
تقدمت ترجمته في ص 96.
(7)
يقصد بتهذيب النووي كتابه "روضة الطالبين وعمدة المتقين" الذي اختصره من شرح الوجيز للرافعي وهذبه.
ولا تأويل. قلت: بلى له العذرُ في التأويل فقد
(1)
أخرج مسلم
(2)
عن ابن أبي مليكة: فذُكر ذلك لعائشة فقالت: أما والله ما تحدثون
(3)
هذا الحديث عن كاذِبَيْن ولا
(4)
مكذَّبين، ولكن السمع يُخطئ
(5)
وفي رواية: وَهَلَ، ذكرها
(6)
أبو منصور البغدادي في كتابه
(7)
.
(1)
فقد أثبتناه من (ب).
(2)
أخرجه مسلم في الجنائز باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأُولى (2149) ولفظها: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبَين ولا مكذَّبَيْن، ولكن السمع يخطئ.
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: عرفوني وهو تحريف، أثبتناه من (ب) ومسلم.
(4)
ولا سقطت من (أ)، أثبتناه من (ب) ومسلم.
(5)
قال ابن حجر في "تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" 2/ 806): وهذا اللفظ الذي أورده (يعني الرافعي في شرح الوجيز) إنما قالته عائشة في الرد على ابن عمر. وأما الرد على عمر فقالت: يرحم الله عمر والله ما حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يعذب المؤمنين ببكاء أحد ولكن قال: إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه. وقد أنكر النووي على الرافعي ما أورده وقال: إنه تبع فيه الغزالي وهو غلط. وقد روى عبد المحسن البغدادي من طريق حبيب بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة بلغها أن ابن عمر يحدث عن أبيه أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقالت: يرحم الله عمر وابن عمر، والله ما هما بكاذبَيْن ولكنهما وهما.
(6)
وقع في النسخة المطبوعة: وهل ذكره أبو منصور البغدادي في كتابه؟ وهو تحريف طريف أثبتناه من كل من (أ) و (ب).
(7)
لفظة وَهَل قال ابن الأثير في "النهاية" 4/ 233 وهل إلى الشيء، بالفتح يهِل، بالكسر، وهْلًا بالسكون: إذا ذهب وهمه إليه، ومنه حديث عائشة، وَهَلَ ابن عمر أي ذهب وهمه إلى ذلك. ويجوز أن يكون بمعنى سَهَا وغلط. قد وردت في رواية مسلم في الجنائز (2154) عن هشام بن أبيه قال: ذكر عند عائشة أن ابن عمر يرفع إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله، [عليه] فقالت: وَهِل إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليُعذَّب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن. وأخرجه أحمد في "المسند"(24302) عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: قيل لها: أن ابن عمر يرفع إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب ببكاء الحي قالت: وَهَلَ أبو عبد الرحمن إنما قال: إن أهل الميت يبكون عليه وإنه ليعذب بجرمه.
الحديث الثاني:
قال الطحاوي في "مشكل الآثار"
(1)
: حَدَّثَنَا صالح بن
(2)
عبد الرحمن، حَدَّثَنَا أبو عبد الرحمن المُقرئ
(3)
: قال: حَدَّثَنَا ابن لَهِيعة، عن يزيدَ بن أبي حبيب، عن مَعْمَرٍ بن أبي حيية
(4)
. قال:
سمعت عبيدَ بنَ رِفاعة الأنصاري يقول: كنا في مجلس فيه زيدُ بن ثابت، فتذاكروا الغسلَ مِن الإنزال فقال زيد:"ما على أحدكم إذا جَامَعَ، فلم يُنزل إلا أن يغسل فرجَه ويتوضأ وضوءَه لِلصلاة"
(5)
(1)
هذا وهم من المؤلف رحمه الله والطحاوي لم يخرجه في "شرح مشكل الآثار" وإنما هو عنده بسنده ومتنه في "شرح معاني الآثار" 1/ 58. ورواه في "شرح مشكل الآثار" (3965) من طريق ابن أبي داود حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن نُمَيْر أخبر عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن حبيب عن معمر بن أبي حبيبة عن عبيد بن رفاعة بن رافع بن رافع عن أبيه وهو حديث صحيح أخرجه أحمد برقم (21096) انظر تمام تخريجه فيه.
(2)
في (ب): عن، خطأ.
(3)
في (أ): المعرى، في (ب): المقرى وفي النسخة المطبوعة: المصري وهو تحريف. والصواب هو: المقرئ كما في (ب) والطحاوي. وأبو عبد الرحمن المقرئ هو عبد الله بن يزيد المخزومي المدني المقرئ الأعور مولى الأسود بن سفيان من شيوخ مالك، ثقة من السادسة. انظر:"تحرير تقريب التهذيب" 2/ 3713.
(4)
كذا في (أ): "حُيَيَّة" وفي التهذيب (28/ 302) وتحرير تقريب التهذيب 3/ 6808 معمر بن أبي حبيبة (وكذلك عند الطحاوي) ويقال: ابن أبي حُيَيَّة. وفي (ب): حبة، خطأ.
(5)
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه في شرح مشكل الآثار (3965): كان المجامع في أول الإسلام إذا لم ينزل لا يجب عليه الاغتسال، وإنما يكفيه الوضوء، ثم نسخ ذلك بوجوب الاغتسال إذا جاوز الختانُ الختانَ سواء أكان معه إنزال أو لم يكن، والدليل على النسخ قول أبي بن كعب إن الفتيا التي كانوا يفتون: أن الماء من الماء، =
فقام رجلٌ مِن أهل المجلس، فأتى عمرَ فأخبره بذلك، فقال عمر للرجل "اذهبْ أنتَ بنفسك، فأتني به حتَّى تكونَ أنت الشاهدَ عليه" فذهب فجاءَه به، وعند عمرَ ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عليُّ بن أبي طالب ومعاذُ بن جبل، فقال له عمر: أي
(1)
عُدي نفسه تفتي الناسَ بهذا؟ " فقال زيد: "أما والله ما ابتدعتُه ولكن سمعتُه مِن أعمامي رفاعةَ بن رافع ومن أبي أيوب الأنصاري.
فقال عمر لمن عنده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون"؟ فاختلفوا عليه فقال عمر: "يا عبادَ اللهِ قد اختلفتُم
(2)
وأنْتُم أهلُ بدرٍ الأخيار " فقال له علي: "فأرسل إلى أزواج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فإنه إن كان شيءٌ مِن ذلك ظَهَرْنَ عليه" فأرسل إلى حفصة فسأَلها، فقالت: "لا عِلْمَ لي بذلك" ثم أرسل إلى عائشة فقالت: "إذا جاوز الخِتانُ الخِتانَ، فقد وَجَبَ الغسلُ". فقال عُمَرُ عندَ ذلك:"لا أعلم أحدًا فعله، ثم لم يغتسل إلا جعلته نكالًا".
أخرجه مسلم في "الصحيح"
(3)
لكن لم يذكر أن عمر هو السائل، بل ذكر
= كان رخصة في أول الإسلام ثم نهى عنها. وهو حديث صحيح مخرج في ابن حبان (1173) و (1179) بتحقيق الشيخ.
(1)
في (أ): أم عدّى نفسه وفي (ب): أم عديّ، خطأ، وفي الطحاوي: أنت عدو نفسك؛ أي: يا عدو نفسه.
(2)
عند الطحاوي بدلًا من "قد اختلفتم" وردت: فمن أسأل بعدكم.
(3)
أخرجه مسلم في الحيض باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين (785) ودوامه: فأُذِن لي، فقلت لها: يا أماه - أو يا أم المؤمنين - إني أريد أن أسألك عن شيء وإني استحييكِ، فقالت لا تستحِ أن تسألني عما كنت سائلًا عنه =
عن أبي موسى الأشعري قال: اختلف رهطٌ من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون: "لا يَجِبُ الغسلُ إلا من
(1)
الدفقِ أو مِن الماء". وقال المهاجرون: "بل إذا خالط، فقد رجب الغسل". فقال أبو موسى:"أنا أَشْفِيكُمْ مِن ذلك" فقمتُ فاستأذنتُ على عائشة .. الحديث بنحو
(2)
ما سبق
(3)
وقالت: "إذا جاوز الختانُ الختانَ، فقد وجب الغسلُ" فقال أبو موسى: "لا أسألُ عن هذا أحدًا بعدَك"
(4)
.
قال أبو عمر بنُ عبد البر: هذا وإن لم يكن مسندًا بظاهره، فإنه يدْخُلُ في المسند
(5)
. . ثم قال: وقد روى حديثَها هذا عنها مسندًا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثم
= أمك التي ولدَتكَ، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطتَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شُعَبِها الأربع ومَسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل.
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: في وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) ومسلم.
(2)
أثبتناه من (ب).
(3)
قلت الوجه أن يذكر هذا الحديث إما في استدراكها على زيد بن ثابت وإما في استدراكها على أبي موسى الأشعري، لأن عمر ليس إلا مستثبتًا، والسيدة عائشة استدركت على فتوى زيد وأجابت لسؤال أبي موسى الأشعري.
(4)
من قولها: "وقالت إذا جاوز" .. إلى "لا أسأل عن هذا أحدًا بعدك" لم يرد في رواية مسلم، وجدناه في الموطأ في الطهارة باب واجب الغسل إذا التقى الختانان 73، ص 46 وفي مُسند الشافعي 1/ 158 وفي مصنف عبد الرزاق (1/ 954) عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب بزيادة كلمة "أبدًا" في آخره.
(5)
في الاستذكار (3/ 2853) زيادة بعد هذا: بالمعنى والنظر. لأنَّهُ محال أن ترى عائشة نفسها حجة على غيرها من الصحابة في حين تنازعهم واختلافهم في هذه المسألة النازلة بينهم ومحال أن يسلم أبو موسى لعائشة قولها من رأيها في مَسْألَة قد خالفها فيها من الصحابة غيرها برأيها، لأن كل واحد منهم ليس حجة على صاحبه عند التنازع في الرأي، فلم يبق إلا أن تسليم أبي موسى لها كان لعلمه أن ما احتجت به كان عن رسول الله. انظر أيضًا "التمهيد"(23/ 507) له.
ذكره إلى أبي موسى، عن عائشة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا التقى الختانان وَجَبَ الغسل"
(1)
.
وقد نازعه الشيخُ الإمامُ عزُّ الدين بنُ عبد السلام رحمه الله فيما وجدتُه بخط بعضِ تلامذته وقال: "ليس ما ذكره أبو عنه عمر أولًا وهو قولُه "إذا جاوزَ" هو ما ذكره. ثانيًا
(2)
من قوله: "إذا التقى الختانانِ" فكيف يَصِحُّ منه أن يقول وقد روى حديثها هذا، ويُشير إلى ما اشترطت فيه المجاوزة، ولم يذكر ما لم يشترط فيه المجاوزة. فيجبُ أن يُحمل قولُ عائشة:"إذا جاوز" على حكايةِ فعلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على قولِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بدليل قولها لما سمعت قضاءَ علي للمهاجرين بإيجاب الغسل من التقاء الختانين: ربما فعلنا ذلك أنا ورسول الله فقمنا واغتسلنا"
(3)
ولا يُحمل فعلها إلا على الجماع الكاملِ، لا
(1)
أخرجه ابن حبان (3/ 1183) عن هشام عن حميد عن أبي بردة عن أبي موسى عن عائشة، إسناده صحيح.
وأخرجه الطبراني في معجمه الأوسط (7/ 7119) وقال: لم يرو هذا الحديث عن أبي بردة إلا حميد بن هلال ولا عن حميد إلا هشام ولا عن هشام إلا الأنصاري.
وأخرج الحديث من جهة عبد العزيز بن النعمان عن عائشة أحمد في "المسند"(26025) وعبد الرزاق عن عطاء (945)، وابن أبي شيبة عن علي (933) ومسروق (935) وابن ماجه عن القاسم بن محمد عن عائشة بهذا اللفظ (608).
(2)
في (ب): ثابتًا.
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: "ولما فعلنا ذلك بإذن رسول الله تيممنا واغتسلنا" وهو تحريف فاحش. والصواب ما أثبتناه من كل من (أ) و (ب) ومصنف عبد الرزاق (1/ 955) ولفظه: عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني من سمع أبا جعفر يقول: كان المهاجرون يأمرون بالغسل، وكانت الأنصار يقولون: الماء من الماء، فمن يفصل بين هؤلاء؟! وقال المهاجرون: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل، فحكَّموا بينهم علي بن أبي طالب فاختصموا إليه فقال: أرأيتم لو رأيتم رجلًا يدخل ويخرج أيجب عليه الحد؟ قال: فيوجب الحد ولا يوجب عليه صاعًا من ماء؟ فقضى للمهاجرين، فبلغ ذلك عائشة فقالت: ربما فعلنا ذلك أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا واغتسلنا. =
على مجرد التقاء الختانين، لبُعد ذلك. ولعل جميعَ ما ذكر عَن المهاجرين مِن الصحابة كابنِ عمر وعلي وغيرهم في قول كل واحد منهم:"إذا جاوز الخِتانُ الخِتانَ" نقلًا من كل منهم لما ذَكَرَتْهُ عائشةُ حاكيةً عن الفعل المذكور، لا عن القول. وكذلك قولُها لأبي سلَمة لما سألها: ما يوجبُ الغسل؟ فقالت: "يا أبا سلمة مَثَلُكَ مَثَلُ الفروجِ يسمعُ الديكَة تصرخ، فيصرخ معها، إذا جاوز الختانُ الختان، فقد وجبَ الغسل"
(1)
وإن لم يُحمل قولها على حكايةِ الفعل، وقولُ الصحابة على حكاية قولها، أدى إلى إلغائه بالكليةِ لثبوتِ الرواياتِ الصحيحةِ عنه صلى الله عليه وسلم في قوله:"إذا التقى الختانانِ، فقد وَجَبَ الغسلُ" ولمخالفة اشتراط المجاوزة لإجماع العلماء
(2)
. اهـ.
وقد تكلمتُ على علل هذا الحديث، ومتابعة غير عائشة على رواية هذا عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غيرهَا من الصحابة في الثالث من باب الغسل من "الذهب الإبريز في تخريج أحاديث فتح العزيز".
(1)
أخرجه مالك في الطهارة باب واجب الغسل إذا التقى الختانان برقم 72، ص 46 عن أبي سملة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سألت عائشة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ما يوجب الغسل؟ فقالت: هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفروج، يسمع الديكة تصرُخُ فيصرخ معها. إذا جاوز الختان الختان فقد رجب الغسل. وأخرجه البيهقي في "السنن" 1/ 166.
(2)
قال النووي في شرحه 4/ 36: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال وعلى وجوبه بالإنزال. وكان جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين. وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" 1/ 221: (والحديث) ورد بلفظ المجاوزة وبلفظ الملاقاة وبلفظ الملامسة وبلفظ الإلزاق، والمراد بالملاقاة المحاذاة قال القاضي أبو بكر: إذا غابت الحشفة في الفرج فقد وقعت الملاقاة. قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي حاكيًا عن ابن العربي: وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة وإنما هو من باب المجاز والكناية عن الشيء بما بينه وبينه ملابسة أو مقاربة وهو ظاهر.
الحديث الثالث:
قال الحافظ أبو بكر البزار في "مسنده"
(1)
: حَدَّثَنَا عمرو بنُ علي، حَدَّثَنَا أبو داود، قال: حَدَّثَنَا محمدُ بن أبي حُميد: قال حَدَّثَنَا عبد الله بن عمرو بن أمية، عن أبيه:
"أن عمر أتى عليه في السُّوق وهو يسوم بِمِرْطٍ فقال: "ما هذا يا عمرو؟ " قال: "مِرْطٌ أشتريه فأتصدقُ به" فقال له: فأنتَ أنتَ إذًا" ثم أتى عليه بعد، فقال:"يا عمرو ما صنع المِرْطُ؟ " قال: "تصدقتُ به" قال: "على مَنْ؟ " قال: "على رفيقة مُزَيْنَةٍ"
(2)
قال: "أليسَ زعمتَ أنك تَصَدَّقُ به؟ " قال: "بلى، ولكني سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أعطيتموهن مِن شيءٍ، فهو لكم صدقة". فقال عمر: "يا عمرو لا تكْذِبْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقال: والله لا أُفارِقُك حتَّى نأتي أُمّ المؤمنين عائشة" فقال يا عمرو: "لا تكْذِبْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم " فاستأْذنوا على عائشةَ، فقال عمرو: "أنشدكِ الله أسمعتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أعطيتموهن، فهو لكم صدقةٌ" فقالت:
(1)
أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 324 وفي "كشف الأستار"(1507).
(2)
كذا في (ب)، وفي (أ) مزنية، وفي النسخة المطبوعة رقيقة مزنية وهو خطأ. وفي مجمع الزوائد 4/ 324 - 325: رفيقة مُرَيَّة، وفي مسند الطيالسي (1364): على الرفيقة قال: ومن الرفيقة؟ قال: امرأتي. وفي رواية عند البيهقي 4/ 178: فدفعه إلى أهله. والمُزَيْنَة: السحابة البيضاء ولعله شبه بذلك لبياضها. وعمرو بن أمية اشتراه وكساه امرأته سُخَيْلةَ بنت عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، انظر صحيح ابن حبان (4237)، وأبو يعلى 12/ 299، وانظر لتخريج الأحاديث في مسند أحمد (17617).
"اللهم نعم، اللهم نَعَمْ" فقال عمر: "أينَ كُنْتَ عن هذا؟ ألهاني الصفقُ بالأسواق".
ومحمد بن أبي حميد ضعيف
(1)
.
الحديث الرابع:
أخرجه البيهقيُّ في "سننه" عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر:
سمعتُ عمر يقول: "إذا رميتُم وحلقتُم، فقد حلَّ لكم كُلُّ شيءٍ إلا النساءَ والطيبَ" قال سالم: وقالت عائشةٌ: "كل شيءٍ إلا النساء، أنا طيبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لحِلِّه".
ثم أخرج عن ابن عيينة عن عمرو عن سالم قال: قالت عائشة: "أنا طيبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لحِلِّه وإحرامه" قال سالم: "وسنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن تتبع"
(2)
.
وقد أخرج الشيخان
(3)
عن القاسم، عنها قالت:"طيّبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم [بيدي] لِحُرْمِهِ حين أحرم، ولحِله حين حَلَّ قبلَ أن يطوفَ بالبيت".
(1)
قال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال البخاري منكر الحديث، وضعفه النسائي وأبو زرعة والجوزجاني وأبو حاتم، وقال ابن عدي: ضعفه بيَّن على ما يرويه وحديثه متقارب وهو مع ضعفه يكتب حديثه، مختصر من تهذيب الكمال في ترجمة محمد بن أبي حميد.
(2)
في "السنن" 5/ 135 - 136 ولفظه: إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات وذبحتم وحلقتم.
(3)
أخرجه البخاري في الحج باب الطيب عند الإحرام (1539) و (1754) و (5922)(5928)(5930) ومسلم في الحج باب استحباب الطيب قبيل الإحرام في البدن (2825)(2826) و (2827) ولفظ المؤلف لمسلم وفيه: طيَّبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، كلمة يدي سقطت في كل من (أ) و (ب).
وقد تابعها على ذلك ابن عباس فيما أخرجه البيهقي
(1)
أيضًا مِن جهة الثوري، عن سلمة، عن الحسن العُرني.
عن ابن عباس قال: "إذا رميتُم الجمرة، فقد حلَّ لكم كُلُّ شيءٍ إلا النساء حتَّى تطوفوا بالبيتِ" فقال رجل: "والطيب يا أبا العباس" فقال له: "إني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضمخ رأسه بالسُّك
(2)
، أوَ طيبٌ هو أم لا؟ ".
الحديث الخامس:
قال البزار في "مسنده"
(3)
: حَدَّثَنَا إبراهيمُ بنُ الجنيد، قال: حدثني عبد الرحيم بنُ مُطَرِّفٍ، قال حدثني عيسى بنُ يونس عن إبراهيمَ بن يزيد
(4)
، عن محمدِ بن عباد بن جعفر عن ابن عمر
(5)
، قال:
"أقبلنا مع عمر حتَّى إذا كنا بذي الحُليفة أهلَّ وأهللنا، فمرَّ بنا راكب يَنْفَحُ عنه رِيحُ الطيبِ، فقال عمر: "مَن هذا؟ " قالوا: "معاوية" فقال: "ما هذا يا معاوية؟ " قال: "مررت بأُمِّ حبيبة بنتِ أبي سفيان،
(1)
في "السنن" 5/ 136 وفيه: إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان عليكم حرامًا إلا النساء.
(2)
في (ب) والنسخة المطبوعة: بالمسك، أثبتناه من (أ) والبيهقي وهو الصحيح.
(3)
انظر: "البحر الزخار"(1/ 182)، و"مجمع الزوائد" 3/ 218، و "كشف الأستار" (2/ 2090) قال الهيثمي: وإسناد البزار متّصل إلا أن فيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك.
(4)
في (ب): زيد، خطأ.
(5)
سقطت "عن ابن عمر" في كل من (أ) و (ب) ومن النسخة المطبوعة، استدركناه من "البحر الزخار".
فَفَعَلَتْ بي هذا" قال: "ارجع فاغسِلْهُ عنك فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحاجُ الشَّعِثُ التَّفِلُ".
قال البزار
(1)
: "لا نعلم له إسنادًا عن عمر إلا هذا، وإبراهيم بن يزيد ليس بالقوي، وقد حدث عنه سفيان الثوري وجماعة كثيرة" اهـ.
قلت: ورواه مالك
(2)
في "الموطأ"
(3)
عن نافع، عن أسلم مولى عمر أن عمر به
(4)
.
وأخرجه البيهقي في "سننه"
(5)
عن شعيب، عن الزهري قال:"وكان ابن عمر يحدث عن عمر: أنه وجد مِن معاوية ريحَ طيب وهو بذي الحُليْفَة وهم حجاج فقال عمر: "ممَّن رِيحُ هذا الطيب؟ " قال: "شيء
(6)
طيبتني أُمُّ حبيبة" فقال: "لعمري أُقسم بالله لَتَرجِعَنَّ إليها حتَّى تغسله، فوالله لأن أجِدَ مِنَ المحرم ريحَ القَطِرانِ أحبُّ إليَّ مِن أن أجد منه ريحَ الطيب".
قال البيهقي: "يحتمل أنه لم يبلغه حديث عائشة، أو كره ذلك لئلا يغتر به
(1)
حذف المؤلف قول البزار هذا: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن عمر".
(2)
سقطت "مالك" من النسخة المطبوعة، أثبتناه من (أ) و (ب).
(3)
أخرجه مالك في الحج باب ما جاء في الطيب في الحج برقم 19، ص 329 ولفظه ينتهي بقول عمر:"عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه" وليس فيه "الحاج الشعث التفل".
(4)
أي حدَّث بهذا الحديث.
(5)
في "السنن" 5/ 35.
(6)
وقع في النسخة المطبوعة: مني وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) والبيهقي.
الجاهلُ، فيتوهم أن ابتداءَ
(1)
الطيب يجوزُ للمحرم، كما قال لطلحة
(2)
في الثوب الممشَّقِ"
(3)
اهـ.
وذكره الحازمي في ناسخه
(4)
ثم قال: "ولم يبلغ عُمَرَ حديثُ عائشة يعني: طيبت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأصبح وإن وَبِيصَ المِسْكِ في مَفَارِقِهِ
(5)
قال: "ولو بلغه، لرجع إليه، وإذا لم يبلغه، فسنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع" اهـ. ولهذا ذكرت هذا في المستدركات وحديث عائشة مُقَدَّمٌ لا محالةَ، لأنّها نقلتِ النصَّ، وعمر رضي الله عنه إنما منع استدامة الطيب
(6)
بالاستنباطِ من قوله صلى الله عليه وسلم "الحاج الشَّعِثُ التفل" وسيأتي إنكارُها على ابن عمر مثل ذلك.
(1)
وقع في (أ) والنسخة المطبوعة: انتداء وهو تحريف، أثبتناه من (ب) والبيهقي.
(2)
وقع في (أ) و (ب) والنسخة المطبوعة: كما قال طلحة وهو تحريف. والصواب: كما قال لطلحة كما أخرجه مالك في الحج باب لبس الثياب المصبغة في الإحرام برقم 10، ص 326 عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبد الله ثوبًا مصبوغًا وهو محرم. فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة يا أمير المؤمنين إنما هو مَدَرٌ، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس. فلو أن رجلًا جاهلًا رأى هذا الثوب لَقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئًا من هذه الثياب المصبغة، وهكذا عند البيهقي 5/ 35.
(3)
"السنن" 5/ 35.
(4)
انظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" للحازمي، ص 227.
(5)
أخرجه مسلم في الحج باب استحباب الطيب قبيل الإحرام في البدن (2832 - 2839) وأحمد في المسند (24934) و (25522) و (25527) و (25528) و (24983) و (24966) و (24111) و (24107). وأقرب لفظ عند مسلم (2839).
كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
(6)
وقع في النسخة المطبوعة: التطيب وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
الحديث السادس:
قال البزار
(1)
أيضًا: حَدَّثَنَا عليُّ بنُ نصر ومحمدُ بنُ معمر واللفظُ له، قالا حَدَّثَنَا وهبُ بنُ جرير، حَدَّثَنَا شُعبة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبزى
(2)
:
أن عمر كبَّر على زينب بنت جحش أربعًا، ثم أرسل إلى أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"من يُدخل هذه قبرها؟ " فقلن: "من كان يَدْخُلُ عليها في حياتها" ثم قال عمر: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أسرعُكُنَّ بي لُحوقًا أطولُكُن يدًا" فكُنَّ يتطاولن بأيديهنَّ وإنما كان ذلك لأنّها
(3)
كانت صَناعًا
(4)
تُعِينُ بما تصنعُ في سبيل الله
(5)
.
(1)
في "البحر الزخار"(1/ 241) و "مجمع الزوائد" 9/ 248 ورجاله رجال الصحيح.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: أبي بكر وهو تحريف واضح. أثبتناه من (أ) و (ب) وهو عبد الرحمن بن أبزى كما في البزار و الجرح والتعديل 5/ 209.
(3)
في (أ) إنما كانت، وفي النسخة المطبوعة:[وإنما عنى] أنها كانت، في (ب): إنها كانت، استدركناه من البحر الزخار.
(4)
قال ابن الأثير في "النهاية" 3/ 56: يقال رجل صَنعٌ وامرأة صناعٌ إذا كان لهما صنعة يعملانها بأيديهما ويكسبان بها.
(5)
أخرج نحوه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل زينب أم المؤمنين (6316)، والنسائي في الزكاة باب فضل الصدقة (2542)، والبخاري في الزكاة (1420)، وأحمد (24899) على وهم في ذكر سودة بدلًا من زينب عند البخاري والنسائي وأحمد وآخرين كما أشار إليه النووي 16/ 9. انظر تمام تخريجه في "المسند" (24899). والصواب أنها زينب. انظر أيضًا في "الحلية" لأبي نعيم 2/ 54 أخرجه مطولًا.
قال البزار: "وهذا الحديث قد رُوي عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من وجوه، ولا نعلم رواه أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
أجلُّ مِن عمر. وقد رواه غيرُ واحد عن إسماعيل، عن الشعبي مرسلًا وأسنده شعبة" وقوله: ثم أرسل إلى أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعائشة داخلة في هذا
(2)
العموم فلهذا ذكرناه في هذا الباب. اهـ.
الحديث السابع:
روى مسلم
(3)
عن أنس قال:
"كان عُمَرُ يَضْرِبُ الأيدي على صلاةٍ بعدَ العصرِ".
وأخرج
(4)
أيضًا عن طاووس عن عائشة قالت: "وَهِمَ عمر، إنما نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُتحرى طلوع الشمس وغروبها". قال ابن عبد البر
(5)
: وبقولِ عائشة قال ابن عمر وغيرُه، وهو مذهب زيد بن خالد الجهني أيضًا، لأنَّهُ رآه عُمَرُ بنُ الخطاب يركعُ بعد العصرِ ركعتين، فمشى إليه وضربه بالدِّرَّةِ، فقال له زيدٌ:"يا أميرَ المؤمنين اضربْ فواللهِ لا أدَعُهُما بعدَ أن رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما" فقال له عمر: "يا زيدُ لولا أني أخشى أن يتخذها الناسُ سلمًا إلى الصلاة حتَّى الليل لم أضْربْ فيهما"
(6)
.
(1)
"أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أثبتناه من مسند البزار.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة كما كانت في (أ): وأصله في العموم، أثبتناه من (ب).
(3)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب (1938).
(4)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها (1931).
(5)
انظر في "الاستذكار"(1/ 1046)، و "التمهيد" 13/ 32 - 35.
(6)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنّف"(2/ 3972)، وأحمد في "المسند"(17036) والدارمي نحوه في "السنن" ص 126، والهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 223، والبيهقي في "السنن" 2/ 453.
الحديث الثامن:
قال البيهقي في "شعب الإيمان"
(1)
: أخبرنا أبو زكريا بنُ أبي إسحاق، حَدَّثَنَا أبو العباس الأصمُّ، حَدَّثَنَا بحر بن نصر
(2)
حَدَّثَنَا ابن وهب: أخبرني ابن لَهِيعة، عن عُبيد الله بن أبي جعفر.
أن عمر بن الخطاب قال: "لا يَحِلُّ للمؤمن أن يَدْخُلَ الحمامَ إلا بمنديلٍ ولا مؤمنةٌ إلا مِنْ سَقَمٍ، فإني سمعتُ عائشة تقول: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيُّما امرأةٍ وضعت خِمارها في غير بيتِها، فقد هَتَكَتِ الحِجَابَ فيما بَيْنَها وبَيْنَ ربها"
(3)
. قال: وهو منقطع
(4)
.
(1)
في (6/ 7776). وأخرج الديلمي في "الفردوس"(5/ 7997) عن أبي هريرة: لا تدخل المرأة الحمام بمنديل ولا بغير منديل. وأخرج الترمذي في باب ما جاء في دخول الحمام (2801) عن جابر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخَر فلا يدخل خليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يدخل الحمام بغير إزار .. وقال الترمذي حديث حسن غريب. وأخرج القسم الأخير النسائي في الغسل باب الرخصة في دخول الحمام (401) وأخرج أبو داود في الحمام باب الدخول في الحمام (4009) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول الحمامات، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر، وفي رقم (4011) عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بأُزر وامنعوا النساء إلا مريضة أو نفساء. أخرجه ابن ماجه في الأدب باب دخول الحمام (3748).
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: يحيى بن نصر وهو تحريف. والصواب كما أثبتناه من (أ) و (ب) وشعب الإيمان وهو مترجم في "تهذيب الكمال" 4/ 16، و "الجرح والتعديل"(3/ 1660).
(3)
قد ورد القسم الأخير في السنن والمسانيد بألفاظ متقاربة كما أخرجه أحمد في المسند (35407) وفيه تمام تخريجه و (25627)، (26305)، (27038)(24140) وفيه التخريج أيضًا.
(4)
هذا الحديث لا يصح لانقطاعه، لأن عبيد الله بن أبي جعفر لم يدرك عمر.
استدراكها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه
روى أبو منصور البغدادي في كتابه
(1)
، حَدَّثَنَا الحسن بن محمد بن الحسن الخلال إجازةً قال: حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ إبراهيم بن شاذان قال: حَدَّثَنَا عبدُ الغافر بن سلامة الحمصي، قال: حَدَّثَنَا يحيى بنُ عثمان بن كثير، قال: حَدَّثَنَا محمد بن حِمْيَر
(2)
قال: حدثني ابن أبي مريم، عن عبدة بن أبي لبابة عن محمد الخزاعي:
أن أُبيَّ بن كعب أتى عائشةَ زوجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لها: إن عَليَّ بنَ أبي طالب يقول: "ما أُبالي على ظهرِ حمارٍ مسحتُ أم على التساخين"
(3)
قالت عائشة: "ارْجِعْ إليه، فقل له: إن عائشة تنشدُك:
(1)
وقع في (أ) كلمة مطموسة لم نتبينها ووقع في النسخة المطبوعة: كفايته وهو تحريف. أثبتناه من (ب). وقد نقل المؤلف عن كتاب البغدادي هذا في مواضع متعددة وفي بعضها قال: ذكرها أبو منصور في كتابه كما مر بنا في ص 145، وفي بعضها قال: قال أبو منصور البغدادي في استدراكه كما وقعت بعد الحديث السابع من استدراكها على عمر بن الخطاب ثم شطب نقله منه فأخرج رواية مسلم. وقد ذُكِر اسم هذا الكتاب في ملحق وقع تحت عنوان "الإجابة" على الغلاف في (ب) وقال: أصل هذا التصنيف للأستاذ الجليل أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي بن طاهر البغدادي الفقيه المحدث المشهور رأيته في مجلدة لطيفة سماها: "رد العقول الطائشة بذكر ما استدركته عائشة" وجملة ما فيه من الأحاديث خمسة وعشرون حديثًا.
(2)
وقع في (أ) و (ب): جبير، ووقع في النسخة المطبوعة: خير وهو تحريف، والصواب محمد بن حِمْيَر بن أنيس القضائي وهو مترجم في "تهذيب الكمال" 25/ 119. أخرج الطبراني في مسند الشاميين (1503) نحوه بهذا الإسناد. وهذا إسناد ضعيف بضعف أبي بكر بن أبي مريم.
(3)
في (أ) و (ب): التساخيم وهو خطأ أو سبق قلم قد أثبته الأفغاني بدون إشارة إلى ذلك. أخرج ابن أبي شيبة في "المصنّف"(1/ 1952) عن أبي هريرة قال: ما أبالي على ظهر خفي مسحت أو على ظهر حمار. وعن ابن عباس: ما أبالي مسحت على الخفين أو مسحت على ظهر بختي هذا. (1/ 1949). =
هل علمتَ ما عمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد تنزيلِ سورةِ المائدة"؟ فأتاه فسأله عن ذلك، فقال: "إن عائشة أخبرتني أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت سورة المائدة، لم يزد على المسح على التساخين". فلما أخبره ذلك، انتهى إلى قول عائشة وعمل به. اهـ.
في إسناده من يجهل، والتساخين الخفاف
(1)
قال ثعلب
(2)
: "لا واحد لها، وهذا الحديثُ لا يصح، فإن مسلمًا روى في صحيحا
(3)
عن شريح بن
= قال أبو الفرج بن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 206: قد صح عن علي رضي الله عنه حديث المسح وما ذكروه عنه لا يصح وكذلك ما رووا عن ابن عباس ولو صح فجرير أعلم بحال نفسه وقد ذكرنا أنه روى المسح وقال أسلمت بعد المائدة.
انظر مصنف ابن أبي شيبة (1/ 1857 - 1858). وكتاب التَّمييز لمسلم (1/ 89) أيضًا.
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: التجفاف، وفسره الأستاذ سعيد الأفغاني رحمه الله التجفاف: الدرع يترك على الفرس يقيه الأذى، وقد يلبسه الإنسان. وهو خطأ قبيح لا يصح صدوره من مثله وجاء على الصواب في الأصل الذي اعتمده وكذلك في (ب).
قال ابن الأثير في "النهاية" 1/ 189 و 3/ 352: التساخين: الخفاف ولا واحد لها من لفظها. وقال كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوها.
وجواز المسح على التساخين أي الجوارب ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان عند أحمد برقم (22383) وأبي داود (146) ولفظه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وشكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين انظر تمام تخريجه إلى المسند.
(2)
هو العلامة المحدث، إمام النحو، أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم البغدادي، المتوفى سنة 291 هـ، صاحب "الفصيح" والتصانيف.
انظر: "السير"(1/ 14) و "تذكرة الحفاظ" 3/ 666.
(3)
أخرجه مسلم في الطهارة باب التوقيت في المسح على الخفين (639).
هانئ قال: أتيتُ عائشة أسألها عن المسحِ على الخفين فقالت: "عليك بابنِ أبي طالب، فَسَلهُ، فإنه كان يُسافرُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" فسألناه فقال: "جعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أيامٍ ولياليهن للمسافِرِ، ويومًا وليلةً للمقيم".
ورواه النسائي
(1)
مِن حديث عائشةَ عن شريح قال: سألت عائشةَ: عن المسح على الخفين، فقالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يَمْسَحَ المقيمُ يومًا وليلة والمسافرُ ثلاثًا".
فائدة:
روى الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل
(2)
في كتاب الوصايا من "المسند": حَدَّثَنَا ابن عُلية، عن ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود قال:
ذكِرَ عندَ عائشة أن عليًا كان وصيًا، فقالت:"متى أوصى إليه؟ لقد كنت مُسْنِدَتَهُ في حِجري فانخنَثَ فماتَ، فمتى أوصى إليه"؟
(3)
وأخرج مِن جهةِ مَسْروقٍ عنها، قالت:"ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء"
(4)
.
(1)
أخرجه النسائي في الطهارة باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم (129) وفيه أيضًا قولها: ائت عليًا فإنه أعلم بذلك مني فأتيت عليًا فسألته عن المسح فقال. . واختصره المؤلف.
(2)
هو الإمام الحافظ شيخ المحدثين الأثبات أبو عاصم الضحاك بن مَخْلد بن الضحاك الشيباني، مولاهم، ويقال من أنفسهم، البصري المتوفى سنة 212 هـ. انظر:"السير"(9/ 178).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (24039)، وهو عند البخاري (2741) و (4459)، ومسلم (4231). ومعنى خنث: أي انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت.
(4)
ويؤيد هذا الحديث حديث البخاري (6915)، وأحمد في "مسنده" (599) من طريق أبي جُحَيْفة وهب بن عبد الله صحابي مشهور بكنيته صحب عليًا وسماه وهب الخير. قال: سألنا عليًا: هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء بعد القرآن؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النَّسْمَة إلا فهم يؤتيه الله عز وجل رجلًا في القرآن.
وعن أرقم بن شُرَحْبيل، عن ابن عباس مثله
(1)
.
[وقد] أخرج مسلم عن الأسود بن يزيد قال: ذكروا عندَ عائشة أن عليًا كان وصيًا، فقالت: متى أوصى إليه؟ فقد كنتُ مسنِدَته إلى صدري - أو قالت حِجري - فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري وما شعَرت أنه ماتَ، فمتى أوصى إليه؟
(2)
استدراكها على عبد الله بن عباس
الحديث الأول:
أخرج البخاري
(3)
ومسلم
(4)
كلاهما من طريق عَمْرَةَ بنتِ عبدِ الرحمن، أن زياد بن أبي سفيان
(5)
كتب إلى عائشة:
(1)
أخرج الإمام أحمد في المسند (3355) حديثًا طويلًا عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه في بيت عائشة ثم ساق حديثًا برقم (3356) عن الأرقام بن شرحبيل قال: سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى الشام فسألته أوصى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ فذكر معناه وقال: ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة حتَّى ثقل جدًّا فخرج يهادي بين رجلين وأن رجليه لتخطان في الأرض فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوصِ.
(2)
أخرجه مسلم في الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه (4230). علمًا بأن هذا الحديث أورده المؤلف بعد استدراكها الاستنجاء بالماء بدون عنوان ولذلك رأينا ذكره في هذا الباب.
(3)
أخرجه البخاري في الحج باب من قلد القلائد بيده (1700).
(4)
أخرجه مسلم في الحج باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه (3205).
(5)
قال الحافظ: كذا وقع في الموطأ وكان شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية، وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادًا على فراشه فكان ينسب إليه، فلما كان في خلافة معاوية شهد =
"أن عبد الله بن عباس قال: "من أهدى هديًا، حَرُمَ عليه ما يَحْرُمُ على الحاج حتَّى يُنْحَرَ الهدي". وقد بعثت بهديي وقد بعثت بهديي فاكتبي إلي
(1)
بأَمرك". قالت عمرة: قالت عائشة: "ليس كما قال ابن عَبَّاس، أنا فتلت قلائدَ هدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلَّدها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم بعث بها مع أبي بكر
(2)
، فلم يُحْرَمُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ أحله الله له حتَّى نُحِرَ الهدي".
وترجم عليه البخاري: (باب من قلد القلائدَ بيده) ولم يذكر فيه (وقد بعثثُ بهديي فاكتبي إليَّ بأمرك).
قال الحافظ أبو الحجاج المزي
(3)
ومِن خطه نقلت: "هكذا وقع في كتاب مسلم "أن ابنَ زياد" ووقع في جميع الموطئات
(4)
: "أن زياد بن أبي سفيان" كما وقع في البخاري.
= جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادًا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوج ابنه ابنته وأمر زيادًا على العراقيين البصرة والكوفة جمعهما له ومات في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين. انظر "فتح الباري" 3/ (1700). وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" 9/ 72: "إن ابن زياد" هكذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم: أن ابن زياد قال أبو علي الغساني والمازري والقاضي عياض وجميع المتكلمين على صحيح مسلم: هذا غلط وصوابه أن زياد بن أبي سفيان وهو المعروف بزياد بن أبيه وهكذا وقع على الصواب في صحيح البخاري والموطأ وسنن أبي داود وغيرها من الكتب المعتمدة، ولأن ابن زياد لم يدرك عائشة.
(1)
وقع في (أ) والنسخة المطبوعة: لي وهو خطأ، أثبتناه من (ب) ومسلم.
(2)
في: (ب) مع أبي بكر. ولفظ مسلم: مع أبي.
(3)
وقع في (أ) و (ب): المياسي، ولا نعلم حافظًا ولا عالمًا بهذه الكنية والنسبة. وزعمنا أنه أبو الحجاج المزي.
(4)
انظر: رواية يحيى بن يحيى ص 340، ورواية محمد الشيباني ص 138 - 139 برقم (298).
وأخرج البيهقي في "سننه"
(1)
عن شُعيب قال: قال الزهري: أول من كشف الغُمّى عن الناس، وبيَّن لهم السنة في ذلك عائشة رضي الله عنها: فأخبرني عروة وعمرة أن عائشة قالت: "إن
(2)
كنت لأفْتِلُ قلائدَ هدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيبعث بهديه مقلَّدًا وهو مقيمٌ بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئًا حتَّى ينحر هديه" فلما بلغ الناس قولَ عائشة هذا، أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس. قال البيهقي
(3)
: روى في روى في هذا المعنى مسروق والأسود عن عائشة.
فإن قيل: فقد روي عن جابر خلاف ذلك، قال الطحاوي في "معاني الآثار"
(4)
: حَدَّثَنَا ربيع المؤذن: حَدَّثَنَا أسد بن موسى حَدَّثَنَا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر عن جابر بن عبد الله قال: كنتُ عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جالسًا، فقد قميصه من جيبه حتَّى أخرجه مِن رجليه، فنظر القومُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال:"إني أمرت ببُدني التي بعثتُ بها أن تُقلد اليومَ وتُشعر على مكان كذا وكذا، فلبست قميصي ونسيت، فلم أكن لأُخرج قميصي مِن رأسي"
(5)
. وكان بعث ببُدنه وأقام بالمدينة. فالجواب أن هذا حديث ضعيف لا يُقاوم هذا الصحيح. قال البخاري
(6)
: "عبد الرحمن بن عطاء فيه نظر" وقال الطحاوي: "قد تواتر الآثار عن عائشةَ بما لم تتواتَرْ عن غيرها بما يُخالف حديث جابر، وحديثُ عائشة إسنادُه صحيح بلا خلاف بين أهل العلم، ومعه النظر والمعنى.
(1)
في 5/ 234 ولفظه: أول من كشف العمى عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: إني وهو خطأ، أثبتناه من (أ) و (ب) والبيهقي.
(3)
في 5/ 234 من "السنن".
(4)
في "شرح معاني الآثار" 2/ 266.
(5)
وعند الطحاوي: من رأسي. في (أ) و (ب): ورائي وهو تحريف.
(6)
في "التاريخ الكبير"(5/ 1070).
قلت: ومما يضعف حديثَ جابر حديثَ يعلى بن مرة أن
(1)
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر صاحب الجبة إلا بنزعها
(2)
.
وروى الطحاوي
(3)
عن يونس، حَدَّثَنَا ابن وهب أن مالكًا حدثه، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيمَ التيمي،
عن ربيعة بن عبد الله بن الهُديْرِ أنه رأى رجلًا متجردًا بالعراق قال: فسألتُ الناسَ عنه فقالوا: "أمر بهديه أن يُقلد، فلذلك تجرد" قال ربيعة: "فلقيت عبدَ الله بن الزبير، فقال: "بدعةٌ وربُّ الكعبة" قال: ولا يجوزَ عندنا أن يكون ابن الزبير يَحْلِفُ على ذلك: إنه بدعة إلا وقد علم
(4)
السنةَ خلاف ذلك.
الحديث الثاني:
أخرج مسلم
(5)
عن ابن جريج أخبرني عطاء قال:
كان ابن عباس يقول: "لا يطوفُ بالبيت حاجٌ ولا غير حاج
(6)
إلا حلَّ" فقلتُ لعطاء: "من أين يقولُ ذلك؟ " قال: من الله تعالى:
(1)
في (أ) و (ب): فإن.
(2)
أخرجه البخاري في الحج باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب (1536) و (1789)، (1847)(4329)، (4985) ومسلم في الحجاج باب ما يبيح للمحرم بحج أو عمرة لبسه وما لا يباح (2798)(2799 - 2802) والنسائي في المناسك باب الجبة في الإحرام (2669)، (2710) وأبو داود في المناسك باب الرجل يحرم في ثيابه (1819) ومالك في الحج ص 328، والحميدي (2/ 790 - 791).
(3)
"شرح معاني الآثار" 2/ 267.
(4)
عند الطحاوي: علم أن السنة خلاف ذلك.
(5)
أخرجه مسلم في الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج (3020)، نقله المؤلف بالمعنى بألفاظ مختلفة، أثبتناه من رواية مسلم.
(6)
وقع في النسخة المطبوعة وكذا في (أ): ولا عن حاج وهو تحريف. أثبتناه من (ب) ومسلم.
{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] قلت: "فإن ذلك
(1)
بعد المُعَرَّف
(2)
"قال: كان ابن عباس يقول: "هو بعد المُعَرَّف وقبله" وكان يأخذ ذلك من أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه
(3)
حين أمرهم أن يحلُّوا في حجة الوداعِ.
قال البيهقي
(4)
: قد قررنا أن فسخ
(5)
الحج كان خاصًّا بهم، فلا يقوى الاستدلال، وقد أنكرت عائشة ذلك، وحكت فعلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أخرجاه في "الصحيحين"
(6)
عن عُروة عن عائشة.
وأنكره عليه ابن عمر أيضًا. أخرجه مسلم
(7)
عن وَبْرَةَ قال: كنت جالسًا عندَ ابن عمر، فجاءَه رجل فقال: "أيصلح أن أطوفَ بالبيتِ قبلَ أن آتيَ
(8)
(1)
من قوله: "ذلك" إلى قوله: "وكان يأخذ" سقط من (ب).
(2)
وقع في (أ) والنسخة المطبوعة: الوقوف وهو تحريف. وفي مسلم: بعد المعرَّف؛ أي بعد شهود عرفة في الحج.
(3)
لفظة "أصحابه" وقعت في (أ) و (ب) وليس في رواية مسلم ولا البيهقي.
(4)
في "السنن" 5/ 78 ولفظه: قال الشيخ: قد روينا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثم عن أبي ذر (5/ 41 ما دل على أن فسخهم الحج بالعمرة كان خاصًّا للركب من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأن غيرهم إذا حجوا أو قرنوا ثم طافوا طواف القدوم لم يحلوا حتَّى يكون يوم النحر فيحلون بما جعل به التحلل والله أعلم.
(5)
وقع في النسخة المطبوعة: إن صح الحج. وهو تحريف. أثبتناه من (أ) و (ب) ومسلم.
(6)
أخرجه البخاري في الحج باب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي (1562) ومسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام (2910 - 2917).
(7)
أخرجه مسلم في الحج باب استحباب طواف القدوم للحج والسعي بعده (2997).
(8)
وقع في (أ) و (ب): آت وهو خطأ.
الموقفَ؟ " فقال: "نعم" قال: فإن ابنَ عباس يقول: "لا تَطُفْ بالبيتِ حتَّى تأتي الموقفَ" فقال ابن عمر: "قد حَجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطافَ بالبيتِ قبلَ أن يأتيَ الموقف، فبقول رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن تأخذ
(1)
أو بقول ابن عباس إن كنت صادقًا؟ ".
الحديث الثالث:
أخرجه البيهقي في "سننه"
(2)
من جهة عبدِ الله بن الوليد العدني: حَدَّثَنَا سفيان عن جابر الجعفي عن أبي الضحى:
أن عبد الملك أو غَيره بعث إلى ابن عباس الأطباء
(3)
على البُرُدِ وقد وقع الماء في عينيه، فقالوا:"تُصلي سبعة أيام مستلقيًا على قفاك"
(4)
فسأل أُم سلمة وعائشة عن ذلك فنهتاه.
قال الذهبي في مختصره: "الجعفي ليسَ بشيءٍ
(5)
وابن عباس كرهه
(6)
تورعًا، والتداوي مشروعٌ". وقال صاحب "الدر النقي"
(7)
: في ذكر عبد الملك
(1)
في (ب) يأخذ خطأ.
(2)
في "السنن (2/ 309).
(3)
في "السنن": بالأطباء.
(4)
كلمة "على قفاك" سقطت من (أ) و (ب) استدركناها من "السنن".
(5)
انظر: "ميزان الاعتدال" 1/ (1426).
(6)
وقع في النسخة المطبوعة كرهه وقال المحقق كأنها في الأصل: تكرهه.
قلت كأنها في (أ) فكرهه، وفي (ب): يكرهه.
(7)
هو الإمام بن الإمام ووالد الإمامين قاضي القضاة أبو الحسن علي بن عثمان المارديني الحنفي المتوفى سنة 769، صاحب التصانيف ذكر التقي التميمي أن اسم الكتاب "الدر النقي في الرد على الحافظ البيهقي" وانظر:"كشف الظنون" 1/ 736.
انظر لترجمته: "الجوهر المضية" لعبد القادر القرشي 2/ 984. وقد طُبع هذا الكتاب مع سنن البيهقي باسم "الجوهر النقي".
هنا نظر، لأنَّهُ ولي الخلافة سنةَ خمس وستين، وكانت وفاة عائشة وأُم سلمة قبل ذلك بسنين، اللهم إلا أن يُحمل على أن عبد الملك أرسلهم إليه
(1)
قبلَ خلافته وفيه بُعد، إذ لا يعلم لعبد الملك في زمنِ عائشة وأُم سلمة ولاية تقتضي الإرسال
(2)
على البُرُدِ، قال:"والعدني متكلم فيه"
(3)
قال أحمد: لم يكن صاحبَ حديث، وكان ربما أخطأ في الأسماءِ ولا يُحتَجُّ به. وقال ابن معين: لا أعرفه، لم أكتب عنه شيئًا. وجابر المذكورُ في سنده
(4)
أظنه الجعفيَّ وقد قال البيهقيُّ في موضع
(5)
: لا يُحتج به
(6)
، وقال الدارقطنيُّ: متروك.
وقد روى هذه القِصةَ عن سفيانَ الثوري مَنْ لا نِسْبةَ بينَه وبينَ العدني حفظًا وجلالةً وهو عبدُ الرحمن بن مهدي ولم يذكر فيه عبد الملك.
قال ابن أبي شيبة في "مصنفه"
(7)
: قال ابن مهدي: حَدَّثَنَا سفيان، عن جابر، عن أبي الضحى.
أن ابنَ عباس وقع في عينه
(8)
الماءُ، فقيل له:"تستلقي سبعًا ولا تصلي إلا مستلقيًا" فبعث إلى عائشة وأُم سلمة يسألهما، فنهتاه
(9)
.
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: إليها خطأ، أثبتناه من (أ) و (ب) والجوهر النقي.
(2)
في الجوهر النقي: إرسال الأطباء.
(3)
انظر: "ميزان الاعتدال"(3/ 4675).
(4)
في النسخة المطبوعة: مسنده وفي "الجوهر النقي": السند، أثبتناه من (ب).
(5)
قال ابن التركماني: قال البيهقي في باب نزح زمزم. انظر: "السنن" 1/ 266.
(6)
قال ابن التركماني بعد هذا: وَحكى في (ما روى في) باب النهي عن الإمامة جالسًا (وبيان ضعفه) عن الدارقطني أنه متروك. انظر: "السنن" 3/ 80.
(7)
في "المصنّف"(6286) ولفظها: أن ابن عباس أوقع في عينيه الماء فقيل: أتستلقي سبعًا ولا تصلي إلا مستلقيًا فبعث إلى عائشة وأم سلمة فسألهما فنهتاه.
(8)
في (ب) والمصنف: عينيه.
(9)
انتهى النقل عن ابن التركماني هنا.
وأخرج الحاكم
(1)
في "المناقب" من جهة أبي معاوية: حَدَّثَنَا الأعمش.
عن المسيب بن رافع قال: لما كُفَّ بَصَرُ ابن عباس أتاه رجلٌ فقال له: "إنك إن صَبَرْتَ لي سبعًا لم تُصل إلا مستلقيًا تومئُ إيماءً، داويتُك. فبرأت إن شاءَ الله، فأرسل إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما مِن أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحديث الرابع:
قال الطبراني في "معجمه الوسط"
(2)
: حَدَّثَنَا علي بنُ سعيد الرازي: حَدَّثَنَا الهيثمُ بنُ مروان الدمشقي، حَدَّثَنَا زيد
(3)
بن يحيى بن عبيد، حَدَّثَنَا سعيدُ بن بشير، عن قتادة: حدثني عبد الله بن الحارث بن نوفل.
عن عبد الله بن عباس: "أن معاويةَ صلَّى صلاةَ العصر، ثم قام ابن الزبير، فصلى بعدها فقال معاويةُ: "يا ابنَ عباس ما هاتانِ الركعتانِ؟ " فقال: "بدعة وصاحبهما
(4)
صاحبُ بدعة" فلما انفتل قال: "ما قلتُما؟ " قال: "قلنا: كَيْتَ وكَيْتَ" قال: "ما ابتدعتُ ولكن حدثتني خالتي عائشةُ" فأرسل معاوية إلى عائشة فقالت: "صَدَقَ،
(1)
في "المستدرك" 3/ 546 وتتمتها: كل يقول أرأيت إن مت في هذا السبع كيف تصنع بالصلاة فترك عينه ولم يداوها. ولفظ ابن أبي شيبة: فترك عينيه لم يك يداوها. 2/ (6285) قلت: هذا الحديث ضعيف لانقطاعه، لأن المسيب بن رافع لم يسمع من صحابي إلا من البراء كما قال ابن معين. وقال الذهبي: حدث عن جابر بن سمرة وأبي سعيد الخدري والبراء بن عازب وطائفة. انظر في "السير" 5/ 36.
(2)
"المعجم الأوسط" 5/ 4138.
(3)
في النسخة المطبوعة: يزيد وهو تحريف، أثبتناه من (ب).
(4)
في (أ) والنسخة المطبوعة وصاحبها، أثبتناه من (ب).
حدثتني أُم سلمة" فأرسل إلى أُم سلمة: "أن عائشة حدثتنا عنكِ بكذا" فقالت: "صَدَقَتْ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات فَصَلَّى بعدَ العصر، فقمت وراءَه، فصليتُ، فلما انفتل قال: ما شأنك؟ قلت: رأيتُك يا نبيَّ الله صليتَ فصليتُ معك. فقال: إن عاملًا لي على الصدقات قدم علي فخِفْتُ عليه"؟
وفي "الصحيحين"
(1)
عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس وعبدَ الرحمن بن أزهر، والمِسْوَر بن مخرمةَ أرسلوه إلى عائشة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقالوا:"اقرأ عليها السلام منا جميعًا، وسَلْها عن الركعتين بعد العصر، وقُلْ: إنا أُخبِرنا تُصلينها، وقد بَلَغَنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها" قال ابن عَبَّاس: "وكنت أضربُ مع عمر بن الخطاب الناسَ عنها" قال كريب: فدخلتُ عليها وبلغتُها ما أرسلوني به
(2)
فقالت: "سَلْ أُمّ سلمة" فذكر نحو ما سبق إلا أنه قال: إنه أتاني ناسٌ مِن عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعدَ الظهرِ، فهما هاتان.
وأخرج الترمذي
(3)
من جهة عطاء بن السائب عن سعيد بن جُبير.
عن ابن عباس قال: "إنما صلى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الركعتين بعدَ العصر لأنَّهُ أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد لهما".
(1)
أخرجه البخاري في السهو باب إذا كلّم وهو يصلي فأشار بيده واستمع (1233) و (4370)، ومسلم في صلاة المسافرين باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (1933).
(2)
"ما أرسلوني به" سقطت من (أ) و (ب) استدركناه (أ) و (ب) استدركناه من الصحيحين.
(3)
أخرجه الترمذي في الصلاة باب ما جاء في الصلاة بعد العصر (184).
وقال: حديث حسن. ويعارضه ما
(1)
في "الصحيحين"
(2)
عن عروة: قالت عائشة: "ابن أختي
(3)
ما ترك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قطُّ
(4)
".
الحديث الخامس:
أخرج أبو داود
(5)
وابن ماجه
(6)
في سننهما من طريق يزيدَ بن أبي زياد، عن مِقسم.
عن ابن عباس قال: "كُفِّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثةِ أَثوابٍ نَجْرانِيَّة الحُلةُ ثوبانِ وقميصُه الذي مات فيه".
قال الذهبي في مختصر سنن البيهقي: "يزيد فيه لين، ومِقسم صدوق ضعَّفه ابن حزم"
(7)
. وكذلك أعله المنذري
(8)
بيزيد قال: وقد
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: ويعارضها في الصحيحن، وهو تحريف، أثبتناه من (ب).
(2)
أخرجه البخاري في المواقيت باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها (591) قالت: ابن أختي .. ومسلم في صلاة المسافرين باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما بعد العصر (1935) وليس فيها قولها: "ابن أختي".
(3)
وقع في النسخة المطبوعة معتمدًا على (أ): يابن أختي، ولا يوجد "يا" عند البخاري كما لا يوجد "ابن أختي" عند مسلم. وسقط كلمة "يابن" من (ب).
(4)
قال ابن حجر في "الفتح"(3/ 1233): ومن ثم اختلف نظر العلماء فقيل: تقضى الفوائت في أوقات الكراهة لهذا الحديث، وقيل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل هو خاص بمن وقع له نظير ما وقع له.
(5)
أخرجه أبو داود في الجنائز، باب الكفن (3153).
(6)
أخرجه ابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في كفن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (1471) بلفظ: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب قميصه الذي قبض فيه، وحلة نجرانية.
(7)
وقع هنا في (أ) سطر مطموس أو مشطوب عليه وليس في كلمة: وكذلك، أثبتناها من (ب).
(8)
في مختصر سنن أبي داود (4/ 3024).
أخرج له مسلم في المتابعات، وقال غير واحد من الأئمة: إنه لا يحتج بحديثه.
قلت: وقد خالفه ابن أبي ليلى، فأخرج البيهقي في "سننه"
(1)
من جهة قبيصة: حَدَّثَنَا سفيان عن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم.
عن ابن عباس: "كُفِّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبُردِ حِبرة".
قال البيهقي: "كذا رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى". قال الذهبي: "وليس بقوي".
وقد روت عائشة رضي الله عنها أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ بيضٍ سَحُولِيَّة ليسَ فِيها قميصٌ ولا عِمامة" أخرجه الأئمة الستة في كتبهم
(2)
.
قال البيهقي
(3)
وقد بَيَّنَتْ عائشةُ رضي الله عنها أن الاشتباه في ذلك على غيرها: فأخرج مسلم
(4)
مِن جهة هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: "كُفِّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثةِ أثوابٍ بيضٍ سَحولية من كرسُفٍ ليس فيها قميصٌ ولا
(1)
في "السنن" 3/ 400.
(2)
أخرجه البخاري في الجنائز باب الثياب البيض للكفن (1264)(1271 - 1273) ومسلم في الجنائز باب في كفن الميت (2179 - 2182) وأبو داود في الجنائز باب في الكفن (3149 - 3153) والترمذي في الجنائز باب ما جاء في كم كفن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (996) والنسائي في الجنائز باب كفن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (1898 - 1900) وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في كفن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (1470 - 1471).
(3)
في "السنن" 3/ 400 باب بيان عائشة رضي الله عنها بسبب الاشتباه في ذلك على غيرها. بعد ما نقل بعض الأحاديث قال في آخر الباب: فبينت عائشة رضي الله عنها بيانًا شافيًا أنه أتى بالثوبين الذين كانوا يسمونها حلة وببرد حبرة فلم يكفن فيها وكفن في ثلاثة أثواب بيض كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة والله أعلم.
(4)
أخرجه مسلم في الجنائز باب في كفن الميت (2179 - 2180).
عمامة، فأما الحُلَّة فإنما شُبِّه على الناس فيها أنها اشتريت له حلة
(1)
ليفكَّنَ فيها فتركت الحُلَّة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية
(2)
فأخذها عبدُ الله بن أبي بكر فقال: "لأحبسنّها لنفسي حتَّى أُكفَّنَ فيها" ثم قال: "لو رضيها الله لنبيه، لكفنه فيها" فباعها وتصدق بثمنها.
وفي رواية: "أُدْرجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حُلَّةٍ يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر، ثُمَّ نُزِعَتْ عنه، وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية"
(3)
.
وأخرج مسلم
(4)
أيضًا عن هشام عن أبيه قال: فقيل لعائشة: "إنهم يزعمون أنه قد كان عليه السلام كُفِّنَ في بُرْدِ حِبَرَة" قالت: قد جاؤوا ببُرد حِبَرَة ولم يكفنوه".
وأخرجه البيهقي
(5)
عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي: حدثني الزهري، عن القاسم عن عائشة قالت: "أُدْرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بُرْدِ حِبَرَة، ثمَّ أَخّرَ
(6)
(1)
كلمة "حلة" عند المؤلف الذي يعتمد على سنن البيهقي، لا توجد في رواية مسلم.
(2)
سقطت من رواية المؤلف كما سقط في رواية البيهقي جملة: "وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية"، استدركناه من صحيح مسلم.
(3)
أخرجه مسلم في الجنائز باب في كفن الميت (2180) وتتمة الرواية: ليس فيها عمامة ولا قميص فرفع عبد الله الحلة فقال: أكفَّن فيها، ثم قال: لم يكفن رسول الله وأكفَّن فيها فتصدق بها.
(4)
ساق الإمام مسلم إسناد الحديث عن طريق ابن أبي شيبة ولكنه لم يذكر متن الحديث وأحال على ما قبله. وقد رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه والبيهقي بالسند ذاته وذكروا متنه. انظر: "المصنّف"(3/ 1045)، وابن ماجه (1469) والبيهقي 3/ 400 - 401. ويبدو أن المؤلف نقله من سنن البيهقي.
(5)
في "السنن" 3/ 401.
(6)
وقع في النسخة المطبوعة: أخذ وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) والبيهقي.
عنه" قال القاسم: "إن بقايا ذلك الثوب عندنا بعد" قال البيهقي: هذا الثوبُ الثالثُ، وأما الحُلَّة، فتصدَّقَ بثمنها عبدُ الله وهي ثوبان
(1)
. اهـ.
الحديث السادس:
إنكارها عليه الرُّؤية: أخرج الترمذي
(2)
في التفسير مِن جهة سَلم بن جعفر هو البَكراوي
(3)
عن الحكم بن أبان، عن عكرمة:
قال ابن عَبَّاس: "رأى مُحمَّدٌ ربَّه" فقلت: "أليس الله يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] فقال: "ويحك، ذاك إذا تجلَّى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى محمد
(4)
ربه مرتين".
وقال: حسن غريب. وقال شيخنا عماد الدين بن كثير: "سلم
(5)
بن جعفر ليس بذاك المشهور، والحكم بن أبان وثَّقه جماعة" وقال ابن المبارك:"ارم به" اهـ.
(1)
في السنن 3/ 401. ولفظ البيهقي في السنن فالذي باع عبد الله بن أبي بكر وتصدق بثمنه هو الحلة والحلة عندهم ثوبان والذي قال القاسم أن بقاياه عندنا هو الثوب الثالث الذي زعموا أنه كفن فيهما وفيه.
(2)
أخرجه الترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة والنجم (3279).
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: مسلم بن جعفر هو البغدادي وهو تحريف. إنما هو سَلْم بن جعفر البكراوي كما في (أ) و (ب) انظر: "ميزان الاعتدال"(2/ 3368) و "تهذيب التهذيب" 4/ 127 - 128 و "تحرير تقريب التهذيب"(2/ 2463). البكراوي نسبته إلى أبي بكْرَة الثقفي الصحابي.
(4)
عند المؤلف "قد رأى ربه مرتين"، استدركناه من رواية الترمذي.
(5)
وقع في النسخة المطبوعة مرة ثانية: مسلم وهو تحريف أيضًا، أثبتناه من (أ) و (ب).
قلت: وأخرج الحاكم في "مستدركه"
(1)
من جهة معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة عن عكرمة.
عن ابن عباس قال: "تعجبون أن تكونَ الخُلَّةُ لإبراهيم
(2)
،
والكلامُ لموسى
(3)
والرُّؤيةُ لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ ".
ثم قال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرُّؤْية. ثم ساقه من جهة إسماعيل بن زكريا، عن عاصم، عن الشعبي، عن عكرمة عن ابن عباس قال:"رأى محمد ربه"
(4)
.
وله شاهد آخر صحيح الإسناد ثم ساقه عن يزيد بن هارون: أنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس قال:"قد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه" وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: "رآه مرتين"
(5)
ثم قال الحاكم: قد اعتمد
(1)
في "المستدرك" 1/ 65 و 2/ 629، وأخرجه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" (1/ 272) عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بلفظ المؤلف وفي (1/ 276 - 277) عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرؤية. وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(441) وقال: إسناده صحيح على شرط البخاري والطبراني في معجمه الكبير (11/ 1914). قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على هذه الروايات في "السير" 14/ 45: "وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك. انظر التفصيل في "زاد المعاد" 3/ 36 - 38 و "فتح الباري" (8/ 4855) و وشرح النووي 3/ 4 - 15.
(2)
فيه إشارة إلى قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125].
(3)
فيه إشارة إلى قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].
(4)
في "المستدرك" 1/ 65 و 2/ 629.
(5)
المصدر السابق.
الشيخان في هذا الباب أخبار عائشةَ بنتِ الصديق وأُبَي بن كعب، وابن مسعود وأبي ذر:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام" وهذه الأخبار التي ذكرتها صحيحة. اهـ
(1)
.
وقد أخرج البخاري
(2)
من حديث القاسم عن عائشة قالت: "من زعم أن محمدًا رأى به، فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادًا ما بين الأُفق". وفي الصحيحين
(3)
من حديث مسروق قلت لعائشة: "يا أمتاه هل رأى محمدٌ ربَّه؟ " فقالت: "لقد قَفَّ شعري مما قلتَ
(4)
، مَنْ حدثك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقد كذب ثم قرأت:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] ولكنه رأى جبريلَ عليه السلام في صورته مرتين". وفي رواية
(5)
: "مَنْ زعم أن محمدًا رأى ربَّه، فقد أعظم على الله الفِرْية" فقلت: "يا أُم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَوَاهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] فقالت: أنا أوَّلُ هذه الأُمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غيرَ هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء سادًّا عِظمُ خَلْقِهِ ما بينَ السماء إلى الأرض" وقالت "أوَلم تسمع أن الله عز وجل يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ
(1)
انظر: "المستدرك" 1/ 65 و 2/ 629.
(2)
أخرجه البخاري في بدء الخلق باب إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (3234).
(3)
أخرجه البخاري في تفسير سورة النجم (4855) ونقله المؤلف مختصرًا.
وأخرجه مسلم في الإيمان باب معنى قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزَلَةً أُخْرَى} وهل رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء (439). انظر أيضًا في مسند أحمد (25993) و (26040).
(4)
هنا عند البخاري: "قالت عائشة: أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب؟ ". حذفه المؤلف.
(5)
عند مسلم السابق برقم (439).
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أولم تسمع أن الله عز وجل يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)}
(1)
[الشورى: 51].
قلت: وهذا قاطع في هذه المسألة إذ صرحت فيه بالرفع
(2)
. ونُقِلَ عن ابن خزيمة أنه قال في كتاب "التوحيد"
(3)
له: "إنه صلى الله عليه وسلم إنما خاطبَ عائشة على قدرِ عقلها"
(4)
ثم أخذ يُحاوِلُ تخطئتها، وليس كما قال، فقد جاء عن غيرها ذلك مرفوعًا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود، رواه محمد بن جرير الطَّبري في تفسيره
(5)
: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حَدَّثَنَا عبدُ الواحد بن زياد، حَدَّثَنَا سليمان الشيباني، حَدَّثَنَا زِر بن حُبيش قال:"قال عبدُ الله بن مسعود في هذه الآية: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ جبريل له ستمائة جناح" وأخرجه ابن حبان في صحيحه
(6)
. وفي
(1)
وتتمة الحديث قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية. والله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65].
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: بالدفع وهو تحريف واضح، أثبتناه من (أ) و (ب).
(3)
في 2/ 556 - 563.
(4)
النقل من كتاب التوحيد بالمعنى، وليس فيه قوله:"إنه صلى الله عليه وسلم إنما خاطب عائشة على قدر عقلها". وإنما خطأها في قولها إن محمدًا لم ير ربه ليلة الإسراء.
(5)
تفسير الطبري 26/ 45 - 46.
(6)
أخرجه ابن حبان في "الإحسان"(14/ (6428). وقد أخرجه البخاري أيضًا في تفسير سورة النجم باب {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (4856) وباب قوله تعالى: {فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (4857)، ومسلم في الإيمان (432 - 434).
كتاب "الجمع بين الصحيحين" للحميدي
(1)
: قال أَبُو مسعود
(2)
في "الأطراف" في حديث عبد الواحد {وَلَقَدْ رَوَاهُ نَزَلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ جبريل في صورته له سِتُّمائة جناح"
(3)
قال الحميدي: وليس ذلك فيما
(4)
رأيناه من النسخ ولا ذكره البرقاني
(5)
فيما خرَّجه على الكتابين.
ومنهم أبو ذر؛ قال الإمام أحمد في "مسنده"
(6)
: حَدَّثَنَا عفان، حَدَّثَنَا همام
(7)
عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: "لو رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته " قال: "وما كنت تسألُه؟ " قلت
(8)
: "كنت أسأله: هل رأى ربَّه عز وجل؟ " فقال: إني قد سألته
(9)
فقال: "قد رأيته نورًا أنَّى أراه" وأخرجه
(1)
هو الحافظ الثبت الإمام القدوة أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الحميدي المتوفى سنة 488 هـ. له ترجمة في: "السير" 19/ (63) و"تذكرة الحفاظ" 4/ 1218 - 1222 للذهبي.
(2)
هو الحافظ المجوّد البارع، أبو مسعود، إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي مصنف كتاب "أطراف الصحيحين" المتوفى سنة 400 - 401 هـ. انظر:"السير"(17/ 136) للذهبي.
(3)
وهو الحديث المخرج عند البخاري برقم (4856).
(4)
وقع في النسخة المطبوعة: كما وهو تحريف، أثبتناه من (ب).
(5)
هو الإمام العلامة الفقيه الحافظ الثبت، شيخ الفقهاء والمحدثين، أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي ثم البَرْقاني الشافعي، صاحب التصانيف، المتوفى سنة 425 هـ. انظر في "السير"(17/ 306) للذهبي.
(6)
في "المسند"(21313).
(7)
وقع في النسخة المطبوعة و (ب) هشام، وهو تحريف، أثبتناه من (أ) والمسند.
(8)
في المسند: قال.
(9)
في المسند: "قال فإني قد سألته". في (أ) و (ب): "فقال إني قد سألته".
ابن حبان في صحيحه
(1)
بلفظ "رأيتُ نورًا" ثم قال: معناه أنه لم ير رَبَّه، ولكن رأى نورًا علويًا مِن الأنوار المخلوقة". اهـ.
هكذا وقع في رواية الإمام أحمد
(2)
وقد أخرجه مسلم
(3)
من طريقين بلفظين: أحدهما قال: "نورٌ
(4)
أنى أراه" والثاني قال: "رأيت نورًا". وهو مصرح بنفي الرؤيةِ، إذ لو أراد الإثباتَ لقال: "نعم" أو "رأيته" ونحو ذلك وهو يردُّ قولَ ابن خزيمة: "إن الخطاب وقع لعائشة على قدر عقلها " ولهذا لم يجد ابن خزيمة
(5)
عنه ملجأً إلا أنه كاد
(6)
انقطاعه يدعي بين عبد الله بن شقيق وأبي ذر فقال: "في القلب من صحة مسند
(7)
هذا الخبر شيء" لم أر أحدًا من علماء الأثر نظر
(8)
لعلة في إسناده قال: فإن
(9)
عبد الله ابن شقيق راوي هذا
(10)
الحديث كأنه لم يكن يثبت أبا ذر ولا يعرفه بعينه واسمه ونسبه، قال: لأن أبا
(1)
أخرجه ابن حبان في "الإحسان"(58). إسناده صحيح على شرط مسلم.
وفيه تمام تخريجه فراجعه.
(2)
أخرجه أحمد في "المسند" من جهة قتادة بالأرقام (21392) و (21498) و (25127) بلفظ: "نور أني أراه؟! ".
(3)
أخرجه مسلم في الإيمان باب في قوله عليه السلام: نور أني أراه وفي قوله: رأيت نورًا (443) ولفظها: عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: "نورٌ أنى أراه؟ " و (444) فقال: "رأيتُ نورًا".
(4)
وقع في النسخة المطبوعة: رأيت نورًا، هذه الكلمة ليست في (أ) و (ب) ومسلم.
(5)
في "كتاب التوحيد" 1/ (305 - 306).
(6)
وقع في النسخة المطبوعة: كان وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(7)
في "كتاب التوحيد": سند
(8)
في "كتاب التوحيد": فطن.
(9)
سقط النسخة المطبوعة: فإن، أثبتناه من (أ) و (ب) و"كتاب التوحيد".
(10)
سقط من النسخة المطبوعة: هذا، أثبتناه من (أ) و (ب) وهو ليس في "كتاب التوحيد".
موسى محمد بن المثنى حَدَّثَنَا عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق. قال: "أتيتُ المدينةَ فإذا رجل قائم على غرائرَ سود يقول: ألا ليُبَشَّرْ أصحابُ الكنوزِ بِكَيٍّ في الجِباهِ والجنوبِ
(1)
فقالوا: هذا أبو ذر" فكأنَّه لا يُثبته ولا يَعْلَمُ أنه أبو ذر
(2)
.
وقال بعضُ العلماء في هذا الحديث: قد أجمعنا على أنه ليسَ بنورٍ، وخَطَّأنا المجوسَ في قولهم: هو نور، والأنوار أجسامٌ والباري سبحانه ليس بجسم، والمراد بهذا الحديث أن حِجابهُ النورُ، وكذلك روي في حديث أبي موسى
(3)
، فالمعنى: كيف أراه وحجابُه النورُ؟ ومن أثبت رؤية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ربه،
(1)
في (أ) و (ب) والنسخة المطبوعة: في الحياة والممات وهو تحريف. وهكذا وقع في بعض نسخ "كتاب التوحيد" كما في تحقيق الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان (1/ 306)، وفي تحقيق محمد خليل هراس، ط.1978 ص 206: في الحساء والجنوب، وهنا تحريف في كلمة: الحساء، والصواب بكي في الجباه والجنوب كما ورد في مصنف عبد الرزاق (4/ 6865) عن معمر عن قتادة عن أبي ذر قال: بشر أصحاب الكنز بكي في الجباه والجنوب وفي الظهور. وأخرجه البزار في مسنده (9/ 3907) حَدَّثَنَا محمد بن المثنى قال حَدَّثَنَا معاذ بن هشام قال حدثنى أبي عن قتادة عن عبد الله بن شقيق قال: أتيت المدينة فإذا رجل قائم على غرائر سود يقول: ألا أبشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه والجنوب، فقالوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله. ويؤيده قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 34 - 35] انظر أيضًا: ما أخرجه مسلم برقم (2306) وأحمد (21475).
(2)
هنا انتهى نقل المؤلف عن ابن خزيمة.
(3)
أخرجه مسلم في الإيمان باب في قوله عليه السلام: إن الله لا ينام وفي قوله حجابه النور (445 - 448) وأخرجه أحمد في "المسند"(19632)، وابن حبان في "الإحسان"(1/ 266) وفيه تخرجه أيضًا فراجعه.
فإنما يثبت ليلة المعراج، وأسلم أبو ذر بمكة قديمًا
(1)
قبلَ المعراجَ، ثم رَجَعَ إلى بلادِ قومه، فأقام بها حتَّى مضت بدر وأُحُد والخندقُ ثم قَدِمَ المدينة بعدَ ذلك، فيحتمل أنه سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقتَ إسلامه:"هل رأيتَ ربَّك؟ " وما كان عُرِجَ به بعدُ فقال: "نُورٌ، أنَّى أراهُ؟ "
(2)
. أي النور يمنعُ مِن رؤيته. وقد قال بعد المعراج في رواية ابن عباس: "رأيت ربي"
(3)
اه. وهذا ضعيف، فإن عائشةَ أُمّ المؤمنين قد سألت عن ذلك بعد الإسراءِ ولم يثبت لها الرؤْية.
وأما قولُ الإمام أحمد: "ما زلت منكرًا لهذا الحديث وما أدري ما وَجْهُهُ" فقال بعضُ الأئمة: لا نعرف معنى هذا الإنكار وقد صحَّ ذلك عن أبي ذر وغيره. وللكلام على هذا
(4)
الحديث موضعٌ آخر قد بسطتُه فيه، ورددتُ ما حرَّفه بعض النقَلَة في لفظه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الحديث السابع:
إحالتُه معرفةَ الوترِ عليها، أخرجه مسلم
(5)
في "صحيحه" عن قتادة، عن زُرارة بن أبي أوفى.
عن سعد بن هشام: أنه طلَّقَ امرأتَه، فأتى المدينةَ ليبيع بها عَقارًا له، فيجعلَه في السّلاح والكُراع، فذكر الحديثَ وأنه لَقِيَ ابنَ عباس،
(1)
وقعت في النسخة المطبوعة: قادمًا وهو تحريف. أثبتناه من (أ) و (ب).
(2)
تقدم تخريجه في التعليق (2) و (3) من ص 179.
(3)
ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 78 وقال: رواه أحمد (2580)(2634) ورجاله رجال الصحيح. وقد ورد هذا اللفظ في حديث معاذ بن جبل أيضًا عند الترمذي (3234) ولفظه: فرأيت ربي في أحسن صورة. ولفظ حديث ابن عباس هذا عند الترمذي: أتاني ربي في أحسن صورة ..
(4)
سقط في النسخة المطبوعة هنا: هذا، أثبتناه من (أ) و (ب).
(5)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض (1739) وهو حديث طويل نقله المؤلف بالمعنى والاختصار. وأخرجه أحمد في "المسند"(24269).
فسأَله عن الوِتر، فقال:"ألا أُنبئُك بأعلمِ أهلِ الْأَرْضِ بوترِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم "؟ قال: "نعم" قال: "عائشةُ"، إيَّتِهَا فَسَلْها، ثم ارجِعْ إليَّ، فأخبرني بردِّها عليك" قال: فأتيتُ على
(1)
حكيم بن أفلح، فاستلحقتُه إليها، فقال:"ما أنا بقاربها، إني نهيتُها أن تقولَ في هاتَيْنِ الشِّيعتينِ شيئًا، فأبَتْ فيهما إلا مُضِيًّا فيه" فأَقسمتُ عليه، فجاءَ معي، فدَخَلَ عليها"، فقال: "يا أُمَّ المؤمنين أنبئيني عن وترِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كنا نُعِدُّ له سواكَه وطَهورَه، فيبعثه الله بما شاءَ أن يبعَثه من الليل فيتسوّك ويتوضأُ، ثم يُصلي ثماني
(2)
ركعاتٍ لا يَجْلِسُ فيهنَّ إلا عند الثامنة فيجلسُ ويذكرُ الله ويدعو، ثم ينهض، ولا يُسلم، ثم يُصلي التاسعة فيَقْعُدُ، فيحمدُ الله، ويدعوه
(3)
ثم يُسَلِّمُ تسليمًا يُسْمِعُنا، ثم يُصلي ركعتين وهو قاعدٌ، فتلك إحدى عشرة ركعةً يا بني، فلما أسنَّ وأَخَذَهُ
(4)
اللحمُ، أوتر بسبعٍ، وصلَّى ركعتين وهو جَالِسٌ بعدما سلّم، فتلك تسعُ ركعاتٍ يا بني" وفي رواية له "يُسلم
(5)
تسليمًا يُسْمِعُنا".
(1)
في (أ) و (ب): فأتيت علي بن حكم بن أفلح وهو تحريف. وفي النسخة المطبوعة: فأتيت حكيم بن أفلح وهو خطأ أيضًا. والصواب: فأتيت على حكيم بن أفلح كما في مسلم وأحمد.
(2)
في (أ) و (ب) ومسند أحمد: ثماني. وفي رواية مسلم: تسع.
(3)
وقع في (أ) و (ب) والنسخة المطبوعة بعد قوله فيحمد الله: ويصلى على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وليست هذه الجملة عند مسلم ولا أحمد. والذي في مسلم: ويدعوه، وفي "المسند": ويذكره ويدعو.
(4)
في (أ) و (ب) والنسخة المطبوعة والمسند: وأخذ اللحم، وفي مسلم: وأخذه اللحم.
(5)
وقع في النسخة المطبوعة: وسلم وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب). لم =
وقد اختلفت الأحاديث ولا سيما الأحاديثُ عن عائشة رضي الله عنها في عددِ الوتر.
وفي صحيح مسلم
(1)
عنها: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي من
(2)
الليل ثلاثَ عشرة يوتر من ذلك بخمس.
وروى أبو داود
(3)
: "لم يكن يُوتر بأكثرَ من ثلاث عشرة.
فقيل: الاختلافُ منها، وقيل: هو مِن الرواة عنها، ووجه الاختلافِ فيها بحسب اختلافِ أحواله صلى الله عليه وسلم مِن اتساع الوقتِ أو ضيقهِ وبحسب طولِ القراءة كما جاء في حديث حذيفة
(4)
وابنِ مسعود
(5)
. أو عذره بمرضٍ أو غيره، أو في
= نجده بهذا اللفظ عند مسلم، أخرجه أبو داود في التطوع باب في صلاة الليل (1344 - 1345) قال: يسلم تسليمًا يسمعنا.
(1)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الليل وعدد ركعات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة. وأن الركعة صلاة صحيحة (1720) وتتمة الحديث: لا يجلس في شيء إلا في آخرها.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: في وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) ومسلم.
(3)
أخرجه أبو داود في التطوع باب في صلاة الليل (1362) عن عائشة قالت: كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة.
(4)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل (1814) عن حذيفة قال: صليت مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لها ذات ليلة، فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا من يتعوّذ تعوّذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ثم قام طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبًا من قيامه. وأخرجه النسائي في قيام الليل باب تسوية القيام والركوع والقيام بعد الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين في قيام الليل (1665).
(5)
أخرجه البخاري في التهجد باب طول القيام في صلاة الليل (1135) عن: =
بعض الأوقات عندَ كِبَرِ السن، كما روته
(1)
ورواه أيضًا خالدُ بن زيد، أو وجه الثلاثَ عشرة أنها عدَّتْ معها ركعتي الفجرِ كما بين أبو داوود
(2)
ذلك في روايةٍ له عنها.
الحديث الثامن:
رَدَّتْ على ابن عباس قراءَته في
(3)
قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] بالتخفيف. فأخرج البخاري
(4)
في التفسير عن ابن أبي مُليكة قال
(5)
ابن عباس: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] خفيفةً ذهب بها هنالك
(6)
= عبد الله رضي الله عنه قال صليت مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليلة فلم يزل قائمًا حتَّى هممت بأمر سوء. قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل (1815).
(1)
ربما يشير المؤلف إلى حديث عائشة أخرجه البخاري في التقصير باب إذا صلى قاعدًا ثم صح أو وجد خِفّة تمم ما بقي (1118)(1119) أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدًا قط حتَّى أَسَنّ فكان يقرأ قاعدًا حتَّى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوًا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم يركع.
(2)
أخرجه أبو داود في التطوع باب في صلاة الليل (1360) عن عائشة أنها أخبرته: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة برَكعَتَي الفجر.
(3)
سقط في (من (أ) والنسخة المطبوعة، أثبتناه من (ب).
(4)
أخرجه البخاري في تفسير سورة البقرة باب {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم} [214](4524 - 4525) وأخرجه أيضًا برقم (3389) و (4695).
(5)
عند البخاري: يقول:
(6)
عند البخاري: هناك.
وتلا {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] فلقيتُ عروة بنَ الزبير فذكرتُ له ذلك، فقال: "قالت عائشة: معاذَ اللهِ، والله ما وعد الله رسوله مِن
(1)
شيء قَطُّ إلا عَلِمَ أنه كائن قبلَ أن يموت، ولكن لم يَزَلِ البلاءُ بالرسل حتَّى خافوا أن يكونَ مَنْ معهم يُكذبونهم فكانت تقرؤُها {كُذِّبُوا} مثقلةً
(2)
.
استدراكها
(3)
على عبد الله بن عمر
الحديث الأول:
أخرج البخاري
(4)
ومسلم
(5)
، واللفظُ له، عن عَمْرَةَ بنتِ عبدِ الرحمن.
أنها سمعت عائشة - وذكر لها أن عبدَ الله بنَ عمر يقول: "إن الميتَ لَيعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ" - فقالت عائشة: يَغْفِرُ الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكْذِبْ، ولكنه نَسِيَ أو أخطَأ، إنما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يُبكى عليها، فقال:"إنهم ليبكون عليها، وإنَّها لتُعذَّبُ في قبرها".
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: في وهو تحريف، أثبتناه من (ب) والبخاري.
(2)
وقراءة عائشة بالتشديد كُذِّبوا قرأ بها أهل الحجاز والبصرة والشام وأما قراءة التخفيف فقد قرأ بها أهل الكوفة من القراء عاصم ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي، ووافقهم من الحجازيين أبو جعفر بن القعقاع، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس. . انظر:"حجة القراءات" لزَنْجلة تحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني رحمه الله ص 366 - 368 و"فتح الباري"(8/ 4696).
(3)
كلمة استدراكها سقطت من (أ)، أثبتناها من (ب).
(4)
أخرجه البخاري في الجنائز باب قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته (1289).
(5)
أخرجه مسلم في الجنائز باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه (2156).
ورواه مسلم
(1)
أيضًا عن هشام بن عُروة عن أبيه نحوه بلفظ: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، سمع شيئًا، ولم يحفظ، إنما مرَّت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه، فقال: "أنتُمْ تبكون وإنه لَيُعذَّبُ".
واعلم أن تعذيبَ الميت ببكاءِ أهلهِ عليه رواه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جماعة مِن الصحابة، منهم عمر
(2)
وابن عمر، وأنكرته عليهما عائشةُ، وحديثُها موافق لِظاهر القرآن وهو قولُه سبحانه:{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] وموافق للأحاديثِ الأُخر في بكاء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على جماعة مِن الموتى
(3)
، وإقراره على البكاءِ عليهم
(4)
. وكان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فمحالٌ أن يفعل ما يكونُ سببًا لعذابهم، أو يقرّ عليه. وهذا مرجح آخر لِرواية عائشة، وعائشة جزمت بالوهم،
(1)
أخرجه مسلم في الباب نفسه برقم (2153).
(2)
تقدم في استدراكها على عمر في الحديث الأول، فراجعه.
(3)
نعم، بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جماعة من الموتى كما ثبت في الأحاديث: منهم: على ابنه إبراهيم: البخاري (1303) و (1304)، وعبد الرزاق (3/ 6672)، وابن ماجه (1589) على حفيده من زينب: البخاري (1284 - 1285)، ومسلم (2135) على عثمان بن مظعون: ابن ماجه (1456)، والترمذي (989)، وأبو داود (3163) على شهداء مؤتة: البخاري (1246، 2798، 3063، 3630، 3757، 4262) على سعد بن عبادة: البخاري (1304)، ومسلم (2137) على أمه في زيارته قبرَها: النسائي (2036).
(4)
كما ثبت في حديث أبي هريرة عند النسائي (1860) قال: مات ميت من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْهُنَّ يا عمر، فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب. أخرج نحوه ابن ماجه برقم (1587). وأخرج ابن ماجه أيضًا (1591) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن حمزة لا بَوَاكي له، فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة .. انظر ما أخرجه البخاري (1299) ومسلم (2161) وقد يعد من إقراره صلى الله عليه وسلم.
واللائق لنا في هذا المقام التأويلُ، وهو
(1)
حملُ الأحاديثِ المخالفة لها؛ إما على مَنْ أوصى بذلك، فعليه إثمُ الوصيةِ بذلك لأنَّهُ قد تسبب إلى وجوده، وإما غيرُ ذلك مما ذكره العلماءُ في كتبهم، والذي يُؤكِّدُ قول عائشة في "وَهِم" قولها:"إنه عليه السلام قال لرجل مات يهوديًا: "إن الميت ليعذب"
(2)
.. بلام العهدِ، فالظاهر أن ابنَ عمر خفيَ عليه موتُ اليهودي فحملها على الاستغراق. ونظيرُ هذا ما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم رأى تاجرًا يَبْخَسُ الناسَ في البيع. فقال:"التاجرُ فاجر"
(3)
يعني ذلك الرجل، فرواه بعضهم على أنه للاستغراق، ذكر هذا فخر الدين الرازي في بعض كتبه الأُصولية
(4)
، وجعله مِن أسباب الغلط في الرواية، ولا شكَّ أنه من أسبابه، لكن هذا الحديث ليس من هذا الباب، فإن في
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: وهل وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(2)
أخرجه الترمذي في الجنائز باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت (1004) عن ابن عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه. فقالت عائشة: يرحمه الله لم يكذب ولكنه وَهِمَ، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل مات يهوديًا: إن الميت ليعذب وإن أهله ليبكون عليه. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح.
(3)
أخرجه أحمد في "المسند"(15530) بلفظ: إن التجار هم الفجار، قيل: يا رسول الله، أوليس قد أحل الله البيع؛ قال: بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون ويأثمون. حديث صحيح.
(4)
انظر: "المحصول في علم أصول الفقه" 4/ 304 تحقيق: طه جابر العلواني، ط 1997. قال: ورابعها: أنه ربما خرج الحديث على سبب، وهو مقصور عليه، ويصح معناه به، وما هذا سبيله ينبغي أن يُروى مع سببه، فإذا لم يعرف [سببه] أوهم الخطأ: كما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: "التاجر فاجرٌ" فقالت عائشة رضي الله عنها: إنما قال ذلك في تاجر دَلَّسَ. وذكر مثله صاحب "فيض القدير" 6/ 216، كلاهما بدون إسناد، لذلك لم ينقله الزركشي هنا.
السنن: "التاجر فاجر إلا من برَّ وصدق"
(1)
وهذا يدلُّ على إرادة الاستغراق لوجود الاستثناء فيه.
الحديث الثاني:
أخرجا
(2)
أيضًا عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال:
سمعتُ ابن عمر يقول: "لأن أُصبحَ مَطليًا بقَطِرانٍ أحبُّ إلي من أن أُصبح محرمًا أنضخُ طيبًا " قال: فدخلتُ على عائشة، فأخبرتُها بقوله، فقالت:"طيَّبْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف على نسائه، ثم أصبح محرمًا".
وفي لفظ البخاري
(3)
: ذكرته لعائشة فقالت: "يرحمُ الله أبا عبد الرحمن، كنت أُطيِّبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فيطوف على نسائه، ثم يصبح محرمًا ينضحُ طيبًا".
(1)
أخرج الترمذي في البيوع باب ما جاء في التجار وتسمية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إياهم (1210) عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده أنه خرج مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون فقال: يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله وبَرَّ وصَدَق. قال: هذا حديث حسن صحيح. وقد أخرجه بسنده ومتنه معمر بن راشد في جامعه (11/ 20999) في مصنف عبد الرزاق. وابن ماجه في التجارات باب التوقي في التجارة (2146). والدارمي في البيوع ص 643، والبيهقي 5/ 266. انظر:"كشف الخفاء" للعجلوني (1/ 665). يبدو أن المؤلف نقله بالمعنى والاختصار.
(2)
أخرجه البخاري في الغسل باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب (270) بدون تصريح قول عمر. ومسلم في الحج باب استحباب الطيب قبيل الإحرام في البدن. . (2844).
(3)
أخرجه البخاري في الغسل باب إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه غسل واحد (267).
ورواه النسائي
(1)
بلفظ: سألتُ ابنَ عمر عن الطيب عند الإحرام، فقال:"لأن أُطَّلى بالقَطرانِ أحبُّ إليَّ مِن ذلك" فذكرتُ ذلك لعائشة، فقالت:"يرحم الله أبا عبد الرحمن، قد كنتُ أُطيِّبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيطوفُ في نسائه، ثم يُصبحُ يَنْضَحُ طيبًا".
وفي لفظ لهما
(2)
: سألت عن
(3)
عائشة وذكرتُ لها قولَ ابن عمر: "ما أحب أن أصبحَ محرمًا أنضحُ طيبًا" فقالت عائشة: "أنا طيبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طافَ في نسائه، ثم أصبح محرمًا".
والنضخ بالخاء المعجمة كاللطخ فيما يبقى له أثر، يقال: نَضَحَ ثوبُه بالطيبِ، والنضح بالمهملة فيما كان رقيقًا مثل الماء
(4)
.
الحديث الثالث:
أخرجا
(5)
أيضًا عن منصور، عن مجاهد.
قال: "دخلتُ أنا وعروةُ بنُ الزبير المسجدَ، فإذا عبدُ الله بنُ عمر جالس إلى حُجرة عائشة، والناس يصلُّون الضحى في المسجد، فسألناه عن صلاتهم، فقال: "بدعة"
(6)
فقال له عُروة: "يا أبا
(1)
أخرجه النسائي في المناسك باب موضع الطيب (2705).
(2)
أخرجه البخاري في الباب المذكور برقم (270) ومسلم برقم (2842) في الباب المذكور.
(3)
في (ب) هنا: عن وليس في (أ) والصحيحين.
(4)
كما ورد في روايات النسائي.
(5)
أخرجه البخاري في العمرة باب كم اعتمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (1775) ومسلم في الحج باب بيان عدد عمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وزمانهن (3037) واللفظ لمسلم. انظر: مسند أحمد (24279).
(6)
قال ابن حجر في "الفتح" 3/ (1175) وروى ابن أبي شيبة (2/ 7775) =
عبد الرحمن [كم]
(1)
اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "؟ قال: "أربعُ عُمَر، إحداهُن في رجب" فكرهنا أن نكذِّبَهُ ونردَّ عليه، وسمعنا استنان
(2)
عائشة في الحُجرة، فقال عروة:"ألا تسمعينَ يا أُمَّ المؤمنين إلى ما يقول أبو عبدِ الرحمنِ"؛ فقالت: "وما يقول؟ " قال: يقولُ: "اعتمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أربعَ عمر، إحداهن في رجب" فقالت: "يرحمُ الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو مَعَهُ، وما اعتمر في رجب قطُّ".
قال ابن الجوزي في "مشكله"
(3)
: "سكوتُ ابن عمر لا يخلو مِن حالين: إما أن يكونَ قد شكَّ، فسكت أو أن يكونَ ذكر بعد النسيان، فرجع بسكوته إلى قولها وعائشة قد ضبطت هذا ضبطًا جيدًا، وقال أنس: "اعْتَمَرَ رسولُ الله
= إسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى قال: بدعة ونعمت البدعة، وروى عبد الرزاق (3/ 4865) بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئًا أحب إليّ منها. وقد جاء من طريق نافع أن ابن عمر كان لا يصلي الضحى إلا يوم يقدم مكة ويوم يأتي مسجد قباء كما أخرجه البخاري برقم (1191) قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعة لا أنها مخالفة للسنة. ويؤيد ما رواه ابن أبي شيبة (2/ 7777) عن ابن مسعود أنه رأى قومًا يصلونها فأنكر عليهم وقال: إن كان ولا بد ففي بيوتكم.
(1)
سقط "كم" من (أ) و (ب)، أثبتناه من الصحيحين.
(2)
أي حس مرور السواك على أسنانها، انظر:"الفتح"(3/ 1776).
(3)
انظر: "كشف المشكل" 4/ 347.
صلى الله عليه وسلم أربعَ عمر كُلُّها في ذي القعدة"
(1)
وهذا الحديث يدلُّ على حِفظ عائشة وحُسن فهمها
(2)
.
وقد جاء الإنكارُ عليه منها على وجهٍ آخر، أخرجه أبو داود
(3)
والنسائي
(4)
وابن ماجه
(5)
مِن جِهة مجاهد قال: سئل ابن عُمَرَ: كم اعتمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مرتين" فقالت عائشة: "لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثًا سوى التي قرنها بحجةِ الوداع".
(1)
أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية (4148)(1778 - 1779) ومسلم في الحج باب بيان عدد عمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وزمانهن (3033) وفيهما: كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. وأبو داود في المناسك باب العمرة (1994) والترمذي في الحج باب ما جاءكم حج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (815) وأحمد في "المسند"(13565) و (13687).
(2)
قال ابن حجر في "الفتح" 3/ 1775: ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله: "إحداهن في رجب" وقال النووي في شرحه 8/ 235 - 236: قال العلماء: هذا يدلُّ أنه اشتبه عليه أو نسي أو شكَّ ولهذا سكت الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير إليه .. وإنما اعتمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هذه العمر في ذي القعدة لفضيلة هذا الشهر ولمخالفة الجاهلية في ذلك فإنهم كانوا يرونه من أفجر الفجور.
(3)
أخرجه أبو داود في المناسك باب العمرة (1992).
(4)
أخرجه النسائي في الكبرى في الحج برقم (4218).
(5)
أخرج ابن ماجه في المناسك باب العمرة في ذي القعدة (2997) عن مجاهد عن عائشة قالت لم يعتمر ل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة إلا في ذي القعدة. وليس في هذا الباب عند ابن ماجه عن مجاهد عن عائشة إلا هذا الحديث، ربما أخطأ المؤلف في عزوه إليه.
وقد سبق أن البخاري ومسلمًا
(1)
رويا حديثَ مجاهد عن عائشة
(2)
، وهو منها تصريحٌ بأنه سمع منها لا سيما على شرطِ البخاري
(3)
، لكن قال يحيى بن سعيد القطان: لم يسمع مجاهد مِن
(4)
عائشة، وكان شعبةُ بُن الحجاج يُنكره، وهو قولُ يحيى بن معين، وأبي حاتم الرازي أيضًا
(5)
.
وفي هذا الحديث أمر آخر غير مخالفةِ ما سبق، وهو أن عائشةَ روت الإفرادَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(6)
، لكن قال الطحاوي في "معاني الآثار"
(7)
: "هذا لا ينافيه، فيجوز أن تكونَ قد علمت
(8)
أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ، فأحرم بعمرة لم يقرنها
(1)
وقع في (أ) و (ب): ومسلم، خطأ.
(2)
سبق تخريجه في التعليق (5) ص 189.
(3)
في (ب) ومسلم.
(4)
في (ب): عن.
(5)
انظر في "الجرح والتعديل"(8/ 1469) ترجمة مجاهد بن جَبْر. وقال الذهبي في "السير"(4/ 175) قال ابن المديني: سمع مجاهد عن عائشة وقال يحيى القطان: لم يسمع منها، ثم قال: قلت: بلى قد سمع منها شيئًا يسيرًا، وقال العيني في "عمدة القاري" 8/ 285 - 286 في شرح حديث مجاهد (قوله: دخلت أنا وعروة) إلى آخره فيه دفع لما ذكره يحيى بن سعيد وابن معين وأبو حاتم في آخرين أن مجاهدًا لم يسمع من عائشة.
(6)
أخرجه مسلم في الحج باب بيان وجوب الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقرآن (2921) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج. والترمذي في الحج باب ما جاء في إفراد الحج (820)، وأبو داود في المناسك باب إفراد الحج (1777)، والنسائي في المناسك باب إفراد الحج (2716)، وابن ماجه في المناسك باب الإفراد بالحج (2964 - 2965). وأحمد في "المسند"(24615)، (26063)(26064).
(7)
في "شرح معاني الآثار" 2/ 150.
(8)
نقل المؤلف هذه الجملة بالمعنى إذ ليست هذه في الطحاوي. وما وجدنا ما =
حينئذ بحجة، فمضى فيها على أن يَحُجَّ في وقت الحجِّ، فكان في ذلك متمتعًا بها، ثم أحرم بحجة منفردة في إحرامه بها، لم يتبدئ معها إحرامًا بعمرة، فصار بذلك قارنًا لها إلى عمرتهِ المتقدمةِ، فقد كان في إحرامه على أشياءَ مختلفة: كان في أوّله متمتعًا، ثم محرمًا بحجة أفردها في إحرامه تلزمه
(1)
مع العمرة التي كان قَدَّمها، فصار في معنى القارن والمتمتع. وأرادت عائشة بالإفراد خلافًا للذين رووا أنه عليه السلام أهلَّ بهما جميعًا". اهـ.
الحديث الرابع:
وأخرجا
(2)
أيضًا من جهة نافع قال:
قيل لابن عمر: إن أبا هريرةَ يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ تَبِعَ جنازةً فله قِيراطٌ من الأجر" فقال ابن عمر؛ "أكثر علينا أبو هريرة" فبعث إلى عائشة، فسألها، فَصَدَّقَتْ أبا هريرة، فقال ابن عمر:"لقد فَرَّطْنا في قراريطَ كثيرة".
وأخرجه مسلم
(3)
أيضًا عن داوود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه: أنه كان قاعدًا عندَ عبد الله بن عُمر، إذ طلع خبَّابٌ صاحبُ المقصورة، فقال:
= فيه كما يلي: فإن قيل قائل: فكيف تقبلون مثل هذا عن عائشة رضي الله عنها؟ وقد رويتم عنها في أول هذا الباب ما قد رويتم، من إفراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعه على ما ذكرتم؟ فقيل له: ذلك عندنا - والله أعلم - على نظير ما صححنا عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيكون ما علمت عائشة رضي الله عنها من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ابتدأ.
(1)
في (ب): يلزمه وفي الطحاوي فلزمته.
(2)
أخرجه البخاري في الجنائز باب فضل اتباع الجنائز (1323 - 1324) ومسلم في الجنائز باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها (2194).
(3)
أخرجه مسلم في الجنائز باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها (2195).
يا عبد الله بنَ عُمر، ألا تسمعُ ما يقول أبو هريرة؟ إنه سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ خرج مَعَ جَنازَةٍ مِن بيتها وصلَّى عليها، ثم تبعها حتَّى تُدْفَنَ، كان له قِيراطانِ مِن أجر، كُلُّ قيراط مثل أُحُد، ومن صلَّى عليها، ثم رجع، كان له مِن الأجر مثلُ أحد" فأرسل ابن عمر خبَّابًا إلى عائشةَ يسألها عن قولِ أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت، وأخذ ابن عمر قبضةً مِن حصى
(1)
المسجد يُقلِّبُها في يده، حتَّى رَجَعَ إِليه الرسول، فقال: قالت عائشة: "صدق أبو هريرة" فضرب ابن عُمَرَ بالحصى الذي كان في يده الأرضَ، وقال:"لقد فَرَّطْنا في قراريطَ كثيرةً".
الحديث الخامس:
أخرج أبو داود في "سننه"
(2)
عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله:
أن عبد الله بنَ عمر كان يصنعُ ذلك يعني يقطع الخفين لِلمرأة المُحرمة ثم حدثته صفيةُ بنت أبي عُبيد: أن عائشة رضي الله عنها حدثتها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كانَ رخَّص للنساء في الخُفين" فترك ذلك.
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"
(3)
وقال فيه: قال محمد بن إسحاق: حدثني الزهريُّ، فزالت عِلَّةُ التدليس.
وقال الشافعي
(4)
: أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه،
(1)
في (أ) و (ب): حصى. وفي معظم الأصول لصحيح مسلم الأول حَصْباء والثاني بالحصى جمع حصاة والحصباء هو الحصى.
(2)
أخرجه أبو داود في المناسك باب ما يلبس المحرم (1831).
(3)
في "الصحيح"(4/ 2686).
(4)
في مسند الشافعي ص 302 برقم (787).
أنه كان يُفتي النساءَ إذا أحرمنَ أن يقطعْنَ الخُفين، حتَّى أخبرته صفيةُ عن عائشة
(1)
: "أنها تُفتى النساءَ إذا أحرمن ألّا يقطعن" فانتهى عنه. أخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبير"
(2)
من طريق الشافعي.
وأخرج البيهقي
(3)
أيضًا عن أبي النضر حَدَّثَنَا محمد بن راشد، عن عبدة بنَ أبي لُبابة، عن ابن باباه
(4)
المكي: أن امرأة
(5)
سألت عائشة: "ما تَلْبَسُ المرأةُ في إحرامِها؟ " قالت: "تَلْبَسُ مِن خَزِّها وبزِّها وأصباغها وحُلِيِّها" قال بعضهم: أجمعوا على أن المراد بالخطاب المذكور في اللباس الرجالَ دونَ النساءِ، وأنه لا بأسَ بلباس المخيط والخفاف للنساء.
الحديثُ السادس:
أخرج الدارقطني في "سننه"
(6)
: عن علي بن عبد العزيز الورَّاق، عن عاصم بن علي، عن أبي أُويس، حدثني هشامُ بنُ عروة عن أبيه.
عن عائشة: أنه بلغها قولُ ابن عمر: "في القُبلة الوضوءُ" فقالت: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وهو صائِمٌ ثم لا يتوضأُ"
(7)
.
(1)
عن عائشة سقطت من (ب).
(2)
في "السنن" 5/ 52.
(3)
الموضع السابق.
(4)
هو عبد الله بن باباه المكي، ثقة روي له مسلم وأصحاب السنن. انظر:"تهذيب التهذيب"(5/ 261).
(5)
في "السنن": أن امرأته.
(6)
في "السنن 1/ 136. وانظر أيضًا ص 135 - 137.
(7)
أخرج الإمام أحمد في مسنده (24110) حَدَّثَنَا سفيان قال: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أسمعت أباك يحدث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم؟ فسكت عني هُنَيَّة ثم قال: نعم. إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد ورد حديث صحيح بلفظ آخر في المسند (24668) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، =
قال الدراقطنيُّ: لا أعلم حدَّث به عن عاصم هكذا غيرُ علي بن عبد العزيز.
الحديث السابع:
قال الطبراني في "معجمه الوسط"
(1)
: حَدَّثَنَا بكرُ بنُ سهل، حَدَّثَنَا سعيد بن منصور، حَدَّثَنَا صالحُ بن موسى الطلحي، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة.
قال: "بلغ عائشةَ أن ابنَ عمر يقول: "إن موت الفَجأة سخطةٌ على المؤمنين" فقالت: "يَغْفِرُ اللهُ لابن عمر، إنما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: موت الفجأة تخفيفٌ على المؤمنين وسُخطة على الكافرين".
قال الطبراني: لم يروه عن عبد الملك إلا صالح. قلت: وهو ضعيفٌ عندهم.
= وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر تمام تخريج هذه الأحاديث في المسند (24110).
وانظر أيضًا لحديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل ويصلي ولا يتوضأ "المسند"(24329). وأخرج أبو داود في الطهارة باب الوضوء من القبلة (178 - 180) والترمذي في الطهارة باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة (86) وابن ماجه في الطهارة باب الوضوء من القبلة (502 - 503).
(1)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(4/ 3153)، وفي سنده صالح بن موسى الطلحي وهو متروك والحديث ضعيف جدًّا بهذه السياقة. وأخرجه أحمد (25042) ولفظه عن عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة فقال: راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر. وفي سنده عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو المتروك. انظر لتخريجه إلى المسند. والحديث صحيح من حديث عبيد بن خالد بلفظ: موت الفجأة آخذة آسف. أخرجه أحمد برقم (15496) وإسناده صحيح.
الحديثُ الثامن:
روى البخاري
(1)
مِن حديثِ ابن عمر
أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالًا يؤذِّنُ بليلٍ، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذِّنَ ابن أُمِّ مكتوم".
وأخرج البيهقي في "سننه"
(2)
من جهةٍ يعقوبَ بن محمد الزهري: حَدَّثَنَا الدراوردي حَدَّثَنَا هشام، عن أبيه.
عن عائشة قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن ابنَ أم مكتوم رجلٌ أعمى، فإذا أذَّنَ، فَكُلُوا، واشربوا حتَّى يؤذِّنَ بلالٌ" قالت: وكان بلالٌ يُبصر الفجرَ، وكانت عائشة تقول:"غَلِطَ ابن عمر".
قال البيهقي
(3)
: كذا قال: وحديث عُبيد الله، عن القاسم، عن عائشة أصح. يُشير إلى ما أخرجه البخاري
(4)
كذلك عنها موافقًا لِحديث ابن عمر.
واعلم أن حديثَ عائشة هذا الذي أخرجه إسناده صحيح وقد رواه أحمد
(5)
(1)
أخرجه البخاري في الأذان باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره (617) وتتمة الحديث قال: وكان رجلًا أعمى لا ينادى حتَّى يقال له: أصبحت أصبحت وانظر أيضًا: (620)(623)(1918).
(2)
في "السنن" 1/ 382.
(3)
في "السنن" 1/ 382.
(4)
أخرجه البخاري في الأذان باب الأذان قبل الفجر (622)(623).
(5)
أخرجه أحمد في "المسند"(25521) عن الأسود بن يزيد قال: قلت لعائشة أم المؤمنين: أي ساعة تُوتِرين؟ قالت ما أوتر حتَّى يؤذنوا، وما يؤذنون حتَّى يطلع الفجر، قالت: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال وعمرو بن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا فإنه رجل ضرير البصر، وإذا أذن بلال فارفعوا =
في مسنده
(1)
، وابنُ خزيمة
(2)
، وابنُ حبان في صحيحهما
(3)
، لكن لم يذكرا في تغليط ابنِ عمر، وحمله ابن حبان وابن خزيمة
(4)
على أن الأذانَ كان بينَهما دُولًا: تارةً يُقدم هذا، وتارة يتأخر
(5)
.
وقد روى ابن أبي شيبة
(6)
حديثًا يَشهد لذلك، فقال: حَدَّثَنَا عفان
(7)
حَدَّثَنَا شعبة عن خُبيبٍ قال: سمعتُ عمتي وكانت قد حجت مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ابنَ أُم مكتوم يُنادي بليل، فكُلُوا واشربوا حتَّى ينادي بلال" كذا أو
(8)
"إن بلالًا يُنادي بليل، فكلوا واشربوا حتَّى
= أيديكم، فإن بلالًا لا يؤذن - كذا قال - حتَّى يصبح. حديث صحيح. وفيه تمام تخريجه.
(1)
وقع في النسخة المطبوعة معتمدًا على (أ): ومسدد وهو خطأ، أثبتناه من (ب).
(2)
في "الصحيح" 1/ (406).
(3)
في "الإحسان"(8/ 3473) صحيح.
(4)
وقع في النسخة المطبوعة معتمدًا على (أ) وابن حزم، وهو تحريف، أثبتناه من (ب).
(5)
في "الإحسان"(8/ 3474)، وفي صحيح ابن خزيمة (1/ 408) قال: وليس هذا الخبر يضاد خبر سالم عن ابن عمر، وخبر القاسم عن عائشة، إذ جائز أن يكون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لقد كان جعل الأذان بالليل نوائب بين بلال وبين ابن أم مكتوم، فأمر في بعض الليالي بلالًا أن يؤذن أولًا بالليل فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم، فأذن بعده بالنهار. فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ ابن أم مكتوم فأذن بليل فإذا نزل، صعد بلال فأذن بعده بالنهار ..
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 8940).
(7)
وقع في النسخة المطبوعة: عثمان وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب): و "المصنّف".
(8)
في (أ) والنسخة المطبوعة: أو، وفي (ب) و "المصنّف": و.
يُؤذن ابن أُمِّ مكتوم" قالت: "وكان يَصْعَدُ هذا وينزِلُ هذا، قالت: فكنا نتعلَّق
(1)
به فنقول: كما أنت حتَّى نتسحر وكذا رواه أبو داود
(2)
عن شعبة عن شعبة عن خبيب.
الحديث التاسع:
روى أبو منصور البغدادي بإسناده إلى ابن جريج قال: حَدَّثَنَا ابن أبي مُليكة عن رجلٍ لا يكذبه:
أُخْبِرَت عائشةُ رضي الله عنها بقول ابن عمر رضي الله عنه: "إن الشهر تسعٌ وعشرون" فأنكرت ذلك عليه وقالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قال: "إن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين".
قال الإمام أحمد في "مسنده"
(3)
: حَدَّثَنَا يحيى، عن محمد بن عمرٍو، قال: حدثني يحيى بن عبد الرحمن.
عن ابن عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "الشهرُ تسع وعشرون" فذكروا ذلك لعائشة، فقالت: "يرحمُ الله أبا عبد الرحمن
(4)
، إنما قال:"الشهر قد يكون تسعًا وعشرين".
(1)
في (أ) والنسخة المطبوعة: نعلق به، خطأ. أثبتناه من (ب) و "المصنّف".
(2)
مسند الطيالسي (1661) وانظر أيضًا: سنن البيهقي 1/ 382.
(3)
أخرجه أحمد في المسند (5182) ونحوه برقم (4866).
(4)
بعد هذا في "المسند": وَهَل هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا، فنزل بتسعٍ وعشرين فقيل له فقال: إن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين.
قلت: ولفظ ابن عمر هذا يوهم أن الشهر تسع وعشرون فقط، وهذا هو الذي سوغ لعائشة الإنكار عليه، لكن ثبت عن ابن عمر في مسند أحمد برقم (5017) أنه نقل عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أن الشهر يكون تارة تسعًا وعشرين، وتارة ثلاثين كما تقول عائشة رضي الله عنها. وانظر أيضًا برقم (4488).
الحديث العاشر:
أخرجَ البخاري
(1)
عن ابن عمر قال:
"وقف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على قَلِيب بدر فقال: {هَلْ وَجَدْتُمْ ما وعد ربُّكُمْ حَقًّا"} ثم قال: "إنهم الآن يسمعون ما أقولُ" فذُكِرَ لعائشةَ، فقالت:"إنما قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنهم ليعلمون الآن أن ما كنتُ أقولُ لهم حق".
(1)
أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبي جهل (3980 - 3981) وتتمته عند البخاري: إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] حتَّى قرأت الآية. وأخرجه أحمد في "المسند"(4864) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الحديث: إنكار عائشة إسماع الموتى مطلقًا مستند إلى أنها حملت المراد من الآيتين على الحقيقة. أما إذا حملت الآيتان على المجاز، يعني تشبيه الكفار الأحياء بالموتى، فلا يبقى فيهما دليل على ما ذهبت إليه عائشة رضي الله عنها.
وابن عمر لم ينفرد بهذا اللفظ، بل تابعه عليه عمر بن الخطاب كما سلف برقم (182) ووافقهما عليه أبو طلحة كما عند البخاري (3976) وعبد الله بن مسعود عند الطبراني (10320) بإسناد صحيح وسيدان عند الطبراني أيضًا (6715). ثم إن عائشة روت نحو لفظ ابن عمر كما سيرد 6/ 170 (25372) بلفظ "ما أنتم بأفهم لقولي منهم" فإن كان محفوظًا، فكأنها رجعت عن الإنكار. (ولكن إسناده ضعيف لانقطاعه".
وقد قبل الجمهور حديث ابن عمر لأنَّهُ - كما قال الإسماعيلي فيما نقله الحافظ في "الفتح" 7 (3981) - لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدلُّ على نسخه أو تخصيصه أو استحالته فكيف والجمع الذي أنكرته وأبته غيرها ممكن، لأن قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "إنهم الآن يسمعون" لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم، بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم. وانظر فضل بيان في هذه المسألة في "الفتح"(3/ 1370 - 1371) و (7/ 3980) و (3981)، و"البداية والنهاية" 3/ 292 - 293.
قال السهيلي في "الروض"
(1)
: "وعائشة لم تَحْضَرْ، وغيرُها ممن حضر أحفظُ للفظه صلى الله عليه وسلم وقد قالوا له: يا رسول الله "أتخاطِبُ قومًا قد جيَّفوا أو أُجيفوا"؟ فقال: "ما أنتُمْ بأسمعَ لما أقولُ منهم".
وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين، جاز أن يكونوا سامعين، إما بآذان رؤُوسهم إذا قُلنا: إن الروح تُعادُ إلى الجسد، أو إلى بعضه عند المسألة وهو قولُ جمهور أهلِ السنة
(2)
، وإما بأُذن القلب أو الروح على مذهب مَنْ يقولُ بتوجهِ السؤال إلى الروحِ من غير رجوعٍ منه إلى الجسد أو إلى بعضه.
قال: "وقد رُوِيَ أن عائشة احتجَّت بقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي القُبُورٍ} [فاطر: 22] وهذه الآية كقوله: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِى الْعُمْيَ} [الزخرف: 40] أي إن الله هو الذي يَهْدِي ويُوَفِّق ويُوصِلُ
(3)
الموعظةَ إلى آذان القلوبِ لا أنت، وجعل الكفار أمواتًا وصُمًّا على جهة التشبيه بالأموات وبالصم، فالله هو الذي يسمعهم على الحقيقة إذا شاءَ
(4)
، فلا تَعلُّق لها في الآية لوجهين: أحدهما: أنها إنما نزلت في دُعاء الكفارِ إلى الإيمان، الثاني: أنه إنما نفى عن نبيه أن يكونَ هو المسمع لهم، وصدقَ الله، فإنه لا يسمعهم إذا شاءَ إلا هو
(5)
.
(1)
"الروض الأنف" 5/ 174 - 176.
(2)
في "الروض": قول الأكثرين من أهل السنة.
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: ويدخل وهو تحريف. أثبتناه من (أ) و (ب): و "الروض".
(4)
في "الروض" زيادة هنا: "لا نبيُّه ولا أحد فإذا لا تعلق لها في الآية من وجهين".
(5)
في "الروض" زيادة أخرى: ويفعل ما شاء وهو على كل شيء قدير.
استدراكها على عبد الله بن عمرو بن العاص
الحديث الأول:
أخرج مسلمٌ في "صحيحه"
(1)
عن عُبيد بن عمير، قال:
بلغ عائشة أن ابن عمرو يأمُرُ النساءَ إِذا اغتسلن أن يَنْقُضْنَ رؤُوسَهن، فقال: "يا عَجبًا لابنِ عمر [هذا]
(2)
يأمرُ النساءَ إذا اغتسلن أن يَنْقُضْنَ رؤُوسَهن، أفلا يأمُرُهُنَّ أن يحلِقْن رؤوسهن! لقد كنت أغتسِلُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، وما أزيد [على]
(3)
أن أُفْرِغَ على رأسي ثلاثَ إفراغاتٍ".
ورواه النسائي
(4)
وقال: "وما أنقض لي شعرًا" ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"
(5)
أتم من ذلك.
وقد تابع عائشة على رواية ذلك أمُّ سلمة، فروى مسلم في "صحيحه"
(6)
عن عبد الله بن رافع مولى أُمِّ سلمة عن أم سلمة قالت: قلت: "يا رسولَ الله إني امرأةٌ أشدُّ ضَفْرَ رأسي، أفأنقُضُ لغسل الجنابة"؟ فقال: "لا إنما يكفيكِ أن تَحْثي على رأسِك ثلاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفيضي
(7)
عليكِ الماءَ فتطهرين".
(1)
أخرجه مسلم في الحيض باب حكم ضفائر المغتسلة (747).
(2)
توجد كلمة "هذا" عند مسلم.
(3)
"علي" سقطت من (أ) و (ب)، استدركناه من رواية مسلم.
(4)
أخرجه النسائي في الغسل باب ترك المرأة نقض رأسها عند الاغتسال (416).
(5)
في "الصحيح (1/ 247). ولفظه: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر نساءه أن ينقضن رؤوسهن إذا اغتسلن من الجنابة. فقالت: يا عجباه لابن عمرو هذا، لقد كلفهن تعبًا أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن، لقد كنت أنا و
…
(6)
أخرجه مسلم في الحيض باب حكم ضفائر المغتسلة (744).
(7)
عند مسلم: ثم تفيضين.
قال المَاوَرْدِيُّ
(1)
في "الحاوي"
(2)
: ويحتمل أن يكونَ ابن عمرو أمر بذلك احتياطًا لا واجبًا، وعائشة إنما أنركت وجوبَ الحل".
استدراكها على أبي هريرة
الحديثُ الأول:
إنكارها عليه بطلان الصومِ بالجنابة: أخرج مسلم
(3)
عن ابن جريج، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن
(4)
قال:
سمعت أبا هريرة يَقُصُّ [و] يقول في قصصه: "من أدركه الفجرُ جنبًا، فلا يَصُمْ"
(5)
قال فذكرتُ ذلك لعبدِ الرحمن بن الحارث، فذكره لأبيه
(6)
، فأنكر ذلك، فانطلق عبدُ الرحمن وانطلقتُ معه حتَّى دخلنا على عائشةَ وأُمِّ سلمة، فسألهما
(7)
عبدُ الرحمن عن ذلك، فقال: فكلتاهما
(8)
قالت: "كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصبح جنبًا مِن غير
(1)
هو الإمام العلامة، أقضى القضاة، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المَاوَرْدِيُّ الشافعي المتوفى سنة 450 هـ صاحب التصانيف. انظر لترجمته في "السير"(18/ 29).
(2)
"الحاوي" 1/ 225 قال المَاوَرْدِيُّ قبل هذه الجملة: فأنكرت عائشة وجوب حله ويحتمل.
(3)
أخرجه مسلم في الصيام باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (2589)، انظر أيضًا ما أخرجه أحمد في "المسند" برقم (25501).
(4)
"عن أبي بكر بن عبد الرحمن" سقط من (ب) سهوًا.
(5)
في مسلم: فلا يصوم.
(6)
"فذكره" لا يوجد في مسلم.
(7)
وقع في (أ) و (ب) والنسخة المطبوعة: فسألها، خطأ، استدركناه من مسلم.
(8)
وقع في (أ) والنسخة المطبوعة: فكلمناها وهو تحريف، وسقطت هذه الكلمة من (ب)، أثبتناه من مسلم.
حُلْمٍ
(1)
ثم يصومُ" فانطلقنا حتَّى دخلنا على مروانَ، فذكر ذلك له عبدُ الرحمن، فقال مروانُ: "عزمتُ عليك إلا ما ذهبتَ إلى أبي هُريرة فرددتَ عليه ما يقولُ" قال: فجئنا أبا هريرةَ وأبو بكر حاضرٌ ذلك كُلّه، فذكر له عبدُ الرحمن، فقال أبو هريرة: "أهُما قالتاه لك؟ " قال: "نَعَمْ" قال: "هُما أعلمُ" ثم رَدَّ أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن عباس، قال أبو هريرة: "سمعتُ ذلك من الفضل، ولم أسمعه
(2)
من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقولُ من ذلك؟
(3)
قال البزار في "مسنده"
(4)
: "ولا نعلم روى أبو هُريرة عن الفضل بن العباس إلا هذا الحديثَ الواحد" اهـ. وفي لفظ: فقال أبو هريرة: "لا عِلْمَ لي بذلك، إنما أخبرني مُخْبِرٌ".
قال البيهقي
(5)
: ورواه البخاري
(6)
مُدرجًا في روايته عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، إلا أنه قال في حديثه:"فقال: كذلك حَدَّثَنِي الفضلُ بنُ عباس وهو أعلمُ".
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: من غير طهر وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) ومسلم.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة ولم أسمع، خطأ، أثبتناه من (أ) و (ب) ومسلم.
(3)
في مسلم: من ذلك الحديث.
(4)
في البحر الزخار (6/ 2166). انظر أيضًا: "جامع المسانيد" لابن كثير 10/ (7798 - 7799) و "الحاوي الكبير" للماوردي 3/ 415.
(5)
في "السنن" 4/ 214.
(6)
أخرجه البخاري في الصوم باب الصائم يصبح جنبًا (1925 - 1926).
وروي أنه قال: "أخبرني بذلك أُسامةُ بنُ زيد" أخرجه النسائي في "سننه"
(1)
وقد صح رجوعه عن ذلك صريحًا كما سبق.
وأخرج البيهقي في "سننه"
(2)
عن ابن أبي عَروبة عن قتادة عن ابن المسيّب: "أن أبا هريرة رجع عن قوله قبلَ موته" وروى مثله
(3)
عن عطاء، ثم قال:
قال ابن المنذر
(4)
: أحسنُ ما سمعتُ في هذا أن يكونَ ذلك محمولًا على النسخ، وذلك أن الجماعَ كان في أول الإسلام محرمًا على الصائمِ في الليل بعدَ النوم، كالطعام والشراب، فلما أباح الله الجماعَ إلى طلوعِ الفجر، جاز للجنب إذا أصبح قبلَ أن يغتسل، أن يصومَ ذلك اليومِ لارتفاعِ الحَظْرِ، وكان أبو هريرة يُفتي بما سمعه مِن الفضل على الأمر الأول، ولم يعلم بالنسخ، فلما سمع خبر
(5)
عائشة وأم سلمة صار إليه اهـ.
(1)
أخرجه النسائي في الكبرى برقم (2931 - 2932) أن عائشة أخبرته أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الصبح ورأسه يقطر ماء نكاحًا من غير حلم ثم يصبح صائمًا فذكر ذلك عبد الرحمن لمروان بن الحكم فقال مروان: أقسمت عليك إلا ذهبت إلى أبي هريرة فحدثته هذا قال عبد الرحمن: غفر الله لك إنه لي صديق ولا أحب أن أردّ عليه قوله: وكان أبو هريرة يقول: من احتلم من الليل أو واقع ثم أدركه الصبح واغتسل فلا يصوم قال مروان: عزمت عليك إلا ذهبت فذهب عبد الرحمن فأخبره ذلك قال أبو هريرة: فهي أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا إنما كان أسامة بن زيد حدثني بذلك.
(2)
"السنن" 4/ 215.
(3)
في (ب): سلمة وهو خطأ.
(4)
هو الإمام الحافظ العلامة، شيخ الإسلام، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه، نزيل مكة وصاحب التصانيف كـ "الإشراف في اختلاف العلماء" وكتاب "الإجماع" وكتاب "المبسوط" وغير ذلك، المتوفى سنة 318 هـ. انظر لترجمته في "السير"(14/ 275) و "تذكرة الحفاظ" 3/ 782 - 783.
(5)
وقع في النسخة المطبوعة: من وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) والبيهقي.
وجواب ثان: وهو حمله على مَنْ طلع الفجر [عليه]
(1)
وهو يُجامع فاستدام.
وجواب ثالث: أنه إرشادٌ إلى الأفضل وهو الاغتسالُ قبلَ الفجر، وتركه عليه السلام لذلك في حديثِ عائشة وأُم سلمة، لبيان الجواز.
واعلم أنه وقع خلاف في ذلك للسلف أيضًا، ثم استقر الإجماعُ على صحة صومه، كما نقله ابن المنذر وكذلك المَاوَرْدِيُّ في الاحتلام
(2)
، فعن طاووس
(3)
وعروة
(4)
والنخعي: التفصيل بين أن يَعْلَمَ، فإنه مبطل، وإلا فلا.
وعن الحسن البصري: الفصلُ بينَ صومِ التطوع، فيحرم
(5)
دونَ الفرض، وقيل: يصومُ ويقضيه
(6)
وحُكي عن سالم بن عبد الله
(7)
.
وفي "معجم الإمام أبي بكر الإسماعيلي"
(8)
: قال سفيان: كان إبراهيم النَّخعي يقول: "من يدرِكُه الصبحُ وهو جنب يُفطِرْ"، قال يحيى بن آدم: ثم
(1)
في (أ) و (ب): من طلع الفجر وهو يجامع.
(2)
أي أن الصائم الذي يحتلم أثناء النهار يصح صومه إجماعًا. وهذه المسألة أوردها الماورد في "الحاوي" في الصوم 3/ 414 - 415.
(3)
أخرج خبره ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 9582) من جهة ابنه قال: إن أصابته جنابة في شهر رمضان فإن استيقظ ولم يغتسل حتَّى يصبح فإنه يتم ذلك اليوم ويصوم يوما مكانه فإن لم يستيقظ فليس عليه بدل.
(4)
وقع في (ب): وغيره وهو خطأ بدليل أن عبد الرزاق أخرج خبره في مصنفه (4/ 7405) من جهة ابنه هشام قال: من أدركه الصبح جنبا وهو متعمد لذلك أبدل الصيام ومن أتاه ذلك على غير محمد فلا يبدله.
(5)
وقع في (أ) والنسخة المطبوعة: محرم، خطأ، أثبتناه من (ب).
(6)
في (ب) ويقضي.
(7)
انظر لتحقيق هذه المسألة: "المغني" لابن قدامة 4/ 390 - 391.
(8)
هو الإمام الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام أبو بكر، أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي صاحب "الصحيح" وشيخ الشافعية المتوفى سنة 371 هـ. انظر لترجمته في "السير"(16/ 208). والنص في كتاب "المعجم" 1/ 324.
جعل سفيان يتعجَّبُ مِن قول إبراهيم، فقال له حفصُ بن غياث:"لعل إبراهيمَ لم يسمع حديث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يُدركه الصبحُ وهو جنب" يعني (ثم يصوم) قال سفيان: "بل حَدَّثَنَا حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به".
الحديثُ الثاني:
قال أبو داود الطيالسي في "مسنده"
(1)
: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ راشد، عن مكحول قال:
قيل لعائشة: إن أبا هريرة يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤمُ في ثلاثةٍ: في الدارِ والمرأةِ والفرسِ" فقالت عائشةُ: "لم يحفظ أبو هريرة، إنه دخل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتلَ الله اليهودَ يقولون: الشؤْمُ في ثلاثة: في الدار والمرأة والفرسِ، فسمع آخِرَ الحديث ولم يَسْمَعْ أَوَّلَه".
ومحمدُ بنُ راشد وثقه أحمدُ وغيره، ولكن الشأنَ
(2)
في الواسطة بين مكحول وعائشة. وقد قال ابن أبي حاتم في "المراسيل"
(3)
: "حَدَّثَنَا أبي قال سألتُ أبا مسهر
(4)
: "سمع مكحولٌ من أحد مِن
(5)
أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ " قال: "ما صح عندنا إلا أنس بن مالك" قلت: "واثلة؟ " فأنكره
(6)
.
(1)
في "المسند" ص 215 برقم (1537). قلت: إسناده ضعيف لأن مكحولًا لم يسمع من عائشة.
(2)
في النسخة المطبوعة: الشك وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(3)
"المراسيل" ص 211.
(4)
وقع في النسخة المطبوعة من المراسيل لابن أبي حاتم: أبا سهر وهو تحريف لأنَّهُ هو عبد الأعلى بن مسهر أبو مسهر الدمشقي. انظر في "الجرح والتعديل"(6/ 153).
(5)
من سقط من النسخة المطبوعة، أثبتناه من (أ) و (ب).
(6)
وقال في "الجرح والتعديل"(1867): مكحول الشامي. . روى عن أنس =
وقد جاءَ الإنكار على وجه آخر: قال الإمام أحمد في "مسنده"
(1)
: حَدَّثَنَا روح، حَدَّثَنَا سعيد، عن قتادة، عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة فقالا:"إن أبا هريرة يُحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنما الطِّيَرَةُ في المرأةِ والدابةِ والدار. قال فطار شِقّة منها في السماء وشِقّة منها في الأرض
(2)
وقالت: "والذي أنزلَ القرآنَ على أبي القاسم ما هكذا كان يقولُ، ولكن كان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان أهلُ الجاهلية يقولون: الطِّيَرَةُ في المرأةِ والدَّابةِ والدارِ.
= ابن مالك وأبي هند الداري وواثلة بن الأسقع وأم الدرداء الصغرى .. وقال: حدثني أبي قال: سمعت أبا مسهر الدمشقي وسألت هل سمع مكحول من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال سمع من أنس .. فقلت: فواثلة بن الأسقع؟ فقال: من [رواه]؟ فقلت: حَدَّثَنَا أبو صالح كاتب الليث قال: حدثني - معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول قال: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع، فكأنه أومأ برأسه، كأنه قبل ذلك]. وأخرج الترمذي في صفة القيامة باب لا تظهر الشماتة لأخيك (2506) عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحَمه الله ويبتليك. ثم قال: هذا حديث حسن غريب. ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع وأنس بن مالك وأبي هند الداري ويقال إنه لم يسمع من أحدٍ من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلا من هؤلاء الثلاثة ..
(1)
أخرجه أحمد في "المسند"(26088). إسناده صحيح على شرط مسلم. أبو حسان - وهو الأعرج -. من رجاله، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. روح: هو ابن عبادة، وقد سمع من سعيد - وهو ابن أبي عروبة - قبل الاختلاط. انظر تمام تخريجه في "المسند"(26034).
(2)
قال السندي: قوله: فطارت شقة، بكسر فتشديد، أي قطعة، وهذا مبالغة في الغضب والغيظ، يقال: قد انشق فلان من الغيظ: كأنه امتلأ باطنه به حتَّى انشقّ، ولعل هذا الغضب ليس لتكذيب أبي هريرة فيما روى، بل لبيان أنه صلى الله عليه وسلم قاله إخبارًا عما كان الأمر عليه في الجاهلية، بمعنى أن الطيرة كانت في الجاهلية في هذه الأمور، فروى أبو هريرة على وجه يوهم أن هذا الأمر حق، وهذا خطأ منه في التأويل، فغضبت لذلك والله تعالى أعلم. انظر في التعليق على (25168) في المسند.
ثم قرأت عائشة {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] وأبو حسان اسمُه: مسلم الأحرد
(1)
يروي عن ابن عباس وعائشة.
قال بعض الأئمة: وروايةُ عائشة في هذا أشبهُ بالصوابِ إن شاء الله لموافقته نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطِّيرة نهيًا عامًا، وكراهتِها وترغيبهِ في تركها بقوله:"يَدْخُلُ الجنةَ سبعون ألفًا بغيرِ حساب وهُم الذين لا يكتوون ولا يسْتَرقون، وعلى رَبِّهم يتوكلون"
(2)
واستدراكها على أبي هريرة في هذا مِن جنس استدراكها على ابن عمر في البكاء على الميت، بمعنى أن ذلك كان في واقعةٍ خاصة لا على العمومِ.
فإن قيل: فإن غيرَها من الصحابة يروي الإثبات وعائشة نافية، والإثباتُ مقدم على النفي، ولهذا قال ابن عبد البر بعد هذا:"وأهل العلم لا يرون الإنكارَ علمًا، ولا النفي شهادةً ولا خبرًا". وقد أخرجه البخاريُّ
(3)
ومسلم
(4)
من حديث ابن عمر بألفاظ، ومنها: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوي ولا طِيَرَة، وإنما الشؤمُ في ثلاثةٍ
(5)
: المرأة والفرس والدار".
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: الأجرد وهو تحريف، أثبتنا من (أ) و (ب). وهو أبو حسان الأعرج الأحرد، البصري، مشهور بكنيته واسمه: مسلم بن عبد الله. انظر: "تحرير تقريب التهذيب"(4/ 8046).
(2)
قد ثبت الحديث بهذا المعنى من طرق مختلفة كما يلي:
عن عمران بن الحصين: أخرجه البخاري (5705)، ومسلم (524 - 525)، وأحمد (19913، 19966، 19984)، وعن ابن عباس أخرجه البخاري (5752، 6472، 6541)، ومسلم (527)، والترمذي (2446)، وأحمد (2952) و (2448)، وعن ابن مسعود: أخرجه أحمد (3806، 3819، 4339).
(3)
أخرجه البخاري في الطب باب الطيرة (5753).
(4)
أخرجه مسلم في السلام باب الطيرة والفأل، وما يكون فيه الشؤم (5804 - 5805).
(5)
وقع في (ب): في كما في رواية البخاري المذكورة. وهو لا يوجد في (أ) ولا في رواية مسلم.
وأخرجاه
(1)
أيضًا مِنْ حديثِ سهل بن سعد، وأخرجه مسلم عن جابر
(2)
.
وقال الترمذي
(3)
بعدَ أن أخرج حديثَ ابن عمر، وفي الباب
(4)
عن سهل بن سعد وعائشة وأنس.
قلنا: ليس هذا من باب تعارضِ النفي والإثباتِ، بل مِن بابِ الزيادة المعتبرة
(5)
في الحكم، فتقبل باتفاق. لكن كلامُ الترمذي يقتضي أن عائشة روته أيضًا
(6)
، فعلى هذا روايتُها مع الجماعة أولى مِن روايتها على الانفراد، كما رجحوا بذلك في مواضع على أنه قد جاءَ عن أبي هريرة خلافُ ما سبق، قال أحمد في "مسنده"
(7)
: حَدَّثَنَا خَلَف بنُ الوليد، حَدَّثَنَا أبو معشر، عن
(1)
أخرجه البخاري في النكاح باب ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14](9095) عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شيء ففي الفرس والمرأة والمسكن. انظر (2859).
ومسلم في السلام باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم (5810) عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان، ففي المرأة والفرس والمسكن، يعني الشؤم.
(2)
أخرجه مسلم في الباب المذكور برقم (5812) عن الجابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس.
(3)
أخرجه الترمذي في الأدب باب ما جاء في الشؤم (2824).
(4)
وقع في النسخة المطبوعة: وفي الثاني وهو تحريف، أثبتناه من (ب) و (أ).
(5)
وقع في النسخة المطبوعة: المفيدة وهو تحريف، أثبتناه من (ب) و (أ).
(6)
أخرجه الإمام أحمد برقم (24547) حَدَّثَنَا أبو اليمان ومحمد بن مصعب، قالا: حَدَّثَنَا أبو بكر بن عبد الله عن حبيب من عبيد قال: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشؤم سوء الخلق. إسناده ضعيف. فيه انقطاع وضعف. حبيب بن عبيد، وهو الرحبي الحمصي، لم يسمع من عائشة، وأبو بكر بن عبد الله وهو ابن أبي مريم الغساني ضعيف، ومحمد بن مصعب: هو القرقساني فيه ضعف كذلك، لكنه قد توبع، وأخرجه الطبراني في الأوسط (4357) وأبو نعيم في "الحلية"(10/ 249).
(7)
أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(7883) وقوله هنا: قلت إذًا أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. إسناده ضعيف بسبب ضعف أبي معشر وفيه أيضًا انقطاع.
محمد بن قيس، قال: سئل أبو هريرة: "هل سمعتَ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطِّيرَةُ في ثلاثٍ في المسكنِ والفرسِ والمرأةِ؟ " قال: "قلت: إذا
(1)
أقولُ على رسول الله ما لم يَقُلْ، ولكن سمعتُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أصدقُ الطِّيرَةِ الفألُ، والعينُ حقٌّ"
(2)
.
وأما ابن الجوزي في "المشكل" فأنكر على عائشة هذا الردَّ، وقال:"الخبرُ رواه جماعة ثقات، فلا يُعتمد على ردها". والصحيح أن المعنى: إن خيف من شيء أن يكون سببًا لما يخاف شره ويتشاءَم به، فهذه الأشياءُ، لا على السبيل التي تظنها الجاهلية مِن العدوى والطِّيرة، وإنما القَدَرُ يجعل للأسباب تأثيرًا.
وقال الخطابي
(3)
: "لما كان الإنسانُ في غالب أحوالهِ لا يستغني عن دارٍ يسكنها وزوجة يعاشرها، وفَرَسٍ يرتبِطُه، وكان لا يخلو مِن عارض مكروه، أضيف اليُمْنُ والشؤم إلى هذه الأشياء إضافة محلٍ وظرفٍ، وإن كانا صادرين عن قضاءِ الله". قال: وقد قيل: "إن شؤم المرأة ألَّا تَلِدَ، وشؤمَ الفرس ألَّا يُحْمَلَ عليها في سبيلِ الله، وشؤمَ الدَّارِ سوءُ الجوار"
(4)
.
(1)
في النسخة المطبوعة: فكنت وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(2)
انظر أيضًا: ما أخرجه البخاري في الطب باب الطيرة (5754) وباب الفأل (5755 - 5756) ومسلم في السلام باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم (5798 - 5803).
(3)
في معالم السنن 4/ 218 قال الخطابي: وأما قوله: إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار، فإن معناه إبطال مذهبهم في الطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحوها، إلا أنه يقول إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه ارتباطه فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويبيع الفرس، وكان محلّ هذا الكلام محلّ استثناء الشيء من غير جنسه وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره وقد قيل إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وشؤم المرأة أن لا تلد. انظر الجامع لمعمر بن راشد (10/ 19527).
(4)
قد نقله المؤلف قول ابن الجوزي وقول الخطابي من "كشف المشكل" لابن الجوزي 2/ 268.
الحديثُ الثالث:
قال أبو بكر البزار في "مسنده"
(1)
: حَدَّثَنَا هلال بن بشر: حَدَّثَنَا سهل بن حماد، قال: حَدَّثَنَا أبو عامر الخزاز
(2)
، وحدثنا محمد بن معمر، قال: حَدَّثَنَا عثمان بن عمر، قال: حَدَّثَنَا أبو عامر الخزاز عن سيّار، عن الشعبيِّ، عن علقمة، قال:
قيل لعائشة رحمة الله عليها: "إن أبا هُريرة يروي عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أن امرأةً عُذِّبَتْ في هِرةٍ" قال: فقالت عائشة: "إن المرأة كانت كافرة".
قال: "ولا نعلم روى علقمة عن أبي هُريرة إلا هذا الحديث" وأبو عامر الخزاز صالح بن رستم، قال فيه أحمد بن حنبل:"صالح الحديث"
(3)
.
ورواه أبو محمد قاسم بن ثابت السَّرْقُسْطِي
(4)
في كتاب "غريب الحديث":
(1)
انظر: "جامع المسانيد" لابن كثير، (36/ 2468) و "كشف الأستار" للهيثمي (4/ 3506).
(2)
وقع في (أ) و (ب): الجزار أو الجرار وفي النسخة المطبوعة: الجزار، كلها تحريف، والصحيح كما أثبتناه هو الخزَّاز (صالح بن رستم) انظر:"تهذيب التهذيب" 12/ 145 و"السير"(7/ 12).
(3)
قلت: هو مختلف فيه. فقد وثقه أبو داود السجستاني وأبو داود الطيالسي والبزار والعجلي. وضعفه ابن معين والدارقطني وأبو أحمد الحاكم، وقال ابن عدي عزيز الحديث روى عنه يحيى القطان مع شدة استقصائه وعندي لا بأس به ولم أر له حديثًا منكرًا جدًّا، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق كثير الخطأ. انظر "تهذيب الكمال" 13/ 45.
(4)
هو أبو محمد قاسم بن ثابت بن حزم بن عبد الرحمن العوفي السَّرَقُسْطِي المتوفى سنة 302 المحدث اللغوي النحوي. انظر: "معجم المؤلفين" للكحالة، 8/ 96.
أخبرنا محمدُ بنُ جعفر، قال: أخبرنا أبو أحمد محمود بن غيلان المروزي: أخبرنا أبو داود الطيالسي
(1)
قال: أخبرنا أبو عامر صالحُ بنُ رستم قال: أخبرنا سيّار أبو الحكم، عن الشعبي، عن علقمة بن قيس، قال:
"كنا عندَ عائشة ومعنا أبو هريرة فقالت: "يا أبا هُرير أنتَ الذي تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن امرأة عُذِّبَتْ بالنارِ من جرَّى هِرة
(2)
لا هِيَ أطعمَتْها ولا سَقتها، ولا هي تركتها تأكلُ مِن خشاش الأرضِ شيئًا حتَّى ماتت؟ " قال أبو هريرة:"سمعتُه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قالت عائشة: المؤمنُ أكرمُ عند الله من أن يُعذِّبَه مِن جرّى هِرَّة، أما
(3)
إن المرأة مع ذلك كانت كافرة؛ يا أبا هريرة إذا حدثَت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف تُحَدِّث.
قولها من جرّى هرة: تعني مِن أجلها.
الحديثُ الرابع:
قال الحاكم في "مستدركه"
(4)
في كتاب العتق: أخبرنا أبو بكر أحمدُ بنُ إسحاق: أنا محمدُ بنُ إسحاق: أنا محمدُ بنُ غالب: حَدَّثَنَا الحسنُ بن عمر بن شقيق: حَدَّثَنَا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة قال:
بلغ عائشة أن أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن أُمَتَّعَ
(5)
(1)
أخرجه الطيالسي في "المسند" برقم (1400).
(2)
في (ب): هريرة.
(3)
في النسخة المطبوعة: أي وهو تحريف، والمثبت من (ب).
(4)
في "المستدرك" 2/ 215.
(5)
في النسخة المطبوعة: أقنع وهو تحريف، والمثبت من (أ) و (ب).
بسوطٍ في سبيلِ الله أحبُّ إليَّ من أن أُعْتِقَ ولَدَ الزّنى" وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَلَدُ الزِّنى شرُّ الثلاثة" و "إنَّ الميت يعذَّبُ ببكاءِ الحي" فقالت عائشة: رَحِمَ الله أبا هريرة أساءَ سمعًا، فأساءَ إجابة: أما قوله: "لأن أُمتَّعَ
(1)
بسوط في سبيل الله أحبُّ إليَّ مِن أن أُعتِق ولد الزِّنى" إنها لما نزلت {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11 - 13] قيل: "يا رسولَ الله ما عندنا ما نعتِقُ، إلا أنَّ أحدَنا له الجاريةُ السوداءُ تَخْدِمُه، وتسعى عليه، فلو أمرناهُن، فزنين، فجئن بأولاد فأعتقناهم". فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أُمتع
(2)
بسوط في سبيل الله أحبُّ إليَّ من أن آمر بالزنى، ثم أُعتق الولد".
وأما قوله: "ولدُ الزنى شرُّ الثلاثة"
(3)
فلم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل مِن المنافقين يؤذي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"من يَعْذِرُني مِن فلان؟ "
(1)
في النسخة المطبوعة: أقنع وهو تحريف، والمثبت من (أ) و (ب).
(2)
المرجع السابق.
(3)
أخرجه أبو داود في العتق باب في عتق ولد الزنا (3963) حَدَّثَنَا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد الزنا شر الثلاثة. وقال أبو هريرة لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إليَّ من أن أعتق ولد زِنْيةٍ. وأخرجه أحمد في "المسند"(8098) عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد الزنا أشر الثلاثة. وأخرج الحاكم 2/ 215 من جهة أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة به مرفوعًا.
قيل: "يا رسول الله إنه مع ما به ولَدُ زنى" فقال: "هو شرُّ الثلاثة"
(1)
والله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
وأما قوله: "إن الميتَ يُعذب ببكاءِ الحي" فلم يكن الحديث على هذا ولكن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرّ بدارِ رجلٍ من اليهود قد مات، وأهله يبكون عليه، فقال:"إنهم ليبكون عليه وإنه ليعذب"
(2)
والله يقول: {لَا يُكَلَّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
(1)
قال الطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما رواه أبو هريرة عنه عليه السلام أنه قال:"ولد الزنى شر الثلاثة"(2/ 909 - 910) فسأل سائل: فقال: كيف يكون أولاد الزنى الذين لا أفعال لهم في الزانين ممن هم منه ممن كان منه الزني، وأعظم ذلك.
فكان جوابنا له أن أبا هريرة نقل عنه هذا الحديث لما ذكرنا، وقد روي عن عائشة إنكارها ذلك عليه، وإخبارها أن النَّبِيّ عليه السلام إنما كان قصد بذلك القول إلى إنسان بعينه لمعنى كان فيه يبين به عن سائر أولاد الزناة.
ثم ساق الطحاوي الحديث من جهة صالح بن شعيب بن أبان البصري بنفس السند وقريبة الألفاظ من رواية الزركشي ثم قال:
فكان في هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع لما في حديث أبي هريرة الذي رويناه قبله، وكان الذي في هذا الحديث أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم مما في حديث أبي هريرة لأن الله قال في كتابه:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وقال: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 39 - 41] فكان ولد الزنى ليس ممن كان له في زنى أمه، ولا في زنى الزاني بها حتَّى حملت به منه سعي، وبان لنا بحديث عائشة أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره عنه أبو هريرة:"ولد الزنى شر الثلاثة" إنما كان الإنسان بعينه كان منه من الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منه مما صار به كافرًا شرًا من أمه، ومن الزاني بها الذي كان حملها به منه.
(2)
تخريج الأحاديث في هذا الموضوع تقدم في استدراكها على عمر بن الخطاب وابن عمر.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
(1)
. وعن الحاكم: أخرجه البيهقي في "سننه"
(2)
في كتاب الأيمان في باب عتق ولد الزنى، ثم قال:"وسلمةُ الأبرش يروي مناكير". قال الذهبي في "مختصره": هو مختلف فيه، وقد وثقه أبو داود
(3)
. قال البيهقي: ورُوي عن أبي سليمان الشامي بردِ بن سنان، عن الزهري، عن عائشة في إعتاق ولد الزنى.
وأخرج عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة، قالت في ولدِ الزنى:"ليس عليه مِن وِزرِ أبويه شيء، لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْر أُخْرى" قال: وروي مرفوعًا ولم يصح
(4)
.
ثم أخرج عن إسحاق السلولي: حَدَّثَنَا إسرائيل، عن إبراهيم عن محمد بن قيس، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد الزنى شرُّ الثلاثة إذا عمل بعملِ أبويه" وقال: ليس بالقوي
(5)
. وقد روي مثلُه بإسناد ضعيف من حديث ابن عباس
(6)
.
(1)
في "المستدرك" 2/ 215. قال الذهبي: وسلمة لم يحتج به مسلم وقد وثق وضعفه ابن راهويه.
(2)
في "السنن" 10/ 58.
(3)
في "تحرير" تقريب التهذيب" (2/ 2505): بل ضعيف يعتبر به في الحديث، قويٌّ في المغازي فهو صاحب مغازي ابن إسحاق، وتدل دراسة ترجمته وروايته على صحة هذا الحكم الذي قلناه انظر أيضًا: "ميزان الاعتدال" (2/ 3410).
(4)
قال البيهقي في "السنن" 10/ 58: رفعه بعض الضعفاء والصحيح موقوف.
(5)
في "السنن" 10/ 58. قد أخرج الإمام أحمد في "المسند" (24784) عن جهة إسرائيل قال: حَدَّثَنَا إبراهيم بن إسحاق عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه، يعني ولد الزنى. إسناده ضعيف جدًّا، فيه إبراهيم بن إسحاق وهو متروك.
(6)
رواه الطبراني في الكبير (10/ 10674)، والأوسط (7294) وفيه محمد بن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ ومندل وثق وفيه ضعف. انظر:"مجمع الزوائد" 6/ 257.
وأخرجه البيهقي في "السنن" 10/ 58 وقال: هذا إسناد ضعيف.
وقال صاحب "الاستذكار"
(1)
: قد أنكر ابن عباس على مَنْ روى في ولد الزنى "أنه شَرُّ الثلاثةِ" وقال: "لو كان شرُّ الثلاثة ما استؤني بأُمِّه أن تُرْجَمَ حتى تَضَعَه"
(2)
. رواه ابن وهب عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وقد ذكرناه في "التمهيد" بإسناده.
وقال في باب حَدِّ الزنى: وقولُ أُم سلمة: "يا رسول الله أَنَهْلِكُ وفينا الصالحون؟ " قال: "نَعَمْ إِذا كَثُرَ الخَبَثُ"
(3)
الخبث في هذا الحديث عند أهل العلم أولاد الزِّنى، وإن كانت اللفظة محتملة لذلك ولغيره. هذا لفظه وهو غريب.
وأخرج النسائي
(4)
مِن حديث شعبة عن منصور، عن سالم، عن نبيط بن شريط عن جابان.
عن عبد الله بن عمرو
(5)
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدْخُلُ الجنةَ ولَدُ زِنية"، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"
(6)
.
(1)
في "الاستذكار" لابن عبد البر 23 / (34006 - 34007).
(2)
في "التمهيد" لابن عبد البر 24/ (136).
(3)
هذا اللفظ الذي ساقه المؤلف إنما ورد في حديث أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه مسلم في الفتن باب اقتراب الفتن (7235 - 7237) والترمذي في الفتنِ باب ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج (2187)، والنسائي في الكبرى (11311) وابن ماجه (3953)، وأحمد في "المسند"(27413 - 27414، 27416) وفيه تمام تخريجه وأما حديث أم سلمة فقد أخرج الإمام أحمد عنها في هذا الموضوع بلفظ آخر برقم (26527) و (27351) كما يلي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن السوء إذا فشا في الأرض فلم يُتناه عنه أنزل الله عز وجل بأسه على الأرض. قالت: قلت يا رسول الله وفيهم الصالحون؟ قال: نعم، وفيهم الصالحون يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يقبضهم الله عز وجل إلى مغفرته ورحمته إسناده ضعيف.
(4)
أخرجه النسائي في العتق برقم (4914) من جهة عبد الله بن عمرو. وانظر أيضًا (4915 - 4918) و (4925).
(5)
وقع في (أ) و (ب) والنسخة المطبوعة: عبد الله بن مسعود وهو خطأ. أثبتناه من النسائي.
(6)
انظر: "الإحسان" 8/ (3383) عن جابان عن عبد الله بن عمرو قال: قال =
وقال الحافظ أبو الحجاج المِزِّي في "الأَطراف"
(1)
: قال البخاري: لا يُعْرَفُ لجابان سماعٌ مِن عبد الله، ولا لسالم من جابان، ولا نبيط قال: وقد رُوِيَ عن عبد الله بن عمرو قوله.
الحديثُ الخامس:
قال الطبراني في "الأوسط"
(2)
: حدثنا عليُّ بن سعيد الرازي، حدثنا عبدُ الله بنُ أبي رُومان الإسكندراني، حدثنا عيسى بنُ واقد، حدثنا محمدُ بنُ عمرو، عن أبي سلمة.
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لم يُوتِر، فلا صلاةَ له" فبلغ ذلك عائشة، فقالت:"مَنْ سَمِعَ هذا من أبي القاسم صلى الله عليه وسلم؟! ما بَعُدَ العَهْدُ وما نسينا، إنما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جاء بِصَلواتٍ الخمس يومَ القيامة قد
(3)
حافَظَ على وُضوئها ومواقيتِها وركوعِها وسجودِها، لم يَنْتَقصُ مِنْهُنَّ شيئًا، كان له عند الله عهد ألا يعذبه،
= رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة ولد زِنية ولا مَنَّانٌ ولا عاقٌّ ولا مُدْمِن خمرٍ. إسناده ضعيف لجهالة جابان قال ابن خزيمة في "التوحيد": جابان مجهول وقال الإمام الذهبي: لا يدرى من هو. انظر تمام تخريجه في "الإحسان"(8/ 3383).
(1)
في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" 6/ (8612).
(2)
في "الأوسط" 5/ 4024). ونقله الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 292 - 293 من الأوسط ثم قال: لم يروه عن محمد بن عمرو إلا عيسى بن واقد، قلت: ولم أجد من ذكره.
(3)
"قد" سقط من (أ) و (ب)، استدركناه من الأوسط.
ومن جاءَ، وقد انتقصْ
(1)
منهن شيئًا، فليس له عندَ الله عهد، إن شاءَ رحمه، وإن شاء عذَّبه"
(2)
.
ثم قال: لم يروه عن محمد بن عمرو إلا عيسى، تفرد به عبدُ الله بن أبي رومان.
الحديث السادس:
قال الحافظُ أبو حاتِم بنُ حبان البُستي في "صحيحه"
(3)
في النوع التاسع والمئةِ منَ القسم الثاني: أخبرنا عُمَرُ بنُ محمد الهَمْدَاني، حدثنا أبو الطاهر بن السرح، حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروةَ بن الزبير حدثه.
أن عائشة قالت: "ألا يُعجِبُك أبو هُريرة، جاء فجلسّ إلى جنب حُجرتي يُحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُسمعني ذلك، وكنت أُسبِّح، فقام قبل أن أقضي سُبْحتى
(4)
، ولو أدركتُه لرددتُ عليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يَسْرُدُ الحديث كسردِكُمْ".
(1)
في (أ) والنسخة المطبوعة: أنقص، خطأ، أثبتنا من (ب) ومن الأوسط.
(2)
حديث خمس صلوات أخرجه الإمام مالك في الموطأ، ص 123، وعبد الرزاق (4575) وابن أبي شيبة (6852)، والحميدي (1 (388)، وأحمد (1390، 22693، 22704، 22720، 22752)، وابن ماجه (1401)، و (1403)، وأبو داود (425)، والدارمي، ص 370، والإحسان 5/ (1731) وفيه تمام تخريجه.
(3)
في "الإحسان" 1/ (100) و 16 / (7153). إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أحمد في "المسند" (24865، 25077 المسند (24865، 25077، 25240، 26209 فيها تمام تخريجه.
(4)
أي: النافلة.
قال أبو حاتم: قولُ عائشة: "لرددتُ عليه" أرادت به سردَ الحديثِ، لا الحديثَ نفسه، وترجم عليه ما يُسْتَحبُّ للمرءِ مِن ترك سردِ الأحاديث حَذَرَ قِلَّةِ التعظيم والتوقير لها أخرجه مسلم في "الصحيح"
(1)
في الفضائل عن حرملة بن يحيى: حدثنا ابن وهب به سندًا ومَتنًا.
الحديث السابع:
ذكر أبو منصور البغدادي بإسناده إلى أبي عروبة الحسينِ بن محمد الحراني قال: حدثنا جدي عمرو بنُ أبي عمرو قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم مولى الأنصار قال: حدثنا محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبي هريرة:
أنه قال: "مَنْ غَسَّلَ ميتًا اغتسل ومن حمله توضأ"
(2)
فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها، فقالت:"أونجس موتى المسلمين؟ وما على رجل لو حَمَلَ عودًا؟ "
(3)
.
واعلم أن جماعة مِن الصحابة رَوَوْا هذا الحديث، ولم يذكروا فيه الوضوء من حمله، منهم عائشة. أخرجه أبو داود
(4)
، ومنهم حذيفة: أخرجه
(1)
أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي هريرة [الدوسي](6399).
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن" 1/ 302 هكذا عن أبي هريرة موقوفًا بهذا المتن وقال: هذا هو الصحيح موقوفًا على أبي هريرة كما أشار إليه البخاري.
(3)
في (ب): عمودًا. قد ورد نحو هذا النقد عن ابن مسعود قال: إن كان صاحبكم نجسًا فاغتسلوا وإن كان مؤمنًا فلم نغتسل من المؤمن. إسناده ليس بقوي. نقله البيهقي 1/ 307. وعن ابن عباس أنه سئل عن الغسل من غسل الميت فقال: أنجاس هم فتغتسلون منهم يعني الغسل من غسل الميت. وروى هذا المعنى مرفوعًا ولا يصح رفعه. انظر: سنن البيهقي 1/ 306.
(4)
أخرجه أبو داود في الجنائز باب في الغسل من غسل الميت (3160) عن =
البيهقي
(1)
، وهو يقوي إنكار عائشة، لكن قال البيهقي
(2)
: "الروايات المرفوعة
(3)
= عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحِجامة وغسل الميت.
(1)
أخرجه البيهقي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غسل ميتًا فليغتسل"، 1/ 304. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 3/ 22 ونقل فيه أيضًا نحوه عن المغيرة بن شعبة. وأخرج البيهقي نحوه عن علي وابن عمر وابن عباس والصحيح عن ابن عباس خلاف ذلك. انظر 1/ 304 - 306.
(2)
في "السنن" 1/ 303، ونقل أيضًا عن الترمذي أنه قال: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: إن أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله قالا: لا يصح في هذا الباب شيء وقال الخطابي في معالم السنن 1/ 94: وقال أحمد: لا يتثبت في الاغتسال من غسل الميت حديث.
قال محمد: وحديث عائشة في هذا الباب ليس بذاك. انظر: السنن 1/ 301 - 302.
أخرج الترمذي في الجنائز باب ما جاء في الغسل من غسل الميت (993) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غُسله الغسل، ومن حمله الوضوء". يعني الميت. قال: وفي الباب عن عليّ وعائشة. حديث أبي هريرة حديث حسن. وقد روى عن أبي هريرة موقوفًا. وقد اختلف أهل العلم في الذي يغسل الميت فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا غسل ميتًا فعليه الغسل. وقال بعضهم عليه الوضوء وقال مالك بن أنس: استحب الغسل من غسل الميت ولا أرى ذلك واجبًا وهكذا قال الشافعي وقال أحمد: من غسّل ميتًا أرجو أن لا يجب عليه الغسل وأما الوضوء فأقل ما قيل فيه. وقال إسحاق: لا بد من الوضوء. وقد رُوي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: لا يغتسل ولا يتوضأ من غسّل الميت.
وانظر أيضًا: "شرح السنة" للبغوي 2/ 169 و"الإحسان" 3/ (1161) فيه التخريج والتعليق على هذا البحث.
(3)
أخرجه أبو داود في الجنائز باب في الغسل من غسل الميت (3161)، وابن =
في هذا الباب عن أبي هريرة غيرُ قوية، لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم" والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة.
الحديث الثامن:
قال أبو عَروبة
(1)
أيضًا: حدثنا جدي عمرو بنُ أبي عمرو قال: حدثنا أبو يوسف يعقوبُ بنُ إبراهيم قال: حدثنا الكلبي، عن أبي صالح.
عن أبي هريرة قال: "لأن يمتلئ جوفُ أحدكم قيْحًا ودمًا خيرٌ له مِن أن يمتلئ شعرًا" فقالت عائشة رضي الله عنها: "لم يحفظ الحديث، إنما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئَ جوفُ أحدكم قيحًا ودمًا خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا هُجيتُ به"
(2)
.
= حبان في "الصحيح": "الإحسان" 3/ (1161)، والبيهقي في "السنن" 1/ 300 - 301، وابن ماجه (1463)، وأحمد في "المسند"(7770) و (7771) و (9601) و (9862) و (10108)، وعبد الرزاق 3/ (6110).
(1)
هو الحافظ الإمام محدث حرَّان الحسين بن محمد بن أبي معشر مودود السلمي الحراني المتوفى سنة 318 هـ، صاحب التاريخ، انظر لترجمته "تذكرة الحفاظ" 2 / (770).
(2)
قال ابن حجر في "الفتح" 10/ (6155): وأخرجه الطحاوي وابن عدي من رواية ابن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديث الباب. قال: فقالت عائشة لم يحفظ إنما قال: من أن يمتلئ شعرًا هجيت. به وابن الكلبي واهي الحديث، وأبو صالح شيخه ما هو الذي يقال له السمان المتفق على تخريج حديثه في الصحيح عن أبي هريرة، بل هذا آخر ضعيف يقال له باذان فلم تثبت هذه الزيادة قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 3/ (1111) بعد هذا الحديث: باطل بزيادة هجيت به .. الكلبي هو محمد بن السائب أورده الذهبي في "الضعفاء" وقال: كذبه زائدة وابن معين وجماعة. =
وقد أخرج الشيخان
(1)
حديث أبي هريرة من جهة الأعمش عن أبي صالح عنه، وأخرجه مسلم
(2)
من حديث سعد بن أبي وقاص، وأخرجه البزار
(3)
من حديث عمر.
قلت: وقد تابع عائشةَ على رواية هذه الزيادة جابر بن عبد الله، أخرجه أبو يعلى الموصلي في "مسنده"
(4)
من جهة أحمد بن محرز الأزدي
(5)
عن محمد بن المنكدرِ، عن جابر مرفوعًا بلفظ:"خَيْرٌ له مِنْ أن يَمْتلئ شِعرًا هُجِيتُ به"
(6)
.
= وقال ابن الأثير في "جامع الأصول" 5/ 167، وذكر رَزِين في كتابه قال: وزاد النسائي: وساقه عن عائشة: "هجيت "به وأنكر ابن معين هذه الزيادة ولم أجد هذه الزيادة ولا الحديث بأسره في كتاب النسائي الذي قرأت ولعله قد وقع له في بعض النسخ فأثبته.
(1)
أخرجه البخاري في الأدب باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن (6155) ومسلم في الشعر باب في إنشاد الأشعار وبيان أشعر الكلمة وذم الشعر (5893).
(2)
أخرجه مسلم في الباب نفسه (5894). وأحمد في "المسند"(1506 - 1507) و (1535) و (1569).
(3)
في "البحر الزخار" 1 (247) وليس فيه: هجيت. به قال: وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن إسماعيل عن عمرو بن حريث عن عمر موقوفًا ولا نعلم أسنده إلا خلاد. وهو في "مجمع الزوائد" 8/ 120، "كشف الأستار" 2/ (2090)، "جامع المسانيد (18/ (399).
(4)
في "المسند"(4/ 2056). قال ابن حجر في "الفتح" 10/ (6155): وفي إسناده راوٍ لا يعرف.
(5)
أحمد بن محرز جاء ذكره في "لسان الميزان" لابن حجر (614) وقال بعد أن أورد إسناد أبي يعلى: وأحمد بن محرز لم أقف له على ترجمة فلعله من تغيير بعض الرواة والنضر بن محرز مجهول لا يحتج به.
(6)
قال الألباني في "الضعيفة" 3/ (1111) أخرجه العقيلي في "الضعفاء" ص 435 وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 17/ 285/ 2 عن النضر بن محرز عن محمد =
قال السهيلي في "الروض"
(1)
: وذكر ابن وهب في "جامعه": "أن عائشةَ رضي الله عنها تأولت هذا الحديث في الأشعار التي هُجِي بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وأنكرت قولَ من حمله على العُموم في جميع الشعر" قال السهيلي: "وإذا قلنا بذلك فليس في الحديث إلا عيبُ امتلاءِ
(2)
الجوفِ منه وأما رواية اليسير على جهة الحكاية والاستشهاد على اللغة، فلم يدخل في النهي". قال: وقد رد أبو عبيد
(3)
على من تأول الحديث في الشعر الذي هُجي به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "رواية نصف بيت مِن ذلك الشعرِ حرامٌ فكيف يخصُ امتلاء الجوف منه بالدم؟ ".
قال السهيلي: "وعائشة أعلم منه، فإن البيت والبيتين والأبيات مِن تلك الأشعار على جهة الحكاية، بمنزلة الكلام المنثور الذي ذموا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فرق" وجعل ذلك عذرًا لابن إسحاق
(4)
في ذكر بعض أشعار الكَفَرة من الهجو
(5)
. انتهى.
= ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال العقيلي: النضر بن محرز لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به، وإنما يعرف هذا الحديث بالكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
(1)
في "الروض" 5/ 73 - 74.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: امتلأ وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. وفي غريب الحديث 1/ 36 - 37 قال أبو عبيد: والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول، لأن الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان شطر بيت لكان كفرًا. فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه من أي الشعر كان فإذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوف هذا عندنا ممتلئًا من الشعر 36/ 1 - 37.
(3)
في النسخة المطبوعة: أبو عبيدة وهو تحريف أثبتناه من (أ) و (ب). انظر: غريب الحديث 1/ 36 - 37.
(4)
هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، وقيل: ابن كُوثان العلامة الحافظ الأخباري أبو بكر، وقيل: أبو عبد الله القرشي المطلبي مولاهم المدني، صاحب السيرة النبوية المتوفى سنة 150 (أو 151 أو 152 - 153) له ترجمة حافلة في "السير" 7/ (15).
(5)
في "الروض" 5/ 73 - 74.
والصواب تحريم حكاية هجو النبي صلى الله عليه وسلم قليلهِ وكثيره، والحديث لعله خَرَجَ على مَنْ امتلأَ بذلك، فلا يكون له مفهوم في عدم ذمِّ القليل. وأيضًا فالمحذورُ في الكثير موجودٌ في القليل بعينه، فتأويلُ عائشة مستقيم إن شاء الله ولا يَرِدُ ما فهمه أبو عبيد ولا السهيلي.
الحديث التاسع:
أخرج مسلم
(1)
والنسائي
(2)
عن شريح بن هاني
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحبَّ لقاءَ الله، أحبَّ الله لقاءَه، ومن كَرِهَ لقاء الله، كَرِهَ الله لقاءَه" قال شريح: فأتيتُ عائشة فقلتُ: "يا أم المؤمنين سمعتُ أبا هريرة يذكر عن رسول الله حديثًا إن كان كذلك فقد هلكنا " فقالت: إن الهالِكَ مَنْ هَلَلك [بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم]
(3)
، وما ذاك؟ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أحبَّ لِقاءَ اللهِ أحبَّ اللَّهُ لِقاءَه، ومَنْ كَرِهَ لقاءَ اللهِ كره الله لقاءَه، وليسَ منا أحد إلا وهو يكره الموتَ" فقالت: "قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن
(4)
إذا شَخَّصَ البصرُ، وحَشْرَجَ الصَّدرُ واقشعرَّ الجِلدُ، وتَشَنَّجَتْ الأصابعُ، فعند ذلك من أحبَّ لقاءَ الله، أحب اللهُ لقاءّه، ومن كره لقاء اللهِ، كرهَ الله لقاءَه".
(1)
أخرجه مسلم في الذكر باب من أحب لقاء الله أحب الله لقائه (6826).
(2)
أخرجه النسائي في الجنائز باب فيمن أحب لقاء الله (1835)، وأحمد برقم (8556) و (8133) وفيه تخريجه.
(3)
سقط من (أ) و (ب): بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أثبتناه من مسلم.
(4)
"لكن"، ليس في رواية مسلم.
وأخرجه الدارقطني
(1)
مِن جهة محمد بن فُضيل، قال: حدثنا عطاءُ بنُ السائب، عن مجاهد.
عن أبي هُريرةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحبَّ العبدُ لِقاءَ اللهِ، أَحبَّ الله لقاءَه، وإذا كرهَ العبدُ لقاء الله، كَرِهَ الله لِقاءَه" فذكر ذلك لعائشة، فقالت:"يرحمُه اللهُ، حَدَّثَكُمْ بآخرِ الحديثِ، ولم يُحدثكم بأوله" قالت عائشةُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبدِ خيرًا، بعث إليه مَلَكًا في عامه الذي يموتُ فيه فيُسَدِّدُهُ ويُبشره، فإذا كان عند موته، أتى ملكُ الموت، فقعد عند رأسه فقال: أَيَّتُها النفسُ المطمئنةُ اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوانٍ، وتتهوَّع نفسُه رجاءَ أن تخرجَ، فذلك حين يُحِبُّ لقاء الله، ويُحب الله لقاءه. وإذا أراد بعبد شرًا، بعث إليه شيطانًا في عامه الذي يموتُ فيه، فأغواه فإذا كان عندَ موته، أتاه مَلَكُ الموتِ، فَقَعَدَ عند رأسه فقال: أيتها النفسُ اخرجي إلى سَخَطٍ من اللهِ، وغضب، فتفرق في جسده، فيسترطه، فذاك حين يُبغِضُ لقاءَ الله ويبغض الله لقاءَه".
غريب من حديث مجاهد عن أبي هريرة وعائشة، تفرد به عطاء بن السائب عنه قال الدارقطني ولا أعلم حدَّث به عنه غيرُ ابن فضيل. قلت: وقد احتج به الشيخان
(2)
.
(1)
لم أجده في سننه ولا في علله وقد ذكره العجلوني في "كشف الخفاء" فلعله نقله من الإجابة لأنه ذكر أيضًا بعد رواية الدارقطني هذه ما أخرجه الأستاذ أبو منصور البغدادي في مؤلفه فيما استدركته عائشة على الصحابة
…
انظر 2/ 291. وقد نقله الزركشي في استدراكها على ابن مسعود عن أبي منصور أيضًا.
(2)
هذا الحديث ضعيف بهذه السياقة. وعطاء بن السائب قد اختلط، ومحمد بن فضيل سمع منه بعد الاختلاط.
الحديث العاشر:
روى أبو القاسم عبدُ الله بنُ محمد بن علي البغويُّ حدثنا عُبيد الله بنُ عمر قال: حدثنا خالد بنُ الحارث قال: حدثنا عُبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد قال:
بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هُريرة يقول: إن المرأةَ تَقْطَعُ الصَّلاةَ" فقالت: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فتقعُ رجلي بينَ يديه أو بحذائه، فيصرفها، فأقبضها"
(1)
.
الحديث الحادي عشر:
روى الشيخان
(2)
عن أبي هُريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يَمْشِينَّ أحدُكم في نعل واحدة، لِيَنْعَلْهُما جميعًا، أو لِيَخْلَعْهُما جميعًا".
(1)
إسناده صحيح، وأخرج نحوه البخاري في الصلاة باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء (514 - 515) ومسلم في الصلاة باب الاعتراض بين يدي المصلي (1140 - 1147) عن عائشة ذكره عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت: قد شبهتمونا بالحمير والكلاب والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا على السرير، بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنسل من عند رجليه، وفي رواية لمسلم فأنسل من قبل رجلي السرير وفي رواية في مسند أحمد (24937) و (25007) فأكره أن أسْنحَ بين يديه حتى أنسلّ من تحت القطيفة إنسلالًا، وأخرج الإمام مالك في صلاة الليل 1/ 117. راجع إلى شرح السنة 2/ (545).
وقولها: أسنح قال ابن الأثير: أي أكره أن أستقبله ببدني في صلاته من سنح لي الشيء: إذا عرض.
(2)
أخرجه البخاري في اللباس باب لا يمشي في نعل واحدة (5855)، ومسلم في اللباس باب استحباب لبس النعل في اليمنى أولًا، والخلع من اليسرى أولًا وكراهة المشي في نعل واحدة (5495 - 5497 ولفظه: لا يمش أحدكم في نعل واحدة. لينعلهما جميعًا أو ليخلعهما جميعًا.
وروى مسلم
(1)
عن جابر نحوه.
قال ابن عبد البر في الاستذكار
(2)
: حديث أبي هُريرة وحديث جابر صحيحان ثابتان، وقد رُوي عن عائشة رحمها الله معارضةً لحديث أبي هريرة في هذا الباب ولم يلتفِتْ أهلُ العلم إلى ذلك، لأَن السنن لا تُعارض بالرأي.
فإن قيل لم تعارض أبا هريرة برأيها وإنما ذكرت أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ربما انقطع شسعُ نعله فمشي في نعلٍ واحدة؟
(3)
قيل: لم يَرْوِ هذا - والله أعلم - إلا مندلُ بنُ علي، عن ليث بن أبي سُليم، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة. ومندل وليث ضعيفان لا
(1)
أخرجه مسلم في اللباس باب النهي عن اشتمال الصماء (5499 - 5502) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا انقطع شِسع أحدكم أو من انقطع شسع نعله .. فلا يمشي في نعل واحدة حتى يصلح شِسعه.
(2)
"الاستذكار 26 / (3919 - 39202).
(3)
أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" 18/ 179 من جهة مندل عن ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: ربما انقطع شسع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشي في النعل الواحدة حتى يصلح الأخرى، ونقله ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" 6/ (1936) من جهة مندل وفيه زيادة أو تصلح له. وذكره الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (4 / (2260) من جهة ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: ربما انقطع شسع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمشي في نعل حتى يصلح الأخرى.
وأخرجه الترمذي في اللباس باب ما جاء في الرخصة [في المشي] في النعل الواحدة (1777) من جهة هُرَيْم - وهو ابن سفيان البجلي الكوفي - عن ليث عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة. ثم أخرج من جهة سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عائشة أنها عن مشت بنعل واحدة، وقال وهذا أصح، هكذا روى سفيان الثوري وغير واحد عن عبد الرحمن بن القاسم موقوفًا وهذا أصح.
حجة فيما نقلا مُنْفَرِدَيْن، فكيف إذا عارض نقلهما نقلُ الثقات الأئمة؟. ذكر أبو بكر يعني ابنَ أبي شيبة
(1)
: حدثنا ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه.
أن عائشة كانت تمشي في خُفٍّ واحد وتقول: لأُحْنِثَنَ
(2)
أبا هريرة".
وهذا هو الصحيح، لا حديث مندل عن ليث والله أعلم.
وقد روي عن علي أنه مشى في النعلِ الواحدةِ
(3)
، وهذا يحتمِلُ أن يكون يسيرًا
(4)
وهو يُصْلِحُ الأُخرى، أو يكونَ لم يبلغه ما رواه أبو هريرة وجابر مع أن حديث علي لا يثبت يرويه يزيد بن أبي زياد
(5)
، عن رجل من مزينة قال: رأيت عليًا
(6)
يمشي في نعلٍ واحدة بالمدائن، كان
(7)
يُصْلِحُ شِسْعَهُ.
(1)
في "المصنف" 5/ (24930).
(2)
في (أ) و (ب): لأخشن، وفي "المصنف" 5/ (24930): لأخيفن ونقله الحافظ في "الفتح" 10/ (5855) عنه وفسره بقوله: لأفعلن فعلًا يخالفه، وقد اختلف في ضبطه، فروى: لأخالفن، وهو أوضح في المراد، وروى: لأحنثن من الحنث بالمهملة والنون والمثلثة، واستبعد، لكن يمكن أن يكون بلغها أن أبا هريرة حلف على كراهية ذلك، فأراد المبالغة في مخالفته.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 11/ (20217) ضمن جامع معمر بن راشد عن يزيد بن أبي زياد قال أخبرني من رأى عليًّا يمشي في نعل واحدة وسط السماط. وابن أبي شيبة في مصنفه 5/ (24928) عن يزيد بن أبي زياد عن رجل من مزينة قال: رأيت عليًّا يمشي في نعل واحدة بالمدائن، كان يصلح شسعه.
(4)
وقع في (أ) والنسخة المطبوعة: مسيرًا، خطأ، أثبتناه من (ب).
(5)
قال الأفغاني هنا في التعليق: ثلاث كلمات لم تحل، أثبتناه من (أ) و (ب) والمصنف.
(6)
وقع في النسخة المطبوعة: عن علي: أنه كان وفي (أ) و (ب) عن علي أنه رآه خطأ، أثبتناه من مصنف ابن أبي شيبة.
(7)
في (أ) و (ب): وهو، خطأ، أثبتناه من مصنف ابن أبي شبة 5/ (24928).
فائدة:
روى الشيخان
(1)
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أطْعَمَتِ المرأةُ مِن بيت زوجها غير مفسدة، فلها أجرها، وله مثله وللخازن مثل ذلك".
وأخرجا أيضًا عن همام
(2)
عن أبي هُريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أنفقت المرأةُ مِن كسبه عن غيرِ أمره، فإن نصفَ أجره له"
(3)
.
وهذا لا يُنافي رواية أبي هُريرة. ثم إنه قد جاءَ عن أبي هُريرة ما يُخالف ظاهرَ: روايته فروى أبو داود في "سننه"
(4)
من جهة عبدِ الملك، عن عطاء، عن أبي هريرة في المرأة تَصَّدَّق مِن بيتِ زوجها؟ قال:"لا، إلا من قوتها والأجرُ بينهما، ولا يَحِلُّ لها أن تَصَدَّقَ مِن مال زوجها إلا بإذنه".
ولأجل هذا حمل البيهقيُّ
(5)
وغيرُه الحديث السابق على أنها تُعطيه من الطعام الذي أعطاها زوجُها، وجعلها بحكمها دونَ سائر أمواله، والأصلُ
(1)
أخرجه البخاري في الزكاة باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة (1440)، (1441)، (1425)، (1437) ومسلم في الزكاة باب أجر الخازن الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة بإذنه الصريح أو العرفي (2364) و (2366) عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها، وله مثل بما اكتسب، ولها بما أنفقت وللخازن مثل ذلك، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: هشام وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) والصحيحين. وهو في صحيفة همام برقم (76).
(3)
أخرجه البخاري في البيوع باب قوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267](2066) ومسلم في الزكاة باب ما أنفق العبد من مال مولاه (2370) وأبو داود في الزكاة باب المرأة تصدق من بيت زوجها (1687).
(4)
أخرجه أبو داود في الباب المذكور (1988)، ثم قال: هذا يضعف حديث همام.
(5)
في "السنن" 4/ 193.
تحريمُ مال الغير إلا بإذنه. قال: والحامل على ذلك أن أبا هريرة قال ذلك وهو أحدُ رواة تلك الأخبار.
ونازعه الحافظ شمس الدين الذهبي، وقال: بل الظاهر أنه أراد الإذن لها في الصدقة مما يقتاتونه من المطبوخ والمخبوز وهو الطعامُ الرطب، دونَ ما في البيتِ مِن مثل العسل والزيت والجبنِ مما يُدخر فإن ذلك مال؛ فإن أبا هريرة قال: والأجر بينهما.
فأما قوتها: التي تأخذه مِن زوجها بالفرض، ثم تُؤثر منه، فإن الأجرَ لها وحدها. اهـ.
وقال صاحب "الدر النقي"
(1)
: هذا الأثر المروي عن أبي هريرة لا يَصِحُّ، فإن في سنده عبد الملك العرزميَّ وهو متكلم فيه قال البيهقي
(2)
في موضع: "لا يُقبل منه ما خالفَ فيه الثقاتِ". ثم لو صح، فالعبرةُ عندَ فالعبرة عند الشافعي لما روى لا لما رأى
(3)
، وكيف يُحمل ذلك على الطعام الذي أعطاها، وفي حديث أبي هُريرة "وما أنفقت مِن كسبه من غيرِ أمره"، بل يحمل ذلك على كل ما هو مأذون فيه إما صريحًا أو عرفًا أو عادةً.
وقد أخرج البيهقي
(4)
أيضًا عن يحيى القطان عن زياد بن لاحق: حدثتني تميمةُ بنتُ سلمة أنها أتت عائشة في نِسوة من أهل الكوفة فسألتها امرأة منا فقالت: "المرأة تُصيبُ مِن بيت زوجها شيئًا بغير إذنه؟ " فَغَضِبَتْ وقطَّبت، وساءَها ما قالت، وقالت:"لا تَسْرِقي منه ذهبًا ولا فضة، ولا تأخذي منه شيئًا".
قلت وكأنها رضي الله عنها قالت لها ذلك، لما فهمت مِن قرينةِ الحالِ أنها
(1)
يعني "الجوهر النقي" لابن التركماني 2/ 581 - 583. انظر ما علقنا على اسم هذا الكتاب ص 167.
(2)
في "السنن" 1/ 242.
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: (بما) روى لا بما رأى وفي (ب): بما روى لا ما رأى خطأ. أثبتناه من (أ) والجوهر النقي.
(4)
في "السنن" 4/ 193.
تستطيلُ في ماله لموافقتها بالجواز، كما اتفق مثلُ ذلك لابنِ عباس لما أفتى السائلَ عن توبةِ القاتل: أنه لا توبةَ له
(1)
.
وفي البابِ حديث أخرجه الترمذي وابنُ ماجه
(2)
عن إسماعيل بن عياش: حدثنا شرحبيل بن مسلم
(3)
أنه سمع أبا أُمامة يقول: شَهِدْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداع، فسمعتُه يقول:"لا يَحِلُّ لامرأةٍ أن تُعطي من مال زوجها شيئًا إلا بإذنه" فقال رجلٌ: يا رسولَ الله ولا الطعام؟ قال: "ذاك أفضلُ أموالنا" قال الذهبي: هذا إسناد حسن.
استدراكها على مروان بن الحكم
(4)
نقل أهلُ التفسير في قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ}
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ (27731) قال حدثنا ابن فضيل عن أبي نصر ويحيى الجابر عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: يا أبا عباس، أرأيت رجلًا قتل مؤمنًا متعمدًا ما جزاؤه؟ قال:{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [النساء: 93] قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ فقال: وأنى له التوبة ثكلتك أمك، إنه يجيء يوم القيامة آخذًا برأسه تشخب أوداجه حتى يقف به عند العرش فيقول يا رب سل هذا فيما قتلني. قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 82/ 17: مذهب أهل العلم إجماعهم على صحة توبة القاتل عمدًا ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس، وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر عن سبب التوبة لا أنه يعتقد بطلان توبته.
(2)
أخرجه الترمذي في الزكاة باب ما جاء في نفقة المرأة من بيت زوجها (670) وقال: حديث حسن، وابن ماجه في التجارات باب ما للمرأة من مال زوجها (2295).
(3)
وقع في النسخة المطبوعة سلمة، وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) والترمذي وابن ماجه.
(4)
جاء في مسودة المؤلف "استدراكها على مروان بن الحكم" ويبدو أنه ليس من الزركشي، إنما ألحقه هنا الرملي كما قاله بعد الرواية، فرأينا إثباتها في فرأينا إثباتها في المكان الذي وردت في مسودة المؤلف، ولا يوجد هذا الاستدراك في (ب). ولنا بعض الزيادات عليها استدركناها من مصدر الرواية.
[الأحقاف: 17] أن معاوية كتب إلى مروان بأن يُبايع الناسَ لِيزيد، قال عبد الرحمن بن أبي بكر:"لقد جئتم بها هِرقلية، أتُبايعون لأبنائكم" فقال مروان: يا أيُّها الناسُ هذا الذي قال الله فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17] فَسَمِعَتْ عائشة، فَغَضَبَتْ وقالت:"والله ما هو به، ولو شئتُ أن أُسميَه لسميتُه، ولكن الله لَعَنَ أباك وأنتَ في صُلبه، فأنت قَضَضٌ مِن لعنة الله". لفظ رواية النسائي
(1)
، ورواه الحاكم
(2)
وابنُ أبي خيثمة، وابن مردويه من رواية محمد بن زياد: قال لما بايع معاوية لابنه، قال مروانُ:"سنةُ أبي بكر وعمر" فقال عبدُ الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقَيْصَر" قال مروان: "هذا الذي أنزل الله فيه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا}
(3)
[الأحقاف: 17] فذكر الآية فبلغ ذلك عائشة، فقالت: "كذب والله ما هو به
(4)
ولو شئت أن أُسمي الذي أنزلت فيه لسميته ولكن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروانُ في صلبه
(5)
إلى آخره".
ولفظ ابن أبي خيثمة: أن معاويةَ كَتَبَ إلى مروان أن يُبايع الناس ليزيد، فقال عبدُ الرحمن: لقد جئتم بها هِرقلية. . إلى آخره.
(1)
أخرجه النسائي في "الكبرى"(11491).
(2)
في "المستدرك" 4/ 481.
(3)
سقطت هنا جملة فيه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} استدركناها من النسائي.
(4)
في (أ): فذكره وفي النسخة المطبوعة: فيذكره، وجملة "ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته" أثبتناها من النسائي.
(5)
ودوامه عند النسائي: فمروان فضض من لعنة الله.
وأصله في البخاري
(1)
من رواية يوسفَ بن ماهَك عن عائشة دونَ ما في آخره، وأما الذي أرادته عائشة ولم تُسَمِّه فلم يُوقف له على اسم.
وأنكر الزجاجُ
(2)
نزولها في عبد الرحمن، لأنه أسلم وحَسُنَ إسلامُه، وقال: الصحيحُ أنها نزلت في الكافر العاق وهذا مروي عن الحسن البصريّ وعن قتادة: أنه نعتُ عبد سوءٍ عاقٍّ لوالديه.
وقال الزمخشري في "الكشاف"
(3)
: نزولُها في عبد الرحمن باطل: ويشهد له أن المراد بالذي قال: جنس القائلين ذلك أيضًا، وقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [الأحقاف: 18] إلى آخرها، لا يناسِبُ ذلك عبدَ الرحمن، إلا أن المهدوي
(4)
قال: يحتملُ أن يكونَ هو، وذلك قبلَ إسلامه وأن الإشارة بـ {أُولَئِكَ} [الأحقاف: 18] للقوم الذين أشار إليهم المذكور بقوله: {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} [الأحقاف: 17] فلا يمتنِعُ أن يقعَ ذلك له قبل إسلامه. قال شيخنا شيخ الإسلام شهابُ الدين بن حجر
(5)
: ولكن نفيَ عائشة أن تكونَ نَزَلَتْ في عبدِ الرحمن وآلِ بيته، أصحُّ إسنادًا، وأولى بالقبول" فإنَّه نقل أيضًا أنها نزلت في أخيه عبد الله.
(1)
أخرجه البخاري في التفسير باب {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} إلى قوله: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأحقاف: 17](4827) عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز - استعمله معاوية - فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئًا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري.
(2)
في "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج أبي إسحاق إبراهيم السري المتوفى سنة 311 هـ 4/ 443 - 444.
(3)
في "الكشاف" 3/ 446 لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي المتوفى سنة 538 هـ.
(4)
هو أبو العباس أحمد بن عمار بن أبي العباس المهدوي المغربي النحوي اللغوي المفسر المتوفى نحو سنة 440 هـ. انظر: "الأعلام" للزركلي 1/ 84 - 85 و "معجم المؤلفين" للكحالة، 2/ 27.
(5)
في "الفتح" 8/ (4827).
وقول عائشة رضي الله عنها "فأنت فضض
(1)
من لعنة الله" أي قطعة منها
(2)
.
استدراكها على أبي سعيد الخدري
الحديث الأول:
قال أبو حاتم بن حبان في "صحيحه"
(3)
: أخبرنا محمدُ بن الحسن بن قُتيبة
(4)
: حدثنا حرملةُ بنُ يحيى قال: حدثنا ابن وهب، حدثنا يونس عن ابن شهاب، حدثتني عَمْرَةُ بنت عبد الرحمن:
أن عائشة أُخْبِرَتْ أن أبا سعيدٍ الخُدري قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المرأةَ أن تُسافر إلا ومعها ذو محرم، قالت عمرةُ: فالتفتت عائشة إلى بعض النساء وقالت: "ما لِكلكن
(5)
ذو محرم".
وأخرجه البيهقي في سننه
(6)
ثم قال أبو حاتم: لم تكن عائشة بالمتهمةِ أبا سعيد لِعدالته
(7)
، وإنما أرادت بقولها:"ما لكلكن ذو محرم" تريد أن ليسَ
(1)
في النسخة المطبوعة: قضض وفي (أ) فضض وهو الصحيح.
(2)
وقع في (أ) هنا ما نصه: قال ذلك وحرر النقل فيه مستدركا به على المؤلف في إهماله، كاتبه ومالكه أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي أحمد الرملي الشافعي الشهير بأبي الأسباط، غفر الله له ولوالديه آمين قلت: هو أبو الأسباط أحمد بن عبد الرحمن الرملي المتوفى سنة 877 هـ عالم برجال الحديث، انظر:"الضوء اللامع" للسخاوي 1/ 327 و"معجم المؤلفين" للكحالة، 2/ 265.
(3)
في "الإحسان" 6/ (2733)، إسناده صحيح على شرط مسلم.
(4)
وقع في النسخة المطبوعة: ثنا قتيبة وهو تحريف. أثبتناه من (ب) وابن حبان.
(5)
في "الإحسان": ما لكلكم. وعند الطحاوي ما لكلهن انظر: شرح معاني الآثار 2/ 115.
(6)
"السنن" 5/ 226.
(7)
والذي في "الإحسان" لم تكن عائشة بالمتهمة أبا سعيد الخدري في الرواية، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم عدول ثقات.
لكلكن ذو محرم تُسافر معه، فاتقين
(1)
الله، ولا تسافر واحدة منكن إلا بذي محرم يكونُ معها".
قلت: يُنافي هذا رواية البيهقي "ما كلهن ذواتُ محرم" وقد أدخله في الباب لزومها الحج مع النساء الثقات
(2)
.
وقال الطحاوي في "معاني الآثار"
(3)
: احتج بخبرِ عائشة هذا من لم يشترط المحرم في وجوب الحج، ولا حجة في قول أحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يَحِلُّ لامرأةٍ أن تُسافِرَ مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها محرم" قال: وقد قيل لأبي حنيفة: "فإن عائشة كانت تُسافِرُ بلا محرم فقال أبو حنيفة: "كان الناسُ لعائشة محرمًا، فمع أيهم سافرت، فقد سافرت مع محرم، وليس الناسُ لِغيرها من النساء كذلك". اهـ.
الحديث الثاني:
أخرج أبو داود في سننه
(4)
عن محمد بن إبراهيمَ التيمي عن أبي سلمة
عن أبي سعيد الخدري: أنه لما حضره الموتُ، دعا بثياب جُدد، فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يُبعث في ثيابه التي يموتُ فيها".
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"
(5)
والحاكم في "مستدركه"
(6)
وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(1)
في "الإحسان": فاتقوا الله.
(2)
في "السنن" 5/ 224 - 225.
(3)
في "شرح معاني الآثار" 2/ 116. نقله المؤلف بالمعنى والاختصار.
(4)
أخرجه أبو داود في الجنائز باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت (3114).
(5)
في "الإحسان" 16 / (7316) إسناده صحيح على شرط مسلم.
(6)
في "المستدرك" 1/ 340.
ورواه البزار في "مسنده"
(1)
وقال: "لا يُروى إلا مِن حديث أبي سعيد، ولا تَعْلَمُ له طريقًا عنه إلا هذه"
(2)
اهـ.
ورأيت في كتاب أصول الفقه لأبي الحسين أحمد القطان
(3)
من قدماءِ أصحابنا مِن أصحاب ابن سريج
(4)
في الكلام على الرواية بالمعنى: أن أبا سعيد رضي الله عنه فَهِمَ مِن الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالثياب الكفن، وأن عائشة رضي عنها أنكرت عليه ذلك، وقالت: يرحم الله أبا سعيد إنما أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم عملَه الذي مات عليه
(5)
، قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يُحْشَرُ الناسُ حُفاةً عُراة غُرْلًا"
(6)
. اهـ
(1)
انظر: "جامع المسانيد" لابن كثير، 33/ (1240).
(2)
في (ب): هذا.
(3)
هو أحمد بن محمد بن أحمد أبو الحسين بن القطَّان البغدادي، آخر أصحاب ابن سريج وهو من كبراء الشافعية، له مصنفات في أصول الفقه وفروعه، المتوفى سنة 359 هـ.
انظر لترجمته في "السير" 16 / (114) و "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة، 1/ (74).
(4)
هو الإمام، شيخ الإسلام، فقيه العراقيين، أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، القاضي الشافعي، صاحب المصنفات المتوفى سنة 306. انظر لترجمته في "السير" 14/ (114) و "طبقات الشافعية" للسبكي، 3/ 21 - 39.
(5)
أخرج مسلم حديثين في هذا الموضوع في الجنة باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت (7232) عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث كل عبد على ما مات عليه، وعن ابن عمر (7234) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد الله بقوم عذابًا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم. انظر أيضًا في "المستدرك" 2/ 452.
(6)
أخرجه البخاري في الأنبياء باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125](3349) ومسلم في الجنة باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة (7198) عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عُراةً غُرْلًا، قلت يا رسول الله الرجال والنساء جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض قال: يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض. أخرجه أحمد في "المسند"(24265) و (24588) وفيهما تمام تخريج الحديث فليراجع عن ابن عباس (1913) و (1950) و (2027) وعن عبد الله بن أنيس (16042).
استدراكها على ابن مسعود
روى أبو منصور البغدادي مِن جهة محمد بن عبيد الطَّنافسي قال: حدثنا الأعمش عن خيثمة.
عن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها، فقال مسروقُ: قال عبد الله بن مسعود: "من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءَه، ومن كَرِهَ لقاءَ الله كَرِهَ الله لقاءَه"
(1)
فقالت عائشة: "يرحم الله أبا عبد الرحمن حدَّث بأول الحديث، ولم تسألوه عن آخره. إن الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيرًا، قيض له قبلَ موته بعام ملكًا يوفقه ويُسدده حتى يقولَ الناس: مات فلانٌ على خيرِ ما كان، فإذا حضر، ورأى ثوابه من الجنة تَهَوَّع بنفسه أو قال تَهَوَّعَتْ نفسُه، فذلك حين أحبَّ لقاء الله وأحبَّ الله لقاءَه. وإذا أراد اللهُ بعبدٍ سوءًا، قيَّض له قبلَ موته بعامٍ شيطانًا، فأفتنه حتى يقولَ الناسُ مات فلان أشرَّ ما كان، فإذا حضر، رأى ما نَزَل عليه من العذاب فبلغ
(2)
نفسه، وذلك حين كَرِهَ لقاء الله
(3)
وكره الله لقاءَه"
(4)
.
(1)
تقدم مثله في استدراكها على أبي هُريرة في الحديث التاسع، أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" 1/ (972) من جهة محمد بن عبيد الطنافسي بسنده ومتنه وعبد الرزاق في "المصنف" 3/ (6749) عن الثوري عن الأعمش عن أبي عطية الوادعي وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" 3/ (1591) عن الأعمش عن خيثمة عن أبي عطية فراجع أيضًا في "المسند"(24172، 24284، 25728، 25831، 25989).
(2)
في النسخة المطبوعة: [فتهلع] وقال الأفغاني في الأصل: بلع، أثبتناه من (ب).
(3)
لفظة "الله" سقطت من النسخة المطبوعة: أثبتناها من (أ) و (ب).
(4)
أخرج نحوه الطبراني في الكبير 9/ (8882) من جهة أبي الأحوص عن عبد الله قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءَه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءَه، والموت قبل لقاء الله. انظر تمام تخريجه في مسند أحمد برقم (8133).
استدراكها على أبي موسى الأشعري
عن أبي عطية مالك بن عامر قال:
دخلت أنا ومسروقٌ على عائشة فقلتُ لها: "يا أُم المؤمنين رجلانِ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أحدهما يُعجلُ الإفطار، ويُعجلُ الصلاة، والآخر يؤخر الإفطارَ، ويؤخر الصلاة" قالت: "أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ " قال قلنا: "عبد الله"
(1)
قال: "هكذا كان يَصْنَعُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ".
والآخر أبو موسى أخرجه مسلم
(2)
وأبو داود
(3)
والترمذي
(4)
والنسائي
(5)
وقال الترمذي: حسن.
(1)
يعني عبد الله بن مسعود.
(2)
أخرجه مسلم في الصيام باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر (2556 - 2557).
(3)
أخرجه أبو داود في الصوم باب ما يستحب من تعجيل الفطر (2354).
(4)
أخرجه الترمذي في الصوم باب ما جاء في تعجيل الإفطار (702) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5)
أخرجه النسائي في الصيام برقم (2160). يبدو أن المؤلف نقله بالمعنى وقدم الصلاة على الإفطار. والصواب تقديم الإفطار على الصلاة كما ورد في المراجع المذكورة. وأخرجه الإمام أحمد في "المسند"(24212) بهذه السياقة. إسناده صحيح على شرط الشيخين.
استدراكها على زيد بن ثابت
قال البزار في "مسنده"
(1)
حدثنا محمد بن المثنى: قال حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن عكرمة
أن ابن عباس وزيدَ بن ثابت اختلفا في التي تطوفُ يومَ النحر الطوافَ الواجب، ثم تحيض؛ فقال زيد:"تُقيم حتى يكونَ آخِرُ عهدِها بالبيت" وقال ابن عباس: "تَنْفِرُ إذا طافت يومَ النحر" فقالت الأنصارُ: "يابن عباس إنَّكَ إذا خالفت زيدًا، لم نتابعك" فقال ابن عباس: "سلوا عن ذلك صاحبتكم أُمَّ سليم" فسألوها فأخبرت بما كان مِن حال صفية بنت حُيي، قال: فقالت عائشةُ: "إنها لحابستُنا" فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفِرَ".
وذكره ابن عبد البر
(2)
من جهة عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن ابن طاووس عن أبيه أن زيدَ بن ثابت وابنَ عباس تماريا في صَدَرِ الحائض قبل أن يكونَ آخرُ عهدها الطواف بالبيت، فقال ابن عباس:"تنفِرُ" وقال زيد: "لا تَنْفِرُ" فدخل زيد على عائشة فسألها فقالت: "تَنْفِرَ" فخرج زيدٌ وهو يبتسِمُ ويقول: "ما الكلامُ إلا ما قلتَ" قال أبو عمر: هكذا يكون الإنصاف وزيد يُعلِّم ابنَ عباس فمالنا لا نقتدي بهم".
(1)
في "جامع المسانيد" لابن كثير، (16/ 13906) و 30/ (1049 - 1050) وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (27427) عن سعيد عن قتادة عن عكرمة مثله، إسناده صحيح على شرط البخاري و (27432) فيهما تمام تخريجه. أخرجه إسحاق بن راهويه 1/ (10) والطيالسي 1/ (1651).
(2)
في "الاستذكار" 13/ (18786) وأخرج مثله مسلم في الحج باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (3221). وأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 270.
استدراكها على زيد بن أرقم
قال عبد الرزاق في في "مصنفه"
(1)
: أخبرنا معمر والثوري، عن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عن امرأته:
أنها دَخَلَتْ على عائشة في نِسوةٍ، فسألتها امرأة فقالت: "يا أُمَّ المؤمنين كانت لي جاريةٌ، فبعتُها من زيد بن أرقم بثمانمئة إلى العطاء، ثم ابتعتُها
(2)
منه بستمائة، فنقدته الستمائة وكَتبت عليه ثمانمئة" فقالت عائشة: "بئسَ ما اشتريتِ وبئسَ
(3)
ما اشترى
(4)
زيدُ بن أرقم، إنه قد أبطل جهادَه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوبَ" فقالت المرأة لعائشة:"أرأيت إن أخذتُ رأس مالي، ورددتُ عليه الفضل؟ " فقالت: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}
(5)
[البقرة: 275].
وأخرجه الدارقطني
(6)
والبيهقي في "سننهما"
(7)
عن يونس بن أبي إسحاق الهمداني عن أُمِّه العالية قالت: "كنت قاعدة عند عائشة، فأتتها أم مُحِبّة، فقالت: "إني بعتُ زيدَ بنَ أرقم جاريةً إلى عطائه فذكر نحوه" قال الدارقطني: أُم محبة والعالية مجهولتان لا يُحتجُّ بهما
(8)
. وهذا الحديث لا يثبت عن
(1)
في "المصنف" 8 / (14812 - 14813).
(2)
في "المصنف": إلى أجل ثم اشتريتها. وفي (14813): إلى العطاء بثمانمئة درهم وابتعتها.
(3)
في "المصنف": والله. وفي (14813): بئس ما اشتريت أو بئس ما اشترى.
(4)
في "المصنف": أخبري زيد بن أرقم.
(5)
في "المصنف": أو قالت: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279].
(6)
في "السنن" 3/ 52.
(7)
في "السنن" 5/ 330 - 331.
(8)
قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" 5/ 330: قلت: العالية معروفة روى عنها =
عائشة: قاله الإمام الشافعي قال: ولو ثبت فإنها عابت بيعًا إلى العطاء، لأنه أجلٌ غيرُ، معلوم لا أنها عابت عليه ما اشترت بنقدٍ وقد باعته إلى أجَل، ولو اختلف بعضُ الصحابة في شيء أخذنا بقول من معه القياسُ، والذي معه القياس زيدُ بن أرقم فعمل ما يراه حلالًا، فلا نزعم أن الله يُحْبِطُ عمله
(1)
اهـ.
وقد ذهبَ إلى حديث عائشة جماعةٌ، منهم الثوري والأوزاعي، وأبو حنيفة ومالك، وأحمد بن حنبل، والحسنُ بن صالح
(2)
، وصححوا حديثها، والعالية روى عنها زوجها وابنها وهما إمامان، وذكرها ابن حبان في الثقات.
وقال أبو بكر الرازي: إن قيل كيف أنكرت الأول، وهو صحيح عندها يعني الشراءَ إلى العطاء، لأنه روي عنها فعله؟ قلنا: لأنَّها علمت أنها قصدت به إيقاع
(3)
البيع الثاني كما يفعل الناس. وفي قولها: "أرأيت إن لم آخذ إلا رأْسَ مالي" وتلاوة عائشة الآية
(4)
دليل على إبقائها
(5)
العقد الأول، وأن المنكرَ هو الثاني؛ ولو كانت إنما أنكرته لكونه بيعًا إلى العطاءِ كما يقول الخصم، لما أبقت الأول. اهـ
(6)
.
= زوجها وابنها وهما إمامان وذكرهما ابن حبان في الثقات من التابعين وذهب إلى حديثهما هذا الثوري والأوزعي وأبو حنيفة وأصحابه ومالك وابن حنبل والحسن بن صالح وروى عن الشعبي والحكم وحماد فمنعوا ذلك كذا في الاستذكار 19/ (27974 - 27969).
(1)
انظر: "السنن" البيهقي 5/ 331.
(2)
هو الإمام الكبير، أحد الأعلام الحسن بن صالح بن صالح بن حي أبو عبد الله الهمداني الثوري الكوفي، الفقيه العابد المتوفى سنة 169 هـ. له ترجمة في "السير" 7/ (134).
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: اتباع وهو تحريف، أثبتناه من (ب) والجوهر النقي.
(4)
سقطت لفظة "الآية" من (أ) و (ب)، استدركناها من ابن التركماني.
(5)
وقع في النسخة المطبوعة: إثباتها وهو تحريف أيضًا، أثبتناه من (ب) والجوهر النقي.
(6)
من جملة: "وقد ذهب إلى حديث عائشة. ." إلى". . لما أبقت الأول" نقله المؤلف من "الجوهر النقي" 5/ 330 - 331.
وقال ابن عبد البر في "الاستذكار"
(1)
: هذا الخبر لا يُثبته أهلُ العلم بالحديث، ولا هو مما يُحتج به عندَهم: فامرأة أبي إسحاق وامرأةُ أبي السفر وأُم ولد
(2)
زيد بن أرقم، كُلَّهنَّ غيرُ معروفات بحملِ العلم. وفي مثل هؤلاء روى شعبة عن أبي هاشم
(3)
أنه قال: أنه قال: "كانوا يكرهون الرواية عن النساء إلا عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ".
والحديثُ منكرُ اللفظ لا أصلَ له، لأن الأعمالَ الصالحة لا يُحْبِطها الاجتهادُ، وإنما يُحبطها الارتدادُ؛ ومحالٌ أن تُلزِمَ عائشة زيدًا التوبة برأيها، وتُكفره باجتهادها هذا ما لا ينبغي أن يُظَن بها، ولا يُقبل عليها.
وقد ردَّ عمر خبرَ فاطمة بنتِ قيس في السكنى دون النفقة للمبتوتة وقال: "ما كنا نجيز في ديننا شهادةَ امرأة"
(4)
قال أبو عمر: فكيف بامرأةٍ مجهولة.
(1)
"الاستذكار" 19/ (27969 - 27974).
(2)
سقطت كلمة "ولد" من (أ) و (ب) أثبتناه من الاستذكار 19 / (26970).
(3)
أبو هاشم هو الرماني الواسطي، واسمه يحيى بن دينار، وقيل غير ذلك، احتج به الشيخان مات سنة 145 هـ. وقد تحرف في الاستذكار" إلى أبي هشام.
(4)
ذكره الدارقطني في علله 2 / (164) وقال: إن جماعة الثقات رووه عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود أن عمر قال: لا نجيز في ديننا قول امرأة. وأورده ابن قدامة في "المغني" 8/ 132 وقال: وأما قولهم إن عمر قال: لا ندع كتاب ربنا فقد أنكر أحمد هذا القول عن عمر قال ولكنه قال: لا نجيز في ديننا قول امرأة. وذكره ابن القيم في "زاد المعاد" 5/ 529 عن سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال: كان عمر بن الخطاب إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس قال: ما كنا نغير في ديننا بشهادة امرأة ووقع في (ب) نخير. وأخرج أحمد حديث فاطمة بنت قيس قول عمر بألفاظ مختلفة برقم (27338) و (27329) وفيه تمام تخريجه وأخرج قول عمر مسلم (3710)، وأبو داود (2286 - 2287)، والترمذي (1180) وآخرون. انظر لتوسعة بيان هذه المسألة: فتح الباري 9/ (5321 - 5322) وزاد =
(سؤال) ما الحكمة في تخصيصها الإبطال بالجهادِ، ولم تقل أبطل صلاته ولا صيامه؟
والجواب: أن في كلام أبي الحسن بن بطال
(1)
في شرح البخاري ما يُؤخذ منه ذلك وهو أن السيئاتِ لا تُحبطُ الحسنات، فلهذا لم تذكر الصلاةَ، ولكن خصت الجهادَ بالإبطال، لأنه حربٌ لأعداء الله، وآكل الرِّبا قد أذن بحربٍ من الله
(2)
، فهو ضِدُّه، ولا ولا يجتمع الضَّدانِ.
استدراكها على البراء بن عازب
قال البيهقيُّ في سننه"
(3)
: أخبرنا ابن بِشران: أخبرنا علي بنُ محمد المصري، حدثنا مالك بنُ يحيى حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا زكريا بنُ أبي زائدة عن أبي إسحاق.
عن البراء قال: "اعتَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ عُمَر كُلَّهُنَّ فِي ذِي القعِدة" فقالت عائشةُ: "لقد عَلِمَ أنه اعتمرَ أربعَ عمر بعُمرته التي حَجَّ معها".
= المعاد" 5/ 522 - 542، وشرح النووي، 10/ 95، و "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 459 - 464.
(1)
هو العلامة، شارح "صحيح" البخاري، أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري القرطبي ثم البَلَنْسي ويعرف بابن اللجّام المتوفى سنة 449. انظر: في "السير" 18/ (20) و "تذكرة الحفاظ" 30/ 1127. ويذكر شرحه ب "شرح الجامع الصحيح أو شرح ابن بطال على صحيح البخاري".
(2)
فيه إشارة إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278 - 279].
(3)
في "السنن" 5/ 11.
قال البيهقي: وهذا ليسَ بمحفوظ. قال الذهبي في مختصره: ومالك لينه ابن حبان
(1)
.
استدراكها على عبد الله بن الزبير
الحديث الأول:
قال أبو بكر بنُ أبي شيبة في "مصنفه"
(2)
حدثنا ابن فُضيل عن يزيد، عن مجاهد قال:
قال عبدُ الله بن الزبير: "أفردوا الحجَّ ودَعُوا قول أعماكم هذا" فقال: فقال عبد الله بن عباس
(3)
: "إنَّ الذي أعمى الله قَلْبَهُ
(4)
أنتَ، ألا تسألُ أُمَّكَ عن ذلك؟ " فأرسل إليها، فقالت: "صدق ابن عباس، خرجنا مع رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم حجاجًا، فجعلناها عُمْرةً، فحللنا الإحلالَ كُلَّه حتى سطعت المجامِرُ بَيْنَ الرجالِ والنساء".
الحديث الثاني:
قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب المناسك الكبير
(5)
: حدثنا عبدُ الله بن
(1)
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 4 / (7033): مالك بن يحيى بن عمرو بن مالك، أبو غسّان النُكري عن أبيه. تكلم فيه ابن حبان، وقال البخاري: في حديثه نظر.
(2)
في "المصنف": 3/ (15786).
(3)
في "المصنف": فبلغ ذلك ابن عباس فقال
(4)
لفظ الحديث من هنا إلى آخره هكذا عند ابن أبي شيبة: إن الذي أعمى الله قلبه وعينيه لأَنت. ألا تسأل أمك فسألها فقالت: قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجاجًا فأمرنا فأحللنا كله حتى سطعت المجامر بين الرجال والنساء.
(5)
"كتاب المناسك الكبير" لم يطبع بعد، ولم أعثر على هذه الرواية في المراجع.
يزيد: حدثنا سعيد يعني ابنَ أبي أيوب قال: حدثني سليمانُ بنُ كيسان، عن أبي الزبير.
عن مجاهد: أن عائشة زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانت تقولُ: "ألا تعجبونَ مِن ابن الزبير يُفتي المرأةَ المحرمة أن تأخذَ من شعرها أربعَ أصابع، وإنما يكفيها من ذلك التطريفُ".
حدثنا يزيد، أخبرنا هشام عن حفصة
(1)
في المحرمة: أما الشابة فتأخذ قدرَ أُنْمُلَة، والتي قد دخلت في السِّنِّ تأخذ ما بينها وبين الربع
(2)
.
استدراكها على عروة بن الزبير
أخرج البخاري
(3)
ومسلم
(4)
واللفظ له عن عروةَ بن الزبير قال:
قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أرى على أحد لم يَطُفْ بينَ الصفا والمروةِ شيئًا، وما أُبالي ألا أطَّوَّفَ بينهما" قالت: بئس ما
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: عن كيفيته وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب)، وهو حفصة ابنة سيرين كما وجدنا روايتها في مصنف ابن أبي شيبة 3/ (12911) عن عبد الأعلى عن هشام بن حفصة ابنة سيرين في تقصير المرأة من شعرها قالت: إنه يعجبني أن لا تكثر المرأة الشابة، وأما التي قد دلت فإن شاءت أخذت أكثر فإن فعلت فلا تزيد على الربع.
(2)
وقع في النسخة المطبوعة: أربع وهو تحريف أثبتناه من (أ) و (ب) ومصنف ابن أبي شِيبة.
(3)
أخرجه البخاري في الحج باب وجوب الصفا والمروة، وجعل من شعائر الله (1643) مطولًا.
(4)
أخرجه مسلم في الحج باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به (3081).
قلتَ يابن أختي، طاف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون، فكانت سنة، وإنما كان مَنْ أَهَلَّ لمناةَ الطاغية التي بالمشلَّل لا يَطُوفُونَ بينَ الصفا والمروةِ، فلما كان الإسلامُ سألنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزلَ الله عز وجل:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] ولو كانت كما تقولُ لكانت: فلا جناح عليه ألَّا يَطَّوَّف بهما".
قال الزهري: فذكرتُ ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فأعجبه ذلك، وقال:"إن هذا للعلم"
(1)
ولقد سمعت رجالًا مِن أهل العلمِ: يقولون: إنما كان مَنْ لا يطوف بَيْنَ الصفا والمروة من العرب يقولون: إن طوافنا بَيْنَ هذين الحجرين من أمر الجاهلية. وقال آخرون
(2)
مِن الأنصار: إنّما أَمِرْنا بالطوافِ بالبيت ولم نُؤمر بينَ الصفا والمروة، فأنزَل الله عز وجل:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. قال أبو بكر بنُ عبد الرحمن: "فأراها نَزَلَتْ في هؤلاء وهؤلاء ولفظ مسلم: فقالت عائشة: قد سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الطوافَ بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بينهما
(3)
.
قال بعضُ علماء التفسير: إذا كان الحرجُ في الفعل، قيل: لا جناحَ أن تفعل، وإن كان في الترك، قيل: لا جناح ألَّا تفعل. والحرج هنا كان في الفعل لإرادة مخالفةِ المشركين فيما كانوا يفعلونه من التطواف بهما
(4)
لإساف ونائلةَ فاستدل ابن الزبير على عدمِ الوجوبِ بأن الحرجَ كان في الفعل، لا في
(1)
هكذا في (أ) و (ب)، وعند الصحيحين: إن هذا العلمُ.
(2)
كذا في (أ) و (ب) وفي رواية مسلم: الآخرون.
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: فيهما وهو تحريف في (أ) و (ب) والبخاري: بينهما وعند مسلم بهما (3082).
(4)
في (ب): الطواف بينهما، وليس فيه "لإساف ونائلة".
الترك، فقالت له عائشة رضي الله عنها: "لو كان الحرجُ في الترك وأرِيْدَ نفيه كان: لا جناح ألا يَطَّوَّفَ، لكن الحرج كان في الفعل فقيل:(لا جناح أن يَطَّوَّف) واستفيد الوجوب من (ابدؤوا بما بدأ الله به)
(1)
ونحوه من الأدلة عَلَى الوجوب.
وقيل إن ابن الزبير أخذَ بظاهر الاستعمال، وإن السعي غيرُ واجب، ودققتْ عائشةُ النظر بأن نفيَ الجُناح يشمل الواجبَ والمباحَ والمندوبَ والمكروهَ، فلا يُستدل به على أحدها بعينه، بل ذلك لو قال:(ألا يطَّوَّف) فيكونُ فيه نفي الجناح عن تركه، فيختص بالحرام.
استدراكها على جابر
الحديث الأول:
روى يعقوبُ بنُ سفيان الفسوي
(2)
: حدثنا محمدُ بن مصفَّى، قال: حدثنا
(1)
أخرجه مسلم في الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2950) في حديث طويل عن جابر بن عبد الله ولفظه: أبدأ بما بدأ الله به. وبهذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد في المسند" (15243) وبلفظ: نبدأ (14440) (15170)، وأبو داود (1905)، وابن ماجه (3574) ومالك في الحج باب البدء بالصفا في السعي برقم (126) ص 372، والبيهقي في "السنن" 1/ 85، انظر تمام تخريجه في "المسند". أخرجه بلفظ المؤلف الإمام النسائي في الكبرى (3968) ولفظه فلما دنا من الصفا قال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ابدؤوا بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت.
(2)
هو الإمام الحافظ الحجة الرحَّال محدث إقليم فارس أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جُوَان الفارسي، من أهل مدينة فَسَاو يقال له: يعقوب بن أبي معاوية وله "تاريخ" كبير توفي سنة 277 هـ، انظر لترجمته في "السير" 13/ (106).
يحيى بن سعيد العطار
(1)
الأنصاري، قال: حدثنا عثمان بن عطاء بن مسلم عن أبي مسلم
(2)
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال:
دخلتُ على عائشةَ، فقلتُ: يا أُماه إن جابر بنَ عبد الله يقول: "الماءُ مِنَ الماء" فقالت: "أخطأ، جابرُ أعلمُ مني برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول: "إذا جاوزَ الختانُ الختانَ، فقد وجَبَ الغسل أيُوجِبُ الرجمَ ولا يُوجب الغسل؟
(3)
.
الحديث الثاني:
قال الطبراني في "معجمه الوسط"
(4)
: حدثنا محمدُ بن نصر الهَمْدَاني قال: حدثنا مسلمُ بنُ يحيى الطائي قال: حدثنا سويدُ بنُ عبد العزيز، قال: حدثنا
(1)
وقع في (ب) والنسخة المطبوعة: القطان وهو تحريف. ويحيى بن سعيد العطار هذا مترجم في "التقريب"(7558) وهو ضعيف. انظر: "ميزان الاعتدال" 6/ (9519) و"تهذيب التهذيب" 11/ (359).
(2)
في (أ) و (ب): حجار وهو تحريف، وفي مطبوعة الأفغاني: حماد وهو تحريف أيضًا، إنما هو عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني وهو مترجم في "التقريب"(4502) وهو ضعيف و"الميزان"، 3/ (5540)، وتهذيب التهذيب 7 / (288).
(3)
أخرجه الفسوي في "كتاب المعرفة والتاريخ" 2/ 374، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات، بتحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، نشرته مؤسسة الرسالة سنة 1401 هـ 1981 م. . وقد طبعته مطبعة الإرشاد ببغداد سنة 1975 م إسناد الحديث ضعيف، ولكن قول عائشة إذا جاوز الختان. ." صحيح، قد سلف تخريجه.
(4)
في "المعجم الأوسط" 8/ (7006)، وأخرج الترمذي نحوه في اللباس باب ما جاء في ترقيع الثوب (1780) عن عروة عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب وغياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلقي ثوبًا حتى ترقعيه ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسان وسمعت محمدًا يقول: صالح بن حسان منكر الحديث. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 312.
نوحُ بنُ ذكوان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي الزناد، عن غالب، عن جابر بن عبد الله قال:
دخلت على عائشة وعليها سَمَلُ
(1)
ثوب مرقوع، فقلتُ:"لو ألقيتِ عنك هذا الثوبَ" فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِن سَرَّكِ أن تَلْقَيْنِي، فلا تُلْقِنَّ
(2)
ثوبًا حتى ترقعيه، ولا تَدَّخرِنَّ
(3)
طعامًا لِشهر" فما أنا بمغيرةٍ ما أمرني به حتى ألحقَ به إن شاءَ الله.
وقال: لا يُروى عن جابر عن عائشة إلا بهذا الإسناد يرويه سويد.
استدراكها على أبي طلحة
قال النسائي في "سننه الكبير"
(4)
: أخبرنا إسحاقُ بن إبراهيم: أخبرنا جريرُ، عن سهيل، عن سعيد بن يسار أبي الحُباب، عن زيد بن خالد
عن أبي طلحة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الملائكةَ لا تَدْخُلُ بيتًا فيه كَلْبٌ ولا تِمثال" فقلت: "انْطَلِقْ إلى عائشة، فاسألها عن ذلك" فأتيناها فقلتُ: "يا أُمَّه، إن هذا أخبرني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخل الملائكةُ بيتًا فيه كلبٌ ولا تِمثال" فهل سمعتِ
(1)
في (ب) و"المعجم الأوسط": شمل، تحريف. والسَّمَل: الخَلَقُ من الثياب.
انظر "النهاية" لابن الأثير 2/ 403.
(2)
في (أ) و (ب) و"المعجم الأوسط": تلقين، والجادة ما أثبتناه.
(3)
في (أ) و (ب) و"المعجم الأوسط" تدخرين، والجادة ما أثبتناه أيضًا.
(4)
أخرجه النسائي في "الكبرى"(9764) مختصرًا وهو بإسناده وطوله الذي ساقه المصنف في صحيح مسلم في اللباس باب تحريم تصوير صورة الحيوان (5519) و (5520) وأبو داود في اللباس باب في الصور (4153) وابن حبَّان في الصحيح برقم (5468).
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك؟ " فقالت: "لا ولكن سأُحدِّثُكم بما رأيتُه فعل خرج في
(1)
بعض غزواته، وكنت أتحيَّن قُفولَه فأخذت نمطًا فَسَتَرْتُه، فلما
(2)
جاءَ، استقبلته على الباب فقلت: السلامُ عليكَ يا رسولَ الله ورحمة الله، الحمدُ لله الذي أعزّك، ونَصَرَكَ، وأكرمَك"
(3)
.
وساق الحديث. هذا لفظ النسائي.
استدراكها على أبي الدرداء
روى ابن جريج عن زياد أن أبا نَهِيك أخبره
عن أبي الدرداء: أنه خَطَبَ فقال: "من أدركه
(4)
الصبحُ، فلا وِتْر له" فذكر ذلك لعائشة فقالت: "كذب
(5)
أبو الدرداء، كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصبحُ فيوتر".
(1)
وقع في النسخة المطبوعة: "من" وهو تحريف أثبتناه من (أ) و (ب) ومسلم وأبي داود.
(2)
في رواية مسلم هنا هذه الزيادة: فلما قدم فرأى النمط، عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسُوَ الحجارة والطين. قالت: فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفًا، فلم يعب ذلك عليّ.
(3)
وقعت الزيادة المذكورة هنا في رواية أبي داود بهذا اللفظ: فنظر إلى البيت فرأى النمط فلم يرد عليَّ شيئًا ورأيت الكراهية في وجهه، فأتى النمط حتى هتكه ثم قال: إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة واللبن قالت: فقطعته وجعلته وسادتين وحشوتهما ليفًا، فلم ينكر ذلك عليّ، وأخرج الإمام أحمد هذا القسم الأخير في مسنده برقم (26103) عن أسماء بنت عبد الرحمن عن عائشة بلفظ آخر.
(4)
وقع في (أ) و (ب) والمطبوعة: أدرك، والمثبت من "المعجم الأوسط" وسنن البيهقي.
(5)
كذب بمعنى أخطأ. ولا يوجد "كذب أبو الدرداء" في رواية الطبراني.
أخرجه البيهقي في "سننه"
(1)
هكذا ثم قال: هو زياد بن سعد. ثم أخرج عن خالد الحذاء عن أبي قِلابة عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: "ربما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُوتر وقد قام الناسُ لِصلاة الصبح وهذا رواه
(2)
تَمْتام
(3)
حدثنا حاتم بن سالم
(4)
حدثنا عبد الوارث بن سعيد
(5)
عنه، وحديث ابن جريج أصح، وأقره الذهبي في مختصره على ذلك.
(1)
في "السنن" 2/ 479.
(2)
في (أ): وهذا واهٍ نا تمتام حدثنا حاتم بن سالم البصري حدثنا عبد الوارث عنه. وفي (ب) وهذا رواه تمتام حدثنا وهو الصواب وفي النسخة المطبوعة: وهذا واه بمقام ثنا، وهو تحريف.
وقد ورد إسناد الحديث في سنن البيهقي 2/ 479 هكذا: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأنا محمد بن غالب بن حرب (وهو تمتام)، حدثنا حاتم بن سالم البصري حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن خالد الحذاء. . والإمام الزركشي رحمه الله اقتصر هنا على لقبه.
(3)
هو محمد بن غالب بن حرب أبو جعفر الدقاق بغدادي ويعرف بتمتام وهو صدوق. انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 55 قال الذهبي في "السير" 13/ (188): الإمام المحدث الحافظ المتقن أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب الضَّبِّي البصري، التمَّار، التَّمْتام نزيل بغداد المتوفى سنة 283 هـ. قال الدارقطني: ثقة مأمون، إلا أنه كان يخطئ وقال في موضع آخر: ثقة مجوّد له ترجمة أيضًا في "تذكرة الحفاظ" 2/ 615.
(4)
هو مترجم في "الجرح والتعديل" 3/ 261، قال أبو حاتم: يتكلمون فيه وترك أبو زرعة الرواية عنه وقال: لا أروي عنه، وله عن عبد الوارث، انظر "ميزان الاعتدال" 1 / (1598) قال صاحب "المقتنى في سرد" الكنى 1/ (690): حاتم بن سالم شيخ تمتام.
(5)
هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان الإمام الثبت الحافظ أبو عبيدة العنبري، مولاهم البصري التنُّوري المقرئ، المتوفى سنة 180 هـ. انظر:"السير" 8/ (80) والجرح والتعديل 6/ 75.
وأخرجه الطبراني في الأوسط
(1)
وقال: لم يروه عن ابن جُريج إلا أبو عاصم.
رجوع شيبة بن عثمان إليها
أخرج البيهقيُّ في سننه"
(2)
عن علي بن المديني: حدثنى أبي، أخبرني علقمةُ بنُ أبي علقمة، عن أمه
(3)
.
قالت: "دخل شيبة بنُ عثمان على عائشة، فقال: "يا أُمَّ المؤمنين إن ثيابّ الكعبة تجتمِعُ علينا فتكثر، فَنَعْمَدُ إلى آبارٍ فنحفرها
(4)
فنعمقها، ثم نَدْفنُ ثيابَ الكعبة فيها كيلا يَلْبَسَها الجنُب والحائض" فقالت عائشة: "ما أحسنت وبئسَ
(5)
ما صنعتَ، إن ثيابَ الكعبة إذا نُزِعَتْ منها، لم يضرها أن يَلْبَسَها الجنبُ والحائضُ، ولكن بِعْها واجعل ثمنَها في المساكين، وفي سبيل الله
(6)
وابن السبيل"
(7)
.
(1)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" 2/ (2132) عن ابن جريج قال: أخبرني زياد بن سعد أن أبا نهيك أخبره أن أبا الدرداء خطب فقال: من أدركه الصبح فلا وتر له، فقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدركه الصبح فيوتر.
(2)
في "السنن" 5/ 159.
(3)
في (ب): عن أبيه قال، خطأ.
(4)
في "السنن". فنحتفرها.
(5)
في "السنن": ولبئس.
(6)
في "السنن" هنا توجد هذه الزيادة: قالت: فكان شبيه بعد ذلك يرسل بها إلى اليمن فتباع هناك ثم يجعل ثمنها في المساكين وفي سبيل الله وابن السبيل.
(7)
انتهى النقل من "السنن" 5/ 159.
وهذا الإسناد معلول بوالد علي بن المديني
(1)
فإنه ضعيفٌ عند عندهم، لكن تابعه عبدُ العزيز بنُ محمد الدراوردي
(2)
: نعم رواه عنه خالد بن يوسف السمتي
(3)
وهو ضعيف.
وشيبة بن عثمان هذا صحابي، ذكره أبو عمر في "الاستيعاب"
(4)
وقال: أسلم يومَ فتح مكة، وشهد حنينًا. وقيل: بل أسلم بحُنين وكان مِن خيار
(1)
هو عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني مولى بني سعد قال أبو حاتم: منكر الحديث جدًّا، ضعيف الحديث، يحدث عن الثقات بالمناكير، يكتب حديثه ولا يحتج به. انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 5 / (102) و "ميزان الاعتدال" 3/ (4247) وفيه: قال ابن المديني: أبي ضعيف وعلي بن المديني هو الشيخ الإمام الحجة، أمير المؤمنين في الحديث، أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح المعروف بابن المديني، صاحب التصانيف المتوفى سنة 234 هـ. له ترجمة حافلة في "السير" 11/ (33).
(2)
هو الإمام العالم المحدث عبد العزيز بن محمد بن عبيد أبو محمد الجهني مولاهم المدني الدَّراوَرْدي قيل: أصله من دَرَاورد: قرية بخراسان. قال أحمد بن صالح: الدراوردي من أهل أصبهان نزل المدينة توفي سنة 187 هـ. قال أبو زرعة: سيّيء الحفظ وقال أبو حاتم: لا يحتج به وقال أحمد: كان الدراوردي إذا حدث من حفظه يهم، ليس هو بشيء، وإذا حدث من كتابه فنعم وقال الذهبي: حديثه في دواوين الإسلام الستة لكن البخاري روى له مقرونًا بشيخ، آخر، وبكل حال فحديثه لا ينحطُّ عن مرتبة الحسن. له ترجمة في "السير" 8/ (107).
(3)
وقع في النسخة المطبوعة: السحتى وقال الأستاذ الأفغاني: في الأصل: السحيتي، كلاهما خطأ وتحريف والصواب السمتي كما أثبتناه من (أ) و (ب) و"لسان الميزان" 2/ (1608)، و "ميزان الاعتدال" 2 / (2488).
(4)
في "الاستيعاب" 2/ 159 - 160.
المسلمين، ودفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وإلى ابن عمه
(1)
شيبةَ بن عثمان بن أبي طلحة، وقال:"خذوها خالدةً تالدةً إلى يومِ القيامة يا بني أبي طلحة، لا يأخُذُها منكم إلا ظالمٌ"
(2)
قال: "فَبَنُو أبي طلحةَ هم الذين يلون سَدَانةَ الكعبة دونَ بني عبد الدار". قال: وشيبة هذا هو جد بني شيبة حجبةِ الكعبة إلى اليوم، وهو أبو
(3)
صفية بنت شيبة توفي في آخرِ خلافةِ معاوية سنة تسعٍ وخمسين، وقيل: بل في أيام يزيد".
وكثير من الناس يتوهمُ أن بني شيبة من عقب عثمان طلحة، قال شيخنا عماد الدين بن كثير في تفسيره
(4)
: "وليس كذلك"
(5)
، فإن عثمان بن طلحة بن أبي أبي طلحة - واسمُ أبي طلحة عبد الله بن عبد العُزَّى بن عثمان بن عبد الدار بن قُصي بن كِلاب القرشي العَبْدَري
(6)
حاجب الكعبة المعظمةِ،
(1)
وقع في (أ) و (ب) والمطبوعة: إلى عثمان بن طلحة وإلى ابن عمته، وهو تحريف، أثبتناه من "الاستيعاب".
(2)
أخرجه الطبراني في "الكبير" 11 / (11234) حدثنا أحمد بن عمرو الخلال بن عمرو المكي حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا معن بن عيسى بن مالك حدثنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، يعني حجابة الكعبة. وأخرجه بسنده ومتنه في "الأوسط" 1 / (488) وقال: لم يرو هذا الحديث عن ابن أبي مليكة إلا عبد الله بن المؤمل تفرد به معن بن عيسى. ونقله الهيثمي في "مجمع الزوائد" 3/ 285 وعزاه إلى "الكبير" و "الأوسط" ثم قال: وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وقال: يخطئ ووثقه ابن معين في رواية وضعفه جماعة.
(3)
وقع في (أ) و (ب): ابن وهو تحريف والصواب أبو صفية كما ورد في "الاستيعاب" و "أسد الغابة" 2/ (2466) و "الإصابة" 2/ (3945).
(4)
تفسير ابن كثير 2/ 299.
(5)
"وليس كذلك" لا يوجد في تفسير ابن كثير.
(6)
وقع في (أ) و (ب) والمطبوعة: العبدي وهو تحريف، والصواب كما أثبتناه من المراجع.
وهو ابنُ عم شيبة بن عثمان أبي
(1)
طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم.
أسلم عثمانُ هذا في الهُدنة بين صُلح الحديبية وفتح مكة هو وخالدُ بن الوليد، وعمرو بن العاص.
وأما عمه عثمان بن أبي طلحة فكان معه لواءُ المشركين يوم أحد، وقتل يومئذ كافرًا.
وإنما نبهنا على هذا النسب
(2)
لأن كثيرًا مِن المفسرين
(3)
قد يَشْتَبِهُ عليهم هذا.
قلتُ: وكذا ذكره أبو عبيد
(4)
في "الأنساب" عن ابن الكلبي فذكر بني عبد عثمان الدار، ثم قال: ومنهم بن طلحة بن أبي طلحة الذي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم منه المفتاحَ يومَ الفتح، ثم رده عليه. ثم قال:"بنو شيبة"
(5)
وشيبة بن عثمان بن أبي طلحة ولي الحِجابة بعدَ عثمان بن أبي طلحة اهـ.
وذكر ابن عربي
(6)
في الفتوحات المكية
(7)
أن قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ
(1)
كلمة "أبي" سقطت من (أ) و (ب) والمطبوعة والصواب هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة.
(2)
كلمة "النسب" لا توجد في (أ) و (ب) استدركناه من تفسير ابن كثير.
(3)
وقع في (أ) و (ب) والمطبوعة: الناس أثبتناه من تفسير ابن كثير.
(4)
وقع في المطبوعة: أبو عبيدة وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(5)
في (ب): وكذا شيبة.
(6)
في (أ) والمطبوعة: العربي، خطأ، وفي (ب) المغربي وهو خطأ، فإن ابن العربي يقال لأبي بكر بن العربي الإشبيلي صاحب "أحكام القرآن" المتوفى سنة 54 هـ. وأما ابن عربي بدون "أل" فيطلق على صاحب "الفتوحات المكية". وهو العلامة صاحب التواليف الكثيرة محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي نزيل دمشق المتوفى سنة 638 هـ. انظر في "السير" 23 / (34).
(7)
في الفتوحات 1/ 705 - 706. والذي قاله ابن عربي هنا يهمنا جدًّا: "والحديث النبوي في ذلك مشهور والخلفاء والأمراء غفلوا عن مقتضى معنى قوله تعالى حين =
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] ليس فيها إشارةٌ إلا لدفع المفتاح له، لا لجعلِ أمانة البيت معه حتى جعل ذلك في عقبه بني شيبة. وهذه الآية مكية وحدَها مِن بين سائر أي هذه السورة، فهي مدنية.
استدراكها على عبد الرحمن بن عوف
قال البزار في "مسنده"
(1)
: أخبرنا بشر
(2)
بنُ آدم: حدثنا عبد الله بنُ رجاء قال حدثنا عُمارة بنُ زاذان، عن ثابت.
عن أنس قال: جاءَت سبع مئة بعير من الشام لعبدِ الرحمن بن عوف تَحْمِلُ
(3)
كُلَّ شيءٍ، فتعجب أهل المدينة فقالت عائشة:"ما هذا؟ قالوا: "عِيرٌ لعبد الرحمن بن عوف تحملُ كل شيء فقالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قد رأيتُ عبدَ الرحمن، وإنه يدخل الجنة حَبوًا" فبلغه ذلك فقال: "يا عائشة ما حديثٌ بلغني؟ " فَذَكَرَتْهُ، فقال:"أشهدُكِ أنها بأقتابِها وأحلاسها وأحمالِها في سبيل الله"
(4)
.
= مسك رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح البيت الذي أخذه من بني شيبة فأنزل الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فتخيل الناس أن الأمانة هي سدانة البيت ولم تكن الأمانة إلا مفتاح البيت الذي هو ملك لبني شيبة فردّ إليهم مفتاحهم وأبقى صلى الله عليه وسلم عليهم ولاية السدانة، ولو شاء جعل في تلك المرتبة غيرهم وللإمام أن يفعل ذلك إذ رأى في فعله المصلحة لكن الخلفاء لم يريدوا أن يؤخروا عن هذه الرتبة من قرّره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فهم مثل سائر ولاة المناصب إن أقاموا فيه الحق فلهم وإن جاروا فعليهم وللإمام النظر فبقي بيت الله عند العلماء بالله لا حكم لبني شيبة ولا لغيرهم فيه.
(1)
أخرجه الهيثمي في "كشف الأستار" 3/ (2586).
(2)
وقع في المطبوعة: بشير وهو تحريف. وصوابه بِشْر بن آدم كما في (أ) و (ب) وهو من رجال التهذيب 4/ (677) انظر "تهذيب التهذيب" 1/ (813).
(3)
في النسخة المطبوعة: عليها من، أثبتناه من (ب).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(24842) حدثنا عبد الصمد حسان بن =
قال: وهذا الحديثُ لا أعلم أحدًا رواه إلا عمارة عن ثابت اهـ. وعمارة قال فيه أبو داود وغيره: ليس بذاك.
وقال البزار أيضًا في مسند ابن عوف
(1)
: حدثنا عبدُ الله بنُ شبيب: حدثنا محمدُ بنُ عبد الله بن زيد المدني، حدثنا محمد بن طلحة، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبدِ الرحمن.
= قال: أخبرنا عمارة عن ثابت عن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتًا في المدينة، فقالت ما هذا قالوا: عِيْر لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء. قال: فكانت سبع مئة بعير قال: فارتجّت المدينة من الصوت. فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوًا. فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال: "إن استطعتُ لأدخلنها قائمًا، فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث منكر باطل، فقد تفرد به عمارة وهو ابن زاذان الصيدلاني، وهو ممن لا يحتمل تفرده، فقد قال: أحمد يروي عن أنس أحاديث مناكير وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، ليس بالمتين وقال الدارقطني: ضعيف.
وقد أورد الإمام ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات 2/ 13 وقال: قال أحمد: هذا الحديث كذب منكر، قال: وعمارة يروي أحاديث مناكير قال النسائي: هذا حديث موضوع. ثم قال ابن الجوزي: وبمثل هذا الحديث الباطل يتعلق جهلة المتزهدين ويرون أن المال مانع من السبق إلى الخير ويقولون: إذا كان ابن عوف يدخل الجنة زحفًا لأجل ماله كفى ذلك في ذم المال، والحديث لا يصح، وحُوشي عبد الرحمن المشهود له بالجنة أن يمنعه ماله من السبق، لأن جمع المال مباح، وإنما المذموم كسبه من غير وجهه، ومنع الحق الواجب فيه .. وكم قاص يتشوق بمثل هذا الحديث الباطل يحث على الفقر ويذم الغنى، فلله دَرُّ العلماء الذين يعرفون الصحيح، ويفهمون الأصول. انظر لتمام تخريجها في "المسند"(24842).
(1)
في "البحر الزخار" 3/ (1740) ولا إسناده عبد الملك يصح بن شبيب ضعيف وأبو سلمة لم يسمع من أبيه. انظر "كشف الأستار" 3/ (2585).
عن أبيه عبد الرحمن بن عوف قال: "أُريتُ الجنة، فإذا هي لا يَدْخُلُها إلا المساكينُ، فدخلتُ معهم حبوًا، فلما استيقظتُ قلت: "إبلي التي أنتظِرُها بالشام وأحمالُها في سبيلِ الله حتى أدخلَها معهم ماشيًا".
قال: ولا نعلم رواه عن محمد بن عمرو إلا محمد بن طلحة. اهـ
استدراكها على أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر
أخرج الحافظُ أبو بكر الإسماعيليُّ فيما جمعه من حديث يحيى بن أبي كثير بطرق عن يحيى، عن سالم مولى دَوْسٍ أنه
سَمِعَ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأساءَ الوضوء: "يا عبدَ الرحمن أسْبغِ الوضوءَ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْلٌ للأعقابِ مِنَ النارِ"
(1)
.
(1)
أخرجه مسلم في الطهارة باب وجوب غسل الرجلين بكمالها (566 - 569) و (568) من جهة عكرمة بن عمار: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أو حدثنا - أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني سالم مولى المهري قال خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر في جنازة سعد بن أبي وقاص، فمررنا على باب حجرة عائشة، فذكر عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قلت: عزا المؤلف حديث عائشة في استدراكها على أخيها عبد الرحمن إلى الإسماعيلي مع أن الحديث في صحيح مسلم (568) كما ذكرناه من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سالم مولى دوس.
قال الخطيب في "موضع أوهام الجمع والتفريق" 1/ 284 - 285 والصواب عن يحيى، عن سالم نفسه ولا وجه لإدخال أبي سلمة في الإسناد (566 - 569).
وأخرجه أحمد من جهة يحيى عن سالم مولى دوس أيضًا (24516) و (24543) وفيه تمام تخريجه. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد حسن من أجل سالم مولى دوس .. انظر لتخريجه أيضًا: (24123).
استدراكها على فاطمة بنت قيس
"تعميمها: أن لا سكنى للمبتوتة".
أخرج مسلم
(1)
والأربعة
(2)
عن الشعبي قال:
دخلت على فاطمةَ بنتِ قيس فسألتها عن قضاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عليها، فقالت:"طلقها زوجُها البتة، فخاصمته إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في السُّكنى والنفقة قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة".
وأخرج البخاري في "صحيحه"
(3)
تعليقًا فقال: وزاد
(4)
عبدُ الرحمن بنُ أبي الزناد عن هشام عن أبيه قال: لقد عابت ذلك عائشة أشدَّ العيب يعني حديثَ فاطمة، وقالت: "إنها كانت في مكان وحش
(5)
فَخِيفَ على ناحيتها،
(1)
أخرجه مسلم في الطلاق باب المطلقة البائن لا نفقة لها (3705) ودوامه: وأمرني أن أعْتدَّ في بيت ابن أم مكتوم.
(2)
أخرجه أبو داود في الطلاق باب في نفقة المبتوتة (2288) والترمذي في الطلاق باب ما جاء في المطلقة ثلاثًا لا سكنى لها ولا نفقة (1180) والنسائي في الطلاق باب الرخصة في خروج المبتوتة من بيتها في عدتها لسكناها (3578) وابن ماجه في الطلاق باب المطلقة ثلاثًا هل لها سكنى ونفقة (2036).
(3)
أخرجه البخاري في الطلاق باب قصة فاطمة بنت قيس وقول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1](5325 - 5326) من جهة عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: قال عروة لعائشة: ألم تَرى إلى فلانة بنت الحكم؟ طلقها زوجها البتَّة، فخرجت فقالت: بئس ما صنعت، قال: ألم تسمعي قول فاطمة؟ قالت: أما إنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث وزاد ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه: عابت. .
(4)
في (أ) و (ب) والمطبوعة: وقال: خطأ، أثبتناه من صحيح البخاري.
(5)
في (أ) و (ب): منزل وحش، وفي المطبوعة: منزل وحشي وهو تحريف، =
فلذلك أرخصَ لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم" وأخرجه أبو داود
(1)
متصلًا عن سليمان بن داود: أنا ابن وهب: أخبرني عبدُ الرحمن، فذكره.
وأخرج مسلم
(2)
عن عروة قال: تزوج يحيى بنُ سعيد بن العاص ابنةَ عبد الرحمن بن الحكم فطلقها، فأخرجها من عنده، فعاب ذلك عليهم عروةُ، وقالوا: إن فاطمة قد خرجت قال عروةُ: فأتيتُ عائشةَ فأخبرتُها بذلك، فقالت:"ما لفاطمة بنت قيس خير في أن تذكر هذا الحديثَ".
قال أصحابُنا: وفي هذا الحديث جوازُ إنكار المفتي على مفتٍ آخر خالف النصَّ، أو عمّم ما هو خاص، لأن عائشة أنكرت على فاطمة بنت قيس تعميمَها "أن لا سكنى للمبتوتة" وإنما كان انتقالُ فاطمة من مسكنِها لعذر مِن خوف اقتحامه عليها، أو لبذاءَتها أو نحو ذلك ذلك
(3)
. اهـ.
استدراكها على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
أخرج البخاري
(4)
ومسلم
(5)
عن عُروة عن عائشة أنها قالت:
= أثبتناه من صحيح البخاري.
(1)
أخرجه أبو داود في الطلاق باب من أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس (2292) بهذا اللفظ.
(2)
أخرجه مسلم في الطلاق باب المطلقة البائن لا نفقة لها (3717).
(3)
تقدم ذكر شيء من حديث فاطمة وقول عمر عليها في ص 243 وذكرنا بعض المراجع لتوسعة بيان هذه المسألة في تعليقنا عليها فراجعها.
(4)
أخرجه البخاري في الفرائض باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورَث ما تركنا صدقة"(672).
(5)
أخرجه مسلم في الجهاد باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة"(4579) وقد أخرجه الإمام مالك في الموطأ ص 993 وأبو داود برقم (2976)، وأحمد في "المسند"(25125) و (26260) وفيه تمام تخريجه.
إن أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم حين تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أردن أن يبعثنَ عثمانَ بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثَهُن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة لهن: أليس
(1)
قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نُورَثُ، ما تَرَكْناه صَدَقَةٌ".
(1)
سقطت كلمة "أليس" من النسخة المطبوعة، أثبتناه من (أ) و (ب) والصحيحين.
باب الاستدراكات العامة
استدراكها أن المرأة لا تقطع الصلاة
أخرج مسلم
(1)
عن أبي هُريرة قال:
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يقطعُ الصَّلاة المرأةُ والحمارُ والكلبُ، ويَقِي ذلك مثلُ مُؤْخَرَةِ الرَّحل".
وقد روى قَطْعَ المرأةِ الصلاةَ غيرُه من الصحابة منهم أبو ذر، أخرجه مسلم
(2)
أيضًا، ومنهم ابن عباس أخرجه أبو داود
(3)
وزاد الحائض، قال: وأوقفه جماعة، ومنهم عبدُ الله بن مُغَفَّلٍ
(4)
أخرجه قاسم بن أصبغ
(5)
في مصنفه".
(1)
أخرجه مسلم في الصلاة باب قدر ما يستر المصلي (1139).
(2)
أخرجه مسلم في الباب المذكور برقم (1137) عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة، الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود.
(3)
أخرجه أبو داود في الصلاة باب ما يقطع الصلاة (703) عن ابن عباس رفعه شعبة قال: يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب. قال أبو داود: أوقفه سعيد وهشام وهمام وعن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس.
(4)
وقع في المطبوعة: معقل وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب) وحديثه أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (16797) و (20572) عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار وأخرجه ابن ماجه بسنده ومتنه في إقامة الصلاة باب ما يقطع الصلاة (951).
(5)
هو الإمام الحافظ العلامة محدث الأندلس قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف، أبو محمد القرطبي مولى بني أمية صاحب التصانيف، المتوفى سنة 340 هـ.
انظر لترجمته في "السير" 15/ (266) و"تذكرة الحفاظ" 3/ 853.
وقد استدركت عائشةُ رضي الله عنها ذلك، فأخرج الشَّيْخانِ في "صحيحيهما"
(1)
عن مسروق، عن عاشة وذُكِرَ عندها ما يقطع الصلاة: الكلبُ والحمارُ والمرأةُ، فقالت عائشة: "شبهتمونا
(2)
بالحمير
(3)
والكِلاب، واللهِ لَقَدْ رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي وإني
(4)
على السريرِ بينَه وبينَ القبلة، مضطجعة، فتبدُو لى الحاجةُ فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانسلَّ مِن عندِ رجليه" ذكره البخاري في باب: من قال لا يَقْطَعُ الصلاةَ شيءٌ. وأخرجا
(5)
نحوه عن الأسود عن عائشة، وأخرجه مسلم
(6)
عن عروة عنها أيضًا.
استدراكها الصلاة على الجنازة في المسجد
أخرج مسلم
(7)
عن عباد بن عبد الله بن الزبير
(1)
أخرجه البخاري في الصلاة باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء (514) ومسلم في الصلاة باب الاعتراض بين يدي المصلي (1143).
(2)
في رواية مسلم: قد شبهتمونا.
(3)
في رواية البخاري: بالحُمُر.
(4)
في (أ) و (ب) والمطبوعة: أنا، أثبتناه من الصحيحين.
(5)
أخرجه البخاري في الباب المذكور ضمن حديث مسروق بالتحويل (514) ومسلم برقم (1144) عن الأسود عن عائشة قالت: عَدَلْتمونا بالكلاب والحمر، لقد رأيتني مضطجعة على السرير فيجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسّط السرير فيصلي، فأكره أن أسنَحَه فأنسلُ من قِبَل رِجْلَي السرير، حتّى أنسلّ من لحافي. وأخرجه أحمد برقم (25929).
(6)
أخرجه مسلم في الباب المذكور برقم (1142) عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: ما يقطع الصلاة؟ قال: فقلنا: المرأة والحمار فقالت: إن المرأة لدابة سَوْءٍ، لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة، وهو يصلي.
(7)
أخرجه مسلم في الجنائز باب الصلاة على الجنازة في المسجد (2252) انظر =
أن عائشة أَمَرَت أن يُمَرَّ بجنازة سعد بن أبي وقاص في المجسد، فتصلّي عليه، فأنكر الناسُ ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس، ما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد".
وفي لفظ له
(1)
: "أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن
(2)
أن يمروا بجنازته في المسجد، فيصلين عليه، ففعلوا، فوُقف به على حُجرهن يُصلين عليه" أخرج به من باب الجنائزِ الذي كان إلى المقاعد، فبلغهن أن الناسَ عابوا ذلك وقالوا: "ما كانت الجنائزُ يدخل بها المسجد" فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها، فقالت: "ما أسرعَ الناسَ إلى أن يَعيبوا ما لا عِلْمَ لهم به، عابوا علينا أن يُمَرَّ بجنازة في المسجد، وما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى سهيل بن بيضاء إلا في جوفِ المسجد".
ووقع في مسلم ما صلى على
(3)
ابني البيضاء
(4)
، وهو وهم، وإنما هو
= أيضًا: الموطأ ص 229 - 230 ومصنف ابن أبي شيبة 3/ (11970)، والترمذي (1033) وأبو داود (3189 - 3190). وأحمد في "المسند"(24498) و (24499) و (25357)(26245).
(1)
أخرجه مسلم في الباب المذكور برقم (2253).
(2)
في (أ) و (ب) أرسلوا وفي المطبوع: أرسلن على الجادة وفي رواية مسلم: أرسل.
(3)
"على" سقط من (أ) و (ب)، أثبتناه من رواية مسلم.
(4)
أخرجه مسلم في الباب المذكور برقم (2254) ولفظها: فقالت: والله لقد صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني البيضاء في المسجد سهيل وأخيه. وأخرجه أبو داود بسنده ومتنه برقم (3190).
سهيل لا غير
(1)
، وسهل أُسر يوم بدر فشهد له ابن مسعود أنه رآه يُصلى بمكة، فخلِّي سبيله، وشهد أخواه سهيل وصفوانُ بدرًا
(2)
.
استدراكها القيام للجنازة
جاءَ الأَمر بالقيام للجنازة في "الصحيحين"
(3)
من حديث عامر بن ربيعة
(1)
قال ابن الأثير في "أسد الغابة 2 / (2281) وتوفي سهل وأخوه سهيل بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليهما في المسجد، وقيل: إن سهلًا عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعقبا، قاله ابن إسحاق. وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 2/ 94: وقد قيل أن سهل بن بيضاء مات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك الواقدي وقال ابن حجر في الإصابة 2 / (3520): وزعم الواقدي أن هذا مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم وسلم وقال أبو نعيم: اسم أخي سُهَيْل صفوان ومن سماه سهلًا فقد وهم. وقال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 39 - 40: قال العلماء: بنو بيضاء ثلاثة أخوة: سهل وسُهَيْل وصفوان، وأمهم البيضاء اسمها دعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري.
قد أخرج ابن حبان في صحيحه من جهة حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهل بن بيضاء إلا في المسجد. انظر "الإحسان" 7/ (3065)، وحمزة بن عبد الله بن الزبير لم يوثقه غير المؤلف. وأخرجه أحمد بسنده ومتنه إلا أن فيه: سُهَيْل بن بيضاء بدلًا من سَهْل (26245) و (25357).
(2)
انظر لترجمته في "الاستيعاب" 2/ 94 و "الإصابة" 2/ (3520) و "أسد الغابة" 2/ 2281).
(3)
أخرجه البخاري في الجنائز باب القيام للجنازة (1307) و (1308) ومسلم في الجنائز باب القيام للجنازة (2217) و (2218) عن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع.
العدوي وأبي سعيد
(1)
وأبي هريرة
(2)
وجابر بن عبد الله
(3)
، وأخرجه البيهقي
(4)
بإسنادٍ حسن من حديث عبد الله بن عمرو
(5)
وجمهورُ العلماء على نسخ
(1)
أخرجه البخاري في الجنائز باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال، فإن قعد أمر بالقيام (1310) ومسلم في الجنائز باب القيام للجنازة (2220) و (2221) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع.
(2)
لم أجد في الصحيحين عن أبي هُريرة في هذا الموضع إلا هاتين الروايتين: أخرج البخاري في الجنائز باب متى يقعد إذا قام للجنازة (1309) عن سعيد المقبري أبيه قال: كنا في جنازة فأخذ أبو هريرة رضي الله عنه بيد مروان فجلَسَا قبل أن توضع فجاء أبو سعيد رضي الله عنه فأخذ بيد مروان فقال: قم، فوالله لقد عَلِمَ هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك، فقال أبو هريرة: صدق وأخرج مسلم في الجنائز باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه (2248) عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر. قلت: وهذا باب آخر. وحديث أبي هُريرة في هذا الباب أخر. هذا الباب أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/ (11907) عن أبي هريرة قال: مَرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقام وقال لمن معه قوموا فإن للموت فزعًا وأخرجه ابن ماجه برقم (1543) وأبو داود (3173) والبيهقي 4/ 26 ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اتبع أحدكم جنازة فلا يجلس حتى توضع في الأرض.
(3)
أخرجه البخاري في الجنائز باب من قام لجنازة يهودية (1311) ومسلم في الجنائز باب القيام للجنازة (2222) عن جابر بن عبد الله: قال مرت جنازة فقام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه فقلنا يا رسول الله إنها يهودية فقال: إن الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا.
(4)
أخرجه البيهقي في "السنن" 4/ 27 عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله تمر بنا جنازة الكافر فنقوم لها قال: نعم قوموا لها فإنكم لستم تقومون لها إنما تقومون إعظامًا للذي يقبض النفوس.
(5)
المرجع السابق.
ذلك، وعمدتهم في النسخ حديثُ عليّ الثابت في "الصحيحين"
(1)
: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ثم قعد" وقد أخرج البيهقي في "سننه"
(2)
عن عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم:
أن القاسم كان يمشي بينَ يدي الجنازة ويجلس قبل أن تُوضَع، ولا يقومُ لها. وكان
(3)
يخبر عن عائشة أنها قالت: "كان أهلُ الجاهلية يقومون لها إذا رأوها، ويقولون: "في أهلكِ ما أنتِ! في أهلكِ ما أنتِ! ".
(1)
أخرج مسلم في الجنائز باب نسخ القيام للجنازة (2227) و (2228) و (2229) أن مسعود بن الحكم الأنصاري أخبره أنه سمع علي بن أبي طالب يقول في شأن الجنازة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام ثم قعد والذي وجدناه في صحيح البخاري في الجنائز باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله (1362) عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله .. وهو حديث طويل في باب آخر. وأخرج الترمذي في الجنائز باب في الرخصة في ترك القيام لها (1044) عن علي بن أبي طالب أنه ذكر القيام في الجنائز حتى توضع فقال علي: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد قال أبو عيسى: حديث علي حديث حسن صحيح. ومعنى قول علي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الجنازة قام ثم ترك ذلك بعد فكان لا يقوم إذا رأى الجنازة. وأخرج النسائي في الجنائز باب الرخصة في ترك القيام (1924) عن أبي معمر قال: كنا عند عليّ فمرت به جنازة فقاموا لها فقال علي: هذا؟ قالوا: أمر أبي موسى. فقال: إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك. وأخرجه أبو داود برقم (3175) وابن أبي شيبة 3/ (11926).
(2)
في "السنن" 4/ 28، إسناده صحيح.
(3)
كان ليس في (أ) و (ب)، واستدركناه من البيهقي.
استدراكها تحريم المتعة
قال الحاكم في "مستدركه"
(1)
: أخبرنا المحبوبي: "حدثنا الفضلُ بن عبد الجبار: حدثنا عليُّ بن الحسن
(2)
بن شقيق: حدثنا نافعُ بنُ عمر الجمحي قال:
سمعتُ عبدَ الله بن عبيد الله بن أبي مليكة يقول: سُئِلَتْ عائشةُ عن مُتعة النساء، فقالت:"بيني وبينكم كتاب الله، قال وقرأت هذه الآية {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5 - 6] فمن ابتغى وراءَ ما زوجه الله أو ملَّكه فقد عدا".
ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
استدراكها البول قائمًا
أخرج الترمذي
(3)
، والنسائي
(4)
، وابنُ ماجه
(5)
مِن جهة شريك بن
(1)
في "المستدرك" 2/ 305، علمًا بأن "حدثنا الفضل بن عبد الجبار، حدثنا علي بن الحسين بن شقيق حدثنا سقط من الإسناد في هذه الرواية وقد ورد بتمامه 2/ 393. وذكره السيوطي في "در المنثور" 6/ 88 وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن أبي مليكة بنفس المتن.
(2)
وقع في (أ) و (ب) والمطبوعة: علي بن الحسين وهو خطأ، إنما هو علي بن الحسن بن شقيق أثبتناه من "المستدرك" 2/ 393. وهو أبو عبد الرحمن المروزي، ثقة حافظ من كبار العاشرة انظر "تحرير تقريب التهذيب" 3/ (4706) له ترجمة في "السير" 10 / (87) فراجعه.
(3)
أخرجه الترمذي في الطهارة باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا (12).
(4)
أخرجه النسائي في الطهارة باب البول في البيت جالسًا (29) عن عائشة قالت: من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالسًا.
(5)
أخرجه ابن ماجه في الطهارة، باب في البول قاعدًا (307) عن عائشة قالت: من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا فلا تصدقه، أنا رأيته يبول قاعدًا.
عبد الله
(1)
عن المقدام بن شُريح بن هاني، عن أبيه
عن عائشة قالت: "مَنْ حدثكم أن رسولَ صلى الله عليه وسلم كان يبولُ قائمًا، فلا تُصَدِّقُوه، ما كان يبولُ إلا قاعدًا".
هذا لفظ الترمذي وقال: "هو أحسنُ شيء في هذا الباب وأصح". انتهى.
وإسناده على شرط مسلم.
واعلم أنه قد حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبول قائمًا، حذيفة: أخرجاه في "الصحيحين"
(2)
وجمع بعضهم بين الروايتين، لأن النفي في حديث عائشة ورد على صيغة (كان) بمعنى الاستمرار في الأغلب، وحديث حذيفة ليس فيه (كان) فلا يدل إلا على مطلق الفعل ولو مرة.
ويدل لذلك ما رواه الحاكم في مستدركه"
(3)
من جهة أبي هُريرة أن
(1)
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، القاضي بواسط، ثم الكوفة، أبو عبد الله، صدوق، يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ وُلّي القضاء بالكوفة. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: بل صدوق حسن الحديث عند المتابعة وهو كثير الحديث يغلط أحيانًا. . انظر: تحرير تقريب التهذيب 2/ (2787).
قلت: لكن تابعه سفيان الثوري عند أحمد (25045) و (25535) بنفس المتن. وفيه تمام تخريجه فراجعه.
(2)
أخرجه البخاري في الوضوء باب البول قائمًا وقاعدًا (224) و (225) و (226) ومسلم في الطهارة باب المسح على الخفين (624) و (625) عن حذيفة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فانتهي إلى سباطة قوم فبال قائمًا. . وفي رواية عند البخاري (225) ومسلم (625): عن حذيفة قال: رأيتني أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه، فأشار إليّ فجئته فقمت عند عقبه حتى فرغ.
(3)
"المستدرك" 1/ 182. وقال: هذا حديث صحيح تفرد به حماد بن غسان ورواته كلهم ثقات. قال الذهبي في تلخيصه تفرد به حماد ورواته ثقات. ثم قال: (قلت): حماد ضعفه الدارقطني.
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالَ قائمًا مِن جرح كان بمَأْبِضِه
(1)
وقال: رواتُه ثقات. وحكى الخطابي
(2)
عن الشافعي أنه قال: كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا، فيرى
(3)
أنه صلى الله عليه وسلم كان به إذ ذاك وجعُ الصُّلْب.
والحملُ على هذا متعين لأجل
(4)
الجمع بينَ الروايتين. وأما رواية ابن ماجه: "من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، قائمًا فلا تصدقه". ففيها مخالفة، فإن كانت محفوظة، فمحمولة على تلك، لأن مخرجهما واحد، والمعنى الإخبار عن الحالة المستمرة، ولم تطلع على ما اطلع عليه حذيفة، ولهذا علقت مستندَ إنكارها برؤيتها حيث قال:"أنا رأيته يبولُ قاعدًا".
وأيضًا القاعدة الأُصولية تقضي لِحديث حذيفة من حيث إنه مُثبت، فيُقدَّمُ على مَنْ روى النفيَ؛ ويدل عَلَى حمل الحديث على حالٍ ما روى سفيانُ الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت:"ما بالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمًا منذ أُنزل عليه القرآن" أخرجه الحاكم
(5)
ثم أخرجه عن إسرائيل عن المقدام به بلفظ "سمعت عائشة تُقسم بالله: ما رأى أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول قائمًا منذ أنزل عليه القرآن" وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(1)
قال ابن الأثير في "النهاية" 1/ 15: فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائمًا لعلة بمَأْبِضَيْه" المأبِضُ: باطن الركبة هاهنا، وهو من الإباض الحبل الذي يشد به رسغ البعير إلى عضده. والمابض مَفْعِلٌ منه: أي موضع الإباض، والعرب تقول: إن البول قائمًا يشفى من تلك العلة.
(2)
في "معالم السنن" 1/ 18 ولفظه كما يلي: وحدثونا عن الشافعي أنه قال: كانت العرب تستشفى لوجع الصلب بالبول قائمًا فنرى أنه لعلة كان به إذ ذاك وجع الصلب والله أعلم.
(3)
في (ب): فنرى.
(4)
وقع في المطبوعة: لا على وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(5)
في "المستدرك" 1/ 185.
"والذي عندي إنهما لما اتفقا على حديث منصور، عن أبي وائل عن حُذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سُباطة، قوم، فبال قائمًا وجدا حديث المقدام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها معارضًا له فتركاه والله أعلم"
(1)
.
وقد روى النهي عن البول قائمًا عُمَرُ الخطاب وابن عمر، أخرجهما ابن ماجه
(2)
وإسنادهما لا يَثْبُتُ. ومن جهة بُريدة أخرجه البزار في "مسنده"
(3)
، قال الترمذي:"إنه غير محفوظ"
(4)
. وقال ابن ماجه
(5)
: سمعتُ أحمدَ بن عبدِ الرحمن المخزومي يقول: قال سفيان الثوري في حديث عائشة: "أنا رأيته
(1)
من قوله: "والذي عندي" إلى "والله أعلم" هكذا وقع في (أ) و (ب) والمطبوعة:
والذي عندي أنهما ما اتفقا على حديث منصور عن أبي وائل عن حذيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائمًا ولكن (في (ب): وكذا) حديث المقدام عن أبيه عن عائشة ثقات رجاله، فتركاه والله أعلم، فيه خطأ، أثبتناه من المستدرك 1/ 185.
(2)
أخرجه ابن ماجه في الطهارة باب في البول قائمًا (308) عن ابن عمر عن عمر قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائمًا فقال: يا عمر لا تَبُلْ قائمًا، فما بلت قائمًا، بعد.
(3)
انظر: "جامع المسانيد" لابن كثير 2 / (842) و "مجمع الزوائد" 2/ 83 عن بريدة أن رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل وهو قائم أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته أو ينفخ في سجوده. وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط 6/ (5998) ورجال البزار رجال الصحيح. وأخرجه الديلمي في "الفردوس" 2/ (2470).
(4)
قاله الترمذي في الطهارة باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا بعد حديث عائشة برقم (12) وقال: وحديث بريدة في هذا غير محفوظ. ومعنى النهي عن البول قائمًا على التأديب لا على التحريم، وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال: إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم.
(5)
أخرجه ابن ماجه في الطهارة باب في البول قاعدًا بعد حديث جابر بن عبد الله برقم (309).
يبولُ قاعدًا" قال: الرجل أعلم بهذا منها. قال أحمد بن عبد الرحمن: وكان من شأن العرب البولُ قائمًا. ألا تراه في حديث عبد الرحمن بن حسنة [يقول]
(1)
: قعد
(2)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبولُ كما تبول المرأة
(3)
.
استدراكها
(4)
صلاة الضحى
أخرج البخاري
(5)
عن ابن أبي ذِئب ومعمر
(6)
عن الزهري عن عروة
(1)
يوجد في رواية ابن ماجه هنا: يقول: أثبتناه منها.
(2)
في (ب): قصد، خطأ.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(17758) و (17760) عن عبد الرحمن بن حسنة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كهيئة الدرقة قال فوضعها ثم جلس فبال إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة. قال فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ويحك أما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم شيء من البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم فعذب في قبره. أخرجه أبو داود في الطهارة: باب الاستبراء من البول (22) والنسائي في الطهارة: باب البول إلى السترة يستتر بها (30) وفي "الكبرى" 1 / (26) وابن ماجه في الطهارة: باب التشديد في البول (346) وابن أبي شيبة 1/ (1303) والحميدي 2/ (882)، وأبو يعلى 2 / (932) وابن حبان في صحيحه "الإحسان" 7/ (3127)، والحاكم 1/ 184، والبيهقي في "السنن" 1/ 101 و 104 والهيثمي في "موارد الظمآن" 1 / (139) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" 1/ 284 من طرق عن الأعمش به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(4)
كلمة "استدراكها" لا توجد في (أ)، أثبتناها من (ب).
(5)
أخرجه البخاري في التهجد باب من لم يصل الضحى، ورآه واسعًا (1177) ومن جهة مالك عن ابن شهاب برقم (1128) قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، وما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها.
(6)
"ومعمر" لا يوجد في الروايتين عند البخاري ولعله من نسخة عند المؤلف.
والحديث أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة كانت =
عن عائشة قالت: "ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سُبحة الضحى؛ وإني لأَسَبِّحُها" زاد فيه معمر قالت: "وما أحدثَ الناس شيئًا أحبَّ إليّ منهما"
(1)
.
قال البيهقي في سننه
(2)
: مرادها رضي الله عنها والله أعلم: ما رأيتُه داوم عليها، وكذا قولها:"وما أحدثَ الناسُ" تريد: مداومتهم. ونازعه الذهبي، وقال:"اللفظ لا يحتمِلُ هذا التأويل".
وأخرج مسلم
(3)
عن عبد الله بن شقيق
(4)
قلت لعائشة: "هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي الضحى؟ قالت: "لا؛ إلا
(5)
أن يجيء مِن مغيبه".
= تقول: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى قال: وكانت عائشة تسبحها وكانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل خشية أن يستن به الناس فيفرض عليهم وكان يحب ما خف على الناس. انظر: "المصنف" 3/ (4867) أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(24056)، (24559)، (25350)، (25363)، (25451) فانظر تخريجه ثمة. يبدو أن المؤلف قد نقل هذه الرواية عن البيهقي ثم عزاه إلى البخاري.
(1)
أخرج عبد الرزاق، 3/ (4868) و (4869) عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئًا أحب إليّ منها، قال البيهقي في "السنن" 3/ 49: زاد معمر في روايته: وما أحدث الناس شيئًا أحب إلي منها. وهذا من كلام ابن عمر عند عبد الرزاق فليس كما زعم المؤلف أنها قالته عائشة والله أعلم.
(2)
في "السنن" 3/ 49 ولفظه: وعندي والله أعلم أن المراد به ما رأيته داوم على سبحة الضحى وإني لأسبحها أي أداوم عليها وكذا قولها: ما أحدث الناس شيئًا تعني المداومة عليها.
(3)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب استحباب صلاة الضحى (1660) و (1661).
(4)
وقع في (أ) و (ب): عبد الله بن سعد وهو تحريف، والتصحيح عن رواية مسلم.
(5)
وقع في (أ) و (ب): "كان" زائدًا ليس في رواية مسلم ولذلك حذفناه من المتن.
قال البيهقي
(1)
ورُوي في ذلك عن جابر
(2)
وكعب بن مالك
(3)
عن النبي صلى الله عليه وسلم ومرَّ لمعاذة عن عائشة أنه عليه السلام كان يُصليها أربعًا ويزيدُ ما شاءَ الله
(4)
. ومجموعُ الأحاديث يدل عَلى أنه كان لا يُداوم عليها.
استدراكها
(5)
غسل الجمعة
أخرج البخاري
(6)
ومسلم
(7)
عن عُروة.
(1)
في "السنن" 3/ 50.
(2)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب استحباب ركعتين المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه (1657) و (1658) عن محارب سمع جابر بن عبد الله يقول: اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا، فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد، فأصلي ركعتين وأخرج البخاري في الصلاة باب الصلاة إذا قدم من سفر (443).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 3/ (4863) و (4864) ومسلم في صلاة المسافرين في الباب المذكور آنفًا برقم (1659) عن كعب بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهارًا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه. وأخرجه البخاري في الصلاة، باب الصلاة إذا قدم من سفر معلقًا ولفظه: وقال كعب بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه. وأخرجه النسائي في المساجد باب الرخصة في الجلوس فيه والخروج منه بغير صلاة (732) ضمن حديث طويل.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 3/ (4853) عن قتادة عن معاذة العدوية عن عائشة بهذه السياقة. وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب استحباب صلاة الضحى (1663) من جهة قتادة عن معاذ و (1663) عن يزيديعني الرِّشْك حدثتني معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: أربع ركعات ويزيد ما شاء وأخرجه ابن ماجه في إقامة الصلوات باب ما جاء في صلاة الضحى (1381). وأخرجه أحمد في "المسند"(25123) و (24889) و (24638).
(5)
كلمة "استدراكها" لا توجد في (أ)، وأثبتناها من (ب).
(6)
أخرجه البخاري في الجمعة باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب؟ (902).
(7)
أخرجه مسلم في الجمعة باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (1958).
عن عائشة أنها قالت: كان الناسُ ينتابون الجمعةَ من منازلهم ومِن العوالي، فيأتون في العباء
(1)
ويُصيبهم الغبارُ والعَرَقُ؛
(2)
فيخرج منهم الريحُ
(3)
، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال:"لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا"
(4)
.
وهذا يقضي أن الغسلَ ليس بواجب؛ لأن التقدير: لو اغتسلتم لكان أفضلَ أو أكمل
(5)
. وقد أخرج الطبراني في معجمه الوسط"
(6)
من حديث الفضل بن العلاء، حدثنا إسماعيل بن رافع سمعت عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري يحدث أنه سمع القاسم بن محمد يحدث:
(1)
في (أ) و (ب) والمطبوعة والبخاري: الغبار، وهو تحريف، أثبتناه من رواية مسلم. والعباء جمع عباءة، ووقع في أكثر روايات البخاري: في الغبار كما قاله الحافظ وعند القابسي فيأتون في العباء وهو أصوب.
(2)
كلمة "العرق" لا توجد في رواية مسلم.
(3)
في رواية البخاري: العرق.
(4)
وأخرجه أيضًا أبو داود في الصلاة باب من تجب عليه الجمعة (1055) مختصرًا، وابن حبان في صحيحه 4 / (1237) والبيهقي 3/ 173، 189 وابن خزيمة برقم (1755) والنسائي في الجمعة باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة (1380) عن عبد الله بن العلاء أنه سمع القاسم بن محمد بن أبي بكر أنهم ذكروا غسل يوم الجمعة عند عائشة فقالت: إنما كان الناس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وَسَخٌ فإذا أصابهم الروح سطعت أرواحهم فيتأذى بها الناس فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أولا تغتسلون؟
قلت: قد ورد مثل ذلك عن ابن عباس، أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(2419)، وأبو داود (353) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 117، والحاكم في "المستدرك" 1/ 280 - 281.
(5)
في (ب): أو آكد.
(6)
في "المعجم الأوسط" 7/ (6547) و 9/ (8384).
أن عائشة قالت: "أكثر الناسُ في الغسل يومَ الجمعة، وإنما كان ذلك في بيتي؛ دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرٌ من أهل العالية في يومٍ حار، قد عَمِلُوا في نخلهم، وعليهم ثيابُهم الصوفُ، فدخلوا، ولم أرواح مُنكَرَةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان هذا اليوم فاغتسِلُوا".
وقال: لم يروه عن القاسم إلا عمرو بنُ يحيى، ولا عنه إلا إسماعيل، ولا عنه إلا الفضل بن العلاء؛ تفرد به محمد بن هشام السدوسي
(1)
.
استدراكها
(2)
الاستنجاء بالماء
قال أبو عمر بن عبد البر
(3)
: حدثنا أحمد بن قاسم: حدثنا قاسم بن أصبغ: حدثنا الحارث بن أبي أسامة
(4)
، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا سعيدُ بن أبي عروبة عن قتادة معاذة.
عن عائشة أنها قالت لِنسوةٍ عندها: "مُرْنَ أزواجكن أن يَغْسِلُوا عنهم أثرَ الغائط والبولِ، فإني أستحييهم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعلُه"
(5)
.
قال أبو عمر: "وكانت عادة المهاجرين الاقتصارَ على الأحجار، وعادة الأنصار استعمالَ الماء"
(6)
.
(1)
حديث ضعيف، لأن في سنده محمد بن رُزَيْق بن جامع، لم أقف على ترجمته وإسماعيل بن رافع ضعيف الحفظ.
(2)
كلمة "استدراكها" لا توجد في (أ)، أثبتناها من (ب).
(3)
في "الاستذكار" 2 / (2060).
(4)
وقع في المطبوعة: أمامة وهو تحريف، أثبتناه من (أ) و (ب).
(5)
وأخرجه أحمد في مسنده (24623) و (24639) و (24826) و (24890) و (24984) و (25378) و (25994). انظر تمام تخريجه برقم (24639).
(6)
في "الاستذكار" 2/ (2055).
وروى ابن أبي شيبة
(1)
عن حذيفة: أنه أنكر الاستنجاءَ بالماءِ، وقال:"لو فعلتُه لأَنتنت يدي" وقال سعيد بن المسيب إنما ذلك وضوءُ النساء"
(2)
.
وقد صحت الأحاديث
(3)
باستنجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء، وإنما الأحجار رخصة وتوسعة في طهارة المخرج
(4)
.
استدراكها صيام النبي صلى الله عليه وسلم لعشر ذي الحجة
أخرج أبو داود
(5)
والنسائي
(6)
عن هنيدة هنيدة بن خالد عن امرأته
(1)
في "المصنف" 1/ (1635) عن حذيفة قال: سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذًا لا تزال يدي في نتن. وفي رواية عند ابن أبي شيبة 1/ (1620) عن فريعة وكانت تحت حذيفة أنها قالت: كان حذيفة يستنجي بالماء. ويبدو أنه رجع من استنكاره الأول. والله أعلم.
(2)
أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" في الطهارة (34)، ص 33 عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يُسأل عن الوضوء من الغائط بالماء، فقال سعيد: إنما ذلك وضوء النساء.
(3)
أخرجه البخاري في الوضوء باب الاستنجاء بالماء (150) و (151) و (152) و (217) و (500) ومسلم في الطهارة باب الاستنجاء بالماء من التبرز (619) و (620) و (621) عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرَّز لحاجته، فآتيه بالماء فيغتسل به. انظر لروايات عديدة في استعمال الماء إلى ابن كثير في تفسير قوله تعالى:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] 2/ 390 - 391.
(4)
وقع في (أ) و (ب) بعد هذا الحديث حديث عائشة في استدراكها الوصية إلى علي بدون عنوان، وقد مر بنا قبلُ في استدراكها على علي بن أبي طالب في فائدة ولذلك ذكرناه هناك فراجعه.
(5)
أخرجه أبو داود في الصيام باب في صوم العشر (2437).
(6)
أخرجه النسائي في الصيام باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك (2419) و (2420).
عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة ويوم عاشوراء، وثلاثةَ أيام من كل شهر، وأول اثنين من الشهر والخميس.
وقد اختلف فيه على هُنيدة، فروي عنه كذلك وروي عنه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
، وروى عنه عن أُمه عن أُم سلمة مختصرًا
(2)
.
وقد أخرج مسلم
(3)
والأربعة
(4)
من حديث الأسود عن عائشةَ قالت: "ما
(1)
أخرجه أبو داود في الصيام باب من قال الاثنين والخميس (2451) عن عاصم بن بَهْدَلَة عن سواء الخزاعي عن حفصة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من الشهر الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى، وأخرجه النسائي في الباب المذكور برقم (2418) عن هنيدة بن خالد الخزاعي عن حفصة قالت: أربع لم يكن يَدَعَهن النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء والعَشْرَ وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة.
(2)
أخرجه أبو داود في الباب المذكور برقم (2452) عن هنيدة الخزاعي عن أمه قالت: دخلت علي أم سلمة فسألتها عن الصيام فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أولُها الاثنين والخميس. والنسائي في الباب المذكور برقم (2421) ولفظها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام ثلاثة أيام: أول خميس والاثنين والاثنين.
(3)
أخرجه مسلم في الاعتكاف باب صوم عشر ذي الحجة (2789) ولفظه: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط.
(4)
أخرجه أبو داود في الصيام باب في فطر العشر (2439) والترمذي في الصوم باب ما جاء في صيام العشر (756)، وابن ماجه في الصيام باب صيام العشر (1729) والنسائي في "الكبرى" برقم (2872) و (2873) و (2874). وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (24147) وفيه تمام تخريجه وانظر أيضًا:(24926) و (25566).
رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا العَشْرَ قَطُّ" وفي لفظ لمسلم؛
(1)
"لم يُر" رسولُ الله صائمًا العشر قط".
قال بعضُ الحفاظ: يحتمل أن تكونَ عائشة لم تعلم بصيامه عليه السلام، فإنه كان يقسم لتسع نسوة، فلعله لم يتفق صيامه في يومها؛ وينبغي أن تقرأ (لم نَرَ) مبينًا للفاعل لتتفق الروايتان على أن حديثَ المُثْبِتِ أولى مِن حديثِ النافي، وقيل: إذا تساويا في الصحة يؤخذُ بحديث هنيدة، لكنه لا يُقاوم إسناد حديث عائشة
(2)
.
استدراكها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره
أخرجَ الشيخان
(3)
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
(1)
الحديث لم يرد بهذا اللفظ في صحيح مسلم وإن عزاه المؤلف إليه. واللفظ الثاني في هذا الباب عند مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر (2790).
قال الترمذي بعد رواية حديث الأسود عن عائشة: هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة. وروى الثوري وغيره هذا الحديث عن منصور عن إبراهيم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرَ صائمًا في العشر، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8127) عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُرَ صائمًا في العشر قط، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده برقم (1506).
(2)
قال النووي في "شرح صحيح مسلم" 8/ 71: قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أول ذي الحجة. قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحبابًا شديدًا لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة.
(3)
أخرجه البخاري في التهجد باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره (1147) و (2013) و (3569) ومسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة (1723) وأحمد برقم (24446).
أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ " فقالت: "ما كان يزيد في رمضانَ ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حُسنهن وطولهن، ثم يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلِّي ثلاثًا" قالت عائشة:"فقلت يا رسول الله: أتنامُ قبل أن تُوتر؟ قال: "يا عائشة إن عينيَّ تنامانِ ولا ينامُ قلبي.
وفي لفظ لها
(1)
: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر"
(2)
ووقع في رواية للبخاري
(3)
عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بالليل ثلاثَ عشرة ركعة ثم يصلِّي إذا سَمعَ النداءَ بالصبح ركعتين خفيفتين" قال عبد الحق
(4)
في "الجمع بين الصحيحين": هكذا في هذه
(1)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل (1727) عن القاسم بن محمد قال: سمعت عائشة تقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة ركعة. "منها ركعتا الفجر" لا توجد في هذه الرواية عند مسلم.
(2)
أخرجه مسلم في الباب المذكور عن أبي سلمة قال: أتيت عائشة فقلت أي أمه أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشرة بالليل، منها ركعتا الفجر (1726). فيبدو أن المؤلف أدخل الحديث في الحديث. وقد وقع في المطبوعة: فيها وهو تحريف أثبتناه من (أ) و (ب) ومسلم.
(3)
أخرجه البخاري في التهجد باب ما يقرأ في ركعتي الفجر (1170).
(4)
هو الإمام الحافظ البارع المجوّد العلامة، أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن سعيد الأزدي الأندلسي الإشبيلي المعروف في زمانه بابن الخراط. صاحب التصانيف المتوفى سنة 581 هـ. انظر لترجمته في "السير" 21 / (99) و "تذكرة الحفاظ" 4/ 1350.
الرواية، وبقية الروايات عند البخاري
(1)
ومسلم
(2)
: أن الجملة ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر اهـ
(3)
.
(1)
انظر أيضًا ما أخرجه البخاري في التهجد باب طول السجود في قيام الليل (1123).
(2)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين في الباب المذكور عن عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر (173).
(3)
في (أ) بعد هذا حديث استدراكها على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ميراثهن منه وقد مر آنفًا في ص 261 - 262 قبل استدراكاتها العامة فلم نر لزومًا لإعادته هنا.
وفي (ب) بعد هذا وقعت هذه الزيادة من المستنسخ:
"هذا آخر ما وجدته في المسودة وكان فيه تخاريج وجزازات فما تيسر نقلها على هذا الوجه إلا بعسر فمن رأى في ذلك خللا فلا ينسبنه للمصنف". وقع في هذه الجملة: "وزجاجات" و"إلا بعثر" رأيناهما سبقة قلم فأثبتناهما من عندنا والله أعلم.
صورة السماع في الأصل الذي هو مُسَوَّدَةُ المؤلف
(1)
الحمد لله وكفى
بلغ السماء لجميع هذا الكتاب على مؤلفه شيخي ووالدي الفقير إلى الله تعالى بدر الدين أبي عبد الله محمد بن الفقير إلى ربه جمال الدين عبد الله الشهير بالزركشي الشافعي عامله الله تعالى بلطفه. فَسَمِعَتْه ابنته عائشة وفاطمةُ، وسمع من باب الاستدراكات العامة ولَدُه أبو الحسن علي، وحضر المجلس المذكور ولده أحمد ويُدعى عبد الوهَّاب في الثانية من عمره، وذلك بقراءة مثبته فقير رحمة ربه محمد بن محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي عامله الله بلطفه وصح ذلك ومدته عشرة مجالس آخِرُها يومَ الأحدِ لثمان خَلَوْن مِن صفر عامَ أربع وتسعين وسبعمائة وأجاز لنا جميعَ مؤلفاته متلفظًا بذلك بسؤالي له اهـ.
(1)
صورة السماع لا توجد في (ب)، وجاء فيها ما نصه:
"تم الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ومَنِّه وكرمه، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين. وكان الفراغ من مليته يوم الأربعاء ثاني شهر جمادى الآخر سنة إحدى وستين وثمان مئة. وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وإن تجد عيبًا فسد الخللا
…
فَجَلَّ من لا عيب فيه وعلا