الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح
سنن النسائي
المسَمَّى
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى
لجامعة الفقير إلى مولاه الغني القدير
محمد بن الشيخ العلامة علي بن آدم بن موسى الإتيوبي الوَلَّوِي
المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة
عفا الله عنه وعن والديه آمين
الجزء الخامس
دار المعراج الدولية للنشر
بسم الله الرحمن الرحيم
طبعت بمطابع
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
خلف 60 شارع راتب باشا حدائق شبرا
ت: 647526 - 2055688 القاهرة
شرح سنن النسائى
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1416 هـ-1996 م
دار المعراج الدولية للنشر
الرياض 11421 - ص. ب. 858 - هاتف وفاكس 4026278
المملكة العربية السعودية
بيروت- ص. ب. 6366/ 14 - هاتف 831331 - فاكس 603333
القاهرة - ص. ب. 1289 - هاتف 3900318 - فاكس 3926250
177 - بَابُ مُؤاكَلَةِ الحاَئِضِ وَالشُّرْبِ مِنْ سُؤْرِهَا
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على جواز الأكل مع الحائض، وجواز شرب ما أبقته بعد شربها، فالمؤاكلة مفاعلة من الأكل، والسُؤر بضم السين وإسكان الهمزة مصدر سَئرَ الشيءُ من باب: شَربَ: بَقيَ، فهو سائر، ويتعدى بالهمزة، فيقال: أسْأرْتُه، ثم استعمل المصدر اسما للبنية أيضا، وجُمع على أسآر، مثل قُفْل وأقفال، قاله في المصباح.
والمراد هنا المعنى الثاني، أي من بقيتها.
ومحل الاستدلال من الحديث واضح.
279 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، سَأَلْتُهَا هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَهِىَ طَامِثٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونِي، فَآكُلُ مَعَهُ، وَأَنَا عَارِكٌ، وَكَانَ يَأْخُذُ الْعَرْقَ، فُيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ، فَأَعْتَرِقُ مِنْهُ، ثُمَّ أَضَعُهُ، فَيَأْخُذُهُ فَيَعْتَرِقُ مِنْهُ، وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِى مِنَ الْعَرْقِ، وَيَدْعُو بِالشَّرَابِ فَيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَآخُذُهُ، فَأَشْرَبُ مِنْهُ، ثُمَّ أَضَعُهُ،
فَيَأْخُذُهُ فَيَشْرَبُ مِنْهُ، وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنَ الْقَدَحِ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(قتيية) بن سعيد الثقفي ثقة ثبت [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(يريد) بن المقْدام بن شُريح بن هانئ الحضرمي الحارثي الكوفي، عن أبيه.
وعنه أحمد بن يعقوب المسعودي، وأبو توبة، وقتيبة، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم، قال أبو حاتم: يُكتَب حديثُهُ، وقال أبو داود، والنسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات،
وقال ابن شاهين في الثقات: قال ابن معين: ليس به بأس، وقال عبد الحق: ضعيف، وَرَدَّ عليه ذلك ابنُ القطان، وقال: لا أعلم أحدا قال فيه ذلك، قال الحافظ: وهو كما قال. اهـ تت.
وفي "ت" صدوق، أخطأ عبد الحق في تضعيفه [9] أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والمصنف، وابن ماجه.
3 -
(المقدام بن شريح) بكسر الميم الحارثي الكوفي ثقة من [6]، تقدم في 8/ 8.
4 -
(شريح بن هانئ) الحارثي المَذْحِجِي أبو المقدام الكوفي مخضرم ثقة تقدم في 8/ 8.
5 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
وتقدم لطائف هذا الإسناد في 8/ 8 ويزيدُ هذا البابُ أولُّ محل ذكره.
شرح الحديث
(عن شريح) بن هانئ أبي المقدام (عن عائشة رضي الله عنها قال شريح: (سألتها) أي عائشة (هل تأكل المرأة مع زوجها) هذه الجملة بيان لكيفية السؤال (وهي طامث) أي حائض، يقال: طَمثَت المرأة تَطْمَثُ -أي من باب تَعبَ- طَمْثا، وطمَثَت تَطمُثُ طَمْثا، بالضم -أي من باب نَصَر- وهي طامث: حاضت، وقيل: إذا حاضت أول ما تحيض، وخَصَّ الِّلحْياني به حيض الجارية.
والطَّمثُ الدم والنكاح، وطَمَثْتُ الجاريةَ: إذا افْتَرَعْتَهَا، والطامث في لغتهم الحائض وطمثها يطمثها -بكسر عين المضارع- ويَطمُثُها -بضمها- طَمْثا -بالفتح- افتَضَّهَا، وعم به بعضهم الجماع، وقال
ثعلب: الأصل الحيض، ثم جُعل للنكاح، وطَمَثَ البعيرَ يطمثه طَمْثا: عَقَلَه، والطَّمْث: المس، وذلك في كل شيء يُمَسُّ، وقوله تعالى:{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56] قيل: معناه لم يمْسَسْ، وقال ثعلب: معناه لم ينكح.
والعرب تقول: هذا جمل ما طَمَثَهُ حَبْل قطّ أي لم يمسه، ومعنى لم يطمثهن: لم يمسسهن، وقال الفراء: الطمث: الافتضاض، وهو النكاح بالتدمية، قال: والطمث هو الدم، وهما لغتان: طَمَثَ يطمُثُ بالضم، ويَطمثُ بالكسر، والقراء أكثرهم على:{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} بكسر الميم، وقال أبو الهيثم: يقال: طُمثَتْ تُطمَثُ -يعني بالبناء للمفعول -أي أدميَت بالافتضاض، وطَمثَتْ على فَعلت -بكسر العين- إذا حاضت، وقول الفرزدق:(من الوافر)
وَقَعْنَ إلَي لمْ يُطمَثْنَ قَبْلي
…
فَهُنَّ أصَحُّ منْ بَيْض النَّعَام
أي هن عذاري غير مُفتَرعَات، والطب: الفساد، قال عدي بن يزيد:(من الرمل)
طَاهُر اْلأثْواَب يَحْمي عْرضَهُ
…
منْ خَنَى الذِّمَّة أوْ طمَث العَطَنْ
اهـ لسان العرب بتوضيح يسير.
(قالت) عائشة (نعم) بفتحتين فسكون حرف جواب كَبَلى، وتقدم الفرق بينهما غير مرة.
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه، وأنا عارك) جملة حالية من
فاعل "آكل"، والعارك اسم فاعل من عَرَكَت المرأة تَعْرُكُ عَرْكًا وَعرَاكًا وعُرُوكًا، وهي عارك، وأعركت، وهي مُعْرك: حاضت، وخصَّ اللحياني بالعرك الجارية
(1)
، وفي الحديث:"أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت مُحْرمَةً فذكرت العَرَاك قبل أن تُفيض".
العراك: الحيض. وفي حديث عائشة: "حتى إذا كنا بسَرفَ عَرَكتُ" أي حضتُ، وأنشد ابن بَرّيّ لحُجْر بن جَليلَة (من الطويل):
فَغَرْتُ لَدَى النُّعْمَان لمَّا رَأيْتُهُ
…
كمَا فَغَرَتْ للْحَيْض شَمْطَاءُ عَاركُ
ونساء عَوَارك: أي حُيّض، وأنشد ابن بَرّيّ أيضًا (من الطويل):
أفي السِّلْم أعْيَارًا جَفَاءً وَغِلْظةً
…
وَفي الْحَرْب أمْثَاَل النّسَاء الْعَوَارك؟
وقالت الخنساء: (من الَبسيط)
لَا نَوْمَ أوْ تَغْسلُوا عَارًا أظَلَّكُمُ
…
غَسْلَ العَوَارك حَيْضًا بَعْدَ إطْهار
اهـ لسان.
(وكان) صلى الله عليه وسلم (يأخد العَرْق) بفتح العين وسكون الراء: العظمُ الذي
(1)
يرد قول اللحياني ما يأتي في الحديث، وفي بيت حجر بن جَليلَة، بل هو لمطلق النساء.
أخذَ عنه مُعظَم اللحم، وبقي عليه بقية من اللحم. اهـ زهر.
وفي "ق": والعَرْق، يعني بفتح فسكون- وكغُرَاب العظم أُكلَ
لَحْمُهُ، جمعه ككتَاب، وغُرَاب: نادرٌ، أو العرق: العظم بلحمه، فإذا أكل لحمه: فعُراك -بالضم- أو كلاهما لكليهما. اهـ، قلت: فما
في السندي من قوله بضم عين وسكون راء فخطأ.
(فيُقْسمُ عليَّ فيه) من الإقسام، أي يحلف علي في شأن هذا العرق، تعني أنه يلزمها بالتناول منه أوّلا (فأعترق منه) أي آكل من ذلك العَرْق، يقال: عَرَقَ العظمَ يَعْرُقُه عَرْقًا، وَتَعرَّقه، واعترقه: أكل ما عليه اهـ لسان.
وفي الزهر، وشرح السندي ما نصه: يقال: اعتَرَقْتُ اللحم وعَرَقْتُهُ وتَعرَّقْتُهُ: إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك اهـ (ثم أضعه، فيأخده) صلى الله عليه وسلم (فيعترق منه) أي يأكل منه (ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق) أي في المحل الذي وضعت فيه فمي من ذلك العرق، إظهارا للمودة، وبيانا للجواز، وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من اللطف بأهل بيته، وحسن عشرته لهن، تصديقا لقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
(ويدعو بالشراب) أي يطلبه (فيقسم عليَّ قبل أن يشرب منه فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه، فيأخده فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح) بفتحتين إناء معروف، جمعه أقداح مثل سبب وأسباب قاله في المصباح، وفي المعجم الوسيط: القدح إناء يشرب به الماء أو النبيذ أو نحوهما. اهـ.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عائشة رضي الله عنها هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في مواضع ذكره عند المصنف:
أورده المصنف هنا 177/ 279 - والكبرى 157/ 272 عن قتيبة، عن يزيد بن المقدام، عن أبيه، عن شريح عنها. و 280 - والكبرى 273 عن أيوب بن محمَّد، عن عبد الله بن جعفر،، عن عبيد الله بن عَمْرو، عن الأعمش، عن المقدام به. وفي الباب التالي عن محمَّد بن منصور، عن ابن عيينة، عن مسعر، عن المقدام به، وعن محمود بن غيلان عن وكيع به، وأعاده رقم 377، و 378، و 379، و 380، وفي عشرة النساء من الكبرى عن محمَّد بن عبد الأعلى، عن خالد بن الحارث، عن شعبة، عن المقدام به.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (م د ق) فأخرجه (م) في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، كلاهما عن وكيع، عن مسعر، وسفيان كلاهما عن المقدام بن شُريح به.
و (د) فيه عن مسدد، عن عبد الله بن داود، عن مسعر به. و (ق) فيه عن بندار، عن غندر، عن شعبة به، وأخرجه البيهقي، وابن حبان في صحيحه، وأشار له الترمذي.
المسألة الرابعة: في فوائده:
فيه دلالة على طهارة فم الحائض، وريقها، وسائر بدنها، وقد تقدم ذلك غير مرة ما عدا محلَّ الدم، وطهارة سؤرها، وجواز مؤاكلتها،
ومشاربتها، وهو الذي ترجم له المصنف.
وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الكريمة.
وفيه جواز مداعبة الرجل زوجته، وإدخال السرور عليها بمثل هذا.
وفيه فضيلة ومنقبة عظيمة لعائشة رضي الله عنها، ومقدار حب الرسول صلى الله عليه وسلم لها، وفيه جواز إقْسَام الرجل على زوجته لمثل هذا الأمر.
280 -
أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَزَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ فَاهُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشْرَبُ مِنْهُ، فَيَشْرَبُ مِنْ فَضْلِ سُؤْرِي وَأَنَا حَائِضٌ.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(أيوب بن محمَّد الوَزَّان) أبو محمَّد الرَّقّي ثقة [10]، تقدم في 28/ 32.
2 -
(عبد الله بن جعفر) بن غَيْلان الرَّقّي أبو عبد الرحمن القرشي مولاهم، رَوَى عن عبيد الله بن عمرو، وأبي المليح الحسن بن عمر الرقي، وعبد العزيز الدراوردي، ومعمر بن سليمان، ويوسف بن
أعين، وغيرهم.
وعنه أحمد بن إبراهيم الدورقي، وأبو الأزهر النيسابوري، وإسماعيل بن عبد الله الرَّقّي، وأيوب الوزان، والدارمي، وآخرون، وثقه أبو حاتم، وابن معين، والعجليّ، وقال النسائي: ليس به بأس قبل أن يتغير، وقال هلال بن العلاء: ذهب بصره سنة 116، وتغير سنة 118 ومات لسنة 121، وذكره ابن حبان في الثقات، قال: ولم يكن اختلاطه فاحشا، ربما خالف، وفي "ت" ثقة لكنه تغير بآخره، فلم يفحش اختلاطه [10]، أخرج له الجماعة.
3 -
(عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرَّقّي.
رَوَى عن عبد الملك بن عمير، وعبد الله بن محمَّد بن عَقيل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، ومعمر، وغيرهم.
وعنه بقية، وعبد الله بن جعفر الرّقّي، وآخرون.
وثقه ابن معين، والنسائي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ثقة صدوق لا أعرف له حديثا منكرا، هو أحب إليّ من زهير بن محمَّد، وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقا كثير الحديث، وما أخطأ، وكان أحفظ
من روى عن عبد الكريم الجزري، ولم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره، مات سنة 180، ويقال إن مولده سنة 101، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان راويا لزيد بن أبي أنيسة روى عنه أهل الجزيرة،
مات سنة، 180، وله، 76، سنة، ووثقه العجلي وابن نمير. وفي "ت" ثقة فقيه، ربما وهم [8] أخرج له الجماعة.
4 -
(الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي، ثقة ثبت [5] تقدم في 17/ 18.
والباقون تقدمت أرقامهم في الحديث الذي قبله.
وكذلك شرح الحديث.
178 - بَابُ الانتفاعِ بفَضْلِ الحاَئِضِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على جواز الانتفاع بفضل المرأة الحائض.
281 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاوِلُنِي الإِنَاءَ فَأَشْرَبُ مِنْهُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُعْطِيهِ فَيَتَحَرَّى مَوْضِعَ فَمِي، فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن منصور) الخُزَاعي الجَوَّاز ثقة [10]، تقدم في 20/ 21.
2 -
(سفيان بن عيينة) الإمام الحجة ثقة ثبت [8] تقدم في 1/ 1.
3 -
(مسعر) بن كدام بن ظُهَير الهلالي، أبو سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل [7]، تقدم في 8/ 8.
والبقية تقدموا في الحديث السابق، لأن هذه رواية ثالثة لحديث عائشة رضي الله عنها.
282 -
أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، وَسُفْيَانُ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ.
رجال هذا الإسناد: سبعة
كلهم تقدموا في الروايات السابقة، إلا محمود فتقدم في 33/ 37، ووكيعًا فتقدم في 23/ 25، وكذا الحديث مضى شرحه.
179 - بَابُ مُضَاجَعَةِ الَحَائِضِ
283 -
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ (ح) وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَنَفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ.
رجال الإسناد: عشرة
1 -
(إسماعيل بن مسعود) الجَحْدَريّ البصري أبو مسعود ثقة [10]، تقدم في 42/ 47.
2 -
(خالد) بن الحارث الهُجَيمي البصري ثقة ثبحت [8]، تقدم في 42/ 47.
3 -
(هشام) بن أبي عبد الله سَنْبَر الدستوائي البصري، ثقة ثبت من كبار [7]، تقدم في 25/ 23.
4 -
(عبيد الله بن سعيد) اليشكري أبو قُدَامة السَّرَخْسي نزيل نيسابور ثقة ثبت من [10]، تقدم في 15/ 15.
5 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعروف بابن راهويه حجة ثبت فقيه [10]، تقدم في 2/ 2.
6 -
(معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري صدوق ربما وهم [9]، تقدم في 30/ 34.
7 -
(يحيى) بن أبي كثير أبو نصر اليمامي ثقة ثبت [5]، تقدم في 23/ 24.
8 -
(أبو سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني ثفة فقيه [3]، تقدم في 1/ 1.
9 -
(زينب بنت أبي سلمة) ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها تقدمت في 123/ 182.
10 -
(أم سلمة) هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 123/ 182.
لطائف الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين بصريين، وهم مَنْ قبل يحيى غير إسحاق، وعبيد الله فنيسابوريان، ويمامي، وهو يحيى، ومدنيين، وهم الباقون.
وفيه أبو سلمة أحد الفقهاء السبعة على بعض الأقوال، وليس هو أبا زينب التي يروي عنها، فإنه عبد الله بن عبد الأسد المخزومي الصحابي رضيع النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه رواية البنت عن أمها، وصحابية، عن صحابية، وتابعي، عن تابعي.
شرح الحديث
(قالت) أم سلمة رضي الله عنها (بينما) أصله "بين" زيدت عليها "ما"، ويقال:"بينا" قال في اللسان: ويقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة، ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل، ومبتدإ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى، والأفصح في جوابهما ألا يكون فيه "إذ" و"إذا"، وقد جاءا في الجواب كثيرا، تقول: بينا زيد جالس دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه. اهـ وقد تقدم البحث عن هذا مستوفىً في 173/ 270، وهنا وقع الجواب مقرونا بإذ، وهو قوله:"إذْ حضت" وهو العامل فيه.
(أنا مضطجعة) مبتدأ وخبر في محل جر بإضافة بينما إليها، وأما قول السيوطي في شرحه: أنه يجوز النصب في "مضطجعة" فلا وجه له كما نبه عليه السندي في شرحه، بل هذا إنما هو في رواية البخاري إذ هي "بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة" .. الحديث، فإنه يحتمل أن يكون الظرف خبرا فينصب "مضطجعة" حالا فتفطن.
و"مضطجحة" أصله مضتجعة لأنه من باب الافتعال، فقلبت التاء طاء كما قال ابن مالك في الخُلَاصة:
طَاتَا افْتعَال رُدَّ إثْرَ مُطبَق
…
في ادَّانَ وَآزْادَدْ وَادَّكرْدَ الأبَقِي
(مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) الظرف في محل حال من "مضطجعة" أو متعلق به (في الخميلة) هذه رواية الأكثرين من أصحاب يحيى، ثم أصحاب هشام فكلهم قالوا:"الخميلة"، ووقع عند البخاري من طريق المكي بن إبراهيم:"الخميصة" بدلها، قال الحافظ رحمه الله: لم أر -يعني الخميصة- في شيء من طرقه إلا في هذه الرواية. اهـ.
والخميلة: بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم، قال في المصباح: الخَمْلُ: مثل فَلْس الهُدْب، والخَمْلُ: القَطيفة، والخميلة: الطّنفسَة، والجمع: خميل بحذف الهاء. اهـ.
وقال العيني: وقال ابن سيده: والخَميلَة، والخَمْلَة: القَطيفة، وقال السكري: الخَميل: القطيفة ذات الخَمْل، والخَمْل هُدْب القطيفة، ونحوها مما ينسج، ويفضل له فضول.
وفي الصحاح: هي الطنفسة، وزعم النووي رحمه الله أن أهل اللغة قالوا: هو كل ثوب له خمل من أيّ لون كان، وقيل: هو الأسود من الثياب.
وأما الخَميصة: فهي بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم، وهي كساء مربع له علمان، وقيل: الخمائص: ثياب من خَزًّ ثخَان سُود وحُمْر، ولها أعلام ثخَان أيضا، قاله ابن سيده وفي الصحاح: كساء أسود مربع وإن لم يكن معلما فليس بخميصة، وفي الغريبين: قال الأصمعي: الخمائص: ثياب من خَرًّ أو صوف معلمة، وهي سُود، كانت من لباس الناس. اهـ عمدة القاري جـ 3 ص 163 بتصرف.
(إذح ضت، فانسللت) أي ذهبت في خُفْيَة، وإنما فَعَلَتْ ذلك لاحتمال وصول شيء من الدم إليه صلى الله عليه وسلم، أو لأنها تقذرت من نفسها ولم ترتضها لمضاجعته صلى الله عليه وسلم -وخافت أن ينزل الوحي عليه فيشغله حركتها عما هو
فيه من الوحي، أو خافت أن يطلب منها استمتاعًا.
(فأخذتُ ثياب حيضتي) قال الحافظ رحمه الله: وقع في روايتنا فتح الحاء وكسرها معا، ومعنى الفتح أخذت ثيابي التي ألبسها زمن الحيض، لأن الحيضة بالفتح هي الحيض، ومعنى الكسر أخذت ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض، وجزم الخطابي برواية الكسر، ورجحها النووي، ورجح القرطبي رواية الفتح لوروده في بعض طرقه بلفظ حَيْضي بغير تاء. اهـ فتح ج 1 ص 480.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنَفسْت؟ ") بفتح النون وكسر الفاء، أي حضت؟ قال الخطابي رحمه الله: أصل هذه الكلمة من النَّفْس وهو الدم إلا أنهم فرقوا بين بناء الفعل من الحيض والنفاس، فقالوا في الحيض: نَفست بفتح النون، وفي الولادة بضمها اهـ. قال الحافظ: وهذا قول
كثير من أهل اللغة، لكن حَكَى أبو حاتم عن الأصمعي قال: يقال: نُفسَت الرأة في الحيض والولادة بضم النون فيهما، وقد ثبت في روايتنا بالوجهين فتح النون وضمها اهـ فتح ج 1 ص 481.
قالت (قلت: نعم، فدعاني، فاضطجعت معه) أي نمْتُ معه، يقال: ضَجَع ضَجْعًا من باب نَفَع، وضُجُوعا، وضَجَعت جنبي بالأرض وأضجعت بالألف لغة، فأنا ضاجع، ومُضجع، وأضجعت فلانا بالألف لا غير: ألقيته على جنبه، واضطجعت: افتعال منه، أبدلت تاءه طاء على القاعدة المتقدمة في مضطجعة، ومن العرب من يقول: اضَّجع، فيقلب التاء ضاد ويدغمها في الضاد تغليبا للحرف الأصلي وهو الضاد، ولا يقال: اطَّجع بطاء مشددة، لأن الضاد لا تدغم في الطاء لكونها أقوى منها، والحرف لا يدغم في أضعف منه، وما ورد شاذ لا يقاس عليه. أفاده في المصباح.
(في الخميلة) أي القطيفة المتقدم ذكرها؛ لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة تكون عَيَنَها غالبا، كما قال السيوطي في عقود الجمان:
ثُمَّ منَ الْقَوَاعد اْلمُشْتَهرَهْ
…
إذَا أتَتْ نَكرَةٌ مُكَرَّرَهْ
تَغَايَرَا وَإنْ يُعَرَّفْ ثَان
…
تَوَافَقَا كَذَا المُعَرَّفَانِ
شَاهدُهُا الَّذي رَوَيْنَا مُسْنَدًا
…
لَنْ يَغْلبَ اليُسْرَيْن عُسْرٌ أبَدًا
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته:
حديث أم سلمة رضي الله عنها هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكره عند المصنف:
أخرجه المصنف هنا -179/ 283 - والكبرى -158/ 277 - عن إسماعيل بن مسعود، عن خالد، عن هشام، وعن عبيد الله بن سعيد، وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن زينب ابنة أم سلمة عن أمها.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (خ م) فأخرجه (خ) في الطهارة عن مكي بن إبراهيم، ومعاذ ابن فضالة فَرَّقَهما، وفي الصوم عن مسدد، عن يحيى بن سعيد، ثلاثتهم عن هشام الدستوائي، وفي الطهارة أيضا عن سعيد بن حفص،
عن شيبان، كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، عن أم سلمة به.
وأخرجه (م) في الطهارة عن أبي موسى محمَّد بن المثنى، عن معاذ ابن هشام، عن أبيه به. أفاده الحافظ المزي: تحفة ج 13 ص 56.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: جواز مضاجعة الحائض في ثيابها، وهو الذي ترجم له
المصنف، واتخاذ المرأة ثيابا للحيض غير ثيابها العتادة، وطهارة عَرَقهَا، وتأدب المرأة مع زوجها، وسؤال الرجل زوجته إذا حصل لها شيء، وبيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق، وحسن المعاشرة مع أهله.
284 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خِلَاسًا يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَبِيتُ فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ، وَأَنَا طَامِثٌ، أَوْ حَائِضٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ، غَسَلَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ، وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ يَعُودُ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْدُهُ، وَصَلَّى فِيهِ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(محمد) بن المثنى أبو موسى العنزي البصري ثقة ثبت حافظ [10]، تقدم في 64/ 80.
2 -
(يحيى بن سعيد) القطان البصري ثقة حجة [9]، تقدم في 4/ 4.
3 -
(جابر بن صُبْح) الراسبي أبو بشر البصري، جد سليمان بن حرب لأمه، رَوَى عن خلاس الهَجَري، والمثنى بن عبد الرحمن الخُزاَعي، وأمّ شَرَاحيل، وغيرهم.
وروى عنه شعبة، والقطان، وعيسى بن يونس، وأبو الجراح المهري، وأبو مسعر البراء، وثقه ابن معين، والنسائي، وفضله ابن معين على المهلب بن أبي حبيبة، قال الحافظ: فضله يحيى بن سعيد عليه أيضا كما ذكره البخاري، وقال الأزدي: لا تقوم بحديثه حجة، وذكره ابن حبان في الثقات. اهـ، وفي "ت" صدوق [7].
4 -
(خلَاس) بن عمرو الهَجَري البصري ثقة كان يرسل، وسمع من عمار [2]، وتقدم في 46/ 57.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأن شيخه هو أحد مشايخ الستة كما تقدم غير مرة، وفيه جابر بن صُبْح هذا أولُ محل ذكره من هذا الكتاب، وفيه عائشة من المكثرين السبعة روت [2210]، حديثا كما تقدم غير مرة.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد) بكسر الشين المعجمة: الثوب الذي يلي الجسد، سمي بذلك لأنه يلي الشعر، يقال: شاعرتُ المرأةَ: إذا نمْت معها في الشعار الواحد بخلاف الدِّثَار فإنه الثوب الذي يلبس فوق الشعار.
قال ابن منظور رحمه الله: والشّعَار ما وَلي شعر جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب، والجمع أشْعِرَة، وشُعُر، وفي المثل: هم الشعار دون الدّثار، يصفهم بالمودة والقُرْب، وفي حديث الأنصار: "أنتم
الشعار والناس الدثار" أي أنتم الخاصة والبطَانة كما سماهم عَيْبَتَهُ وكَرشَه والدثار: الثوب الذي فوق الشعار، اهـ لسان.
(وأنا طامث، أو حائض) جملة حالية من فاعل "نبيت"، ويحتمل أن تكون "أو" للشك من بعض الرواة، لكن الرواية الآتية للمصنف في ح 372، بدون "أو"، وهي الموافقة لرواية أبي داود وغيره، فالأولى
كون "أو" بمعنى الواو، ويكون من عطف المؤكّد على المؤكَّد، فإن الطامث والحائض بمعنى واحد، يقال: طَمَثَت المرأةُ طَمْثا من باب ضَرَب: إذا حاضت، وبعضهم يزيد عليه أول ما تحيض فهي طامث بغير هاء، وطَمثَت تَطمَث من باب تَعب لغة، قاله في المصباح وتقدم البحث عنه في 177/ 279.
قال في المنهل: والحديث لا ينافي ما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم "كان إذا أراد أن يضاجع إحدى أزواجه وهي حائض أمرها أن تأتزر، ثم يضاجعها" لأن الظاهر أن عائشة رضي الله عنها كانت تأتزر ثم تنام معه في الشعار، ويحتمل أنها كانت معه في الشعار من غير إزار، ويكون ذلك خصوصية
له صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قول عائشة رضي الله عنها:"وأيكم يملك أرَبَهُ" اهـ.
قال الجامع: الاحتمال الأول هو الأقرب توفيقا بين الحديثين، ولا ينافيه قول عائشة المذكور لأنه يتأتى مع وجود الإزار، والله أعلم.
(فإن أصابه مني شيء) من دم الحيض، والضمير يرجع إلى الشعار، أي أصاب ذلك الشعار شيء من الدم (غسل مكانه) أي مكان الشيء، (ولم يَعْدُهُ) مضارع عَدَا، من باب غزا، أي لم يجاوز مكان الإصابة إلى
غسل غيره، بل يقتصر عليه (وصلى فيه) أي ذلك الشعار، وفيه جواز الصلاة في الشُّعُر التي تلبسها الحائض إذا تأكد طهارتها (ثم يعود) صلى الله عليه وسلم أي إلى النوم معها (فإن أصابه مني شيء) من الدم (فعل مثل ذلك) الغسل (ولم يَعْدُهُ وصلى فيه) أيضا.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف.
أخرجه المصنف هنا 179/ 284 - والكبرى 158/ 276 - عن محمد بن المثنى، عن يحيى القطان، عن جابر بن صبح، عن خلَاس، عنها. وفي 372 بنفس السند، وفي الصلاة 773 عن عمرو بن منصور، عن هشام بن عبد الملك، عن يحيى بن سعيد، به.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (د) في الطهارة، وفي النكاح عن مسدد، عن يحيى، به، وأخرجه أحمد، والبيهقي.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: جواز مضاجعة الرجل لزوجته الحائض بالشعار الواحد وهو الذي ترجم عليه المصنف، ونجاسة دم الحيض، وأنه إن أصاب الثوب ونحوه يغسل محل الإصابة فقط، وبيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من سعة الأخلاق ولين الجانب. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
180 - بَابُ مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ
285 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَشُدَّ إِزَارَهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(قتيبة) بن سعيد الثقفي ثقة ثبت [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(أبو الأحوص) سَلاَّم بن سُلَيم الحنفي الكوفي، ثقة متقن [7] تقدم في 38/ 96.
3 -
(أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي ثقة حجة [3] تقدم في 38/ 42.
4 -
(عمرو بن شُرَحبيل) أبو مَيْسَرَة الهمداني الكوفي.
روى عنُ عمَر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وسلمان، وقيس ابن سعد بن عبادة، ومعقل بن مُقَرِّن المُزَني، وعائشة، والنعمان بن بشير رضي الله عنهم.
وعنه أبو وائل، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو عمار الهمداني، والقاسم بن مخيمرة، ومحمد بن المنتشر، ومسروق، وهو من أقرانه،
وغيرهم، قال أبو وائل: ما اشتملت همدانية على مثل أبي ميسرة، قيل له: ولا مسروق؟ قال: ولا مسروق، وعن إسرائيل: أن أبا ميسرة كان إذا أخذ عطاءه تصدق منه، فإذا جاء أهله، فَعَدُّوه وجدوه كاملا، قيل: مات في ولاية ابن زياد، وقيل: مات قبل أبي جُحَيفة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان من العباد، وكانت ركبته كركبة البعير من كثرة الصلاة، مات في الطاعون قبل أبي جحيفة سنة 63، وعن مسروق: ما بالكوفة أحب إلي أن أكون في مسْلَاخه من عمرو بن شرحبيل، ووثقه ابن معين، وفي "ت" ثقة عابد مخضرم. أخرج له الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والمصنف.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء، وأنهم كوفيون إلا شيخه فبلخي، وعائشة فمدنية، وفيه عمرو بن شرحبيل، هذ المحل أول محل ذكره.
وفيه عائشة من المكثرين السبعة، وفيه رواية تابعي، عن تابعي.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنه أنها (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا) أي إحدى نسائه (إذا كانت حائضا أن تشد إزارها) هو ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن، يذكر ويؤنث، قاله في المعجم الوسيط.
وفي المصباح: الإزار معروف، والجمع في القلة آزرَة، وفي الكثرة: أزُر بضمتين، مثل حمار، وأحْمرَة، وحُمُر، ويذكر ويؤنث،
فيقال: هو الإزار، وهي الإزار، وربما أنث بالهاء فقيل: إزراة. اهـ باختصار.
(ثم يباشرها) من المباشرة التي هي أن يمس الجلدُ الجلدَ، وليس المراد به الجماع، لأن جماع الحائض حرام.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها هذا حديث صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكره عند المصنف: ذكره هنا -180/ 285 - والكبرى -159/ 278 - عن قتيبة، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل، عنها. وفي 373، بالسند المذكور، وهو من أفراد المصنف لم يخرجه من أصحاب الأصول غيره. كما أفاده الحافظ المزي في تحفة الأشراف: جـ 12 ص 48، فما قاله الشيخ الشنقيطي رحمه الله: أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه غير صحيح، وإنما أخرجه أحمد والدارمي.
المسألة الثالثة: في فوائده: في هذا الحديث دليل على جواز مباشرة الحائض، وهو الذي ترجم عليه المصنف، وفيه أمر الرجل زوجته الحائض أن تتزر، فإذا اتزرت جاز له أن يباشرها، وفيه الأخذ بالأحوط خشية الوقوع في الحرام.
المسألة الرابعة: في بيان اختلاف العلماء في مباشرة الحائض: ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز للرجل من امرأته الحائض ما تحت الإزار، وبه يقول أكثر أهل العلم كما قاله الحافظ رحمه الله، وعزاه ابن
المنذر إلى عُمَر، وعائشة، وسعيد بن المسيب، وشريح، وعطاء، وطاوس، وسليمان بن يسار، وقتادة، قال الحافظ: وهو الجاري على قاعدة المالكية في باب سد الذرائع.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الاستمتاع بالحائض ما دون الفرج، وعزاه الحافظ إلى كثير من السلف، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية، ورجحه الطحاوي وهو
اختيار أصْبغ من المالكية، وأحد القولين، أو الوجهين للشافعية، واختاره ابن المنذر وقال النووي: هو الأرجح دليلًا، لحديث أنس رضي الله عنه:"اصنعوا كل شيء إلا الجماع" رواه مسلم. ويأتي للمصنف في 288 - وحملوا حديث الباب، وشبهه على الاستحباب جمعا بين الأدلة، وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار، لأنه فعل مجرد، اهـ قال الحافظ رحمه الله: ويدل على الجواز أيضا: ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا" واستدل الطحاوي على الجواز بأن المباشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حدّا، ولا غسلا فأشبهت المباشرة فوق الإزار، وفَصَّل بعض الشافعية فقال: إن كان يضبط نفسه عند المباشرة عن الفرج ويثق منها باجتنابه جاز، وإلا فلا، واستحسنه النووي.
قال الحافظ: ولا يبعد تخريج وجه مفرّق بين ابتداء الحيض، وما بعده لظاهر التقييد بقولها "فَوْر حيضتها" ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة أيضا:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقي سَوْرَة الدم ثلاثا، ثم يباشر بعد ذلك" ويجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين. اهـ فتح جـ 1 ص 482.
قال الجامع عفا الله عنه: قول من قال بجواز الاستمتاع بما دون الفرج هو الذي يترجح عندي، لقوة دليله، كما تقدم عن النووي رحمه الله، لكن الأولى والأحوط هو العمل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمره المرأة أن تأتزر ثم يباشرها، ولا يتجاسر على قرب ما تحت الإزار، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه كما صح ذلك من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه عند الشيخين، وغيرهما والله أعلم.
286 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا حَاضَتْ، أَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعروف بابن راهويه ثقة حجة [10]، تقدم 2/ 2.
2 -
(جرير) بن عبد الحميد بن قُرْط الضبي الكوفي ثم الرازي ثقة ثبت [8]، تقدم في 2/ 2.
3 -
(منصور) بن المعتمر أبو عَتَّاب الكوفي ثقة حجة [6] تقدم في 2/ 2.
4 -
(إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي ثقة شقيه [5] تقدم في 29/ 33.
5 -
(الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي ثقة ثبت مخضرم [2] تقدم في 33/ 29.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات، كوفيون إلا
إسحاق فمروزي، ثم نيسابوري، وفيه رواية تابعي، عن تابعي.
وشرح الحديث مضى قبله.
287 -
أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِنٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، وَاللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ بُدَيَّةَ، وَكَانَ اللَّيْثُ يَقُولُ: نَدَبَةَ مَوْلَاةُ مَيْمُونَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخِذَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ. فِي حَدِيثِ اللَّيْثِ: مُحْتَجِزَةً بِهِ.
رجال هذا الإسناد: ثمانية
1 -
(الحارث بن مسكين) أبو عمرو المصري قاضيها ثقة ثبت [10] تقدم في 9/ 9.
2 -
(ابن وهب) عبد الله الصري ثقة حافظ [9] تقدم في 9/ 9.
3 -
(يونس) بن يزيد الأيلي ثقة [7] تقدم في 9/ 9.
4 -
(الليث) بن سعد أبو الحارث الفهمي المصري ثقة حجة [7] تقدم في 31/ 35.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "والليث" بالجر عطفًا على يونس، ويقدر قبل قوله:"عن ابن شهاب" لفظة "كلاهما" أي يونس، والليث يرويان عن ابن شهاب.
5 -
(ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري المدني ثقة حجة [4] تقدم في 1/ 1.
6 -
(حبيب مولى عروة) بن الزبير المدني، روى عن عروة وأمه أسماء بنت أبي بكر، وندبة مولاة ميمونة.
وعنه الزهري، وعبد الواحد بن ميمون مولى عروة، وأبو الأسود يتيم عروة، وعبيد الله بن عروة، والضحاك بن عثمان، قال ابن سعد: مات قديما في آخر سلطان بني أمية، وكان قليل الحديث، روى له مسلم
حديثا واحدا
(1)
"أيُّ العمل أفضل" وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، قال: وإن لم يكن هو ابن هند بن أسماء فلا أدري من هو؟.
7 -
(بُدَيَّة) بالباء الموحدة، والتصغير، وكان الليث
(2)
يقول: نُدْبة قال في "ت": ندبة بضم أولها، ويقال: بفتحها وسكون الدال، بعدها موحدة مولاة ميمونة، ويقال: بموحدة أولها مع التصغير: مقبولة، من الثالثة، ويقال: إن لها صحبة اهـ.
وفي "تت" ندبة مولاة ميمونة أم المؤمنين، ويقال: بَدَنة، ويقال: بُدَيَّة، روت عن مولاتها.
وعنها حبيب الأعور مولى عروة بن الزبير، ذكرها ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: يقول أهل الحديث: نَدَبَة بفتح الدال، ويقول أهل اللغة: هو نَدْبة بإسكان الدال، وذكرها ابن منده وأبو نعيم في الصحابة اهـ.
8 -
(ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 146/ 236.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته ثقات، وأنهم ما بين مصريين، وهم إلى الليث، ومدنيين وهم من بعده.
شرح الحديث
(عن بدية) بصيغة التصغير (وكان الليث) بن سعد (يقول) في اسم بدية (نُدْبة) بضم أولها، ويقال: بفتحها، وسكون الدال، وبعدها موحدة كما تقدم، يعني أن الليث خالف ابن وهب في ضبط اسمها
(1)
قال السيوطى: تابعى، روى عن أسماء بنت الصديق، وليس له عند الصنف، ولا عند أبي داود سوى هذا الحديث، وله عند مسلم حديث آخر. اهـ.
(2)
وقال ابن حزم في المحلى: أبو داود يروي هذا الحديث عن الليث، فقال: ندبة -بفتح النون والدال- ومعمر يرويه، ويقول: ندبة -بضم النون وإسكان الدال- ويونس يقول: بدية -بالباء المضمومة، والدال المفتوحة والياء المشددة- وحكى المزي في التهذيب قولا آخر أنها بَدَنَة -بفتح الباء الموحدة، والدال المهملة بعدها نون. اهـ زهر جـ 1 ص 152.
(مولاة لميمونة) بالجر لبدية (عن ميمونة) رضي الله عنها أنها (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من ئسائه) أي يستمتع بها من المباشرة التي بمعنى الملامسة، يقال: باشر الرجلُ امرأته مباشرة، وبشَارا: كان معها في ثوب واحد، فوليت بشرفه بشرتها، وقد يطلق المباشرة على الجماع كما في قوله تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} البقرة: الآية 186 والمراد هنا هو الإطلاق الأول إجماعا (وهي حائض) جملة حالية من المرأة (إذا كان عليها إزار) هو ما يشد به الوسط إلى أنصاف الفخذين، أو الركبتين، وقيل: كل ما وارى الإنسان وستره، ويجمع على آزرة، مثل وعاء وأوعية، ويجمع أيضا على أزُر، كحُمُر، ويذكر ويؤنث، فيقال: هو إزار، وهي إزار، قاله في المنهل (يبلغ أنصاف الفخذين) أي إلى نصفي الفخذين فالمراد بالجمع هنا التثنية، ولم يعبر بها لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة، قاله في المنهل (والركبتين) والواو هنا بمعنى "أو" التي للتنويع، وقد ثبت في رواية أبي داود "أو الركبتين"، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يضاجع المرأة من نسائه، وهي حائض، ويستمتع بها بغير الوطء إذا كان عليها ما يستر به الفرج من إزار يبلغ نصف فخذيها، أو ركبتيها. قاله في المنهل جـ 3 ص 53 (في حديث الليث: محتجزة به) يعني أن في حديث الليث بن سعد زيادة على رواية يونس، وهي قوله:"محتجزة به" بالنصب على الحال من إزار، أي
حال كونها شَادَّةً له على حُجْزَتها، وهو وسطها، وفي الكبرى "محتجزته" بالإضافة. وفيه جواز مباشرة الرجل زوجته الحائض إذا كان عليها إزار يستر ما بين السرة والركبة.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى في درجته: حديث ميمونة رضي الله عنها هذا حديث صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له: أخرجه هنا -180/ 287 - والكبرى -160/ 280 - عن الحارث بن مسكين، عن ابن وهب، عن يونس، والليث كلاهما عن ابن شهاب، عن حبيب مولى عروة، عن بُدَيّة، عنها. وفي الحديث 376 بهذا السند.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه أبو داود في الطهارة: عن يزيد بن خالد بن عبد الله الهمداني، عن الليث، عن ابن شهاب، عن حبيب مولى عروة، به. وأخرجه البيهقي.
وبقية المسائل تقدمت في الحديث السابق. والله ولي التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
181 - باب تأويل قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}
أي هذا باب ذكر الحديث الذي يشرح هذه الآية، فإن الأحاديث شارحة للقرآن، وقد تقدم معنى التأويل في الباب الأول من هذا الكتاب 1/ 1.
288 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهُنَّ، وَلَمْ يُشَارِبُوهُنَّ، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلُوا نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} الآيَةَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤَاكِلُوهُنَّ، وَيُشَارِبُوهُنَّ، وَيُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنْ يَصْنَعُوا بِهِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا خَلَا الْجِمَاعَ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعروف بابن راهويه ثقة ثبت حجة -10 - تقدم في 2/ 2.
2 -
(سليمان بن حرب) بن بجَيل الأزدي الواشحي، أبو أيوب البصري، وواشح من الأزد، سكن مكة وكان قاضيها.
روى عن شعبة، ومحمد بن طلحة بن مصرف، ووهيب بن خالد، وحوشب بن عقيل، والحمادين، ويزيد بن إبراهيم التستري، وجرير بن حازم، وسَلام بن أبي مطيع، وبسطام بن حريث، ومبارك بن فَضَالة، وغيرهم.
وعنه البخاري، وأبو داود، وروى له الباقون بواسطة أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي داود، وسليمان بن مَعْبَد السبخي، وأحمد بن سعيد الدارمي، وإسحاق بن راهويه، والحسن بن علي الخَلال، وعلي بن نصر الجهضمي، وعمرو بن علي الفلاس، وغيرهم، وحدث عنه يحيى القطان، وهو أكبر منه، والحميدي، ومات قبله، وجماعة آخرون، آخرهم أبو خليفة الفضل بن الحُبَاب الحَجَبيّ.
قال أبو حاتم: إمام من الأئمة، كان لا يدلس، ويتكلم في الرجال، وفي الفقه، وليس بدون عَفَّان، ولعله أكبر منه، وقد ظهر من حديثه نحو من عشرة آلاف حديث، وما رأيت في يده كتابا قط، وهو أحب إلى من أبي سلمة في حماد بن سلمة، وفي كل شيء، ولقد حضرت مجلس سليمان بن حرب ببغداد فحزروا من حضر مجلسه أربعين ألف رجل، فأتينا عفان فقال: ما حدثكم أبو أيوب، فإذا هو يعظمه، وقال أبو حاتم أيضا: كان سليمان بن حرب قل من يرضى من المشايخ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: سمعت
سليمان بن حرب يقول: طلبت الحديث سنة 85، ولزمت حماد بن زيد 19 سنة، قال: وسمعته يقول: أعقلُ موتَ ابن عون، ولي قضاء مكة سنة 214، بإشارة يحيى بن أكثم على المأمون بذلك، وُعزل عنها سنة 219، قال الخطيب: كان يروي الحديث على المعنى، فيغير ألفاظه، قال يعقوب بن شيبة: كان ثقة ثبتا صاحب حفظ، ووثقه ابن خرَاش، قال النسائي: ثقة مأمون، ولد سنة، 140، ومات سنة، 224، وقيل: 227، والصحيح الأول، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن خراش: ثقة مأمون، قال في الزهرة: روى البخاري عنه 127 حديثًا.
3 -
(حماد بن سلمة) بفتح اللام - بن دينار البصري، أبو سلمة مولى تميم، ويقال مولى قريش، وقيل غير ذلك.
روى عن ثابت البناني، وقتادة، وخاله حميد الطويل، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وأنس بن سيرين، وأبي الزبير، وعمرو بن دينار وغيرهم.
وعنه ابن جريج، والثوري، وشعبة، وهم أكبر منه، وابن المبارك، وابن مهدي، والقطان، وأبو داود، وأبو الوليد الطيالسيان، وسليمان ابن حرب، وأبو سلمة التبوذكي، وغيرهم.
قال أحمد: حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر، وقال أيضا: الحمادان ما منهما إلا ثقة، وعن أحمد أيضا: أنه أسند أحاديث عن أيوب لا يسندها الناس عنه، وقيل فيه: إنه أعلم الناس بحديث حميد الطويل، وهو خاله كما تقدم، ووثقه ابن معين، وقال: مَنْ خالف حماد بن سلمة في حديث ثابت فالقول قول حماد، قال ابن المديني: إنه من أثبت أصحاب ثابت، وقال ابن مهدي: أحسن ملكة نفسه ولسانه، فلم يطلقه على أحد حتى مات، ووثقه العجلي، والنسائي، وابن سعد،
وقال: كان كثير الحديث، قال الساجي: كان حافظا ثقة مأمونا، وقال ابن المديني: من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه في الدين، وثناء الأئمة عليه كثير، مات سنة 167 أخرج له الجماعة.
4 -
(ثابت) بن أسلم أبو محمَّد البناني البصري، ثقة عابد [4] تقدم في 45/ 53.
5 -
(أنس) بن مالك الصحابي الجليل رضي الله عنه تقدم في 6/ 6.
لطائف الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وكلهم بصريون، إلا شيخه فمروزي ثم نيسابوري، وفيه أنس أحد المكثرين السبعة روى 2286 حديثا.
شرح الحديث
(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (قال: كانت اليهود) بالدال المهملة اسم للقبيلة، وقيل: إنما اسم هذه القبيلة يهوذا -يعني بالذال المعجمة- فعُرّبَ بقلب الذال دالا، قال ابن سيده: وليس هذا بقوي، قاله في اللسان، وقال في المصباح: ويقال: هم يهود غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، ويجوز دخول الألف والسلام، فيقال: اليهود، وعلى هذا فلا يمتنع التنوين لأنه نقل عن وزن الفعل إلى باب الأسماء والنسبة إليه يهودي، وقيل: اليهودي نسبة إلى يهود ابن يعقوب عليه السلام، هكذا أورده الصغاني يهودا في باب المهملة. اهـ.
(إذا حاضت المرأة منهم لم يؤكلوهن، ولم يشاربوهن) أي لم يأكلوا معهن تقذرا، فقوله: يؤاكلوهن بضمير جمع الإناث في المواضع الثلاث
وعند أبي داود بضمير المفرد في كلها، وعند مسلم:"لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن" والكل صحيح، فأما الإفراد فظاهر، وأما الجمع فلأن المراد بالمرأة جنسها (ولم يجامعوهن في البيوت) أي لم يخالطوهن، ولم يساكنوهن في المحل الواحد، وليس المراد مجامعتهن في الفرج.
(فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم) أي الصحابة، وليس الضمير يعود إلى اليهود، ولمسلم "فسأل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم"، وذكر الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدَّحْدَاح، والله أعلم، وأما قول من قال: إن السائل هو عباد بن بشر، وأسيد بن حضير، كما عزاه القرطبي للأكثرين، فغير واضح لأنهما سألا بعد نزول الآية، وقول اليهود اعتراضا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، اللهم إلا أن يقال إنهما سألا مرتين.
فالظاهر أن السائل جماعة من الصحابة، كما تقدم في رواية مسلم، والله أعلم.
(عن ذلك) أي عما يفعله اليهود من إبعاد النساء عنهن كل الإبعاد (فأنزل الله عز وجل جوابا لهذا السؤال {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} البقرة الآية -221 - أي الحيض، فالمحيض مصدر ميمي، أي عن حكم الاستمتاع بالنساء زمنَ الحيض، وقال النووي رحمه الله: المحيض الأول المراد به الدم، والثاني فاختلف فيه، فمذهبنا أنه الحيض، ونفس الدم، وقال بعض العلماء: هو الفرج، وقال الآخرون: هو زمن الحيض. اهـ شرح مسلم جـ 3 ص 211.
(قل هو أذى) أي المحيض -يعني الدم السائل- لا بمعنى السيلان: قذر، ففيه استخدام، والأذى ما يتأذى به الإنسان، وكان دم الحيض أذى لقبح لونه، ورائحته، ونجاسته، وإضراره، والتنكير فيه للقلة،
كما قال البغوي، أي أذى يسير لا يتجاوز الفرج وما قاربه، فلا يتأذى به إلا من جامعها، زوج، أو سيد، دون من آكلها أو ساكنها. قاله في المنهل جـ 3 ص 36.
(الآية) يحتمل النصب على أنه مفعول لفعل محذوف، أي اقرأ الآية بتمامها، ويحتمل الرفع بتقدير: الآيةُ تُقرَأ بتمامها، ويحتمل الجر بتقدير: اقرأ إلى آخر الآية.
(فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت) أي يخالطوهن في البيوت بالمجالسة والمؤاكلة والمشاربة (وأن يصنعوا بهن كل شيء) من أنواع الاستمتاع كالمباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة، والقبلة، والمعانقة واللمس وغير ذلك (ما خلا الجماع)
وعند مسلم "إلا النكاح" ورواية المصنف مفسرة للمراد، ويكون من إطلاق اسم السبب على المسبب لأن عقد النكاح سبب الجماع.
وسيأتي الحديث للمصنف برقم 369، بأطول من هذا، وسيأتي تمام الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
182 - بابُ مَا يجبُ على مَنْ أتَى حَلِيلَتَهُ في حَال حَيْضِهًا بعدَ عِلْمِهِ بِنَهْي اللهِ عز وجل عن وَطْئِهَا
أي هذا باب في ذكر الحديث الدال على ما يجب من الكفارة على الشخص الذي جامع زوجته في حالة حيضها مع علمه بكونه منهيا عنه.
والحَليلَة: الزوجة، والحَليل: الزوج سميا بذلك لأن كل واحد يحل من صاحبه مَحَلا لا يحُلّه غيره، أفاده في المصباح.
289 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فِي الرَّجُلِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ.
رجال هذا الإسناد
1 -
(عمرو بن علي) الفلاس الحافظ الثقة الحافظ -10 - تقدم في 4/ 4.
2 -
(يحيى) بن سعيد القطان الثقة الحجة -9 - تقدم في 4/ 4.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الإمام العَلَم الحجة -7 - تقدم في 24/ 26.
4 -
(الحكم) بن عتيبة أبو محمَّد الكوفي ثقة ثبت -5 - تقدم في 86/ 104.
5 -
(عبد الحميد) بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي أبو عمر المدني استعمله عمر بن عبد العزيز على الكوفة، وقيل: إنه من أهل الجزيرة، وأمه من بني البكاء بن عامر.
روى عن أبيه، وابن عباس، وأرسل عن حفصة رضي الله عنها، وروى عن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن نوفل، وغيرهم.
وعنه أولاده: زيد، وعبد الكبير، وعمر، والزهري، وقتادة، وزيد بن أبي أنيسة، والحكم بن عتيبة، وجماعة، كان أبو الزناد كاتبا له، وثقه النسائي، والعجلي، وابن خراش، وأبو بكر بن أبي داود،
وزاد: مأمون، وذكره ابن حبان في الثقات. وفي "ت" ثقة -4 - توفي بحرَّان في خلافة هشام.
6 -
(مقْسَم) -بكسر أوله- بن بُجْرة -بضم الموحدة وسكون الجيم- ويقال: ابن نَجْدة بفتح فسكون، أبو القاسم، ويقال: أبو العباس، مولى عبد الله بن الحارث، ويقال: ابن عباس للزومه له.
روى عن ابن عباس، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعائشة، وأم سلمة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وخُفَاف بن إيماء بن رحضة، ومعاوية، وعبد الله بن شُرَحْبيل، وغيرهم.
وعنه ميمون بن مهْران، والحكم بن عتيبة، وخُصيف، وعبد الكريم الجَزَري، وعبد الملك بن مَيْسَرَة، وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد، وآخرون. قال أبو حاتم: صالح الحديث، لا بأس به، وقال ابن سعد:
كان كثير الحديث ضعيفًا، وقال الساجي: تكلم الناس في بعض روايته، وقال البخاري في التاريخ الصغير: لا يعرف لمقسم عن أم سلمة سماع ولا ميمونة، ولا عائشة، وقال أحمد بن صالح المصري: ثقة ثبت لا شك فيه، ووثقه العجلي، والدارقطني، وذكره البخاري في الضعفاء ولم يذكر فيه قدحا بل ساق حديث شعبة عن الحكم عن مقسم في الحجامة، وقال: الحكم لم يسمعه منه، وقال ابن حزم: ليس
(1)
بالقوي، وقال أحمد: لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، وقد ذكر الحافظ رحمه الله هذه الأحاديث الأربعة مع زيادة حديث خامس في ترجمة الحكم من تهذيب التهذيب
(2)
.
7 -
(ابن عباس) رضي الله عنه تقدم في 27/ 31.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين بصريين، وهم الثلاثة الأولون، وكوفي وهو الحكم، ومدنيين وهم الباقون.
(1)
نوزع في التضعيف كما قال الحافظ في التلخيص جـ 1 ص 166.
(2)
قلت: نظمت هذه الخمسة بقولي:
اعلَمْ بأنَّ حكَمًا قَدْ سَمعَا
…
منْ مقْسَم خَمْسًا فَقَطْ فَاسْتَمِعَا
حَديثُ وتْر وَقُنُوت وَجَزَا
…
صَيْد وَعَزْمَةُ الطُّلاق أنْجزَا
وَرَجُلٌ جَامَعَ زَوْجًا حَائضًا
…
قَدْ عَدَّهَا القَطَّانُ يَحْيَى المُرْتَضَى
ذَكَرَهَا الحَافظُ في التَّهْذيب
…
فَأتْقنَنَّ الحفْظَ بالتَّهْذيب
شرح الحديث
(عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرجل الذي يأتي امرأته) أي يجامعها، والجار والمجرور يتعلق بقال محذوفا، أي قال في حكم الرجل الذي يجامع زوجته (وهي حائض) جملة حالية من "امرأته" وقوله (يتصدق بدينار) مقول للقول المقدر وهو خبر بمعنى الأمر، أي ليتصدق، وقد وقع في بعض الروايات التصريح بلام الأمر، والدينار: فارسي معرب، وأصله: دنَّار، مشدد النون، لجمعه على دنانير، وتصغيره على دُنَينير فقلبت إحدى النونين ياء، لئلا تلتبس بالمصادر التي تجيء على فعّال مثل كذّاب، والدينار هو المثقال (أو بنصف دينار) قيل:"أو" للتقسم كما هو ظاهر ما جاء في بعض الروايات الدالة على أن التصدق بالدينار إذا كان الإتيان في أول الدم، وبنصف دينار إذا كان الإتيان في آخر الدم، كما في رواية أبي داود موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار"، وصححه العلامة الألباني. ورواية
(1)
الترمذي بسنده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان دما أحمر فدينار، وإذا كان دما أصفر فنصف دينار" ورواية أحمد أنه صلى الله عليه وسلم جعل في الحائض تصاب دينارا، فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها، ولم تغتسل فنصف دينار".
ويحتمل أن تكون "أو" للتخيير، فيكون مَن فَعَلَ ذلك مُخَيَّرا بين الدينار ونصفه، كما قالت الحنابلة، ولا يقال: كيف يخير بين الشيء ونصفه، لأنه كتخيير المسافر بين الإتمام والقصر. أفاده في المنهل جـ3 ص 46.
(1)
عطف على رواية أبي داود، وكذا قوله الآتي: ورواية أحمد.
قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الثاني هو الأولى عندي، لعدم صحة الحديث الذي فيه التفصيل مرفوعا، وإنما هو موقوف على ابن عباس، فإبقاء المرفوع على إطلاقه أولى، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
الأولى: في درجته: حديث ابن عباس رضي الله عنهما هذا حديث صحيح على الراجح.
(اعلم) أنه تكلم العلماء في صحة هذا الحديث: فمنهم من أعله بعدة أشياء:
مئها: أن جماعة رووه عن شعبة موقوفا على ابن عباس، وأن شعبة رجح رفعه.
ومنها: أنه روي مُرسَلا.
ومنها: أنه روي مُعْضَلا.
ومنها: أن في متنه اضطرابا، لأنه روي بدينار أو بنصف دينار، بالشك، وروي "يتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار" وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في أول الدم، أو في انقطاعه، وروي "يتصدق بخمسي دينار" وروي "يتصدق بنصف دينار" وروي "إن كان دمًا عَبيطا فليتصدق بدينار، وإن كان صفرة فنصف دينار".
ومنهم من صححه: منهم الحاكم، والذهبي، وابن القطان، وابن دقيق العيد، والحافظ، والشوكاني، وصاحب المنهل، وأبو الأشبال أحمد محمَّد شاكر، والشيخ الألباني.
وقال الخلال عن أبي دواد عن أحمد: ما أحسن حديث عبد الحميد،
عن مقسم، عن ابن عباس، فقيل له: تذهب إليه؟ فقال: نعم، وقال أبو داود: هي الرواية الصحيحة، وربما لم يرفعه شعبة، وقال أبو الحسن بن القطان: إن الإعلال بالاضطراب خطأ، والصواب أن ينظر إلى رواية كل راو بحسبها، ويعلم ما خَرَّج عنه فيها، فإن صح من طريق قُبل، ولا يضره أن يروى من طرق أخر ضعيفة، وأقرّ ابنُ دقيق العيد ابنَ القطان في تصحيحه، وقواه في الإمام، كما قال الحافظ، وقال الخطابي: وأكثر أهل العلم زعموا أن هذا الحديث مرسل، أو موقوف على ابن عباس، والأصح أنه متصل مرفوع.
ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه، ووقفه بأن يحيى بن سعيد، ومحمد بن جعفر، وابن أبي عدي، رفعوه عن شعبة، وكذلك وهب بن جرير، وسعيد بن عامر، والنضر بن شُمَيل، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، قال ابن سيد الناس: من رفعه عن شعبة أجلّ وأكثر، وأحفظ ممن وقفه. وأما قول شعبة: أسنده لي الحكم مرة ورفعه مرة، فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلا عنده، ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح مما فيه.
وقال أبو بكر الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في ضعف الحديث وهو مذهب أهل الأصول، لأن إحدى الروايتين ليست مُكَذّبة للأخرى، والأخذ بالمرفوع أخذ بالزيادة وهي واجبة
القبول.
وقال الحافظ في التلخيص بعد نقل ما تقدم من ابن دقيق العيد: ما نصه: وهو -أي تصحيح الحديث- الصوابُ، فكم من حديث قد احتجوا به، فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا، كحديث بئر بضاعة،
وحديث القلتين، ونحوهما، وفي ذلك ما يَرُدُّ على النووي دعواه في
شرح المهذب والتنقيح والخلاصة أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم، وتبع النوويُّ في ذلك ابنَ الصلاح. اهـ تلخيص جـ 1 ص 166.
وقد حقق الكلام على هذا الحديث العلامة أحمد محمَّد شاكر فيما كتبه على الترمذي تحقيقا دقيقا لا تجده في كتاب غيره، فارجع إليه جـ 1 ص 245 - 254، تزدد علما.
قال الجامع عفا الله عنه: فتلخص من هذا أن الراجح قول من صحح هذا الحديث وقواه. والله أعلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف:
أخرجه هنا -182/ 289 - والكبرى -162/ 282 - عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد، عن شعبة عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنه. وأعاده في 370 سندا ومتنا، وفي عشرة النساء من الكبرى عن إسحاق بن إبراهيم، عن غندر، وعن شعبة به، وعن إبراهيم بن يعقوب، عن سعيد بن عامر، عن شعبة بإسناده، عن ابن عباس في الذي يأتي امرأته
…
فذكره، قال: شعبة: أما حفظي فمرفوع، وقال فلان وفلان: إنه لا يرفعه، وفيه قصة لشعبة، وعن خُشيش بن أصرم، عن روح بن عُبَادة، وعبد الله بن بكر، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس قال:"واقع رجلٌ امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بدينار، أو بنصف دينار" أفاده المزي.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (د ق) فأخرجه (د) في الطهارة، وفي النكاح عن مسدد، عن يحيى، عن شعبة، عن الحكم به وقال: هكذا الرواية الصحيحة "دينار أو نصف دينار" وربما لم يرفعه
شعبة، وروى الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أمره أن يتصدق بخمسي دينار" وأخرجه (ق) في الطهارة عن بندار، عن يحيى بن سعيد، ومحمد بن جعفر، وابن أبي عدي، ثلاثتهم عن شعبة، به.
وأخرجه الدارمي، وأحمد، وابن الجارود، والدراقطني، والحاكم والبيهقي.
المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في كفارة من وطئ امرأته وهي حائض:
قال أبو بكر بن المنذر رحمه الله: اختلف أهل العلم فيما على من أتى زوجته حائضا على أقوال:
الأول: يتصدق بدينار، أو بنصف دينار، روينا هذا القول عن ابن عباس، وبه قال أحمد بن حنبل، قال: هو غير في الدينار والنصف دينار.
الثاني: إن كان في فَوْر الدم فدينار، وإن كان في آخره فنصف دينار، ورُويَ هذا القولُ عن ابن عباس، وهي الرواية الثابتة عنه، وكذلك قال النخعي، ونحوه عن إسحاق بن راهويه.
الثالث: إن كان وطئها في الدم فدينار، وإن وطئها، وقد طهرت من الحيض، ولم تغتسل فنصف، وهذا قول الأوزاعي، ومثله عن قتادة.
والرابع: عليه عتق رقبة، وهو قول سعيد بن جبير.
والخامس: عليه ما على الذي يقع على أهله في رمضان، وهو قول الحسن.
والسادس: لا شيء عليه في ماله، ولكن يستغفر الله، وهذا قول عطاء، وإبراهيم النخعي، ومكحول، وابن أبي مليكة، والشعبي
والزهري، وربيعة، وابن أبي الزناد، وحماد بن أبي سليمان، وأيوب السختياني، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان الثوري والشافعي، والنعمان، ويعقوب.
ثم قال ابن المنذر، وبعد ذكر دليل من أوجب عليه التصدق بالدينار أو بنصف الدنيار، وهو حديث الباب: ما نصه: وهذا خبر قد تكلم في إسناده، ثم قال: فإن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب ما ذكرناه وجب الأخذ به، ثم لم يكن بين قبول ذلك منه في هذا الباب، وبين قبولنا منه ما أوجب على الذي وقع على أهله في شهر رمضان فرق، لأن الخبر إذا ثبت وجب التسليم له، وإن لم يثبت الخبر، ولا أحسبه يثبت، فالكفارة لا يجوز إيجابها إلا أن يوجبها الله عز وجل، أو يَثبُتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجبها، ولا نعلم إلى هذا الوقت حجة توجب ذلك. اهـ كلام ابن المنذر في الأوسط جـ 2 ص 209 - 212. بتصرف.
قال الجامع عفا الله عنه: وأما نحن وقد تبين لنا صحة حديث الباب، كما تقدم تصحيحه عن الأئمة الحفاظ، فنقول: إن القول الصواب هو قول من أوجب عليه التصدق بدينار أو بنصف دينار. ثم إن الإيجاب على التخيير بين دفع الدينار، ونصفه، فيكون من الواجب المخير، وأما ما قاله العلامة أحمد شاكر من أن الأمر ليس للوجوب بل للندب، وأنه ليس من المخير، لأن الواجب المخير إنما يكون في التخيير بين أنواع مأمور بها، لا في التخيير بين القليل والكثير من نوع واحد فغير واضح، لأن الإيجاب بالتخيير لا يختلف بين أن يكون من نوع وأنواع، فللشارع أن يختبر العباد بما شاء من الواجبات. والله أعلم.
وفسر ابن عباس رضي الله عنهما: أن الدينار إذا كان في أول الدم،
والنصف إذا كان في انقطاع الدم، وروي مرفوعا، ولكن الصحيح وقفه على ابن عباس.
وفسره بعضهم بأن الدينار ونصفه يعود إلى حال الرجل يسارا وإعسارا، ولكن هذا التفسير لا مستند له فيما علمت. وبالجملة فالرأي الأول هو الراجح عندي. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
183 - بَابُ مَا تَفْعَلُ المُحْرِمَةُ إذَا حَاضَتْ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على الأمر الذي تفعله المرأة المحرمة بالحج أو بالعمرة، إذا أتاها الحيض في تلك الحال.
290 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرِفَ حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ:"مَالَكِ أَنَفِسْتِ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:"هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عز وجل عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ". وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعروف بابن راهويه ثقة حجة [10]، تقدم ف 2/ 2.
2 -
(سفيان) بن عيينة الكوفي، ثم المكي ثقة حجة [8] تقدم في 1/ 1.
3 -
(عبد الرحمن بن القاسم) أبو محمَّد المدني ثقة جليل [6] تقدم في 120/ 166.
4 -
(القاسم بن محمَّد) بن محمَّد بن أبي بكر الصديق المدني أحد الفقهاء ثقة ثبت [3] تقدم في 166/ 120.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم مدنيون إلا شيخه فمروزي، ثم نيسابوري، وسفيان فكوفي ثم مكي، وفيه رواية الابن عن أبيه، وأن القاسم أحد الفقهاء السبعة، كما تقدم غير مرة، وفيه عائشة من المكثرين السبعة روت 2210 حديثًا.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من المدينة عام حجة الوداع، وكان خروجهم لخمس بقين من ذي القعدة، وقدموا مكة لأربع، أو خمس من ذي الحجة، فكانوا في طريقهم إلى مكة تسعة أو عشرة أيام، أفاده العيني.
(لا نرى إلا الحج) بضم النون، أي لا نظن، وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح النون، وبعضهم بضمها، وقال القرطبي: كان هذا قبل أن يعلموا بأحكام الإحرام وأنواعه. وقيل: يحتمل أن ذلك كان اعتقادها قبل أن تُهلّ، ثم أهلت بعمرة، ويحتمل أن تريد بقولها "لا نرى" حكايته عن فعل غيرها من الصحابة، وهم كانوا لا يعرفون غيره. وزعم عياض أنها كانت أحرمت بالحج ثم أحرمت بالعمرة، ثم أحرمت بالحج أفاده العيني. وتقدم اختلاف الروايات عن عائشة في هذا في 242، فارجع إليه تزدد علمًا.
(فلما كان) أي استقر ونزل النبي صلى الله عليه وسلم (بسرف) بفتح سين مهملة وكسر راء: موضع قريب من مكة، وهو ممنوع من الصرف، وقد يصرف، قاله السندي، وفي المصباح: سَرف: مثال تعب، وجَهل: موضع قريب من التنعيم، وبه تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة الهلالية، وبه توفيت ودفنت اهـ.
(حضتُ فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي) جملة حالية (فقال: مالك؟ أنفست) بفتح فكسر، أو بضم فكسر، كما تقدم تحقيقه في 179/ 283، أي حضت؟ قالت (فقلت: نعم، قال) مُسَلِّيًا لها وأنها ليست وحيدة في هذا الأمر بل (هذا) أي الحيض (أمر كتبه الله عز وجل علي بنات آدم) أي فلا تقصير فيه منك حتى تبكي (فاقضي ما يقضي الحاج) أي افعلي ما يفعل من أحرم بالحج (غير أن لا تطوفي بالبيت) بنصب غير على الاستثناء و"أن" يجوز أن تكون مخففة من الثقيلة، وفيه ضمير الشأن، وتطوفي مجزوم بلا الناهية، والمعنى: لا تطوفي مادمت حائضًا، ويجوز أن تكون ناصبة و"لا" زائدة، والفعل منصوب بأن، مؤول بالمصدر، أي غير طوافك.
وقال السندي في شرحه: كلمة "لا" زائدة، إذ المقصودُ إخراج الطواف عما يقضي الحاج، لا إخراج عدم الطواف، ويمكن إبقاء "لا" على معناها، على أنه استثناء مما يفهم من الكلام السابق، أي فلا فرق
بينك وبين الحاج غير أن لا تطوفي.
ثم المراد غير الطواف وما يتبعه من السعي، لأنه لا يجوز تقديمه على الطواف، ولكونه تابعا لم يذكره، اهـ كلام السندي.
قال الجامع عفا الله عنه: في قوله: "لا يجوز تقديمه" إلخ .. نظر لأن الراجح أنه يجوز تقديمه عليه لما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أسامة بن
شريك رضي الله عنه، قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجّا فكان الناس يأتونه، فمن قائل له: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئا، أو أخرت شيئا، فكان يقول:"لا حرج، لا حرج" الحديث. وسيأتي تمام البحث فيه في كتاب المناسك، إن شاء الله تعالى.
(وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذبح أضحية قال في المصباح: ضحى تضحية: إذا ذبح الأضحية وقت الضحى، هذا أصله، ثم كثر حتى قيل: ضخى في أيّ وقت كان من أيام التشريق، ويتعدى بالحرف فيقال: ضحيت بشاة اهـ (عن نسائه بالبقر) فيه جواز تضحية الرجل عن امرأته، وقال النووي رحمه الله: هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم استأذنهن في ذلك، فإن تضحية الإنسان عن غيره لا يجوز إلا بإذنه، قال العيني رحمه الله: هذا في الواجب، وأما في التطوع فلا يحتاج إلى الإذن.
قال الجامع: فيما قالاه نظر لا يخفى لأن ظاهر الحديث يدل على الجواز مطلقا، والله أعلم.
واستدل مالك رحمه الله به على أن التضحية بالبقرة أفضل من البَدَنَة، ولكن الاستدلال غير واضح، وذهب الأكثرون منهم الشافعي إلى أن التضحية بالبدنة أفضل من البقرة لتقديم البدنة على البقرة في حديث ساعة الجمعة، أفاده العيني جـ 3 ص 257.
قال الجامع: ما ذهب إليه الأكثرون هو الراجح عندي لظهور دليله، والله أعلم.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له: ذكره هنا 183/ 290 والكبرى 163/ 284 عن إسحاق بن إبراهيم، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها. وفي الحج عن محمَّد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، والحارث بن مسكين، وعن محمَّد بن رافع، عن يحيى بن آدم، كلهم عن سفيان بن عيينة بسند الباب.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ م ق) فأخرجه (خ) في الطهارة عن علي بن عبد الله، وفي الأضاحي عن قتيبة، وعن مسدد كلهم عن سفيان به.
وأخرجه (م) في الحج عن أبي بكر بن أبي شيبة - وعمرو الناقد - وزهير بن حرب كلهم عن سفيان به. وأخرجه (ق) في الحج عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد كلاهما عن سفيان به.
وأما ما يتعلق بفوائد هذا الحديث ومذاهب العلماء في حكمه فقد مضى بعضه في 242، وسيأتي ما بقي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
184 - بَابُ ما تَفْعَلُ النُّفَسَاءُ عنْدَ الإحِرَامِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على الشيء الذي تفعله المرأة التي ولدت عند إرادة الإحرام بأحد النسكين، ومحل الاستدلال من هذا الحديث واضح من قوله "اغتسلي واستثفري، ثم أهلي".
والنفساء: فُعَلاء، بضم ففتح، من نُفست المرأة، قال في المصباح: ونُفست المرأة بالبناء للمفعول فهي نفساء بضم ففتح، والجمع: نفاس بالكسر، ومثله عُشراء وعشار، وبعض العرب يقول: نَفست تنفس من باب تَعب فهي نافس، مثل حائض، اهـ وتقدم تمام البحث في هذا برقم 179/ 183.
13 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ:"اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي، ثُمَّ أَهِلِّي".
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(عمرو بن علي) الفلاس البصري الثقة المثبت [10] تقدم في 4/ 4.
2 -
(محمَّد بن المثنى) أبو موسى العَنَزي البصري ثقة ثبت [10] تقدم في 64/ 80.
3 -
(يعقوب بن إبراهيم) الدَّوْرَقي أبو يوسف البغدادي ثقة ثبت [10] تقدم في 21/ 22.
4 -
(يحيى بن سعيد) القطان أبو سعيد البصري ثقة حجة [9] تقدم في 4/ 4.
5 -
(جعفر بن محمَّد) الصادق الهاشمي المدني صدوق إمام فقيه [6] تقدم في 123/ 182.
6 -
(محمَّد) بن علي بن الحسين الباقر ثقة ثبت [4] تقدم في 78/ 95.
7 -
(جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الصحابي الجليل رضي الله عنهما تقدم في 31/ 35.
لطائف الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وهم ما بين مدنيين وبصريين وبغدادي، فجعفر ومن بعده مدنيون، ومن عداهم بصريون إلا يعقوب فبغدادي، وأن شيوخه الثلاثة من الشيوخ الذين اتفق الأئمة الستة بالرواية عنهم من دون واسطة، كما مر غير مرة، وفيه رواية الابن عن أبيه، وفيه جابر أحد المكثرين السبعة روى 1540 حديثًا، وفيه قوله: واللفظ له، أي لفظ الحديث الآتي ليعقوب، وأما الآخران فروياه بمعناه.
شرح الحديث
(قال) محمَّد بن علي بن الحسين الباقر (أتينا جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين) أي لخمس ليال بقين (من) شهر (ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها، والكسر أشهر، والجمع ذوات القعدة، وذوات القَعَدَات، والتثنية ذواتا القعدة، وذواتا القعدتين، فَثَنَّوُا الاسمين، وجمعوهما، وهو عزيز، لأن الكلمتين بمنزلة كلمة واحدة، ولا تتوالى على كلمة علامتا تثنية، ولا جمع. قاله في المصباح.
(وخرجنا) يعني الصحابة (معه حتى إذا أتى ذا الحليفة) ماء من مياه بني جُشَم، ثم سمي به الموضع، وهو ميقات أهل الدينة، نحو مرحلة عنها، ويقال: على ستة أميال، قاله في المصباح (ولدت أسماء بنت عُمَيس) الخثعمية من المهاجرات الأوَل، وأخت ميمونة لأمها، لها ستون حديثا انفرد البخاري بحديث، وروى عنها ابناها: عبد الله، وعون ابنا جعفر، وجماعة، هاجرت مع جعفر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ثم تزوجها أبو بكر، ثم علي، وماتت بعده.
(محمَّد بن أبي بكر) بالنصب مفعول "ولدت"، وهو محمَّد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي، أبو القاسم المدني، ولد عام حجة الوداع، روى عن أبيه مرسلا، وعن أمه أسماء بنت عُمَيس، قدم مصر أميرًا عليها من قبَل علي بن أبي طالب، وجمع له صلاتها وخراجها، فدخل في رمضان سنة 37، وقيل: في صفر سنة 38، قتل يوم المسناة لما انهزم المصريون، وقيل غير ذلك، وكان علي يثني عليه ويفضله، لأنه كانت له عبادة واجتهاد، أفاده في تهذيب التهذيب جـ 9 ص 80 - 81.
(فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف أصنع؟ قال: اغتسلي) أي للنظافة (واستثفري) أي تَلَجَّمي، يقال: استثفر الشخص بثوبه، قال
ابن فارس: اتزر به، ثم رد طرف إزاره من بين رجليه، فغرزه في حُجْزَته من ورائه، واستثفر الكلب بذنبه: جعله بين فخذيه، واستثفرت الحائض، وتلجمت مثله. قاله في المصباح.
(ثم أهلِّي) أي أحرمي، يقال: أهل المحرم رفع صوته بالتلبية عند الإحرام، وكل من رفع صوته فقد أهَلَّ إهلالا.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى في درجته: حديث جابر رضي الله عنه هذا صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له: أخرجه هنا - 184/ 291 - والكبرى -164/ 284 - بالسند المذكور.
وهو بهذا السند، وهذا السياق من أفراد المصنف كما أشار إليه الحافظ أبو الحجاج المزي في تحفة الأشراف جـ 2 ص 278، وأما ما أشار إليه الشيخ الألباني من عزوه إلى صحيح أبي داود، ثم رمز بعده لمسلم، فأراد به أصل القصة لا بهذا اللفظ المختصر من حديث جابر رضي الله عنه، فتأمل.
المسألة الثالثة: في فوائده:
من فوائد هذا الحديث ما ترجم له المصنف وهو الفعل الذي تفعله المرأة النفساء عند الإحرام، وهو الاغتسال، والاستثفار ثم الإهلال.
ومنها: أن النفاس لا يمنع من أعمال الحج إلا الطواف بالبيت، كما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها، لأن حكم النفاس والحيض واحد، ثم إنّ هذا الاغتسال للنظافة لا للطهارة، وسيأتي مزيد البحث
للمسألة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
185 - بابُ دَم الحَيْض يُصيبُ الثَّوْبَ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم دم الحيض الذي يصيب الثوب. وجملة يصيب في محل نصب على الحال، أو في محل جر على أنها نعت لدم الحيض.
292 -
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْمِقْدَامِ ثَابِتٌ الْحَدَّادُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ قَالَ:"حُكِّيهِ بِضِلَعٍ، وَاغْسِلِيهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(عبيد الله بن سعيد) أبو قُدَامة السرخسي، نزيل نَيْسَابور، ثقة ثبت [10] تقدم في 15/ 15.
2 -
(يحيى بن سعيد) القطان البصري، ثقة حجة [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(سفيان بن سعيد) الثوري الكوفي الحجة الثبت [7] تقدم في 23/ 37.
4 -
(أبو المقدام ثابت الحداد) هو ثابت بن هرمز مولى بكر بن وائل الكوفي، روى عن عدي بن دينار، وسعيد بن المسيب، وأبي وائل، وسعيد بن جُبير، وغيرهم.
وعنه الحكم بن عتيبة، والأعمش، ومنصور، وهم من أقرانه.
وثقه أحمد، وابن معين، وقال أبو حاتم: صالح، وروى له (د س ق) حديثا واحدا في الحيض -يعني هذا الحديث- ووثقه أبو داود، وقال الأزدي: يتكلمون فيه، وقال مسلم بن الحجاج في شيوخ الثوري ثابت ابن هرمز، ويقال: هُرَيمز، وقال ابن حبان في الثقات: من زعم أنه ابن هرمز فإنما تَوَرَّع من التصغير، وقال يعقوب بن سفيان: كوفي ثقة، ووثقه ابن المديني وأحمد بن صالح، وزاد: كان شيخا عاليا صاحب سنة، وأخرج له ابن خزيمة وابن حبان حديثه في الحيض في صحيحيهما، وصححه ابن القطان، وقال عقيبه: لا أعلم له علة، وثابت ثقة ولا أعلم أحدا ضعفه غير الدارقطني. اهـ تت.
5 -
(عدي بن دينار) المدني مولى أم قيس بن محصن. روى عن مولاته في دم الحيضة، وأبي سفيان بن محصن. وعنه أبو المقدام ثابت ابن هرمز الحداد، وصالح مولى التوأمة. قال النسائي: ثقة، وذكره ابن
حبان في الثقات. أخرج له أبو داود، والمصنف، وابن ماجه هذا الحديث الواحد
(1)
.
6 -
(أم قيس بنت محصن) الأسدية أخت عُكَاشة. أسلمت بمكة قديما، وهاجرت إلى المدينة.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنها مولاها عدي بن دينار، ومولاها آخر اسمه أبو الحسن، وعبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ بن مسعود، ووابصة ابن معبد الأسدي، وأبو عبيدة بن عبيد بن زمعة، وعمرة أخت نافع
(1)
انظر "تت" جـ 7 ص 167.
مولى حمنة بنت شُجاع. قال الليث: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن، عن أم قيس أنها قالت: توفي ابني، فجَزعْت، فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بماء بارد فتقتله، فانطلق عكاشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقولها فتبسم ثم قال:"طال عمرها" فلا نعلم امرأة عُمِّرَت ما عمرت.
وذكر أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ أن اسمها آمنة. اهـ تت.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين نيسابوري وهو شيخه، وبصري وهو يحيى، وكوفيين، وهما سفيان وثابت، ومدنيين وهما عدي وأم قيس.
ومنها: أن ثابتا وعديّا وأم قيس هذا الباب أول محل ذكرهم.
شرح الحديث
(عن عدى بن دينار) المدني أنه (قال: سمعت أم قيس بنت محصن) بكسر فسكون، واسمها آمنة، وسماها ابن عبد البر جُذَامة الأسدية (أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض، يصيب الثوب، قال) صلى الله عليه وسلم مجيبا عن سؤالها (حُكِّيه) فعْلُ أمر مسندٌ إلى ضمير المؤنثة، ويقال: حَكَكْت الشيء حكًا، من باب قتل: قَشَرْتُه
(1)
. أي اقْشُريه (بضلعَ) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام، أي بعُود، والأصل فيه ضلع الحَيَوان، سمي به العُود الذي يشبهه، وقد يسكن اللام تخفيفا. وقال الأزهري في تهذيبه: هكذا رواه الثقات بكسر الضاد، وفتح اللام فأخبرني المنذري، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي أنه قال: الضلع العود هنا، قال الأزهري: أصل الضلع ضلع الجنب، وقيل للعود الذي فيه
(1)
من بابي: ضرب، وقتل بمعنى: أزلته.
عرض واعوجاج ضلع تشبيها به. وذكر ابن دقيق العيد في الإمام أنه وجده بخطه في روايته من جهة ابن حيويه، عن النسائي:"بصَلع" بفتح الصاد المهملة وسكون اللام
(1)
، وهو الحجر، قال: ووقع في موضع بالضاد المعجمة، ولعله تصحيف، لأنه لا معنى يقتضي تخصيص الضلع بالذكر، وأما الحجر فيحتمل أن يحمل ذكره على غلبة وجوده واستعماله في الحك. اهـ. قال الشيخ ولي الدين العراقي: وفيما قاله نظر، فإنه خلاف المعروف من الرواية والمضبوط في الأصول، ثم إن الحجر يقال له الصلح بضم الصاد وتشديد اللام المفتوحة، كما ذكره الأزهري والجوهري وابن سيده، وضبطه ابن سيد الناس في شرح الترمذي بفتح الصاد المهملة وإسكان اللام، قال: وهو عندهم الحجر، قال ولي الدين: ولم أجد له سلفا في هذا الضبط. انتهى نقله في زهر الربى جـ 1 ص 196.
قال الخطابي: إنما أمر بحكه بالضلع لينقلع المتجسد منه اللاصق بالثوب، ثم تتبعه بالماء لتزيل الأثر. اهـ المنهل جـ 3 ص 235.
(واغسليه بماء وسدر) بكسر، ففتح، أو بكسر، فسكون، جمع سدرة بكسر، فسكون، قال في المصباح: السّدْرة شجرة النَّبق، والجمع سدَر، ثم يجمع على سدَرَات، فهو جمع الجمع، وتجمع السّدْرة أيضا على سدْرات بالسكون حملا على لفظ الواحد، قال ابن السَّراج: وقد يقولون: سدْر -يعني بالسكون- ويريدون الأقل لقلة استعمالهم التاء في هذا الباب، وإذا أطلق السدر في الغسل فالمراد
الوَرق، قال الحجة في التفسير: والسدر نوعان: أحدهما ينبت في
(1)
هكذا ضبطه ابن سيد الناس في شرح الترمذي، وضبطه الأزهري والجوهري وابن سيده بضم الصاد وتشديد اللام المفتوحة وقال ولي الدين: ولم أجد لابن سيد الناس سَلفًا في هذا الضبط. اهـ زهر
الأرْياَف فينتفع بورقه في الغسل، وثمرته طيبة، والآخر ينبت في البر، ولا ينتفع بورقه في الغسل، وثمرته عَفصَةٌ. اهـ عبارة المصباح.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى في درجته: حديث أم قيس رضي الله عنها هذا صحيح قال عبد الحق في الأحكام: الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع والسدر.
قال ابن القطان: وذلك غير قادح في صحة الحديث، فإنه في غاية الصحة ولا نعلمه روي بغير هذا الإسناد، ولا على غير هذا الوجه، فلا اضطراب في سنده، ولا في متنه، ولا نعلم له علة. اهـ زهر جـ 1 ص 196 - 200.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له: ذكره في هذا الباب -185/ 292 - والكبرى -165/ 286 - عن عبيد الله بن سعيد، عن يحيى القطان، عن الثوري، عن أبي المقدام، عن عدي بن دينار عنها. وفي 395 بالسند نفسه، ومثل متنه غير أنه قال:"عن دم الحيضة".
المسألة الثالثة: في ذكر من أخرجه معه: أخرجه (د ق) فأخرجه (د) في الطهارة عن مُسَدَّد، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان الثوري، عن ثابت أبي المقدام، عن عدي بن دينار، عنها. وأخرجه (ق) فيه عن بُنْدَار، عن يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن ابن مهدي، كلاهما عن سفيان، عن ثابت به.
وأخرجه أحمد، وابن خزيمة، وابن حبان.
المسألة الرابعة: في فوائده: من فوائد هذا الحديث نجاسة دم الحيض، ووجوب إزالته، والأمر بحكه بالضّلَع ليَذْهَبَ ما تجسَّدَ منه، ولَصقَ
بالثوب، وغسله بماء وسدر مبالغة في الإنقاء، وقطع أثره، وأن الماء متعين للإزالة، وسيأتي أقوال العلماء في المسألة في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
293 -
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَتْ تَكُونُ فِي حِجْرِهَا: أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَ: "حُتِّيهِ، ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ انْضَحِيهِ، وَصَلِّي فِيهِ".
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(يحيى بن حبيب بن عربي) البصري ثقة -10 - ، تقدم في 60/ 75.
2 -
(حماد بن زيد) البصري، ثقة ثبت -8 - ، تقدم 3/ 3.
3 -
(هشام بن عروة) المدني، ثقة فقيه -5 - ، تقدم في 49/ 61.
4 -
(فاطمة بنت المنذر) بن الزبير الأسديّة زوج هشام بن عروة، وابنة عمه المنذر، رَوَت عن جدتها أسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وعمرة بنت عبد الرحمن، وعنها زوجها هشام، ومحمد بن سوقة، ومحمد بن إسماعيل بن يسار، وقال العجلي: ثقة، قال هشام: كانت أكبر مني بثلاث عشرة سنة فيكون مولدها سنة 48، وذكرها ابن حبان في الثقات وفي "ت" ثقة -3 - . أخرج لها الجماعة.
5 -
(أسماء بنت أبي بكر) زوج الزبير بن العوام.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنها ابناها عبد الله، وعروة ابنا الزبير، وأحفادها عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، وعمه عباد بن عبد الله، وعبد الله بن عروة بن الزبير، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، ومولاها عبد الله بن كيسان، وصفية بنت شيبة، وعبد الله بن عباس، ومسلم المعري، وأبو نوفل بن أبي عقرب، وعبد الله بن أبي مليكة، ووهب بن كيسان وغيرهم.
وكانت تسمى ذات النطاقين، قال الأسود بن سفيان عن أبي نوفل بن أبي عقرب، قالت أسماء للحجاج: كيف تعيره -تعني ابنها عبد الله- بذات النطاقين؟ أجل قد كان لي نطاق لابد للنساء منه، ونطاق أُغَطّي به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال هشام بن عروة عن أبيه: كانت أسماء قد بلغت مائة سنة لم يسقط لها سن، ولم يُنكَر لها عقل، وقال ابن إسحاق: أسلمت بعد سبعة عشر إنسانا، وهاجرت إلى المدينة وهي حامل بابنها عبد الله، وماتت بمكة بعد قتله بعشرة أيام، وقيل بعشرين يوما، وذلك في جمادى الأولى سنة 73 أخرج لها الجماعة.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء، وأنهم مدنيون إلا يحيى، وحمادا فبصريان، وفيه رواية الرجل عن زوجته، والبنت عن أمها، وهي جدتهما معا، وتابعي، عن تابعية، عن صحابية.
شرح الحديث
(عن فاطمة بنت المنذر، عن) جدتها (أسماء بنت أبي بكر) رضي الله عنهما (وكانت) أي فاطمة (تكون) قال السندي: "تكون" زائدة.
قال الجامع عفا الله عنه: بل الأولى أنها تامة، لأن زيادتها بلفظ المضارع شاذ، وإنما الفصيح زيادتها بلفظ الماضي كما قال ابن مالك:
وَقَدْ تُزَادُ كَانَ في حَشْو كَمَا
…
كَانَ أصَحَّ علْمَ مَنْ تَقَدَّمَا
ومعنى "تكون": توجد، وتعيش (في حجْرها) أي حجر أسماء، حيث إنها جدتها أم أبيها.
وحجر الإنسان: بالفتح، وقد تكسر: حضنه، وهو ما بين إبطه إلى الكشح، وهو في حجره أي كفالته وحمايته، والجمع حجور
(1)
.
والمعنى أن فاطمة كانت تعيش في كفالتها وتربيتها (أن امرأة) قد وقع في رواية الشافعي، عن سفيان بن عيينة، عن هشام، في هذا الحديث:"أن أسماء هي السائلة". وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل، وهي صحيحة الإسناد، لا علة لها، ولا بعد في أن يُبهم الراوي اسم نفسه، كما وقع ذلك في حديث أبي سعيد الخدري في قصة الرقية بفاتحة الكتاب، وهو في البخاري وغيره، أفاده الحافظ
(2)
.
قال الجامع عفا الله عنه: ويحتمل أن تكون السائلة هي أم قيس المتقدمة، ولا يبعد أن تتعدد الواقعة، فرواية الشافعي بينت واقعة، وهذه الرواية بينت واقعة أخرى والله أعلم.
(استفتت النبي صلى الله عليه وسلم) أي طلبت منه الفتيا -بالضم- وهو بيان الأحكام (عن دم الحيض) أي عن حكمه (يصيب الثوب) جملة حالية من دم الحيض، لأن القاعدة أن الجُمَلَ بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات، ويحتمل أن تكون صفة له في محل جر على اعتبار إضافته جنسية، كما في قوله:(من الوافر)
وَلقَدْ أمُرُّ عَلَى اللَّئيم يَسُبُّني
…
فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ: لَا يَعْنيني
وعند البخاري: فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف
(1)
المصباح المنير.
(2)
الفتح: جـ 1 ص 395.
تصنع؟ (فقال:) جوابا عن سؤالها (حُتِّيه) فعل أمر مسند إلى المؤنثة الواحدة من حَتّ الشيء عن الثوب وغيره يَحُتُه حَتّا من باب نصر: فَرَكَه وقَشَره، فانحات، وتَحَاتَّ، وفي المنتهى الحت: حك الورق من الشجر والمني والدم ونحوهما من الثوب وغيره، هو دون النحت، وعن ابن طريف: حت الشيء: نقضه، وقيل: معناه: حكه. وكذا وقع في رواية ابن خزيمة، أفاده البدر العيني
(1)
.
وقال ابن منظور: معناه: حُكّيه، وأزيليه، والحت، والحك، القشر سواء.
(2)
(ثم اقرصيه يالماء) أي اغسليه بأطراف الأصابع، مع عن الماء، فالباء بمعنى "مع" وقال الفّيومي: قَرَصْتُ الشيءَ، قَرْصًا، من باب "قتل": لويت عليه بأصبعين. وقال الزمخشري: قَرصَه بظفريه: أخذ جلده بهما، فالقرص: الأخذ بأطراف الأصابع. وقال الجوهري: القرص: الغسل بأطراف الأصابع، وقيل: هو القَلْع بالظفر ونحوه
(3)
.
وقال ابن منظور: القرص: الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره، والتقريص مثله، يقال: قَرَصْتُهُ، وقَرّصْتُهُ، وهو أبلغ في غسل الدم من غسله بجمع اليد
(4)
.
وعند البخاري: "ثم تقرصه بالماء" قال الحافظ رحمه الله: قوله: "ثم تقرصه" بالفتح وإسكان القاف، وضم الراء والصاد المهملتين، كذا وقع في روايتنا، وحكى القاضي عياض وغيره فيه الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة: أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك، ويخرج ما تشربه الثوب منه
(5)
.
(1)
عمدة القاري جـ 3 ص 139.
(2)
لسان.
(3)
المصباح المنير.
(4)
لسان العرب.
(5)
فتح جـ 1 ص 395.
وسئل الأخفش عنه، فضم أصبعيه الإبهام والسبابة، وأخذ شيئا من ثوبه بهما، وقال: هكذا تفعل بالماء في موضع الدم.
وورد في رواية ذكر الغسل مكان القرص، وروى ذلك الشيخ تقي الدين من رواية محمَّد بن إسحاق بن يسار، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألته امرأة عن دم الحيف يصيب ثوبها، فقال لها:"اغسليه" وأخرجه الشافعي من حديث سفيان عن هشام، عن فاطمة، عن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب، فقال:"حتيه ثم اقرصيه بالماء، ورشيه وصلي فيه" وابن أبي شيبة بلفظ: "اقرصيه بالماء، واغسليه وصلي فيه" وأخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجَهْ، وابن خزيمة، وابن حبان من حديث أم قيس بنت محصن:"أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيضة يصيب الثوب، فقال: "حكيه بضلَع، واغسليه بماء وسدر" قال ابن القطان: إسناده في غاية الصحة، ولا أعلم له علة
(1)
.
قال الجامع: تقدم الكلامُ مستَوفى قبل حديث أسماء برقم [292].
(ثم انضحيه) أي اغسليه، كما قال الخطابي، وقال القرطبي: المراد به الرش، لأن غسل الدم استفيد من قوله:"اقرصيه بالماء" وأما النضح فهو لما شكت فيه، وما قاله الخطابي أولى لأن المراد بالقرص بالماء هو
التحليل للدم حتى يخرج ما تشربه الثوب منه ثم يغسل، فيكون أبلغ في التنظيف.
والحاصل: أن قوله: "حتيه" المر اد به الفرك يابسا، وقوله:"اقرصيه بالماء" الدلك مع صب الماء ليتحلل، وقوله:"انضحيه" الغسل غسلا تاما حتى يتحقق زوال أثره بالكلية، وقد اختلفت الروايات
(1)
نيل الأوطار جـ 1 ص 96.
كما سبق، ففي بعضها "الحت، ثم القرص، ثم الرش" وفي بعضها: "القرص، ثم الغسل" وفي بعضها: "الحك، ثم الغسل بماء وسدر" ولا تنافي بينها، لأن المقصود بذلك المبالغة في الإزالة. والله أعلم.
(ثم صلي فيه) أي في ذلك الثوب الذي طهر على الكيفية المذكورة.
وهو أمر إباحة، لأنه لا يجب عليها أن تصلي في ذلك الثوب إذا كان لها ثوب غيره والله أعلم.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى في درجته: حديث أسماء رضي الله عنها هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف: أخرجه هنا [293]، وفي [294] والكبرى-165/ 285 بالسند المذكور.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه الجماعة، فأخرجه (خ) في الطهارة عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، وعن أبي موسى، عن يحيى. وأخرجه (م) فيه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن وكيع، وعن محمَّد بن حاتم، عن يحيى، وعن أبي كريب عن عبد الله بن نمير، وعن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، عن ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، ومالك، وعمرو بن الحارث. وأخرجه (د) فيه عن القعنبي، عن مالك، وعن مسدد، "عن حماد بن زيد، وعيسى بن يونس- وعن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة. وأخرجه (ت) فيه عن محمَّد بن يحيى بن أبي عمر، عن سفيان عشرتهم عن هشام بن عروة عن فاطمة عنها. وأخرجه (ق)
فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر، عن هشام بن عروة، به.
وأخرجه أحمد، والشافعي، وابن أبي شيبة، وابن خزيمة، وابن حبان، كما مر قريبًا.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: نجاسة دم الحيض، وهي مسألة إجماعية، كما قاله النووي.
ومنها: أنه لا يعفى عن يسيره وإن قل، لعموم النص.
ومنها: أن طهارة السترة شرط لصحة الصلاة.
ومنها: أن هذه النجاسة، وأمثالها لا يعتبر فيها تراب ولا عدد.
ومنها: أن الماء متعين في إزالة النجاسة، وهو قول الجمهور، وفيه خلاف يأتي تحقيقه قريبًا إن شاء الله.
ومنها: أن المرأة تصلي في الثوب الذي تحيض فيه، وإن أصابه دم الحيض إذا غسلته فلا يلزمها إعداد ثوب آخر للصلاة. والله أعلم.
المسألة الخامسة: في ذكر مذاهب العلماء في تعين الماء لإزالة النجاسة وعدمه:
ذهب جمهور العلماء إلى أن النجاسات لا تزال إلا بالماء.
وذهب بعضهم إلى أنها تطهير بكل مائع طاهر، وبه يقول أبو حنيفة، وأبو يوسف، واحتجوا بقول عائشة:"ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها، فقصعته بظفرها" رواه البخاري وغيره.
وأجيب بأنها ربما فعلت ذلك تحليلا لأثره، ثم غسلته بعد ذلك.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله: والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا وسنة وصفا مطلقا غير مقيد، لكن القول بتعيينه وعدم
إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل، وفرك المني وحته، وإماطته بإذخرة، وأمثال ذلك كثيرة، ولم يأت دليل يقضي بحصر التطهير في الماء، ومجرد الأمر به في بعض النجاسات لا يستلزم الأمر به مطلقا، وغايته تعيينه في ذلك المنصوص بخصوصه إن سلم.
فالإنصاف أن يقال: إنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسة المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، إن كان فيه إحالة على فرد من أفراد المطهرات، لكن إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول عنه إلى غيره للمزية التي اختص بها، وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات، بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع، وغيره مشكوك فيه، وهذه طريقة متوسطة بين القولين، لا محيص عن سلوكها.
فإن قلت: مجرد وصف الماء بمطلق الطهورية لا يوجب له المزية، فإن التراب يشاركه في ذلك. قلت: وصف التراب بالطهورية مقيد بعدم وجدان الماء بنص القرآن، فلا مشاركة بذلك الاعتبار. انتهى كلام الشوكاني في نيل الأوطار جـ 1 ص 70.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الشوكاني رحمه الله هو التحقيق الحقيق بالقبول، لكن تمثيله بفرك المني وحته مبني على ما رجحه هو من أن المني نجس، وسيأتي لنا ترجيح خلافه في الباب التالي إن شاء الله تعالى، فتأمل بإنصاف، ولا تتخير بالاعتساف، والله الهادي إلى سواء السبيل.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
186 - بابُ المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم المني الذي يصيب الثوب.
والمني: فَعيل بمعنى مفعول، تقدم الكلام عليه في 130/ 193.
وجملة "يصيب الثوب" في محل نصب على الحال من "المني"، أو في محل جر صفة له، كما تقدم الكلام في الباب الماضي عند قوله:"عن دم الحيض يصيب الثوب".
294 -
أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي كَانَ يُجَامِعُ فِيهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(عيسى بن حماد) زُغْبَةُ، أبو موسى الأنصاري المصري، ثقة -10 - تقدم في 135/ 311.
2 -
(الليث) بن سعد، إمام أهل مصر ثقة حجة فقيه -7 - تقدم في 31/ 35.
3 -
(يزيد بن أبي حبيب) أبو رجاء المصري ثقة فقيه -5 - تقدم في 134/ 207.
4 -
(سُويد بن قيس) التُّجيبيّ المصري، رَوَى عن معاوية بن حُديج، وابنه عبد الرحمن بن معاوية، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص وغيرهم. وعنه يزيد بن أبي حبيب.
قال النسائي: ثقة، وقال ابن يونس: كانت له من عبد العزيز بن مروان منزلة. وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه يعقوب بن سفيان. أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
(1)
وفي "ت"
مصري ثقة -3 - .
5 -
(معاوية بن حديج) -بحاء مهملة، ثم جيم مصغرا- بن جَفْنَةَ ابن قُتَيَرَةَ بن حارثة بن عبد شمس التجيبي الكندي، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نعيم المصري، مختلف في صحبته. رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وأبي ذر، ومعاوية، وعبد الله بن عمر. وروى عنه ابنه عبد الرحمن، وسويد بن قيس التجيبي، وسلمة بن أسلم الربعي، وصالح بن حُجير، وعبد الرحمن بن شُماسة، وعرفطة بن عمرو، وعبد الرحمن بن مالك الشيباني، وعلي بن رباح. ذكره ابن سعد في تسمية من نزل مصر من الصحابة. قال: وكان عثمانيا. وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال: إن أباه كان صحابيا. وقال المفضل الغلابي: لمعاوية صحبة، وكذا أثبت صحبته البخاري، وأبو حاتم،
وابن البرقي. وقال ابن يونس: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد فتح مصر، وكان الوافد على عمر بفتح الإسكندرية، وذهبت عينه يوم دَنْقَلَةَ من بلاد النَّوْبَة مع ابن أبي السرح، وولي الإمرة على غزو المغرب مرارًا،
(1)
تت جـ 4 ص 279.
آخرها سنة 50، وتوفي سنة 52، وقال البخاري: مات قبل عبد الله ابن عمرو بن العاص. قال الحافظ: وقد ذكره ابن حبان في الصحابة أيضا، وقال الأثرم، وحرب بن إسماعيل عن أحمد: ليس لمعاوية صحبة. وقال ابن عبد الحكم: قال بعضهم: ليست له صحبة، واحتجوا بما حدث يوسف بن عدي، حدثنا ابن المبارك، عن ابن لَهيعَة، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح: سمعت معاوية بن حديج يقول: هاجرنا على عهد أبي بكر فبينا نحن عنده .. فذكر قصة. وذكره يعقوب بن سفيان في الثقات من تابعي أهل مصر.
(1)
أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
والحاصل أنه مختلف في صحبته، والأكثرون على أنه صحابي. والله أعلم.
6 -
(معاوية بن أبي سفيان) صَخْر بن حَرْب بن أُمَيَّة بن عبد شمس أبو عبد الرحمن الأموي، أسلم يوم الفتح، وقيل: قبل ذلك. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر، وعمر، وأخته أم حبيبة. وعنه جرير بن عبد الله البجلي، والسائب بن يزيد الكندي، وابن عباس، ومعاوية بن حديج، ويزيد بن جارية، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وعيسى بن طلحة، وأبو مجْلَز، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن جبير بن مطعم، وآخرون. ولّاه عمر بن الخطاب الشام بعد أخيه يزيد، فأقره عثمان مدة ولايته، ثم ولي الخلافة. قال ابن إسحاق: وكان معاوية أميرا عشرين سنة، وقال يحيى بن بكير، عن الليث: توفي في رجب لأربع بقين منه سنة 60، وقال الوليد بن مسلم: مات في رجب سنة 60، وكانت خلافته 19 سنة ونصفا، وقيل: مات 59، وقيل:
(1)
تت جـ 10 ص 202.
مات وهو ابن 78، وقيل: ابن 86
(1)
. أخرج له الجماعة.
7 -
(أم حبيبة) بنت أبي سفيان، اسمها رملة رضي الله عنها تقدمت في 122/ 180.
لطائف هذا الإسناد
مئها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم مصريون إلا معاوية فمدني، ثم شامي، وأم حبيبة فمدنية.
ومنها: أن فيه رواية صحابي، عن صحابي، عن صحابية بناء على القول الراجح في ثبوت الصحبة لمعاوية بن حُدَيج.
ومنها: رواية الراوي عن أخته.
ومنها: أن سويدا، وابن حديج، وابن أبي سفيان هذا أول حديث ذكروا فيه من هذا الكتاب.
شرح الحديث
(عن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب الأموي رضي الله عنهما (أنه سأل) أخته (أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) بنصب زوج بدلا من أم حبيبة، ويجوز رفعه خبرًا لمبتدإ محذوف، أي هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها وهي في الحبشة مهاجرة مع زوجها عبيد الله بن جحش، ومات هناك بعد أن ارتد، فتزوجها صلى الله عليه وسلم، زَوَّجَهَا النجاشي له، فقَدمت في السنة السابعة من الهجرة عامَ خيبر، كما قال الحافظ العراقي في ألفية السيرة:
في السَّبْع خَيْبرٌ وَعُمْرَةُ الْقَضَا
…
وَقَدمَتْ أمُّ حَبيبَةَ الرِّضَا
(1)
تت جـ 1 ص 202.
بنَى بهَا وَبَعْدَهَا مَيْمُوَنةُ
…
كَذَاكَ فيهَا قَبْلَهاَ صَفيَّةُ
(هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الدي كان يجامع فيه؟ قالت: نعم) يصلي فيه (إذا لم ير فيه أذى) أي أثر مني، أو نحوه.
واستدل به من كان يرى نجاسة النبي. قال الحافظ في الفتح في شرح حديث ميمونة رضي الله عنها، عند قولها:"وغسل فرجه وما أصابه من الأذى" ما نصه: وأبعد من استدل به على نجاسة المني، أو على نجاسة رطوبة الفرج، لأن الغسل ليس مقصورا على إزالة النجاسة. انتهى
(1)
.
قال الجامع: سيأتي تحقيق الخلاف في المسألة إن شاء الله تعالى في المسألة الخامسة.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أم حبيبة رضي الله عنها هذا صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكره عند المصنف: أخرجه هنا 186/ 294 - والكبرى-166/ 287 - بهذا السند فقط.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه مع المصنف: أخرجه (د ق) فأخرجه (د) في الطهارة بسند المصنف، وأخرجه (ق) فيه عن محمَّد بن رمح، عن الليث بالسند المذكور.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: جواز الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه الرجل زوجته إذا لم ير فيه أذى.
(1)
فتح جـ 1 ص 432.
ومنها: نجاسة المني عند القائل به.
ومنها: أنه يُطلَب من المصلي تجنب الأذى في صلاته.
ومنها: أنه يطلب العمل بالأصل حتى يُتَيَقَّنَ خلافُه، ولا عبرة بالظن الطارئ والله أعلم.
المسألة الخامسة: في مذاهب أهل العلم في حكم المني:
ذكر الإمام النووي رحمه الله في المجموع ما حاصله: أن المني طاهر عند الشافعية، وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد، وحكاه
العبدري وغيره عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم.
وقال الثوري، والأوزاعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأصحابه: إنه نجس، لكن عند أبي حنيفة يُجزئ فركه يابسا، وأوجب الأوزاعي، ومالك غسله يابسا ورطبا.
واحتُجَّ لمن قال بنجاسته بحديث عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل النبي" رواه مسلم، وفي رواية:"كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم:"أنها قالت لرجل أصاب ثوبه مني فغسله كله: إنما كان يجزيك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تره نضحت حوله، لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه".
وذكر أحاديث كثيرة ضعيفة منها: حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يأمر بحت المني، قالوا: وقياسا على البول والحيض، ولأنه يخرج من مخرج البول، ولأن المذي جزء من المني لأن الشهوة تحلل كل واحد منهما فاشتركا في النجاسة.
واحتج من قال بطهارته بحديث فركه، ولو كان نجسا لم يكف فركه كالدم والمذي وغيرهما
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: ولو كان نجسا الخ، فيه نظر، لأن النجاسة لا يجب دائما غسلها، بل أحيانا يخفف في إزالتها كما في حديث مسح النعل، فالأولى في منع الاستدلال بحديث الفرك أنه مجرد
فعل فلا يقتضي الوجوب، كما يأتي تحقيقه في كلام العلامة ابن حزم إن شاء الله.
قال النووي رحمه الله: وأجيب عن قولهم بالقياس على البول والدم بأن المني أصل الآدمي المكرم فهو بالطين أشبه بخلافهما، وعن قولهم: يخرج من مخرج البول بالمنع، بل سيرهما مختلف، ولو ثبت أنه يخرج من مخرج البول لم يلزم منه النجاسة، لأن ملاقاة النجاسة في الباطن لا تؤثر، وإنما يؤثر ملاقاتها في الظاهر، قال الله تعالى:{مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} النحل الآية -65 - فلم يكن خروج اللبن من بين الفرث والدم منجسا له.
وعن قولهم: الذي جزء من المني بالمنع أيضا، بل مخالف له في الاسم والخلقة وكيفية الخروج، لأن النفس والذكر يفتران بخروج المني، وأما المذي فعكسه.
(1)
المجموع جـ 2 ص 554.
وقال العلامة المجتهد أبو محمَّد ابن حزم رحمه الله في كتابه "المحلى":
والمني طاهر في الماء كان أو في الجسد، أو في الثوب، ولا تجب إزالته، والبصاق مثله، ولا فرق.
ثم أخرج بسنده إلى عائشة رضي الله عنها: "أنها أرسلت إلى ضيف لها تدعوه، فقالوا: هو يغسل جنابة في ثوبه، قالت: ولم يغسله؟ لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم" فأنكرت رضي الله عنها غسل المني.
وأخرج أيضا بسنده عن طريق مسلم حديث عبد الله بن شهاب الخولاني قال: "كنت نازلا على عائشة فاحتلمت في ثَوبَيَّ، فغمستهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثت إليَّ عائشة: "ما حَمَلَك على ما صنعت بثوبيك؟ قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه، قالت: هل رأيت فيهما شيئا؟ قلت: لا، قالت: فلو رأيت شيئا غسلته، لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري"، وفي هذه الرواية ردّ على من قال: إنها تفركه بالماء، كما قال ابن حزم.
وأخرج بسنده أيضا إلى عائشة أنها قالت: "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه".
قال: وصح عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يفرك المني من ثوبه، وصح عن ابن عباس في المني يصيب الثوب: هو بمنزلة النخام والبزاق امسحه بإذخرة، أو بخرقة ولا تغسله إن شت إلا أن تقذره، أو تكره أن يُرى في ثوبك.
قال أبو محمَّد بعد ذكر ما احتج به القائلون بنجاسته نحو ما تقدم عن النووي ما نصه:
وهذا لا حجة لهم فيه، وإذا تنازع الصحابة رضي الله عنهم فليس بعضهم أولى من بعض، بل الرد حينئذ واجب إلى القرآن والسنة.
وأما حديث سليمان بن يسار عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني، وكنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فليس فيه أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله ولا بإزالته، ولا بأنه نجس، وإنما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسله، وأن عائشة كانت تغسله، وأفعاله صلى الله عليه وسلم ليست على الوجوب.
ثم ذكر بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فحكها بيده، ورئي كراهيته لذلك.
قال أبو محمَّد: فلم يكن هذا دليلا عند خصومنا على نجاسة النخامة، وقد يغسل المرء ثوبه مما ليس نجسا.
وأما حديث سفيان- يعني حديث أبي حذيفة، عن سفيان الثوري، مرة قال: عن الأعمش، ومرة قال: عن منصور، ثم استمر عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عائشة في المني:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بحته" فإنما انفرد به أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي بصري ضعيف مُصَحِّف كثير الخطأ، روى عن سفيان البواطل. قال أحمد بن حنبل فيه: هو شبه لا شيء، كأن سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة ليس سفيان الذي يحدث عنه الناس
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث الذي ضعفه ابن حزم هو ضعيف كما قال، وإن حاول العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المُحَلَّى في تصحيحه، وصرح قبله الحافظ به في التلخيص.
ففي تصحيحه نظر لا يخفى، فإن هذا الحديث أخرجه مسلم من هذا
(1)
المحلى جـ 1 ص 125 - 127.
الوجه بلفظ: "لقد رأيتني أحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفر" فجعله من فعل عائشة، وليس من أمره صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر الأمر أبو حذيفة فقط مخالفًا لرواية الحفاظ، وهو كما قال في التقريب: صدوق سيء الحفظ وكان يُصَحِّف، فمن سوء حفظه أنه صحف هذا الحديث مخالفا للحفاظ، فمن أين التصحيح؟ فتبصر.
ومما يدل على طهارته ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الصلاة، فقد أخرج ابن خزيمة والدارقطني، والبيهقي، وابن الجوزي من حديث محارب بن دثار، عن عائشة، قالت:"ربما حتته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي" لفظ الدارقطني، ولفظ ابن خزيمة:"أنها كانت تحت المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي" ولابن حبان أيضا من حديث الأسود بن يزيد عن عائشة، قالت:"لقد رأيتني أفرك المني من ثوب رسول الله وهو يصلي" فلو كان نجسا لما صلى فيه
(1)
.
ومما يؤيد طهارته أيضا ما أخرجه الدارقطني، والبيهقي، من طريق إسحاق الأزرق عن شريك، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب، قال:"إنما هو بمنزلة المخاط، والبصاق" وقال: "إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة" ورواه الطحاوي من حديث حبيب ابن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا، ورواه هو والبيهقي من طريق عطاء، عن ابن عباس موقوفا، قال البيهقي: الموقوف هو الصحيح
(2)
.
وقال أبو بكر بن المنذر رحمه الله تعالى: المني طاهر، ولا أعلم
(1)
و
(2)
التلخيص جـ 1 ص 32.
دلالة من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع يوجب غسله
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يترجح لديّ قول من قال بطهارة المني لقوة دليله، وقد أطال الشوكاني الكلام في هذا البحث، ورجح القول بنجاسته
(2)
، لكنه ما أتى بحجة مُقنعة. فتأمل بإنصاف، ولا تتحير بالتقليد الأعمى والاعتساف. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
فائدتان:
الأولى: أخرج البزار وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما، وابن عدي في الكامل، والدارقطني، والبيهقي، والعقيلي في "الضعفاء" وأبو نعيم في الحلية من حديث عمار بن ياسر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بعمار. فذكر قصة، وفيها "إنما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني، والمذي والدم، والقيء، يا عمار ما نخامتك، ودموع عينيك، والماء الذي في ركوتك إلا سواء" وفيه ثابت بن حماد، عن علي بن زيد بن جُدْعان، وضعفه الجماعة المذكورون كلهم إلا أبا يعلى بثابت بن حماد، واتهمه بعضهم بالوضع، وقال اللالكائي: أجمعوا على ترك حديثه، وقال البزار: لا نعلم لثابت إلا هذا الحديث، وقال الطبراني: تفرد به ثابت بن حماد، ولا يُروى عن عمار إلا بهذا السند، وقال البيهقي: هذا حديث باطل، إنما رواه ثابت بن حماد، وهو متهم بالوضع.
قال الحافظ: رواه البزار والطبراني من طريق إبراهيم بن زكريا العجلي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، لكن إبراهيم ضعيف، وقد غلط فيه، إنما يرويه ثابت بن حماد
(3)
.
قال الجامع: وعلي بن زيد ضعيف أيضا.
(1)
الأوسط جـ 2 ص 160.
(2)
نيل جـ 1 ص 91 - 92.
(3)
التلخيص جـ 1 ص 32 - 33.
الثانية: رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في المني: "اغسليه رطبا وافركيه يابسا". قال ابن الجوزي في التحقيق: هذا الحديث لا يعرف بهذا السياق، وإنما نقل أنها كانت تفعل ذلك، رواه الدارقطني وأبو عوانة في صحيحه، وأبو بكر البزار كلهم من طريق الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، قالت:"كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا وأغسله إذا كان رطبا" وأعله البزار بالإرسال عن عمرة
(1)
.
قال الجامع: فظهر بهذا أن الأمر بغسله لا أصل له كما قال الحافظ رحمه الله، والأمر بحته فقد مر قريبا كونه ضعيفا، فتبصر، وبالله التوفيق.
(والحاصل): أن الراجح طهارة المني. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
المصدر نفسه
187 - بَابُ غَسْل المَنيِّ من الثَّوْبِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على مشروعية غسل المني من الثوب.
295 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ لَفِي ثَوْبِهِ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(سويد بن فصر) بن سويد المروزي، أبو الفضل لقبه الشاه، ثقة، راوية ابن المباوك، [10]، تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله) بن المبارك أبو عبد الرحمن المروزي الإمام الحجة الثبت الفقيه الفاضل [8] تقدم في 32/ 36.
3 -
(عمرو بن ميمون) بن مهْران الجزري، أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن الرّقّي، أمه أم عبد الله بنت سعيد بن جبير، روى عن أبيه، وسليمان بن يسار، وأبي حاضر عثمان بن حاضر، والشعبي، وأبي قلابة، ونافع مولى ابن عمر، وغيرهم.
وعنه ابنه عبد الله، وابن أخيه بزيع الرقّي، وابن أخيه أيضا عبد الحميد بن عبد الحميد بن ميمون، ومحمد بن إسحاق، وهو من
أقرانه، والثوري، وابن المبارك، وآخرون.
قال الميموني: قال لي أحمد: جدك عمرو بن ميمون ليس به بأس، وقال ابن معين: ثقة، وقال ابن خراش: شيخ صدوق، وقال ابن سعد: كان ثقة، إن شاء الله تعالى، وقال الميموني: سمعت أبي يصف عمرو بن ميمون بالقرآن والنحو، قال: ما سمعت عمرا يغتاب أحدا قط، قال: وسمعته يقول: لو علمت أنه بقي عليَّ حرف من السنة باليمن لأتيتها. مات سنة 147، وقيل: 148، وقال أبو الحسن الميموني: سمعت أبي يقول: وَجَّه ميمون بن مهْران عمرا إلى عمر بن عبد العزيز يستعفيه من ولاية الجزيرة فلم يُعْفه، وولّى عمرًا البريدَ، قال: وقال أبي: مات بالكوفة. وقال هلال بن العلاء: مات بالرَّقّة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والمصنف هذا الحديث في غسل المني، ووثقه ابن حبان، والنسائي، وابن نمير، وغيرهما
(1)
.
4 -
(سليمان بن يسار) أحد الفقهاء السبعة المدني ثقة فقيه [3] تقدم في 112/ 156.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها، تقدم في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته.
ومنها: أن رواته كلهم ثقات.
ومنها: أنهم ما بين مروزيين، وهما سويد، وعبد الله، وجزري وهو عمرو، ومدنيين، وهما سليمان، وعائشة.
ومنها: أن سليمان أحد الفقهاء السبعة.
(1)
تت جـ 8 ص 108 - 109.
ومنها: أن عائشة من المكثرين السبعة روت 2210 حديثًا.
ومنها: أن عَمرًا هذا البابُ أولُ محلّ ذكره من هذا الكتاب.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: كنت أغسل الجنابة) على حذف مضاف أي أثر الجنابة، أو مُوجبَ الجنابة، أو هي مجازعنه تسميةً للشيء باسم سببه؛ لأن وجوده سبب لبعده عن الصلاة ونحوها (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة) أي من الحُجْرة إلى المسجد لأجل الصلاة (وإنَّ بُقَعَ الماء) بضم الباء الموحدة، وفتح القاف، وبالعين المهملة - جمع بُقْعَة، كالنُّطَف والنُّطفَة. والبقعة في الأصل: قطعة من الأرض يخالف لونها لون ما يليها.
قال بعضهم: يريد بالبقعة الأثر، قال أهل اللغة: البُقَع اختلاف اللونين، والمراد به هنا أثر الماء (لفي ثوبه) أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، واللام هي لام الابتداء التي تصحب خبر "إن" المكسورة، كما قال ابن مالك:
وَبَعْدَ ذَات الكَسْر تَصْحَبُ الخَبَرْ
…
لامُ ابْتدَاء نَحْوُ إنِّي لوَزَرْ
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها هذا حديث متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند الصنف: أخرجه هنا -295/ 187 - والكبرى -167/ 288 - بالسند المذكور.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ) في الطهارة عن موسى بن إسماعيل، ومسدد كلاهما عن عبد الواحد بن زياد - وعن عبدان، عن عبد الله بن المبارك - وعن قتيبة عن يزيد - وعن عمرو بن
خالد، عن زهير - أربعتهم عن عمرو بن ميمون بن مهْران الجزري، عن سليمان بن يسار، عن عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه (م) فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمَّد بن بشر - وعن أبي كامل الجَحْدري، عن عبد الواحد بن زياد - وأبي كريب، عن ابن المبارك - ويحيى بن أبي زائدة - أربعتهم عن عمرو بن ميمون به.
وأخرجه (د) فيه عن النفيلي، عن زهير به، وعن محمَّد بنُ عبَيد البصري، عن سليم بن أخضر، عن عمرو بن ميمون به.
وأخرجه (ت) فيه عن أحمد بن منيع، عن أبي معاوية، عن عمرو ابن ميمون نحوه، وقال: حسن صحيح.
وأخرجه (ق) فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبدة بن سليمان، عن عمرو بن ميمون، قال: سألت سليمان بن يسار .. فذكره.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: جواز خدمة المرأة زوجها في غسل ثوبه ونحو ذلك، وهو من حسن العشْرَة، وجَميل الصحبة.
ومنها: جواز نقل أحوال الشخص المُقتَدَى به، وإن كان مما يُستحى من ذكره عادةً.
ومنها: خروج المصلي للمسجد بثوبه الذي غسل منه المني قبل جفافه.
ومنها: العناية بإزالة المني من الثوب، وقد تقدم الخلاف هل هو للوجوب، أو للاستحباب في الباب السابق. وبالله التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
188 - بَابُ فَرْكِ المَنِيِّ مِنَ الثَّوْبِ
أي هذا باب ذكر الأحاديث الدالة على مشروعية فرك المني من ثوب الشخص.
والفرك: بفتح فسكون مصدر، يقال: فركته عن الثوب فركا، من باب قتل، مثل حَتَتُّه، وهو أن تحكه بيدك حتى يتَفَتَّتَ، ويَتَقَشَّرَ، قاله في المصباح.
296 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَفْرُكُ الْجَنَابَةَ -وَقَالَتْ مَرَّةً أُخْرَى الْمَنِيَّ- مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(قتيبة) بن سعيد أبو رجاء الثقفي البغلاني ثقة ثبت [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(حماد) بن زيد أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت من [8] تقدم في 3/ 3.
3 -
(أبو هاشم) الرُّمَّاني
(1)
الواسطي، اسمه يحيى بن دينار،
(1)
بضم الراء، وكان نزل قصر الرُّمَّان. خلاصة.
وقيل: الأسود، وقيل: ابن نافع، رأى أنسا، وروى عن أبي وائل، وأبي مجْلَز، وأبي العالية، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وغيرهم.
وعنه منصور بن المعتمر، وهو من أقرانه، والثوري، وشعبة، وقيس بن الربيع، والحمادان، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: كان فقيها صدوقا، وذكره ابن سعد في تسمية من كان بواسط من الفقهاء والمحدثين، وقال: كان صدوقا، وذكره ابن حبان في الثقات، قال عبد الحميد بن بيان الواسطي: عن أبيه، مات سنة 122، وقال ابن منجويه: مات سنة 145.
وقال ابن حبان في الثقات: أبو هاشم الرماني: اسمه يحيى بن أبي الأسود، واسم أبي الأسود بشر، وقيل: دينار، كان يخطئ، يعتبر حديثه إذا كان من رواة الثقات، لا من رواة الضعفاء، لأنه صدوق لم
يكن سبب مُوهن به غير الخطأ، والخطأ متى لم يفحش لم يستحق صاحبه الترك، وقال ابن عبد البر: لم يختلفوا في أن اسمه يحيى، وأجمعوا على أنه ثقة. أخرج له الجماعة
(1)
.
4 -
(أبو مجلز) - بكسر الميم وسكون الجيم، وفتح اللام آخره زاي- لاحق بن حميد بن سعيد، ويقال: ابن شعبة بن خالد بن كثير بن حبيش بن عبد الله بن سَدُوس السدوسي البصري الأعور، قَدمَ خُرَاسان.
رَوَى عن أبي موسى الأشعري، والحسن بن علي، ومعاوية، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب، وابن عباس، وغيرهم. وعنه قتادة، وأنس بن سيرين، وأبو التياح، وأبو هاشم الرُّمَّاني، وعمران ابن حدير، وآخرون.
وثقه العجلي، وابن خرَاش، وابن سعد، وأبو زرعة، وعن ابن
(1)
تت جـ 12 ص 261 - 262.
معين: مضطرب الحديث، وذكر أنه لم يسمع من حذيفة، وقال ابن المديني: لم يَلْقَ سَمُرَة، ولا عمران بن حُصيَن. قال شعبة: تجيء عنه أحاديث كأنه شيعي، وأحاديث كأنه عثماني. أخرج له الجماعة. مات سنة [100]، وقيل:[101] وقيل: [106]، وقيل:[109]، قال ابن عبد البر: ثقة عند جميعهم
(1)
.
5 -
(الحارث بن نوفل) بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي الصحابي رضي الله عنه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة. وعنه ابنه عبد الله، وابن ابنه الحارث بن عبد الله، وأبو مجلز. قال الزبير: نوفل أسن ولد أبيه، وكان له من الولد الحارث، وبه يكنى، وهو أكبر ولده، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أعمال مكة، وانتقل إلى البصرة، واختَطَّ بها دارا، وقال أبو حاتم: مات بالبصرة في خلافة عثمان، له عند النسائي حديث واحد في الطهارة.
قال الحافظ: لم ينسبه النسائي في روايته، وقد ذكره
(2)
ابن حبان في الثقات في التابعين
(3)
.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته. ومنها: أن رواته كلهم ثقات.
ومنها: أنهم ما بين بغلاني، وهو شيخه، وواسطي، وهو أبو
(1)
تت جـ 11 ص 171 - 172.
(2)
وعبارة الحافظ في الإصابة: وأخرج له النسائي من طريق أبي مجلز، عن الحارث بن نوفل عن عائشة: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فذكر المزني أنه الحارث هذا. وعند ابن حبان أنه غيره، فإنه ذكر الحارث بن نوفل بن الحارث في الصحابة، وذكر الراوي عن
عائشة في التابعين، وهو الأظهر. الإصابة جـ 2 ص 179.
(3)
تت جـ 2 ص 160 - 171.
هاشم، وبصريين، وهم الباقون ما عدا عائشةَ رضي الله عنها فمدنية.
ومنها: أن أبا هاشم، وأبا مجلز، والحارث بن نوفل هذا الباب أول محل ذكرهم من الكتاب.
ومنها: أن الحارث من أفراد المصنف. ومنها: أن فيه رواية صحابي عن صحابية. ومنها: أن عائشة من المكثرين السبعة روت 2210 حديثا.
قال الجامع عفا الله عنه: شرح هذا الحديث يعلم مما قبله فلا حاجة إلى إطالة الكتاب بإعادته، وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلقان بهذا الحديث
المسألة الأولى: هذا الحديث من أفراد المصنف من بين أصحاب الأصول، وهو حديث صحيح، أخرجه هنا -188/ 296 - والكبرى -168/ 289 - بهذا السند فقط.
المسألة الثانية: قال الحافظ رحمه الله: ليس بين حديث الغسل، وحديث الفرك تعارض، لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف، لا على الوجوب،
وهذه طريقة الشافعي، وأحمد، وأصحاب الحديث. وكذا الجمع ممكن بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا، وهذه طريقة الحنفية، والطريقة الأولى أرجح، لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا؛ لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك.
ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة: "كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه" فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين.
وأما مالك فلم يعرف الفرك، وقال: إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات، وحديث الفرك حجة عليهم، وحمل بعض أصحابه الفرك على الدلك بالماء، وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة:"لقد رأيتني، وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري" وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحارث أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب، فقالت: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفرك بأصابعه، فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي".
وقال بعضهم: الثوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم، والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة. وهو مردود أيضا بما في إحدى الروايات من حديثها أيضا:"لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه" وهذا التعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة، وأصرح منه رواية ابن خزيمة "أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي".
وعلى تقدير عدم ورود شيء من ذلك، فليس في قولها: "كنت أغسل الجنابة من ثوبه، ما يدل على نجاسة المني؛ لأن غسلها فعل، وهو لا يدل على الوجوب بمجرده.
وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المني بأن مني النبي صلى الله عليه وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته.
والجواب على تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان عن جماع، فيخالط مني المرأة، فلو كان منها نجسا، لم يكتف فيه بالفرك، وبهذا احتج الشيخ الموفق وغيره على طهارة رطوبة فرجها، قال: ومن قال: إن المني لا يسلم من المذي فيتنجس به لم يُصبْ، لأن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي والبول كحالة الاحتلام والله أعلم. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
(1)
فتح جـ 1 ص 397 - 398.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن في قوله: لم يكتف فيه بالفرك نظرا؛ لأن بعض من يقول بنجاسة المني يرى أن تطهيره يكون بالفرك تخفيفا، كما خفف تطهير النعل بالمسح، وهذا هو الذي ادعاه الشوكاني حيث قال بترجيح القول بنجاسته.
فالأولى في الاستدلال القاطع الاستدلال بحديث عائشة الذي مَرّ قريبا عند ابن خزيمة: "أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي" لأنه لو كان نجسا لما صلى به. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
297 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: الْحَكَمُ أَخْبَرَنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أَفْرُكَهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(عمرو بن يزيد) أبو بُرَيد -مصغرا- الجرمي البصري صدوق من [11] تقدم في 100/ 130.
2 -
(بهز) بن أسد البصري العمي أبو الأسود ثقة من [9] تقدم في 24/ 28.
3 -
(شعبة) بن الحجاج أبو بسطام الواسطي ثم البصري ثقة ثبت حجة [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(الحكم) بن عتيبة أبو محمَّد كوفي ثقة ثبت فقيه [5] تقدم في 86/ 104.
5 -
(إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي، أبو عمران كوفي ثقة فقيه [5] تقدم في 29/ 33.
6 -
(همام) بن الحارث بن قيس النخعي أبو عمران كوفي ثقة عابد [2] تقدم في 96/ 118.
7 -
(عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها، تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته.
ومنها: أن رواته كلهم ثقات غير شيخه، فصدوق.
ومنها: أنهم ما بين بصريين وهم إلى شعبة، وكوفيين وهم من بعده، إلا عائشة فمدنية.
ومنها: أن شيخه من أفراده لم يرو عنه غيره من أصحاب الأصول.
ومنها: أن عائشة من المكثرين السبعة.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: لقد رأيتني) أي رأيت نفسي (وما) نافية (أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) تعني بذلك أنها تكتفي بالفرك، ولا تغسله، وهذا محمول على ما إذا كان يابسا جمعا بين الحديث والأحاديث الأخرى التي تنص على أنها كانت تغسل المني. فتأمل. والله أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكره في هذا الكتاب: أخرجه المصنف هنا، وفي 298، وفي 299.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه مع المصنف:
أخرجه (م د ق). فأخرجه (م) في الطهارة عن محمَّد بن حاتم عن أبيه، عن ابن عيينة، عن منصور، وعن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش -كلاهما عن همام، زاد الأعمش، والأسود -
كلاهما عن عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه (د) فيه عن حفص بن عمر، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن همام به. وأخرجه (ق) فيه عن علي بن محمَّد، عن أبي معاوية، وعن محمَّد بن طريف، عن عَبْدَة بن سليمان، كلاهما عن الأعمش به، ولم يذكر الأسود.
قال الجامع عفا الله عنه: بقية المسائل تُعلم مما سبق، فارجع إليها تزدد علمًا. والله أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان.
298 -
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(الحسين بن حريث) أبو عَمَّار الخُزَاعي مولاهم، مروزي ثقة حافظ من [10]، تقدم في 24/ 25.
2 -
(سفيان) بن عيينة أبو محمَّد الكوفي، ثم المكي ثقة ثبت حجة فقيه من كبار [8] تقدم في 1/ 1.
3 -
(منصور) بن المعتمر أبو عَتَّاب
(1)
، كوفي ثقة ثبت من [6] وكان لا يدلس، تقدم في 2/ 2.
والباقون تقدموا في السند السابق، وكذا شرح الحديث واضحٌ مما تقدم.
299 -
أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَرَاهُ فِي ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحُكُّهُ.
(1)
بالعين ثم تاء مثناة، آخره باء موحدة، وما وقع في بعض نسخ "ت" من ضبطه بالثاء المثلثة فخطأ، فتنبه.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(شعيب بن يوسف) النسائي أبو عمرو، ثقة صاحب حديث من [10] تقدم في 42/ 49.
2 -
(يحيى بن سعبد) بن فَرُّوخ أبو سعيد القطان البصري ثقة ثبت حجة من [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(الأعمش) سليمان بن مهران أبو محمَّد الكوفي ثقة ثبت مدلس من [5] تقدم في 17/ 18.
والباقون تقدموا قريبا.
والشرح واضح أيضا مما سبق، والضمير في قولها:"أرَاه" للمني، وكذا في "أحكه".
300 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(حماد بن زيد) بن درْهم أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت من
كبار [8] في 3/ 3.
3 -
(هشام بن حسان) الأزدي القُردُوسي، أبو عبد الله البصري، يقال: كان نازلا في القَرَاديس، فنُسبَ إليهم، ويقال: مولاهم. أحد الأعلام.
روى عن حميد بن هلال، والحسن البصري، ومحمد، وأنس وحفصة بنت سيرين، وعكرمة بن عمار، وواصل مولى ابن عيينة، وأبي معشر زياد بن كليب، وغيرهم.
وعنه عكرمة بن عمار، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وزائدة، والحمادان، والسفيانان، ويحيى القطان، وحفص بن غياث، وآخرون.
قال ابن أبي عروبة: ما رأيت أحفظ عن محمَّد بن سيرين من هشام، وقال ابن عيينة: كان هشام أعلم الناس بحديث الحسن. قال ابن المديني: كان يحيى بن سعيد وكبار أصحابنا يثبتون هشام بن حسان، وكان يحيى يضعف حديثه عن عطاء، وكان الناس يرون أنه أخذ حديثه عن حوشب. قال أحمد: لا بأس به عندي، وما يكاد يُنكَر عليه شيء إلا وجد غيره قد رواه إما أيوب، وإما عوف. ووثقه ابن معين، وقال مرة: لا بأس به، وقال العجلي: ثقة حسن الحديث. وقال أبو حاتم: كان صدوقا، وقال: يكتب حديثه. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله كثير الحديث. ووثقه عثمان بن أبي شيبة، قال أبو داود: إنما تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء لأنه كان يرسل، قال ابن عدي: أحاديثه مستقيمة، ولم أر في حديثه منكرا، وهو صدوق. وتكلم ابن علية في حديثه عن الحسن، وقال ابن عيينة: لقد أتى هشام أمرا عظيما بروايته عن الحسن، قيل لنُعيم: لمَ؟ قال:
لأنه كان صغيرا.
أخرج له الجماعة، مات سنة [7] أو [148].
4 -
(أبو معشر) زياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفي. روى عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وسعيد بن جبير، وفضيل بن عمرو الفُقَيمي. وعنه قتادة، وخالد الحذاء، وسعيد بن أبي عروبة، ومنصور، ومغيرة وهشام بن حسان وغيرهم.
قال العجلي: كان ثقة في الحديث قديم الموت. وقال أبو حاتم: صالح من قدماء أصحاب إبراهيم، ليس بالمتين في حفظه، وهو أحب إليَّ من حماد بن أبي سليمان. وقال النسائي: ثقة، ووثقه ابن المديني،
وأبو جعفر البُسْتيّ. مات سنة [120]، وقيل: سنة [119] قاله ابن حبان، وقال: كان من الحفاظ المتقنين، وقال ابن سعد: توفي في ولاية يوسف بن عمر على العراق، وكان قليل الحديث، قال الحافظ: وهذا يرجح أنه مات سنة [120] أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والمصنف.
والباقون تقدموا في السند السابق، وكذا شرح الحديث واضح مما تقدم.
301 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَامِلٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَجِدُهُ فِي ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحُتُّهُ عَنْهُ.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن كامل المروزي) يقال: بغدادي الأصل. روى عن عبد العزيز بن أبي حازم، وهُشيم، وعباد بن العوام، وعبد الوهاب بن عطاء وغيرهم. وروى عنه الترمذي، والمصنف، وإبراهيم بن يحيى المروزي.
قال المصنف: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.
2 -
(هشيم) بن بشير بن القاسم أبو معاوية السلمي واسطي ثقة مدلس [7] تقدم في 88/ 109.
3 -
(مُغيرة) بن مقْسَم الضَّبِّي مولاهم، أبو هشام الكوفي الفقيه.
قيل: ولد أعمى. روى عن أبيه، وأبي وائل، وأبي رَزين الأسدي، وإبراهيم النخعي، وَالشعبي، ومجاهد وآخرين.
وعنه سليمان التيمي، وشعبة، والثوري، وإبراهيم بن طَهْمان، وآخرون.
قال شعبة: كان مغيرة أحفظ من الحكَم، وفي رواية: أحفظ من حماد، وقال ابن فضيل: كان يدلس، وكنا لا نكتب عنه إلا ما قال: حدثنا إبراهيم. وقال أبو بكر بن عياش: ما رأيت أحدا أفقه من مغيرة فلزمته، وفي رواية: كان من أفقههم. وقال جرير، عن مغيرة: ما وقع في مسامعي شيء فنسيته. وقال معمر: كان أبي يحثني على حديث مغيرة، وقال أبو حاتم عن أحمد: حديث مغيرة مدخولٌ عامة ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد، ومن يزيد بن الوليد، والحارث العُكلي، وعبيدة، وغيرهم. قال: وجعل يضعف حديث مغيرة، عن إبراهيم وحده، قال: وكان إبراهيم صاحب سنة ذكيًّا حافظًا، وقال ابن
أبي مريم: عن ابن معين: ثقة مأمون. وقال أبو حاتم عن ابن معين ما زال مغيرة أحفظ من حماد وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي: مغيرةُ أحب إليك، أو ابن شبرمة في الشعبي؟ فقال: جميعا ثقتان. وقال العجلي: مغيرة ثقة فقيه الحديث، إلا أنه كان يرسل الحديث عن إبراهيم فإذا وُقِّفَ أخبرهم ممن سمعه، وكان من فقهاء أصحاب إبراهيم، وكان عثمانيا. وقال الآجري: قلت لأبي داود: سمع مغيرة من مجاهد؟ قال: نعم، ومن أبي وائل، كان لا يدلس، سمع من إبراهيم مائة وثمانين حديثا، قال: وقال جرير: جلست إلى أبي جعفر الرازي، فقال: إنما سمع مغيرة من إبراهيم أربعة أحاديث، فلم أقل له شيئا، قال علي: وفي كتاب جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم مائة سماع.
وقال النسائي: مغيرة ثقة، وقال ابن فضيل عن أبيه: كنا نجلس أنا ومغيرة وَعَدَّ ناسا نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء لصلاة الفجر، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان مدلسا، وقال إسماعيل القاضي: ليس بقوي فيمن لَقي؛ لأنه يدلس، فكيف إذا أرسل.
مات سنة [132]، وقيل:[133]، وقيل: سنة [136] أخرج له الجماعة.
والباقون تقدموا في السند السابق، وشرح الحديث واضح.
"إن أريد إلا الإصلاح ما أستطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
189 - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَوْل الصَّبِيِّ الذِي لَمْ يَأكُلِ الطَّّعامَ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم بول الصبي الذي لم يأكل الطعام.
والصَّبيّ: فَعيل: الصَّغير، والجمع صِبْيَة، وصِبْيان، والصِّبَا بالكسر مقصورا: الصِّغر، والصَّبَاء وزان كَلام لغة فيه، يقال: كان ذلك في صباه، وفي صبَائه
(1)
.
302 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ: أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(مالك) الإمام العلم الحجة الثبت أبو عبد الله المدني -7 - تقدم في 7/ 7.
(1)
المصباح.
3 -
(ابن شهاب) محمَّد بن مسلم الزهري المدني الحجة الثبت من كبار [4] تقدم في 1/ 1.
4 -
(عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود المدني ثقة ثبت فقيه -3 - تقدم في 45/ 46.
5 -
(أم قيس بنت محصن) اسمها آمنة، وقيل: جُذامة، أخت عُكَاشَة صحابية مشهورة، لها أحاديث، رضي الله عنها، تقدمت في 185/ 292.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء فقهاء، وأنهم مدنيون إلا شيخه فبغلاني، وبَغْلانُ قرية من قُرى بَلْخَ.
شرح الحديث
(عن أم قيس بنت محصن) -بكسر فسكون، وفتح صاد- رضي الله عنها (أنها أتت بابن لها صغير) الابنُ لا يطلق إلا على الذكر، بخلاف الولد، وقوله:"لها" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لابن، وكذا قوله:"صغير".
والمراد بالصغير هنا: الرضيعُ، بدليل تفسيره بقوله:"لم يأكل الطعام" فإنه إذا أكل يسمى فَطيما، وغُلاما أيضا، إلى سبع سنين. وقال الزمخشري: الغلام هو الصغير إلى حدّ الالتحاء. وقال بعض أهل اللغة: ما دام الولد في بطن أمه فهو جَنين، فإذا ولدته يسمى صبيا ما دام رضيعا، فإذا فَطَم يسمى غلاما إلى سبع سنين، فمن هذا عُرف أن الصغير يطلق إلى حد الالتحاء من حين يولد، فلذلك قيد في الحديث بقوله:"لم يأكل الطعام"
(1)
.
(1)
عمدة القاري جـ 3 ص 132.
ومات ابنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صغير كما رواه النسائي، قال الحافظ: ولم أقف على تسميته
(1)
.
(لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) جملة في محل جر صفةً لابن بعد صفتين، أو في محل نصب على الحال منه.
قال الحافظ: المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والعسل الذي يُلعَقُهُ للمداواة وغيرها، فكأن المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن علي الاستقلال، هذا مُقتَضَى كلام النووي في شرح مسلم، وشرح المهذب.
وقال في "نكت التنبيه": المراد أنه لم يأكل غير اللبن، وغير ما يُحَنَّك به، وما أشبهه، وحَمَلَ الموفّقُ الحموي في شرح التنبيه قَوَله:"لم يأكل" على ظاهره، فقال: معناه: لم يستقل بجعل الطعام في فيه،
والأول أظهر، وبه جزم الموفق ابن قدامة وغيره.
وقال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام، ولم يَسْتَغْن به عن الرضاع، ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليُحنكَه صلى الله عليه وسلم، فيحمل النفي على عمومه. انتهى كلام الحافظ
(2)
.
قال الجامع عفا الله عنه: القول الأول هو الراجح، كما قال الحافظ، وإن اعترض عليه العيني فيه، ويؤيده ما يأتي في قصة الحسن، ففيه "أنه أتى إليه، وهو يَحْبُو، وهو صلى الله عليه وسلم نائم فصَعدَ على بطنه، ووضَعَ ذَكره في سُرَّته فبال
…
" ومعروف أنه في ذلك الوقت تقدم له التحنيك بالتمر ونحوه. والله أعلم.
(1)
فتح جـ 1 ص 390.
(2)
فتح جـ 1 ص 390.
(فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وضعه، إن قلنا: إنه كان لَمَّا وُلدَ، ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سنِّ مَنْ يحبو كما في قصة الحسن. قاله الحافظ
(1)
.
ورد العيني هذا بقوله: ليس المعنى كذلك، لأن الجلوس يكون عن نوم أو اضطجاع، وإذا كان قائما كانت الحال التي يخالفها القعود، والمعنى ها هنا أقامه عن مضطجعه لأن الظاهر أن أم قيس أتت به وهو في قِمَاطة
(2)
مضطجع، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم، أي أقام في حجره وإن كانت أتت به وهو في يدها بأن كان عمره مقدار سنة أو جاوزها قليلا، والحال أنه رضيع، يكون المعنى تناوله منها، وأجلسه في حجره، وهو يمسكه لعدم مسكته، لأن أصل تركيب هذه المادة يدل على ارتفاع الشيء. انتهى كلام العيني
(3)
.
قال الجامع عفا الله عنه: قال الفيومي رحمه الله: الجلوس غير القعود، فإن الجلوس هو الانتقال من سُفل إلى علو، والقعود: هو الانتقال من علو إلى سفل، فعلى الأول يقال لمن هو نائم أو ساجد: اجلس، وعلى الثاني يقال لمن هو قائم: اقعد. وقد يكون جلس بمعنى قعد، يقال: جلس متربعا، وقعد متربعا، وقد يفارقه، ومنه "جلس بين شُعَبها" أي حصل وتَمَكَّن، إذ لا يسمى هذا قعودا، فإن الرجل
حينئذ يكون معتمدا على أعضائه الأربع، ويقال: جلس متكئا، ولا يقال: قعد متكئا بمعنى الاعتماد على أحد الجانبين، وقال الفارابي وجماعة: الجلوس نقيض القيام، فهو أعم من القعود، وقد يستعملان
بمعنى الكون والحصول، فيكونان بمعنى واحد، ومنه يقال: جلس
(1)
فتح جـ 1 ص 390.
(2)
القماط: بالكسر: خرقة عريضة يشد بها الصغير، وجمعه قُمُط، مثل كتاب وكتب اهـ المصباح المنير.
(3)
عمدة جـ 3 ص 132.
متربعا، وجلس بين شعبها أي حَصَلَ وتمكن. انتهى كلام الفيومي
(1)
.
قال الجامع: فعلى هذا لا معنى لاعتراض العيني على الحافظ، بل ما قاله صحيح، والله أعلم.
(في حجره) بفتح الحاء وكسرها، وسكون الجيم لغتان مشهورتان، مُقَدَّم بدن الإنسان إذا جلس، وقد تقدم البحث عنه في 185/ 293.
(فبال على ثوبه) أي النبي صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن شعبان من المالكية، فقال: المراد ثوب الصبي، والصواب الأول، قاله في الفتح جـ 1 ص 90
(فدعا) صلى الله عليه وسلم (بماء فنضحه) أي رشَّ عليه، قال ابن سيده: نَضَح الماء عليه يَنْضَحُهُ نَضْحًا: إذا ضَرَبه بشيء فأصابه منه رشاش، ونَضَحَ عليه الماء رَشَّ، وقال ابن الأعرابي: النضح -بالحاء المهملة- ما كان على اعتماد، والنضخ -بالخاءٍ المعجمة- ما كان على غير اعتماد، وقيل: هما لغتان بمعنى، وكله رَشَّ. وفي الواعي لأبي محمَّد، والصحاح لأبي نصر، والمجمَل لابن فارس، والجمهرة لابن دريد، وابن القطوية وابن القطاع، وابن طريف في الأفعال، والفارابي في ديوان الأدب، وكراع في المنتخب وغيرهم: النضح: الرش. قاله العيني
(2)
.
ولمسلم من طريق الليث، عن ابن شهاب:"فلم يزد على أن نَضَح بالماء" وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب: "فَرَشَّه" زاد أبو عوانة في صحيحه "عليه".
ثم إنه لا تخالف بين رواية "نَضَح" ورواية "رَشَّ" لأن معنى النضح والرش واحد، كما نص عليه هؤلاء اللغويون.
وجمع الحافظ رحمه الله بأن المراد أن الابتداء كان بالرش، وهو تنقيط الماء، وانتهى إلى النضح، وهو صب الماء، لكن الجمع الأول هو
(1)
المصباح جـ 2 ص 390.
(2)
عمدة القاري جـ 3 ص 132.
الأولى، كما لا يخفى.
ثم إن المراد بهذا النضح هو الصبّ، لما في رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير، عن هشام:"فدعا بماء فصبه عليه"، ولأبي عوانة:"فصبه على البول يُتْبعُه إيَّاه".
(لم يغسله) قال الحافظ رحمه الله: ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام راوي الحديث، وأن المرفوع انتهى عند قوله:"فنضحه" قال: كذلك روى معمر عن ابن شهاب، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة، قال:
"فَرَشَّه"، لم يزد على ذلك. انتهى.
وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك، لكنه لم يقل:"ولم يغسله" وقد قالها مع مالك الليثُ، وعمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد كلهم، عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة، والإسماعيلي، وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم، وهو لمسلم عن يونس وحده، نعم زاد معمر في روايته: قال: قال ابن شهاب: فمضت السنة أن يُرَشَّ بولُ الصبي، ويُغسلَ بول الجارية، فلو كانت هذه الزيادة التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج، لكنها غيرها، فلا إدراج، وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك، فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة، عن ابن شهاب، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبَيَّنَّا أنها غير مخالفة لرواية مالك. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أم قيس رضي الله عنها هذا متفق عليه.
(1)
فتح جـ 1 ص 391.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف: أخرجه -189/ 302 - والكبرى -169/ 291 - بالسند المذكور في هذا الباب.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ) في الطهارة عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة، عن أم قيس. وأخرجه (م) في الطب عن ابن أبي عمر، وفيه وفي الطهارة عن يحيى بن يحيى، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وأبي خيثمة زهير بن حرب، خمستهم عن سفيان بن عيينة، وفي الطهارة أيضا عن محمَّد بن رمح، عن الليث بن سعد، وفي الطب
عن حَرْمَلَة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس ثلاثتهم عن الزهري به.
وأخرجه (د) فيه عن القعنبي، عن مالك به، وأخرجه (ت) فيه عن قتيبة، وأحمد بن منيع كلاهما عن سفيان بن عيينة به، وأخرجه (ق) فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح كلاهما عن سفيان به.
وأخرجه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، وابن خزيمة، والإسماعيلي.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: بيان حكم بول الغلام الرضيع، وهو النَّضْح بالماء، وهو الذي أراده المصنف من إيراده هنا. ومنها: الرفق بالصغار، والشفقة عليهم، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم كيف كان يأخذهم في حجره، ويتلطف بهم حتى إن بعضهم يبول على ثوبه، فلا يؤثر فيه ذلك ولا يتغير به.
ومنها: حمل الأطفال إلى أهل الفضل، والصلاح ليدعوا لهم.
المسألة الخامسة: في مذاهب العلماء في حكم بول الغلام والجارية: ذهب بعضهم إلى أن النضح يكفي في بول الصبي لا الجارية، وهو
مذهب علي، وأم سلمة، وعطاء، والزهري، وأحمد، وإسحاق، وابن وهب، وغيرهم، ورُوي عن مالك، وقال أصحابه: هي رواية شاذة، ورواه ابن حزم أيضا عن أم سلمة، والثوري، والأوزاعي، والنخعي، وداود، وابن وهب.
وذهب بعضهم إلى أنه يكفي فيهما، وهو مذهب الأوزاعي، وحكي عن مالك، والشافعي.
وذهب بعضهم إلى وجوب الغسل فيهما، وهو مذهب الحنفية، وسائر الكوفيين، والمالكية. وحديث الباب، والحديثُ الآتي ونحوهما يرد المذهب الثاني، والثالث.
وقد استدل بعضهم لأهل المذهب الثالث بحديث عمار، وفيه:"إنما تغسل ثوبك من البول .. " لكنه متفق على ضعفه، فلا يعارض حديث الباب.
واستدل الحنفية والمالكية لما ذهبوا إليه بالقياس، وقالوا: المراد بقوله: "ولم يغسله" الغسل المُبَالغُ فيه، لكنه خلاف الظاهر، مع معارضته لحديث الباب الآتي، حيث فرَّق بين بول الغلام والجارية.
والحاصل أنه لم يعارض حديثَ الباب شيءٌ يوجب الركون إليه، فالمذهب الأول هو الصحيح، فخذه بإنصاف، ولا تتحير بالاعتساف، وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
تنبيهان:
الأول: قال الخطابي: ليس تجويز من جَوَّزَ النَّضْحَ من أجل أن بول الصبي غير نجس، ولكنه لتخفيف نجاسته. انتهى.
وأثبت الطحاوي الخلاف، فقال: قال قوم بطهارة بول الصبي قبل
الطعام، وكذا جزم به ابن عبد البر، وابن بطال، ومن تبعهما عن الشافعي، وأحمد، وغيرهما، ولم يَعرف ذلك الشافعيةُ، ولا الحنابلة. وقال النووي: هذه حكايته باطلة. انتهى. وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم، أفاده الحافظ
(1)
.
الثاني: قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الفرق بين بول الصبي والصبية من ثلاثة أوجه:
أحدها: كثرة حمل الرجال والنساء للذكر، فتعم البلوى ببوله، فيشق عليه غسله.
الثاني: أن بوله لا ينزل في محل واحد بل ينزل متفرقا ها هنا وها هنا، فيشق غسل ما أصابه كله بخلاف بول الأنثى.
الثالث: أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر، وسببه حرارة الذكر، ورطوبة الأنثى، فالحرارة تخفف من نتن البول، وتُذيبُ منها ما يحصل من رطوبة، وهذه مَعَانٍ مؤثرة يحسن اعتبارها في الفرق. نقل هذا المباركفوري في شرح الترمذي
(2)
.
303 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ.
(1)
فتح جـ 1، ص 391.
(2)
تحفة الأحوذي جـ 1 ص 240.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(قتيبة) بن سعيد البغلاني ثقة ثبت [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(مالك) الإمام المدني الحجة الثبت [7] تقدم في 7/ 7.
3 -
(هشام بن عروة) أبو المنذر المدني ثقة فقيه [5] تقدم في 49/ 61.
4 -
(عروة) بن الزبير بن العوام، أبو عبد الله المدني ثقة فقيه [3] تقدم في 40/ 44.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها.
قال الجامع: تقدم لطائف هذا الإسناد غير مرة.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: أتي) بالبناء للمفعول (رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي) قال الحافظ رحمه الله: الذي يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس المذكور في الحديث السابق، ويحتمل أن يكون الحسن بن علي، أو الحسين، فقد روى الطبراني في الأوسط حديث أم سلمة بإسناد حسن، قالت: بَالَ الحسنُ أو الحسينُ على بطن النبي صلى الله عليه وسلم، فتركه حتى قضى بوله، ثم دعا بماء فصبه عليه".
ولأحمد عن أبي ليلى نحوه. وروى الطحاوي من طريقه، قال:"فجيء بالحسن" ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة.
قال: وإنما رجحت أنه غيره لأن عند المصنف -يعني البخاري- في العقيقة من طريق يحيى القطان، عن هشام بن عروة:"أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بصبي فحنكه" وفي قصته أنه بال على ثوبه، وأما قصة الحسن ففي حديث أبي ليلى، وأم سلمة أنه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم، وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني: "أنه جاء وهو يَحْبو، والنبي صلى الله عليه وسلم نائم،
فصعد على بطنه، ووضع ذكره في سُرَّته، فبال" فذكر الحديث بتمامه، فظهرت التفرقة بينهما. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
(فأتبعه) بإسكان المثناة، أي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على ثوبه (إياه) أي الماء، فصبه عليه، زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير، عن هشام "فأتبعه ولم يغسله". ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام:"فصب عليه الماء" وللطحاوي من طريق زائدة الثقفي عن هشام: "فنضحه عليه" قاله في الفتح.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث متفق عليه.
والمسائل المتعلقة به تعلم مما مر قريبا، فراجعها تستفد. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
فتح جـ1 ص 389، وتقدم الشطر الأول عند المصنف برقم 143/ 224.
190 - " بَابُ بَوْلِ الجَارِيَةِ"
304 -
أَخْبَرَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْحِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ".
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(مجاهد بن موس) الخُوَارَزْميّ أبو علي البغدادي ثقة -10 - تقدم في 85/ 102.
2 -
(عبد الرحمن بن مهدي) أبو سعيد البصري الحجة الثبت -9 - ، تقدم في 42/ 49.
3 -
(يحيى بن الوليد) الطائي أبو الزَّعْرَاء الكوفي، لا بأس به من [7] تقدم في 143/ 224.
4 -
(مُحلُّ بن خَليفَة) محل -بصيغة اسم الفاعل- الطائي الكوفي ثقة من [4] تقدم في 224.
5 -
(أبو السمح) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: اسمه إياد صحابي له حديث واحد، قَطَّعَه المصنف حديثين، وتقدم في 143/ 224.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات، إلا يحيى فلا بأس به، وأنهم ما بين بغدادي وبصري وكوفيين، وأن صحابيه من المقلين لم يرو إلا حديثا واحدا قطعه المصنف حديثين تقدم بعضه في 143/ 224.
شرح الحديث
(عن أبي السمح) رضي الله عنه، أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم) وعند أبي داود
(1)
: قال: "كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل، قال: وَلِّني قَفَاك، فأُوليه قَفاي، فَأستُرُهُ به، فأُتي بحسن، أو حسين رضي الله عنهما فبال على صدره، فَجئْتُ أغسله، فقال: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام) بالبناء للمفعول في الفعلين، وفيه بيان الفرق بين بول الجارية وبول الغلام، وأما تفسير قوله: "يغسل" بأنه الغسل التام، وقوله: "يرش" بأنه الغسل الخفيف، فغير صحيح لمخالفته النصوص الكثيرة في الفرق بين بوليهما.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث صحيح، أخرجه المصنف هنا -190/ 304 - والكبرى -170/ 293 - وأخرجه أبو داود، وابن ماجه، والبزار، وابن خزيمة، والحاكم، والدارقطني.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
وتقدم الشطر الأول عند المصنف برقم 143/ 224.
191 - بَابُ بَوْل مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
305 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ أُنَاسًا أَوْ رِجَالاً مِنْ عُكْلٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلَامِ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا أَهْلُ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ، وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ وَرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهَا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَلَمَّا صَحُّوا -وَكَانُوا بِنَاحِيَةِ الْحَرَّةِ- كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهْمِ فَأُتِيَ بِهِمْ، فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَّعُوا أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ تُرِكُوا فِي الْحَرَّةِ عَلَى حَالِهِمْ حَتَّى مَاتُوا.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(محمَّد بن عبد الأعلى) القَيْسي أبو عبد الله الصَّنعاني ثم البصري ثقة -10 - تقدم في 5/ 5.
2 -
(يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري ثقة ثبت [8] تقدم في 5/ 5.
3 -
(سعيد) بن أبي عروبة -مهْران- أبو النضر البصري ثقة حافظ من [6] تقدم في 34/ 38.
4 -
(قتادة) بن دعَامة أبو الخطاب البصري ثقة جليل من رؤوس [4] تقدم في 30/ 34.
5 -
(أنس بن مالك) أبو حمزة الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، تقدم في 6/ 6.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته. ومنها: أن رواته كلهم ثقات أجلاء.
ومنها: أنه مسلسل بالبصريين
ومنها: أن صحابيه أحد المكثرين السبعة، روى 2286 حديثا.
شرح الحديث
(أن أنس بن مالك) رضي الله عنه (حدثهم) أي حدث قتادةَ ومن معه (أن أناسا) بضم الهمزة، ويخفف، فيقال: ناس، قال ابن منظور: النَّاسُ قد يكون من الإنس، ومن الجنّ، وأصله أناس، فخفف، ولم يجعلوا الألف واللام فيه عوضا من الهمزة المحذوفة، لأنه لو كان كذلك لما اجتمع مع العوض منه في قول الشاعر:
ْإنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْـ
…
ـنَ عَلَى الأُنَاس الامنينَا
(1)
وقال الفيومي: الناس اسم وضع للجمع كالقوم والرهط، واحده إنسان من غير لفظه، مشتق من نَاس يَنُوس: إذا تدلى وتحرك، فيطلق على الجن والإنس، قال الله تعالى:{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس -الآية 5] ثم فسر الناس بالجن والإنس فقال: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس الآية -6] وسُمِّيَ الجنُّ ناسًا، كما سُمُّوا رجالا، قال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن الآية 6] وكانت العرب تقول: رأيت ناسا من الجن، ويُصَّغر الناس على نُوَيس، لكن غلب استعماله في الإنس
(2)
.
(أو رجالا)"أو" للشك من الراوي، والرجال جمع رَجُل، وهو الذكر من الأناسي، وقد جمع قليلا على رَجْلَة، وزَان تَمْرَة، حتى قالوا: لا يوجد جمع على فَعْلَة -بفتح الفاء- إلا رَجْلَةٌ، وكَمْأة، جمع كَمْء، وقيل: كمأة للواحدة، مثل نظيره من أسماء الأجناس، قال ابن السراج: جمع رَجُل على رَجْلَة في القلة استغناء عن أرجال
(3)
.
(من عكل) -بضم العين المهملة، وسكون الكاف، واللام في آخره- وعكل خمس قبائل، وذلك أن عوف بن عبد مناة ولد قيسا، فولد قيس وائلا وعوانة، فولد وائل عوفا وثعلبة، فولد عوف بن وائل الحارث وجُشَما وسعدا وعَليّا وقيسا، وأمهم بنت ذي اللحية، لأنه كان مطائلا لحيته، فحضنتهم أمة سوداء يقال لها: عكل، كذا قاله الكلبي وغيره. ويقال: عكل امرأة حضنت ولد عوف بن إياس بن قيس بن عوف بن عبد مناة بن اُدّ بن طابخة، وزعم السمعاني أنهم بطن من غنم، ورَدَّ ذلك عليه أبو الحسن الجَزَري بأن عكل امرأة من حمير يقال لها:
(1)
لسان جـ 6 ص 4575.
(2)
المصباح جـ 2 ص 630.
(3)
المصباح جـ 1 ص 220.
بنت ذي اللحية تزوجها عوف بن قيس بن وائل بن عوف بن عبد مناة بن أدّ، فولدت له سعدا وجشما وعليا، ثم هلكت الحميرية، فحضنت عكل ولدها، وهم من جملة الرَّباب تحالفوا علي بني تميم
(1)
.
ثم إن رواية المصنف هنا بالجزم بأنهم من عكل، وفي الرواية الآتية:"أعراب من عرينة"، وفي رواية للبخاري:"من عكل"، أو"عرينة"، على الشك، وفي رواية:"من عُرَينة" وفي أخرى "من عكل وعرينة" بالعطف.
قال الحافظ رحمه الله: قوله: "من عكل، أو عرينة" الشك من حماد، وللمصنف -يعني البخاري- في المحاربين عن قتيبة، وحماد:
"أن رهطا من عكل" أو قال: "من عرينة" ولا أعلمه إلا قال: "من عكل" وله في الجهاد عن وهيب، عن أيوب:"أن رهطا من عكل" ولم يشك، وكذا في المحاربين عن يحيى بن أبي كثير وفي الديات عن أبي رَجَاء، كلاهما عن أبي قلابة، وله في الزكاة عن شعبة، عن قتادة، عن أنس:"أن ناسا من عرينة" ولم يشك أيضا، وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قُرّة، عن أنس، في المغازي عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة:"أن ناسا من عكل وعرينة" بالواو العاطفة، وهو الصواب، ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبراني من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة عن أنس، قال:"كانوا أربعة من عُرَينة، وثلاثة من عُكْل" ولا يخالف هذا ما عند المصنف -يعني البخاري- من طريق وُهيب، عن أبي أيوب، وفي الديات من طريق حجاج الصواف عن أبي رجاء، كلاهما عن أبي قلابَةَ، عن أنس:"أن رهطا من عكل ثمانية"، لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم يُنسَب، وغَفَلَ من
(1)
عمدة القاري جـ 3 ص 152.
نَسَبَ عدتهم ثمانية لرواية أبي يعلى، وهي عند البخاري، وكذا عند مسلم، وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل، وهو غَلَط، بل هما قبيلتان متغايرتان، عكل من عدنان، وعرينة من قحطان. وعكل بضم المهملة وإسكان الكاف -: قبيلة من تَيْم الرباب، وعرينة- بالعين والراء المهملتين والنون- مصغرا: حي من قُضاعة، وحي من بَجيلَة، والمراد هنا الثاني، كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي، وكذا رواه الطبراني من وجه آخر عن أنس. ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فَزَارَة، وهو غلط، لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل، ولا مع عرينة أصلا.
وذكر ابن إسحاق في المغازي: أن قد ومهم كان بعد غزوة ذي قَرَد، وكانت في جمادى الآخرة سنة ست، وذكرها البخاري بعد الحديبية، وكانت في ذي القعدة منها، وذكر الواقدي: أنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد، وابن حبان، وغيرهما.
وللبخاري في المحاربين من طريق وهيب، عن أيوب أنهم كانوا في الصُفَّة قبل أن يَطْلُبُوا الخروجَ إلى الإبل
(1)
.
(قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) من باب تَعبَ، أي أقبلوا عليه، وأتَوْهُ بالمدينة، والجملة في محل رفع خبر "إن"(فتكلموا بالإسلام) أي نطقوا به، وأظهروا أنهم مسلمون (فقالوا: يا رسول الله إنا أهل ضرع) أي أهل مواش ذات ضروع، يقال: ماله زَرعْ ولا ضَرعْ، يعني بالضَّرع الشاة والناقة والضرع لكل ذات ظلْف، أو خُفٍّ، وضرع الناقة والشاة: مَدَرُّ لبنها، والجمع ضروع
(2)
.
وقال الفيومي: الضرع لذات الظلف كالثدي للمرأة، والجمع ضروع مثل فَلْس وفُلُوس
(3)
. والمراد بالضرع جنسه، وهو كناية عن
(1)
فتح جـ 1 ص 402.
(2)
لسان جـ 4 ص 2580.
(3)
المصباح جـ 2 ص 361.
كونهم معتادين للبن فقط، فلذا قالوا (ولم نكن أهل ريف) بكسر الراء وسكون الياء: الخصب، والسعة في المآكل، جمعه أرْيَاف، ويحتمل أن يكون المعنى إنا أهل بادية، لا أهل مدن، والمعنى متقارب.
وقال العلامة ابن منظور في لسانه: الرِّيفُ: الخصب والسعة في المآكل، والجمع أرياف فقط، والرّيف: ما قارب الماء من أرض العرب وغيرها، والجمع أرياف، ورُيُوف، قال أبو منصور: الرّيفُ: حيث يكون الحَضَر والمياه، والرّيف: أرض فيها زرع وخصْب، ورافت الماشية، أي رَعَت الريفَ، وفي الحديث:"تُفْتَحُ الأريافُ فيخرج إليها الناس" هي جمع ريف، وهو كل أرض فيها زرع ونخل، وقيل: هو ما قارب الماء من أرض العرب وغيرها، ومنه حديث العُرَنيِّينَ:"كُنَّا أهلَ ضرع، ولم نكن أهل ريف" أي إنَّا من أهل البادية، لا من أهل المدن
(1)
.
(واستوخموا المدينة) أي وجدوها وَخِيمَة، والوَخيمة الأرض الوَبيئَة، وقال السندي: أي استثقلوها، وكرهوا الإقامة بها. انتهى.
وقال ابن منظور: واستوخمه: لم يَسْتَمْرئهُ، ولا حَمدَ مَغَبَّتَه، واستوخمت الطعام، وتوخمته: إذا اسْتَوْبَلتَهُ، قال زهير:(من الطويل).
قَضَوْا ما قَضَوْا منْ أمْرهمْ ثُمَ أوْرَدُوا
…
إلى كَلأٍ مُسْتَوبَل مُتَوَخِّمِ
ومنه اشتُقَّت التُّخَمَة، وفي حديث العرنيين:"واستوخموا المدينة" أي استثقلوها، ولم يُوافق هواؤها أبدانَهم
(2)
.
ورواية البخاري: "فاجتووا المدينة" قال ابن فارس: اجتويت
(1)
لسان جـ 3 ص 1794.
(2)
لسان جـ 6 ص 4791.
البدد: إذا كرهت المُقَام فيه، وإن كنت في نعمة، وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة، وهو المناسب لهذه القصة، وقال القَزَّاز: اجتووا، أي لم يوافقْهُمْ طعامها، وقال ابن العربي: الجوَىَ: داء يأخذ من الوَبَاء.
وللبخاري في الطب من رواية ثابت عن أنس: "أن ناسًا كان بهم سقم، قالوا: يا رسول الله آوِنَا وأطْعمنَا، فلما صَحُّوا قالوا: إنَّ المدينة وَخْمَةٌ" والظاهر أنهم قَدموا سِقَامًا، فلما صَحُّوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوَخْمهَا، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهُزَال الشديد والجهد من الجوع، فعند أبي عوانة من رواية غَيْلان، عن أنس:"كان بهم هُزَال شديد" وعنده من رواية أبي سعيد عنه "مُصْفَرَّة ألْوَانُهُم".
والوخم الذي شَكَوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة، كما عند أحمد من رواية حميد، عن أنس، ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قُرَّة، عن أنس:"وقع بالمدينة الْمُوم -أي بضم الميم وسكون الواو- قال: وهو البِرْسَام، أي بكسر الموحدة سُرياني مُعرَّب أطلق على اختلال العقل، وعلى وَرَم الرأس، وعلى وَرَم الصدر، والمراد هنا الأخير، فعند أبي عوانة من رواية همام، عن قتادة، عن أنس هذه القصة: "فَعَظُمَت بُطُونُهم"، أفاده الحافظ
(1)
.
(فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن تكون اللام زائدة، أو للتعليل، أو لشبه الملك، أو للاختصاص، وليست للتمليك، قاله في الفتح والعمدة
(2)
.
قال الجامع: الظاهر أنها للتعليل، أي أمر لأجلهم بذَود وراع حتى يخرج ذلك الراعي بتلك الذود إلى الصحراء، فيتبعوه ويُوَضِّحُ هذا
(1)
فتح جـ 1 ص 403.
(2)
فتح جـ 1 ص 403، عمدة القاري جـ 3 ص 153.
المعنى قولُهُ: "وأمرهم أن يخرجوا فيها" أي مع تلك الذود (بذود) -بفتح الذال المعجمة، وإسكان الواو آخره دال- اسم للقطيع من الإبل من الثلاث إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى العشر، وقيل: من ثلاث إلى خمس عشرة، وقيل: إلى عشرين، وفُوَيقَ ذلك، وقيل: ما بين الثلاث إلى الثلاثين، وقيل: ما بين الثنتين والتسع، ولا يكون إلا من الإناث دون الذكور. قال ابن سيده: الذود مؤنث، وتصغيره بغير هاء على غير قياس، تَوَهَّمُوا به المصدر، قال اللغويون: الذَّوَدُ جمع لا واحد له من لفظه كالنّعَم، وقال بعضهم: الذود واحد، وجمع
(1)
.
(وراع) اسم فاعل من رَعَيْتُ الماشيةَ، يقال: رَعَت الماشية تَرْعى رَعْيًا، فهي راعية: إذا سَرَحَتْ بنفسها، وَرَعَيْتُهَا أرعاها، يستعمل لازمًا ومتعديا، والفاعل رَاع، والجمع رُعاة -بالضم- مثل قاض وقضاة، وقيل أيضا: رعاء بالكسر والمد، ورُعْيان بالضم مثل رُغْفان
(2)
.
وفي الرواية الآتية: "فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح .. " وعند البخاري: "فأمرهم بلقاح" وله في رواية: "فأمرهم أن يلحقوا براعيه وفي رواية: "فأمر لهم بلقاح" وعند أبي عوانة من رواية أخرج مسلم إسنادها "أنهم بدأوا بطلب الخروج إلى اللقاح، فقالوا: يا رسول الله قد وقع هذا الوجع، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل" وفي رواية للبخاري "أنهم قالوا: يا رسول الله أبْغنا رسْلا" أي اطلب لنا لَبَنًا "قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود" وفي رواية: "هذه نَعَمٌ لنا تخرج فأخرجوا فيها".
قال الحافظ رحمه الله: وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبي صلى الله عليه وسلم،
(1)
لسان.
(2)
المصباح.
وصرح -أي البخاري- بذلك في المحاربين عن موسى، عن وهيب بسنده فقال:"إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم" وله فيه من رواية الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، بسنده:"فأمرهم أن يأتوا إبلَ الصدقة" وكذا في الزكاة من طريق شعبة، عن قتادة، قال الحافظ: والجمع بينها أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلبَ هؤلاء النفر الخروجَ إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل، فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه، فخرجوا معه إلى الإبل، ففعلوا ما فعلوا، وظهر بذلك مصْدَاق قوله صلى الله عليه وسلم:"إن المدينة تنفي خبثها".
وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه صلى الله عليه وسلم كانت خمس عشرة، وأنهم نَحَرُوا منها واحدة يقال لها الحِنَّاء، وهو في ذلك متابع للواقدي، وقد ذكره الواقدي في المغازي بإسناد ضعيف مرسل
(1)
.
(وأمرهم أن يخرجوا فيها) أي مع تلك الذود (فيشربوا من ألبانها وأبوالها) عطف على يخرجوا، أي أمرهم بالخروج والشرب من ألبانها وأبوالها، وفي رواية للبخاري:"فأخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها" بصيغة الأمر، وفي رواية:"فرخص لهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا"
فأما شربهم ألبان الصدقة، فلأنهم من أبناء السبيل، وأما شربهم من لبن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم، فلإنه أذنَ لهم، وأما شربهم من أبوالها، فقد احتج به من قال بطهارة بول مأكول اللحم، أما من الإبل فلهذا الحديث، وأما سائر المأكول فبالقياس عليه، وهو الذي ذهب إليه المصنف، وهو مذهب مالك، وأحمد، وطائفة من السلف، وبه يقول ابن خزيمة، وابن النذر، وابن حبان، وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك في المسائل آخر الباب إن شاء الله تعالى.
(1)
فتح جـ 1 ص 403.
(فلما صحوا) الفاء عاطفة على محذوف، أي فخرجوا، فشربوا حتى صحوا، فلما صحوا الخ، وفي رواية أبي رجاء عند البخاري:"فانطلقوا فشربوا من ألبانها، وأبوالها، فلما صَحُّوا" وفي رواية وهيب "وسَمِنُوا"، وفي رواية الإسماعيلي من رواية ثابت "ورجعت إليهم ألوانهم".
قال الفيومي: الصحة في البدن: حالة طبيعية تجَري أفعالُه معها على المَجْرَى الطبيعي، وقد استُعيرت الصحة للمعاني، فقيل: صحت الصلاةُ: إذا أسقَطَت القضاءَ، وصحَّ العقدُ: إذا ترتب عليه أثره، وصح القول: إذا طابق الواقعَ، وصح الشيءُ يصح من باب ضرب، فهو صحيح، والجمع صِحاح، مثل كَريم وكرام، والصَّحاح بالفتح في اللغة الصحيح. اهـ
(1)
.
(وكانوا بناحية الحَرَّة) أي كان هؤلاء الناس بجهة الحرة، والجملة إما اعتراضية، وإما استئنافية، سيقت لبيان مكانهم الذي أوقعوا فيه هذا الحَدَثَ، ويحتمل كونها حالية، والناحية: الجانب، فاعلة بمعنى مفعولة؛ لأنك نَحَوْتها، أي قصدتها، قاله الفيومي.
والحرة -بفتح الحاء- أرض ذات حجارة سود، والجمع حِرَار، مثل كَلْبَة وكلَاب.
وقال ابن منظور: والحَرَّة أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كبيرة، كانت بها وقعة.
وفي حديث جابر: "فكانت زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم معي، لا تفارقني حتى ذهبت مني يوم الحرة" .. قال ابن الأثير: قد تكرر ذكر الحرة
(1)
المصباح.
ويومها في الحديث، وهو مشهور في الإسلام أيام يزيد بن معاوية، لما انتهبَ المدينةَ عسكرُه من أهل الشام الذين نَدَبَهم لقتال أهل المدينة من الصحابة والتابعين، وأمَّرَ عليهم مُسلم بن عُقبة المُرِّيّ في ذي الحجة سنة [63] وعَقِبَهَا هَلَكَ يزيد. انتهى
(1)
.
ثم إن المدينة بين حرتين:
إحداهما: حرة وَاقم، وهي الشرقية، سُميت باسم رجل من العَمَاليق نَزَلها في الدهر الأول، وقيل: باسم أُطُم من آطام المدينة، وهذه الحرة هي موضع الوقعة المتقدمة.
والثانية: حرة الوَبَرَة -بفتحات وقيل: يسكن باؤها- وهي تقع غربي المدينة، وهي كما قال ياقوت في معجم البلدان: على ثلاثة أميال من المدينة
(2)
.
والأكثرون على أن هاتين الحرتين هما الَّلَابَتان المذكورتان في تحديد حرم المدينة، ثم إنه لم يبين أيَّ الحرتين أراد هنا في قوله: وكانوا بناحية الحرة، ومال بعضهم إلى أن الأولى هي المرادة هنا، ولكن ما ذكر دليلا على ذلك والله أعلم.
(كفروا بعد إسلامهم) جواب "لماّ" أي ارتدوا عن الإسلام الذي أظهروه (وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم) اسمه يَسار، بياء تحتانية، ثم مهملة خفيفة، كذا ذكر ابن إسحاق في المغازي، ورواه الطبراني موصولا من حديث سلمة بن الأكوع بإسناد صالح، قال:"كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام، يقال له يسار" زاد ابن إسحاق "أصابه في غزوة بني ثَعلَبة" قال سلمة: "فرآه يُحسِنُ الصلاةَ، فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة، فكان بها" فذكر قصة العُرَنيين وأنهم قتلوه.
(1)
لسان.
(2)
معجم البلدان جـ 2 ص 249 - 250.
وعند أبي عوانة في صحيحه من رواية معاوية بن قُرَّة، عن أنس، وقد أخرج مسلم إسنادها:"فقتلوا أحد الرَّاعيين، وجاء الآخر قد جزعَ، فقال: قد قَتَلوا صاحبي، وذهبوا بالإبل".
قال الحافظ: ولم أقف على تسمية الراعي الآخر بالخبر، والظاهر أنه راعي إبل الصدقة، قال: ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذكره بالإفراد، وكذا لمسلم، لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب، عن أنس:"ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم" بصيغة الجمع، ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد، عن أنس، فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رُعاة، فقُتل بعضهم مع راعي اللقاح، فاقتصر بعض الرُّواة على راعي النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر بعضهم معه غيره، ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى، فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع، قال الحافظ: وهذا أرجح لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار
(1)
.
(واستاقوا الذَّود) استاقوا: من الاستياق، افتعال من السَّوْق، يقال: ساق الدابة وغيرها: إذا حثها من خلفها على السير.
وقال المجد: وساق الماشية سَوْقا، وسياقة، ومَسَاقا، واستاقها، فهو سائق وسَوَّاق
(2)
.
وقال في الفتح: قوله: "واستاقوا النعم": من السوق، وهو السير العَنيف.
قال الجامع: هذا تفسير غير واضح، ولم يذكره أهل اللغة، فيما أظن فليتأمل.
(1)
فتح جـ 1 ص 405.
(2)
ق.
(فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم) أي خبرهم وفعلهم هذا، ففاعل "بلغ" ضمير يعود إلى ما ذكر من فعلهم، وعند البخاري:"فجاء الخبر في أول النهار" وفي رواية "فجاء الصَّريخُ" وهو فعيل بمعنى فاعل، أي الصَّارخ بالإعلام بما وقع منهم، وهذَا الصارخ، كما مرَّ آنفا أحد الراعيين (فبعث) أي أرسل صلى الله عليه وسلم (الطَّلبَ) بفتحتين جمع طالب، لأنه يجمع على طُلَّب وطُلاّب، وطَلَبَة، وطَلَب، يقال: طَلَبَهُ طَلَبًا مُحرَّكًةً، وتَطَلَّبَهُ،
واطَّلَبَهُ كافتعله: حَاولَ وُجوده وأخْذَه، قاله المجد
(1)
. أي جماعة يطلبونهم (في آثارهم) أي بعدهم، يقال: خرج في إثره -بكسر فسكون، وأثره، بفتحتين-: أي بَعْدَه، قاله المجد، وفي حديث سلمة بن الأكوع:"خيلا من المسلمين أميرهم كُرْزُ بن جابر الفهري" وكذا ذكره ابن إسحاق، والأكثرون، وهو بضم الكاف، وسكون
الراء، بعدها زاي، وللنسائي من رواية الأوزاعي:"فبعث في طلبهم قَافَةً" أي جمع قائف، ولمسلم من رواية معاوية بن قرة، عن أنس: أنهم شباب من الأنصار، قريب من عشرين رجلا، وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم، قال الحافظ: ولم أقف على اسم هذا القائف، ولا على اسم واحد من العشرين، لكن في مغازي الواقدي: أن السرية كانت عشرين رجلا، ولم يقل: من الأنصار، بل سمى منهم جماعة من المهاجرين منهم: بُريدة بن الحُصيب، وسلمةُ بن الأكوع الأسلميان، وجُندَبُ، ورافع ابنا مكَيث الجُهَنيَّان، وأبو ذر وأبو رُهم الغفاريان، وبلال بن الحارث، وعبد الله بن عمرو بن عوف المزنيان، وغيرهم. والواقدي لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف، لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار، فأطلق الأنصار تغليبا، أو قيل للجميع: أنصار بالمعنى الأعم.
(1)
ق.
وفي مغازي موسى بن عقبة: أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد، كذا عنده بزيادة ياء، والذي ذكره غيره أنه: سعد -بسكون العين- بن زيد الأشهلي، وهذا أيضا أنصاري، فيحتمل أنه كان رأس الأنصار، وكان كرز أمير الجماعة.
وروى الطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثه في آثارهم، لكن إسناده ضعيف، والمعروف أن جريرا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة
(1)
.
(فَأُتي بهم) بالبناء للمفعول، والفاء عاطفة على محذوف، أي طلبوهم فأدركوا، فأتيَ بهم، وعند البخاري:"فلمَّا ارتفع النهار جيء بهم".
(فسمروا أعينهم) بتشديد الميم وتخفيفها- علي بناء الفعل للفاعل، والضمير للصحابة، أي كَحَلُوها بمسامير مُحمَاة، والفعل من باب قتل.
قال الحافظ: ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء، ووقع لمسلم من رواية عبد العزيز:"وسَمَلَ" بالتخفيف واللام، قال الخطابي: السَّمَلُ: فَقْءُ العين بأي شيء كان، قال أبو ذؤيب الهُذلي (من الكامل):
والعَيْنُ بَعْدَهُمُ كَأنَّ حِدَاقَهَا
…
سُمِلَتْ بشَوك فَهْيَ عُوْرٌ تَدْمَعُ
قال: والسَّمْر: لغة في السمْل، ومخارجهما متقاربان، قال: وقد يكون من المسمار، يريد أنهم كُحلُوا بأميال قد أُحْميَت، قال الحافظ: وقد وقع التصريح بالمراد عند البخاري من رواية وهيب، عن أيوب، ومن رواية الأوزاعي، عن يحيى، كلاهما عن أبي قلابة، ولفظه: "ثم
(1)
فتح جـ 1 ص 405.
أمَرَ بمسَامير، فَأُحْميَتْ، فَكَحَلَهم بها"، فهذا يوضح ما تقدم، ولا يخالف ذلك رواية "السمل" لأنه فقء العين بأي شيء كان كما مضى. انتهى
(1)
وقال ابن منظور: وسمر عينه كَسَمَلَها، وفي حديث الرهط العُرَنييّن الذين قَدمَوا المدينةَ، فأسلموا ثم ارتدوا، فسَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم" ويروى "سَمَلَ" فمن رواه باللام فمعناه: فقأها بشوك، أو غيره،
وقوله: "سمر أعينهم" أي أحمى لها مسامير الحديد ثم كحلها بها"
(2)
(وقطعوا أيديهم وأرجلهم) قال الداودي: يعني قَطَعَ يدي كل واحد ورجليه. قال الحافظ: تَرُدُّه رواية الترمذي: "من خلاف" وللبخاري من رواية الأوزاعي أيضا: "ولم يَحْسمْهُم" أي: لم يَكْو ما قطع منهم بالنار، لينقطع الدم، بل تركه يَنْزف (ثم تُركُوا في الحرة) بالبناء للمفعول، أي تركهم الناس، وإنما تُركُوا في الحرة، لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا (على حالهم) أي مقطعة أيديهم وأرجلهم (حتى ماتوا) على تلك الحال، وعند البخاري:"فألقوا في الحرة يَسْتَسْقُون فلا يُسقَون" وفي رواية: "ثم نَبَذَهم في الشمس حتى ماتوا" وفي رواية: "يَعَضُّون الحجارة"، وفي رواية، قال أنس:"فرأيت الرجل منهم يَكْدمُ الأرض بلسانه حتى يموت"، ولأبي عوانة:"يعضُّ الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة".
وزعم الواقدي أنهم صُلبُوا، قال الحافظ: والروايات الصحيحة ترده لكن عند أبي عوانة من رواية أبي عقيل عن أنس: "فَصَلَب اثنين، وقَطَع اثنين، وسمل اثنين" كذا ذكر ستة فقط فإن كان محفوظا، فعقوبتهم كانت مُوَزَّعَةً.
(1)
فتح جـ 1 ص 406.
(2)
لسان جـ 3 ص 2091.
ومال جماعة منهم ابن الجوزي إلى أن ذلك وقع على سبيل القصاص لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس: "إنما سَمَلَ النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرُّعُاة" قال الحافظ: وقصر من اقتصر في عزوه للترمذي والنسائي.
وتَعَقَّبَ ابنُ دقيق العيد ما قاله ابن الجوزي وغيره بأن المثلة في حقهم وقعت من جهات وليس في الحديث إلا السمل، فيحتاج إلى ثبوت البقية.
قال الحافظ: كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي.
وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ، قال ابن شاهين عقيب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثلة، وتعقبه ابن الجوزي: بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ. قال الحافظ: يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه، وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن، ثم النهي. وروى قتادة عن ابن سيرين: أن قصتهم كانت قبل أن تُنزَلَ الحدود، ولموسى بن عقبة في المغازي: وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نُهي بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة، وإلى هذا مال البخاري وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي مال إليه البخاري، ونقل عن الشافعي هو الواضح الراجح، لوضوح دليله، كما قرره الحافظ رحمه الله آنفًا. والله أعلم.
تنبيه:
قد استشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أنّ من
وجب عليه القتل فاستسقى لا يُمنَعُ، وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم.
قال الحافظ: وهو ضعيف جدّا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك، وسكوته كاف في ثبوت الحكم.
وأجاب النووي بأن المُحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء، ولا في غيره، ويدل عليه أن من ليس معه ماء إلا لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم، بل يستعمله، ولو مات المرتد عطشا.
وقال الخطابي: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك، لأنه أراد بهم الموت بذلك، وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عَطَّشَ آل بيته، في قصة رواها النسائي، فيحتمل أن يكونوا في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يُرَاح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه في كل ليلة، كما ذكر ذلك ابن سعد. والله أعلم
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: الظاهر عندي رأي القاضي عياض رحمه الله، وما رد به الحافظ بأنه صلى الله عليه وسلم اطلع عليه غير واضح لعدم ذكر دليل صريح فيه، بل هو مجرد احتمال، وكذا ما أجاب به النووي، والخطابي وغيره فليس عليها دليل صريح يُعْتَمدُ عليه، وأما الاستدلال بدعائه صلى الله عليه وسلم على من عَطَّش آل بيته فليس دليلا لما نحن فيه، كما لا يخفى على من تأمله. فَتَبَصَّر. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
(1)
فتح جـ 1 ص 406 - 407.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته:
حديث أنس رضي الله عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه المصنف هنا -191/ 305 - والكبرى -171/ 294 - بالسند المذكور. وفي 306 - والكبرى 295 - بالسند الآتى، وفي الكبرى في الحدود، وفي الطب أيضا عن محمَّد بن عبد الأعلى، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، وفي المحاربة عن أبي موسى، عن عبد الأعلى به.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (خ) من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس.
وفي الطب، وفي المغازي عن عبد الأعلي بن حماد، عن يزيد بن زريع عنه. وفي الجهاد عن بُندار عن ابن أبي عدّي، وسهل بن يوسف.
قال: وتابعه معاذ بن معاذ، وعبد الأعلى كلهم عنه به.
وأخرجه (م) في الحدود عن أبي موسى، عن عبد الأعلي بن عبد الأعلى به. وأخرجه (خ م د) من حديث أبي قلابة عن أنس، وأخرجه (ت ق) وابن خزيمة، والدارقطني، وابن حبان، وأحمد.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: طهارة بول الإبل، وكذا كل ما يؤكل لحمه، وهو الذي أراده لمصنف بإيراده هنا، إذ إذنه صلى الله عليه وسلم في شرب أبوال الإبل لقوم حديثي عهد بالإسلام، جاهلين بالأحكام، مع عدم أمرهم بغسل أفواههم، وما
يصيبهم منها للصلاة مع اعتيادهم شربها دليل على طهارتها، ويقاس عليها غيرها من مأكول اللحم، وسيأتي تحقيق ما قاله أهل العلم في المسألة التالية إن شاء الله تعالى.
ومنها: جواز التَّطبُّب بكل ما يُلائم البدن إذا كان طاهرا.
ومنها: ثبوت أحكام المحاربة في الصحراء، فإنه صلى الله عليه وسلم بعث في طلبهم لمَّا بلغه فعلهم بالرعاة. قال البدر العيني رحمه الله: واختلف العلماء في ثبوت أحكامها في الأمصار فنفاه أبو حنيفة، وأثبته مالك، والشافعي.
ومنها: شرعية المماثلة في القصاص.
ومنها: جواز عقوبة المحاربين وهو موافق لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ..} [المائدة: الآية 33]، وهل كلمة "أو" فيها للتخيير، أو للتنويع، قولان.
ومنها: قتل المرتد من غير استتابة، وفي كونها واجبة، أو مستحبة خلاف مشهور، وقيل: هؤلاء حاربوا، والمرتد إذا حارب لا يستتاب، لأنه يجب قتله، فلا معنى للاستتابة.
ومنها: نظر الإمام في مصالح الوفد الذين يَقدَمون إليه، ومراعاة أحوالهم بما يصلح لهم من طعام أو شراب، أو غيره. وبالله التوفيق، وعليه التكلان
(1)
.
المسألة الخامسة: في مذاهب أهل العلم في بول ما يؤكل لحمه:
ذهب بعضهم إلى القول بطهارته، وهو الراجح كما يأتي قريبا، قال الشوكاني: وهو مذهب العترة، والنخعي، والأوزاعي، والزهري،
(1)
أفاد هذه الفوائد في عمدة القاري جـ 3 ص 155.
ومالك، وأحمد، ومحمد، وزفر، وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية: ابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان، والاصطخري، والروياني.
أما في الإبل فبالنص، وأما في غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس.
قال ابن المنذر: ومن زَعَمَ أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يُصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، ويؤيد ذلك تقرير أهل العلم لمن يبيع أبعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم، ويويده أيضا: أن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة، واعترض الحافظ على ابن المنذر في استدلاله بترك من يبيع الأبعار، بأنه استدلال ضعيف، لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته.
وفي استدلاله باستعمال أبوال الإبل في أدويتهم بأنه حالة ضرورية، وما أبيح للضرورة لا يُسَمَّى حراما وقت تناوله، لقوله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام الآية -119].
قال الجامع: في هذا القول نظر، لأن التداوي بالمحرم ممنوع، لما سيأتي قريبا.
ومن أدلة القائلين بالطهارة: حديث الإذن بالصلاة في مرابض الغنم، رواه أحمد، والترمذي، وصححه.
وأما الجواب عنه بأنه معلل بأنها لا تؤذي كالإبل، ولا دلالة فيه على جواز المباشرة، وإلا لزم نجاسة أبوال الإبل وبعرها للنهي عن الصلاة في مباركها.
يُرَدُّ بأن الصلاة في مرابض الغنم تستلزم المباشرة لآثار الخارج منها،
والتعليل بكونها لا تؤذي أمر وراء ذلك، والتعليل عن الصلاة في معاطن الإبل بأنها تؤذي المصلي يدل على أن ذلك هو المانع، لا ما كان في المعاطن من الأبوال والبعر.
وأما استدلال على الطهارة بحديث: "لا بأس ببول ما أكل لحمه" رواه الدارقطني من حديث جابر، والبراء، مرفوعا فمردود بكونه غير ثابت؛ لأن في إسناده عمرو بن الحصين العقيلي، وهو وَاه جدّا، قال أبو حاتم: ذاهب الحديث ليس بشيء، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال الأزدي: ضعيف جدا، وقال ابن عدي: حَدَّث عن الثقات بغير حديث منكر، وهو متروك، وفي إسناده أيضا يحيى بن العلاء أبو عمر البجلي الرازي، قد ضعفوه جدّا، قاله الدارقطني، وكان وكيع شديد العمل عليه، وقال أحمد: كَذَّاب، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال النسائي والأزدي: متروك.
واحتجوا أيضا بما أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، من حديث عمر في قصة عطشهم في بعض المغازي، قال:"حتى إن كان الرجل ليلتمس الماء، حتى إنه لينحر بعيره، فيَعْصرُ فَرْثَه، فيشربه ويجعل ما بقي على كبده".
قال ابن خزيمة رحمه الله: فلو كان ماء الفرث إذا عُصر نجسا، لم يجز للمرء أن يجعل على كبده فينجس بعض بدنه، وهو غير واجد لماء طاهر يغسل موضع النجس منه، فأما شرب الماء النجس عند خوف التلف إن لم يشرب ذلك الماء، فجائز إحياءُ النفس بشرب ماء نجس، إذ الله عز وجل قد أباح عند الاضطرار إحياء النفس بأكل الميتة، والدم ولحم الخنزير، إذا خيف التلف إن لم يأكل ذلك، والميتةُ، والدم، ولحم
الخنزير نجس محرم على المستغني عنه، مباح للمضطر إليه لإحياء النفس بأكله، فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النجس أن يحيى نفسه بشرب ماء نجس إذا خاف التلف على نفسه بترك شربه.
فأما أن يجعل ماء نجسا على بعض بدنه، والعلم محيط بأنه لم يجعل ذلك الماء النجس على بدنه لم يخف التلف على نفسه، ولا كان في إمساس ذلك الماء النجس بعض بدنه إحياء نفسه بذلك ولا عنده ماء طاهر يغسل ما نَجَّس من بدنه بذلك الماء، فهذا غير جائز ولا واسع لأحد فعله، انتهى كلام ابن خزيمة
(1)
.
واحتجوا أيضا بحديث: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" عند مسلم
(2)
والترمذي، وأبي داود من حديث وائل بن حجر، وابن حبان، والبيهقي، من حديث أم سلمة، وعند الترمذي، وأبي داود من حديث أبي هريرة بلفظ:"نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل دواء خبيث".
والتحريم يستلزم النجاسة، والتحليل يستلزم الطهارة، فتحليل التداوي بها دليل على طهارتها، فأبوال الإبل وما يلحق بها طاهر.
قال الجامع: في قوله: والتحريم يستلزم النجاسة .. الخ في محل
(1)
صحيح ابن خزيمة جـ 1 ص 53 - 54.
(2)
هكذا عزاه الشوكانى إلى مسلم، والترمذي، وأبى داود،، ولا أراه صحيحا، وقد عز الشيخ الألباني موقوفا على ابن مسعود إلى أحمد، والطبراني في الكبير، قال: وإسناده صحيح، قال: وعلقه البخاري بصيغة الجزم، وصححه الحافظ ابن حجر.
وعزاه إلى الدولابي عن أبي الدرداء مرفرعا بلفظ "إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام" قال: وإسناده حسن. ومن حديث أم سلمة بلفظ "إن الله لم يجعل في حرام شفاء" وقال: أخرجه أحمد في الأشربة، وابن أبي الدنيا في ذم المسكر، وأبو يعلى وابن حبان، وقال: إسناد رجاله كلهم ثقات، غير حسان بن مخارق فهو مستور. اهـ الصحيحة جـ 4 ص 174 - 175.
منع، فإن السم محرم، ولا يقال إنه نجس.
وأجاب القائلون بالنجاسة عن الاستدلال بهذا الحديث بأنه محمول على حالة الاختيار، وأما في الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، فالنهي عن التداوي بالحرام باعتبار الحالة التي لا ضرورة فيها، والإذن بالتداوي بأبوال الإبل باعتبار حالة الضرورة، وإن كان خبيثا حراما، ولو سلم فالتداوي إنما وقع بأبوال الإبل، فيكون خاصا بها، ولا يجوز إلحاق غيره به لما ثبت من حديث ابن عباس مرفوعا:"إن في أبوال الإبل شفاء للذَّرَبة بطونهم". والذَّرَب: فساد المَعدَة.
فلا يقاس ما ثبت فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، على أن حديث تحريم التداوي بالحرام في جواب من سأل عن التداوي بالخمر، كما في صحيح مسلم وغيره، ولا يجوز إلحاق غير المسكر به من سائر النجاسات، لأن شرب المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء، فجاء الشرع بخلاف ذلك، هكذا أجاب الحافظ في الفتح عن الاستدلال بهذا الحديث.
ورد عليه بأنه قصر للعام على السبب بدون مُوجب، والمعتبر عموم اللفظ لا خصوص السبب.
ومن العجيب أنه استدل لمن قال بالنجاسة بحديث: "كان لا يستنزه من البول" فقال: إن هذا عام لا يخص منه أبوال الإبل، فلمَ لا يقول هنا: إن حديث: "لم يجعل الله شفاءكم .. " الخ عام لا يخص منه
التداوي بأبوال الإبل، فتبصر.
وذهب بعضهم إلى القول بنجاسة جميع الأبوال والأزبال، وبه يقول الشافعية والحنفية، ونسبه في الفتح إلى الجمهور، ورواه ابن حزم في المُحَلَّى عن جماعة من السلف.
واحتج هؤلاء بحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتفق عليه: "أنه صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرين، فقال: إنهم ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول .. " الحديث، قالوا: يعم جنس البول، ولم يخصه ببول الإنسان، ولا أخرج عنه بول المأكول، وهذا غاية ما تمسكوا به.
وأجيب عنه بأن المراد بول الإنسان، لما في صحيح البخاري بلفظ:"كان لا يستنزه من بوله" قال البخاري: ولم يذكر سوى بول الناس، فالتعريف في البول للعهد. قال ابن بطال: أراد البخاري أن المراد بقوله: "كان لا يستنزه من البول" بول الإنسان، لا بول سائر الحيوان، فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان، وكأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال: فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها، قال في الفتح: ومحصل الرد أن العموم في رواية من "البول" أريد به الخصوص لقوله: "من بوله" أو الألف والسلام بدل من الضمير. انتهى.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله بعد ذكر ما تقدم ما نصه: والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه، تمسكا بالأصل، واستصحابا للبراءة الأصلية، والنجاسةُ حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصلُ والبراءةُ، فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنها، ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلا كذلك، وغاية ما جاءوا به حديث صاحبي القبرين، وهو مع كونه مرادًا به الخصوص كما سلف عموم ظني الدلالة لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة المعتضدة بما سلف
فإن قلت: إذا كان الحكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه وزبْله لما تقدم حتى يرد دليل، فما الدليل على نجاسة بول غير المأكول وزبله على العموم؟
قلت: قد تمسكوا بحديث: "إنها ركس" قاله صلى الله عليه وسلم في الروثة، أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وبما تقدم في بول الآدمي، وألحقوا سائر الحيوانات التي لا تؤكل به بجامع عدم الأكل، وهو لا يتم إلا بعد تسليم أن علة النجاسة عدم الأكل، وهو منتقض بالقول بنجاسة زبل الجلاّلة، والدفعُ بأن العلة في زبل الجلاّلة هو الاستقذار منقوض باستلزامه لنجاسة كل مستقذر كالطاهر إذا صار منتنا، إلا أن يقال: إن زبل الجلالة هو محكوم بنجاسته لا للاستقذار، بل لكونه عين النجاسة الأصلية التي جَلَّتها الدابة لعدم الاستحالة التامة.
وأما الاستدلال بمفهوم حديث: "لا بأس ببول ما يؤكل لحمه" المتقدم، فغير صالح لما تقدم من ضعفه الذي لا يصلح معه للاستدلال به حتى قال ابن حزم: إنه خبر باطل موضوع، قال: لأن في رجاله سَوَّار ابن مصعب، وهو متروك عند جميع أهل النقل، متفق على ترك الرواية عنه يروي الموضوعات.
فالذي يتحتم القول به في الأبوال والأزبال هو الاقتصار على نجاسة بول الآدمي وزبله، والروثة.
وقد نقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير، ولكنه زاد ابن خزيمة:"إنها ركس، إنها روثة حمار".
وأما سائر الحيوانات التي لا يؤكل لحمها، فإن وَجَدْتَ في بول بعضها أو زبله ما يقتضي إلحاقه بالمنصوص عليه طهارة أو نجاسة ألحقته، وإن لم تجد فالمتوجه البقاء على الأصل والبراءة، كما عرفت. انتهى كلام الشوكاني رحمه الله تعالى
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: حاصل كلام الشوكاني رحمه الله أنه لا
(1)
نيل الأوطار جـ 1 ص 83 - 86.
يرى نجاسة الأبوال والأزبال إلا ما ورد النص بنجاسته، كبول الآدمي، والروث، سواء في ذلك مأكول اللحم وغير مأكوله، لعدم نص قاطع يزيل البراءة الأصلية، وهو رأي وجيه، وبحث نبيه لا يظهر لي غيره، وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
وقد ذكر أبو بكر بن المنذر رحمه الله المسألة، وحقق الخلاف فيها، ورَجَّحَ قول من قال: بطهارتها، وبينه أتم بيان في كتابه الأوسط، فارجع إليه تزدد علما
(1)
.
306 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِو عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ أَعْرَابٌ مِنْ عُرَيْنَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، حَتَّى اصْفَرَّتْ أَلْوَانُهُمْ، وَعَظُمَتْ بُطُونُهُمْ، فَبَعَثَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى لِقَاحٍ لَهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، حَتَّى صَحُّوا، فَقَتَلُوا رَاعِيَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، فَبَعَثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ"
(1)
الأوسط جـ 2 ص 195 - 200.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدُ الْمَلِكِ لأَنَسٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُهُ هَذَا الْحَدِيثَ: بِكُفْرٍ أَمْ بِذَنْبٍ؟ قَالَ: بِكُفْرٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ طَلْحَةَ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي -وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلٌ.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(محمَّد بن وهب) بن عمر بن أبي كريمة، أبو المُعَافَى الحَرَّاني.
روى عن عَتَّاب بن بشير، وعيسى بن يونس، ومحمد بن سلمة، ومسكين بن بكير، وغيرهم.
وعنه المصنف ويعقوب بن يوسف الشيباني، ومحمد بن علي بن حبيب الطرائفي، وأبو خيثمة علي بن عمرو الحرّاني، وغيرهم.
قال المصنف: لا بأس به، ومرة قال: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة: صدوق. مات في رمضان سنة 243، انفرد به المصنف من بين الستة.
2 -
(محمَّد بن سَلَمَة) بن عبد الله الباهلي أبو عبد الله الحرّاني.
روى عن خاله أبي عبد الرحيم خالد، ومحمد بن إسحاق، وخُصَيف، وابن عجلان وغيرهم.
وعنه أحمد بن حنبل، وعبد الله بن محمَّد النفيلي، وأحمد بن شعيب الحراني، وعمرو بن خالد، والعلاء بن هلال وغيرهم.
وثقه النسائي، وقال ابن سعد: ثقة عالم، له فضل، ورواية وفتوى، وذكره ابن حبان في الثقات، قال أبو عروبة: أدركنا الناس لا يختلفون في فضله وحفظه، ووثقه العجلي، وفي الزهرة روى له مسلم 12 حديثا، مات سنة 191، وقيل: 192، وقيل: 193، أخرج له مسلم والأربعة.
3 -
(أبو عبد الرحيم) خالد بن يزيد، ويقال: ابن أبي يزيد، وهو المشهور، ابن سِمَاك بن رستم، قاله ابن أبي عروبة، وقال الدارقطني: ابن سَمَّال -بفتح السين وتشديد الميم، وباللام- الأموي مولاهم، أبو عبد الرحيم الحراني.
روى عن زيد بن أبي أنيسة، وعبد الوهاب بن بخت، وجهم بن الجارود، ومكحول الشامي، وعدَّة. وعنه ابن أخته محمَّد بن سلمة الحراني وموسى بن أعين، وعيسى بن يونس، ووكيع، وغيرهم.
قال أحمد وأبو حاتم: لا بأس به، وقال ابن الجنيد عن ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: حسن الحديث متقن فيه، وثقه أبو القاسم البغوي، مات سنة 144، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
4 -
(زيد بن أبي أنيسة) واسم أبيه زيد الجزري أبو أسامة الرُّهاوي
(1)
كوفي الأصل الغَنَوي مولاهم.
روى عن أبي إسحاق السبيعي، وعطاء بن السائب، وأبي الزبير،
(1)
بضم الراء وفتح الهاء نسبة إلى مدينة من الجزيرة. لباب جـ 2 ص 45.
وأبي الزناد، والحكم بن عُتيبة، وسعيد بن أبي بردة، وطلحة بن مصرف، وأبي زيد عبد الملك بن ميسرة الزَّرَّاد، وعدي بن ثابت.
وعنه مالك، ومسعر، ومعقل بن عبيد الله، وأبو عبد الرحيم الحراني، وعبيد الله بن عمرو الرقي، وهو راويته.
وروى عنه مجالد بن سعيد، وهو في عداد شيوخه.
قال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال عمرو بن عبد الله الأودي حدثني وكيع وجعفر بن برقان عن زيد بن أبي أنيسة وكان ثقة. قال ابن سعد: كان يَسْكُن الرُّها، ومات بها، وكان ثقة كثير الحديث، فقيها، راوية للعلم. وقال عبيد الله بن عمرو: أتيت الأعمش، فحدثني عشرة أحاديث، فاستزدته، فأبى، فقيل له: إنه صاحب زيد بن أبي أنيسة قال: فحدثني بنحو خمسين حديثا. ووثقه العجلي، وابن حبان، وقال: كان فقيها وَرعًا، ووثقه أبو داود، ويعقوب بن سفيان، وعن أحمد قال: حديثه حسن مقارب، وإن فيها
(1)
لبعض النكرة، وهو على ذلك حسن الحديث، وقال المروزي: سألته عنه؟ فحرك يده، وقال: صالح، وليس بذاك، ووثقه الذهلي، وابن نمير، والبَرْقيّ. مات سنة 119، وقيل: 125، وقيل: 124، وقيل: إنه ولد سنة 91، أخرج له الجماعة.
5 -
(طلحة بن مصرف) بن عمرو بن كعب بن جخدب بن معاوية ابن سعد بن الحارث، الهمداني اليمامي أبو محمَّد، ويقال: أبو عبد الله الكوفي.
روى عن أنس، وعبد الله بن أبي أوفى، وقُرَّة بن شَرَاحيل، وخيثمة بن عبد الرحمن، وزيد بن وهب، وأبي صالح السمان، وغيرهم.
(1)
هكذا نسخة "تت" فيها بضمير المؤنث، والظاهر أن يقول: فيه بضمير المذكر الراجع إلى "حديثه". فيحرر.
وعنه أبو إسحاق السَّبيعي، وهو أكبر منه، وإسماعيل بن أبي خالد، وزيد بن الحارث اليامي، والأعمش، وهم من أقرانه، وابنه محمَّد، ومالك بن مغْوَل، ومنصور، وشعبة، وآخرون.
وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، وقال أبو معشر: ما ترك بعده مثله، وأثنى عليه، وقال عبد الله بن إدريس: ما رأيت الأعمش يثني على أحد أدركه إلا على طلحة بن مصرف. قال ابن إدريس: كانوا يسمونه سيد القراء، وقال العجلي: كان عثمانيا، وكان من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم، قال: واجتمع القراء في منزل الحكم بن عتيبة، فأجمعوا على أن طلحة أقرأ أهل الكوفة، فبلغه ذلك، فغدا إلى الأعمش يقرأ عليه ليذهب ذلك الاسم عنه. وقال عبد الملك بن أبجر: ما رأيت مثله، وما رأيته في قوم إلا رأيت له الفضل عليهم، وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث صالحة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن أبي حاتم في المراسيل: قيل لابن معين: سمع طلحة من أنس؟ فقال: لا، وسمعت أبي يقول: طلحة أدرك أنسا، وما ثبت له سماع منه، مات سنة 112، وقيل: 113، أخرج له الجماعة. وفي "ت" ثقة فاضل قارئ -5 - .
6 -
(يحيى بن سعيد) الأنصاري أبو سعيد المدني القاضي، ثقة ثبت من [5] تقدم في 22/ 23.
7 -
(أنس بن مالك) الأنصاري أبو حمزة الخادم الصحابي الجليل رضي الله عنه، تقدم في 6/ 6.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين حرانيينَ، وهم الثلاثة الأولون، ورُهَاويّ، وهو زيد، وكوفي، وهو
طلحة، ومدنيين، وهما يحيى وأنس، وهو أيضا بصري.
ومنها: أن خمسة منهم هذا الباب أولُ محلّ ذكرهم من هذا الكتاب وهم مَنْ قَبْلَ يحيى.
ومنها: أن فيه رواية تابعي، عن تابعي، طلحة، عن يحيى.
ومنها: أن أنسا أحد المكثرين السبعة روى 2286 حديثا.
قال الجامع عفا الله عنه: شرح الحديث، ومتعلقاته تقدمت في الحديث الماضي فلا داعي إلى إعادتها، غير أنه ينبغي التنبيه على بعض الألفاظ الغريبة التي لم يسبق لها ذكر وهي:
قوله (أعراب) -بفتح الهمزة-: وهم سكان البادية، واحده أعرابي بالياء، وتقدم تفسيره في 45/ 53. وقوله (من عُرينة) -بالتصغير- قبيلة معروفة، وتقدم الكلام في اختلاف الروايات هل هم من عكل، أو عرينة، أو منهما، في الحديث الماضي.
وقوله (حتى اصفَرَّت ألوانهم) أي تغيرت بسبب المرض، لعدم ملائمة الهواء، والأغذية لهم.
وقوله (إلى لقاح) -بكسر اللام جمع لَقوح- بفتحها، أو لقْحَة بكسرها، قال الفيومي: اللّقحة -بالكسر- الناقة ذات اللبن، والفتح لغة، والجمع لقَح، مثل سدْرَة وسدَر، أو مثل قَصْعَة وقصَع، واللَّقوح بفتح اللام مثل اللقحة، والجمع لقاح، مثل قَلُوص وقلاص، وقال ثعلب: اللقاح جمع لقحة، وإن شئت: لقوح، وهي التيُ نُتجَت، فهي لقوح، إلى شهرين، أو ثلاثة، ثم هي لبون بعد ذلك. انتهى
(1)
.
قال الجامع: قد تقدم الكلام في الجمع بين رواية "أنها لقاح له صلى الله عليه وسلم"
(1)
المصباح جـ 2 ص 557.
وبين رواية "أنها من إبل الصدقة" في كلام الحافظ رحمه الله وأما ما كتبه بعض من كتب على النسائي في وجه الجمع ها هنا فغير صحيح فتنبه
(1)
.
(قال أمير المومنين عبد الملك) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أبو الوليد المدني، ثم الدمشقي، كان طالب علم قبل الخلافة، ثم اشتغل بها، فتغير حاله، مُلِّكَ 13 سنة استقلالا، وقبلها منازعا لابن الزبير تسع سنين، ومات سنة 86، وقد جاوز الستين
(2)
.
(لأنس) الصحابي رضي الله عنه (وهو يحدثه) جملة في محل نصب على الحال من "أنس"(هذا الحديث) أي حديث العرنيين (بكفر أم بذنب؟) متعلق بمحذوف مقول لقال، أي أعُوقبُوا هذا العقاب بسبب
كفرهم، أم بسبب ذنبهم، فأم عاطفة للجار والمجرور الثاني على الأول، وحذفت الهمزة لعدم الخفاء، كما قال ابن مالك في الخلاصة:
وَأمْ بهَا اعْطفْ إثْرَ هَمْز التَّسْويَهْ
…
أوْ هَمْزَة عَنْ لَفْظ أيٍّ مُغْنيَهْ
وَرُبَّمَا أُسْقطَت الْهَمْزَةَ إنْ
…
كَانَ خَفَا المَعْنَى بحَذْفهَا أُمِنْ
(قال) أنس رضي الله عنه مجيبا له (بكفر) أي عوقبوا هذا العقاب بسبب كفرهم، وارتدادهم بعد الإسلام، وللبخاري: قال أبو قلابة: "فهؤلاء سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله".
(قال أبو عبد الرحمن) النسائي رحمه الله (لا نعلم أحدا قال: عن يحيى، عن أنس في) رواية (هذا الحديث غير طلحة) بالنصب مفعول ثان لنعلم، وجملة "قال" في محل نصب صفة "أحدا" يعني أن طلحة ابن مصرف تفرد بروايته عن يحيى، عن أنس مخالفا لغيره من الثقات،
(1)
البعض المذكور هنا هو الشيخ محمَّد مختار الشنقيطي رحمه الله.
(2)
تقريب التهذيب ص 330.
فإنهم رووه عن سعيد بن المسيب، مرسلا، وهو الصواب عند المصنف، كما أوضحه بقوله (والصواب) مبتدأ (عندي) متعلق بالصواب، وقوله (والله أعلم) جملة معترضة بين المبتدإ والخبر، أتَى بها تبرئة لنفسه عن دعوى العلم، والخبر قوله (يحيى، عن سعيد بن المسيب) بن حَزْن بن أبي وهب المخزومي المدني أحد العلماء الأثبات والفقهاء الكبار، من كبار الطبقة الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات بعد 90، وقد ناهز 80، وقوله (مرسل) هكذا نسخ المجتبى "مرسل" بالرفع، وفي الكبرى "مرسلا" بالنصب وهو ظاهر، وللرفع أيضا وجه، وهو أنه خبر لمحذوف، أي هو مرسل، ويحتمل أن يكون منصوبا حَالًا، إلا أنه على لغة ربيعة، فإنهم يُجْرُون المنصوب المنون مَجْرى المرفوع، والمجرور، فيقفون عليه بالسكون، أي حال كون الحديث مرسلا.
تنبيهات:
الأول: هذا الحديث بهذا السند من أفراد المصنف عن أصحاب الأصول أخرجه هنا -191/ 306 - والكبرى -171/ 295 - بالسند المذكور، وهو عندي صحيح وإن رجح المصنف إرساله لما سيأتي قريبا إن شاء الله.
الثاني: رواية ابن المسيب التي أشار إليها المصنف هنا: أخرجها هو في المحاربين من المجتبى [9/ 4036] عن أحمد بن عمرو بن السرح، عن ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، ومعاوية بن صالح، كلاهما عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: "قدم ناس من العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا، ثم مَرضَوا، فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
لقاح، ليشربوا من ألبانها، فكانوا فيها، ثم عَمَدوا إلى الراعي غم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلوه، واستاقوا اللقاح، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم عَطِّش من عَطَّشَ آل محمَّد الليلةَ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأُخذوا، فَقَطَّعَ أيديَهُم وأرجلهم، وسَمَل أعينهم" وبعضهم يزيد على بعض إلا أن معاوية قال في هذا الحديث:"استاقوا إلى أرض الشرك".
الثالث: أن المصنف يرى ترجيح كون هذا الحديث مرسلا، لمخالفة طلحة ليحيى بن أيوب، ومعاوية بن صالح كما مر آنفا.
قال الجامع: عندي أن مخالفته لهما لا تضر في وصله، فيكون من زيادات الثقات، فإنّ طلحة ثقة حافظ، فيكون الحديث موصولا صحيحا عن طريقه، والله أعلم.
الرابع: اختلف أهل العلم في الحديث المرسل في موضعين:
الأول: في تعريفه، قال النووي في تقريبه: اتفق علماء الطوائف على أن قول التابعي الكبير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فَعَلَهُ يسمى مرسلا، فإن انقطع قبل الصحابي
(1)
واحد، أو أكثر، قال الحاكم وغيره من المحدثين: لا يسمى مرسلا، بل يختص المرسل بالتابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن سقط قبله، فهو منقطع، وإن كان أكثر فمعضل ومنقطع، والمشهور
في الفقه والأصول أن الكل مرسل، وبه قطع الخطيب، وهذا اختلاف في الاصطلاح والعبارة، وأما قول الزهري وغيره من صغار التابعين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمشهور عند من خَصَّه بالتابعي أنه مرسل كالكبير، وقيل: ليس بمرسل، بل منقطع. انتهى.
(1)
في التقريب: قبل التابعي، والإصلاح من التدريب جـ 1 ص 195.
الثاني: في حكمه: قال النووي رحمه الله: ثم المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدثين، والشافعي وكثيرين من الفقهاء وأصحاب الأصول، وقال مالك، وأبو حنيفة في طائفة: صحيح، فإن صَحَّ مخرجُ المرسل بمجيئه من وجه آخر مسندا، أو مرسلا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحا، ويتبين بذلك صحةُ المرسل، وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق رجحناهما عليه، إذا تعذر
الجمع. وقد ذكر السيوطي رحمه الله عشرة أقوال في الاحتجاج بالمرسل في تدريبه، فراجعه
(1)
.
وقد نظم في ألفيته ما تقدم مع بيان الأشياء التي يَعْتَضِدُ بها المرسل عند من لا يحتج به إلا بالاعتضاد، فقال:
المُرسَلُ المرْفُوعُ بالتَّابع أوْ
…
ذي كبَر أو سَقْطُ رَاو قَدْ حَكَوْا
أشْهرُهَا الأوَّلُ ثُمَّ الحُجّةُ
…
به رأى الأئمَّةُ الثَّلاثَةُ
وَرَدُّهُ الأقْوَى وَقَوْلُ الأكْثَرِ
…
كالشَّافعي وأهْل علْم الخبَر
نَعَمْ به يُحْتَجُّ إنْ يَعْتَضد
…
بمرْسَل آخَرَ أو بمُسنَدِ
أوْ قَوْلِ صَاحب أو الجُمْهُورِ أوْ
…
قَيْس، ومَنْ شُرُوطه كَمَا رَأوْا
كَونُ الذي أرْسَلَ منْ كبَار
…
وَإنْ مَشَى مَعْ حافظِ يُجَاري
ولَيْسَ مِنْ شُيُوخهً مَنْ ضُعّفَا
…
كَنَهي بَيْع اللحْم بالأصَلِ وَفَا
(2)
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
تدريب جـ 1 ص 202.
(2)
راجع شرحي للألفية المذكورة المسمى "إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر" جـ 1 ص 117 - 123.
192 - بَابُ فَرْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُصِيبُ الثّوْبَ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم فرب الحيوان الذي يَحلُّ أكله، إذا أصاب الثوب.
والفَرْثُ: -بفتح فسكون- السِّرجين ما دام في الكَرش، والجمع فُرُوث، كفَلْس وفُلُوس، قال ابن سيده: الفَرْثُ: السِّرْقين، والفَرثُ والفرثة: سرقين الكَرش
(1)
.
وقال الفيومي: والسرجين: الزِّبلُ، كلمة أعجمية، وأصلها: سركين بالكاف، فعُرِّبت إلى الجيم والقاف، فيقال: سرقين أيضا، وعن الأصمعي: لا أدري كيف أقُوله؟ وإنما أقول: رَوْث، وإنما كسروا
أوله لموافقة الأبنية العربية، ولا يجوز الفتح، لفقد فَعلين -بالفتح- على أنه قال في المحكم سرْجين، وسَرْجين، يعني بالكسر والفتح
(2)
.
وجملة: "يصيب الثوب" في محل نصب على الحال من فَرْث.
307 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ -يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ -وَهُوَ ابْنُ صَالِحٍ- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَمَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ جُلُوسٌ وَقَدْ نَحَرُوا جَزُورًا،
(1)
المصباح جـ 5 ص 3369.
(2)
المصباح جـ 1 ص 273.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيُّكُمْ يَأْخُذُ هَذَا الْفَرْثَ بِدَمِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى يَضَعَ وَجْهَهُ سَاجِدًا فَيَضَعُهُ -يَعْنِي عَلَى ظَهْرِهِ؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَأَخَذَ الْفَرْثَ فَذَهَبَ بِهِ، ثُمَّ أَمْهَلَهُ، فَلَمَّا خَرَّ سَاجِدًا وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأُخْبِرَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ جَارِيَةٌ، فَجَاءَتْ تَسْعَى فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ:"اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ" حَتَّى عَدَّ سَبْعَةً مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ فِي قَلِيبٍ وَاحِدٍ.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(أحمد بن عثمان بن حكيم) الأودي، أبو عبد الله الكوفي ثقة من [11] ت سنة 261، وتقدم في 161/ 252.
2 -
(خالد بن مَخْلَد) القَطَوانيُّ، أبو الهيثم البَجَليُّ مولاهم الكوفي، وقَطَوان بفتحتين: موضع بالكوفة.
روى عن سليمان بن بلال، وعبد الله بن عمر العمري، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، ومالك، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، وجماعة.
وعنه البخاري، وروى له مسلم، وأبو داود في مسند مالك، والباقون بواسطة محمَّد بن عثمان بن كرامة، وأبي كريب، وابن نمير، والقاسم بن زكريا، وعبد بن حميد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، وصالح بن محمَّد بن يحيى بن سعيد القطان وآخرون. قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: له أحاديث مناكير، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، قال الآجري عن أبي داود: صدوق ولكنه يتشيع، وعن ابن معين: ما به بأس، وقال ابن عدي: هو من المكثرين، وهو عندي إن شاء الله لا بأس به، وقال أيضا بعد أن ساق له أحاديث: لم أجد في أحاديثه أنكر مما ذكرته، ولعلها توهما منه، أو حملا على حفظه. وقال ابن سعد: كان متشيعا مُنكر الحديث مُفرطا، وكتبوا عنه للضرورة. وقال العجلي: ثقة فيه قليل تشيع، وكان كثير الحديث، وقال صالح بن محمَّد جزرة: ثقة في الحديث، إلا أنه كان مُتَّهما بالغلو. وقال الجُوزجاني: كان شَتَّاما، معلنا لسوء مذهبه، وقال الأعين: قلت له عندك أحاديث في مناقب الصحابة؟ قال: قل في المثالب أو المثاقب -يعني بالمثلثة لا بالنون- وحكى أبو الوليد الباجي في رجال البخاري عن أبي حاتم أنه قال لخالد بن مخلد أحاديث مناكير، ويكتب حديثه. وفي الميزان للذهبي: قال أبو أحمد: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وقال الأزدي: في حديثه بعض المناكير، وهو عندنا في عداد أهل الصدق، وقال ابن شاهين في الثقات: قال عثمان بن أبي شيبة: هو ثقة صدوق. وذكره الساجي، والعقيلي في الضعفاء، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يكره أن يقال له القَطَوَاني.
قال الحافظ: وقال البخاري في تاريخه: كان يغضب من القطوان، ويقال: إنما قطوان بَقَّال، وزعم الباجي: أن قطوان قرية بالقرب من الكوفة، وبه جزم ابن السمعاني. مات سنة 213، وقيل: 214
(1)
.
3 -
(علي بن صالح) بن صالح بن حيّ الهمداني، أبو محمَّد، ويقال: أبو الحسن الكوفي أخو الحسن بن صالح، وهما توأمان.
روى عن أبيه، وأبي إسحاق السبيعي، وسلمة بن كُهَيل، وغيرهم. وعنه أخوه، وابن عيينة، ووكيع، وأبو أحمد الزُّبيري، وخالد بن مخلد، وغيرهم.
وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن حبان، وقال علي بن المنذر عن عبيد الله بن موسى: سمعت الحسن بن صالح يقول: لما حُضرَ أخي رفع بصره ثم قال: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ..} إلى آخر الآية [النساء الآية 69]، ثم خرجت نفسه.
له في مسلم حديث أبي هريرة في البيوع: "خياركم أحسنكم قضاء" وقال العجلي: كوفي ثقة. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة مأمون، وقال ابن سعد: كان صاحب قرآن، وكان ثقة إن شاء الله قليل الحديث، وقال الساجي: سمعت مُثَنَّى يقول: ما سمعمت يحيى، ولا ابن مهدي حدثانا عن علي بن صالح بشيء قط. ونقل الساجي أن ابن معين ضعفه. مات سنة 151، وقيل 154
(2)
.
4 -
(أبو إسحاق) السَّبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي، ثقة مكثر عابد من [3] اختلط بآخرة. تقدم في 38/ 42.
5 -
(عمرو بن ميمون) الأودي، أبو عبد الله، ويقال: أبو يحيى،
(1)
تت جـ 3 ص 117 - 118 بتصرف.
(2)
تت جـ 7 ص 332 - 333.
أدرك الجاهلية، ولم يَلْقَ النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عن عمر، وابن مسعود، ومعاذ، وأبي ذر، وأبي مسعود، وسعد بن أبي وقاص، ومعقل بن يسار، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس وغيرهم. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى والربيع بن خُثَيم وهما من أقرانه، بل أصغر منه.
وروى عنه سعيد بن جبير، والربيع بن خثيم، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم.
قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وعن أبي إسحاق السبيعي: كان أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم يرضون بعمرو بن ميمون، وعنه أيضا: إذا دخل عمرو بن ميمون المسجد فرئي ذُكرَ اللهُ، وعن عمرو بن ميمون قال: قدم علينا معاذ اليمن، رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من السَّحَر رافعا صوته بالتكبير، أجَشَّ الصوت، فَأُلْقِيَت عليه محبتي .. الحديث. ووثقه ابن معين، والنسائي، وابن حبان، وقال ابن عبد البر: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وصَدَّقَ إليه
(1)
، وكان مسلمًا في حياته، أخرج له الجماعة. مات سنة 74 ويقال: 75
(2)
.
وفي "ت" مخضرم مشهور ثقة عابد نزل الكوفة.
6 -
(عبد الله) بن مسعود بن غافل الهُذَلي، أبو عبد الرحمن الصحابي الجليل ت سنة 32، أو في التي بعدها بالمدينة، وتقدم في 35/ 39.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وإن كان فيهم
(1)
أي أدَّى إليه الصدقة.
(2)
تت جـ 8 ص 109 - 110.
بعض خلاف كما سبق.
ومنها: أنه مسلسل بالكوفيين.
ومنها: أن فيه رواية تابعي عن تابعي، أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون.
ومنها: أن خالدا وعلي بن صالح، وعمرو بن ميمون هذا الباب أولُ محلّ ذكرهم.
ومنها: أن في قوله: "يعني ابن مخلد" وقوله: "هو ابن صالح" لطيفة ظريفةً، وهي أن شيخه لما لم ينسبه إلى أبيه، وأراد هو أن ينسبه إليه إيضاحا زاد كلمة -يعني-، وكذا "هو" لفصل ما زاده على شيخه
لئلا يكون زائدا عليه، وإلى ذلك أشار السيوطي في ألفيته حيث قال:
وَلَا تَزدْ في نَسَب أوْ وَصْف مَنْ
…
فَوْقَ شُيُوخ عَنْهُمُو مَا لَمْ يُبَنْ
بنَحْو يَعْني أوْ بأنَّ، أوْ بِهُو
…
أمَّا إذَا أتَمَّهُ أوَّلَهُ
أَجِزْهُ في الْبَاقي لَدَى الجْمُهْورِ
…
وَالْفَصْلُ أوْلَى قَاصرَ المَذْكُورِ
ومنها: أن عبد الله هنا هو ابن مسعود رضي الله عنه، لأن الراوي عنه كوفي، كما قال في الألفية السيوطية:
وَحَيْثُماَ أطْلقَ عبْدُ الله في
…
طَيْبَةَ فَابْنُ عُمَر وَإنْ يَفي
بمكَّة فَابْنُ الزُّبَير أوْ جَرَى
…
بكُوفَة فَهْوَ ابْنَ مَسْعُود يُرىَ
وَالْبَصْرَةِ الْبَحْرُ وَعْندَ مصْرِ
…
وَالشَّام مَهْمَا أُطْلِقَ ابْنُ عَمْرِو
وقد تقدم هذا غير مرة، وإنما أعدته تذكيرًا لطول العهد به. والله أعلم.
شرح الحديث
(عن عمرو بن ميمون) الأودي (قال: حدثنا عبد الله) يعني ابن مسعود رضي الله عنه (في بيت المال) أي في محل أُعدَّ لحفظ مال المسلمين، الذي أُعدَّ لمصالحهم ونوائبهم كالخَرَاج والعُشُور، وما يأخذه الإمام من هدايا أهل الحرب، ونحو ذلك (قال) عبد الله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيت) أي الحرام، لأنه المراد عند الإطلاق، لكونه علما بالغلبة عليه، كما قال في الخلاصة:
وَقَدْ يَكُونُ عَلَمًا بالْغَلَبَهْ
…
مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ الْ كَالْعْقَبَهْ
وإن كان أصل البيت يطلق على المسكن (وملأ) الواو حالية، "وملأ" مبتدأ لوصفه بالجار والمجرور، والخبر قوله:"جلوس".
قال الفيومي: "الملأ" -مهموز- أشراف القوم، سُمُّوا بذلك لمَلَاءَتهم بما يُلتمس عندهم من المعروف، وجودة الرأي، أو لأنهم يملأون العيون أُبَّهَةَ، والصدور هَيْبةً، والجمع أمْلاء، مثل سَبَب وأسْبَاب
(1)
.
أي والحال أن جماعة (من قريش) بصيغة التصغير - القبيلة المعروفة، وهو النضر بن كنانة، ومن لم يلده فليس من قريش، وقيل: قريش هو فهو بن مالك، ومن لم يلده فليس من قريش، نقله السهيلي، وغيره، والثاني أصح، وإن كان الأول قول الأكثرين، كما قال الحافظ العراقي في ألفية السيرة:
أمَّا قُرَيْشٌ فَالأصَحُّ فهْرُ
…
جَمَّاعُهَا وَالأكْثَرُونَ الَنَّضْرُ
وأصل الْقَرْش: الجمع، وتقرشو ا: إذا اجتمعوا، وبذلك سميت
(1)
المصباح جـ 2 ص 580.
قريش، لتجمعهم إلى مكة من حواليها بعد تفرقها في البلاد حين غلب عليها قصي بن كلاب، وبه سمي قصي مُجَمِّعًا، وقيل: قريش دابة في البحر، لا تدع دابة إلا أكلتها، فجميع الدواب تخافها، ومنه اشتق قريش، قال الشاعر:
وَقُرَيْشُ الَتَّي تَسْكُنُ الْبَحـ
…
ـَر بهَا سُمْيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشاَ
وقيل: سميت بقريش بن مخلد بن غالب بن فهر، كان صاحب عَيرهم، فكانوا يقولون: قدمت عير قريش، وخرجت عير قريش، وقيل: سميت بذلك لتَجْرهَا وَتَكَسُّبهَا، وضربها في البلاد تبتغي الرزق، وقيل: سميت بذلك لأنهم كانوا أهل تجارة، ولم يكونوا أصحاب زرع وضرع، من قولهم: فلان يقترش المال، أي يجمعه، قال سيبويه: ومما غلب على الحي قريش، وإن جعلت قريشا اسم قبيلة فعربي
(1)
وقال الجوهري: إن أردت بقريش الحي صرفته وإن أردت القبيلة لم تصرفه، وفي التهذيب إذا نسبوا إلى قريش قالوا قُرَشي بحذف الزيادة، وللشاعر إذا اضطر أن يقول: قريشي
(2)
.
والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لملأ.
والمراد بالملأ هنا هم السبعة الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في الآتي، كما بينه البزار في روايته.
وقوله (جلوس) جمع جالس خبر المبتدإ (و) الحال أنهم (قد نحروا) من باب نَفَع، يقال: نَحره نَحْرا: ضربه في نحوه، وذبحه، أي ذبحوا (جزورا) بفتح الجيم: هو البعير ذكرا كان أو أنثى، إلا أن اللفظة مؤنثة، تقول: هذه الجزور، وإن أردت ذَكِّرْه، قاله في النهاية.
(1)
هكذا نسخة لسان العرب، ولعل الصواب: فغير منصرف. فليحرر.
(2)
لسان جـ 5 ص 3586 بتصرف، واختصار، وزيادة من المصباح.
والجمع: جُزُر -بضمتين- كرَسُول ورُسُل، ويجمع أيضا على جُزُرات، ثم على جزائر، وقيل: الجزور: الناقة التي تنحر، قاله الفيومي.
وقال ابن منظور: والجزور: الناقة المجزورة، والجمع جزائر، وجُزُر، وجُزُرات جمع الجمع، كطُرُق وطُرُقَات، وأجزَرَ القومَ: أعطاهم جَزُورا. والجزور: يقع على الذكر والأنثى، وهو يؤنث، لأن اللفظة مؤنثة، تقول: هذه الجزور، وإن أردت ذَكَرًا، وقال الليث: الجَزُور إذا أُفرد أُنّث، لأن أكثر ما ينحرون النُّوق
(1)
.
والجملة عطف على جملة الحال قبلها (فقال بعضهم) هو أبو جهل كما في صحيح مسلم (أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه) أي مع دمه، فالباء بمعنى "مع"، وعند البخاري وغيره:"أيكم يجيء بسَلىَ جزور بني فلان" والسَّلى مقصورا -بفتح المهملة- هي الجلدة التي يكون فيها الولد من البهائم، كالمشيمة للآدميات، وقيل: يقال فيهن أيضا: سلى
(2)
.
(ثم يمهله) أي النبي صلى الله عليه وسلم أي يتركه، وينتظره (حتى يضع وجهه) الشريف حال كونه (ساجدا، فيضعه) أي الفرث (يعني على ظهره) أتى بالعناية إشارة إلى أن قوله: "على ظهره" لم يكن مذكورا في روايته، والقائل: يعني: إما الصنف، أو أحد الرواة فوقه، وعند البخاري:"فيضعه على ظهر محمَّد إذا سجد".
(قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (فانبعث) أي قام مسرعًا، لأن انبعث للمطاوعة، يقال: بَعَثْتُهُ: إذا أثَرْتَهُ، فانبعث (أشقاها) أي أشد قريش شَقَاوة، وإنما أنث الضمير باعتبار القبيلة، كما تقدم، وعند
البخاري "فانبعث أشقى القوم".
(1)
لسان جـ 1 ص 614.
(2)
أفاده في الفتح جـ 1 ص 417.
والمراد به عُقبة بن أبي مُعَيط -بمهملة مصغرا- فقد بينه أبو داود الطيالسي في مسنده، وقال:"فجاء عقبة بن أبي معيط، فقذفه على ظهره".
وإنما كان أشقاها مع أن فيهم أبا جهل، وهو أشدهم كفرًا، وأذىً له صلى الله عليه وسلم لكون عُقبة باشر العملَ، فالشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القضية، فإنهم اشتركوا في الأمر والرِّضى، ولكن انفرد عقبةُ بالمباشرة، فكان أشقى، ولهذا قُتلُوا في الحرب، وقُتل هو صبرا، أفاده في الفتح.
(فأخذ الفرث) أي فرث الجزور المذبوحة (فذهب به) أي بالفرث (ثم أمهله) أي انتظر النبي صلى الله عليه وسلم (فلما خر ساجدًا وضعه على ظهره) الشريف وعند البخاري "فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا انظر، لا أُغني شيئا، لو كانت لي مَنَعَةٌ، قال: فجعلوا يضحكون، ويُحيلُ بعضهم على بعض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه".
(فأخبرت) بالبناء للمفعول (فاطمةُ) بالرفع نائب فاعل "أخبرت"(بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بدل من فاطمة، أي أخبرها بعض الناس بما فعلوا بأبيها، ويحتمل أن يكون المخبرُ هو ابنَ مسعود رضي الله عنه (وهي جارية) جملة حالية من فاطمة رضي الله عنها، أي والحال أنها جارية، أي صغيرة السن، سميت جارية لخفّتهَا ونَشَاطها.
قال الفيومي رحمه الله: والجارية: السفينة، سميت بذلك لجريانها في البحر، ومنه قيل: للأمة جارية على التشبيه لجريها مُسَخَّرَةً في أشْغَال مواليها، والأصل فيها الشابة لخفتها، ثم توسعوا حتى سَمُّوا كل أمة جارية، وإن كانت عجوزًا لا تقدر على السعي تسميةً بما كانت عليه، والجمع فيهما الجَواَري
(1)
.
(1)
المصباح جـ 1 ص 98.
فائدة:
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تُكنى أم ابنها
(1)
، وتعرف بالزهراء، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنها ابناها الحسن، والحسين، وأبوهما علي بن أبي طالب، وحفيدتُهما فاطمة بنت الحسين بن علي مرسلا، وعائشة، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وسلمى أم رافع.
قال عبد الرزاق، عن ابن جريج: قال لي غير واحد: كانت فاطمة أصغرهن وأحبهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: اضطرب مصعب بن الزبير في بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم أيتهن أكبر وأصغر اضطرابا يوجب أن لا يلتفت إليه في ذلك، والذي تسكن إليه النفس من ذلك أن الأولى: زينب، ثم رُقَّية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ويقال: إنَّ عليا تزوجها بعد أن ابتنى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة ونصف، وذلك في سنة اثنتين من الهجرة، وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة، وخمسة أشهر ونصفا، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.
قال كريب عن ابن عباس مرفوعا: "سيدة نساء أهل الجنة مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية" وقال عكرمة عن ابن عباس: "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة خطوط فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: أفضل نساء أهل الجنة خديجة، وفاطمة، ومريم، وآسية"
(2)
وقال أبو يزيد المديني عن أبي هريرة مرفوعا: "خيرُ نساء العالمين أربع: مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة"، وقال الشعبي عن جابر مرفوعا:"حسبك من نساء العالمين أربع سيدات نساء العالمين .. " فذكرهن، وقال قتادة عن أنس مثله، وقال عبد الرحمن بن أبي نعم،
(1)
وقع في نسخة من الإصابة "وتكنى بأم أبيها" ولا يظهر له معنى.
(2)
مسند أحمد 1/ 293، والحاكم 2/ 594.
عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم"
(1)
وقال ابن أبي مليكة عن المسور مرفوعا: "فاطمة بَضْعَة مني، يَريبُني ما رَابها، ويؤذيني ما آذاها" أخرجه الشيخان. وعن علي بن الحسين عن أبيه، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: "إن الله يرضى لرضاك، ويغضب لغضبك".
ومناقبها كثيرة جدّا، قال الزهري عن عائشة: عاشت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، زاد غيره: وهي بنت سبع وعشرين سنة، وقيل: ثمان، وكانت أوَّل آل النبي صلى الله عليه وسلم لُحوقا به، وغسلها علي، ودُفنت ليلا، وقيل: ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، وقيل: بمائة يوم، وقيل: بثمانية أشهر، وقيل: غير ذلك
(2)
.
(فجاءت) فاطمة رضي الله عنها (تسعى) أي تسرع (فأخدته) أي الفرث بدمه (من ظهره) صلى الله عليه وسلم، وفي رواية:"فأقبلت تَشْتمُهم" زاد البزار: "فلم يَرُدُّوا عليها شيئا"(فلما فرغ) صلى الله عليه وسلم (من صلاته) فيه أن الدعاء كان خارج الصلاة، وعند البزار من رواية زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق:"فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، اللهم"، قال البزار: تفرد بقوله: "أما بعد" زيد.
وكان هذا الدعاء وهو مستقبل القبلة كما ثبت من رواية زهير، عن أبي إسحاق، عند الشيخين، قاله الحافظ (قال: اللهم عليك بقريش) أي بإهلاكهم، والراد الكفار منهم، أو من سَمَّى منهم، فهو عام أريد به الخاص.
وأصل اللهم: يا ألله، حذف منه حرف النداء، وعُوِّض عنه الميم المشددة، ولا يستعمل إلا في نداء لفظ الجلالة، ولا يجمع بين "يا"
(1)
انظر صحيح البخاري تعليقًا 5/ 25، والفتح 7/ 77 ومسند أحمد 3/ 580، 391.
(2)
تت جـ 12 ص 440 - 442.
والميم إلا في الضرورة الشعرية كقوله:
إنِّي إذَا ما حَدَثٌ ألَمَّا
…
أقُولُ ياَ الَّلهُمَّ، يَا الَّلهُمَّا
قال ابن مالك في الخلاصة:
وَاْلأكْثَرُ الَّلهُمَّ بالتَّعْويضِ
…
وَشَذَّ ياَ اللَّهُمَّ في قَريض
وعليك: اسم فعل، منقول من الجار والمجرور، والمراد به هنا الدعاء عليهم، أي خذهم بالهلاك.
فائدة:
كتب العلامة محمَّد الخضري رحمه الله في حاشيته على شرح ابن عقيل على الألفية، عند قوله:"عليك زيدا" ما نصه:
عليك: اسم فعل بمعنى الْزَمْ، وزيدًا مفعوله، وقد يتعدى إليه بالباء "كعليك بذات الدين" فيكون بمعنى استمسك مثلا، وقد صرح الرضيُّ بأنها زائدة، لأنها تزاد كثيرًا في مفعول اسم الفعل، لضعف عمله.
وأما الكاف فهي ضمير عند الجمهور، لا حرف خطاب، لأن الجار لا يستعمل بدونها، ولأن الياء والهاء في قولهم: عَلَيَّ، وعليه، ضميران اتفاقا، وهل هي فاعل باسم الفعل؟ أو مفعوله، والفاعل مستتر؟ أي ألزم أنت نفسك زيدًا، وإليك بمعنى نَحِّ نفسك، وكذا الباقي؟ أو مجرورة بالحرف في نحو عليك؟ وبالإضافة في نحو دونك، نظرا للأصل قبل النقل، والفاعل مستتر، أقوال: أصحها ثالثها، فإذا
قلت: عليكم كُلُّكُمْ زيدا، جاز رفع كل توكيدًا للمستكن، وجره توكيدًا للمجرور.
وبهذا يعلم أن اسم الفعل هو الجار فقط، وفاعله مستتر فيه، والكاف كلمة مستقلة، وقولهم: منقول من جار ومجرور فيه تسامح،
ولم تجعل الكاف مجرورة بإضافته بعد النقل، لأن اسم الفعل لا يعمل الجر، ولا يضاف، فتدبر
(1)
.
(ثلاث مرات) قال في الفتح: كرره إسرائيل لفظا، لا عددا، وزاد مسلم في روايته:"وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا".
ثم خص بعد التعميم، فقال (اللهم عليك بأبي جهل بن هشام) عمرو بن هشام بن المغيرة، من بني مخزوم (وشيبة بن ربيعة و) أخيه (عتبة بن ربيعة) بن عبد شمس، من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (وعقبة بن أبي معيط) واسمم أبي معيط: أبان بن أبي عمرو (حتى عَدَّ) عبد الله بن مسعود (سبعة) أي حتى ذكر سبعة أشخاص من عُتَاة قريش.
وقد ورد ذكرهم عند البخاري في "باب إذا أُلقي على ظهر المصلي قذر" فعَدَّ منهم الوليد بن عتبة، وهو ابن عتبة بن ربيعة المذكور هنا، قال الحافظ: ولم تختلف الروايات في أنه بعين مهملة بعدها مثناة ساكنة، ثم موحدة، لكن عند مسلم من رواية زكريا: بالقاف بدل المثناة، وهو وهم قديم نَبَّه عليه ابن سفيان الراوي عن مسلم، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق شيخ مسلم على الصواب.
وأُمَيَّة بن خلف، قال الحافظ: في رواية شعبة "أو أبي بن خلف" شك شعبة، وقد ذكر البخاري الاختلاف فيه عقيب رواية الثوري في الجهاد، وقال: الصحيح: أمية، لكن وقع عندهم هناك "أو أبي بن خلف" وهو وَهَم منه أو من شيخه أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة إذْ حَدَّثه، فقد رواه شيخه أبو بكر في مسنده، فقال:"أمية" وكذا رواه مسلم عن أبي بكر، والإسماعيلي، وأبو نعيم من طريق أبي بكر،
كذلك، وهو الصواب.
(1)
حاشية الخضري جـ 2 ص 90.
وأطبق أصحاب المغازي على أن المقتول ببدر أمية، وعلى أن أخاه أبيا قتل بأحد
(1)
قال: "وعد السابع فلم نحفظه" قال الكرماني: فاعل "عَدَّ" رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ابن مسعود، وفاعل:"فلم نحفظه" ابن مسعود، أو عمرو بن ميمون.
واعترض عليه الحافظ بأن فاعل "فلم نحفظه" أبو إسحاق لما في مسلم من طريق الثوري ولفظه: قال أبو إسحاق: "ونسيت السابع" وعلى هذا ففاعل عدَّ عمرو بن ميمون، على أن أبا إسحاق قد تذكره مرة أخرى فسماه عُمَارة بن الوليد، كما رواه البخاري في الصلاة من طريق إسرائيل، وهو أحظ الحديث جده من غيره.
واستشكل بعضهم عَدَّ عمارة بن الوليد في المذكورين، لأنه لم يقتل ببدر، بل ذكر أصحاب المغازي أنه مات بأرض الحبشة، وله قصة مع النجاشي، إذ تعرض لامرأته، فأمر النجاشي ساحرا فنفخ في إحليل
عمارة من سحره عقوبةً له، فتوحش وصار مع البهائم إلى أن مات في خلافة عمر، وقصته مشهورة.
والجواب: أن كلام ابن مسعود في أنه رآهم صرعى في القليب محمول على أكثر ويدل عليه أن عقبة بن أبي معيط لم يُطرح في القليب، وإنما قُتل صبرا بعد أن رحلوا عن بدر مرحلة، وأمية بن خلف لم يطرح في القليب كما هو، بل مقطعا
(2)
.
(قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (فوالذي أنزل عليه الكتاب) وعند البخاري: "والذي نفسي بيده" قال الحافظ: وكأن عبد الله قال ذلك تأكيدا (لقد رأيتهم صَرْعى) جمع صريع، قال الفيومي:
(1)
فتح جـ 1 ص 481.
(2)
فتح جـ 1 ص 418.
والصَّريع من الأغصان ما تَهَدَّلَ وسقط إلى الأرض، ومنه قيل للقتيل: صَريع، والجمع صَرْعَى
(1)
. (يوم بدر في قليب واحد) والقليب -بفتح فكسر- البئر وهو مذكر، قال الأزهري: القليب عند العرب: البئر العادية القديمة مطوية كانت، أو غير مطوية، والجمع قُلُب بضمتين مثل برَيد وبُرُد
(2)
.
وعند البخاري: "في القليب، قليب بدر" بالجر على البدلية، قال الحافظ: القليب: هو البئر التي لم تطو، وقيل العادية القديمة التي لا يعرف صاحبها.
وفي رواية: "لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سُحبُوا إلى القليب، قليب بدر" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأُتبع أصحاب القليب لعنةً" وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي، فيكون فيه عَلَم عظيم من أعلام النبوة، ويحتمل أن يكون قاله النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أُلقوا في القليب، وزاد شعبة في روايته:"إلا أمية، فإنه تقطعت أوصاله" زاد "لأنه كان بادنا".
قال العلماء: وإنما أمر بإلقائهم فيه لئلا يتأذى الناس بريحهم، وإلا فالحربي لا يجب دفنه، والظاهر أن البئر لم يكن فيها ماء مَعين
(3)
.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في مواضع ذكر المصنف له: ذكره هنا -192/ 307 - والكبرى -172/ 296 - عن أحمد بن عثمان بن حكيم، عن خالد بن
(1)
المصباح جـ 1 ص 338.
(2)
المصدر السابق جـ 2 ص 512.
(3)
فتح جـ 1 ص 419.
مخلد، عن علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عنه. وفي الكبرى في السير عن أحمد بن سليمان، عن جعفر بن عون، عن سفيان، عن أبي إسحاق، به، وعن إسماعيل بن مسعود، عن خالد بن الحارث، عن شعبة، عن أبي إسحاق، به.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ م) فأخرجه (خ) في الطهارة، وفي الجزية عن عبدان، عن أبيه، وفي مبعث النبي صلى الله عليه وسلم المناقب - عن محمَّد بن بشار، عن غندر كلاهما عن شعبة وفي الطهارة أيضًا عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن شريح بن مسلمة عن إبراهيم بن يوسف عن أبيه، وفي الصلاة عن أحمد بن إسحاق، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل وفي الجهاد عن عبد الله بن أبي شيبة، عن جعفر ابن عون، عن سفيان، أربعتهم عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود رضي الله عنه، وفي المغازي عن عَمْرو بن خالد، عن زهير، عن أبي إسحاق به، مختصرًا.
وأخرجه (م) في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة به، وعن محمَّد ابن بشار، ومحمد بن المثنى كلاهما عن غندر به، وعن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن محمَّد بن أعين، عن زهير به مختصرًا، وعن عبد الله بن عمر بن محمَّد بن أبان، عن عبد الرحيم بن سليمان، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق به
(1)
.
وأخرجه ابن أبي شيبة، وأبو داود الطيالسي.
المسألة الرابعة: في بيان بعض فوائده:
من فوائده: عظمة الدعاء بمكة عند الكفار حيث ثبت في مسلم من
(1)
تحفة الأشراف جـ 7 ص 118 - 119.
رواية زكريا: "فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته" وما ازدادت عند المسلمين إلا تعظيمًا.
ومنها: معرفة الكفار بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، لخوفهم من دعائه، ولكن حملهم العناد، والحسد على ترك الانقياد له.
ومنها: تحمّله صلى الله عليه وسلم عمن آذاه، ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود قال:"لم أره دعا إلا يومئذ" وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما أقدموا عليه من الاستخفاف به صلى الله عليه وسلم حال عبادة ربه.
ومنها: استحباب الدعاء ثلاثا، وجواز الدعاء على الظالم، لكن قال بعضهم محله ما إذا كان كافرا، فأما المسلم فيستحب الاستغفار له، والدعاء بالتوبة.
ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكفار: لَماَ كان بعيدا، لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم علم أن المذكورين لا يؤمنون، والأولى أن يُدعى لكل حي بالهداية.
ومنها: قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها، لشرفها في قومها ونفسها، لكونها صرخت بشتمهم، وهم رؤوس قريش، فلم يردوا عليها.
ومنها: أنه استدل به على أن من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته، ولو تمادى، فلو كانت نجاسة فأزالها في الحال، ولا أثر لها صحت صلاته اتفاقًا.
ومنها: أنه استدل به على طهارة فرب ما يؤكل لحمه، وهو غرض المصنف هنا، وقد تقدم اختلاف الأئمة في طهارة أبوال وأرواث الحيوان مأكوله، وغير مأكوله بالتفصيل، وأن الراجح قول من قال بطهارتها إلا ما استثناه الشارع وهو بول الآدمي، والروث، وإن شئت فراجع 191/ 305 والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
193 - بَابُ البُزَاقِ يُصيبُ الثّوْبَ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم البزاق يصيب الثوب.
البزاق: بالضم، ومثله البُصَاق بالصاد: الرّيق إذا لُفظَ، أي رُميَ، يقال: بَزَق من باب نَصَر، بَزْقا، وبُزاقا: بَصَق، ويقال: بصق من باب نصر أيضا: لفظ ما في فمه. أفاده في المعجم الوسيط، وفي المصباح: بَزَق يبزق، من باب قتل بُزَاقا: بمعنى بصق، وهو إبدال منه.
وجملة "يصيب الثوب" حال من البزاق، أو صفة له.
308 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ فَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(علي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي نزيل بغداد ثم مرو، ثقة حافظ من صغار [9] تقدم في 13/ 13.
2 -
(إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير أبو إبراهيم المدني نزيل بغداد ثقة ثبت -8 - ، تقدم في 16/ 17.
تنبيه:
أخطأ الشيخ الشنقيطي في شرحه هنا، فقال: إسماعيل
ابن علية، وليس كما ظنه، فقد صرح البخاري في الجامع الصحيح في باب "حك البزاق باليد من المسجد" بأنه ابن جعفر، فقال: حدثنا قتيبة
قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس .. وكذا صرح به ولي الدين العراقي في الإطراف بأوهام الأطراف ص 42.
3 -
(حميد) الطويل بن أبي حميد، أبو عبيدة البصري، ثقة عابد مدلس من [5] تقدم في 87/ 108.
4 -
(أنس) بن مالك الصحابي الجليل رضي الله عنه، تقدم في 6/ 6.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من رباعياته، وهو أعلى ما عنده، وهذا هو الثالث عشر من رباعيات هذا الكتاب، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين مر وزي، وبغدادي، وبصريين، وأن صحابيه أحد المكثرين السبعة، روى 2286 حديثا، وأنه آخر من مات من الصحابة بالبصرة، وفيه الإخبار، والتحديث والعنعنة.
شرح الحديث
(عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخد طرف ردائه) بكسر الراء والمد: الذي يلبس، وتثنيته رداءان، وإن شئت رداوان؛ لأن كل اسم ممدود فلا تخلو همزته إما أن تكون أصلية فتتركها في التثنية على ما هي عليه، ولا تقلبها، فتقول: جزاءان وخطاءان، وإما أن تكون للتأنيث، فتقلبها في التثنية واوا لا غير، تقول: صفراوان وسوداوان، وإما أن تكون منقلبة من واو أو ياء مثل:
كِساء ورداء، أو مُلحقَة، مثل علْبَاء، وحِرْباء ملحقة بسِرْدَاح
(1)
وشِمْلال،
(2)
، فأنت بالخيار، إن شئت قلبتها واوا مثل التأنيث، فقلت: كساوان، وعلباوان ورداوان، وإن شئت تركتها همزة، مثل الأصلية، وهو أجود فقلت: كساءان، وعلباءان، ورداءان، والرداء من المَلَاحف. أفاده ابن منظور
(3)
.
(فبصق فيه) أي في ذلك الرداء، وتقدم معنى البُصاق في أول الباب.
وهذا الحديث طرف من حديث أنس رضي الله عنه، وقد ساقه البخاري في الصحيح عن قتيبة بطريق المصنف، ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشقَّ ذلك عليه، حتى رؤي في وجهه، فقام فحكَّه بيده، فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته، فإنما يناجي ربه"، أو "إنَّ ربه بينه وبين القبلة، فلا يَبْزُقَنَّ أحدكم قبَلَ قبلته، ولكن عن يساره، أو تحت قدميه" ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم ردَّ بعضه على بعض، فقال: "أو يفعل هكذا".
(فرد بعضه على بعض) فيه دلالة على طهارة البصاق، إذ لو كان نجسا لما فعل ذلك، قال بعضهم: إنه بالإجماع، لكن قال الحافظ رحمه الله: رَوَى ابنُ أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي أنه ليس
بطاهر، وقال ابن حزم: صح عن سلمان الفارسي، وإبراهيم النخعي أن اللعاب نجس إذا فارق الفم.
قال الجامع: الراجح قول الجمهور، لهذا الحديث. والله أعلم.
(1)
السّرْداح: الناقة الطويلة، وقيل: الكثيرة اللحم، ومكان ليّن. أفاده في اللسان.
(2)
يقال: جَمَل شمْلال -بالكسر-: السريع. لسان.
(3)
لسان جـ 3 ص 1630.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أنس رضي الله عنه أخرجه البخاري رحمه الله.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف، أخرجه هنا -193/ 308 - والكبرى -173/ 297 - بالسند المذكور.
المسألة الثالثة: في ذكر من أخرجه معه: أخرجه (خ) في الصلاة عن قتيبة، عن إسماعيل بسند المصنف، وسيأتي ذكر الفوائد في الحديث التالي إن شاء الله تعالى.
309 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مِهْرَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْزُقْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، وَإِلاَّ". فَبَزَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا فِي ثَوْبِهِ وَدَلَكَهُ.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن بشار) أبو بكر بُندار بصري ثقة ثبت من [10]، تقدم في 24/ 27.
2 -
(محمَّد) بن جعفر غُندر البصري ثقة من [9] تقدم في 21/ 22
3 -
(شعبة) بن الحجاج أبو بسطام الإمام العلم الحجة الثبت من [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(القاسم بن مهران) القيسي، مولى بني قيس بن ثعلبة، خال هشيم صدوق -6 - .
روى عن أبي رافع الصائغ، وعنه شعبة، وعبد الوارث، وهشيم، وعبد الله بن دكين، وإسماعيل بن علية، قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح، له في (م س ق) حديث أبي هريرة في النهي عن التنخم في المسجد
(1)
.
5 -
(أبو رافع) الصائغ نُفيع المدني نزيل البصرة ثقة ثبت مشهور بكنيته من [2] تقدم في 129/ 191.
6 -
(أبو هريرة) الصحابي الجليل رضي الله عنه، تقدم في 1/ 1.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وفيه أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث، روى 5374 حديثا، وفيه الإخبار، والتحديث، والعنعنة.
شرح الحديث
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال (إذا صلى أحدكم) أي دخل في الصلاة (فلا يبزقن بين يديه) زاد في رواية البخاري "فإن الله قبل وجهه" وفي رواية "فإنما يناجي الله، ما دام في مصلاه" فبين سبب النهي (ولا) يبزقن أيضا (عن يمينه) وبَيَّنَ سبب النهي أيضا في رواية البخاري، فزاد:"فإن عن يمينه ملكا".
(1)
تت جـ 8 ص 339.
قال الحافظ رحمه الله: ظاهره اختصاصه بحالة الصلاة، فإن قلنا: المراد بالملك الكاتب، فقد يُسْتَشكَلُ اختصاصه بالمنع، مع أن عن يساره ملكا آخر، وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمين تشريفا له وتكريما، هكذا قال جماعة من القدماء، ولا يخفى ما فيه.
وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أمُّ الحسنات البدنية، فلا دخل لكاتب السيئات فيها، ويشهد له ما رواه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة رضي الله عنه موقوفا في هذا الحديث، قال:"ولا عن يمينه فإن عن يمينه كاتبَ الحسنات"، وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث:"فإنه يقوم بين يدي الله، وملكه عن يمينه، وقرينه عن يساره" اهـ، فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين، وهو الشيطان، ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو يتحول في الصلاة إلى اليمين
(1)
.
(ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت قدمه) أي اليسرى، كما جاء التصريح به عند البخاري عن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة وأبا سعيد حدثاه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد، فتناول حصاة، فحكها، فقال:"إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه، ولا عن يمينه، ولْيَبْصُق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى".
وعنده أيضا من طريق همام عن أبي هريرة زيادة: "فَيَدْفنُها".
(وإلا) أي وإن لم يفعل ذلك، وجواب إن محذوف لدلالة ما بعده عليه، تقديره: فليفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم (فـ) ـقد (بزق النبي صلى الله عليه وسلم هكذا في ثوبه ودلكه) جملة "فبزق" بيان للجواب المقدر، أي بصق صلى الله عليه وسلم في ثوبه،
(1)
فتح جـ 1 ص 611.
ثم ردَّ بعضه إلى بعض، ودلكه، ليزول أثره، وذلك للتعليم، لأن التعليم بالفعل أبلغ منه بالقول، وأوقع في النفس.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف: أخرجه هنا - 193/ 309 - والكبرى -173/ 298 - وبالسند المذكور.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (م) في الصلاة عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وزُهير بن حرب، كلاهما عن إسماعيل بن عُلَيَّة، وعن شيبان بن فروخ، عن عبد الوارث، وعن يحيى بن يحيى، عن هشيم، وعن محمَّد بن المثنى، عن محمَّد بن جعفر، عن شعبة، أربعتهم عن القاسم بن مهران، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه (ق) في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة بالسند المذكور.
المسألة الرابعة: في مذاهب العلماء في حكم البزاق:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن البزاق طاهر لأحاديث الباب، وخالف في ذلك سلمان الفارسي رضي الله عنه، وإبراهيم النخعي، ولا ندري مستندهم في ذلك، فالراجح هو مذهب الجمهور، لوضوح
دليله، والله أعلم.
المسألة الخامسة: في فوائده:
منها: طهارة البزاق، وهو غرض المصنف بإيراده هنا.
ومنها: النهي عن البزاق في القبلة، والتعليلُ بكون الله قبَلَ وجهه يقتضي التحريم. قال في الفتح: وهذ التعليل يدل على أن البزاق في
القبلة حرام سواء كان في المسجد، أم لا، ولا سيما من المصلي، فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه، أو للتحريم، وفي صحيح ابن خزيمة، وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا:"من تَفَلَ تجاه القبلة جاء يوم القيامة، وتَفْلُه بين عينيه"، وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا:"يُبعثُ صاحبُ النخامة في القبلة، وهي في وجهه"، ولأبي داود، وابن حبان من حديث السائب بن خلاد:"أن رجلا أمَّ قوما فبصق في القبلة، فلما فرغ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي لكم" الحديث، وفيه أنه قال له: "إنك آذيت الله ورسوله". فتح جـ 1 ص 606.
ومنها: أن فيه جواز التفل للمصلي، وأنه لا ينافي الصلاة.
ومنها: استعمال الأدب في الصلاة والمسجد؛ لأن البزاق وإن كان طاهرا، غير أنه من المستقذرات عادة، فلا ينبغي أن يُبزقَ في مثل هذه الحالة، ومثله أمام الناس لئلا يتأذوا به.
ومنها: أنه يستدل به على جواز استعمال المنديل للبزاق ونحوه. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
194 - بَابُ بَدْءِ التَّيَمُّمِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على ابتداء مشروعية التيمم.
التيمم: مصدر تَيَمَّمَ تَيَمُّما، من باب التفعُّل، وأصله من الأَمِّ، وهو القصد، يقال: أمَّهُ يؤُمُّه أَمّا: إذا قصده، وذكر أبو محمَّد في الكتاب الواعي، يقال: أمَّ، وتأمّمَ، ويمَّمَ وتيمم بمعنى واحد، والتيمم أصله من ذلك، لأنه يقصد التراب، فيتمسح به، وفي الجامع عن الخليل: التيمم يجرى مجرى التَّوَخِّي، تقول: تَيَمَّمْ أطيب ما عندك، فأطعمنا منه، أي تَوَخّه، وأجاز أن يكون التيمم العمدَ والقصدَ، وهذا الاسم كثُر حتى صار اسما للتمسح بالتراب، قال الفراء: ولم أسمع يَمَمْت -بالتخفيف-، وفي التهذيب لأبي منصور: التيمم: التعمد، وهو ما ذكره البخاري في التفسير في سورة المائدة، ورواه ابن أبي حاتم،
وابن المنذر، عن سفيان
(1)
.
والتيمم في اللغة: القصد مطلقا، قال امرؤ القيس (من الطويل):
تَيَمَّمْتُهَا مِنْ أذْرعَات وَأهْلُهَا
…
بيَثْربَ أدْنَا دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي
أي قصدتها، وقال آخر (من الوافر):
وَلَا أدْري إذَا يَمَّمْتُ أرَضا
…
أُرِيدُ الْخيْرَ أيُّهُمَا يَلينِي
أألْخَيْرُ الَّذي أنَا أبتْغَيهِ
…
أم الشَّرُّ الَّذي هُوَ يَبتَغينِي
وفي الشرع: القصد إلى الصعيد الطيب، لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة، ونحوها، وقال ابن السكيت: قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} ، [النساء الآية 43]، أي اقصدوا الصعيد، ثم كثُر استعمالهم
(1)
عمدة القاري جـ 4 ص 2.
حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب. اهـ.
فعلى هذا هو مجاز لغوي، وعلى الأول هو حقيقة شرعية، واختلف في التيمم هل هو عزيمة أو رخصة؟، وفصَّلَ بعضهم فقال: هو لعدم الماء عزيمة وللعذر رخصة
(1)
.
310 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ ذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ! أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ
(1)
فتح بزيادة جـ 1 ص 515.
وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَمَا مَنَعَنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل آيَةَ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(قتيبة) بن سعيد البغلاني أبو رجاء الثقفي ثقة ثبت من [10] تقدم في 1/ 1.
2 -
(مالك) بن أنس الإمام المدني الجليل الحجة الفقيه من [7] تقدم في 7/ 7.
3 -
(عبد الرحمن بن القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر الصديق التيمي أبو محمَّد المدني ثقة جليل من [6] تقدم في 120/ 166.
4 -
(القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني ثقة أحد
الفقهاء السبعة من كبار [3] تقدم في 120/ 166.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء، وأنهم مدنيون إلا شيخه فبغلاني، وفيه رواية الراوي، عن أبيه، عن عمته، وفيه القاسم أحد الفقهاء السبعة، وفيه عائشة من المكثرين السبعة روت 2210 حديثا، وفيه الإخبار في أوله، والعنعنة فيما بقي.
شرح الحديث
(عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد: يقال: إنه كان في غزوة بني المصطلق، وجزم بذلك في كتاب الاستذكار وورد ذلك عن ابن سعد، وابن حبان قبله. وغزوة بني المصطلق هي غزوة المُرَيسيع التي كان فيها قصة الإفك، قال أبو عبيد البكري في حديث الإفك:"فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاؤه" وقال ابن سعد: "خرج رسول الله إلى المريسيع يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر شعبان سنة خمس" ورجحه أبو عبد الله في الإكليل، وقال البخاري، عن ابن إسحاق: سنة ست، وقال عن موسى بن عقبة: سنة أربع، وزعم ابن الجوزي أن ابن حبيب قال: سقط عقدها في السنة الرابعة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق قصة الإفك.
قال العلامة العيني رحمه الله: يعارض هذا ما رواه الطبراني أن الإفك قبل التيمم، فقال: حدثنا القاسم، عن حماد، حدثنا محمَّد بن
حميد الرازي، حدثنا سلمة بن الفضل، وإبراهيم بن المختار، عن محمَّد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة، قالت:"لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدي حتى حُبس الناسُ على التماسه، وطلع الفجر، فلقيت من أبي بكر ما شاء الله، وقال: يا بُنَيَّة في كل سفر تكونين عَنَاءً وبَلاءً، ليس مع الناس ماء، فأنزل الله الرخصة في التيمم، فقال: أبو بكر: إنك ما عملت لمباركة" قال العيني: إسناده جيد
(1)
.
قال الجامع: لكن قال الحافظ بعد ذكر حديث الطبراني: وفي إسناده محمَّد بن حميد الرازي وفيه مقال.
وقال أيضا: فإن كان ما جزموا به -يعني ما تقدم من جزم ابن عبد البر، وقبله ابن سعد وابن حبان من أن المراد ببعض الأسفار هو غزوة بني المصطلق- ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين، لاختلاف القصتين، كما هو مُبَيَّن في سياقهما، واستبعد بعض شيوخنا ذلك، قال: لأن المريسيع من ناحية مكة بين قُديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر، لقولها في الحديث:"حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش" وهما بين المدينة وخيبر كما جزم به النووي.
قال الحافظ: وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين، فإنه قال: وذات الجيش: وراء ذي الحليفة، وقال أبو عبد الله البكري في معجمه: البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة، ثم ساق حديث عائشة هذا، ثم
ساق حديث ابن عمر، قال:"بيداءكم هذه التي تكذبون فيها، ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عند المسجد" قال: والبيداء: هو الشَّرَفُ الذي قُدَّامَ
(1)
عمدة القاري جـ 4 ص 4.
ذي الحليفة من طريق مكة، وقال أيضا: ذات الجيش من المدينة على بَريد، قال: وبينها وبين العقيق سبعة أميال، والعقيق من طريق مكة، لا من طريق خيبر، فاستقام ما قال ابن التين، ويؤيده ما رواه الحميدي في مسنده عن سفيان، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، في هذا الحديث، فقال فيه:"إن القلادة سقطت ليلة الأبواء" اهـ. والأبواء: بين مكة والمدينة، وفي رواية علي بن مُسهر في هذا الحديث عن هشام، قال: وكان ذلك المكان يقال له: الصَّلصَل. رواه جعفر الفريابي في كتاب الطهارة له، وابن عبد البر من طريقه، والصَّلصَل -بمهملتين ولامين الأولى ساكنة بين الصادين- قال البكري: هو جبل عند ذي الحليفة، كذا ذكره في حرف الصاد المهملة، ووهم مغلطاي في فهم كلامه، فزعم أنه ضبطه بالضاد المعجمة، وقلده في ذلك بعض الشراح، وتصرف فيه فزاده وهما على وهم.
وعُرف من تضافر هذه الروايات تصويب ما قاله ابن التين، واعتمد بعضهم في تعدد السفر على رواية الطبراني المتقدمة فإنها صريحة في ذلك والله أعلم
(1)
.
(حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة، والمد، هي الشَّرَفُ الذي قُدَّام ذي الحليفة في طريق مكة (أو بذات الجيش) قيل: هي من المدينة على بريد بينها وبين العقيق سبعة أميال، والشك من بعض الرواة عن عائشة
أو منها، وقد جاء في حديث عمار أنها ذات الجيش بالجزم قاله في الفتح
(انقطع عقد) بكسر العين المهملة وسكون القاف: هو القلادة، وهو كل ما يُعقد ويُعلّق في العنق، ويسمى قلادة، وللبخاري في التفسير من رواية عمرو بن الحارث: "سقطت قلادة لي بالبيداء، ونحن داخلون
(1)
أفاده في الفتح جـ 1 ص 515 - 516.
المدينة، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل" قال الحافظ: وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة. (لي) أي معي، فاللام للاختصاص، وإلا فهو كان لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم استعارته منها. أفاده السندي.
(فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم علي التماسه) أي لأجل طلبه (وأقام الناس معه وليسوا على ماء) أي ليسوا نازلين على محلّ فيه ماءٌ (وليس معهم ماء) أي وليسوا هم حاملين الماء من محل آخر، والجملة في محل نصب على الحال من الناس.
واستدل بذلك على جواز الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه، وكذا سلوك الطريق التي لا ماء فيها.
قال الحافظ: وفيه نظر، لأن المدينة كانت قريبة منهم، وهم على قصد دخولها، ويحتمل أن يكون قوله:"وليس معهم ماء" أي للوضوء، وأما ما يحتاجون إليه للشرب فيحتمل أن يكون معهم، والأول محتمل، لجواز إرسال المطر، أو نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، كما وقع في مواطن أخرى.
وفيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين، وإن قلَّت، فقد نقل ابن بطال: أنه روي أن العقد المذكور كان اثني عشر درهما، ويلتحق بتحصيل الضائع الإقامةُ للحوق المنقطع، ودفن الميت، ونحو ذلك من مصالح الرعية، وفيه إشارة إلى ترك إضاعة المال
(1)
.
(فأتى الناس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟) فيه شكوى المرأة إلى أبيها، وإن كان لها زوج، وكأنهم إنما شكوا إلى أبي بكر لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما، وكانوا لا يوقظونه. وفيه نسبة الفعل إلى من كان سببا فيه، لقولهم:"صنعت، وأقامت". وفيه جواز دخول
(1)
فتح جـ 1 ص 516.
الرجل على ابنته، وإن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك، ولم يكن حال المباشرة (أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم) بيان لما صنعته، والباء للتعدية، ونسبة الفعل إليها للسببية (والناس) بالجر عطفا على رسول الله، قالت عائشة رضي الله عنها (فجاء أبو بكر رضي الله عنه وإنما لم تقل أبي تنبيهًا على أنه ما راعى حق الأبوة في الغضب في الله (ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي) جملة في محل نصب على الحال من فاعل "جاء"(قد نام) جملة في محل نصب من المبتدإ فتكون من الأحوال المتداخلة، أي حال كونه نائما (فقال) أبو بكر (حبست) من باب ضرب (رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس) بالنصب عطفا على المفعول، أو على المفعولية معه (وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر) أي لامني على الحبس المذكور، قال الحافظ: والنكتة في قولها: "فعاتبني أبو بكر" ولم تقل: أبي؛ لأن قضية الأبوة والحُنُوّ، وما وقع من العتَاب بالقول، والتأنيب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي، فلم تقل: أبي
(1)
.
(وقال ما شاء الله أن لقول) أي من اللوم والعتاب، كما جرت به عادة الأب مع ابنته، ومن جملة ما قاله ما في رواية عمرو بن الحارث من قوله:"حَبَست الناسَ في قلادة"، وما عند الطبراني من قوله: "في
كل مرة تكونين عَنَاءً". (وجعل يَطعُنُن بيده) بضم العين وكذا في جميع ما هو حسي، وأما المعنوي: فيقال: يَطعَنُ -بفتح العين- هذا هو المشهور فيهما، وحَكَى فيهما الفتح معًا في المطالع وغيرها، والضم فيهما حكاه صاحب الجامع.
وفيه تأديب الرجل ابنته، ولو كانت مُزَوَّجة كبيرة خارجة عن بيته، ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه، ولو لم يأذن له الإمام.
(1)
فتح جـ 1 ص 516.
(في خاصرتي) الخاصرة من الإنسان: ما بين رأس الوَرك، وأسفل الأضلاع، وهما خاصرتان
(1)
. (فما يمنعني من التحرك إلا مكانُ رسول الله صلى الله عليه وسلم علي فخذي) أي لم يمنعني من التحرك لألَم الطعن إلا كون رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما على فخذي.
فمكان مصدر ميمي لكان، فاعل "يمنع".
وفيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة، أو يحصل به تشويش لنائم، وكذا لمصل، أو قارئ، أو مشتغل بعلم، أو ذكر. قاله في الفتح.
(فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء) وعند البخاري في التيمم: "فقام حين أصبح" قال الحافظ: والمعنى متقارب، لأن كلا منهما يدل على أن قيامه من نومه كان عند الصبح، وقال بعضهم: ليس المراد بقوله: "حتى أصبح" بيان غاية النوم إلى الصباح، بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح، لأنه قيد قوله:"حتى أصبح" بقوله: "على غير ماء" أي آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء، وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها:"ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضر الصبح"، فإن أعربت الواو حالية كان دليلا على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر.
واستُدلَّ به على الرخصة في ترك التهجد في السفر، إن ثبت أن التهجد كان واجبا عليه، وأن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت، لقوله في رواية عمرو بن الحارث بعد قوله:"وحضرت الصبح، فالتُمسَ الماء فلم يوجد". وعلى أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء، ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء، ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.
(1)
المعجم الوسيط جـ 1 ص 237.
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: ومعلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يُصلّ منذ افترضت عليه الصلاة إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند، قال: وفي قوله في هذا الحديث آية التيمم إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم، لا حكم الوضوء، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه مَتْلُوًا بالتنزيل، وقال غيره: يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعملوا به الوضوء، ثم نزل بقيتها، وهو ذكر التيمم في هذه القصة، وإطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم البعض.
قال الحافظ رحمه الله: لكن رواية عمرو بن الحارث التي أخرجها البخاري في التفسير تدل على أن الآية نزلت جميعا في هذه القصة، فالظاهر هو ما قاله ابن عبد البر
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: رواية عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن ابن القاسم لفظها:"فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة الآية-6] إلى قوله {تَشْكُرُونَ} " وهي صريحة في أن الآية
نزلت كاملة في وقت واحد في تلك السفرة والله أعلم.
(فأنزل الله عز وجل آية التيمم) قال أبو بكر بن العربي رحمه الله: هذه مُعضلة ما وجدت لدائها من دواء، لأنا لا نعلم أي الآيتين عَنَت عائشة رضي الله عنها، وقال ابن بطال: هي آية النساء، أو آية المائدة. وقال القرطبي: هي آية النساء، ووجَّهَهُ بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم، وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا.
قال الحافظ: وخَفيَ على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث، إذ صَرَّحَ فيها بقوله:
(1)
فتح جـ 1 ص 517.
"فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة الآية-6]
(1)
.
(فقال أسَيد بن حُضَير) بتصغير الاسمين -وحضير -بمهملة، ثم معجمة آخره راء مهملة- ابن سِمَاك بن عَتيك الأنصاري الأشهلي أبو يحيى، وقيل في كنيته غير ذلك، كان أحد النقباء ليلة العقبة، واختلف في شهوده بدرا. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله 18 حديثا، اتفق الشيخان على حديث منها. وعنه أبو سعيد الخدري، وأنس، وأبو ليلى الأنصاري، وكعب بن مالك، وعائشة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وحصين بن عبد الرحمن، ولم يدركاه.
قال ابن إسحاق: لا عقب له، وقال ابن سعد: كان شريفا في قومه كاملا، وذكره موسى بن عقبة فيمن شهد العقبة الثانية، وقالت عائشة رضي الله عنها: كان من أفاضل الناس، وقال عروة: مات أسيد بن حضير وعليه دين أربعة آلاف درهم، فبيعت أرضه، فقال عمر: لا أترك بني أخي عالة فَرَدَّ الأرض، وباع ثمرها من الغرماء، أربع سنين بأربعة آلاف كل سنة ألف درهم. قال المزي: هذا هو الصحيح في تاريخ وفاته، وأما الحديث الذي رواه هارون بن عبد الله، عن حماد بن مَسْعدة، عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد، عن أسيد بن حضير الأنصاري، أن معاوية كتب إلى مروان: إن الرجل إذا وجد سرقة في يد رجل فهو أحق بالثمن .. الحديث، فإنه وهم، قال هارون: قال أحمد: هو في كتاب ابن جريج، أسَيد بن ظُهَير، ولكن كذا حدثهم بالبصرة، ورواه عبد الرزاق وغيره، عن ابن جريج، عن عكرمة، عن أسيد بن ظهير، وهو الصواب.
(1)
فتح جـ 1 ص 517.
وذكره ابن إسحاق في البدريين، وروى الواقدي ما يخالفه أنه تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرْجعَه من بدر، واعتذر عن تخلفه، توفي سنة 20، وقيل: 21، وقال البخاري: مات في عهد عمر، قاله عبد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهم
(1)
.
(ما هي) أي البركة الحاصلة بسبب فقد العقد، من الرخصة المشروعة بالتيمم (بأول بركتكم) أي بل هي مسبوقة بغيرها من البركات قال العلامة العيني رحمه الله: والقرينة الحالية والمقالية تدلان على أن
قوله: "هي" يرجع إلى البركة، وإن لم يمض ذكرها، والبركة: كثرة الخير (يا آل أبي بكر) لفظ "آل" مقحمة، وأراد به أبا بكر نفسه، ويجوز أن يراد به أبو بكر وأهله وأتباعه، قاله العيني.
قال الجامع: الظاهر هو المعنى الثاني.
والآل يستعمل في الأشراف، بخلاف الأهل، ولا يرد قوله تعالى:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} [غافر الآية 46] لأنه بحسب تصوره ذكر كذلك، أو بطريق التهكم ويجوز فيه: يَالَ أبي بكر بحذف الهمزة
للتخفيف، قاله العيني
(2)
.
وفيه دليل على فضل عائشة وأبيها رضي الله عنهما، وتكرار البركة منهما، وفي رواية عمرو بن الحارث:"لقد بارك الله للناس فيكم" وفي تفسير ابن إسحاق البستي من طريق ابن أبي مليكة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "ما كان أعظم بركة قلادتك" وفي رواية هشام بن عروة: "فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه خيرا" وفي رواية: "إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة".
(1)
تهذيب التهذيب جـ 1 ص 347 - 348 بزيادة يسيرة من الخلاصة.
(2)
عمدة جـ 4 ص 4 - 5.
وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فَيُقَويّ قولَ من ذهب إلى تعدد ضَيَاع العقد، وممن جزم به محمَّد بن حبيب الأخباري، فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق.
وقد اختلف أهل المغازي في أيّ هاتين الغزاتين كانت أوّلا، وقال الداودي: كانت قصة التيمم في غزوة الفتح، ثم تردد في ذلك، وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع .. الحديث. فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق، لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف.
قال الحافظ: ويرى البخاري أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة.
ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت:"لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدي، حتى حُبس الناسُ على التماسه، فقال أبو بكر: يا بُنَيَّة في كل سفرة تكونين عَنَاءً وبَلاء على الناس؟ فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر: إنك لمباركة، ثلاثا".
وفي إسناده محمَّد بن حميد الرازي، وفيه مقال، وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أُبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين، والله أعلم
(1)
.
(قالت) عائشة رضي الله عنها (فبعثنا) أي أثرنا من مَبْرَكه (البعير الذي كنت عليه) أي حالة السفر (فوجدنا العقد تحته) وفي رواية عروة
(1)
فتح جـ 1 ص 518.
عند البخاري: "فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فوجدها" أي القلادة، وللبخاري أيضا في فضل عائشة من هذا الوجه، وكذا لمسلم:"فبعث ناسا من أصحابه في طلبها" ولأبي داود: "فبعث أسيد بن حضير وناسًا معه".
وطريق الجمع كما قاله الحافظ: أن أسيد بن حضير كان رأس من بُعث لذلك، فلذا سمي في بعض الروايات دون غيره، وكذا أسند الفعل إلى واحد منهم، وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أوّلا، فلما رجعوا، ونزلت آية التيمم، وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير، فعلى هذا فقوله في رواية عروة:"فوجدها" أي بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره.
وقال النووي رحمه الله: يحتمل أن يكون فاعل "وجدها" النبي صلى الله عليه وسلم وقد بالغ الداودي في توهيم رواية عروة، ونقل عن إسماعيل القاضي أنه حمل الوَهَم فيها على عبد الله بن نمير.
قال الحافظ: وقد بان بما ذكرنا من الجمع بين الروايتين أن لا تخالف بينهما، ولا وهم، وفي الحديث اختلاف آخر، وهو قول عائشة رضي الله عنها:"انقطع عقد لي" وقالت في رواية عمرو بن الحارث:
"سقطت قلادة لي" وفي رواية "أنها استعارت قلادة من أسماء" يعني أختها، "فهلكت" أي ضاعت.
والجمع بينهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها وإلى أسماء لكونها ملكها لتصريح عائشة في رواية عروة أنها استعارتها منها، وكله بناء على اتحاد القصة. وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها، حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة، وحديث عروة في تفسير النساء، فكان نزول آية المائدة بسبب عقد عائشة، وآية النساء
بسبب قلادة أسماء، وما تقدم من اتحاد القصة أظهر، والله أعلم
(1)
.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف: أخرجه هنا 194/ 310 - والكبرى -174/ 299 - بالسند المذكور، وفي التفسير في الكبرى -11107 - به.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ) في الطهارة، وفي النكاح مختصرا عن عبد الله بن يوسف، وفي فضل أبي بكر، عن قتيبة، وفي التفسير، وفي المحاربين مختصرا عن إسماعيل بن أبي أويس كلهم عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه (م) في الطهارة عن يحيى بن يحيى، عن مالك به.
وأخرجه (د) في الطهارة من طريق عروة عنها.
المسألة الرابعة: في بيان فوائده غير ما تقدم:
منها: وجوب النية للتيمم، لأن التيمم معناه القصد، وهو قول فقهاء الأمصار، لم يخالف فيه إلا الأوزاعي، وزفر من الحنفية وأنه يجب نقل التراب، ولا يكفي هبوب الريح بخلاف الوضوء كما لو أصابه مطر فنوى به، فإنه يجزئ، كذا قال بعضهم، والأظهر كما قال الحافظ: الإجزاء لمن قصد التراب من الريح الهابَّة، بخلاف من لم يقصد، وأنه يتعين الصعيد الطيب للتيمم، لكن اختلف الفقهاء في المراد بالصعيد
(1)
فتح جـ 1 ص 518.
الطيب، وأنه يجوز السفر بالنساء واتخاذهن الحلي تجملا لأزواجهن، ويجوز السفر بالعارية، إذا رضي صاحبها، وأنه يجوز التيمم للصحيح، والمريض، والمحدث، والجنب، ولم يختلف فيه علماء الأمصار بالحجاز، والعراق، والشام، والمشرق، والمغرب، وخالف في الجنب عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما.
وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك برقم 320، إن شاء الله تعالى، وأنه يجوز التيمم في السفر، واختلفوا في الحضر، وسيأتي تحقيقه في الباب التالي، وأنه يجوز اتكاء الرجل على فخذ امرأته، وفيه احترام أهل الفضل وإن أدى ذلك إلى المشقة. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
195 - بَابُ التّيَمُّمِ في الحَضَرِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على مشروعية التيمم في الحضر.
الحَضَر -بفتحتين- خلاف البادية، والنسبة إليه حَضَريّ على لفظه، وحَضَر: أقام بالحضر، والحَضَارَة -بفتح الحاء وكسرها- سكون الحضر. قاله الفيومي
(1)
.
وقال ابن منظور: والحَضَر والحَضْرَة والحاضرة: خلاف البادية، وهي المُدُن، والقُرَى، والريف، سميت بذلك لأن أهلها حَضَروا الأمصار، ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار، والبادية يمكن أن يكون اشتقاق اسمها من بَدَا يَبْدوُ، أي برَز، وظهر، ولكنه اسم لزم ذلك الموضع خاصة دون ما سواه
(2)
.
311 -
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْوِ بِئْرِ الْجَمَلِ وَلَقِيَهُ
(1)
المصباح جـ 1 ص 140.
(2)
لسان جـ 2 ص 907.
رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه السلام.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(الربيع بن سليمان) بن عبد الجبار المرادي أبو محمَّد المصري المؤذن صاحط الشافعي ثقة [11] مات سنة 270، وله 96 سنة.
وفي "تت" هو رَاوية كتب الشافعي عنه قال النسائي: لا بأس به، ووثقه ابن يونس، والخطيب، وقال ابن أبي حاتم: سمعنا منه، وهو صدوق، سئل عنه أبي فقال: صدوق، وقال الخليلي: ثقة متفق عليه، والمزني مع جلالته استعان على ما فاته من الشافعي بكتاب الربيع، وقال مسلمة: كان من أكابر أصحاب الشافعي، ينتمي إلى مُراد، وكان يوصف بغفلة شديدة، وهو ثقة أخبرنا عنه غير واحد، وقال ابن يونس: توفي يوم الاثنين لعشر بقين من شوال سنة 270، وقال الطحاوي: كان مولده ومولد المزني ومحمد بن نصر سنة 174، وكان المزني أسن من الربيع بستة أشهر
(1)
.
تنبيه:
أخطأ الشيخ الشنقيطي رحمه الله هنا فظن أن الربيع هذا هو الجيزيّ، وليس كذلك كما يظهر من تهذيب التهذيب وتهذيب الكمال فتأمل.
2 -
(شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي مولاهم، أبو عبد الملك المصري، ثقة نبيل من كبار [10]، تقدم في 20/ 166.
(1)
تت جـ 3 ص 246.
3 -
(الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من [7] تقدم في 31/ 35.
4 -
(جعفر بن ربيعة) بن شُرحبيل بن حَسَنَة الكندي أبو شرحبيل المصري ثقة من [5] تقدم في 122/ 173.
5 -
(عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج أبو داود المدني ثقة ثبت عالم من [3] تقدم في 7/ 7.
6 -
(عمير مولى ابن عباس) هو عُمير بن عبد الله الهلالي، أبو عبد الله المدني، مولى أم الفضل. روى عن مولاته، وعن ابنيها عبد الله، والفضل ابني العباس، وأبي جهيم بن الحارث بن الصمة، وأسامة بن
زيد، وعبد الله بن يسار مولى ميمونة.
وعنه الأعرج، وسالم أبو النضر، وإسماعيل بن رجاء الزُّبَيْديّ، وعبد الرحمن بن مهران. قال ابن إسحاق: حدثني الأعرج، عن عمير مولى ابن عباس، وكان ثقة. أخرج له (خ م د س) حديثين أحدهما حديث الباب، والآخر في الصيام، وقال النسائي: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، مات بالمدينة سنة 104.
7 -
(أبو جهيم بن الحارث بن الصِّمَّة) بتصغير جُهيم، والصِّمّة بكسر الصاد المهملة، وتشديد الميم - الأنصاري، قيل: اسمه عبد الله، وقد ينسب لجده، وقيل: هو عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة، وقيل: اسمه الحارث بن الصمة، وقيل: هو آخر غيره، صحابي معروف، وهو ابن أخت أبَيّ بن كعب، بقى إلى خلافة معاوية رضي الله عنهما.
وفي "تت": أبو جهيم بن الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مَبْذُول بن عامر بن مالك بن النجار الأنصاري، وقيل في نسبه
غير ذلك، وهو ابن أخت أبَيّ بن كعب، قيل: اسمه عبد الله، وقال أبو حاتم: يقال: أبو جهيم بن الحارث بن الصمة، ويقال: إنه الحارث ابن الصمة.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه بشر بن سعيد الحضرمي، وأخوه مسلم بن سعيد، وعمير مولى ابن عباس، وعبد الله بن يسار مولى ميمونة.
وصحح أبو حاتم كون الحارث اسم أبيه لا اسمه، وقال ابن أبي حاتم: عبد الله بن جهم أبو جهيم، فرق بينه وبين ابن الصمة، وفي أسد الغابة عن الاستيعاب والمعرفة: عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة .. فذكره وجعل الحارث جده، وهكذا قاله ابن منده، وكأنه أراد أن يجمع الأقوال المختلفة، ومع ذلك فما سلم. أخرج له الجماعة.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم أجلاء، وأن الأربعة الأولين مصريون، والباقون مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم، عن بعض، وفيه عمير مولى ابن عباس، وهو مولى أم الفضل بنت الحارث، وقد روى ابنُ إسحاق هذا الحديث فقال: مولى عبيد الله ابن عباس وهو صحيح أيضا، لأنه إذا كان مولى أم الفضل فهو مولى أولادها. وفيه الإخبار، والتحديث، والعنعنة.
شرح الحديث
(عن عمير) بن عبد الله الهلالي (مولى ابن عباس) هو مولى أمه أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها (أنه) أي عبد الرحمن بن هرمز (سمعه) أي عميرا، قال في الفتح: ورواية الأعرج عنه من رواية الأقران (يقول) جملة في فحل نصب على الحال، أو مفعول ثان على رأي من يقول: إن "سمع" تنصب مفعولين (أقبلت أنا) أكد الضمير المنفصل
ليعطف عليه ما بعده، لوجوب الفصل بالضمير أو بفاصلٍ مّا، كما قال ابن مالك في الخلاصة:
وَإنْ عَلَى ضَمير رَفْع مُتَّصلْ
…
عَطَفْتَ فَافْصلْ بالضَّمير الْمُنْفصلْ
أوْ فاَصل مَّا وَبلَا فَصْل يَرِدْ
…
في النَّظم فَاشيًا وَضُعْفَه اعْتَقِدْ
(وعبد الله بن يسار) هو أخو عطاء بن يسار التابعي المشهور، قال في الفتح: ووقع عند مسلم في هذا الحديث: عبد الرحمن بن يسار، وهو وَهم، وليس له
(1)
في هذا الحديث رواية، ولهذا لم يذكره
المصنفون في رجال الصحيحين. اهـ.
قال الجامع: بل لم يذكر في رجال الكتب الستة، وقد ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، فقال: عبد الله بن يسار مولى ميمونة أخو سليمان بن يسار المديني، وهو أخو عبد الملك بن يسار، وأخو عطاء بن يسار، كانوا إخْوَة
(2)
.
وقال ابن حبان في الثقات: عبد الله بن يسار مولى ميمونة أخو سليمان، وعبد الملك، وعطاء بنو يسار، يروي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عدَادُه في أهل المدينة، روى عن أهلها وليس هو بصاحب سليمان بن صُرَد، وخالد بن عُرْفُطةَ
(3)
.
(مولى ميمونة) بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: اسمها بَرَّة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، وتزوجها بسرف سنة سبع، وماتت بها ودفنت سنة 51 على الصحيح.
(1)
أي لعبد الله بن يسار المذكور في هذا الحديث، وليس المراد عبدَ الرحمن الذي وقع في مسلم وَهَمًا. فتنبه.
(2)
الجرح والتعديل جـ 5 ص 203.
(3)
الثقات جـ 5 ص 53.
تنبيه:
روى موسى بن عقبة، وابن لهيعة، وأبو الحويرث هذا الحديث عن الأعرج، عن أبي الجهيم، ولم يذكروا بينهما عميرا، والصواب إثباته، قاله في الفتح
(1)
.
(حتى دخلنا على أبي جُهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري) ووقع في مسلم "دخلنا على أبي الجهم" بإسكان الهاء، والصواب أنه بالتصغير، وفي الصحابة شخص آخر يقال له: أبو الجهم، وهو صاحب الإنبجانية، وهو غير هذا، لأنه قرشي، وهذا أنصاري، ويقال في كل منهما بحذف الألف والسلام وبإثباتهما، قاله في الفتح.
(فقال أبو جهيم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر الجمل) أي من الموضع الذي يعرف بذاك، وهو معروف بالمدينة، وهو بفتح الجيم والميم ويقال فيه الجمل بالتعريف كما عند المصنف، وبئر جمل بالتنكير كما عند الشيخين وغيرهما موضع قريب من المدينة، فيه مال من أموالها
(2)
.
(ولقيه رجل) وللبخاري "فلقيه" بالفاء، والرجل هو أبو جهيم، كما صرح به الشافعي، فقد رَوَى البغوي في شرح السنة بإسناده عن الشافعي، عن إبراهيم بن محمَّد، عن أبي الحويرث، عن الأعرج، عن أبي جهيم بن الصمة قال: مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه، فلم يرد عليَّ حتى قام إلى الجدار فحتَّه بعصا كانت معه، ثم وضع يده على الجدار، فمسح بها وجهه وذراعيه ثم رد عليَّ" قال: هذا حديث حسن
(3)
.
قال الجامع: وفي تحسينه نظر لأن في سنده إبراهيم بن محمَّد وهو
(1)
الفتح جـ 1 ص 527.
(2)
عمدة جـ 4 ص 15.
(3)
شرح السنة جـ 2 ص 115.
متروك وأبَا الحويرث وهو متكلم فيه، وفيه انقطاع، وقد تقدم أن الصواب إدخال عمير بين الأعرج، وأبي جُهَيم فتفطن.
(فسلم عليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم (فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه) سلامه ويجوز في دال "يرد" الحركات الثلاث: الكسر لأنه الأصل، والفتح لأنه أخف، والضم لاتباع الراء، قاله العيني (حتى أَقْبَلَ على الجدار) الألف واللام فيه للعهد الخارجي، أي جدار هناك، والجدار كان مباحا، فلم يحتج إلى الإذن، أو كان مملوكا لغيره، وكان راضيا به. قاله البدر العيني.
وللدارقطني من طريق ابن إسحاق عن الأعرج: "حتى وضع يده على الجدار" وزاد الشافعي، كما تقدم "فَحَتَّهُ بعصا" قاله في الفتح.
قال الجامع: لكن سند الشافعي ضعيف.
(فمسح وجهه ويديه) وللدارقطني من طريق أبي صالح عن الليث (فمسح بوجهه وذراعيه) وكذا للشافعي من رواية أبي الحويرث، وله شاهد من حديث ابن عمر، أخرجه أبو داود، لكن خطَّأ الحفاظ رواية رفعه وصوَّبوا وقفه، وقد رواه مالك موقوفا، وهو الصحيح، والثابت في حديث أبي جهيم أيضا بلفظ "يديه" لا ذراعيه فإنها شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف
(1)
.
وسيأتي الكلام على حديث مسح اليدين في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى.
(ثم رد عليه) أي على الرجل المُسَلِّم (السلامَ) فيه استحباب الطهارة للسلام.
(1)
فتح جـ 1 ص 527.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي جهيم رضي الله عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف: أخرجه هنا -195/ 311 - والكبرى -180/ 307 - بالسند المذكور فقط.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ م د) فأخرجه (خ) في الصلاة عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن عمير، به.
وأخرجه (م) في الطهارة تعليقا قال: وقال الليث .. فذكره.
وأخرجه (د) فيه عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، عن أبيه، به.
وأخرجه الشافعي، والبغوي في شرح السنة عن طريقه، والدارقطني وابن خزيمة، وابن الجارود.
المسألة الرابعة: في بيان فوائده:
من فوائد هذا الحديث: جواز التيمم في الحضر لمن لم يجد الماء، وهو مذهب المصنف رحمه الله، ومثله البخاري فقد ترجم في الصحيح [باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة]، وسيأتي
تحقيق الخلاف فيه في المسألة التالية إن شاء الله تعالى.
ومنها: أن بعضهيم استدل به على جواز التيمم على الحجر، وهو مذهب الحنفية، ووجَّهَه بأن حيطان المدينة مبنية بالحجارة السود، وسيأتي تحقيق البحث في ذلك في باب 202 حديث 321 إن شاء الله
تعالى.
ومنها: أنه استدل به الطحاوي على جواز التيمم للجنازة عند خوف فواتها، وهو قول الكوفيين، والليث، والأوزاعي، لأنه صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام في الحضر لأجل فوت الردّ، وإن كان ليس شرطا، ومنع من ذلك مالك، والشافعي، وأحمد.
ومنها: أن فيه دلالة على جواز التيمم للنوافل كالفرائض، وأبْعَدَ بعضهم فَخَصَّه بالفرائض.
ومنها: أن التيمم: مسح الوجه واليدين، واختلف في المراد باليدين فقيل: الكفان، وقيل: إلى المرفقين، والراجح الأول، وسيأتي تحقيق ذلك في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى.
ومنها: كراهة ذكر الله تعالى على غير طهارة، وهو للتنزيه بدليل حديث عائشة رضي الله عنها:"أنه فيكان يذكر الله على كل أحيانه" رواه مسلم.
أما دعوى النسخ -كما قاله بعضهم- فغير صحيحة لعدم معرفة التاريخ، ولإمكان الجمع يحمل الكراهة على التنزيه.
المسألة الخامسة: اختلف أهل العلم في جواز التيمم في الحضر:
قال العلامة ابن قدامة في المغني:
فصل: فإن عدم الماء في الحضر بأن انقطع الماء عنهم، أو حُبس في مصر فعليه التيمم والصلاة. وهذا قول مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وقال أبو حنيفة في رواية عنه: لا يصلي، لأن الله تعالى شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز لغيره، وقد روي عن أحمد: أنه سئل عن رجل حُبسَ في دار، وأغلق عليه الباب بمنزلة الضيف، أيتيمم؟ قال: لا.
ولنا ما روى أبو ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإن وجد الماء فليمسه بشرفه، فإن ذلك خير" أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح
(1)
، فيدخل تحت عمومه محل النزاع.
وقال ابن المنذر في الأوسط: اختلف أهل العلم في التيمم في الحضر لغير المريض، وللمريض لا ماء بحضرته، ولو وصل إلى الماء لَتَوَضَّأ، فقالت طائفة: إذا خاف ذوات الصلاة تيمم وصلى، حكى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عمن في القبائل من أطراف الفسطاط، فخشي إن توضأ أن تطلع عليه الشمس قبل أن يبلغ الماء؟ قال: يتيمم، ويصلي، قال: وقد كان مرة من قوله في الحضر: يعيد إذا توضأ.
وسئل الأوزاعي عمن انتبه من نومته وغفلته، وهو جنب فأشفق إن اغتسل وتوضأ طلعت الشمس أو غابت، قال: يتيمم، ويصلي الصلاة قبل فوات وقتها، قال الوليد: فذكرت ذلك لإبراهيم بن محمَّد الفزاري، فأخبرني عن سفيان أنه قال: يتيمم ويصلي، قال الوليد: فذكرت ذلك لمالك، وابن أبي ذئب، وسعيد بن عبد العزيز، وغيرهم فقالوا: بل يغتسل، وإن طلعت عليه الشمس، لقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء الآية 43] الآية، فهذا واجد للماء، وكان في عذر من نومه، وغفلته، ونسيانه معذور بها، وحكى الوليد ذلك عن الليث.
وكان الحسن يقول في مريض بحضرته ماء، وحضرت الصلاة، وليس عنده من يناوله، وخشي فوت الوقت، قال: يتيمم ويصلي، وقال الوليد: ولا أعلم إلا أني سمعت أبا عمرو يقول: إذا لم يجد المقيم
(1)
انظر صحيح الترمذي للشيخ الألباني جـ 1 ص 39.
ماء تيمم وصلى، ولا إعادة عليه، إلا في الوقت، واحتج بحديث ابن عمر: أنه أقبل من الجُرُف، فلما كان بالِمرْبَد حضرته صلاة العصر، فنزل فتيمم، وصلى العصر.
قال الجامع: لكن قوله: ولا إعادة عليه إلا في الوقت، لا دليل عليه لأنه احتج بفعل ابن عمر، وابن عمر دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يُعِد كما ذكره البخاري في الصحيح، وسيأتي قريبًا. قال ابن المنذر: وقالت طائفة: لا يجوز للحاضر غير المريض التيمم بحال، فإن فعل كانت عليه الإعادة، هذا قول الشافعي، وأبي ثور. وقال ابن جريج: قلت لعطاء: قضيتُ الحاجة في بعض هذه الشعاب، أتمسح بالتراب وأصلي؟ قال: لا
(1)
.
وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوات الوقت" وبه قال عطاء، وقال الحسن: في المريض عنده الماء، ولا يجد من يُناوله: يتيمم. وأقبل ابن عمر من أرضه بالجُرُف، فحضرت العصر بمرْبَد النَّعَم فصلى، ثم دخل المدينة، والشمس مرتفعة فلم يُعدْ. ثم أورد حديث الباب.
وقال أبو محمَّد بن حزم رحمه الله في المُحَلَّى: ويتيمم من كان في الحضر صحيحا إذا كان لا يقدر على الماء إلا بعد خروج وقت الصلاة، ولو أنه على شفير البئر والدلو في يده، أو على شفير النهر والساقية والعين، إلا أنه يوقن أنه لا يتم وضوءه أو غسله حتى يطلع أول قرن الشمس، وكذلك السجون والخائف.
قال بُرْهانُ ذلك ما حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا
(1)
الأوسط جـ 2 ص 30 - 31.
عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمَّد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم بن الحجاج، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمَّد بن فضيل، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلنا على الناس بثلاث -فذكر فيها-: وجُعلت لنا الأرض مسجدا، وجُعلت تُربتها لنا طَهورا إذا لم نجد الماء".
ثم ذكر ما أخرجه مسلم بسنده عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلتُ على الأنبياء بست: أُعطيتُ جَوَامع الكلم، ونُصرتُ بالرُّعب، وأُحلَّت لي الغنائمُ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأُرسلتُ إلى الناس كافة، وخُتم بي النبيون" فهذا عموم دخل فيه الحاضر والبادي.
فإن قيل: فإن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ..} [النساء الآية 43] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" فلم يُبح عز وجل للجنب أن يقرب الصلاة حتى يغتسل، أو يتوضأ إلا مسافرًا.
قلنا: نعم، قال الله تعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرتم، وقال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: آية6] فكانت هذه الآية زائدة حكما، واردة بشرع ليس في الآية التي ذكرتم بل فيها إباحة أن يقرب الصلاة الجنب دون أن يغتسل، وهو غير عابر سبيل، لكن إذا كان مريضا لا يجد الماء، أو عليه فيه حرج، وكانت هذه الآية أيضا زائدة
حكما على الخبر الذي لَفْظُهُ: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" ثم جاء الخبران اللذان ذكرنا بزيادة، وعموم على الآيتين والخبر المذكور، فدخل في هذين الخبرين: الصحيح المقيم إذا لم يجد الماء، وكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فرض جمع بعضه إلى بعض، وكله من عند الله تعالى. وقولنا هذا هو قول مالك، وسفيان، والليث.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يتيمم الحاضر، لكن إن لم يقدر على الماء إلا حتى يفوت الوقت تيمم، صلى، ثم أعاد، ولابد إذا وجد الماء، وقال زفر: لا يتيمم الصحيح في الحضر البَتَّة، وإن خرج الوقت، لكن يصبر حتى يخرج الوقت ويجد الماء، فيصلي حينئذ. قال أبو محمَّد بن حزم رحمه الله: أما قول أبي حنيفة والشافعي فظاهر الفساد، لأنه لا يخلو أمْرُهُمَا له بالتيمم من أن يكونا أمراه بصلاة هي فرض الله تعالى عليه، أو بصلاة لم يفرضها عليه، ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن قال مقلدهما: أمراه بصلاة هي فرض عليه، قلنا: فَلمَ يُعيدُها بعد الوقت إن كان قد أدَّى فرضه؟ وإن قالوا: بل أمراه بصلاة ليست فرضا عليه، أقرَّا بأنهما ألزماه ما لا يلزمه، وهذا خطأ.
وأما قول زفر فخطأ، لأنه أسقط فرض الله تعالى في الصلاة في الوقت الذي أمر الله تعالى بأدائها فيه، وألزمه إيّاها في الوقت الذي حرم الله تعالى تأخيرها إليه.
قال أبو محمَّد: والصلاة فرض معلق محدود، والتأكيد فيها أعظم من أن يجهله مسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" فوجدنا هذا الذي حضرته الصلاة هو مأمور بالوضوء وبالغسل إن كان جنبا، وبالصلاة، فهذا عجز عن الغسل والوضوء سقطا
عنه، وقد نصَّ عليه السلام على أن الأرض طهورٌ إذا لم يجد الماء وهو غير قادر عليه، فهو باق عليه، وهو قادر على الصلاة، فهي باقية عليه، وهذا بَيِّنٌ والحمد لله رب العالمين.
قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة القول في هذه المسألة: أن المذهب الراجح هو مذهب من قال بجواز التيمم لمن كان في الحضر إذا فقد الماء، وخاف فوت الوقت، أو تعذر عليه الاستعمال لمرض أو غيره، وأنه لا قضاء عليه لتلك الصلاة التي صلاها بذلك التيمم والله أعلم.
312 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ؟ قَالَ عُمَرُ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا تَذْكُرُ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ، فَأَجْنَبْنَا، فَلَمْ نَجِدِ الْمَاءَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، فَصَلَّيْتُ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ" فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
وَسَلَمَةُ شَكَّ، لَا يَدْرِي فِيهِ الْمِرْفَقَيْنِ، أَوْ إِلَى الْكَفَّيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ.
رجال هذا الإسناد: ثمانية
1 -
(محمَّد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري أبو بكر بُندار أحد مشايخ الستة، ثقة من [10]، تقدم في 24/ 27.
2 -
(محمَّد) بن جعفر الهُذلي البصري المعروف بغُندر ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غَفْلَةً من [9] مات سنة 3 أو 194 تقدم في 21/ 22.
3 -
(شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري، ثقة حافظ متقن عابد من [7] مات سنة 160 وتقدم في 24/ 26.
4 -
(سلمة) بن كُهيل بن حُصين الحضرمي التِّنْعيّ
(1)
أبو يحيى الكوفي، دخل على ابن عمر، وزيد بن أرقم، وروى عن أبي جُحيفة، وجُندب بن عبد الله، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، وغيرهم.
وعنه سعيد بن مسروق الثوري، وابنه سفيان، والأعمش، وشعبة وغيرهم.
قال أحمد: سلمة بن كهيل متقن للحديث، وقيس بن مسلم متقن للحديث، ما نُبالي إذا أخذت عنهما حديثهما، ووثقه ابن معين، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة ثبت في الحديث، وكان فيه تشيع قليل، وهو من ثقات الكوفيين، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال أبو زرعة: ثقة مأمون ذكي، وقال أبو حاتم: ثقة متقن، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثَبْتٌ على تشيعه، وقال النسائي: ثقة ثبت، وقال ابن المبارك عن سفيان: ثنا سلمة بن كهيل، وكان ركنا من الأركان، وشد قبضته، وقال ابن مهدي: لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة: منصور، وسلمة، وعمرو بن مرة، وأبى حَصين، وقال أيضا: أربعة في الكوفة لا يُختَلَف
(1)
نسبة إلى بني تنع بطن من هَمْدان، وهو بكسر التاء، وسكون النون اهـ لباب.
في حديثهم، فمن اختلف عليهم فهو مخطئ، فذكره منهم. وقال جرير: لمَاَ قدمَ شعبةُ البصرةَ، قالوا له: حدثنا عن ثقات أصحابك، فقال: إن حدثتكم عن ثقات أصحابي فإنما أحدثكم عن نفر يسير من هذه الشِّيعة: الحكم، وسَلَمَة بن كُهَيل، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور، وقال يحيى بن سلمة بن كهيل: وُلد أبي سنة 47، ومات يوم عاشوراء سنة 121، وكذا قال غير واحد، وقيل: 122، وقيل:
123، قال ابن المديني في العلل
(1)
: لم يلق سلمةُ أحدا من الصحابة إلا جُندبًا، وأبا جُحَيفة.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو داود: هو أحب إليَّ من حبيب بن أبي ثابت، وقال: كان يتشيع، وقال النسائي: هو أثبت من الشيباني والأجلح أخرج له الجماعة
(2)
.
5 -
(ذَرّ) -بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء- بن عبد الله بن زُرارة المُرْهبي الهمداني أبو عمر الكوفي.
روى عن عبد الله بن شداد بن الهاد، وسعيد بن عبد الرحمن، وسعيد بن جبير، والمسيب بن نَجَبَة، ووائل بن مَهَانَةَ، ويُسَيع الحضرمي، وغيرهم.
وعنه ابنه عمر، والأعمش، ومنصور، والحكم بن عتيبة، وزُبيد اليامي، وسلمة بن كُهيل، وحبيب بن أبي ثابت وغيرهم.
(1)
قال بعضهم: قول ابن المديني هذا غلط، فقد أخرج ابن ماجه في سننه في باب التيمم بإسناد صحيح عن الحكم، وسلمة بن كهيل، أنهما سألا عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن التيمم .. الحديث. اهـ.
قلت: قوله: "بإسناد صحيح" فيه نظر، لأن في سنده محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيء الحفظ.
(2)
تت جـ 4 ص 157.
قال أحمد: ما بحديثه بأس، ووثقه ابن معين، والنسائي، وابن خراش، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو داود: كان مرجئا وهَجَرَهُ إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير للإرجاء، وقال ابن حبان: كان من عباد أهل الكوفة، وكان يقص، وقال البخاري: صدوق في الحديث، وكذا قال الساجي، وزاد: كان يرى الإرجاء، وثقه ابن نمير، وقال أحمد: لم يسمع من عبد الرحمن بن أبزى
(1)
أخرج له الجماعة.
6 -
(ابن عبد الرحمن) هو سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي.
روى عن أبيه، وابن عباس، وواثلة.
وعنه جعفر بن أبي المغيرة، وطلحة بن مصرف، وغيرهم.
قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث
(2)
أخرج له الجماعة.
7 -
(عبد الرحمن بن أبْزَى) -بفتح الهمزة وسكون الباء- الخُزاعي مولى نافع بن عبد الحارث مختلف في صحبته، استخلفهُ نافع بن عبد الحارث على أهل مكة أيام عمر، وقال لعمر: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، ثم سكن الكوفة.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعلي، وعمر، وعمار، وأبي بن كعب، وغيرهم.
وعنه ابنه سعيد، وعبد الله بن أبي المُجالد، والشعبي، وغيرهم.
ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال ابن أبي داود: لم يُحَدّث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من التابعين إلا ابن أبزى.
(1)
تت جـ ص 218.
(2)
تت جـ 4 ص 54.
وقال البخاري: له صحبة، وذكره غير واحد في الصحابة، وقال أبو حاتم: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى خلفه، وقال ابن عبد البر: استعمله عليّ علَى خراسان. وذكره ابن سعد فيمن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحداث الأسنان، وممن جزم بأن له صحبة خليفة بن خياط، والترمذي، ويعقوب بن سفيان، وأبو عروبة، والدارقطني، والبرقي، وبَقيّ بن مَخْلَد، وغيرهم، وفي صحيح البخاري من حديث ابن أبي المجالد أنه سأل عبد الرحمن بن أبزى وابن أبي أوفى عن السلف، فقالا: كنا نصب المغانم مع النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث. وقال ابن سعد: أنا أبو عاصم، أنا شعبة، عن الحسن بن عمران، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان إذا خفض لا يكبر"
(1)
أخرج له الجماعة.
8 -
(عمار بن ياسر) بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين ابن الوَديم بن ثَعلَبَة بن عوف بن حارثة بن عامر بن ثامر بن عنس، كذا قال ابن سعد، العنسي أبو اليَقْظان مولى بني مخزوم، وأمه سُمَيَّة من لَخْم، وكان ياسر قدم من اليمن إلى مكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة، فزوجه مولاته سُمَيَّة، فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة، وأسلم عمار وأبوه قديما، وكانوا ممن يعذب في الله، وقَتَلَ أبو جهل سمية، فهي أول شهيدة في الإسلام، وعن مسدد قال: لم يكن في المهاجرين مَن أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر.
قال الجامع عفا الله عنه: في كلام مسدد هذا نظر، وكذا في قول أبي بكر السيوطي في ألفية المصطلح:
وَمَا سِوىَ الصِّدِّيق مِمَّنْ هَاجَرَا
…
مَنْ وَالدَاهُ أسْلَمَا قَدْ أُثِرَا
(1)
تت جـ 6 ص 132 - 133.
لأن كلا من القولين يعارض الآخر، وقد ثبت أن كثيرا من المهاجرين أسلم آباؤهم وأمهاتهم، مثل أولاد العباس، وأولاد أبي بكر، وأولاد أم سلمة، وغيرهم ممن حوتهم كتب السير، فتفطن.
روى عمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن حذيفة بن اليمان.
وعنه ابنه محمَّد، وابن ابنه سلمة بن محمَّد على خلاف فيه، وابن عباس، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وغيرهم.
شهد بدرا والمشاهد كلها، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حذيفة، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أول من أظهر إسلامه سبعة، فذكر فيهم عمارا، وأمه سُمَيَّة.
وهو أول من بَنَى مسجدا يصلى فيه، ولما استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ائذنوا له مرحبا بالطيّب المُطَيَّب" وفي رواية استأذن على علي فقال: ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن عمارا مُلىء إيمانا إلى مشاشه"
(1)
، وعن ربعي
(2)
بن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار" وقال الحسن: قال عمرو بن العاص، وفي رواية عثمان ابن أبي العاص قال: رجلان مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبهما: ابن مسعود، وعمار. وتواترت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمار:"تقتلك الفئة الباغية"، روي ذلك عن عمار، وعثمان، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عباس، في آخرين.
(1)
المشاش: رؤوس العظام كالمرفقين، والكتفين، والركبتين، وقيل: رؤوس عظام لينة يمكن مضغها. اهـ مجمع البحار.
(2)
هكذا في "تت" ولعل الصواب: وعن ربعي، عن حذيفة.
وقال الواقدي: والذي أُجمعَ عليه في قتل عمار أنه قتل مع علي بصفّين سنة 37، وه وابن 93، ودفن هناك بصفين، وروى العَوَّام بن حوشب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن السَّكْسيّ، عن أبي وائل، قال: رأى أبو ميسرة عمرُو بنُ شرحبيل، وكان من أفاضل أصحاب عبد الله في المنام أنه أدخل الجنة، فهذا هو بقباب مضروبة، قال: فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لذي الكلاع، وحوشب، وكان قتل مع معاوية، قال: فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قال: وقد قتل بعضهم بعضا؟ قالوا: نعم، إنهم لقوا الله، فوجدوه واسع المغفرة، قال: فما فعل أهل النَّهْروان؟ قال: لقوا مرحا. ومناقبه كثيرة جدّا
(1)
أخرج له الجماعة.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من ثمانياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين بصريين، وهم الثلاثة الأولون، وكوفيين وهم الباقون، وفيه رواية صحابي، عن صحابي، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم، عن بعض، وهم سلمة، وذَرّ، وابن عبد الرحمن بن أبزى، وفيه الإخبار، والتحديث، والعنعنة.
شرح الحديث
(عن) سعيد (ابن عبد الرحمن بن أبزى) الخُزاعي الكوفي (عن أبيه) عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الصحابي رضي الله عنه، وهو صحابي صغير، وكان في زمان عمر رجلا، وولي على خراسان لعلي رضي الله عنه (أن رجلا) قال الحافظ رحمه الله: لم أقف على تسميته، وفي رواية الطبراني: أنه من أهل البادية، وعند البخاري من رواية سليمان بن حرب، عن شعبة:"أن عبد الرحمن بن أبزى شهد ذلك".
(1)
تت جـ 7 ص 408 - 410.
(أتى عمر) بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته (فقال: إني أجْنَبْتُ) بفتح الهمزة أي: صرت ذا جنابة، من أجنب الرباعي، ويقال: جَنُب -بضم النون والكسر كما في اللسان- ثلاثيا أيضا (فلم أجد الماء) إما مطلقا، أو يريد الكافي للغسل (فقال عمر) رضي الله عنه مجيبا لسؤاله (لا تُصَلِّ) زاد في رواية "حتى تَجدَ الماءَ" وهذا مذهب مشهور عن عمر رضي الله عنه: أنه لا يتيمم الجنب، ووافقه على ذلك
ابن مسعود رضي الله عنه، وقيل: إن ابن مسعود رجع عنه، وسنحقق الخلاف بين العلماء في المسألة السادسة إن شاء الله تعالى (فقال له عمار ابن ياسر) رضي الله عنه مُذكِّرًا له، حيث خالف فتواه السنةَ (يا أمير المومنين أما تَذْكُرُ) الهمزة للاستفهام، و "ما" للنفي (إذ أنا وأنت)"إذ" ظرف متعلق بتذكر، وهو مضاف إلى الجملة الاسمية، أي: ألَا تذكر وقت كوننا (في سرية) فَعيلة بمعنى فاعلة، وهي القطعة من الجيش، سميمت بذلك لأنها تَسْري في خُفية، والجمع سرايا، وسَريَّاتٌ مثل عَطيَّة وعطيَّات
(1)
.
وقال ابن منظور: والسَّريَّة: ما بين خمسة أنفس إلى ثلاثمائة، وقيل: هي من الخيل نحو أربعمائة.
وفي التهذيب: وأما السرية: من سَرَايَا الجيوش، فإنها فعيلة بمعنى فاعلة، سميت سرية لأنها تَسري ليلا في خُفية، لئلَا ينذَرَ بهم العدو، فيَحذَرُوا أو يمتنعوا، يقال: سَرَّى قائدُ الجيش سرية إلى العدو، إذا جَرّدَها وبعثها إليهم، وهو التَّسْريَة، وفي الحديث:"يَرُدُّ مُتَسَرِّيهم على قاعدهم". المُتَسَرِّي: الذي يخرج في السَّريّة، وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، وجمعها السرايا، سُمُّوا بذلك لأنهم يكونون
(1)
المصباح جـ 1 ص 275.
خلاصةَ العسكر، وخيارَهم، من الشيء السَّريّ: النفيس، وقيل: سُمّوا بذلك لأنهم يُنَفَّذُون سرّا، وخُفْية، وليس بالوجه لأن لام السِّرِّرَاءٌ، وهذه ياء
(1)
.
(فأجنبنا) أي أصابتنا جنابة (فلم نجد الماء) للغسل (فأما أنت فلم تُصَلِّ) لعدم وجدانك الماء، مع اعتقاد عدم صحة التيمم للجنب (وأما أنا فتمعكت في التراب) أي تَحكَّكْتُ في التراب، من قولهم: معَك
الأديمَ: إذا حكّه، وفي المصباح: مَعكْتُهُ في التراب مَعْكًا، من باب نفع: دلكته به، ومعَّكته تمعيكًا، فتمعك: أي مرَّغته، فتمرغ
(2)
.
وفي الرواية الآتية: "فتمرغت" أي تقلبت.
وهذا من عمار رضي الله عنه استعمال للقياس، واجتهاد منه، حيث قاس الطهارة الترابية على المائية في التفرقة فيها بين الحدث الأكبر الذي يعمم فيه البدن بالماء، والحدث الأصغر الذي يجزئ فيه بعض
الأعضاء، ولهذا قال ابن دقيق العيد رحمه الله: إن الحديث فيه دليل على القياس، لأنه لم ينكر عليه قياسه، وإنما بَيَّنَ له أن الرخصة خصصت هذه الأعضاء في الحدث الأكبر، كما هو الحال في الحدث
الأصغر.
وفي الفتح: ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه، وإن لم يصب الحق، وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة، وفي تركه أمر عمر أيضا بقضائها مُتَمَسّك لمن قال: إن فاقد الطهورين لا يصلي، ولا قضاء عليه اهـ
(3)
.
(1)
لسان جـ 2 ص 2004.
(2)
المصباح جـ 2 ص 576.
(3)
جـ 1 ص 529.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الأخير خلاف الصواب، بل الصواب أنه يصلي، ولا قضاء عليه، كما يأتي تحقيقه في 204/ 323 إن شاء الله تعالى.
(فصليت فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم) أي بعد الرجوع (فذكرنا ذلك له) أي بَيَّنَّا عَمَل كُلّ منّا للنبي صلى الله عليه وسلم (فقال) صلى الله عليه وسلم (إنما كان يكفيك) أي لاستباحة الصلاة بالتيمم، وفي الرواية الآتية:"إنما كان يكفيك هكذا".
قال الحافظ رحمه الله: فيه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث، والزيادة على ذلك لو ثبت بالأمر دلت على النسخ، ولزم قبولها، لكن إنما وردت بالفعل فتحملُ على
الأكمل، وهذا هو الأظهر من حيث الدليل
(1)
.
(فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض) المراد من اليدين: الكفان بدليل الرواية الآتية "وضرب بكفيه الأرض"(ثم نفخ فيهما) وفي رواية "ثم أدناهما من فيه" وهو كناية عن النفخ، وفيهما إشارة إلى أنه كان نفخا خفيفا، وفي رواية "تفل فيهما"، والتَّفْلُ: قال أهل اللغة: هو دون
الْبَزْق، والنَّفْثُ دونه.
قال الحافظ رحمه الله: وسياق هؤلاء يدل على أن التعليم وقع بالفعل، ولمسلم من طريق يحيى بن سعيد، وللإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون وغيره، كلهم عن شعبة أن التعليم وقع بالقول،
ولفظهم: "إنما كان يكفيك أن تضرب الأرض بيدك" زاد يحيى "ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك".
واستُدلَّ بالنفخ على استحباب التخفيف للتراب، وعلى سقوط استحباب التكرار في التيمم؛ لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف. قاله
(1)
فتح جـ 1 ص 529.
في الفتح (ثم مسح بهما وجهه وكفيه) فيه أن الذي يجزئ في التيمم مسح الوجه والكفين فقط، وهذا هو المذهب الراجح، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة السادسة إن شاء الله تعالى.
(وسلمة) بن كهيل مبتدأ خبره قوله (شك لا يدري فيه) أي في الحديث (إلى المرفقين، أو إلى الكفين) يعني أن سلمة شك في روايته عن ذَرّ، هل قال: ثم مسح بهما وجهه، ويديه إلى المرفقين، أو قال: وجهه ويديه إلى الكفين. ومعنى "إلى الكفين": إلى نهاية الكفين. وسيأتي 200/ 319 أن شعبة قال: كان يقول -يعني سلمة- الكفين والوجه والذراعين، فقال له منصور: ما تقول؟ فإنه لا يذكر الذراعين غيرك، فشك سلمة، فقال: لا أدري ذكر الذراعين أم لا؟.
نال الجامع: فدل هذا على أن ذكر الذراعين غير صحيح لعدم تيقنه، ومخالفة غيره من الثقات في ذلك. وأما ما قاله في المنهل العذب: من أنها زيادة ثقة مقبولة فغير صحيح. فتفطن.
(فقال عمر: نُوَلِّيك ما تَوَلَّيتَ) هذا مختصر من الرواية الآتية، "فقال: اتق الله يا عمار، فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره، قال: لا، ولكن نوليك من ذلك ما توليت" ومعنى "نوليك" .. الخ: من التولية أي نجعلك واليًا على ما تصديت له من تبليغ هذا الحكم، ورضيته لنفسك، وذلك لأنه لم يجزم بخطئه ولم يتذكر القصة، فجوّز النسيان على نفسه، كما جوّز الوَهَمَ على عمار، فليس له أن يفتي به بخلاف عمار حيث جزم به، فله التبليغ، والفتوى به. والله أعلم.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث عمار رضي الله عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند الصنف: أخرجه هنا -195/ 312 - عن محمَّد بن بشار، عن محمَّد بن جعفر غندر، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن ذَرّ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، عن عمار رضي الله عنه، وفي 198/ 316 والكبرى - 177/ 302 - عن محمَّد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن سلمة، عن أبي مالك، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى كلاهما عن عبد الرحمن، وفي 199/ 317 والكبرى 178/ 304 - عن عمرو بن يزيد، عن بهز، عن شعبة، عن الحَكَم قال: سمعت ذرا يحدث عن ابن أبزى، عن أبيه، وقد سمعه -يعني الحكم- من ابن أبزى، عن أبيه، عنه. وفي 200/ 319 والكبرى -179/ 305 - عن عبد الله بن محمَّد بن تميم، عن حجاج بن محمَّد، عن شعبة، عن الحكم، وسلمة كلاهما عن ذر، به، وفي الكبرى: عن عمرو بن علي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عَزْرَةَ، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، به. وهو في رواية ابن الأحمر.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه مع المصنف:
أخرجه (خ م ت ق) فأخرجه (خ) في الطهارة عن آدم، وحجاج بن منهال، ومحمد بن كثير، وسليمان بن حرب، ومسلم بن إبراهيم -فَرَّقَهم- وعن بندار، عن غندر، ستتهم عن شعبة، عن الحكَم، عن
ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، وقال تعليقا: وقال النضر -يعني ابن شُمَيل- عن شعبة، عن الحكم، عن ذرّ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، قال الحكم: وقد سمعته من ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه.
وأخرجه (م) في الطهارة عن إسحاق بن منصور، عن النضر بن
شميل كما تقدم، وعن عبد الله بن هاشم، عن يحيى القطان، عن شعبة، عن الحكم، عن ذَرّ بهذا، قال الحكم: وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال شعبة: وحدثني سلمة، عن ذر بهذا.
وأخرجه (د) فيه عن محمَّد بن كثير، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي مالك، عن عبد الرحمن بن أبزى به، وعن محمَّد بن العلاء، عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن سلمة، عن ابن أبزى عن عمار، ولم يذكر أبا مالك، وعن محمَّد بن بشار، عن محمَّد بن جعفر، وعن علي بن سهل الرَّمْلي، عن حجاج بن محمَّد كلاهما عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، وعن مُسدد، عن يحيى، عن شعبة، عن الحكم كلاهما عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، وعن محمَّد بن المنهال، عن يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن عَزْرَةَ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه مختصرا، وعن موسى بن إسماعيل، عن أبان، قال: سئل قتادة عن التيمم في السفر؟ فقال: حدثني مُحَدِّث، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار بن ياسر،: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلى المرفقين" قال أبو داود: ورواه وكيع، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه. ورواه جرير، عن الأعمش، عن سلمة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه. ورواه شعبة، عن حُصين، عن أبي مالك، قال: سمعت عمارا يخطب.
وأخرجه (ت) فيه عن أبي حفص عمرو بن علي، عن يزيد بن زريع بإسناده:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم للوجه والكفين" وقال: حسن صحيح.
وأخرجه (ق) فيه عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه به، وبعضهم يزيد على بعض في الحديث
(1)
.
المسألة الرابعة: حق هذا الحديث كما قال السندي: أن يذكر تحت ترجمة "باب التيمم للجنابة" وهي ستأتي، ولعل المصنف أخذ جواز التيمم في الحضر من تيمم النبي صلى الله عليه وسلم للتعليم في الحضر، وذلك أنه عَلَّمَه تعليما مطلقا، بحيث لم يخص به سفرا من حضر، فلو كان التيمم لا يجوز إلا في السفر لبَيَّنه له، وقال: إن هذا التيمم بهذه الكيفية خاص بمن كان في السفر، والله أعلم.
المسألة الخامسة: في بيان فوائده:
منها: أنه يدل على جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلامة المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله عند قوله "فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة" ما نصه: كأنه استعمال لقياس لابد فيه من تقدم العلم بمشروعية التيمم، وكأنه لما رأى أن الوضوء خاص ببعض الأعضاء، وكان بدله -وهو التيمم- خاصا وجب أن يكون بدل الغسل الذي يعم جميع البدن عاما لجميع البدن.
قال أبو محمَّد بن حزم الظاهري: في هذا الحديث إبطال القياس، لأن عمارا قَدَّر أن المسكوت عنه من التيمم للجنابة حكمه حكم الغسل للجنابة، إذ هو بدل منه، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأعلمه أن لكل شيء حكمه المنصوص عليه فقط.
(1)
أفاده المزي في تحفة الأشراف جـ 7 ص 479 - 481.
قال ابن دقيق العيد: والجواب عما قال: أن الحديث دل على بطلان هذا القياس الخاص، ولا يلزم من بطلان الخاص بطلان العام، والقائسون لا يعتقدون صحة كل قياس، ثم في هذا القياس شيء آخر، وهو أن الأصل -الذي هو الوضوء- قد أُلغي فيه مساواة البدل له، فإن التيمم لا يعم جميع أعضاء الوضوء،. فصار مساواة البدل للأصل مُلْغى في محل النص، وذلك لا يقتضي المساواة في الفرع.
بل لقائل أن يقول: قد يكون الحديث دليلا على صحة أصل القياس، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما كان يكفيك كذا وكذا" يدل على أنه لو فعله لكفاه، وذلك دليل على صحة قولنا: لو كان فعله لكان مصيبا، ولو كان فعله لكان قائسا للتيمم للجنابة على التيمم للوضوء على تقدير أن
يكون اللمس المذكور في الآية ليس هو الجماع، لأنه لو كان عند عمار هو الجماعَ لكان حكم التيمم مُبَيَّنا في الآية، فلم يكن يحتاج إلى أن يتمرغ، فإذن فعله ذلك يتضمن اعتقادَ كونه ليس عاملا بالنص، بل بالقياس، وحكمَ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يكفيه التيمم على الصورة المذكورة، مع ما بينا من كونه لو فعل ذلك لفعله بالقياس عنده لا بالنص. اهـ
(1)
وكتب العلامة الصنعاني رحمه الله على قوله: "فإذن فعله ذلك الخ" ما نصه: أقول: تمرغه قد يتضمن أنه فعله اعتمادا على القياس، إذ لو عمل بالنص لما جاوز أعضاء التيمم، لأن النص قد بين كمية الأعضاء التي تطهير بالتراب في جنابة ووضوء، فلما تمرغ دل على أنه قاس الجنابة على الحدث الأصغر في أنه يرفعها التراب كما يرفعه، وإلحاق التراب بالماء في عموم البدل، فأقر صلى الله عليه وسلم القياس الأول ونفى الثاني.
(1)
إحكام الأحكام جـ 1 ص 431 - 432.
ويحتمل أنه قد علم الحكم، وهو أن التراب يرفع الجنابة من الآية، وحمل الملامسة على الجماع، وحمل قوله:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة الآية 6] على أنه بيان لكمية الأعضاء في تيمم الوضوء وكيفيته، وأنه أحيل بيان كيفيته وكميته عن الجنابة على القياس على الماء، فعم بالتمرغ البدن قياسا للتراب على الماء بجامع أنه يطهر مثله، فأبطل صلى الله عليه وسلم هذا القياس، وأبان له أن الحكم في ذلك في الوضوء والغسل واحد، وأن النص قد شمل الأمرين، وأنه أخطأ في القياس مع وجود النص، وعلى كل تقدير لم تتم لأبي محمَّد الحجة بالحديث على بطلان القياس من حيث هو، وإبطاله صلى الله عليه وسلم له ليس إلا لاختلاله، والمفهوم اعتباره كما سبقت الإشارة إليه
(1)
.
ومنها: أن المجتهد إذا أخطأ لا يلام على خطأه.
ومنها: أن من عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة.
ومنها: أن الضربة الواحدة تكفي لمسح الوجه واليدين.
ومنها: أن التكرار لا يشرع في مسح التيمم.
ومنها: أن المشروع في مسح اليدين هما الكفان فقط، فلا يشرع مجاوزتهما.
ومنها: أن المجتهد إذا خالفه مجتهد، ولكن لم يقتنع بحجته لا ينبغي له أن يمنع ذلك المجتهدَ عن الفتوى بما ثبت لديه من الدلائل، وإن كان إماما، لأن عمر قَرَّر عمارا على ما ادَّعاه من النص، وفوضه إليه،
مع كونه لم يَقْنع به، حيث إنه ذكر له قصة تتعلق به، ولم يَتذكَّرها، فجوز النسيان عليه، كما جوز الخطأ على عمار. والله أعلم.
(1)
العدة جـ 1 ص 432 - 433.
المسألة السادسة: في بيان مذاهب العلماء في كيفية التيمم:
قال الحافظ أبو بكر بن المنذر رحمه الله: اختلف أهل العلم في كيفية التيمم، فقالت طائفة: يبلغ به الوجه واليدين إلى الآباط، هكذا قال الزهري، واحتج بحديث عمار الآتي 196/ 314.
وقالت طائفة: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وبه قال ابن عمر، والحسن، والشعبي، وسالم، وروي عن جابر، وقال النخعي: أعْجَبُ إليَّ أن يبلغ به إلى المرفقين، وهو قول مالك، والليث، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وسفيان، والشافعي، وأصحاب الرأي وقال أبو ثور: ضربتان أحب إليّ.
قال ابن المنذر رحمه الله: من حجة بعض القائلين بهذا القول: أحاديث ثلاث:
أحدها: حديث ابن عمر، ثم ساق بسنده إلى نافع، قال: انطلق مع ابن عمر إلى ابن عباس في حاجة، فكان من حديثه يومئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم بال، قال: فمرَّ عليه رجل، فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام، حتى ضرب بيديه على الحائط، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فسمح بهما ذراعيه، ثم رد السلام"
(1)
.
والثاني: ما رواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمَّد، عن أبيه، عن أبي الحُويرث عبد الرحمن بن معاوية، عن الأعرج، عن أبي الصِّمة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه"
(2)
.
والثالث: ما رواه الرَّبيع بن بدر، عن أبيه، عن جده، عن أسلع،
(1)
أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني.
(2)
أخرجه الشافعي في الأم، والمسند.
قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابتني جنابة، فقال: يا أسلع قم فارحل لي فقلت: أصابتني جنابة، فسكت، فنزلت آية التيمم، فأراني التيمم، فضرب بيديه على الأرض ثم نفضهما، فمسح وجهه، ثم ضرب بيديه الأرض ثانية، فمسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما"
(1)
.
وقالت طائفة: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى الرسغين، وروي هذا القول عن علي.
وقالت طائفة: التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو قول عطاء، ومكحول، والشعبي، وروي عن ابن المسيب، والنخعي، وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بحديث عمار المذكور الذي اتفق عليه الشيخان.
قال ابن المنذر: وأما الأخبار التي رويت عن عمار التي فيها ذكر اختلاف أفعالهم حين نزلت آية التيمم، قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيعلمهم صفة التيمم، فإنما فعلوه عند نزول الآية احتياطا، فلما جاؤوه علمهم فقال لعمار:"إنما كان يكفيك هكذا" وفي قوله: "إنما كان يكفيك هكذا" دليل على أن الفعل الذي كان منهم كان قبل أن يُعلمهم، والدليل على صحة هذا القول أن عمارًا علَّمَهُم بعد النبي صلى الله عليه وسلم في ولايته أيام عمر على الكوفة التيممَ ضربةً للوجه والكفين.
قال: وأما الأخبار الثلاثة التي احتج بها من رأى التيمم ضربتان: فمعلولة كلها، لا يجوز أن يحتج بشيء منها.
فحديث ابن عمر في سنده محمَّد بن ثابت، لم يرفعه غيره، وقد دفع غير واحد من أهل العلم حديثه، قال يحيى بن معين: محمَّد بن ثابت ليس بشيء، وهو الذي روى حديث نافع، عن ابن عمر في
(1)
أخرجه البيهقي، والدارقطني، والطبراني.
الضربتين يضعف، وقال البخاري: محمَّد بن ثابت أبو عبد الله البصري، في حديثه عن نافع، عن ابن عمر في التيمم خالفه أيوب، وعبيد الله، وابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر: فعله.
وأما ما ورواه الشافعي: ففيه إبراهيم بن محمَّد، كَذَّبهُ ابن معين، وابن أبي مريم، ونهى عنه مالك، واتهمه يحيى بن سعيد، وتركه ابن المبارك، وتكلم فيه أحمد، قال: كان يأخذ حديث الناس فيجعله في
كتبه.
وأما حديث الرَّبيع بن بدر: فإسناده مجهول، لأن الرَّبيع وأباه وجده لا يعرفون برواية الحديث، والأسلع غير معروف، فالاحتجاج بهذا الحديث يسقط هن كل وجه، انتهى كلام ابن المنذر
(1)
باختصار وتصرف.
وقال الحافظ رحمه الله: عند قوله: "يكفيك الوجه والكفان" ما نصه: ويستفاد من هذا اللفظ أن ما زاد على الكفين ليس بفرض، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن خزيمة، ونقله ابن الجهم، وغيره عن مالك، ونقله الخطابى عن أصحاب الحديث، وقال النووي: رواه أبو ثور، وغيره عن الشافعي في القديم، وأنكر ذلك الماوردي، وغيره، قال: وهو إنكار مردود، لأن أبا ثور إمام ثقة، قال: وهذا القول وإن كان مرجوحا -يعني مذهبا- فهو القوي في الدليل، هكذا قال في شرح المهذب، وأحْسَنَ في المقال، ولكنه قال في شرح مسلم في الجواب عن هذا الحديث: إن المراد به بيان صورة الضرب للتعليم وليس المراد به بيان جميع ما يحصل به التيمم.
قال الحافظ: وتعقب بأن سياق القصة يدل على أن المراد به بيان
(1)
الأوسط جـ 2 ص 47 - 54.
جميع ذلك، لأن ذلك هو الظاهر من قوله:"إنما يكفيك" وأما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء، فجوابه أنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار، وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر، وهو الإطلاق في آية السرقة، ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النص.
قال الجامع: هذا الذي قاله الحافظ رحمه الله عين التحقيق والإنصاف، وما عداه جمود واعتساف.
وقال قبل ذلك، عند قول البخاري:"باب التيمم للوجه والكفين" ما نصه: أي هو الواجب، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم، وعَمّار، وما عداهما فضعيف، أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه.
فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين، وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط.
فأما رواية المرفقين، وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط، فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به.
ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد. اهـ كلام الحافظ
(1)
وهو كلام نفيس جدّا.
(1)
فتح جـ 1 ص 530.
قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة القول في هذه المسألة أن الراجح قول من قال: إن التيمم بضربة واحدة للوجه والكفين فقط، ولا يشرع المجاوزة إلى المرفقين، لعدم صحة الدليل على ذلك. والله أعلم.
313 -
أَخْبَرَنَي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ خُفَافٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: أَجْنَبْتُ وَأَنَا فِي الإِبِلِ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً، فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ تَمَعُّكَ الدَّابَّةِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ".
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(محمَّد بن عبيد بن محمَّد) بن واقد المحاربي أبو جعفر، أو أبو يعلى النَّحَّاس الكوفي صدوق من [10] مات 251، وقيل: قبل ذلك تقدم 144/ 226.
2 -
(أبو الأحوص) سلام بن سُليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة متقن من [7] مات 179، تقدم 79/ 96.
3 -
(أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السَّبيعي الكوفي، ثقة عابد من [3] اختلط بآخره مات 129، وقيل قبل ذلك، تقدم 38/ 42.
4 -
(ناجية بن خُفاف) بضم الخاء المعجمة، وبفاءين بينهما ألف، العَنَزيّ الكوفي، عن عمار مقبول من [3].
وفي "تت" ناجية بن كعب الأسدي، ويقال: ابن خفاف العنزي، أبو خُفَاث الكوفي، ويقال: إنهما اثنان. روى عن ابن مسعود، وعلي، وعمار. وعنه أبو إسحاق، وأبو حسان الأعرج، ووائل بن داود، وأبو السَّفَر الهَمْداني، ويونس بن أبي إسحاق.
قال ابن أبي خيثمة، عن ابن معين: ناجية بن كعب صالح، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال يعقوب بن شيبة في حديث أبي إسحاق، عن ناجية، عن عمار في التيمم: رواه جماعة عن أبي إسحاق، فقال زائدة عنه: ناجية، ولم ينسبه، وقال أبو الأحوص: عن ناجية أبي خُفَاف، وقال أبو بكر بن عياش عن ناجية العنزي، وقال ابن عيينة وإسرائيل: عن ناجية بن كعب، فقال علي بن المديني: قول ابن عيينة: ناجية بن كعب غلط وإنما هو ناجية بن خفاف العنزي، قال علي: وأما ناجية بن كعب فهو أسدي، قال علي: وناجية بن خفاف أبو خفاف العنزي لم يسمع هذا الحديث عندي من عمار، لأن ناجية هذا لقيه يونس بن أبي إسحاق، وليس هو بالقديم. وقال الخطيب أبو بكر: قال ابن عيينة، وإسرائيل، ومُعَلَّى بن هلال، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، وهو وَهَم، قال: وأحسب أبا إسحاق رواه لهم عن ناجية غير منسوب، فظنوه ناجية بن كعب. انتهى.
وقد رواه أبو نعيم، وخلف بن هشام، ومحمد بن عُبيد المُحَاربيّ، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي، في قصة وفاة أبي طالب، وروى الترمذي بهذا الإسناد قول أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك .. الحديث، وهذا جميع ما له عندهم.
قال الحافظ رحمه الله: فيلخص من أقوال هؤلاء الأئمة أن الراوي عن عمار حديث التيمم هو ناجية بن خُفَاف أبو خفاف العَنَزي، وهو الذي رَوَى عن ابن مسعود، وعنه أبو إسحاق، وابنه يونس بن أبي إسحاق، وغيرهما، وأما ناجية بن كعب الأسدي، فهو الراوي عن علي بن أبي طالب، فقد قال ابن المديني أيضا: لا أعلم أحدا روى عنه غير أبي إسحاق، وهو مجهول، وقال العجلي: ناجية بن كعب كوفي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الجُوزجاني: مذموم، وفرق البخاري، وابن أبي حاتم، عن أبيه، ومسلم في الطبقات، وغير واحد بين ناجية بن كعب الأسدي، وبين ناجية بن خفاف العنزي، وذكر ابن منده ناجية بن خفاف في الصحابة، وقال: لا تصح له صحبة
(1)
، أخرج له أبو داود، والترمذي، والمصنف.
5 -
(عمار بن ياسر) رضي الله عنه تقدم في 312.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته ثقات غير ناجية، وقد وثقه العجلي، وابن حبان، وأنهم كوفيون، وفيه الإخبار، والتحديث، والعنعنة. وأن ناجية بن خُفاف هذا أوَّلُ محلٍّ ذُكر فيه.
شرح الحديث
(عن عمار بن ياسر) رضي الله عنه أنه (قال: أجنبت) أي أصابتني جنابة (وأنا في الإبل) جملة في محل نصب على الحال، ولا ينافي هذا ما تقدم من قوله:"في سَريَّة" لاحتمال أن يكونوا في السفر يتناوبون رعاية الإبل (فلم أجد الماء) للغسل (فتمعكت في التراب) أي تقلبت فيه (تمعك الدابة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك فقال: إنما كان
(1)
تت جـ 10 ص 399 - 400.
يجزيك) بفتح الياء ثلاثيا، أي يكفيك، وقال المجد رحمه الله: جزى الشيء يجزي: كفى، وعنه: قضى، وأجزى كذا عن كذا: قام مقامه، ولم يكف، وأجزى عنه، مُجْزَى فلان ومُجْزاته -بضمهما وفتحهما-: أغنى عنه لغة في الهمزة
(1)
. يعني أن أجزى لغة في أجزأ مهموز الأخير.
(من ذلك) أي بدل ما صنعته، متعلق بما قبله (التيممُ) بالرفع فاعل يجزي، وأل للعهد الحضوري، أي التيمم الذي أراه كيفيته في ذلك الوقت. والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: المسائل المتعلقة بالحديث تقدمت في الحديث الماضي.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
"ق" ص 1640.
196 - بَابُ التّّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ
314 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأُولَاتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائِشَةُ زَوْجَتُهُ، فَانْقَطَعَ عِقْدُهَا مِنْ جَزْعِ ظِفَارِ، فَحُبِسَ النَّاسُ ابْتِغَاءَ عِقْدِهَا ذَلِكَ حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ، وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل رُخْصَةَ التَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ، قَالَ: فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَنْفُضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا، فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَنَاكِبِ، وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الآبَاطِ.
رجال هذا الإسناد: ثمانية
1 -
(محمَّد بن يحيى بن عبد الله) بن خالد بن فارس بن ذؤيب، الذهلي، الحافظ أبو عبد الله النيسابوري الإمام.
روى عن عبد الرحمن بن مهدي، وبشر بن عمر الزهراني، ومحمد ابن بكر البُرْساني، ووهب بن جرير بن حازم، وأزهر بن سعد، وغيرهم.
وعنه الجماعة، سوى مسلم، ولم يصرح البخاري به، بل تارة يقول: ثنا محمَّد بن عبد الله، وتارة محمَّد بن خالد، ولم يقل في موضع ثنا محمَّد بن يحيى، وأبو صالح المصري، وعبد الله بن محمَّد النفيلي، وسعيد بن منصور، وهم من شيوخه، وأبو موسى محمَّد بن المثنى، وهو أكبر منه، ومحمد بن إسحاق الصغاني، ومحمود بن غيلان المروزي، ومحمد بن سهل بن عسكر، ومحمد بن عوف، وغيرهم.
قال محمَّد بن سهل بن عسكر: كنا عند أحمد بن حنبل، فدخل الذهلي، فقام إليه أحمد فتعجب الناس منه، ثم قال لبنيه وأصحابه: اذهبوا إلى أبي عبد الله واكتبوا عنه، وعن محمَّد بن أحمد بن الجَرَّاح: قال: دخلت على أحمد فقال لي: تريد البصرة؟ قلت: نعم، قال: فإذا أتيتها فالزم محمَّد بن يحيى، قال: فليكن سماعك منه، فإني ما رأيت أحدا أعلم بحديث الزهري منه، ولا أصح كتابا منه، وقال محمَّد ابن داود المصّيصيّ: كنا عند أحمد، فذكر محمَّد بن يحيى حديثا فيه ضعف، فقال له أحمد: لا تذكر مثل هذا، فخَجلَ، فقال له أحمد: إنما قلت هذا إجلالا لك يا أبا عبد الله، وقال أحمد أيضا: ما قدم علينا رجل أعلم بحديث الزهري من محمَّد بن يحيى، وقال أبو بكر بن
زكريا: وهو عندي إمام في الحديث، وسئل أحمد عن محمَّد بن يحيى، ومحمد بن رافع؟ فقال: محمَّد بن يحيى أحفظ، ومحمد بن رافع أورع. وعنه: لَوْ أنَّ محمَّد بن يحيى عندنا لجعلناه إماما في الحديث. وقيل لابن معين: لمَ لا تجمع حديث الزهري؟ فقال: كفانا محمَّد بن يحيى جمع حديث الزهري، وقال زنجويه: كنت أسمع مشايخنا يقولون: الحديث الذي لا يعرفه محمَّد بن يحيى لا يُعبأُ به، وقال أبو حاتم: محمَّد بن يحيى إمام زمانه. وقال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين، وقال النسائي: ثقة مأمون، وقال أيضا في مشيخته: ثقة ثبت أحد الأئمة في الحديث، وقال ابن خزيمة: ثنا محمَّد ابن يحيى الذهلي إمام أهل عصره بلا مدافعة. وقال الذهلي: قال لي علي بن المديني: أنت وارث الزهري، وقال إبراهيم بن موسى الرازي: من أراد الزهري لم يستغن عن محمَّد بن يحيى، وقال الدارقطني: من أحب أن يعرف قصور علمه عن علم السلف فلينظر في علَل حديث الزهري لمحمد بن يحيى، وقال الحسين بن الحسن بن سفيان: سمعت الذهلي يقول: لَمَّا دخلت البصرة استقبلتني جنازة يحيى بن سعيد القطان، ولو بدأت بالبصرة لم يفتني أبو أسامة. مات سنة 2، وقيل: 256، وقيل: سنة 7، وقيل: 8، وصوبه الخطيب، قال: وبلغني أن وفاته في أحد الربيعين منها، وبلغ 86 سنة، وروى عنه البخاري 34 حديثًا، أخرج له الجماعة إلا مسلمًا.
2 -
(يعقوب بن إبراهيم)(ع) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد.
روى عن أبيه، وشعبة، وابن أخي الزهري، والليث، وأبي أويس وغيرهم.
(1)
(1)
تت جـ 11 ص 380 - 381.
وعنه ابن أخيه عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، وأحمد، وعلي، وإسحاق، وابن معين، والمسندي، وغيرهم.
وثقه ابن معين، والعجلي، وابن حبان، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الذهلي: روى عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، وعن أصحاب الزهري، فكثرت روايته لحديث الزهري، ومدار حديثه على ابنه يعقوب، وكان قد سمع هو، وَأخوه سعد الكتب، فمات أخوه قبل أن يُكتب عنه كثيرًا جدًا، وبقي يعقوب، فكتبَ عنه الناسُ، فوجدوا عنده علما جليلا، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا يقدم على أخيه في الفضل والورع والحديث، وكان أصغر من أخيه سعد بأربع سنين، مات في شوال سنة 208
(1)
أخرج له الجماعة.
3 -
(إبراهيم بن سعد) الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد.
روى عن أبيه، وصالح بن كيسان، والزهري، وهشام بن عروة، وصفوان بن سليم، ومحمد بن إسحاق، وشعبة، ويزيد بن الهاد، وخلق.
روى عنه الليث، وقيس بن الربيع، وهما أكبر منه، ويزيد بن الهاد، وشعبة، وهما من شيوخه، والقعنبي، وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وابناه يعقوب، وسعد، وجماعة.
قال أحمد: ثقة، وقال أيضا: أحاديثه مستقيمة، وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: كان وكيع كَفَّ عن حديث إبراهيم بن سعد، ثم حدَثَ عنه بعدُ. قلت: لمَ؟ قال: لا أدري، إبراهيم ثقة. وقال ابن أبي مريم، عن ابن معين: ثقة حجة، وقال أيضا: إبراهيم أحب إليّ في
(1)
تت جـ 11 ص 121 - 122 باختصار.
الزهري من ابن أبي ذئب، وقال أيضا: إبراهيم أثبت من الوليد بن كثير، ومن ابن إسحاق، وقال الدُّوري: قلت ليحيى: إبراهيم أحب إليك في الزهري، أو الليث؟ فقال: كلاهما ثقة. وقال ابن معين أيضا، والعجلي، وأبو حاتم: ثقة، وقال مرة: ليس به بأس، وقال علي بن الجعد: سألت شعبة، عن حديث لسعد بن إبراهيم؟ فقال لي: فأين أنت عن ابنه؟ قلت: وأين ذا؟ قال: نازل على عمارة بن حمزة، فأتيته، فحدثني. وقال البخاري: قال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام سوى المغازي، وإبراهيم بن سعد من أكثر أهل المدينة حديثًا في زمانه، وقال صالح جزرة: حديثه عن الزهري ليس بذاك، لأنه كان صغيرًا حين سمع من الزهري. قال الدوري عن ابن معين في حديث جمع القرآن ليس أحد حدَّث به أحسن من إبراهيم بن سعد، وقد حدث مالك بطرف منه. وقال أبو داود: وَلِيَ بيتَ المال ببغداد، وقال ابن خراش: صدوق. ونقل الخطيب أن إبراهيم كان يُجيز الغناء بالعُود، وولي قضاء المدينة. وقال ابن عدي: هو من ثقات المسلمين حدث عنه جماعة من الأئمة، ولم يتخلف أحد في الكتابة عنه، وقول من تَكَلَّم فيه تحامُل، وله أحاديث صالحة مستقيمة عن الزهري وغيره.
ولد سنة 108، ومات سنة 2، أو 83 وهو ابن 73، وقيل: 75 وقيل: مات سنة 74، وقيل: 75
(1)
أخرج له الجماعة.
4 -
(صالح) بن كَيْسان، المدني أبو محمَّد، ويقال: أبو الحارث، مُؤدِّب أولاد عمر بن عبد العزيز، رأى ابن عمر، وابن الزبير وقال ابن معين: سمع منهما، وروى عن سليمان بن أبي حَثْمَةَ، وسالم بن عبد الله بن عمر، وغيرهم.
(1)
تت جـ 1 ص 121 - 123 بتصرف.
وعنه مالك، وابن إسحاق، وابن جريج، ومعمر، وإبراهيم بن سعد، وحماد، وسليمان بن بلال، وغيرهم.
قال مصعب الزبيري: كان جامعًا من الحديث والفقه والمروءة. وقال حرب: سئل عنه أحمد، قال: بخ بخ. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: صالح أكبر من الزهري، وقال إسماعيل القاضي، عن ابن المديني: صالح أسن من الزهري، قد رأى ابن عمر، وابن الزبير، وقال ابن معين: صالح أكبر من الزهري، سمع من ابن عمر، وابن الزبير. وقال عثمان الدارمي، عن ابن معين: معمر أحب إلي، وصالح ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: حدثني أحمد بن العباس، عن ابن معين قال: ليس في أصحاب الزهري أثبت من مالك، ثم صالح بن كيسان، وقال يعقوب: صالح ثقة ثبت، وقال أبو حاتم: صالح أحب إليّ من عُقيل، لأنه حجازي، وهو أسنّ، رأى ابن عمر، وهو ثقة، يُعَدُّ في التابعين. وقال النسائي وابن خراش: ثقة. وقال العجلي: ثقة، ووقع في كتاب الزكاة من صحيح البخاري: صالح أكبر من الزهري، أدرك ابن عمر، وقال ابن حبان في الثقات: كان من فقهاء المدينة، والجامعين للحديث والفقه من ذوي الهيئة والمروءة، وقد قيل: إنه سمع من ابن عمر، وما أراه محفوظا، وقال الخليلي في الإرشاد: كان حافظا إماما، روى عنه من هو أقدم منه، عمرو بن دينار، وكان موسى بن عقبة يحكي عنه، وهو من أقرانه، وقال ابن عبد البر: كان كثير الحديث ثقة حجة فيما حَمَلَ.
قال هيثم بن عدي: مات في زمن مروان بن محمَّد، وقال ابن سعد عن الواقدي: مات بعد الأربعين ومائة، وقيل: مَخْرجَ محمَّد بن عبد الله بن حسن، وكان ثقة كثير الحديث، وقال الحاكم: مات صالح
ابن كيسان وهو ابن مائة ونيف وستين سنة، وكان قد لقي جماعة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تلمذ للزهري، وتلقن عنه العلم، وهو ابن سبعين سنة، ابتدأ بالتعلم، وهو ابن سبعين سنة.
قال الحافظ: هذه مجازفة قبيحة مقتضاها أن يكون صالح بن كيسان ولد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وما أدري من أين وقع للحاكم، ولو كان طلب العلم كما حدَّده الحاكم لكان قد أخذ عن سعد بن أبي وقاص وعائشة، وقد قال علي بن المديني في العلل: صالح بن كيسان لم يلق عقبة بن عامر، كان يروي عن رجل عنه، وقرأت بخط الذهبي: الذي يظهر لي أنه ما أكمل التسعين. انتهى
(1)
أخرج له الجماعة.
5 -
(ابن شهاب) محمَّد بن مسلم الزهري المدني الإمام الحجة الثبت -4 - تقدم في 1/ 1.
6 -
(عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه ثبت من [3] ت 94 على الصحيح، تقدم في 45/ 56.
7 -
(ابن عباس) عبد الله الحبر البحر رضي الله عنه تقدم في 27/ 31.
8 -
(عمار) بن ياسر الصحابي الجليل رضي الله عنه، تقدم في 196/ 312.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من ثمانياته، وأن رجاله كلهم ثقات، وكلهم مدنيون إلا شيخه فنيسابوري، وفيه رواية الابن، عن أبيه، وفيه رواية التابعي الكبير، عن الصغير، صالح عن الزهري، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، صالح عن الزهري، عن عبيد الله، وفيه رواية
(1)
تت جـ 4 ص 399 - 400 بتصرف.
صحابي عن صحابي، وفيه ابن عباس أحد العبادلة الأربعة، وأحد المكثرين السبعة، روى 1696 حديثا، وفيه عبيد الله أحد الفقهاء السبعة وقد تقدم غير مرة.
شرح الحديث
(عن ابن عباس، عن عمار) رضي الله عنهم أنه قال (عَرَّس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) من التعريس، وهو النزول آخر الليل للنوم والاستراحة، وقيل: التعريس النزول للاستراحة مطلقا ليلا أو نهارا.
قال ابن منظور: والمُعَرِّسُ: الذي يَسير نَهَارَهُ، ويُعَرِّسُ، أي ينزلُ أوَّلَ الليل، وقيل: التعريس النزول في آخر الليل، وعَرَّسَ المسافرُ: نزل في وجه السحر، وقيل: التعريس النزول في المَعْهَد أي حين كان، من ليل أو نهار، وقيل: التعريس نزول القوم في السفر من آخر الليل، يقعون فيه وقعةً للاستراحة، ثم يُنيخُون وينامون نومةً خفيفةً، ثم يثورون مع انفجار الصبح سائرين، وأعْرَسُوا فيه لغة قليلة، والموضع مُعَرَّسٌ، ومُعْرَسٌ، والمُعَرَّس: موضع التعريس، وبه سمي مُعَرَّس ذي الحليفة، عَرَّسَ به النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيه الصبح، ثم رحل
(1)
.
(بأُولات الجيش)"أولات" بضم الهمزة: اسم جمع، وليس
جمعا، لأنه لا مفرد له من لفظه، بل من معناه، وهو "ذات" ملحق بجمع المؤنث السالم في إعرابه، فيرفع بالضمة، وينصب ويجر بالكسرة، كما قال ابن مالك في الخلاصة:
وَمَا بتَا وألف قَدْ جُمِعَا
…
يُكْسَرُ في الجَرِّ وفي النَّصْبِ مَعَا
كَذَا أُولاتُ وَالذي اسْمًا قَدْ جُعلْ
…
كَأذْرعَات فيه ذا أيْضًا قُبلْ
(1)
لسان جـ 4 ص 2880 بتصرف.
وتقدم في حديث عائشة رضي الله عنها 310، أنه "ذات الجيش"، وهو موضع على بريد من المدينة (ومعه عائشة) جملة في محل نصب على الحال من الفاعل (زوجته) بدل من عائشة، أو عطف بيان.
والزوجة للمرأة بالهاء لغة فصيحة، قال الفيومي: والرجل زوج المرأة، وهي زوجه أيضا، هذه اللغة العالية، وبها جاء القرآن، نحو {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: آية 35] والجمع فيها أزواج، قاله أبو حاتم. وأهل نجد يقولون في المرأة: زوجة، وأهل الحرم يتكلمون بها، وعكس ابن السكيت فقال: وأهل الحجاز يقولون للمرأة زوج بغير هاء، وسائر العرب: زوجة بالهاء، وجمعها زوجات، والفقهاء يقتصرون في الاستعمال عليها للإيضاح، وخوف لبس الذكر بالأنثى، إذ لو قيل: تركة فيها زوج وابن، لم يعلم أذكر هو أم أنثى. اهـ
(1)
وتقدم البحث فيه في 122/ 181.
(فانقطع عقدها) أي العقد الذي استعارته من أسماء، كما تقدم تحقيقه في حديث 310 (من جزع) بفتح الجيم، وسكون الزاي المعجمة -الخرز اليماني، واحده: جَزْعَةٌ. وفي المصباح: خَرَزٌ فيه بياضٌ
وسوادٌ، الواحدة جَزْعَة، مثل تَمْر وتَمْرة اهـ.
(ظفار) -بفتح الظاء المعجمة- مبني على الكسر، كقَطَام، وحَذَام، وهو اسم مدينة بسواحل اليمن، وروي أظفار بالهمزة، وخطأه صاحب النهاية، وأضيف الجزع إلى ظَفَار، لكونه يجلب منها.
(فحُبسَ الناسُ) ببناء الفعل للمفعول، والناس نائب فاعله، أو ببنائه للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس منصوب على المفعولية قاله السندي (ابتغاء عقدها ذلك) منصوب على أنه مفعول
(1)
المصباح جـ 1 ص 259.
لأجله، ويحتمل أن يكون مرفوعا على الفاعلية لحبس، أي منع ابتغاءُ عقدها الناسَ عن المسير، وفي نسخة السندي "في ابتغاء عقدها" بزيادة "في"، (حتى أضاء الفجر) أي وَضَح، وفي الرواية السابقة في حديث عائشة "فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح".
(وليس مع الناس ماء) للغسل والوضوء (فَتَغَيَّظَ عليها أبو بكر) رضي الله عنه، أي غَضِبَ عليهِا غَضَبًا شديدا بسبب حبسها الناس في مَحَلّ لا يوجد فيه الماء، وذلك لَمّا شَكَى الناس له ذلك.
والغَيظُ: الغَضَبُ، وقيل: غضبٌ كامنٌ للعاجز، وقيل: هو أشَدُّ من الغضب، وقيل: هو سَوْرَتُهُ وأوله، وغظْتُ فلانًا أغيظهُ غيظًا، وقد غاظه فاغتاظ، وغيَّظه، فتغيظ، وهو مُغيظ، والتغيظ: الاغتياظ
(1)
.
(فقال: حبست الناس وليس معهم ماء) أي ولا كان نزولهم على ماء، (فأنزل الله عز وجل رخصة التيمم بالصعيد) وتقدم في حدثنا عائشة رضي الله عنها "فأنزل الله آية التيمم" وتقدم الخلاف في المراد بآية التيمم هل هي آية النساء، أو آية المائدة، وقد جنح البخاري إلى الثاني، انظر تمام البحث في 194/ 310.
(قال) عمار (فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) المراد أنهم قاموا للتيمم، وقد كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المراد أنه قام معهم، وفعل مثل ما فعلوا (فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهمِ، ولم ينفضوا) من النفض بالفاء، يقال: نَفَضَهُ نَفْضًا من باب قتل: حَرَّكَهُ ليزول عنه الغُبار ونحوه، فانتفض لذلك، ونَفَضتُ الوَرَق من الشجر نَفْضا: أسقطته، أفاده في المصباح. أي لم يُسقطوا (من التراب شيئا) يعني أنهم لم يحركوا أيديهم حتى يتساقط ما بها من التراب، ورواية أبي داود
(1)
اللسان.
"ولم يَقْبضُوا من التراب شيئا" من القبض، أي لم يمسكوا مما في الأرض من التراب، وفي نسخة السندي "لم ينقضوا" بالقاف بدل الفاء من النقض، قال: أي لم يسقطوا، وهو بمعنى الأول.
(فمسحوا بها وجوههم) بالحاء المهملة، وقال السندي: بالحاء المهملة، أو الخاء المعجمة، كما في بعض النسخ، ثم فسره بقوله: أي غَيَّروا وبدَّلُوا لكثرة التراب.
قال الجامع: كونه بالمعجمة يحتاج إلى ثبوته روايةً، والله أعلم.
(وأيديهم إلى المناكب) أي مسحوا أيديهم مبتدئين من الظهور إلى المناكب، يدل على هذا التقدير قوله: ومن بطون أيديهم الخ. والمناكب جمع مَنْكب، بفتح الميم وسكون النون وكسر الكاف، وهو من الإنسان وغيره: مُجْتَمَعُ رأس الكتف، والعَضُد، مذَكَّر لا غير
(1)
.
(و) مسحوا (من بطون أيديهم إلى الآباط) جمع إبط -بكسر فسكون- وهو ما تحت الجناح، ويذكر ويؤنث، فيقال: هو الإبْط، وهي الإبْط، قال الفيومي: ويزعم بعض المتأخرين أن كسر الباء لغة، وهو غير ثابت، لأنه لم يجيء على فعل بكسر الفاء، والعين من الأسماء إلا حرفان: إبل وحبر
(2)
وهو القَلَح، ومن الصفات إلا حرف، وهي امرأة بلز، وهي الضخمة، وبعض الأئمة يذكر ألفاظا غير ذلك، لم يثبت نقلها عن سيبويه
(3)
.
والمعنى أنهم ابتدأوا المسح من بطون أيديهم، ومَدُّوا ذلك إلى الآباط فمسحوا أوّلا من ابتداء الأكف إلى المناكب، وثانيا من ابتداء بطون
(1)
لسان جـ 6 ص 4534.
(2)
الحبر وزان إبل اسم من الحبر بفتحتين، وهو صفرة تصيب الأسنان، فإذا اخضر فهو قَلَح، فهذا تركب اللثة حتى تظهر الأسناخ فهو الحفر. والأسناخ جمع سنخ بكسر فسكون هو الأصل، أي أصل الأسنان. أفاده في المصباح.
(3)
المصباح جـ 1 ص 2.
الأكف إلى الآباط، ثم إن هذا التيمم إلى المناكب والآباط في هذا الحديث لا يخلو إما أن يكون عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أوْ لا، فإن لم يكن عن أمره، وهو الظاهر فقد صح عنه خلاف هذا، ولا حجة لكلام أحد مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان عن أمره فهو منسوخ، وناسخه حديث عمار رضي الله عنه، الذي تقدم في الباب السابق، وذلك لأن عمارًا راوى الحديثين كان يفتي به بعده صلى الله عليه وسلم حين كان في الكوفة، وتقدم تمام البحث في ذلك 195/ 312. والله أعلم، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى في درجته: حديث عمار رضي الله عنه هذا صحيح.
المسألة الثانية: في بيان موضعه عند المصنف: أخرجه هنا -196/ 314 - بهذا السند فقط.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (د) في الطهارة عن محمَّد بن أحمد بن أبي خلف، ومحمد ابن يحيى النيسابوري، في آخرين كلهم عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة، عن ابن عباس، عن عمار رضي الله عنهما، ثم قال: وهكذا قال ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، وقال ابن عيينة مرة: عن ابن عباس، ومرة عن أبيه.
تنبيه:
ذكر ابن أبي حاتم في العلل: ما نصه: سألت أبي، وأبا زرعة عن حديث رواه صالح بن كيسان، وعبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم؟
فقالا: هذا خطأ، رواه مالك، وابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار، وهو الصحيح، وهما أحفظ. قلت: قد رواه يونس، وعقيل، وابن أبي ذئب عن الزهري، عن عبيد الله، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أصحاب الكتب. فقالا: مالك صاحب كتاب وصاحب حفظ
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: الكلام في هذا الحديث وما يتعلق به من اختلاف العلماء مع ترجيح القول الراجح بدليله تقدم في 195/ 312.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
العلل جـ 1 ص 32 ح 61.
197 - الاخْتِلافُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ
أي هذا باب ذكر الحديث المبين للاختلاف الواقع في صفة التيمم.
315 -
أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: تَيَمَّمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالتُّرَابِ، فَمَسَحْنَا بِوُجُوهِنَا وَأَيْدِينَا إِلَى الْمَنَاكِبِ.
رجال هذا الإسناد: ثمانية
1 -
(العباس بن عبد العظيم العنبري) أبو الفضل البصري ثقة حافظ من كبار [11] تقدم في 96/ 119.
2 -
(عبد الله بن محمَّد بن أسماء) بن عُبيد بن مُخارق الضُّبعيُّ أبو عبد الرحمن البصري، روى عن عمه جويرية بن أسماء، ومهدي بن ميمون، وحفص بن غياث، وابن المبارك، وغيرهم.
وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وروى له أبو داود أيضا، والنسائي بواسطة الذُّهلي، وأبي بكر محمَّد بن إسماعيل الطبراني، وعباس بن عبد العظيم، والحسن بن أحمد بن حبيب، وأحمد بن سعد ابن أبي مريم، وسوّار بن سهل القرشي، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
والبوشنجي، وغيرهم.
قال أبو زرعة: لا بأس به شيخ صالح، وقال أبو حاتم: ثقة، وقال ابن وارة: قيل لي: إنه أفضل أهل البصرة، فذكرته لابن المديني فعَظَّمَ شأنه، وقال أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقي: لم أرَ بالبصرة أفضل منه، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه ابن قانع، روى عنه البخاري 22 حديثا، ومسلم 17 حديثا، مات سنة 231
(1)
أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والمصنف.
(جويرية) بن أسماء بن عُبيد بن مُخارق، ويقال: ابن مخْراق الضُّبَعيُّ، أبو مُخارق، ويقال: أبو أسماء البصري. روى عن أبيه، ونافع والزهري، وبُدَيْح مولى عبد الله بن جعفر، ومالك بن أنس، وهو من أقرانه، وغيرهم.
وعنه حَبَّان بن هلال، وحجاج بن منْهال، وابن أخته سعيد بن عامر الضبعي، وابن أخيه عبد الله بن محمَّد بن أسماء، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وأبو سلمة، ويحيى القطان، ويزيد بن هارون، ومسدد، وأبو الوليد، وغيرهم.
قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أحمد: ثقة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح، ووثقه ابن حبان، وقال ابن سعد: كان صاحب علم كثير، وذكره ابن المديني في الطبقة السابعة من أصحاب نافع. أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، مات سنة 173
(2)
.
4 -
(مالك) بن أنس الإمام الحجة الحافظ -7 - تقدم في 7/ 7.
(1)
تت جـ 6 ص 5 - 6.
(2)
تت جـ 2 ص 124 - 125.
5 -
(الزهري) محمَّد بن مسلم الإمام الحجة الحافظ -4 - تقدم في 1/ 1.
6 -
(عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني ثقة ثبت -3 - تقدم في 45/ 56.
7 -
(أبوه) عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله، ويقال: أبو عبيد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن المدني، ويقال: الكوفي. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، وروى عنه، وعن عمه عبد الله بن مسعود، وعمر، وعمار، وعمر بن عبد الله بن الأرقم مكاتبة، وأبي هريرة، وغيرهم.
وعنه ابناه عبيد الله، وعون، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وغيرهم.
قال ابن سعد: كان ثقة رفيعًا كثير الحديث، والفُتيا فقيها، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يؤم الناس بالكوفة. ووثقه العجلي، وذكره العقيلي في الصحابة، وروى من طريق حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عنه:"بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي .. " الحديث. وقد وَهمَ حديج فيه، والصواب أنه من رواية عبد الله عن عمه عبد الله ابن مسعود، وقد سبق ابنُ عبد البر لرد ذلك في الاستيعاب، وذكره البرقي فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت له عنه رواية، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة ممن ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وأنا الفضل بن دُكَين، أنا ابن عيينة، عن الزهري: أن عُمَر استعمل عبد الله بن عتبة على السوق .. الحديث، مات سنة 74، في ولاية بشْر على العراق، وقيل: 73، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
8 -
(عمار بن ياسر) رضي الله عنه تقدم في 312.
لطائف هذا الإسناد
مئها: أنه من ثمانياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين بصريين وهم الثلاثة الأولون، ومدنيين وهم الباقون، وفيه رواية الراوي عن أبيه، ورواية الراوي عن عمه، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعف، وفيه التحديث، والإخبار، والعنعنة.
قال الجامع عفا الله عنه: شرح هذا الحديث، وما يتعلق به من المسائل تقدم في حديث رقم 195/ 312.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
198 - نَوْعٌ آخرُ مِنَ التَّيَمُّمِ وَالنَّفْخ فِي اليَدَيْنِ
316 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رُبَّمَا نَمْكُثُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَلَا نَجِدُ الْمَاءَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَإِذَا لَمْ أَجِدِ الْمَاءَ لَمْ أَكُنْ لأُصَلِّيَ حَتَّى أَجِدَ الْمَاءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: أَتَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَيْثُ كُنْتَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا وَنَحْنُ نَرْعَى الإِبِلَ فَتَعْلَمُ أَنَّا أَجْنَبْنَا، قَالَ: نَعَمْ، أَمَّا أَنَا فَتَمَرَّغْتُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ، فَقَالَ:"إِنْ كَانَ الصَّعِيدُ لَكَافِيكَ" وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَبَعْضَ ذِرَاعَيْهِ. فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أَذْكُرْهُ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ.
رجال هذا الإسناد: ثمانية
1 -
(محمَّد بن بشار) أبو بكر بندار البصري، الثقة الثبت من [10] تقدم في 24/ 27.
2 -
(عبد الرحمن) بن مهدي أبو سعيد البصري الثقة الثبت من [9] تقدم في 42/ 49.
3 -
(سفيان) بن سعيد الثوري الإمام الحجة من كبار [7] تقدم في 33/ 37.
4 -
(سلمة) بن كُهيل الحضرمي أبو يحيى الكوفي ثقة -4 - تقدم في 195/ 312.
5 -
(أبو مالك) الغفاري الكوفي ثقة -3 - .
روى عن عمار بن ياسر، وابن عباس، والبراء بن عازب، وعبد الرحمن بن أبزى، وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عنه سلمة بن كهيل، وإسماعيل السُّدِّيّ، وحُصين بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن سميع. قال ابن أبي خيثمة: سألت ابن معين عن أبي مالك الذي روى عنه حُصين؟ فقال: هو الغفاري كوفي ثقة، واسمه غَزْوَان، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: لا يسمى، كذا قال، وقد سماه غيره علق عنه البخاري، وأخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه
(1)
.
6 -
(عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى) الخزاعي مولاهم الكوفي.
روى عن أبيه. وعنه الأجلح الكندي، وأسلم المنقريّ، وسلمة بن
كهيل، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات،
(1)
تت جـ 8 ص 245 - 246.
ليس له عند أبي داود إلا حديث القراءة على أُبيّ، وعلق عنه البخاري في تفسير آل عمران موضعا.
وفي "ت" مقبول من [5].
7 -
(عبد الرحمن بن أبزى) الخزاعي الكوفي تقدم في 195/ 312.
8 -
(عمار بن ياسر) الصحابي الجليل رضي الله عنه تقدم في 195/ 312.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات غير عبد الله بن عبد الرحمن، وقد وثقه ابن حبان، وأنهم كوفيون غير ابن بشار وابن مهدي فبصريان، وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة.
شرح الحديث
(عن سلمة) بن كُهَيل (عن أبي مالك) غَزْوان الغفاري الكوفي (وعن عبد الله بن عبد الرحمن) الخُزافي الكوفي، عطف على أبي مالك بإعادة الجارّ، فسلمةُ يروي عنهما، وكلاهما (عن عبد الرحمن بن أبزى) الخزاعي الكوفي والد عبد الله، أنه (قال: كنا عند عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فأتاه رجل) من أهل البادية، كما في رواية الطبراني، ولم يوقف على اسمه (فقال: يا أمير المومنين، ربما) رُبّ، بضم الراء وتشديد الباء، على المشهور، وقال المجد: رُبَّ، ورُبَّةَ، ورُبَّمَا، ورُبَّتَما، بضمهن مشددات، ومخففات، وبفتحهن كذلك، ورُبُ -بضمتين مخففة- ورُبْ، كَمُذْ: حرف خافض، لا يقع إلا على نكرة، أو اسمٌ، وقيل: كلمةُ تقليل، أو تكثير، أوْلَهُمَا، أو في موضع المباهاة للتكثير، أو لم توضع لتقليل، ولا لتكثير، بل يستفادان من سياق الكلام
(1)
.
(1)
"ق" ص 112.
وقال ابن هشام في مغني اللبيب: رُبَّ: حرف جر خلافًا للكوفيين، في دعوى اسميته، وليس معناه التقليل دائما خلافا للأكثرين، ولا التكثير دائما خلافا لابن دُرُسْتُوَيْهْ وجماعة، بل تَردُ للتكثير كثيرا،
وللتقليل قليلا.
وتُزاد "ما" بعدها، فالغالب أن تكلها عن العمل، وأن تُهَيِّئهَا للدخول على الجُمَل الفعلية، ويكون فعلُها ماضيا لفظا ومعنى، وربما تعمل، وقد تدخل على الجمل الاسمية. انتهى كلامه بتصرف واختصار
(1)
.
(نَمْكُثُ) من باب قَتَلَ، أي نُقيم، ونَلْبَثُ، يقال: مَكَثَ مَكْثًا: أي أقام، فهو ماكث، ويقال: مَكُثَ مُكْثًا، فهو مكيث، مثل قَرُبَ قُربًا، فهو قريب، لغة، وقرأ السبعة:{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل: آية 22] باللغتين، ويتعدى بالهمزة، فيقال: أمْكَثه، وتَمكَّث في أمره: إذا لم يَعجَل فيه، أفاده الفيومي رحمه الله (الشهر والشهرين) بالنصب على الظرفية، أي فتصيبنا الجنابة، كما أفادته الرواية السابقة 312 (ولا نجد الماء) للغسل، فماذا نفعل؟ (فقال عمر: أمَّا أنا فهذا لم أجد الماء) وكنت جنبا (لم أكن لأصلي حتى أجد الماء) وهذا الكلام فيه جواب ضمْنيّ فكأنه قال له: لا تُصَلِّ، وقد تقدم صريحا قوله:"لا تصل حتى تجد الماء" فَبَيَّنَ عمر رضي الله عنه أن رأيه تأخير الصلاة، لا جواز التيمم للجنابة (فقال عمار بن ياسر) رضي الله عنه (أتذكر يا أمير المومنين حيث كنت بمكان كذا وكذا، ونحن) عطف على الضمير لوجود الفصل بالجار والمجرور، كما قال ابن مالك في الخلاصة:
(1)
مغني اللبيب جـ 1 ص 120 - 121.
وَإنْ عَلَى ضَمير رَفْع مُتَّصِلْ
…
عَطَفْتَ فَافْصلْ بالضَّمير المُنْفَصلْ
أوْ فَاصل مَّا وَبلا فَصْل يَرِدْ
…
في النَّظْم فَاشيًا وضُعْفَهُ اعْتَقِدْ
(نرعى الإبل) أي نُسَرِّحُها للرَّعْي، يقال: رَعَت الماشيةُ تَرعَى رعيًا، فهي رَاعيَةٌ: إذا سَرَحَت بنفسها، ورَعَيْتُها أرْعَاهَا يُستَعْملُ لازما ومتعديا، والفاعل: راع والجمع: رُعاة بالضم مثل قاض، وقُضاة، وقيل: أيضا رعاء بالكسر والمد ورُعيان مثل رُغْفان. قاله في المصباح
(1)
.
(فتعلم) عطف على تذكر (أنا) بفتح همزة "أنّ" لوقوعها موقع المفرد، حيث سدت مسد مفعولي تعلم، كما قال في الخلاصة:
وَهَمزَ إنَّ افْتَحْ لسَدِّ مَصْدَرِ
…
مَسَدَّهَا وفي سوى ذَاكَ اكْسرِ
(أجنبنا) أي أصابتنا جنابة (قال) عمر رضي الله عنه (نَعَمْ) أي أذكر ذلك، وهذا يدل على أن عمر رضي الله عنه تذكر بعض القضية، ونسي بعضها، فلذا أنكر عليه قضية التيمم، وبيانَ النبي صلى الله عليه وسلم كيفيته له.
قال عمار رضي الله عنه (أما أنا فَتَمَرَّغْتُ في التراب) وفي الرواية السابقة "فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب" ومعنى تمعكت، وتمرغت واحد، وهو التَّقَلُّب، وهذا يدل على أن عمارا كان عنده علم بأصل التيمم، وإنما لا يعلم الكيفية، فقد قال (فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك) عطف على محذوف تدل عليه الرواية السابقة، أي فذكرنا له ذلك، فضحك، وإنما ضحك تعجبا من فعله ذلك (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم:(إن) مخففة من الثقيلة، ولذا لزمتها اللام في خبرها، كما قال في الخلاصة:
وَخُفِّفَتْ إنَّ فَقَلَّ العَمَلُ
…
وتَلزَمُ اللامُ إذَا مَا تُهْمَلُ
وَرُبَّما استُغنيَ عَنْهَا إنْ بَدَا
…
مَا نَاطقٌ أرَادَهُ مُعْتَمدَا
(1)
المصباح جـ 1 ص 231.
(كان الصعيد) أي التراب، أو وجه الأرض ترابا كان أو غيره، خلاف بين العلماء، قال الزجاج: ولا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك، ويقال: الصعيد في كلام العرب: يطلق على وجوه: على التراب الذي على وجه الأرض، وعلى وجه الأرض، وعلى الطريق، وتجمع هذه على صُعُد -بضمتين- وصُعُدات، مثل طريق، وطُرُقات، وقال الأزهري: ومذهب أكثر العلماء: أن الصعيد في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: آية 6] أنه التراب الطاهر الذي على وجه الأرض، أو خرج من باطنها
(1)
. وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك في 202/ 321 إن شاء الله تعالى.
(لكافيك) أي مجزئك عن التمرغ.
فإن قيل: إن عَمَّارًا استعمل الصعيد، فكيف قال له: إن الصعيد لكافيك؟.
أجيب بأن المراد أن استعمال الصعيد على الكيفية التي أراه كان يكفيه عن التمرغ فيكون المقصود الكيفية، لا استعمال الصعيد.
(وضرب) صلى الله عليه وسلم (بكفيه إلى الأرض) ضَمَّن ضرب معنى "أهوى"، فعداه بـ"إلى"(ثم نفخ فيهما) أي الكفين، وفي رواية للبخاري "ثم أدناهما من فيه" وهو كناية عن النفخ، وإنما نفخ فيهما تخفيفا للتراب، لئلا يتلوث وجهه به، وفيه استحباب النفخ في اليدين، وهو ما ترجم له المصنف (ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه) وفي رواية أبي داود:"ويديه إلى نصف الذراع" وتقدم أن الراجح ذكر الكفين، لأن سلمة كان يشك في المرفقين والذراعين، أو الكفين، وغيرُه أثبتَ الكفين دون شك، فقد رواه الحكم وغيره، فقالوا:"فمسح بهما وجهه وكفيه مرة واحدة".
(1)
المصباح جـ 1 ص 339 - 340.
فتعَيَّن المصير إلى المتيقَّن دون ما وقع فيه الشك، وتقدم تحقيق اختلاف العلماء في هذا في حديث 312، فارجع إليه تزدد علما (فقال) عمر (اتق الله يا عمار) أي خَف الله فيما تروي، وتَثَبَّتْ، فلعلك نسيتَ، أو اشتبه عليك الأمر (فقال) عمار (يا أمير المومنين إن شئت) أي إن رأيت عدم تحديثي بذلك مصلحة (لم أذكره) لأن طاعتك واجبة في غير المعصية.
فإن قلت: كيف جاز لعمار عدمُ التحديث مع أنه مُتيقن في حفظه، ومن تَيَقَّنَ حفْظَ السنة وجب عليه التبليغ، ولو منعه من تجب طاعته؟.
أجيب: بأن التبليغ حصل حينما ذكَّرَ به عمر رضي الله عنه، فإذا أمسك بعد ذلك لا يكون كاتما للعلم (قال) عمر (لا) ولأبي داود "كلا " وهو رَدعٌ عن ترك التحديث، أي لا تمسك عن التحديث (نوليك من ذلك ما توليت) أي نَكلَ إليك ما قلته من أمر التيمم للجنب، وما وليته نفسك، ورَضيت لها به، كأنه لم يجزم بخطئه، ولم يتذكر القصة، فجوَّز على نفسه النسيان، وعلى عمار الوَهم.
قال الجامع عفا الله عنه: المسائل المتعلقة بهذا الحديث، تقدمت في 195/ 312، فارجع إليها تزدد علمًا. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
199 - نوعٌ آخَرُ مِنَ التَّيَمُّمِ
317 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ التَّيَمُّمِ؟ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَتَذْكُرُ حَيْثُ كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَكَذَا" وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَخَ فِي يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً؟.
رجال هذا الإسناد: ثمانية
1 -
(عمرو بن يزيد) أبو بُريد -بموحدة وراء- مصغرا الجَرْميُّ، صدوق من [11] تقدم في 100/ 130.
2 -
(بهز) بن أسد العمِّيّ، أبو الأسود البصري ثقة ثبت من [9] تقدم في 24/ 28.
3 -
(شعبة) بن الحجاج أبو بسطام البصري الإمام الحجة -7 - تقدم في 24/ 26.
4 -
(الحكم) بن عُتيبة أبو محمَّد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه ربما دلس من [5] تقدم في 86/ 104.
5 -
(ذَرّ) بن عبد الله المُرهبي ثقة عابد رمي بالإرجاء من [6] تقدم في 195/ 312.
6 -
(ابن عبد الرحمن) وهو سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي ثقة من الثالثة تقدم في 195/ 312.
7 -
(عبد الرحمن بن أبزى) الخزاعي مولاهم صحابي صغير، وكان في عهد عمر رجلا، وولي خراسان لعلي رضي الله عنهم، تقدم في 195/ 312.
8 -
(عمار بن ياسر) رضي الله عنه تقدم في 195/ 312.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم لطائف هذا الإسناد، وشرح الحديث، والمسائل المتعلقة به في 195/ 312.
وقوله هنا (فلم يدر ما يقول) يعني أن عمر رضي الله عنه لما سُئل عن التيمم للجنابة لم يجد جوابا، لأنه لم يتذكر ما بيَّنَه النبي صلى الله عليه وسلم لعمار في ذلك، فأفتى بعدم الجواز اجتهادا منه، فعدمُ درايته يعود إلى النصّ. وقال العلامة السندي رحمه الله:"فلم يدر ما يقول" أي ويصلح جوابا له، بل قال: أنا أفعل كذا، ويمكن أن الإنسان يأخذ في خاصة نفسه بحكم فيه شدة مع وجود ما هو أخف منه، وعلى هذا فمن روى أنه قال للسائل: لا تصل فكأنه أخذ ذلك من الفحوى. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يظهر لي ما في عمل عمر من الشدة. فتأمل، والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
تنبيه: في النسخة الهندية يوجد زيادة باب آخر، وقد أشار إليه الحافظ أبو الحجاج المزي في الأطراف، ونص النسخة هكذا:
200 - نَوْعٌ آخَرُ مِنَ التَّيَمُّمِ
318 -
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، سَمِعْتُ ذَرًّا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ سَمِعَهُ الْحَكَمُ مِنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَجْنَبَ رَجُلٌ، فَأَتَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً؟ قَالَ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي تَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ". وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِكَفَّيْهِ ضَرْبَةً وَنَفَخَ فِيهَا، ثُمَّ دَلَكَ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ لَا حَدَّثْتُهُ.
وَذَكَرَ شَيْئًا فِي هَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَزَادَ سَلَمَةُ: بَلْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ.
قال الجامع عفا الله عنه: رجال هذا الإسناد تقدموا في السند السابق إلا اثنين، وهما:
1 -
(إسماعيل بن مسعود) الجَحْدري أبو مسعود البصري، ثقة من [10] تقدم في 42/ 47.
2 -
(خالد) بن الحارث بن عبيد الهُجيمي أبو عثمان البصري، ثقة ثبت من [8] تقدم في 42/ 47.
وشرح الحديث واضح مما تقدم، فلا حاجة إلى إطالة الكتاب بإعادته. وبالله التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
200 - نَوْعٌ آخَرُ
319 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ تَمِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، وَسَلَمَةُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ، فَأَجْنَبْنَا، فَلَمْ نَجِدْ المَاءَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ ثُمَّ صَلَّيْتُ، فَلَمَّا أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ". وَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا، فَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ؟. شَكَّ سَلَمَةُ وَقَالَ: لَا أَدْرِي فِيهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، أَوْ إِلَى الْكَفَّيْنِ.
قَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ.
قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ يَقُولُ: الْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهَ وَالذِّرَاعَيْنِ، فَقَالَ لَهُ مَنْصُورٌ: مَا تَقُولُ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ الذِّرَاعَيْنِ أَحَدٌ غَيْرُكَ، فَشَكَّ سَلَمَةُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي ذَكَرَ الذِّرَاعَيْنِ أَمْ لَا؟.
رجال هذا الإسناد: تسعة
كلهم تقدموا في الأبواب السابقة، إلا واحدًا، وهو:
1 -
(عبد الله بن محمَّد بن تميم) بن أبي عُمر مولى بني هاشم، أبو حُميد المصّيصيّ. روى عن حجاج بن محمَّد، وأبي عاصم بن موسى بن أيوب النصيبي، ووهب بن جوير بن حازم، وإسحاق بن عيسى بن الطباع، وغيرهم. وعنه النسائي، وأبو عوانة الإسفراييني، وأحمد بن هارون البَرْديجي، وحاجب بن أركين، وابن صاعد، وأبو بكر بن زياد النيسابوري وغيرهم قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات
(1)
.
وأما (حجاج) بن محمَّد المصيصي الأعور نزيل بغداد فهو ثقة فقيه، تقدم في 28/ 32.
وشرح الحديث مضى.
وقوله: (شك سلمة) يعني أن سلمة بن كهيل لم يكن متيقنا في ذكر شيخه ذرّ "إلى المرفقين"، أو "إلى الكفين"، ومعنى "إلى الكفين": أي مسح اليدين إلى نهاية الكفين (قال شعبة) بن الحجاج (كان) سلمة
(1)
تت جـ 6 ص 7.
(يقول: الكفين، والوجه والذراعين) أي مَسَحَ الكفين والوجه والذراعين، أي إلى الرفقين (فقال له منصور) بن المعتمر (ما تقول؟) أي أيَّ شيء تقول، فما استفهامية للإنكار (فإنه) أي الأمرَ، فالضمير للشأن (لا يذكر الذراعين غيرك) أي أن كل مَن رَوَى حديث عمار هذا لا يذكر الذراعين، بل يقتصر على ذكر الكفين فقط (فـ) ـعند ذلك (شك سلمة فقال: لا أدري أذَكَرَ) يعني شيخه ذرًا (الذراعين، أم لا) ذكرهما؟.
والحاصل أن سلمة بن كهيل، شاك في ذكر الذراعين، ولا تَخالُفَ بينه وبين قوله:"المرفقين" لأن المراد بالذراعين الذراعان مع المرفقين.
وقد تقدم أن غير سلمة ذكر الكفين بدون شك، فيكون الواجب هو المسح إلى نهاية الكفين فقط، ولا يزاد عليهما، لعدم صحة الروايات في ذلك، فتبصر والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
201 - بابُ تَيَمُّمِ الجُنُبِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على مشروعية التيمم للجنب.
والجُنُبُ:-بضمتين- يطلق على الذكر والأنثى والمفرد، والتثنية، والجمع، وربما طابق على قلة، فيقال: أجْنَابٌ، وجُنُوب، ونساء جُنُبات. قاله في المصباح.
وقال العلامة ابن منظور رحمه الله: والجنابة: المَنيُّ، وفي التنزيل العزيز:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: آية 6] وقد أجنبَ الرجل، وجَنُبَ أيضا -بالضم- وجَنبَ -يعني بالكسر- وتَجَنَّبَ، وقال ابن بَرِّيّ: المعروف عند أهل اللغة: أجْنَبَ، وجَنِبَ -بكسر النون- وأجْنَبَ أكثر من جَنِبَ.
وقال الأزهري: إنما قيل له: جُنُب لأنه نُهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، فتَجَنَّبها، وأجْنَبَ عنها، أي تَنَّحى عنها، وقيل: لمُجانبته الناسَ ما لم يَغْتَسل.
والرجل جُنُب من الجنابة، وكذلك الاثنان، والجمع، والمؤنث، كما يقال: رجل رضًا، وقوم رضًا، وإنما هو على تأويل ذوي جُنُب، فالمصدر يقوم مقام ما أضيف إليه. ومن العرب من يُثَنِّي، ويجمع، ويجعل المصدر بمنزلة اسم الفاعل.
وحكى الجوهري: أجْنَبَ، وجنُب -بالضم- وقالوا: جُنُبان، وأجناب، وجُنُبُون، وجُنُبَات، قال سيبويه: كُسرَ على أفعال، كما كُسِّرَ بَطَل عليه، حين قالوا: أبْطَال، كما اتفقا في الاسم عليه -يعني نحو جَبَل، وأجْبَال، وطُنُب وأطْناب، ولم يقولوا: جُنُبَة
(1)
.
(1)
لسان جـ 1 ص 693.
320 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَوَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ". وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ ضَرْبَةً، فَمَسَحَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى كَفَّيْهِ وَوَجْهِهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَوَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن العلاء) أبو كُريب الهمداني الكوفي ثقة حافظ من [10]، تقدم في 95/ 117.
2 -
(أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير الكوفي ثقة من كبار [9] تقدم في 26/ 30.
3 -
(الأعمش) سليمان بن مهران أبو محمَّد الكاهلي الكوفي ثقة حافظ مدلس -5 - تقدم في 17/ 18.
4 -
(شقيق) بن سلمة أبو وائل الكوفي ثقة مخضرم -2 - تقدم في 2/ 2.
5 -
(عبد الله) بن مسعود الهذلي أبو عبد الرحمن الصحابي رضي الله عنه تقدم في 35/ 39.
6 -
(أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الصحابي رضي الله عنه تقدم في 3/ 3.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء، وأنهم كوفيون، وفيه الإخبار، والتحديث والعنعنة.
شرح الحديث
(عن شقيق) بن سلمة، أبي وائل أنه (قال: كنت جالسا مع عبد الله) ابن مسعود رضي الله عنه (وأبي موسى) الأشعري رضي الله عنه (فقال أبو موسى) لعبد الله (أوَلم تسمع قولَ عمار لعمر) هكذا للمصنف مختصرًا، وقد ساقه البخاري ومسلم في صحيحيهما بتمامه، ولفظ البخاري:
حدثنا عمر بن حفص، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت شقيق بن سلمة، قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟، فقال عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء، فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يكفيك؟ " قال:
ألم تَرَ عمر لم يقنع بذلك؟ فقال أبو موسى: فَدَعْنَا من قول عمار، كيف تصنعون بهذا الآية؟ فما دَرَى عبد الله ما يقول: فقال: إنا لو رَخَّصْنا لهم في هذا لأوشك إذا بَرُدَ على أحدهم الماء أن يَدَعَه ويتيمم، فقلت لشقيق: فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال: نعم.
حدثنا محمَّد بن سلام، قال: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: كنت جالسا مع عبد الله، وأبي موسى الأشعري، فقال أبو موسى: لو أن رجلا أجنب، فلم يجد الماء شهرا أما كان يتيمم ويصلي؟ فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}؟ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد، قلت: وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم. فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد، كما تمرغ الدابة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما يكفيك أن تصنع هكذا- فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه. فقال عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟ وزاد يعلى عن الأعمش، عن شقيق: كنت مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني أنا وأنت، فأجنبت، فتمعكت بالصعيد، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه، فقال:"إنما كان يكفيك هكذا" ومسح وجهه وكفيه واحدة؟
(1)
.
(بعثني) أي أرسلني (رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة) وقد تقدم أن الحاجة هي رعاية الإبل (فأجنبت) أي أصابتني جنابة (فلم أجد الماء فتمرغت بالصعيد ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له) يعني تمرغه بالصعيد (فقال)
(1)
صحيح البخاري نسخة الفتح جـ 1 ص 542 - 543.
النبي صلى الله عليه وسلم (إنما كان يكفيك أن تقول) أي تفعل، وفي رواية البخاري:"أن تصنع" واستعمال القول بمعنى الفعل شائع في اللغة، قال ابن الأنباري:"قال" يجيء بمعنى "تكلم"، و"ضرب"، و"غلب"، و"مات"، و"مالَ" و"استراحَ"، و"أقبل"، ويُعبَّرُ بها عن التهيؤ للأفعال، والاستعداد لها، يقال: قال: فأكل، وقال، فضرب، وقال، فتكلم، ونحوه
(1)
.
قال الجامع: قد نظمت ذلك بقولي:
يَجيءُ "قال" لمَعَان تُجْتُلَى
…
تَكَلَّمَ اسْترَاحَ مَاتَ أقبَلَا
ومَالَ مَعْ ضَرَبَ ثُمَّ غَلبَا
…
وللتَّهَيُّؤِ لِفعْلٍ يُجْتَبَى
فُجُمْلَةُ المَعَانِ قُلْ ثَمَانيَهْ
…
فاحْفَظْ فإنَّهَا مَعَانٍ سَامِيَهْ
(هكذا) إشارة إلى الكيفية المبيَّنة بقوله (وضرب الأرض بيديه ضربة) أي واحدة، فيه أن الضربة الواحدة هي التي تكفي للوجه واليدين (فمسح كفيه) فيه أن مسح الكف هو المتعين، وما زاد عليه لم يثبت له دليل (ثم نفضهما) هذا بيان لما أجمله من مسح الكف، فقوله "فمسح كفيه" مجمل، وقوله "ثم نفضهما" الخ بيان لهذا المجمل والنفض: التحريك، يقال: نفضه نفضًا، من باب قتل: حرّكه ليزول عنه الغُبار، ونحوه، وإنما نفضهما تخفيفا للتراب لئلا يتلوث به وجهه وكفاه (ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله، على كفيه) بدل من "على يمينه، وعلى شماله"(ووجهَه) بالنصب عطفا على كفيه، وعند البخاري وأبي داود:"ثم مسح بهما وجهه" وروايتهما فيها الدلالة على أن الترتيب في التيمم غير مشروط.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: اختُلف في لفظ هذا الحديث فوقع عند البخاري بلفظ "ثم" وفي سياقه اختصار، ولمسلم بالواو، ولفظه
(1)
"ق" في مادة "قال".
"ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه"، وللإسماعيلي ما هو أصرح من ذلك.
ولفظه كما قال الحافظ، من طريق هارون الحَمَّال، عن أبي معاوية:"إنما يكفيك أن تضرب بيدك على الأرض، ثم تنفضهما، ثم تمسح بيمينك على شمالك، وشمالك على يمينك، ثم تمسح على وجهك"
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: الأظهر أن الترتيب غير واجب في التيمم بخلاف الوضوء، عملا بهذه الروايات المصرحة بتأخير الوجه عن الكفين، وأما تأويل "ثم" بمعنى الواو فخروج عن الظاهر بلا داع إليه، وأما الوضوء فقد تقدم ترجيح وجوب الترتيب عملا بملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى وضوءَه صلى الله عليه وسلم جماعة على كيفيات، فما نَقَلَ أحد أنه خالف الترتيب. والله أعلم.
(فقال عبد الله) بن مسعود لعمار (أو لم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟) وإنما لم يقنع عمر بقول عمار لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال، وحضر معه تلك القصة حيث قال له كما في الرواية السابقة 319:"أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنت وأنا في سرية، فأجنبنا، فلم نجد الماء" الحديث، ومع ذلك لم يتذكر ذلك أصلا، ولهذا قال لعمار:"اتق الله يا عمار" كما في الرواية 316، فقال:"يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره، قال: لا، ولكن نُوَليك من ذلك ما توليت".
قال النووي رحمه الله: معنى قول عمر: "اتق الله يا عمار" أي فيما ترويه، وتثبت فيه، فلعلك نسيتَ، أو اشتبه عليك، فإني كنت معك، ولا أذكر شيئا من هذا، ومعنى قول عمار:"إن شئت لا أحدث به" أي إن رأيت المصلحة في الإمساك عن التحديث به راجحة على
(1)
فتح جـ 1 ص 544.
التحديث به وافقتك، وأمسكت، فإني قد بلغته، فلم يبق عَلَيَّ فيه حرج، فقال عمر:"نوليك ما توليت" أي لا يلزم من كوني لا أذكره أن لا يكون حقا في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحديث به.
وبهذا يتضح عذر عمر في عدم قبوله لقول عمار، وأما ابن مسعود فلا عذر له في التوقف عن قبول حديث عمار، فلهذا جاء عنه أنه رجع عن الفُتيا بذلك، كما أخرجه ابن أبي شعيبة بإسناد فيه انقطاع عنه
(1)
. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي موسى الأشعوي رضي الله عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له: أخرجه المصنف هنا -201/ 320 - والكبرى -181/ 308 - بالسند المذكور.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ م د).
فأخرجه (خ) مطولا في الطهارة عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، وعن محمَّد بن سلام، عن أبي معاوية، وعن بشر بن خالد، عن غندر، عن شعبة، وزاد يعلي بن عبيد.
وأخرجه (م) فيه عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد ابن عبد الله بن نمير، ثلاثتهم عن أبي معاوية، وعن أبي كامل فضيل بن حسين، عن عبد الواحد بن زياد.
وأخرجه (د) فيه عن محمَّد بن سليمان الأنباري، عن أبي معاوية خمستهم عن الأعمش، عن شقيق، عن أبي موسى رضي الله عنه.
(1)
فتح جـ 1 ص 544 - 545 ببعض تصرف.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: مشروعية التيمم للجنب، وهو ما ترجم له المصنف، وهو مذهب جمهور أهل العلم، ويأتي في المسألة التالية تحقيق الخلاف فيه إن شاء الله تعالى.
ومنها: جواز المناظرة لأهل العلم تَوَصُّلا إلى الحق، لا للمراء والجدال.
ومنها: الانتقال من دليل إلى دليل آخر أوضح منه إقناعا للخصم، فإن أبا موسى قال لعبد الله لما قال له: أو لم تر عمر لم يقنع بقول عمار: "دعنا من قول عمار، فكيف تصنعون بهذه الآية؟ ".
المسألة الخامسة: في بيان مذاهب أهل العلم في التيمم للجنب.
أجمع أهل العلم على مشروعية التيمم للجنب عند عدم الماء، ولم يخالف في ذلك أحد من السلف، ولا من الخلف، إلا ما جاء عن عمر ابن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي، وقيل: إن عمر، وعبد الله رجعا عن ذلك، وقد جاءت بجوازه الأحاديث الصحيحة.
ثم إذا صلى الجنب بالتيمم، ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بالإجماع، إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن التابعي، أنه قال: لا يلزمه، وهو مذهب متروك بإجماع من قبله ومن بعده، وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره صلى الله عليه وسلم للجنب بغسل بدنه إذا وجد
الماء، أفاده الشوكاني
(1)
.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
نيل جـ 1 ص 385.
202 - بَابُ التَّيَمُّمِ بالصَّعِيدِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على مشروعية التيمم بالصعيد.
والصَّعيد: وجه الأرض ترابا كان أو غيره، قال الزجاج: ولا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك، ويقال: الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه: على التراب الذي على وجه الأرض، وعلى وجه الأرض، وعلى الطريق، وتجمع على صُعُد بضمتين، وصُعُدات، مثل طريق، وطُرُق وطُرُقات.
قال الأزهري: ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: آية 6] أنه التراب الطاهر الذي على وجه الأرض، أو خرج من باطنها
(1)
.
وقال العلامة ابن منظور: والصَّعيد: المرتفع من الأرض، وقيل: الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة، وقيل: ما لم يخالطه رَمْل، ولا سَبَخَة، وقيل: وجه الأرض، لقوله تعالى:{فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: آية 140] وقال جرير (من الوافر):
إِذَا تَيْمٌ ثَوَتْ بِصَعيد أِرْض
…
بَكَتْ منْ خُبْثِ لُؤْمِهمُ الصَّعِيدُ
وقال في آخرين (من الكامل):
وَالأطْيَبينَ منَ التُّرَاب صَعيدًا
وقيل: الصعيد: الأرض، وقيل: الأرض الطيبة، وقيل: هو كل تراب طيب، وفي التنزيل:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} . وقال الفراء في قوله تعالى: {صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: آية 8] الصعيد التراب، وقال غيره: هي الأرض المستوية
(2)
.
(1)
المصباح المنير جـ 1 ص 340.
(2)
لسان جـ 4 ص 2446.
321 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً مُعْتَزِلاً لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ:"يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ". فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ. قَالَ:"عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ".
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(سويد بن نصر) بن سُويد المروزي أبو الفضل لقبه شاه راوية ابن المبارك، ثقة من [10] مات سنة 240، وله 90 سنة تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله) بن المبارك المروزي الإمام ثقة ثبت فقيه عالم جَوَاد مجاهد، اجتمعت فيه خصال الخير، من [8] مات سنة 181، وله 63، تقدم في 32/ 36.
3 -
(عوف) بن أبي جَميلة الأعرابي العبدي البصري، ثقة رمي بالقدر، والتشيع، من [6] مات سنة 6 أو 147، وله 86 سنة، تقدم في 46/ 57.
4 -
(أبو رجاء) عمْران بن ملْحَان -بكسر الميم وسكون اللام بعدها حاء مهملة- ويقال: ابن تيم العطاردي مشهور بكنيته، وقيل غير ذلك في اسم أبيه، مخضرم ثقة مُعَمَّر.
أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولمِ يَرَه، ورَوَى عن عمر، وعلي، وعمران بن حصين، وابن عباس، وسَمُرَة بن جُندب، وعائشة.
وعنه أيوب، وجرير بن حازم، وعوف الأعرابي، وعمران القصير، ومهدي بن ميمون، وأبو الأشهب، وحماد بن نجيح، وسَلْم ابن زَرير، وسعيد بن أبي عروبة، والجَعْد أبو عثمان، والحسن بن ذكوان وآخرون.
وثقه ابن معين، وأبو زرعة وابن سعد، وقال: وله رواية، وعلم بالقرآن، وأمَّ قومه أربعين سنة، وتُوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز، قال: وقال الواقدي: توفي سنة 117، قال: وهذا عندي وَهَم، وقال الذهلي: مات قبل الحسن، لا أدري في أي سنة، غير أني أتوهمه سنة 107، وقال أبو حاتم: جاهلي فَرَّ من النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم بعد الفتح، وأتى عليه 120 سنة، وقال البخاري: قال أشعث بن سوّار: بلغ 127 سنة، وقال البخاري: يقال: مات قبل الفرزدق والحسن، ومات الحسن سنة 110، وقال ابن عبد البر: كان ثقة، وكانت فيه غفلة، وكانت له عبادة، وعُمِّر طويلا أزيد من مائة سنة وعشرين سنة. مات سنة 109، في أول خلافة هشام.
قال الحافظ رحمه الله: حَكَى ابن سعد أن اسمه عُطارد بن برز، وتبعه ابن حبَّان، فذكره كذلك في الثقات فيمن اسمه عطارد، وقال ابن أبي حاتم: عمران بن ملحان، ويقال: عمران بن تَيم، وهو أصح،
وقال البخاري في الأوسط: ملْحان ما أراه يصح، وقال في الكبير: قال أحمد: هو عمران بن عبد الله
(1)
. أخرج له الجماعة.
5 -
(عمران بن حصين) بن عُبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم بن
(1)
تت جـ 8 ص 140 - 141.
غاضرة بن سلُول بن كعب بن عمرو الخزاعي، أبو نُجيد أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن معقل بن يسار.
وعنه ابنه نُجيد، وأبو الأسود الديلي، وأبو رجاء العُطاردي، وربعي بن حراش، ومطرف ويزيد ابنا عبد الله بن الشِّخِّير، والحكم بن الأعرج، وزَهْدَم الجَرْمي، وصفوان بن مُحْرز، وعبد الله بن رَبَاح
الأنصاري، وآخرون. له 130 حديثًا، اتفقا على 8 وخ 4، وم 9.
استقضاه عبد الله بن عامر على البصرة، ثم استعفاه، ومات بها سنة 52، وكان الحسن البصري يحلف بالله ما قدمها راكب خير من عمران ابن حصين، وكذا قال ابن سيرين، وسياق النسب هنا من عند ابن عبد البر، وكذا ذكره ابن الكلبي ومن تبعه أن عبد بن نهم بن حذيفة بن يهم بن غاضرة، وقال ابن سعد: استقضاه زياد، ثم استعفاه، وكانت الملائكة تصافحه قبل أن يكتوي، وقال ابن البرقي: كان صاحب راية خزاعة يوم الفتح، وحكى ابن منده قولا أنه مات سنة 53
(1)
. أخرج له الجماعة.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين مروزيين، وهما شيخه وشيخ شيخه، وبصريين، وهم الباقون.
شرح الحديث
(عن أبي رجاء) عمران بن ملحان العُطاردي (قال: سمعت عمران ابن حصين) الصحابي الجليل رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل
(1)
تت جـ 8 ص 125 - 126.
كون "أنَّ" بفتح الهمزة، وهي في تأويل المصدر مفعول لمحذوف حال من مفعول سمعت، أي سمعت عمران ذاكرا رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل كونها بكسر الهمزة، والجملة محكي بقول محذوف حال أيضا أي سمعته قائلا:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا .. الخ"(رأى رجلا) قال الحافظ رحمه الله: لم أقف على تسميته، ووقع في شرح العمدة للشيخ سراج الدين بن المُلقِّن ما نصه: هذا الرجل هو خَلاد بن رافع بن مالك الأنصاري، أخو رفاعة شهد بدرا، قال ابن الكلبي: وقتل يومئذ، وقال غيره: له رواية، وهذا يدل على أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: أما على قول ابن الكلبي فيستحيل أن يكون هو صاحب هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه القصة بمدة طويلة بلا خلاف، فكيف يحضر هذه القصة بعد قتله؟ وأما على قول غير ابن الكلبي فيحتمل أن يكون هو، لكن لا يلزم من كونه له رواية أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون الرواية عنه منقطعة، أو متصلة لكن نقلها عنه صحابي آخر ونحوه. وعلى هذا فلا منافاة بين هذا وبين من قال: إنه قتل ببدر، إلا أن تجيء رواية عن تابعي مخضرم وصرح فيها بسماعه منه فحينئذ يلزم أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا يلزم أن يكون هو صاحبَ هذه القصة، إلا أن وردت رواية مخصوصة بذلك، ولم أقف عليها إلى الآن. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
(معتزلا) أي منفردا عن الناس (لم يُصَلِّ مع القوم) جملة في محل نصب صفة ثانية لرجل، أو على الحال (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء) بالبناء على الفتح على أنه اسم "لا" التي لنفي الجنس، وخبرها محذوف
لدلالة المقام عليه، كما قال ابن مالك:
(1)
فتح جـ 1 ص 375.
وشَاعَ في ذَا البَاب إسْقَاطُ الخَبَرْ
…
إذَا المُرَادُ مَعْ سُقُوطه ظَهَرْ
تقديره معي، أو موجود، ويحتمل أن تكون "لا" عاملة عمل "ليس"، و"ماء" اسمها مرفرع، والخبر مقدر أيضا، والجملة في محل نصب على الحال (قال) صلى الله عليه وسلم (عليك بالصعيد)"عليك" اسم فعل منقول من الجار والمجرور، كما قال ابن مالك:
والفعْلُ منْ أسْمَائه عَلَيكَا
…
وَهكَذا دُونَكَ مَعْ إلَيْكا
ومعنى "عليك" الزم، وهو يتعدى بنفسه، فيقال: عليك زيدا، وقد يتعدى بالباء، كهذا الحديث، وكحديث "عليك بذات الدين"، فيكون بمعنى استمسك مثلا، وقد صرح العلامة الرضي بأنها زائدة،
لأنها تزاد كثيرًا في مفعول اسم الفعل لضعف عمله
(1)
.
و"الْ" في الصعيد للعهد المذكور في الآية الكريمة ويؤخذ منه الاكتفاء في البيان بما يحصل به المقصود من الإفهام، لأنه أحاله على الكيفية المعلومة من الآية ولم يصرح له بها، قاله في الفتح جـ 1 ص 538.
أي عليك باستعمال الصعيد (فإنه يكفيك) أي يُجزئك في إسقاط الفرض، وفيه دلالة على أن المتيمم في مثل هذه الحالة لا يلزمه القضاء، وقال الحافظ: يحتمل أن يكون المراد بقوله: "يكفيك" أي للأداء، فلا يدل على ترك القضاء. اهـ.
قال الجامع: ولكن الظاهر هو الأول. والله أعلم.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
الأولى: في درجته: حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما هذا متفق عليه.
(1)
انظر حاشية الخضري على ابن عقيل جـ 2 ص 90.
الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
ذكره المصنف هنا -202/ 321 - والكبرى -182/ 310 - بهذا السند فقط.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (خ) في الطهارة عن عبدان، عن ابن المبارك بسند المصنف مختصرا، وأخرجه (خ م) مطولا.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: أن فيه مشروعية التيمم للجنب.
ومنها: جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن سياق القصة يدل على أن التيمم كان معلوما عندهم، لكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر بناء على أن المراد بالملامسة ما دون الجماع، وأما الحدث أكبر ليست صريحة فيه، فكأنه كان يعتقد أن الجنب لا يتيمم، فعمل بذلك مع قدرته على أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم، ويحتمل أنه كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلا فكان حُكمُهُ حُكم فاقد الطهورين.
ومنها: أنه ينبغي للعالم إذا رأى فعلا مُحتملا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب.
ومنها: التحريض على الصلاة في الجماعة، وأن ترك الشخص لها بحضرة المصلين معيب على فاعله بغير عذر.
ومنها: الملاطفة والرفق في الإنكار لمن رأى منكرا.
ومنها: أن الصعيد كاف في إسقاط الفرض، فلا قضاء على من صلى بالتيمم، لصريح قوله:"فإنه يكفيك".
المسألة الخامسة: في اختلاف العلماء في معنى "الصعيد"، وهل
يجوز التيمم بغير التراب؟
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في الاستذكار: وأما الصعيد فقيل: وجه الأرض، وقيل: بل التراب خاصة، والطيب الطاهر لا خلاف في ذلك.
وأما اختلاف العلماء في الصعيد، فقال مالك وأصحابه: الصعيد: وجه الأرض، ويجوز التيمم عندهم على الحصباء، والجبل، والرمل والتراب، وكل ما كان وجه الأرض.
وقال أبو حنيفة وزفر: يجوز التيمم بالنُّوْرة، والحجر، والزِّرنيخ، والجص، والطين، والرّخام، وكل ما كان من الأرض. وقال الأوزاعي: يجوز التيمم على الرمل. وقال الثوري، وأحمد بن حنبل: يجوز التيمم بغبار الثوب واللبد. ولا يجوز عند مالك، وقال ابن خويز منداد: يجوز التيمم عندنا على الحشيش إذا كان ذلك على وجه الأرض، واختلفت الرواية عن مالك في التيمم على الثلج فأجازه مرة، وكرهه أخرى، ومنع منه.
ومن الحجة لمذهب مالك في هذا الباب قوله تعالى: {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: آية 40] و {صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: آية 8]، والجرز: الأرض الغليظة التي لا تنبت شيئا، وقوله صلى الله عليه وسلم:"جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" فكل موضع جازت الصلاة فيه من الأرض جاز التيمم به، وقال صلى الله عليه وسلم:"يحشر الناس يوم القيامة على صعيد واحد" أي أرض واحدة، وقال الشافعي، وأبو يوسف: الصعيد التراب، ولا يجوز عندهم التيمم بغير التراب، وقال الشافعي: لا يقع الصعيد إلا على تراب ذي غبار، أو نحوه، فأما الصخرة الغليظة والرقيقة، والكثيب الغليظ فلا يقع اسم الصعيد عليه.
وقال أبو ثور: لا يتيمم إلا على تراب، أو رمل.
قال أبو عمر رحمه الله: أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب جائز واختلفوا فيما عداه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"جعلت لي الأرض مسجدا، وجعلت تربتها طهورا" وروى هذا جماعة من حفاظ العلماء عن الصحابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقضي على رواية من روى:"جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" ويفسرها. والله أعلم
(1)
.
وقال العلامة ابن رشد رحمه الله بعد ذكر الخلاف السابق ما نصه: والسبب في اختلافهم شيئان:
أحدهما: اشتراك اسم الصعيد في لسان العرب، فإنه مرة يطلق على التراب الخالص، ومرة يطلق على جميع أجزاء الأرض الظاهرة، حتى أن مالكا وأصحابه حملهم على دلالة اشتقاق هذا الاسم أعني الصعيد، أن يجيزوا التيمم في إحدى الروايات عنهم على الحشيش والثلج، قالوا: لأنه يسمى صعيدا في أصل التسمية أعني من جهة صعوده على الأرض، وهذا ضعيف.
والسبب الثاني: إطلاق اسم الأرض في جواز التيمم بها في بعض روايات الحديث المشهور، وتقييدها بالتراب في بعضها، وهو قوله: صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" فإن في بعض رواياته: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" وفي بعضها: "جعلت لي الأرض مسجدا، وجعلت لي تربتها طهورا".
وقد اختلف أهل الكلام الفقهي هل يُقضَى بالمطلق على المقيد، أو بالمقيد على المطلق؟ والمشهور عندهم أن يقضى بالمقيد على المطلق، وفيه نظر، ومذهب أبي محمَّد بن حزم أن يقضى بالمطلق على المقيد، لأن المطلق فيه زيادة معنى، فمن كان رأيه القضاء بالمقيد على المطلق، وحمل
(1)
الاستذكار جـ 2 ص 9 - 10.
اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز عنده التيمم إلا بالتراب، ومن قضى بالمطلق على المقيد، وحمل اسم الصعيد على كل ما على وجه الأرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى.
وأما إجازة التيمم بما يتولد منها فضعيف، إذ كان لا يتناوله اسم الصعيد، فإن أعم دلالة اسم الصعيد أن يدل على ما تدل عليه الأرض، لا أن يدل على الزرنيخ والنورة، ولا على الثلج والحشيش والله الموفق للصواب
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يترجح عندي في هذه المسألة ما ذهب إليه ابن حزم لأمرين:
الأول: المعنى الذي ذكره هو، وهو أن في تقديم المطلق على المقيد عملا بالزائد. وقال العلامة القرطبي رحمه الله: إنه ليس من باب المطلق والمقيد بل من باب النص على بعض أشخاص العموم، كما في
قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: آية 68].
والثاني: أن فيه موافقة لأصل مشروعية التيمم، وهو الترخيص والتوسيع، فلو كلف الناس طلب التراب فقط لكان فيه إحراج {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فإذا حمل معنى الصعيد على أعم من التراب كان معنى الترخيص والتوسيع أظهر وأوضح.
والحاصل أن التيمم بكل ما كان من جنس الأرض جائز ترابا كان أو حجرا أو غيرهما. انظر فيما كتبه الناقد الجهبذ أبو محمَّد بن حزم رحمه الله تعالى في كتابه الحافل المُحَلَّى جـ 2 ص 158 - 161.
* * * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".
(1)
بداية المجتهد جـ 1 ص 71 - 72.
203 - بابُ الصَّلَوَاتِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على جواز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد.
322 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ".
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(عمرو بن هشام) بن يزيد الجزري أبو أمية الحرَّاني، ثقة -10 - روى عن جده لأمه عَتَّاب بن بشير، ومحمد بن سلمة الحرَّاني، وعبد الملك الماجشون، وسليمان بن أبي كريمة، وابن عيينة، وأبي بكر
ابن عياش، ومَخْلَد بن يزيد، وغيرهم.
وعنه النسائي، ومحمد بن عوف الطائي، وبَقيّ بن مَخْلَد، وآخرون.
قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات بسواد الكوفة، وهو ذاهب إلى الحج سنة 245، أخرج له المصنف فقط.
2 -
(مخلد) بن يزيد القرشي الحَرَّاني، صدوق له أوهام، من كبار [9] تقدم في 141/ 222.
3 -
(سفيان) بن سعيد الثوري الإمام الحجة من كبار [7] تقدم في 33/ 37.
4 -
(أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري الحجة الثبت من [5] تقدم في 42/ 48.
5 -
(أبو قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو، ويقال: عامر بن نابل بن
مالك بن عبيد بن علقمة بن سعد، الجرمي البصري، أحد الأعلام ثقة فاضل كثير الإرسال، قال العجلي: فيه نصب يسير -3 - .
روى عن ثابت بن الضحاك الأنصاري، وسُمُرَة بن جُندب، وأبي زيد عمرو بن أخطب، وعمرو بن سلمة الجرمي، ومالك بن الحويرث وزينب بنت أم سلمة، وأنس بن مالك، وغيرهم.
وعنه أيوب وخالد الحَذَّاء، وأبو رجاء سلمان مولى أبي قلابة، ويحيى بن أبي كثير، وأشعث بن عبد الرحمن الجرمي، وغيرهم.
وذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة، وقال: كان ثقة كثير الحديث، وثقه العجلي، وقال عمر بن عبد العزيز: لن تزالوا بخير يا أهل الشام ما دام فيكم هذا، يعني أبا قلابة، وأرادوه للقضاء فهرب إلى الشام، مات سنة 101، وقيل: 107، أو 106، أخرج له الجماعة.
6 -
(عَمْرو بن بُجْدان) العامري حديثه في البصريين.
روى عن أبي ذر الغفاري، وأبي زيد الأنصاري.
وعنه أبو قلابة.
قال ابن المديني: لم يرو عنه غيره، وذكره ابن حبان في الثقات، قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: عمرو بن بجدان معروف؟ قال: لا، وقال القطان: لا يعرف، وقال الذهبي في الميزان: مجهول الحال
أخرج له الأربعة.
وفي التقريب: تفرد عنه أبو قلابة من الثانية لا يعرف حاله، لكن في التلخيص: وثقه العجلي، وقد غفل ابن القطان، فقال: إنه مجهول. اهـ جـ 1 ص 154.
7 -
(أبو ذر) جُندب بن جُنادة بن قيس بن عمرو بن هليل بن صريم ابن حرام بن غفار، وقيل: اسمه بُرير بن جنادة، وقيل: ابن جندب بن عبد الله، وقيل: ابن السكن، وكان أخا عَمْرو بن عَبَسَة لأمه.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعنه أنس بن مالك، وابن عباس، وخالد بن وهبان.
وروي مرفوعًا: "ما أظَلَّت الخضْراء، ولا أقَلَّت الغبراء أصدق لَهْجَة من أبي ذر"، حسنه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
(1)
، وعن علي:"أبو ذر وعاء مُلئَ علمًا، وأُوكي عليه فلم يخرج منه شيء"، وذكر الآجري عن أبي داود: أنه لم يشهد بدرا، ولكنَّ عمر ألحقه بهم، يعني في العطاء. وكان يوازي ابنَ مسعود في العلم. روى 281 حديثا، اتفق (خ م) على 12، وانفرد (خ) بحديثين، و (م) 19 حديثا مات بالرَّبَذَة سنة 32، وصَلَّى عليه ابن مسعود، ومات بعده بيسير. أخرج له الجماعة.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات غير مَخْلد، فصدوق له أوهام، وعمرو بن بُجْدان، فمختلف فيه.
ومنها: أن شيخه هذا أولُ محلّ ذُكر فيه، وكذا مخلد بن يزيد، وأبو قلابة، وعَمْرو بن بُجْدان، وأبو ذر رضي الله عنه.
(1)
صححه الشيخ الألباني. انظر صحيح الترمذي جـ 3 ص 229.
شرح الحديث
(عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا طرف من حديث طويل ساقه أبو داود في سننه بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه، قال:"اجتمعت غُنَيمَة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي رواية "غنيمة من الصدقة"، فقال:"يا أبا ذر ابدُ فيها، فبدوت إلى الرَّبَذة، فكانت تصيبني الجنابة، فأمكث الخمس والسّتّ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أبو ذر، فسكتُّ، فقال: ثَكلَتك أمُّك يا أبا ذر، لأمِّك الويلُ" فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعُسٍّ فيه ماء، فسترتني بثوب، واستترتُ بالراحلة، واغتسلت، فكأني ألقيت عَنِّي جبلا، فقال:"الصعيد الطيب وَضُوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك، فإن ذلك خير لك".
(الصعيد) مبتدأ، تقدم اختلاف العلماء في معناه، في أول الباب السابق 202 (الطيب) أي الطاهر، المطهر (وضوء المسلم) بفتح الواو لأن التراب بمنزلة الماء في صحة التطهر به، وقيل: بضم الواو، أي
استعمال الصعيد على الوجه المخصوص كوُضوء المسلم، فهو تشبيه بليغ، وعلى كل فيه أن التيمم رافع للحدث، لا مبيح فقط، خلافا لمن قال بذلك، وعليه فيصلي به ما يشاء من فرض ونفل، وسيأتي بيان اختلاف أهل العلم في ذلك، مع الترجيح في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.
(وإن لم يجد الماء عشر سنين) يعني إلى مدة طويلة، فالمراد منه التكثير لا التحديد، ومعناه أن يفعل التيمم مرة بعد أخرى، وإن بلغت مدة عدم الماء عشر سنين، وليس معناه أن التيمم دفعة واحدة تكفيه لعشر سنين.
وفيه دليل على أن خروج الوقت لا ينقض التيمم، وأن التيمم جائز قبل دخول الوقت.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
الأولى: في درجته: حديث أبي ذرّ رضي الله عنه صحيح.
قال الحافظ في التلخيص ما نصه: واختلف فيه على أبي قلابة، فقيل: هكذا -يعني عن عمرو بن بُجْدان- وقيل: عنه عن رجل من بني عامر، وهذه رواية أيوب عنه، وليس فيها مخالفة لرواية خالد، وقيل عن أيوب عنه عن أبي المهلب، عن أبي ذر، وقيل عنه بإسقاط الواسطة، وقيل في الواسطة محْجَن أو ابن محجن، أو رجاء بن عامر، أو رجل من بني عامر، وكلها عند الدارقطني، والاختلاف فيه كله على أيوب، ورواه ابن حبان والحاكم من طريق خالد الحذاء، وصححه أيضا أبو حاتم، ومدار طريق خالد على عمرو بن بجدان، وقد وثقه العجلي، وغفل ابن القطان، فقال: إنه مجهول، وفي الباب عن أبي هريرة رواه البزار، قال: حدثنا مقدم بن محمَّد، ثنا عمي القاسم بن يحيى، ثنا هشام بن حسان، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة، رفعه:"الصعيد وَضُوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليُمسه بشرته فإن ذلك له خير"، وقال: لا نعلمه عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ورواه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه مطولا، أخرجه في ترجمة أحمد بن محمَّد بن صدقة، وساق فيه قصة أبي ذر، وقال: لم يروه إلا هشام، عن ابن سيرين، ولا عن هشام إلا القاسم، تفرد به مقدم، وصححه ابن القطان، لكن قال الدارقطني في العلل: إن إرساله أصح. اهـ كلام الحافظ رحمه الله
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن الحديث صحيح، وممن صححه الترمذي، والحاكم، وابن حبان، وأبو حاتم، وابن دقيق العيد
(2)
. والله أعلم.
(1)
التلخيص جـ 1 ص 154.
(2)
وصححه الشيخ الألباني. انظر صحيح النسائي جـ 1 ص 68.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا 203/ 322 - والكبرى -183/ 311 بهذا السند فقط.
المسألة الثالثة: فيمن أش جه معه: أخرجه (د ت).
فأخرجه (د) في الطهارة عن عمرو بن عون، ومسدد، كلاهما عن خالد بن عبد الله، عن خالد الحَذَّاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجدان، عن أبي ذر رضي الله عنه.
وأخرجه (ت) فيه عن ابن بشار، ومحمود بن غيلان، كلاهما عن أبي أحمد الزُّبَيري عن سفيان، عن خالد الحذَّاء به، وقال: حسن صحيح، وقد روي هذا الحديث أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذر، ولم يسمه.
وأخرجه ابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنف، وهو جواز الصلوات بتيمم واحد، وسيأتي اختلاف أهل العلم في المسألة التالية.
ومنها: أن التيمم رافع للحدث لا مبيح له على الراجح كما سيأتي.
ومنها: أن وجود الماء ناقض للتيمم، لقوله في آخر الحديث كما تقدم عند أبي داود:"فإذا وجدت الماء فأمسَّهُ جلدك".
المسألة الخامسة: في اختلاف العلماء في أداء الصلوات الكثيرة بتيمم واحد:
اختلف العلماء في التيمم هل تُصلَّى به صلوات كالوضوء بالماء أم هو لازم لكل صلاة؟
فقالت طائفة: يتمم لكل صلاة، روي هذا القول عن علي، وابن عمر، وابن عباس، والنخعي، وقتادة، والشعبي، وبه قال ربيعة، ويحيى الأنصاري، ومالك، والليث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: يصلي بالتيمم الواحد الصلوات ما لم يحدث، وهو قول الحسن، وابن المسيب، والزهري، ورُوي عن ابن عباس، وأبي جعفر، وبه يقول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، ويزيد بن هارون.
وقالت طائفة: إن من صلى الصلوات في أوقاتها يتيمم لكل صلاة، وإذا فاتته صلوات صلاها بتيمم واحد، وهو قول أبي ثور، أفاده ابن المنذر
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: أرجح المذاهب عندي المذهب الثاني:
فيصلي المتيمم بتيممه ما شاء من الصلوات، الفرض والنفل، ما لم ينتقض تيممه يحدث، أو وجود ماء، لحديث الباب:"الصعيدُ وَضُوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين".
ولأن الطهارة إذا كملت، وجاز أن يصلي بها المرء ما شاء من النوافل، فكذلك له أن يصلي بها ما شاء من المكتوبة، إذ ليس بين طهارته للمكتوبة، وطهارته للنافلة فرق في شيء من أبواب الصلاة، وغيرُ جائز أن يقال له إذا صلى نافلة أنت طاهر، ويمنع من أن يصلي المكتوبة، لأنه غير طاهر، فالذين خوطبوا بالتيمم في قوله:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} الآية، المحدثون الذين خوطبوا في أولها عند القيام إلى الصلاة بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية، وليس ذلك على من كان طاهرا في باب الوضوء والتيمم، مع أن الطهارة المجمع عليها لا يجوز نقضها إلا بسنة أو إجماع، وقد أجمع أهل العلم على أن الأحداث التي تنقض
(1)
الأوسط جـ 2 ص 57 - 58.
طهارة المتوضئ بالماء، تنقض طهارة المتوضئ بالصعيد، وأجمعوا على أن المتيمم إذا قدر على الماء
(1)
مثل دخوله في الصلاة أن طهارته تنتقض، فوجب تسليم ذلك لإجماعهم، إلا حرف شاذ عن بعضهم لا معنى له، أفاده ابن المنذر رحمه الله
(2)
.
والحاصل أن الأصح جواز الصلوات، فرضها ونفلها بالتيمم الواحد. والله أعلم.
المسألة السادسة: اختلف أهل العلم هل ينتقض التيمم بوجود الماء، أم لا؟
ذهب الجمهور إلى أن وجود الماء ينقضها، وذهب قوم إلى أن الناقض لها الحدث، وأصل الخلاف: هل وجود الماء يرفع استصحاب الطهارة التي كانت بالتراب؟ أو يرفع ابتداء الطهارة به؟ فمن رأى أنه يرفع استصحاب الطهارة قال: إنه ينقضها، فإن حد الناقض هو الرافع للاستصحاب.
ومن رأى أنه يرفع ابتداء الطهارة به قال: لا ينقضها إلا الحدث.
وقد احتج الجمهور لمذهبهم بالحديث الثابت، وهو حديث:"ما لم يجد الماء" قال ابن رشد: والحديث محتمل، فإنه يمكن أن يقال: إن قوله: "ما لم يجد الماء" يمكن أن يفهم منه فإذا وجد الماء انقطعت هذه الطهارة وارتفعت، ويمكن أن يفهم منه: فإذا وجد الماء لم تصح ابتداء الطهارة، والأقوى في عضد الجمهور هو حديث:"فإذا وجدتَّ الماء فأمسَّهُ جلدك" فإن الأمر محمول عند جمهور المتكلمين على الفور، وإن كان أيضا قد يتطرق إليه الاحتمال المتقدم، فتأمل هذا.
(1)
هكذا في عبارة الأوسط مثل، والصواب قبل. اهـ الجامع.
(2)
الأوسط جـ 2 ص 58 - 59.
قال الجامع: عندي أن الاحتمال الأول هو المتعين، فإن قوله:"فأمسه جلدك" يدل على وجوب استعمال الماء حال وجوده سواء كان المتيمم حصل له حدث أم لا، فدل على أن وجود الماء يبطل التيمم. فتبصر.
قال ابن رشد: وقد حمل الشافعي تسليمه أن وجود الماء يرفع هذه الطهارة، أن قال: إن التيمم ليس رافعًا للحديث، أي ليس مفيدًا للمتيمم الطهارة الرافعة للحديث، وإنما هو مبيح للصلاة فقط مع بقاء الحدث، وهذا لا معنى له، فإن الله سماه طهارة، وقد ذهب قوم من أصحاب مالك هذا المذهب، فقالوا: إن التيمم لا يرفع الحدث، لأنه لو رفعه لم ينقضه إلا الحدث، والجواب أن هذه الطهارة وجود الماء في حقها هو حدث خاص بها على القول بأن الماء ينقضها.
واتفق القائلون بأن وجود الماء ينقضها على أنه ينقضها قبل الشروع في الصلاة، وبعد الصلاة، واختلفوا هل ينقضها طُرُؤُّهُ في الصلاة؟ فذهب مالك، والشافعي، وداود إلى أنه لا ينقض الطهارة في الصلاة، وذهب أبو حنيفة، وأحمد، وغيرهما إلى أنه ينقض الطهارة في الصلاة، وهم أحفظ للأصل، لأنه أمر غير مناسب للشرع أن يوجد شيء واحد لا ينقض الطهارة في الصلاة وينقضها في غير الصلاة، وبمثل هذا شَنَّعُوا على مذهب أبي حنيفة فيما يراه من أن الضحك في الصلاة ينقض الوضوء، مع أنه مستند في ذلك إلى الأثر
(1)
، فتأمل هذه المسألة فإنها بينة، ولا حجة في الظواهر التي يُرام الاحتجاج بها لهذا المذهب من قوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمَّد: آية 33] فإن هذا لم يُبطل الصلاة بإرادته، وإنما أبطلها طُرُّو الماء كما لو أحدث
(2)
.
(1)
قال الجامع: لكن الأثر لا يصح.
(2)
بداية المجتهد جـ 1 ص 72 - 73.
قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة القول في هذه المسألة أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن وجود الماء ناقض للتيمم، وأن الراجح أيضا نقضه مطلقا في الصلاة أو خارجها، فتبصر. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
204 - بَابُ فيمَنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ وَلا الصَّعِيدَ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم من لم يجد الماء ولا الصعيد.
323 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَنَاسًا يَطْلُبُونَ قِلَادَةً كَانَتْ لِعَائِشَةَ نَسِيَتْهَا فِي مَنْزِلٍ نَزَلَتْهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ، وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَصَلُّوا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل آيَةَ التَّيَمُّمِ، قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه ثقة حجة من [10] تقدم في 2/ 2.
2 -
(أبو معاوية) محمَّد بن خازم -بالخاء والزاي المعجمتين- الكوفي ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره، من كبار [9] تقدم في 26/ 30.
3 -
(هشام بن عروة) أبو المنذر المدني ثقة فقيه ربما دلس من [5] تقدم في 49/ 61.
4 -
(عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي المدني أحد الفقهاء السبعة ثقة مشهور من [2] تقدم في 40/ 44.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين أم عبد الله الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء، وأنهم مدنيون إلا شيخه، فمروزي، نزل نيسابور، وأبا معاوية فكوفي، وفيه رواية الراوي عن أبيه، عن خالته، وفيه عائشة من المكثرين السبعة،
وفيه الإخبار، والإنباء، والتحديث، والعنعنة.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسَيدَ ابن حُضير) -بتصغير الاسمين- بن سِمَاك بن عَتِيك الأنصاري الأشهلي أبو يحيى صحابي جليل مات سنة 20، أو 21، تقدمت ترجمته في 194/ 310 (وناسا) اسم وضع للجمع كالقوم، والرهط، واحده إنسان، من غير لفظه، مشتق من ناسَ يَنُوس: إذا تَدَلَّى وتحرّك، ويطلق على الجن والإنس، قال تعالى:{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: آية 5 - 6] وتقدم تمام البحث فيه برقم 191/ 305.
(يطلبون قلادة) القلادة: ما يجعل في العُنُق من حُليّ ونحوه، وقد تقدم أن القلادة من جَزعَ ظَفَار، وأنها استعارتها عائشة من أسماء أختها رضي الله عنهما، فقوله هنا (كانت لعائشة) فيه تجوز، إذ هي تستعملها الآن بالعارية (نسيتها في منزل نَزَلَتْهُ) ولأبي داود:"أضلتها عائشة" وتقدم في حديث عمار: "فانقطع عقدها من جزع ظَفَار" ولا تنافي بين هذه الروايات، لأن النسيان يطلق على معنى ترك الشيء ذُهولا والإضلال هو الفقدان، ويكون سبب نسيانها وفقدانها انقطاع تلك العقد عن عنقها من غير شعورها (فحضرت الصلاة) وهي الصبح كما تقدم (وليسوا على وضوء) بضم الواو أي ليسوا متوضئين (ولم يجدوا ماء) لكون المَحَلِّ ليس فيه ماء (فَصَلَّوا بغير وضوء) فيه دليل على وجوب الصلاة على فاقد الطهورين، لأنهم صلوا معتقدين وجوب الصلاة عليهم، فأقرَّهم النبي صلى الله عليه وسلم علي ذلك، ولو كانت الصلاة غير واجبة حينئذ لأنكر عليهم، وبهذا قال الشافعي، وأحمد، وجمهور أهل الحديث، وأكثر أصحاب مالك. كما سيأتي تحقيق الخلاف في ذلك مع الترجيح إن شاء الله تعالى (فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي شَكَوْا ما أصابهم من الصلاة بغير وضوء (فأنزل الله عز وجل آية التيمم) المراد بها آية المائدة على الأرجح، وتقدم الخلاف في المراد بها مُستوفىً في 194/ 310، فارجع إليه تزدد علما (قال أسيد بن حضير: جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا) وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، وأن ضياع عقدها كان مرتين، وأما نزول آية التيمم فهي في المرة الثانية، وقد تقدم تحقيق ذلك كله. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم ما يتعلق بهذا الحديث من المسائل برقم 194/ 310، فلا حاجة إلى إطالة الكتاب بإعادته هنا، وإنما نذكر هنا ما
يتعلق بما ترجم له الصنف رحمه الله، وهي بيان اختلاف العلماء فيمن لم يجد الماء والصعيد، فنقول:
اعلم: أن المصنف رحمه الله أورد حديث عائشة رضي الله عنها هذا استدلالا على أن فاقد الطهورين يصلي ولا يعيد الوضوء.
قال العلامة السندي رحمه الله: ثم إن الظاهر أن مراد المصنف بالترجمة أن من لم يجد ماء ولا ترابًا يصلي ولا يعيد.
ووجه الاستدلال بالحديث تنزيل عدم مشروعية التيمم مَنزلَة عدم التراب بعد المشروعية، إذ مرجعهما إلى تعذر التيمم، وهو المؤثر ها هنا، قال: وهذا هو الموافق لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" إذ الصلاة على حاله غاية ما يستطيع الإنسان في تلك الحالة، وغيرُ المستطاع ساقط، ولا يسقط به المستطاع إلا بدليل هو الموافق للقياس والأصول، فإن سقوط تكليف الشرط لتعذره لا يستلزم سقوط تكليف المشروط، لا حالا ولا أصلا، كستر العورة، وطهارة الثوب، والمكان، وغير ذلك، فإن شيئا من ذلك لا يسقط به طلب الصلاة عن الذمة، ولا يتأخر، بل يصلي الإنسان، ولا يعيد، والطهارة كذلك، بل تعذرُ الركن لا يُسقط تكليف باقي الأركان، فكيف الشرط، كما إذا تعذر غسل بعض أعضاء الوضوء لعدم المحل فإنه يغسل الباقي، ولا يسقط الوضوء، وكما إذا عجز عن القراءة في الصلاة، وكذا من عجز عن القيام وغيره.
قال: بل قد عُلم سقوطُ الطهارة تخفيفا بالنظر إلى المعذور، فالأقرب أنه يصلي ولا يعيد كما يميل إليه المصنف، وكذا البخاري في صحيحه. اهـ كلام السندي
(1)
.
(1)
شرح السندي جـ 1 ص 172 - 173.
وقال الحافظ رحمه الله: عند قول البخاري في صحيحه: "بابٌ إذا لمِ يجد ماء ولا ترابا" ما نصه: قال ابن رُشَيد: كأن المصنف نَزَّلَ فَقْد شَرْعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم، فكأنه يقول: حكمهم في عدم المطهر الذي هو الماء خاصة كحكمنا في عدم المُطَهِّرَين الماء والتراب، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة، لأن الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين، ووجهه أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا قال الشافعي، وأحمد، وجمهور المحدثين، وأكثر أصحاب مالك، لكن اختلفوا في وجوب الإعادة، فالمنصوص عن الشافعي وجوبها، وصححه أكثر أصحابه، واحتجوا بأنه عذر نادر، فلم يسقط الإعادة، والمشهور عن أحمد، وبه قال المُزَني، وسحنُون، وابن المنذر: لا تجب، واحتجوا بحديث الباب، لأنها لو كانت واجبة لبَيَّنَها النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وتُعُقِّبَ بأن الإعادة لا تجب على الفور، فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة، وعلى هذا فلابد من دليل على وجوب الإعادة.
وقال مالك، وأبو حنيفة في المشهور عنهما: لا يصلي، لكن قال أبو حنيفة، وأصحابه: يجب عليه القضاء، وبه قال الثوري، والأوزاعي، وقال مالك فيما حكاه عنه المدنيون: لا يجب عليه القضاء.
وهذه الأقوال الأربعة هي المشهورة في المسألة. وحكى النووي في شرح المهذب عن القديم: تستحب الصلاة وتجب الإعادة، وبهذا تفسير الأقوال خمسة. انتهى كلام الحافظ رحمه الله
(1)
.
(1)
فتح جـ 1 ص 524 - 525.
قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح عندي قول من قال بوجوب الصلاة على فاقد الطهورين، وعدم وجوب الإعادة عليه.
قال أبو محمَّد بن حزم رحمه الله تعالى: ومن كان مَحْبوسًا في حضر، أو سفر بحيث لا يجد ترابا ولا ماء، أو كان مصلوبا، وجاءت الصلاة فليصل كما هو، وصلاته تامة، ولا يعيدها سواء وجد الماء في الوقت، أو لم يجده إلا بعد الوقت.
بُرْهانُ ذلك قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: آية 16] وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: آية 286] وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وقوله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: آية 119] فصح بهذه النصوص أنه لا يلزمنا من الشرائع إلا ما استطعنا، وأن ما لم نستطعه فساقط عنا، وصح أن الله تعالى حَرَّمَ علينا ترك الوضوء أو التيمم للصلاة إلا أن نضطر إليه، والممنوع من الماء والتراب مضطر إلى ما حُرِّمَ عليه من ترك التطهر بالماء أو التراب، فسقط عنه تحريم ذلك عليه، وهو قادر على الصلاة بتوفيتها أحكامها، وبالإيمان
(1)
، فبقي عليه ما قدر عليه، فإذا صلى كما ذكرنا فقد صلَّى
كما أمره الله تعالى، ومن صلَّى كما أمره الله تعالى فلا شيء عليه، والمبادرة إلى الصلاة في أول الوقت أفضل لا ذكرنا قَبْل.
ثم ذكر اختلاف العلماء في المسألة إلى أن قال: وأما من قال: لا يصلي أصلا فإنهم احتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقبلُ صلاة من أحدث حتى يتوضأ" وقال عليه السلام: "لا يقبل الله صلاةً بغير طهور" قالوا: فلا نأمره بما لم يقبله الله تعالى، لأنه في وقتها غير متوضئ ولا متطهر، وهو بعد الوقت محرم عليه تأخير الصلاة عن وقتها.
(1)
هكذا النسخة بزيادة "والإيمان" ولا يظهر له هنا مناسبة. اهـ الجامع.
قال أبو محمَّد: هذا كان أصح الأقوال لولا ما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عنا ما لا نستطيع مما أمرنا به، وأبقى علينا ما نستطيع، وأن الله تعالى أسقط عنا ما لا نقدر عليه وأبقى علينا ما نقدر عليه بقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: آية 16] فصح قوله عليه السلام: "لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" و"لا يقبل الله صلاة إلا بطهور" إنما كلف ذلك من يقدر على الوضوء أو الطهور بوجود الماء أو التراب، لا من لا يقدر على وضوء ولا تيمم، هذا هو نص القرآن والسنن، فلما صح ذلك سقط عنا تكليف ما لا نطيق من ذلك، وبقي علينا تكليف ما نطيق، وهو الصلاة، فإن ذلك كذلك فالمصلي كذلك مُؤدٍّ ما أمر به فلا قضاء عليه، ومن أدى ما أمربه فلا قضاء عليه.
فكيف وقد جاء في هذا نص، ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها المذكور في هذا الباب، وقال: فهذا أُسيد وطائفة من الصحابة مع حكم الله تعالى ورضاء نبيه صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله تعالى. باختصار
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله أبو محمَّد رحمه الله تعالى هو التحقيق الحقيق بالقبول، وما عداه لا يؤيده منقول ولا معقول. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".
(1)
المحلى جـ 2 ص 138 - 141.
324 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنَّ مُخَارِقًا أَخْبَرَهُمْ، عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ، فَلَمْ يُصَلِّ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"أَصَبْتَ". فَأَجْنَبَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَيَمَّمَ، وَصَلَّى، فَأَتَاهُ، فَقَالَ نَحْوَ مَا قَالَ لِلآخَرِ -يَعْنِي:"أَصَبْتَ"-.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(محمَّد بن عبد الأعلى) الصنعاني البصري ثقة من [10]، تقدم في 5/ 5.
2 -
(خالد) بن الحارث الهُجَيمي بصري ثقة من [8] تقدم في 42/ 47.
3 -
(شعبة) بن الحجاج أبو بسطام الواسطي ثم البصري الحجة الثبت -7 - تقدم في 24/ 46.
4 -
(مُخارق) بضم الميم، بن خليفة بن جابر بن عبد الله ويقال: ابن عبد الرحمن الأحْمَسيّ أبو سعيد الكوفي ثقة -6 - .
روى عن طارق بن شهاب. وعنه سعيد، وإسرائيل، وابن حي، وحصين بن عمر، وشريك، وأبو يحيى التيمي والسفيانان.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: مخارق ثقة ثقة. قال عبد الله: وسألت يحيى بن معين عنه، فقال: ثقة، وقال النسائي:
مخارق بن عبد الرحمن ثقة. وقال أبو حاتم: مخارق بن عبد الله بن جابر، ويقال: ابن خليفة ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: كوفي ثقة أخرج له البخاري، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي
(1)
.
5 -
(طارق) بن شهاب بن عبد شمس بن هلال بن سلمة بن عوف ابن خُثيم البجلي الأحمسي، أبو عبد الله الكوفي.
رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه مرسلا، وعن الخلفاء الأربعة، وبلال وحذيفة، وخالد بن الوليد، والمقداد، وسعد، وابن مسعود، وأبي موسى، وأبي سعيد، وكعب بن عُجرة، وغيرهم.
وعنه إسماعيل بن أبي خالد، وقيس بن مسلم، ومخارق الأحمسي وعلقمة بن مَرْثَد، وسماك بن حرب، وجماعة.
قال إسحاق بن منصور: عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو داود: رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يسمع منه شيئا، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ليست له صحبة، والحديث الذي رواه "أيّ الجهاد أفضل" مرسل، قلت له: أدخلتَهُ في مسند الوحدان؟ قال: لما حكى من رؤيته النبي صلى الله عليه وسلم، وقال العجلي: طارق بن شهاب الأحمسي من أصحاب عبد الله، وهو ثقة. مات سنة 2، أو 83، وقيل: 123، وهو وَهَم. أخرج له الجماعة.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء، وأن مخارقا وطارقا، هذا أول محلّ ذكرهما، وأن فيه رواية تابعي، عن تابعي.
(1)
تت جـ 10 ص 67.
شرح الحديث
(عن طارق) بن شهاب (أن رجلا) لم يسم (أجنب) أي أصابته جنابة (فلم يُصَلّ) لعدم الماء، والظاهر أن هذا كان قبل مشروعية التيمم (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له) أي كونه لم يُصَلِّ بسبب الجنابة، مع عدم الماء (فقال) صلى الله عليه وسلم (أصبت) أي حيث عمل باجتهاده، وهذا يؤيد ما قلناه أن هذا كان قبل شرع التيمم لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال للذي اعتزل عن الناس وهم يصلون لكونه جنبا:"عليك بالصعيد فإنه يكفيك" وتقدم برقم 321.
والحاصل أن تصويب فعله هذا إنما هو بالنسبة لعمله باجتهاده، وإن كان مخطئا بعدم صلاته عند فقده الطهور، فلا ينافي ما تقدم مما قررناه من أن المصنف كالإمام البخاري يرى وجوب الصلاة على فاقد الماء والصعيد، حيث أوردا حديث عائشة الدالَّ على أنهم صَلَّوْا بغير وضوء فقررهم عليه، ولو لزم التنافي لقدم حديث عائشة لصحته بخلاف حديث طارق لإرساله.
(فأجنب رجل آخر، فتيمم وصلى) وهذا ظاهر في كونه بعد شرع لتيمم (فأتاه) أي النبي صلى الله عليه وسلم، أي فذكر له ذلك (فقال) صلى الله عليه وسلم له (نحو ما قال) أي الكلام الذي قاله (للآخر) أي الذي ترك الصلاة ثم بَيَّن المَقُولَ بقوله (يعني أصبت) والعناية من بعض الرواة، ذكرها لإيضاح معنى "ما".
والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم قال لكل منهما: "أصبت" لكونهما عملا باجتهاد فكل منهما مصيب من هذه الحيثية، وإن كان الأول مخطئا من حيث تركه الصلاة، فالذي يظهر من إيراد المصنف لهذا الحديث بعد إيراد حديث عائشة رضي الله عنها تضعيف هذا الحديث لكونه مرسلا، وأنه لا ينافي حديث عائشة رضي الله عنها، لكونه أصح والله أعلم.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
الأولى في درجته: حديث طارق بن شهاب حديث صحيح الإسناد إلا أنه مرسل، لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه فهو تابعي كما تقدم.
المسألة الثانية: في بيان موضع ذكره من هذا الكتاب:
ذكره المصنف هنا فقط وهو من أفراده، لم يخرجه من أصحاب الأصول غيره. والله أعلم.
المسألة الثالثة: في فوائده:
منها: جواز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن المجتهد لا يعاتب فيما اجتهد فيه، وإن لم يصب، لأنه مكلف ببذل وسعه فيما يعلم، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.
ومنها: أن العالم وإن عمل باجتهاده فلا يستغني عن مراجعة النصوص ليثبت عليه إن وافق اجتهاده لها، أو يرجع عنه إذا لم يوافق والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
كِتَابُ المِيَاهِ
2 - كتابُ المياه
وفي النسخة الهندية (كتابُ المياه منَ المُجْتَبَى)
المياه: جمع كثرة لاء، وجمع القلة أمْوَاه.
قال الفيّومي: الماء أصله مَوَه، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع حرفان خفيَّان، فقلبت الهاء همزة، ولم تقلب الألف لأنها أعلت مرة، والعرب لا تجمع على الحرف إعلالين، ولهذا يُرَدُّ إلى أصله في الجمع والتصغير، فيقال: مياه، ومُوَيه، وقالوا: أمْوَاه أيضا مثل باب وأبواب، وربما قالوا: أمواء بالهمز على لفظ الواحد. انتهى
(1)
أي هذا كتاب تذكر فيه أحكام المياه، وقوله:"من المجتبى" أي حال كون كتاب المياه مني جملة الكتب التي تذكر في الكتاب المسمى بـ"المجتبى" أي المختار، سمِّيَ به لأنه انتخبه من سننه الكبرى، ويسمى أيضا بـ "المجتنى"، وتقدم الكلام عليه مستوفى في مقدمة هذا الشرح.
(1)
المصباح جـ 2 ص 586.
قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}
(1)
وقال عز وجل: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}
(2)
وقال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}
(3)
بدأ المصنف رحمه الله كتاب الطهارة بآية الطهارة ثم أتبعها بأحاديث الطهارة من حديث رقم 1، إلى حديث رقم 324.
فكل هذه الأحاديث مُبَيِّنَةٌ لمعنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ..} [المائدة: آية 6]، لأن الآية سيقت لبيان الوضوء والغسل والتيمم الذي يكون نائبا عنهما عند فقد الماء، وعدم القدرة على استعماله، فما ذكره من هذه الأحاديث في الأبواب السابقة كلها بيان وتوضيح للآية المذكورة، لأن الأحاديث شارحة للآية، قال الله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: آية 44]، ولبعضهم:
فَهُوَ المُبَيِّنُ للكتَاب وإنَّما
…
نَطَقَ النَّبيُّ لنَا به عَنْ رَبَّه
ثم إنه شرع يبين أدلة أحكام المياه، فصَدَّرَ الكتاب بالآيات المذكورة، ثم أتبعها بالأحاديث لما ذكرناه.
فإن قيل: إن كثيرا من أحاديث كتاب المياه ذكرها المصنف في كتاب الطهارة فلماذا أعادها هنا؟
أجيب بأنه إنما ذكرها هناك استطرادًا وتبعًا، فلم يكتف بذلك، بل وضع لها هذا الكتاب ليبحث عنها أصالة، ولو ترك تكرارها، كما فعل في الكبرى لكان أولى. والله أعلم.
(1)
سورة الفرقان آية 48.
(2)
سورة الأنفال آية 11.
(3)
المائدة آية 6.
شرح الآيات الكريمات
(قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} ظاهر الآية أن الماء مُنَزَّل من نفس السماء، فلا حاجة إلى ادعاء المجاز في معنى السماء، فيقال: إن المراد بالسماء هو السحاب، لأن السماء يطلق على كل ما علاك، فالصحيح أن الماء ينزل من السماء، ثم من السحاب، وأما ما يعتقده الفلاسفة من أن المطهر من بُخَار البحر بواسطة السحاب، حتى قال الهُذَلي [من الطويل]:
شَرِبْنَ بماءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفْعَتْ
…
مُتَى لُجَج خُضْر لهُنَّ نَئيجُ
فباطل يخالف ظواهر الكتاب والسنة.
(طهورا) قال العلامة القرطبي رحمه الله: "ماء طهورا" يتطهر به
كما يقال: وَضوء للماء الذي يُتوضأ به، وكل طَهُور طاهر، وليس كل طاهر طهورًا، فالطَهور -بفتح الطاء-: الاسم، وكذلك الوَضُوء
والوَقُود، وبالضم: المصدر، وهذا هو المعروف في اللغة، قاله ابن الأنباري، فَبَيَّن أنَّ الماء المنزل من السماء طاهر في نفسه، مطهر لغيره، فإن الطَّهُور مبالغة في طاهر، وهذه المبالغة اقتضت أن يكون طاهرا مطهرا، وإلى هذا ذهب الجمهور.
وقيل: إن "طهورا" بمعنى طاهر، وهو قول أبي حنيفة، وتعلق بقوله تعالى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: آية 21] يعني طاهرا، وبقول الشاعر [من الطويل]:
خَليْليَّ هَلْ في نَظْرةٍ بَعْدَ تَوْبَة
…
أُدَاوي بهَا قَلْبي عَلَيَّ فُجُورُ
إِلَى رُجَّحِ الأكْفَالِ غِيد مِنَ الظِّبَا
…
عذَاب الثَّنَايَا ريّقُهُنَّ طَهُورُ
فوصف الريق بأنه طهور، وليس بمطهر، وتقول العرب: رجل
نَؤُوم، وليس ذلك بمعنى مُنيم لغيره، وإنما يرجع ذلك إلى فعل نفسه.
وأجيب عن هذا بأن وصف شراب الجنة بأنه طهور يفيد التطهير عن أوضار الذنوب، وعن خساس الصفات، كالغلّ والحَسَد، فإذا شربوا هذا الشراب يطهرهم الله من رحض الذنوب، وأوضار الاعتقادات الذميمة، فَجَاءُوا الله بقلب سليم، ودخلوا الجنة بصفات التسليم، وقيل لهم:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: آية 73] ولما كان حكمه في الدنيا بزوال حكم الحدث بجريان الماء على الأعضاء كانت تلك حكمته ورحمته في الآخرة. وأما قول الشاعر:
.....
…
ريّقُهُنَّ طَهُورُ
فإنه قصد بذلك المبالغة في وصف الريق بالطهورية لعُذُوبته، وتعلقه بالقلوب، وطيبه في النفوس، وسكون غليل المحب برشفه حتى كأنه الماء الطهور.
وبالجملة فإن الأحكام الشرعية لا تثبت بالمجازات الشعرية، فإن الشعراء يتجاوزون في الاستغراق حد الصدق إلى الكذب، ويسترسلون في القول حتى يخرجهم إلى البدعة والمعصية، وربما وقعوا في الكفر من حيث لا يشعرون. ألا ترى إلى قول بعضهم (من الطويل):
ولَوْ لَمْ تُلامِسْ صَفْحَةَ الأرْضِ رجْلُهَا
…
لَمَا كُنْتُ أدْري عِلَّةً للتَّيمُّم
وهذا كفر صراح نعوذ بالله منه
(1)
.
وقال العلامة الفيومى: وطَهُور قيل: مبالغة، وأنه بمعنى طاهر، والأكثر أنه لوصف زائد، قال ابن فارس: قال ثعلب: الطَّّهُور هو الطاهر في نفسه المُطَهِّر لغيره، وقال الأزهري أيضا: الطهور في اللغة:
(1)
تفسير القرطبي ببعض تصرف جـ 3 ص 39/ 40.
هو الطاهر المطهر، قال: وفعول في كلام العرب لمعان: منها فَعُول لما يُفْعل به، مثل الطَّهور لما يُتَطَهَّر به، والوَضوء لما يُتوضأ به، والفَطُور لما يُفطر عليه، والغَسول لما يُغتسل به، ويُغسل به الشيء، وقوله صلى الله عليه وسلم:"هو الطَّهُور ماؤه" أي هو الطاهر المطهر، قاله ابن الأثير، قال: وما لم يكن مطهرا فليس بطَهور. وقال الزمخشري: الطَّهور: البليغ في الطهارة، قال بعض العلماء: ويُفهم من قوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، لأن قوله:"ماء" يفهم منه أنه طاهر، لأنه ذُكر في معرض الامتنان، ولا يكون ذلك إلا بما يُنتفَعُ به، فيكون طاهرا في نفسه، وقوله:"طهورا" يُفهَم منه صفة زائدة على الطهارة وهي الطهورية.
فإن قيل: فقد ورد طَهور بمعنى طاهر كما في قوله: ريّقُهُنَّ طَهُورُ.
فالجواب: أنَّ وروده كذلك غير مُطَّرد، بل هو سماعي، وهو في البيت مبالغة في الوصف، أو واقع موقع طاهر لإقامة الوزن، ولو كان طهور بمعنى طاهر مطلقا لقيل: ثوب طَهُور، وخَشَب طَهُور، ونحو
ذلك، وذلك ممتنع
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: فتحصل من هذا أنَّ كون الطهور بمعنى الطاهر المطهِّر هو قول أكثر أهل اللغة، وخلافه ضعيف يبطله قوله تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} ، والله أعلم.
وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: الآية 11] حكَى الزجاج أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر، فنزلوا عليه، وبقي المؤمنون لا ماء لهم، فأنزل الله المطر ليلة بدر، والذي في سيرة ابن إسحاق وغيره: أن المؤمنين هم الذين سبقوا
(1)
المصباح المنير جـ 1 ص 379 - 380.
إلى ماء بدر، وأنه منع قريشا من السبق إلى الماء مطر عظيم، ولم يصب المسلمين منه إلا ما شَدَّ لهم دَهْس
(1)
الوادي، وأعانهم على المسير
(2)
.
قال: وقوله {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} أي من حدث أصغر أو أكبر، وهو تطهير الظاهر {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} أي من وسوسة أو خاطر سيء، وهو تطهير الباطن
(3)
.
وقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا} أي اقصدوا، لأن التيمم لغة القصد، يقال: تيممت الشيء قصدته، وتيممت الصعيد: تعمدته، وتيممته بسهمي ورمحي: قصدته دون من سواه، وقال ابن السكيت: قوله {فَتَيَمَّمُوا} أي اقصدوا، ثم ذكر استعمال هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب. وقال ابن الأنباري: في قولهم: قد تيمم الرجل: معناه: قد مسح التراب على وجهه، وهذا خلط للمعنى اللغوي بالمعنى الشرعي، فإن العرب لا تعرف التيمم بمعنى مسح الوجه واليدين، وإنما هو معنى شرعي فقط.
{صَعِيدًا} الصعيد وجه الأرض سواء كان عليه تراب أو لم يكن، قاله الخليل، وابن الأعرابي، والزجاج، قال الزجاج: لا أعلم فيه اختلافا بين أهل اللغة، قال الله تعالى:{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8] أي أرضا غليظة لا تنبت شيئا، وقال تعالى:{فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: آية 40]، وقال ذو الرمة (من البسيط):
كَأنَّهُ بالضُّحَى يَرْمي الصَّعيدَ به
…
وَنَابُهُ في عظَام الرَّأسِ خُرْطُومُ
وإنما سمي صعيدًا، لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض، وجمع الصعيد صُعُدات.
(1)
الدهس: المكان اللين برمل ولا تراب ولا طين. المعجم الأوسط.
(2)
فتح القدير للشوكاني جـ 2 ص 291.
(3)
تفسير ابن كثير جـ 2 ص 304.
{طَيِّبًا} اختلف في معناه، فقيل: الطاهر، وقيل: المنبت، وقيل: الحلال
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدم ذكر اختلاف العلماء في معنى الصعيد، وأن المختار قول من قال: هو وجه الأرض، ترابا كان أو رملا أو حجرا، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والثوري، والطبري. فراجع الشرح برقم 202/ 320 تزدد علمًا. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
325 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَتْ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفَضْلِهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(سويد بن نصر) بن سويد المروزي أبو الفضل لقبه الشَّاه، راوية ابن المبارك ثقة من [10]، ت 240، وله 90 سنة، تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي، مولاهم المروزي، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جُمعت فيه خصال الخير، من [8] ت 181، وله 63، تقدم في 32/ 36.
(1)
المصباح المنير جـ 1 ص 379 - 380.
3 -
(سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ إمام حجة فقيه عابد من رؤوس الطبقة [7] ت 161، وله 64 تقدم في 33/ 37.
4 -
(سماك) بكسر السين المهملة وتخفيف الميم - بن حرب بن أوس ابن خالد بن نزَار بن معاوية بن حارثة الذهلي البكري أبو المغيرة الكوفي صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن -4 - .
روى عن جابر بن سمرة، والنعمان بن بشير، وأنس بن مالك، والضحاك بن قيس، وثعلبة بن الحكم، وعبد الله بن الزبير، وطارق ابن شهاب، وعكرمة، وغيرهم.
وعنه ابنه سعيد، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وداود بن أبي هند، وحماد بن سلمة، وشعبة، والثوري، وغيرهم.
قال حماد بن سلمة عنه: أدركت ثمانين من الصحابة، وقال عبد الرزاق عن الثوري: ما سقط لسماك حديث.
قال الحافظ رحمه الله: هذا الذي نقله عبد الرزاق عن الثوري إنما هو في سماك بن الفضل اليماني، وأما سماك بن حرب فالمعروف عن الثوري أنه ضعفه. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: سماك أصح حديثا من عبد الملك بن عُمَير، وقال أبو طالب عن أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: ثقة، قال: وكان شعبة يضعفه، وكان يقول في التفسير عكرمة، ولو شئت أن أقول له ابن عباس لقاله، وقال لي ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين سئل عنه، ما الذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره، وهو ثقة. وقال ابن عمار: يقولون: إنه كان يغلَط، ويختلفون في حديثه. وقال العجلي: بكري جائز
الحديث إلا أنه كان في حديث عكرمة ربما وصل الشيء. وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، ولم يرغب عنه أحد، وكان فصيحًا عالمًا بالشعر وأيام الناس، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وهو كما قال أحمد. وقال يعقوب بن شيبة: قلت لابن المديني: رواية سماك عن عكرمة؟ فقال: مضطربة. وقال زكريا بن عدي عن ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث. قال يعقوب: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديما مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيح مستقيم، والذي قاله ابن المبارك إنما نرى أنه فيمن سمع منه بآخره. وقال النسائي: ليس به بأس، وفي حديثه شيء. وقال صالح جَزَرَةَ: يضعف. وقال ابن خراش: في حديثه لين. وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ كثيرا. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة هل سمع سماك من مسروق شيئا؟ فقال: لا. وقال النسائي: كان ربما لُقِّنَ، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة، لأنه كان يُلَقَّنُ فيَتَلَقَّن. وقال البزار في مسنده: كان رجلا مشهورا لا أعلم أحدا تركه، وكان قد تغير قبل موته. وقال جرير بن عبد الحميد: أتيته فرأيته يبول قائما فرجعت، ولم أسأله عن شيء. وقال ابن عدي: ولسماك حديث كثير مستقيم إن شاء الله، وهو من كبار تابعي أهل الكوفة، وأحاديثه حسان، وهو صدوق لا بأس به. مات سنة 123
(1)
علق عنه البخاري، وأخرج له الباقون.
5 -
(عكرمة) البَرْبَريّ أبو عبد الله مولى ابن عباس، أصله من البربر كان لحصين بن أبي الحُرّ العنبري فوهبه لابن عباس لما ولي البصرة لعلي ثقة عالم بالتفسير، ولم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه
بدعة -3 - .
(1)
تت جـ 4 ص 232 - 234.
روى عن مولاه، وعلي بن أبي طالب، والحسن بن علي، وأبي هريرة، وابن عمر، وغيرهم.
وعنه إبراهيم النخعي، ومات قبله، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، والشعبي، وهما من أقرانه، وأبو إسحاق السَّبيعي وأبو الزبير، وقتادة وسماك بن حرب، وعاصم الأحول، وحصين بن عبد الرحمن، وأيوب، وخالد الحذاء، وغيرهم.
قال الجامع: قد طَوَّل الحافظ رحمه الله في ترجمة عكرمة في تهذيب التهذيب، ثم لَخَّص ذلك في هدي الساري، فأحببت إيراد ما فيه لكونه مُلخصًا.
قال رحمه الله: عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس احتج به البخاري، وأصحاب السنن، وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونا بسعيد بن جبير، وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه، وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك، وصنفوا في الذّبّ عن عكرمة منهم أبو جعفر بن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وأبو عبد الله ابن منده، وأبو حاتم بن حبان، وأبو عمر بن عبد البر، وغيرهم، وقد رأيت أن ألخص ما قيل فيه هنا، وإن كنت قد استوفيت ذلك في ترجمته من مختصري لتهذيب الكمال.
فأما أقوال من وَهَّاهُ فمدارها على ثلاثة أشياء: على رميه بالكذب، وعلى الطعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج، وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأمراء، فهذه الأوجه الثلاثة يدور عليها جميع ما طعن فيه:
فأما البدعة فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه.
وأما قبول الجوائز فلا يقدح فيه أيضا إلا عند أهل التشديد، وجمهور
أهل العلم على الجواز كما صنف في ذلك ابن عبد البر.
وأما التكذيب فسنبين وجوه رده بعد حكايته أقوالهم، وأنه لا يلزم من شيء منه قدح في روايته.
فذكر رحمه الله جميع تلك الأوجه وأجوبتها فكفى وشفى، تركتها اختصارا واقتصرت على ذكر قسم الثناء فقط لكونه أهم قال رحمه الله:
وإذْ فرغنا من الجواب عما طُعن عليه به، فلنذكر ثناء الناس عليه من أهل عصره، وهلمّ جَرًا:
قال محمَّد بن فضيل، عن عثمان بن حكيم: كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف، إذ جاء عكرمة فقال: يا أبا أمامة أُذَكِّرك اللهَ هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب عليّ؟ فقال أبو أمامة: نعم وهذا إسناد صحيح. وقال يزيد النحوي عن عكرمة: قال لي ابن عباس: انطلق فأفْت الناسَ، وحكى البخاري عن عمرو بن دينار، قال: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل عن عكرمة فجعلت كأني أتباطأ فانتزعها من يدي، وقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس. وقال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة. وقال حبيب بن أبي ثابت: مَرَّ عكرمة بعطاء، وسعيد بن جبير، قال فحدثهم، فلما قام قلت لهما: أتنكران مما حدث شيئا؟ قالا: لا. وقال أيوب: حدثني فلان، قال: كنت جالسا إلى عكرمة، وسعيد بن جبير، وطاوس، وأظنه قال: وعطاء في نفر، فكان عكرمة صاحب الحديث يومئذ، وكأنَّ على رؤوسهم الطير، فما خالفه منهم أحد إلا أن سعيدا خالفه في مسألة واحدة، قال أيوب: أرى ابن عباس وكان يقول القولين جميعا، وقال حبيب أيضا: اجتمع عندي خمسة: طاوس ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة،
وعطاء، فأقبل مجاهد، وسعيد يُلقيان على عكرمة المسائل، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: نزلت آية كذا في كذا، ونزلت آية كذا في كذا. وقال ابن عيينة: كان عكرمة إذا تكلم في المغازي فسمعه إنسان، قال: كأنه مشرف عليهم يَراهم، قال: وسمعت أيوب يقول: لو قلت لك: إنَّ الحسن ترك كثيرًا من التفسير حين دخل عكرمة البصرة حتى خرح منها لصدقت. وقال عبد الصمد ابن معقل: لما قدم عكرمة الجند أهْدَى له طاوس نجيبا بستين دينارا فقيل له في ذلك؟ فقال: ألا أشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاوس بستين دينارا. وقال الفرزدق بن خراش: قدم علينا عكرمة مرو، فقال لنا شهر ابن حوشب: ائتوه، فإنه لم تكن أمة إلا كان لها حبر، وإن مولى هذا كان حبر هذه الأمة. وقال جرير، عن مغيرة: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: نعم عكرمة. وقال قتادة: كان أعلم التابعين أربعة، فذكره فيهم. قال: وكان أعلمهم بالتفسير، وقال معمر عن أيوب: كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة، فإني لفي سوق البصرة إذ قيل لي: هذا عكرمة، فقمت إلى جنب حماره، فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ. وقال حماد بن زيد: قال لي أيوب: لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه. وقال يحيى بن أيوب: سألني ابن جريج هل كتبتم عن عكرمة؟ قلت: لا، قال: فاتكم ثلثُ العلم. وقال حبيب بن الشهيد: كنت عند عمرو بن دينار، فقال: والله ما رأيت مثل عكرمة قط. وقال سلام بن مسكين: كان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير. وقال سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة: فبدأ به. وقال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة، وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين: إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة فاتهمه على الإسلام، وقال عثمان الدرامي: قلت لابن معين: أيُّما أحب إليك عكرمة عن ابن عباس، أو
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة؟ قال: كلاهما، ولم يختر. فقلت: فعكرمة، أو سعيد بن جبير؟ قال: ثقة ثقة، ولم يختر، وقال النسائي في التمييز وغيره: ثقة، وتقدم توثيق أبي حاتم، والعجلي، وقال المروزي: قلت لأحمد بن حنبل: يحتج بحديثه؟ قال: نعم، وقال أبو عبد الله محمَّد بن نصر المروزي: أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه؟ فقال: عكرمة عندنا إمام الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه، قال: وحدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين، وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة، فأظهر التعجب، وقال علي بن المديني: كان عكرمة من أهل العلم، ولم يكن في موالي ابن عباس أغزر علما عنه. وقال ابن منده: قال أبو حاتم: أصحاب ابن عباس عيال على عكرمة. وقال البزار: روى عن عكرمة مائة وثلاثون رجلا من وجوه البلدان، كلهم رضوا به، وقال العباس بن مصعب المروزي: كان عكرمة أعلم موالي ابن عباس، وأتباعه بالتفسير، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: كان عكرمة من أثبت الناس فيما يروي، ولم يُحَدِّث عمن هو دونه أو مثله، أكثرُ حديثه عن الصحابة رضي الله عنهم. وقال أبو جعفر بن جرير: ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن المتقدم في العلم بالفقه والقرآن، وتأويله وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالما بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس إياه ووصفهم له بالتقدم في العلم، وأمرهم الناس بالأخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته لم يُقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن، وبقول فلان لمولاه: لا تكذب عليَّ، وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف،
ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب، وقال ابن حبان: كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن، ولا أعلم أحدا ذمه بشيء -يعني يجب قبوله والقطع به-. وقال ابن عدي في الكامل ومن عادته فيه أن يخرج الآحاديث التي أنكرت على الثقة، أو على غير الثقة فقال فيه بعد أن ذكر كلامهم في عكرمة: ولم أخرج هنا من حديثه شيئا لأن الثقات إذا رووا عنه فهو مستقيم، ولم يمتنع الأئمة وأصحاب الصحاح من تخريج حديثه، وهو أشهر من أن أحتاج إلى أن أخرج له شيئا من حديثه. وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى: احتج بحديثه الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيز الصحاح احتجاجا بما سنذكره، ثم ذكر حكايته نافع، وقال ابن منده: أما حال عكرمة في نفسه فقد عَدَّلَه أمة من التابعين منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يُمسك عن الرواية عنه، ولم يَستغن عن حديثه، وكان حديثه متلقى بالقبول قرنا بعد قرن إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح على أن مسلمًا كان أسوأهم رأيا فيه، وقد أخرج له مقرونا.
وقال أبو عمر بن عبد البر: كان عكرمة من جلَّة العلماء، ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه، لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه، وكلام ابن سيرين فيه لا خلاف بين أهل العلم أنه كان أعلم بكتاب الله من ابن سيرين، وقد يَظُنُّ الإنسانُ ظَنًا يغضب له، ولا يملك نفسه، قال: وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة من الموطأ ولا أدري ما صحته، لأنه قد ذكره في الحج، وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك عطاءً في تلك المسألة، مع كون عطاء أجلّ التابعين في علم المناسك. والله. انتهى كلام الحافظ رحمه الله
(1)
.
(1)
هدي الساري جـ 2 ص 446 - 451.
وبالجملة فكلام الناسى في توثيقه أكثر من أن يذكر، وقد أطال النفس الحافظ في الهدي، فَلْيُرجَع إليه جـ 2 ص 446 - 451، مات سنة 107 وقيل بعد ذلك. أخرج له الجماعة.
6 -
(ابن عباس) عبد الله حبر الأمة وبحرها رضي الله عنهما. ت 68 بالطائف وتقدم في 27/ 31.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء، وأنهم ما بين مروزيين، شيخه، وابن المبارك، وكوفيين، سفيان، وسماك، ومكيين، أو بصريين، عكرمة وعبد الله.
ومنها: رواية تابعي، عن تابعي.
ومنها: أن سماكًا وعكرمة هذا أولُ محلّ ذكرهما.
ومنها: أن صحابيه أحد المكثرين السبعة روى 1696 حديثا، وأنه أحد العبادلة الأربعة.
شرح الحديث
(عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) هي ميمونة رضي الله عنها، لما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت: أجنبت فاغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه، فقلت له: إني قد اغتسلت منه، فقال:"الماء ليس عليه جنابة" فاغتسل منه. ولما رواه ابن ماجه من حديث ميمونة أيضا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غسلها من الجنابة"
(1)
.
ولمسلم وأحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن
(1)
المنهل جـ 1 ص 241 - 242.
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة" (اغتسلت من الجنابة فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها) أي أراد أن يتوضأ، ولأبي داود: "اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها، أو يغتسل .. " وعند الترمذي:"فأراد أن يتوضأ" بدون شك (فذكَرَتْ ذلك له) أي قالت له: إني كنت جنبا، فاغتسلت من الماء (فقال: إن الماء لا ينجسه شيء) وعند أبي داود "إن الماء لا يجنب" أي إن الجنابة لا تتصل به، فيتنجس.
ومعنى"لا ينجسه شيء": أي لا يجعله شيء من استعمال الجنب، أو مخالطته أو غير ذلك نجسًا.
وهذا العموم مخصص بحديث القلتين، وبالإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة، الطعم، أو اللون، أو الريح ينجس، كما سيأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى، وقال السندي: قوله: "لا ينجسه شيء" وفي رواية الترمذي، وأبي داود، وابن ماجه:"إن الماء لا يجنب" فمعنى قوله: "لا ينجسه" على وفق تلك الرواية أنه لا ينجسه شيء من جنابة المستعمل أو حدثه، أي إذا استعمل منه جنب أو محدث فلا يصير البقية نجسا بجنابة المستعمل، أو حدثه، وعلى هذا فهذا الحديث خارج عن محل النزاع، وهو أن الماء هل يصير نجسا بوقوع النجاسة أم لا؟ وما يتعلق بهذه المسألة. انتهى.
قال الجامع: فيما قاله نظر، إذ فيه قصر اللفظ العام على السبب، وهو غير صحيح، بل الصحيح إجراؤه على عمومه، فيدخل فيه ما ذكره لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولهذا أورده المصنف بعد الآيات التي ساقها لبيان أن الماء طاهر مطهر، لا ينجسه شيء مما يخالطه، إلا ما استثني على ما ذكرناه آنفا.
ومما يدل على أن العموم باق على عمومه: أنه صلى الله عليه وسلم أجاب به لما سُئل عن بئر بضاعة، كما يأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى. وبالله التوفيق وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث ابن عباس رضي الله عنها هذا صحيح. قال الحافظ: وأعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم. اهـ فتح جـ 1 ص 160.
المسألة الثانية: في بيان موضع ذكره عند المصنف: أخرجه هنا -2/ 325 - بهذا السند فقط.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (د ت ق).
فأخرجه (د) في الطهارة، عن مسدد، عن أبي الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه (ت) عن قتيبة، عن أبي الأحوص به، وقال: حسن صحيح.
وأخرجه (ق) فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الأحوص به. وعن علي بن محمَّد، عن وكيع، عن سفيان، نحوه
(1)
.
ورواه أحمد، وابن خزيمة، والبيهقي، وروى الدارمي، والدارقطني نحوه.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: جواز تطهير الرجل بفضل المرأة، وإن خلت به، وبالأولى إذا لم تخل به، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وجمهور أهل العلم، وقد تقدم تمام البحث فيه برقم 239.
(1)
تحفة الأشراف جـ 5 ص 137.
ومنها: كون الماء لا يتنجس بملاقاة نجس، وهو الذي أراده المصنف حيث أورده بيانا لمعنى الآيات.
ومنها: كمال حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان لا يترفع على أهله، بل يغتسل بفضلها. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".
1 - بَابُ ذكْرِ بئْرِ بُضَاعَةَ
أي هذا باب في ذكر الحديث الوارد في بئر بضاعة.
البئْر: أُنثَى، ويجوز تخفيفط الهمزة، وله جمعان للقلة: أبْاَر ساكن الباء على أفعال، ومن العرب من يقلب الهمزة التي هي عين الكلمة، ويقدمها على الباء، ويقول أأبَار فتجتمع همزتان، فتُقلَبُ الثانية ألفا. والثاني: أبْؤر مثل أفْلُس، قال الفراء: يجوز القلب، فيقال: آبُر، وجمع الكثرة بئار، مثل كتاب، وتصغيرها بؤيرة، وتضاف بئر إلى ما يخصصها، فمنه بئر معونة، ومنه بيرُحاء، على لفظ حرف الحاء: موضع بالمدينة مُستَقْبلَ المسجد، وهي التي وقفها أبو طلحة الأنصاري، ومنه بئر بضاعة، بالمدينة أيضا، قاله الفيومي
(1)
.
قال الجامع: أما بيرحاء ففيها أقوال لأهل اللغة في ضبطها ومعناها، سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
"وبضاعة" بكسر الباء الموحدة، وضمها، وهو المحفوظ في الحديث، وأكثر لغة: دارٌ لبني ساعدة بالمدينة، وهم بطن من الخزرج، وبئرها معلومة، قال في البدر المنير: بضاعة: اسم لصاحب البئر، وقيل: اسم لموضعها، وهي بئر بالمدينة بَصَقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبرَّكَ، وتوضأ في دلو، ورده فيها، وكان إذا مرض مريض يقول له: اغتسل بمائها، فيغتسل، فكأنما نشط من عقال، وهي في ديار بني ساعدة معروفة. اهـ
(2)
.
(1)
المصباح المنير جـ 1 ص 68.
(2)
المنهل جـ 1 ص 232.
326 -
أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ، وَالْحِيَضُ وَالنَّتَنُ؟ فَقَالَ:"الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى الحَمَّال البَزَّاز ثقة من [10] ت سنة 243، وقد ناهز 80، تقدم 62.
2 -
(أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي ثقة ثبت ربما دلس وكان بآخره يحدث من كتب غيره، من كبار [9] تقدم في 52.
3 -
(الوليد بن كثير) المخزومي أبو محمَّد المدني ثم الكوفي، صدوق عارف بالمغازي، رمي برأي الخوارج من [6] ت 151، تقدم في 44/ 52.
4 -
(محمَّد بن كعب) بن سليم بن أسد أبو حمزة، وقيل: أبو عبد الله المدني من حلفاء الأوس، القرظي نسبة إلى بني قريظة، كان أبوه من سبي بني قريظة، سكن الكوفة ثم المدينة -3 - .
روى عن العباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعمرو بن العاص، وأبي ذر، وأبي الدرداء، يقال: إن الجميع مرسل، وعن فضالة بن عبيد، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية، وكعب بن عجرة، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والبراء، وجابر، وأنس، وغيرهم.
روى عنه أخوه عثمان، والحكم بن عتيبة، ويزيد بن أبي زياد، وابن عجلان، وموسى بن عبيدة، وأبو معشر، وأبو جعفر الخطمي، ويزيد بن الهاد، والوليد بن كثير، وآخرون.
قال ابن سعد: كان ثقة عالما كثير الحديث ورعا، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة رجل صالح عالم بالقرآن، وقال البخاري: إن أباه كان ممن لم يُنبت يوم قريظة فترك، ثم ساق بإسناده عن محمَّد بن كعب قال: سمعت ابن مسعود فذكر حديثا، وقال: لا أدري أحفظه أم لا؟ وقال. أبو داود: سمع من علي، ومعاوية، وابن مسعود، قال: وسمعت قتيبة يقول: بلغني أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي: سمعت قتيبة يقول: بلغني أن محمَّد بن كعب وُلد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ رحمه الله: وهذا لا حقيقة له، وإنما الذي ولد في عهده صلى الله عليه وسلم هو أبوه، فقد ذكروا أنه كان من سبي بني قريظة ممن لم يحتلم، ولم يُنْبتْ فخَلَّوا سبيله، حكى ذلك البخاري في ترجمة محمَّد. اهـ.
وقال يعقوب بن شيبة: ولد في آخر خلافة علي سنة 40، ولم يسمع من العباس، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق أنه قال:"يخرج من أحد الكاهنَين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون بعده" قال ربيعة: فكنا نقول: هو محمَّد بن كعب، والكاهنان قريظة والنضير،
وقال عون بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن منه، وقال ابن حبان: كان من أفاضل أهل المدينة علما وفقها، وكان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف، فمات هو وجماعة معه تحت الهدم سنة 118، وقيل: سنة 108، وقيل: 117، وهو ابن 78 سنة، وقيل: 119، وقيل: سنة 120، وقيل غير ذلك أخرج له الجماعة
(1)
.
5 -
(عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع) الأنصاري وقيل: عبيد الله ابن عبد الله، وقيل: عبد الله، وقيل: إنهما اثنان مستور -4 - .
روى عن أبيه، وأبي سعيد، وجابر.
وعنه محمَّد بن كعب القرظي، وهشام بن عروة، وسَليط بن أيوب وعبد الله بن أبي سلمة. قال ابن حبان في الثقات: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، روى عن جابر، وعنه هشام بن عروة، ثم قال: عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خَديج كنيته أبو الفضل، مات سنة 111 روى عن أبيه، وعنه سليط بن أيوب. انتهى.
روى أبو داود، والترمذي، والنسائي من رواية القرظي عنه عن أبي سعيد حديث بئر بضاعة، وأخرجه أبو داود من رواية سليط بن أيوب عنه عن أبي سعيد، وسمى بعضهم أباه عبد الله. وروى النسائيُ من حديث هشام بن عروة عنه، عن جابر حديث:"من أحيى أرضا ميتة" وسمى أباه عبد الرحمن. قال الحافظ: قال ابن القطان الفاسي: في هذا الرجل خمسة أقوال: فذكر الثلاثة، وزاد ما ذكره البخاري عن يونس بن بكير: عبد الله بن عبد الرحمن، فهذا القول رابع، والخامس قاله محمَّد بن سلمة عن ابن إسحاق: عبد الرحمن بن رافع، ثم قال: وكيف ما كان فهو ممن لا يعرف له حال، وقال ابن منده: عبيد الله بن عبد الله بن رافع
(1)
تت جـ 9 ص 420 - 423.
مجهول، نعم صَحَّحَ حديثه أحمد بن حنبل وغيره، وقد نص البخاري على أن قول من قال: عبد الرحمن بن رافع وَهَم، والله أعلم.
أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي
(1)
.
6 -
(أبو سعيد الخدرى) سعد بن مالك بن سنان صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما تقدم في 169/ 262.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته.
ومنها: أن رواته كلهم ثقات، إلا عبيد الله بن عبد الرحمن فمجهول.
ومنها: أن محمَّد بن كعب وعبيد الله هذا البابُ أول محلّ ذكرهما.
ومنها: أن صحابيه أحد المكثرين السبعة روى 1170 حديثا.
شرح الحديث
(عن أبي سعيد الخدرى) رضي الله عنه (قال: قيل: يا رسول الله أتتوضأ) بتاءين خطابا له صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في الرواية التالية أن السائل هو أبو سعيد الخدري، وفي النسخة الهندية "أنتوضأ" بنون فتاء، على صيغة المتكلم مع غيره، قال السيوطي: قال النووي: إنه تصحيف، فَرَدَّه عليه العراقي. أي أيجوز لنا أن نتوضأ (من بئر بضاعة) بكسر الباء وضمها، وهو الأكثر تقدم أنها اسم لصاحب البئر، وقيل لموضعها، وتلك البئر معروفة (وهي بئر) جملة حالية من بئر بضاعة (يُطرح فيها لحوم الكلاب) أي جيفها (والحيَض) بكسر ففتح جمع حيْضَة -بكسر فسكون- كسدرة وسدر، وهي الخرقة التي تستعملها المرأة في وقت الحيض للاستثفار بها، وهو سد محل خروج الدم، أو لمسح الدم بها.
(1)
تت جـ 7 ص 27 - 28.
(والنَّتْن) بنون مفتوحة، فتاء مثناة ساكنة،، وتكسر، أو بفتحتين وهو الشيء الذي له رائحة كريهة، والمراد ها هنا الشيء النجس كالعذرة والجيفة، من قولهم: نَتَنَ يَنتَنُ من باب ضَرَبَ وتَعِبَ، فهو نَتِن، بفتح فكسر، ويقال: أنتن فهو مُنتن، ونَتُنَ نُتُونة ونَتَانَة من باب قَرُب، فهو نَتين كقَريب. والمراد أنهم كانوا يُلقون هذا الأشياء في الصحاري، وخلف بيوتهم، فيجري عليها السيل، ويُلقيها في تلك البئر، لكونها منخفضة.
قال الخطابي رحمه الله: قد يَتَوَهَّم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان منهم عادة، وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدا وتعمدا، وهذا مما لا يجوز أن يظن بذمي، بل بوثني فضلا عن مسلم، فلم يزل من عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيهُ المياه وصونها عن النجاسات، فكيف يُظَنُّ بأهل ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدين، وأفضل جماعة المسلمين، والماء ببلادهم أعز، والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعَهم بالماء وامتهانَهم له؟ وقد لعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منَ تَغَوَّط في موارد الماء ومشارعه، فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رَصَدًا للأنجاس ومُطَّرَحًا للأقذار! هذا مما لا يليق بحالهم، وإنما كان ذلك من أجل أن هذه البئر موضعها في حدور من الأرض،
وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية، وتحملها وتُلقيها فيها، وكان الماء لكثرته لا تؤثر فيه هذه الأشياء، ولا تُغَيِّره، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة، فكان من جوابه لهم "أن الماء لا ينجسه شيء" يريد الكثير منه الذي صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته وكثرة جمَامه
(1)
، لأن السؤال إنما وقع عنها
(1)
الجمام بالكسر جمع جَمّ. قال المجد: الجَمّ: الكثير من كل شيء، كالجميم، ومن الظهيرة، والماء: معظمه، كجمّته، جمعه جمام، وجُمُوم. اهـ "ق".
بعينها، فخرج الجواب عليها، وهذا لا يخالف حديث القلتين، إذ كان معلوما أن الماء في بئر بضاعة يبلغ القلتين، فأحد الحديثين يوافق الآخر، ولا يناقضه، والخاص يقضي على العام، ويُبَيِّنُه، ولا ينسخه
(1)
.
(فقال) صلى الله عليه وسلم (الماء) أل فيه للعهد الحضوري، والمعهود ماء بئر بضاعة، ويحتمل أن تكون للاستغراق، وهو الأقرب (طهور) بفتح الطاء المهملة: أي طاهر مطهر كما تفيده صيغة المبالغة.
(لا ينجسه شيء) قال السندي: أي ما دام لا يغيره، وأما إذا غيره، فكأنه أخرجه عن كونه ماء، فما بقي على الطهورية، لكونها صفة الماء، والمُغَيّر كأنه ليس بماء.
قال الجامع: يعني أن هذا العام مخصوص بما إذا لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة، لونه، أو ريحه، أو طعمه، فإنه إذا تغير أحدها تنجس بالإجماع، قلت: وكذلك مخصوص بما إذا لم يبلغ القلتين على المذهب
الراجح، لحديث القلتين، وقد تقدم تحقيق البحث في هذا في 44/ 52 فارجع إليه تزدد علمًا. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه صحيح، كما يأتي تحقيق الكلام فيه قريبًا.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكره عند المصنف:
أخرجه المصنف في هذا الباب -1/ 326 - بالسند المذكور، والسند الآتي 1/ 327.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (د) في الطهارة عن أبي كريب، والحسن بن علي الحُلْواني، ومحمد بن سليمان الأنباري، ثلاثتهم عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمَّد بن كعب، عن
(1)
معالم السنن جـ 1 ص 73.
عبيد الله بن عبد الله، عن أبي سعيد رضي الله عنه، وعن أحمد بن أبي شعيب، وعبد العزيز بن يحيى الحَرَّانيَّين كلاهما عن محمَّد بن سلمة، عن محمَّد بن إسحاق، عن سَليط بن أيوب، عن عبيد الله بن
عبد الرحمن، به.
وأخرجه (ت) فيه عن هَنَّاد بن السَّريّ، والحسن بن علي الحُلواني، وغير واحد، كلهم عن أبي أسامة به، وقال: حسن. ورواه أحمد، والدراقطني، والحاكم، والبيهقي.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: كون الماء طهورا، لا ينجسه شيء مما يخالطه ما لم يتغيرأحد أوصافه، للإجماع على نجاسته بذلك، وما لم يكن أقل من القلتين، لحديث القلتين.
ومنها: سؤال أهل العلم في الأشياء التي تلتبس على الإنسان، ليكون على بصيرة منها.
ومنها: نجاسة هذه الأشياء التي هي لحوم الكلاب والحيض والنَّتن، كالعَذرة والجيفَة.
المسألة الخامسة: في الكلام على هذا الحديث:
قال الحافظ رحمه الله في تلخيص الحبير في الكلام على هذا الحديث ما نصه: وقال -يعني الترمذي- حديث حسن، وقد جوّده أبو أسامة، وصححه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو محمَّد بن حزم،
ونقل ابن الجوزي: أن الدارقطني قال: إنه ليس بثابت، ولم نرَ ذلك في العلل له، ولا في السنن
(1)
، وقد ذكر في العلل الاختلاف فيه على ابن
(1)
سيأتي أن الدارقطني قال في حديث أبي أمامة: ولا يثبت هذا الحديث فلعل ابن الجوزي أراد ذلك، لا حديث أبي سعيد هذا. فتنبه.
إسحاق وغيره، وقال في آخر الكلام عليه: وأحسنها إسنادًا رواية الوليد بن كثير، عن محمَّد بن كعب، يعني عن عبيد الله بن عبد الرحمن ابن رافع، عن أبي سعيد، وأعله ابن القطان بجهالة راويه عن أبي سعيد واختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه، قال ابن القطان: وله طرق أحسن من هذه، قال قاسم بن أصبغ في مصنفه: حدثنا محمَّد بن وَضَّاح، ثنا عبد الصمد بن أبي سكينة الحلبي بحلب، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: قالوا: يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وفيها ما يُنَجِّي
(1)
الناس والمحائض والخبث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء لا ينجسه شيء".
وقال محمَّد بن عبد الملك بن أيمن في مستخرجه على سنن أبي داود: حدثنا محمَّد بن وضاح به، قال ابن وضَّاح: لقيت ابن أبي سكينة بحلب، فذكره، وقال قاسم بن أصبغ: هذا من أحسن شيء في بئر
بضاعة، وقال ابن حزم: عبد الصمد مشهور، قال قاسم: ويُروى عن سهل بن سعد في بئر بضاعة من طرق هذا خيرها.
وقال ابن منده في حديث أبي سعيد: هذا إسناد مشهور، قلت: ابن سكينة الذي زعم ابن حزم إنه مشهور، قال ابن عبد البر وغير واحد: إنه مجهول، ولم نجد عنه راويا إلا محمَّد بن وضاح.
وقال الحافظ أيضا: وفي الباب عن جابر بلفظ: "إن الماء لا ينجسه شيء" وفيه قصة رواها ابن ماجه، وفي إسناده أبو سفيان طريف بن شهاب، وهو ضعيف متروك، وقد اختلف فيه على شريك الراوي
عنه، وعن ابن عباس بلفظ:"الماء لا ينجسه شيء" رواه أحمد، وابن خزيمة وابن حبان، ورواه أصحاب السنن بلفظ:"إن الماء لا يُجْنبُ"
(1)
يقال: نَجَا الغائط نجوًا من باب قتل: خرج، ويسند الفعل إلى الإنسان أيضا، فيقال: نجا الرجل: إذا تغوط، ويتعدى بالتضعيف. اهـ المصباح جـ 2 ص 595.
وفيه قصة، وقال الحازمي: لا يعرف مُجَوَّدًا إلا من حديث سماك بن حرب، عن عكرمة، وسماك مختلف فيه، وقد احتج به مسلم.
وعن سهل بن سعد رواه الدارقطني، وعن عائشة بلفظ:"إن الماء لا ينجسه شيء" رواه الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى، والبزار، وأبو علي بن السكن في صحاحه من حديث شريك، ورواه أحمد من طريق أخرى صحيحة، لكنه موقوف، وفي المصنف، والدارقطني من طريق داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، قال:"أنزل الله الماء طهورا لا ينجسه شيء".
ورواه الدارقطني من حديث ثوبان بلفظ: "الماءُ طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه، أو طعمه" وفيه رشدين بن سَعْد، وهو متروك، وقال ابن يونس: كان رجلا صالحا، لا شك في فضله، أدركته غفلة الصالحين، فخلط في الحديث.
وعن أبي أمامة مثله، رواه ابن ماجه والطبراني، وفيه رشدين أيضًا، ورواه البيهقي بلفظ:"إن الماء طاهر، إلا أن تغير ريحه أو طعمه، أو لونه بنجاسة تَحْدُث فيه" أورده من طريق عَطيّة بن بَقيّة، عن أبيه، عن ثور، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة، وفيه تعقيب على من زعم أن رشدين بن سعد تفرد بوصله. ورواه الطحاوي، والدارقطني من طريق راشدبن سعد مرسلا بلفظ:"الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه، أو طعمه"، زاد الطحاوي:"أو لونه" وصحح أبو حاتم إرساله. قال الدارقطني في العلل: هذا الحديث يرويه رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة، وخالفه الأحوص بن حكيم، فرواه عن راشد بن سعد مرسلا، وقال أبو أسامة، عن أبي الأحوص، عن راشد.
قال الدارقطني: ولا يثبت هذا الحديث.
قال الجامع: الظاهر أنه يريد الاستثناء، فقط، والله أعلم.
وقال الشافعي: ما قلت: من أنه إذا تغير طعم الماء، وريحه، ولونه كان نجسا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يُثبتُ أهل الحديث مثله، وهو قول العامة لا أعلم بينهم اختلافا، وقال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه.
وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما، أو لونا، أو ريحا فهو نجس، انتهى كلام الحافظ رحمه الله ببعض تصرف
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن حديث أبي سعيد صحيح، كما صححه الأئمة أحمد، ويحيى بن معين، وابن حزم، وحسنه الترمذي وهو وإن كان بمفرده لا يصح، إلا أن شواهده تصححه، كما عرفت تفصيلها في كلام الحافظ رحمه الله. وقد استوفيت الكلام على مذاهب العلماء في الماء الذي وقعت فيه نجاسة، عند الكلام على حديث القلتين 44/ 52 بما أغنى عن إعادته هنا، فارجع إليه تزدد علمًا. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
(1)
التلخيص الحبير جـ 1 ص 13 - 15.
327 -
أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ -وَكَانَ مِنَ الْعَابِدِينَ- عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي نَوْفٍ، عَنْ سَلِيطٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، فَقُلْتُ: أَتَتَوَضَّأُ مِنْهَا، وَهِيَ يُطْرَحُ فِيهَا مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّتْنِ؟ فَقَالَ:"الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ".
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(العباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل العنبري، أبو الفضل البصري ثقة حافظ من كبار [11] ت سنة 240، تقدم في 96/ 119.
2 -
(عبد الملك بن عمرو) القَيْسي أبو عامر العَقَدي البصري ثقة -9 - روى عن أيمن بن نابل وعكرمة بن عمار، وقرة بن خالد، وإبراهيم ابن طهمان، وغيرهم.
وعنه أحمد وإسحاق، وعلي، ويحيى، والمُسنَدي، وأبو خيثمة، وعباس العنبري، وغيرهم.
قال سليمان بن داود القزاز: قلت لأحمد: أريد البصرة، عمن أكتب؟ قال: عن أبي عامر العقدي، ووهب بن جرير. وقال عثمان الدارمي، عن ابن معين: صدوق، وقال النسائي: ثقة مأمون، وقال ابن مهدي: كتبت حديث ابن أبي ذئب عن أوثق شيخ أبي عامر العقدي، رواه السراج عن محمَّد بن يونس، عن سليمان بن الفرج، عن ابن مهدي. قال السراج: والعَقَد قوم من قيس، وهم صنف من الأزد. وقال أبو زكرياء الأعرج النيسابوري: كان إسحاق إذا حدثنا عن أبي عامر قال: ثنا أبو عامر الثقة الأمين. قال ابن سعد: كان ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن شاهين في الثقات: قال عثمان الدارمي: أبو عامر ثقة عاقل، مات سنة 204، وقيل: سنة 205، أخرج له الجماعة
(1)
.
3 -
(عبد العزيز بن مسلمًا القَسْمليُّ
(2)
مولاهم أبو زيد المروزي، ثم البصري، ثقة عابد ربما وهم -7 - .
روى عن أبي إسحاق الهمداني، وعبد الله بن دينار، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن عجلان وغيرهم.
وعنه ابن مهدي، وأبو عامر العقدي، وعبد الصمد بن عبد الوارث وإسحاق بن عمر بن سليط، وآخرون.
قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ثقة، وقال أبو عامر العقدي: ثنا عبد العزيز وكان من العابدين. وقال يحيى بن إسحاق: ثنا عبد العزيز وكان من الأبدال. وقال النسائي: ليس به بأس
(1)
تت جـ 6 ص 409 - 410.
(2)
القسملي بفتح القاف وسكون السين وفتح الميم آخره لام، نسبة إلى القَساملة بفتح القاف: قبيلة من الأزد نزلت البصرة، فنسبت المحلة إليهم أيضا أفاده في اللباب جـ 3 ص 37.
وقال ابن نمير والعجلي: ثقة، وقال يحيى بن حسان كان من أفاضل الناس، وقال ابن خراش: صدوق، وقال ابن حبان في الثقات: أصله من مرو، وقال أيضا في كتاب الصحابة: ربما وهم فأفحش، مات سنة 167 في ذي الحجة. أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي
(1)
.
4 -
(مُطَرِّف
(2)
بن طَريف) الحارثي، ويقال: الجارفي أبو بكر، ويقال: أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة فاضل من صغار -6 - .
روى عن الشعبي، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وحبيب بن أبي ثابت، وغيرهم.
وعنه أبو عوانة، وهشيم، وأبو جعفر الرازي، وآخرون.
وثقه أحمد، وأبو حاتم، وقال الآجري، عن أبي داود: قلت لأحمد: أصحاب الشعبي مَنْ أحبهم إليك؟ قال: ليس عندي فيهم مثل إسماعيل بن أبي خالد، قلت: ثم من؟ قال: مطرّف، وقال في موضع آخر: الشيباني ومطرف
(3)
وحصين، هؤلاء ثقات، وقال مرة عن أبي داود: بيان فوق مطرف، ومطرف ثقة، وابن أبي السفر دونه. وعن الشافعي قال: ما كان ابن عيينة بأحد أشد إعجابا منه بمطرف. وقال ابن المديني: حدثنا سفيان: حدثنا مطرف، وكان ثقة. وعن محمَّد بن عمرو الباهلي عن ابن عيينة، قال مطرف: ما يسرني أني كذبت كذبة، وأن لي الدنيا وما فيها. وقال داود بن علية: ما أعرف عربيا ولا أعجميا أفضل من مطرف بن طريف. وقال العجلي: صالح
(1)
تت جـ 6 ص 356 - 357.
(2)
بصيغة اسم الفاعل المضعف، وطريف بفتح أوله وكسر ثانيه. الجامع.
(3)
في نسخة تت: ومطر، بدون فاء ولعلها تصحيف. الجامع.
الكتاب ثقة ثبت في الحديث ما يُذكر منه إلا الخير في المذهب. وقال ابن شاهين في الثقات: قال عثمان بن أبي شيبة: هو ثقة صدوق، وليس بثبت، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت. أخرج له الجماعة
(1)
.
5 -
(خالد بن أبي نوف) بفتح النون السجستاني، وقيل خالد الشيباني الذي يروي عن ابن عباس مرسلا، قاله أبو حاتم. مقبول -6 - .
روى عن سليط بن أيوب، وقيل: بينهما محمَّد بن إسحاق، وعن عطاء بن أبي رباح، والنعمان صاحب ابن عمر، والضحاك بن مزاحم.
وعنه مطرف بن طريف، ويونس بن أبي إسحاق. قال أبو حاتم: يروي ثلاثة أحاديث مراسيل، وذكره ابن حبان في الثقات، وجعل البخاري هذا وخالد بن كثير واحدا، وعُدَّ من أوهامه، أخرج له النسائي
(2)
.
6 -
(سليط) بن أيوب بن الحكم الأنصاري المدني. مقبول -6 - .
روى عن أمه، وعبد الرحمن بن أبي سعيد، وعبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، والقاسم بن محمَّد.
وعنه خالد بن أبي نوف الشيباني، وابن إسحاق.
ذكره ابن حبان في الثقات، أخرج له أبو داود، والنسائي في قصة بئر بضاعة
(3)
.
7 -
(ابن أبي سعيد الخدري) عبد الرحمن، أبو حفص، ويقال: أبو محمَّد، ويقال: أبو جعفر. ثقة -3 - .
روى عن أبيه، وعمارة بن حارثة الضمري، وأبي حميد الساعدي.
(1)
تت جـ 10 ص 172 - 173.
(2)
تت جـ 3 ص 123 - 124.
(3)
تت جـ 4 ص 163.
وعنه ابناه ربيح، وسعيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو من أقرانه، وسهيل بن أبي صالح، وصفوان بن سليم، وشريك بن أبي نمر، وزيد بن أسلم، وعمرو بن سليم الزرقي، وسعيد المقبري، وعمارة بن غَزيَّةَ، وعمران بن أبي أنس، وسليط بن أيوب، وغيرهم.
قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات سنة 112، وهو ابن 77، وفيها أرخه ابن نُمَير، وعمرو بن علي. وقال ابن سعد مثل ما قال ابن حبان، وزاد: كان كثير الحديث، وليس هو بثبت، ويستضعفون روايته، ولا يحتجون به. وقال العجلي: تابعي ثقة. أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة
(1)
.
8 -
(أبوسعيد الخدري) سعد بن مالك الصحابي المذكور في السند الماضي رضي الله عنه
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من ثمانياته، وأن رواته كلهم ثقات غير خالد بن أبي نوف فمقبول، وكذا سليط، وأنهم ما بين بصريين، وهم الثلاثة الأولون، وكوفي وهو طريف، وسجستاني وهو خالد، ومدنيين وهم الباقون.
ومنها: أن فيه رواية الراوي عن أبيه.
ومنها: أن صحابيه أحد المكثرين السبعة، كما تقدم في الحديث السابق.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم شرح الحديث والمسائل المتعلقة به، فلا حاجة إلى الإعادة، فراجع الحديث السابق، 326.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
تت جـ 6 ص 183 - 184.
2 - بَابُ التَّوْقِيتِ فِي المَاءِ
328 -
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ؟ فَقَالَ:"إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ".
قال الجامع: هذا الحديث قد تقدم في 44/ 52 من كتاب الطهارة متنا وإسنادًا إلا عبيد الله، وهو:
(عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي المدني أبو بكر، كان شقيق سالم. ثقة -3 - .
روى عن أبيه، وأبي هريرة، والصُّمَيْتَةَ الليثية، وكان لها صحبة.
وعنه ابنه القاسم، وابن ابنه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله، وعيسى ابن حفص بن عاصم بن عمر، وغيرهم.
قال الواقدي: كان أسنَّ من عبد الله بن عبد الله فيما يذكرون، وكان ثقة قليل الحديث، وقال أبو زرعة، والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات في ولاية عبد الواحد النَّصْري، وكان عَزْلُ النَّصْري سنة 106، وقال العجلي: تابعي ثقة. أخرج له الجماعة
(1)
.
(1)
"تت" جـ 7 ص 25 "تد" جـ 19 ص 77 - 79.
وقد تقدم الكلام على هذا السند، وما وقع فيه من الاضطراب، وإعلال بعض العلماء له به، والجواب عن ذلك، وما في حكمه من اختلاف العلماء في 44/ 52 بما فيه الكفاية، فارجع إليه تزدد علمًا. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
329 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُزْرِمُوهُ". فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ، مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ.
قال الجامع: هذا الحديث مضى في 45/ 53، وتقدم البحث عنه سندًا ومتنًا. ومعنى:"لا تزرموه": لا تقطعوا عليه بوله.
330 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَمْرٍو بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ".
قال الجامع: هذا الحديث مضى برقم 45/ 56، وتقدم الكلام عليه هناك.
تنبيه: وقد وقع غلط في هذا السند، والصواب كما تقدم في 45/ 56: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، عن عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي، عن محمَّد بن الوليد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة ..
فـ (ـعبد الرحمن بن إبراهيم) هو القرشي مولاهم الدمشقي المعروف بدُحيم ابن اليتيم، ثقة حافظ متقن -10 - ت سنة 245 - تقدم 45/ 65.
2 -
(محمَّد بن عبد الواحد) صوابه عمر بن عبد الواحد القيسي الدمشقي، ثقة -9 - ت 200 - تقدم 45/ 56.
3 -
(الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الدمشقي، ثقة فقيه جليل -7 - تقدم 45/ 56.
4 -
(عمرو بن الوليد) صوابه محمَّد بن الوليد، وهو أبو الهُذيل الحمصي قاضي حمص، من مشاهير أصحاب الزهري ثقة تحت -7 - ت 146 - تقدم 45/ 56.
5 -
(الزهري) محمَّد بن مسلم المدني ثقة ثبت حجة -4 - تقدم 1/ 1.
6 -
(عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني ثقة فقيه -3 - تقدم 45/ 56.
7 -
(أبو هريرة) الصحابي الجليل رضي الله عنه تقدم 1/ 1.
ولا أدري الخطأ ممن هو؟ وقد أورده في الكبرى برقم 38/ 54 - على الصواب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".
3 - بَابُ النَّهْي عَنْ اغْتِسَالِ الجُنُبِ فِي المَاءِ الدَّائِمِ
331 -
أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو -وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ- عَنْ بُكَيْرٍ، أَنَّ أَبَا السَّائِبِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(الحارث بن مسكين) بن محمَّد أبو عمر المصري قاضيها ثقة فقيه -10 - تقدم 9/ 9.
2 -
(ابن وهب) عبد الله بن وهب بن مسلم أبو محمَّد المصري ثقة حافظ -9 - تقدم 9/ 9.
3 -
(عمرو بن الحارث) بن يعقوب أبو يعقوب الأنصاري مولاهم مصري ثقة فقيه -7 - تقدم 63/ 79.
4 -
(بكير) بن عبد الله بن الأشج مولى بني مخزوم أبو عبد الله، أو أبو يوسف المدني نزيل مصر، ثقة من [5] تقدم 135/ 211.
5 -
(أبو السائب) المدني الأنصاري مولى ابن أزهر، يقال: اسمه عبد الله بن السائب، ثقة من [3] 139/ 220.
6 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه. تقدم 1/ 1.
قال الجامع: تقدم الكلام على هذا الحديث سندا ومتنا في 139/ 220 فليراجع، وهو حديث متفق عليه.
4 - الوُضُوءُ بِمَاءِ البَحْرِ
332 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي سَلَمَةَ، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(قتيبة بن سعيد) البغلاني ثقة ثبت -10 - تقدم 1/ 1.
2 -
(مالك) بن أنس الإمام المشهور الحجة الثبت -7 - تقدم 7/ 7.
3 -
(صفوان بن سليم) المدني أبو عبد الله الزهري مولاهم ثقة مُفْت عابد رمي بالقدر من [4] ت 132، وله 72 سنة. تقدم 47/ 59.
4 -
(سعيد بن أبي سلمة) هكذا النسخ هنا، والصواب سعيد بن سَلَمة بحذف أبي كما في كتب الرجال، وقد تقدم على الصواب في 47/ 59. وهو سعيد بن سلمة المخزومي من آل ابن الأزرق وثقه النسائي من [6] تقدم بالرقم المذكور.
5 -
(المغيرة بن أبي بردة) ويقال ابن عبد الله بن أبي بردة ثقة من [3]
تقدم بالرقم المذكور.
6 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه. تقدم 1/ 1.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم الكلام على هذا الحديث سندًا ومتنًا في 47/ 59.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".
5 - بَابُ الوُضُوءِ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالبَرَدِ
333 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ".
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعروف بابن راهويه الحافظ الحجة الثبت -10 - تقدم 2/ 2.
2 -
(جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري، ثقة ثبت -10 - تقدم 2/ 2.
3 -
(هشام بن عروة) أبو المنذر المدني ثقة فقيه -5 - تقدم 49/ 61.
4 -
(عروة) بن الزبير بن العوام، المدني ثقة حجة فقيه -3 - تقدم 40/ 44.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. تقدم 5/ 5.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم الكلام على هذا الحديث سندا ومتنا وما يتعلق بهما في 49/ 61، فلا حاجة إلى إعادته هنا. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
334 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ".
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(علي بن حجر) السعدي المروزي ثقة حافظ من صغار [9] تقدم في 13/ 13.
2 -
(جرير) بن عبد الحميد الضبي، تقدم في السند السابق.
3 -
(عمارة بن القعقاع) الضبي الكوفي ثقة [6]. تقدم 48/ 60.
4 -
(أبو زرعة بن عمرو بن جرير) البجلي الكوفي، قيل: اسمه هرم، وقيل: غيره، ثقة [3]. تقدم 43/ 50.
5 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه تقدم في 1/ 1.
قال الجامع: قد تقدم هذا الحديث للمصنف برقم 48/ 60 مطولا، وسبق شرحه، وبيان المسائل المتعلقة به هناك، فارجع إليه تزدد علما، وبالله التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
6 - بَابُ سُؤرِ الكَلْبِ
335 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(علي بن حجر) السعدي، تقدم في السند السابق.
2 -
(علي بن مسهر) القرشي الكوفي قاضي الموصل ثقة له غرائب بعد ما أضَرَّ من [8]. تقدم 52/ 66.
3 -
(الأعمش) بن سليمان بن مهران أبو محمَّد الكاهلي مولاهم كوفي ثقة من [5]. تقدم 17/ 18.
4 -
(أبو رَزين) مسعود بن مالك الأسدي الكوفي ثقة فاضل من [2] تقدم 52/ 66.
5 -
(أبو صالح) السمان الزيات ذَكْوان المدني ثقة ثبت من [3]. تقدم 36/ 40.
6 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه. تقدم 1/ 1.
قال الجامع: تقدم الكلام على هذا الحديث مستوفى في 52/ 66 فارجع إليه.
7 - بَابُ تَعْفِيرِ الإنَاءِ بِالتُّرَابِ مِنْ وُلُوغِ الكَلْبِ فِيهِ
336 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ -يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ- عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْغَنَمِ، وَقَالَ:"إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني البصري من [10]. تقدم 5/ 5.
2 -
(خالد بن الحارث) الهُجيمي البصري ثقة ثبت من [8]. تقدم 47/ 42.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة حجة من [7].
4 -
(أبو التياح) يزيد بن حُمَيد الضبعي بصري ثقة ثبت من [5]. تقدم 53/ 67.
5 -
(مطرف) بن عبد الله بن الشِّخِّير، أبو عبد الله البصري ثقة عابد فاضل من [2]. تقدم 53/ 67.
6 -
(عبد الله بن مُغَفَّل) بن عَبد نهْم أبو عبد الرحمن المزني صحابي بايع تحت الشجرة، ونزل البصرة مات سنة 57، وقيل بعد ذلك. تقدم 32/ 36.
قال الجامع: معنى قوله: "ولَغَ الكلب" أي شَرِب، وهو من باب نَفَعَ، ووَعَد، ووَرِث.
ومعنى: "عَفِّرُوه الثامنة" أي ادلُكُوه في المرة الثامنة بالعَفَر -بفتحتين- وهو التراب، والتضعيف للمبالغة.
وتقدم شرح الحديث وما يتعلق به مستوفى في 53/ 67 بما فيه الكفاية، فارجع إليه تزدد علمًا. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
337 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ، قَالَ: مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟ قَالَ: وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَكَلْبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ:"إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوا الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ". خَالَفَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: "إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(عمرو بن يزيد) أبو بُرَيد -بموحدة وراء مصغرا - الجرمي، صدوق من [11] من أفراد المصنف، وتقدم في 100/ 130.
2 -
(بهز بن أسد) العَمِّيّ أبو الأسود البصري ثقة ثبت من [9] تقدم في 24/ 28. وأما شعبة ومن بعده، فتقدموا في الحديث الذي قبله.
قال الجامع: قوله: (خالفه أبو هريرة) أي خالف عبد الله بن مغفل في قوله: "وعفروه الثامنة بالتراب" أبو هريرة (فقال: إحداهن بالتراب) يعني أن إحدى السبع تكون مع التراب، ويأتي في الحديثين التاليين أولاهن بالتراب، فعلى روايته أنه لا يجب التثمين، ولكن تقدم أن رواية ابن مغفل فيها زيادة، وأنها زيادة ثقة يجب قبولها، فيجب التثمين، وقد مر تحقيق الخلاف في المسألة مع ذكر أقوال أهل العلم في
ذلك بما يكفي ويشفي في 53/ 67، فارجع إليه تزدد علمًا، وبالله التوفيق وعليه التوكل.
338 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ".
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه ثقة ثبت حجة -10 - تقدم 2/ 2.
2 -
(معاذ بن هشام) الدستوائي البصري وقد سكن اليمن صدوق ربما وهم من [9]. تقدم 30/ 34.
3 -
(أبوه) هشام بن أبي عبد الله سَنْبَر -كجعفر- الدستوائي أبو بكر البصري ثقة ثبت رمي بالقدر من كبار [7]. تقدم 30/ 30.
4 -
(قتادة) بن دعامة أبو الخطاب البصري ثقة ثبت رأس الطبقة [4] تقدم 30/ 34.
5 -
(خِلَاس) -بكسر الخاء المعجمة- بن عمرو الهَجَري -بفتحتين- بصري ثقة وكان يرسل من [2]. تقدم 46/ 57.
6 -
(أبو رافع) نفيع الصائغ المدني نزيل البصرة ثقة ثبت من [2]. تقدم 129/ 191.
7 -
(أبو هريرة) الصحابي الجليل رضي الله عنه. تقدم 1/ 1.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم شرح الحديث في 51/ 64 فارجع إليه.
"وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
339 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المتقدم في السند السابق.
2 -
(عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمَّد الكوفي، يقال: اسمه عبد الرحمن بن سليمان بن حاجب بن زرارة بن عبد الرحمن بن صُرَد بن سمير بن مليل بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب. أدرك صُرَد الإسلام، وأسلم. ثقة ثبت من صغار [8]. قال أحمد: ثقة ثقة وزيادة مع صلاح في بدنه، وكان شديد الفقر. ووثقه ابن معين، وقال العجلي: ثقة رجل صالح صاحب قرآن، يقرئ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم الحديث جدا. وقال عثمان بن أبي شيبة: ثقة مسلم صدوق. ووثقه الدارقطني. وقال ابن سعد: كان ثقة، مات في رجب سنة -188 - وكذا قال أحمد. وكذا أرخه ابن نمير، لكنه قال: في جمادى الثانية. وقال ابن حبان: مات سنة -70 - وسئل أبو زرعة، وأبو حاتم عن عبدة، ويونس بن بكير، وسلمة بن الفضل، أيهم أحب إليكم في ابن إسحاق؟ فقالا: عبدة بن سليمان. أخرج له الجماعة.
3 -
(ابن أبي عَرُوبة) سعيد بن أبي عروبة مهْران اليَشْكُري مولاهم أبو النضر البصري ثقة حافظ كثير التدليس، واختلط من [6]. تقدم 34/ 38.
4 -
(قتادة) بن دعامة بن قتادة المتقدم في الحديث السابق.
5 -
(ابن سيرين) محمَّد أبو بكر الأنصاري البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر من [3]. تقدم 46/ 57.
6 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه، تقدم 1/ 1.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم الكلام على هذا الحديث في 51/ 64 فارجع إليه تزدد علمًا.
8 - بَابُ سُؤرِ الهِرَّةِ
340 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البغلاني، قيل: اسمه: يحيى، وقيل: علي، ثقة ثبت من [10]. تقدم 1/ 1.
2 -
(مالك) بن أنس أبو عبد الله إمام دار الهجرة الحجة، الحافظ الفقيه -7 - تقدم 7/ 7.
3 -
(إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري أبو يحيى المدني
ثقة ثبت من [4]. تقدم 54/ 68.
4 -
(حُميدَة بنت عُبَيد بن رفاعة) الأنصارية المدنية زوج إسحاق بن عبد الله المذكور، أم ولده يحيى مقبولة من [5]. تقدمت 54/ 68.
5 -
(كبشة بنت كعب بن مالك) الأنصارية زوج عبد الله بن أبي قتادة، قال ابن حبان: لها صحبة. تقدمت 54/ 68.
6 -
(أبو قتادة) الأنصاري الحارث بن ربْعي وقيل غيره، صحابي جليل فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة 54 على الصحيح. تقدم 23/ 24.
قال الجامع عفا الله عنه: معنى "سَكبْتُ" صَبَبْتُ. ومعنى "أصغَى" أمال الإناء لها. ومعنى قوله "إنها من الطوافين عليكم والطوافات" الطواف مَن يُكثرُ الدَّوَرَان على الشيء، ويطلق على الخادم الذي يَخْدُم
برفق وعناية، جعلها من جملة الخَدَم لأنها تخدُم بقتل المؤذيات، وأعطاها حكمهم وهو الطهارة.
وقد تقدم الكلام على الحديث، وعلى ما يتعلق به مُسْتوفىً في 54/ 68، فارجع إليه تزدد علما.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
9 - بَابُ سُؤر الحَائِضِ
341 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ، فَيَضَعُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاهُ حَيْثُ وَضَعْتُهُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَكُنْتُ أَشْرَبُ مِنَ الإِنَاءِ، فَيَضَعُ فَاهُ حَيْثُ وَضَعْتُ وَأَنَا حَائِضٌ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(عمرو بن علي) أبو حفص الفَلاس الصَّيرَفيّ البصري ثقة حافظ من [10]. تقدم 4/ 4.
2 -
(عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان، أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ من [9]. تقدم 42/ 49.
3 -
(سفيان) بن سعيد الثوري الإمام الحجة من كبار [7]. تقدم 33/ 37.
4 -
(المقدام بن شريح) بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي ثقة، من [6]، تقدم 8/ 8.
5 -
(أبوه) شريح بن هانئ الحارثي الكوفي مخضرم قتل مع أبي بكرة بسجستان. تقدم 8/ 8.
6 -
(عائشة أم المومنين) رضي الله عنها. تقدمت 5/ 5.
قال الجامع عفا الله عنه: قولها: "أتَعَرَّق العَرْقَ" أي آخذ اللحم، يقال: عَرَقْت اللحمَ، وأعرقته، وتَعَرَّقْتُهُ: إذا أخذتَ عنه اللحم بأسنانك.
والعرق: -بفتح فسكون-: العَظمُ إذا أُخذ عنه معظم اللحم، جمعه عُرَاق، وهو جمع نادر، وإنما فَعَلَ صلى الله عليه وسلم ذلك معها، لبيان الحكم، أو للتأنيس وإظهار المودة، وقد تقدم الكلام على الحديث سندا ومتنا، وما فيه من الأحكام واختلاف العلماء فيه بما أغنى عن إعادته، فارجع إلى 56/ 70 تزدد علمًا.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
10 - بَابُ الرُّخْصَة فِي فَضْل المَرْأةِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على الرخصة، أي التسهيل في استعمال ما فضل بعد استعمال المرأة له.
وكان الأولى للمصنف أن يقدم الباب التالي، لأن الرخصة لا تتحقق إلا بعد النهي عن الشيء، فيكون النهي مقدمًا عليها.
342 -
أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعًا.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(هارون بن عبد الله) بن مروان أبو موسى الحَمَّال البغدادي البَزّار ثقة مني [10]. تقدم 50/ 62.
2 -
(مَعْن) بن عيسى القَزَّاز أبو يحيى المدني ثقة ثبت، قال أبو حاتم: أثبت أصحاب مالك، من كبار [10]. تقدم 50/ 62.
3 -
(مالك) الإمام المذكور قبل باب.
4 -
(نافع) مولى ابن عمر أبو عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه من [3]. 12/ 12.
5 -
(ابن عمر) عبد الله رضي الله عنه. تقدم 12/ 12.
قال الجامع: تقدم الكلام على هذا الحديث وما يتعلق به مستوفى في 57/ 71، فارجع إليه تزدد علمًا.
11 - بَابُ النَّهْي عَنْ فَضْلِ وَضُوءِ المَرْأةِ
- بفتح الواو اسم لما يتوضأ به.
343 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَاجِبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ -وَاسْمُهُ سَوَادَةُ بْنُ عَاصِمٍ- عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(عمرو بن علي) الفَلاس الصيرفي البصري ثقة حافظ -10 - تقدم 4/ 4.
2 -
(أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري الحافظ، فارسي الأصل، قال ابن معين: هو مولى لآل الزبير، وأمه فارسية. ثقة حافظ، غلط في أحاديث من -9 - .
روى عن أيمن بن نابل، وأبان بن يزيد العطار، وإبراهيم بن سعد، وجرير، وشعبة، والثوري، وغيرهم.
وعنه أحمد، وابن المديني، وبندار، والفلاس، وغيرهم.
قال الفلاس: ما رأيت في المحدثين أحفظ من أبي داود، سمعته يقول: أسرد ثلاثين ألف حديث ولا فَخْر، وقال جعفر الفريابي: عن عمرو بن علي: أبو داود ثقة، وقال ابن المديني: ما رأيت أحفظ منه، وقال عمر بن شبة: كتبوا عن أبي داود بأصبهان أربعين ألف حديث، وليس معه كتاب، وقال بندار: ما يكتب على أحد من المحدثين ما يكتب عليه لما كان من حفظه ومعرفته، وحسن مذاكرته. وعن ابن مهدي: أبو داود أصدق الناس، وعن النعمان بن عبد السلام قال: ثقة مأمون، وقال أبو مسعود الرازي: ما رأيت أحدا أكثر في شعبة منه. وسألت أحمد عنه؟ فقال: ثقة ثقة صدوق، فقلت: إنه يخطئ، فقال: يُحتَمل له. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: أبو داود أحب إليك في شعبة أو حرمي؟ فقال: أبو داود صدوق، أبو داود أحب إليّ، قلت: فأبو داود أحب إليك أو عبد الرحمن بن مهدي؟ قال: أبو داود أعلم به. قال عثمان: عبد الرحمن أحب إلينا في كل شيء، وأبو داود أكثر رواية عن شعبة. وعن وكيع: أبو داود جبل العلم. وقال العجلي: بصري ثقة، وكان كثير الحفظ، رَحَلتُ إليه فأصبته مات قبل قدومي بيوم، وكان قد شَرب البَلاذُرَ هو وعبد الرحمن بن مهدي، فَجَذِمَ هو، وبَرِصَ عبدُ الرحمن، فحفظ أبو داود أربعين ألف حديث، وحفظ عبد الرحمن عشرة آلاف حديث. وقال إبراهيم الجوهري: أخطأ أبو داود في ألف حديث، وقال النسائي: ثقة من أصدق الناس لهجة، وقال ابن عدي: ثنا أبو يعلى الموصلي: سمعت محمَّد بن المنهال الضرير يقول: قلت لأبي داود صاحب الطيالسة يوما: سمعتَ من ابن عون شيئا؟ قال: لا، فتركته سنة، وكنت أتَّهمُهُ بشيء قبل ذلك حتى نسي ما قال، فلما كان سنة، قلت له: يا أبا داود سمعت من ابن عون شيئا؟ قال: نعم، قلت: كم: قال: عشرون حديثا ونيف، قلت:
عُدَّهَا عليّ، فعَدَّها كلها، فإذا هي أحاديث يزيد بن زريع ما خلا واحدا له أعرفه. قال ابن عدي: وأبو داود الطيالسي كان في أيامه أحفظ مَنْ في البصرة مقدما على أقرانه لحفظه ومعرفته، وما أدري لأي معنى قاله فيه ابن المنهال ما قال: وهو كما قال عمرو بن علي: ثقة، وإذا جاوزت في أصحاب شعبة معاذَ بن معاذ، وخالدَ بن الحارث، ويحيى القطانَ، وغندار فأبو داود خامسهم، وله أحاديث يرفعها، وليس بعجب من يُحَدِّث الناس بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتي ذلك من حفظه، وما أبو داود عندي وعند غيري إلا متيقظا ثبتا، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، وربما غَلِطَ.
حكى أبو نعيم عن عامر بن إبراهيم الأصفهاني قال: سمعت أبا داود قال: كتبت عن ألف شيخ، وقال سليمان بن حرب: كان شعبة إذا قام أملى عليهم أبو داود ما مر لشعبة، وقال أحمد بن سعيد الدارمي: سألت أحمد بن حنبل عمن كَتَبَ حديثَ شعبة؟ قال: كنا نقول وأبو داود حي: يُكتَبُ عن أبي داود، ثم عن وهب، أما أبو داود فللسماع، وأما وهب فللإتقان. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن أبي حاتم: قيل: إن أبا داود كان محله أن يذاكر شعبة، قال عبد الرحمن: وسمعت أبي يقول: أبو داود محدث صدوق كان كثير الخطأ، وهو أحفظ من أبي أحمد
(1)
. وقال وكيع: ما بقي أحد أحفظ لحديث طويل من أبي داود. وذكر يونس بن حبيب الزبيري أن أبا داود ذاكرهم بحضرة شعبة، فقال له شعبة: يا أبا داود لا نجيء بأحسن مما جئت به، وذكر البخاري لأبي داود حديثا وصله، وقال: إرساله أثبت. وقال الخطيب:
(1)
يعني الزبيري محمَّد بن عبد الله بن الزبير.
كان حافظا مكثرا ثقة ثبتا، وحكى الدارقطني في الجرح والتعديل عن ابن معين، قال: كنا عند أبي داود، فقال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، قال:"نَهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النَّوْح" قال: فقيل: يا أبا داود هذا حديث شبابة، قال: فدعه، قال الدارقطني: لم يحدث به إلا شَبَابةُ، قال: وهذه قصة مهولة عظيمة في أبي داود.
قال الحافظ: أخطأ أبو داود في هذا الحديث أو نسي، أو دلس، فكان ماذا؟
وقال محمَّد بن منهال: ثنا يزيد بن زريع، ثنا شعبة بحديثين، قال محمَّد: قال يزيد: حدثت بهما أبا داود، فكتبهما عني، ثم حدث بهما عن شعبة. قال الذهبي: دلسهما عنه فكان ماذا؟. قال الحافظ: ويجوز أن يكون كان نسيهما، فلما حدثه يزيد بهما ذَكَرَهُما. قال الفَلاس: لا أعلم أحدا تابعه على رفع حديث: "آية المنافق" وهو ثقة.
وعن يونس بن حبيب قال: قدم علينا أبو داود، وأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث، أخطأ في سبعين موضعا، فلما رجع إلى البصرة كتب إلينا بأني أخطأت في سبعين موضعا فأصلحوها. وذكر المزِّي أن البخاري استشهد به، وهو كما قال، ولكن وقع في الجامع في تفسير سورة المدثر: حدثنا محمَّد بن بشار، ثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره، قالا: ثنا حرب بن شداد، فذكر حديثا، والمكني عنه في هذا الحديث هو أبو داود الطيالسي هذا، بينه أبو عروبة الحراني عن بُندار. وروى له مسلم والأربعة. توفي بالبصرة سنة 203، وهو يومئذ ابن 72 سنة لم يستكملها، وقيل: سنة 204، وذلك في ربيع الأول
(1)
.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الإمام العلم الحجة -7 - تقدم في 24/ 26.
(1)
تت جـ 4 ص 182 - 186.
4 -
(عاصم الأحول) بن سليمان أبو عبد الرحمن بصري ثقة من [4] تقدم في 148/ 239.
5 -
(أبو حاجب سَوَادَه بن عاصم) العَنَزي البصري، صدوق -3 - روى عن الحكم بن الأقرع، وعبد الله بن الصامت، وعائذ بن عمرو المُزَني، وقيس الغفاري.
وعنه سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وسعيد الجُرَيري، وعمران بن حُدير.
قال ابن أبي خيثمة: سألت ابن معين عن أبي حاجب؟ فقال: اسمه سوادة، وهو بصري ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ.
قال الحافظ: ذكر أبو إسحاق الحَبَّال، وأبو القاسم الطبري، أن مسلما أخرج لأبي الحاجب هذا، فَلْيُنظَر. أخرج له الأربعة
(1)
.
6 -
(الحكم بن عمرو) بن مُجَدعَّ -بضم الميم، وفتح الجيم، وتشديد الدال، وبعين مهملة- الغفاري أخو رافع، ويقال: الحكم بن الأقرع، قال ابن سعد: صحب النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم تَحَوَّل إلى البصرة، فنزلها.
روى عنه أبو الشعثاء، والحسن البصري، وابن سيرين، وأبو حاجب، وعبد الله بن الصامت، وأبو تميمة الهُجَيْمي.
والصحيح أن بينهما دلجة بن قيس، وَلاهُ زياد خُرَاسان، فسكن مرو، ومات بها، وقال أوس بن عبد الله بن بريدة: عن أخيه سهل، عن أبيه: أن معاوية وجهه عاملا على خراسان، ثم عَتَبَ عليه في
(1)
تت جـ 4 ص 276.
شيء، فأرسل عاملا غيره، فحَبَسَ الحكم، وقيَّده فمات في قيوده.
قيل: مات سنة 45، وقيل: 50، وقيل: 51، وذكر الحاكم أنه لما ورد عليه كتاب زياد دعا على نفسه بالموت فمات
(1)
.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات.
ومنها: أنه سند مسلسل بالبصريين.
ومنها: أن شيخه هو أحد مشايخ الأئمة الستة أصحاب الأصول الستة، وهم تسعة ذكرناهم غير مرة.
ومنها: أن أبا داود، وأبا حاجب، والحكمَ بن عمرو هذا أولُ محلِّ ذكروا فيه من هذا الكتاب.
قال الجامع عفا الله عنه: حديث الحكم بن عمرو هذا صحيح، أخرجه المصنف هنا -11/ 343 - فقط، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وتقدم شرحه في شرح الحديث 147/ 238، وذكرُ مذاهب العلماء، وأدلتها، وترجيح الراجح منها، في 148/ 239، فارجع إليه تزدد علمًا.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
تت جـ 2 ص 437.
12 - بَابُ الرُّخْصَهِ فِي فَضلِ الجُنُبِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على التسهيل في استعمال ما تَبَقَّى بعد استعمال الجنب.
344 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الإِنَاءِ الْوَاحِدِ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(قتيبة) بن سعيد البَغْلاني، أبو رجاء ثقة ثبت -10 - تقدم في 1/ 1.
2 -
(الليث) بن سعد أبو الحارث الفهمي إمام ثقة ثبت فقيه مصري من [7] تقدم في 31/ 35.
3 -
(ابن شهاب) الزهري محمَّد بن مسلم الإمام العلم رأس الطبقة [4] تقدم في 1/ 1.
4 -
(عروة) بن الزبير بن العوام المدني أحد الفقهاء السبعة الثبت الحجة من [3] تقدم في 40/ 44.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
قال الجامع: تقدم الكلام على هذا الحديث في 148/ 239، فارجع إليه تستفد. وبالله التوفيق.
13 - بَابُ القَدْر الذي يَكتَفي به الإنْسَانُ مِنَ المَاء للوُضُوءِ وَالغَسْلِ
345 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ، وَيَغْتَسِلُ بِخَمْسَةِ مَكَاكِيَّ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(عمرو بن علي) الفلاس، تقدم قريبا.
2 -
(يحيى بن سعيد) بن فَرُّوخ أبو سعيد القطان البصري الثقة الحافظ الناقد من [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(شعبة) بن الحجاج أبو بسطام البصري، مرّ قريبًا.
4 -
(عبد الله بن عبد الله بن جبر) ويقال: جابر بن عَتيك الأنصاري المدني ثقة من [4] تقدم في 59/ 73.
5 -
(أنس بن مالك) أبو حمزة الصحابي الجليل رضي الله عنه تقدم في 6/ 6.
قال الجامع عفا الله عنه: المكُّوك بفتح الميم وتشديد الكاف، قال في النهاية: أراد به المد، وقيل: الصاع، والأول أشبه لأنه جاء في حديث آخر مفسر بالمد، والمكاكي جمع مكوك بإبدال الكاف ياء وإدغامها في ياء الجمع. وقد تقدم شرح الحديث في 59/ 73 - فارجع إليه تستفد. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
346 -
أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ -يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ- عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ، وَيَغْتَسِلُ بِنَحْوِ الصَّاعِ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(هارون بن إسحاق) بن محمَّد بن مالك بن زُبيد الهمداني، أبو القاسم الكوفي الحافظ، صدوق من صغار -10 - روى عن أبيه، وحفص بن غياث، وابن عيينة، والمحاربي، ومعتمر بن سليمان، وأبي خالد الأحمر، وعَبْدَة بن سُليمان، وغيرهم.
روى عنه البخاري في جُزء القراءة خلف الإمام، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابنه موسى بن هارون، وأبو بكر الأثرم، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وغيرهم.
قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال علي بن الحسين ابن الجنيد: كان محمَّد بن عبد الله بن نمير يبجله، وقال ابن خزيمة: كان من خيار عباد الله، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي في أسماء شيوخه: نعْمَ الشيخُ كان، وهو أحب إليّ من أبي سعيد الأشج، وكان قليل الحديث. مات سنة 258
(1)
.
2 -
(عَبْدَة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة ثبت من صغار [8]،
(1)
تت جـ 1 ص 2 - 3.
تقدم في 12/ 195.
3 -
(سعيد) بن أبي عروبة مهران أبو النضر البصري، ثقة حافظ -6 - تقدم في 34/ 38.
4 -
(قتادة) بن دعامة أبو الخطاب البصري ثقة حجة من [4] تقدم في 30/ 34.
5 -
(صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية، لها رؤية، وحَدَّثت عن عائشة وغيرها من الصحابة، وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر الدارقطني إدراكها. تقدمت 159/ 251.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت 5/ 5.
لطائف الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات أجلاء، وأنهم ما بين كوفيين، وهما هارون وعبدة، وبصريين وهما سعيد وقتادة، ومكية وهي صفية، ومدنية وهي عائشة رضي الله عنهما، وفيه رواية صحابية عن صحابية.
قال الجامع: حديث عائشة رضي الله عنها هذا صحيح، أخرجه المصنف هنا -13/ 346 - بالسند المذكور. وأخرجه (د) في الطهارة عن محمَّد بن كثير، عن همام، عن قتادة به، وأخرجه (ق) فيه عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن همام به.
وتقدم ما يتعلق به في شرح حديث أنس رضي الله عنه في 59/ 73 مستوفىً، فارجع إليه تستفد. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
347 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(أبو بكر بن إسحاق) محمَّد بن إسحاق بن جعفر، ويقال: محمَّد الصاغاني، خُراساني الأصل نزل بغداد، وكان أحد الحفاظ الرَّحَّالين، ثقة ثبت -11 - .
روى عن رَوْح بن عُبَادة، وأحمد بن إسحاق الحضرمي، والحسن ابن موسى الأشيب، وغيرهم.
وعنه الجماعة إلا البخاري، وأبو عمر الدوري، وهو أكبر منه، وجعفر بن محمَّد، وغيرهم.
قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي، وهو ثبت صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وقال ابن خراش: ثقة مأمون، وقال الدارقطني: ثقة، وفوق الثقة. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخطيب: كان أحد الأثبات المتقنين مع صلابة في الدين، واشتهار بالسنة، واتساع في الرواية، قال: وبلغني عن أبي مزاحم الخاقاني: قال: كان الصاغاني يُشبه يحيى بن معين في وقته، وقال
مَسْلَمةُ: كان ثقة مأمونا، وقال أبو حاتم الرازي: ثقة، وقال السلمي
عن الدارقطني: هو وجه مشايخ بغداد. وفي الزهرة روى عنه مسلم 32 حديثا. مات يوم الخميس لسبع خلون من صفر سنة 270، أخرج له الجماعة إلا (خ)
(1)
.
2 -
(الحسن بن موسى) الأشيب أبو علي البغدادي قاضي طبرستان والموصل وحمص، ثقة من -9 - .
روى عن الحمادين، وشعبة، وسفيان، وشيبان، وغيرهم.
وعنه أحمد بن حنبل، وحجاج بن الشاعر وأحمد بن منيع، وآخرون.
قال أحمد: هو من متثبتي أهل بغداد، وقال ابن معين: ثقة، وكذا
قال أبو حاتم عن ابن المديني، وقال أبو حاتم، وصالح بن محمَّد، وابن خراش: صدوق، زاد أبو حاتم: ثم مات بالري وحضرت جنازته.
وقال عبد الله بن المديني عن أبيه: كان ببغداد كأنه ضعفه، وقال الخطيب: لا أعلم علة تضعيفه إياه، وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقا في الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره مسلم في رجال شعبة الثقات في الطبقة الثالثة مات سنة 8، أو 9، أو 210 أخرج له الجماعة
(2)
3 -
(شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبو معاوية البصري المؤدب سكن الكوفة، ثم انتقل إلى بغداد، ثقة، صاحب كتاب -7 - .
عن عبد الملك بن عُمير، وقتادة، وفراس بن يحيى، ويحيى بن أبي كثير، وسماك بن حَرب، والأعمش، والحسن البصري وغيرهم.
وعنه زائدة بن قدامة، وأبو حنيفة الفقيه، وهما من أقرانه، وأبو داود الطيالسي، وأبو أحمد الزبيري، ومعاوية بن هشام، وآخرون.
(1)
تت جـ 9 ص 35 - 36.
(2)
تت جـ 2 ص 323.
قال الأثرم عن أحمد: ما أقرب حديثه، وقال أيضا: هشام حافظ، وشيبان صاحب كتاب، قيل له: حرب بن شداد كيف هو؟ قال: لا بأس به، وشيبان أرفع، وقال صالح بن أحمد، عن أبيه: شيبان ثبت في كل المشايخ، وقال الدُّوريّ، عن ابن معين: شيبان أحب إليّ من معمر في قتادة، وقال ابن أبي خيثمة، عن يحيى: شيبان ثقة، وهو صاحب كتاب. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: فشيبان ما حاله في الأعمش؟ قال: ثقة في كل شيء، وقال العجلي، والنسائي، وابن سعد: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: كان صاحب حروف وقراءات، وكان ابن معين يوثقه، وقال أبو حاتم: حسن الحديث صالح يكتب حديثه، وقال ابن خراش: كان صدوقا. وقال أبو القاسم البغوي: شيبان أثبت في يحيى بن أبي كثير من الأوزاعي، وقال العسكري: شيبان النحوي نسب إلى بطن يقال لهم: بنو نَحْو بن شمس من الأزد، وذكر ابن أبي داود، وابن المنادي، أن المنسوب إلى القبيلة يزيد بن أبي يزيد النحوي، لا شيبان النحوي هذا.
قال الجامع عفا الله عنه: عبارة العلامة عز الدين ابن الأثير في اللباب في تهذيب الإنساب بعد أن بَيَّنَ جماعةً ممن انتسبوا إلى علم النحو ما معناه: وأما القبيلة فينسب لها شيبان بن عبد الرحمن النحوي المؤدب البصري، وقال أبو بكر بن أبي داود: يزيد النحوي هو يزيد بن أبي سعيد، وهو من القبيلة، وليس من نحو العربية، ولم يرو الحديث من القبيلة إلا رجلان: أحدهما: يزيد هذا، وسائرهم نسبوا إلى نحو العربية. انتهى ما في اللباب
(1)
.
قال ابن سعد ويعقوب بن شيبة: مات في خلافة المهدي سنة 164، وكذا أرخه مُطَيَّن، وابن حبان، أخرج له الجماعة
(2)
.
(1)
لباب جـ 3 ص 301.
(2)
تت جـ 4 ص 373 - 374، بزيادة من اللباب.
4 -
(قتادة) بن دعامة أبو الخطاب البصري الإمام ثقة ثبت رأس الطبقة [4] تقدم في 30/ 34.
5 -
(الحسن) بن أبي الحسن بن يسار البصري الإمام العلم الحجة رأس الطبقة [3] تقدم في 32/ 36.
6 -
(أمه) خيرة مولاة أم سلمة، روت عن مولاتها عائشة.
وعنها ابناها الحسن وسعيد ابنا أبي الحسن وعلي بن زيد بن جُدعان، ومعاوية بن قُرَّةَ المزنى، وحفصة بنت سيرين، قال سليمان التيمي: رأى الحسن مع أمه كُرُّاثَةَ، فقال: اطرحي هذه الشجرة المُنتنة، فقالت: اسكت، فإنك شيخ قد خرفت، فضحك الحسن، وقال: أيما أكبر أنا، أو أنت؟ وذكرها ابن حبان في الثقات أخرج له الجماعة إلا البخاري
(1)
.
7 -
(عائشه) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين بغدادين، وهما أبو بكر، والحسن بن موسى، وبصريين، وهم الباقون، إلا عائشة، فمدنية.
ومنها: أن شيخه، والحسن بن موسى، وشيبان، هذا الباب أول محل ذكرهم من هذا الكتاب.
ومنها: أن فيه رواية الراوي عن أمه، وأن عائشة من المكثرين السبعة.
(تنبيهان): (الأول): حديث عائشة رضي الله عنها هذا صحيح، وهو من أفراد المصنف، أخرجه هنا -13/ 347 - بالسند المذكور. ولم
(1)
تت جـ 12 ص 416.
يخرجه من أصحاب الأصول غيره، انظر تحفة الأشراف جـ 12 ص 389.
(الثاني): قال ابن أبي حاتم في علله جـ 1 ص 26 قال أبو حاتم: هذا خطأ، وإنما هو "عن صفية بنت شيبة، عن عائشة
(1)
. وقال أبو زرعة: رواه يونس، عن الحسن، عن أم سلمة. وهو أشبه. اهـ.
قال الجامع: الظاهر أن الحديث صحيح، فشيبان بن عبد الرحمن ثبت، كما مر آنفا، فمخالفة سعيد بن أبي عروبة وغيره له لا تضره. فالظاهر أن قتادة يرويه بالطريقين. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
أراد أبو حاتم رحمه الله بهذا ترجيح رواية سعيد بن أبي عروبة السابقة 13/ 346 على رواية شيبان، وكما أن أبا زرعة رحمه الله أراد ترجيح رواية يونس بن عبيد على رواية قتادة. والله أعلم.
كِتَابُ الحَيْضِ وَالاسْتِحَاضَةِ
3 - كِتَابُ الحَيْضِ وَالاسْتِحَاضَةِ
أي هذا كتاب ذكر الأحاديث الدالة على أحكام الحيض والاستحاضة وفي النسخة الهندية (كتاب بدء الحيض، والاستحاضة من المجتبى).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح المهذب: قال أهل اللغة: يقال: حاضت المرأةُ تَحيض حَيْضًا ومَحيضًا ومَحَاضًا، فهي حائض بحذف الهاء، لأنه صفة للمؤنث خاصة، فلا يحتاج إلى علامة تأنيث
بخلاف قائمة، ومسلمة. هذه اللغة الفصيحة المشهورة، وحَكَى الجوهري عن الفراء أنه يقال أيضا: حائضة، وأنشد (من الطويل):
كَحَائضَة يُزْنَى بهَا غَيْرَ طَاهر
(1)
قال الهروي: يقال: حاضت، وتحيَّضَتْ، ودَرَسَت -بفتح الدال والراء والسين المهملة- وعَرِكَت -بفتح العين وكسر الراء- وطَمِثَت- بفتح الطاء وكسر الميم، وزاد غيره: ونُفسِت، وأعصرت، وأكبرت، وضَحِكَت. كله بمعنى حاضت.
قال صاحب الحاوي: للحيض ستة أسماء وردت اللغة بها، أشهرها الحيض، والثاني الطَّمْثُ، والمرأة طامث، قال الفراء: الطمث الدم ولذلك قيل إذا افتض البكر طمثها أي أدماها قال الله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: آية 56]، الثالث: العَرَاكُ، والمرأة عارك، والنساء عَوَارك، الرابيع: الضَّحِكُ، والمرأة ضاحك، قال الشاعر (من المتقارب):
وَضِحْكُ الأرَانبِ فَوْقَ الصَّفَا
…
كَمثْلِ دمِ الحَرْق يَوْمَ اللِّقَا
(1)
عجز بيت، وصدره كما في اللسان:
رأيْتُ حُيُونَ العَام وَالعَام قَبْلَهُ
…
...............
والخامس: الإكبار، والمرأة مُكْبِر، قال الشاعر (من البسيط):
يَأتي النِّسَاءَ على أطْهَارِهنَّ ولا
…
يَأْتي النِّساءَ إذَا أكْبَرْنَ إكْبَارًا
والسادس: الإعصار، والمرأة مُعْصِر، قال الشاعر (من مجزو الرجز):
جَاريَةٌ قَدْ أعْصَرَتْ
…
أوْ قَدْ دَنا إِعْصَارُهَا
قال أهل اللغة: وأصل الحيض: السيلان، يقال: حاض الوادي، أي سأل، سمي حيضًا لسيلانه في أوقاته. قال الأزهري: والحيض دم يُرْخْيه رَحمُ المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة.
والاستحاضة سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة، ودم الحيض يخرج من قَعر الرَّحم، ويكون أسود مُحْتَدمًا -أي حَارًا- كأنه محترق، قال: والاستحاضة: دم يَسيلُ من العَاذل، وهو عرْق فمه الذي يسيل
(1)
من أدْنَى الرَّحم دون قعره قال: وذُكرَ ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. هذا كلام الأزهري.
والعَاذلُ -بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة-: قال الهروي في الغَريبَين، وغيره من أهل اللغة: الحيض دم يخرج في أوقاته بعد بلوغها والاستحاضة: دم يخرج في غير أوقاته. قال صاحب الحاوي: أما المحيض في قول الله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: آية 222] فهو دم الحيض بإجماع العلماء، وأما المحيض في قوله تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فقيل: إنه دم الحيض، وقيل: زمانه، وقيل: مكانه، وهو الفرج، قال: وهذا قول أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمهور المفسرين.
وقال الشيخ أبو حامد، والقاضي أبو الطيب، والمَحَامليّ،
(1)
هكذا النسخة ولعل لفظا منه ساقط.
وآخرون: مذهبنا أن الحيض هو الدم، وهو الحيض. وقال قوم: هو الفرج، وهو اسم للموضع، كالمبيت والمقيل موضع البيتوتة والقيلولة، وقال قوم: زمن الحيض. قال: وهما قولان ضعيفان. قال صاحب الحاوي: وسمي الحيض أذىً لقُبح لَونه ورائحته ونجاسته وإضراره.
قال الجاحظ في كتاب الحيوان: والذي يحيض من الحيوان أربع: المرأة، والأرنب، والضبع، والخُفَّاش، وحيض الأرانب والضبع مشهور في أشعار العرب
(1)
. وبالله التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
المجموع جـ 2 ص 341 - 343.
1 - بَابُ بَدْءِ الحَيْضِ، وَهَلْ يُسَمَّى الحَيْضُ نِفَاسًا
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على ابتداء الحيض والمبيّن جواب السؤال بهل يُسمَّى الحيض نفاسًا؟.
وعبارته أولى من عبارة البخاري، حيث قال:(باب من سمى النفاس حيضًا)، فإن عبارته كما قيل مقلوبة، إذ حقها أن يقول: "مَنْ سمَّى الحيض نفاسًا، وقيل: يُحمَلُ على التقديم والتأخير، والتقديرُ: من سمى حيضا النفاسَ، إلى آخر ما ذكره الحافظ من التأويلات
(1)
.
348 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ:"مَا لَكِ أَنَفِسْتِ" فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:"هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عز وجل عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ".
(1)
فتح جـ 1 ص 480.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعروف بابن راهويه، أبو محمَّد، أوأبو يعقوب ثقة حجة فقيه من [10] تقدم في 2/ 2.
2 -
(سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم أبو محمَّد الكوفي، ثم المكي، ثقة حجة ثبت من كبار [8] تقدم في 1/ 1.
3 -
(عبد الرحمن بن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أبو محمَّد المدني ثقة جليل من [6] تقدم في 120/ 166.
4 -
(القاسم) بن محمَّد، أبو عبد الرحمن المدني من كبار [3] تقدم في 120/ 166.
5 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
قال الجامع عفا الله عنه: لطائف الإسناد وشرح الحديث، وما يتعلق به من المسائل، تقدم في 183/ 290، ويأتي بعضه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى، ولكن لابد من إيضاح بعض الألفاظ تذكيرًا لما سبق فأقول:
قولها: (لا نُرى إلا الحج) ضبط بوجهين: بالبناء للمفعول، ومعناه: لا نَظُنُّ، وبالبناء للفاعل، ومعناه لا نعلم.
وقولها: (بسَرفَ) بفتح السين وكسر الراء: موضع قريب من مكة ممنوع من الصرف، وقد يصرف، وفي المصباح: سرف، مثال تَعب، وجَهْل: موضع قريب من التنعيم، وبه تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة الهلالية رضي الله عنها، وبه تُوُفِّيَت، ودُفنَت.
قوله: (أنفست) بفتح النون وكسر الفاء، أو بضم النون وكسر الفاء أي أحضت، والهمزة للاستفهام.
وأخذ المصنف رحمه الله: من هذا أن الحيض يسمى نفاسا، وهو ظاهر.
قوله: (هذا أمر كتبه الله علي بنات آدم) أي الحيض أمر أثبته الله عز وجل على النساء، من أولاد آدم، أراد صلى الله عليه وسلم بهذا تسلية عائشة حيث إنها بكت، كالمقصّرة في ذلك فكأنه يقول لها: لا تقصير منك، لأنه مما كتبه الله على النساء كلهن، فلا لوم عليك.
فإن قيل: هذا الحديث يعارضه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله
عليهن الحيض، ومنعهن المساجد" فإنه يدل على أن ابتداء الحيض من بني إسرائيل، وحديث الباب يدل على أنه علي بنات آدم عموما.
أجيب بأنه لا تعارض بينهما، فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم فيكون قوله "علي بنات آدم" عاما أريد به الخصوص، قاله الداودي.
وقال الحافظ: ويمكن الجمع مع القول بالتعميم بأن الذي أُلقيَ على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن، لا ابتداء وجوده، وقد روى ابن جرير وغيره، عن ابن عباس في قوله تعالى في قصة إبراهيم:{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: آية 71] أي حاضت، والقصة متقدمة علي بني إسرائيل بلا ريب. وروى ابن المنذر والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ابتداء الحيض كان على
حواء بعد أن أهبطت من الجنة. أفاده في الفتح
(1)
.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
الفتح جـ 1 ص 477.
2 - بَابُ ذِكْرِ الاسْتِحَاضَهِ وَإقْبَالِ الدَّمِ وَإدْبَارِهِ
تقدم معنى الاستحاضة في الباب السابق.
349 -
أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -وَهُوَ ابْنُ سَمَاعَةَ- قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ قُرَيْشٍ، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّهَا تُسْتَحَاضُ، فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ لَهَا:"إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي، وَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي".
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(عمران بن يزيد) هو عمران بن خالد بن يزيد بن مسلم نسب إلى جده القرشي، ويقال: الطائي الدمشقي صدوق من [10]، تقدم في 134/ 201.
2 -
(إسماعيل بن عبد الله بن سَمَاعَة) بفتح العين العدوي مولى آل عُمَر الرَّمليّ، وقد ينسب إلى جده ثقة من [8] تقدم في 134/ 201.
3 -
(الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الإمام المشهور ثقة فقيه جليل من [7] تقدم في 45/ 56.
4 -
(يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني ثقة ثبت من [5] تقدم في 22/ 23.
5 -
(هشام بن عروة) أبو المنذر المدني ثقة فقيه من [5] تقدم في 49/ 61.
6 -
(عروة) بن الزبير بن العوام أبو عبد الله المدني الفقيه الثقة الثبت من [3] تقدم في 40/ 44.
7 -
(فاطمة بنت قيس) هي فاطمة بنت أبي حبيش، واسمه قيس بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدية الصحابية رضي الله عنها تقدمت في 134/ 201.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم ما يتعلق بهذا السند، وما يتعلق بالحديث شرحًا، ومسائل في 134/ 201 فارجع إليه تزدد علمًا. والله ولي التوفيق.
350 -
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَقْبَلَتِ الْحِيضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(هشام بن عمار) بن نُصير السلمي الدمشقي صدوق مقرئ كَبِرَ فصار يَتَلَقَّنُ، فحديثه القديم أصح من كبار [10]، تقدم في 134/ 302.
2 -
(سهل بن هشام) بن بلال من ولد أبي سلاّم الحبشي واسطي
الأصل نزيل الشام، لا بأس به من [9] تقدم في 134/ 302.
والباقون تقدموا قريبًا، وكذا شرح الحديث ومتعلقاته تَقَدَّمت في 134/ 202. والله ولي التوفيق.
351 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ؟ فَقَالَ: "إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ صَلِّي". فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(قتيبة) بن سعيد تقدم في 1/ 1.
2 -
(الليث) بن سعد أبو الحارث الفهمي المصري الإمام ثقة ثبت فقيه من [7] تقدم في 31/ 35.
3 -
(ابن شهاب) الزهري محمَّد بن مسلم المدني الإمام الحجة من [4] تقدم في 1/ 1.
والباقون تقدموا في الذي قبله وشرح الحديث تقدم في 134/ 206.
فائدة: أم حبيبة اسمها حَمْنَة بنت جحش أخت زينب بنت جحش كانت تحت مصعب بن عمير، ثم طلحة، وهي أم ولدي طلحة عمران ومحمد. والله ولي التوفيق.
3 - المَرْأةُ يَكُونُ لَهَا أيَّامٌ مَعْلُومَةٌ تَحِيضَهَا كُلَّ شَهْرٍ
أي هذا باب ذكر الأحاديث الدالة على حكم المرأة التي يكون لها أيام معلومة في الحيض كل شهر، ثم دام عليها الدم، فكانت مستحاضة، وحكمها المستفاد من الأحاديث أنها ترجع إلى عادتها، ثم تغتسل، وتستثفر، وتصلي.
352 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّمِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلآنَ دَمًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حِيضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي".
353 -
وَأَخْبَرَنَا بِهِ قُتَيْبَةُ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَعْفَرَ بْنَ رَبِيعَةَ.
رجال الإسناد: سبعة
كلهم ذكروا في السابق إلا ثلاثة:
1 -
(يزيد بن أبي حبيب) سُويد أبو رجاء المصري ثقة فقيه من [5] تقدم في 134/ 207.
2 -
(جعفر بن ربيعة) بن شُرَحْبيل بن حسنة أبو شرحبيل المصري، ثقة من [5]، تقدم في 122/ 173.
3 -
(عرَاك بن مالك) الغفاري الكنَاني المدني ثقة فاضل من [3] تقدم في 134/ 207.
والحديث مضى مشروحًا برقم 134/ 207. ونوضح بعض كلماته للإفادة، فنقول:
قوله: (مركنها) بكسر فسكون: إجَّانَة تغسل فيها الثياب، وقوله (عن الدم) أي عن حكم استمرار الدم. وقوله:(ملآن) وفي بعض النسخ "ملآى" على التأنيث، فالتذكير على اللفظ، والتأنيث على
المعنى، لأنها إجَّانَة. والله ولي التوفيق.
354 -
أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ:"لَا، وَلَكِنْ دَعِي قَدْرَ تِلْكَ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي، وَصَلِّي".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن عبد الله بن المبارك) المُخَرِّميّ أبو جعفر البغدادي ثقة حافظ من [11] تقدم في 43/ 50.
2 -
(أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي ثقة ثبت من [9] تقدم في 44/ 52.
3 -
(عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت من [5] تقدم في 15/ 15.
4 -
(نافع) مولى ابن عمر المدني ثقة ثبت من [3] تقدم في 12/ 12
5 -
(سيمان بن يسار) مولى ميمونة رضي الله عنها، المدني ثقة فقيه من [3] تقدم في 112/ 156.
6 -
(أم سلمة) هند بنت أبي أمية المَخْزُوميَّة رضي الله عنها، تقدمت في 123/ 183.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم مدنيون إلا شيخه فبغدادي، وشيخ شيخه فكوفي، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وفيه سليمان بن يسار أحد الفقهاء السبعة.
تنبيه: وقع في بعض نسخ "المجتبى" في هذا السند: حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: أخبرني عن نافع .. الخ، بزيادة "عن" وهو غلط، فقوله:"نافع" فاعل "أخبرني"
(1)
. ورأيت في النسخة الهندية ما يشير إلى أن فاعل "قال" هو أبو أسامة، وفاعل "أخبرني" هو عبيد الله
(1)
راجع تحفة الأشراف جـ 13 ص 8 - 9.
وهو خطأ فاحش، والصواب إسقاط "عن"، ووقع في بعضها: حدثنا أبو أسامة، قال: عبيد الله بن عمر أخبرني عن نافع الخ، وهذا صحيح، ففاعل "قال" على هذا ضمير أبي أسامة، وعبيد الله مبتدأ خبره جملة "أخبرني" فتنبه.
ومعنى (أستحاض) أي يستمر بي الدم (استثفري) الاستثفار: هو أن تشد المرأة على فرجها بخرقة عَريضة بعدَ أن تُحْشَى قُطنًا، وتُوِّثقَ طرفيها في شيء تشده على وسطها فتمنع بذلك سيلان الدم، وهو مأخوذ من ثَفَر الدابة -بالمثلثة- الذي يجعل تحت ذَنَبها. قاله السيوطي.
وشرح الحديث مضى مستوفىً برقم 134/ 108 فارجع إليه تزدد علمًا. والله ولي التوفيق.
355 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، اسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ لْتُصَلِّي".
قال الجامع: هذا الحديث سندًا ومتنًا تقدم مُسْتَوفى الشرح في 134/ 208، فارجع إليه تزدد علمًا.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
4 - ذِكْرُ الأقْرَاءِ
أي هذا باب ذكر الأحاديث الدالة على المعنى المراد من الأقراء الوارد في القرآن.
ولما كان المصنف يَرَى أنَّ القُرأ هو الحيض، أورد هنا هذه الأحاديث مستدلا بها عليه، لكن الذي عليه المحققون أن القرأ من الأضداد، يطلق على الحيض، وعلى الطهر، فلا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة، كما مر تحقيق ذلك مستوفىً برقم 135/ 209. والله ولي التوفيق.
356 -
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ -وَهُوَ ابْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ -وَهُوَ ابْنُ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ-، عَنْ أَبِي بَكْرٍ -وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ-، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ لَا تَطْهُرُ، فَذُكِرَ شَأْنُهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَيْسَتْ بِالْحِيضَةِ، وَلَكِنَّهَا رَكْضَةٌ مِنَ الرَّحِمِ، لِتَنْظُرْ قَدْرَ قُرْئِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ لَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ تَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ".
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(الربيع بن سليمان بن داود بن إبراهيم) الجيزي المُرَادي المصري ثقة من [11] تقدم في 122/ 173.
2 -
(إسحاق بن بكر بن مضر) أبو يعقوب المصري، صدوق فقيه من [10] تقدم في 122/ 173.
3 -
(بكر بن مضر) أبو محمَّد، أو أبو عبد الملك المصري، ثقة ثبت من [8] تقدم في 122/ 173.
4 -
(يزيد بن عبد الله) بن أسامة بن الهاد الليثي، أبو عبد الله المدني ثقة مكثر من [5] تقدم في 73/ 90.
5 -
(أبو بكر محمَّد بن عمرو بن حزم) الأنصاري النَّجَّاري -بالنون والجيم- المدني القاص، اسمه كنيته، وقيل: كنيته أبو محمَّد، ثقة عابد من [5] مات 120، وقيل غير ذلك، تقدم في 135/ 209.
6 -
(عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية ثقة تقدمت في 134/ 203.
7 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم شرح الحديث مستوفى برقم -135/ 209 - ولكن أشير إلى تفسير بعض الألفاظ للتذكير، فأقول:
(استحيضت) بالبناء للمفعول، أي استمر بها الدم في غير أيامه المعتادة (لا تَطهُر) أي لا ينقطع عنها الدم، فهو بيان لمعنى استحيضت (ليست بالحيضة) بالفتح؛ لأن المراد به الحيض، فهو للمرة، وجوز بعضهم الكسر على معنى الهيئة، أي الحالة ليست بحالة الحيض (ولكنها ركضة من الرحم) الرَّكضة بالفتح ثم السكون، الضربة، أي أنها ركضة
من ركَضَات الشيطان (من الرحم) أي في الرحم، فمن بمعنى في كما قاله السندي. وتمام البحث عليه تقدم في 135/ 209 فارجع إليه تزدد علمًا. والله ولي التوفيق.
357 -
أَخْبَرَنَا أَبُو مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ ابْنَةَ جَحْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ" فَأَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا وَحِيضَتِهَا، وَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(أبو موسى) محمَّد بن المثنى العَنَزي البصري أحد مشايخ الستة ثقة ثبت من [10] تقدم في 64/ 80.
تنبيه: وقع خطأ في النسخة المصرية هنا حيث كتب فيها: أخبرنا موسى، فأخطأ الشيخ الشنقيطي في شرحه بناء على هذا الخطأ فقال: موسى بن عبد الرحمن الكندي المسروقي. اهـ.
والصواب ما في النسخة الهندية: أخبرنا أبو موسى، ولكن كتب في الهامش مشيرا إلى نسخة "موسى" وهو خطأ. راجع تحفة الأشراف جـ 2 ص 419، وتهذيب الكمال جـ 11 ص 187 في ترجمة سفيان بن عيينة. فتبصر.
2 -
(سفيان) بن عيينة أبو محمَّد الهلالي مولاهم الكوفي، ثم المكي ثقة ثبت من [8] تقدم في 1/ 1.
3 -
(الزهري) محمَّد بن مسلم المدني أبو بكر رأس الطبقة [4] ثقة ثبت، حجة تقدم في 1/ 1.
4 -
(عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة الأنصارية المدنية ثقة من [3] تقدمت في 134/ 203.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم شرح الحديث برقم 134/ 204 مستوفى، ولكن أشير هنا إلى حل بعض الألفاظ، تذكيرًا، فأقول:
(إنما هو عرْق) بكسر فسكون- أي دم عرق انفجر، والمراد به أنه ليس بدم حيض. (وحيضتها) عطف تفسير لأقرائها، وبه استدل المصنف على أن معنى القُرء هو الحيض، وقد تقدم تمام البحث في هذا وترجيح رأي الجمهور أن القرء مشترك بين الحيض، والطهر، فلا يطلق على أحدهما إلا بقرينة. فراجع رقم 135/ 209 تزدد علمًا.
(فكانت تغتسل عند كل صلاة) أي بأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، كما صرحت به الرواية التي قبل هذا، وقد تقدم تمام البحث في هذا أيضا بما يكفي ويشفي برقم 134/ 204، فارجع إليه تزدد علما.
358 -
أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، أخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَانْظُرِي إِذَا أَتَاكِ قَرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي، وَإِذَا مَرَّ قَرْؤُكِ فَلْتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقُرْءِ إِلَى الْقُرْءِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا ذَكَرَ الْمُنْذِرُ.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(عيسى بن حماد) بن مسلم التجيبي أبو موسى الأنصاري، لقبه زُغْبَة -بضم الزاي وسكون المعجمة- وهو لقب أبيه أيضا، ثقة من [10] آخر من حدث عن الليث من الثقات مات 248، وقد جاوز 90، وتقدم في 135/ 211.
2 -
(الليث) بن سعد أبو الحارث الفهمي الإمام المصري ثقة ثبت من [7] تقدم في 31/ 35.
3 -
(يزيد بن أبي حبيب) سُويد المصري أبو رجاء ثقة فقيه يرسل من [5] تقدم في 134/ 207.
4 -
(بكير بن عبد الله) بن الأشج أبو عبد الله، أو أبو يوسف المدني نزيل مصر ثقة من [5] تقدم في 135/ 211.
5 -
(المنذر بن المغيرة) المدني مقبول من [6] تقدم في 135/ 211.
6 -
(عروة بن الزبير) أبو عبد الله الفقيه الثبت من [3] تقدم في 40/ 44.
7 -
(فاطمة بنت أبي حبيش) قيس بن المطلب الأسدية الصحابية رضي الله عنها تقدمت في 134/ 201.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم شرح الحديث، وما يتعلق به برقم 135/ 211 مستوفى، وأشير هنا إلى حل بعض الألفاظ تذكيرًا لما مضى، فأقول:
(فشكَتْ إليه الدمَ) أي عدم انقطاعه (إذا أتاك قرؤك) بالفتح والضم أي حيضك (ما بين القرء إلى القرء) أي من الحيض إلى الحيض.
(قال أبو عبد الرحمن) النسائي (قد رَوى هذا الحديث هشام بن عروة، عن) أبيه (عروة) ابن الزبير (ولم يذكر فيه) أي فيما رواه عن أبيه (ما ذكر). (المنذر) بن المغيرة فيه. يعني أن المنذر قد خالف هشاما في هذا الحديث فقال: عن عروة أن فاطمة. وهشام قال: عن عروة عن عائشة.
والظاهر أنه يريد أن يضعف رواية المنذر بالمخالفة، وكذا قال البيهقي: إن في الحديث انقطاعا، فقال هشام بن عروة أن أباه سمع قصة فاطمة بنت أبي حبيش عن عائشة، وروايته في الإسناد والمتن أصح من رواية المنذر بن المغيرة. اهـ.
قال الجامع: قد تقدم لنا أن الراجح صحة الإسنادين، فراجع الحديث 211 تزدد علمًا. والله ولي التوفيق.
ثم ذكر رواية هشام التي أشار إليها فقال:
359 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، وَوَكِيعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ
إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟، فَقَالَ:"لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحِيضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحِيضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي".
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي الإمام المعروف بابن راهويه، ثقة حجة -10 - تقدم في 2/ 2.
2 -
(عَبْدَة) بن سليمان الكلابي أبو محمَّد الكوفي، يقال: اسمه عبد الرحمن، ثقة ثبت، من صغار [8] تقدم في 131/ 195.
3 -
(وكيع) بن الجراح، أبو سفيان الرؤاسي الكوفي ثقة حافظ عابد من [9] تقدم في 23/ 25.
4 -
(أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير الكوفي، عَميَ وهو صغير ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يَهم في حديث غيره، من كبار [9] تقدم في 26/ 30.
5 -
(هشام بن عروة) أبو المنذر المدني، ثقة فقيه من [5] تقدم في 49/ 61.
6 -
(عروة بن الزبير) بن العوام أبو عبد الله المدني الفقيه ثبت من [3] تقدم في 40/ 44.
7 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
قال الجامع: والحديث تقدم مشروحا في 135/ 212، فلا حاجة إلى إطالة الكتاب بإعادته.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
5 - جَمْعُ المُسْتَحَاضَةِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وَغَسْلِهَا إذَا جَمَعَتْ
360 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً مُسْتَحَاضَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ عِرْقٌ عَانِدٌ، وَأُمِرَتْ أَنْ تُؤَخِّرَ الظُّهْرَ، وَتُعَجِّلَ الْعَصْرَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلاً وَاحِدًا، وَتُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلاً وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ غُسْلاً وَاحِدًا.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن بَشَّار) بُندَار أبو بكر البصري ثقة ثبت حافظ من [10]، تقدم في 24/ 27.
2 -
(محمَّد) بن جعفر غندر أبو عبد الله البصري ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة من [9] تقدم في 21/ 22.
3 -
(شعبة) بن الحجاج بن الوَرْد أبو بسطام الإمام الحجة من [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(عبد الرحمن بن القاسم) أبو محمَّد المدني ثقة جليل، قال ابن
عيينة: كان أفضل أهل زمانه، من [6] مات 126، وقيل بعدها، تقدم في 120/ 166.
5 -
(القاسم بن محمَّد) بن أبي بكر الصديق، والد عبد الرحمن المذكور- التيمي أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه، من كبار [3] تقدم في 120/ 160.
7 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم شرح الحديث، ومتعلقاته في 135/ 213 وأشير هنا إلى حل بعض ما يُستَشكَلُ، فأقول:
(عن عائشة) رضي الله عنها (أن امرأة) هي سهلة بنت سهيل القرشية رضي الله عنها، وقيل: زينب بنت جحش (عرق) بكسر فسكون- قال ابن الأثير: العِرْق من الحيوان: الأجوف الذي يكون فيه الدم، والعصب -بفتحتين- غير الأجوف (عاند) صفة لعرق، اسم فاعل من عَنَدَ، كَقَتَل، وفَرحَ، وكَرُمَ، ويقال أيضا: أعْنَدَ بالهمز، سمي به لكثرة سيلان الدم منه تشبيها بالإنسان المعاند، وقيل: العاند: هو الذي لا يَرْقَأ، وهذا العرق هو المسمى بالعاذل -بالذال المعجمة، واللام- أو العاذر- بالذال المعجمة والراء بدل اللام -.
وقد مضى تحقيقه مستوفى في 135/ 213 فراجعه تزدد علما.
(فَأُمِرَتْ) بالبناء للمفعول، والآمر لها هو النبي صلى الله عليه وسلم، لوقوع التصريح باللفظ في رواية للبيهقي.
وقد تقدم تمام البحث على هذا الحديث بما يكفي ويشفي برقم 135/ 213، فراجعه تستفد، والله ولي التوفيق.
361 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، فَقَالَ:"تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَتُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ الْعِشَاءَ، وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(سويد بن نصر) المروزي لقبه الشاه راوية ابن المبارك ثقة من [10]، تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله بن المبارك) أبو عبد الرحمن الإمام الجليل الثبت من [8] تقدم في 32/ 36.
3 -
(سفيان) بن عيينة أبو محمَّد الكوفي ثم المكي ثقة ثبت حجة من [8] تقدم في 1/ 1.
4 -
(عبد الرحمن بن القاسم)،
و5 - (أبوه القاسم) تقدما في السند الماضي.
6 -
(زينب بنت جحش) بن رَبَاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير ابن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، أم المؤمنين، وأمها أميمة بنت عبد
المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث، وقيل: سنة خمس، وكانت قبله عند زيد بن حارثة، وهي التي نزل فيها:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: آية 37] وكانت أول من مات من نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
وعنها ابن أخيها محمَّد بن عبد الله بن جحش، ومولاها مذكور، وكلثوم بن المصطلق، وزينب بنت أبي سلمة رَبيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأرسل عنها القاسم بن محمَّد، قال الواقدي: ماتت سنة عشرين، وصلى عليها عمر بن الخطاب، وروى البخاري في التاريخ الأوسط من طريق عامر الشعبي: أن عبد الرحمن بن أبزى أخبره أنه صلى مع عمر على زينب بنت جحش، وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم ماتت بعده، أخرج له الجماعة
(1)
.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين مروزيين، وهما سويد، وعبد الله، ومكي، وهو سفيان، ومدنيين، وهم الباقون، ورواية الراوي عن أبيه، وأن زينب رضي الله عنها هذا الحديث أوّل محل ذكرت فيه من هذا الكتاب.
تنبيه: هذا الحديث بهذا السند من أفراد المصنف، أخرجه في هذا الباب فقط، وفيه انقطاع، فإن القاسم لم يسمع من زينب، كما تقدم في ترجمة زينب آنفا.
ويؤيده ما في سنن أبي داود قال، بعد حديث عائشة:"أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت" .. الحديث ما نصه: قال أبو داود: ورواه أبو الوليد الطيالسي، ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: استحيضت زينب بنت جحش، فقال لها النبي
(1)
تت جـ 12 ص 420 - 421.
- صلى الله عليه وسلم: "اغتسلي لكل صلاة" وساق الحديث. قال أبو داود: ورواه عبد الصمد -يعني ابن عبد الوارث- عن سليمان بن كثير، قال:"توضئي لكل صلاة" وهذا وَهَم من عبد الصمد، والقول قول أبي الوليد.
لكن قال البيهقي في السنن الكبرى: رواية أبي الوليد غير محفوظة، فقد رواه مسلم بن إبراهيم، عن سليمان بن كثير، كما رواه سائر الناس عن الزهري، ثم أخرج بسنده عن مسلم، عن سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت:"استحيضت أخت زينب بنت جحش سبع سنين .. الحديث"
(1)
. وصحح الحديثَ الشيخُ الألباني، وقال: الصواب أم حبيبة بنت جحش
(2)
.
قال الجامع: فتبين بهذا أنَّ المستحاضة هي أخت زينب لا زينب فتبصر. وشرح الحديث واضح مما سبق.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
السنن الكبرى جـ 1 ص 350.
(2)
صحيح أبي داود جـ 1 ص 58.
6 - بَابُ الفَرْقِ بَينَ دَمِ الحَيْضِ وَالاسْتِحَاضَةِ
362 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو -وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي، فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ".
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ هَذَا مِنْ كِتَابِهِ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن المثنى) أبو موسى العنزي البصري ثقة ثبت من [10] تقدم في 64/ 80.
2 -
(ابن أبي عدي) محمَّد بن إبراهيم أبو عمرو البصري ثقة من [9] تقدم في 122/ 175.
3 -
(محمَّد بن عمرو بن علقمة بن وَقَّاص) الليثي أبو عبد الله، أو أبو الحسن المدني صدوق له أوهام من [6] تقدم في 16/ 17.
والباقون تقدموا قريبًا.
363 -
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ مِنْ حِفْظِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكِ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي".
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم شرح هذا الحديث مستوفى برقم 138/ 215 - 216، وأشير هنا إلى حل بعض المواضع تذكيرًا لما سبق، فأقول:
(قال محمَّد بن المثنى: حدثنا ابن أبي عدي هذا) أي حديث فاطمة بلا ذكر عائشة في السند (من كتابه) أي مما كتبه من حديث شيخه محمَّد ابن عمرو، فجعله عن فاطمة خلاف ما حدث به من حفظه، فإنه جعله عن عائشة رضي الله عنها.
وتحديثه من حفظه بعد تحديثه من كتابه، لما عند أبي داود، قال ابن المثنى: ثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، ثم حدثنا بعدُ حفظًا، قال: محمَّد بن عمرو .. الخ.
وصَنيعُ النسائي أيضا يدل عليه حيث أورد رواية الحفظ بعد رواية الكتاب، وقد تقدم مزيد تحقيق في هذا بالرقم المذكور.
(يعرف) بالبناء للمفعول، أي تعرفه النساء باعتبار لونه وثَخَانته، أو بالبناء للفاعل من الإعراف، أي للونه عَرْف، ورائحة، وتقدم البحث فيه مستوفىً بالرقم المذكور.
(قال أبو عبد الرحمن) صاحب الكتاب (قد روى هذا الحديث غير واحد، ولم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن عدي) يعني أن حديث فاطمة هذا قد رواه جماعة، لكنهم ما ساقوه على لفظ ما ساقه هو، بل بلفظ:"فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك أثر الدم، وتوضئي" وفي رواية "فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي"، وتقدم مزيد تحقيق في هذا بالرقم المذكور.
364 -
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اسْتُحِيضَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحِيضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحِيضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِى عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِى وَصَلِّى فَإِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ». قِيلَ لَهُ فَالْغُسْلُ قَالَ «وَذَلِكَ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ «وَتَوَضَّئِى» . غَيْرُ حَمَّادٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قِيلَ لَهُ: فَالْغُسْلُ، قَالَ:"وَذَلِكَ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ "وَتَوَضَّئِي". غَيْرُ حَمَّادٍ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(يحيى بن حبيب بن عربي) البصري ثقة من [10]، تقدم في 60/ 75.
2 -
(حماد) بن زيد بن درهم أبو إسماعيل البصري من كبار [8] ثقة ثبت تقدم في 3/ 3، وتقدموا قريبا.
شرح الحديث
قال الجامع: قوله: (قيل له: الغسل) الظاهر أن المسؤل هو حماد، أي قال قائل له لما ذكر الوضوء فالغسل ما حكمه؟ فـ (ـقال ذلك لا يشك فيه أحد) أي لا يشك في وجوبه أحد لكونها طهرت من حيضها فلابد أن تغتسل.
(قال أبو عبد الرحمن) النسائي (قد روى هذا الحديث غير واحد عن هشام بن عروة، ولم يذكر فيه "وتوضئي" غير حماد) يعني أن حماد بن زيد تفرد بذكر الأمر بالوضوء، فإن غيره لا يذكره، بل يذكر الأمر بالغسل والصلاة.
قال الجامع: قد تقدم أن الراجح أن حمادًا لم يتفرد به، بل وافقه عليه أبو معاوية عند البخاري في الصحيح، فراجع الرقم المتقدم، تستفد، والله ولي التوفيق.
365 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحِيضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحِيضَةُ، فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي".
الحديث واضح مما سبق.
366 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحِيضَةِ، فَإِذَا
أَقْبَلَتِ الْحِيضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي".
رجال الإسناد: خمسة
كلهم تقدموا قريبًا، والحديث مضى مشروحًا برقم 138/ 218.
367 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أَفَأَتْرُكُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ:"لَا إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ". قَالَ خَالِدٌ: وَفِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ: "وَلَيْسَتْ بِالْحِيضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحِيضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي".
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(أبو الأشعث) أحمد بن المِقْدَام العجلي البصري، صدوق طَعَنَ فيه أبو داود في مُرُوءَته من [10] تقدم في 138/ 219.
2 -
(خالد بن الحارث) بن عُبيد بن سُليم الهُجَيميّ أبو عثمان البصري ثقة ثبت، من [8] تقدم في 53/ 67.
(1)
والباقون تقدموا قريبًا.
والحديث مضى مشروحًا مُسْتَوفَى الشرح فيما سبق، فلا حاجة إلى إعادته.
وقوله (قال خالد: وفيما قرأت .. الخ) يعني أن خالدا أخذ هذا الحديث عن هشام مرتين: مرة سماعا إلى قوله: "إنما ذلك عرق" ومرة بالقراءة، وفيه قوله:"وليست بالحيضة .. الخ" والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
(1)
تت جـ 8 ص 35.
7 - بَابُ الصَّفْرَةِ وَالكُدْرَةِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم الصفرة والكدرة من ألوان الدم، في غير زمن الحيض، ولذا قيد البخاري الترجمة فقال:"باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض".
الصُّفْرَةُ: لُونٌ دون الحُمْرَة، والأصْفَرُ الأسوَدُ أيضا، قاله في المصباح
(1)
.
والكُدْرَةُ منَ الألوان: ما نَحَا نحو السَّواد والغُبْرَة، قال بعضهم: الكُدْرَةُ في اللون خاصَّةَ، والكُدُورَةُ في الماء والعيش، والكَدَرُ في كُلٍّ، قاله في اللسان
(2)
.
368 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(عمرو بن زُرارة) -بضم الزاي المعجمة، وتخفيف الراء- بن واقد الكلابي أبو محمَّد بن أبي عمرو النيسابوري المقرئ الحافظ، ثقة ثبت -10 - .
(1)
المصباح ص 130.
(2)
لسان جـ 2 ص 3834.
روى عن أبي بكر بن عياش وهشيم، وعبد الوارث الثقفي، ومروان ابن معاوية، وغيرهم.
وروى عنه البخاري، ومسلم، والنسائي، وأحمد بن سلمة، وأحمد بن سيَّار، والذهلي، وغيرهم.
وثقه النسائي، وأبو بكر الجارودي، ومحمد بن عبد الوهاب. وقال داود بن حسين البيهقي: كنا نختلف إليه، فخرج علينا يوما فضحك رجل، فغضب ولم يحدثنا بحرف. وقال أحمد بن سلمة، عن عمرو ابن زرارة: صحبت ابن علية ثلاث عشرة سنة فما رأيته يتبسم فيها. روى الحاكم في تاريخه عن محمَّد بن عبد الوهاب، قال: كان علي بن عَثَّام يسترجح عمرو بن زرارة. وقال أبو العباس السراج: حدثنا عمرو ابن زرارة رجل فيه زهادة، ويقال: كان مُجاب الدعوة، وفي الزهرة: أنه أنصاري، روى عنه البخاري 13 حديثا، ومسلم 8 أحاديث، مات سنة 238، وقيل قبله، وله 78 سنة، أخرج له البخاري، ومسلم، والمصنف
(1)
.
2 -
(إسماعيل) بن إبراهيم بن سهم بن مِقْسَم أبو بِشْر الأسدي مولاهم البصري المعروف بابن عُلَيَّة، وهي أمه، ثقة حافظ من [8] تقدم في 18/ 19.
3 -
(أيوب) بن أبي تميمة -كيسان السَّختياني- أبو بكر البصري الفقيه ثقة حجة من [5] تقدم في 42/ 48.
4 -
(محمَّد) بن سيرين، أبو بكر الأنصاري مولاهم البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى من [3] مات سنة 110 تقدم في 46/ 57.
(1)
تت جـ 8 ص 35.
5 -
(أم عطية) نُسيبة -بالتصغير- ويقال: نَسيبة -بفتح النون كما ضبطه ابن ماكولا- بنت كعب، ويقال: بنت الحارث الأنصارية.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر.
وعنها أنس بن مالك، ومحمد، وحفصة ابنا سيرين، وعبد الملك ابن عمير، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية، وعلي بن الأقمر، وأم شراحيل. قال ابن عبد البر: كانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرض المَرْضى وتداوي الجَرحى، شهدت غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة يأخذون عنها غسل الميت. روى لها الجماعة
(1)
.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم بصريون إلا شيخه فنيسابوري.
ومنها: أن فيه رواية تابعي عن تابعي.
ومنها: أن عَمْرًا، وأم عطية هذا الباب أول محل ذُكرَا فيه من هذا الكتاب.
شرح الحديث
(عن محمَّد) بن سيرين، أنه (قال: قالت أم عطية) نُسيبة رضي الله عنها (كُنَّا لا نَعُدُّ) أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه، وبهذا يُعطى الحديثُ حكم الرفع.
وهذا كما قال الحافظ رحمه الله مصير من المصنف كالبخاري إلى أن هذه الصيغة تُعَدُّ في المرفوع، ولو لم يصرح الصحابي بذكر زمن
(1)
تت جـ 12 ص 455.
النبي صلى الله عليه وسلم. وبه جزم الحاكم وغيره، خلافا للخطيب. قاله في الفتح
(1)
.
وقال السيوطي في ألفية الحديث:
وَلْيُعْطَ حُكْمَ الرَّفْع فِي الصَّوَابِ
…
نَحْو منَ السُّنَّة منْ صَحَابِي
كَذَا أُمِرْنَا وكَذَا كُنَّا نَرَى
…
في عَهْدهِ أوْ عَنْ إضَافَةٍ عَرَى
ثَالثُهَا إنْ كانَ لا يَخْفَى وَفِي
…
تَصْريحه بعلْمهِ الخُلْفُ نُفِي
(الكدرة والصفرة) أي الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار.
قال العلامة بدر الدين العيني رحمه الله:
ألوان الدم ستة: السَّواد، والحُمرة، والصُّفرة، والكُدْرَة، والخُضْرة، والتُرْبيَّة.
أما الحمرة فهو اللون الأصلي للدم، إلا عند غلبة السواد يَضرِبُ إلى السواد، وعند غلبة الصفراء يضرب إلى الصفراء، وأما الصفرة فَهي من ألوان الدم إذا رقّ، وقيل: هي كصفرة البيض، أو كصفرة القَزِّ، وفي فتاوى قاضيخان: الصفرة تكون كون القَزِّ، أو لون البُسْر، أو لون التِّبن، وأما التُّرْبية فهي التي تكون على لون التُّراب، وهو نوع من الكُدْرة، وهي بضم التاء المثناة من فوق، وسكون الراء، وكسر الباء الموحدة، وتشديد الياء آخر الحروف، ويقال لها: الترابية. انتهى كلام العيني باختصار
(2)
.
وسيأتي اختلاف العلماء في حكم هذه الألوان إن شاء الله تعالى.
(شيئا) أي من الحيض، وهذا إذا كان في غير زمن الحيض، أما فيه فإنها تعد حيضا، وبهذا يجمع بين حديث الباب، وبين حديث عائشة الذي أخرجه مالك في الموطأ عن علقمة بن أبي علقمة المدني، عن أمه -
(1)
فتح جـ 1 ص 507 - 508.
(2)
عمدة القاري جـ 3 ص 309.
اسمها مَرْجَانَةُ- مولاة عائشة، قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدِّرَجَة فيها الكُرسُف فيه الصفرة، فتقول: لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة.
والدِّرَجة: بكسر أوله وفتح الراء والجيم، جمع دُرْج -بالضم فالسكون- وضبطه ابن عبد البر بالضم ثم السكون، وقال: إنه تأنيث دُرْج، المراد به ما تحتشي به المرأة من قُطنة وغيرها لتَعْرِفَ هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا.
والكُرْسُفُ -بضم فسكون- القطن.
فيحمل حديث عائشة رضي الله عنها على ما إذا رأت الصفرة والكدرة في أيام الحيض، وحديث أم عطية المذكور في الباب على ما إذا رأت في غير أيام الحيض.
وقد صرحت أم عطية بهذا المعنى، فعند أبي داود من طريق قتادة، عن حفصة، عن أم عطية:"كنا لا نعد الكدرة، والصفرة بعد الطهر شيئا". أفاده الحافظ
(1)
.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أم عطية رضي الله عنها هذا أخرجه البخاري.
المسألة الثانية: في بيان موضعه عند المصنف: أخرجه هنا -7/ 368 - بهذا السند فقط.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ د ق).
فأخرجه (خ) في الحيض عن قتيبة، عن إسماعيل بن علية، عن
(1)
فتح جـ 1 ص 507 - 508.
أيوب، عن محمَّد بن سيرين عنها.
وأخرجه (د) فيه عن مسدد، عن إسماعيل، به.
وأخرجه (ق) فيه عن محمَّد بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر عن أيوب، به.
قال محمَّد بن يحيى: ثنا محمَّد بن عبد الله الرَّقاشيُّ، ثنا وهيب، عن أيوب، عن حفصة، عن أم عطية، رضي الله عنها، قال محمَّد بن يحيى: وهيب أولاهما عندنا بهذا.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا رَوَى ابن ماجه عن محمَّد بن يحيى -وهو الذهلي- أنه رَجَّحَ رواية وهيب، عن أيوب، عن حفصة، عنها، على غيرها. لكن رجح البخاري رواية إسماعيل بن علية، فأخرجها في الصحيح، قال الحافظ رحمه الله: وما ذهب إليه البخاري من تصحيح رواية إسماعيل أرجح، لموافقة معمر له، ولأن إسماعيل أحفظ الحديث أيوب عن غيره، ويمكن أن أيوب سمعه منهما. انتهى
(1)
.
المسألة الرابعة: في اختلاف العلماء في الصفرة والكدرة وغيرها من الألوان:
قال أبو بكر بن المنذر رحمه الله تعالى:
اختلف أهل العلم في الكدرة والصفرة تراهما المرأة في أيام الحيض:
فقالت طائفة: الكدرة والصفرة في أيام الحيض تُترَك لها الصلاة والصوم، وممن قال بهذا: يحيى الأنصاري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
(1)
فتح جـ 1 ص 507.
وكان عبد الرحمن بن مهدي يقول: الصفرة والكدرة إذا كانت واصلة بالحيض بقية من الحيض، لا تصلي حتى ترى الطهر الأبيض.
وفرق بعضهم بين الصفرة والكدرة تراه المرأة ثم ترى دما، وبين أن ترى الدم، ثم ترى بعد ذلك متصلا به صفرة، أو كدرة، فقال: إذا رأت كدرة، أو صفرة قبل أن ترى قبلها لم يُعْتَدّ به، وإنما الدم الذي يُعْتَدُّ به ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة"، والصفرة والكدرة في آخر الدم من الدم، لأنه الدم إذا كان دما سائلا كان حكمه حكم الدم حتى ترى النَّقَاء، هذا قول أبي ثور، وحسنه ابن المنذر.
قال ابن المنذر: وقد روينا عن غير واحد أنهم كانوا لا يعدون الكدرة والصفرة بعد الاغتسال، وخروج أيام الحيض شيئا، ولا يرون ترك الصلاة لذلك، ورأى أكثرهم أن عليها الوضوء، وروينا عن علي بن أبي
طالب أنه قال: إذا رأت المرأة بعد الطهر ما يريبها مثل غُسالة اللحم، أو مثل غسالة السمك، أو مثل القطرة من الرعاف، فإنما ذلك رَكْضَة من ركضات الشيطان في الرَّحم، فلتنتضح بالماء، ولتوضأ ولتصلي. وقالت أم عطية: كنا لا نعد الترية
(1)
شيئًا الكدرة والصفرة بعد الغسل.
قال: وممن كان يقول في المرأة ترى الصفرة بعد الطهر تتوضأ وتصلي: النخعي وحماد، وقال عطاء: كذلك إذا رأت ذلك في غير وقت حيضة، وكان سفيان الثوري يقول في الصفرة تراها بعد أيام حيضها: يكفيها منه الوضوء، وبه قال عبد الرحمن بن مهدي، والأوزاعي، وكان سعيد بن المسيب يقول: تغتسل وتصلي، وبه قال أحمد بن حنبل. وحكي عن النعمان قال: إذا رأت بعد الحيض وبعد
(1)
الترية: الشيء الخفي اليسير، وهو أقل من الصفرة والكدرة، ولا تكون الترية إلا بعد الاغتسال. غريب الحديث لأبي عبيد جـ 1 ص 278 من هامش الأوسط جـ 2 ص 236.
انقطاع الدم العمرة أو الصفرة يوما، أو اثنين، أو ما يجاوز العشر فهو من حيضها، وكذلك الكدرة ولا تطهير حتى ترى البياض خالصا، وإن لم تر دما أيام الحيض،، ورأت الصفرة والحمرة، والكدرة فهو حيض. وقال يعقوب: هو حيض إلا الكدرة، فلا أراها حيضا، إلا أن تكون بعد حمرة أو صفرة، أو دم فهي من الحيض،، وإذا كانت ابتداء لم أرها حيضا، وكذلك النفاس ليس يختلف النفاس والحيض في شيء إلا في عدد الأيام. انتهى كلام ابن المنذر باختصار
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: الراجح عندي قول من قال: إن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وبعد الاغتسال لا يعتد به، عملا بحديث الباب، فإنه نص في هذا، ففي رواية أبي داود بسند صحيح،
عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا". فهذا بيان صريح أن ما كان بعد الطهر من الصفرة والكدرة لا يعتد به، ومفهومه أنه إن كان قبل الطهر فهو حيض، وهذا هو الذي مال إليه البخاري في صحيحه حيث قيد الترجمة بغير أيام الحيض، فقال:"باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض". وبهذا يجمع بين هذا، وبين حديث عائشة رضي الله عنها:"لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البيضاء" فإنه لما كان قبل الطهر. فتبصر. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".
(1)
الأوسط جـ 2 ص 233 - 237.
8 - بابَ ما يُنَالُ مِنَ الحَائضِ وَتَأويلُ قَوْل الله عز وجل:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: آية 222]
أي هذا ذكر الحديث الدال على الشيء الذي يجوز للرجل أن يصيبه من امرأته الحائض، والدال على تأويل هذه الآية.
369 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهُنَّ، وَلَا يُشَارِبُوهُنَّ، وَلَا يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} الآيَةَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤَاكِلُوهُنَّ، وَيُشَارِبُوهُنَّ، وَيُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنْ يَصْنَعُوا بِهِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا خَلَا الْجِمَاعَ. فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا يَدَعُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَأَخْبَرَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
قَالَا: أَنُجَامِعُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ؟ فَتَمَعَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَمَعُّرًا شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ غَضِبَ، فَقَامَا فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةَ لَبَنٍ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَرَدَّهُمَا فَسَقَاهُمَا، فَعُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ عَلَيْهِمَا.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعروف بابن راهويه ثقة ثبت من [10] تقدم في 2/ 2.
2 -
(سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي البصري القاضي بمكة ثقة إمام حافظ من [9] مات سنة 224، وله 80 سنة، تقدم في 181/ 288.
3 -
(حماد بن سلمة) بن دينار أبو سلمة البصري ثقة أثبت الناس في ثابت، من كبار [8] تقدم في 45/ 53.
4 -
(ثابت) بن أسلم البناني، أبو محمَّد البصري ثقة عابد من [4] تقدم في 45/ 53.
5 -
(أنس) بن مالك أبو حمزة الصحابي الجليل رضي الله عنه تقدم في 6/ 6.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وكلهم بصريون، إلا شيخه، فمروزي، ثم نيسابوري.
ومنها: أن أنسًا أحد المكثرين السبعة، روى 2286 حديثا.
شرح الحديث
(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه، أنه (قال: كانت اليهود) بالدال المهملة اسم للقبيلة، وقيل: إنما اسم القبيلة يهوذا يعني بالذال المعجمة، فعرب بقلب الذال دالا، وتقدم تمام الكلام فيه في 181/ 288 (إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن، ولم يشاربوهن) أي لم يفعلوا ذلك معهن تقذرا (ولا يجامعوهن في البيوت) أي لا يخالطوهن، ولا يساكنوهن في البيوت، وليس المراد المجامعة في الفرج (فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم) أي الصحابة، وليس الضمير لليهود، وقد صرح به مسلم فقال:
"فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم"، أي سألوه عما يفعله اليهود (فأنزل الله عز وجل جوابًا عن سؤالهم ({وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}) أي الحيض، فإن المحيض مصدر ميمي، أي حكم الاستمتاع في حالة الحيض ({قُلْ هُوَ أَذًى}) أي المحيض بمعنى الدم السائل، لا بمعنى الستَيلان: قَذَر، ففيه استخدام، وإنما كان أذى لقُبح لونه، ورائحته، ونجاسته، وإضراره (الآية) بالنصب، ويحتمل الرفع، والجر، أي اقرء الآية بتمامها، أو تُقْرأ الآيةُ بتمامها، أو اقرأ إلى آخر الآية (فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن، ويشاربوهن، ويجامعوهن في البيوت، وأن يصنعوا كل ضىء) من أنواع الاستمتاع، كالمباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالقبلة وغيرها (ما خلا الجماع) وعند مسلم "إلا النكاح" ورواية المصنف موضحة لمعنى النكاح.
قال السندي رحمه الله: ظاهره أنه يحل الانتفاع بما تحت الإزار ما عدا الجماع، كما قال محمَّد -يعني ابن الحسن، صاحب أبي حنيفة رحمهما الله- ووافقه قوم، لكن الجمهور على منعه، والأول أقوى
دليلا، والثاني أحوط، وأوفق باتباع النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقد مضى تحقيق الخلاف في ذلك برقم 180/ 285، فراجعه.
(فقالت اليهود: ما يَدعُ) أي يترك (رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا من الرواية بالمعنى، وإلا فَهُم لا يعترفون برسالته، وفي رواية أبي داود:"ما يريد هذا الرجل أن يَدَعَ شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه"(فقام أسيد بن حضير) -بالتصغير فيهما- الأنصاري الأوسي، أسلم قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير، وكان ممن شهد العقبة الثانية، وبدرا، والمشاهد بعدهما (وعباد بن بشر) من بني عبد الأشهل من الأنصار، أسلم بالمدينة على يد مصعب أيضا، وشهد بدرا، وأبلى يوم اليمامة، واستشهد بها (فأخْبَرَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) أي بما قالت اليهود، وعن أبي داود "فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا (قالا: أنجامعهن في المحيض) أي أتأمرنا بمخالفة اليهود فيهن المخالفة التامة، فنجامعهن في حالة الحيض، وإنما حملهما على ما قالاه شدة بغضهما لليهود، وإدخال الغيظ عليهم في ذلك (فتَمَعَّر) بفتحات وتشديد العين، أي تغير رسول الله صلى الله عليه وسلم (تمعرا شديدا) وأصل التمعر: قِلَّةُ النَّضارة، وعدم إشراق اللون، ومنه المكان الأمْعَر، وهو الجَدْب الذي ليس فيه خصْب. وإنما تغير رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهما هذا لمخالفته نص القرآن، قاله في المنهل
(1)
.
(حتى ظننا أن)"أن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوفا، كما قال ابن مالك في الخلاصة:
وَإِنْ تُخَفَّفْ أنَّ فَاسْمُهَا اسْتكَنْ
…
والخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ
وإنْ يكُنْ فعْلًا وَلَمْ يَكُنْ دُعَا
…
وَلَمْ يَكُنْ تَصْريفُهُ مُمْتَنعَا
فَالأحْسَنُ الفَصْلُ بقَدْ أَوْ نَفي، أَوْ
…
تَنفيس أو لوْ وقَليلٌ ذكْرُ لوْ
(1)
المنهل جـ 3 ص 36 - 37.
ولكون الفعل متصرفا غير دعاء، فقد فصله هنا بقد، فقال (قد وجد عليهما) وجد: كَوَعَدَ، وَوَرِمَ، يقال: وَجَدَ عليه يَجِد -بكسر عين المضارع- ويَجُد -بالضم- ولَا نظير له، وَجْدًا، وجدَةً: غضب، قاله في "ق" أي أنه صلى الله عليه وسلم قد غضب على أسيد وعَبّاد (فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرفع على أنه فاعل، ويجوز النصب على المفعولية (هدية لبن) بالنصب والرفع على الوجهين السابقين. يعني أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هديةٌ من لبن، بعث بها بعض أصحابه إليه (فبعث في آثارهما) أي أرسل صلى الله عليه وسلم وراءهما مَن يَرُدُّهُمَا، والآثار: جمع أثَر، مثل سَبَب وأسباب، والمراد آثار أقدامهما (فردهما) المرسَلُ (فسقاهما) صلى الله عليه وسلم ذلك اللبن، وإنما خصهما بذلك تطييبا لخاطرهما، حيث ظنا أنه غضب عليهما (فعُرف) بالبناء للمفعول أي عرف الناس (أنه لم يغضب عليهما) وعند مسلم:"فعرفا أنه لم يغضب عليهما" فالفاء سببية، أي فبسبب ذلك عُرفَ عدم غضبه عليهما.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أنس رضي الله عنه هذا أخرجه مسلم في الصحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف:
أخرجه المصنف هنا 8/ 369 - والكبرى -161/ 281 أو في التفسير من الكبرى 38/ 11037، عن إسحق بن إبراهيم عن سليمان بن حرب. وفي عشرة النساء، من "الكبرى" 46/ 9097 ببعضه أيضا عن عمرو بن علي، عن عبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عنه.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (م د ت ق):
فأخرجه (م) في الطهارة عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، وأخرجه (د) فيه، وفي النكاح عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه (ت) في التفسير عن عبد بن حميد، عن سليمان بن حرب، وعن محمَّد بن عبد الأعلى، عن عبد الرحمن بن مهدي، وقال: حسن صحيح، ثلاثتهم عن حماد به.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: تحريم وطء الحائض، وهو مجمع عليه، ومستحله كافر.
ومنها: جواز الاستمتاع بالحائض بكل أنواع الاستمتاع ما عدا الوطء
ومنها: سماحة دين الإسلام، حيث أحل الاستمتاع المذكور.
ومنها: عدم مقابلة المسلم بما يسؤه، وإن أساء، فإنه صلى الله عليه وسلم ما كلمهما، بل سكت.
ومنها: مشروعية الغضب على من ارتكب ما لا يليق به.
ومنها: أنه لا يصح إغاظة العَدُوِّ بما يخالف الشرع.
ومنها: مشروعية قبول الهدية، وتفريقها عدى غير المُهدَى إليه.
ومنها: أنه لا ينبغي استمرار الغضب على المسلم، إذا لم يوجد ما يقتضي ذلك.
ومنها: استحباب سكوت التابع عند غضب المتبوع تَأدُّبًا معه.
ومنها: مشروعية الملاطفة والمؤانسة بعد الغضب.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم ذكر اختلاف العلماء في مباشرة الحائض، وترجيح قول من قال: إنه يحل له الاستمتاع بجميع أجزائها ما عدا الإيلاج في الفرج، وإن كان الأولى أن لا يباشرها إلا ما فوق الإزار احتياطا، برقم 180/ 285 فارجع إليه تزدد علما.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
9 - بَابُ مَا يَجبُ عَلَى مَنْ أتَى حَليلَتَهُ فِي حَالِ حَيْضِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِنَهْيِ اللهِ تَعَالَى
370 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فِي الرَّجُلِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، "يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ"، أَوْ "بِنِصْفِ دِينَارٍ".
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(عمرو بن علي) أبو حفص الفلاس الصَّيْرَفي البصري ثقة حافظ من [9] تقدم في 4/ 4.
2 -
(يحيى) بن سعيد القطان، أبو سعيد البصري ثقة ثبت من كبار [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الإمام الحجة البصري من [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(الحكم) بن عُتيبة أبو محمَّد الكندي الكوفي، ثقة ثبت فقيه ربما دلَّس من [5] تقدم في 86/ 104.
5 -
(عبد الحميد) بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي أبو عمر المدني ثقة من [4] توفي بحَرَّان في خلافة هشام، وتقدم في 182/ 289.
5 -
(مقْسَم) بن بُجرة -بضم فسكون- ويقال: نَجْدَة -بفتح فسكون- أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال: مولى ابن عباس للزومه له، صدوق يرسل من [4] وتقدم في 182/ 289.
6 -
(ابن عباس) عبد الله الحبر البحر رضي الله عنه تقدم 27/ 31.
فائدة: قال يحيى بن سعيد القطان: لم يسمع الحكم عن مقْسَم إلا خمسة أحاديث: حديث الوتر، والقنوت، وعزمة الطلاق، وجزاء الصيد، والرجل يأتي امرأته وهي حائض، ذكره في تهذيب التهذيب في ترجمة الحكم جـ 2 ص 434، ونظمته بقولي:
اعْلَم بأنَّ حكَمًا قَدْ سَمِعَا
…
عَنْ مقْسَم خَمْسًا فَقَطْ فَاسْتَمعَا
حَديثُ وتْر وَقُنُوت وَجَزَا
…
صَيْد وَعَزمَةُ الطَلاق أنْجِزَا
وَرَجُلٌ جَامَعَ زَوْجًا حَائضَا
…
قَدْ عَدَّهَا القَطَّانُ يَحْيَى المُرتَضَى
ذَكَرَهُ الحافظُ في التَّهْذيب
…
فَأَتْقنَنَّ الحِفْظَ بالتَّهْذِيبِ
والحديث مضى مستوفى الشرح برقم 181/ 289، فراجعه تزدد علمًا.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
10 - مُضَاجَعَةُ الحَائِضِ
371 -
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، (ح) وَأخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، (ح) وَأخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ -وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ-، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "أَنَفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ.
وَاللَّفْظُ لِعُبَيْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ.
رجال هذا الإسناد: عشرة
1 -
(عبيد الله بن سعيد) اليَشْكُري أبو قُدَامَة السَّرَخْسيّ، نزيل نيسابور، ثقة مأمون سنين من [10] تقدم في 15/ 15.
2 -
(معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله سَنْبَر الدَّسْتوائي البصري، وقد سكن اليمن، صدوق رُبما وهم من [9] تقدم في 30/ 34.
3 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي الإمام الحجة من [10]، تقدم في 2/ 2.
4 -
(هشام) بن أبي عبد الله -سَنْبر- أبو بكر البصري الدستوائي، ثقة ثبت، وقد رمي بالقدر، من كبار [7] تقدم في 23/ 25.
5 -
(إسماعيل بن مسعود) الجَحْدَريُّ البصري، أبو مسعود ثقة من [10] تقدم في 42/ 47.
6 -
(خالد بن الحارث) الهُجَيمي البصري ثقة ثبت من [8] تقدم في 42/ 47.
7 -
(يحيى بن أبي كثير) اليمامي، أبو نَصْر الطائي مولاهم، ثقة ثبت يدلس ويرسل [5] تقدم 23/ 24.
8 -
(أبو سلمه) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني أحد الفقهاء ثقة مكثر من [3] تقدم في 1/ 1.
9 -
(زينب بنت أبي سلمة) رَبيبَة النبي صلى الله عليه وسلم تقدمت في 123/ 182.
10 -
(أم سلمة) هند بنت أبي أمية المخزومية أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 123/ 182.
قال الجامع عفا الله عنه: تقدم شرح الحديث مستوفى برقم 179/ 283 - وأذكر هنا بعض تفسير الألفاظ الغريبة تذكيرًا لما مضى،
فأقول:
قوله (فانسللت) أي ذهبت في خُفْية (ثياب حيضتي) بالفتح والكسر، الفتح على أنه مصدر، ومعناه ثيابي التي ألبسها زمن الحيض، والكسر على أنه هيئة، والمعنى ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض (أنفست؟) روي بفتح النون، وكسر الفاء، وبضم النون وكسر الفاء، والمعنى: أحضت؟ (في الخميلة) بفتح الخاء المعجمة، وكسر الميم،: القطيفة، وقال النووي: قال أهل اللغة: هو كل ثوب له خمل من أي لون كان، وقيل: هو الأسود فقط.
وإن شئت تمام شرح الحديث، وبيان متعلقاته، فارجع إلى الرقم المذكور، تستفد.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
11 - بَابُ نَوْمِ الرَّجُلِ مَعَ حَلِيلَتِهِ فِي الشِّعَارِ الوَاحِدِ وَهِيَ حَائِضٌ
الحليلة هي الزوجة، كالحليل للزوج، سُمِّيا بذلك لأن كل واحد منهما يُحلُّ من صاحبه مَحَلا لا يحله غيره. قاله في المصباح.
والشِّعار بالكسر: ما وَليَ الجَسَدَ من الثياب، والدِّثارُ -بوزنه-: ما يُلبس فوق الشعار.
372 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خِلَاسًا يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَبِيتُ فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ، وَأَنَا طَامِثٌ، أَوْ حَائِضٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ، غَسَلَ مَكَانَهُ، وَلَمْ يَعْدُهُ، وَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ يَعُودُ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، غَسَلَ مَكَانَهُ، وَلَمْ يَعْدُهُ، وَصَلَّي فِيهِ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(محمَّد بن المثنى) أبو موسى العَنَزي البصري، ثقة ثبت من [10]، تقدد في 64/ 80.
2 -
(يحيى بن سعيد) القطان أبو سعيد ثقة ثبت [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(جابر بن صُبح) الرَّاسبيُّ، أبو بشر البصري صدوق [7] تقدم في 179/ 284.
4 -
(خلاس) بن عَمْرو الهَجَري البصري، ثقة يرسل [2] تقدم في 46/ 57.
5 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى مشروحا بما يكفي ويشفي، برقم 179/ 284، فارجع إليه تزدد علمًا. والله ولي التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
12 - مُبَاشَرَةُ الحَائِضِ
373 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَشُدَّ إِزَارَهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(قتيية) بن سعيد، مر قريبا.
2 -
(أبو الأحوص) سَلام بن سُلَيم الحَنَفي مولاهم الكوفي ثقة متقن صاحب حديث من [7] مات سنة 179، وتقدم في 79/ 96.
3 -
(أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي ثقة عابد اختلط بآخره [3] تقدم 38/ 42.
4 -
(عمرو بن شرَحْبيل) الهَمْداني أبو مَيْسَرَة الكوفي ثقة عابد مخضرم 180/ 285.
5 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى مستوفى الشرح برقم 180/ 285، فارجع إليه تزدد علمًا. والله ولي التوفيق.
374 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا حَاضَتْ، أَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَّزِرَ، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعرووف بابن راهويه الإمام الحجة [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(جرير) بن عبد الحميد بن قُرط الضَّبي الكوفي، نزيل الرَّيّ ثقة تقدم في 2/ 2.
3 -
(منصور) بن المعتمر أبو عَتَّاب -بالمثناة- الكوفي ثقة حجة من [5] تقدم في 2/ 2.
4 -
(إبراهيم) بن يزيد، أبو عمران النخعي الكوفي ثقة فقيه يرسل [5] تقدم في 29/ 33.
5 -
(الأسود) بن يزيد أبو عمران النخعي الكوفي ثقة ثبت [2] تقدم في 29/ 33.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى مشروحا برقم 180/ 286 فارجع إليه تستفد، والله ولي التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
13 - ذِكْرُ مَا كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ إذَا حَاضَتْ إحْدَى نِسَائِهِ
375 -
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ -وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ- عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً، مَعْنَاهَا: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ مَعَ أُمِّي وَخَالَتِي، فَسَأَلَتَاهَا: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ إِذَا حَاضَتْ إِحْدَاكُنَّ؟ قَالَتْ: كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا حَاضَتْ إِحْدَانَا أَنْ تَتَّزِرَ بِإِزَارٍ وَاسِعٍ، ثُمَّ يَلْتَزِمُ صَدْرَهَا وَثَدْيَيْهَا.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(هَنَّاد بن السَّريّ) بن مُصعب التميمي، أبو السري الكوفي، ثقة [10] تقدم في 23/ 25.
2 -
(أبو بكر بن عَيَّاش) -بتحتانية مشددة، وآخره شين معجمة- بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحَنَّاط، مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه، ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح [7] تقدم في 98/ 127.
3 -
(صدقة بن سعيد) الحنفي الكوفي.
روى عن جُميع بن عُمير، وبلال بن المنذر، ومصعب بن شيبة العبدري. وعنه ابنه أبو حماد المفضلُ، والثوري، وزائدة، وأبو بكر بن
عياش وعبد الواحد بن زياد، وأيوب بن حاتم، قال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: عنده عجائب، وضعفه ابن وضَّاح، وقال الساجي: ليس بشيء. وفي التقريب: مقبول من [6] أخرج له أبو داود، والمصنف، وابن ماجه
(1)
.
4 -
(جُميع بن عُمير) -بتصغير الاسمين- بن عَفَّاق التيمي، أبو الأسود الكوفي، من بني تيم الله بن ثعلبة.
روى عن عائشة، وابن عمر، وأبي بردة بن نيار.
وعنه الأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وابنه محمَّد بن جميع، وحكيم بن جبير، وعدَّة منهم العوّام بن حَوْشَب، ولكن قال: عن جامع بن أبي جميع، وقال مرة: أخبرني ابن عم لي يقال له: مُجَمِّع.
قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو حاتم: كوفي تابعي من عتق الشيعة، محله الصدق، صالح الحديث، وقال ابن عدي: هو كما قال البخاري في أحاديثه نظر، وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد. وروى
عن هشيم، عن العوام بن حوشب، عن عمير بن جميع، قال الخطيب في "رافع الارتياب": قلب أبو سفيان الحميري اسمه عن هشيم، وقد رواه عمرو بن عون عن هشيم، عن العوام، عن جميع بن عمير على الصواب. انتهى. وله عند الأربعة ثلاثة أحاديث، وقد حسَّن الترمذي بعضها، وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس، كان يقول: أن الكراكي تفرخ في السماء، ولا يقع فراخها، رواه ابن حبان في كتاب الضعفاء بإسناده، وقال: كان رافضيا يضع الحديث، وقال الساجي: له أحاديث مناكير، وفيه نظر، وهو صدوق، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال أبو العرب الصقلي: ليس يتابع أبو الحسن على هذا
(2)
.
وفي التقريب: صدوق يخطئ، ويتشيع من [3].
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
(1)
تت جـ 4 ص 415، ت ص 152.
(2)
تت جـ 2 ص 111 - 112.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم كوفيون، فهو مسلسل بالكوفيين، إلا عائشة رضي الله عنها فمدنية.
ومنها. أن صدقة وجُمَيْعا هذا أولُ محل ذكرهما من هذا الكتاب.
ومنها: أن عائشة من المكثرين السبعة، روت 2210 حديثًا.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث من أفراد المصنف من بين الستة وهو ضعيف؛ لأن في سنده صدقة، وشيخه، وقد تقدم كلام الأئمة فيهما، وشرحه واضح. والله أعلم.
376 -
أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِنٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، وَاللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ بُدَيَّةَ، وَكَانَ اللَّيْثُ يَقُولُ: نَدَبَةَ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ، وَهِيَ حَائِضٌ، إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخِذَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ.
فِى حَدِيثِ اللَّيْثِ: تَحْتَجِزُ بِهِ.
رجال الإسناد: ثمانية
1 -
(الحارث بن مسكين) أبو عمرو المصري، قاضيها ثقة فقيه من [10] تقدم في 9/ 9.
2 -
(عبد الله بن وهب) بن مسلم أبو محمَّد القرشي مولاهم المصري ثقة حافظ عابد [9] تقدم في 9/ 9.
3 -
(يونس) بن يزيد بن أبي النِّجاد الأيلي، أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، ثقة، إلا أن في روايته عن الزهري وَهما قليلا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار [7] تقدم في 9/ 9.
4 -
(الليث) بن سعد أبو الحارث الفهمي المصري ثقة ثبت فقيه [7] تقدم في 31/ 35.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "والليث" بالجر عطفًا على "يونس"، ويقدر قبل قوله:"عن ابن شهاب" لفظ "كلاهما" أي يونس، والليث يرويان عن ابن شهاب.
5 -
(ابن شهاب) الزهري الإمام الحجة [4] تقدم في 1/ 1.
6 -
(حبيب مولى عروة) الأعور المدني مقبول [3] تقدم 180/ 287.
7 -
(بُدية) -بموحدة أولها مع التصغير- ويقال: نُدْبة -بضم أولها- ويقال: بفتحها، وسكون الدال بعدها موحدة، مقبولة [3]، ويقال: إن لها صحبة تقدمت 180/ 287.
8 -
(ميمونة) بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها، تقدمت 146/ 236.
قال الجامع: تقدم شرح الحديث مستوفى، وكذا ذكر متعلقاته برقم 180/ 287 - فارجع إليه تستفد. والله ولي التوفيق.
14 - بَابُ مُؤَاكَلَةِ الحَائِضِ والشُّرْبِ مِنْ سُؤرِهَا
377 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَهِيَ طَامِثٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونِي، فَآكُلُ مَعَهُ، وَأَنَا عَارِكٌ، كَانَ يَأْخُذُ الْعَرْقَ، فَيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ، فَأَعْتَرِقُ مِنْهُ، ثُمَّ أَضَعُهُ، فَيَأْخُذُهُ فَيَعْتَرِقُ مِنْهُ، وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنَ الْعَرْقِ، وَيَدْعُو بِالشَّرَابِ فَيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَآخُذُهُ، فَأَشْرَبُ مِنْهُ، ثُمَّ أَضَعُهُ، فَيَأْخُذُهُ فَيَشْرَبُ مِنْهُ، وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنَ الْقَدَحِ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(قتيية) بن سعيد تقدم قريبًا.
2 -
(يزيد بن المقدام) بن شريح بن هانئ الحارثي الكوفي صدوق من [9] تقدم في 177/ 279.
3 -
(المقدام) بن شُريح بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي ثقة [6] تقدم في 8/ 8.
4 -
(شريح) بن هانئ بن يزيد الحارثي أبو المقدام الكوفي، مخضرم ثقة، قُتل مع ابن أبي بكرة بسجستان، تقدم 8/ 8.
5 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
تنبيه: وقع في بعض نسخ "المجتبى" هنا خطأ في السند، حيث قال:"عن أبيه شُريح"، والصواب كما في بعض النسخ:"عن أبيه، عن شريح"، بزيادة "عن" فتنبه.
قال الجامع: تقدم الحديث مستوفًى الشرح برقم 177/ 280 وقوله: (طامث) أي حائض (عارك) أي حائض (العرق) بفتح العين وسكون الراء: العظم الذي أخذ منه معظم اللحم، وبقي عليه بقية من اللحم (فأعترق منه) أي آكل من ذلك العرق. وإن أردت تمام الشرح فراجع الرقم المذكور، تستفد. وبالله التوفيق.
378 -
أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَزَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ فَاهُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشْرَبُ مِنْهُ، وَيَشْرَبُ مِنْ فَضْلِ شَرَابِي، وَأَنَا حَائِضٌ.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(أيوب بن محمَّد الوَزَّان) أبو محمَّد الرَّقِّي، ثقة تقدم في 28/ 32.
2 -
(عبد الله بن جعفر) بن غيلان الرّقّي أبو عبد الرحمن القرشي مولاهم، ثقة لكنه تغير بآخره، فلم يفحش اختلاطه [10] تقدم في 177/ 280.
3 -
(عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الرَّقّي أبو وهب الأسدي ثقة فقيه ربما وهم [3] أو تقدم بالرقم المذكور.
4 -
(الأعمش) سليمان بن مهران أبو محمَّد كوفي ثقة [5] تقدم 17/ 18.
والباقون تقدموا في السند السابق، وكذا الحديث مضى مشروحا برقم 178/ 280. وبالله التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
15 - الانْتِفَاعُ بِفَضْلِ الحَائِضِ
379 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاوِلُنِي الإِنَاءَ فَأَشْرَبُ مِنْهُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُعْطِيهِ فَيَتَحَرَّى مَوْضِعَ فَمِي، فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن منصور) الخُزاعي الجَوَّاز المكي، ثقة [10] تقدم في 20/ 21.
2 -
(سفيان) بن عيينة أبو محمَّد الكوفي ثم المكي، ثقة ثبت حجة [8] تقدم في 1/ 1.
3 -
(مِسْعر) بن كِدَام الهلالي، أبو سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل [7] تقدم في 8/ 8.
والباقون تقدموا في السند السابق، وكذا الحديث مضى مشروحًا بالرقم المتقدم. والله ولي التوفيق.
380 -
أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، وَسُفْيَانُ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَشْرَبُ مِنَ الْقَدَحِ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ مِنْهُ، وَأَتَعَرَّقُ مِنَ الْعَرْقِ، وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ.
رجال الإسناد: سبعة
كلهم تقدموا في السند السابق، إلا محمود بن غيلان المروزي، أبا أحمد، ثقة ثبت [10] تقدم في 33/ 37. ووكيعا، وهو ابن الجراح الكوفي ثقة حافظ ثبت [9] تقدم في 23/ 25.
وكذا الحديث مضى مشروحا برقم 178/ 282، فارجع إليه تستفد. والله ولي التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
16 - بَابُ الرَّجُلِ يَقْرَأ القُرْآنَ، وَرَأسُهُ فِي حِجْرِ امْرَأتِهِ وَهيَ حَائِضٌ
381 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَأْسُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِ إِحْدَانَا، وَهِيَ حَائِضٌ، وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي نزيل نيسابور، ثقة ثبت [10] تقدم في 2/ 2.
2 -
(علي بن حُجْر) السَّعدي المروزي ثقة حافظ من صغار [9] تقدم في 13/ 13.
3 -
(سفيان) بن عيينة تقدم قريبا.
4 -
(منصور) بن عبد الرحمن الحَجَبي المكي ثقة [5] تقدم في 159/ 251.
5 -
(أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان العبدرية، لها رؤية، تقدمت بالرقم المذكور.
6 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها، تقدمت قريبا.
وكذا الحديث مضى مستوفى الشرح هناك فلا حاجة إلى إطالة الكتاب بإعادته. والله ولي التوفيق.
17 - بَابُ سُقُوطِ الصَّلاة عَنِ الحَائِضِ
382 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ عَائِشَةَ: أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قَدْ كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا نَقْضِي، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءٍ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي، أبو محمَّد النيسابوري، ثقة ثبت [10] تقدم في 368.
2 -
(إسماعيل بن علية) أبو بشر البصري ثقة ثبت تقدم في 18/ 19.
3 -
(أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري ثقة حجة تقدم في 42/ 48.
4 -
(أبو قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر الجَرْمِيُ البصري، ثقة فاضل كثير الإرسال من [3] تقدم في 322.
5 -
(معاذة) بنت عبد الله العدوية أم الصَّهْبَاء البصرية ثقة من [3] تقدمت في 41/ 46.
6 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم بصريون إلا شيخه فنيسابوري، وإلا عائشة رضي الله عنها فمدنية، وأن فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، أيوب، وأبو قلابة، ومعاذة.
شرح الحديث
(عن معاذة العدوية) البصرية معدودة في فقهاء التابعين، أنها (قالت: سألت امرأة عائشة) رضي الله عنها، المرأة المبهمة هي معاذة الراوية نفسها، كما بينها مسلم في صحيحه، وغيره "قالت: سألت عائشة" (أتقضي الحائض الصلاة؟) وهذا تفسير للسؤال الصادر منها، وللبخاري "أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت" بفتح أول "تجزي": أي تقضي، وصلاتها بالنصب مفعوله، ويروى "أتُجزئ" بضم أوله، وهمز آخره: أي أتكفي المرأةَ الصلاةُ الحاضرة وهي طاهرة، ولا تحتاج إلى قضاء الفائتة في زمن الحيض، فصلاتها على هذا بالرفع على الفاعلية، وقال الحافظ: والأول أشهر، يعني رواية "تَجزي" بالفتح، وفي رواية عند مسلم: "قالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ " (فقالت) عائشة رضي الله عنها (أحرورية أنت؟) الهمزة للاستفهام الإنكاري، وحرورية خبر مقدم، وأنت مبتدأ مؤخر.
قال البدر العيني رحمه الله: فائدة تقديم الخبر: الدلالة على الحصر أي أنت حرورية لا غير.
الحَرُوريَّة: نسبة إلى حَرُورَاء -بفتح الحاء، وضم الراء المهملتين، وبعد الواو الساكنة راء أيضا- بلدة على ميلين من الكوفة، والأشهر أنها بالمد، قال المبرد: النسبة إليها حروراوي، وكذا كل ما كان في آخره تأنيث ممدودة، ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد، ويقال لمن يعتقد
مذهب الخوارج: حروري، لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة، فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فِرَق كبيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن، ورَدُّ ما زاد عليه من الحديث مطلقا، قاله الحافظ
(1)
.
وقال البدر العيني رحمه الله: وكبار فرق الحرورية: ستة: الأزارقة
(2)
والصفرية
(3)
، والنجدات
(4)
، والعجاردة
(5)
، والإباضية
(6)
، والثعالبة، والباقون فروعهم، وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، ويجمعهم القول بالتَّبرّي من عثمان، وعلي رضي الله عنهما، ويُقَدّمُون ذلك على كل طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك، وكان خروجهم على عهد علي رضي الله عنه لما حَكَّمَ أبا موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وأنكروا على علي في ذلك، وقالوا: شككت في أمر الله، وحَكَّمْتَ عدوك، وطالت خصومتهم، ثم أصبحوا يوما وقد خرجوا وهم ثمانية آلاف، وأميرهم عبد الله بن الكواء، فبعث إليهم عليٌ عبد الله بن عباس، فناظرهم، فرجع منهم ألفان، وبقيت ستة آلاف، فخرج إليهم علي فقاتلهم، وكانوا يشددون في الدين، ومنه قضاء الصلاة على الحائض، قالوا: إذ لم يسقط في كتاب الله تعالى عنها على أصلها، وقد قلنا: إن حروراء: اسم قرية، وهي ممدودة، وقال بعضهم: بالقصر أيضا، حكاه أبو عبيد، وزعم
(1)
فتح جـ 1 ص 502.
(2)
الأزارقة من الخوارج نسبوا إلى نافع بن الأزرق. اهـ "ق".
(3)
الصُّفرية -بالضم، ويكسر: قوم من الحرورية، نسبوا إلى عبد الله بن صفَّار، أو إلى زياد بن الأصفر، أو إلى صفرة ألوانهم، أو لخلوهم عن الدين. "ق".
(4)
النَّجَدات: محركةً: أصحاب نَجْدَة بن عامر الحنفى الخارجي. "ق".
(5)
العجاردة: أصحاب عبد الكريم بن العَجَرَّد، كعملس، رئيس الخوارج. "ق".
(6)
نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي. "ق".
أبو القاسم الفوراني أن حروراء هذه موضع بالشام، وفيه نظر، لأن عليا رضي الله عنه إنما كان بالكوفة، وقتاله لهم إنما كان هناك، ولم يأت أنه قاتلهم بالشام، لأن الشام لم يكن في طاعة علي رضي الله عنه، وعلى ذلك أطبق الؤرخون. انتهى كلام العيني
(1)
.
وإنما قالت لها عائشة رضي الله عنها: "أحرورية أنت" لأن طائفة
من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض، وهو خلاف الإجماع فظنتها منهم. أو لأن هذا السؤال فيه تنطع،
والتنطع من عادة الخوارج، أو أرادت زجرها بذلك، لما في صورة السؤال من رائحة الاعتراض، حيث قالت كما في الرواية السابقة:"ما بَالُ".
وقال الحافظ رحمه الله عند الكلام على الحرورية ما حاصله: وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دَلَّ عليه القرآن، ورَدُّ ما زاد عليه من الحديث مطلقا، ولهذا استفهمت عائشة معاذةَ استفهام إنكار، وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذة:"فقلت: لا، ولكني أسأل" أي سؤالا مجردا لطلب العلم، لا للتعنت، وفهمت عائشة عنها طلب الدليل، فاقتصرت في الجواب عليه دون تعليل.
والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام: أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج، بخلاف الصيام، ولمن يقول بأن الحائض مخاطبة بالصيام أن يفرق بأنها لم تخاطب بالصلاة أصلا.
وقال ابن دقيق العيد: اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء لكونها لم تؤمر به يحتمل وجهين:
أحدهما: أنها أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء، فيتمسك به
(1)
عمدة القاري جـ 3 ص 300 - 301.
حتى يُوجد المعارض، وهو الأمر بالقضاء، كما في الصوم.
ثانيهما: -قال: وهو أقرب- أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرار الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم، وحيث لم يُبَيِّنْ دلَّ على عدم الوجوب، لا سيما، واقترن بذلك الأمر بقضاء الصوم، كما في رواية عاصم عن معاذة، عند مسلم. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
(قد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية مسلم: "قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية له "قد كُنَّ نساءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضن".
أي قد كنا معاشرَ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نحيض عنده، وفي بيوته، مع اطلاعه صلى الله عليه وسلم على حالنا زمن الحيض، وتركنا للصلاة (فـ) ـمع ذلك (لا نقضي) ما فاتنا منها (ولا نؤمر بقضائها) أي لا يأمرنا صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الصلاة.
والاستدلال بقولها: "فلم نكن نقضي" أوضح من الاستدلال بقولها: "فلم نؤمر به" لأن عدم الأمر بالقضاء هنا قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب، لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على
وجوب القضاء. أفاده الحافظ.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه عند المصنف:
أخرجه هنا -17/ 382 - بهذا السند، وفي الصوم -64/ 2318 - عن علي بن حُجر، عن علي ابن مُسهر، عن سعيد بن أبي عَرُوبَةَ، عن قتادة عن مُعاذَة، عنها.
(1)
فتح جـ 1 ص 502 - 503.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه من أصحاب الأصول: أخرج (خ م د ت ق)، فأخرجه (خ) في الحيض عن موسى بن إسماعيل، عن همام، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجه (م) فيه عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد - وعن محمَّد بن المثنى، عن غُندر، عن شعبة -كلاهما عن يزيد الرِّشك، وعن أبي الربيع، عن حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، وعن عبد بن حُمَيد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن عاصم الأحول- ثلاثتهم عن معاذة، عنها.
وأخرجه (د) فيه عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن أيوب به، وعن الحسن بن عمرو، عن سفيان بن عبد الملك، عن ابن المبارك، عن معمر، عن أيوب، عن معاذة به، ولم يذكر أبا قلابة. وأخرجه (ت) فيه عن قتيبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة به، وقال: حسن صحيح. وأخرجه (ق) فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، به.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: سقوط الصلاة عن الحائض أداءً وقضاءً، وهو الذي أراده المصنف بالترجمة.
ومنها: سؤال أهل العلم لمن كان يجهل أمرا من أوامر الشرع.
ومنها: استفسار العالم السائلَ عن وجه سؤاله هل هو مسترشد أم معارض للحكم؟ فإن جواب المسترشد ليس كجواب المعارض.
ومنها: ذكر الدليل في محل الجواب، لأنه يكون كافيا عن طلب الدليل، إذ لو أجابت عائشة بالحكم ربما طالبتها السائلة بالدليل، فتحتاج إلى ذكره مرة أخرى.
المسألة الخامسة: في أقوال أهل العلم في صلاة الحائض وصومها:
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله: أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم على إسقاط فرض الصلاة عن الحائض في أيام حيضها، وكذا الصوم، ثم أجمعوا على أن عليها الصوم بعد الطهر، ونَفَى الجميعُ عنها وجوبَ الصلاة، فثبت قضاء الصوم عليها بإجماعهم، وسقط عنها فرض الصلاة لاتفاقهم، انتهى بتغيير
(1)
.
وحكى ابن عبد البر رحمه الله عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبون على الحائض قضاء الصلاة. وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به، فأنكرت عليه أم سلمة رضي الله عنها، لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب، كما قاله الزهري، وغيره، ومستند الإجماع هذا الحديث الصحيح.
وكان قوم من قدماء السلف يأمرون الحائض إذا دخل وقت الصلاة أن تتوضأ، وتستقبل القبلة تذكر الله تعالى كيلا تَتَعَوَّد البطالة وترك الصلاة، وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين، واستحبه بعضهم، وقال بعضهم: هو أمر تركه مكروه عند جماعة.
وقال النووي رحمه الله في شرح المهذب: مذهبنا ومذهب جمهور العلماء من السلف والخلف أنه ليس على الحائض وضوء ولا تسبيح ولا ذكر في أوقات الصلوات، ولا في غيرها، وممن قال بهذا الأوزاعي، ومالك، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، حكاه عنهم ابن جرير. وعن الحسن البصري قال: تتطهر وتُسبح، وعن أبي جعفر قال: كنا نأمر النساء الحُيَّض أن يتوضأن في وقت الصلاة، ويجلسن، ويذكرن الله عز وجل، ويسبحن، وهذا الذي قالاه محمول على
(1)
الأوسط جـ 2 ص 202 - 203.
الاستحباب عندهما، فأما استحباب التسبيح فلا بأس به، وإن كان لا أصل له على هذا الوجه المخصوص، وأما الوضوء فلا يصح عندنا، وعند الجمهور، بل تأثم إن قصدت العبادة. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الصحيح في هذا مذهب الجمهور، وما عداه من الأقوال تنطع، وتشريع ما لم يأذن الله به، فلا ينبغي الالتفات إليه، فلو كان فيما قالوه خير لكان الله أمر به، ولسنَّه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكان الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إليه، وقد قال الله تعالى:{لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} فالفلاح كل الفلاح في التمسك بما ثبت عمن أنزل الله عليه قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وقوله: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . رزقنا الله التمسك بهديه، وجنبنا الابتداع في شرعه بما لم يأذن به الله تعالى، إنه ولي ذلك.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
18 - بَابُ اسْتِخَدَامِ الحَائِضِ
383 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ إِذْ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي الثَّوْبَ". فَقَالَتْ: إِنِّي لَا أُصَلِّي. فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِكِ". فَنَاوَلَتْهُ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(محمَّد بن المثنى) أبو موسى العَنَزيّ البصري ثقة ثبت تقدم 64/ 80.
2 -
(يحيى بن سعيد) القطان البصري [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(يزيد بن كيسان) اليشكري أبو إسماعيل، أو أبو مُنَين -مصغرا- الكوفي صدوق يخطئ [6] تقدم في 173/ 270.
4 -
(أبو حازم) سلمان الأشجعي الكوفي ثقة [3] مات على رأس المائة.
5 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه تقدم في 1/ 1.
والحديث مضى مشروحا برقم 173/ 270 فارجع إليه تستفد. وبالله التوفيق.
384 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ (ح) وَأَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ". فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَتْ حَيْضَتُكِ فِي يَدِكِ".
قَالَ إِسْحَاقُ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
رجال الإسناد: ثمانية
1 -
(قتيبة بن سعيد) البغلاني أبو رجاء تقدم في 1/ 1.
2 -
(عَبيدَة) بن حُميد -بفتح "عبيدة" مكبرًا، وضم "حُمَيد" مصغرًا- الكوفي أبو عبد الرحمن الحَذَّاء التيمي أو الليثي، أو الضبي صدوق نحوي ربما أخطأ [8] تقدم 13/ 13.
3 -
(الأعمش) سليمان بن مهران أبو محمَّد الكوفي ثقة ثبت مدلس -5 - 17/ 18.
4 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي ابن راهويه ثقة ثبت حجة -10 - تقدم 2/ 2.
5 -
(جرير) بن عبد الحميد بن قُرط الضبي الكوفي، نزيل الرّيّ ثقة ثبت -8 - تقدم 2/ 2.
6 -
(ثابت بن عُبيد) الأنصاري مولى زيد بن ثابت كوفي ثقة [3] تقدم 173/ 271.
7 -
(القاسم بن محمَّد) بن أبي بكر المدني ثقة ثبت -3 - تقدم 116/ 161.
8 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى مستوفى الشرح برقم 173/ 271. فارجع إليه تستفد. وبالله التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
19 - بَسْطُ الحَائِضِ الحُمْرَةِ فِي المَسجِدِ
385 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْبُوذٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ إِحْدَانَا فَيَتْلُو الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ، وَتَقُومُ إِحْدَانَا بِخُمْرَتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَتَبْسُطُهَا وَهِيَ حَائِضٌ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(محمَّد بن منصور) الخُزاعي الجوَّاز المكي، ثقة -10 - تقدم 20/ 21.
2 -
(سفيان) بن عيينة أبو محمَّد الإمام الحجة -8 - تقدم في 1/ 1.
3 -
(مَنْبُوذ) بن أبي سليمان المكي، ويقال: اسمه سليمان، ومنبوذ لقبه، مقبول [6] تقدم 174/ 273.
4 -
(أمه) أم مَنْبُوذ، روت عن ميمونة، وعنها ابنها منبوذ، مقبولة من [3] تقدمت 174/ 273.
5 -
(ميمونة) بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت 146/ 236.
والحديث مضى مشروحا برقم 174/ 273. فراجعه تستفد. وبالله التوفيق.
20 - بَابُ تَرْجيل الحَائض رَأسَ زَوْجِهَا وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الَمْسْجِدِ
386 -
أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَيُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صُهْبان الأزدي الجهضمي، أبو عمرو البصري، ثقة ثبت -10 - .
روى عن أبيه، ويزيد بن زريع، وعبد الأعلي بن عبد الأعلى، وعيسى بن يونس، وغيرهم.
روى عنه الجماعة، وروى النسائي أيضا عن زكرياء الساجي، وأحمد بن علي المروزي، عنه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والذهلي، وغيرهم.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه؟ فقال: ما به بأس، ورضيته، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبيّ عن نصر بن علي، وأبي حفص الصيرفي؟ فقال: نصر أحب إليّ، وأوثق، وأحفظ من أبي حفص، قلت: فما تقول في نصر؟ قال: ثقة. وقال النسائي، وابن
خراش: ثقة، وقال عبد الله بن محمَّد الفرهياني: نصر عندي من نبلاء الناس، وقال أبو علي بن الصَّوَّاف، عن عبد الله بن أحمد: لما حَدَّث نصر بن علي بهذا الحديث -يعني حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين، فقال:"من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان في درجتي يوم القيامة"- أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه فيه جعفر بن عبد الواحد، وجعل يقول له: هذا من أهل السنة، فلم يزل به حتى تركه. وقال الحسين بن إدريس الأنصاري: سئل محمَّد بن علي النيسابوري عن نصر بن علي؟ فقال: حجة، وقال أبو بكر بن أبي داود: كان المستعين بعث إلى نصر بن علي ليوليه القضاء، فقال لأمير البصرة: أرجع فأستخير الله تعالى، فرجع إلى بيته فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إن كان لي عندك خير، فاقبضني إليك، فنام فنبهوه، فإذا هو ميت، وقال الخُشَني: ما كتبت بالبصرة عن أحد أعقل من نصر بن علي. مات 250، وقيل: 251
(1)
.
2 -
(عبد الأعلى) بن عبد الأعلي بن محمَّد، وقيل: ابن شراحيل القرشي البصري السامي، من بني سامة بن لؤي، أبو محمَّد، ويلقب أبا هَمَّام، وكان يغضب منه، ثقة -8 - .
روى عن حميد الطويل، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، وعبيد الله بن عمرو، وداود بن أبي هند، ومعمر، وغيرهم.
وعنه إسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن عياش، وعلي بن المديني، ونصر بن علي بن نصر الجهضمي، وغيرهم.
وثقه أبو زرعة، وابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان متقنًا
(1)
تت جـ 10 ص 430 - 431.
في الحديث، قَدَريًا غير داعية إليه، وقال أحمد: كان يرى القدر، وقال ابن سعد: لم يكن بالقوي، وقال ابن أبي خيثمة: ثنا عبيد الله بن عمر، ثنا عبد الأعلى، قال: فرغت من حاجتي من سعيد -يعني ابن أبي عروبة- قبل الطاعون. يعني أنه سمع منه قبل الاختلاط، وقال العجلي: بصري ثقة، وقال ابن خلفون: يقال: أنه سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو ثقة، قاله ابن نمير، وابن واضح، وغيرهما، أخرج له الجماعة مات سنة 189 في شعبان
(1)
.
3 -
(معمر) بن راشد أبو عروة البصري نزيل اليمن، ثقة ثبت -7 - تقدم 10/ 10.
4 -
(الزهري) محمَّد بن مسلم أبو بكر الحافظ الحجة الفقيه المدني -4 - تقدم 1/ 1.
5 -
(عروة) بن الزبير بن العَوَّام الثقة الفقيه المدني -3 - تقدم 40/ 44.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى شرحه برقم 176/ 275. فراجعه تستفد. وبالله التوفيق.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
تت جـ 6 ص 96.
21 - غَسْلُ الحَائِضِ رَأسَ زَوْجِهَا
387 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ، وَأَنَا حَائِضٌ.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(عمرو بن علي) الفلاس البصري ثقة ثبت -10 - تقدم 4/ 4.
2 -
(يحيى) بن سعيد القطان البصري ثقة حجة -9 - تقدم 4/ 4.
3 -
(سفيان) الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حجة -7 - تقدم 33/ 37.
4 -
(منصور) بن المعتمر أبو عَتَّاب الكوفي ثقة ثبت -6 - تقدم 2/ 2.
5 -
(إبراهيم) النخعي الكوفي ثقة فقيه -5 - تقدم 29/ 33.
6 -
(الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي ثقة مخضرم تقدم في -2 - 29/ 33.
7 -
(عائشة) رضي الله عنه تقدمت 5/ 5.
والحديث هو الماضي.
388 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ -وَهُوَ ابْنُ عِيَاضٍ- عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ، وَأَنَا حَائِضٌ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(قتيية) بن سعيد أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت تقدم 1/ 1.
2 -
(الفضيل بن عياض) بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي، أبو علي الزاهد الخراساني ثقة عابد إمام -8 - .
روى عن الأعمش، ومنصور، وعبيد الله بن عمرو، وهشام بن حسان، وغيرهم.
وعنه الثوري، وهو من شيوخه، وابن عيينة من أقرانه، وابن المبارك، ومات قبله، ويحيى القطان، وابن مهدي، وحسين بن علي الجعفي، وغيرهم.
قال إبراهيم بن محمَّد الشافعي: سمعت ابن عيينة يقول: فضيل ثقة. وعن ابن مهدي: فضيل رجل صالح، ولم يكن بحافظ، وقال العجلي: كوفي ثقة متعبد رجل صالح، سكن مكة، وقال الحسين بن
إدريس، عن أبي عمار: ليت فضيلا كان يحدث بما عرف، قلت: ترى حديثه حجة؟ قال: سبحان الله. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ثقة مأمون رجل صالح. وقال الدارقطني: ثقة، وقال ابن
سعد: وُلد بخُراسان بكورة أبيورد، وقدم الكوفة وهو كبير، فسمع الحديث من منصور وغيره، ثم تعبد، وانتقل إلى مكة، فنزلها إلى أن مات بها في أول سنة 187، وكان ثقة نبيلا فاضلا عابدا ورعا كثير الحديث، توفي سنة سبع أرخه غير واحد، زاد بعضهم في أول المحرم، وقيل: يوم عاشوراء، وقيل 186، وقال أبو وهب محمَّد بن مزاح، عن ابن المبارك: وأما أورع الناس ففضيل بن عياض، وقال إبراهيم بن شماس عن ابن المبارك: ما بقي على ظهر الأرض عندي أفضل من فضيل، وقال ابن أبي خيثمة عن عبيد الله بن عمر القواريري: أفضل من رأيت من المشايخ، فذكره فيهم ثانيا، وقال النضر بن شميل: سمعت هارون الرشيد يقول: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك، ولا أورع من الفضيل، وقال الهيثم بن جميل: عن شريك: لم يزل لكل قوم حجة في زمانهم، وإن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه، وقيل عن الهيثم نفسه مثل ذلك، وقال بشر بن الحارث: عشرة كانوا يأكلون الحلال لا يدخل بطونهم غيره، ولو استفوا التراب، فذكره فيهم، وقال إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل: ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف، والحزن، وفاضت عيناه، فبكى حتى يرحمه من بحضرته، وقال إسحاق بن إبراهيم الطبري: ما رأيت أحدا كان أخوف على نفسه، ولا أرجى للناس من الفضيل، وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان شديد الهيبة للحديث إذا حدث، وقال أبو بكر بن عفان: سمعت وكيعا يوم مات الفضيل بن عياض يقول: ذهب الحزن اليوم من الأرض.
له عند (د) حديث سويد بن مقرن في عتق الجارية إذا لطم، وقال ابن شاهين في الثقات: قال عثمان بن أبي شيبة: كان ثقة صدوقا، وليس
بحجة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: أقام بالبيت الحرام، مجاورا مع الجهد الشديد، والورع الدائم، والخوف الوافر، والبكاء الكثير، والتخلي بالوحدة، ورفض الناس، وما عليه أسباب الدنيا إلى أن مات بها، وقال ابن أبي خيثمة: سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت حديث فضيل، لأنه روى أحاديث فيها إزراء على عثمان. قال الحافظ: ولم يلتفت أحد إلى قطبة في هذا، وقد أعقب ابن أبي خيثمة هذه القصة أن أخرج عن عبد الصمد بن زيد، عن فضيل بن عياض أنه ذُكر عنده الصحابة، فقال: اتبعوا فقد كُفيتم، أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب.
حدثنا عبد الصمد، ثنا رباح بن خالد، قال: قال لي ابن المبارك: إذا نظرتُ إلى فضيل جُدِّدَ لي الحزن، ومَقَتُّ نفسي، ثم بكى.
وقال أبو عمار الحسين بن الحريث: سمعت الفضل بن موسى يقول: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد، وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تاليًا يتلو:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: آية 16]، فلما سمعها قال: بلى يا رب قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خَرِبَة، فإذا فيها سابلة -أي جماعة مسافرون- فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت، قلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين يخافونني ها هنا، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام. أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. انتهى من تهذيب التهذيب بتصرف.
3 -
(الأعمش) سليمان بن مهران تقدم قريبا.
4 -
(تميم بن سلمة) السلمي الكوفي ثقة -3 - .
روى عن سليمان بن الزبير، وشريح بن الحارث القاضي، وعبد الرحمن بن هلال العبسي.
وعنه الأعمش، ومنصور، وطلحة بن مصرف، وأبو صخر جامع ابن شداد، وجماعة.
وثقه ابن معين، والنسائي، وابن سعد، وابن حبان، وفَرَّق بينه وبين تميم بن سلمة الخزاعي. روى عن جابر بن سمرة، وعنه المسيب بن رافع، قال: وهو الذي روى عن عقبة بن الزبير. مات سنة 100، علق عنه البخاري، وأخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
5 -
(عروة) بن الزبير تقدم قريبا.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت 5/ 5.
والحديث مضى مشروحًا برقم 176/ 277. فراجعه تستفد. وبالله التوفيق.
389 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا حَائِضٌ.
رجال الإسناد: خمسة
تقدموا غير مرة، وكذا الحديث مضى مشروحا برقم 176/ 277 - فراجعه تستفد. وبالله التوفيق.
22 - بَابُ شُهُودِ الحُيَّضِ العِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على مشروعية حضور النساء الحُيَّض العيدين -عيدَ الفطر، وعيدَ الأضحى- وحضور دعوة المسلمين، كالاستسقاء والكسوف. والحُيَّض جمع حائض.
390 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ لَا تَذْكُرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَتْ: بِاَبَا، فَقُلْتُ: أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بِاَبَا قَالَ:"لِتَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ، وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، وَالْحُيَّضُ، فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَعْتَزِلِ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى".
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي أبو محمَّد النيسابوري [10] تقدم في 368.
2 -
(إسماعيل) بن علية أبو بشر [8] تقدم في 18/ 19.
3 -
(أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري، ثقة ثبت حجة -5 - تقدم في 42/ 48.
4 -
(حفصة) بنت سيرين أم الهُذَيل الأنصارية البصرية، ثقة -3 - .
روت عن أخيها يحيى، وأنس بن مالك، وأم عطية الأنصارية، والرَّباب أم الرائح، وأبي العالية، وأبي ذبيان خليفة بن كعب، والربيع ابن زياد الحارثي، وخَيرة أم الحسن البصري، وقيل: إنها روت عن
سلمان بن عامر الضبي، وجماعة.
روى عنها أخوها محمَّد، وقتادة، وعاصم الأحول، وأيوب، وخالد الحذَّاء، وابن عون، وهشام بن حسان، وغيرهم.
قال أحمد بن أبي مريم، عن ابن معين: ثقة حجة، وقال العجلي بصرية تابعية، وقال أبو داود: أم الهذيل حفصة، كان اسم ابنها الهذيل، وقال هشام بن حسان، عن إياس بن معاوية: ما أدركتُ أحدا أُفَضِّله على حفصة، وقال ابن أبي داود: قَرَأت القرآن، وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، وماتت وهي ابنة سبعين سنة، فقيل لابن أبي داود: لعله 90، فقال: كذا في الحديث. وذكرها ابن حبان في الثقات. ماتت سنة
101 أو ذكرها البخاري في فصل من مات من سنة مائة إلى عشر ومائة. أخرج لها الجماعة.
5 -
(أم عطية) نسيبة بنت كعب أو بنت الحارث الأنصارية، تقدمت في 368.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته.
ومنها: أنه مسلسل بالبصريين إلا شيخه، فنيسابوري.
ومنها: أن حفصة بنت سيرين هذا الباب أوّل محلّ ذكرها.
شرح الحديث
(عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية، أنها (قالت: كانت أم عطية) نسيبة بنت كعب أو بنت الحارث (لا تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بابا) أصله بأبي بالياء، أبدلت الياء ألفا، والتقدير: هو مَفْديّ بأبي، أو فَدَيتُه بأبي، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف، كما قدرنا اسما أو فعلا.
قال ابن منظور عن الليث: البأبأة: قول الإنسان لصاحبه بأبي أنت، ومعناه أفديك بأبي، فيُشتَق من ذلك فعل، فيقال: بأبأبه. قال: ومن العرب من يقول: وَابأبا أنْتَ، جعلوها كلمة مبنية على هذا التأسيس، قال أبو منصور وهذا كقوله: يا ويلتا، معناه يا ويلتى، فقلب الياء ألفا.
(1)
والمراد أن أم عطية رضي الله عنها كان من عادتها أنها إذا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم لشدة حبها له تقول: بأبي هو وأمي.
قالت حفصة: (فقلت: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا) والمكني عنه هنا مبين في رواية البخاري وغيره، وهو أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شهود النساء العيدين.
فعند البخاري من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن حفصة قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يَخْرجن في العيدين، فقدمت امرأة، فنزلت قَصْر بني خلف، فحدثت عن أختها - وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة، وكانت أختي معه في ست، قالت: كنا نداوي الكَلمَى، ونقوم على المرْضَى، فسألت أختي النبي صلى الله عليه وسلم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن تخرج؟ قال: "لتُلبسْهَا صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير، ودعوة المسلمين"، فلما قدمت أم عطية سألتها: أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم؟ .. الحديث.
(1)
لسان.
والمرأة التي نزلت قصر بني خلف لا يعرف اسمها، وأما أختها فقيل: هي أم عطية، وقيل: غيرها، وعليه مشى الكرماني، قال الحافظ رحمه الله: وعلى تقدير أن تكون أم عطية، فلم نقف على تسمية زوجها أيضا
(1)
.
(قالت) أم عطية (نعم بأبا) قال الكرماني رحمه الله: فيه أربع نسخ -يعني في رواية البخاري- المشهور بأبي، وبيَبي، بقلب الهمزة ياء، وبأبا، بالألف بدل الياء، وبيابا، بقلب الهمزة ياء.
قال البدر العيني رحمه الله: الباء في "بأبي" متعلقة بمحذوف تقديره أنت مَفْديٌّ بأبي، فيكون المحذوف اسما، وما بعده في محل رفع على الخبرية، ويجوز أن يكون المحذوف فعلا، تقديره فَدَيْتُهُ بأبي، ويكون ما بعده في محل نصب، وهذا الحذف لطلب التخفيف، لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب به، واللغتان الأوليان فصيحتان، وأصل بابا: بأبي هو، ويقال: بَأبَأتُ الصبيَّ: إذا قلت له: بأبي أنت وأمي، فلما سكنت الياء قلبت ألفا، وفي رواية الطبراني "بأبي هو وأمي"
(2)
.
(قال) صلى الله عليه وسلم (لتَخرُجِ العواتق) اللام لام الأمر، ولذا جزم الفعل، وكسر لالتقاء الساكنين.
والعواتق: جمع عاتق، وهي من النساء من بلغت الحُلُم، أو قاربت، واستحقت التزويج أو هي الكريمة على أهلها. قاله السندي. وقال ابن منظور رحمه الله: جارية عاتق: شابة، وقيل: العاتق البكر التي لم تِبنْ عن أهلها، وقيل: هي التي بَيْنَ التي أدركت، وبين التي عَنَسَتْ. والعاتق: الجارية التي قد أدركت، وبلغت، فَخُدِّرت في بيت أهلها، ولم تتزوج، سميت بذلك لأنها عتَقَت عن خدمة أبويها، ولم
(1)
فتح جـ 1 ص 405.
(2)
عمدة القاري جـ 3 ص 403.
يملكها زوج بعدُ، قال الفارسي: وليس بقوي.
قال الشاعر (من الطويل):
أَقِيدِي دَمًا يَا أمَّ عَمْرٍو هَرَقْتِهِ
…
بكَفَّيْكِ يَوْمَ السِّتْرِ إذْ أَنْتِ عَاتِقُ
وقيل: العاتق: الجارية التي قد بَلَغت أن تَدَرَّع، وعتقت من الصبا، والاستعانة بها في مهنة أهلها، وسميت عاتقا بها، والجمع في ذلك كله عواتق.
قال زهير بن محمود الضبي:
ولَمْ تَثِقِ الْعَواتقُ مِنْ غَيوُر
…
بغَيْرَتِهِ وَخَلَّيْنَ الِحجَالَا
(1)
(وذوات الخدور) أي النساء صواحبات الخدور، والخُدُور: جمع خدْر -بكسر الخاء- المعجمة، وسكون الدال المهملة -: سِتْر يُتَّخَذُ في البيت تقعد الأبكار وراءه صيانة لهن، وفي اللسان: الِخدْر: ستر يُمدّ للجارية في ناحية البيت، ثم صار كل ما واراك من بيت ونحوه خِدْرا، والجمع خُدُور، وأخْدارٌ، وأخادير جمع الجمع، وأنشد:
حَتَّى تَغَامَزَ رَبَّاتُ الأَخادِيرِ
انتهى. لسان جـ 2 ص 1109.
ثم إن فيه ثلاث روايات: الأولى بواو العطف، والثانية بلا واو، وتكون صفة للعواتق، والثالثة ذات الخدور بإفراد "ذات" قاله العيني.
قال الجامع: بين العواتق وبين ذوات الخدور عموم وخصوص وجهي، لأنها قد تكون بكرًا مُخَدَّرَة، وقد تكون بالغة مُخَدَّرَة، وقد تكون بكرا غير مُخَدَّرَة، وقد تكون بالغة غير مخدرة. والله أعلم.
(والحيض) جمع حائض، وقد تقدم معناه في أول كتاب الحيض.
قال السندي رحمه الله: والحيضُ: بضم الحاء وتشديد الياء، جمع
(1)
لسان جـ 4 ص 2798 - 2799.
حائض، وهو بالرفع عطف على العواتق، وهذا هو المشهور عند أهل الحديث والشُّراح، ويحتمل أن يكون بفتح فسكون، بالجر عطفا على الخدور نعم الحُيَّض في قوله "ويعتزل الحيض" جمع حائض لا غير انتهى.
قال الجامع: هذا الضبط الأخير، وإن كان صحيحا من حيث المعنى إلا أنه ما أثبته المحدثون في رواياتهم، فلا يصح حمل الحديث عليه، فتنبه. والله أعلم.
(فيشهدن الخير) من الخطبة، وذكر الله تعالى (ودعوةَ المسلمين) من عطف الخاص على العام؛ لأن الدعوة من جملة الخير، وفيه استحباب حضور النساء مجالس العلم، والمواعظ، وإن كن حُيَّضًا (وتعتزل الحيض) أي تبتعد (المصلَّى) أي محل الصلاة، لئلا يتلوث مكان الصلاة بالدم، أو لئلا يظهرن بمظهر من يستهين بالصلاة إذا قعدن، والناس يصلون، وفي رواية للبخاري "ويعتزلن الحيضُ"، وهو على لغة أكلوني البراغيث.
ثم إن الجمهور حملوا الأمر المذكور على الندب، لأن المصلَّى ليس بمسجد، فيمنع الحيض من دخوله، قال الحافظ: وأغرب الكرماني، فقال: الاعتزال واجب، والخروج والشهود مندوب، مع كونه نقل عن النووي تصويب عدم وجوبه.
قال الجامع عفا الله عنه: الظاهر وجوب شهودهن العيدين، واعتزالهن المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، فإن كان القائلون بالاستحباب وجدوا صارفًا للأمر عن الوجوب فذاك، وإلا فالظاهر ما قلنا. وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب صلاة العيدين، إن شاء الله تعالى.
وقال ابن المنير: الحكمة في اعتزالهن: أن في وقوفهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال، فيستحب لهن اجتناب ذلك، والله ولي التوفيق، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أم عطية رضي الله عنها متفق عليه
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له: أخرجه المصنف هنا -22/ 390 - ، وفي العيدين أيضا 3/ 1558، بسند الباب، و-4/ 1559 - عن قتيبة، عن سفيان، عن أيوب، عن محمَّد بن
سيرين، عن أم عطية رضي الله عنها.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه البخاري في الحيض، عن محمَّد بن سَلام، عن عبد الوهاب، عن أيوب، عن حفصة، عنها، وفي العيدين: عن أبي معمر، عن عبد الوارث، وعن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، عن حماد بن زيد،
وفي الحج عن مؤمل بن هشام، عن إسماعيل بن عُلَيَّة كلهم عن أيوب به.
وأخرجه مسلم في العيدين، عن عمرو الناقد، عن عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن حفصة به، وأخرجه أبو داود في الصلاة عن النفيلي، عن زهير، عن عاصم الأحول، عن حفصة به، وأخرجه
أيضًا محمَّد بن عبيد، عن حماد بن زيد، به، وعن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن أيوب به.
وأخرجه الترمذي في الصلاة أيضا عن أحمد بن منيع، عن هشيم، عن منصور به، وأخرجه ابن ماجه فيها عن محمَّد بن الصَّبَّاح، عن سفيان، عن أيوب به.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: ما قاله الخطابي: إنهن يشهدن مواطن الخير، ومجالس العلم خلا أنهن لا يدخلن المساجد، وقال ابن بطال: فيه جواز خروج النساء
الطاهرات والحيض إلى العيدين وشهود الجماعات، وتعتزل الحيض المصلى، ولْيَكُنَّ ممن يدعو، أو يُؤَمّن رجاء بركة المشهد الكريم.
ومنها: جواز قول الشخص "بأبي"، وكذا قوله "بأبي هو وأمي" وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد:"ارم فداك أبي وأمي" وكذا لغيره من الصحابة رضي الله عنهم.
ومنها: مشروعية اعتزال الحيض المصلى، واختلفوا فيه، فقال الجمهور: هو منع تنزيه، وسببه الصيانة والاحتراز عن التلويث، وحمله بعضهم على التحريم.
قال الجامع: الظاهر من النص التحريم حتى يوجد صارف، وإن نازع الحافظُ الكرمانيَّ في ذلك والله أعلم.
وسيأتي بيان اختلاف العلماء في خروج النساء إلى المساجد، صلى الله عليه وسلم إلى
العيدين ونحو ذلك، في باب صلاة الجماعة، وباب العيدين إن شاء الله تعالى.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
23 - المَرْأةُ تَحِيضُ بَعْدَ الإفَاضَةِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم المرأة التي تحيض في الحج بعد طواف الإفاضة.
والإفاضة: مصدر أفاض يُفيض: إذا رجع، يقال: أفاض الناس من عرفات: أي دَفَعُوا منها، وكل دَفْعَة إفاضة، وأفاضوا من مني إلى مكة يوم النحر: رجعوا إليها، ومنه طواف الإفاضة، أي الرجوع من
مني إلى مكة، قاله في المصباح، وهذا الطواف يسمى طواف الزيارة، وطواف الركن أيضًا.
391 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا، أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ بِالْبَيْتِ؟ ". قَالَتْ: بَلَى، قَالَ:"فَاخْرُجْنَ".
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(محمَّد بن سلمة) بن أبي فاطمة المرادي الجَمَليّ، أبو الحارث المصري ثقة ثبت من [11] تقدم في 19/ 20.
2 -
(عبد الرحمن بن القاسم) بن خالد بن جُنَادة العُتقي أبو عبد الله
المصري الفقيه صاحب مالك ثقة من كبار [10] تقدم في 19/ 20.
3 -
(مالك) بن أنس الإمام الحجة الثبت المدني -7 - تقدم في 7/ 7.
4 -
(عبد الله بن أبي بكر) الأنصاري المدني القاضي ثقة من [5] تقدم في 118/ 163.
5 -
(أبوه) أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري المدني القاضي اسمه كنيته، وقيل: كنيته أبو محمَّد، ثقة عابد من [5] تقدم بالرقم المذكور.
6 -
(عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ثقة تقدمت 134/ 203.
7 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت 5/ 5.
لطائف الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم مدنيون إلا شيخه، وشيخ شيخه فمصريان، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها (أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن صفية بنت حُيَيّ) بن أخْطَب الإسرائيلية أم المؤمنين رضي الله عنها، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خيبر، وماتت سنة ست وثلاثين، وقيل: في ولاية معاوية وهو الصحيح (قد حاضت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلها تحبسنا؟ ألم تكن طافت معكن بالبيت؟ قالت) عائشة، وعند البخاري "قالوا -أي النساء-: ومن معهن من المحارم (بلى) أي طافت معنا (قال) صلى الله عليه وسلم
(فأخرجن) الخطاب لأزواجه صلى الله عليه وسلم.
وبقيةُ مباحث الحديث يأتي في الحج إن شاء الله تعالى.
24 - ما تَفْعَلُ النُّفَسَاءُ عنْدَ الإحْرَامِ
392 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نُفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "مُرْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتُهِلَّ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن قدامة) بن أعين بن المسور القرشي مولى بني هاشم أبو عبد الله الِمصِّيصيّ. ثقة -10 - رَوَى عن جرير بن عبد الحميد، وإسماعيل بن علية، وفضيل بن عياض، وغيرهم.
وعنه (د س) وأحمد بن فيل الأنطاكي، وعبد الله بن أحمد بن معدان الفراء، وأبو حفص عمر بن الحسن بن نصر القاضي، وغيرهم.
قال النسائي: لا بأس به، وقال مرة: صالح، وقال الدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، مات قريبا من سنة 250، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة صدوق، روى عنه ابن وضاح لقيه بمكة
(1)
.
2 -
(جرير) بن عبد الحميد الضبي قاضي الري ثقة ثبت -8 - تقدم في 2/ 2.
(1)
تت جـ 9 ص 409 - 410.
3 -
(يحيى بن سعبد) الأنصاري المدني ثقة ثبت من [5] تقدم في 22/ 23.
4 -
(جعفر بن محمَّد) بن علي الصادق أبو عبد الله الهاشمي صدوق فقيه -6 - تقدم في 123/ 182.
5 -
(محمَّد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر، ثقة فاضل من [4] تقدم في 78/ 95.
6 -
(جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري الصحابي رضي الله عنه تقدم في 31/ 35.
ولطائف الإسناد تقدم غير مرة، ومحمد بن قدامة هذا الحديث أول محل ذكره.
والجار والمجرور في قوله: "في حديث أسماء" متعلق بمحذوف حال، أي حال كون ما حدث به جابر في جملة حديث أسماء بنت عُمَيس، والظرف في قوله:"حين نفست" متعلق بحديث.
وتمام شرح الحديث تقدم في 184/ 391 ويأتي أيضا في الحج إن شاء الله تعالى.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
25 - بَابُ الصَّلاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ
393 -
أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَنْ حُسَيْنٍ -يَعْنِي الْمُعَلِّمَ- عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ كَعْبٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ فِي وَسَطِهَا.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(حُمَيد بن مَسْعدَة) بن المبارك السَّامي الباهلي البصري، صدوق [10] تقدم 5/ 5.
2 -
(عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم، أبو عبيدة التَّنوري البصري ثقة ثبت رُمي بالقدر، ولم يثبت عنه [8] تقدم 6/ 6.
3 -
(حسين المُعَلِّم) بن ذكوان المُكَتِّبُ العَوْذي البصري ثقة ربما وهم [6] تقدم 122/ 174.
4 -
(ابن بُرَيدَة) هو عبد الله بن بريدة بن الحُصَيب الأسلمى أبو سهل المروزي قاضي مرو، أخو سليمان، وكانا توأمين. ثقة -3 - .
روى عن أبيه، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وابن مسعود، وسمرة بن جندب، وغيرهم.
وعنه بَشير بن المُهَاجر، وسهل بن بشير، وثواب بن عُتبة، وحسين المعلم، وغيرهم.
قال الأثرم عن أحمد: أما سليمان فليس في نفسي منه شيء، وأما عبد الله، ثم سكت، ثم قال: كان وكيع يقول: كانوا لسليمان أحمدَ منهم لعبد الله، وقال في رواية أخرى عن وكيع: كان سليمان أصحهما حديثا، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: عبد الله بن بريدة الذي روى عنه حسين بن واقد ما أنكرهما، وأبو المنيب أيضا، وقال ابن معين، والعجلي، وأبو حاتم: ثقة، وقال أبو تُميلة، عن رُميح الطائي، عن عبد الله بن بريدة: وُلدتُ لثلاث خلون من خلافة عمر، وقال أحمد بن سيار المروزي: مات بقرية من قُرى مرو، وكان بينه وبين موت أخيه سليمان عشر سنين، وتوفي عبد الله في ولاية أسد بن عبد الله، وهو على القضاء، وقال ابن حبان: وُلد عبد الله سنة 15، وهو وأخوه سليمان توأم، ومات سليمان وهو على القضاء بمرو سنة 100، وَوُلِّيَ أخوه بعده القضاء إلى أن مات سنة 115، فعلى هذا يكون عمر عبد الله 100 سنة، وقد قيل: إنهما ماتا في يوم واحد، وليس بشيء.
وقال ابن أبي حاتم في المراسيل: قال أبو زرعة: لم يسمع من عُمَر، وقال الدارقطني في كتاب النكاح من السنن: لم يسمع من عائشة، وقال ابن خراش: صدوق كوفي نزل البصرة، وقال أبو القاسم البغوي: حدثني محمَّد بن علي الجُوزَجَاني قال: قلت لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل-: سمع عبد الله من أبيه شيئا؟ قال: ما أدري، عامة ما يُرْوَى عن بريدة عنه، وضعف حديثه، وقال إبراهيم الحربي: عبد الله أتم من سليمان، ولم يسمعا من أبيهما، وفيما روى عبد الله عن أبيه أحاديث منكرة، وسليمان أصح حديثا، ويتعجب من الحاكم مع هذا القول في ابن بريدة كيف يزعم أن سند حديثه من رواية حسين بن واقد عنه، عن أبيه أصح الأسانيد لأهل مرو، أخرج له الجماعة
(1)
.
(1)
تت جـ 5 ص 157 - 158.
5 -
(سمرة) بن جُندب بن هلال بن جريج بن مرة بن حزم بن عمرو ابن جابر بن ذي الرِّيَاستين الفزاري أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمَّد، ويقال: أبو سليمان. قال ابن إسحاق: كان حليف الأنصار.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي عبيدة.
وعنه ابناه سليمان، وسعد، وعبد الله بن بريدة، وزيد بن عقبة، والرَّبيع بن عَمِيلَة، وغيرهم.
قال ابن عبد البر: سكن البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها، فلما مات زياد أقره معاوية عامًا أو نحوه، ثم عزله، وكان شديدا على الحرورية، فهم ومن قاربهم يطعنون عليه، وكان الحسن، وابن سيرين، وفضلاء أهل البصرة يُثْنُون عليه، وقال ابن سيرين في رسالة سمرة إلى بنيه علمٌ كثير، وقال أيضا: كان عظيم الأمانة صدوق الحديث، يحب الإسلام وأهله. قال ابن عبد البر: مات بالبصرة سنة 85، سقط في قدر مملوءة ماء حارا، فكان ذلك تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة وثالث معهما -يعني أبا محذورة-:"آخركم موتًا في النار". وقيل: مات آخر سنة 59 أو أول سنة 60 بالكوفة، وقيل: بالبصرة، كذا ذكر ابن حبان في الصحابة، وذكر الرشاطي أن ابن عبد البر صحف اسم ذي الرياستين، قال: والصواب ذي الرأسين، قال: وابن عبد البر إنما نقله من كتاب ابن السكن، وهو في كتاب ابن السكن على الصواب. انتهى. وقد جاء في سبب موته غير ما ذكر أخرج له الجماعة
(1)
.
(1)
تت جـ 4 ص 236 - 237.
لطائف الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأن رواته كلهم ثقات.
ومنها: أنه مسلسل بالبصريين، فإن ابن بريدة وإن كان مروزيا إلا أنه سكن البصرة.
شرح الحديث
(عن سمرة) بن جندب رضي الله عنه أنه (قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم كعب) الأنصارية، لم أجد لها ترجمة وافية، فلم يَذْكُر في الإصابة، ولا في أسد الغابة غير حديث سمرة هذا، والله أعلم.
(ماتت في نفاسها) أي في وقت نفاسها، أو في حال نفاسها، وفي البخاري "في بطن" أي بسبب بطن، يعني العمل (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة) أي في حال الصلاة عليها (في وسطها) أي محاذيا لوسطها، قال الحافظ رحمه الله: بفتح السين في روايتنا، وكذا ضبطه ابن التين، وضبطه غيره بالسكون، قال البدر العيني رحمه الله: ولا يقال بالسكون إلا في متفرق الأجزاء، كالناس والدواب، وبالفتح فيما كان متصل الأجزاء كالدار.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث متفق عليه، وسيأتي تمام البحث فيه في الجنائز إن شاء الله تعالى.
وإنما ذكره هنا لبيان أن النِّفاس لا يمنع الصلاة على النفساء، لأن المسلم لا ينجس حيا وميتا، وإنما الحَدَث أمر تعبدي، وحكم الحائض كالنفساء بلا فرق، والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
26 - بَابُ الحَيْضِ يُصِيبُ الثّوْبَ
394 -
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَتْ تَكُونُ فِي حِجْرِهَا: أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَ: "حُتِّيهِ، وَاقْرُصِيهِ، وَانْضَحِيهِ، وَصَلِّي فِيهِ".
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(يحيى بن حبيب بن عربي) البصري ثقة -10 - تقدم في 60/ 75.
2 -
(حماد) بن زيد أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت [8] تقدم في 3/ 3.
3 -
(هشام بن عروة) أبو المنذر المدني ثقة [5] تقدم في 49/ 61.
4 -
(فاطمة بنت المندر) بن الزبير المدنية زوج هشام بن عروة ثقة [3] تقدمت في 185/ 293.
5 -
(أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما تقدمت في 185/ 293.
قال الجامع: المرأة السائلة هي أسماء نفسها، أو هي أم قيس الآتية
كما تقدم (تكون) إما زائدة، وإما تامة بمعنى توجد (حُتِّيه) أي حُكِّيه (ثم اقرصيه) القرص بالصاد المهملة: الدَّلك بأطراف الأصابع، والأظفار مع صب الماء حتى يذهب أثره (انضحيه) أي رُشِّيه بالماء زيادة في التنظيف.
وتقدم تمام البحث في الحديث بما فيه الكفاية في 185/ 293، فارجع إليه تستفد. والله ولي التوفيق.
395 -
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْمِقْدَامِ ثَابِتٌ الْحَدَّادُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ دَمِ الْحِيضَةِ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ قَالَ:"حُكِّيهِ بِضِلَعٍ، وَاغْسِلِيهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(عبيد الله بن سعيد) أبو قدامة السرخسي نزيل نيسابور، ثقة مأمون سنين -10 - تقدم في 15/ 15.
2 -
(يحيى) بن سعيد القطان البصري ثقة ثبت حجة [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(سفيان) بن سعيد الثوري الإمام الحجة الثبت الفقيه [7] تقدم في 33/ 37.
4 -
(أبو المقدام ثابت الحدَّاد) بن هُرمُز الكوفي صدوق يهم [6] تقدم في 185/ 292.
5 -
(عدي بن دينار) المدني مولى أم قيس بنت محصن ثقة [4] تقدم 185/ 292.
6 -
(أم قيس بنت محصن) -بكسر الميم، وسكون الحاء- الأسدية أخت عكاشة بن محصن صحابية رضي الله عنها تقدمت 185/ 292.
قال الجامع: الضِّلَعُ -بكسر الضاد المعجمة، وفتح اللام- العُودُ، وهو في الأصل واحد أضلاع الحيوان، لشبهه به، وقد تسكن لامه تخفيفا، والسَّدْر -بكسر فسكون-: جمع سدرة، كذلك: شجرة
النبق.
وتقدم تمام البحث على هذا الحديث بما فيه الكفاية برقم 185/ 292 فراجعه تزدد علمًا. وبالله التوفيق.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
كتَابُ الغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ
4 - كتَابُ الغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ
قال الجامع عفا الله عنه: هذه الأحاديث الآتية تقدمت في الأبواب المتقدمة من كتاب الوضوء، ويُستَغْرَب من المصنف رحمه الله إعادتها بنفس التراجم والأسانيد والمتون، إلا أن السندي أجاب عن هذا بأنه يريد البحث عنهما -يعني الغسل والتيمم- على وجه الاستقلال، وذكر ما فات من أبحاثهما. انتهى. قلت: لكن جوابه غير شاف فالله أعلم.
1 - بَابُ ذِكْرُ نَهْي الجُنُبِ عنْ الاغْتِسَالِ فِي المَاءِ الدَّائِمِ
396 -
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ أَبَا السَّائِبِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(سليمان بن داود) المَهْريُّ أبو الربيع المصري ابن أخي رِشْدِين بن سعد، ثقة [11] تقدم في 63/ 79.
2 -
(الحارث بن مسكين) أبو عمرو المصري قاضيها ثقة فقيه من [10] تقدم 9/ 9.
3 -
(ابن وهب) عبد الله أبو محمَّد المصري، ثقة ثبت [9] تقدم 9/ 9.
4 -
(عمرو بن الحارث) بن يعقوب أبو أيوب المصري ثقة فقيه [7] تقدم 63/ 79.
5 -
(أبو السائب) الأنصاري المدني مولى ابن أزهر يقال اسمه عبد الله بن السائب ثقة [3] تقدم في 139/ 220.
6 -
(أبو هريرة) الصحابي الجليل رضي الله عنه تقدم 1/ 1.
قال الجامع: وقع هنا عن عمرو بن الحارث أن أبا السائب حدثه، وقد تقدم برقم 139/ 220 عن عمرو بن الحارث عن بكير، أن أبا السائب أخبره أنه سمع .. الخ، فالظاهر أن ما هنا فيه سقط، لأن
الحديث أخرجه مسلم في صحيحه جـ 1 ص 163 عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج، أن أبا السائب مولى هشام بن زهرة أخبره الخ.
وأخرجه ابن ماجه في سننه جـ 1 ص 198 - عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج أن أبا السائب الخ، فالصواب ما تقدم في 139/ 220. وقد عزاه الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله إلى
المصنف، فذكره على ما في الرقم المذكور. فتنبه. والله أعلم.
والحديث مضى مشروحًا بالرقم المذكور. فراجعه تستفد. والله ولي التوفيق.
397 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَبُولَنَّ الرَّجُلُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ، أَوْ يَتَوَضَّأُ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن حاتم) بن نُعيم بن عبد الحميد أبو عبد الله المروزي، ثم المصيصي، ثقة -12 - .
روى عن حِبّان بن موسى، ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق، ومحمد بن مكي، وسويد بن نصر، وعمار بن الحسن، وغيرهم.
وعنه النسائي، وأحمد بن الخضر بن محمَّد المروزي، وأحمد بن محمَّد الجيلي، وأبو أحمد بن عدي، وغيرهم.
قال النسائي: ثقة، وقال ابن يونس: هو بغدادي قدم مصر، وحدث بها، ورد ذلك عليه الخطيب وقال: بل هو مروزي، قال الحافظ: فرق ابن يونس بين المروزي، والمصيصي، وهو الصواب، نبه عليه الخطيب، وقال مسلمة في الصلة: ثقة. أخرج له المصنف فقط.
2 -
(حبَّان) بكسر الحاء المهملة - بن موسى بن سَوَّار السلمي، أبو محمَّد المروزي الكُشْمَيْهَنيُّ
(1)
ثقة -10 - .
روى عن ابن المبارك، وأبي حمزة السُّكَّري، وجماعة.
وعنه البخاري ومسلم، وروى له الترمذي، والنسائي، بواسطة أحمد بن عبدة الآمُليّ، ومحمد بن حاتم بن نُعَيم المروزي، وغيرهم.
قال إبراهيم بن الجنيد: ليس صاحب حديث، ولا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات سنة 233، وكذا قال البخاري. وفي (ت) ثقة من [10].
3 -
(عبد الله بن المبارك) بن واضح أبو عبد الرحمن الإمام الحجة [8] تقدم 32/ 36.
(1)
بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وكسر الميم وسكون الياء وفتح الهاء نسبة إلى قرية بمرو.
أفاده في اللباب جـ 3 ص 99.
4 -
(معمر) بن راشد أبو عروة البصري، ثم الصنعاني ثقة من كبار
[7]
تقدم 10/ 10.
5 -
(همام بن منبه) بن كامل بن شيخ
(1)
اليماني أبو عقبة الصنعاني الأبناوي، ثقة -4 - .
روى عن أبي هريرة ومعاوية، وابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير.
وعنه أخوه، وهب بن منبه، وابن أخيه عقيل بن معقل بن منبه، وعلي بن الحسين بن أَتَش، ومعمر بن راشد.
وقال إسحاق بن منصور، عن ابن معين: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الميموني عن أحمد: كان يغزو، وكان يشتري الكتب لأخيه وهب، فجالس أبا هريرة فسمع منه أحاديث وهي نحو من أربعين ومائة حديث بإسناد واحد، وأدركه معمر، وقد كبر وسقط حاجباه على عينيه، فقرأ عليه همام حتى إذا ملّ أخذ معمر، فقرأ الباقي، وكان عبد الرزاق لا يعرف ما قرئ عليه مما قرأ هو.
قال ابن سعد: مات سنة 131، وقال البخاري: قال علي: سألت رجلا قد لقي همام بن منبه، متى مات همام؟ فقال: سنة 2، وقال ابن عيينة: كنت أتوقع قدوم همام عشر سنين، وقال ابن سعد، وخليفة، وابن حبان: مات سنة 1، أو 32، وقال العجلي: تابعي ثقة. انتهى تت جـ 11 ص 66 - 67.
6 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه تقدم في 1/ 1.
قال الجامع: تقدم الكلام على حديث أبي هريرة هذا برقم 140/ 221 كما تقدم في حديث جابر رضي الله عنه برقم 31/ 35، فإن شئت تمام البحث فارجع إليه تستفد. والله ولي التوفيق.
(1)
وفي تهذيب الكمال ابن سيج بسين آخره جيم. فليحرر.
398 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(أحمد بن صالح البغداى) رَوَى عن يحيى بن محمَّد، عن ابن عجلان يُحَدِّث في الطهارة من ترجمة أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، في (البول في الماء الدائم).
وعنه النسائي، هكذا هو في المجتبى، من رواية ابن السني عنه، وقيل: إنه محمَّد بن صالح كيلجة. قال الذهبي: إن كيلجة لم يدرك يحيى بن محمَّد. قال الحافظ: وهو كما قال، فيتعين أن يكون غيره ممن
هو أقدم من كيلجة، وقد ذكر النسائي في شيوخه أحمد بن صالح البغدادي، فقال: ثقة، ولم يذكره الخطيب في تاريخ بغداد، وهو على شرطه، وذكر ابن النجار في الذيل: أحمد بن صالح البغدادي، روى عن بشر بن الحارث الحافي. روى عنه ابن إسحاق الجراح الأَذَنيّ، ثم أسند من طريق ابن أبي داود، عن إسحاق، عن بشر، عن مالك شيئا من كلامه، ولم يزد على ذلك، وقد ذكر الدارقطني في الرواة عن مالك، عن أبي الزناد بلاغا، فلا أستبعد أن يكون هو شيخ النسائي. انتهى تت جـ 1 ص 44. وفي (ت) أحمد بن صالح البغدادي ثقة، من [11] وليس هو محمَّد بن صالح المُلَقَّب كليجة مات سنة 245.
2 -
(يحيى بن محمَّد) بن قيس المحاربي، أبو زُكير البصري الضرير مدني الأصل، كنيته أبو محمَّد، وأبو زكير لقبه، صدوق يخطئ كثيرًا -8 - .
روى عن أبيه، وزيد بن أسلم، وأبي حازم بن دينار، وربيعة، وعمرو بن أبي عمرو، والعلاء بن عبد الرحمن، وغيرهم، وعنه أحمد بن صالح البغدادي، ونعيم بن حماد، وعلي بن المديني، وغيرهم.
قال إسحاق بن منصور، عن ابن معين: ضعيف، وقال عمرو بن علي: ليس بمتروك، وقال أبو زرعة: أحاديثه متقاربة إلا حديثين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وأورد له ابن عدي أربعة أحاديث، وقال: عامة أحاديثه مستقيمة إلا هذه الأحاديث، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل من غير تعمد، لا يحتج به، وحديثه عند مسلم في المتابعات، وقال الساجي: صدوق يهم، وفي حديثه لين، وقال الخليلي: شيخ صالح. أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم متابعة، وأبو داود في المراسيل، والباقون
(1)
.
3 -
(ابن عجلان) محمَّد المدني صدوق، إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة من [5] ت 148، تقدم في 36/ 40.
4 -
(أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي، كنيته أبو عبد الرحمن المدني، وأبو الزناد لقبه ثقة فقيه [5] تقدم في 7/ 7.
5 -
(الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز أبو داود المدني مولى ربيعة بن الحارث ثقة ثبت عالم [3] تقدم في 7/ 7.
6 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه تقدم 1/ 1.
قال الجامع: تقدم شرح الحديث مستوفى برقم 140/ 221 ، فارجع إليه. تستفد، والله ولي التوفيق.
(1)
تت جـ 11 ص 274 - 275.
399 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ ثُمَّ يُغْتَسَلَ مِنْهُ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن عبد الله بن يزيد) المقرئ، أبو يحيى المكي ثقة -10 - تقدم 11/ 11.
2 -
(سفيان) بن عيينة أبو محمَّد المكي ثقة ثبت حجة -8 - تقدم 1/ 1.
3 -
(أبو الزناد) عبد الله ذكوان المذكور في السند الماضي.
4 -
(موسى بن أبي عثمان) التَّبَّان المدني، أو الكوفي مقبول -6 - تقدم 140/ 221.
5 -
(أبو عثمان) التبان مولى المغيرة بن شعبة، اسمه سعيد، وقيل: عمران، مقبول -3 - تقدم 140/ 221.
قال الجامع: الحديث تقدم مستوفَى الشرح برقم 140/ 221 - فارجع إليه، تستفد. والله ولي التوفيق.
400 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ.
قَالَ سُفْيَانُ: قَالُوا لِهِشَامٍ -يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ-: أَنَّ أَيُّوبَ إِنَّمَا يَنْتَهِي بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّ أَيُّوبَ لَوِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَرْفَعَ حَدِيثًا لَمْ يَرْفَعْهُ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(قتيية) بن سعيد البغلاني ثقة ثبت [10] تقدم قريبا.
2 -
(سفيان) بن عيينة أبو محمَّد المذكور في السند الماضي.
3 -
(أيوب) السختياني بن أبي تميمة البصري، ثقة ثبت -5 - تقدم 42/ 48.
3 -
(ابن سيرين) محمَّد أبو بكر البصري ثقة ثبت فقيه [3] تقدم 46/ 57.
5 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه تقدم 1/ 1.
قال الجامع: معنى قول سفيان هذا: أن قوما سألوا هشام بن حسان عن عدم رفع أيوب لهذا الحديث، مع كونه مرفوعا، فأجابهم بأن أيوب كان يُعظمُ النّسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تورعا، وخوفا من أن يقع خطأ فلا
يرفع الحديث إذا وجد سبيلا إلى ذلك، ويفهم منه أنه وجد سبيلا هنا، وهو أن أبا هريرة كان لا يرفع هذا الحديث أحيانا ويرفعه أحيانا، فاحتاط أيوب فوقفه عليه، لأنه سمعه منه كذلك، ولا يضر هذا في صحة رفعه وقد تقدم أن المصنف أخرجه عن يعقوب بن إبراهيم، عن إسماعيل، عن يحيى بن عتيق، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه".
وقد تقدم تمام البحث عليه هناك فارجع إليه تزدد علمًا. والله ولي التوفيق.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
2 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي دُخُولِ الحَمَّامِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على جواز دخول الحمّام.
والحَمَّام: قال ابن سيده: الدِّيمَاس
(1)
مشتق من الحميم، مذكّر، تُذَكِّرُهُ العرب، وهو أحد ما جاء من الأسماء على فَعَّال، نحو القَذَّاف، والجَبَّان، والجمع: حَمَّامات، قال سيبويه: جمعوه بالألف والتاء،
وإن كان مذكرا حينَ لم يُكسَّر، جعلوا ذلك عوضا من التكسير
(2)
.
401 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلاَّ بِمِئْزَرٍ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المعروف بابن راهويه حافظ حجة [10] تقدم في 2/ 2.
2 -
(معاذ بن هشام) البصري، وقد سكن اليمن صدوق ربما وهم [9] تقدم 30/ 34.
3 -
(أبوه) هشام بن أبي عبد الله -سَنْبَر- الدستوائي أبو بكر
(1)
الديماس بالكسر والفتح: الحمام.
(2)
لسان جـ 2 ص 1008.
البصري ثقة ثبت رمي بالقدر من كبار [7] تقدم في 23/ 25.
4 -
(عطاء) بن أبي رَبَاح -بفتح الراء والموحدة- اسمه أسلم القرشي مولاهم أبو محمَّد المكي، ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال -3 - .
(1)
روى عن ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، ومعاوية، وأسامة بن زيد، وجابر، وغيرهم.
وعنه ابنه يعقوب، وأبو إسحاق السبيعي، ومجاهد، والزهري، وأيوب السختياني، وأبو الزبير، والحكم بن عُتَيبة، والأعمش، والأوزاعي، وابن جريج، وعبد الكريم الجزري، وعمرو بن دينار، وغيرهم.
قال ابن المديني: وهو مولى حبيبة بنت ميسرة بن أبي خثيم، وقال ابن سعد: كان من مُوَلَّدي الجَنَد، ونشأ بمكة، وهو مولى لبني فهْر، أو الجُمَح، وانتهت إليه فتوى أهل مكة، وإلى مجاهد في زمانهما، وأكثر ذلك إلى عطاء، سمعت بعض أهل العلم يقول: كان عطاء أسودَ أعورَ أفطسَ أشَلَّ أعرج، ثم عَمي بعدُ، وكان ثقة فقيها عالما كثير الحديث، وقال الآجري عن أبي داود: كان عطاء نُوبيًا، وكان يعمل المكاتل، وذكر فيه ما تقدم من العيوب وزاد: وقُطعت يده مع ابن الزبير، وقال ضمرة بن ربيعة: سمعت رجلا يقول: اسم عطاء بركة، وقال ابن معين: كان مُعَلِّم كُتَّاب، وقال خالد بن أبي نَوْف عن عطاء: أدركت مائتين من الصحابة، وعن ابن عباس أنه كان يقول: تجتمعون إليَّ يا أهل
مكة، وعندكم عطاء، وكذا روي عن ابن عمر، وقال أبو عاصم الثقفي: سمعت أبا جعفر يقول للناس، وقد اجتمعوا عليه: عليكم
(1)
تت جـ 7 ص 199 - 203.
بعطاء، هو والله خير مني، وعن أبي جعفر قال: ما بقي أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء، وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه: ما أدركت أحدًا أعلم بالمناسك منه، وقال ابن أبي ليلى: كان عالما بالحج، وكان يوم مات ابن مائة سنة، ورأيته يفطر في رمضان، ويقول: قال ابن عباس: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: آية 184] أي أطعم أكثر من مسكين، وقال عبد الله ابن إبراهيم بن عمر بن كيسان عن أبيه: أذكر في زمان بني أمية صائحًا يصيح لا يفتي الناس إلا عطاء، وقال ربيعة: فاق عطاء أهل مكة في الفتوى، وقال قتادة: قال لي سليمان بن هشام: هل بمكة أحد؟ قلت: نعم أقدم رجل في جزيرة العرب علما، قال: من؟ قلت: عطاء بن أبي رباح، وقال قتادة: إذا اجتمع لي أربعة لم أبال من خالفهم: الحسن، وسعيد، إبراهيم، وعطاء، قال: هؤلاء أئمة الأمصار. وقال إسماعيل بن أمية: كان عطاء يطيل الصمت، فهذا تكلم يُخَيَّلُ إلينا أنه يؤيد، وقال عبد الحميد الحماني عن أبي حنيفة: ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، وقال ابن الديباج: ما رأيت مفتيًا خيرًا من عطاء، وقال الأوزاعي: مات عطاء يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس، وقال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله إلا ثلاثة: عطاء، ومجاهد، وطاوس، وقال يحيى بن سعيد، عن ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة، وقال عبد العزيز بن رفيع: سئل عطاء عن مسألة، فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟ فقال: إني أستحيى من الله أن يُدان في الأرض برأي، وقال علي بن المديني: مرسلات مجاهد أحب إليَّ من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب، وقال الفضل بن زياد عن
أحمد: مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم لا بأس بها، وليس في المرسلات أضعف من مرسلات عطاء والحسن، فإنهما كانا يأخذان عن كل أحد. وقال محمَّد بن عبد الرحيم عن علي بن المديني: كان عطاء بآخره تركه ابن جريج، وقيس بن سعد، وقال ابن عيينة، عن عمر بن قيس المكي، عن عطاء: أعقل مقتل عثمان، وقال أبو حفص الباهلي عن عمر بن قيس سألت عطاء متى وُلدتَ؟ قال: لعامين خَلَوَا من خلافة عثمان، وذكر أحمد بن يونس الضبي أنه ولد سنة 27، وقال أبو المليح الرَّقي: مات سنة 114، وقال ميمون: ما خلف بعده مثله، وقال يعقوب بن سفيان والبخاري عن حيوة بن شريح، عن عباس بن الفضل، عن حماد بن سلمة: قدِمتُ مكة سنة مات عطاء 14، وقال عفان عن حماد بن سلمة: قدمت مكة وعطاء حي، فقلت: إذا أفطر دخلتُ عليه فمات في رمضان، وقال أحمد، وغير واحد: مات سنة 114، وقال القطان: سنة 14، أو 15، وقال ابن جريج، وابن علية، وآخرون: سنة 15، وقال خليفة: سنة 117، وقال يعقوب بن سفيان: سمعت سليمان بن حرب يذكر عن بعض مشيخته، قال: رأيت قيس بن سعد قد ترك مجلس عطاء، قال: فسألته عن ذلك، فقال: إنه نسي، أو تغير، فكدت أن أفسد سماعي منه، وقال ابن أبي حاتم في المراسيل: قال أحمد بن حنبل: لم يسمع عطاء من ابن عمر، وقال علي بن المديني، وأبو عبد الله: رأى ابن عمر ولم يسمع منه، ورأى أبا سعيد الخدري يطوف بالبيت، ولم يسمع منه، ولم يسمع من زيد بن خالد، ولا من أم سلمة، ولا من أم هانئ، ولا من أم كُرز شيئا، وقال أبو زرعة: لم يسمع عطاء من رافع بن خديج، وقال أبو حاتم: لم يسمع من أسامة، وقيل لأحمد بن حنبل: سمع عطاء من جبير بن مطعم؟ قال: لا يشبه، وذكره ابن حبان في الثقات،
وقال: مولده بالجَنَد سنة 27، وكان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا، وَوَرَعًا وفضلًا.
قال الحافظ: فعلى تقدير مولده لا يصح سماعه من أبي الدرداء، ولا من الفضل بن عباس، وروى الأثرم عن أحمد ما يدل على أنه كان يدلس، فقال في قصة طويلة: وروايةُ عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلا أن يقول: سمعت ثم قرأت بخط الذهبي من قول ابن المديني: كان ابن جريج، وقيس بن سعد، تركا عطاء بآخره، لم يَعْن الترك الاصطلاحي بل هو ثبت رضي حجة إمام كبير الشأن أخرج له الجماعة
(1)
.
5 -
(أبو الزبير) محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس -بفتح المثناة وسكون الدال المهملة، وضم الراء- الأسدي مولاهم المكي صدوق، إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة 126، تقدم في 31/ 35.
6 -
(جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السَّلَميّ المدني الصحابي الجليل ابن الصحابي الجليل رضي الله عنهما تقدم في 31/ 35
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين نيسابوري وهو شيخه، وبصريَّيْن، وهما معاذ، وأبوه، ومكيَّيْن، وهما عطاء، وأبو الزبير، ومدني، وهو جابر.
ومنها: أن جابرا أحد المكثرين السبعة روى 1540 حديثا.
ومنها: أن فيه رواية تابعي، عن تابعي، وهو من رواية الأكابر، عن الأصاغر، فإن عطاء أكبر من أبي الزبير.
(1)
تت جـ 7 ص 199 - 203.
شرح الحديث
(عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: من) شرطية مبتدأ خبرها الجواب على الصحيح، وقيل: هو الشرط، وقيل: الشرط مع الجواب، وقيل: لا خبر لها استغناء بالجواب (كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخُل الحمام) يحتمل أن تكون "لا" ناهية فيجزم الفعل، ويحتمل أن تكون نافية فيرفع الفعل، لكن يراد من النفي النهي، وهو أبلغ من النهي الصريح، إذ النفي إعدام للشيء، بخلاف النهي فهو نفي للحكم عن الشيء، وإعدام الشيء أبلغ من إعدام وصفه (إلا بمئزر) بكسر الميم ثم همزة ساكنة بمعنى الإزار، قال الفيومي: والمِئْزَر بكسر الميم: الإزار، نظير لِحاف وملْحَف، وقِرَام ومِقْرَم، وقال أيضا: الإزار معروف والجمع في القلة آزرَة، وفي الكثرة أزُر -بضمتين- مثل حمَار، وأحْمرَة وحُمُر، ويُذكرّ، ويؤنث، فيقال: هو الإزار، وهي الإزار، وربما أنث بالهاء، فقيل: إزارة. انتهى
(1)
.
وإنما رخص بالإزار، لأنه يُؤْمن به من كشف العورة، ونظر البعض إلى عورة الآخرين، وهذا لا يقتضي وجود الحمامات يومئذ في بلاد الإسلام، فلا ينافي حديث "ستفتح لكم أرض العجم .. " مما يفيد أنه لم يكن يومئذ ببلاد الإسلام حمام. قاله السندي.
قال الجامع عفا الله عنه: حديث "ستفتح لكم .. " حديث ضعيف، أخرجه أبو داود وابن ماجه، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم الإفريقي، وقد تكلم فيه غير واحد، وعبد الرحمن بن رافع التَّنُوخي قاضي إفريقية، وقد غمزه البخاري، وابن أبي حاتم، قاله المنذري في مختصر أبي داود.
(1)
المصباح بتصرف.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته:
حديث جابر رضي الله عنه هذا حديث صحيح.
المسألة الثانية:
في بيان موضعه عند المصنف: أخرجه المصنف هنا بهذا السند.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم.
المسألة الرابعة: في فوائده:
يستفاد من هذا الحديث جواز دخول الحمام بإزار، أما بغيره، فلا يجوز، لأن كشف العورة حرام، فدخول الحمام لا يكون عذرا، فمن دخله وجب عليه المحافظة على عورته بلبس ساتر كالإزار.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة عند أحمد "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكرر أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا يدخل الحمام" وفي إسناده أبو خيرة، قال الذهبي: لا يعرف وأحاديث الحمام لم يُتَّفَق على صحة شيء منها، قال: قال المنذري: وأحاديث الحمام كلها معلولة، وإنما يصح منها عن الصحابة، ويشهد لحديث الباب حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يُدَار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل الحمام إلا بالإزار، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام" رواه أحمد أيضا، وإسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص. لكن صححه الشيخ الألباني لشواهده. الإرواء جـ 7 ص 6.
وأخرج أبو داود، والترمذي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء عن دخول الحمام، ثم رخص للرجال أن يدخلوه في المآزر" وفي إسناده أبو عُذْرَة مجهول، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، وإسناده ليس بذاك القائم.
وأخرج أبو داود، والترمذي من حديث عائشة أيضا:"أنها قالت لنسوة دخلن عليها من نساء الشام: لعلكن من الكُورة التي يدخل نساؤها الحمام؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت ما بينها وبين الله من حجاب".
وهو من حديث شعبة عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي المليح، عنها، وكلهم رجال الصحيح. وروي عن جرير عن سالم عنها وكان سالم يدلس، ويرسل، وقال الترمذي بعد ذكر الحديث: حسن.
قال الشوكاني رحمه الله: وحديث الباب -يعني حديث أبا هريرة المتقدم- يدل على جواز الدخول للرجال بشرط لبس المآزر، وتحريم الدخول بدون مئزر، وعلى تحريمه على النساء مطلقا، واستثناء الدخول من عذر لهن لم يثبت من طريق تصلح للاحتجاج بها، فالظاهر المنع مطلقا، ويؤيد ذلك ما سلف من عائشة الذي روته لنساء الكُورة، وهو أصح ما في الباب إلا لمريضة، أو نفساء، لما رواه أبو داود، وابن ماجه، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستفتح عليكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتًا يقال لها: الحمامات، فلا يدخُلَنَّها الرجال إلا بالإزار، وامنعوا النساء إلا مريضة أو نفساء"، لكن في إسناده عبد الرحمن بن أنعم الإفريقي، وقد تكلم فيه غير واحد، وعبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية، وقد
غمز فيه البخاري، وابن أبي حاتم. انتهى خلاصة ما قاله الشوكاني بتصرف. نيل الأوطار جـ 1 ص 382 - 384.
قال الجامع عفا الله عنه: هذه الأحاديث وإن كان في بعضها مقال، إلا أن مجموعها يصح، فتدل على جواز دخول الرجال في الحمام متسترين، وعلى تحريمه للنساء مطلقًا، إلا للضرورة كالمرض والنفاس، وحديث ابن عمر وإن كان غير صحيح، إلا أن النصوص الأخرى تؤيده كقوله عز وجل:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: آية 119] والله أعلم.
تنبيهان:
الأول: قال الشوكاني رحمه الله ما نصه: وفي رواية للنسائي عن جابر "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام إلا من عذر" هكذا بلفظ "إلا من عذر" في الجامع، ولم يذكر هذا الاستثناء الترمذي، ولم يوجد الحديث في النسائي، ولعل ذلك في بعض النسخ، قال العلامة محمَّد بن إبراهيم الوزير في بعض أجوبته: والظاهر أنه غلط، ولم يذكره الشريف أبو المحاسن في كتابه الحمّام، ولم يذكر
الاستنثناء في حديث جابر، ولا عزاه إلى النسائي. وقد رواه من حديث جابر بلفظ:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر" ورواه الشريف أبو المحاسن في كتابه في الحمام من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن أبي الزبير، عن جابر، وليس في شيء من الطرق ذكر العذر. انتهى نيل الأوطار جـ 1 ص 383.
الثاني: وقع عند الطبراني في حديث جابر الذي أخرجه النسائي في هذا الباب من طريق عطاء، عن أبي الزبير: ما نصه: يقال: إن عطاء هذا هو عطاء بن السائب، ولم يرو هذا الحديث عنه إلا هشام الدستوائي، ولا عنه إلا ابنه معاذ، تفرد به إسحاق بن راهويه. قال
الشيخ الألباني: الأقرب أنه عطاء بن أبي رباح، فقد ذكروا في شيوخه أبا الزبير، بخلاف ابن السائب، وكلام الحاكم يشعر بهذا، فإنه قال عقب الحديث: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، فإن ابن السائب ليس من رجال مسلم، بخلاف ابن أبي رباح فإنه من رجاله، ورجال البخاري أيضا.
قال الجامع: وهو كما قال الشيخ الألباني، فقد صرح أبو الحجاج المزي في تحفة الأشراف به، حيث أورده في ترجمة عطاء بن أبي رباح، عن أبي الزبير عن جابر، ولم يتعقبه الحافظ، راجع تحفة الأشراف
جـ 2 ص 333. والله تعالى أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
3 - بَابُ الاغْتِسَالِ بِالثَّلْجِ وَالبَرَدِ
402 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو:"اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْهَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ، وَالْبَرَدِ، وَالْمَاءِ الْبَارِدِ".
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(محمَّد بن إبراهيم) بن صُدْران -بضم المهملة، وسكون الدال- الأزدي السَّلَمي -بالفتح- أبو جعفر المؤذن البصري، وقد ينسب لجده، صدوق من [10] تقدم في 66/ 82.
2 -
(بشر بن المفضل) بن لاحق الرَّقاشي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت عابد [8] تقدم في 66/ 82.
3 -
(شعبة) بن الحجاج أبو بسطام الإمام الحجة [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(مجزأة بن زاهر)
(1)
بن الأسود الأسلمي الكوفي، ثقة -4 - .
روى عن أبيه، وأُهبان بن أوس الأسلمي، وابن أبي أوفى، وناجية الأسلمي، وعطاء النهدي، وإبراهيم بن ملاذ. روى عنه إسرائيل وقيس بن الربيع، ورَقَبَةُ بن مصقلة، وزيد بن أبي أمية، وشريك النخعي، قال أبو حاتم، والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات أخرج له البخاري ومسلم، والنسائي
(2)
.
5 -
(عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد ابن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن بن أسلم بن أفْصَى بن حارثة الأسلمي، أبو إبراهيم، وقيل: أبو محمَّد، وقيل: أبو معاوية، شهد بيعة الرضوان، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعنه إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، وإبراهيم بن مسلم الهَجَري، وإسماعيل بن أبي خالد، والحكم بن عُتَيْبة، وسالم أبو النضر، فيما كتب إليه، وسلمة بن كهيل، والأعمش، فقال: مرسل، وطارق بن عبد الرحمن البجلي، وطلحة بن مصرف، وعبد الله، ويقال: محمَّد بن أبي المجالد، وعبيد بن الحسن، ومجزأة بن زاهر، والوليد بن سَريع، ويحيى بن عقيل، وغيرهم.
مات سنة 78، وقيل: 88، قال عمرو بن علي: وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة، وهو أخو زيد بن أبي أوفى، قال الحافظ: منع ذلك أبو أحمد العسكري وغيره، وفي كتاب الجهاد من البخاري ما
يدل على أنه شهد الخندق أخرج له الجماعة
(3)
.
(1)
مجزأة بفتح أوله وسكون الجيم وفتح الزاي بعدها همزة.
(2)
تت جـ 10 ص 45 - 46.
(3)
تت جـ 5 ص 151 - 152.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته، وأنهم ثقات، وأنهم بصريون، إلا مجزأة والصحابي، فإنهما كوفيان.
ومنها: أن مجزأة وابن أبي أوفى هذا أوّل محلّ ذكرهما من الكتاب.
وشرح الحديث مضى مُستوفىً في شرح حديث عائشة رضي الله عنها برقم 49/ 61. فراجعه تستفد. وبالله التوفيق.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
4 - بَابُ الإغْتِسَالِ بِالمَاءِ البَارِدِ
403 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ رُقْبَةَ، عَنْ مَجْزَأَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ، وَالْبَرَدِ، وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا يُطَهَّرُ الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن يحيى) بن محمَّد بن كثير الكلبي، أبو عبد الله الحرّاني، لقبه لؤلؤ، الحافط، ثقة صاحب حديث -11 - .
روى عن آدم بن أبي إياس، والحسن بن الربيع، وموسى بن أعين، وجماعة.
روى عنه النسائي، وعلي بن سراج، ومكحول البيروتي وغيرهم.
قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو عوانة: كان كيسا من أهل الصناعة. مات في صفر 267، بحران، وقال مسلمة: ثقة، وهو من أفراد المصنف
(1)
.
(1)
تت جـ 9 ص 521 - 522.
2 -
(محمَّد بن موسى) بن أعين الجزري، أبو يحيى الحراني، صدوق، من كبار -10 - .
روى عن أبيه، وزهير بن معاوية، وابن إدريس، وعيسى بن يونس، وإبراهيم بن يزيد بن مَرْدَانَبَة، وخطاب بن القاسم الحراني.
روى عنه الذهلي، وإسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، وإسماعيل بن يعقوب بن صبيح، وعلي بن عثمان النفيلي، ومحمد بن جبلة الرافقي ومحمد بن يحيى بن كثير الحراني، ومحمد بن مسلم بن وَارَة، ومحمد ابن خالد بن خَليّ، وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات سنة 223 أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
3 -
(إبراهيم بن يزيد) بن مَرْدَانَبَة
(1)
القرشي المخزومي الكوفي مولى عمرو بن حريث، صدوق -7 - .
روى عن رَقَبَةَ بن مَصْقَلة، وإسماعيل بن أبي خالد، وغيرهما.
وعنه أبو كريب، وأبو موسى، وأبو سعيد الأشج، ومحمد بن موسى ابن أعين، وغيرهم. قال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، ولا يحتج به.
قال الحافظ رحمه الله: جعله صاحب الكمال هو الخُوْزيَّ، فخلط بين الترجمتين، فقال: إبراهيم بن يزيد بن مَرْدَانَبَة القرشي المكي الخُوزيّ سكن شعب الخُوز بمكة، وقال في آخر الترجمة: روى له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. والصواب مع المزي، لكنه لم ينبه هو، ولا الذهبي، على أن الحافظ عبد الغني خلطهما، وقد فرق بينهما البخاري في التاريخ والخطيب في المفترق، وغيرهما، وطبقة الرواة عن الخُوزيّ
(1)
بنون ثم موحدة هكذا ضبطه في التقريب، وفي الخلاصة: يزرانبة بفتح التحتانية، والمهملة بينهما زاي ساكنة ثم نون بعد الألف الموحدة.
كوكيع من طبقة شيوخ الرواة عن هذا كأبي كريب، ويفرق بينهما أيضا بأن هذا كوفي، كما صرح به البخاري، وابن حبان، وغيرهما، والخُوْزيّ مكي، ويفرق بينهما بأن النسائي لا يخرج للخوزي، وكيف يظن ذلك، وقد ترك الرواية عن من هو أصلح حالا من الخوزي، وقال البخاري في التاريخ الأوسط: لا يحتجون بحديثه. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأزدي: عنده مناكير
(1)
، وهو من أفراد المصنف.
4 -
(رَقَبَةَ)
(2)
بن مَصْقَلَةَ بن عبد الله العبدي الكوفي أبو عبد الله، ثقة مأمون -6 - .
روى عن أنس فيما قيل، ويزيد بن أبي مريم، وأبي إسحاق، وعطاء، وقيس بن مسلم، ومَجْزأة بن زاهر وعبد العزيز بن صهيب، وطلحة بن مصرف، وثابت البناني، ونافع مولى ابن عمر، وجماعة.
وعنه سليمان التيمي، وهو من أقرانه، وإبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، وجرير بن عبد الحميد، وأبو عوانة، وابن عيينة، وابن فضيل، وغيرهم.
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: شيخ ثقة من الثقات مأمون، وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: ثقة، وكذا قال النسائي، وقال العجلي: ثقة، وكان مُفَوَّها يُعَدُّ في رجالات العرب، وكان صديقا لسليمان التيمي، وذكره ابن حبان في الثقات، وأرَّخ ابن الأثير وفاته سنة 129، وقال الدارقطني: ثقة، إلا أنه كانت فيه دعابة، وكذا قال العجلي: ثقة أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي
(3)
.
وأما مجزأة، وعبد الله، فقد تقدما في السند الماضي.
(1)
تت جـ 1 ص 179.
(2)
رقبة براء وقات مفتوحتين ومرحدة، ومصقلة بفتح القاف واللام، ويقال مسقلة بالسين أيضًا
(3)
تت جـ 3 ص 286 - 287.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته موثقون، وأنهم كوفيون إلا شيخه، وشيخ شيخه فحرانيان.
ومنها: أن محمَّد بن يحيى، ومحمد بن موسى، وإبراهيم بن يزيد ورقبة بن مصقلة هذا أول محل ذكرهم.
ومنها: أن شيخه، وكذا إبراهيم بن يزيد من أفراده.
وشرح الحديث واضح مما سبق فلا حاجة إلى إعادته.
والله ولي التوفيق.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
5 - بَابُ الإغْتِسَالِ قَبْلَ النَّوْمِ
404 -
أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَ نَوْمُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَابَةِ أَيَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، أَوْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ، فَنَامَ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(شعيب بن يوسف) النسائي أبو عمرو ثقة صاحب حديث من [10] تقدم 42/ 49.
2 -
(عبد الرحمن بن مهدي) أبو سعيد البصري الإمام الحجة [9] تقدم 42/ 49.
3 -
(معاوية بن صالح) بن حُدير الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس، أبو عمرو، أو أبو عبد الرحمن، صدوق له أوهام من [7] تقدم 50/ 62.
4 -
(عبد الله بن أبي قيس) ويقال: ابن قيس، ويقال: ابن أبي موسى، والأول أصح، أبو الأسود النَّصْريّ الحمصي، مولى عطية بن عازب، ويقال: ابن عفيف، وقيل: كان اسمه عازبا، فسماه رسول
الله صلى الله عليه وسلم عفيفا ، ثقة مخضرم -2 - .
روى عن مولاه، وابن عمر، وابن الزبير، وغُضيف بن الحارث، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وعائشة، وغيرهم.
وعنه محمَّد بن زياد الألهاني، وعتبة بن ضمرة بن حبيب، وأبو ضمرة محمَّد بن سليمان الحمصي، وزيد بن عمير الرحبي، ومعاوية ابن صالح وغيرهم.
قال العجلي، والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: من قال: عبد الله بن قيس فقد وهم، وقال سيف بن عمر: كان عبد الله بن قيس على كردوس يوم اليرموك. أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والباقون
(1)
.
5 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت 5/ 5.
والحديث مضى شرحه فلا حاجة إلى تكراره. وبالله التوفيق.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
تت جـ 5 ص 365 - 366.
6 - بَابُ الإغْتِسَالِ أوَّلَ اللَّيْلِ
405 -
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ بُرْدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلْتُهَا، فَقُلْتُ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، أَوْ مِنْ آخِرِهِ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ مِنْ آخِرِهِ. قُلْتُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(يحيى بن حبيب بن عرمي) البصري ثقة من [10] تقدم في 60/ 75.
2 -
(حماد) بن زيد البصري ثقة ثبت [8] تقدم في 3/ 3.
3 -
(بُرد) بن سنان أبو العلاء الدمشقي البصري مولى قريش، صدوق رمى بالقدر من [5] تقدم في 141/ 222.
4 -
(عُبادة بن نُسي) بضم ففتح فياء مشددة- الكندي أبو عمرو الشامي قاضي طبرية، ثقة فاضل من [3] تقدم في 141/ 222.
5 -
(غُضيف بن الحارث) -بالضاد المعجمة مصغرا، ويقال بالطاء المهملة- السَّكُوني ويقال الثُّمالي أبو أسماء الحمصي مختلف في صحبته تقدم في 141/ 222.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى مشروحًا برقم 141/ 222، وبعده. فراجعه تستفد.
7 - بَابُ الإسْتِتَارِ عِنْدَ الاغْتِسَالِ
أي هذا باب في ذكر الأحاديث الدالة على وجوب الاستتار في حالة الاغتسال، عند من يراه، واستحبابه إذا كان وحده، كما سيأتي تحقيق التفصيل في ذلك، إن شاء الله تعالى.
406 -
أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَي النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ يَعْلَى: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ:"إِنَّ اللهَ عز وجل حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(إبراهيم بن يعقوب) بن إسحاق الجُوزَجاني
(1)
نزيل دمشق ثقة حافظ رمي بالنَّصب من [11] ت 259، تقدم في 122/ 174.
(1)
بضم الجيم الأولى، وزاي وجيم.
2 -
(النُّفَيْلي) عبد الله بن محمَّد بن علي بن نُفيل بن زارع بن علي، وقيل: عبد الله بن قيس بن عاصم القضاعي أبو جعفر النفيلي الحراني، ثقة حافظ من كبار -10 - .
روى عن أبي المليح الرَّقّي، وخطاب بن القاسم الحَرَّاني، ومالك، وداود بن عبد الرحمن العطار، وإبراهيم بن أبي محذورة، وزهير بن معاوية، وجماعة.
وروى عنه أبو داود فأكثر، وروى له الباقون سوى مسلم بواسطة الذهلي، وإبراهيم الجوزجاني، وعمرو بن منصور، وأبو داود الحراني وغيرهم.
قال الأثرم: سمعت أحمد يُثني عليه، وقال: كان يجييء معي إلى مسكين بن بكير، وقال أبو حاتم: سمعت يحيى يثني عليه، وقال الآجري، عن أبي داود: ما رأيت أحفظ منه، وكان الشاذكوني لا يُقرُّ لأحد في الحفظ إلا له، وكان أحمد إذا ذكره يعظمه، وما رأينا له كتابا قط، وكل ما حدثناه فمن حفظه، وقال أبو داود: قلت لأحمد: أيما أثبت في زهير، أحمد بن يونس، أو النفيلي؟ قال: أحمد بن يونس رجل صالح، والنفيلي صاحب حديث، قال الآجري: وسألت أبا داود عن عَتَّاب بن بَشير، فقال: سمعت أحمد يقول: تركه عبد الرحمن بآخره، قال: فقال لي أحمد: أبو جعفر النفيلي يحدث عنه؟ قلت: نعم، قال أبو جعفر أعلم به، وقال أبو حاتم عن أبيه: ثنا ابن نفيل الثقة المأمون، وقال النسائي: ثقة، وقال الدارقطني: ثقة مأمون يحتج به، وقال الحاكم أبو أحمد: كُتِبَ عنه في أيام هشيم. وقال ابن وارة: أحمد ببغداد، وابن نمير بالكوفة، وأحمد بن صالح بمصر، والنفيلي بحران، هؤلاء أركان الدين، وقال ابن حبان: كان
متقنا يحفظ، وحكي عن ابن نمير قال: كان النفيلي رابع أربعة، قيل: فمن؟ قال: ابن مهدي، ووكيع، وأبو نعيم، وهو رابعهم. وقال ابن قانع: صالح ثقة. أخرج له الجماعة إلا مسلمًا مات سنة 234
(1)
.
3 -
(زهير) بن معاوية بن حُديج
(2)
أبو خيثمة الجعفي الكوفي، ثقة ثبت، إلا أن سماعه من أبي إسحاق بأخرة من [7] تقدم في 38/ 42.
4 -
(عبد الملك بن أبي سليمان) واسمه ميسرة أبو محمَّد، ويقال: أبو سليمان، ويقال: أبو عبد الله العَرْزَميّ
(3)
أحد الأئمة، صدوق له أوهام -5 - .
روى عن أنس بن مالك، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وسلمة بن كهيل، وغيرهم.
وعنه شعبة، والثوري، وابن المبارك، والقطان، وعبد الله بن إدريس، وزهير بن معاوية، وزائدة، وحفص بن غياث، وغيرهم.
قال ابن مهدي: كان شعبة يَعْجَبُ من حفظه، وقال ابن المبارك، عن سفيان: حُفَّاظ الناس: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، وذكر جماعة. وعن الثوري: حدثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان. وعن ابن المبارك مثله، وسئل ابن معين عن حديث عطاء عن جابر في الشُّفْعَة، فقال: هو حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك، وقد أنكره الناس عليه، ولكن عبد الملك ثقة صدوق، لا يُرَدُّ على مثله، قلت: تكلم فيه شعبة؟ قال: نعم، قال شعبة: لو جاء عبد الملك بآخر مثله لرميت بحديثه، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: هذا حديث منكر، وعبد الملك ثقة، وقال صالح بن أحمد، عن أبيه: عبد الملك من الحفاظ، إلا أنه كان يخالف ابن جريج، وابنُ جريج أثبت
(1)
تت جـ 6 ص 16 - 18.
(2)
بحاء ودال مهملتين آخره جيم مصغرا.
(3)
العَرْزَميّ: بفتح العين المهملة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة، نسبة إلى بطن من فزارة، قاله في اللب جـ 2 ص 111.
منه عندنا، وقال الميموني عن أحمد: عبد الملك من أعيان الكوفيين. وقال أمية بن خالد: قلت لشعبة: مَالكَ لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان، وقد كان حسن الحديث؟ قال: من حُسْنها فَرَرْتُ، وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أحمد، ويحيى يقولان: عبد الملك بن أبي سليمان ثقة، وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: ضعيف، وهو أثبت في عطاء من قيس بن سعيد. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: أيُّما أحبُّ إليك عبد الملك بن أبي سليمان، أو ابنُ جريج؟ قال كلاهما ثقة. وقال ابن عمار الموصلي: ثقة حجة، وقال العجلي: ثقةٌ ثبتٌ في الحديث وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان عن عبد الملك بن أبي سليمان ثقة متقن فقيه، وقال يعقوب بن سفيان أيضا: عبد الملك فزاري من أنفُسهم ثقة. وقال النسائي: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا ثبتا، وقال الساجي: صدوق، روى عنه يحيى بن سعيد القطان جزءا ضخما. وقال الترمذي: ثقة مأمون لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة، وقال: قد كان حدث شعبة عنه، ثم تركه، ويقال: إنه تركه لحديث الشفعة الذي تفرد به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ، وكان من خيار أهل الكوفة، وحفاظهم، والغالب على من يحفظ، ويحدث أن يَهِمَ، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثَبْت، صحت عنه السنة بأوهام يَهمُ فيها، والأولى فيه قبول ما يروي بتثبت، وترك ما صح أنه، وَهِمَ فيه، ما لم يفحش، فمن غلب خطؤه على صوابه استحق الترك. أخرج له البخاري تعليقا، والباقون. مات في ذي الحجة 145
(1)
.
5 -
(عطاء) بن أبي رباح -أسلم- الإمام الحجة المكي -3 - تقدم في 401.
(1)
تت جـ 6 ص 396 - 398.
6 -
(يعلى) بن أمية بن أبي عُبيدة -واسمه عبيد- ويقال: زيد بن همام بن الحارث بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم أبو خلف، ويقال: أبو خالد، ويقال: أبو صفوان المكي
حليف قريش، وهو يعلي بن مُنْيَةَ، وهي أمه، ويقال: جدته.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وعنبسة بن أبي سفيان.
وعنه أولاده صفوان، ومحمد، وعثمان، وعبد الرحمن، ويقال: إن عبد الرحمن أخوه، لا ابنه، وابن أخيه صفوان بن عبد الله بن يعلى، وعبد الله بن الديلمي، وعبد الله بن بأبيه، وموسى بن باذان، وعطاء، ومجاهد، وغيرهم.
قال ابن سعد: شهد الطائف، وحنينا، وتبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو أحمد الحاكم: كان عامل عمر بن الخطاب على نجران، وقال الدارقطني: مُنْيَةُ بنت الحارث بن جابر، أم العوّام بن خُوَيلد والد الزبير: هي جدة يعلى بن منية التميمي
(1)
دينار، وبها يعرف، قال ذلك الزبير بن بكار، وأصحاب الحديث يقولون في يعلى بن أمية: أن منية أمه، وقال زكريا ابن إسحاق عن عمرو بن دينار: كان أول من أرخ الكتب يعلى بن أمية، وهو باليمن، وقال ابن عساكر: ذكره أبو حسان الزيادي فيمن قُتل بصفِّين. قال الحافظ: وهذا لا أراه محفوظا. وروى النسائي من حديث عطاء، عن يعلى بن أمية، قال: دخلت على
عيينة بن أبي سفيان وهو في الموت
…
الحديث. وقد ذكر الليث وخليفة أن عنبسة حج بالناس سنة 47، فهذا يدل على أن يعلى تأخرت
(1)
هكذا في تت بياض بعده دينار، والصواب كما في المؤتلف والمختلف للدارقطني، وهي جدة يعلى بن أمية التيمي حليف بني نوفل أم أبيه دُنيا، وبها يعرف الخ، وفي الإكمال: الأدنى بدل دنيا. راجع المؤتلف جـ 4/ 2119. والذي في المؤتلف والمختلف هو الذي في تهذيب الكمال جـ 32 ص 380. وقوله "دنيا" تأنيث الأدنى، أي الأقرب.
وفاته بعد صفين. وقال ابن عبد البر عن ابن المديني: استعمله أبو بكر على حُلْوان، واستعمله عمر على بعض اليمن، فبلغ عمر أنه حَمَى لنفسه، فأمره عمر أن يمشي على رجليه إلى المدينة فمشى خمسة أيام أو ستة، فبلغه موت عمر فركب، واستعمله عثمان على الجَنَد فلما بلغه قتل عثمان أقبل لينصره، فصحب ابن الزبير وعائشة، ويقال: هو حمل عائشة على الجمل الذي كان تحته في وقعة الجمل. أخرج له الجماعة
(1)
.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته.
ومنها: أن رواته كلهم ثقات.
ومنها: أنهم ما بين دمشقي، وهو إبراهيم، وحرّاني وهو النُّفَيلي، وكوفيين، وهما زهير وعبد الملك، ومكيين، وهما عطاء، ويعلى.
ومنها: أن النفيلي، وعبد الملك، ويعلى، هذا الباب أوّل محلّ ذكرهم في الكتاب.
ومنها: أن فيه رواية تابعي، عن تابعي: عبد الملك، عن عطاء.
شرح الحديث
(عن يعلى) بن منية رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا) لم أجد من ذكر اسمه (يغتسل عريانا) جملة في محل نصب صفة لرجلا (بالبراز) أي في البراز فالباء ظرفية، كما في قوله تعالى:{نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: آية 34].
والبراز: بالفتح، والكسرُ لغة قليلة: الفضاء الواسع الخالي من الشجر، وقيل: البراز: الصحراء البارزة. قاله في المصباح.
(1)
تت جـ 11 ص 399 - 400.
(فصعد) يقال: صَعدَ في السلم والدَّرَجَة، يَصْعَد من باب تَعِبَ صُعُودا، وصَعدتُّ السطحَ، وإليه، وصَعَّدتُ في الجبل بالتثقيل: إذا عَلَوْتَهُ وصَعدتُ في الجبل من باب تَعبَ: لغة قليلة
(1)
.
(المنْبَر) بكسر الميم وسكون النون وفتح الباء: مرقاة الخطيب، سمي منبرا لارتفاعه، وعُلُوه، أفاده في اللسان (فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: "إن الله عز وجل حليم") أي له صفة الحلم، قال الراغب الأصفهاني: الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وجمعه أحلام
(2)
، ويقال: حَلُم -بالضم- حلما -بالكسر- صَفَحَ وسَتَرَ
(3)
، يعني أنه لا يعاجل بالعقوبة (حيي) فعيل بمعنى فاعل، من الحياء، وهو في اللغة: تَغَيُّر، وانكسار، يعتري الإنسان من خوف ما يُعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه. وفي الشرع: خُلُقٌ يَبْعَثُ على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي
الحق، قاله في الفتح
(4)
.
قال الجامع عفا الله عنه: فيه إثبات صفة الحياء لله تعالى، ولا يلزم من إثباتها أن يفسر بمعنى التغير والانكسار الذين يفسر بهما الحياء المضاف إلى المخلوق، بل بمعنى يليق بجلاله، وإنما أوله مَنْ أوَّلَ من المتأخرين لأنهم ما فهموا منه إلا هذا المعنى، فعدلوا لئلا يلزمهم التشبيه بالمخلوق، فَيُرَدُّ عليهم بأن سائر الصفات التي اتصف الله بها مع كونها مما يتصف بها المخلوق لها معنى يليق به عز وجل، فكما نثبت لله ذاتا لا تشبه الذوات كذلك نثبت له صفات لا تشبه الصفات، إذ الصفة فرع الذات (ستير) -بفتح السين وكسر التاء- فعيل بمعنى فاعل، هكذا ضبطه في اللسان،
(1)
المصباح ص 130.
(2)
مفردات ألفاظ القرآن ص 253.
(3)
المصباح ص 57.
(4)
فتح جـ 1 ص 68.
وقال السيوطي في شرحه لهذا الكتاب: سَتير بوزن رحيم، قال في النهاية: فَعيل بمعنى فاعل، أي من شأنه حب الستر والصيانة
(1)
. وفي المختار: وسَتيِر، أي عفيف، والمرأة سَتيرَة. اهـ. ومثله في القاموس، وفي التاج ضبطه كأَمِير.
قال الجامع: وضبطه بعضهم كسِجِّين -بكسر فتشديد- ولا أعلم صحته، لأن أهل اللغة ما أثبتوه فتبصر.
(يحب الحياء) أي الاتصاف به والمتصفين به، فالحياء صفة محمودة ففي الحديث المتفق عليه:"والحياء شعبة من الإيمان" وفي حديث آخر: "الحياء خير كله"، وفي آخر:"الحياء لا يأتي إلا بخير"(و) يحب (الستر) أي ستر العبد نفسه، وستر أخيه المسلم إذا رآه يعمل ما لا يليق به ففي صحيح مسلم:"ومن سَتَرَ مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة".
(فإذا اغتسل أحدكم) الفاء فصيحة، أي فإذا كان الله يحب الحياء والستر، وأراد أحدكم أن يغتسل (فليستتر) ليكون محبوبا لله تعالى، والفاء الثانية واقعة في جواب الشرط، وفي الرواية الآتية "فَلْيَتَوارَ" وهو
بمعناه.
والأمر فيه للوجوب إذا كان عند من يراه، ممن لا يجوز له الرؤية إلى عورته، وللاستحباب إذا كان لا يراه أحد، بدليل حديث قصة أيوب عليه الصلاة والسلام الآتية. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه هذا حديث صحيح.
(1)
زهر جـ 1 ص200.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكره من الكتاب: أخرجه الصنف هنا 7/ 406 وفي الرواية الآتية 407.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه أبو داود في كتاب الحَمَّام عن عبد الله بن محمَّد النفيلي، عن زهير، بسند المصنف.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: مشروعية الاستتار عند الاغتسال، وهو واجب عند من يراه، ممن لا تحل له الرؤية إلى عورته كزوجة، وأمَة، ومستحب في غير ذلك، وقد تقدم ذكر الذاهب في هذا مع اختيار رأي الجمهور القائل بأنه وحده مستحب، كما هو رأي البخاري. راجع 143/ 224.
ومنها: مشروعية الخطبة إذا رأى الإمام ما لا ينبغي للمسلم أن يفعله.
ومنها: الستر على من فعل ما لا يليق به حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم ما عَيَّنَ في كلامه شخصًا، سَتْرًا عليه، وهذا من مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
ومنها: إظهار حكم فعل شيء للناس، وإن كان الفاعل له واحدا، ليستفيد الجميع.
ومنها: الحث على مكارم الأخلاق التي يحبها الله تعالى.
ومنها: إثبات صفة الحياء، والستر، لله تعالى، وكذا المحبة، وكلها على ظاهرها المعروف من لغة العرب، ولا تُؤَوّل، ولا تُشَبَّه، بل تُثْبَتُ له كما يليق بجلاله إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: آية 11]. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
407 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عز وجل سِتِّيرٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلْيَتَوَارَ بِشَيْءٍ".
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(أبو بكر بن إسحاق) محمَّد بن إسحاق الصَّغَانيّ نزيل بغداد ثقة ثبت من [11] تقدم في 13/ 347 من كتاب المياه.
2 -
(الأسود بن عامر) لقبه شَاذَان، أبو عبد الرحمن الشامي، نزيل بغداد، ثقة -9 - روى عن شعبة، والحمَّادَيْن، والثوري، والحسن بن صالح، وجرير بن حازم، وجماعة.
وعنه أحمد بن حنبل، وابنا أبي شيبة، وعلي بن المديني، وأبو ثور، وعمر والناقد، وأبو كريب، والصغاني، والدارمي، والحارث ابن أبي أسامة خاتمة أصحابه، وروى عنه بَقِية، وهو أكبر منه.
قال ابن معين: لا بأس به وقال ابن المديني: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق صالح، وقال ابن سعد: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات. أخرج له الجماعة، مات في أول سنة 208
(1)
.
(1)
تت جـ 1 ص 430.
3 -
(أبو بكر بن عياش) بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ اسمه كنيته على الصحيح، ثقة عابد إلا أنه لما كبر سنه ساء حفظه، وكتابه صحيح من [7] تقدم في 98/ 127.
وأما عبد الملك، وعطاء، ويعلى، تقدموا في السند السابق.
6 -
(صفوان بن يعلى) بن أمية التميمي المكي، ثقة -3 - .
روى عن أبيه. وعنه ابن أخيه محمَّد بن يحيى بن يعلى، وعطاء بن أبي رباح، والزهري. ذكره ابن حبان في الثقات، أخرج له الجماعة. قال الحافظ بعد قوله: وذكره ابن حبان في الثقات: قلت: وقال: رَوى عنه محمَّد بن جبير بن مطعم، وحديثه عند ابن ماجه في الحج، من رواية عبد الحميد بن جبير، عن ابن يعلى، عن أبيه، وهو صفوان هذا، كما جزم به المزي في الأطراف، ولم يرقم له في هذا الكتاب -يعني تهذيب الكمال-
(1)
.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته موثقون، وأن الأسود بن عامر، وصفوان بن يعلى، هذا أوّلُ مَحَلّ ذكرهما.
والحديث مضى مشروحا في السابق. وقوله: (فَلْيَتَوارَ) فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهي الألف المنقلبة عن الياء. وبالله تعالى التوفيق، وعليه التكلان.
(1)
تت جـ 4 ص 432.
408 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَاءً، قَالَتْ: فَسَتَرْتُهُ فَذَكَرَتِ الْغُسْلَ، قَالَتْ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(قتيية) بن سعيد البغلاني ثقة ثبت -10 - تقدم في 1/ 1.
2 -
(عَبيدَة) بن حُميد -بتكبير الاسم الأول، وتصغير الثاني- بن صُهيب، أبو عبد الرحمن الكوفي الحذّاء، صدوق نحوي، ربما أخطأ من [8] تقدم في 13/ 13.
3 -
(الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي ثقة ثبت يدلس، [5] تقدم في 17/ 18.
4 -
(سالم) بن أبي الجَعْد، رافع الكوفي، ثقة يرسل كثيرا [3] تقدم في 61/ 77.
5 -
(كريب) مولى ابن عباس المدني ثقة [3] تقدم في 161/ 253.
6 -
(ابن عباس) عبد الله الحبر البحر رضي الله عنه تقدم في 27/ 31.
7 -
(ميمونة) بنت الحارث خالة ابن عباس رضي الله عنهم، تقدمت في 146/ 236.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته.
ومنها: أن رواته ثقات.
ومنها: أنهم ما بين بغلاني، وكوفيين، ومدنيين.
ومنها: أن فيه رواية صحابي، عن صحابية، ورواية الراوي عن خالته، وفيه أحد العبادلة الأربعة، وأحد المكثرين السبعة، روى 1696 وفيه رواية ثلاثة من التابعين، بعضهم عن بعض: الأعمش، وسالم، وكريب.
وتقدم الحديث بأطول مما هنا برقم 161/ 253، إلا أنه لم يذكر فيه "فسترته" وهي ثابته في صحيح البخاري، وكذا لابن الجارود، إلا أنه فرق الحديث، فذكر سترها، ثم ذكر بقية الحديث في صفة الغسل، وأخرجه عبد الرزاق بذكر قولها:"سترته" كرواية البخاري. قاله بعض الشراح، وتقدم شرحه مُستوفى هناك.
وقوله: (فلم يُردْها) من الإرادة، أي لم يرد استعمالها في التنشيف. والله ولي التوفيق، وعليه التكلان.
409 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ ابْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا أَيُّوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، قَالَ: فَنَادَاهُ رَبُّهُ عز وجل: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَاتِكَ".
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(أحمد بن حفص بن عبد الله) بن راشد السلمي، أبو علي بن أبي عمرو النيسابوري قاضيها، صدوق -11 -
روى عن أبيه، والحسين بن الوليد القرشي، والجارود بن يزيد العامري، وغيرهم.
وعنه البخاري، وأبو داود، والنسائي، ومسلم في غير الصحيح، وأبو حاتم، وأبو عوانة، وغيرهم.
قال النسائي: لا بأس به صدوق قليل الحديث، وقال مسدد بن قطن: ما رأيت أحدا أتم صلاة منه، وأمر مسلم بالكتابة عنه، وقال النسائي في أسماء شيوخه: ثقة، وكذا قال مسلمة، مات ليلة الأربعاء لأربع خَلَوْن من المحرم سنة 258، وقيل:255.
2 -
(أبوه) حفص بن عبد الله بن راشد السلمي أبو عمرو، وقيل: أبو سهل قاضي نيسابور، صدوق -9 - .
روى عن إبراهيم بن طهمان نسخة، وعن إسرائيل بن يونس، وأبيه يونس، وابن أبي ذئب، والثوري، ومسعر، ووَرْقَاء، وغيرهم.
وعنه ابنه أحمد، وقطن بن إبراهيم، ومحمد بن عقيل الخزاعي، ومحمد بن يزيد محمش، ومحمد بن عمرو بن النضر قشمرد، وجماعة، وروى أبو نعيم المُلائي، عن أبي سهل الخراساني، عن إبراهيم بن طهمان فقيل: هو هذا، قال ابن حبان: وما أراه بمحفوظ، قال أحمد بن سلمة: كان كاتب الحديث لإبراهيم بن طهمان، وقال محمَّد بن عقيل: كان قاضينا عشرين سنة بالأثر، ولا يقضي بالرأي البتة. وقال أبو حاتم: هو أحسن حالا من حفص بن عبد الرحمن، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال قطن ابن إبراهيم: سمعته يقول: ما أقبح الشيخ المحدث يجلس للقوم فيحدث من كتاب. أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، مات يوم الخميس، لخمس بقين من شعبان سنة 209
(1)
.
3 -
(إبراهيم) بن طَهْمان -بفتح الطاء وسكون الهاء- بن شعبة الخراساني، وُلد بهَرَاة، وسكن نيسابور، وقدم بغداد، ثم سكن مكة إلى أن مات، ثقة يغرب، وتكلم فيه بالإرجاء، ويقال: رجع عنه -7 -
روى عن أبي إسحاق السبيعي، وأبي إسحاق الشيباني، وعبد العزيز بن صهيب، ومحمد بن زياد الجُمَحي، وغيرهم.
وعنه حفص بن عبد الله السلمي، وخالد بن نزار، وابن المبارك، وغيرهم.
قال ابن المبارك: صحيح الحديث. وقال أحمد، وأبو حاتم، وأبو داود: ثقة، زاد أبو حاتم: صدوق حسن الحديث، وقال ابن معين، والعجلي: لا بأس به، وقال عثمان بن سعيد الدارمي: كان ثقة في الحديث لم يزل الأئمة يشتهون حديثه، ويرغبون فيه، ويوثقونه، وقال
(1)
تت جـ 2 ص 403.
صالح بن محمَّد: ثقة حسن الحديث، يميل شيئًا إلى الإرجاء في الإيمان، حَبَّبَ الله حديثه إلى الناس، جَيِّدَ الرواية، وقال إسحاق بن راهويه: كان صحيح الحديث حسن الرواية كثير السماع، ما كان بخراسان أكثر حديثا منه، وهو ثقة، وقال يحيى بن أكثم القاضي: كان من أنْبَل مَنْ حَدَّثَ بخراسان، والعراق، والحجاز، وأوثقهم، وأوسعهم علمًا، وقال الحسين بن إدريس: سمعت محمَّد بن عبد الله بن عمار الموصلي يقول فيه: ضعيف مضطرب الحديث، قال: فذكرته لصالح -يعني جزرة- فقال: ابن عمار من أين يعرف حديث إبراهيم؟ إنما وقع إليه حديث إبراهيم في الجمعة -يعني الحديث الذي رواه ابن عمار، عن العَافى بن عمران، عن إبراهيم، عن محمَّد بن زياد، عن أبي هريرة:"أول جُمعَة جُمِّعت بجُوَاثَا .. " قال صالح: والغلط فيه من غير إبراهيم؛ لأن جماعة رووه عنه، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، وكذا هو في تصنفيه، وهو الصواب، وتفرد المعافى بذكر محمَّد بن زياد، فعلم أن الغلط منه، لا من إبراهيم، وقال السليماني: أنكروا عليه حديثه عن أبي الزبير، عن جابر، في رفع اليدين، وحديثه عن شعبة، عن لَتادة، عن أنس،:"رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا أربعة أنهار .. " انتهى. فأما حديث أنس فعلقه البخاري في الصحيح لإبراهيم، ووصله أبو عوانة في صحيحه، وأما حديث جابر فرواه ابن ماجه من طريق أبي حذيفة عنه. وقال أحمد: كان يرى الإرجاء، وكان شديدا على الجهمية، وقال أبو زرعة: ذُكر عند أحمد، وكان متكئا فاستوى جالسا، وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكىء، وقال الدارقطني: ثقة، إنما تكلموا فيه للإرجاء، وقال البخاري في التاريخ: حدثنا رجل، حدثني علي بن الحسن بن شقيق، سمعت ابن المبارك يقول: أبو حَمْزَة السّكَّري، وإبراهيم بن طهمان صحيحا الحديث، قال البخاري:
وسمعت محمَّد بن أحمد يقول: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن إبراهيم، فقال: صدوق اللَّهْجَة، وقال ابن حبان في الثقات: قد روى أحاديث مستقيمة تشبه أحاديث الأثبات، وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلات. قال الحافظ: الحق فيه أنه ثقة صحيح الحديث، إذا روى عنه ثقة، ولم يثبت غلوه في الإرجاء، ولا كان داعية إليه، بل ذكر الحاكم أنه رجع عنه، والله أعلم. وأورد الحاكم في المستدرك من حديثه عن الحكم حديثا، وتعقبه الذهبي في مختصره بأنه لم يدركه. وأسند الخطيب عن يحيى الذهلي: أنه مات سنة [58] وقال مالك بن سليمان: مات 168 بمكة، ولم يخلف مثله. قال الذهبي: والأول خطأ، وقيل: 63، أخرج له الجماعة
(1)
.
4 -
(موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولى آل الزبير المدني ثقة فقيه إمام في المغازي من [5] تقدم في 96/ 122.
5 -
(صفوان بن سليم) أبو عبد الله الزهري مولاهم المدني، ثقة مُفْت عابد رُمي بالقدر من [4] تقدم في 47/ 59.
6 -
(عطاء بن يسار) الهلالي أبو محمَّد المدني مولى ميمونة ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة من صغار [3] تقدم في 64/ 80.
7 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه تقدم في 1/ 1.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سباعياته، وأن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين نيسابوريين، ومدنيين، وأن أحمد بن حفص، وأباه، وإبراهيم بن طهمان هذا أول محل ذكرهم من الكتاب. وأن فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض: موسى، وصفوان، وعطاء، وفيه أبو هريرة من المكثرين السبعة روى 5374 حديثا.
(1)
تت جـ 1 ص 129 - 131.
شرح الحديث
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما) هي: "بين" الظرفية، زيدت عليها "ما" وأحيانا تُشبَع فتحتها فتتولد الألف، فيقال:"بينا"، وتقدم تمام البحث فيها برقم 173/ 270، فارجع إليه. (أيوب) مبتدأ خبره "يغتسل".
وهو أيوب بن ساري بن رغوال بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل: اسم أبيه موص، والباقي سواء، وقيل: موص بن رزاح بن عيص، وقيل: أيوب بن رزاح بن موص بن عيصو، ومنهم من زاد بين موص وعيص: ليقرن. وزعم بعض المتأخرين أنه من ذرية روم بن عيص، ولا يثبت ذلك، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام، وأن أباه كان ممن آمن بإبراهيم، وعلى هذا فكان قبل موسى. وقال ابن إسحاق: الصحيح أنه كان من بني إسرائيل، ولم يصح في نسبه شيء، إلا أن اسم أبيه امص، والله أعلم، وقال الطبري: كان بعد شعيب، وقال ابن أبي خيثمة: كان بعد سليمان، وكان عيصو تزوج بشمت بنت عمه إسماعيل، فرزق منها رغوال، وهو بغين معجمة، قاله الحافظ في الفتح في ذكر الأنبياء جـ 6 ص 484.
(يغتسل عريانا)"عريانا" حال من فاعل "يغتسل"، صُرف مع أنه وصف زيدت فيه الألف والنون لكونه بضم الفاء، والشرط في المنع أن يكون بالفتح كما قُرِّر في محله.
وجملة المبتدإ والخبر في محل جر بإضافة "بَيْنَ" إليه (خَرَّ عليه) أي سَقَطَ على أيوب، و"خر" هو العامل في "بينما"، أو هو مقدر يفسره "خَرَّ"، ووقع عند أحمد، وابن حبان من طريق بَشير بن نهيك عن أبي هريرة:"لَمَّا عَافى الله أيوبَ أمطر عليه جرادا من ذهب"(جراد) بالرفع
فاعل "خر"، وهل هو جراد حقيقة ذو روح، أو كان على شكل الجراد، ليس فيه روح، الأظهر الثاني، قاله في شرح التقريب
(1)
.
والجَرادُ: معروف، الواحدة جرادة، تقع على الذكر والأنثى، قال الجوهري: وليس الجراد بذَكَر للجرادة، وإنما هو اسم للجنس، كالبقر والبقرة، والتَّمر، والتَّمرة، والحَمَام، والحَمَامة، وما أشبه ذلك، فحق مذكره ألا يكون مؤنثه من لفظه، لئلا يلتبس الواحد المذكر بالجمع. قال أبو عبيد: قيل: هو سِرْوَةٌ، ثم دَبىً، ثم غَوْغَاء، ثم خَيْفَانُ، ثم كُتْفَانُ ثم جَرادٌ، وقيل: الجراد الذكر، والجرادة الأنثى، ومن كلامهم: رأيت جرادًا على جرادة، كقولهم: رأيت نَعَامًا على نَعَامَة، قيل: سمي جرادًا لأنه يجرد الأرض، أي يأكل ما عليها، قاله في اللسان، ونقلته ببعض تصرف
(2)
.
وفي رواية البخاري: "رِجْلُ جَرَاد" قال ابن منظور: والرِّجْلُ: الطائفة من الشيء، أُنثى، وخَصَّ بعضهم به القطعة العظيمة من الجراد، والجمع أرجال وهو جمع
(3)
على غير لفظ الواحد، ومثله كثير في كلامهم كقولهم لجماعة البقر صِوَارٌ، ولجماعة النَّعَم خِيْط، ولجماعة الحمير عَانَة انتهى لسان جـ 3 ص 1600. (فجعل) أي شرع أيوب (يحثي في ثوبه) أي يأخذ بيده، ويرمي في ثوبه، قال ابن سيده: الحَثْيُ: ما رَفَعْتَ به يديك، يقال: حتى يحثي، ويحثو، والياء أعلى، وزعم ابن قرقول أنه يكون باليد الواحدة أيضا، وفي الصحاح: حَثى في وجهه التراب، يَحْثُو، وَيحْثي، حَثْوًا، وحَثْيًا، وتَحْثيًا، وحَثَوتُ له: إذا أعطيته شيئا يسيرا، ويقال: الحَثْيةُ باليدين جميعا عند أهل اللغة
(4)
.
(1)
إرشاد الساري جـ 1 ص 602.
(2)
لسان جـ 2 ص 589.
(3)
يعني أن لفظ الرّجل جمع للجراد على غير لفظه. اهـ الجامع.
(4)
عمدة القاري جـ 3 ص 232.
وقال الحافظ: وقع في رواية القابسي عن أبي زيد: "يَحْتَثِنُ" بنون في آخره بدل الياء. انتهى. لكن قال العيني: أمعنتُ النظر في كتب للغة، فما وجدت لها وجها في هذا (قال) صلى الله عليه وسلم (فناداه ربه عز رجل) أي بلا واسطة، ويحتمل أن يكون بواسطة، لكن الأول هو الأليق بظاهر اللفظ (يا أيوب: ألم أكن) استفهام تقريري، وهو حمل المخاطب على الاعتراف (أغنيتك)، عند البخاري زيادة:"عما ترى" أي عن هذا الذي تراه من الجراد (قال) أيوب (بلى يا رب) أي بلى أغنيتني، قال الكرماني: ولو قيل في مثل هذا الموضع بدل بلى: "نعم"، لا يجوز، بل يكون كفرا. قال العيني: لأن "بلى" مختصة بإيجاب النفي، و"نعم" مقررة لما سبقها، والمراد في قوله تعالى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: آية 172] أنت ربنا، وقال المفسرون: لو قالوا: نعم لكفروا، والفقهاء لم يفرقوا في الأقارير، لأن مبناها على العرف، ولا
فرق بينهما في العرف
(1)
.
(ولكن لا غنى) بالقصر بلا تنوين، على أن لا لنفي الجنس، قال الحافظ: ورويناه أيضا بالتنوين على أن "لا" بمعنى "ليس" انتهى.
قال الجامع: إنما نون فيما إذا كانت بمعنى "ليس" لأنه معرب منصرف، بخلاف ما إذا كانت لنفي الجنس، فإنه مبني على ما ينصب به فلا ينون.
قال البدر العيني: ولا فرق بينهما في المعنى، لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، وقال صاحب الكشاف في أول البقرة: قرئ {لَا رَيْبَ} [البقرة: آية 2] بالرفع، والفرق بينها وبين القراءة المشهورة، أن المشهورة توجب الاستغراق، وهذه تُجَوِّزُهُ
(2)
.
(1)
عمدة القاري جـ 3 ص232.
(2)
عمدة.
وقوله (بي) يحتمل أن يكون خبر "لا"، أو الخبر لقوله (عن بركاتك) يعني أن هذا من جملة بركاتك، ولا أستغني عن بركاتك، والبركة: كثرة الخير. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي هريرة هذا أخرجه البخاري.
المسألة الثانية: في بيان موضعه في هذا الكتاب: أخرجه المصنف بهذا السند هنا 7/ 409.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ) في الطهارة عن إسحاق بن نصر، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عنه قال: ورواه إبراهيم، عن موسى بن عقبة، عن صفوان، عن عطاء بن يسار، عنه. وأخرجه في أحاديث الأنبياء، وفي التوحيد عن عبد الله ابن محمَّد الجعفي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عنه.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: جواز الاغتسال عريانا لمن كان وحده، لأن الله تعالى عاتب أيوب على جمع الجراد، ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا.
ومنها: أن فيه فضل الغنى على الفقر، لأنه سماه بركة، ومحال أن يكون أيوب عليه الصلاة والسلام أخذ هذا المال حبا للدنيا، وإنما أخذه كما أخبر هو عن نفسه، لأنه بركة من ربه تعالى، لأنه قريب عهد بتكوين الله عز وجل، أو أنه نعمة جديدة خارقة للعادة، فينبغي تلقيها بالقبول، ففي ذلك شكر لها، وتعظيم لشأنها، وفي الإعراض عنها كفر بها
(1)
.
(1)
إرشاد الساري جـ 1 ص 603.
ومنها: جواز الحرص على الاستكثار من الحل الذي حق من وثق من نفسه أن يشكر عليه.
ومنها: تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة بركة.
ومنها: ما استنبطه الخطابي من جواز أخذ النِّثار في الأملاك، لكن تعقبه ابن التين، فقال: هو شيء خصَّ الله به نبيه أيوب عليه السلام، وهو بخلاف النشار، فإنه من فعل الآدمي، فيكره لما فيه من السرف، ورُدَّ عليه بأنه أُذن فيه من قبل الشارع إن ثبت الخبر، ويُسْتأنَسُ فيه بهذه القصة، والله أعلم
(1)
.
المسألة الخامسة: الظاهر من عمل المصنف رحمه الله في هذا الكتاب أنه يريد الجمع بين هذه الأحاديث يحمل حديث التستر على الاستحباب، حيث أورد قصة أيوب عليه السلام بعد حديث يعلى المُصَرِّح بالأمر بالتستر، وحديث ميمونة المصرح بفعله له، ووجه الدلالة من قصة أيوب عليه السلام على ما قال ابن بطال: أنه ممن أُمْرنَا بالاقتداء به، قال الحافظ رحمه الله: وهذا إنما يَتَأتَّى على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا، قال: والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَصَّ القصَّة، ولم يَتَعَقَّبْ شيئا منها، فدل على موافقته لشرعنا، وإلا فلو كان فيه شيء غير موافق لَبَيَّنَه
(2)
.
قال الجامع عفا الله عنه: ظاهر كلام الحافظ يدل على أن من يقول: شرعُ من قبلنا شرع لنا يقول بإطلاقه، وعندي في هذا نظر، بل هذا القائل إنما يقول به إذا كان على الوجه الذي ذكره هو، لا مطلقًا، فحينئذ يُؤَولُ ما ذكره ابن بطال من وجه الدلالة إلى ما قاله. فليتأمل.
(1)
فتح جـ 6 ص 485.
(2)
فتح جـ 1 ص 459.
والحاصل أن أحاديث الستر تحمل على الأفضلية، وهذا الذي رآه المصنف من وجه الجمع هو الذي صرح به البخاري في الصحيح، حيث قال:(باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة، ومن تستر فالتستر أفضل).
قال الحافظ: ورجح بعض الشافعية تحريمه، والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
8 - بَابُ الدِّلالَةِ عَلَى أنْ لا تَوْقِيتَ فِي المَاءِ الذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ
410 -
أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ فِي الإِنَاءِ وَهُوَ الْفَرَقُ، وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(القاسم بن زكريا بن دينار) القرشي أبو محمَّد الطحان الكوفي، وربما نُسب إلى جده، ثقة -11 -
روى عن إسحاق بن منصور السَّلُولي، وحسين بن علي الجُعفي، وخالد بن مخلد، ووكيع، وغيرهم.
وعنه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو حاتم وغيرهم.
وثقه النسائي، وابن حبان، روى عنه مسلم 26 حديثا، مات سنة 235، وقيل: في حدود 250، وله خمس وتسعون سنة، قال الحافظ: وأظنه السبعين بتقديم السين.
2 -
(إسحاق بن منصور) السَّلُوليُّ
(1)
مولاهم أبو عبد الرحمن، صدوق تكلم فيه للتشيع -9 - .
(1)
بفتح السين المهملة وضم اللام نسبة إلى بني سَلُول بنت ذُهْل بن شَيْبَان. لب اللباب.
روى عن إسرائيل، وزهير بن معاوية، وإبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي، وغيرهم.
وعنه أبو نعيم من أقرانه، وابنا أبي شيبة، وعباس العنبري، وأبو كريب، وابن نمير، وآخرون.
قال ابن معين: ليس به بأس، وقال العجلي: كوفي ثقة، وكان فيه تشيع، وقد كتبت عنه، وذكره ابن حبان في الثقات، أخرج له الجماعة مات سنة 204، وقيل:205.
3 -
(إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد ثقة حجة تُكُلِّمَ فيه بما لا يقدح من [8] تقدم في 196/ 314.
4 -
(الزهرى) محمَّد بن مسلم الإمام الحجة الحافظ الفقيه [4] تقدم في 1/ 1
5 -
(القاسم بن محمَّد) بن أبي بكر الصديق المدني ثقة فقيه من كبار [3] تقدم في 120/ 166.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث تقدم مُسْتَوفَى الشرح في 145/ 231.
والفَرَقُ: بفتح الفاء والراء: مكيال يَسَعُ ستة عشر رطلا، وهو اثنا عشر مُدًا، وقيل: هو ثلاثة أقساط، والقسط: نصف صاع، ويجوز تسكين رائه. قال السندي رحمه الله: ولعل وجه الاستدلال أنه عند
اجتماع شخصين على إناء واحد لا يتميز أيهما أكثر أخذا، وأنّ كلا منهما أيَّ قدر أخَذَ، فلو كان في الماء حد مقدّر لا يجوز الاغتسال بدونه لما جاز الاجتماع المؤدي إلى الاشتباه، وقد سبق تقرير آخر للاستدلال
لكن هذا التقرير أحسن وأولى والله أعلم. انتهى.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
9 - بَابُ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ والمَرْأةِ مِنْ نِسَائِهِ مِنْ إنَاء وَاحِد
411 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ هِشَامٍ (ح) وَأَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ وَأَنَا مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، نَغْتَرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا.
وَقَالَ سُوَيْدٌ: قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(سويد بن نصر) المروزي أبو الفضل ثقة من [10] تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله) بن المبارك الحنظلي مولاهم المروزي الإمام الحجة من [8] تقدم في 32/ 36.
3 -
(هشام بن عروة) أبو المنذر المدثي ثقة فقيه من [5] تقدم في 49/ 61.
4 -
(عروة) بن الزبير بن العوام المدني ثقة فقيه [3] تقدم في 40/ 44.
5 -
(قتيية) بن سعيد البغلاني ثقة ثبت [10] تقدم في 1/ 1.
6 -
(مالك) بن أنس الإمام الحجة الفقيه [7] تقدم في 7/ 7.
7 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث تقدم مستوفَى الشرح في 144/ 228.
وقوله: (وقال سويد) يعني أن نص عبارة سويد في روايته، أنها (قالت: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ).
412 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الْجَنَابَةِ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن عبد الأعلى) الصنعاني، ثم البصري ثقة [10] تقدم في 5/ 5.
2 -
(خالد) بن الحاث الهُجَيمي البصري ثقة ثبت [8] تقدم في 42/ 47.
3 -
(شعبة) بن الحَجَّاج البصري الإمام الحجة [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(عبد الرحمن بن القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر المدني ثقة فقيه [6] تقدم في 120/ 166.
وأما القاسم، وعائشة فتقدما قريبا، وكذا الكلام على الحديث.
413 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُنَازِعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الإِنَاءَ أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ مِنْهُ.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(قتيبة) بن سعيد البَغْلاني المذكور قبل سند.
2 -
(عَبيدة بن حُميد) بتكبير الأول، وتصغير الثاني، الكوفي الحَذَّاء صدوق ربما أخطأ [8] تقدم في 13/ 13.
3 -
(منصور) بن المعتمر الكوفي ثقة ثبت [6] تقدم في 2/ 2.
4 -
(إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي ثقة فقيه [5] تقدم في 29/ 33.
5 -
(الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي ثقة مخضرم ثبت [2] تقدم في 29/ 33.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث تقدم شرحه في 146/ 234.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
10 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا نسخ المجتبى هنا "باب الرخصة في ذلك" ولا وجه له، فإن الباب الماضي ليس فيه منع اغتسال الرجل بفضل المرأة حتى يكون حديث الباب رخصةً فيه، بل أحاديثه هي نفس حديث هذا الباب، فمرجع اسم الإشارة غير واضح.
وتقدم للمصنف ذكر هذا الباب برقم 148/ 239 بعد ذكر ترجمة "باب ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب"، فلعل الناسخ أسقط هذه الترجمة هنا سهوا، والله أعلم.
414 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ (ح) وَأَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، أُبَادِرُهُ، وَيُبَادِرُنِي، حَتَّى يَقُولَ:"دَعِي لِي". وَأَقُولَ أَنَا: دَعْ لِي. قَالَ سُوَيْدٌ: يُبَادِرُنِي وَأُبَادِرُهُ، فَأَقُولُ: دَعْ لِي دَعْ لِي.
رجال هذا الإسناد: ثمانية
1 -
(محمَّد بن بشار) بُندار أبو بكر البصري ثقة ثبت [10] تقدم في 24/ 27.
2 -
(محمَّد) بن جعفر غُندر البصري ثقة صحيح الكتاب، إلا أن فيه غفلة، [9] تقدم في 21/ 22.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الواسطي البصري الإمام الحجة [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(عاصم) بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري ثقة [4] لم يتكلم فيه إلا يحيى القطان، وكأنه بسبب دخوله في الولاية، تقدم في 148/ 239.
5 -
(سويد بن نصر) المروزي ثقة [10] تقدم في 45/ 55.
6 -
(عبد الله) بن المبارك الإمام [8] تقدم في 32/ 36.
7 -
(معاذة) بنت عبد الله العَدَوَّية، أم الصَّهْبَاء البصرية ثقة [3] تقدمت في 41/ 46.
8 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى مستوفى الشرح برقم 148/ 239.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
11 - بَابُ الاغْتِسَالِ فِي قَصْعَة فِيهَا أثَرُ العَجِينِ
415 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ هَانِئٍ: أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ، قَدْ سَتَرَتْهُ بِثَوْبٍ دُونَهُ فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ، قَالَتْ: فَصَلَّى الضُّحَى فَمَا أَدْرِي كَمْ صَلَّى حِينَ قَضَى غُسْلَهُ.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن يحيى بن محمَّد) بن كثير الحَرَّاني الكَلْبي لقبه لُؤْلُؤْ، ثقة صاحب حديث [11] تقدم في 401 من كتاب الغسل.
2 -
(محمَّد بن موسى بن أعين) الجَزَري أبو يحيى الحراني، صدوق من كبار [10] تقدم في الرقم المذكور.
3 -
(أبوه) موسى بن أعين الجزري أبو سعيد الحراني مولى بني عامر ابن لؤي، ثقة عابد -8 -
روى عن أبيه، وإسماعيل بن أبي خالد، والأوزاعي، ومالك، وغيرهم.
وعنه ابنه محمَّد، وسعيد بن أبي أيوب، ونافع بن يزيد المصريان،
وهما من أقرانه، وغيرهم.
قال الجُوزَجَانيّ: رأيت أحمد يحسن الثناء عليه، وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة، وثقه ابن حبان، وابن معين، وقال: صالح، وقال ابن سعد: كان صدوقًا، ووثقه الدارقطني، وقال الأوزاعي: إني لأعرف رجلا من الأبدال، فقيل له: من هو؟ قال: موسى بن أعين. مات سنة 7، أو 175 أخرج له الجماعة، إلا الترمذي
(1)
.
4 -
(عبد الملك بن أبي سليمان) مَيْسَرَة العَرْزَميّ صدوق له أوهام، من [5] تقدم في 4/ 4.
5 -
(عطاء) بن أبي رباح، أسلم المكي ثقة فقيه كثير الإرسال [3] تقدم 401.
6 -
(أم هانئ) بنت أبي طالب الهاشمية اسمها فَاختَة، وقيل: هند، صحابية ماتت في خلافة معاوية، تقدمت في 143/ 225.
وقد تقدم شرح الحديث مستوفى برقم 143/ 225.
وقوله: (فسَتَرَتْه): هكذا في النسختين المصرية والهندية بدون ذكر الفاعل، لكن أشار في الهندية إلى نسخة أخرى بذكر الفاعل "قد سترته فاطمة"، وتقدم برقم 143/ 225 مُصَرَّحًا به، ولعله سقط هنا من الناسخ.
قولها: (فما أدري كم صلى) الخ، هذا يخالف ما تقدم بالرقم المذكور فإن هناك أنها بينت عدد الركعات بأنه ثمانية، إلا أن يحمل على تعدد الواقعة، أو وَهَم من الراوي، وهو الأظهر.
وقال الشيخ الألباني: صحيح دون قوله: "فما أدري .. " الخ فإنه شاذ، ولعله من أوهام عبد الملك، فقد صح من طُرُق عن أم هانئ أنه صلى ثماني ركعات، بعضها في الصحيحين، وتقدم أحدها ص 126. انتهى
(2)
.
(1)
تت جـ 10 ص 335.
(2)
صحيح النسائي جـ 1 ص 88.
12 - بَابُ تَرْكِ ألمَرْأةِ نَقْضَ رأسِهَا عِندَ الاغْتِسَال
416 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا. فَإِذَا تَوْرٌ مَوْضُوعٌ مِثْلُ الصَّاعِ أَوْ دُونَهُ. فَنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعًا، فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي بِيَدَيَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَمَا أَنْقُضُ لِي شَعْرًا.
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(سويد بن نصر) المروزي ثقة [10] تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله) بن المبارك المروزي ثقة حجة [8] تقدم في 32/ 36.
3 -
(إبراهيم بن طهمان) أبو سعيد الخراساني ثم النيسابوري، ثم المكي ثقة يُغْربُ، ورمي بالإرجاء، وقيل: رجع عنه [7] تقدم 407.
4 -
(أبو الزبير) محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس المكي صدوق يدلس [4] تقدم 31/ 35.
5 -
(عُبَيْد بنُ عُمَيْر) بن قَتَادَة بن سعيد بن عامر بن جُندع بن ليث الليثي، ثم الجُندعي، أبو عاصم المكي قاص أهل مكة.
روى عن أبيه، وله صحبة، وعمر، وعلي، وأبي بن كعب، وغيرهم.
وعنه ابنه عبد الله، وقيل: لم يسمع منه، وعطاء، ومجاهد، وغيرهم.
وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وقال العَوَّام بن حَوْشَب: رُئيَ ابنُ عمر في حلقة عبيد بن عمير يبكي. وقال العجلي: مكي تابعي ثقة من كبار التابعين، كان ابن عمر يجلس إليه، ويقول: لله دَرُّ ابن قتادة ماذا يأتي به؟ ويروى عن مجاهد قال: نَفْخَرُ على التابعين بأربعة، فذكره فيهم. ومات قبل ابن عمر، وقال ابن حبان: مات سنة 68، أخرج له الجماعة.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته.
ومنها: أن رواته كلهم ثقات، وأنهم ما بين مروزين، وخراساني، ومكيين، ومدنية.
ومنها: أن فيه رواية تابعي، عن تابعي.
ومنها: أن فيه عائشة من المكثرين السبعة، روت 2210 حديثًا.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: لقد رأيتني) اللام في الداخلة على جواب القسم المقدر، وتسمى اللام المؤذنَة، واللام المُوَطِّئة، لأنها وَطَّأت جواب القسم المقدر، ومَهَّدَتْهُ، أي والله فقد رأيتني، أي أبصرت نفسي، وهو مما كان فيه الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمُسَمًى واحد، وهذا مما اختصت به أفعال القلوب، كظننتني
قائما، وخلْتُني صادقا، وقوله تعالى:{أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: آية 7] وأُلْحقَت بها في ذلك رأي الحُلُميَّة، والبَصَريَّة بكثرة، نحو {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: آية 36]، وقول الشاعر (من الكامل):
وَلقَدْ أرَاني لِلرِّمَاحِ دَرِيئَةً
…
مِنْ عَنْ يَمينِيِ تَارَةً وَشَمَالِي
وألحقت أيضا: عَدِم، وفَقَدَ، ووَجَدَ، بمعنى لَقِي، بقَلة، دون باقي الأفعال، فلا يقال: ضربتني اتفاقا، لئلا يكون الفاعل مفعولا، بل ضربت نفسي، وظلمت نفسي، ليتغاير اللفظان، وإنما جاز ذلك في
أفعال القلوب لأن مفعولها في الحقيقة مضمون الجملة، لا المنصوب بها فلا ضرر في اتحاده مع الفاعل
(1)
وإنما أكدت عائشة رضي الله عنها كلامها بالقسم توكيدا لإنكارها على من أوجب نقض الشعر في الغسل، كما نقل عن عبد الله بن عمرو أنه كان يأمر النساء بذلك، كما في صحيح مسلم، وسيأتي في المسائل.
(أغْتَسلُ) جملة في محل نصب على الحال، لأن رأى بصرية (أنا) ضمير منفصل للمتكلم، أُتي به للفصل، للعطف على الضمير المرفوع المتصل، كما قال في الخلاصة:
وَإنْ عَلَى ضَمير رَفْعٍ مَتَّصِلْ
…
عَطَفْتَ فَافْصلْ بالضَّمير المُنْفَصِلْ
أوْ فَاصلٍ مَّا وَبلا فَصْل يَرِدْ
…
في النَّظْمِ فَاشيًا وضعْفَهُ اعْتَقِدْ
(ورسول الله صلى الله عليه وسلم) عطف على الضمير الفاعل (من هذا) مُشيرةً إلى إناء موضوع عندها، كما يفيده قوله (فإذا)"إذا" هنا للمُفاجَأة، أي لمُفَاجَأة ما بعدها لما قبلها، وهي تختص بالجمل الأسمية، نحو قوله تعالى:{فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: آية 20].
(تَوْرٌ) بفتح التاء وسكون الواو بعدها راء مهملة: إناء من صُفْر، أو حجارة، كالإجَّانة، تُذكِّرهُ العرب، وتَشْرَبُ فيه، وقد يتوضأ منه،
(1)
أفاده في حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على الألفية ونقلته بتصرف راجع جـ 1 ص 151.
وقد تقدم البحث فيه برقم 61/ 77، ومحل "تور" رفع بالابتداء، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعها بعد إذا الفجائية، وخبره قوله (موضوع) عندها (مثل الصاع) بالرفع خبر بعد الخبر، أو صفة لموضوع، أو بالنصب على الحال (أو دونه) أي أقل من الصاع (فنشرع فيه) أي نأخذ فيه، يقال: شَرَعْتُ في الأمر أشْرَعُ شُرُوعًا: أخذت فيه (جميعا) أي مجتمعين (فأفيض) أي أصبُّ (على رأسي بيدى) بصيغة التثنية مضافا إلى ياء المتكلم (ثلاث مرات، وما أنقض لي شعرا) أي ما أحُلُّ الشعرَ المضفورَ، بل أكتفي بالصَّبِّ ثلاثا، وفيه دلالة على أنه لا يجب على المرأة نقض ضفيرتها في الاغتسال من الجنابة، وكذا الحيض، وقد تقدم تمام البحث في هذا برقم 150/ 241 ، فراجعه تزدد علمًا. والله ولي التوفيق، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
الأولى: في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه مسلم.
الثانية: في بيان موضعه: أخرجه المصنف هنا 12/ 416 بالسند المذكور فقط.
الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (م ق).
فأخرجه (م) في الطهارة عن يحيى بن يحيى، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن حُجْر، جميعا عن ابن عُلَيَّةَ، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن عُبيد بن عُمير، قال: بَلَغَ عائشةَ أنَّ عبد الله بن عَمْرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤسهن، فقالت:"يا عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤسهن، أفلا يأمرهن أن يَحْلِقْنَ رؤسهن، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات".
وأخرجه (ق) فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به.
وبقية مباحث الحديث تقدمت 150/ 241. فراجعها تستفد.
13 - بَابُ إذا تطيَّبَ واغْتَسَلَ وبَقيَ أثَرُ الطِّيبِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم مَنْ تَطَيَّب قبل الاغتسال من الجنابة، ثم اغتسل، وبَقيَ بعد الاغتسال أثَرُ الطيب في جسده، وجواب "إذا" محذوف تقديره "فلا يضره".
417 -
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لأَنْ أُصْبِحَ مُطَّلِيًا بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا.
فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا بِقَوْلِهِ، فَقَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(هَنَّاد بن السَّريّ) بن مصعب التميمي، أبو السري الكوفي ثقة [10] تقدم 23/ 25.
2 -
(وكيع) بن الجرَّاح أبو سفيان الرُّؤاسي الكوفي ثقة ثبت [9] تقدم في 23/ 25.
3 -
(مسْعَر) بن كدَام بن ظُهير الهلالي أبو سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل [7] تقدم في 8/ 8.
تنبيه: وقع في النسخة المصرية هنا تصحيف فَكُتبَ سعد بدل مسعر وعليها شرح الشنقيطي، فكتب ترجمة سعد بن أوس العبسي أبي محمَّد الكاتب الكوفي، والصواب ما هنا، فقد وقع في النسخة الهندية على الصواب، وقد أورده الحافظ أبو الحجاج المزي في تحفته هكذا على الصواب جـ 12 ص 301، وسيأتي في المسائل إن شاء الله تعالى.
4 -
(سفيان) بن سعيد بن مَسْرُوق أبو عبد الله الكوفي الإمام الحجة [7] تقدم 33/ 37.
5 -
(إبراهيم بن محمَّد المُنتشر) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة -5 - .
روى عن أبيه، وأنس بن مالك، وقيس بن مسلم وغيرهم.
وعنه شعبة، والثوري، ومسعر، وأبو عوانة وعدة.
قال أحمد، وأبو حاتم: ثقة صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: شريف كوفي ثقة، وقال العجلي، وابن سعد، ويحيى بن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. أخرج له الجماعة.
6 -
(أبوه) محمَّد بن المنتشر بن الأجدع بن مالك الهَمْدَاني، ثم الوادعي الكوفي ثقة -4 - روى عن عمه مسروق على خلاف فيه، وعن أبيه المنتشر، وعن ابن عمر، وعائشة، وأبي ميسرة، وعمرو بن
شُرَحْبيل، وحميد بن عبد الرحمن الحمْيَريّ، وحبيب بن سالم، وغيرهم.
وعنه ابنه إبراهيم، وعبد الملك بن عُمَير، ومُجالد، وسِمَاك بن حَرْب.
قال الميموني: قلت لأحمد: محمَّد بن المنتشر؟ فوثقه، وقال: خَيْرًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث قليلة. أخرج له الجماعة.
7 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته.
ومنها: أن رواته كلهم ثقات.
ومنها: أنه مسلسل بالكوفيين غير عائشة رضي الله عنها.
ومنها: أن فيه رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض.
ومنها: رواية الابن عن أبيه.
ومنها: أن فيه عائشة من المكثرين السبعة روت 2210 حديثا.
تنبيه: يقدر بعد قوله: عن مسعر، وسفيان، لفظ "كلاهما"، فيقال: عن مسعر وسفيان كلاهما عن إبراهيم الخ، وكثيرا ما يُعَبِّر مسلم في صحيحه في مثل هذا أحيانا بقوله:"كلاهما"، وأحيانا بقوله:"جميعا"، فينبغي التلفظ به، وإن لم يكتب.
قال الحافظ في الفتح عند قول البخاري حدثنا محمَّد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عَدي، ويحيى بن سعيد، عن شعبة إلخ، ما نصه: قوله: "ويحيى بن سعيد" هو القطان، وينبغي أن يُثْبَتَ في القراءة قبل
قوله "عن شعبة" لفظ "كلاهما" لأن كلا من ابن أبي عَديّ ويحيى رواه لمحمد بن بشار، عن شعبة، وَحَذْفُ "كلاهما" من الخط اصطلاح. انتهى
(1)
.
شرح الحديث
(عن محمَّد بن المنتشر) أنه (قال: سمعت) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (يقول: لأن أصبح) بفتح اللام، وهي لام الابتداء، و"أن" مصدرية، و"أصبح" في تأويل المصدر مبتدأ، وخبره
"أحب"، أي إصباحي مُطَّليًا بقطران أحب الخ.
(1)
فتح جـ 1 ص 449.
وأُصْبحَ مضارع أصْبَحَ، وهي من أخوات كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر، ومعناها اتصاف المخبر عنه بالخبر في الصباح، ويحتمل أن تكون تامة (مُطَّليًا) اسم فاعل من "طلَى" ثلاثيا، من باب رَمَى، أو من اطَّلَى يَطَّلي، اطِّلاءً، من باب الافتعال، يقال: طَلَيْتُه بالنُّورة، أو غيرها: لَطَخْتُهُ بها، واطليت: افتعلت منه: إذا فعلته لنفسك، ولا يذكر معه المفعول، قال العلامة السندي رحمه الله: فيحتمل أن يكون "مَطْليًا" بفتح الميم وسكون الطاء، وتشديد الياء: اسم مفعول من طَلَيْتُهُ، أو بضم الميم، وتشديد الطاء، وتخفيف الياء، اسم فاعل من "اطَّلَيْتُ" والثاني هو المضبوط، وهو خبر "أصبح" إن كان ناقصا أو حال من ضميره إن كان تاما. انتهى
(1)
.
(بقَطرَان) قال الفيومي رحمه الله: والقَطِرَان: ما يَتَحَلَّل من شَجَر الأبْهَل، ويُطْلَى به الإبلُ وغيرها، وقَطْرَنْتُها: إذا طليتها، وفيه لغتان فتح القاف، وكسر الطاء، وبها قرأ السبعة في قوله تعالى:{سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: آية 50] والثانية: كسر القاف، وسكون الطاء. انتهى
(2)
.
وقال السندي: دُهْنٌ يُسْتَحْلَبُ من شجر يُطْلَى به الأجْرَبُ، والكلام كناية عن صيرورته أجرب. انتهى
(3)
. (أحَبُّ إليَّ من أن أصبح محرما أنضخ) بخاء معجمة، أي يَفُورُ مني رائحة الطيب، قال البدر العيني رحمه الله: ومنه قوله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: آية 66] وهذا هو المشهور، وضبطه بعضهم بالحاء المهملة، قاله الإسماعيلي، وكذا ضبطه عامة من حدثنا، وهما متقاربان في المعنى، وقال ابن الأثير: وقد اختلف في أيهما أكثر، والأكثر:
(1)
شرح السندي جـ 1 ص 203.
(2)
المصباح ص 194.
(3)
شرح جـ 1 ص 204.
بالعجمة أقل من المهملة، وقيل: بالمعجمة: الأثرُ يبقى في الثوب والجسد، وبالمهملة: الفعلُ نَفْسُهُ، وقيل: بالمعجمة: ما فُعِلَ مُتَعَمَّدًا، وبالمهملة من غير تعمد، وذكر صاحب المطالع، عن ابن كيسان أنه بالمهملة لما رَقَّ، كالماء، وبالمعجمة لما ثَخُنَ، كالطيب، وقال النووي: هو بالمعجمة أقل من المهملة، وقيل: عكسه، وقال ابن بطال: من رواه بالخاء -أي المعجمة- فالنضخ عند العرب كاللطخ يقال: نضخ ثوبه بالطيب، هذا قول الخليل، وفي كتاب الأفعال: نَضَخَتِ العينُ بالماء نَضخًا: إذا فَارَتْ، واحتج بقوله تعالى:{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} ، ومن رواه بالحاء -أي المهملة- فقال صاحب العين: نَضَحَت العينُ بالماء إذا رَأيْتَها تَفُورُ، وكذلك العين الناظرة إذا رأيتها مُغْرَوْرَقةً، وفي الصحاح: قال أبو زيد: النضخ بالإعجام: الرش، مثل النضح بالإهمال، وهما بمعنى. وقال الأصمعي: يقال: أصابه نَضْخ من كذا وهو أكثر من النضح بالمهملة، انتهى. عمدة القاري جـ 3 ص 214.
(طيبًا) منصوب على التمييز، قال محمَّد بن المنتشر (فدخلت على عائشة) رضي الله عنها (فأخبرتها بقوله) أي قول ابن عمر هذا، وللمصنف في الحج: سألت ابن عمر عن الطيب عند الإحرام، فقال:
لأنْ أطَّليَ بالقطران أحب إليَّ، فذكرت ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، لقد كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
فدل على أنه سأل أوَّلا ابنَ عمر عن حكم الطيب للمحرم، ثم سأل عائشة (فقالت) رَدًّا عليه حيث خالف رأيه النص (طَيَّبْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه) كناية عن الجماع، وقال الإسماعيلي: يحتمل أن يُراد به الجماع، وأن يراد به تجديد العهد بهنّ.
قال الحافظ: والاحتمال الأول يرجحه حديث أنس: "كان النبي
- صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة" قال قتادة: قلت لأنس: أوَ كانَ يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، فقدلها:"فطاف" مثل قوله: "يدور". انتهى كلام الحافظ بتصرف.
(ثم أصبح محرما) وفي رواية للبخاري، وهي رواية للمصنف في الحج: زيادة "ينضخ طيبا" وبها يتم رد عائشة على ابن عمر رضي الله عنهما.
قال الحافظ: وظاهره أن عين الطيب بقيت بعد الإحرام، قال الإسماعيلي: بحيث إنه صار كأنه يتساقط منه الشيء بعد الشيء. انتهى.
وكتَبَ السنديُّ ما نصه: "ثم أصبح محرمًا" أي بعد أن اغتسل بقرينة أنه طاف على النساء، وقد بقي أثر الطيب، كما يُعلم من رَدِّ عائشة قولَ ابن عمر بذلك، وقد جاء صريحا أيضا، فاستدل به المصنف
على أن بقاء أثر الطيب لا يمنع صحة الاغتسال، وهذا هو الظاهر من هذا الحديث، وقد جَوَّز بعضهم أنه تَطَيَّبَ ثانيا بعد الاغتسال، وما بقي من آثار الطيب بعد الإحرام كان أثرا للثاني إذ بقاء أثر الأول بعد الاغتسال على وجه الكمال، والسُّبوغ بعيد. انتهى
(1)
.
وفي هذا الحديث استحباب الطيب عند الإحرام، وإن كان يَبْقى أثره بعد الإحرام، وإنما يحرم استعماله بعده ابتداء، وبه يقول جماعة من الصحابة والتابعين، وجماهير المحدثين، والفقهاء، فمن الصحابة: سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن الزبير، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة رضي الله عنهم، وهو مذهب الثوري، والشافعي، وأبي يوسف، وأحمد بن حنبل، وداود، وغيرهم.
(1)
شرح السندي جـ 1 ص 204 ..
وقال آخرون بمنعه، وحكي عن جماعة من الصحابة والتابعين، ومنهم ابن عمر، والزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن.
وادعى بعضهم أن هذا الطيب كان للنساء لا للإحرام، وادعى أن في هذه الرواية تقديما وتأخيرا التقدير:"فيطوف على نسائه ينضخ طيبا، ثم يصبح محرما" وجاء ذلك في بعض الروايات. والطيب يزول بالغسل، لا سيما أنه ورد أنه كان يغتسل عند كل واحدة منهن
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: ما ادعى هذا البعض غير صحيح، يرده قول عائشة رضي الله عنها:"طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" ويأتي للمصنف برقم 2685 من كتاب الحج، وقولها:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ادَّهَنَ بأطيب ما يجده حتى أرى وَبيصه في رأسه ولحيته" ويأتي برقم 2700.
فقد صرحت أن تطيُّبَهُ للإحرام، لا للنساء. فتفطن. والله أعلم.
وسيأتي تمام البحث في المسألة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة رضي الله عنها هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضعه:
أخرجه المصنف هنا 13/ 417 بهذا السند، وفي الحج 2704، عن حميد بن مسعدة، عن بشر بن المفضل، عن شعبة، عن إبراهيم، به.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ م).
(1)
عمدة القاري جـ 3 ص 214.
فأخرجه (خ) في الطهارة عن محمَّد بن بشار، عن ابن أبي عديّ، ويحيى بن سعيد كلاهما عن شعبة، وعن أبي النعمان، عن أبي عوانة.
وأخرجه (م) في الحج عن سعيد بن منصور، وأبي كامل الجَحْدَريّ، كلاهما، عن أبي عوانة، وعن يحيى بن حبيب بن عربي، عن خالد بن الحارث، عن شعبة، وعن أبي كريب، عن وكيع، عن مسعر، وسفيان، أربعتهم عن إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: ما ذكره المصنف من أن ابقاء أثر الطيب بعد الغسل لا يضر.
ومنها: جواز التطيب عند الإحرام بما يبقى أثره بعده، وتقدم الخلاف فيه، وسيأتي في الحج إن شاء الله تعالى أيضا.
ومنها: رد الصحابة بعضهم على بعض إذا خالف الاجتهاد النص.
ومنها: مشروعية خدمة الزوجة لزوجها.
ومنها: استحباب مجامعة الرجل زوجته عند إرادة الإحرام.
ومنها: جواز الطواف على نسائه، إذا أذنت صاحبة النوبة. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
14 - بَابُ إزَالَةِ الجُنُبِ الأذَى عَنْهُ قَبْلَ إفَاضَةِ المَاء عَلَيْهِ
418 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا. قَالَتْ: هَذِهِ غِسْلَةٌ لِلْجَنَابَةِ.
رجال هذا الإسناد: ثمانية
1 -
(محمَّد بن علي) بن ميمون الرَّقّي أبو العباس العطار، ثقة -11 - .
روى عن أبيه، والحسن بن بشر البجلي، وسعيد بن منصور، وأبي داود الطيالسي، ومحمد بن يوسف الفرْيابي، وغيرهم.
وعنه النسائي، وأبو حاتم، وابن أبي عاصم وغيرهم.
وثقه النسائي، وقال مسعود بن ناصر: سألت الحاكم عنه؟ فقال: إمام أهل الجزيرة في عصره، ثقة مأمون، وقال علي بن محمَّد بن أحمد ابن مالك الرَّقي: ثنا محمَّد بن علي بن ميمون العطار الشيخ الجليل.
قال أبو علي الحراني: ولد سنة 193، ومات سنة 268، أخرج له المصنِّف فقط.
2 -
(محمَّد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم أبو عبد الله الفريابي
(1)
نزيل قَيْسَارية
(2)
من ساحل الشام، ثقة، فاضل [9] أدرك الأعمش، وروى عن فطر بن خليفة، وإبراهيم بن أبي عَبْلَة،
والأوزاعي، وجرير ابن حازم، ونافع مولى ابن عمر، والثوري، وغيرهم.
وعنه البخاري، وروى عنه هو، والباقون بواسطة أحمد بن حنبل، وإسحاق الكَوْسَج، ومحمد بن يحيى، وعيسى بن محمَّد، وغيرهم.
قال حرب عن أحمد: الفريابي سمع من سفيان بالكوفة، وصحبه، وكتبت عنه أنا بمكة، وقال الفضل بن زياد عن أحمد: كان رجلا صالحا وقال أبو عمير بن النحاس: سألت ابن معين قلت: أيهما أحب إليك، كتابُ الفريابي، أو كتابُ قبيصة؟ قال: كتاب الفريابي، وقال ابن أبي خيثمة: سُئلَ ابنُ معين عن أصحاب الثوري أيهم أثبت؟ فقال: هم خمسة: القطان، ووكيع، وابن المبارك، وابن مهدي، وأبو نعيم،
وأما الفريابي، وأبو حذيفة، وقبيصة، وعبيد الله بن موسى، وأبو أحمد الزبيري، وعبد الرزاق، وأبو عاصم، والطبقة فهم كلهم في سفيان بعضهم قريب من بعض، وهم ثقات كلهم دون أولئك في الضبط والمعرفة، وقال الدوري، وعثمان الدارمي، عن ابن معين: نحو ذلك
(1)
الفريابي بكسر الفاء وسكون الراء نسبة إلى فرْيَاب، أو فَاريَاب، أو فيريَاب، وهي مدينة ببلاد الترك اهـ من هامش تت جـ 9 ص 535. وقال المجد: فِرْياب كجِرْيَال: بلد ببَلْخ، أو هو فيرياب ككيمياء، أو فارياب كقاصعاء، وكساباط: ناحية وراء نهر سيحون، أو هي بلد أترار. اهـ "ق". وفي لب اللباب جـ 2 ص 143 بلد بنواحي بلخ. اهـ.
(2)
قيسارية: مدينة من مدائن فلسطين. من هامش الخلاصة.
في الفريابي. وقال العجلي: الفريابي ثقة، وهو، ويحيى بن آدم، والزبيري، وقبيصة، ومعاوية ثقات، ووكيع وأبو نعيم، والأشجعي، والقطان، وابن مهدي، أثبت الناس في حديث سفيان منهم. وقال أبو بشر الدولابي عن البخاري: ثنا محمَّد بن يوسف، وكان من أفضل أهل زمانه، وقال النسائي: ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن الفريابي، ويحيى بن يمان؟ فقال: الفريابي أحبُّ إليّ، وقال السلمي: سألت الدارقطني: إذا اجتمع قبيصة والفريابي مَنْ تُقَدِّمُ منهما؟ قال: الفريابي نفضله ونشكره. وقال محمَّد بن سهل بن عسكر: خرجنا مع محمَّد الفريابي للاستسقاء، فرفع يديه، فما أرسلهما حتى مُطرنا، وقال البخاري: رأيت قوما دخلوا على الفريابي، فقيل له: يا أبا عبد الله إن هؤلاء مرجئة، فقال: أخرجوهم، فتابوا، ورجعوا، قال العجلي: كانت سنة كوفية، قال: وقال بعض البغداديين: أخطأ محمَّد بن يوسف في 150 حديثا من حديث سفيان، وقال ابن عدي: له إفرادات
عن الثوري، وله حديث كثير عن الثوري، وقد يقدم الفريابي في الثوري على جماعة مثل عبد الرزاق، ونظرائه، قالوا: الفريابي أعلم بالثوري منهم، ورحل إليه أحمد قاصدا، فلما قرب من قيسارية نُعيَ
إليه، فعدل إلى حمص. والفريابي فيما يتبين صدوق لا بأس به، وأنكر عليه ابن معين حديثه عن ابن عيينة، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد:"الشَّعْرُ في الأنف أمان من الجُذام" وقال: هذا باطل.
روى عنه البخاري 26 حديثا، قال الفريابي: ولدتُ سنة 120، ومات في ربيع الأول سنة 212، أخرج له الجماعة.
3 -
(سفيان) بن سعيد الثوري الإمام الحجة [7] تقدم 33/ 37.
4 -
(الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي ثقة ثبت [5] تقدم 17/ 18.
5 -
(سالم) بن أبي الجَعْد رافع الغطفاني الكوفي ثقة يرسل [3] تقدم 61/ 77.
6 -
(كُرَيب) بن أبيْ مسلم الهاشمي مولاهم المدني أبو رشْدين ثقة [3] تقدم 161/ 253.
7 -
(ابن عباس) عبد الله الحبر البحر رضي الله عنه تقدم في 27/ 31.
8 -
(ميمونة) بنت الحارث أم المؤمنين خالة ابن عباس رضي الله عنهما تقدمت في 146/ 236.
والحديث تقدم برقم 161/ 253 مشروحًا.
وقوله: "هذه غِسْلَةٌ للجنابة" هكذا النسخة المصرية، والغِسْلَة، فِعْلَة بالكسر للهيئة، كما قال ابن مالك في الخلاصة:
وَفَعْلَةٌ لمرَّة كَجَلْسَهْ
…
وفِعْلَةٌ لهَيْئَة كَجِلْسَهْ
أي هذه الصفة المذكورة في هذا الحديث هي صفة اغتساله صلى الله عليه وسلم من الجنابة، وفي النسخة الهندية:"هذه غُسْلُهُ من الجنابة" وكَتَبَ في الهامش برمز نسخة: "هذا غَسْلَةُ الجَنَابَة"، والمعنى واحد. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
15 - بَابُ مَسْحِ اليَدِ بِالأرْضِ بَعْدَ غَسْلِ الفَرْجِ
419 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَمْسَحُهَا، ثُمَّ يَغْسِلُهَا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ يَتَنَحَّى فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ.
رجال الإسناد: سبعة
كلهم تقدموا في السند الماضي غير اثنين:
1 -
(محمَّد بن العلاء) أبو كُريب الهَمْداني الكوفي ثقة ثبت [10] تقدم 95/ 117.
2 -
(أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير الكوفي ثقة [9] تقدم في 26/ 30.
والحديث أيضا تقدم مشروحا برقم 161/ 253. فراجعه تستفد. والله أعلم.
16 - بَابُ الإبْتِدَاءِ بِالوُضُوءِ فِي غُسْلِ الجَنَابَةِ
420 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعْرَهُ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ، أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(سويد بن نصر) المروزي راوية ابن المبارك ثقة [10] تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله) بن المبارك أبو عبد الرحمن الإمام الحجة [8] تقدم 32/ 36.
3 -
(هشام بن عروة) أبو المنذر المدني ثقة فقيه [5] تقدم 49/ 61.
4 -
(أبوه) عروة بن الزبير الفقيه المدني الثقة المثبت [3] تقدم في 40/ 44.
5 -
(عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها تقدمت 5/ 5.
والحديث مضى مُستوفى الشرح 156/ 247.
وقولها: "ثم يخلل" الخ، بيان وتفصيل لما أجمل في قولها:"ثم اغتسل". والله أعلم.
17 - بَابُ التَّيَمُّنِ فِي الطُّهُورِ
421 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ.
وَقَالَ بِوَاسِطٍ: فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
رجال الإسناد: ستة
أما سويد بن نصر، وعبد الله بن المبارك فقد تقدما في السند الماضي.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الإمام الحجة [7] تقدم 24/ 26.
4 -
(أشعث بن أبي الشَّعثاء) سُليمِ بنِ الأسود المُحَاربي الكوفي ثقة [6] تقدم في 90/ 112.
5 -
(أبوه) أبو الشَّعثاء سُليمُ بنُ الأسود بن حنظلة المُحاربي الكوفي ثقة من كبار [3] تقدم في 90/ 112.
6 -
(مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي ثقة فقيه عابد مخضرم [2] تقدم في 90/ 112.
7 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى مشروحا برقم 90/ 112 فارجع إليه تستفد علمًا.
وقوله: "وقال بواسط: في شأنه كله"، فاعل "قال" هو "الأشعث"، وفي الرواية السابقة برقم 90/ 112، قال شعبة: ثم سمعت الأشعث بواسط يقول: "يحب التيامن، فذكر شأنه كُلَّه، ثم سمعته بالكوفة يقول: يحب التيامن ما استطاع".
وواسط: اسم بلد بالعراق، سمي به لأنه تَوَسَّطَ الإقليم، قاله في المصباح.
يعني أن الأشعث بن أبي الشعثاء حَدَّث بهذا الحديث عدَّة مرات، فسمعه شعبة مرة يقول:"كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره، وتنعله، وترجله" ومرة سمعه بواسط يزيد: "في شأنه كله"، ومرة
سمعه يقول: "يحب التيامن ما استطاع".
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
18 - بَابُ تَرْكِ مَسْحِ الرَّأسِ فِي الوُضُوءِ مِنَ الجَنَابَةِ
422 -
أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -هُوَ ابْنُ سَمَاعَةَ-، أخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَاتَّسَقَتِ الأَحَادِيثُ عَلَى هَذَا، يَبْدَأُ فَيُفْرِغُ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الإِنَاءِ فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى فَرْجِهِ، وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى فَرْجِهِ، فَيَغْسِلُ مَا هُنَالِكَ حَتَّى يُنْقِيَهُ، ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى التُّرَابِ إِنْ شَاءَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى حَتَّى يُنْقِيَهَا، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَيَسْتَنْشِقُ، وَيُمَضْمِضُ، وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ رَأْسَهُ لَمْ يَمْسَحْ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. فَهَكَذَا كَانَ غُسْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذُكِرَ.
رجال هذا الإسناد: تسعة
1 -
(عمْران بن يزيد بن خالد) هو عمران بن خالد بن يزيد بن مسلم بن أبي جميل القرشي، ويقال: الطائي مولاهم، أبو عمر، ويقال: أبو عمرو الدمشقي، ويقال: إنه مولى أم حبيبة بنت أبي سفيان، ويقال: مولى مالك بن عوف النَّصْري، أخو هاشم بن خالد، وقد ينسب إلى جده -كما هنا- ويقال: عمران بن يزيد بن خالد. صدوق -10 - .
روى عن معروف الخياط، وعيسى بن يونس، وعبد الرحمن بن أبي الرجال، وشعيب بن إسحاق، ومخلد بن حسين، وغيرهم.
وعنه النسائي، والعمري، وابن قتيبة، وحرب الكرماني، والحسن ابن سفيان، والباغندي، وغيرهم.
قال أبو زرعة: كلتبت عنه حديثا واحدا، عن رُدَيْح بن عطية، وقال أبو حاتم: كتبت عنه في الرحلة الثانية، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في موضع آخر: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات
سنة 244، أخرج له المصنف فقط
(1)
.
2 -
(إسماعيل بن عبد الله بن سَمَاعَه) العدوي مولى آل عمر الرملي وقد ينسب إلى جده، ثقة قديم الموت من [8] تقدم في 134/ 201.
3 -
(الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الإمام الحجة [7] تقدم في 54/ 56.
4 -
(يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل [5] تقدم في 23/ 24.
(1)
تهذيب الكمال جـ 22 ص 325 - 327 وتت جـ 8 ص 129 - 130 وت 264 باختصار.
5 -
(أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وقيل: اسمه كنيته، وهو المشهور ثقة مكثر [3] تقدم في 1/ 1.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت 5/ 5.
7 -
(عمرو بن سعد) الفَدَكيُّ، ويقال: اليمامي، مولى غفار، ويقال: مولى عثمان، ثقة -6 - .
روى عن محمَّد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن شعيب، ونافع مولى ابن عمر، وزياد النميري، ويزيد الرقاشي.
وعنه يحيى بن أبي كثير، وعكرمة بن عمار، والأوزاعي، وعمر ابن راشد، وعبد الله بن غَزْوان.
قال أبو زرعة الرازي: دمشقي ثقة يروي عن
(1)
الأوزاعي، ويحيى ابن أبي كثير، ذكره ابن حبان في الثقات، أخرج له أبو داود، والمصنف وابن ماجه.
8 -
(نافع) مولى ابن عمر، أبو عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه مشهور [3] تقدم في 12/ 12.
9 -
(ابن عمر) عبد الله رضي الله عنهما تقدم في 12/ 12.
شرح الحديث
(عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها وقوله (وعن عمرو بن سَعْد الفدكي) عطف على يحيى بن أبي كثير، فالأوزاعي، يروي هذا الحديث بطريقين: طريق عائشة، عن شيخه يحيى، عن أبي سلمة،
(1)
لعل الصواب يروى عنه الأوزاعي.
عنها، وطريق ابن عمر عن شيخه عمرو بن سعد، عن نافع (عن نافع) المدني مولى ابن عمر رضي الله عنهما (عن ابن عمر أن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن) كيفية (الغسل من الجنابة) قال المصنف (واتَّسقت الأحاديث) أي انتظمت الروايتان، فالجمع لما فوق الواحد، يعني أن حديث عائشة، وحديث ابن عمر اتفقا (على هذا) أي على معنى هذا اللفظ الآتي، وإلا فالظاهر من السياق أن المذكور هو متن حديث عائشة رضي الله عنها، لقوله في آخره: فهكذا كان غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا أن يقال: هكذا كان غسله الثابت عنه قولا، وفعلا، والله أعلم.
(يبدأ) بيان لكيفية غسله (فَيُفْرِغُ) من الافراغ أي يَصُبُّ (على يده اليمنى) والمراد كله، وذلك للتنظيف (مرتين أو ثلاثا، ثم يدخل يده اليمنى) أي كفه (في الإناء) ليَغْترف منه (فيصب بها) أي بيده (على فرجه، ويدُهُ اليسرى على فرجه) جملة من مبتدأ وخبر في محل النصب على الحال، أي والحال أن يده اليسرى موضوعة على فرجه، ليغسله بها (فيغسل ما هنالك) أي الأذى الذي في الفرج (حتى يُنَقيَه) من الإنقاء،
أو من التنقية، وهو التنظيف (ثم يضع يده اليسرى على التراب) مبالغة في نظافة يده (إن شاء) أي إن احتاج إلى ذلك، وقال السندي: فيه إشارة إلى أنه يفعله أحيانا، ويتركه أحيانا، وكان حسب ما يقتضيه
الوقت، أو لبيان الجواز، اهـ شرحه جـ 1 ص 206.
(ثم يصب) الماء (على يده اليسرى) فيغسلها (حتى ينقيها، ثم) بعدَ أن يُزيل ما على فرجه من الأذى (يغسل يديه) أي كفيه (ثلاثا، ويستنشق) أي يجعل الماء في أنفه، ثم يَجْذبُهُ بريحه (ويمضمض) أي يجعل الماء في فمه فيحركه (ويغسل وجهه وذراعيه) تثنية ذراع، قال في المصباح: الذراع: اليد من كل حيوان، لكنها من الإنسان من المرفق إلى
أطراف الأصابع، وهو مؤنث، ويُذَّكرُ بقلة
(1)
.
والظاهر أن المراد بغسل الذراع غسل كل اليد، فيغسل الكفين أيضا (ثلاثا ثلاثا) أي غَسَلَ كلَّ واحد من وجهه وذراعيه ثلاث مرات، وفيه استحباب التثليث في وضوء الغسل (حتى إذا بلغ رأسه) أي مَسْحَ رأسه (لم يمسح، و) لكن (أفرغ عليه) أي صب على رأسه (الماء) وهذا محل الترجمة، ففيه بيان أنه لا يشرع مسح الرأس في الوضوء للغسل، اكتفاء بصب الماء عليه، ولكن سبق أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة، فإما أن يقال: ذاك عموم يُخَصُّ بهذا، أو يقال: لعله تارة يفعل هذا، وتارة ذلك لبيان الجواز، وفيه أن المسح يحصل في ضمن الغسل، وأن الضمني كاف في سقوط التكليف، وعلى هذا لو فرض أن الواجب مسح الرجلين، كما تقول الرافضة، فهو يتأدى بغسلهما دون العكس، فالغسل أحوط والله أعلم، قاله السندي رحمه الله جـ 1 ص 206.
قال الجامع عفا الله عنه: الأولى حمله على اختلاف الأوقات، فتارة عمل بهذا، وتارة بهذا، لبيان الجواز. ويؤيد هذا العمل ما في الرواية الأخرى في حديث ميمونة رضي الله عنها "يتوضأ وضوءه للصلاة غير رجليه" الحديث، فإن ظاهره أنه ما ترك مسح الرأس وإلا لاستثنته كما استثنت غسل الرجلين، فدل على أنه كان يمسح الرأس في بعض الأوقات. والله أعلم.
(فهكذا كان غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما ذكر) بالبناء للمفعول، أي فيما ذكر الصحابة الذين شهدوا غسله كعائشة، وغيرها.
والظاهر أن قوله: "فهكذا" الخ من قول بعض الرواة غير عائشة، وليس من كلامها، لقوله:"فيما ذكر".
(1)
المصباح بتصرف يسير.
تنبيه: هذا الحديث من أفراد المصنف، كما أشار إليه الحافظ أبو الحباج المزي في تحفته جـ 6 ص 191، جـ 12 ص 373.
وهو حديث صحيح الإسناد كما قال الشيخ الألباني جـ 1 ص 90 من صحيح النسائي.
وبقية مباحث الحديث تقدمت في أبواب الغسل من كتاب الطهارة، فارجع إليها، والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
19 - بَابُ اسْتِبْرَاء البَشْرَةِ فِي الغُسْلِ منَ الجَنَابَةِ
423 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُخَلِّلُ رَأْسَهُ بِأَصَابِعِهِ، حَتَّى إِذَا خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَبْرَأَ الْبَشَرَةَ غَرَفَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(علي بن حجر) السعدي المروزي نزيل بغداد، ثم مرو ثقة حافظ من صغار [9] تقدم 13/ 13.
2 -
(علي بن مسهر) القرشي الكوفي قاضي الموصل ثقة له غرائب بعد ما أضر [8] تقدم 52/ 66.
وأما هشام وأبوه، وعائشة فتقدموا قبل حديثين.
وتقدم شرح الحديث وما يتعلق به مستوفًى في 152/ 243، والأبواب التي بعده، فراجعها تزدد علما.
وقولها: "حتى إذا خُيِّلَ إليه" بالبناء للمفعول بمعنى قولها فيما تقدم
16/ 420، "حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته" ومعنى: استبرأ البشرة: أي تيقن وصول الماء إلى البشرة، يقال: استبرأت الشيء طلبت آخره لقطع الشبهة قاله الزمخشري، اهـ المصباح.
والبَشَرَةُ: ظاهر الجلد، والجمع البَشَر، مثل قَصَبَة، وقَصَب، قاله في المصباح أيضًا.
424 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوِ الْحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(محمَّد بن المثنى) أبو موسى العَنَزي البصري، ثقة ثبت [10] تقدم في 64/ 80.
2 -
(الضحاك بن مَخْلَد) بن مسلم بن الضحاك الشيباني، أبو عاصم النبيل البصري، قيل: إنه مولى بني شيبان، وقيل: من أنْفسهم، ثقة ثبت -9 - .
روى عن يزيد بن أبي عُبيد، وأيمن بن نابل، وشبيب بن بشر، وحنظلة بن أبي سفيان، وغيرهم.
وعنه جرير بن حازم، وهو من شيوخه، والأصمعي، والخُرَيبي، وهما من أقرانه، وأحمد، وإسحاق، وعلي بن المديني، وآخرون.
وثقه ابن معين، والعجلي، وقال: كثير الحديث، وكان له فقه، وقال أبو حاتم: صدوق، وهو أحب إليَّ من رَوْح بن عُبَادة، وقال محمَّد بن عيسى الزَّجَّاج: قال لي أبو عاصم: كل شيء حدثتك حدثوني به وما دلست قط، وقال ابن سعد: كان ثقة فقيها، وقال عُمر بن شَبَّة: والله ما رأيت مثله، وقال ابن خراش: لم يُرَ في يده كتاب قط، وقال الآجري عن أبي داود: كان يحفظ قدر ألف حديث من جيد حديثه، وكان فيه مزاح. وقال البخاري: سمعت أبا عاصم يقول: منذ عقلت أن الغيبة حرام ما اغتبت أحدا قط، وقال الخليلي: متفق عليه زُهْدًا وعلمًا وديانةً وإتقانًا، قيل: إنه لُقِّبَ النَّبيلَ لأن الفيل قدم البصرة، فخرج الناس ينظرون إليه، فقال له ابن جريج: مالك لا تنظر؟ قال: لا أجد منك عوضًا، فقال له: أنت النبيل، وقيل: لأنه كان يلبس جيد الثياب، وقيل: لأن شعبة حلف أن لا يحدث أصحاب الحديث شهرًا، فبلغ أبا عاصم، فقال له: حدث وغلامي حرّ، وقيل لأنه كان كبير الأنف.
روى إسماعيل بن أحمد والي خراسان، عن أبيه، عن أبي عاصم، أنه تزوج امرأة، فلما أراد أن يُقَبِّلَهَا قالت له: نَحِّ ركبتك عن وجهي، فقال: ليس هذا ركبة، هذا أنف.
وقال ابن قانع: ثقة مأمون، ورَوَى الدارقطني في غرائب مالك من طريق علي بن نصر الجَهْضَمي، قال: قالوا لأبي عاصم: إنهم يخالفونك في حديث مالك في الشفعة، فلا يذكرون أبا هريرة، فقال: هاتوا من سمعه من مالك في الوقت الذي سمعته منه إنما كان قدم علينا أبو جعفر مكة، فاجتمع الناس إليه، وسألوه أن يأمر مالكا أن يحدثهم،
فأمره، فسمعته في ذلك الوقت، قال علي بن نصر: وكان ذلك في حياة ابن جريج، لأن أبا عاصم خرج من مكة إلى البصرة في حياة ابن جريج، ثم لم يعد إلى مكة حتى مات، وهذا يدل على أن أبا عاصم مكي تحول إلى البصرة.
قال عمرو بن علي، وغيره، عن أبي عاصم: وُلدتُ سنة 122، قيل: مات سنة 211، وقيل: 212، وقيل: 213، وقيل: 214، والصحيح 212، أخرج له الجماعة.
3 -
(حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن بن صفوان الجُمَحيُّ المكي ثقة حجة من [6] تقدم في 12/ 12.
4 -
(القاسم) بن محمَّد المدني ثقة فقيه [3] تقدم في 120/ 166.
5 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت 5/ 5.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته.
ومنها: أن رواته كلهم ثقات.
ومنها: أنهم ما بين بصريين، وهما ابن المثنى، والضحاك، ومكي وهو حنظلة، والضحاك أيضا مكي -كما مرّ آنفًا- ومدنيين وهما القاسم، وعائشة.
ومنها: رواية الراوي، عن عمته.
ومنها: أن فيه القاسم أحد الفقهاء السبعة، المجموعين في قول بعضهم:
إذَا قيلَ مَنْ في العلْمِ سَبْعَةُ أبْحُر
…
مَقَالتُهُمْ لَيْسَتْ عَن الحَقِّ خَارجَهْ
فَقُلْ: هُمْ عُبيدُ اللهِ عُرْوَةُ قَاسمٌ
…
سَعيدٌ أبُو بَكْرٍ سُليْمَانُ خَارِجَهْ
ومنها: أن فيه عائشة من المكثرين السبعة، المجموعين في قول الجلال السيوطي في ألفية الأثر:
والمكثرونَ في روَايَة الأثَرْ
…
أبُو هُرَيْرَةَ يَليهِ ابنُ عُمَرْ
وأنَسٌ والبَحْرُ كالخُدْريِّ
…
وجَابرٌ وَزَوْجةُ النَّبيِّ
ومنها: أن شيخه أحد مشايخ الأئمة الستة أصحاب الأصول الستة المجموعين في قولي:
اشْتَرَكَ الأئمَّةُ الوُعَاةُ
…
ذَوُو الأُصُول السِّتةُ الحُمَاةُ
في تسْعَةٍ منَ الشُّيُوخ المَهَرَهْ
…
النَّاقدينَ الحَافظينَ البَرَرَهْ
أولئكَ الأشَجُّ وابْنُ مَعْمَرِ
…
نَصْرٌ وَيَعْقُوبُ وَعَمْرٌو السَّرِي
وَابْنُ المُثَنَّى وَابنُ بَشَّاركَذَا
…
ابنُ العَلاءِ وزيَادٌ يُحْتَذَى
وهذا كله تقدم غير مرة، وإنما أعدته تذكيرًا، لطول العهد به.
شرح الحديث
(عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل) أي أراد أن يغتسل، كما بينته رواية الإسماعيلي من طريق بُندار، عن أبي عاصم بلفظ:"كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة .. "(دعا بشيء) أي طلب شيئا، فالباء زائدة (نحو الحلاب) بكسر الحاء المهملة، وتخفيف اللام، وموحدة،: إناءٌ يسع قدر حَلَب الناقة، أو هو إناء يُحلَب فيه، كالمحْلَب، أي طلب إناء قريبًا من الإناء الذي يسمى الحلاب، وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر، أخرجه
أبو عوانة في صحيحه عنه، وفي رواية لابن حبان:"وأشار أبو عاصم بكفيه" فكأنه حَلَّقَ بشبريه يصف به دَوْره الأعلى. وفي رواية للبيهقي "كَقْدر كُوز يسع ثمانية أرطال (فأخذ) الماء (بكفه، بدأ) هكذا في رواية المصنف "بدأ" بدون فاء، وفي رواية البخاري "فبدأ" (بشق رأسه الأيمن) أي نصف، أو جانب رأسه الأيمن. والشق: بالكسر النصف، والجانب، كما في المصباح. يعني أنه غسل نصف رأسه الأيمن أوّلا (ثم) ثَنَّى بغسل نصفه (الأيسر) وفيه استحباب تقديم الأيمن في غسل الرأس (ثم أخذ) الماء (بكفيه) بالتثنية، وأشار به -كما قال الحافظ- إلى الغَرْفَة الثالثة، كما صرحت به رواية أبي عوانة (فقال بهما) أي قَلَب بكفيه أي صب ما فيهما (على رأسه) وللبخاري على وسط رأسه، وإطلاق القول على الفعل شائع في كلامهم.
قال العلامة ابن منظور رحمه الله: قال ابن الأثير رحمه الله: العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام، واللسان فتقول: قال بيده: أي أخذ، وقال برجله: أي مَشَى قال الشاعر
(من الطويل):
وَقَالَتْ لَهُ العَيْنَان سَمْعًا وَطاعَةً
…
وَحَدَّرَتَا كَالدُّرِّ لمَّا يُثَقَّبِ
أي أومأت، "وقال بالماء على يده" أي قَلَبَهُ، وقال بثوبه: أي رفعه، وكل ذلك على المجاز والاتساع، كما رُوي في حديث السهو، قال:"ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: "صدق" رُوي أنهم أومئُوا برؤسهم
أي نعم، ولم يتكلموا، قال: ويقال: قال بمعنى أقبل، وبمعنى مالَ واستَرَاحَ، وضرب، وغلَب، وغير ذلك. انتهى لسان جـ 5 ص 3780.
قال الجامع عفا الله عنه: وقد نظمْتُ من معاني "قال"، ما ذكره في القاموس فقلتُ:
تَجِيءُ قَالَ لمَعَان تُجْتَلى
…
تَكَلَّمَ اسْتَراحَ مَاتَ أقْبَلا
وَمَالَ مَعْ ضَرَبَ ثُمَّ غَلَبَا
…
وللتَّهيُّوء لِفعْل يُجْتَبَى
فَجُملةُ المعَانِ قُلْ ثَمَانيَهْ
…
فَاحْفَظْ فَإنَّهَا مَعَان غَاليَهْ
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان موضعه من الكتاب: أخرجه المصنف هنا -19/ 424 - بالسند المذكور، فقط.
المسأله الثالثة: فيمن أخرجه معه: أخرجه (خ م د) أخرجوه كلهم في الطهارة عن طريق المصنف.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: العناية بغسل الرأس، حيث شُرعَ فيه التثليث، مبالغة في التنقية، وهو الذي أراده المصنف بإيراد الحديث تحت ترجمة "باب استبراء البشرة .. الخ".
ومنها: أنه يستحب إعداد الإناء الذي فيه الماء ليغتسل منه.
ومنها: استحباب التثليث في غسل الرأس.
ومنها: استحباب البداءة بالشق الأيمن، ثم الأيسر، ثم الصبّ على وسط رأسه.
ومنها: مداومة النبي صلى الله عليه وسلم علي هذه الكيفية، لقولها:"كان".
ومنها: استحباب البداءة بالميامن في التطهر، وبذلك ترجم عليه ابن خزيمة، والبيهقي.
ومنها: الاجتزاء بالغسل بثلاث غرفات، وترجم عليه ابن حبان
(1)
.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
(1)
عمدة القاري جـ 3 ص 206، فتح جـ 1 ص 442.
20 - بَابُ مَا يَكْفِي الجُنُبَ مِنْ إفَاضَةِ المَاءِ عَلَيْهِ
425 -
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ (ح) وَأَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ يُحَدِّثُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ عِنْدَهُ الْغُسْلُ، فَقَالَ:"أَمَّا أَنَا فَأُفْرِغُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا". لَفْظُ سُوَيْدٍ.
رجال الإسناد: ثمانية
1 -
(عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليَشكُري، أبو قدامة السَّرخْسيُّ نزيل نيسابور ثقة مأمون سنين [10] تقدم في 15/ 15.
2 -
(يحيى) بن سعيد القطان البصري ثقة ثبت [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(شعبة) بن الحجاج أبو بسطام الواسطي البصري ثقة حجة [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(سويد بن نصر) المروزي راوية عبد الله بن المبارك [10] ثقة تقدم في 45/ 55.
5 -
(عبد الله) بن المبارك أبو عبد الرحمن الحنظلي المروزي ثقة ثبت [8] تقدم في 32/ 36.
6 -
(أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي ثقة عابد مكثر اختلط بآخره [3] تقدم في 38/ 42.
7 -
(سليمان بن صُرَد) بضم المهملة وفتح الراء - بن الجَوْن الخُزاعي، أبو مطرف الكوفي، صحابي قتل بعين الوَرْدَة سنة 65، وتقدم في 158/ 250.
8 -
(جُبير بن مُطْعم) بن عدي بن نَوْفَل بن عبد مناف القرشي النوفلي، صحابي عارف بالأنساب مات سنة 8 أو 59، وتقدم في 158/ 250.
والحديث تقدم مشروحًا برقم 158/ 250، فارجع إليه تستفد.
وقوله: "لفظ سويد" خبر لمحذوف أي هذا اللفظ لفظ سويد بن نصر، وأما عبيد الله بن سعيد فرواه بالمعنى، وقد تقدم في 158/ 250 للمصنف من رواية قتيبة، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق بلفظ:
"تَمَارَوْا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعض القوم: إنِّي لأغسل كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا، فأفيضُ على رأسي ثلاث أكُفّ".
وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
426 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُخَوَّلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(محمَّد بن عبد الأعلى) الصنعاني البصري ثقة [10] تقدم في 5/ 5.
2 -
(خالد) بن الحارث الهُجَيمي البصري ثقة ثبت [8] تقدم في 42/ 47.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الإمام [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(مُخَوَّل) بوزن محمَّد، وقيل: مِخْوَل بكسر، فسكون، ففتح واو، ابن راشد أبو راشد بن أبي المجالد الكوفي الحَنَّاط، ثقة، نسب إلى التشيع -6 - .
روى عن أبي جعفر محمَّد بن علي بن الحسين، ومسلم البَطينُ، وأبي سعد المدني.
وعنه شعبة، والثوري، وجعفر الأحمر، وشريك، وأبو عوانة.
قال الميمونى عن أحمد: ما علمت إلا خيرا، وقال ابن معين، والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال العجلي: ثقة من غُلاة الكوفيين، وليس بكثير الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات،
وقال ابن سعد: توفي في خلافة أبي جعفر، وكان ثقة إن شاء الله تعالى. وقال الدارقطني: مُخَوَّل بن راشد، ومجاهد بن راشد ثقتان، وقال الآجري، عن أبي داود: شيعي، وقال ابن شاهين في الثقات: قال
محمَّد بن عمار: كوفي ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة، وليس له في البخاري غير حديث واحد توبع عليه عنده، أخرج له الجماعة.
5 -
(أبو جعفر) محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الباقر المدني الفاضل ثقة من [4] تقدم في 78/ 95.
6 -
(جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السَّلَميّ الصحابي رضي الله عنه تقدم 31/ 35.
قال الجامع عفا الله عنه: حديث جابر رضي الله عنه أخرجه أيضا البخاري، ومعناه واضح مما تقدم. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
21 - بَابُ العَمَلِ فِي الغُسْلِ مِنَ الحَيْضِ
427 -
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهُورِ؟ قَالَ: "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَوَضَّئِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا؟ قَالَ: "تَوَضَّئِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا؟ قَالَتْ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّحَ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا، فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ لِمَا يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَأَخَذْتُهَا، وَجَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(الحسن بن محمَّد) بن الصَّبَّاح الزَّعْفَرانيّ، أبو علي البغدادي، ثقة -10 - .
ووى عن ابن عيينة، وأبي معاوية، وعَبيدة بن حُمَيد، وابن أبي عدي، وعفان، وغيرهم.
وعنه الجماعة، سوى مسلم، وابن خزيمة، وأبو عوانة، وغيرهم.
قال النسائي: ثقة، قال الزعفراني: لما قرأت كتاب الرسالة على الشافعي، قال لي: من أيّ العرب أنت؟ فقلت: ما أنا بعربي، وما أنا إلا من قرية يقال لها الزعفرانية، قال: أنت سيد هذه القرية. وذكره ابن
حبان في الثقات، وقال: كان راويًا للشافعي، وكان يحضر أحمد، وأبو ثور عند الشافعي، وهو الذي يتولى القراءة عليه، وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو ثقة، وسُئل أبي، فقال: صدوق، وقال أبو عمر الصَّدَفيّ: سألت العُقَيليَّ عنه، فقال: ثقة من الثقات مشهور، لم يتكلم فيه أحد بشيء. قال: وسألت عنه أبا علي صالح بن عبد الله الطرابلسي، فقال: ثقة ثقة. وقال ابن عبد البر: يقال: إنه لم
يكن في وقته أفصح منه، ولا أبصر باللغة، ولذلك اختاروه لقراءة كتب الشافعي، وكان يذهب إلى مذهب أهل العراق، فتركه، وتفقه للشافعي، وكان نبيلا ثقة مأمونا. مات يوم الاثنين في ربيع الآخر سنة 259، وقيل: في رمضان سنة 260، أخرج له البخاري، والأربعة.
2 -
(عفان) بن مسلم بن عبد الله الصَّفَّار أبو عثمان البصري مولى عَزْرَةَ بن ثابت الأنصاري، سكن بغداد، ثقة ثبت، من كبار -10 - .
روى عن داود بن أبي الفُرَات، وشعبة، ووُهَيب، وهَمَّام بن يحيى، وغيرهم.
وعنه البخاري، وروى هو، والباقون عنه بواسطة إسحاق بن منصور، وأبي قُدَامة السَّرَخْسيّ، ومحمد بن عبد الرحيم البزار، وحجاج بن الشاعر، وأبو خيثمة، وغيرهم.
قال العجلي: عفان بصري ثقة ثبت صاحب سنة، وكان على مسائل معاذ بن معاذ، فجعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف على
تعديل رجل، فلا يقول: عدل ولا غير عدل، فأبي، وقال: لا أبطل حقا من الحقوق. وقال حنبل بن إسحاق: وأمر المأمون إسحاق بن إبراهيم الطاهري أن يدعو عفّان إلى القول بخلق القرآن، فإن لم يجب فاقطع عنه رزقه، وهو خمسمائة درهم في الشهر
(1)
، فاستدعاه، فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: آية 1]، حتى ختمها، فقال: مخلوق هذا؟ قال: يا شيخ إن أمير المؤمنين يقول: إن لم يجب اقطع رزقه،
فقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: آية 22]، وخرج ولم يجب. وقال الحسين بن حيان: سألت أبا زكرياء: إذا اختلف أبو الوليد، وعفان في حديث حماد بن سلمة، فالقول قول من؟ قال: عفان، قلت: وفي حديث شعبة؟ قال: القول قول عفان، قلت: وفي كل شيء؟ قال: نعم عفان أثبت وأكيس، وأبو الوليد ثبت ثقة، قلت: فأبو نعيم؟ قال: عفان أثبت. وقال المُفَضَّل الغَلابي: ذكر له -يعني لابن معين- عفان، وثبته، فقال: قد أخذت عليه الخطأ في غير حديث، وقال عمر بن أحمد الجوهري، عن جعفر بن محمَّد الصائغ: اجتمع علي بن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وعفان، فقال عفان: ثلاثة يضعفون في ثلاثة: علي بن المديني في حماد بن زيد، وأحمد بن حنبل في إبراهيم بن سعد، وأبو بكر بن أبي شيبة في شريك، قال علي: ورابعهم معهم، قال عفان: ومن ذاك؟ قال: عفان في شعبة. قال عمر بن أحمد: وكل هؤلاء أقوياء ليس فيهم ضعيف، ولكن قال هذا على وجه المزاح. وقال إسحاق بن الحسن عن أحمد بن حنبل: ما رأيت الألفاظ في كتاب أحد من أصحاب
(1)
وروي أن عطاءه كان ألف درهم، فلما رجع إلى داره عذله نساؤه، ومن في داره، وكان في داره نحو أربعين إنسانًا، فدقَّ عليه داقّ الباب، فدخل عليه رجل شبيه بسمان، أو زيات، ومعه كيس فيه ألف درهم، فقال: يا أبا عثمان ثبتك الله كما ثبت الدين، وهذا في كل شهر. ذكر هذه الحكاية في تهذيب الكمال جـ 20 ص 166. ونقلته ببعض تصرف.
شعبة أكثر منها عند عفان، يعني: أنبأنا، وأخبرنا، وسمعت، وحدثنا، يعني شعبة. وقال حنبل عن أحمد: عفان، وحَبَّان، وبهز، هؤلاء المتثبتون. وقال: قال عفان: كنت أوقف شعبة على الأخبار، قلت له: فإذا اختلفوا في الحديث يُرْجَع إلى مَن؟ قال: إلى قول عفان، وهو في نفسي أكبر، وبهز أيضا، إلا أن عفان أضبط للأسامي، ثم حبان. وقال يحيى بن سعيد القطان: كان عفان وحبان وبهز يختلفون إليَّ، فكان عفان أضبط القوم للحديث، عملت عليهم مرة في شيء، فما فطن لي أحدٌ إلا عفان. وقال الآجري، عن أبي داود: عفان أثبت من حبان، وقال الآجري: قلت لأبي داود: بلغك عن عفان أنه يُكَذِّبُ وهب بن جرير؟ فقال: حدثني عباس العنبري، سمعت عليا يقول: أبو نعيم، وعفان، صدوقان، لا أقبل كلامهما في الرجال، هؤلاء لا يَدَعُون أحدا إلا وقعوا فيه. وقال حسان بن الحسن المُجَاشعيّ سمعت ابن المديني يقول: قال عفان: ما سمعت من أحد حديثًا إلا عرضته على غير شعبة، فإنه لم يمكني أن أعرض عليه، قال: وذُكر عنده عفان، فقال: كيف أذكر رجلا شك في حرف، فيضرب على خمسة أسطر، قال:
وسمعت عليا يقول: قال عبد الرحمن: أتينا أبا عوانة، فقال: مَنْ على الباب؟ فقلنا: عفان، وبهز، وحبان، يقول: هؤلاء بلاء من البلاء، قد سمعوا يريدون أن يعرضوا، وقال الحسن الزعفراني: قلت لأحمد: مَنْ تابع عفان على كذا وكذا؟ فقال: وعفان يحتاج إلى متابعة أحد؟. وقال عبد الخالق بن منصور: سئل يحيى بن معين عن عفان، وبهز، أيهما كان أوثق؟ فقال: كلاهما ثقة، فقيل له: إن ابن المديني يزعم أن
عفان أصح الرجلين، فقال: كانا جميعا ثقتين صدوقين. وقال يعقوب بن شيبة: سمعت يحيى بن معين يقول: أصحاب الحديث خمسة: مالك، وابن جريج، والثوري، وشعبة، وعفان. وقال
الدوري: سمعت ابن معين يقول: كان عفان أثبت من زيد بن الحباب، وقال: عفان والله أثبت من أبي نعيم في حماد بن سلمة. وقال محمَّد بن العباس النسائي: سألت ابن معين: مَنْ أثبتُ، عبدُ الرحمن بنُ مهدي، أو عفانُ؟ قال: كان عبد الرحمن أحفظ لحديثه، وحديث الناس، ولم يكن من رجال عفان في الكتاب، وكان عفان أسن منه. وقال عمرو بن علي: رأيت يحيى يوما حدث بحديث، فقال له عفان: ليس هو هكذا، فلما كان من الغد أتيت يحيى فقال: هو كما قال عفان، ولقد سألت الله أن لا يكون عندي على خلاف ما قال عفان. وقال ابن معين: كان يحيى إذا تابعه عفان على شيء ثبت عليه، وإن كان خطأ، وإذا خالفه في حديث عن حماد رجع عنه يحيى، لا يُحَدِّث به أصلا، وقال الحسن الزعفراني: رأيت يحيى بن معين يعرض على عفان ما سمعه من يحيى القطان، وقال القظي
(1)
: عفان أثبت من القطان، وقال محمَّد بن عبد الرحمن بن فهم: سمعت يحيى بن معين يقول: عفان أثبت من عبد الرحمن بن مهدي. قال: وسمعت ابن معين يقول: ما أخطأ عفان قط إلا مرة، أنا لقنته إياه، فأستغفر الله قال ابن فهم: وما سمعت يحيى بن معين يستغفر الله قط إلا ذلك اليوم، وقال خلف بن سالم: ما رأيت أحدا يحسن الحديث إلا رجلين بهز وعفان، وقال أحمد: لزمته عشر سنين، وقال أبو حاتم: ثقة إمام متقن وقال ابن عدي بعد أن حكى قول سليمان بن حرب: هذا عفان كان يضبط عن شعبة، والله لو جَهِدَ جُهْدَهُ أن يضبط عن شعبة حديثا واحدا ما قدر عليه، كان بَطيئًا رَديءَ الفهم، ولقد دخل قبره وهو نادم على رواياته عن شعبة. قال ابن عدي: عفان أشهر وأصدق، وأوثق من أن يقال فيه شيء، فإن أحمد كان يرى أن يكتب عنه ببغداد الإملاء من قيام، وأحمد أروى الناس عنه، ولا
(1)
وفي تهذيب الكمال "المُعَيْطي".
أعلم لعفان إلا أحاديث مراسيل عن الحمادين وغيرهما وصلها، وأحاديث موقوفة رفعها، والثقة قد يَهمُ في الشيء، وعفان لا بأس به، صدوق، وقد رحل أحمد بن صالح المصري من مصر إلى بغداد، وكانت رحلته إلى عفان خاصة، قال ابن أبي خيثمة: سمعت أبي وابن معين يقولان: أنكرنا عفان في صفر سنة 19، وفي رواية سنة 20، ومات بعد أيام، وقال ابن سعد: كان مولده سنة 134 وقال: مات سنة 220، وكذا قال أبو داود، وزاد: شهدت جنازته، وفيها أرخه غير واحد، وقيل: سنة 19، قال الخطيب: والصحيح الأول. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث ثبتًا حجة، وقال ابن خراش: ثقة من خيار المسلمين، وقال ابن قانع: ثقة مأمون، وذكره ابن حبان في الثقات، أخرج له الجماعة.
3 -
(وُهَيب) بن خالد بن عَجْلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري صاحب الكرابيس، ثقة ثبت، لكنه تغير قليلا بآخره -7 - .
روى عن حميد الطويل، وأيوب، وخالد الحَذَّاء، وداود بن أبي هند، ومنصور بن صفية، وموسى بن عقبة، وغيرهم.
وعنه إسماعيل بن علية، وابن المبارك، وابن مهدي، والقطان، وبهز، وحبان بن هلال، وصفان، وغيرهم.
قال صالح بن أحمد عن أبيه: ليس به بأس، وقال الفضل بن زياد: سألت أحمد عن وهيب، وابن علية إذا اختلفا؟ قال: كان عبد الرحمن يختار وهيبا، قلت: في حفظه؟ قال: في كل شيء، وإسماعيل ثبت وقال معاوية بن صالح: قلت لابن معين: مَنْ أثبت شيوخ البصريين؟ قال: وهيب، وذكر جماعة. وقال ابن المديني، عن ابن مهدي: كان من أبصر أصحابه بالحديث والرجال. وقال عمرو بن علي: سمعت يحيى بن سعيد ذكره، فأحسن الثناء عليه، وقال: يونس بن حبيب،
عن داود: ثنا وهيب، وكان ثقة، وقال العجلي: ثقة ثبت، وقال أبو حاتم: ما أنقى حديثه، لا يكاد تجده يحدث عن "الضعفاء" وهو الرابع من حفاظ البصرة، وهو ثقة، ويقال: إنه لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه، وكان يقال: إنه يخلف حماد بن سلمة، وقال ابن سعد: كان قد سُجنَ فذهب بصره، وكان ثقة كثير الحديث حجة، وكان يملي من حفظه، وكان أحفظ من أبي عوانة، وقال الآجري عن أبي داود: تغير وهيب بن خالد، وكان ثقة، وقال ابن المديني: قال يحيى بن سعيد: إسماعيل أثبت من وهيب، ومات وهو ابن 58 سنة، مات سنة 165، وقيل: 169، أخرج له الجماعة.
4 -
(منصور بن عبد الرحمن) بن طلحة بن الحارث العَبْدَريّ الحَجَبيُّ المكي، ثقة من [5] تقدم في 159/ 251.
5 -
(أمه صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية لها رؤية وسماع من النبي صلى الله عليه وسلم تقدمت 159/ 251.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها، تقدمت في 5/ 5.
والحديث أيضا مضى مشروحًا برقم 159/ 251، فارجع إليه تزدد علمًا. والله ولي التوفيق.
وقوله: (فرصة) بكسر الفاء، وسكون الراء، وفتح الصاد المهملة: أي قطعة من قطن أو صوف، وقوله:(ممسكة) بصيغة اسم المفعول المضعف، أي مَطْليَّةَ بالمسك، وقولها (سَبَّحَ) أي قال: سبحان الله، تعجبا من عدم فهمها لمراده. وقولها (فأخدتها) بضم التاء من قول عائشة رضي الله عنه. وقولها (وجبدتها) أي جررتها إليَّ من الجَبْذ، لغة في الجذب. والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".
22 - بَابُ الغُسْلِ مَرَّة وَاحِدَة
428 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتِ: اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، وَدَلَكَ يَدَهُ بِالْحَائِطِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي ابن راهويه المروزي، ثم النيسابوري ثقة حجة [10] تقدم في 2/ 2.
2 -
(جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة ثبت [8]، تقدم 2/ 2.
3 -
(الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي أبو محمَّد ثقة ثبت يدلس [5] تقدم في 17/ 18.
4 -
(سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة يرسل [3]، تقدم في 61/ 77.
5 -
(كريب) مولى ابن عباس المدني ثقة [3] تقدم في 161/ 253.
6 -
(ابن عباس) عبد الله الحبر البحر رضي الله عنه تقدم في 27/ 31.
7 -
(ميمونه) بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها تقدمت في 146/ 236.
والحديث مضى مشروحا برقم 161/ 253 فارجع إليه تستفد.
ومحل الاستدلال منه قولها: (ثم أفاض الماء على رأسه وسائر جسده) حيث أطلق ولم يُذكر معه عددٌ، والأصل عدمه، وأيضا لو كان هناك عدد لذكر كما تقدم في غسل رأسه ووضوئه، والله أعلم.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
23 - بَابُ اغْتِسَالِ النُّفَسَاءِ عِنْدَ الإحْرَامِ
429 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَحَدَّثَنَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ:"اغْتَسِلِي، ثُمَّ اسْتَثْفِرِي، ثُمَّ أَهِلِّي".
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(عمرو بن علي) الفَلاس البصرث ثقة ثبت [10] تقدم في 4/ 4.
2 -
(محمَّد بن المثنى) أبو موسى العَنَزي البصري ثقة ثبت [10] تقدم في 64/ 81.
3 -
(يعقوب بن إبراهيم) الدَّوْرَقيُّ أبو يوسف الكوفي ثقة [10] تقدم في 21/ 22.
4 -
(يحيى بن سعيد) القطان البصري ثقة ثبت حجة [9] تقدم في 4/ 4.
5 -
(جعفر بن محمَّد) الصادق الهاشمي أبو عبد الله المدني صدوق فقيه [6] تقدم في 123/ 182.
6 -
(أبوه) محمَّد بن علي الباقر المدني أبو جعفر، ثقة ثبت فاضل [4] تقدم في 78/ 95.
7 -
(جابر بن عبد الله) الأنصاري الصحابي الجليل ابن الصحابي رضي الله عنهما، تقدم في 31/ 35.
والحديث مضى مشروحا برقم 184/ 291. فراجعه تستفد. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
24 - بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ بَعْدَ الغُسْلِ
430 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَسَنٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (ح) وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ.
رجال الإسناد: تسعة
1 -
(أحمد بن عثمان بن حكيم) الأودي أبو عبد الله الكوفي ثقة [11] تقدم في 160/ 252.
2 -
(عثمان بن حكيم) بن ذُبيان
(1)
الأودي أبو عمرو الكوفي مقبول من كبار [10] تقدم في 160/ 252.
تنبيه: عثمان هذا من أفراد المصنف لم يخرج له من أصحاب الأصول الستة أحد غيره، وله عنده حديثان، هذا أحدهما، كما يستفاد من تهذيب التهذيب جـ 7 ص111، وتهذيب الكمال جـ 19 ص 354. فتنبه.
3 -
(حسن) وهو الحسن بن صالح بن صالح بن حي الهمداني الثوري، ثقة رمي بالتشيع [7] تقدم في 161/ 252.
(1)
هكذا في التقريب، وتهذيب الكمال، وفي تت والخلاصة ابن دينار.
4 -
(أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السَّبيعي الهَمْدَاني الكوفي ثقة عابد اختلط بآخره [3] تقدم في 38/ 42.
5 -
(عمرو بن علي) وهو الماضي في السند السابق.
6 -
(عبد الرحمن بن مهدي) أبو سعيد الحافظ الحجة [9] تقدم في 42/ 49.
7 -
(شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله صدوق يخطئ كثيرا وتغير حفظه منذ وُلِّيَ قضاء الكوفة [8] تقدم في 25/ 29.
8 -
(الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي مخضرم ثقة جليل [2] تقدم في 29/ 33.
9 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت 5/ 5.
والحديث مضى مشروحا برقم 160/ 252، فارجع إليه تستفد.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
25 - بَابُ الطَّوَافِ عَلَى النِّسَاءِ في غُسْل وَاحِدٍ
431 -
أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ بِشْرٍ -وَهُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(حُميد بن مسعدة) بن المبارك السامي الباهلي البصري صدوق [10] تقدم في 5/ 5.
2 -
(بشْر بن المُفَضَّل) بن لاحق الرَّقَاشيّ، أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت عابد [8] تقدم في 66/ 82.
3 -
(شعبة) بن الحجاج البصري ثقة حجة إمام [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(إبراهيم بن محمَّد) بن المنتشر بن الأجدع الهمداني الكوفي ثقة [5] تقدم في 11/ 415 من كتاب الغسل.
5 -
(أبوه) محمَّد بن المنتشر الأجدع الهمداني الكوفي ثقة [4] تقدم بالرقم المذكور.
6 -
(عائشة) رضي الله عنها تقدمت في 5/ 5.
والحديث مضى مستوفى الشرح برقم 12/ 417 من كتاب الغسل، فراجعه تستفد.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
26 - بَابُ التَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ
432 -
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سَيَّارٌ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَ الرَّجُلَ مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ يُصَلِّي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَلَمْ يُعْطَ نَبِيٌّ قَبْلِي، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً".
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(الحسن بن إسماعيل بن سليمان) بن المُجالد الكلبي المُجَالدي، أبو سعيد المصيصيّ، ثقة -10 - .
روى عن إبراهيم بن سعد، وفضيل بن عياض، ووكيع، وهشيم، وغيرهم.
وعنه النسائي، وابن أبي عاصم، وإبراهيم بن هاشم، وأبو حامد الحَضْرمي، وأبو يعلى، وغيرهم.
قال النسائي: ثقة، وقال مسلمة: لا بأس به، وقال ابن حبان في الثقات: مستقيم الحديث. مات بعد 240. أخرج له المصنف.
3 -
(هُشَيم) بن بَشير بن دينار السلمي، أبو معاوية الواسطي، ثقة ثبت كثير التدليس، والإرسال الخفي [7] تقدم في 88/ 109.
3 -
(سَيَّار) أبو الحكم العَنْبَري الواسطي، ويقال: البصري، وهو سيار بن أبي سيار، واسمه وَرْدان، وقيل: وَزد، وقيل: دينار، ثقة -6 - روى عن ثابت البناني، وبكر بن عبد الله المزني، وأبي حازم الأشجعي، وأبي وائل، ويزيد الفقير، وغيرهم.
وعنه إسماعيل بن أبي خالد، وسليمان التيمي، وشعبة، والثوري، وهشيم، وغيرهم.
قال أحمد: صدوق ثقة ثبت في كل المشايخ، وقال ابن معين، والنسائي: ثقة، وقال أسلم بن سهل الواسطي، عن الليث بن بكار، عن أبيه: مات سنة 122، وكان لنا جارا. وروى أبو داود، والترمذي من حديث بشير بن إسماعيل: ثنا سيار أبو الحكم عن طارق بن شهاب، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسَدَّ فافته .. " الحديث، قال أبو داود عقبه: هو سيار أبو حمزة، ولكن بشير كان يقول: سيار أبو الحكم، وهو خطأ، قال أحمد: هو سيار أبو حمزة، وليس قولهم: سيار أبو الحكم بشيء. وقال الدارقطني: قول البخاري: سيار أبو الحكم سمع طارق بن شهاب وَهَمٌ منه، وممن تابعه. والذي يروي عن طارق هو سيار أبو حمزة، قال ذلك أحمد، ويحيى، وغيرهما. وروى البخاري في الأدب بهذا الإسناد حديث:"بين يدي الساعة تسليم الخاصة". وروى له ابن ماجه حديث: "بين يدي الساعة مسخ وقذف" قال الحافظ: وقد تَبعَ ابن حبانُ البخاريَّ فقال في الثقات:
سيار بن أبي سيار أبو الحكم الواسطي العَنَزي، أخو مُسَاور الوَرَّاق لأمه، واسم سيار وَرْدان، روى عن طارق بن شهاب، والشعبي، وعنه بشير بن سليمان، وهشيم، والعراقيون، وتبع البخاريَّ أيضا في أنه يروي عن طارق، مسلمٌ في الكنى، والنسائيُّ، والدُّولابيّ، وغيرُ واحد، وهو وَهَم كما قال الدارقطني. أخرج له الجماعة.
4 -
(يزيد الفقير) بن صُهيب، أبو عثمان الكوفي، ثقة -4 - .
روى عن جابر، وأبي سعيد، وابن عمر.
وعنه سيار أبو الحكم، والحكم بن عُتيبة، وقيس بن مسلم، وبسام الصيرفي وغيرهم.
قال ابن سعد: تَحَوَّلَ من الكوفة، فنزل مكة، وقال ابن معين، وأبو زرعة، والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم، وابن خراش: صدوق، زاد ابن خراش: جليل عزيز الحديث، وقال أبو زرعة أيضا: يكتب حديثه، وقال غيره: كان يَشْكُو فَقَارَ ظهره، وذكره ابن حبان في الثقات. أخرج له الجماعة إلا الترمذي.
5 -
(جابر بن عبد الله) الأنصاري الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما تقدم 31/ 35.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من خماسياته.
ومنها: أن رواته كلهم ثقات.
ومنها: أنهم ما بين مصيصيّ، وواسطيين، وكوفي، ومدني.
ومنها: أن شيخه من أفراده، ومَنْ عَدَاه اتفق الستة عليهم.
ومنها: أن فيه الإخبار، والتحديث، والعنعنة.
ومنها: أن الفقير لقب يزيد، لُقِّب به لا لفقره من المال، وإنما لوجع في فَقَار ظهره، قال في المحكم: رجل فقير: مكسور فَقَار الظهر، ويقال له: فُقَيِّر بالتشديد أيضا.
ومنها: أن الحسن، وسيارا، ويزيد هذا أولُ محلِّ ذكرهم.
ومنها: أن صحابيه أحد المكثرين السبعة روى 1540 حديثًا.
فائدة: قال الحافظ رحمه الله: سيار هو أبو الحكم العَنَزي الواسطي البصري، واسم أبيه وَرْدَان على الأشهر، ويكنى أبا سيار، اتفقوا على توثيق سيار، وأخرج له الأئمة الستة وغيرهم، وقد أدرك بعضَ الصحابة، لكن لم يلق أحدا منهم، فهو من كبار أتباع التابعين، ولهم شيخ آخر يقال له: سيار لكنه تابعي شامي أخرج له الترمذي، وذكره ابن حبان في الثقات، وإنما ذكرته لأنه روى معنى حديث الباب عن أبي أمامة، ولمْ يُنسَب في الرواية، كما لم ينسب سيار في حديث الباب، فربما ظنهما مَن لا تمييز له واحدا، فيظن أن في الإسناد اختلافا، وليس كذلك. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
فائدة أخرى: قال الحافظ أيضا: مَدَارُ حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد، وله شواهد من حديث ابن عباس، وأبي موسى، وأبي ذر، ومن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده رواها كلها أحمد بأسانيد حسان
(2)
.
شرح الحديث
(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما، أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُعطيت) بالبناء للمفعول، والتاء نائب فاعله (خمسا) قال الحافظ رحمه الله: بُيِّنَ في رواية عمرو بن شعيب أن ذلك
(1)
و
(2)
فتح جـ 1 ص 520.
كان في غزوة تبوك، وهي آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم يُعطهن) بالبناء للمفعول أيضا، ونائب فاعله قوله (أحد قبلي) زاد في رواية للبخاري في الصلاة عن محمَّد بن سنان "من الأنبياء" يعني أن الله تعالى أعطاه هذه الخصال وخصه بهن، ولم يشاركه فيهن أحد من الأنبياء الذين قبله، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما:"لا أقولهن فخرًا" يعني أنه إنما ذكر هذا اعترافا بالنعمة، وأداء لشكرها، وامتثالا لأمره تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: آية 11] لا افتخارًا وتطاولا على غيره من الخلق، ثم إن مفهوم الحديث أنه لم يختص بغير الخمس المذكورة، لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا:"فُضِّلتُ على الأنبياء بست" فذكر أربعا من هذه الخمس، وزاد ثنتين "وأعطيت جوامع الكلم، وختم في النبيون".
قال في الفتح: وطريق الجمع أن يُقال: لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به، ثم اطلع على الباقي، ومن لا يرى مفهوم العدد حجةً، يدفع هذا الإشكال من أصله.
وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك، ولا يعترض بأن نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان، لأنه لم يَبْقَ إلا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليهم، لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته، وإنما اتفق بالحادث الذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة، فثبت اختصاصه بذلك، وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة:"أنت أول رسول إلى أهل الأرض" فليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه
أرسل إلى غيرهم، واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض، فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: آية 15] وقد أثبت أنه أول الرسل، وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح، وعَلم نوح بأنهم لم يؤمنوا، فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم، فأُجيبَ أي استجيب دعاؤه. وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نُبِّئَ في زمن نوح غيره.
ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه، أو بعده، فينسخ بعض شريعته، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس، فتمادوا على الشرك، فاستحقوا العقاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود، قال: وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته.
وَوَجَّههُ ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء، وإن كان التزام فروع الشريعة ليس عاما، لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم.
ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح، فبعثته خاصة، لكونها إلى قومه فقط، وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم.
قال الجامع: هذا الاحتمال الأخير هو الأظهر، لموافقته لظاهر قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: آية 15] من غير تكلف، وما عداه فالتكلف فيه واضح ظاهر. والله أعلم.
قال الحافظ: وغَفَلَ الداودي الشارح غَفْلَةً عظيمةً، فقال: قوله: "لم يُعْطهُنَّ أحد" يعني لم تجتمع لأحد قبله، لأن نوحا بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع فلم يعط أحد واحدةً منهن، وكأنه نظر في أول الحديث، وغفل عن آخره، لأنه نص صلى الله عليه وسلم على خصوصيته بهذه أيضا، لقوله:"وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة .. " وفي رواية مسلم: "وكان كل نبي .. الخ"
(1)
.
ثم فَصَّل ما أجمله من الخصال الخمس، فذكر الخصلة الأولى بقوله:(نُصرتُ بالرُّعْب) بالبناء للمفعول، يعني أن الله تعالى نصره بقذف الرعب في قلوب أعدائه، ففي رواية أحمد من حديث أبي أمامة "يقْذَفُ في قلوب أعدائي".
والرعب: بضم الراء وسكون العين المهملتين: الخوف، وقرأ ابن عامر والكسائي بضم العين، والباقون بسكونها، يقال: رَعَبْتُ الرجلَ أرْعَبُهُ رُعْبًا: أي ملأته خوفًا، ولا يقال: أرْعَبْتُهُ، كذا ذكره أبو المعالي، وحكي عن ابن طلحة: أرْعَبْتُهُ، وَرَعَبْتُهُ، فهو مُرْعَبٌ، وفي المُحْكَم: فهو رَعيبٌ، وَرَعَّبْتُهُ تَرْعيبًا، وتَرْعابًا فَرُعبَ، وفي الجامع للقَزَّاز: رَعَبْتهُ، فأنا رَاعبٌ، ويقال: رُعِبَ، فهو مرْعوب، والاسم الرُّعْبُ -بالضم-، وفي الموعب لابن التياني: رجل رَعْب ومُرْتَعب، وقد رَعَبَ، ورُعبَ
(2)
.
وقال السندي رحمه الله: "نُصرتُ بالرعب": أي بقذفه من الله تعالى في قلوب الأعداء بلا أسباب ظاهرة، وآلات عادية له، بل بضدها، فإنه صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يربط الحجر ببطنه من الجوع، ولا يوقَدُ النار في بيوته، ومع هذا الحال كان الكفرة مع ما عندهم من المتاع، والآلات،
(1)
فتح جـ 1 ص 521.
(2)
عمدة القاري جـ 4 ص 9.
والأسباب في خوف شديد من بأسه صلى الله عليه وسلم، فلا يشكل بأن الناس يخافون من بعض الجبابرة مسيرة شهر، وأكثر، فكانت بلقيس تخاف من سليمان عله الصلاة والسلام مسيرة شهر، وهذا ظاهر، وقد بقي آثار هذه الخاصية في خلفاء أمته ما داموا على حاله، والله أعلم
(1)
.
(مسيرة شهر) منصوب على الظرفية، متعلق بنُصرت، قال في الفتح: ومفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة، ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب:"ونُصرتُ على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر" فالظاهر اختصاصه به مطلقا، وإنما جعل الغاية شهرا، لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال
(2)
.
ثم ذكر الثانية بقوله: (وجعلت لي الأرض مسجدا) أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها، كانت كالمسجد في ذلك، قال ابن التين: قيل: المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل له طهورا، لأن عيسى كان يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال. وسبقه إلى ذلك الداودي، وقيل: إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة، فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته.
قال الحافظ: والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن مَنْ قَبْلَه إنما أُبيحت
(1)
شرح السندي جـ 1 ص 210 - 211.
(2)
فتح جـ 1 ص 521.
لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيَع، والصَّوَامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ:"وكان مَنْ قَبْلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم" وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث هذا الباب، وفيه:"ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يَبْلُغَ محْرَابَهُ"
(1)
.
(وطهورًا) بفتح الطاء: أي مُطهِّرة، والمراد أن الأرض ما دامت على حالها الأصلية فهي كذلك، وإلا فقد تخرج بالنجاسة عن ذلك، والحديث لا ينفي ذلك، وهو يؤيد القول بأن التيمم يجوز على وجه الأرض كلها، ولا يختص بالتراب، ويؤيد أن هذا العموم غير مخصوص، قوله:"فأينما أدرك الرجل الصلاةُ" فإنه ظاهر سيما في بلاد الحجاز، فإن غالبها الجبال والحجارة، فكيف يصح أو يناسب هذا العموم إذا قلنا: إن بلاد الحجاز لا يجوز التيمم منها إلا في مواضع مخصوصة، فليتأمل. قاله السندي.
وقال الحافظ: استدل به على أن الطَّهُور هو المطهر لغيره، لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها، وقد روى ابن المنذر، وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس مرفوعًا:"جُعلت لي كُلُّ أرض طيبة مسجدا وطَهُورا" ومعنى طيبة طاهرة، فلو كان معنى "طهورا" طاهرا للزم تحصيل الحاصل.
واستدل به على أن التيمم يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في هذا الوصف، وفيه نظر.
قال الجامع: ليس فيه نظرٌ يُعْتَبَرُ، بل الصواب كونه رافعا، كما تقدم لنا تحقيقه برقم 203/ 322 فتنبه.
(1)
فتح جـ 1 ص 521.
قال: واستدل به على أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض، وقد أكد في رواية أبي أمامة بقوله:"وجعلت لي الأرض كلها، ولأمتي مسجدا وطهورا"
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدم تحقيق الخلاف في المسألة، وترجيح قول من قال بجواز التيمم بجميع جنس الأرض برقم 202/ 321 فراجعه تستفد.
(فأينما أدرك الرجلَ من أمتي الصلاةُ يصلي)"أين" ظرف مكان مُضَمَّن مَعْنى الشرط يجزم الفعلين و"ما" زائدة لتوكيد العموم و"أدرك" فعل الشرط في محل جزم، وهو العامل في الظرف، و"الرجلَ"
بالنصب مفعول مقدم، و"من أمتي" متعلق بحال محذوف، أي حال كونه من أمتي، و "الصلاة" بالرفع فاعل مؤخر، و"يصلي" جواب الشرط، ورفع لكون فعل الشرط ماضيا، كما قال ابن مالك:
وَبَعْدَ مَاض رَفْعُكَ الجَزَا حَسَنْ
…
وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَاِرع وَهَنْ
والمعنى: إذا أدركت الرجلَ الصلاةُ فليصل في أي مكان كان، والمراد بعد أن يتيمم، لأن الحديث سيق لبيان كون الأرض مسجدا وطهورا.
ورواية البخاري وغيره: "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" قال الحافظ: وهذه صيغة عموم يدخل تحتها من لم يجد ماء ولا ترابا ووجد شيئا من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به، ولا يقال: هو خاص بالصلاة؛ لأنا نقول: لفظ حديث جابر مختصر، وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي:"فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طَهُورا ومسجدًا"، وعند أحمد:"فعنده طهوره ومسجده"،
(1)
فتح جـ 1 ص 522.
وفي رواية عمرو بن شعيب "فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت".
واحتج من خص التيمم بالتراب بحديث حذيفة عند مسلم بلفظ: "وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها طهورا، إذا لم نجد الماء"، وهذا خاص فينبغي أن يحمل العامُّ عليه، فتختص الطهورية بالتراب، ودل الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدا، دون الآخر على افتراق الحكم، وإلا لعطف أحدهما على الآخر نسقا، كما في حديث الباب.
ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ "التربة" على خصوصية التيمم بالتراب، بأن قال: تربة كل مكان ما فيه من تراب وغيره.
وأجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ "التراب" أخرجه ابن خزيمة، وغيره، وفي حديث علي:"وجعل التراب لي طهورا" أخرجه أحمد، والبيهقي بإسناد حسن، ويقوي القول بأنه خاص بالتراب أن الحديث سيق لإظهار التشريف والتخصيم، فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدم لنا ترجيح قول من قال بجواز التيمم بجميع ما كان من جنس الأرض ترابا كان أو غيره، عملا بظاهر النصوص المطلقة، وأما رواية "تربتها" أو "ترابها" فليس مما يخص به العام، بل هو من باب ذكر بعض الأفراد تشريفا، قال القرطبي رحمه الله: ولا يظن أن ذلك مخصص له فإن التخصيص إخراج ما تناوله العموم عن الحكم، ولم يخرج هذا الخبر شيئا، وإنما عَيَّن واحدا مما تناوله الاسم الأول مع موافقته في الحكم وصار بمثابة قوله تعالى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: آية 68] وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا
(1)
فتح جـ 1 ص 522.
لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: آية 98] فعين بعض ما تناوله اللفظ الأول مع الوافقة في المعنى على جهة التشريف. انتهى
(1)
.
والحاصل: أن الراجح جواز التيمم بالتراب وغيره من جنس الأرض مما يصدق عليه اسم الصعيد، فتبصر، والله أعلم.
ثم ذكر الثالثة بقوله: (وأعطيتُ الشفاعة) أي أعطاني الله الشفاعة العظمى في هول الموقف.
والشفاعة: هي سؤال فعل الخير، وترك الضرر عن الغير لأجل الغير على سبيل الضراعة، وذكر الأزهري في تهذيبه عن المبرد، وثعلب: أن الشفاعة: الدعاء، والشفاعة كلام الشفيع للملك عند حاجة يسألها لغيره، وعن أبي الهيثم أنه قال:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: آية 85] أي من يزد عملا إلى عمل، وفي الجامع: الشفاعة الطلب من فعل الشفيع، وشفعت لفلان إذا كان متوسلا بك، فشفعت له، وأنت شافع له، وشفيع
(2)
.
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها، وكذا جزم النووي، وغيره، وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يُرَدّ فيما يَسْألُ، وقيل: الشفاعة لخروج مَنْ في قلبه مثقال ذرة من إيمان، لأن شفاعة غيره تقع فيمنْ في قلبه أكثر من ذلك، قاله عياض.
قال الحافظ رحمه الله: والذي يظهر لي أن هذه مرادة مع الأولى، لأنه يُتْبعُها بها، وقال البيهقي في البعث: يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أنه يشفع لأهل الصغائر والكبائر، وغيرُهُ إنما يشفع لأهل
(1)
عمدة القاري جـ 4 ص 10 وراجع رقم 202/ 321.
(2)
عمدة القاري جـ 4 ص 10.
الصغائر دون الكبائر، ونقل عياض أن الشفاعة المختصة به شفاعة لا تُرَدُّ. وقد وقع في حديث ابن عباس:"وأعطيت الشفاعة، فأخرتها لأمتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئا"، وفي حديث عمرو بن شعيب: "فهي لكم، ولمن شهد أن لا إله إلا الله، فالظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى، لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك، لاقتضائها الراحة المستمرة، والله أعلم.
وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن، عن أنس كما في صحيح البخاري في كتاب التوحيد "ثم أرجع إلى ربي في الرابعة، فأقول: يا رب ائذن فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي لأُخْرجَنَّ منها من قال: لا إله إلا الله" ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله: "وعزتي" فيقول: "ليس ذلك لك، وعزتي" .. الخ، لأن المراد أنه لا يباشر الإخراج، كما في المرات الماضية، بل كانت شفاعته سببا في ذلك في الجملة، والله أعلم
(1)
.
(ولم يُعط) بالبناء للمفعول، (نبي) بالرفع نائب فاعل "يُعْطَ"(قبلي) ظرف لـ"يعط"، أو متعلق بواجب الحذف صفة لنبي، أي لم يعط الله سبحانه هذه الشفاعة لأحد من الأنبياء قبلي، وإنما كرر هذه الجملة مع الشفاعة، وإن كانت داخلة في قوله:"لم يعطهن أحد قبلي" تنويها بعظم شأن الشفاعة وشرفها لكونها عامة في جميع الخلق سواء كان من أمته، أو من غيرهم، بخلاف الخصال الأخرى، فإنها خاصة بأمته، والله أعلم.
ثم ذكر الرابعة بقوله: (وبعثت إلى الناس) بالبناء للمفعول أيضا، يقال: بَعَثتُ رسولًا بَعْثًا -من باب نَفَعَ- أوْ صَلْتُهُ، وابتعثته، كذلك،
(1)
فتح جـ 1 ص 523.
وفي المُطَاوع: فانبعث، مثل كَسَرْتُهُ، فانكَسَرَ، وكل شيء يَنْبَعثُ بنفسه فإن الفعل يتعدى إليه بنفسه، فيقال: بَعَثْتُهُ، وكل شيء لا ينبعث بنفسه كالكتاب، والهدية، فإن الفعل يتعدى إليه بالباء، فيقال: بعثت به، وأوْجَزَ الفارابي، فقال: بَعَثَهُ، أي أهَبَّهُ، وبَعَثَ به وجَّهَهُ، أفاده في المصباح
(1)
.
أي أرسلني الله تعالى إلى جميع الناس: العرب، والعجم، والأحمر، والأسود، ولذا أكده بقوله (كافة) أي جميعا.
قال ابن منظور رحمه الله: والكافة: الجماعة، وقيل: الجماعة من الناس، يقال: لقيتهم كافَّةَ، أي كلهم، ومعنى "كافة" في اشتقاق اللغة: ما يكُفُّ الشيءَ في آخره، من ذلك كُفَّةُ القميص، وهي حاشيته وكل مستطيل فَحَرفُهُ كُفَّةٌ -بالضم- وكل مستدير كِفَّة -بالكسر- نحو كِفَّة الميزان
(2)
.
وقال الفيومي رحمه الله: وجاء الناس كافة، قيل: منصوب على الحال نصبا لازما، لا يستعمل إلا كذلك، وعليه قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: آية 28] أي إلا للناس جميعا، وقال الفَرَّاء في كتاب معاني القرآن: نُصبَتْ لأنها في مذهب المصدر، ولذلك لم تدخل العرب فيها الألف واللام، لأنها آخرٌ لكلام مع معنى المصدر، وهي في مذهب قولك: قاموا معًا، وقاموا جميعا، فلا يدخلون الألف واللام على "معا" ، "وجميعا" إذا كانت بمعناها أيضا، وقال الأزهري أيضا: كافة منصوب على الحال، وهو مصدر على فاعلة، كالعافية، والعاقبة ولا يجمع كما لو قلت: قاتلوا المشركين عامة، أو خاصة، لا يُثَنَّى ذلك، ولا يجمع انتهى كلام الفيومي
(3)
.
(1)
المصباح ص 21.
(2)
لسان باختصار جـ 5 ص 3904.
(3)
المصباح جـ 2 ص 536.
(وكان النبي) من الأنبياء السابقين (يبعث إلى قومه خاصة) وهذا يشمل نوحا عليه الصلاة والسلام فقد قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: آية 1] وآدم، نعم قد اتفق في وقت آدم أنه ما كان على وجه الأرض غير أولاده، فعمت نبوته لأهل الأرض اتفاقا، وكذا اتفق مثله في نوح بعد الطوفان حيث لم يبق إلا من كان معه في السفينة، وهذا لا يؤدي إلى العموم، وأما دعاء نوح على أهل الأرض كلها، وإهلاكهم فلا يتوقف على عموم الدعوة، بل يكفي فيه عموم بلوغ الدعوة، وقد بلغت دعوته الكلَّ لطول مدته، كيف والإيمان بالنبي بعد بلوغ الدعوة، وثبوت النبوة واجب، سواء كان مبعوثا إليهم، أم لا، كإيماننا بالأنبياء السابقين، مع عدم بعثتهم إلينا، وفرق بين المقامين، والله أعلم، قاله السندي رحمه الله
(1)
.
تنبيه: قد سقطت من هذه الرواية الخصلة الخامسة، وهي ثابتة في الصحيحين، وهي "وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد من قبلي" ولعلها سقطت سهوا من المصنف، أو أحد الرواة عنه، أو من شيخه الحسن لأن هشيمًا، ومن فوقه ذكروها، كما في رواية الصحيحين.
وليس قوله: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" خصلتين بل هما خصلة واحدة لتعلقهما بالأرض فتنبه.
وقوله: (وأحلت لي الغنائم)، وفي رواية "المغانم" قال الخطابي رحمه الله: كان من تقدم على ضربين: منهم من لم يؤذن له في الجهاد، فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه، لكن كانوا إذا غَنمُوا شيئًا لم يحل لهم أن يأكلوه، وجاءت نار فأحرقته.
وقيل: المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء، والأول أصوب، وهو أن مَن مَضى لم تحل لهم الغنائم أصلا، قاله في الفتح
(2)
. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
(1)
شرح السندي جـ 1 ص 211 - 212.
(2)
فتح جـ 1 ص 522.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته:
حديث جابر رضي الله عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكره من الكتاب:
أخرجه المصنف هنا 26/ 432 وفي الصلاة أيضا ببعضه برقم 42/ 736 "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدرك رجل الصلاة صلى".
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (خ م) فأخرجه (خ) في الطهارة، وفي الصلاة، وفي الخمس عن محمَّد بن سنان، وفي الطهارة عن سعيد بن النضر.
وأخرجه (م) في الصلاة عن يحيى بن يحيى، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، كلهم عن هشيم، عن سَيَّار أبي الحَكَم، عن يزيد الفَقير، عن جابر رضي الله عنه
(1)
.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: ما ترجم به المصنف، وهو مشروعية التيمم بالصعيد، وقد تقدم المعنى المختار للصعيد وذكرُ مذاهب العلماء فيه في 202/ 321.
ومنها: مشروعية تعديد النعم تَحَدُّثًا بها، وإظهارا لها، لا فخرا وخُيَلاء، امتثالا لقوله تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: آية 11].
ومنها: إلقاء العلم قبل السؤال.
ومنها: أن الأصل في الأرض الطهارة.
(1)
تحفة الأشراف جـ 2 ص 389.
ومنها: أن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني لذلك، وأما حديث "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" فضعيف أخرجه الدارقطني من حديث جابر.
ومنها: ما استدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي، وقال: لأن الآدمي خُلق من ماء وتراب، وقد ثبت أن كُلًا منهما طهور ففي ذلك بيان كرامته
(1)
.
ومنها: ما قاله ابن بطال: فيه دليل أن الحجة تلزم بالخبر، كما تلزم بالمشاهدة، وذلك أن المعجزة باقية مساعدةٌ للخبر، مبينةٌ له، دافعة لما يخشى من آفات الأخبار، وهي القرآن الباقي، وخص الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ببقاء معجزته لبقاء دعوته، ووجوب قبولها على من بلغته إلى آخر الزمان.
ومنها: ما خصه به الله سبحانه من الشفاعة، وهو أنه لا يشفع في أحد يوم القيامة إلا شُفِّع فيه "قُلْ تسْمَعْ، واشْفَعْ تُشَفعْ".
ومنها: إباحة الغنائم له، لأمته صلى الله عليه وسلم
(2)
.
المسألة الخامسة: قد تقدم أن ذكر الخَمْس ليس للحصر، بل أخبر به على حسب ما أطْلَعَهُ الله تعالى عليه، وإلا فقد ثبت في حديث أبي هريرة مرفوعا عند مسلم:"فُضِّلتُ على الأنبياء بست .. " فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر إلا الشفاعة، وزاد خصلتين، وهما:"وأُعْطيتُ جوامعَ الكلم، وختم في النبيون" قال الحافظ رحمه الله: فتحصل منه ومن حديث جابر سبع خصال، ولمسلم أيضا من حديث حذيفة: "فضلنا على الناس بثلاث خصال: جعلت صفوفنا كصفوف
(1)
فتح جـ 2 ص 524.
(2)
عمدة القاري جـ 4 ص 10.
الملائكة" وذكر خصلة الأرض كما تقدم، وذكر خصلة أخرى، وهذه الخصلة المبهمة بَيَّنَها ابن خزيمة، والنسائي، وهي: "وأعْطيتُ هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش" يشير إلى ما حَطَّه الله تعالى عن أمته من الإصر، وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنسيان، فصارت الخصال تسعا. ولأحمد من حديث علي: "أُعْطيتُ أربعا لم يعطهن أحد من الأنبياء: أُعْطيتُ مفاتيح الأرض، وسُمِّيتُ أحمدَ، وجُعلت أمتي خيرَ الأمم" وذكر خصلة التراب، فصارت الخصال اثنتى عشرة خصلة، وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: "فُضِّلْتُ على الأنبياء بست: غُفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وجعلت أمتي خير الأم، وأعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لَصَاحبُ لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه" وذكر ثنتين مما تقدم. وله من حديث ابن عباس رفعه:"فُضِّلتُ على الأنبياء بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه، فأسْلَمَ، قال: ونسيت الأخرى".
قال الحافظ رحمه الله: فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة، ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع، وقد تقدم طريق الجمع بين هذه الروايات، وأنه لا تعارض فيها.
وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
قال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله: بعد نقل كلام الحافظ ما نصه: وقد دعاني ذلك لمَّا ألفت التعليق الذي على البخاري في سنة بضع وسبعين وثمانمائة إلى تتبعها، فوجدت في ذلك شيئا كثيرًا في الأحاديث والآثار، وكتب التفسير، وشروح الحديث، والفقه
(1)
فتح جـ 1 ص 523 - 524.
والأصول، والتصوف، فأفردتها في مُؤَلَّف سميته "أنموذج اللبيب، في خصائص الحبيب" وقسمتها قسمين: ما خص به عن الأنبياء، وما خص به عن الأمة، وزادت عدة القسمين على ألف خصيصة، وسار المُؤَلَّفُ المذكور إلى أقصى المغارب والمشارق، واستفاد كل عالم
وفاضل، وسَرَقَ منه كل مُدَّع وسارق. اهـ
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: وقد عقد الحافظ أبو الفضل زين الدين العراقي رحمه الله تعالى في ألفية السيرة المسماة "نظم الدرر البهية، في سيرة خير البرية" بابًا في ذكر القسمين فقال:
"باب في ذكر خصائصه صلى الله عليه وسلم "
خُصَّ النَّبيُّ بوُجُوب عدَّةِ
…
الوتْرِ والسِّوَاكِ وَالأضْحيَّةِ
كَذَا الضُّحَى لَوْ صَحَّ
(2)
وَالمُصَابَرَهْ
…
عَلَى العَدُوِّ وَكَذَا المُشَاوَرَهْ
وَالشَّافعيْ عَن الوُجُوب صَرَفَهْ
…
حَكَاهُ عَنْهُ البَيْهَقيْ في المَعْرفَهْ
كَذَا التَّهَجُّدُ وَلَكنْ خُفِّفَا
…
نَسْخًا وَقيلَ الوتْرُ ذَا وَضُعِّفَا
كَذَا قَضَاءُ دَيْن مَنْ مَاتَ وَلَمْ
…
يَتْركْ وَفَا وَقيلَ: بَلْ هَذَا كَرَمْ
كَذَاكَ تَخْييرُ النِّسَاء اللاتِي
…
مَعْهُ وأمَّا في المُحَرَّمَاتِ
ممَّا أبيحَ لسوَاهُ حُرِّمَا
…
عَلَيْه فَهْوَ مَدُّ عَيْنَيْه لِمَاَ
قَدْ مُتِّعَ النَّاسُ به منْ زَهْرَةِ
…
دُنْيَاهُمُ كَذَاكَ مِنْ خَائنَةِ
الْأَعيُنِ اْعْدُدْهُ وَنَزْعُهُ لِماَ
…
لَبِسَ منْ لَأْمَةِ حَرْبٍ حُرِّمَا
حَتَّى يُلاقيَ العدَا فَيَنْزِعَا
…
صَدَقَةٌ فَأمْنَعْ وَلَوْ تَطَوُّعَا
والشِّعْرَ وَالخَطّ وَقيلَ: يُمْنَعُ
…
ثُوْمٌ وَنَحْوُهُ وأكْلٌ يَقَعُ
(1)
زهر الربى في شرح المجتبى جـ 1 ص 210.
(2)
أي لو صح الحديث، ولكن لم يصح، كما قال البلقيني.
مَعَ اتِّكَاءٍ والنِّكَاحُ للأمَهْ
…
مَعَ الكتَابيَّة غَيْر المُسْلمَهْ
كَذَاكَ إمْسَاكُ التي قَدْ كَرهَتْ
…
نكَاحَهُ وَالخُلْفُ في هَذَا ثَبَتْ
وَقَدْ أبَاحَ رَبُّهُ الوصَالَا
…
لهُ وَفي سَاعَة القتَالَا
بِمَكَّة كَذَا بلا إحْرَامِ
…
دُخُولُهَا ولَيْسَ بالمَنَامِ
مُضْطجعًا نَقْضُ وُضُوئه حَصَلْ
…
كَذَا اصْطفَاءُ مَالَهُ اللهُ أحَلّ
منْ قَبْل قسْمَة كَذَاكَ يَقْضِي
…
لنَفْسه وَوُلْده فَيَمْضِي
كَذَا الشَّهَادَةُ كَذَاكَ يَقْبَلُ
…
مَنْ شَهِدُوا لهُ كَذَاكَ يَفْصِلُ
في حُكْمهِ بعلمهِ للْعصْمَةِ
…
وَاخْتَلَفُوا في غَيْره للرِّيبَةِ
كَذَا لهُ أنْ يَحْميَ المَوَاتَا
…
لنَفْسهِ وَيَأخُذَ الأقْوَاتَا
وَغَيْرَهَا منَ الطَّعَام مَهْمَا
…
احْتَاجَ وَالبَذْلَ فَأوْجبْ حَتْمَا
مِنْ مَالك وَإنْ يَكُنْ مُحْتَاجَا
…
لكنَّهُ لَفعْلِ هَذَا مَا جَا
وَالخُلفُ في النَّقْض بلَمْس المَرْأةِ
…
وَالمُكْثُ في المَسْجد مَعْ جَنَابَةِ
وَجَائزٌ نكَاحُهُ لتسْعَةِ
…
وَفَوْقَهَا وَعَقْدُهُ بالهبَةِ
فَإنْ فَلَا بالعَقْد حَتْمُ مَهْرهِ
…
وَلا الدُّخُولِ بخلافِ غَيْرهِ
كَذَا بلا وَليٍّ أوْ شُهُودٍ أوْ
…
في حَال إحْرَام بخُلْف قَدْ حَكَوْا
وَمَنْ يَرُمْ نكَاحَهَا لَزِمَهَا
…
إجَابَةٌ وَحَرُمَتْ خَطبَتُهَا
وَمَنْ لهْا زَوْج فحَقًا وَجَبَا
…
طَلاقُهَا كَمَا جَرَى لزَيْنَبَا
(1)
(1)
وقد أنكر السبكي رحمه الله، هذا وقال: هو من منكر القول، ولم يكن صلى الله عليه وسلم تعجبه امرأة أحد من الناس، وقصة زينب إنما جعلها الله كما في سورة الأحزاب قطعا لقول الناس: إن زيدا ابن محمَّد، وإبطالا للتبني، قال: وبالجُملة فهذا من منكرات كلامهم في الخصائص، وقد بالغوا في هذا الباب في مواضع اقتحموا فيها عظائم، لقد كانوا في غنية عنها. اهـ من هامش شرح الألفية ص 139.
وَفي وُجوب قَسْمهِ بَينَ الإمَا
…
وَبَيْنَ زَوْجَات لَهُ خُلفٌ نَمَا
زَوْجَاتُهُ كُلٌّ مُحَرَّمَاتُ
…
هُنَّ لِذِي الإيمَانِ أُمَّهَاتُ
نكَاحُهُنَّ مَعْ عُقُوقِهِنَّهْ
…
مَعَ الوُجُوب لاِحْترامَهِنَّهْ
(1)
لا نَظرٌ وَخَلوَةٌ بِهِنَّهْ
…
وَلا بتَحْريمِ بَنَاتِهِنَّهْ
مَنْ دَخَلَتْ عَلَيْه أوْ قَدْ فُورقَتْ
…
أوْ مَاتَ عَنْهَا أوْ تَكُونُ سَبَقَتْ
وَهُنَّ أفْضَلُ نسَاءِ الأمَّةِ
…
ضُعِّفْنَ في الأجْرِ وَفي العُقُوبَةِ
أفْضَلُهُنَّ مُطْلَقًا خَديجَةُ
…
وَبَعْدَهَا عَائشَةُ الصِّدِّيقَةُ
وأنَّهُ خَاتَمُ الأنْبيَاءِ
…
خَيْرُ الخَلائقِ بلا امْترَاءِ
أمَّتُهُ في النَّاس أفْضَلُ الأمَمْ
…
مَعْصُومَةٌ منَ الضَّلالِ بِعِصَمْ
أصْحَابُهُ خَيْرُ القُرُونِ في المَلَا
…
كتَابُهُ المحْفُوظُ أنْ يُبَدَّلَا
شِرْعَتُهُ قَدْ أبِّدَتْ وَنَسَخَتْ
…
كُلَّ الشَّرَائع التي قَبْلُ خَلَتْ
وَالأرْضُ مَسْجدٌ لهُ طَهُورُ
…
وَالرُّعْبُ شَهْرًا نَصْرَهُ يَسِيرُ
سَيِّدُ أوْلاد أبينَا آدَمَا
…
قَدْ حَلَّلَ اللهُ لهُ الغَنَائِمَا
أرْسلَ للنَّاس جَميعًا أُعْطيَا
…
مَقَامَهُ المَحْمُودَ حَتَّى رَضِيَا
وَخصَّ بالشَّفَاعَة العُظمَى الَّتِي
…
يُحْجمُ عَنْهَا كُلُّ مَنْ لَهَا أُتِي
أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ
…
وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ بَلْ غَمْضُ
أوَّلُ مَنْ يَقُومُ للشَّفَاعَةِ
…
أوَّلُ مَنْ يَقْرعُ بَابَ الجَنَّةِ
أكثَرُ الأنْبيَاءِ حَقًا تَبَعَا
…
يَرَى مَنْ خَلْفَهُ كَقُدَّام مَعَا
آتَاهُ رَبُّهُ جَوَامعَ الكَلِمْ
…
قَرينُهُ أسْلَمَ فَهُوَ قَدْ سَلِمْ
(1)
والهاء في المواضع الأربعة للسكت.
صَفُوفُهُ وَالأمَّة المُبَارَكَهْ
…
كَصَفِّ عنْدَ رَبِّهَا المَلائكَهْ
وَلا يَحلُّ الرَّفْعُ فَوْقَ صَوْتِهِ
…
ولا يُنَادَى باسْمِهِ بَلْ نَعْتِهِ
خُوطِبَ في الصَّلاةِ بالسَّلامِ
…
عَلَيكَ دُونَ لسَائر الأنَامِ
وَمَنْ دَعَاهُ في الصَّلاة وَجَبَتْ
…
إجَابَةٌ لَهُ وَفَرْضُهُ ثَبَتْ
وَبَوْلُهُ وَدَمُهُ إِذْ أُتِيَا
…
تَبَرُّكَا منْ شَارب مَا نُهِيَا
يَقْبَلُ مَا يُهْدَى لَهُ فَحِلُّ
…
دُونَ الوُلاةِ فَهْوَ لا يَحلُّ
فَاتَتْهُ رَكْعَتَان بَعْدَ الظُّهْرِ
…
صَلاهُمَا وَدَامَ بَعْدَ العَصْرِ
وَمَا لَنَا دَوَامُ ذَا بَل يَمْتَنِعْ
…
وَمَا سوَى سَببِهِ فَمُنْقَطِعْ
وَنَسَبٌ يَوْمَ القيَامَةِ وَمَنْ
…
رَآهُ نَوْمًا فَهْوَ قَدْ رَآهُ لَنْ
يَكُونُ لِلشَّيْطَانِ مِنْ تَمَثُّلِ
…
بصُورَة النَّبيِّ أوْ تَخَيُّلِ
وكَذِبٌ عَلَيْه لَيْسَ كَكَذِبْ
…
عَلَى سِوَاهُ فَهْوَ أكْبَرُ الكَذِبْ
(1)
(1)
الألفية بنسخة الشرح ص 133 - 150.
27 - بَابُ التَّيَمَّمِ لمَنْ يَجِدُ المَاءَ بَعْدَ الصَّلاةِ
هكذا النسخ "لمن يجدُ الماء" والمعنى عليه واضح أي: باب جواز التيمم لمن يجدُ الماء بعد الصلاة بالتيمم، والمراد بذلك أن من يرجو وجود الماء بعد الصلاة بالتيمم ولو في آخر الوقت لا يجب عليه أن يؤخر الصلاة لذلك، بل يصلي في أول الوقت بالتيمم لكونه فاقدًا للماء، مع أن الشارع أمره بالمبادرة لأداء الصلاة في أول وقتها. وأشار في النسخة الهندية إلى أن هناك نسخة أخرى "باب التيمم لمن لم يجد الماء" الخ، وعلى هذه النسخة، يكون المعنى عكس الأول، أي أن التيمم جائز لمن لا يجد الماء بعد الصلاة، وأما لمن يجده فلا، والظاهر أن النسخة الأولى هي الأوْلَى، لموافقتها لحديث الباب، والحاصل أن المسألة فيها اختلاف بين أهل العلم كما سنحققه، ونبينه في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.
433 -
أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ نَافِعٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،: أَنَّ رَجُلَيْنِ تَيَمَّمَا، وَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا مَاءً فِي الْوَقْتِ، فَتَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا وَعَادَ لِصَلَاتِهِ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ، فَسَأَلَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ:"أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ". وَقَالَ لِلآخَرِ: "أَمَّا أَنْتَ فَلَكَ مِثْلُ سَهْمِ جَمْعٍ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(مسلم بن عمرو بن مسلم) بن وهب الحَذَّاء أبو عمرو المدني صدوق -11 -
روى عن عبد الله بن نافع الصائغ.
وعنه الترمذي، والنسائي، وأبو بكر بن صدقة البغدادي، وعامر بن محمَّد القِرْمطيّ
(1)
ومحمد بن أحمد بن نصر الترمذي، ومحمد بن أحمد ابن أبي خيثمة، ويحيى بن الحسن النَسَّابَةُ، ويحيى بن محمَّد بن صاعدة.
قال النسائي: صدوق، وكذا قال مسلمة، وأخرج ابن خزيمة عنه في صحيحه
(2)
.
2 -
(ابن نافع) هو عبد الله بن نافع الصائغ المخزومي، مولاهم، أبو محمَّد المدني، ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين من كبار [10] تقدم في 96/ 120.
3 -
(الليث بن سعد) الإمام الحجة الثبت الفقيه المصري من [7] تقدم في 32/ 35.
4 -
(بكر بن سوادة) بن ثُمامة الجُذامي، أبو ثمامة المصري، ثقة فقيه من [3] تقدم في 122/ 173.
5 -
(عطاء بن يسار) الهلالي، أبو محمَّد المدني، مولى ميمونة ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة من صغار [3] تقدم في 64/ 80.
6 -
(أبو سعيد) الخدري سعد بن مالك الأنصاري المدني الصحابي الجليل رضي الله عنه تقدم في 169/ 262.
(1)
بكسر فسكون: نسبة إلى المذهب المذموم الذي نسب إلى رجل من سواد الكوفة يقال له: قرمط وقيل: حمدان بن قرمط. اهـ لباب جـ 3 ص 28.
(2)
تت جـ 10 ص 133 - 134.
لطائف هذا الإسناد
منها: أنه من سداسياته، وأن رواته ثقات غير شيخه، فصدوق.
ومنها: أنهم مدنيون إلا الليث وبكرا فمصريان.
ومنها: أن فيه رواية تابعي عن تابعي.
ومنها: أن صحابيه أحد المكثرين السبعة، روى 1170 حديث.
ومنها: أن فيه الإخبار والتحديث والعنعنة.
شرح الحديث
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (أن رجلين) لم يسميا (تيمما، وصليا) وعند أبي داود "عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيدا طيبا، فصليا .. "(ثم) بعد صلاتهما بالتيمم (وجدا ماء) كافيا للوضوء (في الوقت) فيه ردّ على من تأول الحديث بأنهما وجدا الماء بعد الوقت
(1)
(فتوضأ أحدهما، وعاد لصلاته) أي رجع لأداء صلاته بالطهارة الكاملة إمَّا ظنًا بأن الأُولى باطلة، وإما احتياطا.
(وعاد) ثلاثي من العَوْدَة، يقال: عاد إلى كذا، وعادَ له أيضا، يَعُودُ، عَوْدَةً، وعَوْدًا: صار إليه، وفي التنزيل:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}
(2)
[الأنعام: آية 28]، ولأبي داود:"فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء".
(ما كان في الوقت)"ما" مصدرية ظرفية، أي ما دام الرجل ثابتا في الوقت، وهو ظرف لعاد، يعني أنه عاد للصلاة مرة أخرى في نفس الوقت (ولم يعد الآخر) يحتمل أن يكون من العودة ثلاثيا، وهو المناسب للأول، وأن يكون من الإعادة، أي لم يَعُدْ إلى الصلاة مرة
(1)
المنهل جـ 3 ص 195.
(2)
المصباح جـ 2 ص 436.
أخرى، أو لم يُعد الصلاةَ مرة ثانية، لاعتقاده أن تلك الصلاة صحيحة (فسألا النبي صلى الله عليه وسلم) عن حكم ما فعلاه (فقال) صلى الله عليه وسلم (للذي لم يُعدْ: أصبت السنة) أي صادفت الشريعة الواجبة الثابتة بالكتاب والسنة، وفي هذا تصويب لاجتهاده، وتخطئة لاجتهاد الآخر، وفيه أن الخطأ في الاجتهاد المُسْتَوفي للشروط لا ينافي الأجر على العمل المبني عليه، والظاهر ثبوت الأجر له، ولمن قَلَّدَهُ على وجه يصح. قاله السندي.
(وأجزأتك الصلاة) ومعنى أجزأتك: أي كفتك عن القضاء، والإجزاء عبارة عن كون الفعل مسقطا لإعادة قاله في النيل (وقال للآخر) الذي عاد للصلاة مرة ثانية (أما أنت فلك مثلُ سَهْم جَمْع) بإضافة "سهم" إلى "جمع"، من إضافة الموصوف إلى الصفة بقلة، أي سهم مَجْمُوع فيه أجران، وقال في النهاية: أي له سهم من الخير جُمع فيه حظان، والجيم مفتوحة، وقيل: أراد بالجمع الجيش، أي سهم من الغنيمة، وقال غيره: سئل ابن وهب ما تفسر "جَمْع"؟ قال: يعني أن له أجر الصلاة مرتين، ولم يُردْ جمع الناس بالمزدلفة، ويؤيد هذا التفسير ما رُوي عن المنذر بن الزبير أنه قال في قصة له:"أن لفاطمة ابنتي بغلتي الشهباء، وعشرة آلاف درهم، ولابني محمَّد سهمُ جَمْع". فقال: نصيب رجلين. انتهى زهر الربى جـ 1 ص 214.
وعند أبي داود: "لك الأجر مرتين" يعني مرة لصلاته الأولى، ومرة لصلاته الثانية، فإن كلا منهما صحيحة يترتب عليها مثوبة، وإن كانت إحداهما فرضا والأخرى نفلا، لقوله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: آية 30].
وفيه بيان أن العمل بالأحوط أفضل، قال الخطابي رحمه الله: في هذا الحديث من الفقه أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها، كما هو للمتطهر بالماء.
وقد اختلف أهل العلم في جواز التيمم في أول الوقت، وفيمن تيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت هل يعيد أم لا؟ وسيأتي قريبا في المسائل تحرير الخلاف في المسألتين إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي سعيد صحيح.
المسألة الثانية: في بيان موضع ذكره في الكتاب: ذكره المصنف هنا فقط.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (د) في الطهارة عن محمَّد بن إسحاق المُسَيَّبي، عن عبد الله ابن نافع، عن الليث به، وعن القعنبي، عن ابن لَهيعَة، عن بكر بن سوادة، عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، عن عطاء، فذكره، ولم يذكر أبا سعيد، وزاد أبا عبد الله.
المسألة الرابعة: أنه قد اختلف في وصل هذا الحديث، وإرساله، والصحيح كونه موصولا:
قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر الحديث بلفظ أبي داود ما حاصله: رواه أبو داود، والدارمي، والحاكم، من حديث أبي سعيد الخدري، ورواه النسائي مسندا ومرسلا، ورواه الدارقطني موصولا، ثم قال: تفرد به عبد الله بن نافع، عن الليث، عن بكر بن سوادة، عن عطاء، عنه موصولا، وخالفه ابن المبارك فأرسله، وكذا قال الطبراني في الأوسط: لم يروه متصلا إلا عبد الله بن نافع، تفرد به المسيبي عنه، وقال موسى بن هارون: فيما حكاه محمَّد بن عبد الملك بن أيمن عنه:
رَفْعُه وَهَم من ابن نافع، وقال أبو داود: رواه غيره عن الليث، عن عميرة بن أبي ناجية، عن بكر، عن عطاء مرسلا، قال: وذكرُ أبي سعيد فيه ليس بمحفوظ.
قال الحافظ رحمه الله: قلت: لكن هذه الرواية رواها ابن السكن في صحيحه من طريق أبي الوليد الطيالسي، عن الليث، عن عمرو بن الحارث، وعَميرة بن أبي ناجية جميعا، عن بكر موصولا. قال أبو داود: ورواه ابن لهيعة، عن بكر، فزاد بين عطاء وأبي سعيد أبا عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد الله. انتهى. وابن لهيعة ضعيف، فلا يلتفت لزيادته، ولا تُعَلُّ بها رواية الثقة عمرو بن الحارث، ومعه عميرة بن أبي ناجية، وقد وثقه النسائي، ويحيى بن بكير، وابن حبان، وأثنى عليه أحمد بن صالح، وابن يونس، وأحمد بن سعيد بن أبي مريم، وله شاهد من حديث ابن عباس، قال إسحاق بن راهويه في مسنده: أنا زيد ابن أبي الزَّرقاء، ثنا ابن لهيعة، عن ابن هُبيرة، عن حنش، عن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم بال، ثم تيمم، فقيل له: إن الماء قريب منك، فقال: فلعلي لا أبلغه". انتهى تلخيص جـ 1 ص 155 - 156.
والحاصل أن حديث الباب موصول صحيح، لا يُعَلُّ بالرواية المرسلة لأن من وصله ثقات، فلا يضر إرسال من أرسله، لأنه إذا اختلف الوصل والإرسال قدم الوصل على الإرسال على الراجح كما قال الحافظ السيوطي في ألفية الأثر:
وَقَدِّم الرَّفْعَ كَالاتِّصَالِ
…
منْ ثقَةٍ لِلوَقْفِ وَالإرْسَالِ
المسألة الخامسة: في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنف، وهو جواز التيمم في أول الوقت لمن يجد الماء بعد الصلاة في الوقت، هذا على النسخة التي فيها "باب التيمم
لمن يجد الماء بعد الصلاة"، وهو الموافق لحديث الباب وأما على النسخة الأخرى "باب التيمم لمن لم يجد الماء بعد الصلاة" فيكون المعنى أنه لا يجوز التيمم في أول الوقت إلا لمن لم يجد الماء في الوقت، فلو تيمم ثم وجد الماء بعد الصلاة بتيممه فعليه الإعادة لأن تيممه غير صحيح، بسبب وجدانه الماء في أول الوقت، وهذا قول لبعض العلماء، كما سيأتي، لكنه غير مناسب لحديث الباب. فتأمل.
ومنها: جواز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم.
ومنها: الرجوع إلى النص ولو بعد الاجتهاد، طلبا لموافقة اجتهاده النص.
ومنها: وجوب الاستفتاء إذا نزلت نازلة، ووجوب الإجابة عليها على من كان عالما.
ومنها: أن من صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت لا تجب عليه الإعادة، وسيأتي الكلام عليه.
ومنها: أن من عمل بالاحتياط يؤجر عليه، وإن كان لا يجب عليه.
المسألة السادسة: في اختلاف العلماء في جواز التيمم في أول الوقت قال الإمام أبو بكر محمَّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري رحمه الله: أجمع أهل العلم على أن من تطهير بالماء للصلاة قبل دخول وقتها أن طهارته كاملة، وله أن يصلي بها ما لم يحدث.
واختلفوا في الوقت الذي يجزي للمسافر أن يتيمم فيه:
فقالت طائفة: لمن لا يجد الماء أن يتيمم في أول الوقت ويصلي، وهذا قول الشافعي، وهو الصحيح من مذهبه، وقد اختُلفَ عنه فيها، وقال إسحاق: يتيمم في أول الوقت إذا لم يكن له طمع في وجود الماء من قريب.
ثم أخرج بسنده عن نافع عن ابن عمر: أنه تيمم بمرْبَد النَّعَم، وصَلَّى العصر، ثم دخل المدينة، والشمس مرتفعة، فلم يُعد الصلاة.
قال: وفيه قول ثالث: وهو أنه يَتَلَوَّمُ ما بينه وبين آخر الوقت، فإن وجد الماء، وإلا تيمم، وصلى، ورُويَ هذا القولُ عن علي، وبه قال عطاء، وسفيان، وأحمد، وأصحاب الرأي.
وقال الزهري: لا يتيمم حتى يخاف ذهاب الوقت، وكذلك قال مالك، إلا أن يكون بمكان لا يرجو أن يصيب فيه الماء، فإنه يصلي على ما كان يصلي لو كان معه ماء، وحكي عنه أنه قال: يتمم وسط الوقت، وكان الأوزاعي يقول: أيَّ ذلك فعل وسعه.
وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه عَرَّس في بعض الطريق قريبا من بعض المياه، فاحتلم، فاستيقظ، فقال: أتُرَوْنا نُدْرك الماءَ قبل أن تطلع الشمس؟ قالوا: نعم، فأسرع السير حتى أدرك الماء، فاغتسل، وصلى.
ثم ذكر بسنده عن الحارث، عن علي رضي الله عنه في الجنب لا يجد الماء، قال: يَتَلَوَّمُ ما بينه، وبين آخر الوقت، فإن وجد الماء، وإلا تيمم، وصلى، فإن وجد الماء اغتسل، ولم يُعد ما مضى.
قال أبو بكر: دلت الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن تعجيل الصلوات في أوائل أوقاتها أفضل، إلا صلاة الظهر في شدة الحر بقوله عليه السلام:"إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فَيْح جهنم".
وفيما رويناه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الأعمال إلى الله تعجيل الصلاة في أول وقتها" دليل على ذلك، ولم يفرق في شيء من الأخبار بين من يتطهر بالماء أو بالتراب، فكل مُصَلٍّ بأيّ طهارة صلاها، داخل في جملة هذا الحديث، إلا ما استثنته السنة، وقد روينا عن ابن عمر أنه
تيمم بمربد النَّعَم، وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يُعد الصلاة
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الإمام ابن المنذر هو التحقيق الحقيق بالقبول والسماع، وما عداه لا يؤيده نص ولا إجماع، والحاصل أن من صلى في أول الوقت بالتيمم مبادرة إلى أداء الصلاة في وقتها المستحب، فقد أتى بما أمر به، وندب إليه، فكان ممن أحسن عملا، والله أعلم.
المسألة السابعة: في ذكر أقوال العلماء فيمن تيمم وصلى، ثم وجد الماء قبل خروج الوقت.
قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله أيضًا: أجمع أهل العلم على أن من تيمم صعيدا طيبا كما أمر الله، وصلى ثم وجد الماء بعد خروج وقت الصلاة لا إعادة عليه.
واختلفوا فيمن صلى بالتيمم ثم وَجَدَ الماء قبل خروج الوقت، فقالت طائفة: يعيد الصلاة هذا قول عطاء، وطاوس، والقاسم، ومكحول، وابن سيرين، والزهري، وربيعة، واستحب الأوزاعي إعادتها، وقال: ليس ذلك بواجب. واختلف فيه عن الحسن، فرَوَى يونس عنه أنه قال: يُعيدُ ما دام في الوقت، وَرَوى يزيد التستري عنه أنه قال: هو بالخيار إن شاء اغتسل وأعاد، وإلا فقد مضت صلاته.
وقالت طائفة: لا إعادة عليه، فَعلَ ذلك ابن عمر، ولم يُعدْ.
ثم أسند عن نافع عن ابن عمر قال: تيمم ابن عمر على رأس -يعني ميل أو ميلين- من المدينة فصلى العصر، فَقَدمَ، والشمس مرتفعة، فلم يُعد الصلاة.
(1)
الأوسط جـ 2 ص 61 - 63.
وبه قال الشعبي، والنخعي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومالك وسفيان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وكذلك نقول، وقد أدَّى هذا فرضه كما أمر، فإن ادعى نقض ذلك، وإيجاب الإعادة عليه، فليأت بحجة، ولا حجة نعلمها مع من أوجب عليه الإعادة، ولا فرق بين من صلى جالسا لعلة، ثم أفاق وقدر على القيام، ومن صلى عُريانا، لا يقدر على ثوب، ثم
وجد الثوب في الوقت، وبين من صلى بالتيمم حيث يجوز له أن يصلي، ثم وجد الماء أن لا إعادة على أحد منهم
(1)
.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي رجحه ابن المنذر هو الظاهر الحقيق بالقبول، لحديث الباب، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يعد مع وجوده الماء في الوقت:"أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك" فإنه نص صريح قاطع للنزاع فلا رأي، ولا قياس مع النص، ولقد أجاد من قال، وأحسن في المقال:(من الوافر):
إذَا جَالَتْ خُيُولُ النَّصِّ يَوْمًا
…
تُجَارِي في مَيَادين الكفَاحِ
غَدَتْ شُبَهُ القيَاسيِّينَ صَرْعَى
…
تَطيرُ رُؤسُهُنَّ مَعَ الرِّيَاحِ
والله تعالى أعلم، وعليه التكلان.
434 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِيرَةُ وَغَيْرُهُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلَيْنِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
(1)
الأوسط جـ 2 ص 63 - 65.
رجال الإسناد: ستة
1 -
(سويد بن نصر) المروزي ثقة [10] تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله) بن المبارك أبو عبد الرحمن الإمام الحجة المروزي [8] تقدم 32/ 36.
3 -
(عَميرة) بفتح العين المهملة وكسر الميم- بن أبي نَاجية، واسمه حُرَيث الرُّعَيْنيُّ، أبو يحيى المصري، مولى حُجْر بن رُعَين، ثقة عابد -7 - .
روى عن أبيه، وبكر بن سوادة، ورُزَيق بن حُكَيم، وغيرهم.
وعنه سعيد بن زكرياء الآدم، وحَيْوَة بن شُرَيح، وابن لَهيعَة، وغيرهم.
قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن يونس: كان ناسكا متعبدا، وقال ابن وهب: كان من العباد، وكان يزيد بن حاتم الأمير يقول: ما فعلت الثَّكْلى، أخرج له أبو داود، والمصنف، مات سنة 151، وقيل: سنة 153 ببطن مَرّ منصرفا من الحج.
والباقون تقدموا في السند السابق.
وغرض المصنف بهذا بيان اختلاف الرواة عن الليث بن سعد عليه فعبد الله بن نافع رواه عنه عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد فأسقط عَميرة بين الليث، وبين بكر بن سوادة، ووَصَل الحديث بذكر أبي سعيد الخدري، وعبدُ الله بن المبارك رواه عنه، عن عميرة وغيره، عن بكر عن عطاء: أن رجلين، فذكر الواسطة بين ليث، وبين بكر، وهو عميرة، وغيره، وجعل الحديث مرسلا.
قال الجامع عفا الله عنه: الظاهر أن هذا الاختلاف لا يضر،
فالاختلاف بذكر الواسطة بين ليث، وبين بكر، وعدمه يُحمَلُ على أن ليثا أخذه عن عميرة أولا، ثم عن بكر ثانيا، فإن الليث لم يوصف بالتدليس، وأما الاختلاف بالوصل والإرسال فترجح رواية الوصل على الإرسال لقوتها، لأن ابن السكن، أخرجه في صحيحه بسنده عن أبي الوليد الطيالسي، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن عمرو بن الحارث، وعميرة بن ناجية، عن بكر بن سوادة، عن عطاء، عن أبي سعيد: أن رجلين خرجا في سفر .. الحديث. فرواية أبي الوليد تُقَوّي رواية عبد الله بن نافع موصولا، والله أعلم.
وقوله: (وساق الحديث) الظاهر أن الضمير لسويد بن نصر، أي ساق سويد الحديث المذكور، ويحتمل أن يكون لعبد الله، والله أعلم.
تنبيه: يوجد في النسخة الهندية هنا زيادة حديث، وهو:
أخْبَرَنَا محمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أنَا خَالِدٌ، حَدَّثَني شُعْبَةُ، أنَّ مُخَارِقًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ طارِقٍ: أنَّ رَجُلًا أجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ، فَأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لهُ، فَقَالَ:"أصَبْتَ".
فَأَجْنَبَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَى، فَأتَاهُ فَقَالَ نَحْوَ مَا قَالَ للآخَرِ -يَعنِي:"أصَبْتَ"-.
وهذا الحديث تقدم سندًا ومتنا برقم 204/ 324 "باب من لم يجد الماء ولا الصعيد". فراجعه تستفد.
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
28 - بَابُ الوُضُوءِ مِنَ المَذي
435 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسُ، قَالَ: تَذَاكَرَ عَلِيٌّ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَمَّارٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي امْرَؤٌ مَذَّاءٌ، وَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ ابْنَتِهِ مِنِّي فَيَسْأَلُهُ أَحَدُكُمَا. فَذَكَرَ لِي أَنَّ أَحَدَهُمَا وَنَسِيتُهُ سَأَلَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"ذَاكَ الْمَذْيُ إِذَا وَجَدَهُ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(علي بن ميمون) الرَّقيّ أبو الحسن العطار، ثقة -10 - .
روى عن ابن عيينة، وحفص بن غياث، وخالد بن حيَّان الرقي، ومخلد بن يزيد الرقي، وغيرهم.
وعنه النسائي، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم وغيرهم.
وثقه أبو حاتم، وقال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات سنة 245، وقيل: سنة 247، أخرج له المصنف وابن ماجه.
2 -
(مخلد بن يزيد) القرشي الحَرَّاني، صدوق له أوهام، من كبار [9] تقدم في 141/ 222.
3 -
(ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو الوليد، وأبو خالد المكي ثقة [6] تقدم في 28/ 32.
4 -
(عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال [3] تقدم في 112/ 154.
5 -
(ابن عباس) الحبر البحر رضي الله عنه تقدم في 27/ 31.
6 -
(علي) بن أبي طالب رضي الله عنه تقدم في 74/ 91.
والحديث تقدم مشروحا في 112/ 152 - 157 لكن بسياق آخر.
وقوله (فذَكَرَ لي) بالبناء للفاعل، والظاهر أن الضمير يعود إلى ابن عباس أي قال عطاء: ذكر لي ابن عباس: أن أحدهما إما المقدادَ، وإما عمارا، وقوله (ونسيته) جملة معترضة بين اسم "إن" وخبرها، وهو جملة "سأله" أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله (تذاكر علي ومقداد وعمار) الخ كما قال السندي رحمه الله توجيه للروايات المختلفة، حيث إن في بعضها "أن عليا أمر المقداد، وفي بعضها أنه أمر عمارا، فتبين بهذه الرواية أنه قال: ليسأله أحدكما فصح إسناد الأمر إلى كل منهما فتبصر.
وقوبه (فليغسل ذلك منه) كناية عن غسل ذكره، أي ليغسل ذكره كما صُرِّحَ به في الروايات الآتية، والله أعلم، وعليه التكلان.
(الاختلافُ عَلى سُلَيْمَان)
أي هذا محل ذكر الاختلاف في سند حديث علي رضي الله عنه، على سليمان الأعمش، حيث اختلف الراويان عليه، فرواه عَبيدة بن
حُميد، عنه عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن علي رضي الله عنهم، ورواه شعبة عنه، عن منذر الثوري، عن محمَّد بن الحنفية، عن علي رضي الله عنه.
وهذا الاختلاف لا يضر في صحة الحديث، فالحديث صحيح، ومراد المصنف بيان الاختلاف الواقع في السند، لا الطعن في صحة الحديث.
وفي السند الأول عنعنة الأعمش، وهو مدلس، لكن المتن صحيح بالأسانيد الأخرى.
436 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلاً فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "فِيهِ الْوُضُوءُ".
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(محمَّد بن حاتم) بن سليمان الزِّمِّيُّ -بكسر الزاي وتشديد الميم
(1)
أبو جعفر، ويقال: أبو عبد الله المؤدِّب المُكَتِّب الخراساني، ثم البغدادي، نزيل العَسْكَر، ثقة -10 - .
(1)
هكذا ضبطه في "ت"، وضبطه في اللباب بفتح الزاي، وتشديد الميم، وقال: هذه النسبة إلى زَمّ، وهي بُلَيْدَة على طرف جيحون اهـ.
روى عن إسماعيل بن علية، وعَبيدة بن حُميد، وعمار بن محمَّد الثوري، والقاسم بن مالك المُزَني، وغيرهم.
روى عنه الترمذي، والنسائي، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم.
قال أبو حاتم: صدوق، وقال صالح بن محمَّد الأسدي، والنسائي، والدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة 246.
تنبيه: قال الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله في تحفة الأشراف جـ 7 ص 413: محمَّد بن ميمون هذا، قيل: إنه ابن ميمون السمين. وقيل: محمَّد بن حاتم بن سليمان الزِّمِّيّ -وهو الصحيح- رواه أبو حامد محمَّد بن هارون الحضرمي، عن محمَّد بن حاتم الزّمّيّ، عن عَبيدة بن حُمَيد. انتهى.
قال الجامع: أخطأ في هذه الترجمة بعض
(1)
مَن كتب على النسائي، فذكر هنا ترجمة محمَّد بن حاتم بن نعيم المروزي والصواب ما قاله المزي رحمه الله تعالى. فتنبه.
2 -
(عَبيدة) -بفتح العين، وكسر الباء مكبرا- بن حُميد -مصغرًا- الكوفي أبو عبد الرحمن الحَذَّاء صدوق ربما أخطأ [8] تقدم في 13/ 13.
3 -
(سليمان الأعمش) بن مهران الكوفي ثقة ثبت مدلس [5] تقدم في 17/ 18.
4 -
(حبيب بن أبي ثابت) قيس، ويقال: هند بن دينار الأسدي مولاهم الكوفي ثقة فقيه جليل كثير الإرسال والتدليس [3] تقدم في 121/ 170.
(1)
وهو الشيخ محمَّد المختار الشنقيطي رحمه الله.
5 -
(سعيد بن جبير) بن هشام الأسدي الوالبي أبو محمَّد، ويقال: أبو عبد الله الكوفي، ثقة ثبت فقيه من -3 - .
روى عن ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر، وابن معقل، وعدي بن حاتم، وأبي هريرة، وغيرهم.
وعنه ابناه عبد الملك، وعبد الله، ويعلى بن حكيم، ويعلى بن مسلم، وغيرهم.
قال ضمرة بن ربيعة، عن أصبغ بن زيد الواسطي: كان له ديكٌ يقوم من الليل لصياحه، فلم يَصحْ ليلة حتى أصبح، فلم يستيقظ سعيد، فشق عليه، فقال: ما له قطع الله صوته، قال: فما سمع له صوت بعدها، فقالت له أمه: لا تَدْعُ على شيء بعدها.
وقال يعقوب القُمِّيّ عن جعفر بن أبي المغيرة: كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن أم الدَّهْماء؟ يعني سعيد بن جبير، وقال عمرو بن ميمون، عن أبيه: لقد مات سعيد بن جبير، وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه، وقال عثمان بن بوذويه: كنت مع وهب بن مُنبه، وسعيد بن جبير يوم عرفة، فقال وهب لسعيد: أبا عبد الله كم لك منذ خِفْتَ من الحجاج؟ قال: خرجت عن امرأتي وهي حامل، فجاءني الذي في بطنها، وقد خرج وجهه. قال هشيم: حدثني مولى الحجاج، قال: حضرت سعيد بن جبير حين أُتي به الحجاج بواسط، فجعل الحجاج يقول له: ألم أفعل بك، ألم أفعل
بك؟ فيقول: بلى، قال: فما حَمَلَك على ما صنعت من خروجك علينا؟ قال: بَيْعَة كانت عليّ، قال: فغضب الحجاج، وصفق بيديه، وقال: فبيعة أمير المؤمنين كانت أسبق، وأولى، وأمر به، فضُربت عنقه. وقال عمر بن سعد بن أبي الحسين: دعا سعيد بن جبير ابنه حين
دُعي ليُقْتَل، فجعل ابنه يبكي، فقال: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟. وقال أبو القاسم الطبري: هو ثقة إمام حجة على المسلمين، قُتل في شعبان سنة 95، وهو ابن49 سنة. وقال أبو الشيخ:
قتله الحجاج صبرا سنة 95، وقال ابن حبان في الثقات: كان فقيها عابدًا، فاضلا ورعا، وكان يكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود حيث كان على قضاء الكوفة، ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى، ثم خرج مع ابن الأشعث في جملة القراء، فلما هُزم ابن الأشعث هرب سعيد بن جبير إلى مكة، فأخذه خالد القسري بعد مدة، وبعث به إلى الحجاج، فقتله الحجاج سنة 95، وهو ابن 49، ثم مات الحجاج بعده بأيام، وكان مولد الحجاج سنة 40، وقال الآجري: قلت لأبي داود: سمع سعيد من عدي بن حاتم؟ قال: لا أراه. قيل له: سمع من عمرو بن حريث؟ قال: نعم، وقال ابن أبي حاتم في المراسيل: كتب إليَّ عبد الله بن أحمد، قال: سُئل أبي عَمَّا روى سعيد بن جبير عن عائشة؟ فقال: لا أراه سمع منها. وسئل أبو زرعة: سمع ابن جبير من علي؟ فقال: هو مرسل، وقال أبو حاتم: لم يسمع سعيد من عائشة. وقال البخاري: قال أبو معشر عن سعيد بن جبير قال: رأيت عقبة بن عمرو، قال البخاري: ولا أحسبه حفظه، لأن سعيد بن جبير لم يدرك أيام علي، ومات أبو مسعود أيام علي. وقال الدُّوريّ: قلت لابن معين: سمع سعيد من أبي هريرة؟ قال: لم يصح أنه سمع منه. وقال أبو بكر البزار: ولا أحسب سعيد بن جبير سمع من أبي موسى. وقال ابن أبي خيثمة: رأيت في كتاب علي -يعني ابن المديني- قال يحيى بن سعيد:
مرسلات سعيد بن جبير أحب إليّ من مرسلات عطاء، ومجاهد، وكان سفيان يقدم سعيدا على إبراهيم في العلم، وكان أعلم من مجاهد وطاوس، وقيل: إن قتله كان في آخر سنة 94. أخرج له الجماعة. انتهى تت جـ 4 ص 11 - 14.
وأما ابن عباس، وعلي رضي الله عنهم، فتقدما في السند السابق.
وكذلك شرح الحديث واضح مما مضى. والله ولي التوفيق، وعليه التكلان.
437 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُنْذِرًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمَذْيِ مِنْ أَجْلِ فَاطِمَةَ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:"فِيهِ الْوُضُوءُ".
رجال هذا الإسناد: سبعة
1 -
(محمَّد بن عبد الأعلى) الصنعاني البصري ثقة [10] تقدم في 5/ 5.
2 -
(خالد بن الحارث) الهُجيمي أبو عثمان البصري ثقة ثبت [8] تقدم في 42/ 47.
3 -
(شعبة) بن الحجاج البصري الإمام الحجة [7] تقدم في 24/ 46.
4 -
(الأعمش) المتقدم في السند السابق.
5 -
(مُنذر) بن يعلى الثوري أبو يعلى الكوفي ثقة [6] تقدم في 112/ 157.
6 -
(محمَّد بن علي) بن أبي طالب الهاشمي المدني المشهور بابن الحنفية ثقة عالم [2] تقدم 112/ 157.
7 -
(علي) بن أبي طالب رضي الله عنه.
والحديث واضح مما سبق. والله أعلم.
الاخْتِلافُ عَلَى بُكَيْر فِيْه
أي هذا محل بيان اختلاف الراويين في رواية هذا الحديث على بكير ابن عبد الله بن الأشج. فرواه ولده مخرمة عنه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، قال: قال علي رضي الله عنهم. ورواه ليث بن سعد، عنه، عن سليمان، قال: أرسل علي .. الخ.
وغرض المصنف من هذا بيان الاختلاف الوقع في هذا السند، وأن السند الأول فيه انقطاع، والثاني فيه إرسال.
قال الجامع عفا الله عنه: لكن المتن صحيح، كما سنحققه إن شاء الله تعالى.
438 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَخْبَرَنِىي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَرْسَلْتُ الْمِقْدَادَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنِ الْمَذْيِ، فَقَالَ:"تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَخْرَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا.
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(أحمد بن عيسى) بن حسان المصري، أبو عبد الله العسكري المعروف بالتستري، صدوق تكلم فيه بلا حجة -10 - .
روى عن ابن وهب، والمُفَضَّل بن فَضَالة، وضمَام بن إسماعيل، وغيرهم.
وعنه (خ م س ق) وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم.
قال أبو داود: كان ابن معين يحلف أنه كذاب، وقال أبو حاتم: تكلم فيه الناس، قيل لي بمصر: إنه قدمها، واشترى كتب ابن وهب، وكتاب المفضل بن فضالة، ثم قدمت بغداد، فسألت هل يحدث عن المفضل؟ فقالوا: نعم، فأنكرتُ، وذلك أن الرواية عن ابن وهب، والرواية عن المفضل لا يستويان، وقال سعيد بن عمرو البردعي: أنكر أبو زرعة على مسلم روايته عن أحمد بن عيسى في الصحيح، قال سعيد: قال لي: ما رأيت أهل مصر يَشُكُّون في أنه -وأشار إلى لسانه- كأنه يقول الكذب. وقال النسائي: أحمد بن عيسى كان بالعسكر ليس به بأس، وقال البغوي، وابن قانع، وابن يونس: مات سنة 243، وقال الخطيب: ما رأيت لمن تكلم فيه حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه.
قال الحافظ: إنما أنكروا عليه ادعاء السماع، ولم يُتَّهَم بالوضع، وليس في حديثه شيء من المناكير، وذكره ابن حبان في الثقات، أخرج له الشيخان، والمصنف، وابن ماجه. انتهى تت جـ 1 ص 64 - 65.
2 -
(ابن وهب) عبد الله المصري ثقة حافظ [9] تقدم في 9/ 9.
3 -
(مَخْرَمة بن بُكير) بن عبد الله بن الأشج القرشي مولى بني مخزوم، أبو المسور المخزومي المدني، صدوق -7 - .
روى عن أبيه، وعامر بن عبد الله بن الزبير.
روى عنه مالك، وابن لهيعة، وابن المبارك، وابن وهب، وغيرهم.
عن ابن وهب، قال: سمعت مالكا يقول: حدثني مخرمة بن
بكير، وكان رجلا صالحا، وقال أبو حاتم: سألت إسماعيل بن أبي أويس، قلت: هذا الذي يقول مالك بن أنس: حدثني الثقة من هو؟ قال مخرمة بن بكير بن الأشج. وقال الميموني عن أحمد: أخذ مالك كتاب مخرمة، فنظر فيه، فكل شيء يقول فيه بلغني عن سليمان بن يسار، فهو من كتاب مخرمة -يعني- عن أبيه عن سليمان. وقال أبو طالب: سألت أحمد عنه؟ فقال: ثقة، ولم يسمع من أبيه إنما يروي من كتاب أبيه، وقال ابن أبي خيثمة: قلت لابن معين: مخرمة بن بكير؟ فقال: وقع إليه كتاب أبيه، ولم يسمعه. وقال الدوري عن ابن معين: ضعيف وحديثه عن أبيه كتاب، ولم يسمعه منه، وقال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثا واحدا، وهو حديث الوتر، وقال سعيد بن أبي مريم، عن خاله موسى بن سلمة: أتيت مخرمة، فقلت: حدثك أبوك؟ فقال: لم أدرك أبي، هذه كتبه، وقال الدولابي: حدثنا أحمد ابن يعقوب، حدثنا علي بن المديني، قال: سمعت مَعْن بن عيسى يقول: مخرمة سمع من أبيه، وعرض عليه ربيعة أشباء من رأي سليمان ابن يسار، قال علي: ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان لعله سمع الشيء اليسير، ولم أجد أحدا بالمدينة يخبرني عن مخرمة أنه كان يقول في شيء من حديثه سمعت أبي، قال: وسمعت عليا، وقيل له: أيُّما أحب إليك، يحيى بن سعيد، أو مخرمة عن بكير؟ فقال: يحيى في معنى، ومخرمة في معنى، وجميعا ثقتان، ويحيى أشد، ومخرمة أكثر حديثا، ومخرمة ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه: صالح الحديث، قال: وقال ابن أبي إدريس: وجدت في ظهر كتاب مالك: سألت مخرمة عما يحدث به عن أبيه، فحلف لي ورب هذه البَنيَّة سمعت من أبي، وقال غيره: قيل لأحمد بن صالح: كان مخرمة من ثقات الناس؟ قال: نعم، وقال ابن عدي: وعند ابن
وهب، ومعن، وغيرهما، عن مخرمة أحاديث مستقيمةٌ، وأرجو أنه لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات سنة 159، في آخر ولاية المهدي، وقال: يحتج بحديثه من غير روايته عن أبيه، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، مات في أول ولاية المهدي. انتهى.
قال الحافظ: وهذا هو الصواب، لأن المهدي وُليَ الخلافة في أواخر سنة 58، وأقام فيها نحو 10 سنين، فلا يوصف آخر ولايته بأنه سنة 59، وقد أرخ ابن قانع وفاة مخرمة سنة 58، وقال الساجي: صدوق وكان يدلس. أخرج له (بخ م د س). اهـ تت جـ 10 ص 70 - 71.
4 -
(أبوه) بكير بن عبد الله بن الأشج مولى بني مخزوم المدني نزيل مصر ثقة [5] تقدم في 135/ 211.
5 -
(سليمان بن يسار) المدني أحد الفقهاء السبعة [3] ثقة ثبت فقيه تقدم في 112/ 156.
وأما عبد الله بن عباس، وعلي رضي الله عنهم فتقدما قبله.
(قال أبو عبد الرحمن) النسائي (مخرمة) بن بكير المذكور في هذا السند (لم يسمع من أبيه شيئا) يعني أن الحديث منقطع.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: هذا الإسناد مما استدركه الدارقطني، وقال: قال حماد بن خالد: سألت مخرمة هل سمعت من أبيك؟ فقال: لا، وقد خالفه الليث عن بكير فلم يذكر فيه ابن عباس، وتابعه مالك عن أبي النضر، هذا كلام الدارقطني، وقد قال النسائي أيضا في سننه: مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا، وروى النسائي هذا الحديث من طرق، وبعضها طريق مسلم هذه المذكورة، وفي بعضها عن الليث بن سعد، عن بكير، عن سليمان بن يسار، قال: أرسل علي المقداد .. هكذا أتى بها مرسلا.
وقد اختلف العلماء في سماع مخرمة من أبيه، فقال مالك رضي الله
عنه: قلت لمخرمة: ما حدثت به عن أبيك سمعته منه، فحلف بالله لقد سمعته، قال مالك: وكان مخرمة رجلا صالحا، وكذا قال معن بن عيسى: أن مخرمة سمع من أبيه، وذهب جماعات إلى أنه لم يسمعه، قال أحمد بن حنبل: لم يسمع من أبيه شيئا، إنما يروي من كتاب أبيه، وقال يحيى بن معين، وابن أبي خيثمة: يقال: وقع إليه كتاب أبيه، ولم يسمع منه. وقال موسى بن سلمة: قلت لمخرمة: حدثك أبوك؟ فقال: لم أدرك أبي ولكن هذه كتبه. وقال أبو حاتم: مخرمة صالح الحديث إن كان سمع من أبيه. وقال علي بن المديني: ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان بن يسار، ولعله سمع الشيء اليسير، ولم أجد أحدا بالمدينة يخبرني عن مخرمة، أنه كان يقول في شيء من حديثه: سمعت أبي. والله أعلم، فهذا كلام أئمة هذا الفن، وكيف كان فمتن الحديث صحيح من الطرق التي ذكرها مسلم، ومن الطريق التي ذكرها غيره، والله أعلم. انتهى كلام النووي جـ 2 ص 214.
قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن الحديث صحيح من طرق متعددة، فلا يضره الانقطاع في هذا الطريق، ولا الإرسال في الآتي. فتبصر، والله أعلم.
439 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَرْسَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه الْمِقْدَادَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْمَذْيَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، ثُمَّ لْيَتَوَضَّأْ".
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(سويد بن نصر) المروزي ثقة [10]، تقدم في 45/ 55.
2 -
(عبد الله) بن المبارك الحنظلي المروزي الإمام ثقة حجة -8 - تقدم في 32/ 36.
3 -
(الليث بن سعد) المصري الامام الثبت الفقيه [7] تقدم في 31/ 35.
وأما سليمان وعلي فتقدما قريبا، وكذا الحديث واضح مما مضى فلا حاجة إلى الاعادة.
تنبيهان:
الأول: أن هذا السند مرسل، كما قدمناه في كلام النووي رحمه الله وذلك لأن سليمان لم يدرك هذه الواقعة التي هي إرسال علي للمقداد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن القاعدة المقررة عند أهل الحديث: أن من روى حديثا فيه قصة أو واقعة، فإن أدرك ذلك الراوي ما رواه فهو متصل، وإن لم يدرك ذلك فهو مرسل، أو منقطع.
قال الحافظ السيوطي رحمه الله في ألفية الأثر:
وكُلُّ مَنْ أدْركَ مَالَهُ رَوَى
…
مَتَّصِلٌ وَغَيْرُهُ قَطْطًا
(1)
حَوَى
يعني أن من روى حديثا فيه قصة، أو واقعة، فإن أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين بعض الصحابة، والراوي لذلك صحابي أدرك تلك الواقعة فهو محكوم له بالاتصال، وإن لم يعلم أنه شاهدها، وإن لم يدرك تلك الواقعة فهو مرسل صحابي، وإن كان الراوي تابعيا فهو منقطع.
(1)
أي جمع انقطاعا بالمعنى اللغوي الشامل للإرسال.
وإن روى التابعي عن صحابي قصة أدرك وقوعها كان متصلا، وإن لم يدرك وقوعها وأسندها إلى الصحابي كانت متصلة، وإن لم يدركها، ولا أسند حكايتها إلى الصحابي فهي منقطعة.
مثال ذلك ما في مسند يعقوب بن أبي شيبة، من رواية أبي الزبير، عن محمد بن الحنفية، عن عمار، قال:"أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي فسلمت عليه، فرد عليَّ السلام" فجعله مسندا متصلا، وذَكَرَ روايةَ قيس بن سعد كذلك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفية: أن عمارا مَرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي" فجعله مرسلا، فجعل يعقوب الأول من المتصل، لأن ابن الحنفية أسند الحكاية إلى عمار حيث قال: عن عمار، قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم" وجعل الثاني من المرسل، لأنه لم يسند الحكاية إلى عمار، بل إلى نفسه مع أنه لم يدرك مروره.
ولابد من اعتبار السلامة من التدليس في التابعين، ومن بعدهم، وقد حكى أبو عبد الله بن المَوَّاق اتفاق أهل التمييز من أهل الحديث على ذلك في كتابه "بُغْيَة النُّقَّاد" عند ذكر عبد الرحمن بن طرفة:"أن جده عرفجة قطع أنفه يوم الكلاب" .. الحديث، فقال: الحديث عند أبي داود مرسل، وقد نبه ابن السكن على إرساله، فقال: فذكر الحديث مرسلا قال ابن المواق: وهو أمر بَيّنٌ لا خلاف بين أهل التمييز من أهل هذا الشأن في انقطاع ما يُروى كذلك إذا علم أن الراوي لم يدرك زمان القصة في الحديث. أفاده الحافظ أبو الفضل العراقي في شرح ألفيته في المصطلح، ونقلته منه في شرحي على ألفية الحديث للسيوطي المسمى "إسعافَ ذوي الوطر، في شرح ألفية الأثر"
(1)
.
(1)
هذا الشرح مختصر من الشرح المطول المسمى "فتح المعطي البر" لي أيضا لكنه لم يكمل، وأما المختصر فقد كمل، وطبع، وانتفع به طلبة العلم. والحمد لله.
لكن في نقل ابن المواق الاتفاق على هذا نظر، كما قال الحافظ رحمه الله. انظر فيما كتبه الحافظ السخاوي في فتح المغيث شرح ألفية الحديث جـ 1 ص 160 - 161.
الثافي: قوله: "ثم ليتوضأ" فيه عطف الإنشاء على الإخبار، وفيه الخلاف المشهور كما قال بعض الحذاق (من الرجز):
وَعَطْفُكَ الإنْشَا عَلَى الإخْبَارِ
…
وَعكسهُ فيه خلافٌ جَاِري
أهْلُ البَيَانِ وَابْنُ مَالك أَبَوا
…
مثْلَ ابْنِ عُصْفُور وَبِالجُلِّ اقتَدَوْا
وَجَوَّزَتْهُ فِرْقَةٌ قَليلَهْ
…
وَسيبَوَيْهَ وارْتَضَى دَليلَهْ
لكن قال العلامة السندي رحمه الله: قوله: "يغسل ذكره" خبر بمعنى الأمر، فصح عطف قوله:"ثم ليتوضأ" عليه، وفي بعض النسخ هما متوافقان، انتهى.
440 -
أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى مَالِكٍ وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنَ الْمَرْأَةِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ، فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَتَهُ وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ
أَسْأَلَهُ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:"إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ، وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ".
رجال هذا الإسناد: ستة
1 -
(عتبة بن عبد الله) بن عتبة اليُحْمديُّ أبو عبد الله المروزي صدوق من [10]، تقدم 81/ 98.
2 -
(مالك) بن أنس الإمام المدني الحجة [7] تقدم في 7/ 7.
3 -
(أبو النضر) سالم بن أبي أُمَيَّة مولى عمر بن عبيد الله التيمي المدني ثقة ثبت، وكان يرسل [5] تقدم في 96/ 121.
4 -
(سليمان بن يسار) تقدم قبله.
5 -
(المقداد بن الأسود) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البَهْراني، ثم الكندي، ثم الزهري، حالف أبوه كنْدَة، وتَبَنَّاه هو الأسودُ بن عبد يغوث الزهري، صحابي مشهور من السابقين، لم يثبت أنه كان ببدر فارس غيره، مات سنة 33، وهو ابن 70، تقدم في 112/ 156.
6 -
(علي بن أبي طالب) رضي الله عنه تقدم في 74/ 91.
وشرح الحديث واضح مما مضى.
وقوله: "فلينضح" أي فليغسل. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
29 - بَابُ الأمْر بالوُضُوء مِنَ النَّوْمِ
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على أمر من قام من نومه بأن يتوضأ لانتقاض وضوئه.
441 -
أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ".
رجال الإسناد: ستة
1 -
(عمران بن يزيد) هو ابن خالد بن مسلم القرشي نسب إلى جده دمشقي صدوق من [10] تقدم في 18/ 422 من كتاب الغسل.
2 -
(إسماعيل بن عبد الله) بن سَمَاعة العدوي مولاهم الرَّمْلي ثقة ثبت [8] تقدم في 45/ 56.
3 -
(الأوزاعي) أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الإمام الدمشقي، ثقة ثبت [7]، تقدم في 45/ 56.
4 -
(محمد بن مسلم الزهري) المدني ثقة حجة [4]، تقدم في 1/ 1.
5 -
(سعيد بن المسيب) المدني أحد الفقهاء الكبار الحجة الثبت [2] تقدم في 9/ 9.
6 -
(أبو هريرة) رضي الله عنه تقدم في 1/ 1.
والحديث تقدم مُستوفَى الشرح في 1/ 1، 116/ 161، فارجع إليه تزدد علمًا.
ومحل الشاهد منه هنا قوله: "فلا يدخل يده .. " الخ إذ النهي عن إدخال يده في الإناء يدل على عدم طهارة يده، فلو كان النوم غير ناقض للوضوء لما نهي من إدخال يده في الإناء، هذا هو الذي ظهر لي من توجيه استدلال المصنف به هنا، ولكن هذا الاستدلال غير واضح، والله أعلم.
وقال السندي: "فلا يدخل يده في الإناء" أي في الإناء الذي فيه ماء الوضوء، ولذا جاء في بعض الروايات "في الوضوء" بفتح الواو، فهذا يدل على أن الوقت وقت لإدخال اليد في الوَضُوء، وأخذ منه المصنف الترجمة. انتهى جـ 1 ص 100.
قال الجامع: وهذا أبعد وجه في الاستدلال به، لأنه لا يلزم من الوضوء في ذلك الوقت وجوبه على النائم، إذ يحتمل أن يتوضأ من غير إيجاب عليه، والله أعلم، وعليه التكلان.
442 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ، وَرَقَدَ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. مُخْتَصَرٌ.
رجال هذا الإسناد: خمسة
1 -
(قتيبة) بن سعيد البغلاني أبو رجاء ثقة ثبت [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(داود) بن عبد الرحمن العطار العبدي، أبو سليمان المكي، ثقة -8 - .
روى عن هشام بن عروة، وابن جريج، ومعمر، وابن خثيم، وغيرهم. وعنه ابن المبارك، وابن وهب، والشافعي، وسعيد بن منصور، وغيرهم.
قال إسحاق بن منصور، عن ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال إبراهيم بن محمد الشافعي: ما رأيت أحدا أعبد من الفضيل بن عياض، ولا أورع من داود بن عبد الرحمن، ولا أفرس في الحديث من ابن عيينة، قال أبو
داود: أخبرني ابن لداود: وُلد داود سنة 100، ومات سنة 175، وقال ابن حبان: مات سنة 74، قال: ومولده سنة 100 بمكة، قال: وكان متقنا من فقهاء أهل مكة، وكذا قال ابن سعد في تاريخ وفاته، وقال: كان كثير الحديث، وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، وقال
العجلي: مكي ثقة، ووثقه أيضا البزار، ونقل الحاكم عن ابن معين تضعيفه
(1)
، وقال الأزدي: يتكلمون فيه، أخرج له الجماعة. اهـ تت جـ 3 ص 192.
3 -
(عمرو) بن دينار المكي أبو محمد الجُمَحيّ ثقة ثبت [4]، تقدم في 112/ 154.
4 -
(كريب) مولى ابن عباس ثقة [3] تقدم في 161/ 256.
5 -
(ابن عباس) عبد الله الحبر البحر رضي الله عنه تقدم في 27/ 31.
شرح الحديث
(عن ابن عباس) رضي الله عنه، أنه (قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي، فـ "ذات" مقحمة، قال السندي: أي بعد ما توضأ، وتوضأت، كما جاء صريحا، لكن المصنف نبه بالترجمة على أن هذا المختصر محمول على ذلك المطول (فقمت عن يساره) أي في جهة يسار النبي صلى الله عليه وسلم لكونه لم يعرف محل قيام الواحد من الإمام (فجعلني عن يمينه) أي حولني عن اليسار، فجعلني عن جهة يمينه، وفيه بيان أن موقف الواحد من الإمام من جهة اليمين (فصلى) صلاة الليل ثلاث
عشرة ركعة، كما سيأتي بيان ذلك في كتاب قيام الليل، إن شاء الله تعالى (ثم اضطجع) أي وضع جنبه على الأرض، يقال: ضَجَعْتُ ضَجْعًا من باب نفَعَ، وضُجُوعا، وضَجَعْتُ جنبي بالأرض، وأضجعت بالألف لغة، فأنا ضاجع، ومُضجِع، وأضجعت فلانا بالألف، لا غير: ألقيته على جنبه، وهو حسن الضِّجْعَة -بالكسر- والمَضجَعُ -بفتح الميم-: موضع الضُّجوع والجمع مَضَاجع،
(1)
وفي "ت" لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه. اهـ.
واضطجع، واضَّجع، والأصل: افتعل، لكن من العرب من يَقْلبُ التاء طاء عند الضاد، ومنهم من يقلب التاء ضادا ويُدغمُها في الضاد تغليبا للحرف الأصلي، وهو الضاد، ولا يقال: اطَّجَع بطاء مشددة، لأن الضاد لا تدغم في الطاء، فإن الضاد أقوى منها، والحرف لا يدغم في أضعف منه، وما ورد شاذٌ، لا يقاس عليه اهـ المصباح جـ 1 ص 358.
(ورقد) أي نام، يقال: رَقَد رَقْدًا، ورُقُودًا ورُقَادًا: نام ليلا كان، أو نهارًا، وبعضهم يخصه بنوم الليل، والأول هو الحق. قاله في المصباح أيضا جـ 1 ص 234.
وإنما أتى بـ"رقد" بعد قوله: "اضطجع" لأن الاضطجاع لا يستلزم النوم، بل قد يكون وَضَع جنبه من دون أن ينام. والله أعلم.
(فجاءه الموذن) بلال (فصلى، ولم يتوضأ) لأن نومه لا ينفض وضوءه. (مختصر) خبر لمحذوف أي هذا الحديث مختصر، وهذا فيه إشارة إلى أن محل الترجمة في مطول الحديث، وهو: "فتوضأ كما تقدم في كلام السندي، لكن في الاستدلال به على إيجاب الوضوء من النوم نظر لا يخفى، والله أعلم.
وأما ما قاله بعض من شرح الكتاب من أن محل الشاهد قوله: "ولم يتوضأ" فغير صحيح، لأنه عكس المراد بالترجمة. فتبصر.
والحديث بطوله يأتي للمصنف في: كتاب قيام الليل 3/ 1620، وسيأتي تمام الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
443 -
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَرْقُدْ".
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(يعقوب بن إبراهيم) الدَّورقي الكوفي ثقة [10]، تقدم في 21/ 22.
2 -
(محمد بن عبد الرحمن الطُّفَاوي) أبو المنذر البصري، صدوق يهم -8 - .
روى عن هشام بن عروة، وأيوب، والأعمش، وغيرهم.
وعنه أحمد بن حنبل، وابن المديني، والدَّوْرَقي، وغيرهم.
قال أحمد: كان يدلس، وقال ابن معين: لم يكن به بأس، البصريون يرضون عنه، قال ابن المديني: كان ثقة، وقال أبو داود، وأبو حاتم: ليس به بأس، وزاد أبو حاتم: صدوق صالح، إلا أنه كان يَهمُ أحيانًا، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو زرعة أيضا: الطُّفَاوي صدوق إلا أنه يهم أحيانًا، وقال أبو حاتم الرازي أيضا: ضعيف الحديث، قال الدارقطني: قد احتج به البخاري، وقال ابن عدي: وعامة روايته إفرادات وغرائب، وكلها يحتمل، ويكتب حديثه، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما، وإنما ذكرته لأحاديث أيوب التي انفرد بها، وكل محتمل، ولا بأس به. قال
الحافظ: لكنه أورد ما رواها عن هشام بن عروة، والذنب فيها لغير الطُّفاوي، فإنها من رواية عمرو بن عبد الجبار السخاوي عن الطفاوي، وقد أورد له ابن عدي الحديث الأول في ترجمته، وهو المُتَّهَمُ به. انتهى تت جـ 9 ص 309 - 310.
وفي الخلاصة: قال ابن قانع: مات سنة 189، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والمصنف.
والحديث مضى مشروحا برقم 117/ 162، وذكره هناك تحت ترجمة "باب النعاس" والظاهر أن المصنف أراد الاستدلال بهذا الحديث على إيجاب الوضوء من النوم، لقوله:"فلينصرف"، لكن تقدم له أنه ترجم أولا "باب الوضوء من النوم" ثم ترجم بعده "باب النعاس" فظاهره أنه يرى الفرق بين النوم والنعاس، وهو الذي يؤيده تمام الحديث، حيث قال:"لعله يدعو على نفسه، وهو لا يدري" فتعليله الانصراف بالدعاء على نفسه يفيد أن وضوءه لا ينتقض بالنعاس، إذ لو انتقض لَبَيَّنَهُ.
وفيه أنه لا يبعد أن يعلل الشيء بعلتين، فذكر إحدى العلتين لا ينافي ثبوت العلة الأخرى، فلعل المصنف يرى أن الانصراف معلل بهما، فلذا أورده في هذا الباب، والله أعلم.
وتفاصيل المسألة في النوم مَرَّ في 116/ 161 مُستوفى فارجع إليه تستفد.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيق إلا بالله، عليه توكللت، وإليه أنيب".
30 - بَابُ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
444 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي بَكْرٍ- قَالَ عَلَى أَثَرِهِ: قَالَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَلَمْ أُتْقِنْهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ بُسْرَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ".
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(قتيية) بن سعيد البغلاني ثقة [10]، تقدم في 1/ 1.
2 -
(سفيان) بن عيينة المكي الإمام الحجة [8] تقدم في 1/ 1.
3 -
(عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني ثقة [5] تقدم في 118/ 163.
4 -
(عروة) بن الزبير المدني الفقيه ثقة ثبت [3] تقدم في 40/ 44.
5 -
(بسرة) بنت صفوان الأسدية صحابية لها سابقة وهجرة، عاشت إلى ولاية معاوية رضي الله عنه تقدمت في 118/ 163.
والحديث وما يتعلق به تقدم برقم 118/ 163 فارجع إليه تزدد علمًا.
وقوله: "قال على أثره" بفتحتين، أو بكسر فسكون -أي قال عقب قوله، يعني ابن أبي بكر، وقوله:"قال أبو عبد الرحمن" مقول: "قال"، وقوله:"ولم أتقنه" مقول "قال" الثاني، يعني أن المصنف قال بعد قوله:"يعني الخ": ولم أتقن هذا اللفظ عن شيخي قتيبة،
وقوله: "عن عروة" متعلق بحال محذوف من "عبد الله"، أي حال كونه راويًا عن عروة، وليس متعلقا بقوله:"لم أتقنه" فتنبه.
وقد تقدم الحديث له عن شيخه هارون بن عبد الله، عن مَعْن ح وشيخه الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم، كلاهما، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير .. الحديث 118/ 163.
وعن شيخه أحمد بن محمد بن المغيرة، عن عثمان بن سعيد، عن شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة .. الحديث 118/ 164.
فهو أتقنه عن هؤلاء الشيوخ فلا يضره عدم إتقانه عن قتيبة. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
445 -
أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ".
رجال الإسناد: سبعة
1 -
(عمران بن موسى) الفزاري الليثي أبو عمرو البصري صدوق [10] تقدم في 6/ 6.
2 -
(محمد بن سَوَاء) بن عَنْبَر السدوسي العنبري، أبو الخطاب البصري المكفوف، جَدُّهُ العنبر، يكنى أبا كَردَم، صدوق رمي بالقدر [9].
روى عن سعيد بن أبي عروبة، وجُلُّ روايته عنه، وشعبة، وحسين المعلم، وغيرهم.
وعنه ابنه سواء، وابن أخيه محمد بن ثعلبة، وغيرهم.
ذكره ابن حبان في الثقات، وكان يزيد بن زريع يقول: عليكم به، وقال الأزدي في الضعفاء: كان يغلو في القدر، وهو صدوق، وقال ابن المديني: هو من الطبقة السابعة من أصحاب الزهري، وقد سئل عنه ابن معين في ابن أبي عروبة؟ فقال: هو كخالد بن القاسم، وكان في
الذكاء يُشَبَّه بقتادة، مات سنة 187، وقيل: 189، أخرج له الشيخان، وأبو داود في الناسخ والمنسوخ، والترمذي، والمصنف، وابن ماجه.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الواسطي ثم البصري الحجة الثبت [7] تقدم في 24/ 26.
4 -
(معمر) بن راشد أبو عروة البصري ثم اليمني ثقة ثبت من كبار [7] تقدم في 1/ 1.
5 -
(الزهري) محمد بن مسلم المدني الحجة الثبت من كبار [4] تقدم في 1/ 1.
وعروة، وبسرة تقدما في الذي قبله.
وشرح الحديث واضح مما سبق،. وقوله:"أفضى" قال الحافظ السيوطي رحمه الله: قال الفقهاء: الإفضاء لغةً: المس ببطن الكف. انتهى. وبالله التوفيق، وعليه التكلان.
446 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَقَالَ: مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِيهِ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، فَأَرْسَلَ عُرْوَةُ، قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، فَقَالَ:"مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ".
رجال الإسناد: ستة
تقدموا في الذي قبله إلا اثنين:
1 -
(الليث) بن سعد الإمام المصري من [7] ثقة ثبت فقيه تقدم في 31/ 35.
2 -
(مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو عبد الملك الأموي المدني، ولي الخلافة في آخر سنة 60، ومات سنة 65 في رمضان، وله 3، أو 61 سنة ولا تثبت له صحبة. وتقدم في 118/ 163.
وتقدم الحديث أيضا هناك مشروحًا، وفيه قصة جرت بين عروة بن الزبير وبين مروان حيث إن عروة أنكر على مروان في قوله:"من مس الذكر الوضوء" قال عروة: فلم أزل أمَاري مروانَ، حتى دعا رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة، فسألها عما حدثت مروان، فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان.
قال الجامع: ولا تناقض بين قوله هنا: "فأرسل عروة" وبين ما هناك من أن المُرسلَ هو مروان لإمكان حمل قوله: "فأرسل عروة" على أنه طلب من مروان أن يرسل، والله أعلم، وعليه التكلان.
447 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَضَّأَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
رجال الإسناد: خمسة
1 -
(إسحاق بن منصور) بن بَهْرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من [11]، تقدم في 72/ 88.
2 -
(يحيى بن سعيد) أبو سعيد القطان البصري ثقة ثبت [9] تقدم في 4/ 4.
3 -
(هشام بن عروة) المدني ثقة ثبت فقيه [5] تقدم في 49/ 61.
وأما عروة، وبسرة فتقدما قريبا. وشرح الحديث واضح مما مر.
وقول المصنف رحمه الله: "هشام لم يسمع من أبيه هذا الحديث"
قال مثلَه قبله شعبةُ، كما يأتي قريبا، وهذا عجيب منه بعد تصريح هشام بإخبار أبيه له في سنده، وقد خالف شعبةَ يحيى بنُ سعيد، وهو الصواب كما يأتي قريبًا.
قال الحافظ رحمه الله في "التلخيص الحبير": ما نصه: طَعَنَ الطحاوي في رواية هشام بن عروة عن أبيه، لهذا الحديث بأن هشاما لم يسمعه من أبيه، إنما أخذه عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، وكذا قال النسائي: إن هشاما لم يسمع هذا من أبيه، وقال الطبراني في الكبير: حدثنا على بن عبد العزيز، حدثنا حجاج، حدثنا همام، عن هشام، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو عن عروة ..
قال الحافظ: وهذه الرواية لا تدل على أن هشاما لم يسمعه من أبيه، بل فيها أنه أدخل بينه وبينه واسطة، والدليل على أنه سمعه من أبيه أيضا ما رواه الطبراني أيضا: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن سعيد، قال: قال شعبة: لم يسمع هشام حديث أبيه في مس الذكر، قال يحيى: فسألت هشاما، فقال: أخبرني أبي. ورواه الحاكم من طريق عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، حدثني أبي. وكذا هو في مسند أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، حدثني أبي.
قال الجامع عفا الله عنه: وكذا هو عند المصنف، قال: أخبرني أبي فصرح بالإخبار.
قال الحافظ رحمه الله: ورواه الجمهور من أصحاب هشام عنه، عن أبيه بلا واسطة، فهذا إما أن يكون هشام سمعه من أبي بكر، عن أبيه، ثم سمعه من أبيه، فكان يحدث به تارة هكذا، وتارة هكذا، أو يكون سمعه من أبيه وَثَبَّتهُ فيه أبو بكر، فكان تارة يذكر أبا بكر، وتارة لا يذكره
وليست هذه العلة بقادحة عند المحققين. انتهى كلام الحافظ رحمه الله
(1)
(1)
التلخيص الحبير جـ 1 ص 123.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الحافظ هو التحقيق الحقيق بالقبول، فلا تَعْدلْ إلى ما عداه من النقول، والله ولي التوفيق للهداية والرشاد، يهب لمن يشاء من عباده الصواب والسداد.
ووقع في النسخة الهندية زيادة نصه: "آخر كتاب الغسل والتيمم من المجتبى".
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
"سبحانك ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين".
"سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك"
قال الجامع الفقير عفا الله عنه ما مضى من التفريط والتقصير:
هذا آخر ما كتبته من شرح الكتب الأربعة من كتاب الطهارة، وهو مشتمل على أربع تراجم: 1 - "تأويل قول الله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} " 2 - و "كتاب المياه" 3 - و"كتاب الحيض والاستحاضة"، 4 - و"كتاب الغسل والتيمم".
انتهيت منه وقت العصر يوم الخميس المبارك الثامن من شهر المحرم سنة 1413 هـ، وذلك في منزلي بمكة المكرمة في حيّ الهنداوية.
أسال الله تعالى أن ييسر لي إتمام ما تبقى من الكتاب، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.
* * *
ويليه الجزء السادس إن شاء الله تعالى، وأوله:"كتاب الصلاة".