المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم (1) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وآلِهِ - ذيل طبقات الحنابلة - لابن رجب - ت العثيمين - جـ ١

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلِّمْ

(1)

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ الطَّيِّبَاتِ الطَّاهِرَاتِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ. قَالَ الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ

(2)

، العَامِلُ، الزَّاهِدُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، زَيْنُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ، الإِمَامِ، العَالِمِ، المُقْرِئِ، شِهَابِ الدِّيْنِ، أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ حَسَنِ بنِ رَجَبٍ

(3)

رحمهم الله

(1)

- (1) في (أ) و (ب) وفي (جـ): "ربّ يَسِّر يَا كَرِيْمُ" وفي (د): "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَشْرَفِ خَلْقِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وسَلِّمْ" وهَذِهِ عِبَارَاتُ النُّسَّاخِ، وَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ المُؤَلِّفِ.

(2)

بعدها في (ط) بطبعتيه: "المُقْرِئُ" عن (هـ).

(3)

في (جـ): "أَحْمَدُ بنُ حَسَنِ بنِ حَسَنِ. . ." كأنَّهَا سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ، وَعَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ (أ) عَلَّق ابنُ حُمَيْدٍ النَّجْدِيُّ بخطِّه عَلَى هَامِشِ الوَرَقَةِ بِمَا يَلِي:"في الدُّرَرِ لابنِ حَجَرٍ: وَالِدُهُ أَحْمَدُ بنُ حُسَيْنِ بنِ حَسَنِ، واسْمُ رَجبٍ عَبْدُ الرَّحْمَن، وَسُمِّيَ رَجَبًا؛ لأنَّهُ وُلِدَ فِي رَجَبٍ".

يقُوْلُ الفَقِيْرُ إلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَان العُثَيْمِيْنَ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -: لَعَلَّهَا كذلِكَ فِي نُسْخَةِ ابنُ حُمَيْدٍ من "الدُّرَرِ" وإلَّا فالمَوْجُوْدُ في "الدُّررِ"(1/ 140): "أَحْمَدُ بنُ رَجَبِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَسْعُوْدٍ. . ." دُوْنَ إِضَافَةِ "حُسَيْن" وَبِتَأْخِيْرِ "الحَسَن" عَن "رَجَبٍ". وَقَدْ ذَكَرَ تَرْجَمَةَ "رَجَبٍ" في الدُّرَرِ (2/ 199) فَقَالَ: "رَجَبُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي البَرَكَاتِ بنِ مَسْعُوْدٍ" فَزَادَ "ابن" بَيْنَ "مَسْعُوْدٍ" و"أَبي البَرَكَاتِ" وَتَحْقِيْقُ الدُّرَرِ غَيْرُ مَوثُوْقٍ بِهِ، وَأَوْثَق مِنْهُ مَا ذَكَرَه الإمَامُ المُقْرئُ أَحْمَدُ بنُ رَجَبٍ وَالدُ المُؤَلِّفِ الحَافِظِ حَيْثُ ذَكَرَ أَبَاهُ في "مَشْيَخَتِهِ":"المُنْتَقَى"(الشَّيْخُ التَّاسِعَ عَشَرَ) فَقَالَ: "رَجَبُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي البَرَكَاتِ مَسْعُوْدٍ البَغْدَادِيُّ فَـ "أَبُو البَرَكَاتِ" هُوَ نَفْسُهُ "مَسْعُوْدٌ".

وَهَذِهِ الدِّيباجَةُ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ ابنِ رَجَبٍ رحمه الله؛ لأَنَّ فِيْهَا إِطْرَاءٌ لَهُ، وإِنَّمَا =

ص: 1

تَعَالَى

(1)

-: هَذا كِتَابٌ جَمَعْتُهُ، وَجَعَلْتُهُ ذَيْلًا عَلَى كِتَابِ "طَبَقَاتِ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ" للقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بنِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى - رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى -. وَابْتَدَأْتُ فِيْهِ بِأَصْحَابِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَجَعَلْتُ تَرْتِيْبَهُ عَلَى الوَفَيَاتِ. وَاللهُ تَعَالَى

(2)

المَسْئُوْلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ.

‌1 - عَلِيُّ بنُ طَالِبِ

(3)

[بنِ مُحَمَّدِ]

(4)

بنِ زِبِبْيَا البَغْدَادِيُّ، أَبُو الغَنَائِمِ.

مِنْ قُدَمَاءِ

= هِيَ من كَلَامِ نَقَلَةِ الكِتَابِ أَوْ رُوَاتِهِ؛ لِذلِكَ، هي سَاقِطَةٌ من (د) تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُهَا وَعِبَارَاتُهَا في بَعْضِ النُّسَخِ غَيْرُ المُعْتَمَدَةِ هُنَا اخْتِلَافًا ظَاهِرًا.

(1)

زَادَ في (ط) بطبعتيه بعدها: "برحمته" عن (هـ) أيضًا.

(2)

ساقطة من (ط) بطبعتيه.

(3)

1 - أَبُو الغَنَائِمِ بنُ زِبِبْيَا (؟ - 460 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 427)، وَمُخْتَصَرِهِ (389)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (628)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 2)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 228)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 377)، وَمُخْتَصَرِهِ (1/ 203). وَيُراجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 159).

وفي (هـ): "عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ. . ." وَكَذَا في (ط) الفقي، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنَ الناسِخِ، تَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِهِ اسمُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْن عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، ثُمَّ رَأَيْتُ هَذِهِ الإضَافَة فِي نُسْخَةِ الأُسْكُوريَال مِنَ "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" مَعَ أَنَّهَا نُسْخَةٌ جَيِّدَةٌ مَوْثُوْقَةٌ؟! لَمَّا نَقَلَ فَوَائِدَ عَنِ ابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ (ورقة: 49). وفِي هَامِشِ (أ) بخَطِّ ابنِ حُمَيْدٍ النَّجْدِيِّ المَكيّ ضَبَطَ "البَغْدَادِيُّ" وَقَيَّدَهَا، وَمِثْلُ هَذِهِ النِّسْبَة لا تَحْتَاجُ إِلَى ضَبْطٍ وتَقْييدٍ؛ لاشْتِهَارِهَا.

- وَابنُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ (ت: 511 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

(4)

ساقطٌ من (ط) الفقي.

ص: 2

تَعَالَى

(1)

-: هَذا كِتَابٌ جَمَعْتُهُ، وَجَعَلْتُهُ ذَيْلًا عَلَى كِتَابِ "طَبَقَاتِ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ" للقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بنِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى - رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى -. وَابْتَدَأْتُ فِيْهِ بِأَصْحَابِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَجَعَلْتُ تَرْتِيْبَهُ عَلَى الوَفَيَاتِ. وَاللهُ تَعَالَى

(2)

المَسْئُوْلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ.

1 -

عَلِيُّ بنُ طَالِبِ

(3)

[بنِ مُحَمَّدِ]

(4)

بنِ زِبِبْيَا البَغْدَادِيُّ، أَبُو الغَنَائِمِ. مِنْ قُدَمَاءِ

= هِيَ من كَلَامِ نَقَلَةِ الكِتَابِ أَوْ رُوَاتِهِ؛ لِذلِكَ، هي سَاقِطَةٌ من (د) تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُهَا وَعِبَارَاتُهَا في بَعْضِ النُّسَخِ غَيْرُ المُعْتَمَدَةِ هُنَا اخْتِلَافًا ظَاهِرًا.

(1)

زَادَ في (ط) بطبعتيه بعدها: "برحمته" عن (هـ) أيضًا.

(2)

ساقطة من (ط) بطبعتيه.

(3)

1 - أَبُو الغَنَائِمِ بنُ زِبِبْيَا (؟ - 460 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 427)، وَمُخْتَصَرِهِ (389)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (628)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 2)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 228)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 377)، وَمُخْتَصَرِهِ (1/ 203). وَيُراجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 159).

وفي (هـ): "عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ. . ." وَكَذَا في (ط) الفقي، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنَ النَّاسِخِ، تَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِهِ اسمُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْن عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، ثُمَّ رَأَيْتُ هَذِهِ الإضَافَة فِي نُسْخَةِ الأُسْكُوريَال مِنَ "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" مَعَ أَنَّهَا نُسْخَةٌ جَيِّدَةٌ مَوْثُوْقَةٌ؟! لَمَّا نَقَلَ فَوَائِدَ عَنِ ابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ (ورقة: 49). وفِي هَامِشِ (أ) بخَطِّ ابنِ حُمَيْدٍ النَّجْدِيِّ المَكِّيِّ ضَبَطَ "البَغْدَادِيُّ" وَقَيَّدَهَا، وَمِثْلُ هَذِهِ النِّسْبَة لا تَحْتَاجُ إِلَى ضَبْطٍ وتَقْييدٍ؛ لاشْتِهَارِهَا.

- وَابنُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ (ت: 511 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

(4)

ساقطٌ من (ط) الفقي.

ص: 3

أَصْحَابِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، بَعْدَهُ بِنَحْوِ سَنَةٍ، وَدُفِنَ قَرِيْبًا مِنْهُ، رحمه الله.

وَذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ

(1)

قَالَ: كَانَ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَلَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ المَهْدِيِّ لِلْمُنَاظَرَةِ، رَوَى عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَانَ، وَنَصْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الآمِدِيِّ، رَوَى عَنْهُ القَاضِي عَزِيْزِيُّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الجِيْلِيُّ

(2)

. ثُمَّ أَرَّخَ وَفَاتَهُ يَوْمَ الخَمِيْسِ ثَانِي عِشْرِيْنَ شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَة، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الغَدِ بِجَامِعِ القَصْرِ. وَكَانَ لَهُ جَمْعٌ كَثِيْرٌ.

"زِبِبْيَا" قَيَّدَهُ ابنُ نُقْطَةَ

(3)

: بِكَسْرِ الزَّاي، وَكَسْرِ البَاءِ المُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ

(1)

في (ط): "النَّجَّادُ" خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَالمَقْصُوْدُ ابنُ النَّجَّارِ المُؤَرِّخُ المَشْهُوْرُ، اسمُهُ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ، مُحِبُّ الدِّيْن بنُ النَّجَّارِ البَغْدَادِيُّ (ت: 643 هـ). صَاحِبُ "الذَّيْل عَلَى تَارِيْخ بَغْدَادٍ" وَاسمُهُ كَامِلًا: "التَّارِيْخُ العَامِّ المُجَدِّدُ لِمَدِيْنَةِ السَّلَامِ وَأَخْبَارُ فُضَلَائِهَا الأَعْلَام ومن وَرَدَهَا مِنْ عُلَمَاءِ الأنَامِ". وَهُوَ مِنْ أَجْمَعِ الكُتُبِ الَّتي ذَكَرَتْ ترَاجِمَ العُلَمَاءِ، وَلَوْ وَصَلَنَا كَامِلًا لَظَفَرْنَا بِأَعْدَادٍ كَبِيْرَةٍ من عُلَمَاءِ الحَنَابِلَةِ؛ لأَنَّهُ سَجَّلَ تَرَاجِمَ فَتْرَةٍ مِنْ أَخْصَبِ الفتَرَاتِ العِلْمِيَّةِ، وَفِيْهَا ازْدِهَارُ المَذْهَبِ وَكَثْرَةُ رِجَالِهِ، وَقَدْ أَفَدْتُّ كَثيْرًا مِنَ القِطَعِ المَوْجُوْدَةِ المَطْبُوْعَةِ مِنْهُ، فِي إِضَافَةِ أَعْدَادٍ لَا بَأْسَ بِهَا مِنْ عُلَمَاءِ المَذْهَبِ، مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْهُمُ الحَافظُ ابنُ رَجَبٍ رحمه الله، وَتَرْجَمَةُ الحَافِظِ ابنِ النَّجَّارِ مَعْرُوْفَةٌ تَجِدْهَا في: مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (19/ 49)، وَعُقُوْدِ الجُمَانِ مِنْ شُعَرَاءِ هَذَا الزَّمَان لابنِ الشَّعَّارِ (6/ ورقة: 217)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (23/ 131)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (8/ 98)

وَغَيْرِهَا.

(2)

هُوَ القَاضِي المَعْرُوْفُ بلَقَبِهِ "شَيْذَلَةَ"(ت: 494 هـ) شَافِعِيُّ المَذْهَبِ. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 126)، وَذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَاد لابنِ النَّجَّارِ (2/ 254)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 174)، وطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الكُبْرَى (3/ 287)، وَلَقَبُهُ في نُزْهَةِ الأَلْبَابِ لابنِ حَجَرٍ (1/ 411).

(3)

مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الغَنِي (ت: 626 هـ) وهوَ حَنْبَلِيٌّ، ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ - كَمَا =

ص: 4

بَعْدَهَا يَاءٌ أُخْرَى مِثْلُهَا سَاكِنَةٌ، وَيَاءٌ مَفْتُوْحَةٌ مُعْجَمَةٌ مِنْ تَحْتِهَا بِاثْنَتَيْنِ.

وَقَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: كَانَ مِنْ أَصحَابِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى أَرْبَابِ الحِلَقِ: ابنُ البَازْكُرْدِيِّ

(1)

، وَابنُ زِبِبْيَا، فَقِيْهَانِ مُفْتِيَانِ، وَلَهُمَا حَلْقَتَانِ بِجَامِعِ الرُّصَافَةَ، يقُصَّانِ الفِقْهَ شَرْحًا لِلْمَذْهَبِ، عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِعُ بِهِ العَوَامِّ.

‌2 - عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القِرْمِيْسِيْنِيُّ

(2)

أَبُو مَنْصُوْرٍ، ذَكَرَهُ أَبُو الحُسَيْنِ،

وَقَالَ:

= سَيَأْتِي -، والنَّصُّ في كِتَابِهِ التَّقْييدِ (2/ 710)، في تَرْجَمَةِ وَلَدِهِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، ويُرَاجع: تَكْمِلَةُ الإكمَالِ لابنِ نُقْطَة أَيْضًا (2/ 709)، وعنه في التَّوضِيْحِ لابنِ نَاصِر الدِّين (4/ 190).

(1)

ابنُ البَازْكُرْدِيِّ هَذَا عَالِمٌ حَنْبَلِيٌّ كَمَا تَرَى؟! وَهُوَ غَيْرُ مُتَرْجَمٍ هُنَا، وَحَقُّهُ أَنْ يُذكرَ، وَلَم يَرِدْ لَهُ ذِكْرٌ في كُتُبِ الطَّبَقَاتِ وَالتَّرَاجم - فِيْمَا أَعْلَمُ - وَنِسْبَتُهُ غَرِيْبَةٌ، وَهِيَ - فِيْمَا يَظْهَرُ - نِسْبَةً إِلَى بَلَدٍ، وَلَمْ أَجِدِ النِّسْبَةَ في كُتُبِ الأنْسَابِ، ولَا في كُتُبِ المَوَاضِع - إِنْ كَانَ ثَمَّتَ مَوْضِعٌ - فَعَسَى اللهُ أَنْ يُوَفِّقَنَا إِلَى الوُقُوْفِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِ. وَرَأَيْتُ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" ورقة (188):"البَازكُلِّي" وَذَكَرَ عُلَمَاءَ أَفَاضِلَ، ذَكَرَهُم أَيْضًا يَاقُوْتٌ الحُمَوِيُّ في "بَازْكُلّ" في مُعْجَمِ البُلْدَانِ (10/ 382) نِسْبَةً إِلَى مَوْضِعٍ قُرْبِ البَصْرَةِ، وَهُمْ مُعَاصِرُوْنَ للمَذْكُوْرِ إلَّا أَنَّهُمْ شَافِعِيَّةٌ، مَعَ هَذَا الاخْتِلافِ فِي النِّسْبَةِ. وَذَكَرَ يَاقُوْتٌ فِي "مُعْجَم البُلدان" (1/ 3892):"البَازْكِنْدِيُّ" وَهُوَ غَيْرُ المُذْكُوْرِ هُنَا بِكُلِّ تَأْكِيْدٍ مَعَ مُعَاصَرَتِهِ لَهُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُمَا؛ لقُرْبِهِمَا مِنْ هَذِهِ النِّسْبَةِ خَشْيَةَ أَنْ تَكُوْنَ مُحَرَّفَةً عَن إِحْدَاهُمَا.

(2)

2 - أَبُو مَنْصُوْرٍ القِرْمِيْسِيْنِيُّ (374 - 460 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 428)، ومُختصرِهِ (389)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 220)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 378)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 302). وَيُراجع: ذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّار (3/ 343) عَنِ "الطَّبَقَاتِ" للقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ دُوْنَ زِيَادَةٍ. وَ"القِرْمِيْسِينِيُّ" بِكَسْرِ القَافِ، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، وَكَسْرِ المِيْمِ. وَالسِّيْنُ المُهْمَلَةُ المَكْسُوْرَةُ، بَيْنَ اليَاءَيْنِ السَّاكِنَتَيْنِ آخِرِ الحُرُوْفِ. وَالنُّوْنُ فِي آخِرِهَا كَذَا قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ في =

ص: 5

أَحَدُ مَنْ عَلَّقَ عَنِ الوَالِدِ مِنَ الخِلَافِ وَالمَذْهَبِ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ، وَزَوَّجَ ابْنَتَهُ لأَبِي عَلِيِّ بنِ البَنَّاءِ، وَأَوْلَدَهَا أَبَا نَصْرٍ

(1)

. وَتُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ

= الأنْسَابِ (10/ 110)، وَقَالَ:"هَذِهِ النِّسْبَةُ إلى "قِرْمِيْسِيْنَ" وَهِيَ بَلْدَةٌ بِجِبَالِ العِرَاقِ، عَلَى ثَلَاثِيْن فَرْسَخًا مِنْ "هَمَذَانَ"، عَندَ "دِيْنَوَرَ" عَلَى طَرِيْقِ الحَاجِّ، قَالَ: بِتُّ بِهَا لَيْلَتَيْنِ، يُقَالُ لَهَا: "كرمان شاهان". . .". وَيُراجع: معجم البُلدان (4/ 375).

أَقُوْلُ - وعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: لَا تَزَالُ عَلَى تَسمِيَتِهَا، وَيُقَالُ لَهَا اليوْمَ: كِرْمَان شَاه، وَلَمْ يَذْكُرْ لَا هُوَ وَلَا السَّمْعَانِيُّ المُتَرْجَمَ هُنَا، وذَكَرَ السَّمْعَانيُّ مِنَ المَنْسَوْبِيْنَ إِلَيْهَا: أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَكَرِ بنِ بَكْرَانَ الخَيَّاطُ القِرْمِيْسِيْنِيُّ، سَكَنَ "بَغْدَادَ"، وَهُوَ وَالِدُ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ العَزِيزِ الأَزَجِيِّ، كَانَ فَقِيْهًا، صَدُوْقًا، تَفَقَّهَ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. . ." كَذَا قَالَ.

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: أَبُو الحَسَنِ هَذَا وَابْنُهُ عَبْدُ العَزِيْزِ وَهُوَ أَكثَرُ مِنْ أَبِيْهِ شُهْرَةً، وَيُعْرَفُ بِـ "الأَزَجِيِّ" كَانَ الحَافظُ الخَطِيْبُ يَعْتَمِدُ أَقْوَالَ عَبْدِ العَزِيْزِ في الرِّجَالِ فِي كِتِابِهِ "تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لَمْ يَذْكُرَا فِي طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ؟! اسْتَدَرَكْتُهُمَا عَلَى "الطَّبقَاتِ"(1/ 47).

(1)

ابنُ البَنَّاءِ هُوَ الإمَام المَشْهُوْرُ الحَسَن بنُ أَحْمَدَ (ت: 471 هـ) وابنُهُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ (ت: 510 هـ) ذَكَرَهُمَا المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

ويُسْتَدْرَكُ عَلى المُؤلِّفِ رحمه الله في وَفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَةِ:

1 -

عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بن يُوْسُفُ، الشَّيْخُ الفَاضِلُ، وَالعَالِمُ الكَبِيْرُ، المُلَقَّبِ بـ "الشَّيْخِ الأَجَلِّ" كَذَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ سِبْطُ أَبِي الحَسَنِ أَحْمَدَ السُّوْسَنْجَرْدِيِّ الحَنْبَلِيِّ (ت: 402 هـ) طَبَقَاتُ الحَنَابِلَةِ (3/ 303). قَالَ الحَافِظُ الخَطِيْبُ فِي "تَارِيْخِ بَغْدَادَ"(10/ 434) فِي تَرْجَمَةِ ابنِ يُوْسُفَ هَذَا: "كَانَ أَوْحَدَ وَقْتِهِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ، وَدَوَامِ الصَّدَقَةِ والإِفْضَالِ عَلَى العُلَمَاءِ، وَالنُّصْرَةِ لأَهْلِ السُّنَّةِ، وَالقَمْعِ لأهْلِ البِدَعِ" وَقَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "كَانَ له صُوْرَةٌ كَبِيْرَةٌ عَنْدَ الخَلِيْفَةِ، وَحُرْمَةٌ زَائِدَةٌ، وَكَانَ رَئيْسَ "بَغْدَادَ" وَصَدْرَهَا في وَقْتِهِ، مَعَ الدِّيْن وَالمُرُوْءَةِ، وَالصَّدَقَاتِ الوَافِرَةِ".

يَقُوْلُ الفَقِيْرُ إلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُلَيْمَان العُثَيْمِيْن - عَفَا اللهُ عَنْهُ -: وَهُوَ =

ص: 6

عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ".

‌3 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ

(1)

بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ تَوْبَةَ العُكْبَرِيُّ، الخَيَّاطُ الأَدِيْبُ

= وَالدُ وَجَدُّ أُسْرَةٍ كَبِيْرَةٍ فِيْهَا كَثِيْرٌ مِنَ العُلَمَاءِ والعَالِمَاتِ، اشْتُهِرُوا بِالصَّلَاحِ وَالزُّهْدِ وَالرِّوَايَةِ، اسْتَمَرَّتْ هَذِهِ الأُسْرَةُ أَجْيَالًا، وَجَمِيْعُهُم مِمَّن يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ، نَذْكُرُهُمْ فِي وَفَيَاتِهِمْ إنْ شَاءَ اللهُ. كَمَا اشْتُهِرَ بِالعِلْمِ مِنْ مَمَالِيْكِهِ مِمَّن يَنْتَسِبُ إِلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَهُوَ مَنْسُوْبٌ إِلَيْهِ "اليُوْسُفِيُّ" سُعُوْدٌ اليُوْسُفِيُّ وَأَبْنَاؤُهُ يَحْيَى بنُ سُعُوْدٍ (ت: 569 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَخَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ سُعُوْدٍ (ت: 575 هـ) وَعَلِيُّ بنُ سُعُوْدٍ (ت: 597 هـ) اسْتَدْرَكْتُهُمَا فِي مَوْضِعَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

3 - ابنُ تَوْبَةَ العُكْبَرِيُّ (؟ - 461):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى فِي "طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ"، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ النَّابُلُسِيُّ في "مُخْتَصَرِهِ"، وَهُوَ في المَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 39)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 379)، وَمُختَصَرِهِ "الدُّر المُنَضَّدِ"(2/ 302)، وَأَشَارَ مُحَقِّقُ "المَنْهَجِ" فِي الهَامِشِ إِلَى "الطَّبقَاتِ"؟!

وَ"العُكْبَرِيُّ" نِسْبَةٌ إِلَى "عُكْبَرَا" بِضَمِّ العَيْنِ، وَفَتْحِ اليَاءِ المُوَحَّدَةِ، وَقِيْلَ: بِضَمَّ البَاءِ أَيْضًا، وَالصَّحِيْحُ فَتْحُهَا، بَلْدَةٌ عَلَى الدِّجْلَةِ فَوْقَ "بَغْدَادَ" .. كَذَا قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَانْتَسَبَ هَذِهِ النِّسْبَةَ كَثِيْرٌ مِنَ العُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَثِيْرٌ مِنْهُم مِنَ الحَنَابِلَةِ، وَقَدْ مَرَّتْ في "الطَّبَقَاتِ" وَسَتَأْتِي مِرَارًا، وَيُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (9/ 27)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (4/ 160).

وَلَعَلَّ من ذَوِي قَرَابَتِهِ:

- عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ أحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بن تَوْبَةَ العُكْبَرِيُّ (ت: 535 هـ).

- وَأخُوْه مُحَمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الجَبَّارِ بن تَوْبَةَ العُكْبَرِيُّ (ت: 535 هـ) أَيْضَا.

ذَكَرَهُمَا الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِ الإِسْلَامِ" فِي وَفَيَاتِ السَّنَةِ المَذْكُوْرَةِ، وَيَظْهَرُ أنَّهُمَا شَافِعِيَّانِ؛ لِقِرَاءَتِهِمَا الفِقْهَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَقِ الشِّيْرَازِيِّ، الإمَامِ، المَشْهُوْرِ، شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ بِـ "بَغْدَادَ"، وَإِنْ كَانَ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَلَمْ أَسْتَدْرِكْهُمَا؛ لِعَدَمِ الجَزْمِ بذلِك.

ص: 7

الكَاتِبُ، أَبُو مُحَمَّدٍ. رَوَى عَنِ الأَحْنَفِ العُكْبَرِيِّ

(1)

مِنْ شِعْرِهِ. رَوَى عَنْهُ الخَطِيْبُ.

وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَابِعَ عَشَرَ مُحَرَّمٍ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَة.

(1)

هُوَ عَقِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْد الوَاحِدِ (ت: 385 هـ) ذَكَرَهُ الحَافِظُ الخَطِيْبُ فِي تَارِيْخِ بَغْدَادَ (12/ 301) وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. وَتَحَدَّثْتُ عَنْ دِيْوَانِهِ في هَامِشِ "طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ" فِي تَرْجَمَةِ رَاوِي الدِّيْوَانِ الحَسَنِ بنِ شِهَابٍ العُكْبَرِيِّ (ت: 428 هـ) وَطُبِعَ الدِّيوَانُ سَنَةَ (1420 هـ) وَهِيَ طَبْعَةٌ لَا تَحْمِلُ مَكَانَ الطَّبْعِ وَلَا اسْمَ النَّاشِرِ أَوِ المُوَزِّع؟! وَاسْتَدْرَكَ نَاشِرُ الدِّيْوَانِ مَجْمُوْعَةً مِنْ شِعْرِهِ عَنْ "يَتِيْمَةِ الدَّهْرِ" وَغَيْرِهِ، وَفَاتَهُ أَشْعَارٌ لَهُ فِي "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لابنِ النَّجَّارِ، وَ"المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" للحَافِظِ السِّلَفِيِّ

وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ مِنْ رُوَاةِ دِيْوَانِهِ صاحِبَنَا المُتَرْجَمَ عَبْدَ اللهِ بنَ تَوْبَةَ العُكْبَرِيِّ الخَيَّاطَ، ومِنْ رُواةِ الدِّيْوَانِ أَيضًا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عِيْسَى بنِ مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيُّ، وَعُبَيْدُ الله بنُ أَحْمَدَ بنِ قَاسِمٍ العَاقُوْلِيُّ.

(فائدةٌ):

2 -

عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ قَاسِمٍ العَاقُوْلِيُّ هَذَا مِمَّن يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ في "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَاد"(2/ 34) وَقَالَ: "أَبُو القَاسِمِ الحَنْبَلِيُّ، من أَهْلِ "دَيْرِ العَاقُوْلِ"، رَوَى عَنْ أَبِي الحَسَنِ عَقِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَحْنَفِ العُكْبَرِيِّ شَيْئًا مِن شِعْرِهِ، رَوَى عَنْه وَلَدُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ. . ." وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ، لِذلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ مُسْتَدْرَكًا عَلَى القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ، لا عَلَى المُؤَلِّفِ.

3 -

كمَا يُسْتَدرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله وَلَدُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله المَذْكُوْرُ وَ"دَيْرُ العَاقُوْلِ" المَنْسُوْبُ إِلَيْهِ بَلْدَةٌ بَيْنَ "المَدَائِنِ" - مَدَائِنِ كِسْرَى - وَ"النُّعْمَانِيَّةِ" بَيْنَهُ وَبَيْنَ "بَغْدَادَ" خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، عَلَى شَاطِئ دِجْلَةَ

كَذَا قَالَ يَاقُوْتٌ فِي "مُعْجَمِ البُلدانِ"(2/ 590). وَجَمَعَ الدِّيَارَاتِ أَبُو الفَرَج الأصْبَهَانِيُّ صَاحِبُ "الأَغَانِي" وَكِتَابُهُ مَطْبُوْعٌ، وَجَمَعَهَا أبُو الحَسَن الشَّابُشْتِيُّ، وَكِتَابُهُ مَطْبُوْعٌ، ثُمَّ جَمَعَهَا يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ في كِتَابٍ خَاصٍّ اسمُهُ:"الخَزل والحذأل" وهو مَطْبُوْعٌ حَدِيْثًا سَنَةَ (1998 م) بِدِمَشْق وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 8

(1)

ذَكَرَهُ ابنُ البَنَّاءِ

(1)

في "تَارِيْخِهِ"

(2)

وَقَالَ: هُوَ صَاحِبُ الخَطِّ وَالأَدَبِ.

‌4 - عَبْدُ اللهِ البَرَدَانِيُّ

(3)

أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ،

كَانَ مُنْقَطِعًا فِي بَيْتٍ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، يَتَعَبَّدُ فِيْهِ

(4)

خَمْسِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابنُ البَنَّاءِ: كَانَ مِنْ خِيَارِ المُسْلِمِيْنَ، لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، مَعَ الزَّهَادَةِ وَالعِبَادَةِ، رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ المَزْرَفِيُّ الفَرَضِيُّ

(5)

أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي المَنَامِ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ، مَنْ تَمَسَّكَ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي الأُصُوْلِ سَامَحْتُهُ فِيْمَا اجْتَرَحَ، أَوْ فِيْمَا فَرَّطَ فِي الفُرُوْعِ

(6)

. وَذَكَرَ ابنُ البَنَّاءِ عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ في حَيَاةِ البَرَدَانِيِّ هَذَا مَلَكَيْنِ قَدْ نَزَلَا مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: فِيْمَ جِئْتَ؟ قَالَ: جِئْتُ أَخْسِفُ بِأَهْلِ "بَغْدَادَ"، فَإِنَّهُ قَدْ عَمَّ فِيْهَا الفَسَادُ، فَقَالَ لَهُ المَلَكُ الآخَرُ: كَيْفَ تَفْعَلُ هَذَا، وَفِيْهَا عَبْدُ اللهِ

(1)

- (1) ساقط من (هـ).

(2)

ابنُ البَنَّاءِ هُوَ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَبُو عليٍّ (ت: 471 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، وَتَارِيْخُهُ مَعْرُوْفٌ، وَهُوَ تَقْييْدَاتٌ يَوْمِيَّةٌ كَتَبَهَا تَذْكِرَةً لِنَفْسِهِ - فِيْمَا يَظْهَرُ - وُجِدَتْ قِطْعةٌ مِنْهَا وَنُشِرَتْ، يُرَاجَعُ هَامِشُ تَرْجَمَتِهِ الآتيةُ رقم (14).

(3)

4 - أَبُو مُحَمَّدٍ البَرَدَانِيُّ (؟ - 461 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن في "الطَّبَقَاتِ" وَمنْ ثَمَّ لَم يَرِدْ فِي "مُخْتَصَرِهِ" للنَّابُلُسِيِّ، وَهُوَ مُتَرْجَمٌ في المَقْصَدِ الأرْشَدِ (2/ 38)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 379) عن كِتَابِنَا هَذَا، وَهُوَ مِنْ فَوَائِد "تَارِيْخِ ابنِ البَنَّاءِ" السَّالِفِ الذِّكْرِ. وَسَتَأْتِي نِسْبَتُهُ (البَرَدَانِيُّ) في تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بن الحَسَنِ (ت: 496 هـ) رقم (44)؛ لأنَّهُ الأشْهَرُ.

(4)

ساقطٌ من (ط) الفقي.

(5)

المَزْرَفِيُّ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ (ت: 527 هـ) ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

(6)

مَعْلُوْمٌ أنَّ الَّذِي يُسَامِحُ وَيُجَازِي هُوَ اللهُ تَعَالَى وَحْدَهُ؟!

ص: 9

البَرَدَانِيُّ؟! قَالَ ابنُ البَنَّاءِ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ البَرَدَانِيُّ الزَّاهِدُ الحَنْبَلِيُّ يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَكَانَ خَلْقًا عَظِيْمًا، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَتَوَلَّى غَسْلَهُ

(1)

وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ

(2)

رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

(1)

جَاءَ فِي هَامِشِ (أ): "قَالَ عِيَاضٌ: الغَسْلُ - بالفَتْحِ -: المَاءُ، وَبِالضَّمِّ: الفِعْلُ".

(2)

الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ (ت: 470 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

- وَبُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤلِّفِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (461 هـ):

4 -

عَلِيُّ بنُ الحُسَيْن بنِ أحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ، أَبُو الحَسَنِ النَّاسِخُ المَعْرُوف بـ "الأَعْلَمِ" ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ في "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" (3/ 345) وَقَالَ:"قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبي عَلِيِّ بنِ البنَّاءِ قَالَ: مَاتَ الأَعْلَمُ النَّاسِخُ الحَنْبَلِيُّ. . .".

5 -

وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ إِسْحَقَ بنِ مَنْدَه، مِنْ (آلِ مَنْدَةَ) الأَصْفَهَانِيِّين العَبْدِيِّين الحَنَابلة وَأُسْرَتُهُم عَرِيْقَةٌ، كَثِيْرَةُ العُلَمَاء وَالعَالِمَاتِ. يُراجَع هَامِش الطَّبَقَاتِ (2/ 386). أَخْبَارُ عُبَيْد الله في: سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاء (18/ 355) وغيره.

- وَمِمَّنْ يُذْكَرُ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (462 هـ):

- عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، وَالِدُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيِّ المَعْرُوْفِ بـ "قَاضِي المَارِسْتَانِ" (ت: 535 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في تَرْجَمَةِ وَلَدِهِ، وَمَحَلُّهُ هُنَا.

- وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (463 هـ):

6 -

عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مَنْصُوْرٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّجَّاجُ المُفِيْدُ. ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (1/ 405)، وَنَقَلَ عَنْ "تَارِيْخِ ابنِ البَنَّاء" الحَنْبَلِيِّ قَوْلَهُ:"سَنَةَ ثَلَاثٍ وَستِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، مَاتَ الزَّجَّاجُ مِنْ أَصْحَابِنَا بِـ "بَابِ البَصْرَةِ" ودُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ".". =

ص: 10

‌5 - عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَغْدَادِيُّ

(1)

، أَبُو الحَسَنِ المَعْرُوْفُ بِـ "الآمِدِيِّ"، وَيُعْرَفُ قَدِيْمًا بِـ "البَغْدَادِيِّ"،

نَزَلَ ثَغْرَ "آمِدَ

(2)

"، أَحَدُ

(3)

أَكَابِرِ

= - وَمِمَّنْ يُذْكَرُ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (464 هـ):

- جَابِرُ بنُ يَاسِيْن بنِ الحَسَنِ العُكْبَرِيُّ، وَالِدُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرٍ (ت: 464 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي تَرْجَمَةِ وَلَدِهِ عَبْدِ اللهِ (ت: 493 هـ)، وَمَحَلُّهُ هُنَا، وَذَكَرنَا هُنَاك أَيْضًا ابْنَهُ مُحَمَّدَ بنَ جَابِرٍ وَهُوَ مِمَّن يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ أَيْضًا.

- وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (465 هـ):

7 -

مُحَمَّدُ بنُ حَمْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدٍ الهَمَذَانِيُّ (شَيْذَلَةُ)، ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلَامِ (185) وَقَالَ:"وَكَانَ مُتَعَصِّبًا لِلْحَنَابِلَةِ، سَيْفًا عَلَى الأَشْعَرِيِّ" يَعْنِي عَلَى الأشَاعِرَة.

8 -

وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بن أَبي عُثْمَانَ عَمْرِو بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُنْتَابٍ، أَبُو سَعْدٍ، سَبَقَ ذِكْرُ سَلَفِهِ في "الطَّبقات" لابنِ أبي يَعْلَى (3/ 298، 299). أَخْبَارُهُ في: الوَافِي بالوَفَيَات (4/ 140)، وَتَارِيْخِ الإسْلَامِ (188). وَسَيَأْتِي اسْتِدْرَاكُ أَخِيْهِ أَحْمَدَ في وَفَيَاتِ سَنَةِ (475 هـ).

(1)

5 - أَبُو الحَسَنِ الآمِديُّ (؟ - 467 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 433)، ومُخْتَصَرِهِ (390)، وَالمَنْهَجِ الأحْمَدِ (2/ 380)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 204). وَيُرَاجَعُ: تَارِيْخُ الإِسْلَامِ (351)، وَالشَّذَرَاتُ 3/ 323 (5/ 280). وهَذِهِ التَّرْجَمَةُ سَاقِطَةٌ مِن (د).

(2)

بالأَلِفِ المَمْدُوْدَةِ وَكَسْرِ المِيْمِ، مِنْ دِيَارِ بَكْرٍ. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلدَانِ (1/ 76) وَهِيَ الآنَ فِي الجَنُوْبِ الشَّرْقِيِّ لتُركيَّا، وَالنَّسْبَةُ مَشْهُوْرَةٌ. يُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (1/ 105).

(3)

في (ط) تحقيق الدُّكتور هَنْرِي لَاوُوست، وَالدُّكتور سَامِي الدَّهَّان:"وَهُوَ أَحَدُ" زَادَاهَا عِنِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَهِيَ كَذلِكَ في (ط) الفقي، وَلَمْ يُشِرْ إِلَى إِضَافَتِهَا إِلَى الأَصْلِ؟! وَلَا تُوجَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ في النُّسَخِ المُعْتَمَدَةِ، وَوُجُوْدُهَا غَيْرُ ضَرُوْرِيٌّ.

ص: 11

أَصْحَابِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى. قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ فِيْهِ: بَلَغَ مِنَ النَّظَرِ الغَايَةَ، وَكَانَتْ لَهُ مُرُوْءَةٌ، يَحْضُرُ عِنْدَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّامَغَانِيُّ

(1)

- وَكَانَا فَقِيْهَيْنِ - فَيُضَيِّفُهُمَا بِالأَطْعِمَةِ الحَسَنَةِ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ مَعَهُمَا إِلَى أَنْ يَمْضِيَ مِنَ اللَّيْلِ أَكْثَرُهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ هُوَ المُتَقَدِّمَ عَلَى جَمِيْعِ أَصْحَابِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى. قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: وَسَمِعْتُ المُتَوَلِّي - لَمَّا قَدِمَ - يَذْكرُ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ فِي سَفَرِهِ أَحْسَنَ نَظَرًا مِنَ الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ البَغْدَادِيِّ بِـ "آمِدَ". قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ - وَتَبِعَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ -: أَحَدُ الفُقَهَاءِ الفُضَلَاءِ، وَالمُنَاظِرِيْنَ الأَذْكِيَاءِ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ بِشْرَانَ، وَأَبِي إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الحَرَّانِيِّ، وَابنِ المُذْهِبِ وَغَيْرِهِم. وَسَمِعَ مِنَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَدَرَسَ عَلَيْهِ الفِقْهَ، وَأُجْلِسَ فِي حَلْقَةِ النَّظَرِ وَالفَتْوَى بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، فِي مَوْضِعِ ابنِ حَامِدٍ،

(1)

بالدَّالِ المُهْمَلَةِ المَفْتُوْحَةِ المُشَدَّدَةِ، وَالمِيْمِ المَفْتُوْحَةِ، وَالغَيْنِ المَنْقُوْطَةِ، مَنْسُوْبٌ إِلَى دَامَغَانَ": بَلْدَةٌ من بِلَادِ "قَوْمَسَ" كَذَا قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في "الأنساب"(5/ 259)، وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلدَانِ (2/ 493). وَ"أَبُو الحَسَنِ الدَّامَغَانِيُّ" هكَذَا في الأُصُوْلِ. وَلَعَلَّهُ "أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِيُّ" وهو مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ شَيْخُ الحَنَفِيَّة وَمُقَدَّمُهُم في بَغْدَاد، يُلَقِّبُونَهُ:"قَاضِي القُضَاةِ" وَ"تَاجُ القُضَاةِ" وَلَهُ ذِكْرٌ، وَأَخْبَارٌ، وَمَكَانَةٌ رَفِيْعَةٌ، وَهُوَ الَّذي يَصِحُّ أَنْ يُقْرَنَ ذِكْرُهُ بـ "أَبِي إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيِّ" وَإِنْ كَانَ وَالِدُهُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ وَلِيَ قَضَاءَ "بَغْدَادَ" مُدَّةً كَمَا قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانيُّ، لكِن ابنَهُ المُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ هو المَشْهُوْرُ، وَبَقِيَتْ رِئَاسَةُ القُضَاةِ فِي بَنِيْهِ وَذُريَّته بـ "بَغْدَادَ" زَمَنًا. تَرْجَمَةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ في: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (3/ 109)، والأنسابِ (5/ 209)، وَالمُنْتظمِ (9/ 22)، وَالجَوَاهِرِ المُضِيَّةِ (3/ 269)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (4/ 139)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 362).

ص: 12

وَلَمْ يَزَلْ يُدَرِّسُ، وَيُفْتِي، وَيُنَاظِرُ، إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنْ "بَغْدَادَ"، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِـ "بَغْدَادَ" بِشَيْءٍ؛ لأنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا فِي فِتْنَةِ البَسَاسِيْرِيِّ

(1)

، فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعَمَائَةَ إِلَى "آمِدَ"، وَسَكَنَهَا

(2)

واسْتَوْطَنَ بِهَا، وَدَرَّسَ بِهَا الفِقْهَ إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا

(3)

فِي سَنَةِ سَبْعٍ - أَوْ ثَمَانٍ

(4)

- وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَقَبْرُهُ هُنَاكَ مَقْصُوْدٌ

(1)

البَسَاسِيْرِيُّ، اسمُهُ أَرْسَلَان بنُ عَبْدِ الله، أَبُو الحَارِثِ يُلَقَّبُ بـ "المُظَفَّرِ"، تُركيُّ الأَصْلِ، مِنْ مَمَالِيْكِ بَنِي بُوَيْهِ، خَدَمَ القَائِمَ العَبَّاسِيَّ، فَقَدَّمَهُ، وَقَلَّدَهُ الأُمُوْرَ بِأَسْرِهَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِ، وَخَطَبَ للمُسْتَنْصِر العُبَيْدِيِّ صَاحِبِ "مِصْرَ"، وَرَفَعَ مِنَ المَآذِن "حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ"، وأَخَذَ لَهُ بَيْعَةُ القُضَاةِ وَالأَشْرَافِ قَسْرًا، وَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا عَظِيْمًا، لكِنَّ المُسْتَنْصِرَ لَم يَثِقْ بِهِ، وَقَبَضَ البَسَاسِيْرِيُّ عَلَى وَزِيْرِ القَائِمِ رَئِيْسِ الرُّؤَسَاءِ أَبِي القَاسِمِ بنِ المُسْلِمَةِ، وَأَنَالَهُ أَنْوَاعًا مِنَ العَذَابِ حَتَّى مَاتَ، وَنَهَبَ دَارَ الخِلَافَةِ، وَهَرَبَ القَائِمُ، ثُمَّ اعتُقِلَ عِنْدَ صَاحِبِ "عَانَةَ" مُهَارِشِ بنِ المُجَلِّي، ثُمَّ تَغَلَّبَ أَعْوَانُ السُّلطَانِ طُغْرُلْبِكَ عَلَى البَسَاسِيْرِيِّ فَقَتَلُوْهُ سَنَةَ (451 هـ). وَ (البَسَاسِيْرِي) مَنْسُوْبٌ إلى (بَسَا) وَتُنْطَقُ (فَسَا) بَلْدَةٌ مَعْرُوْفَةٌ فِي بِلَادِ فَارِسِ نِسْبَةٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهَا، لَكِنَّ سَيِّدَهُ كَانَ منها. أَخْبَارُهُ وَأَخْبَارُ فِتْنَتِهِ فِي: المُنْتَظَمِ (8/ 192)، وَالكَامِلِ فِي التَّارِيْخِ (9/ 642)، وَالنُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ (5/ 6)، وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (1/ 61)، وَاللُّبَابِ (1/ 121)، وَالجَوْهَرِ الثَّمِيْنِ (194)،

وَغَيْرِهَا.

(2)

في (ط) الفقي: "وَسَكَنَ بِهَا" عن (هـ).

(3)

ساقطٌ من (ط) بطبعتيه.

(4)

جَاءَ في "الشَّذَرَاتِ"، فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (465 هـ): "وَفِيْهَا أَبُو الحَسَنِ الآمِدِيُّ

وَنَقَلَ عَنْ أَبِي القَاضِي الحُسَين؟ (صَوَابُهَا: القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ

) قَوْلَهُ: "إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنْ "بَغْدَادَ"، وَلَمْ يُحَدِّثِ بِبَغْدَادَ بِشَيْءٍ؛ لأنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا في فِتْنَةِ البَسَاسِيْرِيِّ في سَنَةِ خَمْسين وَأَرْبَعِمَائَةَ إِلَى "آمِدَ" وَسَكَنَ بِهَا

إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا في هَذِهِ السَّنَةِ". وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الحُسَين في سَنَةِ وَفَاتِهِ هُوَ ما نَقَلَهُ عَنْهُ المُؤلِّفُ هُنَا تَمَامًا. قَالَ ابنُ العِمَادِ في "الشَّذَرَاتِ" =

ص: 13

بالزِّيَارَةِ

(1)

. وَكَانَ يُدَرِّسُ فِي مَقْصُوْرَةٍ بِجَامِعِ "آمِدَ"، وَلَهُ هُنَاكَ أَصْحَابٌ يَتَفَقَّهُوْنَ عَلَيْهِ، وَبَرَعَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، وَلَهُ كِتَابُ "عُمْدَةِ الحَاضِرِ وَكِفَايَةِ المُسَافِرِ" فِي الفِقْهِ

(2)

، فِي نَحْوِ أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيْلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيْرَةٍ نَفِيْسَةٍ، وَيَقُوْلُ فِيْهِ: ذَكَرَ شَيْخُنَا ابنُ أَبِي مُوْسَى في "الإِرْشَادِ" فالظَّاهِرُ: أَنَّهُ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَسَمِعَ مِنْهُ بِـ "آمِدَ": أَبُو الحَسَنِ بنُ الغَازِي

(3)

"السُّنَّةَ" لِلْخَلَّالِ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الأَزَجِيِّ.

‌6 - مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الوَلِيْدِ البَاجِسْرَائِيُّ

(4)

، الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ:

= أَيْضا: "وَالصَّحِيْحُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَستِّيْن، أَوْ ثَمَانٍ وَسِتِّيْن، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابنُ رَجَبٍ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: الصَّحِيْحُ أَنَّ ابنَ رَجَبٍ رحمه الله لَمْ يَجْزِمْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا قَالَهُ أَبُو الحُسَيْن، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذلِكَ شَيْئًا كَمَا تَرَى؟!

(1)

هَذِهِ عِبَارَةُ أَبِي الحُسَيْنِ في "الطَّبَقَات" وَزَادَ: "وَيُتَبَرَّكُ بِهِ" وتَخْصِيْصُ أَيِّ قَبْرٍ بالزِّيَارَةِ في وَقْتٍ مُحَدَّدٍ، وَالتَّبَرُّك بِالقُبُوْرِ عُمُوْمًا مِنَ البِدَعِ "وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" وَزِيَارَةُ القُبُوْرِ فِي أَيِّ وَقْتٍ غَيْرِ مُخَصَّصٍ مِنَ السُّنَنِ، وَهِيَ مِنَ الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ. وَإِحْيَاءُ البِدَعِ إِمَاتَةٌ للسُّنَنِ.

(2)

يُرَاجَعُ: كَشْفُ الظُّنُوْنِ (1166) قَالَ: "وهُوَ كِتَابٌ جَلِيْلٌ في نَحْوِ أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، يَشْتَمِلُ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيْرَةٍ" وَهَذِهِ هِيَ عِبَارَةُ المُؤَلِّفِ كَمَا تَرَى، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّه لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ؟ وَلَا أَعْلَمُ الآنَ لَهُ وجُوْدًا.

(3)

ابنُ الغَازِيِّ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ البَدْلِيْسِيُّ (ت؟) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ رقم (69) وَكِتَابُ "السُّنَّةِ" لِلخَلَّالِ (ط) بِتَحْقِيْقِ الدُّكتور عَطِيَّة بنِ عَتِيْقِ الزَّهْرَانِيُّ في دار الرَّاية، الطَّبْعَةُ الثَّانِيَة منه سَنَةَ (1415 هـ).

(4)

6 - أَبُو عَبْدِ اللهِ البَاجِسْرَائِيُّ (؟ - 467):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَة (3/ 453)، ومُخْتَصَرِهِ (398)، ومُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 2)، وَالمَقْصَدِ الأرْشَدِ (2/ 484)، وَالمَنْهَجِ =

ص: 14

كَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، تَرَدَّدَ إِلَى مَجْلِسِ الوَالِدِ السَّعِيْدِ الزَّمَانَ الطَّوِيْلَ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ وَالدَّرْسَ.

وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنَ السِّنِّ خَمْسًا وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

(1)

.

= الأَحْمَدِ (2/ 382)، وَمُختَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 204). وَالأَصْلُ فِيْهَا جَمِيْعًا للقَاضِي أَبي الحُسَين في "الطَّبَقَاتِ" دُوْنَ زِيَادَةٍ. وفي "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لابنِ الدُّبَيْثِيِّ (2/ 95):"مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ البَاجَرَائيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ. . ." وَلَا شَكَّ أَنَّه المُتَرْجَمُ هُنَا، جَعَلَ جدَّه (عَبْدَ الوَاحِدِ) بَدَلَ (الوَلِيْدِ)، وَ (البَاجَرَائِيُّ) بَدَلَ (البَاجِسْرَائِيِّ)، وَنَقَلَ عن عُبَيْدِ الله بنِ عَلِيِّ بنِ المَارِسْتَانِيِّ وَهُوَ المَعْرُوْفُ بـ "ابنِ المَارِسْتَانِيَّة" (ت: 599 هـ) وَهُوَ كَاتِبُ سِيْرَةِ يَحْيَى بن هُبَيْرَةَ، الوَزِيْرُ الحَنْبَلِيُّ، ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ في مَوْضِعِهِ. وَلَمْ يَكُنْ ابنُ المَارِسْتَانِيَّةِ هَذَا مُوَثَّقًا عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيْثِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيْرٌ مِنَ المُؤَرِّخِيْنَ يُعَظِّمُ كتَابَهُ فِي التَّارِيْخِ المُسَمَّى "دِيْوَانَ الإِسْلَامِ" وَسَيَأْتِي الحَدِيْثُ عَنْهُ فِي تَرْجَمَتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ. قَالَ ابنُ الدُّبَيْثِيِّ: "مِنْ أَهْلِ بَاجَرَا: نَاحِيَةٌ بطَرِيْقِ خُرَاسَان سَكَنَ بَغْدَادَ، وَتَفَقَّهَ بالقَاضِي أَبِي يَعْلَى

وصَحِبَ أَبَا مُحَمَّدٍ رِزْقَ اللهِ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيَّ

، قَالَ: وَرَوَى عَن التَّمِيْمِيِّ شَيْئًا، وَاللهُ أَعْلَم".

البَلْدَةُ المَنْسُوْبُ إِلَيْهَا يُقَالُ لَها: "بَاجِسْرَى" قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: "بِفَتْحِ البَاءِ المَنْقُوْطَةِ بوَاحِدةٍ وَكَسْرِ الجِيْمِ، وَسُكُوْنِ السِّيْنِ المُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ. . ." وَزَادَ يَاقُوْتٌ: "وَالقَصْر: بُلَيْدَةٌ شَرْقِيُّ "بَغْدَادَ" بَيْنَها وَبَيْنَ "حُلْوَانَ"، عَلَى عَشَرَةِ فَرَاسِخَ من "بَغْدَادَ". . . خَرَجَ مِنْها جَمَاعَةٌ من أَهْلِ العِلْمِ وَالرِّوَايَةِ" الأَنْسَابُ (2/ 17)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (1/ 372)، وَلَمْ يَذْكُرَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؛ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ، وَعَدَمِ تَمَيُّزِهِ.

(1)

ساقط من (أ) و (ب) و (جـ).

ص: 15

‌7 - مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ

(1)

بنِ مُوْسَى بنِ جَعْفَرٍ، أَبُو بَكْرٍ الخَيَّاطُ، المُقْرِئُ، البَغْدَادِيُّ.

وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ، وَقَرَأَ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ الفَرَضِيِّ، وَأَبي الحُسَيْن السُّوْسَنْجَرْدِيِّ، وَبَكْرِ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي الحَسَنِ الحَمَّامِيِّ، وَغَيْرِهِمْ

(2)

. وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنِ ابْنِ الصَّلْتِ المُجَبِّرِ، وَأَبِي عُمَرَ بنِ مَهْدِيِّ، وَخَلْقٍ مِنْ طَبَقَتهِمَا. وَرَأَى أَبَا عَبْدِ اللهِ بْنَ حَامِدٍ. وَكَانَ يَترَدَّدُ إِلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَيَسْمَعُ دَرْسَهُ، وَيَحْضُرُ أَمَالِيَهُ، وَاشْتَغَلَ بِإِقْراءِ القُرْآنِ، وَرِوَايَةِ الحَدِيْثِ فِي بَيْتِهِ، وَمَسْجِدِهِ، وَجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَكَانَ يَحْضُرُهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ خَلْقٌ، مِنْهُمُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ القَاضِي أَبِي يَعْلَى

(3)

، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البَارِعُ، وَأَبُو بَكْرٍ

(1)

7 - أَبُو بكْرٍ الخَيَّاطُ المُقْرِئ (376 - 467 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 430)، وَمُخْتَصَرِهِ (390)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (628)، وَمُخْتَصَرِهِ (72)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 2)، وَالمَقْصَدِ الأَرشدِ (2/ 470، 471) رقم (1020، 1021)، كرَّره سَهْوًا، وَالمَنْهَجِ الأحْمَدِ (2/ 383)، ومُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 204). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 297)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 436)، وَمَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 426)، وَتارِيْخُ الإِسْلَامِ (242)، وَالعِبَرُ (3/ 265)، وَالوَافي بالوَفَيَاتِ (4/ 136)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (2/ 208)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (2/ 280، 3/ 329). وَوَلدُهُ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى (ت: 523 هـ) ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ في ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (4/ 11)، وَقَالَ:"مِنْ أَهْلِ "بَابِ البَصْرَةِ"، مِن أَوْلَادِ المُحَدِّثِين، تقَدَّم ذكرُ وَالدِهِ" سَيَأْتِي اسْتِدْرَاكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(2)

وَمِنْ شُيُوْخِهِ: أَبُو الفَرَجِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ المَصَاحِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ البَادِيُّ، وَعَلَيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الله الحَذَّاءُ، وَغَيْرُهُم.

(3)

قال أَبُو الحُسَيْنِ فِي "الطَّبقاتِ": "قَرَأتُ عَلَيْهِ خَتْمَتَيْنِ لِنَافِعٍ، إِحْدَاهُمَا: مِنْ طَرِيْقِ الحُلْوَانِيِّ =

ص: 16

المَزْرَفِيُّ، وَهَبَةُ اللهِ بنُ الطَّبَرِيِّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثيْرُوْنَ، مِنْهُم: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي "تَارِيْخِهِ"، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، وَيَحْيَى بنُ الطَّرَّاحِ، وَغَيْرُهُمْ، وانْتَهَى إِلَيْهِ إِسْنَادُ القِرَاءَةِ فِي وَقْتِهِ. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: مَا يُوْجَدُ فِي عَصْرِهِ في القِرَاءَةِ

(1)

مِثْلُهُ، وَكَانَ ثِقَةً، صَالِحًا. وَقَالَ المُؤْتَمِنُ السَّاجِيُّ

(2)

: كَانَ شَيْخًا، ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ وَالقِرَاءَةِ، صَالِحًا، صَبُوْرًا عَلَى الفَقْرِ. وَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ البَرَدَانِيُّ

(3)

: كَانَ مِنَ البَكَّائِيْنَ عِنْدَ الذِّكْرِ، أَثَّرَتِ الدُّمُوعُ فِي خَدَّيْهِ. وَقَالَ ابنُ النَّجَّارِ: كَانَ

= وَأَبِي نَشِيْطٍ. . ." قَالَ: "وَكَانَ خَتْمِي عَلَيْهِ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْن وَأَرْبَعِمَائة. وَكَانَ شَيْخِي قَرَأَ بِهَا فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعِمَائَةَ. وَالخَتْمَةُ الثَّانِيَةُ: مِن طَرِيْقِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ بِضَمِّ المِيْمَاتِ فِي جَمِيْعِ القُرْآنِ، أَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ السُّوْسَنْجَرْدِيِّ فِي سَنَةِ أَرْبَعِمَائَةَ. . ." قَالَ: وَكَانَ فَرَاغِي مِنْ هَذِهِ الخَتْمَةِ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْن وَأَرْبَعِمَائَةَ. . .". قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "وَتَفَرَّدَ بِالعُلُوِّ فِي رِوَايَةِ أَبِي نَشِيْطٍ، عَنْ قَالُوْنَ، وَفِي اخْتِيَارِ خَلَفٍ، في رِوَايَةِ سَجَّادَةَ عَنِ اليَزِيْدِيِّ".

وَمِمَّن قَرَأَ عَلَيْه: مَنْصُوْرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو يَاسِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَمَّامِيُّ، وَيَحْيَى بنُ الخَطَّابِ النَّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ البَدَنِ، وَأَحْمَدُ بنُ ظَفَرٍ المَغَازِليُّ، وَمَكِّيٌّ الرُّمَيْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ اليُوسَفَيُّ. وَمُحَمَّدُ بنُ عليِّ بنِ مَنْصُوْرٍ المَذْكُوْرِ فِي تَلَامِيْذِهِ هُوَ شَيْخُ أَبِي العَلَاءِ الهَمَذَانِيِّ القَارِئِ المَشْهُوْرِ (ت: 569 هـ)، وَهُوَ حَنْبَلِيٌّ ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

(1)

في (ط) بطبعتيه: "القراءات".

(2)

جَاءَ الخَبَرُ في "سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ" للحَافِظِ الذَّهَبِيِّ: "قَالَ السِّلَفِيُّ: سَأَلْتُ المُؤْتَمِنَ السَّاجِيَّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بنِ الخَيَّاطِ فقَالَ: كَانَ شَيْخًا. . .".

(3)

هُوَ أَخُو أَبي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ، وَاسمُهُ عبدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ (ت: 516 هـ) لم يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ، اسْتَدْرَكْتُهُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

ص: 17

شَيْخ القُرَّاءِ فِي وَقْتِهِ، تَفَرَّدَ بِرِوَايَاتٍ، وَكَانَ عَالِمًا، وَرِعًا، مُتَدَيِّنًا. وَذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "طَبَقَاتِ القُرَّاءِ" فَقَالَ: كَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ، عَدِيْمَ النَّظِيْرِ، بَصِيْرًا بِالقَرْآن

(1)

، صَالِحًا، عَابِدًا، وَرِعًا، نَاسِكًا، بَكَّاءً، قَانِتًا، خَشَنَ العَيْشِ، فَقِيْرًا، مُتَعَفِّفًا، ثِقَةً، فَقِيْهًا عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وآخَرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو الكَرَمِ الشَّهْرَزُوْرِيُّ

(2)

.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الخَمِيْسِ ثَالِثَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ

(3)

وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ جَامِعِ المَدِيْنَةِ يَعْنِي مَدِيْنَةَ المَنْصُوْرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: صَلَّى عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ فِي الجَامِعِ.

‌8 - عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ

(4)

بنِ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَدَّا، أَبُو الحَسَنِ العُكْبَرِيُّ،

(1)

في (ط) بطبعتيه: "بالقراءات".

(2)

هُوَ المُبَارَكُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الشَّهْرَزُوْرِيُّ البَغْدَادِيُّ (ت: 550 هـ) صَاحِبُ "المِصْبَاحُ الزَّاهِرِ فِي العَشْرِ البَوَاهِرِ". أخبارُهُ في: سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 289)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (2/ 38).

(3)

فِي "سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ": "قالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: تُوُفِّيَ في جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سَبْعٍ وَستِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، فِي رَابِعِهِ".

(4)

8 - أَبُو الحَسَنِ بنُ جَدَّا العُكْبَرِيُّ (؟ - 468 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 434)، وَمُخْتَصَرِهِ (391)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدِ (628)، وَمُخْتَصَرِهِ (72)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (وَرَقَة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 220)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 384)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 205). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 299)، وَذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (3/ 346)، وَالعِبَرُ (3/ 267)، وَسيرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 391)، وَتَارِيْخُ الإسْلامِ (262)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (21/ 32)، وَفِي "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" للحَافِظِ السِّلَفِيِّ فَوائدَ عَن المَذْكُوْرِ.

- وعَمُّهُ - فِيْمَا أَظُنُّ - عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (ت؟). ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ في "ذَيْلِ =

ص: 18

ذَكَرَهُ ابنُ شَافِعٍ في "تَارِيْخِهِ"

(1)

فَقَالَ: هُوَ الشَّيْخُ، الصَّالِحُ، الزَّاهِدُ، الفَقِيْهُ، الأَمَّارُ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّاهِي

(2)

عَنِ المُنْكَرِ. سَمِعَ: أَبَا عَلِيِّ بنَ شَاذَانَ، وَالبُرْقَانِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ الخِرَقِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ بِشْرَانَ، وَكَانَ فَاضِلًا، خَيِّرًا، ثِقَةً، مَسْتُوْرًا، صَيِّنًا، شَدِيْدًا في السُّنَّةِ، عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ رضي الله عنه

(3)

.

وَقَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ: كَانَ شَيْخًا، صَالِحًا، دَيِّنًا، كَثِيْرَ الصَّلَاةِ، حَسَنَ التِّلَاوَةِ للقُرْآنِ، ذَا لَسَنٍ وَفَصَاحَةٍ فِي المَجَالِسِ والمَحَافِلِ، وَلَهُ فِي ذلِكَ كَلَامٌ مَنْثُوْرٌ، وَتَصْنِيْفٌ مَذْكُوْرٌ مَشْهُوْرٌ. وَذَكَرَهُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ وَقَالَا: سَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيِّ بنِ شِهَابٍ، وَأَبِي عَلِيِّ بنِ شَاذَانَ، وَكَانَ فَقِيْهًا، صَالِحًا، فَصِيْحًا. قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: قَرَأَ الفِقْهَ عَلَى الوَالِدِ السَّعِيْدِ، وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي الأُصُوْلِ.

= تَارِيْخِ بَغْدَادَ" (5/ 16)، وَقَالَ: "حَدَّثَ عَن وَالِدِهِ. رَوَى عَنْهُ أَبُو الحُسَيْن مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ في "مُعْجَمِ شُيُوخِهِ". . ." ولم يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَمُّهُ فَإِنَّه مِمَّن يُسْتَدْرَكُ عَلَى القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أَبي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

- وَذَكَرَ ابنُ الفُوْطِيِّ في مَجْمَعِ الآدَابِ (3/ 84) ابنُ جَدَّا رَجُلٌ آخَرُ، لَا أَدْرِي مَا صِلَتُهُ بِالمَذْكُورِ. وَاسْمُهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ، وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ (635 هـ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَذْهَبَهُ؛ لِذلِكَ لَمْ يُمْكِنِ اسْتِدْرَاكُهُ.

(1)

صَاحِبُ "التَّارِيْخِ" هُوَ أَحْمَدُ بنُ صَالحِ بنِ شَافِعٍ، أَبُو الفَضْلِ الجِيْلِيَّ (ت: 565 هـ)، من أُسْرَةٍ علميَّةٍ مَشْهُوْرَةٍ، حَنْبَلِيٌّ، ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ. وَتَارِيْخُهُ هذَا ذيَّل بِهِ عَلَى تَارِيْخِ الحَافِظِ الخَطِيْبِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

(2)

في (ط) بطبعتيه: "النَّهَّاء" وَهِيَ كَذلِكَ في (هـ). وَهِيَ أَنْسَبُ؛ لأنَّ قَبْلَهَا "الأمَّارُ".

(3)

في (د): "رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ".

ص: 19

وَتُوُفِّيَ فَجْأَةً فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعمَائَةَ، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ أَحْمَدَ. وَذَكَرَ ابنُ شَافِعٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الأَحَدِ سَابِعَ عَشَرَ رَمَضَان المَذْكُوْرَ. وَقَالَ ابنُ شَافِعٍ: جَدَّا - بِفَتْحِ الجِيْمِ - كَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَشْيَاخِنَا، وَرَأَيْتُهُ مَضْبُوْطًا بِخَطِّ أَسْلَافِنَا

(1)

. وَرَوَى عَنْهُ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ

(2)

، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، وَسَمِعَ مِنْهُ مَكِّيٌّ الرُّمَيْلِيُّ الحَافِظُ وَجَمَاعَةٌ.

وَقَالَ ابنُ خَيْرُوْنَ

(3)

: حَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ، كَانَ مَسْتُوْرًا، صَيِّنًا، ثِقَةً.

وَرَوَى عَنْهُ الخَطِيْبُ فَقَالَ

(4)

: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَدَّا العُكْبَرِيُّ

(1)

وَلَمْ أَجِدْ مَنْ قَيَّدَ الدَّالَ بالتَّشْدِيْدِ أَوْ بالتَّثْقِيْلِ؟! إِلَّا بِالقَلَمِ، وَالتَّشْدِيْدُ أَوْلَى.

(2)

هُوَ قَاضِي المَارِسْتَان مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ (ت: 535 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، قَالَ فِي مَشْيَخَتِهِ "أَحَادَيْثُ الثِّقَاتِ" (وَرَقَة: 105): " (شَيْخٌ آخَرَ) أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ المَعْرُوف بـ "ابنِ جَدَّا" العُكْبَرِيُّ الحَنْبَلِيُّ قراءةً عليه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ اللهِ الخِرَقِيُّ بقراءَتِي عَلَيْهِ. . .". وَأَوْرَدَ لَهُ جُمْلَةَ أَسَانِيْدَ، ومنهَا الأَبْيَاتُ التي أُنْشِدَتْ في مَجْلِس أبي زُرْعَةَ الحَافظِ المَذْكُوْرَةُ هُنَا.

(3)

هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ الحَسَنِ بنِ خَيْرُوْنَ البَغْدَادِيُّ (ت: 539 هـ). أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (10/ 115)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 94)، وَالنُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ (5/ 276).

(4)

تَارِيْخ بغداد (14/ 71) وَنَصُّهُ: "حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ العُكْبَرِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا القَاسِمِ هِبَةَ اللهِ بنَ الحَسَنِ الطَّبَريُّ في المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لي. قُلْتُ: بمَاذَا؟ فكَأَنِّي بهِ قَالَ: كَلِمَةٌ خَفِيْفَةٌ يقولُ بِالسُّنَّةِ" وَهُوَ هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مَنْصوْرٍ، أَبُو القَاسِمِ الرَّازِيُّ الطَّبَرِيُّ الأَصْلِ يُعْرَفُ بـ "اللَّالَكَائِيِّ" (ت: 428 هـ). أَخْبَارُهُ في: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (14/ 70، 71)، وَالمُنْتَظَمِ (8/ 34)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (3/ 1083)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (17/ 419)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 211)، وَالرِّسَالَةِ المُسْتَطْرَفَةِ (37).

ص: 20

قَالَ: رَأَيْتُ هِبَةَ اللهِ الطَّبَرِيَّ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: كَلِمَةٌ خَفِيْفَةٌ بِالسُّنَّةِ. قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ القَادِرِ الرُّهَاوِيُّ

(1)

: أَنْبَأَنَا أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ الحَافِظُ، قَالَ: رَأَيْتُ بِخَطِّ ابنِ البَنَّاءِ - وَقَرَأَتُهُ عَلَى ابنِ نَاصِرٍ، بِإِجَازَتِهِ مِن ابنِ البَنَّاءِ - قَالَ: حَكَى أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَدَّا العُكْبَرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُوْدٍ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ البَجَلِيَّ

(2)

الحَافِظَ قَالَ: دَخَلَ ابنُ فُوْرَكَ

(3)

عَلَى السُّلْطَانِ مَحْمُوْدٍ

(4)

، فَتَنَاظَرَا، قَالَ ابنُ فُوْرَكَ

(1)

حَنْبَلِيُّ (ت: 612 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

(2)

أَبَا مَسْعُوْدٍ البَجَلِيُّ هُوَ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، بَقِيَّةُ الشُّيُوْخِ، البَجَلِيُّ، الرَّازِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ (449 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: تَارِيْخِ جُرْجَانَ (85)، وَالأَنْسَابِ (2/ 86)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (18/ 62)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (8/ 28).

(3)

يَظْهَرُ أَنَّه "أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى بنِ مَرْدَوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ"(ت: 410 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: تَارِيْخِ أَصْبَهَانَ (1/ 168)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (3/ 1050)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (17/ 308)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 190)، وَالرِّسَالَةِ المُستَطْرَفَةِ (26).

(4)

هُوَ السُّلْطَانُ يَمِيْنُ الدَّوْلَةِ، أَبُو القَاسِمِ، مَحْمُودُ بنُ سُبُكْتَكِيْنَ التُّرْكِيُّ الغَزْنَوِيُّ صَاحِبُ خُرَاسَان، وَفَاتِحُ الهِنْدِ (ت: 421 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: المُنتظمِ (8/ 52)، وَوَفَيَاتِ الأعيانِ (5/ 175)، وَسِيَرِ أعْلامِ النُّبَلَاءِ (17/ 483)، وَالجَوَاهِرِ المُضِيَّةِ (4/ 373)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 220).

وَكَتَبَ الأدِيْبُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُتْبِيُّ (ت: 427 هـ) في سِيْرتِهِ كِتَابًا بِأُسْلُوْبٍ أَدَبيٍّ سَمَّاهُ "اليَمِيْنِيَّ" نِسْبَةً إِلَى لَقَبِهِ "يَمِيْنُ الدَّوْلَة"، وَيُعْرَفُ بـ "تَارِيْخِ العُتْبِيِّ"، وشَرَحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلَمَاءِ، مِنْهُمْ: صَدْرُ الأَفَاضِلِ الخُوْارِزْمِيُّ (ت: 617 هـ) وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المنيني (ت: 1172 هـ) وَكِتَابُهُ مَطْبوعٌ. أَخْبَارُ العُتْبِيِّ فِي يَتِيْمَةِ الدَّهْرِ (4/ 481)، وَالذَّريعةِ (3/ 256)

وَغَيْرِهِمَا. وَحِكَايَةُ ابنِ فُوْرَكَ عن ابنِ البَنَّاء فِي سِيَرِ أَعْلَامِ =

ص: 21

لِمَحْمُوْدٍ: لَا يَجُوْزُ أَنْ تَصِفَ اللهَ بالفَوْقِيَّةِ، لأنَّهُ يَلْزَمُكَ أَنْ تَصِفَهُ بالتَّحْتِيَّةِ؛ لأنَّهُ مَنْ جَازَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ فَوْقٌ جَازَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ تَحْتٌ، فَقَالَ مَحْمُوْدٌ: لَيْسَ أَنَا وَصَفْتُهُ بالفَوْقِيَّةِ، فَتُلْزِمُنِي أَنْ أَصِفَهُ بالتَّحْتِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَصَفَ نَفْسَهُ بِذلِكَ، قَالَ: فَبُهِتَ.

(أَثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصُّوْفِيُّ

(1)

بِالقَاهِرَةِ، (أَثَنَا) عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَثَنَا) أَبُو عَلِيِّ بنُ الخُرَيْفِ (أَثَنَا) القَاضِي أَبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ البَاقِي (أَثَنَا) أَبُو الحَسَنِ بنُ جَدَّا (أَثَنَا) أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الطَّبَرِيُّ الحَافِظُ، قَالَ: ذَكَرَ أَنَّ فَتًى مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ أَنْشَدَ فِي مَجْلِسِ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ هَذِهِ الأَبْيَاتِ، فَاسْتُحْسِنَتْ مِنْهُ:

دِيْنُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٌ أَخْتَارُ

نِعْمَ المَطِيَّةُ لِلْفَتَى الآثَارُ

لَا تَغْفُلَنَّ عَنِ الحَدِيْثِ وَأَهْلِهِ

فَالرَّأْيُ لَيْلٌ وَالحَدِيْثُ نَهَارُ

= النُّبلاءِ (17/ 487) وَبَعْدَهَا هُنَاك: "فَلَمَّا خَرَجَ من عِنْدِهِ مَاتَ فَيُقَالُ: انْشَقَت مَرَارَتُهُ".

(1)

هُوَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْل بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عِيْسَى بن أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوبَ بن شَادِي المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ المُلُوْكِ"(ت: 756 هـ) قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: "كَانَ صُوْفِيًّا بسَعِيْدِ السُّعَدَاءِ". قَالَ ابنُ قَاضِي شُهْبَةَ: "سَمِعَ منه المُقْرِئُ شِهابُ الدِّينِ بنُ رَجَبٍ، وَقَالَ: حَدَّثَ بِالكَثيْرِ" وفي المُنْتَقَى من مُعْجَمِ ابن رَجَبٍ رقم (178): "سَمِعَ عَلَيْهِ ابنُ رَجَبٍ "مَشْيَخَةَ القَاضِي أَبِي بَكْر" فِي خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ وَغَيْرَهَا، وَقَرَأ عليه "جُزْءَ الغِطْرِيْفِ" بالقَاهِرَةِ" فَالمَذْكُوْرُ هُنَا إِذًا شَيْخُهُ وَشَيْخُ أَبِيْهِ. أَخْبَارُهُ في: الدُّرَرِ الكَامِنَةِ (4/ 7)، وتاريخ ابن قَاضِي شُهْبَةَ (3/ 2/ 92). وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ المَذْكُوْرُ في السَّنَدِ هُوَ جَدُّ ابنِ المُلُوْكِ لأُمِّهِ نَصَّ عَلَى ذلِكَ الحَافظُ ابنُ حَجَرٍ، وهو مُحَدِّثٌ كَبِيْرٌ حَنْبَلِيٌّ (ت: 686 هـ) لم يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ اسْتَدْرَكْتُهُ فِي مَوضِعِهِ، كَمَا سَيَأْتِي، إِنْ شَاءَ اللهُ. كَمَا اسْتَدْرَكْتُ وَالِدَهُ، وَأَخَاهُ عَبْد اللَّطِيْفِ، وَكَثيْرًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.

ص: 22

وَلَرُبَّمَا غَلَطَ الفَتَى إِثْرَ الهُدَى

وَالشَّمْسُ بَازِغَةٌ لَهَا أَنْوَارُ

‌9 - عُبَيْدُ الله بنُ مُحَمَّد

(1)

بنِ الحُسَيْنِ الفَرَّاءِ، أَبُو القَاسِمِ بنِ القَاضِي أَبي يَعْلَى.

ذَكَرَهُ أَخُوْهُ فِي "الطَّبَقَاتِ" وَأَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ السَّبْتِ سَابِعَ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعمَائَةَ. وَقَرَأَ بالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبي بَكْرٍ الخَيَّاطِ، وَابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِى الخَطَّابِ الصُّوْفِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ وَالِدِهِ، وَجَدِّهِ لأُمِّهِ جَابِر بنِ يَاسِيْنَ، وَأَبي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَابْنِ المُهْتَدِي، وَابنِ النَّقُوْرِ، وَابْنِ الآبَنُوْسِيِّ، وَابنِ المُسْلِمَةِ، وَابْنِ المَأْمُوْنِ، وَالصَّرِيْفِيْنِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَرَحَلَ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ وَالعِلْمِ إِلَى "وَاسِطَ"، وَ"البَصْرَةِ"، وَ"الكُوْفَةِ"، وَ"عُكْبَرَا"، وَ"المَوْصِلِ"، وَ"الجَزِيْرَةِ"، وَ"آمِدَ"، وَغَيْرِ ذلِكَ. وَقَرَأَ بِـ "آمِدَ" مِنَ الفِقْهِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ البَغْدَادِيِّ قِطْعَةً صَالِحَةً مِنَ الخِلَافِ وَالمَذْهَبِ،

(1)

9 - أَبُو القَاسِم ابن الفَرَّاء (443 - 469 هـ):

أخبارُهُ في: الطَّبَقَاتِ (3/ 435)، وَمُخْتَصَرِهِ (391)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 53)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 385)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 205). وَيُرَاجَعُ: ذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (2/ 117)، وَتَارِيْخُ الإِسْلَامِ (296)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 334)(5/ 299). وَأَخْبَارُهُ فيها جَمِيْعًا عَنْ أَخِيْهِ القَاضِي أَبي الحُسَيْنِ إلَّا بَعْضَ فَوَائدَ في "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لابنِ النَّجَّار، مَعَ أنَّه صَرَّحَ بنَقْلِهِ عَنِ "الطَّبَقَاتِ" بِخَطِّ أَبي الحُسَيْنِ. وفي "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ"(عَبْدُ اللهِ) خَطَأٌ ظَاهِرٌ مِنَ المُؤَلِّفِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ - بِدَلِيْلِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ "سَبْعٍ وَستِّيْنَ" وَالصَّحِيْحُ المُتَّفَقُ عَلَيْهِ أنَّهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ كَمَا أَثْبَتَ أَخُوْهُ، وَكَذلِكَ هِيَ "سبع" بِخَطِّ مُؤَلِّفِهِ ابنِ مُفْلِحٍ رحمه الله فِي "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ".

ص: 23

وَكَانَ قَدْ عَلَّقَ قَبْلَ سَفَرِهِ عَلَى الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَانَ قَدْ حَضَرَ قَبْلَ ذلِكَ دَرْسَ وَالِدِهِ، وَعَلَّقَ عَنْهُ، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجَالِسَ النَّظَرِ في الجُمَعِ وَغَيْرِهَا، وَيَتَكَلَّمُ فِي المَسَائِلِ مَعَ شُيُوْخِ عَصْرِهِ. وَكَانَ وَالِدُهُ يَأْتَمُّ بِهِ في صَلَاةِ التَّرَاوِيْحِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَكَانَ ذَا عِفَّةٍ، وَدِيَانَةٍ وَصِيَانَةٍ، حَسَنَ التِّلَاوَةِ للقُرْآنِ، كَثِيْرَ الدَّرْسِ لَهُ، مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِعُلُوْمِهِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ، وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالكُنَى، وَغَيْرِ ذلِكَ مِنْ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ، حَسَنَ القِرَاءَةِ، وَلَهُ خَطٌّ حَسَنٌ. وَلَمَّا وَقَعَتْ فِتْنَةُ ابنِ القُشَيْرِيِّ

(1)

: خَرَجَ إِلَى "مَكَّةَ"، فَتُوُفِّيَ فِي مُضِيِّهِ إِلَيْهَا بِمَوْضِع يُعْرَفُ بِـ "مَعْدِنِ النَّقِرَةِ"

(2)

أَوَاخِرَ ذِيْ القَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَلَهُ سِتٌّ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَنَيِّفٌ وَعُشْرُوْنَ يَوْمًا تَقْرِيْبًا. رحمه الله وَعَوَّضَهُ الجَنَّةِ.

‌10 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ

(3)

بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ هَارُوْنَ،

(1)

فِي "الطَّبَقَاتِ": "وَلَمَّا ظَهَرَتِ البِدَعُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ" وَابنُ القُشَيْرِيِّ: عبدُ الرَّحِيْم بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازن النَّيْسَابُوْرِيُّ (ت: 514 هـ) وَهُوَ مُؤَجِّجُ الفِتْنَةِ الَّتي قَامَتْ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الحَنَابِلَةِ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيَّةِ، وَكَانَ ابنُ القُشَيْرِيِّ مُتَعَصِّبًا للأشْعَرِيَّةِ، يُكْثِرُ الغَضَّ مِن شَأْنِ الحَنَابِلَةِ وَالحَطَّ عَلَيْهِمْ. يُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 305)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 104، 105)، وَنِهَايَةُ الأَرَبِ (23/ 243، 244)، ومرآةُ الجِنَانِ (3/ 97)، وَتَارِيْخُ الخُلَفَاءِ (424)

وَغَيرُهَا.

(2)

مُعْجَم البُلْدَانِ (5/ 345)، وَضَبْطُهَا في هَامِشِ "الطَّبَقَاتِ"(3/ 437).

(3)

10 - أَبُو الحَسَنِ البَرَدَانِيُّ (388 - 469 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 438)، ومُخْتَصَرِهِ (392)، وَمُخْتَصَرِ ذَيْلِ =

ص: 24

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 343)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 386)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ / 205). وَيُرَاجَعُ: المُنتظمُ (8/ 311)، وَتَارِيْخُ الإِسْلَامِ (300)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 335)(5/ 299)، وَذَكَرَ ابنُ الجَوْزِيِّ في "المُنتظم" أَنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ. وابنُهُ: أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَرَدَانِيُّ (ت: 498 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. وَابْنُهُ الآخَرُ: أَبُو يَاسِرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَرَدَانِيُّ (ت: 515 هـ) ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ (389)، وَقَالَ:"أَخُو أَبِي عَلِيٍّ، شَيْخٌ، صَالِحٌ، خَيِّرٌ. . ." نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَأَخُوْهُمَا - فِيْمَا يَظْهَرُ - عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ البَرَدَانِيُّ (ت: 500 هـ) ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخِ الإسْلَامِ (320)، لَمْ يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

- وَاشْتُهِرَ لأَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدُ مِنَ الوَلَدِ: شَمْسُ النَّهارِ بِنْتُ أَحْمَدَ بنُ مُحَمَّدٍ

(ت: 515 هـ) وَهِيَ زَوْجَةُ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَبدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبي غَالِبٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُنَازِلٍ الشَيْبَانيِّ البَغْدَادِيِّ البَيِّعِ المَعْرُوْفِ بـ "ابنِ زُرَيْقٍ"(ت: 535 هـ)، وَهِيَ أُمُّ نَصْرِ اللهِ المُبَارَكِ بنِ أَبي مَنْصُوْرٍ (ت: 553 هـ)، وآلُ زُرَيقٍ هَؤُلَاءِ بَيْتُ عِلْمٍ وَحَدِيْثٍ كَبِيْرٌ مَشْهُوْرٌ في زَمَنِهِ، بَرَزَ مِنْهُمْ عُلَمَاء ذَكَرْتُ بَعْضَهُم في هَامِشِ "الطَّبقات" التَّرْجَمَةِ رقم (683) وَسَيَأْتِي ذِكْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

- وَأُخْتُهَا: رَضِيَّةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ (ت: 564 هـ) ذَكَرَهَا ابنُ الدُّبَيْثِيِّ في ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ "المُخْتَصَرِ المُحْتَاج إِلَيْهِ"(3/ 261)، وَتَارِيْخ الإِسْلامِ (190)، وفي "المُختَصَرِ المُحْتَاج إِلَيه":"وَوُلِدَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ ذَكَرَهَا ابنُ مَشَّقٍ".

- وَاشْتُهِرَ لأبي يَاسِرٍ عَبْدِ اللهِ مِنَ الوَلَدِ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ (ت: 517 هـ) ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "تَارِيْخِ الإسْلَامِ"(417) وَقَالَ: "مِنْ بَيْتِ الحَدِيْثِ وَالفَضِيْلَةِ" نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

- وَمِنْ أَحْفَادِ أَبي يَاسِرٍ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَبي غَانِمِ بنِ أِبي يَاسِرٍ عَبْدِ اللهِ

ص: 25

أَبُو الحَسَنِ البَرَدَانِيُّ، الفَرَضِيُّ، الأَمِيْنُ، وَالِدُ الحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ، الآتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وُلِدَ بِـ "البَرَدَانِ" سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ - وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ - وَثَلَاثِمَائَةَ، وَنَشَأَ بِهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى "بَغْدَادَ" سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ واسْتَوْطَنَهَا، وَسَمِعَ الكَثيْرَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ رِزْقَوَيْهِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَانَ، وَأَخِيْهِ أَبِي القَاسِمِ، وَأَبِي الفَضْلِ التَمِيْمِيِّ، وَأَخِيْهِ أَبِي الفَرَجِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ مَخْلَدٍ، وَأَبِي عَلِيِّ بنِ شَاذَانَ، وَالبُرْقَانِيِّ، وَخَلْقٍ. وَرَوَى عَنْهُ وَلَدَاهُ: أَبُو عَلِيِّ، وَأَبُو يَاسِرٍ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ البَاقِي

(1)

وَغَيْرُهُم.

= ابنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ هَارُوْنَ البَرَدَانِيُّ (ت: 612 هـ) ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (1/ 128)، وَقَالَ:"مِنْ أَوْلَادِ المُحَدِّثِيْنَ". وَيُرَاجَعُ: التَّكْمِلَةُ لِوَفَيَاتِ النَّقَلَةِ (2/ 350)، وَتَلْخِيْصُ مَجْمَعِ الآدَابِ (5/ 390) وَلَقَبُهُ:"مُعِيْنُ الدِّيْنِ". وَلَمْ يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ، نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

- وَذَكَرَ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (4/ 18): عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَرَدَانِيَّ (ت: 537 هـ)، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ البَرَدَانِيُّ فَهَلْ هُوَ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ؟! وَهُنَاكَ مَجْمُوْعَةٌ من العُلَمَاءِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ إِلَّا أَنَّ اتصالَ أَنْسَابِهِمْ بِالمَذْكُوْرِ مُتَعَذِّرَةٌ؛ لِذلِكَ لَم أَذْكُرْهُم لا هُنَا وَلَا فِي مَوَاضِعِهِمْ؛ لِعَدَمِ الجَزْمِ بِذلِكَ، وَلَا أَجْزِمُ بِحَنْبَلِيَّتِهِمْ.

وَ (البَرَدَانِيُّ) مَنْسُوْبٌ إِلَى "البَرَدَانِ" مِنْ قُرَى "بَغْدَادَ" عَلَى سَبْعَةِ فَرَاسِخَ مِنْهَا. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (1/ 447).

(1)

مَشْيَخَةُ أَبِي بَكْرٍ "أَحَادِيْثُ الثِّقَاتِ"(ورقة: 85) قَالَ: " (شَيْخٌ آخَرُ) أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَرَدَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ العَطَّارِ. . ." وَذَكَرَ عِدَّةَ أَسَانِيْدٍ عَنِ ابنِ مَخْلَدٍ المَذْكُوْرِ، وَإِسْنَادًا وَاحِدًا عَنْ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى الأصْفهَانِيِّ، عَنِ =

ص: 26

قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى: صَحِبَ الوَالِدَ، وَتَرَدَّدَ إِلَى مَجَالِسِهِ في الفِقْهِ وَسَمَاعِ الحَدِيْثِ، وَكَان رَجُلًا صَالِحًا. قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: وَكَانَ رَجُلًا صَدُوْقًا، حَافِظًا لِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى، عَالِمًا بِالفَرَائِضِ وَقِسْمَةِ التَّرِكَاتِ، كَتَبَ بِخَطِّهِ الكَثِيْرَ، وَخَرَّجَ تَخَارِيْجَ، وَجَمَعَ فُنُوْنًا مِنَ الأَحَادِيْثِ وَغَيْرِهَا، وَخَطُّهُ رَدِيْءٌ كَثيْرُ السُّقْمِ، وَكَانَ أَمِيْنَ القَاضِي أَبي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي، ثُمَّ ذَكَرَ عَنِ ابْنِهِ أَبِي يَاسِرٍ عَبْدِ اللهِ أَنَّ أَبَاهُ أَبَا لحَسَنِ سَرَدَ الصَّوْمَ ثَلَاثِيْنَ سَنَةً، وَذَكَرَ عَنِ السِّلَفِيِّ أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ ابنِهِ أَبِي عَلِيٍّ، فَقَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ وَصَلَاحَهُ لَرَأَيْتَ العَجَبَ، رَوَى لَنَا عَنْ ابنِ رِزْقَوَيْهِ وَطَبَقَتِهِ، وَكَانَ فِقِيْهًا، وَضِيْئًا، مُحَدِّثًا، مَرْضِيًّا. وَذَكَرَ عَنِ ابنِ خَيْرُوْنَ أَنَّ البَرَدَانِيَّ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، ثِقَةً. وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِالقِرَاءَاتِ، وَالفَرَائِضِ، وَكَانَ ثِقَةً، عَالِمًا، صَالِحًا، أَمِيْنًا.

تُوُفِّيَ يَوْمَ الخَمِيْسِ ثَامِنَ عَشْرِيْنَ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِـ "بَابِ حَرْبٍ". كَذَا ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ. وَذَكَرَ ابنُ شَافِعٍ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ تَاسِعَ عِشْرِيْنَ ذِيْ القَعْدَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِهِ

= المَزْكُوْمِ، عَنِ الزَّمِنِ، عَنِ المَفْلُوْجِ، عَنِ الأَثْرَمِ، عَنِ الأَحْدَبِ، عَنِ الأَصَمِّ، عَنِ الضَّرِيْرِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الأَعْوَرِ، عَنِ الأَعْمَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَدِيْثٌ مُسَلْسَلٌ بِذَوِي أَلْقَابٍ خَلْقِيَّةٍ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا اخْتَارَهُ لِذلِكَ، فَأَهْلُ المَشْيَخَاتِ يُعْجَبُوْنَ بِالمُسَلْسَلَاتِ من هَذَا النَّحْوِ وَشَبَهِهِ، كَمَا يُعْجَبُونَ بِالغَرِيْبِ مِنْ أَسْمَاءِ الشُّيُوْخِ وَأنْسَابِهِمْ وأَلْقَابِهِمْ وَكُنَاهُمُ، وَيَتَعَمَّدُوْنَ إِيْرَادَهُمْ لِذلِكَ.

ص: 27

أَبِي عَلِيٍّ أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الخَمِيْسِ مُسْتَهَلَّ ذِيْ الحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ، قَالَ: وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي المَقْصُوْرَةِ، وَتَبِعَهُ خَلْقٌ عَظِيْمٌ. رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ "فَضِيْلَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ" رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو عَلِيٍّ.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الأَيُّوْبِيُّ الصُّوْفِيُّ بِـ "القَاهِرَةِ"(أَثَنَا) عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ، (أثَنَا) أَبُو عَلِيِّ الخُرَيْفُ (أَثَنَا) القَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِيّ، (أثَنَا) أَبُو الحَسَنِ البَرَدَانِيُّ، (أثنَا) أَبُو الحَسَنِ بنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، (أثَنَا) الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، (أَثَنَا) المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ عَاصِمًا الأَحْوَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي شَرَحْبِيْلٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيْدٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَابنَ عُمَرَ يُحَدِّثُوْنَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى"

(1)

.

وَأَخْبَرَنَاهُ - عَالِيًا - أَبُو الفَتْحِ المَيْدُوْمِيُّ

(2)

(أَثَنَا) عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ بنُ كُلَيْبٍ (أَثَنَا) أَبُو القَاسِمِ بنُ بَيَانٍ، (أَثَنَا) ابنُ مَخْلَدٍ - فَذَكَرَهُ.

(1)

السَّنَدُ كُلُّه في مَشْيَخَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَنُسْخَتِي قُرِأَتْ جَمَيْعُها عَلَى عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْد المُنْعِمِ الحَرَّانِيِّ المَذْكُوْرِ فِي مَجَالِسَ عِدَّةٍ وَسَمِعَهَا مِنْه خَلْقٌ ذَكَرَهُمُ النَّاسِخُ فِي أَوَاخِر الأَجْزَاءِ، وَهَذَا الحَدِيْثُ بِالسَّنَدِ المَذْكُوْرِ عَن الشَّيْخِ هُوَ أوَّل حَدِيْثٍ فِي المَشْيَخَةِ حَدَّثَ بِهِ عَنِ البَرَدَانِيِّ.

(2)

هُوَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّد بنِ إِبْرَاهِيْم بنِ أَبِي القَاسِمِ المَيْدُوْمِيُّ (ت: 754 هـ) شَيْخُ المُؤلِّفِ، وَشَيْخُ أَبِيْهِ كَمَا فِي مُعْجَم الشَّيْخِ شِهَابَ الدِّين (المُنْتَقَى) رقم (162) وَتُرَاجَعُ المُقَدِّمَة.

ص: 28

‌11 - عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عِيْسَى

(1)

بْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْبَدِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ، الشَّرِيْفُ، أَبُو جَعْفَرِ بنِ أَبِي

مُوْسَى الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ. وَ"أَبُو مُوْسَى" هُو

(2)

كُنْيَةُ جَدِّهِ الأَعْلَى عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى، هَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ فِي نَسَبِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبَاهُ القَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْن ابنُ القَاضِي، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابنُ السَّمْعَانِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. فَإِنَ الشَّرِيْفَ أَبَا جَعْفَرٍ هُوَ ابنُ أَخِ الشَّرِيْفِ أَبي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى صَاحِبِ "الإِرْشَاد". وَوَقَعَ في "تَارِيْخِ ابنِ شَافِعٍ" وَغَيْرِهِ: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى بنِ أَبي مُوْسَى عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ، وَهُوَ وَهْمٌ.

وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ عَالِمًا، فَقِيْهًا، وَرِعًا، عَابِدًا، زاهِدًا، قَوَّالًا بالحَقِّ، لَا يُحَابِي

(3)

، وَلَا تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.

(1)

11 - الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ (411 - 470 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابَلَةِ (3/ 439)، وَمُختَصَرِهِ (393)، ومَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (629)، وَمُخْتَصَرِهِ (72)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 2)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 144)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 388)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 206). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 315)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 546)، وَالعِبَرُ (3/ 273)، وَدُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 5)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (322)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 119)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 106)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 336)(5/ 302)، وَالمَدْخَلُ لابنِ بَدْرَان (308).

(2)

كَذَا فِي الأُصُوْلِ.

(3)

ساقطٌ من (أ) وفي "المُنْتَظَمِ" لابنِ الجَوْزِيِّ: "لا يُحَابِي أَحَدًا".

ص: 29

سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ بُشْرَانَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلَّالَ، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيَّ، وَأَبَا طَالِبٍ العُشَارِيَّ، وَغَيْرَهُمْ. وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَشَهِدَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله الدَّامَغَانِيِّ، ثُمَّ تَرَكَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ وَفَاتِهِ. وَلَمْ يَزَلْ يُدَرِّسُ بِمَسْجِدِهِ بِسِكَّةِ الخِرَقِيِّ

(1)

مِنْ "بَابِ البَصْرَةِ

(2)

" وَبِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، فَدَرَّسَ فِي مَسْجِدٍ مُقَابِلٍ لـ "دَارِ الخِلَافَةِ" ثُمَّ انْتَقَلَ - لِأَجْلِ الغَرَقِ

(3)

-

(1)

ذَكَرَ ابنُ النَّدِيْمِ أنَّها نُسِبَتْ إِلَى رَجُلٍ بِهَذَا اللَّقَبِ، كَانَ تِلْمِيْذًا لِجَابرِ بنِ حَيَّانَ

وَكَانَتْ تَقَعُ قُرُبَ مَقْبَرَةِ جَامِعِ المَنْصُوْرِ، واعتُبِرَتْ مِن نَوَاحِي بَابِ البَصْرَةِ". كَذَا جَاءَ فِي كِتَابِ بَغْدَاد مَدِيْنَةِ السَّلَامِ "الجَانِبِ الغَرْبِي" للدُّكتور صالح العلي (1/ 279) قَالَ: "وَمِمَّنْ ذُكِرَ نُزُوْلُهُ فِيْهَا

وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ عِيْسَى الهَاشِمِيُّ (421 - 470) الَّذِي بَنَى مَسْجِدًا فِيْهَا. . ." وَأَحَالَ عَلَى كِتَابِنَا هَذَا وَ"الطَّبَقَاتِ" لابنِ أَبِي يَعْلَى وَ"المُنْتَظَمِ" لابْنِ الجَوْزِيِّ، وَيُرَاجَعُ: الفِهْرِسْتُ لابنِ النَّدِيْمِ (421).

(2)

بَابُ البَصْرَةِ: حَيٌّ مَشْهُوْرٌ بـ "بَغْدَادَ"، يُنْسَبُ إِلَيْهِ كَثِيْرٌ مِنْ مَتَأَخِّرِي الحَنَابِلَةِ.

(3)

في (ط): "لأجْلِ مَا لَحِقَ نَهْرِ المُعَلَّى مِنَ الغَرَقِ" وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَضَافَهَا الدُّكتور هَنري لاووُست، والدُّكتور سَامي الدَّهَّان في تَحْقِيْقِهِمَا الجُزْءَ الأَوَّل مِنَ "الذَّيل" أَضَافَاهَا مِنَ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَأَشَارَا إِلَيْهِ فِي الهَامِشِ، ثُمَّ أَضَافَهَا الشَّيخُ حَامِدٌ الفَقي إِلَى الأَصْلِ دُوْنَ إِشَارَةٍ، وَمَا أَثْبَتُّهُ هُو اتِّفَاقُ النُّسَخِ، وَهُوَ أَيْضًا نصُّ ابنِ الجوزيِّ فِي "المُنْتَظَمِ" وَ (نَهْرُ المُعَلَّى) حَيٌّ كَبِيْرٌ مِن أَحْيَاءِ "بَغْدَادَ". قَالَ يَاقُوْتٌ الحَمَويُّ فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ (5/ 374):"وَهُوَ اليَوْمَ أَشْهَرُ وَأَعْظَمُ محلَّةٍ بـ "بَغْدَادَ"، وَبِهَا دَارُ الخِلَافَةِ المُعَظَّمَةِ

يُنْسَبُ إِلَى المُعَلَّى بنِ طَرِيْفٍ مَوْلَى المَهْدِيِّ، وكَانَ مِنْ كِبَارِ قُوَّادِ الرَّشِيْدِ، جُمِعَ لَهُ مِنَ الأعْمَالِ مَا لَمْ يُجْمَعْ لِكَبِيْرِ أَحَدٍ، وَلِيَ المُعَلَّى "البَصْرَةَ"، وَ"فَارِسَ"، وَ"الأهْوَازَ"، وَ"اليَمَامَةَ" وَ"البَحْرَيْن" وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي تَارِيْخِ الطَّبَرِيِّ (8/ 160، 163، 16، 653

) وَغَيْرِهَا.

ص: 30

إِلَى "بَابِ الطَّاقِ

(1)

" وَسَكَنَ "دَرْبَ الدِّيْوَانِ

(2)

" مِنَ "الرُّصَافَةِ"، وَدَرَّسَ بِمَسْجِدٍ

(1)

مَحَلَّةٌ كَبِيْرَةٌ بِالجَانبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ "بَغْدَادَ"، تُعْرَفُ بِـ "طَاقِ أَسْمَاءَ" نِسْبَةً إِلَى أَسْمَاءَ بنتِ المَنْصُوْرِ. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (1/ 366، 4/ 6). قَالَ يَاقُوْتُ: اجْتَازَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ بِهَا فَرَأَى قُمْرِيَّةً تَنُوْحُ فَأَمَرَ بِشِرَائِهَا وَإِطْلَاقِهَا، فَامتَنَعَ صاحِبُهَا أَنْ يَبِيْعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِمَائَةَ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَاهَا بِذلِكَ وَأَطْلَقَهَا وَأَنْشَدَ يَقُوْلُ:

نَاحَتْ مُطَوَّقَةٌ بِبَابِ الطَّاقِ

فَجَرَتْ سَوَابِقُ دَمْعِيَ المِهْرَاقِ

كَانَتْ تُغَرِّدُ بِالأرَاكِ وَرُبَّمَا

كَانَتْ تُغَرِّدُ فِي فُرُوْعِ السَّاقِ

فَرَمَى الفِرَاقُ بِهَا العِرَاقَ فَأَصْبَحَتْ

بَعْدَ الأَرَاكِ تَنُوْحُ في الأَسْوَاقِ

فُجِعَتْ بِأَفْرُخِهَا فَأَسْبَلَ دَمْعُهَا

إِنَّ الدَّمُوعَ تَبُوْحُ بِالمُشْتَاقِ

تَعِسَ الفِرَاقُ وَبُتَّ حَبْلُ وَتِيْنِهِ

وَسَقَاهُ مِنْ سُمِّ الأسَاوِدِ سَاقِي

مَاذَا أَرَادَ بِقَصْدِهِ قُمْرِيَّةً

لَمْ تَدْرَ مَا بَغْدَادَ فِي الآفَاقِ

بِي مِثْلُ مَا بِكَ يَا حَمَامَةُ فَاسْأَلِي

مَنْ فَكَّ أَسْرَكِ أَنْ يَحِلَّ وَثَاقِي

وَقْدْ رُوِيَ أَنَّ صاحِبَ القِصَّةِ فِي إِطْلَاقِ القُمْرِيَّةِ هُوَ اليَمَانُ بنُ أَبِي اليَمَانِ البَنْدَنِيْجِيُّ، الشَّاعِرُ، الضَّرِيْرُ، مُصَنِّفُ كِتَابِ "التَّقْفِيَةِ فِي اللُّغَةِ" وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي كِتَابِ "مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ". يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ الأُدبَاءِ (6/ 2844)، وَكِتَابُهُ "التَّفْقِيْهُ في اللُّغَةِ" مَطْبُوعٌ بِبَغْدَادَ سَنَةَ (1976 م) بِتَحْقِيْقِ خَلِيْل إبراهيم العَطِيَّة، وَهُوَ كِتَابٌ مُفِيْدٌ إِلَى الغَايَةِ.

(2)

يُرَاجَعُ: كِتَابُ "بَغْدَادَ مَدِيْنَةِ السَّلَامِ"، تَأْلِيْفُ الدُّكتُور صَالِح أحْمَد العَلِي (2/ 189) عن المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ (ورقة: 166) وَهُوَ فِي "شَارِعِ دَارِ الرَّقِيْقِ" بِالجَانِبِ الغَرْبِيِّ من "بَغْدَادَ". كَمَا يَقُوْلُ يَاقُوْتٌ فِي مُعْجَمِ البُلدَانِ (3/ 348)، وَقَوْلُ المُؤَلِّفِ هُنَا:"مِنَ الرُّصافَةِ" يَقُوْلُ يَاقُوتٌ الحَمَوِيُّ في المُعْجَمِ أيضًا (4/ 53): "رُصَافَةُ بَغْدَادَ: بِالجَانِبِ الشَّرْقِيِّ .. "؟! وَأَضَافَهَا إِلَى "بَغْدَادَ" لأنَّ فِي كَثيْرٍ مِنَ البُلْدَانِ رُصَافَةً، منْهَا "رُصَافَةُ البَصْرَةِ"، وَ"رُصَافَةُ الشَّامِ"، وَ"رُصَافَةُ الحِجَازِ"، وَ"رُصافَةُ قُرْطُبَةَ"، وَ"رُصافَةُ نَيْسَابُوْرَ"، وَ"رَصافَةُ =

ص: 31

مُقَابِلٍ لِـ "دَارِ الدَّرْبِ" وَبِجَامِعِ المَهْدِيِّ.

وَذَكَرَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ نَحْوَ ذلِكَ، وَقَالَ: بَدَأَ بِدَرْسِ الفِقْهِ عَلَى الوَالِدِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ إِلَى سنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، يَقْصُدُ إِلَى مَجْلِسِهِ وَيُعَلِّقُ، وَيُعِيْدُ الدَّرْسَ

(1)

فِي الفُرُوْعِ وَأَصُوْلِ الفِقْهِ. وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ، وَدَرَّسَ، وَأَفْتَى فِي حَيَاةِ الوَالِدِ.

وَكَانَ مُخْتَصَرَ الكَلَامِ، مَلِيْحَ التَّدْرِيْسِ، جَيِّدَ الكَلَامِ فِي المَنَاظَرَةِ، عَالِمًا بِالفَرَائِضِ، وَأَحْكَامِ القُرْآنِ وَالأُصُوْلِ، وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ للنَّظَرِ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ، وَيَقْصِدُهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ المُخَالِفِيْنَ، وَكَانَ شَدِيْدَ القَوْلِ وَاللِّسَانِ عَلَى أَهْلِ البِدَعِ، وَلَمْ تَزَلْ كَلِمَتُهُ عَالِيَةً عَلَيْهِمْ، وَلَا يَرُدُّ يَدَهُ عَنْهُم أَحَدٌ

(2)

، وَانْتَهَى إِلَيْهِ فِي وَقْتِهِ الرِّحْلَةُ لِطَلَبِ مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: إِمَامُ الحَنَابِلَةِ فِي عَصْرِهِ بِلَا مُدَافَعَةٍ، مَلِيْحُ التَّدْرِيْسِ، حَسَنُ الكَلَامِ فِي المُنَاظَرَةِ، وَرِعٌ، زَاهِدٌ، مُتْقِنٌ، عَالِمٌ بِأَحْكَامِ القُرْآنِ وَالفَرَائِضِ، مَرْضِيُّ الطَّرِيْقَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ شُيُوْخِهِ، وَقَالَ: رَوَى لَنَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي البَزَّارُ

(3)

، وَلَمْ يُحَدِّثْنَا عَنْهُ غَيْرُهُ.

= وَاسِطَ" .. ". وفي كتابه "المُشْتَرَكِ وَضْعًا"(205) قَالَ: " (بَابٌ) الرُّصَافَةِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا".

(1)

في (أ) فقط: "الدُّروس".

(2)

في (أ): "عن أحدٍ منهم".

(3)

يُرَاجَعُ: مَشْيَخَة أَبِي بَكْرٍ المَذْكُوْرِ "أَحَادِيْثُ الثِّقَاتِ"(وَرَقَة: 101).

ص: 32

وَقَالَ ابنُ خَيْرُوْن

(1)

: مُقَدَّمُ

(2)

أَهْلِ زَمَانِهِ شَرَفًا، وَعِلْمًا، وَزُهْدًا.

وَقَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: كَانَ يَفُوْقُ الجَمَاعَةَ مِنْ [أَهْلِ]

(3)

مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِمْ فِي عِلْمِ الفَرَائِضِ، وَكَانَ عِنْدَ الإِمَامِ - يَعْنِي الخَلِيْفَةَ - مُعَظَّمًا حَتَّى إنَّه وَصَّى

(4)

عِنْدَ مَوْتِهِ بِأَنْ يُغَسِّلَهُ، تَبرُّكًا بِهِ، وَكَانَ حَوْلَ الخَلِيْفَةِ مَا لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لأخَذَهُ، وَكَانَ ذلِكَ كفَايَةَ عُمُرِهِ فَوَاللهِ مَا الْتَفَتَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ، بَلْ خَرَجَ وَنَسِيَ مَئْزَرَهُ حَتَّى حُمِلَ إِلَيْهِ. قَالَ: وَلَمْ يُشْهَدْ مِنْهُ أَنَّهُ شَرِبَ مَاءً فِي حَلْقَةٍ عَلَى شِدَّةِ الحَرِّ، وَلَا غَمَسَ يَدَهُ فِي طَعَامِ أَحَدٍ مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا.

قُلْتُ: وَللشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ تَصَانِيْفُ عِدَّةٌ، مِنْهَا "رُؤُوْسُ المَسَائِلِ"

(5)

وَهِيَ مَشْهُوْرَةٌ، وَمِنْهَا "شَرْحُ المَذْهَبِ" وَصَلَ فِيْهِ إِلَى أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَسَلَكَ فِيْهِ مَسْلَكَ القَاضي فِي "الجَامِعِ الكَبِيْرِ"

(6)

. وَلَهُ "جُزْءٌ" في أَدَبِ الفِقْهِ، وَ"بَعْضُ فَضَائِلِ أَحْمَدَ وَتَرْجِيْحِ مَذْهَبِهِ".

(1)

في (أ) و (ب) و (جـ): "ابنُ أَبي خَيْرُوْنَ" وَهُوَ الإمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ خَيْرُوْن البَغْدَادِيُّ (ت: 488 هـ). يُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 78)، وَسِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (19/ 105)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1207)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (9/ 310)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 383).

(2)

في (أ) و (ب): "تقدم".

(3)

عَنْ (ط) وَوُجُوْدُهَا ضَرُورِيٌّ.

(4)

في (أ) فقط: "أوصى" وأوصى وَوَصَّى مَعْنَاهُمَا وَاحِدٍ.

(5)

كِتَابُهُ هَذَا مَشْهُوْرٌ وَهُوَ مَوْجُوْدٌ، لَمْ يُطْبَعْ بَعْدُ حَتَّى سَنَةَ (1423 هـ) وَهُوَ كِتَابٌ مُهِمٌّ مِنْ كُتُبِ المَذْهَبِ، لَكِن للكُتُبِ حُظُوْظٌ كَحُظُوْظِ الرِّجَالِ.

(6)

يَقْصُدُ بِهِ كِتَابَهُ "التَّعْلِيْقَةَ. . ." وَهُوَ مَشْهُوْرٌ تُوْجَدُ قِطَعٌ منه.

ص: 33

وَقَدْ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَكَابِرِ المَذْهَبِ كَالحَلْوَانِيِّ، وَابنِ المُخَرِّمِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ. وَكَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ، زَاهِدًا

(1)

فِي الدُّنْيَا إِلَى الغَايَةِ، قَائِمًا فِي إِنْكَارِ المُنْكَرَاتِ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ، مُجْتَهِدًا فِي ذلِكَ.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ، وَابنُ الجَوزِيِّ: لَمَّا احْتُضِرَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى أَوْصَى أَنْ يُغَسِّلَهُ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ، فَلَمَّا احْتُضِرَ القَائِمُ بِأَمْرِ اللهِ

(2)

قَالَ: يُغَسِّلُنِي عَبْدُ الخَالِقِ، فَفَعَلَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِمَّا هُنَاكَ شَيْئًا، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ وَصَّى لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِأَشْيَاءٍ كَثيْرَةٍ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ، فَقِيْلَ لَهُ: فَقَمِيْصُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ تتَبَرَّكُ بِهِ؟ فَأَخَذَ فُوْطَةَ نَفْسِهِ، فَنَشَّفَهُ بِهَا، وَقَالَ: قَدْ لَحِقَ هَذِهِ الفُوْطَةَ بَرَكَةُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فِي مَكَانِهِ المُقْتَدِي، فَبَايَعَهُ مُنْفَرِدًا، قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ، وَقَالَ الشَّرِيْفُ: لَمَّا بَايَعتُهُ أَنْشَدْتُهُ

(3)

:

(1)

في (أ) فقط: "زاهدٌ".

(2)

هُوَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الإمَامِ القَادِرِ باللهِ أَحْمَدَ. بُوْيعَ بِالخِلَافَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْن وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَتُوفَيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرَبْعِمَائَةَ، وَزَادَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ عَلَى أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. يُرَاجَعُ: الإنْبَاءُ بتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ (201)، وَالجَوْهَرُ الثَّمِيْنُ (192)، وَمَآثِر الإِنَافَة (1/ 11)، وَتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ للسُّيوْطِيِّ (454) وَغَيْرُهَا.

(3)

ذَكَرَ ذلك الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي "تَارِيْخ الإسْلَام" فِي وَفَاةِ الخَلِيْفَةِ القَائِمِ بِأَمْرِ اللهِ وَولَايَةِ المُقْتَدِي. وَالبَيْتُ مِن قَصِيْدَةٍ تُنْسَبُ إِلَى السَّمْوأَلِ بنِ عَادِيَا اليَهُودِيِّ، وَرُبَّمَا نُسِبَتْ إلى عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحَارثِيِّ في ديوانه (89)، وَأَوَّلُهَا:

إِذَا المَرْءُ لَمْ يَدْنَس مِنَ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ

فَكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيْهِ جَمِيْلُ

وَإِنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ عَلَى النَّفِيْسِ ضَنيْمَهَا

فَلَيْسَ عَلَى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبِيْلُ =

ص: 34

* إِذَا سَيِّدٌ مِنَّا مَضَى قَامَ سَيِّدٌ *

ثُمَّ أُرْتِجَ عَلَيَّ تَمَامُهُ، فَقَالَ هُوَ:

* قَؤُوْلٌ لِمَا قَالَ الكِرَامُ فَعُوْلُ *

قَالَ: وَأَنْبأَنَا ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ

(1)

عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ قَالَ: مَا حَسَدْتُ أَحَدًا إلَّا الشَّرِيْفَ أَبَا جَعَفْرٍ في ذلِكَ اليَوْمِ، وَقَدْ نِلْتُ مَرْتَبَةَ التَّدْرِيْسِ، وَالتَّذْكِيْرِ، وَالسِّفَارَةِ بَيْنَ المُلُوْكِ، وَرِوَايَةِ الأحَادِيْثِ، وَالمَنْزِلَةِ اللَّطِيْفَةِ عِنْدَ الخَاصِّ وَالعَامِّ، فَلَمَّا كَانَ ذلِكَ اليَوْمِ خَرَجَ الشَّرِيْفُ عَلَيْنَا وَقَدْ غَسَّلَ القَائِمَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِذلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَقْبَلْ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا، ثُمَّ انْسَلَّ طَالِبًا لِمَسْجِدِهِ، وَنَحْنُ كُلٌّ مِنَّا جَالِسٌ عَلَى الأَرْضِ مُخْتَفٍ، مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ، مُخَرِّقٌ لِثَوْبِهِ، يَهُوْلُهُ مَا يَحْدُثُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ هَذَا الرَّجُلُ، عَلَى قَدْرِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِمْ، فَعَرَفْتُ أَنَّ الرَّجُلَ هُوَ ذلِكَ. قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: قُلْتُ لَهُ

(2)

بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَهُ:

= وَفِي القَصِيْدَة مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِلْحَارِثِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ:

فَإِنَّ بَنِي الدَّيَّان قُطْبٌ لِقَوْمِهِمْ

تَدُوْرُ رَحَاهُمْ حَوْلَهُمْ وَتَجُوْلُ

فَـ "بَنُو الدَّيَّان" من بَني الحَارِثِ بنِ كَعْبٍ، فالدَّيَّانُ؛ يَزِيْدُ بنُ قَطَنِ بنِ زِيَادِ بنِ الحَارِثِ بنِ مَالِكِ بنِ كَعْبِ بنِ الحَارِثِ بنِ كَعْبٍ، كَذَا في "جَمْهرة أَنْسَابِ العَرَبِ" لابن حزمٍ (416)، قَالَ:"وَهُمْ بَيْتُ مَذْحِجٍ أَخْوَالُ أَبِي العَبَّاسِ السَّفَّاحِ". وَقَوْلُهُ: "أُرْتِجَ" اسْتُغْلِقَ، وَأَصْلُ الرِّتَاجِ: البَابُ.

(1)

في (ط): "عَبْدُ الله" وفي "المُنْتَظَم": أنبأنا عَلِيُّ بنُ عُبَيْدِ الله، وَهُوَ الصَّحِيْحُ، وَالمَقْصُوْدُ بِهِ عَلِيُّ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَصْرِ بنِ السَّرِيِّ الزَّاغُوْنِيُّ (ت: 527 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، وَيُرَاجَعُ: مَشْيَخَةُ ابنِ الجَوْزِيِّ (79) الشَّيخُ الثَّالِثَ عَشَرَ (ط) دارِ الغَرْبِ سَنَةَ (1400 هـ).

(2)

في (ط) بطبعتيها: "قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: أَي: ابنُ أَبي يَعْلَى قُلْتُ لَهُ: أَيْ لِعَبْدِ الخَالِقِ" =

ص: 35

أَيْنَ سَهْمُنَا مِمَّا كَانَ هُنَاكَ؟ فَقَالَ: أَحْيَيْتُ جَمَالَ شَيْخِنَا وَالِدِكَ الإِمَامِ أَبِي يَعْلَى، يُقَالُ: هَذَا غُلَامُهُ تَنَزَّهُ عَنْ هَذَا القَدْرِ الكَثِيْرِ، فَكَيْفَ لَوْ كَانَ هُوَ؟

وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَة اجْتَمَعَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعَفَرٍ وَمَعَهُ الحَنَابِلَةُ فِي جَامِعِ القَصْرِ، وَأَدْخَلُوا مَعَهُم أَبَا

(1)

إِسْحَق الشِّيْرَازِيَّ وَأَصْحَابُهُ، وَطَلَبُوا مِنَ الدَّوْلَةِ قَلْعَ المَوَاخِيْرِ

(2)

، وَتَتَبُّعُ المُفْسِدِيْنَ وَالمُفْسِدَاتِ، وَمَنْ يَبِيْعُ النَّبِيْذَ، وَضَرْبَ دَرَاهِمَ تَقَعُ بِهَا المُعَامَلَةُ عِوَضَ القُرَاضَةِ

(3)

، فَتَقَدَّمَ الخَلِيْفَةُ

(4)

بِذلِكَ، فَهَرَبَ المُفْسِدَاتُ، وَكُبِسَتِ الدُّوْرُ، وَأُرِيْقَتِ الأَنْبِذَةُ،

= وَهَاتَان العِبَارَتَانِ الزَّائِدَتَانِ مُعَلَّقَتَانِ فِي نُسْخَةِ (هـ) يَظْهَرُ أنَّها تَوْضِيْحٌ من النَّاسِخِ، وَلَيْسَتَا من كَلَامِ المُؤَلِّفِ؛ لِخُلُوِّ مَا عَدَاهَا مِنَ النُّسَخِ مِنْهُمَا.

(1)

في (أ): "أبو"، وَأَبُو إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ بنِ يُوْسُفَ الفَيْرُوْزَآبَادِيُّ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ (ت: 476 هـ) مَشْهُوْرٌ جِدًّا.

(2)

المَوَاخِيْرُ جَمْعُ مَاخُوْرٍ: بَيْتُ الخَمْرِ، مُعَرَّبُ مَيْخُوْرُ، وَبَيْتُ الرِّيْبَةِ، وَمَنْ يَلِي ذلِكَ البَيْتَ وَيَقُوْدُ إِلَيه، مُعَرَّبُ مَيْ خُوْرا، وَقِيْلَ: عَرَبِيٌّ مِنْ مَخَرَتِ السَّفِيْنَةُ المَاءَ؛ لتَرَدُّدِ النَّاسِ إِلَيْه، وَالجَمْعُ: مَوَاخِيْرُ، وفي حَدِيْثِ زِيَادٍ - لمَّا قَدِمَ البَصْرَةَ وَالِيًا - قَالَ: مَا هَذِهِ المَوَاخِيْرُ، الشَّرَابُ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُسَوَّى بِالأَرْضِ هَدْمًا وَحَرْقًا"، قَالَ جَرِيْرٌ [ديوانُهُ: 485]:

فَمَا فِي كِتَابِ اللهِ هَدْمُ دِيَارِنَا

بِتَهْدِيْمِ مَاخُوْرٍ خَبِيْثٍ مَدَاخِلُه

هكَذَا فِي قَصْدِ السَّبِيْلِ للمُحبِّيِّ (2/ 430)، وَيُرَاجَعُ: القَامُوْس (مَخَرَ) وَشَرْحُهُ "تاج العَرُوْسِ" وَفِيْهِ: "وَالمَاخُوْرُ بَيْتُ الرِّيْبَةِ، وَمَجْمَعُ أَهْلِ الفِسْقِ وَالفَسَادِ، وَمَجْلِسُ الخَمَّارِيْن" وَالقَوْلُ بِعَرَبِيَّتِهَا عَنْ ثَعْلَبٍ. وَحَدِيْثُ زِيَادٍ في الفَائِقِ (3/ 351)، وَالنِّهَايَةِ (4/ 306).

(3)

القُرَاضَةُ: قِطَعُ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.

(4)

في (ط) الفقي: "الخَلْفِيَّةُ" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

ص: 36

وَوَعَدُوا بِقَلْعِ المَوَاخِيْرِ، وَمُكَاتَبَةِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ

(1)

بِرَفْعِهَا، وَالتَّقَدُّمِ بِضَرْبِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي يُتَعَامَلُ بِهَا، فَلَمْ يَقْنَعِ الشَّرِيْفُ، وَلَا أَبُو إِسْحَقَ بِهَذَا الوَعْدِ، وَبَقِيَ الشَّرِيْفُ مُدَّةً طَوِيْلَةً مُتَعَتِّبًا، مُهَاجِرًا لَهُمْ، وَحَكَى أَبُو المَعَالِي صَالِحُ بنُ شَافِعٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّ الشَّرِيْفَ رَأَى مُحَمَّدًا وَكِيْلَ الخَلِيْفَةِ حِيْنَ غَرِقَتْ "بَغْدَادُ" سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْن

(2)

، وَجَرَى عَلَى دَارِ الخِلَافَةِ العَجَائِبُ، وَهُمْ فِي غَايَةِ التَّخَبُّطِ، فَقَالَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ: لَبَّيْكَ يَا سَيِّدَنَا، فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُ: كَتَبْنَا وَكَتَبْتُمْ، وَجَاءَ جَوَابُنَا قَبْلَ جَوَابِكُمْ، يُشِيْرُ إِلَى قَوْلِ الخَلِيْفَةِ: سَنُكَاتِبُ فِي رَفْعِ المَوَاخِيْرِ، وَيُرِيْدُ بِجَوَابِهِ الغَرَقَ وَمَا جَرَى فِيْهِ.

وَفِي سَنَةِ سِتِّينَ وَأَرْبَعِمَائَةَ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بنُ الوَلِيْدِ

(3)

- شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ - قَدْ عَزَمَ عَلَى إِظْهَارِ مَذْهَبِهِ لأَجْلِ مَوْتِ الشَّيْخِ الأَجَلِّ أَبِي مَنْصُوْرِ بنِ يُوْسُفَ

(4)

،

(1)

لَيْسَ هُوَ عَضُدُ الدَّولَةِ المَشْهُوْرُ فَنَّاخُسرو (ت: 372 هـ)؟! وَالسُّلطَانُ هُوَ عَمِيْدُ الدَّوْلَةِ ابنُ فَخْرِ الدَّوْلِةِ.

(2)

خَبَرُ غَرَقِ "بَغْدَادَ" في المُنْتَظَمِ (8/ 284)، وَالكَامِلِ فِي التَّارِيْخِ (10/ 90 - 91)، وَتَارِيْخِ دَوْلَةِ آلِ سَلْجُوْقٍ (51)، وَالإِنْبَاءِ بِتَارِيْخِ الخُلفَاءِ (200)، وَالعِبَرِ (3/ 261)، وَدُوَلِ الإِسْلامِ (1/ 275)، وَتَاريخِ الإسلامِ (24)، وَمِرْآةِ الجِنَانِ (3/ 93)، وَتَارِيْخِ ابنِ الوَرْدِيِّ (1/ 377)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 109)، وَتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ (422)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 324).

(3)

مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيْدِ، أَبُو عَلِي الكَرْخِيُّ (ت: 478 هـ). أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 20)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (18/ 489)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (2/ 84)، وَطَبَقَاتِ المُعْتَزِلَةِ (60)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 362).

(4)

هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ يُوْسُفَ (ت: 460 هـ) ذَكَرْتُهُ في الاسْتِدْرَاكِ عَلَى المُؤَلِّفِ.

ص: 37

فَقَامَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعَفَرِ وَعَبَرَ إِلَى جَامِعِ المَنْصُوْرِ هُوَ وَأَهْلُ مَذْهَبِهِ، وَسَائِرِ الفُقَهَاءِ، وَأَعْيَانُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، وَبَلَغُوا

(1)

ذلِكَ، فَفَرَحَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِذلِكَ، وَقَرَأُوا كِتَابَ "التَّوْحِيْدِ"

(2)

لابنِ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ حَضَرُوا الدِّيْوَانَ، وَسَأَلُوا إِخْرَاجَ الاعْتِقَادِ الَّذِي جَمَعَهُ الخَلِيْفَةُ القَادِرُ

(3)

، فَأُجِيْبُوا إِلَى ذلِكَ، وَقُرِئَ هُنَاكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الجَمِيْعِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى لَعْنِ مَنْ خَالَفَهُ، وتَكْفِيْرِهِ، وَبَالَغَ ابنُ فُوْرَكَ

(4)

فِي ذلِكَ، ثُمَّ سَأَلَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعَفَرٍ، وَالزَّاهِدُ الصَّحْرَاوِيُّ

(5)

أَنْ يُسَلَّمَ إِلَيْهِمْ الاعْتِقَادُ، فَقَالَ لَهُمُ الوَزِيْرُ: لَيْسَ هَهُنَا نُسْخَةٌ غَيْرَ هَذِهِ، وَنَحْنُ نَكْتُبُ لَكُمْ بِهِ نُسْخَةٌ لِتُقْرَأَ فِي المَجَالِسِ، فَقَالُوا: هكَذَا فَعَلْنَا فِي أَيَّامِ القَادِرِ، قُرِئَ في المَسَاجِدِ وَالجَوَامِعِ، فَقَالَ: هكَذَا تَفْعَلُوْنَ، فَلَيْسَ اعْتِقَادٌ غَيْرَ هَذَا، وَانْصَرَفُوا، ثُمَّ قُرِئَ بَعْدَ ذلِكَ الاعْتِقَادُ بِـ "بَابِ البَصْرَةِ"، وَحَضَرَهُ الخَاصُّ وَالعَامُّ.

(1)

في (أ): "مَنَعُوًا".

(2)

الإِمَامُ المَشْهُوْرُ صَاحِبُ "الصَّحِيْحِ" مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَقَ (ت: 311 هـ) قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "وَكِتَابُهُ فِي التَّوْحِيْدِ مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ".

(3)

أَبُو العَبَّاس أَحْمَدُ بنُ إِسْحَقَ الخَلِيْفَةُ (ت: 422 هـ) وَكَانَتْ مُدَّةُ خَلَافَتِهِ تَزِيْدُ عَلَى ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. أخبارُهُ في: الإِنْبَاءِ فِي تَارِيْخِ الخُلَفَاءِ (183)، وَدُوَلِ الإِسْلامِ (1/ 252)، وَالعِبَرِ (3/ 148)، وَالجَوْهَرِ الثَّمِيْنِ (189)، وَتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ (442)، وَمَآثِر الإِنَافَةِ (318)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 31).

(4)

ابْنُ فُوْرَكَ أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى (ت: 410 هـ) تَقَدَّمَ التَعْرِيْفُ بِهِ.

(5)

لَمْ أَعْرِفْهُ بَعْدُ، وَلَعَلَّه لَمْ يَكُنْ مِن أَهْلِ العِلْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالفَضْلِ.

ص: 38

وَكَذلِكَ أَنْكَرَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى ابنِ عَقِيْلٍ تَرَدُّدَهُ إِلَى ابنِ الوَلِيْدِ وَغَيْرِهِ، فَاخْتَفَى مُدَّةً، ثُمَّ تَابَ وَأَظْهَرَ تَوْبَتَهُ، وَسَنَذْكُرُ مَضمُوْن ذلِكَ فِي تَرْجَمَةِ ابنِ عَقِيْلٍ إِنْ شَاءَ الله

(1)

.

وآخرُ ذلِكَ كُلِّهِ: فِتْنَةُ ابنِ القُشَيْرِيِّ

(2)

، قَامَ فِيْهَا الشَّرِيْفُ قِيَامًا كُلِّيًّا، وَمَاتَ فِي عَقِبِهَا، وَمَضْمُوْنُ ذلِكَ أَنَّ أَبَا نَصْرِ بنِ القُشَيْرِيِّ وَرَدَ "بَغْدَادَ" سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَجَلَسَ فِي "النِّظَامِيَّةِ" وَأَخَذَ يَذُمُّ الحَنَابِلَةِ، وَيَنْسِبُهُمْ إِلَى التَّجْسِيْمِ، وَكَانَ المُتَعَصِّبُ لَهُ أَبُو سَعْدٍ

(3)

الصُّوْفِيُّ - وَمَالَ إِلَى نَصْرِهِ أَبُو إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيُّ - وَكَتَبَ إِلَى نِظَامِ المُلْكِ الوَزِيْرِ يَشْكُو الحَنَابِلَةَ، وَيَسْأَلُهُ المَعُوْنَةَ، فاتَّفَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ عَلَى الهُجُوْمِ عَلَى الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ فِي مَسْجِدِهِ، وَالإِيْقَاعِ بِهِ، فَرَتَّبَ الشَّرِيْفُ جَمَاعَةً أَعَدَّهُمْ لِرَدِّ خُصُوْمةٍ إِنْ وَقَعَتْ، فَلَمَّا وَصَلَ أُوْلَئِكَ إِلَى بَابِ المَسْجِدِ رَمَاهُمْ هَؤُلَاءِ بِالآجُرِّ، فَوَقَعَتِ الفِتْنَةُ، وَقُتِلَ مِنْ أُوْلَئِكَ رَجُلٌ مِنَ العَامَّةِ وَجُرِحَ آخَرُوْنَ، وَأُخِذَتْ ثِيَابٌ، وَأَغْلَقَ أَتْبَاعُ ابنِ القُشَيْرِيِّ أَبْوَابَ سُوْقِ مَدْرَسَةِ النِّظَامِ

(4)

، وَصَاحُوا:

(1)

بعدها في (ط) فقط: "تَعَالَى". تُرَاجَعُ تَرْجَمَتُهُ رَقم (67) ص (322).

(2)

ابنُ القُشَيْرِيِّ صَاحِبُ الفِتْنَةِ هُو عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِن القُشَيْرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ (ت: 514 هـ). تَقَدَّمَ ص (24).

(3)

في هامش (أ): "سعيد" قِرَاءَةُ نُسْخَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ المُعَمَّرُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي عِمَامَة أَبُو سَعْدٍ الصُّوْفِيُّ (ت: 506 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ فِي هَذَا الجُزْءِ ص (248).

(4)

مِنْ أَشْهَرِ المَدَارِسِ ببَغْدَادَ تُعْرَفُ بِـ "المَدْرَسَةِ النِّظاميَّة".

ص: 39

المُسْتَنْصِرَ باللهِ

(1)

، يَا مَنْصُوْرُ - يَعْنُوْنَ العُبَيْدِيَّ صَاحِبَ "مِصْرَ" - وَقَصَدُوا بِذلِكَ التَّشْنِيْعَ عَلَى الخَلِيْفَةِ العَبَّاسِيِّ، وَأَنَّهُ مُمَالِئٌ للْحَنَابِلَةِ، لَاسِيَّمَا وَالشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ ابنُ عَمِّهِ، وَغَضِبَ أَبُو إِسْحَقَ، وَأَظْهَرَ التَّأَهُّبَ لِلسَّفَرِ، وَكَاتَبَ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ نِظَامَ المُلْكِ

(2)

بِمَا جَرَى، فَوَرَدَ كِتَابُهُ بالامْتِعَاضِ مِنْ ذلِكَ، وَالغَضَبِ؛ لِتَسَلُّطِ الحَنَابِلَةِ عَلَى الطَّائِفَةِ الأُخْرَى، وَكَانَ الخَلِيْفَةُ يَخَافُ مِنَ السُّلْطَانِ وَوَزِيْرِهِ نِظَامِ المُلْكِ وَيُدَارِيْهِمَا، وَحَكَى

(3)

أَبُو المَعَالِي صَالِحُ بنُ شَافِعٍ، عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الفَتْحِ الحَلْوَانِيِّ

(4)

وَغَيْرِهِ مِمَّنْ شَاهَدَ الحَالَ أَنَّ الخَلِيْفَةَ لَمَّا خَافَ مِنْ تَشْنِيْعِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَيْهِ عِنْدَ النِّظَامِ أَمَرَ الوَزِيْرَ

(1)

اسمُهُ مَعَدُّ بنُ عَلِيٍّ، وَوَالِدُهُ يُلَقَّبُ الظَّاهِرُ، تَوَلَّى بَعْدَ أَبِيْهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدَامَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ سِتِّيْنَ سَنَةً، تُوفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. أَخْبَارُهُ فِي: اتِّعَاظِ الحُنَفَاءِ (2/ 184)، وَالبِدَايةِ وَالنِّهَايَةِ (10/ 148)، وَتَاريخِ ابنِ خَلْدُوْنَ (4/ 64)، وَحُسْنِ المُحَاضَرَةِ (1/ 603)، وَخُطَطِ المَقْرِيْزِيِّ (1/ 355)

(2)

هُوَ الوَزِيْرُ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْحَقَ الطُوْسِيُّ (ت: 485 هـ) اتَّصَلَ بِالسُّلطان أَلب أَرْسَلَان فَاسْتَوْزَرَهُ، فَلَمَّا خَلَفَهُ ابنُهُ مَلِكْشَاه صَارَ الأمْرُ كُلُّه لِنَظَامِ المُلْكِ هَذَا، وَقَوِيَتْ شَوْكَةُ أَهْلِ العِلْمِ فِي عَصْرِهِ، وَكَانَ هُوَ عَالِمًا، لَهُ أَمَالٍ في الحَدِيْثِ مَطْبُوْعَةٌ "أَمَالِي نِظَامِ المُلْكِ" وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ المَدَارِسَ النَّظَامِيَّةَ المَشْهُوْرَةَ فِي كُلٍّ مِن "بَغْدَادَ"، وَ"نَيْسَابُورَ"، وَ"طُوْسَ". أَخْبَارُهُ فِي: الأنْسَابِ (6/ 37)، وَالمُنْتَظَمِ (9/ 64)، وَتَارِيْخِ دَوْلَةِ آلِ سَلْجُوْق (1/ 115)، وَالكَامِلِ فِي التَّارِيْخِ (10/ 204)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (19/ 94)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 373).

(3)

في (أ): "فَحَكَى".

(4)

أَبُو الفَتْحِ اسمُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ (ت: 505 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

ص: 40

أَنْ يُجِيْلَ الفِكْرَ فِيْمَا تَنْحَسِمُ بِهِ الفِتْنَةُ، فَاسْتَدْعَى الشَّرِيْفَ أَبَا جَعْفَرٍ بِجَمَاعَةٍ مِنْ الرُّؤسَاءِ مِنْهُمُ ابنُ جَرْدَة

(1)

، فَتَلَطَّفُوا بِهِ حَتَّى حَضَرَ فِي اللَّيْلِ، وَحَضَرَ أَبُو إِسْحَقَ، وَأَبُو سَعْدٍ الصُّوْفِي

(2)

، وَأَبُو نَصْرِ بنِ القُشَيْرِيِّ، فَلَمَّا حَضَرَ الشَّرِيْفُ عَظَّمَهُ الوَزِيْرُ وَرَفَعَهُ وَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ سَاءَهُ مَا جَرَى مِن اخْتِلَافِ المُسْلِمِيْنَ فِي عَقَائِدِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ يُصَالِحُوْنَكَ عَلَى مَا تُرِيْدُ، وَأَمَرَهُمْ بِالدُّنُوِّ مِنَ الشَّرِيْفِ. فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَقَ - وَكَانَ يَتَرَدَّدُ فِي أَيَّامِ المُنَاظَرَةِ إِلَى مَسْجِدِهِ بِـ "دَرْبِ المَطْبَخِ

(3)

" - فَقَالَ: أَنَا ذَاكَ الَّذِي تَعْرِفُ، وَهَذِهِ كُتُبِي فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ أَقُوْلُ فِيْهَا خِلَافًا لِلأَشْعَرِيَّةِ، ثُمَّ قَبَّلَ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ الشَّرِيْفُ: قَدْ كَانَ مَا تَقُوْلُ، إلَّا أَنَّكَ لَمَّا كُنْتَ فَقِيْرًا لَمْ تُظْهِرْ لَنَا مَا فِي نَفْسِكَ، فَلَمَّا جَاءَ الأَعْوَانُ، وَالسُّلْطَانُ، وَخَوَاجَا بُزُرْكُ

(4)

- يَعْنِي النِّظَامَ -

(1)

ابنُ جَرْدَةَ هَذَا مِنْ كِبَارِ أَثْرِيَاءِ الحَنَابِلَةِ بِبَغْدَادَ، صَاحِبُ أَفْضَالٍ وَبِرٍّ وَخَيْرٍ، وَهُوَ مِن أَهْلِ العِلْمِ وَالفَضْلِ، اسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، أَبُو عَبْد اللهِ العُكْبَرِيُّ (ت: 476 هـ) سَنَذْكُرُهُ فِي اسْتِدْرَاكنا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

(2)

في (هـ): "أَبُو سَعِيْدٍ" كَمَا سَبَقَ.

(3)

لَمْ يُذْكَرْ فِي مَحَالِّ "بَغْدَادَ" فِي كِتَابِ الدُّكتُور صَالِح أَحْمَدَ العَلِي؟!.

وَسَبَقَ أَنْ ذَكَرَ المُؤلِّفُ أَنَّ مَسْجِدَ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ بـ "سكَّة الخِرَقِيِّ" مِنْ "بابِ البَصْرَةِ"، ثُمَّ دَرَّسَ بَعْدَ ذلِك بمَسْجِدٍ عَلَى "بابِ الدَّرْبِ"(دَرْبِ الدِّيْوَانِ).

(4)

قَالَ الحَافِظُ ابنُ نَاصِر الدِّيْن في "التَّوْضِيْحِ"(1/ 492): "قَالَ [أَي الذَّهَبِيّ] بُزُرْكُ قُلْتُ: كَذَا ضَبَطَهُ الذَّهَبِيَّ - فِيْمَا وَجَدْتُهُ بِخَطِّهِ - بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالزَّايِ مَعًا، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، تَلِيْهَا الكَافُ، وَقَيَّدَهُ الأَمِيْرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَالبَاقِي سَوَاءٌ وَهُوَ المَعْرُوْفُ. قَالَ: وَمَعْنَاهُ: العَظِيْمُ، يُعرَفُ بِهِ الوَزِيْرُ نِظَامُ المُلْكِ قُلْتُ: هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْحَقَ، =

ص: 41

أَبْدَيْتَ مَا كَانَ مَخْفِيًّا. ثُمَّ قَامَ أَبُو سَعْدٍ الصُّوْفِيُّ، فَقَبَّلَ يَدَ الشَّرِيْفِ، وَتَلَطَّفَ بِهِ، فالْتَفَتَ مُغْضَبًا وَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، إِنَّ الفُقَهَاءَ إِذَا تَكَلَّمُوا في مَسَائِلِ الأُصُوْلِ فَلَهُمْ فِيْهَا مَدْخَلٌ، وَأَمَّا أَنْتَ: فَصَاحِبُ لَهْوٍ وَسَمَاعٍ وَتَعْبِيْرٍ، فَمَنْ زَاحَمَكَ عَلَى ذلِكَ حَتَّى دَاخَلْتَ المُتَكَلِّمِيْنَ وَالفُقَهَاءَ، فَأَقَمْتَ سَوْقَ التَّعَصُّبِ؟ ثُمَّ قَامَ ابنُ القُشَيْرِيِّ - وَكَانَ أَقَلَّهُمْ احْتِرَامًا للشَّرِيْفِ - فَقَالَ الشَّرِيْفُ:[مِنْ هَذَا؟ فَقِيْلَ: أَبُو نَصْرِ بنُ القُشَيْرِيِّ، فَقَالَ]

(1)

: لَوْ جَازَ أَنْ يُشْكَرَ أَحَدٌ عَلَى بِدْعَتِهِ لَكَانَ هَذَا الشَّابُّ؛ لأنَّه بَادٍ هُنَا بِمَا فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُنَافِقْنَا كَمَا فَعَلَ هَذَانِ. ثُمَّ التَفَتَ إِلَى الوَزِيْرِ فَقَالَ: أَيُّ صُلْحٍ يَكُوْنُ

(2)

بَيْنَنَا؟ إِنَّمَا يَكُوْنُ الصُّلْحُ بَيْنَ مُخْتَصِمِيْنَ عَلَى وِلَايَةٍ، أَوْ دُنْيَا، أَوْ تَنَازِعٌ في مُلْكٍ، فَأَمَّا هَؤُلَاءِ القَوْمِ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُوْنَ أَنَّا كُفَّارٌ، وَنَحْنُ نَزْعُمُ أَنَّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ مَا نَعْتَقدُهُ كَانَ كَافِرًا، فَأَيُّ صُلْحٍ بَيْنَنَا؟ وَهَذَا الإمَامُ يَصْدَعُ المُسْلِمِيْنَ، وَقَدْ كَانَ جَدَّاهُ - القَائِمُ وَالقَادِرُ - أَخْرَجَا اعتِقَادَهُمَا للنَّاسِ، وَقُرِئَ عَلَيْهِمْ فِي دَوَاوِينِهِمْ، وَحَمَلَهُ عَنْهُمُ الخُرَاسَانِيُّوْنَ وَالحَجِيْجُ إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ، وَنَحْنُ عَلَى اعْتِقَادِهِمَا.

وَأَنْهَى الوَزِيْرُ إِلَى الخَلِيْفَةِ مَا جَرَى، فَخَرَجَ فِي الجَوَابِ: عُرِفَ مَا

= سَمِعَ الكَثيرَ، وَحَدَّثَ، وَأَمْلَى بِـ "خُرَاسَانَ" وَغَيْرِهَا، سَمِعَ مِنهُ ابنُ مَاكُولا بِنَواحِي "خَبْرَ"، وَقَيَّدَ لَقَبَهُ بِفَتْحِ المُوَحَّدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِلَقَبِ شَيْخِهِ. وَيُرَاجَعُ: الإِعْلامُ لابنِ نَاصرِ الدِّين أَيْضًا (151)، وَالمُشتبهُ للذَّهبيِّ (1/ 72)، وَالإِكْمَالُ لابنِ مَاكُوْلا (1/ 268).

(1)

- (1) ساقطٌ من (أ).

(2)

مَضرُوْبٌ عَلَيْهِ بِالقَلَمِ فِي (أ).

ص: 42

أَنْهَيْتُهُ مِنْ حُضُوْرِ ابنِ العَمِّ - كَثَّرَ اللهُ فِي الأَوْلِيَاءِ مِثْلَهُ - وَحُضُوْرِ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَمَعَ الكَلِمَةَ، وَضَمَّ الأُلْفَةَ، فَلْيُؤْذَنْ لِلْجَمَاعَةِ فِي الانْصِرَافِ، وَلْيُقَلْ لابنِ أَبي مُوْسَى: إِنَّهُ قَدْ أُفْرِدَ لَهُ مَوْضِعٌ قَرِيْبٌ مِنَ الخِدْمَةِ لِيُرَاجَعَ فِي كَثِيْرٍ مِنَ الأُمُوْرِ المُهِمَّةِ، وَلِيُتَبَرَّكَ بِمَكَانِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ الشَّرِيْفُ هَذَا قَالَ: فَعَلْتُمُوْهَا، فَحُمِلَ إِلَى مَوْضِعٍ أُفْرِدَ لَهُ بِدَارِ الخِلَافَةِ، وَكانَ النَّاسُ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهِ مُدَّةً مَدِيْدَةً، ثُمَّ قِيْلَ لَهُ: قَدْ كَثُرَ اسْتِطْرَاقُ النَّاسِ دَارَ الخِلَافَةِ، فَاقْتَصِرْ عَلَى مَنْ تُعَيِّنُ دُخُوْلَهُ، فَقَالَ: مَالِي غَرَضٌ فِي دُخُوْلِ أَحَدٍ عَلَيَّ، فَامْتَنَعَ النَّاسُ.

ثُمَّ إِنَّ الشَّرِيْفَ مَرِضَ مَرَضًا أَثَّرَ فِي رِجْلَيْهِ فَانْتَفَخَتَا. فَيُقَالُ: إِنَّ بَعْضَ المُتَفَقِّهَةِ

(1)

مِنَ الأَعْدَاءِ تَرَكَهُ فِي مَدَاسِهِ سُمًّا، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ثُمَّ إِنَّ أَبَا نَصْرِ بنَ القُشَيْرِيِّ أُخْرِجَ مِنْ "بَغْدَادَ" وَأُمِرَ بِمُلَازَمَةِ بَلَدِهِ لِقَطْعِ الفِتْنَةِ. وَذلِكَ نَفْيٌ فِي الحَقِيْقَةِ.

قَالَ ابنُ النَّجَّارِ كُوْتِبَ نِظَامُ المُلْكِ الوَزِيْرُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ، وَقَطْعِ هَذِهِ الثَّائِرَةِ، فَبَعَثَ وَاسْتَحْضَرَهُ، وَأَمَرَهُ بِلُزُوْمِ وَطَنِهِ، فَأقَامَ بِهِ إِلَى حِيْنِ وَفَاتِهِ. قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: أُخِذَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي فِتْنَةِ أَبي نَصْرِ بنِ القُشَيْرِيِّ، وَحُبِسَ أَيَّامًا، فَسَرَدَ الصَّوْمَ وَمَا أَكَلَ لِأَحَدٍ شَيْئًا، قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَرَأَيْتُهُ يَقْرَأُ فِي المُصْحَفِ، فَقَالَ

(1)

كَذَا فِي الأصُوْلِ، وَلَعلَّهَا:"المُبْتَدِعَة" كَمَا جَاءَ صَرَاحَةً فِيْمَا بَعْدُ. وَهكَذَا جَاءَتْ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كَلَامِ المُؤَلِّفِ الآتِي.

ص: 43

لِي: قَالَ اللهُ تَعَالَى

(1)

: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} تَدْرِي مَا الصَّبْرُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: هُوَ الصَّوْمُ، وَلَمْ يُفْطِرْ إِلَى أنْ بَلَغَ مِنْهُ المَرَضُ، وَضَجَّ النَّاسُ مِنْ حَبْسِهِ. وَأُخْرِجَ إِلَى الحَرِيْمِ الطَّاهِرِيِّ

(2)

بالجَانِبِ الغَرْبِيِّ فَمَاتَ هُنَاكَ. وَذَكَرَ ابنُ الجَوْزِيِّ: أَنَّهُ لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ، تَحَامَلَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَمَضَى إِلَى بَابِ الحُجْرَةِ فَقَالَ: جَاءَ المَوْتُ، وَدَنَا الوَقْتُ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوْتَ إلَّا فِي بَيْتِي بَيْنَ أَهْلِي، فَأُذِنَ لَهُ، فَمَضَى إِلَى بَيْتِ أُخْتِهِ بـ "الحَرِيْمِ" قَالَ: وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَلِيِّ بنِ البَنَّاءِ، قَالَ: جَاءَتْ رُقْعَةٌ بِخَطِّ الشَّرِيْفُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَوَصِيَّتُهُ إلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ جَرْدَةَ فَكَتَبَها، وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا: "مَالِي - يَشْهَدُ اللهُ - سِوَى الحَبْلِ وَالدَّلْوِ، وَشَيْءٍ يَخْفَى عَلَيَّ لَا قَدْرَ لَهُ، وَالشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِنْ رَاعَاكُمْ بَعْدِي، وَإِلَّا فاللهُ لَكُمْ، قَالَ اللهُ عز وجل

(3)

: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ} وَمَذْهَبِي الكِتَابُ، وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُم مِمَّن يَكْثُرُ ذِكْرُهُمْ، وَالصَّلَاةُ: بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ إِنْ سَهَّلَ اللهُ تَعَالَى ذلِكَ عَلَيْهِمْ،

(1)

سُوْرَةُ البَقَرَةِ، الآيَة:45.

(2)

قَالَ يَاقُوْتٌ فِي "مُعْجَمِ البُلْدَانِ"(2/ 289): "الحَرِيْمُ الطَّاهِرِيُّ بِأَعْلَى مَدِيْنَة السَّلام "بَغْدادَ" فِي الجَانِبِ الغَرْبيِّ مَنْسُوبٌ إِلَى طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبِ بنِ زُرَيْقٍ، وَبِهِ كَانَت مَنَازِلُهُم، وَكَانَ مَن لَجَأَ إِلَيْهِ أَمِنَ؛ فَلِذلِكَ سُمِّيَ الحَرِيْم، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَعَلَهَا حَرِيْمًا عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرِ بنِ حُسَيْنٍ، وَكَانَ عَظِيْمًا فِي دَوْلَةِ بَنِي العَبَّاسِ، وَلَا أَعْلَمَ أَحَدًا بَلَغَ مَبْلَغَهُ فِيْهَا حَدِيْثًا وَلَا قَدِيْمًا. . .".

(3)

سُوْرَةُ النِّسَاءِ، الآية:9.

ص: 44

وَلَا يُعْقَدَ لِي عَزَاءٌ، وَلَا يُشَقُّ عَلَيَّ جَيْبٌ، وَلَا يُظْلَمُ خَدٌّ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ فَاللهُ حَسِيْبُهُ". وَتُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - لَيْلَةَ الخَمِيْسِ سَحَرًا، خَامِسَ عَشَرَ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَغَسَّلَهُ أَبُو سَعِيْدٍ البَرَدَانِي، وَابنِ القِيْمَةِ

(1)

بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ، وَكَانَا قَدْ خَدَمَاهُ طُوْلَ مَرَضِهِ. وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ ضُحًى بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَأَمَّ النَّاسَ أَخُوْهُ الشَّرِيْفُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدٌ

(2)

، وَلَمْ يَسَع

(1)

في (ط) بطبعتيه وَ"المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَ"المُنْتَظَمِ": "ابنُ الفَتَى" وفي النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ المُعْتَمَدَةِ: "ابن القيمة" وأَحالَ مُحقِّقا الجُزء الأوَّل من "الذَّيْل. . ." عَلَى تَرْجَمَةِ ابنِ الفَتَى فِي "مُشْتَبَهِ النِّسْبَةِ" وَعَرَّفَ بِهِ مُحَقِّقُ "المَنْهَجِ الأَحْمَد" فِي الهَامِشِ، وَمَا أظُنُّهُ ذلكَ؛ لأنَّ ابنَ الفَتَى هَذَا شَافِعِيٌّ، أَشْعَرِيٌّ، مُتَعَصِّبٌ لِأَشْعَرِيَّتِهِ، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "السِّيَرِ" (19/ 612):"قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: وَعَظَ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنا فِي الوَعْظِ مُبْتَدِيءٌ، وَأَنْشَأَ خُطَبًا، كَانَ يُوْرِدُهَا وَيَنْظِمُ فِيْهَا مَذْهَبَ الأشْعَرِيِّ، فَنَفَقَتْ، وَمَالَ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ وَالحَنَابِلَةِ فَاستُلِبَ عَاجِلًا".

أقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: الخِلَافُ قَائِمٌ بَيْنَ الشَّيْخِ المُتَرْجَمِ وَالأَشْعَرِيَّةِ فَكَيْفَ يُوصِي أَن يُغسِّلَهُ أَشْعَريٌّ دَاعِيَةٌ إِلَى بِدْعَتِهِ؟! وَالصَّوَابُ أَنَّهُ ابنُ القِيْمَةِ كَمَا في الأُصُولِ، فَأَمَّا أَنْ يَكُوْنَ عَالِمًا لَمْ نَقِفْ الآنَ عَلَى أَخْبَارِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُوْنَ مِنَ الصُّلَحَاءِ العَابِدِيْنَ الأتْقِيَاءِ مِنْ غَيْرِ العُلَمَاءِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمَ.

وَفِي الحَنَابِلَةِ فِي زَمَنِهِ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ القَيِّمِ الحَرِيْمِيُّ الخَزَّازُ (ت: 480 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ فَهَل هُو المَقْصُوْدُ فتَكُوْن "القِيْمَةُ" مُحَرَّفَةً عن القَيِّمِ؟! يَبْدُو ذلِكَ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(2)

أَخُوْهُ أَبُو الفَضْلِ هَذَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" وَقَالَ: سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ بِشْرَانَ وَغَيْرَهُ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الحَنَابِلَةِ، كَتَبَ عَنْهُ شُجَاعٌ الذُهَلِيُّ وَغَيْرُهُ. ويُراجع: ذِيْل تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ الدُّبَيْثِيِّ (2/ 156)، وَلَمْ أَجِدْ فِي أَخْبَارِهِ مَا يَسْتَحِقُّ الذِّكْرَ مَعَ أَنَّهُ =

ص: 45

الجَامِعُ الخَلْقَ وَانْضَغَطُوا، وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لِكَثيْرٍ مِنْهُمْ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَبْقَ رَئِيْسٌ وَلَا مَرْؤُوْسٌ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوْلَةِ وَغيْرِهِمْ إلَّا حَضَرَهُ، إلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى حَمْلِهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُوْدًا بِكَثْرَةِ الخَلْقِ، وَعَظُمَ البُكَاءُ وَالحُزْنُ، وَكَانَتْ العَامَّةُ تَقُوْلُ: تَرَحَّمُوا عَلَى الشَّرِيْفِ، الشَّهِيْدِ، القَتِيْلِ المَسْمُوْمِ؛ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ بَعْضَ المُبْتَدِعَةِ أَلْقَى في مَدَاسِهِ سُمًّا، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى بنَ أَبِي خَازِمِ بنِ أَبِي يَعْلَى بنِ الفَرَّاءِ الفَقِيْهِ الحَنْبَلِيَّ - يَوْمَ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ البَاقِي، وَرَأَى ازْدِحَامَ العَوَامِّ، وَتزَاحُمَهُم لِحَمْلِ الجَنَازَةِ - فَقَالَ أَبُو يَعْلَى: العَوَامُّ فِيْهِمْ جَهْلٌ عَظِيْمٌ، سَمِعْتُ أَنَّهُ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ حَمَلُوْهُ وَدَفَنُوْهُ فِي قَبْرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمَا قَدَرَ أَحَدٌ أَنْ يَقُوْلَ لَهُمْ: لَا تَنْبُشُوا قَبْرَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَادْفُنُوْهُ بِجَنْبِهِ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ - مِنْ بَيْنِ الجَمَاعَةِ - كَيْفَ تَدْفُنُوْنَهُ فِي قَبْرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وَبِنْتُ أَحْمَدَ مَدْفُوْنَةٌ مَعَهُ فِي القَبْرِ؟ فَإِنْ جَازَ دَفْنُهُ مَعَ الإِمَامِ لَا يَجُوْزُ دَفْنُهُ مَعَ ابْنَتِهِ! فَقَالَ بَعْضُ العَوَامِّ: اسْكُتْ، فَقَدْ زَوَّجْنَا بنْتَ أَحْمَدَ مِنَ الشَّرِيْفِ، فَسَكَتَ التَّمِيْمِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا يَوْمَ كَلَامٍ، وَلَزِمَ النَّاسُ قَبْرَهُ، فَكَانُوا يَبِيْتُوْنَ عِنْدَهُ كُلَّ لَيْلَةِ

= نَصَّ عَلَى أنَّه مِنْ كِبَارِ الحَنَابِلَةِ؟! هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الوَصْف لأخِيْهِ المُتَرْجَمُ. تُوُفِّي بَعْدَ أَخِيْهِ بِقَلِيْلٍ. وَسَبَقَ أَنْ ذَكَرَ المُؤَلِّفُ أُخْتَهُ الَّتي طَلَبَ أَن يُنْقَلَ إِلَى بَيْتِهَا عِنْدَ مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ. وَعَرَفْنَا أنَّهُ مُتَزَوِّجٌ، وَلَهُ أَوْلَادٌ مِنْ خِلَالِ وَصِيَّتِهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَيَّزْ مِنْ أَوْلَادِهِ أَحَدٌ.

ص: 46

أَرْبِعَاءَ، وَيَخْتِمُوْنَ الخَتَمَاتِ

(1)

، وَيَخْرُجُ المُتَعَيِّشُوْنَ، فَيَبِيْعُوْنَ الفَوَاكِهَ وَالمَأْكُوْلَاتِ، فَصَارَ ذلِكَ فُرْجَةً للنَّاسِ، وَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذلِكَ مُدَّةَ شُهُوْرٍ، حَتَّى دَخَلَ الشِّتَاءُ وَمَنَعَهُمُ البَرْدُ، فَيُقَالُ إِنَّهُ قُرِئَ عَلَى قَبْرِهِ فِي تِلْكَ المُدَّةِ عَشَرَةُ آلَافِ خَتْمَةٍ. وَرَآهُ بَعْضُهُمْ فِي المَنَامِ، فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: لَمَّا وُضِعْتُ فِي قَبْرِيْ رَأَيْتُ قُبَّةً مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ، وَقَائِلٌ يَقُوْلُ: هَذِهِ لَكَ، أُدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِهَا شِئْتَ. وَرَآهُ آخَرُ فِي المَنَامِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: التَقَيْتُ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لَقَدْ جَاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَقَدْ أَعْطَاكَ اللهُ الرِّضَى. رضي الله عنه.

وَقَعَ لِي جُمْلَةٌ مِنْ حَدِيْثِ الشَّرِيْفِ أَبي جَعْفَرٍ بالسَّمَاعِ، فَمِنْهَا: مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الصُّوْفِيُّ - بـ "القَاهِرَةِ"- (أَثَنَا) أَبُو العِزِّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ، (أثَنَا) أَبُو عَلِيِّ

(2)

بنُ أَبِي القَاسِمِ بنِ الخُرَيْفِ، (أَثَنَا) القَاضِيْ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي البَزَّارُ (أَثَنَا) أُسْتَاذِي أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عِيْسَى الهَاشِمِيُّ - بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ - قُلْتُ لَهُ: حَدَّثَكُمْ أَبُو القَاسم عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرَان، (أَثَنَا) أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الصَوَّافِ (أَثَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ (أَثَنَا) أَبي (أَثَنَا) يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا:(أَثَنَا) المَسْعُوْدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَن مَوْلَى أَبي طَلْحَةَ، عَن عِيْسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَن

(1)

هَذَا كُلُّه مِنَ البِدَعِ الَّتِي لَمْ يَأْمُرْ بِهَا الشَّرْعُ!

(2)

ساقطٌ من (أ).

ص: 47

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ

(1)

: "لَا يَلِجُ النَّارَ أَحَدٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، حَتَّى يَعُوْدَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخِرَيْ امْرِئٍ أَبَدًا".

وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابنِ عَقِيْلٍ فِي "الفُنُوْنِ"

(2)

قَالَ: مِمَّا اسْتَحْسَنْتُهُ مِنْ فِقْهِ الشَّرِيْفِ، الإِمَامِ، الزَّاهِدِ، أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ عِيْسَى بنِ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيِّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ

(3)

وَتَدْقِيْقِهِ - وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُحْصَى -: مَا قَالَهُ فِي أَوَائِلِ قُدُوْمِ الغِرِّ إِلَى

(4)

"بَغْدَادَ" وَجَعَلُوا يَأْخُذُوْنَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ في الطُّرُقَاتِ، وَتَقْصُرُ أَيْدِي العَوَامِّ عَنْهُمْ، فَقَالَ: الَّذِي يُشْبِهُ

(5)

مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ: أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِم أَحْكَامُ قُطَّاع الطَّرِيْقِ، وَإِنْ كَانَ ذلِكَ فِي الحَضرِ؛ لأنَّهُم عَلَّلُوا بِأَنَّ في الحَضَرِ يَلْحَقُ الغَوْثُ، فَلَا يَكُوْنُ لَهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيْقِ فِي الصَّحَارَى وَالبَرَارِيْ، وَهَذَا التَّعْلِيْلُ مَوْجُوْدٌ فِي الحَضَرِ؛ لأنَّهُ لَا مُغِيْثَ يُغِيْثُ مِنْهُم؛ لِقُوَّتِهِمْ وَاسْتِطَالَتِهِمْ عَلَى العَوَامِّ.

قُلْتُ: هَذَا قَرِيْبٌ مِنْ قَوْلِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى: إِنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي المُحَارِبِيْنَ فِي الحَضرِ هَلْ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ المُحَارِبِيْنَ؟ فَظَاهِرُ كَلَامِ

(1)

الحَدِيْثُ فِي مَشْيَخَةِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَاقِي (أَحَادِيْثِ الشُّيُوخِ الثِّقَاتِ)(ورقة: 101).

(2)

لَمْ يَرِدْ في القِطْعَةِ المَنْشُوْرَةِ مِن كِتَاب "الفُنُوْنِ" وَكَذلِكَ النُّصُوْصُ الآتِيَةُ بَعْدَهُ.

(3)

في (ط) نشر الشَّيْخِ حَامِدٍ الفقي: "رضي الله عنه" مُخَالفٌ للأُصُوْلِ كلِّها؟!.

(4)

في (ط) بطبعتيه: "الغَزَالِي" تَحْرِيْفٌ ظاهرٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا أَثْبَتنَاهُ بدليلٍ:"وَجَعَلُوا .. " وَالغِزُّ: قَوْمٌ مِنَ التُّرك هَاجَمُوا العِرَاقَ وَقتَلُوا وَنَهَبُوا

(5)

كَذَا في أَغْلَبِ الأُصُوْلِ، وَفِي الطَّبْعَتَيْنِ:"نسبه" وَالعِبَارَةُ مُشْكِلَةٌ؛ فَإِذَا ثَبَتَتْ "يُشبه" وَهُوَ الأقْرَبُ فَلَا دَاعِيَ لِـ "مِنْ".

ص: 48

الخِرَقِيِّ

(1)

: أَنَّهَا لَا تُجْرَى عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ أَحْكَامُ المُحَارِبِيْنَ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ، وَفَصَّلَ القَاضِي بَيْنَ أَنْ يَفْعَلُوا ذلِكَ فِي حَضَرٍ يَلْحَقُ فِيْهِ الغَوْثُ عَادَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ يَلْحَقُ فِيْهِ الغَوْثُ عَادَةً فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِيْنَ، وَإِلَّا فَهُمْ مُحَارِبُوْنَ، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ السُّلْطَانَ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِمْ - إِمَّا لِضَعْفِهِ وَعَجْزِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ ظَالِمًا يُسَلِّطُ أَعْوَانَهُ عَلَى الظُّلْم - تَعَذَّرَ لُحُوْقُ الغَوْثِ مَعَ ذلِكَ عَادَةً، فَيَثْبُتُ لَهُمْ - عَلَى قَوْلِهِ - أَحْكَامُ المُحَارِبِيْنَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَنَقَلْتُ مِنْ "بَعْضِ تَعَالِيْقِ" الإِمَامِ أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ تَيْمِيَّةَ رحمه الله مِمَّا نَقَلَهُ مِنَ "الفُنُوْنِ" لابنِ عَقِيْلٍ حَادِثَةَ رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا فَعَلْتِ كَذَا، فَمَضَى عَلَى ذلِكَ مُدَّةً، ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ كُنْتُ فَعَلْتُهُ. هَلْ تُصَدَّقُ مَعَ تَكْذِيْبِ الزَّوْجِ لَهَا؟ أَجَابَ الشَّرِيْفُ الإِمَامُ أَبُو جَعَفْرٍ بنِ أَبِي مُوْسَى تُصَدَّقُ وَلَا يَنْفَعُهُ تَكْذِيْبُهُ، وَأَجَابَ الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ لا تُصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ.

قُلْتُ: أَبُو مُحَمَّدٍ: أَظُنُّهُ التَّمِيْمِيَّ.

وَمِنَ "الفُنُوْنِ" أَيْضًا (مَسْأَلَةُ) إِذَا وَجَدَ عَلَى ثَوْبِهِ مَاءً وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمَذْيٌ أَمْ مَنِيٌّ؟ إنْ قُلْتُمْ: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقَلِّ الأحْوَالِ مِنْ كَوْنِهِ مَذْيًا؛ لأنَّ الأَصْلَ سُقُوْطُ غَسْلِ البَدَنِ، أَوْجَبْتُمْ غَسْلَ الثَّوْبِ؛ لأنَّ المَذْيَ نَجِسٌ، وَالأَصْلُ سُقُوْطُ

(1)

الخِرَقِيُّ هُو أَبُو القَاسِمِ صَاحِبُ "المُخْتَصَر" وَأَبُو بَكْرٍ هُوَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنِ جَعْفَرٍ، غُلَامُ الخَلَّالِ. مَشْهُوْرَانِ مَعْرُوْفَانِ، مِن أَشْهَرِ عُلَمَاءِ الحَنَابِلَةِ.

ص: 49

غَسْلِ الثَّوْبِ فَتَقَابَلَا

(1)

، فَقَالَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ بنِ أَبِي مُوْسَى رضي الله عنه: لَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ وَلَا البَدَنِ جَمِيْعًا؛ لِتَرَدُّدِ الأَمْرِ فِيْهِمَا، وَأَوْجَبَ غَسْلَ الأَرْبَعَةِ

(2)

الأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ الخَارِجَ - أَيَّ خَارِجٍ كَانَ - يُوْجِبُ غَسْلَ الأعْضَاءِ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ المَسْأَلَةَ ابنُ تَمِيْمٍ

(3)

فِي كِتَابِهِ مِنَ "الفُنُوْنِ" وَعَزَاهَا إِلَى ابنِ أَبِي مُوْسَى، فَرُبَّمَا تَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّهُ ابنُ أبِي مُوْسَى صَاحِبُ "الإِرْشَادِ" وَلَيْسَ كَذلِكَ.

وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الرَّجُلَيْنِ إِذَا وَجَدَا عَلَى فِرَاشِهِمَا مَنِيًّا، وَلَمْ يَعْلَمَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ، أَوْ سَمِعَا صَوْتًا وَلَمْ يَعْلَمَا صَاحِبَهُ، وَفِي وُجُوْبِ الغُسْلِ وَالوَضُوْءِ عَلَيْهِمَا رِوَايَتَانِ، لكِنْ أَرْجَحَهُمَا لَا يَجِبُ، وَعَلَى القَوْلِ بِانْتِفَاءِ الوُجُوْبِ، فَقَالُوا: لَا يَأْتَمُّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَلَا يُصَافُّهُ وَحْدَهُ؛ لأَنَّهُ يَظْهَرُ حُكْمُ الحَدَثِ المُتَيَقَّنِ بِاجْتِمَاعِهِمَا، وَيُعْلَمُ أَنَّ صَلَاةَ أَحَدِهِمَا بَاطِلَةٌ، فَتَبْطُلُ الجَمَاعَةُ وَالمُصَافَّةُ.

وَنَظِيْرُ هَذَا: مَا قُلْنَا فِي المُخْتَلِفَيْنِ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ إِنَّهُ لَا يَأْتَمُّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ؛ فَإِنَّهُ يُتَيَقَّنُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الصَّلَاةِ خَطَأُ أَحَدِهِمَا فِي القِبْلَةِ،

(1)

كَذَا فِي الأصُولِ، وَفِي (ط) بِطَبْعَتَيْهِ:"متقابلًا".

(2)

فِي الأُصُوْلِ المُعْتَمَدَةِ: "الأَرْبَعَةِ أَعْضَاءٍ" وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ "أَرْبَعَةُ الأَعْضَاءِ"، وَالقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ:

وَوَصْلُ أَلْ بِذِيْ المُضَافِ مُغْتَفَرْ

إِنْ وَصَلْتْ بِالثَّانِي كَالجَعْدِ الشَّعَرْ

(3)

ابنُ تَمِيْمٍ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بنُ تَمِيْمٍ الحَرَّانِيُّ (ت:؟) صَاحِبُ كِتَابِ "المُخْتَصرِ" المَنْسُوْبِ إِلَيْهِ. ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ رقم (438)، وَكِتَابُهُ "المُخْتَصَرُ" حَقَّقَهُ أَخُوْنَا وَصَدِيْقُنَا فَضِيْلَةُ الدُّكْتُوْر عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْم القُصَيِّر - أَدَامَ اللهُ تَوْفِيْقَهُ - الأُسْتاذ بكُلِيَّةِ التَّرْبِيَةِ بِجَامِعَةِ المَلِكِ سُعُوْدٍ، ولمْ يُطْبَعْ بَعْدُ إلى سنة (1424 هـ).

ص: 50

فَتَبْطُلُ جَمَاعَتُهُمَا. وَكذلِكَ مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ فِي رَجُلَيْنِ عَلَّقَ كُلٌّ مُنْهُمَا عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى شَرْطٍ، وَوُجِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ يَقِيْنًا، وَلَا يَعْلَمُ عَيْنُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكُم بِعِتْقِ عَبْدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُسْتَصْحَبُ أَصْلُ مِلْكِهِ، فَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمْ عَبْدَ الآخَرِ: أُخْرِجَ المُعْتَقُ مِنْهُمَا بِالقُرْعَةِ عَلَى الصَّحِيْحِ أَيْضًا. فَكَذلِكَ يُقَالُ هَهُنَا: يُسْتَصْحَبُ أَصْلُ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالبَدَنِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالجَنَابَةِ، وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أنْ يُصَلِّيَ بِحَالِهِ فِي الثَّوْبِ؛ كَأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِذلِكَ حُصُوْلَ المُفْسِدِ لِصَلَاتِهِ، وَهُوَ إِمَّا الجَنَابَةُ وَإِمَّا النَّجَاسَةُ.

وَمِنْ غَرَائِبِ الشَّرِيْفِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابنُ تَمِيْمٍ فِي كِتَابِهِ: أَنَّ المُتَوَضِّيءَ إِذَا نَوَى غَسْلَ النَّجَاسَةِ مَعَ الحَدَثِ لَمْ يُجْزِءْهُ. وَأَنَّ طَهَارَةَ المُسْتَحَاضَةِ لَا تَرْفَعُ الحَدَثَ. وَذَكَرَ الشَّرِيْفُ فِي "رُؤُوْسِ مَسَائِلِهِ" أَنَّ القَدْرَ المُجْزِئَ مَسْحُهُ مِنَ الخُفَّيْنِ ثَلَاثَةُ أَصَابِعٍ، وَأَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ إِلَى ذلِكَ فِي مَسْحِ الخُفِّ وَمَسْحِ الرَّأْسِ، قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا يَنْصُرُ أَوَّلًا مَسْحَ الأَكْثَرِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ مَائِلًا إِلَى هَذَا. وَهَذَا غَرِيْبٌ جِدًّا.

‌12 - عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ مُحَمَّدِ

(1)

بنِ إِسْحَقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ

(1)

12 - أبُو القَاسِمِ ابنُ مَنْدَه: (383 - 470 هـ):

مِنْ أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ حَنْبَلِيَّةٍ شَهِيْرَةٍ، كَثيْرَةِ العُلَمَاءِ والعَالِمَاتِ، تَقَدَّمَ الحَدِيْثُ عَنْهَا فِي هَامِشِ كِتَابِ "الطَّبَقَات" للقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أَبِي يَعْلَى (2/ 385) في تَرْجَمَةِ (مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَه) - وَهُوَ وَالِدُ جَدِّهِ -، رقم (469).

أَخْبَارُ أَبِي القَاسِمِ فِي: الطَّبَقَاتِ (3/ 374)، وَمُختصَرِهِ (396)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (630)، ومُخْتَصَرِهِ (72)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 3)، =

ص: 51

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَالمَقْصَدِ الأرْشَدِ (2/ 106)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 399)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 206). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 315)، وَالمُنْتَخَبُ مِنَ السِّيَاقِ (310)، وَالتَّقْيِيْدُ لابنِ نُقْطَةَ (336)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ لَهُ (1/ 304)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 108)، وَالمُخْتَصَرُ فِي أَخْبَارِ البَشَرِ (2/ 193)، وَطَبَقَاتُ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ (3/ 361)، وَالإعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلَامِ (194)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ (18/ 349)، وَالعِبَرُ (3/ 374)، وَدُوَلُ الإِسْلَامِ (2/ 5)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ (135)، وَتَذْكرَةُ الحُفَّاظِ (3/ 1165)، وَتَارِيخُ ابنِ الوَرْدِيِّ (1/ 379)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 99)، وَفَوَاتُ الوَفَيَاتِ (2/ 288)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (18/ 233)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 118)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 105)، وَطَبَقَاتُ الحُفَّاظِ (439)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 337)(5/ 303).

وَوَالِدُهُ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَقَ بنِ مُحمَّدِ بنِ يَحْيَى (ت: 395 هـ) عَالمٌ مَشْهُوْرٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ في الطَّبَقَاتِ للقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أبي يَعْلَى (3/ 299)، قَالَ القَاضِي:"وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّه قَالَ: كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ وَسَبْعِمَائَةَ شَيْخٍ، وَقَالَ: طِفْتُ الشَّرْقَ وَالغَرْبَ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ أَتَقَرَّبْ إِلَى مُذَبْذَبِ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنَ المُبْتَدِعِيْنَ حَدِيْثًا وَاحِدًا" قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ قَدْ تَزَوَّجَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ فَوُلِدَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَن، وَعُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ" قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن: "وَوَلَدُهُ أَبُو زكَرِيَّا يَحْيَى الَّذِي قَدِمَ عَلَيْنَا. . ." وَعَبْدُ الرَّحْمَن هُوَ أَكْبَرُهُم.

يَقُوْلُ الفَقِيْرُ إلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُلَيْمَان العُثَيْمِيْن - عَفَا اللهُ عَنْهُ -:

9 -

وَمِنْ أَوْلَادِهِ أَيْضًا: إسْحَقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إسْحَقَ بنِ مُحَمَّد بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَه: ذَكَرَهُ ابنُ الجَزَرِيِّ في طَبَقَاتِ القُرَّاءِ "غَايَةِ النِّهَايَةِ"(1/ 157) وَلَمْ يَذْكر وَفَاتَهُ. ولم يَذْكُرِ الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ رحمه الله إلَّا عبدَ الرَّحْمَن المُتَرْجَمَ هُنَا، فَكَانُوا جَمِيْعًا مِمَّنْ يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ.

- وذَكَرَ الحَافظُ الذَّهَبِيُّ فِي "تَارِيْخِ الإِسْلامِ"(298): أَبَا بكْرٍ مُحَمَّد بنِ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِرِ بنِ النُّعْمَان الأصْبَهَانِيَّ الدَّلَّالَ (ت: 532 هـ) وَقَالَ: "مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

ص: 52

ابنِ الوَليْدِ بنِ مَنْدَه بنِ بُطَّةَ بنِ أُسْتَندَارَ - وَاسْمُهُ الفَيْرُزَانَ - بنِ جَهَارْبَخْتَ، العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو القَاسِمِ، ابنِ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه. وَ"مَنْدَه" لَقَبُ إِبْرَاهِيْمَ جَدُّهُ الأعْلَى. ذَكَرَهُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَابنُ الجَوزِيِّ في "طَبَقَاتِ الأَصْحَابِ" في آخِرِ "المَنَاقِب". وَتَرْجَمَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ"، فَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ

(1)

، وَسَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا بَكْرِ بنَ مَرْدَوَيْهِ، وَخَلْقًا كَثِيْرًا، وَكَانَ كَثِيْرَ السَّمَاعِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، سَافَرَ البِلَادَ

(2)

، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَخَرَّجَ التَّخَارِيْجَ، وَكَانَ ذَا وَقَارٍ وَسَمْتٍ، وَأَتْبَاعٍ فِيْهِمْ كَثْرَةٌ، وَكَانَ مُتَمَسِّكًا بِالسُّنَّةِ، مُعْرِضًا عَنْ أَهْلِ البِدَعِ، آمِرًا بِالمَعْرُوْفِ، نَاهِيًا عَنِ المُنْكَرِ، لَا يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَكَانَ سَعْدُ بنُ مُحَمَّد الزِّنْجَانِيُّ

(3)

يَقُوْلُ: حَفِظَ اللهُ

= ابنِ مَنْدَه. . ." فَهَلْ هُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ؟! أَظُنُّ ذلِكَ وَلَا أَسْتَيْقِنُهُ، لِذَا لَمْ أَسْتَدْرِكْهُ، وَإنَّمَا أَسْتَأْنِسُ بِذِكْرِهِ، وَبِذِكْرِ أَمْثَالِهِ.

(1)

مَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي سَنَةِ مَوْلِدِهِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الحَافِظُ ابنُ نُقْطَةَ فِي "التَّقْيِيْدِ". وَفِي المُنتظمِ: "وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ" وفي "تَارِيْخِ الإِسْلَامِ" وَ"سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ": "إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ" عَلَى أَنَّ الحَافِظَ الذَّهَبِيَّ نَفْسَهُ ذَكَرَ فِي "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ" مَوْلِدَهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِيْنَ، وَفِي "المُنْتَخَبِ مِنَ السِّيَاقِ" تُوُفِّيَ عَن تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، فَعَلَيْهِ يَكُوْنُ مَوْلِدُهُ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.

(2)

فِي (ط) فِي طَبْعَتَيْهِ: "سَافَرَ فِي البِلَادِ" وَالمُثْبَتُ مَحَلُّ اتِّفَاقِ الأُصُوْل المُعْتَمَدَةِ، وَلَوْ قَالَ:"سَافَرَ إِلَى البِلَادِ" لَكَانَ أَصْوَبَ مِمَّا أَثْبَتُوا. فَالفِعْلُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ.

(3)

في (هـ) وَ"مُخْتَصَرِ ابنِ نَصْرِ اللهِ": "الرَّيْحَانِي" تَحْرِيْفٌ، وَالنَّصُّ لابنِ الجَوْزِيِّ في "المُنتَظَمِ" وفيه كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ. وَفِي "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" للحَافِظِ الذَّهَبِيِّ:"ذَكَرَ أَبُو أَحْمَدَ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ اللُّوْرُدْجَانِيُّ أنَّه سَمِعَ مِنْ لَفْظِ أَبِي القَاسِمِ سَعْدٍ الزِّنْجَانِيِّ بـ "مَكَّةَ" =

ص: 53

الإِسْلَامَ بِرَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا بِـ "أَصْبَهَانَ"، وَالآخَرُ بِـ "هَرَاةَ"، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ مَنْدَه، وَعَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ.

وَقَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: كَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، جَلِيْلَ القَدْرِ، كَثيْرَ السَّمَاعِ، وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، سَافَرَ إِلَى "الحِجَازِ" وَ"بَغْدَادَ" وَ"هَمَذَانَ"، وَ"خُرَاسَانَ"، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفِ. وَقَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ وَبَلَدِهِ مِثْلُهُ

(1)

فِي وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَحَالُهُ أَظْهَرُ مِنْ ذلِكَ. وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الوَالِدِ السَّعِيْدِ مُكَاتَبَاتٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَمِعَ أَبُو القَاسِمِ مِنْ أَبِيْهِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ خُرَّشِيْدَ (قُوْلَه)

(2)

وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الجَلَّابِ، وَأَبِي جَعْفَرِ بنِ المُرْزبَانِ، وَأَبِي ذَرِّ بنِ

= يَقُوْلُ: حَفِظَ اللهُ الإسْلَامَ. . .".

أقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: هُوَ سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حُسَين، أَبُو القَاسِمِ، الزِّنْجَانِيُّ الحَافِظُ الزَّاهِدُ (ت: 471 هـ) جَاوَرَ بـ "مَكَةَ" زَمَانًا حتَّى صَارَ شَيْخَ الحَرَمِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ وَالأَثَرِ وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، لَهُ قَصِيْدَةٌ مَشْهُوْرَةٌ في السُّنَّة أَوَّلُهَا:

تَدَبَّرْ كَلَامَ اللهِ وَاعْتَمِدِ الخَبَرْ

وَدَعْ عَنْكَ رَأْيًا لَا يُلَائِمُهُ أَثَرْ

أَخْبَارُهُ في: الإِكْمَالِ لابنِ مَاكُولا (4/ 229)، وَالأَنْسَابِ للسَّمْعَانيِّ (6/ 307)، وَالمُنْتَظَمِ لابنِ الجَوْزِيِّ (8/ 320)، وَمُعجَمِ البُلْدَانِ (3/ 152)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (18/ 385)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (3/ 1174)

وَغَيْرِهَا.

(1)

في (أ): "مثله وبلده".

(2)

"قُوْلَه" أوَّلُهُ قَافٌ مَضْمُوْمَةٌ، كَذَا قَالَ الحَافِظُ ابنُ نُقْطَةَ فِي تَكْمِلَةِ الإِكْمَالِ (4/ 668)، وَذَكَرَ إِبْرَاهِيْمَ المَذْكُوْرَ هُنَا، وَيُرَاجَعُ: نُزْهَةُ الأَلْبَابِ (2/ 105). وَأَمَّا (خُرَّشِيْدُ) فَهَلْ هُوَ بِالتَّخْفِيْفِ أَوْ بِالتَّثْقِيْلِ؟ وَهَلْ آخرُهُ بِالدَّالِ المُهْمَلَةِ أَوْ بِالذَّالِ المُعْجَمَةِ، عَلَى خِلَافِ في ذلِكَ. يُرَاجَعُ: سِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (17/ 69)، وَ"نُزهة الأَلبَابِ في الأَلْقَابِ"، =

ص: 54

الطَّبَرَانِيِّ، وَخَلْقٍ بِـ "أَصْبَهَانَ"، وَمِنْ أَبِي عُمَرَ بنِ مَهْدِيِّ، وَهِلَالٍ الحَفَّارِ، وَغَيْرِهِمَا بِـ" بَغْدَادَ". وَمن ابنِ خُزَيْمَةَ الوَاسِطِيِّ بِهَا، وَمِن ابنِ جَهْضَمٍ بِـ "مَكَّةَ"، وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيِّ، وَأَبي سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيِّ بِـ "نَيْسَابُوْرَ"، لَكِنَّهُ لَمْ يَروِ عَن الحِيْرِيِّ كَمَا فَعَلَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَجَازَ لَهُ زَاهِرٌ السَّرَخْسِيُّ، وَتَفَرَّدَ بِذلِكَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الجَوْزَقِيُّ

(1)

، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاقُ

(2)

الحَافِظُ: فَضائِلُ ابنِ مَنْدَه وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُعَدَّ إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَنْ أَنَا لِنَشْرِ فَضْلِهِ؟ كَانَ صَاحِبَ خُلُقٍ وَفُتُوَّةٍ، وَسَخَاءٍ

= وَتاجُ العَرُوْسِ: (قَوَلَ) وَهِيَ بالتَّخْفِيْفِ فَارِسِيَّةٌ بمَعْنَى الشَّمْسِ. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ الشُّيُوْخِ الذَّهَبِيِّ (236)، فَلَعَلَّ التَّثْقِيْلَ لُغَةٌ فِيْهَا؛ لأنَّهُ يُقَالُ فِيْهَا: خُوْرشيد بِوَاوٍ أَيْضًا.

(1)

الجَوْزَقِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى (جَوْزَقَ) قَالَ الحَافظُ السَّمْعَانِيُّ: "بِفَتْحِ الجِيْمِ، وَسُكُوْنِ الوَاوِ، وَفَتْحِ الزَّاي، وَفي آخِرِهَا القَافُ، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى جَوْزَقَيْنِ إِحْدَاهُمَا جَوْزَقُ "نَيْسَابُوْر" مِنْهُمْ أبُو بَكرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ

وَهُوَ المَذْكُوْرُ هُنَا، وَأَطَالَ فِي ذِكْرِهِ، وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ (388 هـ). وَيُلَاحَظُ أنَّ مَوْلدَ ابْنِ مَنْدَه قَبْلَ وَفَاتِهِ بِخَمْسِ سِنِيْن؟ لَكنَّهَا إِجَازَةٌ، وَهُمْ يُجِيْزُوْنَ لأَوْلَادِ العُلَمَاءِ في الثَّانيةِ وَالثَّالِثَةِ

وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 213). وَأَخْبَارُ المَذْكُوْرِ فِي تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (3/ 1013)، وَالوَافِي بِالوَفَياتِ (3/ 316)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الكُبْرَى (2/ 169)

وَغَيْرِهَا.

(2)

مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَصْفَهَانِيُّ الدَّقَّاقُ (ت: 516 هـ) وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بـ "الحَافِظِ، الأَوْحَدِ، المُفِيْدِ، الرَّحَّالِ

كَانَ يَقُوْلُ: عُرِفْتُ بَيْنَ الطَّلَبةِ بـ "الدَّقَّاقِ" بِصَدِيْقِي أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق" وَذَكَرَ مِنْ شُيُوْخِهِ أَبُا القَاسِمِ بنَ مَنْدَه، وَكَتَبَ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ أَلْفَيْ شَيْخٍ. أَخْبَارُهُ في: سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 474)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1255)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 56).

ص: 55

وَبَهَاءٍ، وَالإِجَازَةُ كَانَتْ عِنْدَهُ قَوِيَّةٌ، وَلَهُ تَصَانِيْفٌ كَثِيْرَةٌ، وَرُدُوْدٌ جَمَّةٌ عَلَى المُبْتَدِعِيْنَ وَالمُنْحَرِفِيْنَ فِي الصِّفَاتِ وَغَيْرِهَا، قَالَ: وَكَانَ جَذَعًا فِي أَعْيُنِ المُخَالِفِيْنَ، لَا يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَوَصْفُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه

(1)

: كَانَ عَمِّي سَيْفًا عَلَى أَهْلِ البِدَعِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ مِثْلِي، كَانَ - وَاللهِ - آمِرًا بِالمَعْرُوْفِ، نَاهِيًا عَنِ المُنْكَرِ، وَفِي الغُدُوِّ وَالآصَالِ ذَاكِرًا، وَلِنَفْسِهِ فِي المَصَالِحِ قَاهِرًا، أَعْقَبَ اللهُ مَنْ ذَكَرَهُ بِالشَّرِّ النَّدَامَةِ. وَكَانَ عَظِيْمَ الحِلْمِ، كَثِيْرَ العِلْمِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ قَوْلَ شُعْبَةَ "مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثًا فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ" فَقَالَ:"مَنْ كَتَبَ عَنِّي حَدِيْثًا فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ".

قُلْتُ: قَدْ ذُكِرَ عَنْ شَيْخِ الإِسْلَامِ الأنْصَارِيِّ

(2)

أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ مَضَرَّتُهُ فِي الإِسْلَامِ أَكْثَرَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ. وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ التَّيْمِيِّ

(3)

أَنَّهُ قَالُ: خَالَفَ أَبَاهُ فِي مَسَائِلَ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ مَشَايِخُ الوَقْتِ، وَمَا تَرَكَنِي أَبِي أَسْمَعُ مِنْهُ. وَكَانَ

(1)

هو يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَقَ (ت: 511 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. وَالخَبَرُ في "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ".

(2)

في "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ": "قَالَ المُؤَيَّدُ بنُ الإِخْوَةِ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَنْدَه. . .".

(3)

هُوَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ، أَبُو القَاسِمِ، قَوَامُ السُّنَّةِ الأَصْفَهَانِيُّ التَّيْمِيُّ (ت: 535 هـ). أَخْبَارُهُ في: الأَنْسَابِ (3/ 368)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 9)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 80)، وَطَبَقَاتِ المُفَسِّرِيْنِ (1/ 112)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 105).

قَالَ في "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ": "سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ يَقُوْلُ - وَسَأَلْتُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بنِ مَنْدَه -: فتَوَقَّفَ سَاعَةً، فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَخَالَفَ .. ".

ص: 56

أَخُوْهُ خَيْرًا مِنْهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَادِحٍ - إِنْ صَحَّ - فَإِنَّ الأنْصَارِيَّ وَالتَّيْمِيَّ وَأَمْثَالَهُمَا يَقْدَحُوْنَ بِأَدْنَى شَيْءٍ يُنْكِرُوْنَهُ مِنْ مَوَاضِعِ النِّزَاعِ، كَمَا هَجَرَ التَّيْمِيُّ عَبْدَ الجَلِيْلِ

(1)

الحَافِظَ كُوْتَاه

(2)

عَلَى قَوْلِهِ: "يَنْزِلُ بِالذَّاتِ" وَهُوَ فِي

(1)

هُو عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَصْفَهَانِيُّ الجُوْبَارِيُّ (ت: 555 هـ) من شُيُوْخِ الحَافِظِ السَّمْعَانِيِّ، وَمِنْ جُلَّةِ تَلَامِيْذِ قَوَامِ السُّنَّةِ التَّيْمِيِّ السَّابِقِ. أَخْبَارُهُ في: التَّحْبِيْرِ (1/ 432)، وَمُعْجَمِ شُيُوْخِ السَّمْعَانِيِّ "المُنْتَخَبِ"(2/ 1045)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 182)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1314). وَنَقَلَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ" وَ"سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ" قَوْلَهُ في إِسْمَاعِيْلَ التَّيْمِيِّ:"سَمِعْتُ أَئِمَّةَ "بَغْدَادَ" يَقُوْلُوْنَ: ما رَحَلَ إِلَى "بَغْدَادَ" بَعْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَفْضَلُ وَلا أحْفَظُ من إِسْمَاعِيْلَ". وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ (ت: 582 هـ) مُحَدِّثٌ مَعْرُوْفٌ. وَلَهُ أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ.

(2)

في (ط) المَطبُوعَتَيْنِ: "كُوباه" بِالبَاءِ المُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالتَّاءِ المُثَنَّاةِ الفَوْقِيَّةِ. يُرَاجَعُ: نُزْهَةُ الأَلْبَابِ في الأَلْقَابِ لِلحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (2/ 130)، وَفِي حَاشِيَةِ تَكْمِلَةِ إِكْمَالِ الإِكْمَالِ (6):"كوتاه: بالفَارِسِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ: القَزَمُ".

عَلَّقَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "السِّيَر" عَلَى ذلِك فَقَالَ: "قُلْتُ: أَطْلَقَ عِبَارَاتٍ بَدَّعَهُ بَعْضُهُمْ بِهَا، وَاللهُ يُسَامِحُهُ، وَكَانَ زَعِرًا عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، فِيْهِ خَارِجِيَّةٌ، وَهُوَ فِي تَوَالِيْفِهِ حَاطِبُ لَيْلٍ، يَرْوِي الغَثَّ وَالسَّمِيْن، وَيَنْظِمُ رَدِيْءَ الخَرَزِ مَعَ الدُّرِّ الثَّمِيْنِ".

أَقُولُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: الزَّعَارَةُ: سُوْءُ الخُلُقِ وَالشَّرَاسَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ خُصُوْمَهُ مِنَ المُبْتَدِعَةِ أَكْثَرُ زَعَارَةً، وَأَسْوَأُ خُلُقًا؛ فَالمُخَالِفُوْنَ في العَقِيْدَةِ في ذلِكَ الزَّمَانِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِم جُرْأَةً عَلَى اللهِ، فَكَيْفَ يَكُوْنُ حَالُهُم مَعَ مَنْ خَالَفَهُم؟! وَصِحَّةُ حُكْمِ الحَافِظِ الذَّهَبِيِّ رحمه الله عَلَى تَوَالِيْفِهِ مَرْهُوْنٌ بِالوُقُوفِ عَلَيْهَا، وَأَنَا لا أَسْتَبْعِدُ مَا قَالَهُ الحَافِظُ، فَقَدْ يَكُوْنُ العَالِمُ مُوَفَّقًا في تَعْلِيْمِهِ غَيْرَ مُسَدَّدٍ فِي تَأْلِيْفِهِ، أَسَأَلُ اللهُ تَعَالَى - وَأَنَا فِي بَيْتِهِ الحَرَامِ - أَنْ يُوَفِّقَنَا وَيُسَدِّدَنَا فِي كُلِّ مَا نَأْتِي وَنَذَرُ، وَأَنْ يُخْلِصَ =

ص: 57

الحَقِيْقَةِ يُوَافِقُهُ عَلَى اعْتِقَادِهِ، لكِنْ أَنْكَرَ إِطْلَاقَ اللَّفْظِ لِعَدَمِ الأَثَرِ بِهِ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيَّ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ

(1)

يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَنْدَه يَقُوْلُ: قَدْ تَعَجَّبْتُ مِنْ حَالِي مَعَ الأَقْرَبِيْنَ وَالأبْعَدِيْنَ، فَإِنِّي وَجَدْتُ بِالآفَاقِ الَّتِي قَصَدْتُهَا أَكْثَرَ مَنْ لَقِيْتُهُ بِهَا - مُوَافِقًا كَانَ أَوْ مُخَالِفًا - دَعَانِي إِلَى مُسَاعَدَتِهِ عَلَى مَا يَقُوْلُهُ، وَتَصْدِيْقِ قَوْلِهِ، وَالشَّهَادَةِ لَهُ فِي فِعْلِهِ عَلَى قَبُوْلٍ وَرِضًى. فَإِنْ كُنْتُ صَدَّقْتُهُ سَمَّانِي مُوَافِقًا، وَإِنْ وَقَفْتُ فِي حَرْفٍ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهِ سَمَّانِي مُخَالِفًا، وَإِنْ ذَكَرْتُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِخِلَافِ ذلِكَ سَمَّانِي خَارِجِيًّا، وَإِنْ رَوَيْتُ حَدِيْثًا فِي التَّوْحِيْدِ سَمَّانِي مُشَبِّهًا، وَإِنْ كَانَ فِي الرُّؤْيَةِ سَمَّانِي سَالِمِيًّا

(2)

،

= نِيَّاتِنَا وَأَعْمَالِنَا، وَيَجْعَلَهَا خَالِصَةً لِوَجْهِهِ الكَرِيْمِ. صَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

(1)

هُوَ الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخَلَّالُ (ت: 532 هـ) مِنْ شُيُوْخِ السَّمْعَانِيِّ كَمَا تَرَى. وَفِي التَّحْبِيْرِ في المُعْجَمِ الكَبِيْرِ (1/ 131) - فِي تَرْجَمَةِ بُختيَارِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الخَلَّالِ - قَالَ السَّمْعَانِيُّ: "وَهُوَ ابنُ عَمِّ شَيْخِنَا الأَدِيْبِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الخَلَّالِ" وَلَمْ يُتَرْجَمْ لَهُ، لَا في "التَّحْبِيْرِ" وَلَا فِي "المُنْتَخَبِ" وَهُمَا مُعْجَمَا شُيُوْخِهِ؟! فَلَعَلَّهُ لَم يَرْوِ عنه شَيْئًا مِنَ الحَدِيْثِ؛ لأنَّه كَانَ أَدِيْبًا، نَحْوِيًّا، بَارِعًا، وَإِن كَانَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ يَصِفُهُ أَيْضًا بِـ "المُحَدِّثِ، الأَثَرِيَّ" وَذَكَرَ الحَافِظُ مِنْ شُيُوْخِ الحُسَيْنِ هَذَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ، وَعُبَيْدَ اللهِ أَوْلَادَ ابنِ مَنْدَه. أَخْبَارُهُ فِي: التَّقْيِيْدِ (246)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (19/ 620)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1277)(لم يُتَرجِمْ لَهُ)، وَالوَافي بِالوَفَيَاتِ (12/ 420)، وَهُوَ مَذْكُوْرٌ في شُيُوْخِ الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 283) وَتَرْجَمَ لَهُ فِي "تَارِيخِ دِمَشْقَ"، وَالخَبَرُ في "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ".

(2)

السَّالِمِيَّةُ: أَتْبَاعُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدِ بنِ سَالِمٍ (ت: 297 هـ). يَجْمَعُ السَّالِمِيَّةُ =

ص: 58

وَأَنَا مُتَمَسِّكٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُتَبَرِئٌ إِلى اللهِ مِنْ التَّشْبِيْهِ وَالمِثْلِ، وَالضِّدِّ، وَالنِّدِّ، وَالجِسْمِ، وَالأعْضَاءِ، وَالآلَاتِ، وَمِنْ كُلِّ مَا يُنْسَبُ إِلَيَّ وَيُدَّعَى عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُوْلَ فِي اللهِ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ ذلِكَ أَوْ قُلْتُهُ، أَوْ أَرَاهُ، أَوْ أَتَوَهَّمُهُ، أَوْ أَتَّخِذُهُ، أَوْ أَنْتَحِلُهُ.

قالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَسَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّد بنِ الرَّضَى العَلَوِيَّ

(1)

، سَمِعْتُ

(2)

خَالِي أَبَا طَالِبِ بنَ طَبَاطَبَا يَقُوْلُ: كُنْتُ أَشْتُمُ أَبَدًا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَنْدَه،

= بَيْنَ كَلامِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالمُعْتَزَلَةِ، مَعَ مَيْلٍ إِلَى التَّشْبِيهِ، وَنَزْعَةٍ صُوفِيَّةٍ اتِّحَادِيَّةٍ، كَانَ لَهُمْ فِي البَصْرَةِ وَسَوَادِهَا أَصْحَابٌ وَأَتْبَاعٌ، مِنْ أَشْهَرِهِمْ أَبُو طَالِبٍ المَكِّيِّ (ت: 386 هـ) صَاحِب "قُوْتِ القُلُوبِ". يُرَاجعُ: طَبَقَاتُ الصُّوفِيَّةِ (414)، وَالأَنْسَابُ (3/ 200) وَحِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ (10/ 378).

(1)

هُو الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الرِّضَى العَلَوِيُّ الحَسَنِيُّ الكَرَّانِيُّ الأَصْفَهَانِيُّ مِنْ شُيُوْخِ أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ، ذَكَرَهُ في مُعْجَمِهِ "المُنْتَخَبِ"(2/ 647) وَمُعْجَمِهِ "التَّحْبِيْرِ"(1/ 208)، وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِ الحَافِظِ ابنِ عَسَاكِرِ كَمَا فِي مُعْجَمِهِ (ورقة: 47). قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في مُعْجَمِهِ "المُنْتَخَبِ": "سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ عَبْدَ الرَّحْمَن بنَ أَبي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه الحَافِظَ. . ." وَالخَبَرُ في: المُنْتَظَمِ (8/ 315)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 353)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (1/ 1167). وَفِيْهِمَا:"فَسَافَرْتُ إِلَى "جَرْبَاذَقَانَ" فَرَأَيْتُ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ فِي النَّوْم .. " وَ"جَرْبَاذَقَانُ": بَلْدَةٌ قَرِيْبَةٌ مِنْ "هَمَذَانَ". مُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 137)، قَالَ:"وجَرْبَاذَقَانُ" أَيضًا: بَلْدَةٌ بَيْنَ "اسْتَرْابَادَ" وَ"جُرْجَانَ" مِن نَوَاحِي "طِبْرِسْتَانَ". . ." وَيُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (3/ 218).

(2)

في (ط) تَحْقِيْق الدُّكتور هنري لاوُوست، والدُّكتور سَامِي الدَّهَّان:"قَالَ: سَمِعْتُ. . ." زَادَهَا عَنْ "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ" وفي طَبْعَةِ الشَّيخِ حَامِدٍ الفَقِي زَادَهَا ولم يُشِرْ، وَلَمْ تَرِدْ فِي النُّسَخِ المُعْتَمَدَةِ، وَوُجُوْدُهَا غَيْرُ ضَرِوْرِيٍّ؛ لِمُوَافَقَةِ أُسْلُوْبِ المُحَدِّثِيْن.

ص: 59

فَرَأَيْتُ عُمَرَ رضي الله عنه فِي المَنَامِ، وَيَدُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ

(1)

زَرْقَاءُ، وَفِي عَيْنَيْهِ نُكْتَةٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ لِي: لِمَ تَشْتُمُ هَذَا إِذَا سَمِعْتَ اسْمَهُ؟ فَقِيْلَ لِي: هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرُ رضي الله عنه، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ مَنْدَه. فَانْتَبَهْتُ، فَأَتَيْتُ "أَصْبَهَانَ"، وَقَصَدْتُ الشَّيْخَ عَبْدَ الرَّحْمَن، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ صَادَفْتُهُ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ زَرْقَاءُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا طَالِبٍ، وَقَبْلَهَا مَا رَآنِي وَلَا رَأَيْتُهُ

(2)

، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ: شَيْءٌ حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ يَجُوْزُ لَنَا أَنْ نُحِلَّهُ؟ فَقُلْتُ: اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، وَنَاشَدْتُهُ اللهَ وَقَبَّلْتُهُ

(3)

، فَقَالَ: جَعَلْتُكَ فِي حِلٍّ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَيَّ.

حَدَّثَ عَنِ الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الحُفَّاظِ وَالأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ،

(1)

في (ط) بطبعتيه و (هـ) ومُخْتَصَرِ ابنِ نَصْرِ اللهِ: "جُبَّة صُوْفٍ" وَلَا تُوْجَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي بَقِيَّةِ النُّسَخِ المُعْتَمَدَةِ، وَلَا فِي مَصَادِرِ الخَبَرِ، ولا في نُسَخ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَزَادَهَا مُحَقّقُهُ عن "الذَّيْلِ عَلَى الطَّبَقَاتِ" وَلَيْتَهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَبَقِيَّةُ الخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ غَيْرُ ضَرُوْرِيَّةٍ.

(2)

لَا شَكَّ أنَّ الشَّيْخَ أَبَا القَاسِمِ بنَ مَنْدَه في غَايَةِ الذَّكَاءِ وَالفِطْنَةِ، وَرُبَّمَا أنَّهُ قَدْ وُصِفَ لَهُ فَلَمَّا رَآهُ عَرَفَهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ إِلَيْهِ مَا يَقُوْلُ فِيْه فَبَادَرَ بِذلِكَ، وَإِلَّا هَلْ تُرَاهُ يَطَّلِعُ عَلَى عِلْمِ الغَيْبِ؟! وَلَا يَجُوْزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ لَدَيْهِ كَشْفًا كَمَا يَقُوْلُ ضِعَافُ النُّفُوسِ مِنَ الصُّوْفِيَّةِ.

(3)

بَعْدَهَا في (ط) تحقيق الدُّكتور هنري لَاووست والدُّكتور سَامي الدَّهان: "بَيْنَ عَينيه" وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عَن "تَذكرة الحُفَّاظ" وَهِيَ كَذلِكَ فِي "الوَافِي بِالوَفَيَاتِ" لَمْ تَرِدْ فِي النُّسَخِ المُعْتَمَدَةِ، وَلَا فِي مُخْتَصَرِ ابنِ نَصْرِ اللهِ، وَلَا فِي "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ"، وَلَا فِي "سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ". وَزَادَهَا الشَّيْخُ حَامِدٌ الفَقِي فِي طَبْعَتِهِ وَلَمْ يُشِرْ إِلَيْهَا، وَوُجُوْدِهَا غَيْرُ ضَرُوْرِيٍّ، وَالعِبْرَةُ هُنَا بِمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ النُّسَخُ.

ص: 60

مِثْلِ ابنِ أَخِيْهِ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَأَبِي نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبِي سَعْدٍ البَغْدَادِيِّ

(1)

، وَالحُسَيْنِ الخَلَّالِ، وَأَبِي عبد الله الدَّقَّاقِ، وَأَبِي بَكْرٍ البَاغْبَانِ

(2)

، وَرَوَى عَنْهُ بالإِجَازَةِ مَسْعُوْدٌ الثَّقَفِيُّ.

وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثيْرَةٌ، مِنْهَا: كِتَابُ "حُرْمَةِ الدِّيْنِ"، وَكِتَابُ "الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ" بَيَّنَ فِيهِ بُطْلَانَ مَا رُوِيَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي تَفْسِيْرِ حَدِيْثِ "خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ" بِكَلَامٍ حَسَنٍ، وَلَهُ كِتَابُ "صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ".

(1)

هُو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الأَصْفَهَانِيُّ (ت: 540 هـ) مُحَدِّثُ أَصْبَهَانَ. أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (10/ 116)، وَالتَّقْيِيْدِ (1/ 203)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 119)، وَالوَافي بِالوَفَيَاتِ (7/ 325)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 125).

(2)

"بِفَتْحِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ، وَسُكُوْنِ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ، وَبَاءٌ أُخْرَى، وَفِي آخِرِهَا النُّوْنُ، هَذِهِ النِّسْبَةَ إِلَى حِفْظِ البَاغِ وهُوَ البُسْتَانُ، وَعُرِفَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُم: أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ

شَيْخٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ "أَصْبَهَانَ"، رَاغِبٌ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، سَمَّعَ أَوْلَادَهُ الثَّلَاثَة أَبَا بَكْرٍ، وَأَبَا الخَيْرِ، وَأَبَا دَاوُدَ، وَوَرَدَ هُوَ "مَرْوَ"، وَحَدَّثَ بِهَا بِأَحَادِيْثَ مِنْ كِتَابِ "الخِصَالِ وَالخِلَالِ" لأبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَن بنِ أَبي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه الحَافِظِ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ

وَتُوفِّيَ بِـ "بَغْدَادَ" فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتَسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَأمَّا ابنُهُ الأَكْبَرُ مُحَمَّدُ بنُ اَحْمَدَ البَاغْبَان الصُّوْفِيُّ [فَـ]ــشَيخٌ سَديْدٌ، مُكْثِرٌ مِنَ الحَدِيْثِ، سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَن، وَأَبَا عَمْرٍو عَبْدَ الوَهَّابِ ابْنَي أَبي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه. . ." كَذَا في كِتَابِ الأَنْسَابِ لِأَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ (2/ 44) وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاةَ أَبِي بَكْرٍ، وَذَكَرَهَا فِي مُعْجَمِ شُيُوْخِهِ "المُنْتَخَبِ" (3/ 1378) وَهِي - كَمَا قَالَ -: "وَتُوفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ" وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ شُيُوْخِهِ أَيْضًا: التَّحْبِيْر (2/ 75)، وَهُوَ في مُعْجَمِ شُيُوْخِ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 868).

ص: 61

وَبِـ "أَصْبَهَانَ" طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ يَنْتَسِبُوْنَ إِلَى ابنِ مَنْدَه هَذَا، وَيَنْسِبُوْنَ إِلَيْهِ أَقْوَالًا فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ هُوَ مِنْهَا بَرِيْءٌ

(1)

.

مِنْهَا: أَنَّ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ يَجُوْزُ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى المَاءِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ صَلَاةَ التَّرَاويْحِ بِدْعَةٌ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ عُلَمَاءُ "أَصْبَهَانَ" مِنْ أَهْلِ الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ، وَبَيَّنُوا أَنَّ ابنَ مَنْدَه بَرِيْءٌ مِمَّا نَسَبُوْهُ إِلَيْهِ مِنْ ذلِكَ.

تُوُفِّيَ فِي [سَادِسَ عَشَرَ]

(2)

شَوَّالٍ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ بِـ "أَصْبَهَانَ"، وَشَيَّعَهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ لَا يُحْصِيْهِمْ إلَّا اللهَ تَعَالَى.

أَخْبَرَنَا

(3)

أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْراهِيْمَ بِـ "مَصْرَ"، (أَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ، (أَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ (أَنَا) أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، (أَنَا) أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه (أَنَا) أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مْحَمَّدِ بنِ المَرْزُبَان (أَنَا) مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَزَوَّرِيُّ

(4)

(أَنَا) مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ (أَنَا) عَبْدُ الحَمِيْدِ

(1)

قَالَ ابنُ الأَثِيْرِ فِي الكَامِلِ (10/ 108): "وَلَهُ طَائِفَةٌ يَنْتَمُوْنَ إِلَيْهِ في الاعْتِقَادِ مِن أَهلِ "أَصْفَهَان" يُقَالَ لَهُم: العَبْد رَحْمَانيَّة".

(2)

في (أ) فقط مُصَحَّحَةٌ عَلَى هَامِشِ النُّسْخَةِ، وَهِيَ كَذلِكَ في "التَّقْيِيْدِ" وَ"سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ" وَغَيْرِهِمَا، وَفِي "النُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ"(5/ 105) ذَكَرَهُ في وَفَيَاتِ سَنَةِ (469).

(3)

مِنْ هُنَا إِلَى آخِر التَّرجَمَةِ سَاقِطٌ من (هـ).

(4)

في (ط) بطبعتيه: "الحَرَّانِيُّ" وَالصَّوَابُ هُوَ المُثْبَتُ، قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ فِي الأَنْسَابِ (4/ 131): "بِفَتْحِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ وَالزَّايِ، وَتَشْدِيْدِ الوَاوِ، وَفِي آخِرِهَا الرَّاءُ، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى الجزور؟ [الحَزَوَّرِ] وَهُوَ اسْمٌ لِبَعْضِ أَجْدَادِ المُنْتَسِبِ إِلَيْهِ، =

ص: 62

ابنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مْحَمَّدِ بنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

: "مَا مِنْ امْرِئٍ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلَا يَقْبلُ اللهُ إلَّا طَيِّبًا - حَتَّى وَلَوْ بِتَمْرَةٍ، إلَّا أَخَذَهَا اللهُ بِيَمِيْنِهِ، ثُمَّ رَبَّاهَا لَهُ كمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيْلَهُ، حَتَّى يُوْفِيْهِ

(2)

يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلَ الجَبَلِ العَظِيْمِ".

قَرَأْتُ بِخَطِّ الإِمَامِ أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: أَنَّ أَبَا القَاسِمِ بنَ مَنْدَه كَانَ مِنَ الأَصْحَابِ، وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى الجَهْرِ بِالبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَذَكَرَ أَيْضًا في "مَسَائِلِهِ المَارِدَانِيَّاتِ"

(3)

أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الأَصْحَابِ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى صِيَامِ يَوْمِ الغَيْمِ، مِنْهُم أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَه.

وَذَكَرَ أَبُو زكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَه قَالَ: قَالَ عَمِّي الإِمَامُ - يَعْنِي أَبَا القَاسِمِ رحمه الله عَلَامَةُ الرِّضَا إِجَابَةُ اللهِ تبارك وتعالى مِنْ حَيْث دَعَا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَعَلَامَةُ الوَرَعِ الخُرُوْجُ مِنَ الشُّبُهَاتِ بِالأَخْبَارِ وَالآيَاتِ، وَعَلَامَةُ القَنَاعَةِ السُّكُوْتُ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الوُقُوْفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، وَعَلَامَةُ الإِخْلَاصِ زِيَادَةُ السِّرِّ عَلَى الإِعْلَانِ فِي إِيْثَارِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى وَقَوْلِ رَسُوْلِهِ صلى الله عليه وسلم

= وَالمَشْهُوْرُ بِهِ: أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى بنِ الحَكَمِ بنِ الحَزَوَّرِ الثَّقَفِيُّ الحَزَوَّرِيُّ، مَوْلَى السَّائِبِ بنِ الأقْرَعِ. . ." وَالدَّلِيْلِ أَنَّهُ هُوَ قَوْلُ الحَافِظِ:"رَوَى عَنْ لُوَيْنٍ" كَمَا هُوَ هُنَا، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(1)

الحَدِيْثُ فِي صَحِيْحِ البُخَارِي في (الزَّكاة) رقم (1344).

(2)

في (ط): "يوافيه".

(3)

المَسَائِلُ المَارِدِيْنِيَّةُ للإمامِ شَيْخِ الإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الحَلِيْمِ بنِ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيِّ رحمه الله مَشْهُوْرٌ مَطْبُوْعٌ.

ص: 63

عَلَى الأَقَاوِيْلِ كُلِّهَا بِالإِيْمَانِ وَالاحْتِسَابِ، وَعَلَامَةُ الصَّبْرِ حَبْسُ النَّفْسِ فِي اسْتِحْكَامِ الدَّرْسِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَعَلَامَةُ التَّسْلِيْمِ الثِّقَةُ بِاللهِ الحَكِيْمِ فِي قَوْلِهِ، وَالسُّكُوْنِ إِلَى اللهِ العَظِيْمِ

(1)

بِقَوْلِ رَسُوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَمِيْعِ الأَشْيَاءِ.

وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَةِ فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ": التَّأْوِيْلُ عِنْدَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ نَوْعٌ مِنَ التَّكْذِيْبِ.

‌13 - أَحْمَدُ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ

(2)

بنِ يَعْقُوْبَ الرَّزَّازُ، الزَّاهِدُ، أَبُو بَكْرٍ

(1)

في (ط): "العليم".

(2)

13 - ابنُ حُمُّدُوْهُ (381 - 470 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 448)، وَمُخْتَصَرِهِ (396)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (630)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرَ اللهِ (ورقة: 4)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 168)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 404)، ومُخْتَصَرِهِ" الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 207). وَيُرَاجَعُ: تَارِيْخُ بَغْدَادَ (4/ 481) وَمَاتَ بَعْدَهُ، وَالإِكْمَالُ لابنِ مَاكُولا (2/ 557)، وَالمُنْتَظَمُ (8/ 313)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ لابنِ نُقْطَةَ (2/ 281)، وَالمُشْتَبَهُ (1/ 249)، وَالتَّوْضِيْحُ (3/ 317)، وَالتَّبْصِيْرُ (460)، وَتَارِيْخُ الإِسْلَامِ (315)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (7/ 336)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 338)(5/ 305).

وَ"الرَّزَّازُ" في نَسَبِهِ تَحَرَّفَتْ في "المُنْتَظَمِ" إِلَى "الوَزَّانِ" وَهِي: "بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَتَشْدِيْدِ الزَّاي المَفْتُوْحَةِ، وَالألِفِ بَيْنَ الزَّايَيْنِ المُعْجَمَتَيْنِ، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى الرُّزِّ، وهو الأُرُزُّ، وهو اسمٌ لِمَنْ يَبِيْعُ الرُّزَّ، وَالمَشْهُورُ بِهَذِهِ النِّسْبَة. . ." هكَذَا قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في "الأَنْسَابِ"(6/ 105) وَذَكَرَ عَدَدًا غَيْرَ قَلِيلٍ من العُلَمَاء لَيْسَ مِنْ بَيْنِهِم المَذْكُوْرُ، وَمِثْلُهُ فَعَلَ الأَمِيْرُ في "الإِكْمَالِ" وَابنُ نُقْطَةَ في "تَكْمِلَةِ الإِكْمَالِ" وَابنُ ناصرِ الدِّيْنِ في "التَّوْضِيْحِ" =

ص: 64

المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ حُمُّدُوْه"، ذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ في "الطَّبَقَاتِ" وَ"التَّارِيْخِ".

وُلِدَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ لِثَمَانِي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ

(1)

. وَحَدَّثَ عَنْ خَلْقٍ كَثِيْرٍ، مِنْهُم: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانِ، وَابنُ أَبِي الفَوَارِسِ

(2)

، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى وَكَانَ ثِقَةً، زَاهِدًا، مُتَعَبِّدًا، حَسَنَ الطَّرِيْقَةِ.

وَقَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: تَفَقَّهَ عَلَى الوَالِدِ مَعَ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَانَا يَصْطَحِبَانِ إِلَى المَجْلِسِ، وَكَانَ كَثِيْرَ القِرَاءَةِ للقُرْآنِ وَالإِقْرَاءِ لَهُ، خَتَّمَ خَلْقًا كَثِيْرًا، وَحَدَّثَ عَنْهُ الخَطِيْبُ في "تَارِيْخِهِ"، وَقَالَ

(3)

: وَكَانَ صَدُوْقًا، وَأَبُو الحَسَنِ

(4)

بنُ مَرْزُوْقٍ فِي "مَشْيَخَتِهِ"، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَالقَاضِي

= لَمْ يَذْكُرُوا المُتَرْجَمَ هُنَا؛ لِعَدَمِ تَمَيُّزه بِهَذِهِ النِّسْبَةِ، وَشُهْرَتُه بـ "ابنِ حُمُّدُوْه" أَوِ "ابنِ حُمُّدُوْيَه".

(فَائِدَةٌ): مَعَ أَنَّ المُؤَلِّفَ وَغَيْرَهُ وَصَفُوْهُ بِـ "المُقْرِئِ" وَأَنَّهُ "كَثِيْرُ القِرَاءَةِ لِلقُرْآنِ وَالإِقْرَاءِ لَهُ" لَمْ يُذْكَرْ فِي "طَبَقَاتِ القُرَّاء" فَهَلْ نَعْتَبِرُ ذلِكَ اسْتِدرَاكًا عَلَيْهِمْ؟ الجَوَابُ: لا نَعْتبِرُ ذلِكَ استِدْرَاكًا؛ لأَنَّ كَوْنَهُ قَارِئًا مُقْرِئًا لَا يَلْزَمُ منه أنه يَلْتَزِمُ بمَنَاهِجِ القُرَّاءِ وطُرُقِهِم المَعْرُوْفَةِ، وَإلَّا لأَصْبَحَ أَغْلَبُ العُلَمَاءِ في "طَبَقَاتِ القُرَّاءِ".

(1)

في "تَارِيْخِ بَغْدَادَ": "سَأَلْتُ ابنَ حُمُّدُوه عن مَوْلِدِهِ فَقَالَ: وُلِدْتُّ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ. . .".

(2)

في (ط) بطبعتيه: "ابن القواس" خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَالمَقْصُوْدُ به مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ فَارِسِ بنِ أَبي الفَوَارِس، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّحَّالُ (ت: 412 هـ). يُرَاجَعُ: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (17/ 223) وَغَيْرُهُ.

(3)

في (أ) و (ب): "كَانَ صَدُوْقًا" بِدُوْنِ وَاوٍ، وَهِيَ مَوْجُوْدَةٌ فِي "تَارِيخِ بَغْدَادَ".

(4)

في (ب): "وَأَبُو الحَسَنِ في مَشْيَخَتِه" وَلَمْ أَهْتَدِ إِلَى مَعْرِفَةِ ابنِ مَرْزُوْقٍ هَذَا، وَلَعَلَّهُ: أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مَرْزُوْقٍ (ت: 418 هـ) وَإِنْ كُنْتُ أَسْتَبْعِدُ ذلِكَ؛ لأَنَّ =

ص: 65

أَبُو الحُسَيْنِ فِي "طَبَقَاتِ الأَصْحَابِ" وَغَيْرُهُم.

تُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ رَابِعَ عِشْرِيْنَ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِـ "بَابِ حَرْبٍ".

قَالَ السِّلَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ البَرَدَانِيَّ عَن ابنِ حُمُّدُوْيَهْ صَاحِبِ ابنِ سَمْعُوْنَ فَقَالَ: هُوَ بِضَمِّ الحَاءِ، وَتَشْدِيْدِ المِيْمِ، وَضَمِّهِ أَيْضًا، يَعْنِي وَبِاليَاءِ. ذَكَرَهُ ابنُ نُقطَةَ. قَالَ: وَغَيْرُهُ يَقُوْلُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ، مِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ: حُمَّدُوْه بِضَمِّ الحَاءِ، وَتَشْدِيْدِ المِيْمِ وَفَتْحِهَا، بِغَيْرِ يَاءٍ بَعْدَ الوَاوِ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بِـ "مِصْرَ"(أَثَنَا) عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَنَا) عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيٍّ الأمِيْنُ (أَثَنَا) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي (ثَنَا) أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حُمُّدُوْيَه الرَّزَّازُ، (ثَنَا) أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَمْعُوْنَ (ثَنَا) أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ رَيَّانَ (ثَنَا) هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ (ثَنَا) عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ حَبِيْبِ بنِ أَبِي العِشْرِيْنَ الأَوْزَاعِيُّ

(1)

،

= هَذَا فِي دَرَجَةِ شُيُوْخِهِ. أَخْبَارُهُ في: تَارِيْخِ دِمَشْقَ (5/ 445)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (393).

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: وَمِمَّن رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ الحَنْبَلِيُّ قَاضِي المَارَسْتَانِ (ت: 535 هـ) في مَشْيَخَتِهِ "أَحَادِيْثُ الشُّيُوْخِ الثِّقَاتِ" قَالَ (وَرَقَة: 39): " (شَيْخٌ آخَرُ) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَد المُقْرِئُ المَعْرُوْفُ بِـ "حُمُّدُوْيَهْ" لَفظًا يومَ الثُّلَاثَاء عِشْرِيْنَ شَوَّال مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِين وَأَرْبَعِمَائَةَ".

(1)

هَكَذَا في الأصُوْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وفي نُسْخَةِ (جـ) كَتَبَ النَّاسِخُ عَلَى الهَامِش:"لَعلَّهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ" وَفِي "مَشْيَخَةِ الأَنْصَارِيِّ" السَّابقة الذِّكْر: ". . . قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ" وَمَعْلُوْمٌ أنَّ عَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ حَبِيْبٍ المَذْكُورَ هُنَا لَيْسَ أَوْزَاعِيًّا، بَلْ هُوَ كَاتِبُ =

ص: 66

(ثَنَا) الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ "أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِفَرَسٍ لَهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا تُبَاعُ فِي السُّوْقِ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، فَأَتَى رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَرْتَدَّ فِي صَدَقَتِكَ".

قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَصْنَعُ فِي صَدَقَتِهِ إِنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ المِيْرَاثُ يَوْمًا لَا يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ.

‌14 - الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ

(1)

بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ البَنَّاءِ البَغْدَادِيُّ، الإِمَامُ، أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ،

= الأَوْزَاعِيِّ، هكَذَا نَصَّ الحَافِظُ المِزِّيُّ في تَهْذِيْبِ الكَمَالِ (16/ 421)، وَالحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي تَهْذِيْبِ التَّهْذِيْبِ (6/ 102)، وَغَيْرِهِمَا مِمَّن ذَكَرَ سِيْرَتَهُ وَأَخْبَارَهُ. وَفِي "تَهْذِيْبِ الكَمَالِ":"عَنِ الأَوْزَاعِي" وَلَمْ يَذْكُرْ في شُيُوْخِهِ غَيْرَهُ، وَفِي "تَهْذِيْبِ التَّهْذِيْبِ":"كَاتِبُ الأَوْزَاعِيِّ، رَوَى عَنْهُ وَحْدَهُ" وَالحَدِيْثُ في صَحِيْحِ البُخَارِيِّ رقم (2971)، وَصَحِيْحِ مُسْلِمٍ فِي (الهِبَاتِ) رقم (1621).

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (470 هـ):

10 -

عَلِيُّ بنُ نَاعِمٍ بنِ عَلِيِّ بنِ سَهْلٍ المُقْرِئُ، أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ البَزَّازُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ في "مَشْيَخَتِهِ" (ورقة: 108)، وَالحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (4/ 225)، وَالذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلَامِ (337).

11 -

وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنُ أَحْمَدُ، أَبُو الفَضْلِ الشَّرِيْفُ الهَاشِمِيُّ، أَخُو القَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ السَّابِقِ الذِّكْرِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ:"وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الحَنَابِلَةِ" تَارِيْخ الإِسْلامِ (339)، وَلا أَدْرِيْ فَلَعَلَّهُ يَقْصُدُ: كَانَ أَخُوْهُ مِنْ كِبَارِ الحَنَابِلَةِ، أمَّا هُوَ فَمَا أَظُنُّ ذلِكَ.

(1)

14 - ابنُ البَنَّاء البَغْدَادِيُّ (396 - 471 هـ):

أخبارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 449)، وَمُخْتَصَرِهِ (397)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ =

ص: 67

المُحَدِّثُ الفَقِيْهُ الوَاعِظُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.

وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَتَسْعِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ، وَقَرَأَ القِرَاءَاتِ السَّبْعِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ الحَمَّامِيِّ وَغَيْرِهِ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ هِلَالٍ الحَفَّارِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ رِزْقَوَيْهِ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ أَبِي الفَوَارِسِ

(1)

، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَانَ، وَأَخِيْهِ أَبِي القَاسِمِ، وَأَبي عَلِيِّ بنِ شِهَابٍ، وَأَبِي الفَضْلِ التَّمِيْمِيِّ، وَخَلْقٍ كَثيْرٍ، وَتَفَقَّهَ أَوَّلًا علَى أَبِي طَاهِرٍ بنِ الغُبَارِيِّ، ثُمَّ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، وَحَضَرَ عِنْدَ أَبِي عَلِيِّ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَنَاظَرَ فِي مَجْلِسِهِ، وَتَفَقَّهَ أَيْضًا عَلَى أَبِي الفَضْلِ التَّمِيْمِيِّ، وَأَخِيْهِ أَبِي الفَرَجِ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ جَمَاعَةٌ مِثْلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَارِعِ، وَأَبِي العَزِّ القَلَانِسِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ

= أَحْمَدَ (630)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (وَرَقَة: 4)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 309)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 405)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 209). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 319)، ومُعْجَمُ الأُدَبَاءِ (7/ 265)، وَالكَامِلُ في التَّارِيْخِ (10/ 112)، وَإِنْبَاهُ الرُّوَاةِ (1/ 276)، وَتَلْخِيْصُهُ لابنِ مَكْتُوْمٍ (وَرَقَة: 50)، وَتَارِيْخُ إِرْبِل "نَبَاهَةُ البَلَدِ الخَامِلِ .. "(1/ 271)، وَسِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (18/ 380)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (3/ 1176)، وَمَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 433)، وَالعِبَرُ (3/ 275)، وَالإِعلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلَامِ (194)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقاتِ المُحَدِّثِيْنَ (135)، وَدُوَلُ الإِسلَامِ (2/ 5)، وَتَارِيْخُ الإِسْلَامِ (39)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 100)، وَالوَافي بِالوَفَيَاتِ (11/ 381)، وَغَايةُ النِّهَايَةِ (1/ 206)، وَلِسَانُ المِيْزَانِ (2/ 195)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 107)، وَبُغْيَةُ الوُعَاةِ (1/ 495)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 338)(5/ 306).

(1)

بعدها في (ط) بطبيعتيه: "وَابن رزقويه" كرَّره.

ص: 68

المَزْرَفِيِّ. وسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الحَافِظُ الحُمَيْدِيُّ

(1)

كَثيْرًا. حَدَّثَ عَنْهُ وَلَدَاهُ أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ وَيَحْيَى

(2)

، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَرَّاءِ،

(1)

هُوَ الإمَامُ المَشْهُوْرُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبي نَصْرٍ فَتُّوْحٍ الأَزْدِيُّ الأنْدَلُسِيُّ (ت: 488 هـ) صَاحِبُ "الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْن" وَ"جَذْوَة المُقْتَبِسِ" وَغَيْرِهِمَا. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ الأُدَبَاءِ (18/ 282)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 120).

(2)

عَرَفْتُ لابنِ البَنَّاءِ أَرْبَعَةَ أَوْلَادٍ، هُم:

- أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ (ت: 527 هـ) لَهُ ذِكْرٌ وَأَخْبَارٌ، وَلَهُ أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ، وهو الَّذِي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هُنَا، وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ، نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

- أَبُو عَبْدِ الله يَحْيَى بنُ الحَسَنِ (ت: 531 هـ) وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ هُنَا، تَرْجَمَ لَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيأتِي.

- وأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ (ت: 510 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَذَكَرَ هُنَاك أَنَّه مِمَّن سَمِعَ عَلَى وَالِدِهِ، فَكَانَ حَقُّه أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا أَيْضًا مَعَ أَخَوَيْهِ. قَالَ القِفْطِيُّ - فِي تَرْجَمَةِ ابنِ البَنَّاء -:"حَدَّثَ عَنْه أَوْلَادُهُ الثَّلَاثَةُ أَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى. . .".

- وَأَبُو الفَضْلِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ (ت: 518 هـ) تَرْجَمَ لَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في سَيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (20/ 7) فِي تَرْجَمَةِ أَخِيْهِ يَحْيَى قَالَ الحَافِظُ: "وَقَدْ مَرَّ أَخُوْهُمَا أَبُو غَالِبٍ، وَمَاتَ قَبْلَهُمَا أَخُوْهُمَا أَبُو الفَضْلِ إِبْرَاهِيْمُ

يَرْوِي عن ابنِ المُهْتَدِي باللهِ، وَابنِ النَّقُّوْرِ، سَمِعَ مِنْهُ يَحْيَى بنُ بُوْشٍ" وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّه من أَهْلِ العِلْمِ، نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

وَمِنْ أَحْفَادِ ابنِ البَنَّاءِ:

- أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ (ت: 550 هـ) صَاحِبُ "المَشْيَخَةِ" المَشْهُوْرَةِ، له ذِكْرٌ وَأَخْبَارٌ كَثِيْرَةٌ. =

ص: 69

وَأَبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ البَاقِي

(1)

، وَابنُ الحُصَيْنِ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَغَيْرُهُم، وَدَرَّدسَ الفِقْهَ كَثِيْرًا، وَأَفْتَى زَمَانًا طَوِيْلًا.

قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: تَفَقَّهَ عَلَى الوَالِدِ، وَعَلَّقَ عَنْهُ المَذْهَبَ وَالخِلَافَ، وَدَرَّسَ بِدَارِ الخِلَافَةِ فِي حَيَاةِ الوَالِدِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَصَنَّفَ كُتُبًا فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالفَرَائِضِ، وَأُصُوْلِ الدِّيْنِ، وَفِي عُلُوْمٍ مُخْتَلِفَاتٍ، وَكَانَ مُتَفَّنِنًا فِي العُلُوْمِ، وَكَانَ أَدِيْبًا، شَدِيْدًا عَلَى أَهْلِ الأَهْوَاءِ.

وَقَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: هُوَ شَيْخٌ، إِمَامٌ فِي عُلُوْمٍ شَتَّى، فِي الحَدِيْثِ، وَالقِرَاءَاتِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَطَبَقَةٌ فِي الأَدَبِ وَالشَّعْرِ وَالرَّسَائِلِ

(2)

، حَسَنُ الهَيْئَةِ، حَسَنُ العِبَادَةِ، كَانَ

(3)

يُؤَدِّبُ بَنِي جَرْدَةَ

(4)

.

= - وَأَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ .. (ت: 572 هـ) ابنُ سَابِقِهِ.

- وَأَبُو بَكْرٍ غِيَاثُ بنُ الحَسَن .. (ت: 594) ابنُ سَابِقِهِ.

- وَسَعِيْدَةُ بِنْتُ أَبِي غَالِبٍ أُخْتُ سَعِيْدٍ .. (ت: 561 هـ).

- وَنُوْرُ بِنْتُ غِيَاثٍ بنِ الحَسَنِ (ت؟).

- وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ (ت بَعْدَ 671 هـ).

هَؤلَاءِ جَمِيْعًا لَمْ يَذْكُرْهُمُ المُؤَلِّفُ، نَذْكُر كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الاسْتِدْرَاكِ عَلَى المُؤَلِّفِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ في مَشْيَخَتِهِ "أَحَادِيْثِ الشُّيُوْخِ الثِّقَاتِ"؟!.

(2)

في (ب): "وشعر .. " وَكَتَبَ النَّاسِخُ فَوْقَهَا في (جـ) كَذَا؛ فَكَأَنَّ العَبَارَةَ مُشْكِلَةٌ.

(3)

في (ب): "وكان".

(4)

ابنُ جَرْدَةَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ (ت: 476 هـ)، وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ مِن الاسْتِدْرَاكِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَتَقَدَّم التَّعْرِيْفُ بِهِ فِي تَرْجَمَةِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ الخَالِقِ (ت: 470 هـ).

ص: 70

وَقَالَ ابنُ شَافِعٍ: كَانَ لَهُ حَلْقَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَسَطَ الرُّوَاقِ، وَالأُخْرَى: بِجَامِعَ القَصْرِ، حِيَالَ المَقْصُوْرَةِ، لِلْفَتْوَى وَالوَعْظِ وَقِرَاءَةِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ يُفْتِي الفَتْوَى الوَاسِعَةَ، وَيُفِيْدُ المُسْلِمِيْنَ بِالأَحَادِيْثِ، وَالمَجْمُوْعَاتِ وَمَا يُقْرِئُهُ مِنَ السُّنَنِ، وَكَانَ فَقِيْهَ البَدَنِ

(1)

، جَيِّدَ القَرِيْحَةِ، تَدُلُّ مَجْمُوْعَاتُهُ عَلَى تَحْصِيْلِهِ لِفُنُوْنٍ مِنَ العُلُوْمِ، وَقَدْ صَنَّفَ قَدِيْمًا فِي زَمَنِ شَيْخِهِ الإِمَامِ

(2)

أَبِي يَعْلَى فِي المُعْتَقَدَاتِ وَغَيْرِهَا، وَكَتَبَ لَهُ خَطَّهُ عَلَيْهَا بِالإِصَابَةِ وَالاسْتِحْسَانِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ لَهُ فِي مَجْمُوْعَاتِهِ مِنَ المُعْتَقَدَاتِ مَا يُوَافِقُ بَيْنَ المَذْهَبَيْنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ [رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى]

(3)

، وَيَقْصُدُ بِهِ تَأْلِيْفَ القُلُوْبِ، وَاجْتِمَاعَ الكَلِمَةِ، مِمَّا قَدِ اسْتَقَرَّ لَهُ وُجُوْدٌ فِي اسْتِنْبَاطِهِ، مِمَّا أَرْجُو لَهُ بِهِ عِنْدَ اللهِ الزُّلْفَى فِي العُقْبَى، فَلَقَدْ كَانَ مِنْ شُيُوْخِ الإِسْلَامِ النُّصَحَاءِ

(4)

، الفُقَهَاءِ الأَلِبَّاءِ، وَيَبْعُدُ غَالِبًا أَنْ يَجْتَمِعَ فِي شَخْصٍ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي العُلُوْمِ مَا اجْتَمَعَ فِيْهِ، وَقَدْ جَمَعَ مِنَ المُصَنَّفَاتِ فِي فُنُوْنِ العِلْمِ، فِقْهًا، وَحدِيْثًا، وَفِي عِلْمِ القِرَاءَاتِ، وَالسِّيَرِ، وَالتَّوَارِيْخِ، وَالسُّنَنِ، وَالشُّرُوْحِ لِلْفِقْهِ، وَالكُتُبِ النَّحْوِيَّةِ إِلَى غَيْرِ ذلِكَ جُمُوْعًا حَسَنَةً، تَزِيْدُ عَلَى ثَلَاثِمَائَةِ مَجْمُوْعٍ، كَذَا قَرَأْتُهُ مُحَقَّقًا بِخَطِّ بَعْضِ العُلَمَاءِ. وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ

(1)

في (ط) بطبعتيه: "نَقِيَّ الذِّهن" ولفظة: "فقيه" ساقطة من (ب).

(2)

ساقطٌ من (أ) ومُخْتَصَرِ ابنِ نَصْرِ اللهِ.

(3)

ساقطٌ من (ط) الفقي، و"تعالى" ساقطٌ من (أ) و (ب).

(4)

في (أ) و (ب) و (جـ): "الفُصَحَاء".

ص: 71

قَال: صَنَّفْتُ خَمْسَمَائَةَ مُصَنَّفٍ. وَقَالَ أَبُو نَصْرِ بنِ المُجْلِّي

(1)

- مِمَّا ذَكَرَهُ ابنُ شَافِعٍ عَنْهُ -: لَهُ مَجْمُوْعَاتٌ وَمُؤَلَّفَاتٌ فِي المَذْهَبِ، وَفِيْمَا سِوَاهُ مِنَ المَذَاهِبِ، وَفِي الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَتَرَاجِمُ كُتُبِهِ مَسْجُوْعَةٌ عَلَى طَرِيْقَةِ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُنَادِي

(2)

. قَال: وَكَتَبْتُ الحَدِيْثَ عَنْ نَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِمَائَةَ شَيْخٍ لَمْ أَرَ فِيْهِمْ مَنْ كَتَبَ أَكْثَرَ مِنِّي. قَال: وَكَانَ طَاهِرَ الأَخْلَاقِ، حَسَنَ الوَجْهِ وَالشَّيْبَةِ، مُحِبًّا لأَهْلِ العِلْمِ مُكْرِمًا لَهُمْ.

تُوُفِّيَ رحمه الله: لَيْلَةَ السَّبْتِ خَامِسَ رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَصُلِّيَ عَلَيْهِ في الجَامِعَيْنِ، جَامِعِ القَصْرِ، وَجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَكَانَ الجَمْعُ فِيْهِمَا مُتَوَافِرًا جِدًّا، أَمَّ النَّاسَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، وَتَبِعَهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَعَالِمٌ عَظِيْمٌ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ"[رضي الله عنه]

(3)

.

وَقَدْ غَمَزَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسمِ بنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ اسْمُهُ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بن عَبْدِ اللهِ

(1)

هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ، أَبُو نَصْرٍ، قُطْبُ الدِّيْنِ البَغْدَادِيُّ، الحَافِظُ. سَمِعَ، وَأَلَّفَ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَمَاتَ كَهْلًا سَنَةَ (488 هـ) عَنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. أَخْبَارُهُ فِي: مَجْمَعِ الآدَابِ (3/ 450)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (27/ 299)، وَالشَّذَرَاتِ (5/ 391). قَالَ الصَّفَدِيُّ:"لَهُ مِنَ الكُتُبِ كِتَابُ "الخُطَبِ" مِنْ إِنْشَائِهِ، كِتَابُ "مُسْنَدِ الشُّعَرَاءِ" كِتَابُ "أَخْبَارُ الخَلِيْلِ بنِ أَحْمَدَ" كِتَابُ "كِتْمَانُ السِّرِّ".

(2)

أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ (ت: 336 هـ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في "الطَّبَقَاتِ"(3/ 5).

(3)

ساقطٌ من (ط) الفقي فقط. وفي (ط) تَحْقِيْقِ الدُّكتور هنري لاوُوست، وَالدُّكتور سَامِي الدَّهَّان:"رضي الله تعالى عنه".

ص: 72

النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ الكَثِيْرَ. وَكَانَ ابنُ البَنَّاءِ يَكْشُطُ

(1)

"بُوْرِىٍ"، وَيَمُدُّ السِّيْنَ، وَقَدْ صَارَ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ بن عَبْدِ اللهِ البَنَّاءَ، كَذَا قِيْلَ إِنَّهُ يَفْعَلُ هَذَا؟!

قَالَ أبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ: وَهَذَا القَوْلُ بَعِيْدٌ [مِنَ] الصِّحَّةِ؛ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ: "كَذَا قِيْلَ" وَلَمْ يَحْكِ عَنْ عِلْمِهِ بِذلِكَ

(2)

، فَلَا يَثْبُتُ هَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ مُكْثِرٌ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِزَادَةٍ لِمَا يَسْمَعُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدِ اشْتُهِرَتْ كَثْرَةُ رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بنِ البَنَّاءِ، فَأَيْنَ ذِكْرُ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الله النِّيْسَابُوْرِيُّ؟ وَمَنْ ذَكَرَهُ؟ وَمَنْ يَعْرِفُهُ؟ وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ مَنِ اشْتُهِرَ سَمَاعُهُ لَا يَخْفَى، فَمَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَنَعُوْذُ باللهِ مِنَ

(1)

في (ط) تحقيق الدُّكتور هَنري لاوُوست، والدُّكتور سَامي الدَّهَّان:"من التَّسميع" عن "لِسَانِ المِيْزَانِ، وَهِيَ فِي (ط) الفقي دُوْنَ إشارة؟! وَوُجُوْدُهَا غَيْرُ ضَرُوْرِيٍّ.

(2)

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: لَكِنَّهُ نَقَلَ عَنْ ثِقَةٍ هُوَ أَبُو القَاسِم السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ تَلَامِيْذِ ابنِ البَنَّاء، وَاسْمُهُ إسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ (ت: 536 هـ). قَالَ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرٍ: "كَانَ ثِقَةً، مُكْثِرًا، صَاحِبَ أُصُوْلٍ، دَلَّالًا في الكُتُبِ". وَقَالَ الحَافِظ السِّلَفِيُّ: "هُوَ ثِقَةٌ، لَهُ أُنْسٌ بِمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَكَانَ ثِقَةً، يَعْرِفُ الحَدِيْثَ، وَسَمِعَ الكُتُبَ، وَقَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِي: "قَرَأْتُ عَلَيْهِ الكُتُبَ الكِبَارَ وَالأَجْزَاءَ، وسَمِعْتُ أَبَا العَلَاءِ العَطَّارَ بِـ "هَمَذَانَ" يَقُوْلُ: مَا أَعْدِلُ بأَبي القَاسِمِ السَّمَرْقَنْدِيِّ أَحَدًا مِنْ شُيُوْخِ العِرَاقِ وَخُرَاسَان" فَإِذَا كَانَ عُدُوْلُ الحُفَّاظِ الكِبَارِ يُوَثِّقُوْنَهُ فيَجِبُ قَبُوْلُ قَوْلِهِ؛ لأَنَّ الأَخْبَارَ تُنْقَلُ رِوَايَةً، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الحَافِظَ أَبَا القَاسِمِ السَّمَرْقَنْدِيَّ المَذْكُوْرَ كُتْبِيٌّ يَقَعُ عَلَى مَا لا يَقَعُ عليه غَيْرُهُ من نَوَادِرِهَا، "وكانَ يُخَالِطُ الكُبَرَاءَ بِسَبَبِ الكُتُبِ" "بَاعَ مَرَّةً صَحِيْحِي البُخارِي ومُسْلِمٍ في مُجَلَّدَةٍ لَطِيْفَةٍ بِخَطِّ الصُّوْرِيِّ. . ." فَهُوَ - مَعَ ثِقَتِهِ - عَلَى دِرَايَةٍ بِالكُتُبِ وَمَا كُتِبَ عَلَيْهَا.

ص: 73

القَدْحِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ. انْتَهَى

(1)

.

وَذَكَرَ السِّلَفِيُّ، عَنْ شُجَاعٍ الذُّهْلِيِّ، وَالمُؤْتَمِنِ السَّاجِيِّ أَنَّهُمَا غَمَزاهُ

(1)

هَذِهِ تَسَاؤُلَاتٌ في غَيْرِ مَحَلِّهَا، فَإِذَا كَانَ ابنُ الجَوْزِيِّ لا يَعْرِفُهُ فَغَيْرُهُ يَعْرِفُهُ. قَالَ الصَّفَدِيُّ في الوَافِي بِالوَفَيَاتِ (11/ 382): بَعْدَ أنْ نَقَلَ كَلَامَ ابنِ الجَوْزِيِّ: "قُلْتُ: وَرَأَيْتُ مُحِبَّ الدِّين ابنَ النَّجَّارِ ذَكَرَ في "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيَّ الصُّوْفِيَّ، وَقَالَ: سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ عَلَيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الحَمَّامِيِّ المُقْرِئِ وأَمْثَالِهِ، وَرَوَى الخَطِيْبُ عَنْهُ كَثِيْرًا في "التَّارِيْخِ" وَفَيَاتٍ وَغَيْرَهَا .. " وَمِثْلُهُ في لِسَان المِيزَانِ للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (2/ 195) فَبِهذَا تَسْقُطُ حُجَّةُ ابنِ الجَوْزِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى ذلِك، فَالرَّجُلُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ مُحَدِّثٌ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى أَقْوَالِهِ الحَافِظُ الخَطِيْبُ وَحَسْبُكَ بِهِ، وَإِذَا كَانَتْ تَرْجَمَتُهُ في الكُتُبِ غَيْرُ مُتَوَافِرَةٌ فَتِلْكَ حُظُوْظٌ؟!

وهُنَاكَ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، عَمِيْدُ الدِّيْنِ الكَاتِبُ. ذَكَرَهُ ابنُ الفُوَطِيِّ في مَجْمَعِ الآدَابِ (2/ 212) (ط). إيران. وَقَالَ: ذَكَرَهُ العِمَادُ الكَاتِبُ في "خَرِيْدَةِ القَصْرِ .. " وَقَالَ: كَانَ عَمِيْدَ بَغْدَادَ في عَهْدُ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه بنِ أَلْب أَرْسَلَان .. " وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ، وَنَقَلَ مُحَقِّقُهُ الدُّكتور مُصْطَفَى جَوَاد في الهَامِشِ عَنِ ابنِ السَّمْعَانِيِّ فِي "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" من خِلَال مُخْتَصَرِهِ لابنِ مُكْرمٍ الأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ "لِسَانِ العَرَبِ" وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ سَابِقِه، فَمِنُ المُمْكِنْ أَنْ يَكُوْنَ أحدَهُمَا، إِذَا قُدِّرَ أنَّهما اثنان.

يَقُوْلُ الفَقِيْرُ الَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُلَيْمَان العُثَيْمِيْن - عَفَا الله عَنْهُ -: لَئِنْ كُنَّا نُحِبُّ أَصْحَابَنَا الحَنَابِلَة، فَحُبَّنَا لِدِيْنِنَا، وعَقِيْدَتِنَا، وَمَصَادِرِ تَشْرِيْعِنَا لا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ، وَمِنَ المُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَّة أَنْ نَتَنَبَّهَ لمَا قِيْلَ عَنْ رُوَاتِهَا جَرْحًا وتَعْدِيْلًا، وَنَضَعَ الحَقَّ في نِصَابِهِ. وَأَنَا لا أُرِيدُ أَنْ أُثْبِتَ التُّهْمَةَ عَلَى ابنِ البَنَّاءِ، وَلكِنَّ دِفَاعَ ابنِ الجَوْزِيِّ عَنْهُ ضَعِيْفٌ، وَكَانَ الحُفَّاظُ مِنَ المُتَأَخِّرِيْنَ عَنْ عَصْرِهِ أَمْثَالِ الحَافظِ الذَّهَبِيِّ، وَالحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ وَغِيْرِهِمَا أَوْلَى بالدِّفَاعِ عَنْهُ لَوْ وَجَدُوا لِذلِكَ مَجَالًا.

ص: 74

أَيْضًا، وَلَمْ يُفَسِّرَا

(1)

، وَفَسَّرَهُ السِّلَفِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي أُصُوْلِهِ بالتَّغْيِيْرِ وَالحَكِّ.

وذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ

(2)

: أَنَّ تَصَانِيْفَهُ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ عِلْمِهِ، وَسُوْءِ تَصَرُّفِهِ،

(1)

هَذَا اتِّهَامٌ مُجْمَلٌ مِنْ شُجَاعٍ الذُّهْلِيِّ، وَالمُؤْتَمَنِ، وَتَفْسِيْرُ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ بِأنَّه كَانَ يَتَصَرَّفُ في أُصُوْلِهِ بِالتَّغْيِيْرِ وَالحَكِّ، لا تَعْنِي حَادِثَةً بِعَيْنِهَا كَمَا في الخَبَرِ السَّابِق عَنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، فَأَيْنَ دِفَاعُ ابنِ الجَوْزِيِّ عن هَذِهِ؟!.

(2)

وَنَقَلَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ عَنِ ابنِ النَّجَّارِ أَيْضًا قَوْلَهُ فِيْهِ: "وَتَصَانِيْفُهُ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ فَهْمِهِ، كَانَ يُصَحِّفُ، وَكَانَ قَلِيْلَ التَّحْصِيْلِ

وَشَرَحَ "الإيْضَاح" لِأَبي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ، وَإِذَا نَظَرْتَ فِي كَلَامِهِ بَانَ لَكَ سُوْءُ تَصَرُّفِهِ، وَرَأَيْتُ لَهُ تَرْتِيْبًا لِـ "الغَرِيْبِ" لأبي عُبَيْدٍ قَد خَبَّطَ وَصَحَّفَ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أعْتَمِدُ -: قَوْلُ الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ هَذَا غَيْرُ سَدِيْدٍ، فَابنُ النَّجَّارِ بَحْرٌ في العُلُوْمِ، قَالَ يَاقُوْتٌ في مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (6/ 2644):"الحَافِظُ المُؤَرِّخُ، الأَدِيْبُ، العلَّامةُ، أَحدُ أَفْرَادِ العَصْرِ الأَعْلَامِ، رَحَلَ إِلَى "الشَّامِ" و"مِصْرَ" و"الحِجَازِ" و"خُرَاسَانَ". واسْتَمَرَّت رِحْلَتُهُ سَبْعًا وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، واشْتَمَلَتْ "مَشْيَخَتُهُ" عَلَى ثَلَاثَةِ آلافِ شَيْخٍ، وَكَانَ إِمَامًا، حُجَّةً، ثِقَةً، حَافِظًا، مُقْرِئًا، أَدِيْبًا، عَارِفًا بِالتَّارِيْخِ وَعُلُوْمِ الأَدَبِ، وَحُسْنِ الإِلْقَاءِ وَالمُحَاضَرَةِ، وَكَانَ لَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ". وَقَالَ الحَافظُ الذَّهبيُّ في "التَّارِيْخِ": "وَكَانَ إِمَامًا، ثِقَةً، حُجَّةً، مُقرِئًا، مُجَوِّدًا، حُلْوَ المُحَاجَّةِ، كَيِّسًا، مُتَوَاضِعًا، ظَرِيْفًا، صَالِحًا، خَيِّرًا، مُتَنَسِّكًا" ثُمَّ قَالَ: "وَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الدُّنيا".

أقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: وَمِن بَيْنِ مُؤَلَّفَاتِ ابنِ النَّجَّارِ "شَرْحُ المُفَصَّل" للزَّمَخْشَرِيِّ في النَّحْو كَمَا في كَشْفِ الظُّنُوْنِ (2/ 1775)، فَكَيْفَ يَكُوْنُ ابنُ النَّجَّارِ أَجْنَبِيُّ من هَذِهِ العُلُوْمِ؟! فَإِنْ كَانَ ابنُ النَّجَّارِ أَجْنَبِيًّا عَنْهَا، فابنُ البَنَّاءِ أَكْثَرُ بُعْدًا لَا مَحَالَةَ.

وَكِتَابُ ابنِ البَنَّاءِ "شَرْحُ الإِيْضَاحِ" في النَّحْوِ لأبي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ كَانَ لِي شَرَفُ الوُقُوْفِ عَلَيْهِ لأِوَّل مَرَّةٍ فِي عَصْرِنَا هَذَا، صَوَّرْتُ نُسْخَةً مِنْهُ مِنْ دَارِ الكُتُبِ المِصْرِيَّةِ، وَأُخْرَى مِنَ "الهِنْدِ"، وَهُمَا الآنَ مَحْفُوْظَتَانِ فِي مَرْكَزِ البَحْثِ العِلْمِيِّ بِجَامِعَةِ أُمِّ القُرَى، =

ص: 75

وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، كَذَا قَالَ، وَابْنُ النَّجَّارِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ هَذِهِ العُلُوْمِ فَمَا بَالُهُ يَتَكَلَّمُ فِيْهَا؟

وَقَدْ وَقَعَ لَنَا الكَثِيْرُ مِنْ حَدِيْثِهِ عَالِيًا. فَمِنْ ذلِكَ: مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بـ "فُسْطَاطِ مِصْرَ"(أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ

= وَقَدْ طَالَعْتُهُ مِرَارًا، وَلَمْ أَسْتَفِدْ منه؛ لِضَعْفِ تَأْلِيْفِهِ، وَقِلَّةِ فَائِدَتِهِ، فَكَلَامُ ابنِ النَّجَّارِ لَيْسَ بَعِيْدًا عَنِ الصِّحَّةِ إذًا، ومُقَارَنَتُهُ بـ "شَرْحِ اللُّمَعِ" لابنِ برهَان عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَليِّ الأسَدِيَّ العُكْبَرِيِّ (ت: 456 هـ) وَهُوَ مُعَاصِرُهُ، وبَغْدَادِيٌّ مِثْلُهُ، وَيَغْلبُ عَلَى الظَنِّ أنَّ مَصادِرَهُمَا تَكَادُ تَكُوْنُ وَاحِدَةً؛ لاتِّفَاقِ عَصْرَيْهِمَا ومِصْرَيْهِمَا، ولَدَى المُقَارَنَةِ بِهِ يَتَبَيَّنُ لكَ صِحَّةُ ذلِك. وَكَلامِيْ هَذَا لَيْس قَادِحًا في عِلْمِ ابنِ البَنَّاءِ، فَلَا شَكَّ في عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ، لكِنْ لا يَجُوْزُ رَدَّ الانْتِقَادِ إِلَّا بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ، وَدَلِيْلٍ ظَاهرٍ، وَالعُلَمَاءُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيْدُ التَّعْلِيْمَ وَالتَّصْنِيْفَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيْدُ التَّعْلِيْمَ، وَلا يُجِيْدُ التَّصْنِيْفَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيْدُ التَّصْنِيْفَ وَلا يُجِيْدُ التَّعْلِيْمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُجِيْدُ تَعْلِيْمًا وَلَا تَصْنِيْفًا، وَلَو كَانَ بَحْرًا فِي العِلْمِ. وَلا شَكَّ أن قَوْلَ الحَافِظِ ابنِ النَّجَّارِ:" .. تَدُلُّ عَلَى قِلَّة فَهْمِهِ .. " وَقَوْلُهُ: "وَكَانَ قَلِيْلَ التَّحْصيْلِ .. " كَلَامٌ غَيْرُ مَقْبُوْلٍ بِحَالٍ، وَالإِنْصَافُ مَطْلُوْبٌ.

وَكِتَابه "المُقْنِعُ شَرْحُ مُخْتَصَر الخِرَقِيِّ" لا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَيْضًا مُقَارَنَتُهُ بِـ "المُغْنِي" شَرْحِ مُخْتَصَرِ الخِرَقِيِّ للإمَامِ مُوَفَّقِ الدِّيْنِ ابنِ قُدَامَةَ؟! أَيْنَ الثَرَى مِنَ الثُّرَيَّا، بَلْ لا يُمْكِنُ مُقَارَنَتُهُ بِمُؤَلَّفاتِ مُعَاصِرَيْهِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى الفَرَّاءِ، وأَبي الخَطَّابِ مَحْفُوْظِ بنِ أَحْمَدَ، وَالأَوَّلُ قَبْلَهُ، وَالثَّانِي بَعْدَهُ زَمَنًا. فَالانْتِقَادُ لَهُ وَارِدٌ، وَالدِّفَاعُ عَنْهُ ضَعِيْفٌ، لكِنِّي أَعُوْدُ فَأَقُوْلُ: هَذَا اجْتِهَادُهُ، وَجَزَاهُ اللهُ عَن العِلْمِ وأَهْلِهِ خَيْرَ الجَزَاءِ، وَرَحِمَهُ الله رَحْمَةً وَاسِعَةً.

ص: 76

الجَوْزِيِّ (أَثَنَا) أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَذَارِيُّ

(1)

(أَثَنَا) أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ، (أَنَا) أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، (أَنَا) أَبُو عَلِيِّ بنُ صَفْوَانَ (ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي الوَلِيْدُ بنُ سُفْيَانَ، (ثَنَا) ابنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ العَلَاءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الكَافِرِ"

(2)

.

(ذِكرُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَسْمَاءِ مُصَنَّفَاتِ ابنِ البَنَّاءِ [رحمه الله]

(3)

)

"شَرْحُ الخِرَقِيِّ" فِي الفِقْهِ

(4)

، "الكَامِلُ" فِي الفِقْهِ، "الكَافِي المُحَدَّدُ فِي شَرْحِ المُجَرَّدِ""الخِصَالُ وَالأَقْسَامُ""نُزْهَةُ الطَّالِبِ فِي تَجْرِيْدِ المَذَاهِبِ""آدَابُ العَالِمِ وَالمُتَعَلِّمِ""شَرْحُ كِتَابِ الكَرْمَانِيِّ" في التَّعْبِيْرِ "شَرْحُ قَصِيْدَةِ ابنِ أَبِي دَاوُدَ في السُّنَّةِ""المَنَامَاتُ المَرْئِيَّةُ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ" جُزْءٌ "أَخْبَارُ الأوْلِيَاءِ وَالعُبَّادِ

(1)

في (ط) بطبعتيه: "المَدَارِيُّ" بالدَّال المُهْملة، وَصَوَابُهَا بالذَّال المُعْجَمَةِ. قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في الأَنْسَابِ (11/ 211):"بِفَتْحِ المِيْمِ، وَالذَّالِ المُعْجَمَةِ، وفي آخِرِهَا الرَّاءُ، هذِهِ النِّسْبةُ إِلَى "مَذَارَ" وَهِيَ قَرْيَةٌ بِأَسْفَلِ أَرْضِ "البَصْرَةِ". . ." وَمِثْلُهُ قَالَ يَاقُوْتٌ فِي مُعْجَمِ البُلدان (1/ 104) وَذَكَرَا مَعًا المَذْكُوْرَ هُنَا، وَقَالا: سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ بنَ البَنَّاء. وَيُرَاجَعُ أيضًا: تَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ لابنِ نُقْطَةَ (5/ 536)، وَالتَّوْضِيْحُ لابنِ نَاصِرِ الدِّيْنِ (8/ 95) قَالَ ابنُ نُقْطَةَ:"مَرَرْتُ بِهَا لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ "وَاسِطَ" إِلَى "البَصْرَةِ". . .".

وَقَالَ يَاقُوْتٌ في "مَيْسَانَ" بَيْنَ "وَاسِطَ" وَ"البَصْرَةِ" وهي قَصَبَةُ "مَيْسَان" بينها وَبَيْنَ "البَصْرَةِ" مِقْدَارُ أَرْبَعَةِ أيَّامٍ. وَيُراجَعُ: مُعْجَمُ مَا اسْتَعْجَمَ (1203).

(2)

الحَدِيْثُ في صَحِيْحِ مُسْلِمٍ، رقم (2956)، وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، رقم (8112).

(3)

ساقطٌ من (ط) الفقي.

(4)

مَطْبُوعٌ بِتَحْقِيْقِ صَاحِبِنَا الفَاضِلِ عَبْدِ العَزِيْزِ البُعَيْمِيِّ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى.

ص: 77

بِمَكَّةِ" جُزْءٌ "صِفَةُ العِبَادِ فِي التَّهَجُّدِ وَالأَوْرَادِ" جُزْءٌ "المُعَامَلَاتُ وَالصَّبْرُ عَلَى المُنَازَلَاتِ" أَجْزَاءٌ كَثِيْرَةٌ "الرِّسَالَةُ فِي السُّكُوْتِ وَلُزُوْمِ البُيُوْتِ" جُزْءٌ "سَلْوَةُ الحَزِيْنِ عِنْدَ شِدَّةِ الأَنِيْنِ" جُزْءٌ "طَبَقَاتُ الفُقَهَاءِ أَصْحَابِ الأَئِمَّةِ الخَمْسَةِ" "التَّارِيْخُ" "مَشْيَخَةُ شُيُوْخِهِ" "فَضَائِلُ شَعْبَانَ" "كِتَابُ اللِّبَاسِ"، "مَنَاقِبُ الإِمَامُ أَحْمَدَ" "أَخْبَارُ القَاضِي أَبِي يَعْلَى" جُزْءٌ "شَرَفُ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ" "ثَنَاءُ أَحْمَدَ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَثَنَاءُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَحْمَدَ" وَ"فَضَائِلُ الشَّافِعِيِّ" "كِتَابُ الزَّكَاةِ وَعِقَابُ مَنْ فَرَّطَ فِيْهَا" جُزْءٌ "المَفْصُوْلُ وَالمَوْصُوْلُ

(1)

فِي كِتَابِ اللهِ" جُزْءٌ "شَرْحُ الإِيْضَاحِ" في النَّحْوِ لِلفَارِسِيِّ

(2)

"مُخْتَصَرُ غَرِيْبِ الحَدِيْثِ" لأبِي عُبَيْدٍ، مُرَتَّبٌ عَلَى حُرُوْفِ المُعْجَمِ.

(وَمِنْ فَوَائِدِ ابنِ البَنَّاءِ الغَرِيْبَةِ):

أَنَّهُ حَكَى فِي "شَرْحِ الخِرَقِيِّ" عَنْ بَعْضِ الأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيْرٍ يُغَيِّرُ رَائِحَةَ المَاءِ بالنَّجَاسَةِ، كَقَوْلِ الخِرَقِيِّ في التَّغَيُّرِ بالطَّاهِرَاتِ.

- وَذَكَرَ فِي "شَرْحِ المُجَرَّدِ": أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَمْدًا فِي السَّفَرِ وَقَضَاهَا في السَّفَرِ

(3)

، لَهُ القَصْرُ كَالنَّاسِي، قَالَ: وَلَمْ يُفَرِّقِ الأصْحَابُ بَيْنَهُمَا،

(1)

في (ط) بطبعتيه: "المفصول في كتاب. . .".

(2)

في (ط) بطبعتيه: "الفارسي".

(3)

كَذَا فِي الأُصُوْلِ، وَصُحِّحَتْ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنَ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ":"في الحَضَرِ" وَهُوَ الصَّحِيْحُ، لكِنَّ النُّسَخَ المُعْتَمَدَة وَغَيْرَهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى هَذَا الخَطَإِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ مِنْ سَهْوِ المُؤَلِّفِ رحمه الله. وَصَحَّحَهَا مُحَقِّقا الجُزءِ الأوَّلِ عَنْ هَامِشِ "المَنْهَج" وَصَحَّحَهَا الشَّيْخُ حَامدٌ الفَقي دُوْنَ إِشَارَةٍ عَلَى عَادَتِهِ، عَفَا اللهُ عَنْهُ؟!

ص: 78

وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ في المَأْثَمِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيْبٌ جِدًّا، وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَهُ القَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيْرُ

(1)

فِي "شَرْحِ المَذْهَبِ" وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ كَلَامٌ صَرِيْحٌ لِلأَصْحَابِ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَ الأَئِمَّةِ المُتَأَخِّرِيْنَ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ القَصْرُ للْعَامِدِ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذلِكَ بِكَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنَ الأَصْحَابِ فِي مَسَائِلَ، وَلَيْسَ لَهُ فِيْمَا ذَكَرَهُ حُجَّةٌ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ فِي هَذَا الكِتَابِ: أَنَّ حُكْمَ اقْتِدَاءِ بَعْضِ المَسْبُوْقِيْنَ بِبَعْضٍ فِيْمَا يَقْضُوْنَهُ مِنْ صَلَاتِهِمْ لَا فَرْقَ فِيْهِ بَيْنَ الجُمُعَةِ وَغَيْرِها، وَأَنَّ الخِلَافَ جَارٍ فِي الجَمِيْعِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ القَاضِي وَأَصْحَابُهُ مُوَافَقَةً للشَّافِعِيَّةِ

(2)

أَنَّ الجُمُعَةَ لَا يَجُوْزُ ذلِكَ فِيْهَا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لأنَّهَا لَا تُقَامُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي جَمَاعَتَيْنِ. قَالَ ابنُ البَنَّاءِ: وَفِي هَذَا عِنْدَنَا نَظَرٌ؛ لأنَّهُ يَجُوْزُ إِقَامَتُهَا مَرَّتَيْنِ، يَعْنِي للْحَاجَةِ. وَمِمَّا أَنْشَدَهُ السِّلَفِيُّ، عَن ابنِ أَبي الحُسَيْنِ الطُّيُوْرِيِّ أَنَّ ابنَ البَنَّاءِ أَنْشَدَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى البَدِيْهَةِ:

إِذَا غُيِّبَتْ أَشْبَاحُنَا كَانَ بَيْنَنَا

رَسَائِلُ صِدْقٍ فِي الضَّمِيْرِ تُرَاسِلُ

وَأَرْوَاحَنَا فِي كُلِّ شَرْقٍ وَمَغْرِبٍ

تَلَاقَى بِإِخْلَاصِ الوَدَادِ تُوَاصِلُ

وَثَمَّ أُمُوْرٌ لَوْ تَحَقَّقْتَ بَعْضَهَا

لَكُنْتَ لَنَا بِالعُذْرِ فِيْهَا تُقَابِلُ

وَكَمْ غَائِبٍ وَالقَلْبُ مِنْهُ مُسَالِمٌ

وَكَمْ زَائِرٍ فِي القَلْبِ مِنْهُ بَلَابِلُ

فَلَا تَجْزَعَنْ يَوْمًا إِذَا غَابَ صَاحِبٌ

أَمِيْنٌ فَمَا غَابَ الصَّدِيْقُ المُجَامِلُ

(1)

مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ (ت: 560 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

(2)

في (أ) و (ب): "للشَّافِعِيِّ".

ص: 79

‌15 - حَمْزَةُ بنُ الكَيَّالِ البَغْدَادِيُّ،

(1)

أَبُو يَعْلَى، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ.

ذَكَرَهُ أَبُو الحُسَيْنِ فِيْمَنْ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ وَعَلَّقَ عَنْهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، تَرَدَّدَ إِلَى الوَالِدِ زَمَانًا مُوَاصِلًا، وَسَمِعَ مِنْهُ عِلْمًا وَاسِعًا، وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا، وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ الاسْمَ الأَعْظَمَ. وَقَالَ ابنُ خَيْرُوْنَ: كَانَ صَالِحًا زَاهِدًا، مُلَازِمًا لِبَيْتِهِ وَمَسْجِدِهِ، مُعْتَزِلَ الخُصُوْمَاتِ وَالمِرَاءِ. وَقَالَ ابنُ شَافِعٍ فِي "تَارِيْخِهِ" كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، مُلَازِمًا

(2)

لِبَيْتِهِ وَمَسْجِدِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ، مُعْتَزِلًا عَنِ الفِتَنِ.

تُوُفِّيَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ سَابِعَ عَشَرَ

(3)

مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ،

(1)

15 - حَمْزَةَ الكَيَّالُ (؟ - 471 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 467)، وَمُخْتَصَرِهِ (404)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (وَرَقة: 5)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 411)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّر المُنَضَّد" (1/ 210). وَيُرَاجَعُ: شَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 348)(5/ 307). وَنَقَلَ عَنِ الطَّبَقَاتِ.

(2)

في (ب): "لازمًا".

(3)

في (ط) الفقي: "سابع عشر من .. " تَحْرِيْفٌ ظَاهرٌ.

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (471 هـ):

12 -

سَلْمَانُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الله. ذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي "المُنْتَظَمِ"(8/ 321)، وَالحَافظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" وَقَالَا:"صَاحِبُ ابنِ الذَّهَبِيَّة" وَابنُ الذَّهَبِيَّة عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ (ت: 423 هـ) حَنْبَلِيٌّ ذَكَرَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَات"(3/ 332) فَيَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ صَاحِبِهِ، وَلِسَلْمَانَ هَذَا أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، مِنْهُم: سَلْمَانُ بنُ يُوْسُفَ بِنْ عَليِّ بِنْ سَلْمَانَ (ت: 590 هـ)، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:"مِنْ أَوْلَادِ الشُّيُوْخِ حَدَّثَ هُوَ، وَأَبُوه، وَجَدُّه، وَجَدُّ أَبِيْه".

ص: 80

وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ الدَّيْرِ".

‌16 - أَبُو بَكْرِ بنِ عُمَرَ الطَّحَّانُ.

(1)

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: حَضَرَ دَرْسَ الوَالِدِ، وَعَلَّقَ عَنْهُ. وَمَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ.

‌17 - عَبْدُ البَاقِي بنُ جَعْفَرِ

(2)

بنُ شَهْلِي، الفَقِيْهُ الحَنْبَلِيُّ، أَبُو البَرَكَاتِ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: أَحَدُ المُقِلِّيْنَ، حَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" وَذَكَرَ القَاضِيْ أَبُو الحُسَيْنِ فِي أَسْمَاءِ مَنْ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ

(3)

، وَعَلَّقَ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ: أَبَا البَرَكَاتِ بنَ شَهْلِيٍّ، وَهُوَ هَذَا، رَأَيْتُ ذلِكَ فِي طَبَقَةِ سَمَاعِهِ

(4)

. قَالَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهُوَ ابنُ شَهْلِي بِاليَاءِ.

‌18 - عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ

(5)

بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَزَّازُ،

المَعْرُوْفُ بـ "ابنِ أَخِي

(1)

16 - أَبُو بَكْرٍ بنُ الطَّحَّانِ (؟ -473 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 453)، وَمُخْتَصَرِهِ (399)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 5)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 150)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 411)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 210)، وَكُلُّهم عَنِ القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أَبِي يَعْلَى دُوْنَ زِيَادَةٍ.

(2)

17 - أَبُو البَرَكَاتِ ابنُ شَهْلِيِّ (؟ -؟):

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 5)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 412)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 211)، وَاختَلَفَتِ النُّسَخُ فِي "سَهْلِي" هَلْ هُوَ بالشِّين المُعْجَمَةِ أَوْ بِالسِّيْنِ المُهْمَلَةِ، وَلَم أَجِدْ مَا أُوَثِّقُ بِهِ؟!

(3)

طَبَقَات الحَنَابِلَةِ (3/ 383) فِي تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى.

(4)

زَادَ فِي هَامِشِ (أ): "عَلَي القاضِي" قِرَاءَةُ نُسْخَةٍ أُخْرَى.

(5)

18 - ابنُ أَخي نَصْرٍ (؟ - 473): =

ص: 81

نَصْرٍ" العُكْبَرِيُّ

(1)

. ذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ في "الطَّبَقَاتِ" وَقَالَ: سَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيِّ بنِ شَاذَانَ وَالحَسَنِ بنِ شِهَابٍ العُكْبَرِيِّ. وَكَانَ لَهُ تَقَدُّمٌ فِي القُرْآنِ وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَالفَرَائِضِ، وَجَمَعَ إِلَى ذلِكَ النُّسْكَ وَالوَرَعَ.

= لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ" وَكَانَ حَقُّه أَنْ يُذْكَرَ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ جَيِّدًا، ذَكَرَهُ في تَرْجَمَةِ الحَسَنِ بنِ شِهَابٍ العُكْبَريُّ (ت: 428 هـ) (3/ 344)، وَأنَّه رَثَاهُ، وَسَمَّاهُ "عَلِيَّ بنَ الفَرَجِ" وَكَذلِكَ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ (3/ 373) وَأَنَّهُ مَدَحَهُ لمَّا وَلِيَ القَضَاءَ. وَأَخْبَارُهُ في: مَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (631)، وَمُخْتَصَرِهِ (72)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 5)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 254)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 412)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 211). وَيُرَاجَعُ: ذَيْلُ تَارِيخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (3/ 124)، وَتَارِيْخُ الإِسْلَامِ (95)، وَفيهما "عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ"، وَشَذَرَاتُ الذَّهَب (4/ 17) (5/ 317). وَحَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ (ت: 612 هـ) نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: ". . . وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَسَمِعَ بِهَا أَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ شَاذَان، ثُمَّ قدِمَهَا بَعْدَ عُلُوِّ سِنِّهِ، وَحَدَّثَ بِهَا، سَمِعَ مِنْهُ، وَكَتَبَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحُمَيْدِيُّ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ المُبَارَك السِّقَطِيُّ في "مُعْجَمِ شُيُوْخِهِ" وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ شَيْخِ أَهْلِ العِلْمِ بـ "عُكْبَرَاءِ" فِي القُرْآنِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَالفَرَائِض، وَأَنَّهُ كَتَبَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ مُفْتِيًا، مُدَرِّسًا، وَرِعًا، ثِقَةً، حُجَّةً". وَسَاقَ إِلَيْهِ سَنَدًا وَأَوْرَدَ حَدِيْثًا. ثُمَّ سَاقَ عَنْهُ سَنَدًا وَأَوْرَدَ الأَبْيَاتَ المَذْكُوْرَةَ هُنَا. ثُمَّ قَالَ: "قَرَأْتُ بِخَطِّ القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ يعْقُوْبَ بنِ إِبْراهِيْمَ بنِ سُطُوْرٍ الحَنْبَلِيِّ، قَالَ: تُوُفِّي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحُمَدَ المَعْرُوْفُ بـ "ابنِ أَخِي نَصْرٍ" الفَقِيْهُ الحَنْبَلِيُّ العُكْبَرِيُّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ الثَّالِثَ عَشَرَ من رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ" وَوَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بـ "مُفْتِي "عُكْبَرَا" وعَالِمِهَا" وَقَالَ: "لَهُ مَحَلٌّ رَفِيْعٌ عِنْدَ أَهْلِ "عُكْبَرَاءَ". . .".

ص: 82

وَذَكَرَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ نَحْوَ ذلِكَ، وَقَالَ: كَانَ فَقِيْهَ الحَنَابِلَةِ بـ "عُكْبَرَا"، وَالمُفْتِي بِهَا، وَكَانَ خَيِّرًا، وَرِعًا، مُتَزَهِّدًا، نَاسِكًا، كَثِيْرَ العِبَادَةِ، وَكَانَ لَهُ ذِكْرٌ شَائِعٌ فِي الخَيْرِ، وَمَحَلٌّ رَفِيْعٌ عِنْدَ أَهْلِ بَلْدَتِهِ. وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَذَكَرَ ابنُ شَافِعٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ، وَأَنَّ وَفَاتَهُ كَانَتْ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ثَالِثَ عَشَرَ شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ مِنَ السَّنَةِ المَذْكُوْرَةِ بِـ "عُكْبَرَا".

رَوَى عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ

(1)

وَغَيْرُهُمَا، وَسَمِعَ مِنْهُ مَكِّيٌّ الرُّمَيْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَمِمَّا أَنْشَدَهُ لِنَفْسِهِ:

اِعْجَبْ لِمُحْتَكِرِ الدُّنْيَا وَبَانِيْهَا

(2)

وعَنْ قَلِيْلٍ عَلَى كُرْهٍ يُخَلِّيْهَا

دَارٌ عَوَاقِبُ مَفْرُوْحَاتِهَا حَزَنٌ

إِذَا أَعَارَتْ أَسَاءَتْ فِي تَقَاضِيْهَا

يَا مَنْ يُسَرُّ بِأَيَّامٍ تَسِيْرُ بِهِ

إِلَى الفَنَاءِ وَأَيَّامٍ يُقَضِّيْهَا

قِفْ فِي مَنَازِلِ أَهْلِ العِزِّ مُعْتَبِرًا

وَانْظُرْ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ صَارَ أَهْلُوْهَا

صَارُوا إِلَى جَدَثٍ قَفْرٍ مَحَاسِنُهُمْ

عَلَى الثَّرَى وَدَوِيُّ

(3)

الدُوْدِ يَعْلُوْهَا

(1)

أَخُو السَّمَرْقَنْدِيِّ، لا أَخُو المُتَرْجَمِ، وَهُو: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت: 516 هـ).

(2)

في (ب): "وثانيها".

(3)

في (ب): "وذوي".

يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ فِي وَفَيَاتِ رحمه الله سَنَةِ (474 هـ):

13 -

أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ، البُنْدَارُ، المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ البُسْرِيِّ" وَهُوَ خَالُ أُمِّ القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بن أَبِي يَعْلَى. ذَكَرَهُ الحَافِظُ الخَطِيْبُ فِي تَارِيْخِ بَغْدَادَ (11/ 335)، وَقَالَ:"كَتَبْتُ عَنْهُ وَكَانَ صَدُوْقًا" وَوَصَفَهُ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ فِي الأَنْسَابِ (2/ 211) بِأَنَّهُ "شَيْخُ "بَغْدَادَ" فِي عَصْرِهِ". وَيُرَاجَعُ: الإِكْمَالُ (1/ 486)، =

ص: 83

‌19 - طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ

(1)

بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ القَوَّاسِ البَغْدَادِيُّ،

الفَقِيْهُ

= وَالمُنْتَظَمُ (8/ 333)، وَتَرْجَمَتُهُ حَافِلَةٌ، وَمَصَادِرُ تَرْجَمَتِهِ كَثيْرَةٌ جِدًّا. وَسَيَأْتِي اسْتِدْرَاكُ ابنُهُ: الحُسَيْنُ (ت: 497 هـ) فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

يسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله في وَفيَّات سنة (475 هـ):

14 -

أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو المُنْتَابِ. من أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ حَنْبَلِيَّةٍ، ذَكَرْنَا بَعْضَ عُلَمَائِهَا في هَامِشِ طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ للقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ (3/ 298، 299). وَأَخْبَارُ المَذْكُوْرِ هُنَا فِي: المُنتظمِ (8/ 332)، وَتَارِيخِ الإسلامِ (106)، وَأَخُوْهُ: أَبُو الغَنَائِمِ بنُ أَبِي عُثْمَانَ؟ وَتَقَدَّم ذِكْرُ أَخِيه مُحَمَّدٍ فِي اسْتِدْرَاكِ وَفَيَاتِ سَنَةِ (465 هـ).

15 -

عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْدَه، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ت: 470 هـ) الَّذِي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، وَعُبَيْدِ اللهِ الَّذي سَبَقَ فِي اسْتِدْرَاكِنَا فِي وَفَيَاتِ (462 هـ)، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَقَ (ت: 424 هـ)، وَإِسْحَقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَقَ (ت؟) ذَكَرَهُ ابنُ الجَزَرِيِّ في طَبَقَاتِ القُرَّاء (1/ 157). ولِعَبْد الوَهَّابِ أَوْلَادٌ وأَحْفَادٌ نَذْكُرُ مَنْ عَرفنا وَفَيَاتهم في مَوَاضِعِهم إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَمِمَّن لَمْ نَعْرِفْ وَفَيَاتَهم:

- وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَالِدُ عَبْدِ الجَبَّاِر (ت: 521 هـ) الآتي اسْتِدْراكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إن شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

- وإِسْحَقُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، مَذْكُوْرٌ في تَلامِيْذِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى في الطَّبقات (3/ 381).

- وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبدِ الوَهَّاب، والدُ الوَلِيْدُ بنِ عَبْدِ المَلِك (ت: 482 هـ) الآتي فِي الاسْتِدْرَاكِ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

- الفَضْلُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَالدُ الخَضِرِ الَّذي ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ في ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (5/ 36).

(1)

19 - أَبُو الوَفَاءِ بنُ القَوَّاسِ (390 - 476 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 451)، وَمُخْتَصَرِهِ (398)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (630)، وَمُخْتَصَرِهِ (72)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ =

ص: 84

الزَّاهِدُ الوَرِعُ، أَبُو الوَفَاءِ. وُلِدَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ، وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ الحَمَّامِيِّ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ هِلَالٍ الحَفَّارِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَانَ، وَأَبِي نَصْرِ بنِ الزَّيْنَبِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ القَطَّانِ، وَأَبِي سَهْلٍ العُكْبَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَتَفَقَهَ أَوَّلًا عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ تَرَكَهُ وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَلَازَمَهُ حَتَّى بَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَأَفْتَى، وَدَرَّسَ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِـ "جَامِعِ المَنْصُوْرِ" للفَتْوَى وَالمُنَاظَرَةِ

(1)

، وَكَانَ يُلْقِي المُخْتَصَرَاتِ مِنْ تَصَانِيْفِ شَيْخِهِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى دَرْسًا، وَيُلْقِي مَسَائِلَ الخِلَافِ دَرْسًا، وَكَانَ إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي العِبَادَةِ، وَالزُّهْدِ، وَالوَرَعِ. ذَكَرَ ابنُ نَاصِرٍ أَنَّهُ كَانَ زَاهِدَ وَقْتِهِ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ

(2)

. وَذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ" فَقَالَ: مِنْ أَعْيَانِ فُقَهَاءِ الحَنَابِلَةِ وَزُهَّادِهِمْ، كَانَ قَدِ أَجْهَدَ نَفْسَهُ فِي الطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ، وَاعْتَكَفَ فِي بَيْتِ اللهِ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يُوَاصِلُ الطَّاعَةَ لَيْلَهُ بِنَهَارِهِ، وَكَانَ قَارِئًا للقُرْآنِ، فَقِيْهًا، وَرِعًا، خَشِنَ العَيْشِ - انْتَهَى كَلَامُهُ - وَكَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ ظَاهِرَةٌ

(3)

. ذَكَرَ ابنُ شَافِعٍ فِي تَرْجَمَةِ صَاحِبِهِ أَبِي الفَضْلِ

= (ورقة: 5)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 457)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 412)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 211). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 8)، وَسِيرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 452)، وَالعِبَرُ (3/ 351)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (164)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (2/ 119)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (16/ 394)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 125)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 351)(5/ 326).

(1)

في (أ): "وَالمُنَاظَرَاتِ" مُعَلَّقَةٌ عَلَى الهَامِشِ.

(2)

في (أ) و (ب) و (هـ): "عشر".

(3)

في هامش (أ): "ظَاهِرَاتٌ" قِرَاءةُ نُسْخةٍ أُخْرَى، وَهِيَ كَذلِكَ في (هـ).

ص: 85

ابنِ العَالِمَةِ الإِسْكَافِيِّ المُقْرِئِ

(1)

: أَنَّهُ كَانَ يَحْكِي مِنْ كَرَامَاتِ الشَّيْخِ أَبِي الوَفَاءِ أَشْيَاءَ عَجِيْبَةً.

مِنْهَا: أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَحْمِلُ مَعِي رَغِيْفَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ فَأَعْبُرُ - يَعْنِي فِي السَّفِيْنَةِ - بِرَغِيْفٍ، وَأَمْشِي إِلَى مَسْجِدِ الشَّيْخِ فَأَقْرَأُ، ثُمَّ أَعُوْدُ مَاشِيًا إِلَى ذلِكَ المَوْضِعِ، فَأَنْزِلُ بِالرَّغِيْفِ الآخَرِ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ

(2)

يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ أَعْطَيْتُ المُلَّاحَ الرَّغِيْفَ فَرَمَى بِهِ وَاسْتَقَلَّهُ، فَأَلْقَيْتُ إِلَيْهِ الرَّغِيْفَ الآخَرَ، وَتَشَوَّشَ قَلْبِي لِمَا جَرَى، وَجِئْتُ الشَّيْخَ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ عَادَتِي، وَقُمْتُ عَلَى العَادَةِ، فَقَالَ لِي: قِفْ - وَلَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ قَطُّ بِذلِكَ - ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ وَطَائِهِ قُرْصًا فَقَالَ لِي: أُعْبُرْ بِهَذَا، فَلَحِقَنِي مِنْ ذلِكَ أَمْرٌ بَانَ عَلَيَّ. وَمَضَيْتُ فَعَبَرْتُ بِهِ، وَكَانَ ابنُ العَالِمَةِ - هَذَا - قَدْ قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الوَفَاءِ القُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ.

وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ في "الطَّبَقَاتِ": كَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ يُفْتِي وَيَعِظُ، وَكَانَ يُدَرِّسُ الفِقْهَ، وَيُقْرِئُ القُرْآنَ، وَكَانَ زَاهِدًا، أَمَّارًا بِالمَعْرُوْفِ، نَهَّاءً عَنِ المُنْكَرِ، أَقَامَ فِي مَسْجِدِهِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَأَجْهَدَ نَفْسَهُ فِي العِبَادَةِ وَخُشُوْنَةِ العَيْشِ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ المُبَارَكِ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَأَلَ وَاحِدٌ أَبَا الوَفَاءِ بنَ القَوَّاسِ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي حَلْقَتِهِ بِـ "جَامِعِ المَنْصُوْرِ"،

(1)

هُوَ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ، أَبُو الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ (ت: 530 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: المَنْتَظَمِ (10/ 62)، وَمَعْرِفَةِ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 478)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (1/ 47). وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ حَنْبَلِيٌّ.

(2)

في (ط) بطبعتيه: "كان يوم. . ." وهي كذلك في (هـ).

ص: 86

وَكَانَ الشَّيْخُ مِمَّنْ قَدْ رَأَى السَّائِلَ فِي الحَمَّامِ بِلَا مِئْزَرٍ، مَكْشُوْفَ العَوْرَةِ، فَقَال لَهُ: لَا أُجِيْبُكَ عَنْ مَسْأَلَتَكَ حَتَّى تَقُوْمَ هَهُنَا فِي وَسَطِ الحَلْقَةِ، وَتَخْلَعَ قَمِيْصُكَ وَسَرَاوِيْلُكَ، وَتَقِفُ عُرْيَانًا، فَقَالَ السَّائِلُ: يَا سَيِّدِنَا، أَنَا أَسْتَحْيِيْ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ، فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ، فَهَؤُلَاءِ الحُضُوْرُ، أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الَّذِيْنَ كَانُوا فِي الحَمَّامِ، وَدَخَلْتَ مُكَشَفًا بلَا مِئْزَرٍ، أَيْشٍ الفَرْقُ بَيْنَ جَامِعِ المَنْصُوْرِ وَالحَمَّامِ؟ فَاسْتَحْيَى الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ فَصْلًا طَوِيْلًا فِي النَّهْيِ عَنْ كَشْفِ العَوْرَةِ، وَأَجَابَ عَنْ سُؤَالِهِ.

وَقَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: كَانَ حَسَنَ الفَتْوَى، مُتَوَسِّطًا فِي المُنَاظَرَة فِي مَسَائِلِ الخِلَافِ، إِمَامًا فِي الإِقْرَاءِ، زَاهِدًا، شُجَاعًا، مِقْدَامًا، مُلَازِمًا لِمَسْجِدِهِ، يَهَابُهُ المُخَالِفُوْنَ، حَتَّى إِنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ ابنُ الزَّوْزَنِيِّ

(1)

، وَحَضَرَهُ أَصحَابُ الشَّافِعِيِّ - عَلَى طَبَقَاتِهِمْ وَجُمُوْعِهِمْ - فِي فَوْرَةِ أَيَّامِ القُشَيْرِيِّ

(2)

وَقُوَّتِهِمْ بِنِظَامِ المُلْكِ حَضَرَ، فَلَمَّا بَلَغَ الأَمْرُ إِلَى تَلْقِيْنِ الحَفَّارِ قَالَ لَهُ: تَنَحَّ حَتَّى أُلَقِّنَهُ أَنَا، فَهَذَا كَانَ عَلَى مَذْهَبَنَا، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ وَابنَ أَمَتِهِ إِذَا نَزَلَ عَلَيْكَ

(1)

ابنُ الزَّوْزَنِيِّ هُوَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (ت: 451 هـ) من كِبَارِ صُوْفِيَّةِ "بَغْدَادَ" في زَمَنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ابنُ الزَّوْزَنِيِّ عَلَى مَذْهَبِ ابنِ القَوَّاسِ الفِقْهِيِّ الحَنْبَلِيِّ، وَإِلَّا كانَ مُستدْرَكًا عَلَى المُؤَلِّفِ، لَكنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ في الاعتِقَادِ، فَهُوَ سَلَفِيُّ المُعْتَقَدِ، وَهَذَا لا يَتَعَارَضُ مَعَ أنَّه صُوْفِيُّ المَنْزَعِ، وَقَوْلُهُ:"بَلْ حَنْبَلِيٌّ سُنِّيٌّ" أَيْ: عَلَى عَقِيْدَةِ الحَنَابِلَةِ، عَقِيْدَةِ السَّلَفِ رحمهم الله فِي الأُصُوْلِ.

(2)

سَاقِطٌ من (هـ) و (ط) بطبعتيه، وهي معلقة بخطٍّ دَقِيْق في (ب) وَابْن القُشَيْرِيِّ هو عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ (ت: 514 هـ) تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ.

ص: 87

مَلَكَانَ فَظَّانِ غَلِيْظَانِ فَلَا تَجْزَعْ وَلَا تُرَعْ، فَإِذَا سَأَلَاكَ فَقُلْ: رَضِيْتُ باللهِ رَبًّا، وَبالإِسْلَامِ دِيْنًا، لَا أَشْعَرِيٌّ، وَلَا مُعْتَزِليٌّ، بَلْ حَنْبَلِيٌّ سُنِّيٌّ، فَلَمْ يَتَجَاسَرْ أَحَدٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ، وَلَوْ تَكَلَّمَ أَحَدٌ لَفَضَخَ رَأْسَهُ أَهْلُ "بَابِ البَصْرَةِ"

(1)

، فَإنَّهُمْ كَانُوا حَوْلَهُ قَدْ لَقَّنَ أَوْلَادَهُم القُرْآنَ وَالفِقْهَ، وَكَانَ فِي شَوْكَةٍ وَمَنَعَةٍ، غَيْرَ مُعْتَمِدٍ عَلَيْهِمْ؛ لأَنَّهُ أُمَّةٌ فِي نَفْسِهِ.

حَدَّثَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الوَفَاءِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَلِيُّ بنُ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ

(2)

، وَغَيْرُهُمْ.

(1)

بَابُ البَصْرَةِ مِنْ أَشْهَرِ مَحَالِّ بَغْدَادَ، أَغْلَبُ سُكَّانِهِ مِنَ الحَنَابِلَةِ، وَهَذَا الخَبَرُ دَلِيْلُ ذلِكَ، وَهُوَ - في الأَصْلِ - أَحَدُ أَبْوَابِ "بَغْدَادَ" عَلَى سُوْرِهَا العَظِيْمِ مِنَ النَّاحِية الجَنُوبِيَّةِ مِمَّا يَلِي طَرِيْقَ "البَصْرَةِ"، وَمِنْ أَبْوَابِ سُوْرِ "بَغْداد""بَابِ الكُوفَة"، و"بَابِ الشَّامِ"، و"بَابَ خُرَاسَانَ" .. وَغَيْرِهَا، ثُمَّ أَصْبَحَ مَا حَوْلَهُ مِنْ أَكْبَرِ أَحْيَاءِ "بَغْدَادَ" وَقَدْ بَنَى الوَزِيْرُ عَوْنُ الدِّين يَحْيَى بنُ هُبِيْرَة (ت: 560 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، لِلحَنَابِلَةِ هُنَاكَ مَدْرَسَةً مَشْهُوْرَةً. ودُفِنَ فِيْها الوَزِيْرُ المَذْكُوْرُ كَمَا في المُنْتَظَمِ (10/ 217)، ودَرَّسَ فِيْهَا الشَّيْخُ أَبُو الحَسَنِ البَرَنْدَاسِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 586 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ ابنِ القَوَّاسِ هَذَا فِي تَارِيْخِ الإِسْلامِ (164):"مِنْ أَهْلِ بَابِ البَصْرَةِ". وَمِثْلُ "بَابِ البَصْرَةِ" أَيْضَا: "بَابُ الأَزَجِ" قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في الأَنْسَاب (1/ 197): "وَهِيَ مَحَلَّةٌ كَبِيْرَةٌ ببَغْدَادَ

كَانَ بِهَا جَمَاعةٌ كَثِيْرةٌ مِن العُلَمَاء وَالزَّهَّادِ وَالصَّالِحِيْنَ، وَكُلُّهُمْ - إِلَّا مَا شَاءَ الله - عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رحمه الله وَكَتَبْتُ عَنْ جَمَاعةٍ كَثِيرَة مِنْهُمْ. . .".

(2)

ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ "قَاضِي المَارِسْتَانَ"(ت: 535 هـ) في مَشْيَخَتِهِ "أَحَادِيْثُ الشُّيُوْخِ الثِّقَاتِ"(ورقة: 72) الشَّيخُ الخَمْسُوْنَ، قَالَ: "أَخْبَرَنَا أَبُو الوَفَاء طَاهِرُ بنُ =

ص: 88

وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَابِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ الشَّرِيْفِ أَبي جَعْفَرٍ بِدَكَّةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ غَيْرُ قَبْرِ الشَّرِيْفِ

(1)

.

قُرِئَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الأَيُّوْبِيُّ بِـ "القَاهِرَةِ" وَأَنَا أَسْمَعُ، أَخْبَرَ أَبُو العَزِّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَنَا) أَبُو عَلِيِّ بنُ أَبِي القَاسِمِ بنِ الخُرَيْفِ

(2)

(أَنَا) القَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا

= الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ القَوَّاسِ" الفَقِيْهُ الحَنْبَلِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ"، وَأَسْنَدَ عَنْهُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ القَطَّانِ، وأَبِي سَهْلٍ مَحْمُوْدِ بنِ عُمَرَ العُكْبَرِيِّ.

(1)

في (ط) بطبعتيه: "رَحِمَه اللهُ تَعَالَى" جَاءَ فِي هَامِشِ (أ): "انْظُر إلى قَوْلِهِ: "لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِلَّا قَبْرُ الشَّرِيْفِ" معَ قَوْلِهِ فِي تَرْجَمَة الشَّرِيفِ إِنَّه دُفِنَ في قَبْرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فَبَيْنَهُمَا تنَافُرٌ".

(2)

في (ط) بطبعتيه: "الحريف" بالحَاءِ المُهْمَلَةِ، وَصَوَابُهُ بالخَاءِ المُعْجَمَةِ كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ. قَالَ ابنُ نُقْطَةَ:"بِضَمِّ الخَاءِ المُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ. . ." وَالتَّوْضِيْحِ لابنِ نِاصِر الدِّيْن (3/ 211)، وَهُوَ ضِيَاءُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، أَبُو عَلِيٍّ بنُ النَّجَّارِ السَّقْلَاطُوْنِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ الخُرَيْفِ" (ت: 601 هـ) مِنْ تَلَامِيْذِ القَاضِي أَبي الحُسَيْنِ بن أَبِي يَعْلَى، والقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيِّ قَاضِي المَارِسْتَان

وَغَيْرِهِمَا، وَمِن شُيُوْخِ النَّجِيْبِ الحَرَّانِيِّ كَمَا فِي "مَشْيَخَتِهِ"، لَهُ شُهْرَةٌ. أَخْبَارُهُ في: تَكْمِلَةِ المُنْذِرِيِّ (2/ 86)، وَالمُخْتَصر المُحْتَاجِ إليه (2/ 116)، وَتَكْمِلَةِ الإِكْمَالِ (2/ 243)، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ مِنَ الحَنَابِلَةِ، وَلَمْ أَجِدْ مَا يُؤَكِّدُ ذَلك، لِذَا لَم أَسْتَدْرِكْهُ عَلَى المُؤَلِّفِ. قَالَ ابنُ نُقْطَة:"وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحًا" وَوَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي السِّير (21/ 418) بِـ "الشَّيْخِ المُسْنِدِ، وَقَالَ: مِكْثِرٌ عَن قَاضِي المَارِسْتَان".

وَالحَدِيثُ المَذْكُوْرُ هُنَا بِسَنَدِهِ فِي مَشْيَخَةِ قَاضِي المَارِسْتَانِ أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيِّ =

ص: 89

أَبُو الوَفَاءِ بنُ القَوَّاسِ (أَنَا) أَبُو سَهْلٍ العُكْبَرِيُّ (ثَنَا) إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ الخِرَقِيُّ (ثَنَا) أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَابُوْرَ (ثَنَا) إِسْحَقُ بنُ إِسْرَائِيْلَ (ثَنَا) الفَضْلُ بنُ حَرْبٍ البَجَلِيُّ (ثَنَا) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بديلٍ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ شَيْءٍ حِلْيَةٌ، وَإِنَّ حِلْيَةَ القُرْآنِ الصَّوْتُ الحَسَنُ".

ذَكَرَ أَبُو الحَسَنِ بنُ البَنَّاءِ فِي كِتَابِ "أَدَبِ العَالِمِ وَالمُتَعَلِّمِ": أَنَّهُ حَدَثَ فِي زَمَانِهِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ: هَلْ يَجُوْزُ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى المُحَدِّثِ الثِّقَةِ كِتَابٌ، ذَكَرَ أنَّهُ سَمَاعُهُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ خَطُّ يَشْهَدُ بِهِ مِنْ شَيْخٍ وَلَا غَيْرِهِ؟ وَأَنَّ فُقَهَاءَ عَصْرِهِمْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذلِكَ وَكَتَبُوا بِهِ خُطُوْطَهُمْ، وَذَكَرَ خَلْقًا مِمَّنْ أَفْتَى بِذلِكَ، أَوَّلُهُم أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ: الخَطُّ عَادَةٌ مُحْدَثَةٌ، اسْتَظْهَرَهَا المُحَدِّثُوْنَ مِنْ غَيْرِ إيْجابٍ لَهَا. وَكَتَبَ أَبُو إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيُّ تَحْتَ خَطِّهِ جَوَابِي مِثْلُهُ. قَالَ ابنُ البَنَّاءِ: وَكَتَبْتُ أَنَا: المُحَدِّثُ الثِّقَةُ القَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذلِكَ، وَلَوْ رَأَوا سَمَاعَهُ فِي كِتَابٍ، حَتَّى يَقُوْلَ المُحَدِّثُ: مَا سَمِعْتُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ، وَالسَّلَفُ رضي الله عنهم عَلَى هَذَا، كَانُوا يُحَدِّثُوْنَ

(1)

بالأَحَادِيْثِ وَأَكْثَرُهُمْ يَذْكُرُهَا مِنْ حِفْظِهِ، وَيَسْمَعُوْنَهَا مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرُوا خَطَّ مَنْ حَدَّثَهُمْ بِهِ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الشَّرِيْفَ الأجَلَّ أَبَا جَعَفَرِ بنِ أَبِي مُوْسَى

(2)

كَذلِكَ أَفْتَى. وَذَكَرَ أَجْوِبَةً كَثِيْرَةً مِنْهَا جَوَابُ ابنِ القَوَّاسِ، وَلَفْظُهُ: الظَّاهِرُ العَدَالَةِ،

= في ذِكْرِ أَبِي الوَفَاءِ ابنِ القَوَّاسِ "الشَّيْخِ الخَمْسِيْنَ" وَيُرَاجَعُ: مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (2/ 484).

(1)

في (أ) فقط: "يجزمون" تَحْرِيْفٌ.

(2)

(ت: 470 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

ص: 90

يُقْنَعُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَلَا يُطَالَبُ بِخَطِّ مَنْ أَسْنَدَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ، وَكَتَبَهُ ابنُ القَوَّاسِ الحَنْبَلِيُّ. وَذَكَرَ مِثْلَ ذلِكَ عَنْ قَاضِي القُضَاةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ

(1)

، وَأَبي نَصْرِ بنِ الصَّبَّاغِ

(2)

، وَأَبِي بَكْرٍ الشَّامِيِّ

(3)

وَغَيْرِهِمْ.

وَذَكَرَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ المَسْأَلَةَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ فِيْمَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّ الفُقَهَاءَ وَالمُحَدِّثِيْنَ اتَّفَقُوا عَلَى السَّمَاعِ بِذلِكَ، مِنْهُمْ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصُّوْرِيُّ

(4)

قَالَ:

(1)

سبَقَ ذِكْرُهُ.

(2)

أبُو نَصْرِ بنُ الصَّباغِ عَبْدُ السَّيِّدُ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 477 هـ) شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ فِي وَقْتِهِ، مُؤَلِّفُ كِتَابَ "الشَّامِل" قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ: "كَانَ أَبُو نَصْرٍ يُضَاهِي أبَا إِسْحَق الشِّيْرَازِيَّ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: هُوَ أَعْرَفُ بِالمَذْهَبِ مِنْ أَبِي إِسْحَقَ. أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (9/ 12)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (5/ 122)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 464)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 355).

(3)

أَبُو بَكْرٍ الشَّامِيُّ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الحَمَوِيُّ الشَّافِعِيُّ الزَّاهِدُ (ت: 488 هـ). قَالَ السَّمْعَانيُّ: "هُوَ أَحَدُ المُتْقِنِينَ لِلْمَذْهَب، وَلَهُ اطِّلاعٌ عَلَى أَسْرَارِ الفِقْهِ

وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ بَعْد أَبي عَبْدِ الله الدَّامَغَانِيِّ". أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 94)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْسُبْكِيِّ (4/ 204)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 85)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 391).

(4)

الصُّوْرِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الصُّوْرِيُّ الشَّامِيُّ الحَافِظُ (ت: 441 هـ)، قَالَ الحَافظُ الخَطِيْبُ:"كَانَ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى الحَدِيْثِ، وَأَكْثَرِهِمْ كَتْبًا لَهُ، وَأَحْسَنِهِمْ مَعْرِفَةً بِهِ، لَمْ يُقْدِمْ عَلَيْنَا مِنَ الغُرَبَاءِ الَّذيْن لَقَيْتُهُم أَفْهَمَ مِنْهُ، كَانَ دَقِيْق الخَطِّ، صَحِيْحَ النَّقْلِ". وَنَقَلَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ عن الحَافظُ السِّلَفِيِّ قَوْلَهُ: كَتَبَ الصُّورِيُّ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" فِي سَبْعَةِ أَطْبَاقٍ مِنَ الوَرَقِ البَغْدَادِيِّ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ .. ". أَخْبَارُهُ في: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (3/ 103)، وَالإِكْمَالِ (4/ 49)، وَمُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (1/ 249)، وَالأَنْسَابِ =

ص: 91

وَامْتَنَعَ مِنَ السَّمَاعِ بِذلِكَ نَفَرٌ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةَ مِنْ فُقَهَاءِ العَصْرِ وَالمُتَقَدِّمِيْنَ قَبْلَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ المُتَقَدِّمِيْنَ العُلَمَاءِ، وَالمُتَأَخِّرِيْنَ البُلَغَاءِ. قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي المَائَةِ السَّابِعَةِ مِثْلُ هَذِهِ المَسْأَلَةِ فِي "صَحِيْحِ مُسْلِمٍ" لَمَّا قَالَ القَاسِمُ الإِرْبِلِيُّ

(1)

:

= (8/ 106)، وَتَارِيْخِ إِرْبلَ (1/ 40)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (17/ 627)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (4/ 128)، وَالشُّعُوْر بِالعُوْرِ (211)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 267).

(1)

هُوَ القَاسِم بنُ أَبِي بَكْرِ بنِ القَاسِمِ بنِ غَنِيْمَةَ الإِرْبِلِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ المُلَقَّبُ بـ "الأَمْينِ" (ت: 680 هـ). قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في العِبَر (5/ 330): "رَحَلَ مَعَ أَبِيْهِ بَضْعَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، فَذَكَرَ - وَهُوَ صَدُوْقٌ - أَنَّهُ سَمِعَ جَمِيْعَ "صَحِيْحِ مِسْلِمٍ" مِنْ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، وَرَوَاهُ بِدِمَشْقَ فَسَمِعَهُ مِنْهُ الكِبَار" ويُرَاجَعُ: شَذَرَات الذَّهَب (5/ 367). وَبَيَّنَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الكِبَارِ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ، فَقَالَ:"رَوَى "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" عَنْ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ بِدِمَشْقَ مِنْ غَيْرِ أَصْلِ فَسَمِعَ مِنْهُ ابنُ تَيْمِيَّة، وابنُ أَبِي الفَتْحِ، وَابنُ الوَكِيْلِ، وَالمِزِّيُّ، وَالبَرْزَالِيُّ، وَالفَقِيْهُ عُبَادَةٌ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُمْ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: في المُقْتَفَى لِلْبَرْزَالِيِّ (1/ ورقة: 96) قَالَ البَرْزَالِيُّ: "كَانَ مِنْ أَعْيَانِ التُّجَّارِ، وَدَخَلَ العَجَمَ، و [انْثَنَى] إِلَى "خُوَارِزْمَ"، وسَمِعَ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" عَلَى المُؤَيَّدِ الطُّوسِيِّ

ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلَيْهِ "صحِيْحَ مُسْلِمِ" بِكَمَالِهِ بِقِرَاءَةِ شَمْسِ الدِّيْنِ بْن أَبِي الفَتْحِ البَعْلَبَكِيِّ بِإِفَادَةِ وَالِدِي وَحُضُوْرِهِ".

ثُمَّ قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "سَأَلْتُ أَبَا الحَجَّاجِ الحَافِظُ عَنْهُ فَقَالَ: شَيْخٌ، جَلِيْلٌ، قَدِيْمُ المَوْلِدِ، كَانَ يَذْكُرُ أَنَّ أَبَاهُ سَفَّرَهُ إِلَى "نَيْسَابُوْرَ" مَعَ إِخْوَتِهِ لِذلِكَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" مِنْ المُؤَيَّدِ، وَسَمِعْنَاهِ مِنْه اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِ، بَعْدَ أَنْ سَأَلْنَا عَنْهُ القَاضِيَ شَمْسَ الدِّيْنِ بنَ خِلِّكَان وَغَيْرَهُ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا. قُلْتُ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّه قَالَ لَهُمْ: كَانَ لِي فَوْتٌ في الكِتَابِ، وَأُعِيْدَ بالقَصْدِ عَلَى المُؤيَّدِ .. وَذَكَرَ أَمِيْنُ الدِّيْنِ =

ص: 92

سَمِعْتُهُ مِنَ المُؤَيَّدِ الطُوْسِيِّ

(1)

، فَقُبِلَ ذلِكَ مِنْهُ، وَسُمِعَ عَلَيْهِ الكِتَابُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَسَمِعَهُ مِنْهُ الحُفَّاظُ وَالفُقَهَاءُ، وَأَفْتَى بِالسَّمَاعِ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَاضِي القُضَاةِ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبي عُمَرَ المَقْدِسِيُّ.

‌20 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنِ أَحْمَدَ

(2)

بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ جَلَبَةَ، البَغْدَادِيُّ،

ثُمَّ

= الإِرْبِلِيُّ لِلْجَمَاعَةِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ثَبَتٌ بِسَمَاعِ الكِتَابِ فَذَهَبَ مِنْهُ". ثُمَّ ذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ عَنْ شَيْخِهِ ابنِ أَبي الفَتْحِ قَوْلَهُ: وَبَلَغَنِي عَنْ قَاضِي القُضَاةِ ابنِ خِلِّكَان قَالَ: رَأَيْتُ ثَبَتَهُ بِـ "صَحِيْحِ مُسْلِم" وَذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ أَيْضًا أَنَّه أَجَازَهُ بِمَرْوِيَّاتِهِ. يُرَاجَعْ: مُعْجَمِ الذَّهَبِيِّ (434). أَخْبَارُ الإِرْبِليِّ المَذْكُوْرِ زِيادَةً عَلَى مَا سَبَقَ فِي: تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1465)، وَدُوَلِ الإِسْلامِ (2/ 184)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (14/ 115)، والنُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ (7/ 353).

(1)

الطُّوْسِيُّ المَذْكُوْرُ هُوَ مُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الطُوْسِيُّ ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ (ت: 617 هـ) مُسْنِدُ خُرَاسَانَ فِي زَمَنِهِ. قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "سَمِعَ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ "فِي سَنَةِ ثَلَاثِيْنَ مِنْ أَبي عَبْدِ اللهِ الفَرَاوِيِّ" وَقَالَ: "وَطَالَ عُمُرُهُ، وَرَحَلَ النَّاس إِلَيْهِ مِن الأَقْطَارِ، وَكَانَ ثِقَةً، مُقْرِئًا، جَلِيْلًا، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثيْرٌ. . ." وَذَكرَ جُمْلَةً. أَخْبَارُهُ في: التَّكْمِلَةِ لِوَفَيَاتِ النَّقَلَةِ (3/ 26)، وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (5/ 345)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (22/ 104)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (5/ 78).

(2)

20 - ابنُ جَلَبَةَ الحَرَّانِي (؟ - 476):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 452)، وَمُخْتَصَرِهِ (1/ 398)، وَمَنَاقبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (631)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلِةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 6)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 118)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 416)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّد" (1/ 212). وَيُرَاجَعُ: إِكْمَالُ الإِكْمَالِ (2/ 51)، وَالكَامِلُ في التَّارِيْخِ (1/ 129)، وَذَيلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (1/ 315)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبلاءِ (18/ 560)، وَالعِبَرُ =

ص: 93

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (3/ 283)، وَالمُشْتَبَهُ في الرِّجَالِ (1/ 167)، وَتَارِيْخُ الإسْلامِ (416)، وَتَوْضِيْحُ المُشْتَبَهِ لابنِ نَاصرِ الدِّيْنِ (2/ 377)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبِهِ للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (1/ 258، 333، 343)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 362)(5/ 327).

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله:

16 -

عَلِيُّ بنُ مُحَمَّد بنُ جَلَبَةَ الحَرَّانِيُّ، قَاضِي "حَرَّان". وَيَظْهَرُ أَنَّهُ مُعَاصِرٌ لِسَابِقِهِ؛ لأَنَّ "المُؤْتَمَنُ" السَّاجيُّ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ الوَهَّابِ المَذْكُوْرِ بِـ "حرَّانَ" كَمَا يَقُوْلُ ابْنُ نُقْطَةَ فِيْ "إِكْمَالِ الإِكْمَالِ" وَفِي "مُشْتَبَهِ الحَافِظِ الذَّهَبِيِّ" وَ"التَّوْضِيْحِ" لابنِ نَاصِرِ الدِّيْن: ذَكَرَا عَنْ عَلِيِّ بِنْ مُحَمَّدٍ هَذَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ مُؤْتَمَنٌ السَّاجِيُّ أَيْضًا. ذَكَرَهُ العُلَيْمِيُّ فِي المَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 147). هَذَا وَمَا بَعْدَهُ بَيَّنَ أَنَّ المُؤَلِّف ذَكَرَهُمَا ذِكْرًا مُقْتَضَبًا. يُرَاجَعُ الجُزْء الثَّانِي ص (8، 9).

17 -

وَأحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدٍ الأَسَدِيُّ الحَرَّانِيُّ. ذَكَرَهُ العُلَيْمِيُّ أَيْضًا وَقَالَ: "وَكَانَ قَدْ وِلِيَ قَضَاءَهَا" وَيَظْهَرُ أَنَّهُ وَلِيَ القَضَاءَ بَعْدَ عَبْدِ الوَهَّابِ المَذْكُورِ، فَقَدْ ذَكَرَ ابنُ نُقْطَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ، هَذَا إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَلِيَ قَضَاءَ "حَرَّانَ" وَالثَّابِتُ أَنَّه وَلِيَ قَضَاءَ "مَاكِسِيْنَ" وَهُمَا مَعًا مِنْ أَعْمَالِ "الجَزِيْرَةِ"، وَقَدْ تَكُونُ تَابِعَةً فِي قَضَائِها لِـ "حَرَّانَ" قَالَ ابنُ النَّجَّار فِي ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ - فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الوَهَّابِ -:"رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ الحرَّانِيُّ قَاضِي مَاكِسِيْنَ" وَلَمَّا سَاقَ سَنَدًا إِلَى عَبْدِ الوَهَّابِ، قَالَ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ:". . . قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنُ حَامِدٍ الأَسَدِيُّ الحَرَّانِيُّ بِـ "مَاكِسِيْنَ" - وَكَانَ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَهَا - قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَتْحِ العُشَارِيُّ مِنْ "بَغْدَادَ" وَ (ثَنَا) عَنْهُ عَبْد الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ بنُ جَلَبَةَ القَاضِي بِـ "حرَّان" إِمْلَاءً. . .". وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ السِّلَفِي، كَمَا جَاءَ فِي سَنَدِ المُؤَلِّفِ الآتي. وَالله تَعَالَى أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا اسْتَدْرَكْتُهُمَا هُنا؛ لِعِلاقَتِهِمَا بالمَذْكُوْرِ مَعَ جَهْلِ سَنَةِ وَفَاتَيْهِمَا حَتَّى الآنَ.

ص: 94

لحَرَّانِيُّ الجَزَّارُ، أَبُو الفَتْحِ، قَاضِي "حَرَّانَ"، اشْتَغَلَ بِـ "بَغْدَادَ"، وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنَ البُرْقَانِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ العُشَارِيِّ، وَأَبِي عَلِيِّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي عَلِيِّ بنِ شِهَابٍ العُكْبَرِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَغيْرِهِمْ، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ "حَرَّانَ"

(1)

وَصَحِبَ بِهَا الشَّرِيْفَ أبَا القَاسِمِ الزَّيْدِيَّ

(2)

، وَأَخَذَ عَنْهُ، وَتَوَلَّى بِهَا القَضَاءَ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: بَغْدَادِيٌّ سَكَنَ "حَرَّانَ" وَوَلِيَ بِهَا القَضَاءَ، وَعَمِلَ المَظَالِمَ، وَكَانَ فَقِيْهًا وَاعِظًا فَصِيْحًا. وَذَكَرَهُ أَبُو الحُسَيْنِ فِي "الطَّبَقَاتِ"

(1)

مَدِينَةٌ مَشْهُوْرَةٌ بِالْجَزِيْرَةَ الفُرَانِيَّة، أَكْثَرُ أَهْلِهَا أَتْبَاعُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَمِنْهَا شَيْخُ الإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بنُ تيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ .. وَغَيْرُهُ، بَرَزَ مِنْ أَهْلِهَا عَدَدٌ غَيْرُ قَلِيلٍ مِنَ العُلَمَاءِ وَالتُّجَّارِ، وَلَهَا تَوَارِيْخُ حَافِلَةٌ جَمَعَهَا كَثِيرٌ مِنْ المُحَدِّثِيْنَ عَلَى فَتَراتٍ مُخْتَلِفَة، تَحَدَّثْتُ عَنْهَا فِي "الطَّبَقَات"(1/ 434، 435). يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلدان (2/ 235)، وَتَقْوِيْمُ البُلدانِ (276).

(2)

في (أ) و (ب): "الترمذي". وَإِنَّمَا هُوَ الشَّرِيْفُ أَبُو القَاسِم الزَّيْدِيُّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ الحَرَّانِيُّ الحَنْبَلِيُّ السُّنِّيُّ، فَقِيْهٌ، مُقْرِئٌ، مَشْهُوْرٌ (ت: 433 هـ) لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبقات" فَكَانَ مُسْتَدْرَكًا عَلَيْهِ، وَفَاتَنِي اسْتِدْرَاكُهُ هُنَاكَ فِي هَامِشِ الكِتَابِ. وَنَصُّوا عَلَى "السُّنِّي" فِي نَسَبِهِ؛ لأَنَّهُ زَيْديُّ النَّسَبِ لَا المَذْهَبِ. أَخْبَارُهُ في: سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (17/ 505)، وَالعِبَرِ (3/ 178)، وَمَعْرِفَةِ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 393)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (22/ 74)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (1/ 572)، وَلِسَانِ المِيْزَانِ (4/ 259)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 343)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 251)(5/ 160) وَغَيْرِهَا.

ص: 95

وَنَسَبَهُ إِلَى "حَرَّانَ"، وَرَأَيْتُ [بِخَطِّ نَفْسِهِ]

(1)

في نَسَبِهِ "الحَرَّانِيَّ". قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: وَقَدِمَ "بَغْدَادَ" مِنْ ثَغْرِ "حَرَّانَ" قَاصِدًا لِمَجْلِسِ الوَالِدِ، وَطَالِبًا لِدَرْسِ الفِقْهِ عَلَيْهِ، فَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ، وَكَتَبَ كَثِيْرًا مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ، وَكَانَ يَلِي قَضَاءَ "حَرَّانَ" مِنْ قِبَلِ الوَالِدِ، كَتَبَ لَهُ عَهْدًا بِوِلَايَةِ القَضَاءِ بِـ "حَرَّانَ"، وَكَانَ نَاشِرًا لِلْمَذْهَبِ، دَاعِيًا إِلَيْهِ، وَكَانَ مُفْتِي "حَرَّانَ" وَوَاعِظَهَا وَخَطِيْبَهَا وَمُدَرِّسَهَا.

قُلْتُ: وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَمْدَانَ

(2)

: اخْتَصَرَ "المُجَرَّدَ" وَلَهُ: "رُءُوْسُ مَسَائِلَ" وَ"أُصوْلُ فِقْهٍ" وَ"أَصوْلُ دِيْنٍ". وَلَهُ أَيْضًا - مِمَّا لَمْ يَذْكُرُهُ ابنُ حَمْدَانَ - كِتَاب "النِّظَامِ بِخِصَالِ الأَقْسَامِ".

وَسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ الشِّيْرَازِيُّ، وَمَكِّيُّ الرُّمَيْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي زَمَانِهِ كَانَتْ "حَرَّانُ" لِمُسْلِمِ بنِ قُرَيْشٍ

(3)

صَاحِبِ "المَوْصِلِ"، وَكَانَ رَافِضِيًّا، فَعَزَمَ القَاضِي أَبُو الفَتْحِ عَلَى تَسْلِيْمِ

(1)

ضُرِبَ عَلَيْهِ بِالقَلَمِ في (أ).

(2)

هُوَ أَحْمَدُ بنُ حَمْدَان بنِ شَبِيْبٍ الحَرَّانِيُّ (ت: 695 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

(3)

هُوَ مُسْلِمُ بنُ قُرَيْشِ بنِ بَدْرَانَ العُقَيْلِيُّ (ت: 478 هـ) قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "كَانَ يَتَرَفَّضُ كَأَبِيْهِ، وَنَهَبَ أَبُوْهُ دُوْرَ الخِلَافَةِ فِي فِتْنَةِ البَسَاسِيْرِيِّ

وَلِيَ ابْنُهُ دِيَارَ رَبِيْعَةَ وَمُضَرَ، وَتَمَلَّكَ "حَلَبَ"، وَأَخَذَ الإِتَاوَةَ مِنْ بِلَادِ الرُّوْمِ، وَحَاصَرَ "دِمَشْقَ"، وَكَادَ أنْ يَأْخُذَهَا، فَنَزَعَ أَهْلُ "حَرَّانَ" طَاعَتَهُ، فَبَادَرَ إِليها، فَحَارَبُوْهَا فافتَتَحَها، وَبَذَلَ السَّيْفَ في السُّنَّة بِهَا، وَأَظْهَرَ سَبَّ الصَّحَابَةِ. . ." خَنَقَهُ خَادِمٌ لَهُ فِي الحَمَّامِ فَقَتَلَهُ، وَقِيْلَ: قُتِلَ بِظَاهِرِ "أَنْطَاكِيَّةَ". يُرَاجَعُ: الكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 17، 114، 126، 127، 134، 135)، وَوَفَيَاتُ الأَعْيَانِ (5/ 267)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 482)

وَغَيْرُهَا.

ص: 96

"حَرَّانَ" إِلَى "جَبَقَ"

(1)

أَمِيْرِ التُّرْكُمَانَ؛ لِكَوْنِهِ سُنِّيًّا، فَأَسْرَعَ ابنُ قُرَيْشٍ إِلَى "حَرَّانَ" وَحَصَرَهَا، وَرَمَاهَا بِالمَنْجَنِيْقِ، وَهَدَمَ سُوْرَهَا، وَأَخَذَهَا، ثُمَّ قَتَلَ القَاضِي أَبَا الفَتْحِ وَوَلَدَيْهِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَصَلَبَهُمْ عَلَى السُّوْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَقُبُوْرُهُمْ ظَاهِرَةٌ، بِـ "حَرَّانَ" تُزَارُ، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ.

أَنْبَأَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ المَقْدِسِيِّ

(2)

، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَكِّيٍّ الحَاسِبِ (أَنَا) جَدِّي أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّلَفِيِّ، قَالَ:(أَنَا) أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدٍ الأَسَدِيُّ الحَرَّانِيُّ بِـ "مَاكِسِيْنَ" - وَكانَ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَهَا - قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَتْحِ العُشَارِيُّ مِنْ "بَغْدَادَ"، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَلَبَة

(1)

فِي الأَصْلِ: "حبق" وَيُرَاجَعُ: الكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 29، 30)، وَفِي "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ - في حَوَادِثِ سَنَةِ (476 هـ) -:"وَفِيْهَا عَصَى أَهْلُ "حَرَّانَ" عَلَى شَرَفِ الدَّولَةِ مُسْلِمِ بنِ قُرَيْشٍ، وَأَطَاعُوا قَاضِيَهُم ابنَ جَبَلَةَ الحَنْبَلِيَّ، وَعَزَمُوا عَلَى تَسْلِيْمِ "حَرَّان" إِلَى جَبَقَ أَمِيْرِ التُّركُمُانِ؛ لِكَوْنِهِ سُنِّيًّا، وَلِكَوْنِ مُسْلِمٍ رَافِضِيًّا. . .".

(2)

هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْم بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيَّةُ المَعْرُوفَةُ عِنْدَ المُحَدِّثين بِـ "زَيْنَبَ بَنْتِ الكَمَالِ"(ت: 740 هـ) مُحَدِّثَةٌ، مَشْهُوْرَةٌ، لَمْ تتَزَوَّج قَطُّ. قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرِ:"وَقَدْ جَاوَزَت التِّسْعِيْن، وَنَزَل النَّاسُ بِمَوْتِهَا دَرَجَةً فِي شَيْءٍ كَثيْرٍ مِنَ الحَدِيْثِ، حِمْلِ بَعِيْرٍ، وَهِيَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ سِبْطِ السِّلَفِيِّ بِالإِجَازَةِ" الدُّرَرُ الكَامِنَةُ (2/ 209، 210). سَيَأْتِي اسْتِدْرَاكُهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

أَقُوْلُ - وعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: سِبْطُ السِّلَفِيِّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيِّ الحَاسِبُ، المَذْكُوْرُ في السَّنَدِ، مُحَدِّثٌ مَشْهُوْرٌ (ت: 651 هـ) قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "وَسَمِعَ مِنْ جَدِّهِ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ قِطْعَةً صَالِحَةً مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ".

ص: 97

القَاضِي بِـ "حَرَّانَ" إِمْلَاءً (ثَنَا) أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاقُ (ثَنَا) الحُسَيْنُ بنُ صفْوَانَ البَرْذَعِيُّ

(1)

(ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ القُرَشِيُّ، (ثَنِي) مُحَمَّدُ بنُ بَشِيْرٍ، (ثَنَا) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جَرِيْر، (ثَنَا) أَبُو حَازِم، عَن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اتَّقَى اللهَ تَعَالَى كَلَّ لِسَانُهُ وَلَم يَشْفِ غَيْظَهُ"

(2)

.

ذَكَرَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ تَيْمِيَّةَ فِي أَوَّلِ "شَرْحِ العُمْدَةِ"

(3)

: أَنَّ أَبَا الفَتْحِ بنَ جَلَبَةَ كَانَ يَخْتَارُ اسْتِحْبَابَ مَسْحِ الأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيْدٍ، بَعْدَ مَسْحِهِمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ. وَهُوَ غَرِيْبٌ جِدًّا. وَذَكَرَ ابنُ حَمْدَانَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الحَقُّ أَنَّ الحُرُوْفَ

(1)

فِي بَعْضِ الأُصُولِ: بِالدَّالِ المُهْمَلَةِ بِرَسْمِ القَلَمِ، وفي الأَنْسَابِ لأبي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ (2/ 143): بِفَتْحِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، وَفَتْحِ الذَّالِ المُعْجَمَةِ، وَفِي آخِرِهِ العَيْن ظَنِّي أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةِ إِلَى بَرَاذِ الحْمِيْرِ وَعَمَلِهَا، وَإِلَى بَلْدَةٍ بِأَقْصَى "أَذْرَبِيْجانَ" وَالمَشْهُورُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ

وَأَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ صَفْوَانَ .. البَرْذَعِيُّ - هَكَذَا رَأَيْتُ بِالذَّالِ المُعْجَمَةِ مَضْبُوطًا بِخَطِّ شُجَاعٍ الذُّهْلِيِّ - مِنْ أَهْلِ "بَغْدَادِ". . . وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةً (340 هـ). وَفِيْ مُعْجَمِ البُلْدَانِ (1/ 451): "وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو سَعْدٍ بِالدَّالِ المُهْمَلَةِ، وَالْعَيْنُ مُهْمَلَةٌ عِنْدَ الجَمِيْعِ، بَلَدٌ بِأَقْصى "أَذْرَبِيْجَانَ" .. "؟!

(2)

في هَامِشِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا في كِتَابِ "التَّقْوَى" من حَدِيْثِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ. وَهُوَ فِي كَنْزِ العُمَّالِ (2/ 21).

(3)

شَرْحُ العُمْدَةِ لِلإِمَامِ تَقِيِّ الدّينِ بنِ تَيْمِيَّةَ (1/ 191) وفيه: "وَذَكَرَ القَاضِي عَبْدُ الوَهَّابِ وَابنُ حَامِدٍ أنَّهُمَا يُمْسَحَانِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ بَعْدَ أنْ يُمْسَحَانِ بِمَاءِ الرَّأسِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ" وَيُرَاجَعُ: الإِنْصَافُ (1/ 135، 136)، وَابْنُ حَامِدٍ إِمَامٌ مَشْهُورٌ اسمُهُ الحَسَنُ بنُ حَامِدِ بنِ عَليٍّ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ت: 403 هـ). يُرَاجَعُ: الطَّبَقَات (3/ 309).

ص: 98

كُلَّهَا قَدِيْمَةٌ، وَتَرْكِيْبِهَا فِي غَيْرِ القُرْآنِ مُحْدَثٌ إِنْ قُلْنَا: اللُّغَةُ اصْطِلَاحٌ، وَإِنْ قُلْنَا: تَوْقِيْفٌ، فَقَدِيْمَةٌ.

قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه فِي "مَنَاقِبِ الإِمَامِ": وَجَدْتُ بِخَطِّ المُؤْتَمِنِ البَغْدَادِيِّ الشَّيْخِ، الصَّالِحِ الثِّقَةِ، المُتَدَيِّنِ رحمه الله قَالَ: قَالَ أَبُو يَعْلَى الحَنْبَلِيُّ البَغْدَادِيُّ: أَخْرَجَ إِلَيَّ أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ الحَرَّانِيُّ صَاحِبُنَا هَذِهِ الأَبْيَات، قَالَ: وَجَدْتُهَا فِي كِتَابِ "المِصْبَاحِ"، قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ لأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ رحمه الله:

يَا طَالِبَ العِلْمِ، صَارِمْ كُلَّ بَطَّالِ

وَكُلَّ غَادٍ إِلَى الأَهْوَاءِ مَيَّالِ

وَاعْمَلْ بِعِلْمِكَ سِرًّا أَوْ عَلَانِيةً

يَنْفَعْكَ يَوْمًا عَلَى حَالٍ مِنَ الحَالِ

وَلَا تَمِيْلَنَّ يَا هَذَا إِلَى بِدَعٍ

تُضِلُّ أَصْحَابَهَا بِالقِيْلِ وَالقَالِ

خُذْ مَا أَتَاكَ بِهِ مَا جَاءَ مِنْ أَثَرٍ

شِبْهًا بِشِبْهٍ وَأَمْثَالًا بِأَمْثَالِ

أَلَا فَكُنْ أَثَرِيًّا خَالِصًا فَهِمًا

تَعِشْ حَمِيْدًا وَدَعْ آرَاءَ ضُلَّالِ

وقَدْ رَوَى هَذِهِ الحِكَايَةَ ابنُ النَّجَّارِ

(1)

مِنْ طَرِيْقِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطِ، عَنِ القَاضِي أَبي يَعْلَى، قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيَّ أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ هَذِهِ

(1)

نَصُّ كَلَامِ ابْنِ النَّجَّار: "أَنْبَأَنَا أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، وَأَبُو اليُمْنِ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ الكِنْدِيُّ قَالَا: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا جَدِّي أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدٌ الخَيَّاطُ، أَنْبَأَنَا القَاضِي أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْن بنِ الفَرَّاءِ، قَالَ: أَخْرَجَ إليَّ أَبُو الفَتْح عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ الحَرَّانِيُّ صَاحِبُنَا هَذِهِ الأَبْيَات قَالَ. . ." وَكَتَابُ "المِصْبَاحِ" هَذَا لَا أَعْرِفُهُ الآنَ، وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ فَنٍّ هُوَ.

ص: 99

الأَبْيَاتِ قَالَ: وَجَدْتُهَا فِي كِتَابِ "المِصْبَاحِ" قَالَ: أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ.

"جَلَبَةُ"[بِفَتْحِ الجيْمِ وَاللَّامِ وَالبَاءِ المُوَحَّدَةِ، قَيَّدَهُ ابنُ نُقْطَةَ وَغَيْرُهُ]

(1)

.

‌21 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَطَاءِ

(2)

بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرِ بنِ الحَسَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الإِبْرَاهِيْمِيُّ، الهَرَوِيُّ،

المُحَدِّثُ الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، أَحَدُ الحُفَّاظِ المَشْهُوْرِيْنَ الرَّحَّالِيْنَ، سَمِعَ بـ "هَرَاةَ" مِنْ عَبْدِ الوَاحِدِ المَلِيْحِيِّ

(3)

، وَشَيْخِ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيِّ،

(1)

العبارةُ وَرَدَتْ بَعْدَ الأَبْيَاتِ في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ، وَالنَّقْلُ عَنِ ابنِ نُقْطَةَ في كِتَابِهِ "تَكْمِلَةِ الإِكْمَالِ" أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي تَخْرِيْجِ التَّرْجَمَةِ.

(2)

21 - أَبُو مُحَمَّدٍ الإِبْرَاهِيْمِيُّ (؟ - 476 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنِ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَات" فَكَان مُسْتَدْرَكًا عَلَيْهِ. أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصرِ اللهِ (ورقة: 6)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 44)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 418)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 212). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ لابنِ الجَوْزِيِّ (9/ 9)، وَالضُّعَفَاءُ وَالمَتْرُوْكِيْنَ لَهُ (2/ 132)، وَالمُنْتَخَبُ مِنَ السِّيَاقِ (290)، وَسُؤَالَاتُ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ لخَمِيْسٍ الحَوْزِيِّ (118)، وَالتَّقيِيْدُ لابنِ نُقْطَةَ (324)، وَالعِبَرُ (3/ 284)، وَمِيْزَانُ الاعْتِدَالِ (2/ 462)، وَالمُغْنِي في الضُّعَفَاءِ (1/ 347)، وَتَارِيْخُ الإسْلَامِ (166)، وَالوَافي بِالوَفَيَاتِ (17/ 319)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 119)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 352)(5/ 328).

(3)

المَلِيْحِيُّ "بِفَتْحِ المِيْمِ، وَاليَاءِ المَنْقُوْطَةِ باثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا السَّاكِنَة بَعْدَ اللَّامِ، وَفِي آخِرِهَا الحَاءُ المُهْمَلَةُ" كَذَا في الأَنْسَابِ لأَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ (12/ 475)، وفي مُعْجَمِ البُلْدَانِ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى "هَرَاةَ"، وَذَكَرَا مَعًا عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ أَحْمَدَ بنِ أَبي القَاسِمِ المَذْكُوْرَ (ت: 463 هـ).

ص: 100

وَبِـ "بُوْشَنْجَ"

(1)

مِنْ أَبِي الحَسَنِ الدَّاوُدِيِّ، وَبِـ "نَيْسَابُوْرَ" مِنْ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيِّ، وَأَبِي عُثْمَانَ النُّمَيْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَبِـ "بَغْدَادَ" مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ وَطَبَقَتِهِ، وَبِـ "أَصْبَهَانَ" مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ الوَهَّابِ ابْنَيْ مَنْدَه، وَجَمَاعَةٍ. وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الكَثِيْرَ، وَخَرَّجَ التَّخَارِيْجَ للشُّيُوْخِ، وَحَدَّثَ. وَرَوَى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاطِ، وَأَبُو بَكْرِ بنُ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو المَعَالِي بنُ النَّحَّاسِ، وَوَثَّقَهُ طَائِفَةٌ مِنْ حُفَّاظِ وَقْتِهِ فِي الحَدِيْثِ، مِنْهُمْ المُؤْتَمِنُ السَّاجِيُّ.

وَقَالَ شَهْرَدَارُ الدَّيْلَمِيُّ

(2)

عَنْهُ: كَانَ صَدُوْقًا حَافِظًا، مُتْقِنًا، وَاعِظًا، حَسَنَ التَّذْكِيْرِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه: كَانَ أَحَدَ مَنْ يَفْهَمُ الحَدِيْثَ، وَيَحْفَظُ، صَحِيْحَ النَّقْلِ، كَثِيْرَ الكِتَابَةِ، حَسَنَ الفَهْمِ، وَكَانَ وَاعِظًا، حَسَنَ التَّذْكِيْرِ.

وَقَالَ خَمَيْسٌ الحَوْزِيُّ

(3)

: رَأَيْتُهُ بِـ "بَغْدَادَ" مُلْتَحِقًا بِأَصْحَابِنَا، وَمُتَخَصِّصًا

(1)

"بُوشَنْجُ" "بِضَمِّ البَاءِ المُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ، وَسُكُوْنِ النُّوْنِ، وفي آخِرِهَا الجِيْمُ

بَلْدَةٌ عَلَى سَبْعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ "هُرَاةَ"، يُقَالُ لَهَا:"بُوْشَنْكَ". . . وَقَدْ تُعَرَّبُ فَيُقَالُ لَهَا "فُوْشَنْج" الأَنْسَابُ لأبي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ (2/ 332)، ومُعجَمُ البُلْدَانِ (2/ 602) وَفِيْهِ:"بُلَيْدَةٌ، نَزِهَةٌ، خَصْبَةٌ، فِي وَادِ مُشْجِرٍ مِنْ نَوَاحِي "هَرَاةَ". . .".

(2)

شَهْرَادَارُ بنُ شِيْرَوَيْهِ بنِ شَهْرَدَار بنِ شِيْرَوَيْهِ بنِ فَنَّاخِسْرُو الدَّيْلَمِيُّ (ت: 558 هـ) وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بَأنَّه: "الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ" أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَخَبِ مِنْ شُيُوْخِ أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ (2/ 892)، وَالتَّحْبِيرِ فِي المُعْجَمِ الكَبِيْرِ لَهَ (1/ 327)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبلَاءِ (2/ 375)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (7/ 110)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 182). وَوَالِدُهُ: شِيْرَوَيْهِ (ت: 509) صَاحِبُ "مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ" فِي الحَدِيْثِ مَشْهُوْرٌ وَ"تَارِيْخِ هَمَذَانَ" إِمَامٌ مُحَدِّثٌ عَلَّامةٌ لَهُ أَخْبَارٌ وَآثَارٌ.

(3)

في (ط) بطبعتيه: "الجَوْزِيُّ" وَمِنَ المَعْلُوْمِ أَنَّهُ "الحُوْزِيُّ" بالحَاءِ المُهْمَلَةِ، وَقَدْ رَجَعْنَا =

ص: 101

بِالحَنَابِلَةِ، يُخَرِّجُ لَهُمْ الأَحَادِيْثَ المُتَعَلِّقَةِ بِالصِّفَاتِ، وَيَرْوِيْهَا لَهُمْ، وَأَضْدَادُهُ مِنَ الأشْعَرِيَّةِ يَقُوْلُوْنَ: هُوَ يَضَعُهَا، وَمَا عَلِمْتُ فِيْهِ ذلِكَ، وَكَانَ يَعْرِفُهُ - انْتَهَى -.

= إِلَى سُؤَالاتِ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ لَهُ في مَصادِرِ التَّرْجَمَةِ، قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ فِي الأَنْسَابِ (4/ 268):"بِفَتْحِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ، وَسُكُوْنُ الوَاوِ، وَفِي آخِرِهَا الزَّايُ، هَذِهِ النَّسْبَةُ إِلَى "حُوَيْزَةَ" بِنَوَاحِي "البَصْرَةِ"، قَرِيَةٌ مَعْرُوْفَةٌ، وَهِيَ بَيْنَ سُوْقُ "الأَهْوَازِ" وَ"البَصْرَةِ" وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا حُوَيْزِيُّ. . ." وَذَكَرَ خَمِيْسَ بنَ عَلِيٍّ المَذْكُوْرَ هُنَا، والنِّسْبَةُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وفي "مُعْجَمِ البُلْدَانِ" (2/ 365): "الحَوْزُ - بِالفَتْحِ - ثُمَّ السُّكوْن وَزَايٌ

قَرْيَةٌ شَرْقِيُّ مَدِيْنَةِ "واسِطَ"، قِبَالَتَهَا، مُتَّصِلَةٌ بِالحَزَّامِيِّيْنَ

إِلَيْهَا يُنْسَبُ الأَدِيْبُ أَبُو الكَرَم خَمِيْسُ بنُ عَلِيٍّ

قَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: "كَانَ خَمِيْسٌ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، المُحَقِّقِيْنَ بِمَعْرِفَةِ رِجَالِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الأَدَبِ البَارِعِ، وَلَهُ مِنْ الشِّعْرِ الغَايَةُ فِي الجَوْدَةِ، وفي شُيُوْخِهِ كَثْرَةٌ، وَقَدْ علَّقتُ عَنْهُ فَوَائِدَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ الرُّوَاةِ فَأَجَابَ بِمَا أَثْبَتَهُ فِي جُزْءٍ ضَخْمٍ، وَهُوَ عِنْدِي، وَقَدْ أَمَلَى علَيَّ نَسَبُهُ وَهُوَ خَمِيْسُ بِنُ عَلِيٍّ. . .". أَخْبَارُ خَمِيْسٍ في: مُعْجَمِ السَّفَرِ للحَافِظِ السِّلَفِيِّ (69)(ط) باكستان، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 346)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1262)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (13/ 420)، وَأَدَبُهُ وَشِعْرُهُ في خَرِيْدَةِ القَصْرِ (4/ 469)(قِسْمِ شُعَرَاءِ العِرَاقِ)، وَمُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (11/ 81)، وَإِنْبَاهِ الرُّوَاةِ (1/ 358)، وَمِنْ شِعْرِ خَمِيْسٍ الحَوْزِيِّ رحمه الله:

إِذَا مَا تَعَلَّقَ بِالأَشْعَرِيِّ

أُنَاسٌ وَقَالُوا وَثِيْقُ العُرَى

وَطَائِفَةٌ رَأَتِ الاعْتِزَالَ

صَوَابًا وَمَا هُوَ فِيْمَا تَرَى

وَأُخْرَى رَوَافِضُ لَا تَسْتَحِقُّ

إِذَا ذُكِرَ النَّاسُ أَنْ تُذْكَرَا

فَنَحْنُ مَعَاشِرَ أَهْلِ الحَدِيْثِ

عَلِقْنَا بِأَذْيَالِ خَيْرِ الوَرَى

فَمَنْ لَمْ يَكُنْ دَأْبُهُ دَأَبَنَا

فَنَحْنُ وَأَحْمَدُ مِنْهُ بُرَا

ص: 102

وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ هَبَةُ اللهِ السَّقَطِيُّ

(1)

، وَالسَّقْطِيُّ مَجْرُوْحٌ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيْهِ مُقَابَلَةَ هَؤلَاءِ الحُفَّاظِ، وَقَدْ رَدَّ كَلَامَهُ فِيْهِ ابنُ السَّمْعَانِي وَابْنُ الجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا. وَخَرَّجَ الإِبْرَاهِيْمِيُّ شُيُوْخَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَتَرْجَمَهُمْ

(2)

.

(1)

هُوَ هِبَةُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَبُو البَرَكَاتِ (ت: 509 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فُي مَوْضِعِهِ. وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي المُنْتَظَمِ (9/ 9): "وَقَدَحَ فيه هِبَةُ اللهِ بنُ المُبَارَكَ السِّقَطِيُّ فَقَالَ: كان يُصَحِّفُ أَسْمَاءَ الرُّوَاةِ وَالمَتُوْنَ، وَيِصِرُّ عَلَى غَلَطِهِ، وَيُرَكِّبُ الأَسَانِيْدَ عَلَى مُتُوْنٍ، وَالسَّقَطيُّ لَا يُقبَل قَوْلُهُ" وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةِ السِّقَطيِّ مَا نَقَلَهُ الحَافِظُ السَّمعانيُّ عَنْ الحَافِظِ ابنِ نَاصرٍ قَوْلَهُ فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ: "السِّقَطِيُّ لَا شَيْءَ، وَهُوَ مِثْلُ نَسَبِهِ مِنْ سِقْطِ المَتَاعِ".

(2)

في (ط) بطبعتيه: "وتراجمهم".

ويُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّف رحمه الله فِي وَفِيَاتِ سَنَةِ (476 هـ):

18 -

مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ جَرْدَةَ البَغْدَادِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العُكْبَرِيُّ الأَصْلِ، التَّاجِرُ، المُحْسِنُ، الكَبِيْرُ، لَهُ بِرٌّ وَأَوْقَافٌ، وَآثَارٌ حَسَنَةٌ، صَاهَرَ أَبَا مَنْصُوْرٍ عَبْدَ المَلِكِ بنَ يُوسُفَ عَلَى بِنْتِهِ، رَوَى شِعْرًا عَنْ أَبِي القَاسِمِ المَغْرِبيِّ. وَرَوَى عنْهُ أَبُو العِزِّ ابْنُ كَادِشٍ. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 9)، وَتَارِيْخِ الإِسْلَامْ (177)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 125)، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في تَرْجَمَةِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَمَسْجِدُهُ مَشْهُوْرٌ، وَبَيْتُهُ أَشْهَرُ. قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:"بَنَى دَارًا عَظِيْمَةً فِي غَايَةِ الكِبَرِ وَالحُسْنِ، وَاتَّخذَ لَها بَابَيْنِ، وَعَلَى كُلِّ بَابٍ مَسْجِدًا" وَزَادَ ابنُ الجَوْزِيِّ في "المُنْتَظَمِ": "قِيْلَ: إِذَا أَذَّنَ في أَحَدِهِمَا لَمْ يُسْمِعِ الآخَرَ". وَكَانَ إِمَامُهُ سِبْطُ بنِ الخَيَّاطِ المُقْرِئُ الحَنْبَلِيُّ المَشْهُوْرُ، ثُمَّ أَمَّ بَعْدَهُ تِلميذُهُ: أَحْمَد بن أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدِي (ت: 576 هـ) قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "قَرَأَ عَلَى سِبْطِ الخَيَّاطِ

وأَمَّ المَسْجِدَ المَعْرُوْفَ بِهِ بِـ "نَهْرِ المُعَلَّى"، وَقَدْ خَتَمَ القُرْآنَ فِيْه أُلُوْفٌ" وَلَهُ ذِكْرٌ في تَرْجَمةِ حَمَّادِ بنِ مَزْيَدٍ (ت: 596 هـ) وَغَيْرِهِ. وَكَانَ مُؤَذّنُ المَسْجِدِ عَنَّازُ بنُ مُدَلِّلِ بنُ خَلَفٍ (ت: 537 هـ) وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا المَسْجِدُ هُوَ أَعْظَمُ المَسَاجِدَ =

ص: 103

وَتُوُفِّيَ فِي طَرِيْقِ "مَكَّةَ" بَعْدَ عَوْدَهِ مِنْهَا، عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ "البَصْرَةِ" سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

‌22 - أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ

(1)

بن عَبْدِ اللهِ المُقْرِئُ، الصُّوْفِيُّ، المُؤَدِّبُ، أَبو الخَطَّابِ البَغْدَادِيُّ.

ولِدَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ

(2)

وَتِسْعِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ، قَرَأَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ الحَمَّامِيِّ وَغَيْرِهِ. تَلَا عَلَى الحَمَّامِيِّ المَذْكُوْرِ بِالسَّبْعِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيْر

(3)

، مِنْهُمْ

= الَّتِي بَنَاهَا؛ لأنَّ الحَافِظَ الذَّهَبِيَّ قَالَ: "وَبَنَى مَسَاجِدَ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا وُقُوْفًا جَيِّدَةً". وَفِي "بَغْدَاد" حَيٌّ يُعْرَفُ بِـ "خُرَيْبَةَ ابنِ جَرْدَةَ". تَرَدَّدَ ذِكْرُهُ فِي المَصَادِرِ.

- وَابْنُهُ: أَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ والحَدِيْثِ (ت: 493 هـ). وابْنَتُهُ: نَاجِيَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، مُحَدِّثةٌ مَشْهُوْرَةٌ (ت: 506 هـ). وَعَتِيْقُهُ: صَافِي، مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَالفَضْلِ وَالحَدِيْثِ (ت: 545 هـ). وابنُ عَتِيْقِهِ سَعِيْدُ بنُ صَافي أَبُو شُجَاعٍ الحَاجِبُ، مَشْهُوْرٌ بِحُسْنِ الخَطِّ والعِلْمِ والفَضْلِ (ت: 570 هـ). وَعَتِيْقُهُ الآخَرُ: رَيْحَانُ (ت: 508 هـ) نَذْكُرُهُم في مَوَاضِعِهِمْ مِن الاسْتِدْرَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

22 - أبُو الخَطَّابِ المُقْرِئ (392 - 476 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبقات" فَكَانَ مُسْتَدْرَكًا عَلَيْهِ. أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 6)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 143)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 420)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّد" (1/ 212). وَيُرَاجعُ: تَارِيْخُ الإِسْلامِ (183)، وَمَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 446)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (7/ 203)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (1/ 85)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 353)(5/ 329)، وَفِي (ط) بِطَبْعَتَيْهِ "عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ"؟!

(2)

في (ط) بطبعتيه: "اثنتين" وَكِلَاهُمَا صَحِيْحٌ، وَإِنَّما اخْتَرْتُ مَا عَلَيْهِ الأُصُوْلُ المُعْتَمَدَةُ.

(3)

قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ: كَانَ أَحَدَ الحُفَّاظِ للقُرْآن، المُجَوِّدين، يَذْكُرُ أَنَّه قَرَأَ بالرِّوَايَاتِ عَلَى الحَمَّامِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ خَطٌّ بذلِكَ، فَأَحْسَن النَّاسُ بِهِ الظَّنَّ =

ص: 104

أَبُو الفَضْلِ بنُ المُهْتَدِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ المُجْلِي

(1)

، وَغَيْرُهُمَا. وَرَوَى عَنْهُ الحَدِيْثَ أَبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ البَاقِي

(2)

وَغَيْرُهُ. وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي السَّبْعَةِ، وَقَصِيْدَةٌ فِي السُّنَّةِ، رَوَاهَا عَنْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَصِيْدَةٌ فِي عَدَدِ الآيِ

(3)

، وَكَانَ مِنْ شُيُوْخِ الإِقْرَاءِ بِـ "بَغْدَادَ" المَشْهُوْرِيْنَ بِتَجْوِيْدِ القِرَاءَةِ وَتَحْسِيْنِهَا.

تُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاء سَادِسَ عِشْرِي

(4)

رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ".

أُنْبِئْتُ عَنْ القَاضِي أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمَن بنِ أَبِي عُمَرَ المَقْدِسِيِّ، (أَثَنَا) عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَبَرْزَد، (أَثَنَا) أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، قَالَ:(أَثَنَا) أَبُو الخَطَّابِ الصُّوْفِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ عَادَتِي أَنْ لَا أُرَجِّعَ فِي الأَذَانِ، وَلَا أَقْنِتُ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ، غَيْرَ أَنَّنِي أَجْهَرُ بِـ "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيْمِ"، وَكَانَ عَادَتِي أَيْضًا لَيْلَةَ الغَيْمِ أَنْوِي مِنْ رَمَضَانَ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْالِي رَأَيْتُ

= وَصَدَّقُوْهُ، وَقَرَأَوا عَلَيْهِ".

(1)

في (أ): "المحلى" تَقَدَّمَ تَصْحِيْحُهُ ص (72). وَذَكَرَ ابنُ الجَزَرِيِّ في الآخِذِيْنَ عَنْهُ أَيْضًا: المُبَارَكُ ابنُ الحُسَيْنِ الغَسَّالُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بغراج، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ القُفْصيُّ، وأَبُو غَالِبٍ عبدُ اللهِ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الخَطَّابِ البَغْدَادِيُّ، شَيْخُ أَبِي العَلَاءِ الهَمَذَانِيِّ".

(2)

لَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو بَكْرٍ في مَشْيَخَتِهِ "أَحَادِيْثُ الشُّيُوْخِ الثِّقَاتِ"؟!.

(3)

قَالَ الصَّفَدِيُّ: "رَوَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ".

(4)

في (ب): "عشر" وفي (ط) بطبعتيه: "عشرين".

ص: 105

كَأَنَّنِي في دَارٍ حَسَنَةٍ جَمِيْلَةٍ، وَفِيْهَا مِنْ الغِلْمَانِ وَالخَدَمِ وَالجُنْدِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَهُمْ صِغَارٌ وَكِبَارٌ، وَالدَّخْلُ وَالخَرْجُ، وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَإِذَا رَجُلٌ بَهِيٌّ، شَيْخٌ عَلَى سرِيْرٍ، وَالنُّوْرُ عَلَى وَجْهِهِ ظَاهِرٌ، وَعَلَى رَأْسِهِ

(1)

تَاجٌ مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعٌ بِالجَوْهَرِ، وَثِيَابٌ خُضْرٌ تَلْمَعُ، وَكَانَ إِلَى جَنْبِي رَجُلٌ مُمَنْطَقٌ يُشْبِهُ الجُنْدَ، فَقُلْتُ لَهُ: بِاللهِ هَذَا المَنْزِل لِمَنْ؟ قَال لِمَنْ ضُرِبَ بِالسَّوْطِ حَتَّى يَقُوْلَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، قُلْتُ أَنَا فِي الحَالِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ قَال: هُوَ ذَا، فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنَّ فِي نَفْسِي أَشْيَاءٌ كَثِيْرَةٌ، أَشْتَهِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا، وَكَانَ عَلَى سَرِيْرٍ، وَحَوْلَ السَّرِيْرِ خَلْقٌ قِيَامٌ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ، وَسَلْ عَمَّا تُرِيْدُ، فَمَنَعَنِي الحَيَاءُ مِنَ الجُلُوْسِ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِيْ عَادَتِي لَا أُرَجِّعُ فِي الأَذَانِ، وَلَا أَقْنِتُ فِي صَلَاةِ الفَجَرِ، غَيْرَ أَنَّنِي أَجْهَرُ بِـ "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ" وَأَخْشَعُ، فَقَال بِصَوْتٍ رَفِيْعٍ عَالٍ

(2)

: أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتْقَى مِنْكَ وَأَخْشَعُ، وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَجْهَرُوا بِقِرَاءَتِهَا، فَقُلْتُ: عَادَتِي لَيْلَةَ الغَيْمِ أَصُوْمُ، كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَال: اعْتَقِدْ مَا شِئْتَ مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ تُدِيْنُ اللهَ بِهِ، وَلَا تَكُنْ مَعْمَعِيًّا، وَأَنَا أَرْعُدُ، فَلَمَّا أَصْبَحتُ أَعْلَمْتُ مَنْ يُصَلِّي وَرَائِي بِمَا رَأَيْتُ، وَلَمْ أَجْهَرْ بَعْدُ، وَدَعَانِي ذلِكَ إِلَى أَنْ قُلْتُ هَذِهِ القَصِيْدَةَ وَهِيَ:

حَقِيْقَةُ إِيْمَانِي أَقُوْلُ لِتَسْمَعُوا

لَعَلِّي بِهِ يَوْمًا إِلَى اللهِ أَرْجِعُ

بِأَنْ لَا إِلَهَ غَيْرَ ذِيْ الطَّوْلِ وَحْدَهُ

تَعَالَى بِلَا مِثْلٍ لَهُ الخَلْقُ خُضَّعُ

(1)

عُدلت في (أ) إلى: "وعليه .. ".

(2)

في (أ): "عالٍ رفيعٍ".

ص: 106

وَلَيْسَ بِمَوْلُوْدٍ وَلَيْسَ بِوَالِدٍ

يَرَى مَا عَلَيْهِ الخَلْقُ طُرًّا وَيَسْمَعُ

وَذَكَرَ أَبْيَاتًا إِلَى أَنْ قَالَ:

وَأَنَّ كِتَابَ اللهِ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ

عَلَى أَلْسُنٍ تَتْلُو وَفِي الصَّدْرِ يُجْمَعُ

وَمَا كَتَبَ الحُفَّاظُ فِي كُلِّ مُصْحَفٍ

كَذلِكَ إِنْ أَبْصَرْتَ أَوْ كُنْتَ تَسْمَعُ

وَلِلْجَبَلِ الرَّحْمَنُ لَمَّا بَدَا لَهُ

تَدَكْدَكَ خَوْفًا كَالشَّظَى يَتَقَطَّعُ

وَكَلَّمَ مُوْسَى رَبَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ

عَلَى الطُّوْرِ تَكْلِيْمًا فَمَا زَالَ يَخْضَعُ

وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الاعْتِقَادِ إِلَى أَنْ قَالَ:

وَعَنْ مَذْهَبِي إِنْ تَسْأَلُوا فَابْنُ حَنْبَلٍ

بِهِ أَقْتَديْ مَا دُمْتُ حَيًّا أُمَتَّعُ

وَذَاكَ لأَنِّي فِي المَنَامِ رَأَيْتُهُ

يَرُوْحُ وَيَغْدُو فِي الجِنَانِ وَيَرْتَعُ

وَفِي مَنْزِلٍ بُنْيَانُهُ غَيْرُ مُشْبِهٍ

لِبُنْيَانِ ذِي الدُّنْيَا وَفِي العَيْن أَوْسَعُ

وَفِيْهِ مِنَ الأَصْحَابِ مَا لَا أَعُدُّهُمْ

وَحُوْرٌ وَوِلْدَانٌ بِهِمْ يَتَمَتَّعُ

وَفِيْهِ بُيُوْتٌ مَا اسْتَدَارَ

(1)

مُنِيْرَةٌ

زَرَابِيُّهَا مَبْثُوْثَةٌ فِيْهِ تَلْمَعُ

وَكَانَ إِلَى جَنْبِي نَقِيْبٌ مُمَنْطَقٌ

عَلَيْهِ ثِيَابٌ مِسْكُهَا يَتَضَوَّعُّ

فَقُلْتُ لَهُ باللهِ ذَا المَنْزِلُ الَّذِي

أَرَاهُ لِمَنْ قُلْ لِي فَإِنِّي مُرَوَّعُ

فَقَالَ وَلَا تَدْرِي فَقُلْتُ وَكَيْفَ لِي

بِعِلْمٍ إِلَيْهِ أَنْتَ أَهْدَى وَأَسْرَعُ

فَقَالَ لِمَنْ بِالسَّوْطِ يُضْرَبُ تَارَةً

لِيَرْجِعَ فِي الأُخْرَى وَمَا فِيْهِ مَطْمَعُ

يَقُوْلُ كَلَامُ اللهِ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ

وَلَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ فَمَا شِئْتُمُ اصْنَعُوا

فَقُلْتُ لَهُ فِي الحَالِ ذَاكَ ابنُ حَنْبَلٍ

إِمَامٌ تَقِيٌّ زَاهِدٌ مُتَوَرِّعُ

(1)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "ما استدارت" والزَّرَانِيُّ: البُسُطُ.

ص: 107

وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَيْهِ فَدُلَّنِي

فَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ إِلَيْهِ تُسَرِّعُ

فَأَوْمَى إِلَيْهِ فَالْتَفَتُّ إِذَا بِهِ

عَلَى سُدَّةٍ مِنْ وَجْهِهِ النُّوْرُ يَسْطَعُ

وَمِنْ سُنْدُسٍ أَثْوَابُهُ فِي اخْضِرَارِهَا

عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ بِدُرٍّ مُرَصَّعُ

وَمَنْ حَوْلِهِ وُلْدٌ صِبَاحٌ وَغِلْمَةٌ

تُوَاصِلُ بِالكَاسَاتِ قَوْمًا وَتَقْطَعُ

أَشَارَ بِأَطْرَافِ البَنَانِ تَعَطُّفًا

أَنِ اقْرُبْ فَقُلْ مَا شِئْتَهُ مِنْكَ نَسْمَعُ

فَأَوْمَى أَنِ اجْلِسْ فَامْتَنَعْتُ مَهَابَةً

وَدَاخَلَنِي رُعْبٌ وَعَيْنَايَ تَدْمَعُ

فَقُلْتُ لَهُ يَا أَزْهَدَ النَّاسِ كُلِّهِمْ

عَلَيْكَ اعْتِمَادِيْ دُلَّنِي كَيْفَ أَصْنَعُ

طُبِعْتُ عَلَى أَشْيَاءَ هُنَّ ثَلَاثَةٌ

وَكُلٌّ عَلَى مَا قَدَّرَ اللهُ يُطْبَعُ

فَمِنْهَا إِذَا غُمَّ الهِلَالُ لِلَيْلَةٍ

صَبِيْحَتُهَا عَشْرٌ وَعِشْرُوْنَ تَتْبَعُ

أَصُوْمُ كَمَا قَالَ الإِمَامُ ابنُ حَنْبَلٍ

فَلَلصَّوْمِ خَيْرٌ مِنْ سِوَاهُ وَأَنْفَعُ

وَعِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَسْتُ بِقَانِتٍ

وَعِنْدَ نِدَائِي عَادَتِي لَا أُرَجِّعُ

وَلَكِنْ إِذَا مَا قُمْتُ للهِ طَائِعًا

أُبَسْمِلُ جَهْرًا فِي الصَّلَاةِ وَأَخْضَعُ

فَقَالَ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ

(1)

سَمِعْتُهُ

صِحَابُ رَسُوْلِ اللهِ أَتْقَى وَأَخْشَعُ

وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَجْهَرُوا بِقِرَاتِهَا

وَهُمْ قُدْوَةٌ فِي الدِّيْنِ أَيْضًا وَمَفْزَعُ

وَأَنْ تَعْتَقِدْ مَا شِئْتَ مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ

بِهِ اللهُ يَرْضَى وَالنَّبِيُّ المُشَفَّعُ

وَلَا تَكُ فِيْهِ مَعْمَعِيًّا كَلَاعِبٍ

يَدِيْنُ بِمَا يَهْوَى وَلِلغُرْمِ

(2)

يَدْفَعُ

فَقُلْتُ لَهُ فِي النَّفْسِ شَيْءٌ أَقُوْلُهُ

أَنَا فِي صِفَاتِ الحَقِّ أَيْضًا مُتَعْتِعُ

(1)

في (أ) و (ب): "جوهري" تحريفٌ.

(2)

في (أ) و (ب): "وللعزم".

ص: 108

فَقَالَ تَعَالَى اللهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ

كَمَا قَالَ شَيْءٌ ثُمَّ لِلذِّكْرِ فَاتْبَعُوا

فَمَا كَانَ فِيْهِ مِنْ صِفَاتِ مَلِيْكِنَا

عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنَيْنِ مَا عَنْهُ مَدْفَعُ

وَمَا جَاءَ فِي الأَخْبَارِ عَنْ سَيِّدِ الوَرَى

رَوَتْهُ ثِقَاتٌ عَنْهُ

(1)

لَا يَتَمَنَّعُّ

فَلَيْسَ لِتَرْكِ الحَقِّ عِنْدِيَ رُخْصَةٌ

إِذَا كَانَ جُهَّالٌ لَهُ قَدْ تتَبَّعُوا

فَكُنْ حَنْبَلِيًّا تَنْجُ مِنْ كُلِّ بِدْعَةٍ

فَأَحْمَدُ عِنْدَ اللهِ فِي الزُّهْدِ أَبْرَعُ

وَذَكَرَ بَاقِي القَصِيْدَةَ.

‌23 - أَحْمَدُ بنُ مَرْزُوْقِ

(2)

بنِ عَبْدِ الرَّزِاقِ الزَّعْفَرَانِيُّ

(3)

، المُحَدِّثُ أَبُو المَعَالِي.

سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِيُّ: كَانَ هَمُّهُ جَمْعَ الحَدِيْثِ وَطَلَبَهُ، حَدَّثَ باليَسِيْرِ عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ الأَخْضَرِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ العُكْبَرِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ.

(1)

في (أ) و (ب): "منه".

(2)

23 - ابنُ مَرْزُوْقٍ الزَّعْفَرَانِيُّ (؟ - 478 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أبي يَعْلَى في "الطَّبَقَات" فَكَانَ مُسْتَدْرَكًا عَلَيْهِ.

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيل عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 6)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 195)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 424)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 212). وَيُرَاجَعُ: الوَافي بِالوَفَيَاتِ (8/ 174)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 358)(5/ 238).

(3)

في (ط) بطبعتيه: "أَحْمَدُ بنُ مَرْزُوْقِ بنِ عَبْدِ اللهِ .. " وَأَضَافَهَا مُحَقِّق "المَنْهَجِ الأَحْمَد" إِلى الأَصْلِ عَنْ "الذَّيلِ .. "؟! وَلَا تُوْجَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لا فِي النُّسَخِ المُعْتَمَدَةِ، وَلَا فِي مَصَادِرِ التَّرْجَمَةِ، وَلَا فِي تَرْجَمَةِ أَخِيْهِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْزُوْقٍ الشَّافِعِيِّ المَعْرُوْفِ بِـ "الجَلَّابِ" وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ شُهْرَةً، وَتَرْجَمَتُهُ فِي مَصَادِرَ كَثِيْرَةٍ.

ص: 109

رَوَى عَنْهُ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِيُّ، وَقَالَ: إِنَّهُ مَاتَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ مُسْتَهَلَّ المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِـ "بَابِ حَرْبٍ"، وَكَانَ شَابًّا. انْتَهَى. وهُوَ أَخُو أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ

(1)

الَّذِي هُوَ مِنْ أَصْحَابِ الخَطِيْبِ أَبِي بَكْرٍ.

(1)

قَالَ الحَافِظ الذَّهَبِيُّ رحمه الله: "الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، العَلَّامَةُ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، الصَّالِحُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْقِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاق بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ الزَّعْفَرَانِيُّ، الجَلَّابُ، الشَّافِعِيُّ، وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ (517 هـ). يُرَاجَعُ: سِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 471)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1265)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 57). وَأَكْثَرَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ مِنْ الإِسْنَادِ إِلَيْهِ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ".

يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (479 هـ):

19 -

مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيُّ. كَانَ وَرِعًا، صَالِحًا، لَا يَخْرجُ مِنْ مَنْزِلهِ إِلَّا للصَّلَوَاتِ، قَالَ ابنُ نَاصِرٍ: كَانَ عَالِمًا، مُتْقِنًا، مُجَوِّدًا، كَثِيْرَ السَّمَاعِ، وَرِعًا، ثِقَةً، هَجَرَ أَخَاهُ؛ لأنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسَ أَبِي نَصْرٍ بنِ القُشَيْرِيِّ، وَجَدُّه مِحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الَّذِي سَبَقَ فِي اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةِ (460 هـ). أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 34)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (278). وَأَخُوْهُ أَحْمَدُ (ت: 492 هـ) يأتي فِي اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِهَا إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى.

20 -

وَعَلِيُّ بنُ فَضَّالٍ بنِ عَلِيِّ بنِ غَالِبٍ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيْمِيُّ القَيْرَاوَانِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "الفَزَدْقِيِّ" النَّحْوِيُّ المَشْهُوْرُ، قَالَ ابنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ:"وَكَانَ - كَمَا عَلِمْتُ - وَقَّاعَةً فِي كلِّ مَنْ انْتَسَبَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِي؛ لأنَّه كَانَ حَنْبَلِيًّا" أَخْبَارُهُ في: معْجَمِ الأُدَبَاءِ (14/ 90)، وَإِنْبَاهُ الرُّوَاةِ (2/ 229)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (28/ 528)، وَبُغْيَةِ الوُعَاةِ (2/ 183).

21 -

وصَافِي، عَتِيْقُ القَائِمِ بِأَمرِ الله. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ:"قَرَأَ القُرْآنَ، وَصَاحَبَ الأَخْيَارَ، وَتَبِعَ أَبَا عَلِيِّ بنَ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيَّ الحَنْبَليَّ، فَأَخَذَ مِنْ هَدْيِهِ، وَكَانَ مُتَوَرِّعًا، لَهُ تَهَجُّدٌ وَعِبَادَاتٌ، وَبِرٌّ وصَدَقَاتٌ .. ".

ص: 110

‌24 - شَافِعُ بنُ صَالِحِ

(1)

بنِ حَاتِمِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجِيْلِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ.

قَدِمَ

(1)

24 - صَالِحُ بنُ شافِع الجِيْلِيُّ (؟ - 480 هـ):

وَالِدُ أُسْرَةٍ حَنْبَلِيَّةٍ بَغْدَادِيَّةٍ شَهِيْرَةٍ. أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 457)، وَمُخْتَصَرِهِ (399)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (631)، وَمُخْتَصَرِهِ (72)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 6)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 440)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 424)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 213). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 39)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (290)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (166/ 76)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 126)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 364)(5/ 347).

وَ"الجِيْلِيُّ" بِكَسْرِ الجِيْمِ، وَسُكُوْنِ اليَاءِ المَنْقوطة باثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى بِلَادٍ مُتَفَرِّقةٍ وَرَاءَ "طَبْرِسْتَانَ"، وَيُقَالَ لَهَا:"كِيْلُ" وَ"كِيْلَانُ" فَعُرِّبَ، وَنُسِبَ إِلَيْهَا، وَقِيْلَ: جِيْلِيٌّ وَجِيْلَانِيٌّ" الأَنْسَابُ (3/ 414)، وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 233)، وَلَمْ يَذْكُرا صَالِحًا هَذَا، وَلَا أَوْلَادَهُ وَأَحْفَادَهُ. وَمِنْ أَبْنَاءِ المُتَرْجَمِ:

- حَاتِمُ بنُ شَافِع بنِ صَالِحٍ (ت: 556 هـ) نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

- وَصَالِحُ بنُ شَافِعٍ (ت: 543 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

- وَحَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بنُ صَالِح بنِ شَافِعِ بنِ صَالِحٍ (ت: 543 هـ) قَبْلَ وَالدِهِ.

- وَحَفِيْدُهُ صَالِحُ بنُ شَافِعِ بنِ صَالِحٍ (ت: 575 هـ) نَسْتَدْركه فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

- وَحَفِيْدُهُ أَيْضًا: أَحْمَدُ بنُ صَالِح بنِ شَافِعٍ (ت: 565 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

- وَحَفِيْدَتُهُ: رَابِعَةُ.

- وَابنُ حَفِيْدِهِ صَالحُ بنُ شَافِعِ بنِ صَالِحٍ

(ت: 637 هـ) في التَّكْمِلَةِ (3/ 532).

- وَابْنُ حَفِيْدِهِ أَيْضًا: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بن صَالِحِ بنِ شَافِعٍ (ت: 624 هـ).

وَلا أَعْلَمُ أَنَّ صِلَةً تَرْبِطُ هَذِهِ الأُسْرَةَ بِأُسْرَةِ الشَّيخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيِّ (ت: 561 هـ) إِلَّا اتِّفَاقَ النِّسْبَةِ إِلَى المَكَانِ؟!. وَقَدْ جَعَلَ مُحَقِّقُ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" الأُسْرَتَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ في مُشَجَّرٍ في مُقَدِّمَةِ الكِتَابِ. قَالَ الدُّكتور مُصْطَفَى جَوَاد رحمه الله: =

ص: 111

"بَغْدَادَ" بَعْدَ الثَّلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيِّ بنِ المَذْهَبِ، وَالعُشَارِيِّ، وَابْنِ غَيْلَانَ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَعَلَيْهِ تَفَقَّهَ، وَكَتَبَ مُعْظَمَ تَصَانِيْفِهِ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَدَرَّسَ الفِقْهَ بِمَسْجِدِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ بِـ "دَرْبِ المَطْبَخِ" شَرْقِيَّ "بَغْدَادَ"، وَكَانَ يَؤُمُّ بِهِ أَيْضًا؛ وَخَلَفَهُ أَوْلَادُهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي ذلِكَ، حَتَّى عُرِفَ المَسْجِدُ بِهِمْ. قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ، وَابْنِ الجَوْزِيِّ: كَانَ مُتَعَفِّفًا، مُتَقَشِّفًا، ذَا صَلَاحٍ. قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: كَانَ ذَا دِيْنٍ، وَصَلَاحٍ، وَتَعَفُّفٍ، وَتَقَشُّفٍ، حَسَنَ الطَّرِيْقَةِ، صَحِيْحَ الأُصُوْلِ، كَتَبَ التَّصَانِيْفَ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ كُلَّهَا. وَدَرَّسَ الفِقْهَ، وَرَوَى لَنَا عَنْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ.

وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَادِسَ عَشْرِيْنَ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ" رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

‌25 - عَبْدُ اللهِ بنِ نَصْرٍ الحِجَازِيُّ،

(1)

أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: سَمِعَ الحَدِيْثَ، وَصَحِبَ الزُّهَّادِ، وَتَفَقَّهَ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ خَشَنَ العَيْشِ مُتَعَبِّدًا، وَحَجَّ عَلَى قَدَمَيْهِ بِضْعَ عَشْرَةَ حَجَّةً. وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأوَّلَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ".

= "بَيْتُ الجِيْلِيُّ مِنَ البُيُوْتِ المَشْهُوْرَةِ، وَهُمْ غَيْرُ الجِيْلِيِّيْنَ مِنْ ذُرِّيَّة الشَّيْخ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِي". وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيْحُ، وَهُوَ الحَقُّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

25 - ابنُ نَصْرٍ الحِجَازِيُّ (؟ - 480 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ" وَأَخْبَارُهُ في: المَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 64)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 425)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 213). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 39)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 363)(5/ 347).

ص: 112

(1)

وَفِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الأحَدِ سَلْخِ ذِي الحِجَّةِ تُوُفِّيَ.

‌26 - أَبُو بَكْرٍ

(1)

مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ

(2)

بنِ الحُسَيْنِ بنِ القَيِّمِ الخَزَّازُ الحَرِيْمِيُّ

(3)

، الحَنْبَلِيُّ.

طَلَبَ الحَدِيْثَ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَالجَوْهَرِيِّ، وَالعُشَارِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ، وَأَظُنُّهُ جَالَسَ القَاضِيَ أَبَا يَعْلَى، وَحَدَّثَ باليَسِيْرِ، سَمِعَ مِنْهُ أَبُو طَاهِرِ بنُ الرَّحْبِيِّ القَطَّانُ، وَأَبُو المَكَارِمِ الظَّاهِرِيُّ.

تُوُفِّيَ يَوْمَ الأحَدِ سَلْخِ ذِي الحِجَّةِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ" رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

‌27 - عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدِ

(4)

بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرِ

بنِ

(1)

هَذِهِ العبارة جَاءَتْ في آخِرِ التَّرْجَمَةِ في (ط) الفقي مُخَالفة للأُصُوْلِ المُعْتَمَدَةِ كُلِّها، وَلِطَبْعَةِ الجُزْءِ الأوَّلِ من الكِتَابِ تَحقيق الدُّكتور هنري لاووُست والدُّكتور سَامِي الدَّهَّان، وَتَأخَّرَتْ لَفْظَةُ "أَبُو بَكْرٍ" إِلَى آخِرِ نَسَبِهِ.

(2)

26 - أَبُو بَكْرِ بنُ القَيِّم الحَرِيْمِيُّ (؟ - 480 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَين بنُ أَبِي يَعْلَى فِي "الطَّبَقَاتِ" وَلَا ابنُ مُفْلِحٍ في "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ". وَأَخْبَارُهُ في: المَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 425)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 213). وَيُرَاجَعُ: شَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 3664)(5/ 348).

(3)

في (ط) تَحْقِيْق الدُّكتور هنري لاوُوست، والدُّكتور سامي الدَّهَّان:"الخزيمي" وفِي نَشْرَةِ الفَقِي: "الخُريمي".

(4)

27 - شَيْخُ الإِسْلامِ الأنْصَارِيُّ (396 - 481 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ ابنُ مُفْلِحٍ في "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ". وَأَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 458)، وَمُخْتَصَرِهِ (400)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (632)، وَمُخْتَصَرِهِ (72)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 6)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ =

ص: 113

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (2/ 427)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 215). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 44)، وَدُمَيةُ القَصْرِ (2/ 888)، وَالمُنْتَخَبُ مِنَ السِّيَاقِ (284)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (1/ 168)، وَالتَّقْيِيْدُ لابنِ نُقْطَةَ (322)، وَطَبَقَاتُ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ (3/ 376)، وَتَارِيخُ الإِسْلامِ (53)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 503)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلَامِ (198)، وَدُوَلُ الإِسْلَامِ (2/ 10)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (3/ 1183)، وَالعِبَرُ (3/ 296)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 133)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (17/ 597)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 135)، وَتَارِيخُ الخَمِيْسِ (2/ 402)، وَطَبَقَاتُ الحُفَّاظِ (441)، وَطَبَقَاتُ المُفَسِّرِيْنَ للسُّيُوْطِيِّ (25)، وَطَبَقَاتُ المُفَسِّرِيْنَ لِلدَّاوُدِيِّ (1/ 249)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 365)(5/ 349)، وَالرِّسَالَةُ المُسْتَطْرَفَةُ (45). وَلَهُ ذِكْرٌ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لِلسُّبْكِيِّ (4/ 272)، وَكَشْفِ الظُّنُونِ (1/ 56، 420، 828، 2/ 1828، 1836)، وَإِيْضَاحِ المَكْنُوْنِ (1/ 310، 2/ 118). وَطُبِعَتْ دِرَاسَاتٌ عَنْ حَيَاتِهِ وَأَخْبَارِهِ وَآثَارِهِ.

وَ"الهَرَوِيُّ" مَنْسُوْبٌ إِلَى "هَرَاةَ"، بَلْدَةٌ كَبِيْرَةٌ جِدًّا، مِنْ أُمَّهَاتِ مُدُنِ "خُرَاسَان" مَشْهُوْرَةٌ، مَعْرُوْفَةٌ. قَالَ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ في "مُعْجَمِ البُلْدَانِ":"هَرَاةُ: - بِالفَتْحِ - مَدِيْنَةٌ عَظِيْمَةٌ مَشْهُوْرةٌ مِنْ أُمَّهَاتِ مُدُنِ "خُرَاسَان"، لَمْ أَرَ بِـ "خُرَاسَان" - عِنْدَ كَوْنِي بِهَا سَنة (607 هـ) - مَدِيْنَةً أَجَلَّ، وَلَا أَعْظَمَ، وَلَا أَفْخَمَ، وَلَا أَحْسَنَ، وَلَا أَكْثَرَ أَهْلًا مِنْهَا، فِيْهَا بَسَاتِيْنُ كَثيْرَةٌ، وَمِيَاهٌ غَزِيْرَةٌ، وَخَيْرَاتٌ كَثِيْرَةٌ، مَحْشُوَّةٌ بالعُلَمَاءِ، وَمَمْلُوءَةٌ بأَهْلِ الفَضْلِ وَالثَّرَاءِ، وَقَدْ أَصَابَهَا عَيْنُ الزَّمَان، وَنَكَبَتْهَا طَوَارِقُ الحَدَثَانِ، فَجَاءَهَا الكُفَّارُ مِنَ التَّتَر فخَرَّبُوهَا حَتَّى أَدْخَلُوْهَا فِي خَبَرِ كَانَ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، وَذلِكَ فِي سَنَة (618 هـ) ". يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ مَا اسْتَعْجَمَ (285، 1042)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (5/ 456)، وَالرَّوْضُ المِعْطَارِ (594)، وَالأَنْسَابُ لأبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ (12/ 324).

أَقُوْلُ وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ: وَهِيَ الآنَ مِنْ كُبْرَيَات مُدُنِ "أَفْغَانِسْتَانَ" أَعَادَ اللهُ لَهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ. ولأَبِي إِسْمَاعِيل الأَنْصَارِيِّ المُتَرْجَمِ أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ وَقَرَابَاتٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ

ص: 114

مَنْصُوْرِ بنِ مَتَّ الأنْصَارِيُّ، الهَرَوِيُّ، الفَقِيْهُ، المُفَسِّرُ، الحَافِظُ، الصُّوْفِيُّ، الوَاعِظُ، شَيْخُ الإِسْلَامِ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ أَبِي أَيُّوبَ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الأَنْصَارِيُّ

(1)

، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وُلِدَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ. ذَكَرَهُ عَبْدُ القَادِرِ الرُّهَاوِيُّ فِي كِتَابِ "المَادِحِ وَالمَمْدُوْحِ" وَهُوَ مُجَلَّدٌ ضَخْمٌ يَتَضَمَّنُ

(2)

مَنَاقِبَ شَيْخِ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيِّ وَمَا يَتَعَلَّقَ بِهَا، قَالَ: رَأَيْتُهُ فِي "تَارِيْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ الكُتْبِيِّ" الَّذِي ذَيَّلَ بِهِ عَلَى تَارَيْخِ أَبِي

(3)

إِسْحَقَ القَرَّابِ

= ذَكَرْتُهُمْ في هَامِشْ تَرْجَمَتِهِ فِي "طَبَقَاتِ الحَنَابِلَة" وَسَنَأْتِي عَلَى ذَكْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِه مِنْ اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى المُؤَلِّفِ إِنْ شَاءَ اللهِ تَعَالى.

(1)

كَذَا فِي النُّسَخِ كُلِّهَا المُعْتَمَدَةِ وَغَيْرِ المُعْتَمَدَةِ، وَ (ط) بطبعتيه، وَمُختَصَرِهِ لابنِ نَصْرِ اللهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنَ المُؤَلِّفِ، سَهْوٌ مِنْهُ رحمه الله انْقَلَبَ عَلَيْهِ اسمُ أَبِي أيُّوب، وَالصَّوَابُ، أنَّه خَالِدُ بنُ زَيْدٍ، كَمَا في الاسْتِيْعَابِ (2/ 424)، وَأُسْدِ الغابة (2/ 94)، وَالإِصَابَةِ (1/ 405). وَنَبَّهَ عَلَى ذلِكَ مُحَقِّقُ "المَنْهج الأَحْمَدِ" جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا. إِلَّا أَنَّهُ انْتَقَدَ (ط) السَّابِقَةِ مِنَ "المَنْهَجِ". وَ"ذَيْلِ الطَّبَقَاتِ" مَعَ أنَّه أَبْقَاهُ فِي طَبْعَتِهِ هُوَ عَلَى القَلْبِ أَيْضًا؟! فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُوْلَ:"كَذَا جَاءَ في الأُصُوْلِ وَ (ط). . ." كَمَا فَعَلْنَا أَوْ يُصَحِّحَ في الأَصْلِ وَيُعَلِّقَ؛ وَلَكِنَّه سَهَا عَنْهُ فَلَمْ يُصَحِّحْهُ؟!.

(2)

في (أ) و (ب): "تَتَضَمَّنُ".

(3)

في (ط): "تَارِيْخ إِسْحَق"، وَقَبْلَ الحَدِيْثِ عَنْ "تَاريخ الكُتْبِيِّ" المَذْكُوْرِ يَنْبَغِي أَنْ نَعْرِفَ أَوَّلًا أَصْلَهُ، وَهُوَ "تَارِيْخُ القَرَّابِ"، وَالقَرَّابُ: أَبُو إِسْحَقَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ الهَرَوِيُّ الحَدَّادُ (ت: 334 هـ). قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (15/ 339): "الشَّيْخُ الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، المُؤرِّخُ

صَاحِبُ تَارِيْخِ هَرَاةِ". =

ص: 115

الحَافِظِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ عَنْ سِنِّهِ؟ فَأَخْبَرَهُ بِذلِكَ، وَكَذَا ذَكَرَ ابنُ نُقْطَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا ذَكَرَهُ ابنِ الجَوْزِيِّ أَنَّهُ وُلِدَ فِي ذِيْ الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَذَكَرَ عَبْدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ

(1)

فِي "ذَيْلِ تَارِيْخِ نَيْسَابُوْر" أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. وَسَمِعَ الحَدِيْثَ بِـ "هَرَاةَ" مِنْ يَحْيَى بنِ عَمَّارٍ السِّجْزِيِّ

(2)

، وَأَخَذَ مِنْهُ عِلْمَ التَّفْسِيْرِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ الأَزْدِيِّ، وَأَبِي

= وَيُراجَعُ: الإعْلَانُ بالتَّوْبِيْخِ (652)، قَالَ:"في تَصْنِيْفَيْنِ" وَكَشْفِ الظُّنُوْنِ (309).

أَمَّا الكُتْبِيُّ المَذْكُوْرُ فَهُوَ - كَمَا يَقُوْلُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ أيْضًا -: الإمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ "هَرَاةَ" الحَاكِمُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُتْبِيُّ الهَرَوِيُّ المُؤَرِّخ" (ت: 496 هـ). قَالَ السَّمْعَانِيُّ: "لَهُ عِنَايَةٌ تَامَّةٌ بِالتَّوَارِيْخ، يُلَقَّبُ بِـ "حَاكِمِ كُرَّاسَةَ"، قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ: "طَالَعْتُهُ واسْتَفَدْتُ مِنْهُ شَيْئًا".

- وَذَيَّلَ عَلَى كِتَابِ الكُتْبِيِّ هَذَا في "تَاريخ هَرَاة": المُخْتَارُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ المُنْتَصِرِ (ت: 536 هـ) مِنْ شُيُوْخِ أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ، جَاءَ فِي المُنْتَخَبِ منْ شُيُوْخِ أَبِي سَعْدٍ (3/ 1711):"جَمَعَ تَارِيْخَ وَوَفَياتِ الشُّيُوْخِ بَعْدَ مَا جَمَعَهُ الحَاكِمُ الكُتْبِيُّ".

- وَلِـ "هَرَاةَ" تَوَارِيْخُ أُخَرُ مِنْهَا: تَارِيْخُ شِيْرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ (ت: 509 هـ) صَاحِبِ "تَارِيْخِ هَمَذَانَ". وَجَمَعَ أَبُو النَّضْرِ عَبْدُ الرَّحْمن بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الهَرَوِيُّ الفَامِيُّ ثِقَةُ الدِّيْنِ (ت: 546 هـ) لَهَا تَارِيْخًا، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في السِّيَرِ (20/ 298):"لَهُ تَارِيْخٌ صَغِيْرٌ". يُرَاجَعُ: كَشْفُ الظُّنُون (309)، وَالإِعْلانُ بِالتَّوْبِيْخِ (652، 653) وهُنَاكَ تَوَارِيْخُ أُخَرُ لَمْ نَذْكُرْهَا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُنَا هُنَا جَمْعَهَا، وَلَا ذِكْرَهَا مُفصَّلةً، وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ لِـ "هَرَاةَ" فِي الوَقْتِ الرَّاهِنِ سَنَةَ (1424 هـ) تَارِيْخًا مَوْجُوْدًا مِنْ هَذِهِ أَوْ غَيْرِهَا، لَا مَخْطُوْطًا وَلَا مَطْبُوْعًا، ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله.

(1)

تَقَدَّمَ التَّعْرِيْفُ بِهِ، وَذَكَرْنَا فِي مَصادِرِ التَّرْجَمَةِ.

(2)

ذَكَرْتُ في التَّعْلِيْقِ عَلَى الطَّبَقَاتِ (3/ 458) أنَّه حَنْبَلِيٌّ مُسْتَدْرَكٌ عَلَى القَاضِي أَبِي =

ص: 116

الفَضْلِ الجَارُوْدِيِّ الحَافِظِ، وَأَخَذَ مِنْهُ عِلْمَ الحَدِيْثِ، وَشُعَيْبٍ البُوْشَنْجِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَبِـ "نَيْسَابُوْرَ" مِنْ أَبِي سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ المُفَسِّرِ المُقْرِئِ، وَأَبِي الحَسَنِ الطَّرَازِيِّ

(1)

، وَجَماعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الأَصَمِّ. وَرَأَى القَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيَّ

(2)

، وَحَضَرَ مَجْلِسَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: تَرَكْتُهُ للهِ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِهِ مَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ، ذَكَرَهُ الرُّهَاوِيُّ، عَنْ السِّلَفِيِّ، عَنِ المُؤْتَمِنَ السَّاجِيِّ، عَنْهُ. وَسَمِعَ بـ "طُوْسَ"

(3)

وَ"بِسْطَامَ"

(4)

مِنْ خَلْقٍ يَطُوْلُ ذِكْرُهُمْ

(5)

، وَصَحِبَ الشُّيُوْخَ، وَتَأَدَّبَ بِهِمْ،

= الحُسَيْنِ رحمه الله وَذَكَرْتُ طَرَفًا مِنْ أَخْبَارِهِ، وَبَعْضَ مَصَادِرِ تَرْجَمَتِهِ.

(1)

ذَكَرْتُ في التَّعَليق عَلَى الطَّبَقَاتِ (3/ 231) أَنَّهُ حَنْبَلِيٌّ مَسْتَدْرَكٌ عَلَى القَاضِي أبي الحُسَيْن أَيْضًا. وَذَكَرْتُ طَرَفًا مِنْ أَخْبَارِهِ وَبَعْضَ مَصَادِرِ تَرْجَمَتِهِ.

(2)

هُوَ الإِمَامُ العَلَّامَةُ، المُحَدِّث، مُسْنَدِ "خراسان" أَحْمَدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ (ت: 421 هـ). يُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (4/ 108)، وَسِيَرُ أَعلامِ النُّبَلاءِ (17/ 356)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (6/ 306)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 217).

(3)

مَدِيْنَةٌ بِـ "خُرَاسَانَ" بَيْنَهَا وَبَيْنَ "نَيْسَابُوْرَ" نَحْوَ عَشَرَةِ فَرَاسِخَ. مُعْجَمُ البُلْدَانِ (4/ 55)، وَهِي المَعْرُوْفَةُ الآنَ بِـ "مَشْهَد" مِنْ كُبْرَيَاتِ المُدُن الإِيرانِيَّة، بِهَا قَبْرُ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَا؛ لِذلِك سَمُّوْهَا "مَشْهَدَ الرِّضَا"؛ وَبِهَا قَبْرُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِين هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ أيضًا.

(4)

بالكَسْرِ، ثُمَّ السُّكُوْنِ بَلْدَةٌ كَبِيْرَةٌ بِـ "قَوْمَسَ" عَلَى جَادَّةِ الطَّرِيْقِ إِلَى "نَيْسَابُوْر" بَعْدَ "دَامَغَانَ" بِمَرْحَلَتَيْنِ. مُعْجَمُ البُلْدَانِ (1/ 500)، وَ"نَيْسَابُورُ" مَشْهُورَةٌ جِدًّا.

(5)

جَمَعَ شُيُوْخَهُ مُحَقِّقُ "ذَمِّ الكَلَامِ وَأَهْلِهِ" الشَّيخُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصارِيُّ في مُقَدِّمَةِ تَحْقِيْقِ الكِتَابِ، وَأَوْصَلَهُم إِلَى (244) مِنْ خِلالِ رِوَايَاتِهِ عَنْهُمْ في كِتَابَيْهِ "ذَمِّ الكَلامِ" وَ"الأرْبَعِيْنَ فِي دَلائِلِ التَّوْحِيْدِ" وَلا يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ شُيُوخِهِ؟!.

ص: 117

وَخَرَّجَ الأمَالِيَ وَالفَوَائِدَ الكَثِيْرَةَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ شُيُوْخِ الرُّوَاةِ، وَأَمْلَى الحَدِيْثَ سِنِيْنَ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ الكَثِيْرَةَ، مِنْهَا: كِتَابُ "ذَمِّ الكَلَامِ"

(1)

وَكِتَابُ "الفَارُوْقِ" وَكِتَابُ "مَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ" وَكِتَابُ "مَنَازِلِ السَّائِرِيْنَ" وَكِتَابُ "عِلَلِ المَقَامَاتِ" وَلَهُ كِتَابٌ فِي "تَفْسِيْرِ القُرْآنِ" بِالفَارِسِيَّةِ جَامِعٌ، وَ"مَجَالِسُ التَّذْكِيْرِ" بِالفَارِسِيَّةِ حَسَنَةٌ، وَغَيْرُ ذلِكَ. وَكَانَ سَيِّدًا عَظِيْمًا، وَإِمَامًا، عَالِمًا، عَارِفًا، وَعَابِدًا، زَاهِدًا، ذَا أَحْوَالٍ، وَمَقَامَاتٍ، وَكَرَامَاتٍ، وَمُجَاهَدَاتٍ، كَثِيْرَ السَّهَرِ باللَّيْلِ، شَدِيْدَ القِيَامِ فِي نَصْرِ السُّنَّةِ وَالذَّبِّ عَنْهَا، وَالقَمْعِ لِمَنْ خَالَفَهَا، وَجَرَى لَهُ بِسَبَبِ ذلِكَ مَحَنٌ عَظِيْمَةٌ، وَكَانَ شَدِيْدَ الانْتِصَارِ وَالتَّعْظِيْمِ لِمَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنَ أَبِي غَانِمٍ الثَّقَفِيَّ، سَمِعْتُ صَاعِدَ بنَ سَيَّارٍ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ الإِمَامَ يَقُوْلُ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَحْمَدُ مَذْهَبٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ

(2)

فِي كِتَابِهِ "المَنْثُوْرِ مِنَ الحَكَايَاتِ وَالسُّؤَالَاتِ": سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا قَصَدْتُ الشَّيْخَ أَبَا الحَسَنِ

(1)

طُبِعَ ثَلاثَ طَبَعَاتٍ آخِرُهَا سَنَةَ (1419 هـ) بتَحْقِيْقِ عَبْدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأنْصَارِيِّ بِالمَدِيْنَةِ الشَّرِيْفَةِ، فِي مَكْتَبَةِ الغُرَبَاءِ الأَثَرِيَّةِ بِعُنْوانِ "ذَمِّ الكَلَامِ وَأَهْلِهِ" وَللكِتَابِ طَبَعَاتٌ أُخْرَى.

(2)

هو مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بنِ عليٍّ المَقْدِسِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ القَيْسَرانِيِّ"(ت: 507 هـ). يُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 177)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 361)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (3/ 166)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 18)، وَكِتَابُهُ "المَنْثُوْرُ .. " لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ.

ص: 118

الجَرْكَانِيَّ

(1)

الصُّوْفِيُّ وَعَزَمْتُ عَلَى الرُّجُوْعِ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنْ أَقْصِدَ أَبَا حَاتِمِ بنِ خَامُوْشٍ

(2)

الحَافِظَ بِـ "الرَّيِّ"، وَأَلْتَقِيَ بِهِ، وَكَانَ مُقَدَّمَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِـ "الرَّيِّ".

(1)

هكَذَا فِي (ط) بطبعتيه، وَهِيَ كَذلِك في أَغْلَبِ الأُصُوْلِ، وفي بَعْضِهَا:"الحركاني" وَفِي "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ": "الجُرْجَانِيُّ" وَفِي "تَارِيْخِ الإِسْلامِ": "الجرقاني". وذكر الحَافِظُ السَّمْعَانِي في الأَنْسَابِ (3/ 231): "الجَرْكَانِيَّ" كَمَا ذَكَرَ فِيه أيضًا (4/ 113)، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيْهِمَا أَبَا الحَسَنِ الصُّوْفِيِّ، لِذَا لَا أَسْتَطِيعُ الجَزْمَ بإحدَى النِّسَبِ؟! وَرُبَّمَا يَكُوْنُ مُحَرَّفَةً عَنْ غَيْرِهِمَا. فَلْتُرَاجَعُ.

(2)

هُوَ المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، الوَاعِظُ، أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ البَزَّازُ، أَبُوهُ المُلَقَّبُ بِـ "خَامُوْشٍ" (ت:؟). سِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (17/ 624)، قَالَ مُحَقِّقهُ:"لَمْ نَعْثُرْ لَهُ عَلَى مَصَادِرَ تَرْجَمَتِهِ"، وَفِي نُزْهَةِ الأَلْبَابِ فِي الأَلْقَاب لِلْحَافظ ابن حَجَرٍ (1/ 232) قَالَ:"خَامُوْشَ الرَّازِيُّ، مُحَدِّثٌ اسْمُهُ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَقَ يُكَنَّى أَبَا حَاتِمٍ مَاتَ بَعْدَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعْمَائَة، وَتَبْصِيْرِ المُنْتَبِهِ (2/ 524)، وفيه: "الخَامُوْشُ أَحْمَدُ بنُ الحَسَن" وَالمُؤَلِّفُ وَاحِدٌ؟! وَفِيْهِ: بَقِيَ إِلَى بَعْدِ سَنَةِ (404 هـ)؟! وفي تَاجِ العروس (خمش): "وَخَامُوْشُ - بِالفَارِسِيَّةِ - السَّاكِنُ، وَاسْكُتَ أَيْضًا، نَقَلَهُ الصَّغَانِيُّ، وَالخَامُوْشُ: لَقَبُ أَبي حَاتِم أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الرَّازِيُّ الحَافِظُ، بَقِيَ إِلَى بَعْدَ الأرْبَعِين وَأَرْبَعَمَائَةَ". فَيَظْهَرُ أَنَّ الرَّقْمَ فِي "التَّبْصِيْرِ .. " انْقَلَبَ إِمَّا عَلَى النَّاسِخِ، وَإِمَّا عَلَى المُحَقِّقِ، أَوْ هِيَ مِنْ أَخْطَاءِ الطِّبَاعَةِ؟!

قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "السِّيَرِ": "وَكَانَ شَيْخَ أَهْلِ الرَّيِّ فِي زَمَانِهِ، وَرَوَى عَنْهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ وَجَمَاعَةٌ

وَحِكَايةُ شَيْخِ الإِسْلامِ مَعَهُ مَشْهُوْرَةٌ، لَمَّا قَبَضَ عَليه بَعْضُ الجُفَاةِ وَحَمَلَهُ إِلَى أَبي حَاتِمٍ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا ذَكَرَ لَهُ مَذْهَبًا مَا سَمِعْتُ بِهِ قَالَ: هُوَ حَنْبَلِيٌّ، فَقَالَ: دَعْهُ وَيْلَكَ! مَنْ لَمْ يَكُنْ حَنْبَلِيًّا فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ".

ص: 119

وَذلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ مَحْمُوْدَ بنَ سَبَكْتَكِيْن

(1)

لَمَّا دَخَلَ "الرِّيَّ" قَتَلَ بِهَا البَاطِنِيَّةَ، وَمَنَعَ سَائِرَ الفِرَقِ الكَلَامَ عَلَى المَنَابِرِ غَيْرَ أَبِي حَاتِمٍ، وَكَانَ مَنْ دَخَلَ "الرَّيَّ" مِنْ سَائِرِ الفِرَقِ يَعْرِضُ اعْتِقَادِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَضيَهُ أَذِنَ لَهُ فِي الكَلَامِ عَلَى النَّاسِ، وَإِلَّا مَنَعَهُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنَ "الرَّيِّ" كَانَ مَعِيَ فِي الطَّرِيْقِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا فَسَأَلَنِي عَنْ مَذْهَبِي؟ فَقُلْتُ: أَنَا حَنْبَلِيٌّ، فَقَالَ: مَذْهَبٌ مَا سَمِعْتُ بِهِ، وَهَذِه بِدْعَةٌ، وَأَخَذَ بِثَوْبِي، وَقَالَ: لَا أَفُارِقُكَ حَتَّى أَذْهَبُ بِكَ إِلَى الشَّيْخِ أَبِي حَاتِمٍ، فَقُلْتُ: خَيْرَةٌ - فَإِنِّي كُنْتُ أَتْعَبُ إِلَى أَنْ أَلْتَقِيَ بِهِ - فَذَهَبَ بِي إِلَى دَارِهِ - وَكَانَ ذلِكَ اليَوْمِ مَجْلِسٌ عَظِيْمٌ - فَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، هَذَا الرَّجلُ الغَرِيْبُ سَأَلْتُهُ عَنْ مَذْهَبِهِ، فَذكَرَ مَذْهَبًا لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَطُّ، قَالَ: مَا قَالَ؟ قَالَ: أَنَا حَنْبَلِيٌّ، فَقَالَ: دَعْهُ، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَكْنُ حَنْبَلِيًّا فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، فَقُلْتُ: الرَّجُلُ كَمَا وُصِفَ لِي، وَلَزِمْتُهُ أَيَّامًا وَانْصَرَفْتُ، وَإِنَّمَا عَنَى أَبُو حَاتِمٍ فِي الأُصُوْلِ.

وَذَكَرَ عَبْدُ القَادِرِ الرُّهَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الصَّايغُ

(2)

، سَمِعْتُ عَبْدَ الجَبَّارِ بنَ أَبِي الفَضْلِ الصَّيْرَفِيَّ، سَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ شَيْخِ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيِّ

(1)

مَحْمُوْدُ بنُ سبكتكين الغَزْنَوِيُّ، أَبُو القَاسِمِ التُّرْكِيُّ المُلَقَّبُ بِـ "يَمِيْنِ الدَّوْلَةِ" (ت: 421 هـ) سَبَقَ ذِكْرُهُ.

(2)

هُوَ الإمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، الحَافِظُ، المُسنِدُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَاحِدِ الصَّائِغُ (ت: 581 هـ). أَخْبَارُهُ في: سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبلاءِ (21/ 129)، وَالعِبَرِ (4/ 246)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 273). مِنْ شُيُوْخِ أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ كَمَا فِي التَّحبِيْرِ في المُعْجَمِ الكَبِيْرِ (2/ 165)، وَالمُنْتَخَبِ من شُيُوْخِ أَبِي سَعْدٍ (3/ 1507).

ص: 120

يَقُوْلُوْنَ: شَيْخُ الإِسْلَامِ

(1)

أَبَا إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: فَذَكَرَ أَبْيَاتًا بالفَارِسِيَّةِ تَفْسِيْرُهَا بالعَرَبِيَّةِ:

إِلَهَنَا مَرْئِيٌّ عَلَى العَرْشِ مُسْتَوٍ

كَلَامُهُ أَزَلِيٌّ رَسُوْلُهُ عَرَبِيٌّ

كُلُّ مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا أَشْعَرِيٌّ

مَذْهبُنَا مَذْهَبٌ حَنْبَلِيٌّ

قَالَ عَبْدُ القَادِرِ: سَمِعْتُ أَبَا عَرُوْبَةَ عَبْدَ الهَادِي بنَ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدَ

(2)

بِـ "سِجِسْتَانَ" يَقُوْلُ: سَمِعْتُ شَيْخَ الإسْلَامِ أَبَا نَصْرٍ هِبَةَ اللهِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ فَاخِرٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي شَيْخُ الإِسْلَامِ - يَعْنِي الأَنْصَارِيَّ - كَيْفَ تَفْعَلُوْنَ فِي القُنُوْتِ؟ قُلْتُ: أَوْصَانِي أَبِي أَنْ أَقْنِتُ فِي الوِتْرِ، قَالَ: وَمَا قَالَ لَكَ: لَا تَقْنِتُ فِي الصُّبْحِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا أَنْصَفَكَ.

وَذَكَرَ ابنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ فِي كِتَابِهِ المَذْكُوْرِ قَالَ: سَمِعْتُ الإِمَامَ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ يُنْشِدُ عَلَى المِنْبَرِ فِي يَوْمِ مَجْلِسِهِ بـ "هَرَاةَ":

أَنَا حَنْبَلِيٌّ مَا حَيِيْتُ وَإِنْ أَمُتْ

فَوَصِيَّتِي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَحَنْبَلُوا

وَلِشَيْخِ الإِسْلَامِ قَصِيْدَةٌ نُوْنِيَّةٌ طَوِيْلَةٌ مَشْهُوْرَةٌ ذَكَرَ فِيْهَا أُصُوْلَ السُّنَّةِ، وَمَدَحَ

(1)

في (ب): "سَمِعْنَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ" وفي (ط) بطبعتيه: "شَيْخُنَا شَيْخُ الإِسْلامِ. . .".

(2)

عَبْدُ الهَادِي بنُ أَبِي سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَأْمُوْن، الإِمامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو عَرُوْبَةَ السِّجِسْتَانِيُّ الَّذِي ارْتَحَلَ إِلَيْهِ الحَافِظُ عَبْدُ القَادِرِ الرُّهَاوِيُّ، وَبَالَغَ في تَعْظِيْمِهِ" كَذَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 452)، وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ (562 هـ).

ص: 121

أَحْمَدَ وَأَصْحَابَهُ. وَقَدْ أَنْبَأَتْنِي بِهَا زَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَدَ

(1)

، عَنْ عَجِيْبَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ

(2)

، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ الصَّيْدَلَانِيِّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا شَيْخُ الإِسْلَامِ فَذَكَرَ القَصِيْدَةَ إِلَى أَنْ قَالَ:

وَإِمَامِيَ القَوَّامُ للهِ الَّذِي

دَفَنُوا حَمِيْدَ الشَّأْنِ فِي بَغْدَادِ

جَمَعَ التُّقَى وَالزُّهْدَ فِي دُنْيَاهُمُ

وَالعِلْمَ بَعْدَ طَهَارَةِ الأَرْدَانِ

خَطْمُ

(3)

النَّبِي وَصَيْرَفِيُّ حَدِيْثِهِ

وَمُفَلِّقٌ أَعْرَافَهَا بِمَعَانٍ

حَبْرُ العِرَاقِ وَمِحْنَةٌ لِذَوِي الهَوَى

يَدْرِي بِبُغْضَتِهِ ذَوُو الأَضْغَانِ

عَرَفَ الهُدَى فَاخْتَارَ ثَوْبَيْ نُصْرَةٍ

وَشَجَى بِمُهْجَتِهِ عُرَى عِرْفَانِ

عُرِضَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَعْرَضَ سَالِمًا

عَنْهَا كَفِعْلِ الرَّاهِبِ الخَمْصَانِ

هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي دِيْنِهِ

فَفِدَى الإِمَامُ الدِّيْنَ بِالجُثْمَانِ

للهِ مَا لَقِيَ ابنُ حَنْبَلٍ صَابِرًا

عَزْمًا وَيَنْصُرُهُ بِلَا أَعْوَانِ

أَنَا حَنْبَلِيٌّ مَا حَيِيْتُ وَإِنْ أَمُتْ

فَوَصِيَّتِي ذَاكُمْ إِلَى إِخْوَانِي

إِذْ دِيْنُهُ دِيْنِي وَدِيْنِي دِيْنُهُ

مَا كُنْتُ إِمَّعَةً لَهُ دِيْنَانِ

وَقَالَ ابنُ طَاهِرٍ: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ الأنْصَارِيَّ بِـ "هَرَاةَ" يَقُوْلُ:

(1)

هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ الكَمَالِ (ت: 740 هـ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. وَسَيَأْتِي اسْتِدْرَاكُهَا عَلَى المُؤَلِّفِ.

(2)

عَجِيْبَةُ بِنْتُ أَبْي بَكْرٍ البَاقِدَارِيَّةُ البَغْدَادِيَّةُ المُحَدِّثةُ (ت: 647 هـ) وَوَالِدُهَا مُحَمَّد بن أَبِي غَالِبٍ (ت: 575 هـ) وَكِلَاهُمَا مِنَ الحَنَابِلَةِ نَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنَ الاسْتِدْرَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ. وأَخُوْهَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ (ت: 604 هـ) مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَالفَضْلِ وَالحَدِيْثِ.

(3)

خطم، أَيْ: تَبِعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَأَنَّه آخِذٌ بِخِطَامِ دَابَّتِهِ.

ص: 122

عُرِضْتُ عَلَى السَّيْفِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، لَا يُقَالُ لِي: اِرْجِعْ عَنْ مَذْهَبِكَ، لَكِنْ يُقَالُ لِي: اسْكُتْ عَمَّنْ خَالَفَكَ، فَأَقُوْلُ: لَا أَسْكُتُ. قَالَ: وَحَكَى لَنَا أَصحَابُنَا أَنَّ السُّلْطَانَ أَلْبَ أَرْسَلَان

(1)

حَضَرَ "هَرَاةَ" وَحَضَرَ مَعَهُ وَزِيْرُهُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْحَق

(2)

، فَاجْتَمَعَ أَئِمَّةُ الفَرِيْقَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ أَبي حَنِيْفَةَ، بِالشِّكَايَةِ

(3)

مِنَ الأَنْصَارِيِّ، وَمُطَالَبَتِهِ بِالمُنَاظَرَةِ، فَاسْتَدْعَاهُ الوَزِيْرُ، فَلَمَّا حَضرَ قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ القَوْمِ اجْتَمَعُوا لِمُنَاظَرَتِكَ، فَإِنْ يَكُنِ الحَقُّ مَعَكَ رَجَعُوا إِلَى مَذْهَبِكَ، وَإِنْ يَكُنِ الحَقُّ مَعَهُمْ إِمَّا أَنْ تَرْجِعَ، وَإِمَّا أَنْ تَسْكُتَ عَنْهُمْ، فَقَامَ الأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: أَنَا أُنَاظِرُ عَلَى مَا فِي كُمَّيَّ، فَقَالَ لَهُ: وَمَا فِي كُمَّيْكَ

(4)

؟ فَقَالَ: كِتَابُ اللهِ، وَأَشَارَ إِلَى كُمِّهِ اليَمِيْنِ، وَسُنَّةُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشَارَ إِلَى كُمِّهِ اليَسَارِ، وَكَانَ فِيْهِ الصَّحِيْحَانِ، فَنَظَرَ إِلَى القَوْمِ كَالمُسْتَفْهِمِ لَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ فِيْهِمْ مَنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنَاظِرَهُ مِنْ هَذِهِ

(1)

مِنْ سَلاطِيْنِ السَّلاجِقَةِ، مَشْهُوْرٌ جِدًّا (ت: 465 هـ). يُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 279)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 73)، وَتَارِيْخُ دَوْلَة آلِ سَلْجُوْقَ (30، 33، 39، 49)، وَالإِنبَاءُ في تَارِيْخِ الخُلَفَاءِ (169، 199، 200)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (2/ 208)، وَتَارِيْخُ الخُلَفَاءِ (422)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 318)

وَغيْرِهَا.

(2)

هُوَ الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ المَعْرُوْفُ بِـ "نِظْامِ المُلْكِ"(ت: 485 هـ) سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي تَرْجَمَةِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَهُوَ نَفْسُهُ أَبُو عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ.

(3)

في (ط) بطبعتيه، و (هـ):"للشِّكاية" وَكَذلِكَ هِيَ مُعَلَّقَةٌ عَلَى نُسْخَةِ (أ).

(4)

في (أ) فقط: "كُمِّكَ" عَلَى الإِفْرَادِ.

ص: 123

الطَّرِيْقِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَمِيْرجَه

(1)

القَلَانِسِيَّ خَادِمَ الأنْصَارِيِّ يَقُوْلُ: حَضَرْتُ مَعَ الشَّيْخِ لِلسَّلَامِ

(2)

عَلَى الوَزِيْرِ أَبِي عَلِيٍّ الطُّوْسِيِّ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ كَلَّفُوْهُ بِالخُرُوْجِ إِلَيْهِ، وَذلِكَ بَعْدَ المِحْنَةِ، وَرُجُوْعِهِ مِنْ "بَلْخَ"

(3)

فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَكْرَمَهُ وَبَجَّلَهُ، وَكَانَ فِي العَسْكَرِ أَئِمَّةٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ يَحْضُرُ، فَاتَّفَقُوا جَمِيْعًا عَلَى أَنْ يَسْأَلُوْه عَنْ مَسْأَلَةٍ بَيْنَ يدَي الوَزِيْرِ، فَإِنْ أَجَابَ بِمَا يُجِيْبُ بِهِ بِـ "هَرَاةَ" سَقَطَ مِنْ عَيْنِ الوَزِيْرِ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ سَقَطَ مِنْ عُيُوْنِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ مَذْهَبِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَاسْتَقَرَّ بِه المَجْلِسُ انْتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، يُعْرَفُ بِالعَلَوِيِّ الدَّبُوْسِيِّ

(4)

،

(1)

لَمْ أعثُرْ عَلَى أَخْبَارِهِ، وَ"أمِيْرجه" اسمٌ مَأْلُوْفٌ. وَفِي الهَرَوِيِّيْنَ: مُحَمَّدُ بنُ المُطَهِّر بنِ يَعْلَى بنِ عَوَضِ بنِ أميرجه، أَبُو الفُتُوح العَلَوِيُّ الهَرَويُّ (ت: 584 هـ)

وَغَيْرِهِ.

(2)

ساقط من (أ) و (ب).

(3)

مَدِيْنَةٌ مَشْهُوْرَةٌ بـ "خُرَاسَانَ"، بَيْنَهَا وَبَيْنَ "تِرْمَذَ" اثْنَا عَشَرَ فَرْسَخًا، افْتَتَحَهَا الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، أَيَّام عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (1/ 568). وَهِيَ الآنَ مِنْ أَكْبَرِ المُدُن في "أَفْغَانِسْتَانَ" أَعَادَ اللهُ لَهَا الأَمْنَ وَالأَمَان.

(4)

هوَ عَلِيُّ بنُ أَبِي يَعْلَى بنِ زَيْدِ بنِ حَمْزَةَ العَلَوِيُّ الحَسَنِيُّ الدَّبُوْسِيُّ (ت: 482 هـ) وَنِسْبَتُهُ ضَبَطَهَا الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في الأَنْسَابِ (5/ 273، 274) فَقَالَ: "بِفَتْحِ الدَّالِ المُهْمَلَةِ، وَضَمِّ البَاءِ المَنْقُوْطَةِ بِنُقْطَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي آخِرِهَا سِيْنٌ مُهْمَلَةٌ بَعدَ الوَاوِ، هَذِهِ النِّسبة إِلَى "الدَّبُوْسِيَّة"، وَهِيَ بَلْدَةٌ مِنَ "السُّغْدِ" بَيْنَ "بُخَارَى" وَ"سَمَرْقَنْدَ"، خَرَجَ مِنْهَا مِنَ المُحَدِّثِيْنَ جَمَاعَةٌ. . .". وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلدَانِ (2/ 499)، وَذَكَرَا عَلِيَّ بنَ أَبِي يَعْلَى الَمْذُكْورَ. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 50)، وَطَبَقَاتِ الشَافِعِيَّةِ لِلسُّبْكيِّ (4/ 6)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 135). قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِي: "وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ قَوِيَّةٌ، بَاسِطَةٌ فِي الجِدَالِ وَقَمْعِ =

ص: 124

فَقَالَ: يَأْذَنُ الشَّيْخُ الإِمَامُ فِي أَنْ أَسأَلَ مَسْأَلَةً؟ فَقَالَ: سَلْ، فَقَالَ: لِمَ تَلْعَنُ أَبَا الحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ

(1)

؟ فَسَكَتَ، وَأَطْرَقَ الوَزِيْرُ لِمَا عَلِمَ مِنْ جَوَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ قَالَ لَهُ الوَزِيْرُ: أَجِبْهُ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ الأَشْعَرِيَّ، وَإِنَّمَا أَلْعَنُ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ اللهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ، وَأَنَّ القُرْآنَ فِي المُصْحَفِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ اليَوْمَ نَبِيٌّ، ثُمَّ قَامَ وَانْصرَفَ، فَلَمْ يُمْكِنْ أَحَدٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمةٍ مِنْ هَيْبَتِهِ وَصَلَابَتِهِ وَصَوْلَتِهِ، فَقَالَ الوَزِيْرُ لِلسَّائِلِ وَمَنْ مَعَهُ: هَذَا أَرَدْتُمْ؟ كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يَذْكُرُ هَذَا بِـ "هَرَاةَ" فَاجْتَهَدْتُمْ حَتَّى سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا، وَمَا عَسَى أَنْ أَفْعَلَ بِهِ؟ ثُمَّ بَعَثَ خَلْفَهُ خِلْعًا وَصِلَةً فَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى "هَرَاةَ" وَلَمْ يَلْبَثْ.

قَالَ ابنُ طَاهِرٍ: وَسَمِعْتُ أَصْحَابَنَا بـ "هَرَاةَ" يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ السُّلْطَانُ أَلْبُ أَرْسَلَانَ "هَرَاةَ" فِي بَعْضِ قَدْمَاتِهِ اجْتَمَعَ مَشَايِخُ البَلَدِ وَرُؤَسَاؤُهُ وَدَخَلُوا عَلَى الشَّيْخِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: قَدْ وَرَدَ السُّلْطَانُ،

= الخُصُوْمِ، وَقَدْ شُوهِدَ لَهُ مَقَامَاتٌ في النَّظَرِ ظَهَرَ فيها غَزَارَةُ فَضْلِهِ".

(1)

عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ بِشْرٍ، مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابِيِّ الجَلِيْلِ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه (ت: 324 هـ)، صَاحِبُ المَذْهَبِ المَعْرُوْفِ الَّذي يُؤَوِّلُ أَتْبَاعُهُ بَعْضَ الصِّفاتِ، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِي:"قُلْتُ: رَأَيْتُ لأَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ أَرْبَعَةَ تَوَالِيْفَ في الأُصُوْلِ، يَذْكُرُ فيها قَوَاعِدَ مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الصِّفَاتِ وَقَالَ فِيْهَا: تُمَرُّ كَمَا جَاءَتْ، ثُمَّ قَالَ: وبَذلِكَ أَقُوْلُ، وَبِهِ أَدِيْنُ، وَلَا تُؤَوَّلُ" وَقَالَ: حَطَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الحَنَابِلَةِ وَالعُلَمَاءِ، وَكُلٌّ يُوخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَك إِلَّا مَنْ عَصَمَ الله تَعَالَى، اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَارْحَمْنَا". أخْبَارُ أَبِي الحَسَنِ فِي: تَارِيْخ بَغْدَادَ (11/ 346)، وَالمِلَلِ وَالنِّحلِ (1/ 94)، وَالأَنْسَابِ (1/ 273)، وَتَبْيِيْنِ كَذِبِ المُفترِى (128)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (15/ 85)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (2/ 303).

ص: 125

وَنَحْنُ عَلَى عَزْمٍ أَنْ نَخْرُجَ وَنُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَبْدَأَ بِالسَّلَامِ عَلَى الشَّيْخِ الإِمَامِ، ثُمَّ نَخْرُجَ إِلَى هُنَاكَ، وَكَانُوا قَدْ تَوَاطَأُوا عَلَى أَنْ حَمَلُوا مَعَهُمْ صَنَمًا مِنَ الصُّفْرِ صَغِيْرًا، وَجَعَلُوْهُ فِي المِحْرَابِ تَحْتَ سَجَّادَةِ الشَّيْخِ، وَخَرَجُوا وَخَرَجَ الشَّيْخُ مِنْ ذلِكَ المَوْضِعِ إِلَى خَلْوَتِهِ.

وَدَخَلُوا عَلَى السُّلْطَانِ وَاسْتَغَاثُوا مِنَ الأنْصَارِيِّ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ مُجَسِّمٌ، فَإِنَّهُ يَتْرُكُ فِي مِحْرَابِهِ صَنَمًا، وَيَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ عز وجل عَلَى صُوْرَتِهِ، وَإِنْ يَبْعَثِ السُّلْطَانُ الآنَ يَجِدِ الصَّنَمَ فِي قِبْلَةِ مَسْجِدِهِ، فَعَظُمَ ذلِكَ عَلَى السُّلْطَانِ، وَبَعَثَ غُلَامًا وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَدَخَلُوا الدَّارَ، وَقَصَدُوا المِحْرَابَ، وَأَخَذُوا الصَّنَمَ مِنْ تَحْتِ السَّجَّادَةِ، وَرَجَعَ الغُلَامُ بِالصَّنَمِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيِ السُّلْطَانِ، فَبَعَثَ السُّلْطَانُ بِغِلْمَانٍ وَأَحْضَرُوا

(1)

الأَنْصَارِيُّ، فَلَمَّا دَخَلَ رَأَى مَشَايِخَ البَلَدِ جُلُوْسًا، وَرَأَى ذلِكَ الصَّنَمَ بَيْنَ يَدَي السُّلْطَانِ مَطْرُوْحًا، وَالسُّلْطَانُ قَدْ اشْتَدَّ غَضَبُهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا صَنَمٌ يُعْمَلُ مِنَ الصُّفْرِ شِبْهُ اللُّعْبَةِ، فَقَالَ: لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، فَقَالَ: فَعَنْ مَاذَا يَسْأَلُ السُّلْطَانُ؟ قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُوْنَ أَنَّكَ تَعْبُدُ هَذَا الصَّنَمَ، وَأَنَّكَ تَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ عز وجل عَلَى صُوْرَتِهِ، فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}

(2)

بِصَوْتٍ جَهْوَرِيِّ وَصَوْلَةٌ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِ السُّلْطَانِ أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَيْهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى دَارِهِ مُكْرَمًا، وَقَالَ لَهُمْ: اصْدُقُوْني القِصَّةَ، أَوْ أَفْعَلُ بِكُمْ وَأَفْعَلُ، وَذَكَرَ

(1)

في (ط) بطبعتيه: "وأُحْضِرَ".

(2)

سُوْرَةُ النُّوْرِ، الآيَةُ:16.

ص: 126

تَهْدِيْدًا عَظِيْمًا، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ فِي بَلِيَّةٍ مِنِ اسْتِيْلَائِهِ عَلَيْنَا بِالعَامَّةِ، وَأَرَدْنَا أَنْ نَقْطَعَ شَرَّهُ عَنَّا، فَأَمَرَ بِهِمْ، وَوَكَّلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى كَتَبَ خَطَّهُ بِمَبْلَغٍ عَظِيْمٍ مِنَ المَالِ يُؤَدِّيْهِ إِلَى خِزَانَةِ السُّلْطَانِ جِنَايَةً، وَسَلِمُوا بِأَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ الهَوَانِ العَظِيْمِ.

وَقَدْ جَرَى لِشَيْخِ الإسْلَامِ مِحَنٌ فِي عُمُرِهِ، وَشُرِّدَ عَنْ وَطَنِهِ مُدَّةً. فَمِنْ ذلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ المُتَصَوِّفَةِ بِـ "هَرَاةَ" عَاثُوا وَأَفْسَدُوا بِأَيْدِيْهِمْ عَلَى وَجْهِ الإِنْكَارِ، فَنَسَبَ ذلِكَ إِلَى الشَّيْخِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ وَلَا رِضَاهُ، فَاتَّفَقَ أَكَابِرَ أَهْلِ البَلَدِ عَلَى إِخْرَاجِ الشَّيْخِ وَأَوْلَادِهِ وَخَدَمِهِ، فَأَخْرَجُوْهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عِشْرِيْنَ رَمَضَان سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَة قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُمْهَلْ لِلصَّلَاةِ، فَأَقَامَ بِقُرْبِ البَلَدِ، فَلَمْ يَرْضَوا مِنْهُ بذلِكَ فَخَرَجَ إِلَى "بُوْشَنَجَ" وَكَتَبَ أَهْلُ "هَرَاةَ" مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، وَأَرْسَلُوْهُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَجَاءَ جَوَابُ السُّلْطَانِ وَوَزِيْرِهِ نِظَامِ المُلْكِ بِإِبْعَادِ الشَّيْخِ وَأَهْلِهِ وَخَدَمِهِ إِلَى مَا وَرَاءِ النَّهْرِ، وَقُرِئُ الكِتَابُ الوَارِدُ بِذلِكَ فِي الجَامِعِ عَلَى مَنْبَرِ يَحْيَى بنِ عَمَّارٍ، وَفِيْهِ حَطٌّ عَلَى الشَّيْخِ، فَأُخْرِجَ الشَّيْخُ وَمَنْ كَانَ يَعْقِدُ المَجْلِسَ مِنْ أَقَارِبِهِ خَاصةً إِلَى "مَرْوَ"، ثُمَّ وَرَدَ الأَمْرُ بِرَدِّهِ إِلَى "بَلْخَ" ثُمَّ إِلَى "مَرْوَ الرُّوْذِ"

(1)

ثُمَّ

(1)

مِنْ أَشْهَرِ مُدُنِ "خُرَاسَان"، بَلْ هِيَ عَاصِمَةُ الإِقْلِيْمِ، وَهِيَ مَدِيْنَتَانِ، مَرْوُ الرُّوْذِ - بالذَّال المُعْجَمَةِ - وَهِيَ بِالفَارِسِيَّةِ - النَّهْرُ، وَمَرْوُ الشَّاهِجَانِ، بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَالأَخِيْرَةُ" مَرْوُ الشَّاهِجَانِ" هِيَ الكَبِيْرةُ العَظِيْمَةُ. يُرَاجَعَ: مُعْجَمُ البُلدانِ (5/ 132)، وَتَقْوِيْمُ البُلْدَانِ (456)، وَالأَنْسَابُ (12/ 207). قَالَ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ: "وَقَدْ أَخْرَجَتْ =

ص: 127

أُذِنَ لَهُ فِي الرُّجُوْعِ إِلَى "هَرَاةَ" فَدَخَلَهَا يَوْمَ الأَرْبِعَاءَ رَابِعَ عَشَرَ المُحَرَّمَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُوْدًا.

قَالَ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ بِـ "الإِسْكَنْدَرِيَّةِ" يَقُوْلُ: لَمَّا خَرَجَ شَيْخُ الإِسْلَامِ قَالَ أَصْحَابُهُ وَأَهْلُ البَلَدِ: لَا يُحْمَلُ عَلَى الدَّوَابِّ إلَّا عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَجُعِلَ فِي مَحَفَّةٍ، وَكَانَ يَتَنَاوَبُ حَمْلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ، حَتَّى وَصَلَ "بَلْخَ" فَخَرَجَ أَهْلُهَا وَهَمُّوا بِرَجْمِهِ، فَرَدَّهُمْ ابنُ نِظَامِ المُلْكِ، وَقَالَ: تُرِيْدُوْنَ أَنْ تَكُوْنُوا مَسَبَّةَ الدَّهْرِ؛ تَرْجُمُوْنَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ؟! ثُمَّ سَألُوْهُ أَنْ يَعِظَ، فَقَرأَ:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} الآيةَ

(1)

، ثُمَّ قَالَ:

= مَرْوُ مِنَ الأَعْيَانِ، وَعُلَمَاءِ الدِّيْنِ وَالأَرْكَانِ مَا لَمْ تُخْرِجْ مَدِيْنَةٌ مِثْلَهُم" وَقَدْ جَمَعَ عُلَمَاءَ "مَرْوَ" عَدَدٌ غَيْرُ قَلِيْلٍ مِنَ المُؤَرِّخِيْنَ، مِنْهُمُ: الحَافظُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ الفُرَاهِينَانِيُّ المَرْوَزِيُّ (ت: 247 هـ). وَالحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ سيَّارٍ المَرْوَزِيُّ (ت: 268 هـ)، وأَبُو رَجَاءٍ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدَوَيْهِ السِّنْجَانيُّ الهُوْرَقَانِيُّ (ت: 306 هـ)، وَالحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَعْدَانَ المَعْدَانِيُّ (ت: 374 هـ). وَالحَافِظُ أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدُ المَلِكِ النَّيْسَابُوِريُّ (ت: 470 هـ)، وَأَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبِ بنِ بِشْرٍ (ت:؟)، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّابِتِيُّ الخَرَقِيُّ (ت: 553 هـ)، وَهُوَ من شُيُوْخ أبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِي الآتي بَعْدَهُ. وَأَجْمَعُ تَارِيْخٍ لِـ "مَرْوَ" هُوَ مَا أَلَّفَهُ الحَافِظُ الكَبِيْرُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ (ت: 562 هـ) صَاحِبُ "الأَنْسَابِ" وَهُوَ تَارِيْخٌ حَافِلٌ فِي عِشْرِيْنَ مُجَلَّدًا، وَلا أَعْلَمُ حَتَّى الآن سَنَةَ (1424 هـ) أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّوَارِيخ مَوْجُوْدٌ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله.

(1)

سُورة الزُّمر، الآية:23.

ص: 128

كُلُّ المُسْلِمِيْنَ يَقُوْلُوْنَ هَذَا، إلَّا أَهْلَ "غُورجَه"

(1)

وَ"غُرجِسْتَانَ"

(2)

وَ"فُلَانَةَ"

(3)

وَ"طَالَقَانَ"

(4)

لَعَنَهُمُ اللهُ لَعْنَةَ عَادٍ وَثَمُوْدَ، وَالنَّصارَى وَاليَهُوْدِ [فَكُوْلُوا: آمِيْنَ، أَيْ:]

(5)

قُوْلُوا: آمِيْنَ، فَقَالُوا: آمِيْنَ.

قَالَ الرُّهَاوِيُّ: وَإِنَّمَا هَمَّ أَهْلُ "بَلْخَ" بِمَا هَمُّوا بِهِ؛ لأنَّهُمْ مُعْتَزِلَةٌ شَدِيْدَةُ الاعْتِزَالِ، وَكَانَ شَيْخُ الإِسْلَامِ مَشْهُوْرًا فِي الآفَاقِ بِالحَنْبَلِيَّةِ وَالشِّدَّةِ فِي السُّنَّةِ. قَالَ

(6)

: وَسَمِعْتُ السِّلَفِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا أَمَرَ نِظَامُ المُلْكِ بِإِخْرَاجِ الشَّيْخِ مِنْ "هَرَاةَ" سَمِعَ بِذلِكَ الشَّيْخُ مَعْمَرُ اللُّنْبَانِيُّ

(7)

، فَمَضَى إِلَى نِظَامِ

(1)

الظَّاهرُ أَنَّ المَقْصُوْدَ "غُوْرَجُ" قَالَ يَاقُوْتٌ في مُعْجَمِ البُلْدَانِ (4/ 245) بِالضَمِّ، ثُمَّ السُّكُوْنِ، ثُمَّ فَتْحِ الرَّاءِ، وَجِيْمٌ، وَأَهْلُ "هَرَاةَ" يُسمُّونَهَا "غُوْرَهْ" قَرْيَةٌ عَلَى بَابِ مَدِيْنَةِ "هَرَاةَ".

(2)

الظَّاهر أَيْضًا أَنَّ المَقْصُوْدَ "غَرْشِسْتَانُ" قَالَ يَاقُوْتٌ فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ (4/ 219): "بِالفَتْحِ، ثُمَّ السُّكُوْنِ، وَشِيْنٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُوْرَةٌ، وَسِيْنٌ مُهْمَلَةٌ، وَتَاءٌ مُثَنَاةٌ مِنْ فَوْقِ، وَآخِرُهُ نُوْنٌ،

وَالعَوَامُّ يُسَمُوْنَهَا "غُرْجِسْتَانَ"، وَقَالَ:"هَرَاةُ" فِي غَرْبيِّها، وَ"الغَوْرُ" فِي شَرْقِهَا، وَ"مَرْوَ الرُّوْذِ" عَنْ شَمَالِهَا، وَ"غَزْنَةَ" عَنْ جَنُوْبِهَا".

(3)

لَعَلَّهَا "فُلانَانِ" مِنْ قُرَى "مَرْوَ". مُعْجَمُ البُلْدَانِ (4/ 307).

(4)

قَالَ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ في مُعْجَمِ البُلْدَانِ (4/ 7): "طَالَقَانُ: بَعْدَ الأَلِفِ لَامٌ مَفْتُوْحَةٌ وَقَافٌ وَآخِرُهُ نُونٌ: بَلْدَتَانِ إِحْدَاهُمَا بِـ "خُرَاسَانَ" بَيْنَ "مَرْوَ الرُّوْذِ" وَ"بَلْخَ". . .".

(5)

في (أ) فقط مُصَحَّحَةٌ عَلَى الهَامِشِ بِخَطِّ ابنِ حُمَيْدٍ النَّجْدِيِّ المَكِّيِّ، صاحبِ "السُّحُبِ الوَابِلَةِ" قَالَ بَعْدَ ذلِكَ:"الكَافُ أَعْجَمِيَّةٌ بَيْنَ الكَافِ وَالقَافِ". وَقُلنَا - فِيْمَا سَبَقَ -: إِنَّ ابنَ حُمَيْدٍ المَذْكُوْرَ قَدْ اطَّلعَ عَلَى نُسْخَةٍ مِن "الذَّيلِ عَلَى الطَّبَقَاتِ" بِخَطِّ مُؤَلِّفِهَا.

(6)

مِنْ هُنَا سَقْطُ وَرَقَةٍ من نُسْخَة (ب) وَتَرْقِيْمُ الصَّفَحَاتِ مُتَّسقٌ.

(7)

مَعْمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ العَبْدِيُّ اللُّنْبَانِيُّ (ت: 489 هـ) مُحَدِّثٌ، صُوْفِيٌّ، مِنْ أَهْلِ =

ص: 129

المُلْكِ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ نِظَامُ المُلْكِ: قَدْ صَارَ لِذلِكَ الشَّيْخُ عَلَيَّ مِنَّةٌ عَظِيْمَةٌ؛ حَيْثُ بِسَبَبِهِ دَخَلْتَ عَلَيَّ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الحَالِ بِرَدِّهِ إِلَى بَلَدِهِ.

وَذَكَرَ الرُّهَاوِيُّ: أَنَّ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ الكُتْبِيَّ ذَكَرَ فِي "تَارِيْخِهِ": أَنَّ مَسْعُوْدَ

(1)

بنَ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتَكِيْنَ قَدِمَ "هَرَاةَ" سَنَةَ ثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، فَاسْتَحْضَرَ شَيْخَ الإسْلَامِ، وَقَالَ لَهُ: أَتَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ عز وجل يَضَعُ قَدَمَهُ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ: - أَطَالَ اللهُ بَقَاءَ السُّلْطَانِ المُعَظَّمِ - إِنَّ اللهَ عز وجل لَا يَتَضَرَّرُ بِالنَّارِ، وَالنَّارُ لا تَضُرُّهُ، وَالرُّسُوْلُ لَا يَكْذِبُ عَلَيْهِ، وَعُلَمَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ لَا يَتَزَيَّدُوْنَ فِيْمَا يَرْوُوْنَ عَنْهُ، وَيُسْنِدُوْنَ إِلَيْهِ. فَاسْتَحْسَنَ جَوَابَهُ، وَرَدَّهُ مُكَرَّمًا. قَالَ: وَعَقَدَ أَهْلُ "هَرَاةَ" للشَّيْخِ مَجْلِسًا آخَرَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَعَمِلُوا فِيْهِ مَحْضَرًا، وَأَخْرَجُوْهُ مِنَ البَلَدِ إِلَى بَعْضِ نَوَاحِي "بُوْشَنْجَ" فَحُبِسَ بِهَا وَقُيِّدَ، ثُمَّ أُعِيْدَ إِلَى "هَرَاةَ" سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِيْنَ، وَجَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ للتَّذْكِيْرِ، ثُمَّ سَعَوا فِي مَنْعِهِ مِنْ مَجْلِسِ التَّذْكِيْرِ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَلْب أَرْسَلَانَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ.

قَالَ: وَفِي شُهُوْرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، خُلِعَ عَلَى الشَّيْخِ مِنْ جِهَةِ الإِمَامِ القَائِمِ بِأَمْرِ اللهِ خُلْعَةً شَرِيْفَةً. وَفِي شُهُوْرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ خُلْعَةً أُخْرَى فَاخِرَةً

= "أَصْبَهَان"، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:"رُزِقَ جَاهًا، وَهَيْبَةً عَنْدَ السَّلاطِيْنَ" وَ"اللُّنْبَانِيُّ""بِضَمِّ اللَّام، وَسُكُوْنُ النُّونِ، ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدةٌ مِنْ تَحْتِهَا، وَأَلِفٌ وَنُوْنٌ، مَحَلَّةٌ كَبِيْرَةٌ بِـ "أَصْبَهَانَ". . ." الأَنْسَابُ لأبي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ (11/ 357). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (5/ 27). وَأَخْبَارُهُ فِي: التَّحْبِيْرِ (2/ 53)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (32)، وَالعِبَرِ (3/ 129).

(1)

مِنْ مُلُوكِ الدَّوْلَةِ الغَزْنَوِيَّةِ، تَقَدَّم ذِكْرُ وَالِدِهِ، وَأَخْبَارُ مَسْعُوْدٍ في: المُنْتَظَمِ (8/ 113)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (17/ 495)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 50)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 253).

ص: 130

مِنْ جِهَةِ الإِمَامِ المُقْتَدِي مَعَ الخِطَابِ وَاللَّقَبِ بشَيْخِ الإِسْلَامِ، شَيْخِ الشُّيُوْخِ، زَيْنِ العُلَمَاءِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَخُلْعَةً أُخْرَى لابْنِهِ عَبْدِ الهَادِي. قَالَ: وَكَانَ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الخِلَعِ الوَزِيْرُ نِظَامُ المُلْكِ شفَقَةً مِنْهُ عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَصِيَانَةً عَنْ لُحُوْقِ شَيْنٍ

(1)

بِهِمْ.

وَكَانَ الشَّيْخُ رحمه الله آيَةً في التَّفْسِيْرِ، وَحِفْظِ الحَدِيْثِ، وَمَعْرِفَتِهِ، وَمَعْرِفَةِ اللُّغَةِ وَالأَدَبِ، وَكَانَ يُفَسِّرُ القُرْآنَ فِي مَجْلِسِ التَّذْكِيْرِ، فَذَكَرَ الكُتْبِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ" أَنَّ الشَّيْخَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ مِحْنَتِهِ الأُوْلَى ابْتَدَأَ فِي تَفْسِيْرِ القُرْآنِ، فَفَسَّرَهُ فِي مَجَالِسِ التَّذْكِيْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِيْنَ، وَفِي سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِيْنَ افْتَتَحَ القُرْآن يُفَسِّرُهُ ثَانِيًا فِي مَجَالِسِ التَّذْكِيْرِ، قَالَ: وَكَانَ الغَالِبُ عَلَى مَجْلِسِهِ القَوْلَ فِي الشَّرْعِ، إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ عز وجل

(2)

: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} فَافْتَتَحَ تَجْرِيْدَ المَجَالِسِ فِي الحَقِيْقَةِ، وَأَنْفَقَ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ مِنْ عُمُرِهِ مُدَّةً مَدِيْدَةً، وَبَنَى عَلَيْهَا مَجَالِسَ كَثِيْرَةً، وَكَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى

(3)

: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} بَنَى عَلَيْهَا ثَلَاثَمَائَةَ وَسِتِّيْنَ مَجْلِسًا، فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ تَعَالَى

(4)

: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} كُفَّ بَصَرُهُ

(1)

في (أ): "شَرٍّ" وَصُحِّحَتْ عَلَى الهَامِشِ من نُسْخَةٍ أُخْرَى.

(2)

سورة البقرة، الآية:165.

(3)

سورة الأنبياء، الآية:101.

(4)

سورة النُّور، الآية:42.

ص: 131

سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِيْنَ، وَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلهِ عز وجل

(1)

: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} قَالَ: فِي كُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى سِرٌّ خَفِيٌّ. وَأَخَذَ يُفَسِّرُ خَفَايَا الأَسْمَاءِ حَتَّى بَلَغَ المُمِيْتُ، فَأُخْرِجَ مِنَ البَلَدِ فِي الفِتْنَةِ الأَخِيْرَةِ، فَلَمَّا عَادَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، عَقَدَ المَجْلِسَ عَلَى أَمْرٍ جَدِيْدٍ، وَلَمْ يَكْمُلِ الكَلَامَ عَلَى الأَسْمَاءِ الحُسْنَى، وَأَخَذَ يَسْتَعْجِلُ فِي التَّفْسِيْرِ، وَيُفَسِّرُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِقْدَارَ عَشْرِ آيَاتٍ أَوْ نَحْوِهَا، يُرِيْدُ أَنْ يَخْتِمَ فِي حَيَاتِه، فَلَمْ يَقْدِرْ لَهُ عَلَى ذلِكَ، وَتُوُفِّيَ وَقَدْ انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ عز وجل

(2)

: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)} .

وَقَالَ ابنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ: سَمِعْتُ

(3)

الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا ذَكَرْتُ التَفْسِيْرَ فَإِنَّمَا أَذْكُرُهُ مِنْ مَائَةٍ وَسَبْعَةِ تَفَاسِيْرَ. قَالَ: وَجَرَى يَوْمًا - وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ - كَلَامٌ، فَقَالَ: أَنَا أَحْفَظُ اثْنَى عَشَرَ أَلْفَ حَدِيْثٍ أَسْرُدُهَا سَرْدًا، قَالَ: وَقَطُّ مَا ذَكَرَ فِي مَجْلِسِهِ حَدِيْثًا إلَّا بِإِسْنَادِهِ. وَكَانَ يُشِيْرُ إِلَى صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ.

وَقَالَ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بِشْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ الهَمَذَانِيُّ

(4)

بِـ "هَمَذَانَ" يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الأُدَبَاءِ يَقُوْلُ: سُئِلَ شَيْخُ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيُّ عَنْ تَفْسِيْرِ آيَةٍ؟ فَأَنْشَدَ أَرْبَعِمَائَةَ بَيْتٍ مِنْ شِعْرِ الجاهِلِيَّةِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا

(1)

سورة السَّجدة، الآية:17.

(2)

سُورة ص.

(3)

في (ط) الفقي فقط: "سَمِعْتُ شَيْخَنَا الأنْصَارِيَّ .. ".

(4)

لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ.

ص: 132

لُغَةُ تِلْكَ الآيَةِ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: أَخْبَرَنَا ابنُ نَاصِرٍ، عَنِ المُؤْتَمِنِ بنِ أَحْمَدَ الحَافِظِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ لَا يَشُدُّ عَلَى الذَّهَبِ

(1)

شَيْئًا، وَيَتْرُكُهُ كَمَا يَكُوْنُ، وَيَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُوْكِ فَيُوْكَأ عَلَيْكَ" وَكَانَ لَا يَصُوْمُ شَهْرَ رَجَبٍ، وَيَنْهَى عَنْ ذلِكَ، وَيَقُوْلُ: مَا صَحَّ فِي فَضْلِ رَجَبٍ وَفِي صِيَامِهِ شَيْءٌ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يُمْلِي فِي شَعْبَانَ وَفِي رَمَضَانَ، وَلَا يُمْلِي فِي رَجَبٍ.

وَقَالَ ابنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ يَقُوْلُ: كِتَابُ أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ عِنْدِي أَفْيَدُ مِنْ كِتَابِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، قُلْتُ

(2)

: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ كِتَابَ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَا يَصِلُ إِلَى الفَائِدَةِ مِنْهُمَا إلَّا مَنْ يَكُوْنُ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ التَّامَّةِ، وَهَذَا كِتَابٌ قَدْ شَرَحَ أَحَادِيْثَهُ وَبَيَّنَهَا، فَيَصِلُ إِلَى فَائِدَتِهِ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: المُحَدِّثُ يُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ سَرِيْعَ المَشْيِ، سَرِيْعَ الكِتَابَةِ، سَرِيْعَ القِرَاءَةِ.

قَالَ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ السِّلَفِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا الخَيْرِ عَبْدِ اللهِ بنَ مَرْزُوْقٍ الهَرَوِيَّ

(3)

يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيَّ الحَافِظَ بِـ "هَرَاةَ"

(1)

في (ط) بطبعتيه: "لا يشذُّ عَلَى المَذْهَبِ"، وكذلك هي في (هـ).

(2)

في (ط) الفقي: "فقلت".

(3)

هُوَ مُحَدِّثٌ رَحَّالٌ، مَوْلَى الشَّيْخِ المُتَرْجَمِ (ت: 507 هـ) أَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الاسْتِدْرَاكِ عَلَى المُؤَلِّفِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

ص: 133

يَقُوْلُ: يَنْبَغِي لِمَنْ يَكُوْنُ مِنْ أَهْلِ الفِقْهِ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أبَدًا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ جَدِيْدَةٍ: سَرَاوِيْلُهُ، وَمَدَاسُهُ، وَخِرْقَةٌ يُصَلِّي عَلَيْهَا.

قَالَ الرُّهَاوِيُّ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ النَّاسِ بِـ "هَرَاةَ" يَحْكِي: أَنَّ شَيْخَ الإِسْلَامِ دَخَلَ يَوْمًا عَلَى القَاضِي أَبي العَلَاءِ صَاعِدِ بنِ سَيَّارٍ

(1)

، وَعَلَى يَمِيْنِهِ رَجُلٌ مِنَ البُوْسَعْدِيَّةِ، فَجَلَسَ شَيْخُ الإِسْلَامِ عَلَى يَسَارِ القَاضِي، فَغَضِبَ البُوْسَعْدِيُّ، وَقَالَ: أَجْلِسُ عَنْ يَمِيْنِكَ وَيَجْلِسُ عَنْ يَسَارِكَ؟ فَوَثَبَ شَيْخُ الإِسْلَامِ، وَجَلَسَ ناحِيَةً، وَقَالَ: الحِدَّةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْنَ فِي أَكْلِ البَصَلِ، وَالشِّدَّةُ فِي تَشْقِيْقِ الحَطَبِ، وَأَمَّا الجُلُوْسِ فِي المَجَالِسِ فَإِنَّمَا يَكُوْنُ بِالعِلْمِ، وَغَضِبَ القَاضِي مِنْ كَلَامِ الرَّجُلِ، وَقَالَ: أَيْشٍ تُنْكِرُ مِنْ حَالِهِ؟ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَرْكُوْبٌ وَلَا ثِيَابٌ، وَأَمَرَ لَهُ بِثيَابٍ وَمَرْكُوْبٍ، وَجَعَلَ لَهُ فِي الجَامِعِ مَوْضِعًا يَعِظُ فِيْهِ.

قَالَ الرُّهَاوِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُ كُرْسِيَّ شَيْخِ الإِسْلَامِ قَلِيْلَ المَرَاقِي فِي زَاوِيَةٍ مِنْ جَامِعِ "هَرَاةَ" وَالنَّاسُ يَتَبَرَّكُوْنَ بِهِ.

وَقَالَ ابنُ طَاهِرٍ: سَأَلْتُ الأَنْصَارِيَّ عَنِ الحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ

(2)

؟ فَقَالَ:

(1)

هُوَ القَاضِي صِاعِدُ بِنُ سَيَّارِ بنِ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، أَبُو العَلَاءِ (ت: 494 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ (19/ 182)، وَالعِبَرِ (3/ 341)، وَالنُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ (5/ 169)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 402).

(2)

هو الإِمَامُ المَشْهُوْرُ صَاحِبُ "المُسْتَدْرَكِ" مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ (ت: 403 هـ). وَهُوَ شَافِعِيُّ المَذْهَبِ، فِيْهِ تَشَيُّعٌ، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، العَلَّامَةُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ .. " وَقَالَ: "صَنَّفَ، وَخَرَّجَ، وَجَرَّح، وَعَدَّل، وصَحَّحَ، =

ص: 134

ثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ، رَافِضِيٍّ خَبِيْثٌ. وَذَكَرَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ، عَنْ يَحْيَى ابنِ مَنْدَه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ الإبْرَاهِيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخَ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا يَعْقُوْبَ

(1)

الحَافِظَ عَنْ قَوْلِ البُخَارِيِّ فِي "الصَّحِيْحِ": قَالَ لِيْ فُلَانٌ؟ قَالَ: هُوَ رِوَايَةٌ بِالإجَازَةِ، ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: عِنْدِي أَنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ ذَاكَرَ البُخَارِيَّ فِي المُذَاكَرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ فُلَانٍ حَدِيْثَ كَذَا، وَكِتَابَ كَذَا، أَوْ مُسْنَدَ كَذَا، أَوْ حَدِيْثَ فُلَانٍ، فَيَرْوِيْهِ بَيْنَ المَسْمُوْعَاتِ وَهُوَ طَرِيْقٌ حَسَنٌ، طَرِيْقٌ مَلِيْحٌ، وَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنَ البُخَارِيِّ.

وَقَالَ المُؤْتَمِنُ السَّاجِيُّ: كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الجَبَابِرَةُ وَالأُمَرَاءُ، فَمَا كَانَ يُبَالِي بِهِمْ، وَيَرَى بَعْضُ أَصحَابِ الحَدِيْثِ مِنَ الغُرَبَاءِ فَيُكْرِمُهُ إِكْرَامًا يَعْجَبُ مِنْهُ الخَاصُّ وَالعَامُّ رحمه الله.

قَالَ صَاعِدُ بنُ سَيَّارٍ الهَرَوِيُّ فِي بَعْضِ

(2)

"أَمَالِيْهِ": سَمِعْتُ شَيْخَ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: إِلَهِي عِصْمَةً أَوْ مَغْفِرَةً، فَقَدْ ضَاقَتْ بِنَا طَرِيْقُ المَعْذِرَةِ.

وَقَدْ أَثْنَى عَلَى الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ شُيُوْخُهُ وَأَقْرَانُهُ، وَمَنْ دُوْنَهُ مِنَ

= وعَلَّلَ، وَكَانَ مِنْ بُحُورِ العِلْمِ عَلَى تَشَيُّعِ فِيْهِ". وَفَرْقٌ بَيْنَ التَّشَيُّعِ والرَّفْضِ؟! يُرَاجَعُ: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (17/ 162). أَخْبَارُهُ في: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (5/ 473)، وَالأنْسَابِ (2/ 370)"البَيِّع"، وَالمُنْتَظَمِ (7/ 274)، وَمِيْزَانِ الاعْتِدَالِ (3/ 608)، وَلِسَانِ المِيْزَانِ (5/ 232)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 176).

(1)

أبُو يَعْقُوبَ الحَافِظُ، هُوَ القَرَّابُ كَمَا في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ".

(2)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "في أماليه".

ص: 135

الفُقَهَاءِ، وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَالصُّوْفِيَّةِ، وَالأُدَبَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ سَبَقَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَنْدَه قَوْلُ سَعْدٍ الزِّنْجَانِيِّ فِيْهِ

(1)

: إِنَّ اللهَ حَفِظَ بِهِ الإِسْلَامَ، وَبِـ "ابْنِ مَنْدَه".

وَقَالَ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ بِـ "هَرَاةَ": أَنَّ شَيْخَ الإِسْلَامِ لَمَّا أُخْرِجَ مِنْ "هَرَاةَ" وَوَصَلَ إِلَى "مَرْوَ" وَأُذِنَ لَهُ فِي الرُّجُوْعِ إِلَى "هَرَاةَ" رَجَعَ وَوَصَلَ إِلَى "مَرْوَ الرُّوْذِ" قَصَدَهُ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُوْدٍ البَغَوِيُّ

(2)

صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، فَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَهُ قَالَ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ: إِنَّ اللهَ قَدْ جَمَعَ لَكَ الفَضَائِلَ، وَكَانَتْ قَدْ بَقِيَتْ فَضِيْلَةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُكْمِلَهَا لَكَ، وَهِيَ الإِخْرَاجُ مِنَ الوَطَنِ، أُسْوَةً بِرَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ الرُّهَاوِيُّ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ سُفْيَانَ

(3)

بنَ أَبِي الفَضْلِ الخِرَقِيَّ

(1)

كَتَبَ النَّاسِخَ فِي (أ) و (ب): "عَنْهُ" فِي هَامِشِ الوَرَقَتَيْنِ مِنْهُمَا قِرَاءَةُ نُسْخَةٍ أُخْرَى.

(2)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "البَغَوِيُّ الفَرَّاءُ" وَهُوَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَّاءِ البَغَوِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت: 516 هـ) وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بِـ "العَلَّامَةِ، القُدْوَةِ، الحَافِظِ، شَيْخِ الإسْلَامِ، مُحْيِي السُّنَّةِ .. " وَهُوَ صَاحِبُ "شَرْحِ السُّنَةِ" وَ"المَصَابِيْحِ" وَ"مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ" وَغيْرِهَا. أَخْبَارُهُ في: التَّحْبِيْرِ للسَّمْعَانِيِّ (1/ 213)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 439)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لِلسُّبْكيِّ (7/ 75)، وَطَبَقَاتِ المُفَسِّرِيْنَ للدَّاوُديِّ (1/ 157) وَغَيْرِهَا.

(3)

لا أَبْعُدُ أنْ يَكُوْنَ أَبَا عَبْدِ اللهِ سُفْيَانَ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عليِّ بنِ عُمَرَ الخِرَقِيُّ الأَصْفَهَانِيُّ المَذْكُوْرُ في شُيُوخِ أَبي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ. يُراجَع: المُنْتَخَبُ مِنْ مُعْجَمِ شُيُوخِ السَّمْعَانِيِّ (2/ 863)، والتَّحْبِيْرُ لَهُ (1/ 314). قَالَ:"شَابٌّ مِنْ بَيْتِ الحَدِيْثِ وَالْعِلْمِ، حَرِيْصٌ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ، سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا الفَضْلِ بنْ أَبِي طَاهِرٍ. . ." وَهَذهِ =

ص: 136

السُّفْيَانِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ وَالفَضْلِ وَالدِّيْنِ، وَكَانَ سُفْيَانِيَّ المَذْهَبِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مَسْعُوْدٍ كُوْتَاه

(1)

يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا الوَقْتِ عَبْدَ الأوَّلِ بنَ عِيْسَى يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الجُوَيْنِيِّ - يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله بنَ يُوْسُفَ الفَقِيْهِ

(2)

- فَسَأَلَنِي عَنْ شَيْخِ الإِسْلَامِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا خَادِمُهُ، فَقَالَ: رضي الله عنه.

قَالَ الرُّهَاوِيُّ: وَذَكَرَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُتْبِيُّ الهَرَوِىُّ فِي "تَارِيْخِهِ": أَنَّ شَيْخَ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيَّ سَافَرَ إِلَى "نَيْسَابُوْرَ" سَنةَ سَبْعَ عَشَرَ وَأَرْبَعِمَائَةَ طَالِبًا للحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، وَرُؤْيَةِ المَشَايخِ، وَالاسْتِفَادَةِ مِنْهُمْ، وَالتَبَرُّكِ بِصُحْبَتِهِمْ، وَرَجَعَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، ثُمَّ سَافَرَ ثَانِيًا لِلْحَجِّ مَعَ الفَقِيْهِ الإِمَامِ أَبِي الفَضْلِ بنِ

= العِبَارَةَ الأَخِيْرَةِ فِيْهَا مَا يُؤكِّدُ أَنَّه هُوَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يَذْكُرِ الحَافِظُ وَفَاتَهُ، فَلَعَلَّهُ كَانَ حَيًّا زَمَنَ تَأْلِيفِ الكِتَابَيْن أَوْ تَخْرِيْجِهِمَا، بِدَلِيْلِ قَوْلهِ:"شَابٌّ. . .".

(1)

سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي تَرْجَمَةِ "عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَنْدَه".

(2)

هكَذَا فِي النُّسَخِ المُعْتَمَدَةِ كُلِّهَا وَفِي (ط) بِطَبْعَتَيْهِ، وَلَمْ يَتَنَبَّه لَهَا المُحَقِّقُونَ، فَهُوَ سَهْوٌ مِنْ المُؤَلِّفِ رحمه الله. لأنَّ هَذَا لَا يُمكِنُ بِحَالٍ؛ لأنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيَّ الفَقِيْهَ (ت سَنَةَ: 438 هـ) وَوُلِدَ عَبْدُ الأَوَّلِ سَنَةَ (458 هـ)؟! وفي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الأَوَّلِ فِي السِّيَرِ (20/ 403) ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ شَيْخِ الإِسْلَامِ إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ مِنْ مُرِيْدِيْهِ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ" وَ"تَارِيْخِ الإِسْلَامِ" وَغَيْرِهما الخَبَرَ هَكَذَا:"قَالَ أَبُو الوَقْتِ [عَبْدُ الأَوَّلِ] السِّجْزِيُّ: دَخَلْتُ "نَيْسَابُوْرَ"، وَحَضَرْتُ عِنْدَ الأُسْتَاذِ أَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِي، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَادِمُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْمَاعِيْلِ الأَنْصَارِيِّ. . .".

وَأَبُو المَعَالِي هُوَ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ، إِمَامُ الحَرَمَيْنِ، المَوْلُوْدُ سَنَةَ (419 هـ)، وَالمُتَوَفي سَنَةَ (478 هـ) ابنُ سَابِقِهِ، فَصَحَّ أَنَّهُ المَقْصُوْدُ، وَللهِ الحَمْدُ.

ص: 137

أَبِي سَعْدٍ الزَّاهِدُ الوَاعِظُ

(1)

، وَمَعَهُمَا خَلْقٌ كَثِيْرٌ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِيْنَ، فَلَمَّا وَرَدُوا "نَيْسَابُوْرَ" أَخْرَجَ الإمَامُ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُوْنِيُّ

(2)

لِخَالِهِ الإِمَامِ أَبِي الفَضْلِ بنِ أَبِي سَعْدٍ الزَّاهِدِ مَجْلِسًا فِي الحَدِيْثِ لِيُمْلِيْهِ بِـ "نَيْسَابُوْرَ"، فَنَظَر فِيْهِ الأَنْصَارِيُّ وَنَبَّهَ عَلَى خَلَلٍ فِي رِجَالِ الحَدِيْثِ وَقَعَ فِيْهِ، فَقَبِلَ الصَّابُوْنِيُّ قَوْلَهُ، وَعَادَ إِلَى مَا قَالَ، وَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَ السُّرُوْرَ بهِ، وَهَنَأ أَهْلَ

(1)

تَعَذَّرَتْ عَلَيَّ مَعْرِفَتُهُ الآنَ.

(2)

إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِمَامٌ كبيْرٌ، حافِظٌ، ثِقَةٌ، مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيْرِ (ت: 449 هـ)، جَاءَ فِي سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (18/ 43):"قَالَ الكَتَّانِيُّ: مَا رَأَيْتُ شَيْخًا فِي مَعْنَى أَبِي عُثمَانَ زُهْدًا وَعِلْمًا، كَانَ يَحْفَظُ مِنْ كُلِّ فَنٍّ، لا يَقْعُدُ بِهِ شَيْءٌ، وَكَانَ يَحْفَظُ التَّفْسِيرَ مِنْ كُتُبٍ كَثِيْرَةٍ، وَكَانَ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: وَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الأَثَرِ، لَهُ مُصَنَّفٌ فِي السُّنَّةِ وَاعْتِقَادِ السَّلَفِ، مَا رَآهُ مُنْصِفٌ إِلَّا وَاعْتَرَفَ لَه" قَالَ مُحَقِّقُ "السِّيَرِ" فِي الهَامِش: وَهِيَ مَطْبُوْعَةٌ فِي مَجْمُوْعَةِ الرَّسَائِلِ المُنِيْرِيَّةِ (1/ 105 - 135) بِاسْمِ عَقِيْدَةِ السَّلَفِ وَأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، ثُمَّ نَشَرَتْهَا مُفْرَدَةً الدَّارُ السَّلَفِيَّةُ في الكُوَيْتِ [سَنَةَ] 1977 م، وَلَهُ أَشْعَارٌ فِي غَايَةِ الجَوْدَةِ وَالإِتْقَانِ. أَخْبَارُهُ في: تَتِمَّةِ اليَتِيْمَةِ (2/ 115)، وَالأَنْسَابِ (8/ 5)، وَتَارِيْخِ دِمَشْقَ (9/ 3)، فَمَا بَعْدَهَا (تَرْجَمَةٌ حَافَلَةٌ)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُبْكِيِّ (4/ 271)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 282).

وَفِي هَذَا الخَبَرِ دَلِيْلٌ عَلَى كَمَالِ الصَّابُوْنيِّ، وَحُسنِ خُلُقِهِ، وَتَوَاضُعِهِ؛ وَهُوَ فِي دَرَجَةِ شُيُوْخِ شَيْخِ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيِّ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُم. وابْنُهُ عبدُ الرَّحْمَن فِي تَارِيْخِ الإِسْلَام (342)، ولابنِ الصَّابُوني هذَا بِنْتَانِ مَشْهُورَتَان بِالعِلْمِ وَروايَةِ الحَدِيْثِ، إِحْدَاهُمَا خَدِيْجَةُ، والأُخْرَى سُتَيْكٌ. لَهما أَخْبَارٌ وَتَرَاجِمُ حَافِلَةٌ، وَلِلصَّابُونيِّ أَحْفَادٌ مِنْ أَهْلِ العِلْم. لَيْسَ هَذَا مَجَالَ الحَدِيْثِ عَنْهُمْ.

ص: 138

العَصْرِ بِمَكَانِهِ، وَقَالَ: لَنَا جَمَالٌ، وَلأَهْلِ السُّنَّةِ مَكَانَةٌ، وَانْتِفَاعُ المُسْلِمِيْنَ بِعِلْمِهِ وَوَعْظِهِ، وَكَانَ ذلِكَ بِمَشْهَدٍ مِنْ مَشَايخَ فِيْهِمْ كَثْرَةٌ وَشُهْرَةٌ وَبَصِيْرَةٌ.

قَالَ صَاحِبُ "التَّارِيْخِ": وَكُنْتُ حَاضِرًا يَوْمَئِذٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الإِمَامَ عَبْدَ اللهِ الأَنْصَارِيَّ بِـ "نَيْسَابُوْرَ" يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الإِمَامِ نَاصِرٍ المَرْوَزِيِّ

(1)

بِـ "نَيْسَابُوْرَ" وَكَانَ مَجْلِسُهُ غَاصًّا بِتَلَامِذَتِهِ، وَاحْتَفَّ بِهِ الفُقَهَاءُ، وَكَانَ يُدَرِّسُ وَيَقُوْلُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدِّيْقِ رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأَ في الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاةِ المَغْرِبِ

(2)

: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} فَقُلْتُ: - أَيَّدَ اللهُ الشَّيْخَ الإِمَامَ - أَحَدِيْثُ عَهْدٍ أَنْتَ بِهَذَا الحَدِيْثِ وَهُوَ عَلَى ذِكْرِكَ؟ فَقَالَ: لا، فَقُلْتُ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاةِ المَغْرِب: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}

(3)

فَقَالَ: صَدَقْتَ، وَرَجَعَ إِلَى قَوْلِي، وَحَثَّ القَوْمَ عَلَى إِثْبَاتِهِ وَتَعْلِيْقِهِ، ثُمَّ بَكَّرْتُ إِلَيْهِ مِنْ غَدِ هَذَا اليَوْمِ فَرَحَّبَ بِي، وَأَعْلَى مَحَلِّي، وَأَجْلَسَنِي فَوْقَ جَمَاعَةٍ زُهَاءَ سَبْعِيْنَ، كُنْتُ بِالأَمْسِ جالِسًا دُوْنَهُمْ، وَمَدَحْتُهُ بِقَصِيْدَةٍ، وَوَاظَبْتُ عَلَى الاخْتِلَافِ إِلَيْهِ، وَأَخَذَ الفِقْهِ عَنْهُ مُدَّةً.

(1)

هُوَ نَاصِرُ بنُ الحُسَيْن بنِ مُحَمَّدِ، مِنْ أَبْنَاءِ سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رضي الله عنه. أَبُو الفَتْحِ العُمَرِيُّ، المَرْوَزِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ (ت: 444 هـ) مِنْ وُجُوْهِ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيَّ بِـ "نَيْسَابُوْرَ"، تَفَقَّهَ بِـ "مَرْوَ" عَلَى القَفَّالِ وَغَيْرِهِ. أَخْبَارُهُ في: المُنْتخب من السِّيَاقِ (461)، وَالعِبَرِ (3/ 208)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (5/ 350)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 272).

(2)

سورة طه، الآية:114.

(3)

سورة آل عمران، الآية:8.

ص: 139

قَالَ صَاحِبُ "التَّارِيْخِ": وَرَجَعَ الشَّيْخُ مِنْ "حُرْقَانَ"

(1)

وَ"الرَّيَّ"

(2)

عَنْ زِيَارَةِ الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ الحُرْقَانِيِّ، وَكَانَ الحُرْقَانِيُّ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَلَاطَفَهُ فِي المُخَاطَبَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، قَالَ: وَلَقِيَ الشَّيْخُ بِـ "نَيْسَابُوْرَ" الشَّيْخَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ بَاكَوَيْهِ الشَّيْرَازِيَّ

(3)

، وَتَكَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَضِيَ ابنُ بَاكَوَيْهِ قَوْلَهُ، وَاسْتَحْسَنَ فِي الحَقِيْقَةِ كَلَامَهُ، وَبَشَرَ بِأَيَّامِهِ، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الخُرُوْجِ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: نَوَيْتُ سَفَرًا، قَالَ: لَسْتُ مِنْ بَابَةِ السَّفَرِ، بَلْ بَابَتُكَ أَنْ تَعْقِدَ حَلْقَةً تُكَلِّمُهُمْ عَلَى الحَقِّ.

قَالَ صَاحِبُ "التَّارِيْخِ": وَكَانَ إِسْحَقُ القَرَّابُ

(4)

الحَافِظُ يتأَمَّلُ مَا كَانَ يُخْرِجُهُ الأَنْصَارِيُّ، وَكَذلِكَ إِسْمَاعِيْلُ الصَّابُوْنِيُّ

(5)

، قَالَ: وَكُلُّهُمْ تَعَجَّبُوا مِنْ تَخْرِيْجِهِ، وَأُعْجِبُوا بِهِ، وَأَثْنَوا عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وَاغْتَبَطُوا

(1)

كَذَا فِي بَعْضِ الأُصُوْلِ، وَفِي بَعْضِهَا "حرقات" ولا شَكَّ أَنَّهُ اسمُ مَوضعٍ، وَلَمْ أَجِده في مَعَاجِمِ البُلْدَانِ فَلَعَلَّ تَحْرِيْفًا مَا يَكْتَنِفُهَا، وَلَمْ أَجِدِ الرَّجُلَ المَنسُوْبَ إِلَيْهَا، وَدَلِيْلُ أنَّهُ مَوْضِعٌ أَنَّه قَرَنَهُ بِـ "الرِّيِّ".

(2)

هِيَ مَدِيْنَةٌ عَظِيْمَةٌ كَبِيْرَةٌ مِنْ بِلَادِ الجَبَلِ، وَقيْلَ: مِنْ بلادِ الدَّيْلَم، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا رَازِيٌّ، وَفِي المَنْسُوْبِيْنَ إِلَيْها من العُلَمَاءِ كَثْرَةٌ. وَجَمَعَ تَاريخَهَا أَبُو الحَسَن ابنُ بَابَوَيْهِ، وأَبُو مَنْصُوْرٍ الآبِيُّ. يُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (6/ 41)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 132)، وَتَقْوِيْمُ البُلْدَانِ (420)، وَالإِعْلانُ بِالتَّوْبِيْخِ (632)، وَكَشْفُ الظُّنُوْنِ (1/ 295).

(3)

أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بن عُبَيْدِ اللهِ الشِّيْرَازِيُّ الصُّوْفيُّ (ت: 428 هـ). أَخْبَارُهُ في: العِبَرِ (3/ 169)، وَالشَّذَرَاتِ (5/ 144)(دَارُ ابنِ كَثِيْرٍ).

(4)

هُوَ القَاضي أَبُو يَعْقُوْبَ المُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ.

(5)

هُوَ أَبُو عُثْمَانَ المُتَقَدِّم ذِكْرُهُ.

ص: 140

بِمَكَانِهِ، وَدَعَوا لَهُ بالخَيْرِ. وَكَانَ مِنْ عَادَةِ إِسْحَقَ القَرَّابِ الحَافِظِ الحَثُّ عَلَى الاخْتِلَافِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، وَالبَعْثُ عَلَى القِرَاءَةِ عَلَيْهِ، وَاسْتِمَاعِ الأحَادِيْثَ بِقِرَاءَتِهِ، وَالاسْتِفَادَةِ مِنْهُ، وَالمُوَاظَبَةِ عَلَى مَجْلِسِهِ، وَالاخْتِيَارِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَكَانَ يَقُوْلُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَاذِبٌ مِنَ النَّاسِ، وَهَذَا الرَّجُلُ فِي الأحْيَاءِ. قَالَ: وَكُلُّ مَنْ لَقِيْتُ مِنْ أَهْلِ "هَرَاةَ" وَفِي سَائِرِ البُلْدَانِ، حِيْنَ خَرَجْتُ مُسَافِرًا، وَمَن سَمِعْتُ بِخَبَرٍ مِنْهُم فِي الآفَاقِ مِنَ القُضَاةِ وَالأئمَّةِ وَالأفَاضِلِ، وَالمَذْكُوْرِيْنَ، كَانُوا يُحْسِنُوْنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنْكِرُوْنَ فَضْلَهُ.

وَقَالَ الرُّهَاوِيُّ: "سَمِعْتُ أَبَا بِشْرٍ الهَمَذَانِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ شَيْخِي عَبْدَ الهَادِي الَّذِي أَخَذْتُ عَنْهُ العِلْمَ يَقُوْلُ: عَبْدُ اللهِ الأَنْصارِيُّ يُعَدُّ فِي العَبَادِلَةِ. قَالَ الرُّهَاوِيُّ: عَبْدُ الهَادِي هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ "هَمَذَانَ".

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو النَّصْرِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الفَامِيُّ فِي "تَارِيْخِ هَرَاةَ" شيْخَ الإسْلَامِ الأَنْصَارِيَّ، فَقَالَ: كَانَ بِكْرَ الزَّمَانِ، وَزِنَادَ الفَلَكِ، وَوَاسِطَةَ عِقْدِ المَعَانِي وَالمَعَالِي، وَصُوْرَةَ الإقْبَالِ فِي فُنُوْنِ الفَضَائِلِ، وَأَنْوَاعِ المَحَاسِن.

وَمِنْهَا: نُصْرَةُ الدِّيْنِ وَالسُّنَّةِ، وَالصَّلَابَةِ فِي قَهْرِ أَعْدَاءِ المِلَّةِ، وَالمُتَحَلِّيْنَ بِالبِدْعَةِ، حَيِيَ عَلَى ذلِكَ عُمُرَهُ، مِنْ غَيْرِ مُدَاهَنَةٍ وَمُرَاقَبَةٍ

(1)

لِسُلْطَانٍ وَلَا وَزِيْرٍ، وَلَا مُلَايَنَةٍ مَعَ كَبِيْرٍ وَلَا صَغِيْرٍ، وَقَدْ قَاسَى بِذلِكَ السَّبَبِ قَصْدَ الحُسَّادِ فِي كلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ، وَمُنِيَ بِكَيْدِ الأَعْدَاءِ فِي كُلِّ حِيْنٍ وَأَوَانٍ، وَسَعَوا فِي رُوْحِهِ مِرَارًا، وَعَمَدُوا إِلَى هَلَاكِهِ أَطْوَارًا، مُقَدِّرِيْنَ بِذلِكَ الخَلَاصَ مِنْ يَدِهِ

(1)

سَاقطٌ من (أ).

ص: 141

وَلِسَانِهِ، وَإِظْهَارِ مَا أَضْمَرُوا فِي زَمَانِهِ، فَوَقَاهُ اللهُ شَرَّهُمْ، وَأَحَاطَ بِهِمْ مَكْرَهُمْ، وَجَعَلَ قَصْدَهُمْ لاِرْتِفَاعِ أَمْرِهِ وَعُلُوِّ شَأْنِهِ أَقْوَى سَبَبٍ، وَلَيْسَ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى بِبِدْعٍ وَلَا عَجَبٍ:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}

(1)

.

وَأَمَّا قَبُوْلُهُ عِنْدَ الخَاصِّ وَالعَامِّ، وَاسْتِحْسَانِ كَلَامِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي جَمِيْعِ بِلَادِ الإسْلَامِ، فَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ أَوْ بُرْهَانٌ

(2)

، أَوْ يَخْتَلِفُ فِي سَبْقِهِ وَتَقَدُّمِهِ فِيْهَا مِنَ الأَئِمَّةِ اثْنَانِ، وَلَقَدْ هَذَّبَ أَحْوَالَ هَذِهِ النَّاحِيَةِ عَنِ البِدَعِ بِأَسْرِهَا، وَنَقَّحَ أُمُوْرَهُمْ عَمَّا اعْتَادُوْهُ مِنْهَا فِي أَمْرِهَا، وَحَمَلَهُمْ عَلَى الاعْتِقَادِ الَّذِي لَا مَطْعَنَ لِمُسْلِمٍ بِشَيْءٍ عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيْلَ لِمُبْتَدِعٍ إِلَى القَدْحِ إِلَيْهِ.

وَمِنْهَا: تَصَانِيْفُهُ الَّتِي حَازَ فِيْهَا قَصَبَ السَّبْقِ بَيْنَ الأَضْرَابِ، وَذَكَرَهَا فِي بَابِ المُصَنِّفِيْنَ مِنَ الكُتَّابِ.

وَذَكَرَهُ أَيْضًا الإمَامُ أَبُو الحُسَيْنِ عَبْدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ

(3)

، خَطِيْبُ "نَيْسَابُوْرَ" فِي "تَارِيْخِ نَيْسَابُوْر"، فَذَكَرَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، وَقَالَ: أَبُو إِسْمَاعِيْلَ،

(1)

سورة محمَّد، الآية:7.

(2)

في (ط): "وَبُرهَان".

(3)

هُوَ الإِمَامُ المُحَدِّثُ اللُّغَوِيُّ المَشْهُوْرُ (ت: 529 هـ) مُؤَلِّفُ "مَجْمَعِ الغَرَائِبِ" فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ، وَ"المُفْهم لِشَرْحِ صَحِيْحِ مُسْلِم" وَ"تَارِيْخ نَيْسَابُوْر". أَخْبَارُهُ في: العِبَرِ (4/ 79)، وَطَبَقَاتِ الشَّافعِيَّة للسُّبْكِيِّ (4/ 255)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَب (4/ 93). يُرَاجَعُ: المُنْتَخَبُ من السِّياقِ (284)، وَالنَّصُّ فيه مُخْتَصَرٌ بِتَصرُّف المُنْتَخِبِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بن الأَزْهَرِ الصَّرِيْفِيْنِيِّ، لِذَا لا يُمْكِنُ المُقَارَنَة به. والصَّرِيْفِيْنِيُّ حَنْبَلِيٌّ (ت: 641 هـ) ذكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

ص: 142

الإمَامُ، شَيْخُ الإسْلَامِ بِـ "هَرَاةَ"، صَاحِبُ القَبُوْلِ فِي عَصْرِهِ، وَالمَشْهُوْرُ بِالفَضْلِ وَحُسْنِ الوَعْظِ وَالتَّذْكِيْرِ فِي دَهْرِهِ، لَمْ يَرَ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ فِي فَنِّهِ حُلْمًا مَا رَآهُ عَيَانًا، مِنَ الحِشْمَةِ الوَافِرَةِ القَاهِرَةِ، وَالرَّوْنَقِ الدَّائِمِ، وَالاسْتِيْلَاءِ عَلَى الخَاصِّ وَالعَامِّ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَاتَسَاقِ أُمُوْرِ المُرِيْدِيْنَ وَالأَتْبَاعِ، وَالغَالِيْنَ فِي حَقِّهِ، وَالتِئَامِ المَدَارِسِ، وَالأَصْحَابِ، وَالخَانِقَاهُ، وَنُوَّابِ المَجَالِسِ، إِلَى غَيْرِ ذلِكَ مِمَّا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى الشَّرْحِ.

وَكَانَ عَلَى حَظٍّ تَامٍّ مِنَ العَرَبِيَّةِ، وَمَعْرِفَةِ الأَحَادِيْثِ، وَالأَنْسَابِ، وَالتَّوَارِيْخِ، إِمَامًا كَامِلًا فِي التَّفْسِيْرِ وَالتَّذْكِيْرِ، حَسَنَ السِّيْرَةِ وَالطَّرِيْقَةِ فِي التَّصَوُّفِ وَمُبَاشَرَةِ التَّصَوُّفِ، وَمُعَاشَرَةِ الأَصْحَابِ الصُّوْفِيَّةِ، مُظْهِرَ السُّنَّةِ، دَاعِيًا إِلَيْهَا، مُحَرِّضًا عَلَيْهَا، غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِكَسْبِ الأَسْبَابِ وَالضِّيَاعِ وَالعَقَارِ، وَالتَّوَغُّلِ فِي الدُّنْيَا، مُكْتَفِيًا بِمَا يُبَاسِطُ بِهِ المُرِيْدِيْنَ وَالأَتْبَاعَ مِن أَهْلِ مَجْلِسِهِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، حَاكِمًا عَلَيْهَا حُكْمًا نَافِذًا بِمَا كَانَ يَحْتاجُ إِلَيْهِ هُوَ وَأَصحَابُهُ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ عَلَى رَأْسِ المَلإِ، فَيَحْصُلُ عَلَى أُلُوْفٍ مِنَ الدَّنَانِيْرِ بِهَا، وَأَعْدَادٍ جَمَّةٍ مِنَ الثِّيَابِ وَالحُلِيِّ، وَغَيْرِ ذلِكَ، فَيَجْمَعُهَا وَيُفَرِّقُهَا عَلَى الخَبَّازِ، وَالبَقَّالِ، وَالقَصَّابِ، وَيُنْفِقُ مِنْهَا، مُوَسِّعًا فِيْهَا مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنَ السَّلَاطِيْنِ وَالظَّلَمَةِ وَالأَعْوَانِ وَأَركَانِ الدَّوْلَةِ شَيْئًا، وَقَلَّمَا يُرَاعِيْهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُبَالِي بِهِمْ، فَبَقِيَ عَزِيْزًا مَقْبُولًا، قَبُوْلًا أَتَمَّ مِنَ المَلِكِ عَلَى الحَقِيْقَةِ، مُطَاعَ الأَمْرِ قَرِيْبًا مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً، مِنْ غَيْرِ مُزَاحَمَةٍ، وَلَا فُتُوْرٍ فِي الحَالِ.

وَمِنْ خَصَائِصِهِ: أَنَّهُ كَانَ حَضرَ المَجْلِسَ لَبِسَ الثِّيَابَ الفَاخِرَةَ، وَرَكِبَ

ص: 143

الدَّوَّابَّ الثَّمِيْنَةَ، وَالمَرَاكِبَ المَعْرُوْفَةَ، وَتَكَلَّفَ غَايَةَ التَّكَلُّفِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّمَا أَفْعَلُ هَذا إِعْزَازًا لِلدِّيْنِ، وَرَغْمًا لِأَعْدَائِهِ، حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى عِزِّيْ وَتَجَمُّلِي، فَيَرْغَبُوا فِي الإِسْلَامِ إِذَا رَأَوا عِزَّهُ، ثُمَّ إِذَا انْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ عَادَ إِلَى المُرَقَّعَةِ وَالقُعُوْدِ مَعَ الصُّوْفيَّةِ فِي الخَانِقَاهُ، يَأْكُلُ مَعَهُمْ مَا يَأْكُلُوْنَ، وَيَلْبَسُ مَا يَلْبَسُوْنَ، وَلَا يَتَمَيَّزُ فِي المَطْعُوْمِ وَالمَلْبُوْسِ عَنْ آحَادِهِم، عَلَى هَذَا كَانَ يُزْجِي أَيَّامَهُ، وَكُلُّ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ سِيْرَتِهِ مَحْمُوْدٌ.

وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أَخَذَهُ أهْلُ "هَرَاةَ" عَنْهُ مِنْ مَحَاسِنِ سِيْرَتِهِ: التَّبْكِيْرُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَدَاءُ الفَرَائِضِ فِي أَوَائِلَ أَوْقَاتِهَا، وَاسْتِعْمَالُ السُّنَنِ وَالآدَابِ فِيْهَا.

وَمِنْ ذلِكَ: تَسْمِيَةُ الأَوْلَادِ فِي الأَغْلَبِ بِالعَبْدِ المُضَافِ إِلَى اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى: كَعَبْدِ الخَالِقِ، وَعَبْدِ الخَلَّاقِ، وَعَبْدِ الهَادِي، وَعَبْدِ الرَّشِيْدِ، وَعَبْدِ المَجِيْدِ، وَعَبْدِ المُعِزِّ، وَعَبْدِ السَّلَامِ، وَإِلَى غَيْرِ ذلِكَ مِمَّا كَانَ يَحُثُّهُمْ وَيَدْعُوْهُمْ إِلَى ذلِكَ، فَتَعَوَّدُوا الجَرْيَ عَلَى تِلْكَ السُّنَّةِ

(1)

وَغَيْرِ ذلِكَ مِنْ آثَارِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ شُيُوْخِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو القَاسِمِ أَسْعَدُ بنُ عَلِيٍّ البَارِعُ الزَّوْزَنِيُّ

(2)

لِنَفْسِهِ فِي الإمَامِ، وَقَدْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ:

وَقَالُوا رَأَيْتَ كَعَبْدِ الـ

ـــإلَهِ إِمَامًا إِذَا عُقِدَ المَجْلِسَا

(1)

هُم عَلَيْهَا إِلَى الآنِ.

(2)

شَاعِرٌ مُجِيْدٌ (ت: 492 هـ) قَالَ عَنْهُ السَّمْعَانِيُّ: "كَانَ شَاعِرَ عَصْرِهِ، وَوَاحِدَ دَهْرِهِ بِـ "خُرَاسَانَ" لَهُ القَصَائِدُ الحَسَنَةُ، وَالمَعَانِي الدَّقِيْقَةُ الغَرِيْبَةُ، وَقَدْ شَاعَ ذِكْرُهُ، وَسَارَ شِعْرُهُ. أَخْبَارُهُ فِي: دُمْيَةِ القَصْرِ (2/ 450)، وَالأَنْسَابِ (3/ 176)، وَمُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (2/ 239).

ص: 144

فَقُلْتُ أَمَا إِنَّنِي مَا رَأَيْـ

ــــتُ وَلَمْ يَلْقَ قَبْلِيَ مِمَّن عَسَى

فَقَالُوا يَجِيْءُ نَظِيْرٌ لَهُ

فَقُلْتُ كَمُسْتَقْبَلٍ مِنْ عَسَى

قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ: وَقَرَأْتُ فِي "دُمْيَةِ القَصْرِ" لأَبِي الحَسَنِ البَاخَرْزِيِّ

(1)

فَصْلًا فِي الإمَامِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصارِيِّ، وَذلِكَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ فِي التَّذْكِيْرِ فِي الدَّرَجَةِ العُلْيَا، وَفِي عِلْمِ التَّفْسِيْرِ أَوْحَدُ الدُّنْيَا، يَعِظُ فَيَصْطَادُ القُلُوْبَ بِحُسْنِ لَفْظِهِ، وَيُمَحِّصُ الذُّنُوْبَ بِيُمْنِ وَعْظِهِ، وَلَوْ سَمِعَ قِسُّ بنُ سَاعِدَةَ

(2)

تِلْكَ الأَلْفَاظَ، لَمَا خَطَبَ بِسُوْقِ "عُكَاظَ"، ثُمَّ ذَكَرَ بَيْتَيْنِ لِلإِمَامِ عَبْدِ اللهِ فِي نِظَامِ المُلْكِ وَهُمَا:

بِجَاهِكَ أَدْرَكَ المَظْلُوْمُ ثَارَهُ

وَمَنِّكَ شَادَ بَانِي العَدْلِ دَارَهْ

وَقَبْلَكَ هُنِّئَ الوُزَرَاءُ حَتَّى

نَهَضْتَ بِهَا فَهُنِّئْتِ الوِزَارَهْ

ثُمَّ قَالَ: وَحَضَرْتُ يَوْمًا مَجْلِسَهُ بِـ "هَرَاةَ" مَعَ أَبِي عَاصِمٍ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ

(1)

ذَكَرْنَا "دُمْيَة القَصْرِ" في مَصَادِرِ تَخْرِيْجِ التَّرْجَمَةِ. وَالبَاخَرْزِيُّ: أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَبِي الطَّيِّب، وَيُكنى أَيضًا أَبَا القَاسِمِ (ت: 467 هـ) شَاعِرٌ، أَدِيْبٌ، مَنْسُوْبٌ إِلَى "بَاخَرْزَ" بَلْدَةٌ بِـ "خَرَاسَانَ" بَيْنَ "هَرَاةَ" وَ"نَيْسَابُوْرَ" يُجِيْدُ اللِّسَانَيْنِ العَرَبِيِّ وَالفَارِسِيِّ، سُنِّيُّ المَذْهَبِ، جَمَعَ شُعَرَاءَ "بَاخَرْزَ" وَأَلَّفَ "دُمْيَةَ القَصْرِ" وَهُوَ مِن أَجْوَدِ الكُتُبِ المُؤلَّفَةِ في بَابِهِ، عَلَى نَسَقِ كِتَابِ الثَّعَالِبيِّ "يَتِيْمَةِ الدَّهْرِ" وَقَدْ أُلِّفَ عَلَى مِنْوَالِهِمَا كُتُبٌ كَثِيْرَةٌ جدًّا عَلَى مَرِّ العُصُوْرِ في ذِكْرِهَا إِطَالَةٌ. أَخْبَارُهُ في: مُعْجَمِ الأدَبَاءِ (13/ 33)، وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (3/ 66)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 327)، وَلَهُ دِيْوَانُ شِعْرٍ جَمَعَهُ الدُّكتور مُحَمَّدُ التُونجي، وَنُشِرَ فِي مَنْشُوْرَاتِ كُليَّةِ الآدابِ بالجَامعة اللِّيْبِيَّة سَنَةَ (1973 م).

(2)

قِسُّ بنُ سَاعِدَةَ الإِيَادِيُّ خَطِيْبُ العَرَبِ المَعْرُوْفُ، وَسُوْقُ "عُكَاظ" مَعْرُوفٌ أَيْضَا، وَهُوَ مَوْقِعٌ قُرْبَ مَدِيْنَةِ "الطَّائِفِ" مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّمَالِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ، وشُهْرَتُهُ تُغني عَنِ التَّعْرِيْفِ بِه.

ص: 145

ابنِ الفُضَيْلِيِّ الهَرَوِيِّ

(1)

شَيْخِ الأَفَاضِلِ بـ "هَرَاةَ"، فَلَمَّا طَابَ فُؤَادُهُ، وَعَرَقَ جَوَادُهُ، وَطَنَّتْ نَقَرَاتُ العَازِفِيْنَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، وَدَنَتِ المَلَائِكَةُ فَتَدَلَّتْ لِلإصْغَاءِ، قَالَ أَبُو العَاصِمِ:

(2)

عُيُوْنُ النَّاسِ لَمْ تَلْـ

ــــقَ وَلَا تَلْقَى كَعَبْدِ اللهْ

وَلَا يُنْكِرُ هَذَا غَيْـ

ـــــرَ مَنْ مَالَ عَنِ المِلَّهْ

قَالَ البَاخَرْزِىُّ: فَقُلْتُ أَنَا

(3)

:

مَجْلِسُ الأُسْتَاذِ عَبْدِ اللّـ

ــــهِ رَوْضُ العَارِفِيْنَا

أَلْحَقَ الفَخْرَ بِنَا

بَعْدَ حُكْمِ العَارِ فِيْنَا

قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ: وَفِي المَنْقُوْلَاتِ مِنْ أَخْبَارِهِ وَآثَارِهِ، وَمَا قِيْلَ فِيْهِ مِنَ الأَشْعَارِ، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنَ العِبَارَاتِ كَثِيْرٌ، وَفِي هَذَا القَدْرِ دَلِيْلٌ عَلَى أَمْثَالِهَا.

وَقَالَ شَيْخِ الإسْلَامِ أَبُو العَبَّاسِ بنُ تَيْمِيَّةِ فِي كِتَابِ "الأَجْوِبَةِ المِصْرِيَّةِ"

(4)

شَيْخُ الإسْلَامِ، مَشْهُوْرٌ، مُعَظَّمٌ عِنْدَ النَّاسِ، هُوَ إِمَامٌ فِي الحَدِيْثِ، وَالتَّصَوُّفِ،

(1)

(ت: 471 هـ) لَهُ تَرْجَمَةٌ فِي طَبَقَاتِ الفُقَهَاءِ (86)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّة للسُّبْكِيِّ (5/ 309).

(2)

لَمْ أَجِدْهُمَا، وفي (ط):"عن الله".

(3)

البَيْتَانِ في دِيْوَانِ البَاخَرْزِيِّ (207، 208)، ودُمْيَةِ القَصْرِ (2/ 875)، وفي (ط) بطبعتيه:"بعد حكم" وفي الأُصُوْل المُعْتَمَدَةِ: "بعد أحكام" وَعَلَّقَ عَلَيْهَا ابنُ حُمَيْدٍ النَّجْدِيُّ بِقَوْلِهِ: "يُنظر وَزْنُ العَجُزِ الثَّاني. . ." وَفِي "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ": "بَعْدَ احْتِكَامِ" وَهِيَ كَذلِكَ في الدِّيْوَانِ، وَدُمْيَةِ القَصْرِ، وفي (ب) و (جـ):"تعارقينا" تَصْحِيْفٌ. "العَارِفِيْنَا" الأوْلَى مِنَ المَعْرِفَةِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَـ "العَارُ" العَيْبُ "فِيْنَا" جَارٌ وَمَجْرُوْرٌ.

(4)

هُوَ المَعْرُوْفُ بـ "الفَتَاوَى المِصْرِيَّةِ" وَهُوَ مَطْبُوْعٌ.

ص: 146

وَالتَّفْسِيْرِ، وَهُوَ فِي الفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الحَدِيْثِ، يُعَظِّمُ الشَّافِعِيَّ، وَأَحْمَدَ، وَيُقَرِّبُ

(1)

بَيْنَهُمَا فِي أَجْوِبَتِهِ فِي الفِقْهِ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ تَارَةً وَقَوْلَ أَحْمَد أُخْرَى، وَالغَالِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الحَدِيْثِ عَلَى طَرِيْقَة ابنُ المُبَارِك

(2)

وَنَحْوِهِ.

قَالَ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الحَسَنِ الكَرَجِيُّ

(3)

، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ فِي بِلَادِهِ،

(1)

في (جـ) و (هـ) و (ط) بطبعتيه: "يقرن".

(2)

هو عبدُ الله بنُ المُبَارَك بنِ وَاضِحٍ الحَنْظَلِيُّ التَّمِيْمِيُّ بالوَلَاءِ (ت: 181 هـ) زاهِدٌ، مُجَاهِدٌ، مُحَدِّثٌ، ثِقَةٌ، مَعْرُوْفٌ. يُرَاجَعُ: سِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (8/ 378).

(3)

في (ط) بطبعتيه: "الكَرْخِيُّ" وإِنَّمَا هُوَ "الكَرَجِيُّ" بفَتْحِ الكَافِ وَالرَّاءِ، وَالجِيْمُ في آخِرِهَا، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى "الكَرَجِ" وَهِيَ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الجَبَلِ بَيْنَ "أَصْبَهَانَ" وَ"هَمَذَانَ". يُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (10/ 181)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (4/ 506)، وَالمَذْكُوْرُ هُنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، أَبُو الحَسَنِ الكَرَجِيُّ (ت: 532 هـ). قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ: "رَأَيْتُهُ بِالكَرَجِ، إِمَامٌ، وَرِعٌ، فَقِيْهٌ، مُفْتٍ، مُحَدِّثٌ، خَيِّرٌ، أَديبٌ، شَاعِرٌ، أَفْنَى عُمُرَهُ في جَمْعِ العِلْمِ وَنَشْرِهِ. وَكَانَ لَا يَقْنِتُ في الفَجْرِ وَيُقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ فَاتْرُكُوا قَوْلِي وَخُذُوا بِالحَدِيثِ، وَصَحَّ عِنْدِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ القُنُوْتَ في صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَلَهُ قَصِيْدَةٌ في السُّنَّةِ نَحْوَ مَائَتَي بَيْتٍ، شَرَحَ فِيْهَا عَقِيْدَةَ السَّلَفِ. . ." قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: قُلْتُ: أَوَّلُ القَصِيْدَةِ:

مَحَاسِنُ جِسْمِي بُدِّلَتْ بِالمَعَايِبِ

وَشَيَّبَ فَوْدِي شَوْبُ وَصْلِ الحَبَايبِ

[وَأَقْبَلَ شَيْبِي وَالشَّبِيْبَةُ أَدْبَرَتْ

وَقُرِّبَ مِنْ أَحْزَانِنَا كُلُّ غَائِبِ]

مِنْهَا

عَقَائِدُهُمْ إِنَّ الإله بِذَاتِهِ

عَلَى عَرْشِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالغَوَائِبِ

وَمِنْهَا: =

ص: 147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَفِي كَرَجٍ - وَاللهِ - مِنْ خَوْفِ أَهْلِهَا

يَذُوْبُ بِهَا البِدْعِيُّ يَا شَرَّ ذَائِبِ

يَمُوْتُ وَلَا يَقْوَى لإِظْهَارِ بِدْعَةٍ

مَخَافَةَ حَزِّ الرَّأْسِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ

أَخْبَارُ الكَرَجِيِّ في: المُنْتَظَمِ (1/ 75)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لابنِ الصَّلاح (1/ 215)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبكيِّ (6/ 137)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 100)

وَغَيْرِهَا.

(تَعْلِيْقٌ): قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ: وَلَهُ قَصِيْدَةٌ بائيةٌ في السُّنَّةِ، شَرَحَ فِيْهَا اعْتِقَادَهُ واعْتِقَادَ السَّلَفِ، تَزِيْدُ عَلَى مَائتي بَيْتٍ، قَرَأْتُهَا عَلَيْهِ في دَارِهِ بالكَرَجِ".

يَقُولُ الفَقِيْرُ إلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَان العُثَيْمِيْن - عَفَا الله عَنْهُ -: ويَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ القَصِيْدَة هي الَّتِي تُسَمَّى: "عَرُوْسَ القَصَائِدِ في شُمُوْسِ العَقَائِدِ" وَقَدْ أَذهَلَتْ هَذِهِ القَصِيْدَةُ التَّاجَ السُّبْكِيَّ فَتَخَبَّطَ في الرَّدِّ عَلَيْهَا، وَاستَخْدَمَ عِبَارَاتٍ سُوْقيَّةً لَا تُنَاسِبُ وَقَارَ العِلْمِ قَالَ:"نَالَ فِيْهَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ [الأشَاعِرَة] وَبَاحَ بِالتَّجْسِيْمِ [مَذْهَبُ السَّلَفِ في الصِّفَاتِ] فَلَا حَيَّا اللهُ مُعْتَقِدَهَا وَلَا حَيِىَ قَائِلُهَا كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهَا في الأَشْعَرِيِّ أَقْبَحَ كَلَامٍ، وَافْتَرَى عَلَيْهِ أَيَّ افْتِرَاءٍ". وَنَالَ السُّبْكِيُّ مِنَ الذَّهَبِيِّ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ القَصِيْدَةَ دُسَّتْ فِي كِتَابِ ابنِ السَّمْعَانِيِّ، ثُمَّ طَعَنَ فِي مُسْتَوى القَصِيْدَةِ الفَنِّي وَالأَدَبِيِّ، وَاسْتَجَادَ مِنَ النَّاحِيَةِ الفَنِّيَّةِ مَا كَانَ منَ الأَبْيَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ عَقِيْدَةَ الأشَاعِرَةِ، وَاسْتَقْبَحَ مَا تَنَاوَلَ عَقَائِدَهُمْ، قَالَ:"وَبَعْضُهَا - وَهُوَ المُشْتَمِلُ عَلَى القَبَائِحِ - فِي غَايَةِ الرَّدَاءَةِ لَا يَرْضَى بِهِ مَن يُحْسِنُ الشِّعْرِ؟! وَقَالَ: وَمَا أَبْرَدَ هَذَا الشِّعْرِ وأَسْمَجَهُ، وَقَالَ: "فَإِذَا جَمَعَهَا جَامِعٌ أَضَلَّ ضَلالًا مُبِيْنًا

وَقَوْله: فَقَبَّحَهُ اللهُ مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللهِ. ثُمَّ قَالَ: "فَإِنَّ الأشَاعِرَةَ إِنَّمَا هُمْ نَفْسُ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَوْ هُم أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ؟! " أَلَا تَرَى تَرَدُّدَ السُّبْكِيَّ في الأشَاعِرَةِ؟! وَتَعَرَّضَ في كَلَامِهِ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ تَقَيِّ الدِّيْنِ بنِ تَيْمِيَّةَ وَنَقَلَ مِنْ رَدِّ ابنِ الزَّمَلْكَانِي عَلَيْهِ، كَعَادَتِهِ في النَّيْلِ من الشَّيْخِ بِأَدْنَى سَبَبٍ. ثُمَّ قَالَ في آخِرِ كَلَامِهِ: "فَهَذَا مَا أَرَدْتُ حِكَايَتَهُ مِنْهَا، وَلَوْ أَمْكَنَ إِعْدَامُهَا مِنَ الوُجُوْدِ كَانَ أَوْلَى، وَالأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا مُلَفَّقَةٌ مَوْضُوْعَةٌ، وَضَعَ فِيْهَا مِنَ الخُرَافَاتِ مَنْ لَا يَسْتَحْيِيْ. ثُمَّ أَقُوْلُ:

ص: 148

فِي كِتَابِهِ "الفُصُوْلِ فِي الأُصُوْلِ": أَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الفُضَلَاءِ لِلإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ أَنْشَدَ فِي مَعْرَضِ النَّصِيْحَةِ لأهْلِ السُّنَّةِ:

كُنْ إِذَا مَا حَادَ عَنْ حَدِّ الهُدَى

أَشْعَرِيُّ الرَّأْي شَيْطَانُ البَشَرْ

شَافِعِيُّ الشَّرْعِ سِنِّيُّ الحُلَى

حَنْبَلِيُّ العِقْدِ صُوْفِيَّ السِّيَرْ

وَمِنْ شِعْرِ شَيْخِ الإسْلَامِ مِمَّا أَنْشَدَهُ الرُّهَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ:

سُبْحَانَ مَنْ أَجْمَلَ الحُسْنَى لِطَالِبَهَا

حَتَّى إِذَا ظَهَرَتْ فِي عَبْدِهِ مُدِحَا

لَيْسَ الكَرِيْمُ الَّذِي يُعْطِي لِتَمْدَحَه

إِنَّ الكَرِيْمَ الَّذِي يُثْنِي بِمَا مَنَحَا

وَأَنْشَدَ لَهُ:

نَهْوَاكَ نَحْنُ وَنَحْنُ مِنْكَ نَهَابُ

أَهَوًى وَخَوْفًا إِنَّ ذَاكَ عُجَابُ

شَخَصَ العُقُوْلُ إِلَيْكَ ثُمَّ اسْتَحْسَرَتْ

وَتَحَيَّرَتْ فِي كُنْهِكَ الأَلْبَابُ

قُلْتُ: وَلِشَيْخِ الإسْلَامِ شِعْرٌ كَثيْرٌ حَسَنٌ جِدًّا؛ وَلأَجْلِ هَذَا ذَكَرَهُ البَاخَرْزِيُّ الأَدِيْبُ فِي كِتَابِهِ "دُمْيَةِ القَصْرِ فِي شُعَرَاءِ العَصْرِ" وَلَهُ كَلَامٌ فِي التَّصَوُّفِ وَالسُّلُوْكِ

= قَبَّحَ اللهُ قَائِلهَا كَائِنًا مَنْ كَان، إِنْ يَكُنْ هُوَ هَذَا الكَرَجِيَّ فَنَحْنُ نَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْهُ، إِلَّا أَنِّي عَلَى قَطْعٍ بِأَنَّ ابنَ السَّمْعَانِيِّ لَا يَقْرَأُ هَذِهِ الأبْيَاتِ، ولَا يَسْتَحِلُّ رِوَايَتَهَا.

أَقُوْلُ أَيْضًا: هَذَا قَوْلُ المُتَحَيِّرِ المُضْطَرِبِ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَقُوْلُ، وَهُوَ أمَامَ شَيْخٍ شَافِعِيِّ المَذْهَبِ مِنْ بَنِي جَلْدَتِهِ، مُحَقِّقٌ، عَلَّامَةٌ، مُحَدِّثٌ، يَنْهَجُ مَنْهَجَ السَّلَفِ الصَّالِح، مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، وَلَوْلا أَنَّ القَصِيْدَةَ في غَايَةِ القُوَّةِ وَالبَيَانِ، وَالتَّأْثِيْرِ فِي سَامِعِهَا، لَمَا انْبَرَى السُّبْكِيُّ للرَدِّ عَلَيْهَا؛ لِذَا لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلهِ الصَّادِرِ عن غَيْرِ رَوِيَّةٍ. وَكَلَامُ السُّبْكِيِّ كلُّه مُدْخُوْلٌ يُمْكِنُ الرَّدُّ عَلَيْهِ بالتَّفْصِيْلِ، وَكَيْفَ يَقْطَعُ بِأَنَّ السَّمْعَانِيَّ لَمْ يَقْرَأْهَا، هَلْ يَدَّعِي عِلْمَ الغَيْبِ؟! لا يُسْتَبْعَدُ ذلك عَلَى أَهْلِ الكَشْفِ وَالزَّيْفِ.

ص: 149

دَقِيْقٌ. وَقَدِ اعْتَنَى بِشَرْحِ كِتَابِهِ "مَنَازِلِ السَّائِرِيْنَ" جَمَاعَةٌ

(1)

، وَهُوَ كَثِيْرُ الإشَارَةِ إِلَى مَقَامِ الفَنَاءِ فِي تَوْحِيْدِ الرُّبُوْبِيَّةِ، وَاضْمِحْلَالِ مَا سِوَى اللهِ

(2)

فِي الشُّهُوْدِ لَا فِي الوُجُوْدِ، فَيَتَوَهَّمُ فِيْهِ أَنَّهُ يُشِيْرُ إِلَى الاتِّحَادِ حَتَّى انْتَحَلَهُ قَوْمٌ مِنَ الاتِّحَادِيَّةِ، وَعَظَّمُوْهُ لِذلِكَ، وَذَمَّهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدَحُوا فِيْهِ بِذلِكَ، وَقَدْ بَرَّأَهُ اللهُ مِنْ الاتِّحَادِ، وَقَدِ انْتَصَرَ لَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ القَيِّمِ فِي كِتَابِه الَّذِي شَرَحَ فِيْهِ "المَنَازِلَ"

(3)

وَبَيَّنَ أَنَّ حَمْلَ كَلَامِهِ عَلَى قَوَاعِدِ الاتِّحَادِ زُوْرٌ وَبَاطِلٌ. تُوفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ العَصْرِ ثَانِي عِشْرِيْنَ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ يَوْمَ السَّبْتِ بِـ "كَازِيَارِكَاه"

(4)

مَقْبَرَةٍ بِقُرْبِ "هَرَاةَ"، وَكَانَ يَوْمًا كَثِيْرَ المَطَرِ، شَدِيْدَ الوَحْلِ، وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ يَقُوْلُ فِي حَيَاتِهِ: إِنِ اسْتَأْثَرَ اللهُ بِي فِي الصَّيْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَطْعٍ مَخَافَةَ المَطَرِ،

(1)

ذَكَرَ حَاجِي خَلِيْفَة في كَشْفِ الظُّنُوْنِ (2/ 1828) مِنْهُمْ: سُلَيْمَانُ بنُ عَلِيٍّ التِّلْمِسَانِيُّ (ت: 690 هـ)، وَعَبْدُ الغَنِيِّ التِّلْمِسَانِيُّ (ت؟)، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْم الوَاسِطِيُّ (ت: 711 هـ)، وكَمَالُ الدِّيْن عَبْدُ الرَّزَّاق الكَاشِيُّ (ت: 730 هـ)، وَمَحْمُوْد بنُ مُحَمَّد الدَّركزينيُّ (ت: 743 هـ)، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَيْسِيُّ (ت: 747 هـ)، وَالعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّين مُحَمَّدُ بنُ قَيِّمِ الجَوْزِيَّة (ت: 751 هـ)، وَغِيَاثُ الدِّيْن مُحَمَّد بنُ رَشِيْدِ الدِّيْنِ (ت بعد 799 هـ)، ومُصْلِحُ الدِّيْن بنُ نُوْرِ الدِّيْنِ (ت: 981 هـ)، وَشَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدٌ التَّبادَكَانِيُّ الطُوْسِيُّ (ت: 891 هـ) بِاللُّغَة الفَارِسِيَّة. وَاخْتَصَرَتْهُ عَائِشَةُ بنتُ يُوسفَ الدِّمَشْقِيَّةُ.

(2)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "تَعَالَى".

(3)

هُوَ الكِتَابُ المَشْهُوْر المَطْبُوع المَعْرُوْفُ بِـ "مَدَارِجِ السَّالِكِيْنَ".

(4)

مُعْجَمُ البُلْدَانِ (4/ 486) قَالَ: "جَبَلٌ وَقَرْيَةُ بِهَرَاةَ، فِيْهَا مَقْبَرَةٌ لَهُم".

ص: 150

فَصَدَّقَ اللهُ ظَنَّهُ فِي ذلِكَ.

حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الحُفَّاظِ وَغيْرِهِمْ كَالمُؤْتَمَنِ السَّاجِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَاهِرٍ، وَأَبِي نَصْرٍ الغَازِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُّوْخِيِّ.

قَرَأْتُ عَلَى أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ القَزْوِيْنِيِّ

(1)

بِـ "بَغْدَادَ": أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المُقْرِئُ (ح) وأَخْبَرَنَا الرَّبِيْع

(2)

عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ بِهَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ - وَأَنَا فِي الخَامِسَةِ - (أنَا) وَالِدِي أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَا:(أَنَا) أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ

(1)

عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القَزْوِيْنِيُّ الشَّافِعِيُّ، سِرَاجُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ (ت: 750 هـ) مِنْ شُيُوْخِ المُؤَلِّفِ وَشُيُوْخِ وَالِدِهِ شِهَابِ الدِّيْن بنِ رَجَبٍ ذَكَره في مُعْجَمِهِ "المُنْتَقَى" رقم (117)، وَهُوَ إِمَامُ جَامِعِ الخَلِيْفَةِ بِـ "بَغْدَادَ". لَهُ أَخْبَارٌ في الدُّرَرِ الكَامِنَة (3/ 256)، وَتَارِيْخِ ابنِ قَاضِي شُهْبَةَ (2/ 1/ 697)، قَالَ ابنُ قَاضِي شُهْبَةَ:"سَمِعَ مِنْهُ المُقْرِئُ شِهَابُ الدِّيْنِ بنُ رَجَبٍ، وَذَكَرَهُ في "مُعْجَمِهِ" وَوَلَدُهُ الحَافِظُ زَيْنُ الدِّيْن، وَقَرَأَ عَلَيْهِ "مَشْيَخَتَهُ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: وَقَفْتُ علَى "مَشْيَخَتِهِ" المَذْكُوْرِ، وَعِنْدِي لَهُ أَيْضًا ثَبَتٌ بِأَسْمَاءِ الكُتُبِ الَّتِي يَرْوِيْهَا عَنْ شُيُوْخِهِ في مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ، وَللهِ الحَمْدُ والمِنَّةِ.

(2)

كَذَا فِي الأُصُوْلِ، وَ (ط) بِطَبْعَتَيْه، وَعَلَّقَ النَّاسِخَ أَوِ ابنُ حُمَيْدٍ لَفْظَهُ "أَبُو" لتُصْبِحَ اللَّفْظَةُ هكَذَا:"أَبُو الرَّبِيعِ" وَهُوَ الصَّحِيْحُ، وَمَا سِوَاهُ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا أَبْقَيْتُهُ في الأَصْلِ لاِتِّفَاقِ النَّسْخِ عَلَيْهِ فَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ سَهْوٌ من المُؤلِّفِ نَفْسِهِ، فَهُوَ شَيْخُهُ، وَمِنْ أَدْرَى النَّاسِ بِهِ. وَأَبُو الرَّبيعِ المَذْكُوْرِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ وَيُسَمَّى "عَبدَ المُنْعِمِ" أَيْضًا (ت: 742 هـ) مِنْ شُيُوْخِ والدِهِ أَيْضًا. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ رَجَبٍ "المُنْتَقَى": الشَّيخُ السَّابِعُ والعِشْرُون، وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا فَكَانَ مُسْتَدْرَكًا عَلَيْهِ، نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهِ. وَذَكَرَ المُؤَلِّفُ وَالِدَهُ عَبدَ الصَّمَدِ بنَ أَحْمَدَ بنِ أَبي الجَيْشِ (ت: 676 هـ) وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الحَنَابِلَة بِـ "بَغْدَادَ" في زَمَنِهِ.

ص: 151

رُوْزَبَةَ (أَنَا) أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى السِّجْزِيُّ (أَنَا) شَيْخُ الإِسْلَامِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيُّ (أَنَا) أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ العَالِي البُوْشَنْجِيُّ (أَنَا) أَبُو أَحْمَدَ الغِطْرِيْفِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ العَبَّاسِ الفَقِيْهُ، قَالَا:(أَثَنَا) الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، (ثَنَا) أَبُو صَالِحٍ الحَكَمُ بنُ مُوْسَى، (ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ - وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيِّ - عَنْ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

(1)

"اقْرَأُوْهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ" يَعْنِي: (يس).

وَبِالإِسْنَادِ الأَوَّلِ إِلَى شَيْخِ الإسْلَامِ، أَنْشَدَنَا يَحْيَى بنُ عَمَّارٍ، أَنْشَدَنِي أَبُو المُنْذِرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الأَدِيْبِ، أَنْشَدَنِي الصُّوْلِيُّ لأبِي العَبَّاسِ ثَعْلَبٍ

(2)

:

(1)

أَخْرَجَهُ الإمَام أَحْمَدَ في مُسْنَدِهِ (5/ 266، 27).

(2)

إمَامُ الكُوْفيِّينَ في النَّحْوِ في زَمَنِهِ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى، أَبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ (ت: 292 هـ).

وَيُسْتَدرَك عَلَى المُؤلِّف رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (481 هـ):

22 -

أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الخَضِرِ، أَبُو طَاهِرِ الجَوَالِيْقِيُّ، وَالِدُ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الآتي.

يُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 44)، وَالأَنْسَابُ (3/ 336)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (50).

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (482 هـ) أحَدًا، وَفِيْهَا:

23 -

الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلكِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَه، جَدُّهُ عَبْدُ الوَهَّابِ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى المُؤَلِّفِ. وَأَمَّا وَالِدُهُ فَلَمْ يُذْكَرْ، فَلَعَلَّه لَمْ يَكُنْ منْ أَهْلِ العِلْمِ.

وَلَمْ يَذْكُرْ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي وفيَّات سَنَةِ (484 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

24 -

عَلِيُّ أَو المُبَارَكُ بنُ أحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ البَطرِ، أَبُو الحَسَنِ الدَّقَّاقُ. قالَ ابنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (3/ 73):"المَعْرُوْفُ بِـ "الحَنْبَلِيِّ"، وَيُكْنَى أَبَا طَاهِرٍ أَيْضًا، وَيُسَمَّى =

ص: 152

رُبَّ رِيْحٍ لأُنَاسٍ عَصَفَتْ

ثُمَّ مَا إِنْ لَبِثَتْ أَنْ رَكَدَتْ

وَكَذَاكَ الدَّهْرُ فِي أَفْعَالِهِ

قَدَمٌ زَلَّتْ وَأُخْرَى ثَبَتَتْ

بَالِغٌ مَا كَانَ يَرْجُو دُوْنَهُ

وَيَدٌ عَمَّا اسْتَقَلَّتْ قَصُرَتْ

وَكَذَا الأَيَّامُ مِنْ عَادَاتِهَا

أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ مَا أَصْلَحَتْ

ثُمَّ تَأْتِيْكَ مَقَادِيْرُ لَهَا

فَتَرَى مُصْلِحَةً مَا أَفْسَدَتْ

‌28 - عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ

(1)

بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، ثُمَّ المَقْدِسِيُّ،

= المُبَارَكَ، .. قَالَ: وَهُوَ أَخُو أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الخَطَّابِ نَصْرٍ .. ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: أَخُوْهُ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ (ت: 494 هـ) وهو من كبارِ العُلَمَاءِ، نَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ الله بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الإشَارة، وَأَمَّا أَخُوْهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، فَلَمْ أَعْرِفْه بَعْدُ؟ وَمَتَى عَثَرْتُ عَلَيْهِ أَلْحَقْتُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، يَسَّرَ اللهُ ذلك قَبْلَ طَبْعِ الكِتَابِ، آمِيْنَ.

(1)

28 - أبوُ الفَرَج الشِّيْرَازِيُّ (؟ - 486 هـ):

وَالِدُ وَجَدُّ أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ شَهِيْرَةٍ بِـ "دِمَشْقَ"، تُعْرَفُ بِـ "آلِ ابنِ الحَنْبَلِيِّ" ذَكَرَ المُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - عَدَدًا مِنْهُمْ، وَاسْتَدْرَكْتُ أَعْدَادًا أُخْرَى لَمْ يَذْكُرُهُمُ المُؤَلِّفُ. أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 461)، وَمُخْتَصَرِهِ (401)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (132)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 7)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 179)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 7)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 216). وَيُرَاجَعُ: ذَيْلُ تَارِيْخِ دِمَشْقَ لابنِ القَلَانِسيِّ (206)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 228)، وَالعِبَرُ (3/ 312)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 51)، وَدُولُ الإِسْلامِ (2/ 15)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (3/ 1199)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (179)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (200)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ (141)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 142)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ =

ص: 153

الدِّمَشْقِيُّ، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ، أَبُو الفَرَجِ الأَنْصَارِيُّ، السَّعْدِيُّ، العُبَادِيُّ، الخَزْرَجِيُّ. شَيْخُ الشَّامِ فِي وَقْتِهِ، قَرَأْتُ بِخَطِّ بَعْضِ طَلَبَةِ الحَدِيْثِ فِي زَمَانِنَا قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيَّ شَيْخُنَا يُوْسُفُ بنُ يَحْيَى

(1)

بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَجْمِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ نَسَبَ جَدِّهِ وَهُوَ: أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَعِيْشَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ سَعِيْدِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، كَذَا رَأَيْتُهُ، وَيُوْسُفُ هَذَا أَدْرَكْتُهُ. وَسَمِعْتُ مِنْهُ جُزْءًا، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الخُشُوْعِيِّ. وَلَكِنْ قَرَأْتُ بِخَطِّ جَدِّهِ نَاصِحِ الدِّيْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَجْمٍ

(2)

= (مخطوط)(17/ 82)، وَالدَّارِسُ فِي تَارِيْخِ المَدَارِسِ (2/ 65)، وَالأُنْسُ الجَلِيْلُ (1/ 297)، وَطَبَقَاتُ المُفَسِّرِيْن لِلدَّاوُدِيِّ (1/ 360)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 378)(5/ 369)، وَالتَّاجُ المُكَلَّلُ (188). وَهُوَ مُتَرْجَمٌ فِي "تَارِيْخِ دِمَشْقَ" لِلحَافِظِ ابنِ عَسَاكرٍ نُسْخَة "التَّيْمُوْريَّةَ" وَلَم يَرِدْ في المَطْبُوع؟!. وَلَمْ يَذكُرْهُ ابنُ الجَوْزِيِّ في "المُنْتَظَمِ"؟! وَبَيْتُهُ في العِلْمِ كَبَيْرٌ جِدًّا فِي أَوْلَادِهِ وَأَحْفَادِهِ، وَلَا يُمْكِنْ ذِكْرُهُم هُنَا لهَذَا السَّبَبِ.

(1)

هُوَ أَيْضًا شَيْخُهُ وَشَيْخُ أَبِيْهِ أيضًا، يُرَاجَعُ: مُعْجَم ابنِ رَجَبٍ "المُنتقى" رقم (139). وهو يُوْسُفُ بنُ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَن بن نَجْمِ بنِ عَبْدِ الوَهَّاب بنِ الشَّيْخِ المُتَرْجِمِ عَبْدِ الوَاحِد تُوُفِّيَ يُوْسُفُ سَنَةَ (751 هـ). فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي تَرَاجِمِ هَذَا الكِتَابِ، تَرْجَمَ لَهُ ابنُ حُمَيْدِ النَّجْدِيُّ في "السُّحَب الوَابلة"(3/ 1191)، وَتَرَاجِمُ آبَائِهِ هَؤُلَاءِ كُلُّهَا مَعْرُوْفَةٌ سَتَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللهُ - فِي مَوَاضِعِهَا. وَلَمْ أَعْرِفِ المَقْصُوْدَ بِبَعْضِ طَلَبَةِ الحَدِيْثِ.

(2)

نَاصِحُ الدِّين عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ (ت: 634 هـ) هُوَ حَفِيْدُ المُتَرْجَمِ، وَجَدُّ سَابِقِهِ يُوْسُفَ، ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ كِتَابًا في الرِّجَال اسمُهُ:"الاسْتِسْعَادُ بمَنْ لَقِيْتُ مِنْ صَالِحِي العِبَادِ في البِلَادِ" نَتَحَدَّثُ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ، فَهَلْ هَذَا النَّصُّ مِنْهُ؟

ص: 154

قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الشَّرِيْفِ النَّسَّابَةِ ابنِ الجَوَّانِيِّ

(1)

كِتَابًا إِلَى "مِصْرَ" أَسْأَلَهُ: هَلْ نَحْنُ مِنْ وَلَدِ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ أَوْ مِنْ أَخِيْهِ؟ فَجَاءَنِي خَطُّهُ فِي جُزْءٍ يَقُوْلُ: قَيْسُ بنُ سَعْدٍ انْقَرَضَ عَقِبُهُ. وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّسَّابِيْنَ مِثْلُ ابنُ شَجَرَةَ

(2)

وَابنِ طَبَاطَبَا

(3)

وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتُمْ مِنْ وَلَدِ أَخِيْهِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَرَفَعَ نَسَبَ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ إِلَى آدَمَ عليه السلام.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّاصِحَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ نَسَبَهُمْ إِلَى سَعْدٍ، وَلَا ذَكَرَ أَنَّ النَّسَّابَةَ كَتَبَ لَهُ ذلِكَ، وَإِنَّما كَتَبَ لَهُ نَسَبَ سَعْدٍ إِلَى آدَمَ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ لَهُ: أَنْتُمْ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ سعْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَفِي هَذَا النَّسَبِ المَذْكُوْرِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ سَعِيْدِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَ ابنُ الجَوَّانِيِّ.

(1)

مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَدَ بنِ عَلِيٍّ، أَبُو عَلِيٍّ، شَرَفُ الدِّيْنِ الجَوَّانِيُّ المَالِكِيُّ (ت: 588 هـ).

وَ"الجَوَّانِيُّ" مَنْسُوْبٌ إلى "الجَوَّانِيَّة" بالفَتْحِ وَتَشْدِيْدِ ثَانِيْهِ، وَكَسْرِ النُّوْنِ، وَيَاءٌ مُشَدَّدَةٌ، مَوْضِعٌ أَوْ قَرْيَةٌ قُرْبَ المَدِيْنَةِ. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلدانِ (2/ 303)، قَالَ:"يُنْسَبُ إِلَيْهَا بَنِي الجَوَّانِيِّ العَلَوِيِّيْنَ، مِنْهُمْ أَسْعَدُ بنُ عَلِيٍّ، وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَدَ النَّسَّابَةُ، ذَكَرْتُهُمَا فِي أَخْبَارِ الأُدَبَاءِ". وَالجَوَّانِيُّ المَذْكُوْرُ هُنَا مَوْلِدُهُ وَنَشْأَتُهُ وَوَفَاتُهُ بِـ "مِصْرَ"، وَأَصْلُهُ مِنْ "المَوْصِلِ"، وَأَلَّفَ فِي الأَنْسَابِ كُتُبًا جَلِيْلَةً أَشْهَرُهَا "أُصُوْلُ الأحْسَابِ. . ." مَطْبُوْعٌ، وَ"تَاج الأَنْسَابِ" وَ"طَبَقَات الطَّالِبِيِّيْنَ" وَ"شَجَرَةُ الرَّسُوْلِ .. " وَغَيْرِهَا. أَخْبَارُهُ في: خَرِيْدَةِ القَصْرِ "قِسْمِ شُعَرَاءِ مِصْرَ"(1/ 117)، وَلِسَانِ المِيْزَانِ (5/ 74).

(2)

لَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهِ.

(3)

هو يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ، أَبُو المُعَمَّرِ العَلَوِيُّ الحَسَنِيُّ النَّسَّابَةُ (ت: 478 هـ). قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: "انْتَهَتْ إِلَيْهِ مَعْرِفَةُ الطَّالِبِيِّيْنَ فِي وَقْتِهِ". أَقُوْلُ: كَانَ نَحْوِيًّا بَارِعًا شَرَحَ "اللَّمَعَ" لابنِ جِنِّي. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 25)، وَلِسَانِ المِيْزَانِ (6/ 276).

ص: 155

لكِنْ ذَكَرَ النَّاصِحُ أَنَّ أَبَاهُ وَجَمَاعَةً مِنَ العُلَمَاءِ اجْتَمَعُوا لَيْلَةً عِنْدَ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّيْنِ فِي خَيْمَةٍ، مَعَ الشَّرِيْفِ الجَوَّانِيِّ هَذَا، فَقَالَ السُّلْطَانُ: هَذَا الفَقِيْهُ - يُشِيْرُ إِلَى النَّاصِحِ - لَيْسَ فِي آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ صَاحِبُ صَنْعَةٍ إلَّا أَمِيْرٌ أَوْ عَالِمٌ إِلَى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ نَسَبَهُمْ إِلَى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْتُ الشَّرِيْفَ عِزَّ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيَّ

(1)

الحَافِظَ صَاحِبَ "صِلَةِ التَّكْمِلَةِ فِي وَفَيَاتِ النَّقَلَةِ" ذَكَرَ نَسَبَ الشَّيْخِ أَبي الفَرَجِ إِلَى سَعْدٍ، مِثْلَ مَا أَخْرَجَهُ شَيْخُنَا يُوْسُفُ سَوَاءً، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، بِلَا وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلَقَّبَ أَبَاهُ مُحَمَّدًا بِـ "الصَّافِي".

تَفَقَّهَ الشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ بِـ" بَغْدَادَ" عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى مُدَّةً، وَقَدِمَ "الشَّامَ"

(2)

(1)

هُوَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عِزُّ الدِّيْن الحُسَيْنِيُّ، الحَافِظُ، المُؤَرِّخُ، نَقِيْبُ الأَشْرَافِ (ت: 695 هـ). أَخْبَارُهُ في: الوَافِي بِالوَفَيَاتِ (5/ 44)، وَالمَنْهَلِ الصَّافِي (2/ 119)، وَحُسْنِ المُحَاضَرَةِ (1/ 357)، وَالشَّذَرَاتِ (5/ 430). وَكِتَابُهُ صِلَةُ التَّكْمِلَةِ كَمَّل فيه كِتَابَ شيْخِهِ المُنْذِرِيِّ "التَّكْمِلَةِ لِوَفَيَاتِ النَّقَلَةِ" وَلَا يَزَالُ كِتَابُ الحُسَيْنِيِّ مَخْطُوْطًا، نُسْخَتُهُ الوَحِيْدَةُ - فِيْمَا أَعْلَمُ - الَّتِي بِخَطِّهِ فِي مَكْتَبَةِ كُوبرلي بـ "تركيا" رقم (1101) والنَّصُّ في الكِتَابِ المَذْكُورِ (ورقة: 165). في تَرْجَمَةِ مُظَفَّرِ بِنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ نَجْمٍ (ت: 667 هـ)، ابنُ أَخِي النَّاصِحِ المَذْكُورِ. [تَرْجَمَ لَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ].

(2)

قَوْلُ المُؤَلِّفِ هُنَا: "تَفَقَّهَ .. بِـ "بَغْدَادَ" .. وَقَدِمَ "الشَّامَ" فَسَكَنَ "بَيْتَ المَقْدِسِ". . ." يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ أَصْلَهُ من "العِرَاقِ" فَقَدِمَ "الشَّام"، وَمِثْلُهُ يُفْهَمُ من كَلَامِ القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بن أَبِي يَعْلَى؟! وَلَيْسَ الأَمْرُ كَذلِكَ، بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ "الشَّامِ"، وَمَوْلده بِـ "حَرَّان"، وَقَدِمَ إِلَى "بَغْدَادَ" للتَّزَوُّدِ بالعِلْمِ، فتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبي يَعْلَى .. ثُمَّ عَادَ إِلَى "الشَّامِ"، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:"وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ صُوْفِيًّا، مِنْ أَهْلِ "شِيْرَازَ"، قَدِمَ "الشَّامَ"، وَكَانَ =

ص: 156

فَسَكَنَ بِـ "بَيْتِ المَقْدِسِ"، فَنَشَرَ مَذْهَبَ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِيْمَا حَوْلَهُ، ثُمَّ أَقَامَ بِـ "دِمَشْقِ" فَنَشَرَ المَذْهَبَ وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَسَمِعَ بِهَا مِنْ أَبِي الحَسَنِ السِّمْسَارِ، وَأَبِي عُثْمَانَ الصَّابُوْنِيِّ وَوَعَظَ، وَاشْتُهِرَ أَمْرُهُ، وَحَصَلَ لَهُ القَبُوْلُ التَّامُّ، وَكَانَ إِمَامًا، عَارِفًا بِالفِقْهِ وَالأُصُوْلِ، شَدِيْدًا فِي السُّنَّةِ، زَاهِدًا، عَارِفًا، عَابِدًا، مُتَأَلِّهًا، ذَا أَحْوَالٍ وَكَرَامَاتٍ، وَكَانَ تُتُشُ

(1)

صَاحِبُ "دِمَشْقَ" يُعَظِّمُهُ.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ فِي "الطَّبَقَاتِ": صَحِبَ الوَالِدُ مِنْ سَنَةِ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ وَتَرَدَّدَ إِلَى مَجْلِسِهِ سِنِيْنَ عِدَّةً، وَعَلَّقَ عَنْهُ أَشْيَاءً فِي الأُصُوْلِ

= يُعْرَفُ بِـ "الصَّافِي". . .".

(1)

هُوَ المَلِكُ تَاجُ الدَّوْلَةِ ابنِ السُّلْطَان أَلْب أَرْسَلَان السَّلْجُوْقِيُّ (ت: 488 هـ). أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 78)، وَتَارِيْخِ دَوْلَةِ آلِ سَلْجُوق (75)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 83)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 384). قَال الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" (239) في تَرْجَمَةِ "تُتُشَ": وكَانَ تُتُشُ مُعَظِّمًا للشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ الحَنْبَلِيِّ، وَقَد جَرَتْ في مَجْلِسِهِ بِـ "دِمَشْقَ" مُنَاظَرَةٌ عَقَدَهَا لأبِي الفَرَجِ وَخُصُوْمِهِ في قَوْلِهِم: إِنَّ القُرْآنَ يُسْمَعُ، وَيُقْرَأُ، وَيُكْتَبُ، وَلَيْسَ بِصَوْتٍ، وَلَا حَرْفٍ، فَقَالَ المَلِكُ: هَذَا مِثلُ قَوْلِ: هَذَا قَبَاءٌ - وَأَشَارَ إلى قَبَائِهِ عَلَى الحَقِيْقَةِ - وَلَيْسَ بحَرِيْرٍ، وَلَا قُطْنٍ، وَلَا كَتَّانَ [قَالَ الحَافِظُ:] هَذَا الكَلَامُ صَدَرَ مِنْ تُرْكِيٍّ أَعْجَمِيٍّ، فَأَيَّدَ اللهُ شَرَفَ الإسْلَامِ أَبَا الفَرَجِ، فَجَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ .. ".

وَقَالَ ابنُ عَسَاكِرٍ - فِيْمَا نَقَلَ عَنْه الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ -: "وَصَنَّفَ جُزْءًا في قِدَمِ الحُرُوْفِ رَأَيْتُهُ، يَدُلُّ عَلَى تَقْصِيْرٍ كَثِيْرٍ" هكَذَا قَالَ، وَلَعَلَّ لاخْتِلَافِ المَنْزَعِ العَقَدِيِّ دَخْلًا في هَذَا الحُكْمِ

* لَشَتَّانَ مَا بَيْنِي وَبَيْن بَنِي أَبِي *

ص: 157

وَالفُرُوْعِ، وَنَسَخَ وَاسْتَنْسَخَ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ، وَسَافَرَ إِلَى "الرَّحْبَةِ"

(1)

وَ"الشَّامِ" وَحَصَلَ لَهُ الأَصْحَابُ، وَالأَتْبَاعُ وَالتَّلَامِذَةُ، وَالغِلْمَانُ، وَكَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَوَقَعَاتٌ مَعَ الأَشَاعِرَةِ، وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِالحُجَّةِ فِي مَجَالِسِ السَّلَاطِيْنِ بِبِلَادِ "الشَّامِ"، وَيُقَالُ: إِنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ الخَضِرِ عليه السلام دَفْعَتَيْنِ. وَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِي عِدَّةِ أَوْقَاتٍ عَلَى الخَاطِرِ كَمَا كَانَ يَتكَلَّمُ ابنُ القَزْوِيْنِيِّ الزَّاهِدُ

(2)

. فَبَلَغَنِي أَنَّ تُتُشَ

(3)

لَمَّا عَزَمَ عَلَى المَجِيْءِ إِلَى "بَغْدَادَ" فِي الدَّفْعَةِ الأُوْلَى لَمَّا وَصَلَهَا السُّلْطَانُ [سَأَلَهُ الدُّعَاءَ]

(4)

فَدَعَا لَهُ بِالسَّلَامَةِ، فَعَادَ سَالِمًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الدَّفْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَدْعَى السُّلْطانُ وَهُوَ بـ "بَغْدَادَ" لأخِيْهِ تُتُشَ فَرُعِبَ

(1)

الرَّحْبَةُ بَلْدَةٌ بَيْنَ "الرَّقَّةِ" وَ"بَغْدَادَ" عَلَى شَاطِئِ الفُرَاتِ، وَالرَّحَبَاتُ في بِلَادِ العَرَب كَثيْرَةٌ، وَاشتُهِرَت هَذِهِ بِـ "رَحْبَةِ مَالِكِ بنِ طَوْقٍ" وَهِيَ أَشْهَرُهَا وَهِيَ المَقْصُوْدةُ هُنَا. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (3/ 38)، والرَّوْضُ المِعطَارُ (268)، وَالأَنْسَابُ (6/ 88).

(2)

هُوَ عَلِيُّ بنُ عُمر أَبُو الحَسَنِ الحَرْبِيُّ البَغْدَادِيُّ (ت: 442 هـ). قَالَ الحَافِظُ الخَطِيْبُ: "كَتَبْنَا عَنْهُ، وَكَانَ أَحَدَ الزُّهَّادِ المَذْكُورِيْنَ، وَمِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ". أَخْبَارُهُ فِي: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (12/ 43)، وَالمُنْتَظَمِ (8/ 146)، وَالتَّدْوِيْنِ في أَخْبَارِ قَزْوِيْن (3/ 378)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (17/ 609)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 268).

(3)

كَذَا فِي جَمِيْعِ الأُصُوْلِ "تُتُشًا" مُنَوَّنٌ، وَهُوَ اسْمُ أَعْجَمِيٌّ، فَكَانَ حَقُّهُ المَنْعُ مِنَ الصَّرْفِ عَلَى القَاعِدَةِ.

(4)

في (ط) تحقيق الدُّكتور هَنري لاوُوسْت، وَالدُّكتور سَامي الدَّهَّان:"سَأَلَهُ الدُّعَاءَ .. " زَادَهَا عن "مُخْتَصَرِ الطَّبَقَاتِ" للنَّابُلُسِيِّ، وَهِيَ كَذلِكَ في "الطَّبَقَاتِ" وَلَمْ تَرِدْ في أُصُوْلِ "الذَّيْلِ" كُلِّهَا فَلَعَلَّهَا سَقَطَتْ مِنَ سَهْوِ المُؤلِّفِ رحمه الله وَزَادَهَا في (ط) الفقي دُوْنَ إِشَارَةٍ.

ص: 158

وَسَأَلَ أَبَا الفَرَجِ الدُّعَاءَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: لَا تَرَاهُ وَلَا تَجْتَمِعُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ تُتُشُ: وَهُوَ مُقِيْمٌ بِـ "بَغْدَادَ"، وَقَدْ بَرَزْتُ إِلَى عِنْدِهِ، وَلَا بُدَّ مِنَ المَصِيْرِ إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: لَا تَرَاهُ، فَعَجِبَ مِنْ ذلِكَ، وَبَلَغَ "هِيْتَ"

(1)

فَجَاءَهُ الخَبَرُ بِوَفَاةِ السُّلْطَانِ بِـ "بَغْدَادَ" فَعَادَ إِلَى "دِمَشْقَ" وَزَادَتْ حِشْمَةُ أَبِي الفَرَجِ عِنْدَهُ وَمَنْزِلَتُهُ لَدَيْهِ.

وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ السَّلَاطِيْنِ مِنَ المُخَالِفِيْنَ كَانَ أَبُو الفَرَجِ يَدْعُو عَلَيْهِ وَيُقُوْلُ: كَمْ أَرْمِيْهِ وَلَا تَقَعُ الرَّمْيَةُ بِهِ؟ فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي هَلَكَ ذلِكَ المُخَالِفُ فِيْهَا، قَالَ أَبُو الفَرَجِ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: قَدْ أَصَبْتُ فُلَانًا وَقَدْ هَلَكَ، فَؤُرِّخَتِ اللَّيْلَةُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ بِضْعَ

(2)

عَشَرَ يَوْمًا وَرَدَ الخَبَرُ بِوَفَاةِ ذلِكَ الرَّجُلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَخْبَرَ أَبُو الفَرَجِ بِهَلَاكِهِ فِيْهَا. قَالَ: وَكَانَ أَبُو الفَرَجِ نَاصِرًا لاعْتِقَادِنَا، مُتَجَرِّدًا لِنَشْرِهِ

(3)

، مُبْطِلًا لِتَأْوِيْلِ أَخْبَارِ الصِّفَاتِ، وَلَهُ تَصْنِيْفٌ فِي الفِقْهِ وَالوَعْظِ وَالأُصُوْلِ.

وَقَرَأْتُ بِخَطِّ النَّاصِحِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَجْمِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّرِيْفُ الجَوَّانِيُّ النَّسَّابَةُ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: تَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ - أَيْ: الشِّيْرَازِيُّ الخَزْرَجِيُّ - فِي مَجْلِسِ وَعْظِهِ، فَصَاحَ رَجُلٌ مُتَوَاجِدًا

(1)

بَلْدَةٌ بـ "العِرَاقِ" عَلَى الفُرَاتِ مِنْ نَوَاحِي "بَغْدَادَ"، فَوْقَ "الأَنْبَارِ". قَالَ يَاقُوْتٌ في مُعْجَمِ البُلْدَانِ (5/ 482):"بِالكَسْرِ، وَآخرُهُ تاءٌ مُثَنَّاةٌ" وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ مَا اسْتُعْجَمَ (1357)، وَالرَّوْضُ المِعْطَارُ (597)، وَالأنْسَابُ (12/ 360).

(2)

في (ط) بطبعتيه: "بضعة".

(3)

في (ط) بطبعتيه، و (هـ):"في نشره".

ص: 159

فَمَاتَ فِي المَجْلِسِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُوْدًا، فَقَالَ المُخَالِفُوْنَ فِي المَذْهَبِ: كَيْفَ نَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَمُتْ فِي مَجْلِسِنَا أَحَدٌ، وَإِلَّا كَانَ وَهْنًا، فَعَمَدُوا إِلَى رَجُلٍ غَرِيْبٍ، دَفَعُوا لَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيْرٍ، فَقَالُوا: احْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَإِذَا طَابَ المَجْلِسُ فَصِحْ صَيْحَةً عَظِيْمَةً، ثُمَّ لَا تتَكَلَّمْ حَتَّى نَحْمِلَكَ وَنَقُوْلُ: مَاتَ، وَنَجْعَلَكَ فِي بَيْتٍ، فَاذْهَبْ فِي اللَّيْلِ، وَسَافِرْ عَنِ البَلَدِ، فَفَعَلَ، وَصَاحَ صَيْحَةً عَظِيْمَةً، فَقَالُوا: مَاتَ، وَحُمِلَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الحَنَابِلَةِ، وَزَاحَمَ حَتَّى حَصَلَ تَحْتَهُ، وَعَصرَ عَلَى خُصاهُ، فَصَاحَ الرَّجُلُ فَقَالُوا: عَاشَ، عَاشَ، وَأَخَذَ النَّاسُ فِي الضَّحِكِ، وَقَالُوا: المُحَالُ يَنْكَشِفُ.

قَالَ النَّاصِحُ: وَكَانَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ المَقْدِسِيُّ يَقُوْلُ: كُلُّنَا فِي بَرَكَاتِ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي - وَنَحْنُ بِـ "بَغْدَادَ" - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ إِلَى بِلَادِهِم مِنْ أَرْضِ بَيْتِ المَقْدِسِ تَسَامَعَ النَّاسُ بِهِ، فَزَارُوْهُ مِنْ أَقْطَارِ تِلْكَ البِلَادِ قَالَ: فَقَالَ جَدِّي قُدَامَةُ لِأَخِيْهِ: تَعَالَ نَمْشِي إِلَى زِيَارَةِ هَذَا الشَّيْخِ لَعَلَّهُ يَدْعُو لَنَا. قَالَ: فَزَارَاهُ

(1)

، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قُدَامَةُ فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدِي، ادْعُ لِي أَنْ يَرْزُقَنِي اللهُ حِفْظَ القُرْآنَ، قَالَ: فَدَعَا لَهُ بِذلِكَ، وَأَخُوْهُ لَمْ يَسْأَلْهُ شَيْئًا، فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ، وَحَفِظَ قُدَامَةُ القُرْآنَ، وَانْتَشَرَ الخَيْرُ مِنْهُمْ بِبَرَكَاتِ دَعْوَةِ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ.

وَلِلشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ تَصَانِيْفٌ عِدَّةٌ فِي الفِقْهِ وَالأُصُوْلِ، مِنْهَا:"المُبْهِجُ"

(1)

في (ط) بطبعتيه، و (ب) و (هـ):"فزاروه" وَمَا أَثْبَتُّهُ من (جـ) هو الأَصَحُّ.

ص: 160

وَ"الإيْضَاحُ" وَ"التَّبْصِرَةُ فِي أُصُوْلِ الدِّيْنِ" مُخْتَصَرٌ

(1)

فِي الحُدُوْدِ، وَفِي أَصُوْلِ الفِقْهِ، وَ"مَسَائِلِ الامْتِحَانِ". وَقَرَأْتُ بِخَطِّ النَّاصِحِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَجْمِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ابنِ الشَيْخِ قَالَ: سَمِعْتُ وَالِدِيْ يَقُوْلُ: لِلشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ كِتَابُ "الجَوَاهِرِ" وَهُوَ ثَلَاثُوْنَ مُجَلَّدَةً يَعْنِي: فِي التَّفْسِيْرِ، قَالَ: وَكَانَتْ بِنْتُ الشَّيْخِ تَحْفَظُهُ، وَهِيَ أَمُّ زَيْنِ الدِّيْنِ عَلِيِّ بنِ نَجَا الوَاعِظِ، الآتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى

(2)

.

قَالَ أَبُو يَعْلَى بنُ القَلَانِسيِّ

(3)

فِي "تَارِيْخِهِ" فِي حَقِّ الشَّيْخِ أَبي الفَرَجِ: كَانَ وَافِرَ العِلْم، مَتِيْنَ الدِّيْنِ، حَسَنَ الوَعْظِ، مَحْمُوْدَ السَّمْتِ.

تُوُفِّيَ يَوْمَ الأَحَدِ ثَامِنَ عِشْرِيْنَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ بِـ "دِمَشْقَ"، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "البَابِ الصَّغِيْرِ"، وَقَبْرُهُ مَشْهُوْرٌ يُزَارُ.

وَلِلشَيْخِ رحمه الله ذُرِّيَّةٌ فِيْهِمْ كَثِيْرٌ مِنَ العُلَمَاءِ، نَذْكُرُهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهِمْ مِنْ هَذَا الكِتَابِ

(4)

، يُعْرَفُوْنَ بِـ "بَيْتِ ابنِ الحَنْبَلِيِّ".

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ فِي "المُغْنِي"

(5)

، وَالشَّيْخُ مَجْدُ الدِّيْنِ

(1)

في (ط) بطبعتيه: "ومختصر وفي الحُدُوْدِ".

(2)

هُوَ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بن غَنَائِمِ الأنْصَارِيُّ (ت: 599 هـ) وَيُعْرَفُ بـ "ابنُ نُجَيَّةَ" أَيْضًا، ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ. وَبِنْتُهُ هَذِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهَا.

(3)

هُوَ الرَّئِيْسُ الأجَلُّ أبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ أَسَدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ (ت: 555 هـ). وَسَبَقَتِ الإشَارةُ إِلَى كِتَابِهِ "ذَيْل تَارِيْخِ دِمَشْقَ" في أوَّل التَّرْجَمَةِ فِي مَصَادِرِ التَّخْرِيْجِ.

(4)

أَضَفْنَا إِلَى مَا ذَكَرَ المُؤلِّف أَعْدَادًا كَثِيْرَةً من مَشَاهِيْرِ عُلَمَاءِ هَذَا البَيْتِ، تَجِدْهُمْ فِي مَوَاضعِهِمْ، أَوْ في هَوَامِشِ تَرَاجِمِ ذَوِيْهِمْ إِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى سِنِيِّ وَفَيَاتِهِمْ.

(5)

يُرَاجَعُ: المُغْنِي (1/ 105) قَالَ: "وَهُوَ رَأيُ ابنِ عُمَرَ .. واختَارَ ذلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ. . ." =

ص: 161

ابنِ تَيْمِيَّةَ فِي "شَرْحِ الهِدَايَةِ" عَنْ أَبِي الفَرَجِ المَقْدِسِيِّ أَنَّ الوُضُوْءَ فِي أَوَانِي النُّحَاسِ مَكْرُوْهٌ، وَهُوَ هَذَا. وَذَكَرَا عَنْهُ أَيْضًا

(1)

: أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الوُضُوْءِ يَصِحُّ الإتْيَانُ بِهَا بَعْدَ غَسْلِ بَعْضِ الأَعْضَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهَا عَلَى غَسْلِهَا، وَقَدْ نَسَبَ أَبُو المَعَالِي بنُ المُنَجَّى

(2)

هَذَا فِي كِتَابِهِ "النِّهَايَةِ" إِلَى أَبِي الفَرَجِ ابنِ الجَوْزِيِّ، وَهُوَ وَهْمٌ.

ولَهُ غَرَائِبُ كَثيْرَةٌ: فَمِنْهَا: أَنَّهُ نَقَلَ فِي "الإيْضاحِ" رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ مَسَّ الأَمْرَدِ لِشَهْوَةٍ يَنْقُضُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ المُسَافِرَ إِذَا مَسَحَ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ أَقَامَ أَوْ قَدِمَ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الجُنُبَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، ذَكَرَهُ فِي "الإيْضَاحِ" وَهُوَ غَرِيْبٌ، مُخَالِفٌ لِمَنْصُوْصِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ.

وَمِنْهَا: حَكَى فِي وُجُوْبِ الزَّكَاةِ فِي الغِزْلَانِ رِوَايَتَيْنِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ خَرَّجَ وَجْهًا، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِوُجُوْبِ الزَّكَاةِ فِي جَمِيْعِ الأَمْوَالِ إِمْكَانُ الأَدَاءِ، مِنْ رِوَايَةِ اعْتِبَارِ إِمْكَانِ الأَدَاءِ لِوُجُوْبِ الحَجِّ.

وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ فِي "الإيْضَاحِ": إِذَا وَقَفَ أَرْضًا عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِيْنِ

= وَ"شَرْحُ الهِدَايَةِ" لِلمَجْدِ بنِ تَيْمِيَّةَ، لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ.

(1)

المَصْدَرُ نَفْسُهُ (ص 146).

(2)

هُوَ أَسْعَدُ - ويُسَمَّى مُحَمَّدًا - بنُ المُنَجَّى بنِ بَرَكَاتِ بنِ المُؤَمِّلِ التَّنُوْخِيِّ (ت: 606 هـ). ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ في مَوْضِعِهِ، وَذَكَرَ كِتَابَهُ "النِّهَايَة فِي شَرْحِ الهِدَايَةِ" وَقَالَ:"بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّدًا".

ص: 162

لَمْ يَجِبْ فِي الخَارِجِ مِنْهَا العُشُرُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَجَبَ فِيْهَا العُشُرُ، وَلِلإِمَامِ أَحْمَدَ نُصُوْصٌ تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ، وَهُوَ خِلَافُ المَعْرُوْفِ عِنْدَ الأَصْحَابِ.

وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ فِي "الإِيْضَاحِ" أَيْضًا، قَالَ: الصَّدَاقُ

(1)

يَجِبُ بِالعَقْدِ وَيَسْتَقِرُّ جَمِيْعُهُ بِالدُّخُوْلِ، وَلَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنَ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُوْلِ لَمْ يَسْقُطْ؛ لأنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ، كَالشَّفِيْعِ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ. هَذَا لَفْظُهُ، وَهُوَ غَرِيْبٌ جِدًّا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ فِي "المُبْهِجِ" فِي آخِرِ الوَصَايَا إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ أَدَّيْتَ إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِنَ الأَلْفِ عَتَقَ؛ فَجَعَلَ التَّعْلِيْقَ كَالمُعَاوَضَةِ، وَلِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الصَّقْرِ

(2)

مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنَ "المُبْهِجِ" أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوْزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ عَلَّقَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ مَالٍ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا الأَصْلِ، وَأَنَّ التَّعْلِيْقَ مَعَاوَضَةٌ تَثْبُتُ

(3)

فِي الذِّمَّةِ.

وَذَكَرَ أَيْضًا فِي "المُبْهِجِ" إِذَا بَاعَ أَرْضًا فِيْهَا زَرْعٌ قَائِمٌ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ لَمْ يَتْبَعْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَهَلْ يَتْبَعْ أَمْ لَا؟ عَلَى وجْهَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتْبَعُ أَخَذَ البَائِع بِقَطْعِهِ، إِلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ الأَرْضَ مِنَ المُشْتَرِي إِلَى حِيْنِ

(1)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "والصَّداق".

(2)

هو يَحْيَى بنُ يَزْدَادَ الوَرَّاق، وَرَّاقُ الإمَامِ أَحْمَدَ (ت؟) قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أبِي يَعْلَى في الطَّبَقَاتِ (2/ 542):"عِنْدَهُ جُزْءٌ "مَسَائِلُ" حِسَانٌ في "الحِمَى"، و"المُسَاقَاةِ، وَالمُزَارَعَةِ"، وَ"الصَّيْدِ"، وَ"اللُّقَطَةِ" وَغَيْرِ ذلِكَ.

(3)

في (أ): "ثَبتت".

ص: 163

إِدْرَاكِهِ، وَأَمَّا إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ إِلَى حِيْنِ حَصَادِهِ.

وَذَكَرَ فِيْهِ أَيْضًا: أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَبَانَ مَعِيْبًا وَنَمَا عِنْدَهُ نَمَاءً مُتَّصِلًا، ثُمَّ رَدَّهُ أَخَذَ قِيْمَةَ الزِّيَادَةِ مِنَ البَائِعِ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذلِكَ ابنُ عَقِيْلٍ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ مِنْ "فُصُوْلِهِ"

(1)

. وَقَدْ نَقَلَ ابنُ مَنْصُوْرٍ

(2)

عَنْ أَحْمَدَ، فِيْمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَنَمَتْ عِنْدَهُ، وَبَانَ بِهَا دَاءٌ، فَإِنْ شَاءَ المُشْتَرِي حَبَسَهَا وَرَجَعَ بِقَدْرِ الدَّاءِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ النَّمَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الرُّجُوْعِ بِقِيْمَةِ النَّمَاءِ المُتَّصِلِ؛ لأنَّ النَّمَاءِ المُنْفَصِلَ مَعَ بَقَائِهِ إِمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّهُ المُشْتَرِي أَوِ البَائِعُ، وَأَمَّا قِيْمَتُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا أَحَدٌ مِنْهُمَا مَعَ بَقَائِهِ وَلَا تَلَفِهِ.

‌29 - يَعْقُوْبُ بنُ إبْرَاهِيْمَ

(3)

بنِ أَحْمَدَ بنِ سُطُوْرٍ العُكْبَرِيُّ البَرْزَبِيْنِيُّ، القَاضِي،

(1)

سَيَأْتِي التَّعرِيْفُ بِالْكِتَابِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عَقِيْلٍ (ت: 513 هـ) إِنْ شَاءَ اللهُ.

(2)

المَقْصُوْدُ بِهِ إِسْحَقُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ بِهْرَامَ، أَبُو يَعْقُوْبٍ الكَوْسَجُ (ت: 251 هـ). صَاحِبِ "مَسَائِلَ" مَشْهُوْرَةٍ عنِ الإمَامِ أَحْمَدَ. يُرَاجَعُ: طَبَقَاتُ الحَنَابِلَةِ (1/ 303) وَشَرْحَ بَعْضَ هَذِهِ "المَسَائِلِ" أَبُو حَفْصٍ البَرْمَكِيُّ، الطَّبَقَاتِ أَيْضًا (3/ 273). وأَحَالَ مُحَقِّق "المَنْهَج الأَحْمَدِ" إِلَى تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيِّ رقم (63) فِي المَنْهَجِ، وأَحْمَدُ بنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ لم يَنْقُلْ عَنْ أَحْمَدَ مَسَائِلَ؟!.

(3)

29 - ابنُ سُطُوْرٍ البَرْزَبِيْنِيُّ (409 - 486 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 453)، وَمُخْتَصَرِهِ (400)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (631)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 7)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 120)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 5)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 215). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 80)، وَالأَنْسَابُ (2/ 147)، وَاللُّبَابُ (1/ 137)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 277)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 93)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (196)، =

ص: 164

أَبُو عَلِيٍّ، قَاضِي بَابِ الأَزَجِ. قَدِمَ "بَغْدَادَ" بَعْدَ الثَّلَاثِيْنَ وَالأَرْبَعِمَائَةَ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِي إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى حَتَّى بَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَدَرَّسَ فِي حَيَاتِهِ، وَشَهِدَ عِنْدَ ابنِ الدَّامَغَانِيِّ، هُوَ وَالشَّرِيْفُ أبُو جَعْفَرٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِيْنَ. وَزكَّاهُمَا شَيْخُهُمَا القَاضِي. وَتَوَلَّى يَعْقُوْبُ القَضَاءَ بِـ "بَابِ الأَزَجِ"

(1)

مُدَّةً، وَرَأَيْتُ فِي "تَارِيْخِ القُضَاةِ" لابْنِ المَنْدَائِيِّ

(2)

أَنَّ القَاضِيَ يَعْقُوْبَ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ قَضَاءِ بَابِ (1) الأَزَجِ

= وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 384)(5/ 380).

(تَحْقِيْقٌ): (البَرْزَبِينِيُّ) مَنْسُوْبٌ إِلَى "بَرْزَبِيْنَ"، مِنْ قُرَى "عُكْبَرَاءَ" وَ"أَوَانا" ذَكَرَهَا المُؤَلِّفُ كَمَا سَيْأَتِي. قَالَ السَّمْعَانِيُّ:"بِفَتْحِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، وَفَتْحِ الزَّاي، وَفِي آخِرِهَا النُّوْنُ". وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (1/ 454) وَذَكَرَ المُتَرْجَمَ، وَتَحَرَّفَتْ هَذِهِ النِّسْبةُ في "الكَامِلِ" لابنِ الأَثِيْرِ إِلَى "المرزباني" وفي "المُنْتَظَمِ" إِلَى "البَرذباني"؟! وَ"سُطُوْرٌ" في "سِيَرِ أَعْلامِ النُّبلاء" وَ"تَارِيْخِ الإِسْلامِ""سطورا"؟!

وَ"العُكْبَرِيُّ" نِسْبَةٌ إِلَى "عُكْبَرَا" المَدِيْنَةُ المَعْرُوْفَةُ شَمَالِ "بَغْدَادَ" سَبَقَ ذِكْرُهَا. قَالَ السَّمْعَانِيُّ - عَنْ "بَرْزَبِيْنَ" -: "اجْتَزْتُ بطَرَفٍ مِنْهَا عِنْدَ خُرُوْجِي إِلَى "أَوَانَا" وَ"عُكْبَرَا". . .".

(1)

ساقطٌ من (هـ).

(2)

في (ط) بطبعتيه: "المُنْذِرِيُّ" وَمَا أَثْبَتُّهُ هُوَ الصَّحِيْحُ، وَالمَقْصُوْدُ بِهِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ بُخْتِيَارَ الوَاسِطِيُّ المَنْدَائِيُّ (ت: 552 هـ) وَاسْمُ الكِتَابِ كَامِلًا: "تَارِيْخُ الحُكَّامِ وَوُلَاةِ الأَحْكَامِ بمَدِيْنَةِ السَّلَامِ" وَقَدْ أَتْعَبْتُ نَفْسِي في البَحْثِ عَنْهُ فِي فَهَارِسِ المَخْطُوْطَاتِ زَمَنًا، وَلَمْ أَعْثُرْ عَلَيْهِ، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ البَاحِثِيْن اطَّلَعَ عَلَيْه، قَدَّرَ اللهُ الوُقُوْفَ عَلَيْهِ. وَنِسْبَتُهُ "المَنْدَائِيُّ" لَمْ تَرِدْ في "الأنْسَابِ" وَلا فِي "اللُّبَابِ"، وفي مُشْتَبَهِ النِّسْبَةِ لِلحَافِظِ الذَّهَبِيِّ (التَّبْصِيْر: 4/ 140) قَالَ أَبُو العَبَّاسِ -[المَذْكُوْرُ هُنَا]-: كَانَ قَوْمٌ مِنَ العَجَمِ =

ص: 165

وَالشَّهَادَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: وَلِيَ القَضَاءَ بِـ "بَابِ الأَزَجِ" مِنْ جِهَةِ الوَالِدِ، ثُمَّ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنِ القَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَاسْتَمَرَّ إِلَى مَوْتِهِ

(1)

. قَالَ: وَكَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ تَامَّةٍ بِأَحْكَامِ القَضَاءِ، وَإِنْفَاذِ السِّجِلَّاتِ مُتَعَفِّفًا فِي القَضَاءِ، مُتَشَدِّدًا فِي السُّنَّةِ. وَقَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: كَانَ أَعْرَفَ قُضَاةِ الوَقْتِ بِأَحْكَامِ القَضَاءِ وَالشُّرُوْطِ، سَمِعْتُ ذلِكَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الوُكَلَاءِ يَهَابُ قَاضِيًا مِثْلَ هَيْبَتِهِ لَهُ، وَلَهُ المَقَامَاتُ المَشْهُوْرَةُ بِالدِّيْوَانِ حَتَّى يُقَالُ:

= تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ مِنْ أَجْدَادِي فَقِيْلَ: المَنْدَائِيُّ وَهُوَ بِالعَرَبِيِّ البَاقِي" وَقَالَ الدُّكْتور المَرْحُوْم مُصْطَفَى جَوَاد في تَعْلِيْقِهِ عَلَى المُخْتَصَرِ المُحْتَاج إِلَيْهِ (1/ 18): "المَنْدَائِيُّ من المَنْدَائِيَّةِ، وَهُم المَعْرُوْفُوْنَ بِالصَّابِئَةِ الحَرَّانِيَّة، وبَيْتُ المَنْدَائِيِّ .. مِن البُيُوْتِ السَّرِيَّةِ، وَسِيْرَتُهُ مَشْهُوْرَةٌ مَذْكُوْرَةٌ في التَّوَارِيْخِ".

يَقُوْلُ الفَقِيْرُ إلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُلَيْمَان العُثَيْمِيْنِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -: لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا؛ لأنَّ هَؤُلَاءِ القَوْم مِنَ العَجَمِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنُوا مِنَ الصَّابِئَةِ الحَرَّانِيَّةِ، وَكَرِهَ أَبُو العَبَّاسِ أَنْ يَقُوْلَ مِنَ الصَّابِئَةِ. وَقَوْلُ الدُّكتور "مِنَ البُيُوْت السَّرِيَّةِ" يَعْنِي المَشْهُوْرَةِ بالعِلْمِ وَالفَضْلِ وَالرِّئَاسَةِ، فَأَبُو العَبَّاسِ هَذَا وَلِيَ قَضَاء "وَاسِط" وَأَلَّفَ إِضَافَةً إِلَى "تَارِيْخِ القُضَاةِ" هَذَا "تَارِيْخًا للبَطَائِحِ"، وابنُهُ مُحَمَّدٌ مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِين المَشَاهِيْرِ في "بَغْدَادَ" مُسْنَدُ العِرَاق، وَحَفِيْدَاهُ عَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ .. لَهُمَا تَرَاجِمُ مَشْهُوْرَةٌ مَذْكُوْرَةٌ، ولأبِي العبَّاسِ أَخْبَارٌ وَأَشْعَارٌ في المُنْتَظَمِ (10/ 177)، وَمُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (2/ 221)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (6/ 14)، وَبُغْيَةِ الوُعَاةِ (1/ 297) .. وَغَيْرِهَا.

(1)

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: وَلِيَ قَضَاءَ بَابِ الأَزَجِ بِـ "بَغْدَادَ" بَعْدَ وَفَاته عَزِيْزِيُّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المَعْرُوْفُ بـ "شَيْذَلَة"(ت: 494 هـ) كَمَا فِي ذَيْل تَاريخ بَغْدَادَ لابن النَّجَّارِ (2/ 257).

ص: 166

إِنَّهُ كَعَمْرِو بنِ العَاصِ، والمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قُوَّةِ الرَّأْيِ.

وَذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ يَدٌ قَوِيَّةٌ فِي القُرْآنِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَالمُحَاضَرَةِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الحَنَابِلَةُ بِـ "بَغْدَادَ" وَانْتَفَعُوا بِهِ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيْرَةِ، جَمِيْلَ الطَّرِيْقَةِ، جَرَتْ أُمُوْرُهُ فِي أَحْكَامِهِ عَلَى سَدَادٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَحَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ مِيْخَائِيْلَ العُكْبَرِيِّ

(1)

، وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَذَكَرَ لِي شَيْخُنَا الجُنَيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الجِيْلِيّ

(2)

الفَقِيْهُ بِـ "بَابِ الأَزَجِ" أَنَّهُ سَمِعَ الحَدِيْثَ مِنَ القَاضِي أَبي عَلِيٍّ يَعْقُوْبَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ حَاضِرٌ بِمَا سُمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ: عَلَّقْتُ عَنْهُ الفِقْهَ، وَكَانَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوْخِنَا الأَصْبَهَانِيِّيْنَ مِنْهُ إِجَازَةٌ، مِثْلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الخَلَّالِ، وَغَانِمِ بنِ خَالِدٍ، وَأَبي نَصْرٍ [بنِ] الغَازِي، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاقِ الحَافِظِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَ وَرَوَى عَنْهُ أَشْيَاخُنَا.

قُلْتُ: قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: صَنَّفَ كُتُبًا فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَكَانَ لَهُ غِلْمَانٌ كَثيْرُوْنَ - يَعْنِي تَلَامِذَة - قَالَ: وَكَانَ مُبَارَكَ التَّعْلِيْمِ، لَمْ يَدْرِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا أَفْلَحَ وَصَارَ فَقِيْهًا، وَكَانَتْ حَلْقَتُهُ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَعَلَيْهِ تَفَقَّهَ القَاضِي

(1)

أَحْمَدُ بِنُ عُمَرَ بنِ مَخْلَدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عُمَرَ بنِ مِيْخَائِيْلَ، أَبُو بَكْرٍ العُكْبَرِيُّ (ت 437 هـ) قَالَ الحَافظُ الخَطِيْبُ في تَارِيخ بَغْداد (4/ 295):"كَتَبَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِـ "عُكْبَرَا" وَلَمْ يُقدَّرْ لِي لِقَاؤُهُ، كَانَ صَدُوْقًا".

(2)

الجُنَيْدُ هَذَا حَنْبَلِيٌّ (ت: 546 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، وَالنَّصُّ عَنِ "الأَنْسَابِ" للسَّمْعَانِيِّ، وَفِيه:"شَيْخُنَا .. " وَلَمْ يَرِدِ الجُنَيْدُ فِي مُعْجَمَيْ الحَافِظِ السَّمْعَانِيِّ "المُنْتَخَبِ" وَ"التَّحْبِيْرِ"؟!

ص: 167

أَبُو حَازِمٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبُو سَعْدٍ المُخَرِّمِيُّ، وَطَلْحَةُ العَاقُوْلِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَلهُ تَصَانِيْفُ فِي المَذْهَبِ مِنْهَا "التَّعْلِيْقَةُ فِي الفِقْهِ" فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، وَهِيَ مُلَخَّصَةٌ مِنْ "تَعْلِيْقَةِ" شَيْخِهِ القَاضِي. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ القَاضِي أَبُو طَاهِرِ بنِ الكَرْخِيِّ

(1)

، وَأَخُوْهُ أَبُو الحَسَنِ. وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَانِي عِشْرِيْنَ شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، كَذَا نَقَلَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ مِنْ خَطِّ شُجَاعٍ الذُّهَلِيِّ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا ابنُ المَنْدَائِيِّ

(2)

- وَذَكَرَ الشَّهْرَ وَالسَّنَةَ - وَأَبُو الحُسَيْنِ، وَابنُ الجَوْزِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ". وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ في "الطَّبَقَاتِ": تُوفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ - وَقِيْلَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنِ - وَكَانَ عُمْرُهُ سَبْعًا وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِـ "بَابِ الأَزَجِ"، بِـ "مَقْبَرَةِ الفِيْلِ" إِلَى جَانِبِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ العَزِيْزِ غُلَامِ الخَلَّالِ، رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: وَصَلَّى عَلَيْهِ أَكْبَرُ

(3)

أَوْلَادِهِ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَحَضَرَ جَنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ أَرْبَابِ الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا، وَأَصْحَابُ المَنَاصِبِ، نَقِيْبُ العَبَّاسِيِّيْنَ، وَنَقِيْبُ العَلَوِيِّيْنَ، وَحُجَّابُ السُّلْطَانِ، وَجَمَاعَةُ الشُّهُوْدِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَ"بَرْزَبِيْنَ" بِفَتْحِ البَاءِ، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، وَفَتْحِ الزَّاي، وَكَسْرِ البَاءِ الثَّانِيَةِ،

(1)

هُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، أَبُو طَاهِرٍ الكَرْخِيُّ (ت: 556 هـ). أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (10/ 202)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 390)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (6/ 86)، وفيه (الكرجي)؟ وَأَخُوْهُ أَبُو الحَسَنِ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهِ.

(2)

هَذَا يُصَحِّحُ مَا سَبَقَ أنَّه "المَنْدَائِي" لا "المُنْذِري".

(3)

في (ط) الفقي: "أكابر".

ص: 168

ثُمَّ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَنُوْنٍ - قَرْيَةٌ كَبِيْرَةٌ عَلَى خَمْسَةِ فَرَاسِخَ مِنْ "بَغْدَادَ" بَيْنَهَا وَبَيْنَ "أَوَانَا"

(1)

.

وَذَكَرَ القَاضِي يَعْقُوْبُ فِي "تَعْلِيْقَتِهِ" قَالَ: إِذَا نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُوْلُ

(2)

فِيْهِ، كَمَا لَو نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَيَعْتِقُ

(3)

ثُلُثُهُ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَالعِتَاقُ آكَدُ؛ وَلِهَذَا يَفْتَرِقَانِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالغَضَبِ، وَهَذَا الاحْتِمَالُ الأَوَّلُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ القَاضِي وَابْنُ عَقِيْلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ المَذْهَبِ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّلُ بِأَنَّ العِتْقَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، كَالقَاضِي فِي "خِلَافِهِ" وَهَذَا مُوَافَقَةٌ عَلَى أَنَّ الوَاجِبَ بِالنَّذْرِ عِتْقُ ثُلُثِهِ لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا البَاقِي يُعْتَقُ بِالسِّرَايَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّلُ بِقُوَّةِ العِتْقِ وَتَأْكِيْدِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ القَاضِي يَعْقُوْبُ هُنَا، وَعَلَى هَذَا فَالوَاجِبُ عِتْقُ العَبْدِ كُلِّهِ بِالنَّذْرِ.

وَذَكَرَ القَاضِي يَعْقُوْبُ أَيْضًا: فِيْمَا إِذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ دَرَاهِمَهُ الَّتِي عِنْدَهُ فَأَحَالَهُ بِهَا، وَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَبَرَّ

(4)

؛ لأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ بَرِئَتْ بِالحَوَالَةِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ القَاضِي وَالأَصْحَابِ؛ فَإِنَّ الحَوَالَةَ نَقَلَتِ الحَقَّ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهَا الاسْتِيْفَاءُ.

وَرَأَيْتُ بِخَطِّ أَبِي زَكَرِيَّا بنِ الصَّيْرَفِيِّ

(5)

الفَقِيْهِ أَنَّ القَاضِي أَبَا عَلِيٍّ يَعْقُوْبَ

(1)

سَبَقَ ذِكْرُ ذلِكَ في تَعْلِيْقِي عَلَى صَدْرِ التَّرْجَمَةِ. و"أَوَانَا" فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ (1/ 326).

(2)

هكَذَا في الأُصُوْل كُلِّها الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا، المُعْتَمَدَةِ وَغَيْرِ المُعْتَمَدَةِ، وَكَذَا فِي مُخْتَصَرِ ابنِ نَصْرِ اللهِ، وفي (ط) بطبعتيه:"يعود" وَهُوَ الصَّوَابُ فَلَعَلَّ المُثْبَتَ مِنْ سَهْوِ المُؤلِّفِ نَفْسِهِ.

(3)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "فعتق".

(4)

هكَذَا في الأُصُوْلِ كُلِّهَا ماعدا (هـ) و (ط) بطبعتيه وفيها: "يَبْرَأَ".

(5)

هو يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرِ بنِ أَبِي الفَتْحِ الصَّيْرَفِيُّ الحَرَّانِيُّ المَعْرُوْفِ بـ "ابنِ الحُبَيْشِيِّ" =

ص: 169

اخْتَارَ جَوَازَ أَخْذِ الزَّكَاةِ لِبَنِي هَاشِمٍ، إِذَا مُنِعُوا حَقَّهُمْ مِنَ الخُمُسِ.

وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الجُنَيْدِ بنِ يَعْقُوْبَ الجِيْلِيِّ الفَقِيْهِ: (فَرْعٌ) تَمْلِكُ الأُمُّ الرُّجُوْعَ فِي الهِبَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ القَاضِي يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَفِيْهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا تَمْلِكُ، اخْتَارَهَا بَقِيَّةُ الأَصْحَابِ. وَذَكَرَ القَاضِي يَعْقُوْبُ الخِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الحُرُوْفَ هَلْ هِيَ حَرْفٌ وَاحِدٌ قَدِيْمٌ، أَوْ حَرْفَانِ قَدِيْمٌ وَمُحْدَثٌ؟ وَقَالَ: كَلَامُ أَحْمَدَ يَحْتَمِلُ القَوْلَيْنِ، وَلكِنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَحَكَاهُ عَنْ شَيْخِهِ القَاضِي، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابنَ جَلَبَةَ الحَرَّانِيَّ يَحْكِيْهِ عَنِ الشَّرِيْفِ الزَّيْدِيِّ

(1)

، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ "حَرَّانَ".

وَالْتَزَمَ القَاضِي يَعْقُوْبُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللهِ مِنَ الكَلَامِ فِي لَفْظِهِ وَنَظْمِهِ وَحُرُوْفِهِ فَهُوَ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ خِطَابُ آدَمِيٍّ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يَبْطِلُ الصَّلَاةَ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ تَيْمِيَّةَ: وَهَذَا مُخالِفٌ للإجْمَاعِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ إِذَا جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْخِطَابِ فَهُوَ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامِ الآدَمِيِّيْنَ، وَأَمَّا إِنْ

= (ت: 678 هـ) ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

(1)

فِي (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "الزبدي" تَصْحِيْفٌ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الزَّيْدِيُّ وَهُوَ حَنْبَلِيٌّ. سَبَقَ التَّعْرِيْفُ بِهِ - فِي تَرْجَمَةِ ابنِ جَبَلَةَ المَذْكُوْرِ هُنَا أَيْضًا ص (95).

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّف رحمه الله في وَفَيَاتِ سَنَةِ (486 هـ):

25 -

عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ فَهْدٍ العَلْثِيُّ، أَبُو القَاسِمِ العَلَّافُ البَغْدَادِيُّ. يَظْهَرُ لي أَنَّهُ مِنْ ذَوِي قَرَابَةِ أَحْمَدَ بنِ نَصْرِ بنِ الحُسَين بنِ فَهْدٍ العَلْثِيِّ (ت: 627 هـ) الَّذي ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. أَمَّا صِلَتُهُ بِالْمَذْكُوْرِ فَظَاهِرَةٌ. وَلَا أَقْطَعُ بِحَنْبَلِيَّتِهِ؛ لأنَّ النَّصَّ الصَّرِيْحَ في ذلِكَ غَيْرُ مَوْجُوْدٍ .. لكِن غَلَبَ عَلَى ظَنِّي فَذَكَرْتُهُ.

ص: 170

قَصَدَ التَّنْبِيْهَ بِالقُرْآنِ، فَمِنَ الأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: لَا يَحْنَثُ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى الخِلَافِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذلِكَ.

‌30 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ طَالِبِ

(1)

بنِ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَنْبَسَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ زَيْدِ بنِ بِهْمٍ

(2)

، أَبُو القَاسِمِ التَّمِيْمِيُّ الأَزَجِيُّ البَغْدَادِيُّ،

(1)

30 - عَبْدُ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ (؟ - 487 هـ):

لم يَذْكُرْهُ ابنُ أَبِي يَعْلَى في "طَبَقَاتِ الحَنَابِلَة"، وَأَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْل عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 9)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 140)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 12)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 216). وَيُرَاجَعُ: تَارِيْخُ دِمَشْقَ (37/ 326)، وَذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (1/ 336)، وَمُخْتَصَرُ تَارِيْخِ دِمَشْقَ (15/ 279).

(2)

في الأُصُوْلِ كُلِّهَا: "بهم" بَعْضُهَا بِالبَاءِ وَبَعْضُهَا بالنُّوْنِ، وَكَذلِكَ هِيَ بِالبَاءِ، طبعتي الكِتَابِ، وَفِي المَصَادِرِ المَطْبُوْعَةِ كلِّهَا:"تَمِيْم" يُرَشِّحُهَا "التَّمِيْمِيُّ" بِاتِّفَاقٍ وَلَمْ أَسْتَطِعْ تَصْحِيحَ أَيِّ لَفْظٍ مِنْهَا، وَلَمْ أَجِدْ فِي المَصَادِر مَنْ رَفَعَ نَسَبَه إِلَى تَمِيْمٍ بالآباءِ والأَجْدَادِ، وَهَلْ هُوَ مِنْهُمْ صَلِيْبَةً أَوْ وَلَاءً؟! وأَخْبَارُهُ في الكُتُب قَلِيْلَةٌ جدًّا.

أَمَّا "بِهْمٌ" فأَظُنُّهَا تَحْرِيْفًا. وَأَمَّا "نِهْمٌ" - بالنُّوْنِ - فَلَهَا وَجَاهَةٌ؛ لأنَّ في العَرَبِ: نِهْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَامِر بنِ صَعْصَعَة، الَّذِي وَفَدَ بَنُوْهُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُم: نِهْمٌ شَيْطَانٌ، أَنْتُم بَنُو عَبْدِ اللهِ" كَذَا في جَمْهَرة أَنْسَابِ العَرَبِ لابنِ حَزْمٍ (288، 483) وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا قِرَاءَةُ زَيْدِ بنِ تَمِيْمٍ فَلَهَا حَظٌّ مِنْ وَجَاهَةٍ أَيْضًا، فَمَا دَامَ "التَّمِيْمِيُّ" في نَسَبِهِ ثابتًا فَبَنُو حَنْظَلَةَ مِنْ تَمِيْمٍ جَدُّهُمْ زَيْدُ مَنَاةِ بنِ تَمِيْمِ، فَلَعَلَّه اخْتَصَرَ زَيْدَ مَنَاة بنِ تَمِيْمٍ، وَقَالَ: زَيْدُ بنُ تَمِيْمٍ، وَالقَطْعُ في أَيِّ شَيْءٍ ممَّا سَبَقَ في قِرَاءَاتِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ غَيْرُ وَارِد إِلَّا بِنَصٍّ صَرِيْحٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

ص: 171

المُقْرِئ

(1)

، الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ "دِمَشْقَ" أَقَامَ بِهَا مُدَّةً يَؤُمُّ بِمَسْجِدِ "دَرْبِ الرَّيْحَانِ"

(2)

، حَدَّثَ بِهَا بِالإِجَازَةِ مِنَ الطَّنَاجِيْرِيِّ

(3)

. سَمِعَ مِنْهُ ابنُ صَابِرٍ الدِّمَشْقِيُّ

(4)

المُحَدِّثُ وَأَخُوْهُ.

وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ ثَامِنَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِمَقْبَرَةِ "البَابِ الصَّغِيْرِ"، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

(5)

.

‌31 - رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ

(6)

بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَسَدِ بنِ اللَّيْثِ

(1)

قَالَ مُحَقِّق "المَنْهَجِ الأحْمَدِ": "وَلَمْ يَذْكُرْهُ الحَافِظَانِ الذَّهَبِيُّ وَابنُ الجَزَرِيِّ في طَبَقَاتِ القُرَّاء".

أقُوْلُ - وعَلَى الله أَعْتَمِدُ -: لا يَلْزَمُهُمَا ذِكْرَهُ؛ لأنَّ وَصْفَهُ بِالمُقْرِئِ لا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالقَرَاءَاتِ خَبِيْرًا بِهَا.

(2)

مَسْجِدُ دَرْبِ الرَّيْحَان، مَسْجِدٌ في طَرَفِ الحَبَّالِيْنَ عِنْدَ رَأْسِ دَرْبِ الرَّيْحَانِ مِنَ السُّوْقِ الكَبِيْرِ سفل يُعْرَفُ بـ "مَسْجِدِ الرَّيْحَانِ" ثِمَارُ المَقَاصِدِ لابنِ عَبْدِ الهَادِي (65)، وفي الدَّارِسِ للنُّعَيْمِيِّ (2/ 237):"وَهُوَ مَسْجِدُ فُضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ".

(3)

هُوَ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ (ت: 439 هـ) قَالَ الحَافِظُ الخَطِيْبُ: "كَتَبْنَا عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً، دِيِّنًا". يُرَاجَعُ: تَارِيْخُ بَغْدَادَ (8/ 79)، وَالأَنْسَابُ (8/ 251)، وَالمُنْتَظَمُ (8/ 133)، مَنْسُوْبٌ إِلَى الطَّنَاجِيْرِ، وَهِيَ القُدُوْرُ الَّتي يُطْبَخُ بِهَا، وَلَا تزَالُ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ مَعْرُوْفَةً فِي بِلَادِ الشَّامِ، وَهِيَ فَارِسيَّةٌ مُعَرَّبةٌ (تَنْكِيْرَهْ) يُرَاجَعُ: قَصْدُ السَّبِيْلِ (2/ 26).

(4)

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ، أَبُو مُحَمَّدٍ، يُعْرَفُ بـ "ابنِ صَابِرٍ" وَبِـ "ابنِ سَيِّدِهِ" (ت: 511 هـ). أَخْبَارُهُ في: تَارِيْخِ دِمَشْقَ (34/ 157)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ (19/ 423).

(5)

ساقطة من (أ) و (ب) و (جـ).

(6)

31 - رِزْقُ اللهِ التَّمِيْمِيُّ (400 - 488 هـ):

مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ المَذْهَبِ، وَمِنْ مَشَاهِيْرِ العُلَمَاءِ بِعَامَّةٍ، وَصَلَ إِلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ التَّقَدُّمِ وَالشُّهْرَةِ وَالتَّمَيُّزِ، فَقِيْهٌ، مُفَسِّرٌ، مُحَدِّثٌ، أَدِيْبٌ، شَاعِرٌ، جَمَعَ بَيْنَ شَرَفِ العِلْمِ وَشَرَفِ النَّسَبِ، مِنْ أُسْرَةٍ كَرِيْمَةٍ عَرِيْقَةٍ بِالعِلْمِ فِي أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، من جِهَةِ أَبِيْهِ، =

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَمِنْ جِهَةِ أُمِّهِ، مَقْبُوْلُ الكَلِمَةِ عِنْدَ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ. أَخَذَ عَنْهُ العُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ شَرْقِ العَالَمِ الإسْلَامِيِّ وَغَرْبِهِ مِنْ "أَصْبَهَانَ" وَ"سَمَرْقَنْدُ" وَمَا وَالَاهُمَا، إِلَى بِلَادِ المَغْرِبِ وَالأَنْدَلُسِ، وَاشْتُهِرَ وَتَمَيَّز فِيْهِمَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وأَصْبَحَ حَلْقَةَ وَصْلٍ بَيْنَهُمَا، سَأُدَلِّلُ عَلَى ذلِكَ فِي أثْنَاءِ التَّرْجَمَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، رحمه الله رَحْمَةً وَاسِعَةً. ومَعَ هَذِهِ الشُهْرَةِ الوَاسِعَةِ يَقُوْلُ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ في "مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ":"رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ البَغْدَادِيُّ، أَدِيْبٌ، شَاعِرٌ، مُجِيْدٌ، لا أَعْرِفُ مِنْ أَمْرِهِ غَيْرَ هَذَا"؟!

أَخْبارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 464)، وَمُختَصَرِهِ (402)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصرِ اللهِ (ورقة: 7)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (632)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 393)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 13)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 216). وَيُرَاجَعُ: الإِكْمَالُ (1/ 109، 4/ 61)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 88)، وَمُعْجَمُ الأدَبَاءِ (11/ 136)، وَالكَامِلُ في التَّارِيْخِ (10/ 253)، وَبُغْيَةُ الطَّلَبِ (8/ 3632)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 609)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (242)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1208)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْن (142)، وَالعِبَرُ (3/ 320)، وَدُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 17)، وَمَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 441)، وَالمُسْتَفَادُ مِنْ ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (1166)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (14/ 112)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 150)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (1/ 284)، وَطَبَقَاتُ المُفَسِّرِيْنَ للدَّاوُدِيِّ (1/ 171)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 284)(5/ 380).

أُسْرَتُهُ مِنْ قِبَلِ الأَبِ بَغْدَادِيَّةٌ تَمِيْمَةُ الأُرُوْمةِ، وَبَنُو تَمِيْمٍ قَاعِدَةٌ مِنْ أَكْبَرِ قَوَاعِدِ العَرَبِ كَمَا يَقُوْلُ ابنُ حَزْمٍ فِي جَمْهَرَةِ النَّسَبِ (207) وَهُمْ مِنْ بَنِي (حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكٍ) و"حَنْظَلَةُ" مِنْ كِبْارِ بُيُوْتِ المَجْدِ فِي بَنِي تَمِيْمٍ

يُعَدُّ النَّاسِبُوْنَ بَنِي تَمِيْمٍ

بُيُوْتِ المَجْدِ أَرْبَعَةٌ كِبَارَا

يَعُدُّوْنَ الرَّبَابَ لَهَا وَسَعْدًا

وَعَمْرًا ثُمَّ حَنْظَلَة الخِيَارَا

وَبَنُو حَنْظَلَةَ خِيَارُ تَمِيْمٍ، وَبَيْتُ الرِّئَاسَةِ فِيْهِمْ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ بَنِي مُجَاشِعِ بنِ دَارِمِ، مِنْ =

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أَشْرَافِ بَنِي حَنْظَلَةَ، قَالَ الفَرَزْدَقُ:

فَيَا عَجَبًا حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي

كَأَنَ أَبَاهَا نَهْشَلٍ أَوْ مُجَاشِعُ

وَقَدْ سَاقَ الأَميرُ فِي الإِكْمَال (1/ 108) نَسَبَ جَدِّهِ الأَعْلَى "أُكَيْنَةَ" إِلَى بَنِي حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكٍ بنِ زَيْدِ مَنَاة بنِ تَمِيْمٍ، ثُمَّ قَالَ:"هُوَ جَدُّ التَّمِيْمِيِّنَ الفُقَهَاءِ الحَنَابِلَةِ الوُعَّاظِ، ثمَّ قَالَ: وَالقَوْمُ أَحْفَظُ لأَنْسَابِهِم؛ لاِهْتِمَامِهِمْ بِهَا، قَالَ لِي هَذَا النَّسبُ الشَّيْخُ المُعَدَّلُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَسَدِ بنِ اللَّيْثِ بنِ سُلَيْمَان بنِ الأسْوَدِ بن سُفْيَانَ بنِ أُكَيْنَةَ، وَقَالَ لِي: كَانَ اسمُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَيْثَمِ: عَبْدَ اللَّاتِ فَسَمَّاهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَبْد الله".

وَقَدْ أَمْلَى الشَّيْخُ رِزْقُ اللهِ المُتَرْجَمُ هُنَا نَسَبَهُ في مَجْلِسٍ لَهُ بـ "أَصْبَهَانَ" وَأَوْرَدَ حَدِيْثًا، ذَكَرَ بَعْدَ "أُكَيْنَةَ""الهَيْثَمَ" ثُمَّ "عَبْدَ اللهِ" وَهُوَ الَّذِي لَهُ صُحْبَةٌ، وَأَضَافَ "يَزِيْدَ" قَبْلَ "أُكَيْنَةَ"، وَ"يَزِيْدُ" لَمْ يَرِدْ في نَصِّ الأَمِيْرِ؟! وَتَحْقِيْقُ الزِّيَادَةِ في هَذهِ الأَسْمَاءِ والنَّقْصِ مِنْهَا، وَالتَّثَبُّتُ وَالتَّحَرِّي يَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ في غَيْرِ هَذَا المَقَامِ. يُرَاجَعُ: الإِصَابَةُ (1/ 109، 110، 4/ 258)"عَبْدُ اللهِ بنِ الهَيْثَمِ" فَهَلِ الصَّحَابِيُّ عبدُ اللهِ أَوْ أُكَيْنَةُ؟ مِنَ الجَائِزِ أَنْ يَكُوْنَ لِعَبْدِ اللهِ وَلابْنِهِ أُكَيْنَةَ صُحْبَةٌ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

والَّذِي اشْتُهِرَ بالعِلْمِ مِنْ آبَائِهِ هُوَ: وَالِدُهُ عَبْدُ الوَهَّابِ (ت: 425 هـ) وَجَدُّهُ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الحَارِثِ (ت: 371 هـ)، وَعَمُّهُ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ (ت: 410 هـ) هَؤُلَاءِ ذَكَرَهُمْ جَمِيْعًا القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ في "الطَّبقات" وَذَكَرَ المُؤلِّفُ ابْنَي الشَّيخِ رِزْقِ اللهِ بَعْدَ تَرْجَمَتِه، وَهُمَا عبْدُ الوَهَّاب (ت: 491 هـ) وَعَبْدُ الوَاحِدِ (ت: 493 هـ).

- وَابنُ عَمِّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحَارِثِ، أَبُو الفَضْلِ التَّمِيْمِيُّ البَغْدَادِيُّ (ت: 454) لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى، وفَاتَنِي اسْتِدْرَاكُهُ عَلَيْهِ، وَكُنْتُ إِذْ ذَاكَ أَعْرِفُهُ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهِلْتُ عَنْهُ؟! ولَا بَأْسَ بِإِيْرَادِ شَيْءٍ مِن أَخْبَارِهِ هُنَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيْلِ؛ لأنَّهُ لَمْ يَرِدْ لَهُ ذِكْرٌ في كُتُبِ الحَنَابِلَةِ فَأَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ =

ص: 174

ابنِ سُلَيْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفْيَانَ بنِ يَزِيْدَ بنِ أُكَيْنَةَ بنِ الهَيْثَمِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ،

= أَعْتَمِدُ -: رَحَلَ إِلَى بِلَادِ المَغْرِبِ وَالأَنْدَلُسِ وَلَهُ ذِكْرٌ هنَاكَ، فَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الحُمَيْدِيُّ في بُغْيَةِ المُلْتَمِسِ (1/ 124) وَقَالَ:". . . أَخْبَرَنِي الشَّيْخُ الفَقِيْهُ، أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحَارِثِ، وَهُوَ ابنُ عَمِّهِ، وَقَالَ: إِنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ عِلْمٍ وَأَدَبٍ. خَرَجَ أَبُو الفَضْلِ إِلَى "القَيْرَوَان" فِي أَيَّامِ المُعِزِّ بنِ بَادِيْسَ، فَدَعَاهُ إِلَى دَعْوَةِ العَبَّاسِيِّيْنَ فَاسْتَجَابَ لَهُ، ثُمَّ وَقَعَتِ الفِتَنُ، وَاسْتَوْلتِ العَرَبُ عَلَى البِلَادِ، فَخَرَجَ مِنْهَا إِلَى "الأنْدَلُسِ"، وَلَقِيَ مُلُوْكَهَا، وَحَظِيَ عِنْدَهُمْ؛ بِأَدَبِهِ، وَعِلْمِهِ، وَاسْتَقَرَّ بِـ "طُلَيْطُلَةَ" فَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِهِا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، عَلَى مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَابِدِيُّ. وَكَانَ لَهُ نَظْمٌ رَائِعٌ، وَنَثْرٌ بَدِيْعٌ، وَمِنْ نَظْمِهِ - وَنَسَخْتُهُ وَقَرَأَتُهُ مِنْ خَطِّهِ رحمه الله عَلَى الشَّيْخِ الإمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَمِّهِ، أَنْشَدَنِي أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ لِنَفْسِهِ مِنْ قَصِيْدَةٍ طَوِيْلَةٍ أَوَّلُهَا:

أَبَعْدَ ارْتِحَالِ الحَيِّ مِنْ جَوِّ بَارِقٍ

تُؤَمِّلُ أَنْ يَسْلُو الهَوَى قَلْبَ عَاشِقِ

وَذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ أَبْيَاتِ القَصِيْدَةِ تَجِدْهَا هُنَاكَ، وَهُوَ مُتَرْجَمٌ فِي كِتَابِ الصِّلَةِ (598)، وَذَكَرَ أَخْبَارُهُ عَنِ الحُمَيْدِّي، وابِن حَيَّانَ، وبُغية المُتلمس (108)، نَقَلَ كَلَام الحُمَيْدِيِّ حَرْفِيًا، وَمِثْلُهُ في نَفْحِ الطِّيْبِ (3/ 111)، وَوَصَفَهُ بِـ "الوَزِيْرِ".

(الشَّيْء بالشَّيْء يُذْكَر): فَمِمَّنْ فَاتَ ذِكْرُهُ أَيْضًا مِمَّنْ يُسْتَدْرَكُ عَلَى "الطَّبَقَاتِ":

- مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ سُلَيْمَان بنِ أَبِي الجَعْدِ التُّسْتَرِيُّ الحَنْبَلِيُّ، كَذَا ذَكَرَهُ ابنُ بشكُوَال في الصِّلَة (600)، وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ، ذَكَرَهُ في الغُرَبَاءِ الوَارِدِيْنَ إِلَى الأنْدَلُسِ، قَالَ:"قَدِمَ الأنْدَلُسَ تَاجِرًا سَنَةَ ثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَة، ذَكَرَهُ الخَزْرَجِيُّ. قَالَ: كَانَ خَيِّرًا، مُتَدَيِّنًا، نَزِيْهَ النَّفْسِ، مُتَسَنِّنًا، مُؤْتَمًّا بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَدَائِنًا بِمَذْهَبِهِ، وَرِوَايَتُهُ وَاسِعَةٌ عَنْ شُيُوْخِ جُلَّةٍ بِـ "العِرَاقِ" وَ"خُرَاسَانَ". وَكَانَ عَالِمًا بِفُنُوْنِ عُلُوْمِ القُرْآنِ مِنْ قِرَاءَاتٍ، وَإِعْرَابٍ، وَتَفْسِيْرٍ، وَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَّ مَوْلِدَهُ بـ "تُسْتَرَ" سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ".

ص: 175

البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الوَاعِظُ، شَيْخُ أَهْلِ "العِرَاقِ" فِي زَمَانِهِ، أَبُو مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَرَجِ بنِ أَبِي الحَسَنِ.

وُلِدَ سَنَة أَرْبَعِمَائَةَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَفِي "الطَّبَقَاتِ" لابْنِ الجَوْزِيِّ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ السِّلَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلَامَةَ الرَّوْحَانِيَّ

(1)

بِـ "مِصْرَ" يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ بِـ "بَغْدَادَ" يَقُوْلُ: مَوْلِدِي سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ. وَقَرَأَ القُرْآنَ بالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ الحَمَّامِيِّ، وَسَمِعَ الحَدِيْث مِنْ أَبِي الحُسَيْن المُتَيَّمِ

(2)

، وَأَبِي عُمَرَ بنِ مَهْدِي، وابْنَيْ بِشْرَانَ، وَأَبِي عَلِيِّ بنِ شَاذَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الصُّوْفِيُّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ أَبِي الفَرَجِ، وَعَمِّهِ أَبِي الفَضْلِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَأَبِي عَلِيِّ بنِ أَبِي مُوْسَى صَاحِبِ "الإرْشَادِ".

(1)

مَنْسُوْبٌ إِلَى "رَوْحَا" مِنْ قُرَى "رَحْبَةِ مَالِكِ بنِ طَوْقٍ". يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (3/ 87)، وَذَكَرَ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ هَذَا، وَنَقَلَ عَنِ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ في "مُعْجَمِ السَّفَرِ" وفي المُعْجَمِ المَذْكُوْرِ (479) (ط) الباكستان: ". . . واسْتَوْطَنَ مِصْرَ إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا، وَفِي شُيُوْخِهِ كَثْرَةٌ، وَلَمْ يَزَلْ يُسْمِعُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ رحمه الله

قَالَ: "وَرَوْحَا" من قُرَى "الرَّحْبَةِ"، رَحْبَةِ مالِكِ بنِ طَوْقٍ بـ "الشَّامِ"، وَقَدْ سَمِعَ قَدِيْمًا أَبَا مُحَمَّدِ التَّمِيْمِيَّ وَأَقْرَانَهُ بِـ "بَغْدَادَ". . ." وَبَالَغَ في الثَّنَاءِ عَلَيْه، وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ.

(2)

في (ط) الفقي: "التميم" وابنُ المُتَيَّمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادٍ، أَبُو الحَسَنِ، الوَاعِظُ، المُعَمَّرُ، المُحَدِّثُ البَغْدَادِيُّ (ت: 409 هـ). أَخْبَارُهُ في: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (4/ 370)، وَمُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (4/ 244)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (17/ 288). أَسْنَدَ إِلَيْهِ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي "المَجْمَعِ المُؤَسِّسِ" عَنْهُ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ رِزْقِ اللهِ، رِوَايَاتٍ، مِنْهَا (1/ 578، 581، 2/ 87).

ص: 176

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: وَقَرَأَ عَلَى الوَالِدِ السَّعِيْدِ قِطْعَةً مِنَ المَذْهَبِ، وَأَدْرَكَ مِنْ أَصْحَابِ ابنِ مُجَاهِدٍ

(1)

رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ سُوْرَةَ البَقَرَةِ، وَقَرَأَهَا عَلَى ابنِ مُجَاهِدٍ، وَأَدْرَكَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي بَكْرٍ الشِّبْلِيِّ

(2)

رَجُلًا، وَهُوَ عُمَرُ بنُ تَعْوِيْذٍ، وَحَكَى عَنْهُ حِكَايَةً عَنِ الشِّبْلِيِّ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: وَشَهِدَ عَنْدَ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ مَاكُوْلَا قَاضِي القُضَاةِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَوَلِيَ ابنُ الدَّامَغَانِيِّ تَرَكَ الشَّهَادَةَ؛ تَرَفُّعًا عَنْ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ، فَجَاءَ قَاضِي القُضَاةِ إِلَيْهِ مُسْتَدْعِيًا لِمَوَدَّتِهِ وَشَهَادَتِهِ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُ عِنْ مَوْضِعِهِ، وَلَمْ يَصْحَبْهُ، مَقْصوْدَةً.

قَالَ: وَكَانَ قَدِ اجْتَمَعَ للتَّمِيْمِيِّ القُرْآنُ، وَالفِقْهُ، وَالحَدِيْثُ، وَالأَدَبُ وَالوَعْظُ، وَكَانَ جَمِيْلَ الصُّوْرَةِ، فَوَقَعَ لَهُ القَبُوْلُ مِنَ الخَوَاصِّ وَالعَوَامِّ،

(1)

ابنُ مُجَاهِدٍ إِمَامُ القِرَاءَاتِ، جَامِعُ السَّبْعَةِ، أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى بنِ العَبَّاسِ بنِ مُجَاهِدٍ التَّمِيْمِيُّ البَغْدَادِيُّ (ت: 324 هـ) قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في مَعْرِفَةِ القُرَّاء (1/ 441): "قَالَ أَبُو زكَرِيَّا يَحْيَىَ بنُ مَنْدَه الحَافِظُ: سَمِعْتُ رِزْقَ اللهِ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ مِنْ أَصْحَابِ ابنِ مُجَاهِدٍ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ، وَقَرَأتُ عَلَيْهِ سُوْرَة البَقَرَة، وَقَرَأَهَا عَلَى أَبِي بَكْرِ بنِ مُجَاهِدٍ، فَسَمَّاهُ "عُبَيْدِ اللهِ" وَالمُثبَتُ عِنْدَنَا "عَبْدَ اللهِ"؟!

(2)

أَبُو بَكْرٍ الشِّبْلِيُّ مِنْ شُيُوْخ الصُّوْفِيَّةِ، واسُمُه دُلَفُ بنُ جَحْدَرٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي اسمِ أَبِيْهِ، أَصْلُهُ مِنَ الأنْدَلُسِ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا:"شِبْلِيَّةُ" التَّابِعَةُ لـ "أَسْرُوشَنَةَ" وَعَاشَ في "بَغْدَادَ" وَبِهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ (334 هـ). وَصَاحِبُهُ هَذَا لَمْ أَقفْ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ جَهَلَةِ الصُّوْفِيَّةِ. يُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (7/ 282)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (3/ 365).

ص: 177

وَأَخْرَجَهُ الخَلِيْفَةُ رَسُوْلًا إِلَى السُّلْطَانِ فِي مَهَامِّ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ لَهُ الحَلْقَةُ فِي الفِقْهِ وَالفَتْوَى وَالوَعْظَ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، فَلَمَّا انْتَقَلَ إِلَى "بَابِ المَرَاتِبِ" كَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ القَصْرِ يَرْوِيْ فِيْهَا الحَدِيْثَ وَيُفْتِي، وَكَانَ يُمْضِي فِي السَّنَةِ أَرْبَعَ دُفُعَاتٍ فِي رَجَبٍ، وَشَعْبَانَ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَعَاشُوْرَاءَ إِلَى مَقْبَرَةِ أَحْمَدَ، وَيَعْقِدُ هُنَاكَ مَجْلِسًا لِلْوَعْظِ

(1)

.

وَقَالَ فِي "الطَّبَقَاتِ": كَانَتْ لَهُ المَعْرِفَةُ الحَسَنَةُ بِالقُرْآنِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَالأُصُوْلِ، والتَّفْسِيْرِ، وَاللُّغَةِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالفَرَائِضِ، وَكَانَ حَسَنَ الأَخْلَاقِ.

وَحُكِيَ عَنِ ابنِ عَقِيْلٍ قَالَ: كَانَ سَيِّدَ الجَمَاعَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بَيْتًا، وَرِئَاسَةً، وَحِشْمَةً أَبَا مْحَمَّدٍ التَّمِيْمِيَّ. وَكَانَ أَحْلَى النَّاسِ عِبَارَةً فِي النَّظَرِ، وَأَجْرَاهُمْ قَلَمًا فِي الفُتْيَا، وَأَحْسَنَهُم وَعْظًا. وَقَالَ ابنُ عَقِيْلٍ فِي "فُنُوْنِهِ" - وَالكَلَامُ أَظُنُّهُ فِي "تَارِيْخِ بَغْدَادَ" -: وَمِنْ كِبَارِ مَشَايِخِي: أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ شَيْخُ زَمَانِهِ، كَانَ حَسَنَةَ العَالَمِ، وَمَاشِطَةَ "بَغْدَادَ". وَذَكَرَ عَنِ التَّمِيْمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: كُلُّ الطَّوَائِفِ تَدَّعِيْنِي.

وَقَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ - فِيْمَا حَكَاهُ عَنِ السِّلَفِيِّ - كَانَ لَهُ لِسَانٌ وَعَارِضَةٌ، وَحَلَاوَةُ مَنْطِقٍ، وَهُوَ أَحَدُ الوُعَّاظِ المَذْكُوْرِيْنَ، وَالشُّيُوْخِ المُتَقَدِّمِيْنَ، وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ.

وَقَالَ السِّلَفِيُّ: سَأَلْتُ المُؤْتَمِنَ السَّاجِيَّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ؟

(1)

لا شَكَّ أَنَّ اعتِيَادَ زِيَارَةِ القَبْرِ في أَوْقَاتٍ مُحَدَّدَةٍ مِنَ البِدَعِ؟!. وَالمَقَابِرُ لَيْسَتْ أَمَاكِنَ وَعْظٍ وَدَرْسٍ، كَفَى بِالمَقْبَرَةِ نَفْسِهَا مَوْعِظَةً "أَلا فَزُوْرُوْهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالآخِرَةِ".

ص: 178

فَقَالَ: هُوَ الإمَامُ عِلْمًا، وَنَفْسًا، وَأُبُوَّةً، وَمَا يُذْكَرُ عَنْهُ فَتَحَامُلٌ مِنْ أَعْدَائِهِ.

وَقَالَ شِيْرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ

(1)

الحَافِظُ: هُوَ شَيْخُ الحَنَابِلَةِ، وَمُقَدَّمُهُمْ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوْقًا، فَاضِلًا ذَا حِشْمَةٍ.

وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِيُّ

(2)

: رِزْقُ اللهِ التَّمِيْمِيُّ كَانَ شَيْخًا بَهِيًّا، ظَرِيْفًا، لَطِيْفًا، كَثِيْرَ الحِكَايَاتِ وَالمُلَحِ، مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا.

وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بنُ سُكَّرَةَ

(3)

فِي "مَشْيَخَتِهِ": مَا لَقِيْتُ فِي "بَغْدَادَ" مِثْلَهُ يَعْنِي التَّمِيْمِيَّ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثيْرًا، وَإِنَّمَا لَمْ أُطِلْ ذِكْرُهُ لِعَجْزِي عَنْ وَصْفِهِ؛

(1)

سَيَأْتِي التَّعْرِيْفُ بِهِ فِي هَامِشِ ص (293) مِنْ هَذَا الجُزْءِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(2)

هُوَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدُوْنَ بنِ مُرَجَّى بنِ سَعْدُوْنَ القُرَشِيُّ العَبْدَرِيُّ المُيُوْرِقِيُّ الأنْدَلُسِيُّ الظَّاهِرِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ (ت: 524 هـ) وَهُوَ مِمَّن سَمِعَ مِنْ رِزْقِ اللهِ المُتَرْجَمِ هُنَا. أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (10/ 19)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1272)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (3/ 93).

(3)

هُوَ الإمَامُ، العَلَّامَةُ، الحَافِظُ، القَاضِي الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فُيَرَّةَ بنِ حَيُّونَ بنِ سُكَّرةَ، أَبُو عَلِيٍّ، الصَّدَفِيُّ، السَّرَقُسْطِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 514 هـ) شَهِيْدًا فِي مَعْرَكَةِ قُتَنْدَة. أَخْبَارُهُ في: الصِّلَةِ (1/ 144)، وَبُغْيَةِ المُلْتَمِسِ (2669)، وَالغُنْيَةُ (مُعْجَمِ شُيُوْخِ القَاضِي عِيَاضٍ)(192)، وَأَكْثَرَ مِنَ النَّقْلِ عَنْهُ، وَالإِسْنَادِ إِلَيْهِ، وَخَاصَّةً عَنْ عُلَمَاءِ المَشْرِقِ أَمْثَالِ رِزْقِ اللهِ المُتَرْجَمِ هُنَا. وَخُرِّجَ لَهُ "مَشْيَخَةً". قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في السِّيَرِ (19/ 377):"وَتَلَا بالرِّوَايَاتِ عَلَى ابنِ خَيْرُوْنَ، وَرِزْقِ اللهِ، وَمِمَّا يُذْكَرُ في مَنَاقِبِهِ: أَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى القَضَاءِ فَوَلِيَهُ فِي "مَرْسِيَةَ" من بِلَادِ الأَنْدَلُسِ، ثُمَّ اخْتَفَى حَتَّى أُعْفِيَ، ثُمَّ أُكْرِهَ ثَانِيَةً عَلَى قَضَاء "المُرِّيَّةِ" فَقَبِلَهَا، وَأَنَّه قُتِلَ بِالمَعْرَكَةِ المَذْكُوْرَةِ غَازِيًا، شَهِيْدًا رحمه الله رَحْمَةً وَاسِعَةً. وَكَانَتْ رِحْلَتُهُ إِلَى المَشْرِقِ مَا بَيْنَ عَامي (481 - 490 هـ)، وَأَقَامَ بـ "بَغْدَادَ" خَمْسَ سِنِيْنَ. وأَخْبَارُهُ وَمَنَاقِبه كَثِيْرَةٌ.

ص: 179

لِكَمَالِهِ وَفَضْلِهِ. وَقَالَ ابنُ نَاصِرٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْخًا ابنَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً أَحْسَنَ سَمْتًا، وَهَدْيًا، وَاسْتِقَامَةً مِنْهُ، وَلَا أَحْسَنَ كَلَامًا، وَأَظْرَفَ وَعْظًا، وَأَسْرَعَ جَوَابًا مِنْهُ؛ وَلَقَدْ

(1)

كَانَ جَمَالًا لِلإِسْلَامِ كَمَا لُقِّبَ، وَفَخْرًا لِأَهْلِ العِرَاقِ خَاصَّةً، وَلِجَمِيْعِ بِلَادِ الإسْلَامِ عَامَّةً، وَمَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ، وَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الشُّيُوْخِ وَالفُقَهَاءِ وَشُهُوْدِ الحَضْرَةِ، وَهُوَ شَابٌّ ابنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَكَيْفَ بِهِ وَقَدْ نَاهَزَ التِّسْعِيْنَ سَنَةً؟ وَكَانَ مُكَرَّمًا، وَذَا قَدْرٍ رَفِيعٍ عِنْدَ الخَلفَاءِ، مُنْذُ زَمَنِ القَادِرِ

(2)

وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الخَلفَاءِ إِلَى خِلَافَةِ المُسْتَظْهِرِ. وَلَهُ تَصَانِيْفُ. مِنْهَا "شَرْحُ الإِرْشَادِ" لِشَيْخِهِ ابنِ أَبِي مُوْسَى فِي الفِقْهِ، وَ"الخِصَالُ وَالأَقْسَامُ". قَرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَاتِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: أَبُو الكَرَمِ الشَّهْرَزُوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَأَمْلَى الحَدِيْثَ، وَسَمِعَ مِنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ بِـ "بَغْدَادَ" وَ"أَصْبَهَانَ" لَمَّا قَدِمَهَا رَسُوْلًا مِنْ جِهَةِ المُقْتَدِي

(3)

،

(1)

في (ط) بطبعتيه: "فلقد" وكَذلِك هي في (هـ) وَاللَّفْظَةُ سَاقِطَةٌ من (د).

(2)

التَّعْرِيْفُ بالقَادِرِ تَقَدَّمَ. أَمَّا المُسْتَظْهِرُ فَهُو الخَلِيْفَةُ، الإمَامُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ مُحَمَّدٍ. وَلِيَ الخِلَافَةَ سَنَةَ (487 هـ) وَفِي أَيَّامِهِ احْتَلَّ الصَّلِيْبِيُّونَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَقَتلُوا مِنْ أَهْلِهِ مَا يَزِيْدُ عَلَى سَبْعِيْنَ أَلْفًا. (ت: 512 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: الإِنْبَاءِ بِتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ (206)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 182)، وَتَارِيْخِ الخُلفَاءِ للسُّيُوْطِيِّ (457)، فَيَكُوْنُ رِزْقُ اللهِ قَدْ عَاصَرَ مِنَ الخُلفَاءِ (القَادِرَ ت: 422 هـ) - وَوُلِدَ رِزْقُ اللهِ في خِلَافَتِهِ -، وَ (القَائِمَ ت: 467 هـ) وَ (المُقْتَدِي ت: 487 هـ) ثُمَّ المُسْتَظْهِرَ.

(3)

هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَد بنِ عَبْدِ الله (ت: 487 هـ) بُوْيعَ بِالخِلَافَةِ بَعْدَ جَدِّهِ وَلَقَّبَهُ جَدُّهُ بِالمُقْتَدِي، وَلَمْ يَكُن لَهُ مِنَ الخِلَافَةِ إلَّا الاسمُ، وَمَعَ هَذَا بَقِيَ بِالخِلَافَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ عَامًا. أَخْبَارُهُ في: الإِنْبَاءِ بِتَارِيْخِ الخُلفَاءِ (201)، وَالعِبَرِ (3/ 316)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 146)، وَتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ للسُّيُوْطِيِّ (454).

ص: 180

وَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ الحُفَّاظُ: إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ

(1)

، وَأَبُو سَعْدِ بنِ البَغْدَادِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ، وَابنُ الخَاضِبَةِ، وَأَبُو مَسْعُوْدٍ سُلَيْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو نُعَيْمِ بنِ الحَدَّادِ، وَأَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وابنُ نَاصِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ. وَسَمِعَ مِنْهُ أَيْضًا: نَصْرُ اللهِ المِصِّيْصِيُّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُسٍ، وَعَلِيُّ بنُ طِرَادٍ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ

(2)

، وَالقَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَخُوْهُ أَبُو حَازِمٍ، وَابنُ البَطِّيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.

وَقَدْ رَوَى ابنُ

(3)

السَّمْعَانِيِّ حَدِيْثَ: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا" عَنْ أَرْبَعَةٍ وَسَبْعِيْنَ، سَمَاعًا لَهُ، سَمِعُوْهُ مِنَ التَّمِيْمِيِّ.

وَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ "أَصْبَهَانَ" أَزْيَدُ مِنْ مَائَةِ رَاوٍ

(4)

، وَآخِرُ مَنْ رَوَى

(1)

في (ط) الفقي: "التَّميمي" وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَالمَقْصُوْدُ بِهِ الحَافِظُ الإمَامُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ عليٍّ، أَبُو القَاسِمِ التَّيْمِيُّ الأَصْفَهَانِيُّ (ت: 535 هـ) مَشْهُوْرٌ جِدًّا.

(2)

هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ قَاضِي المَارِسْتَان"(ت: 535 هـ) حَنْبَلِيٌّ ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي مَشْيَخَتِهِ "أَحَادِيْثِ الشُّيُوخِ الثِّقَاتِ"؟!

(3)

ساقطٌ من (أ).

(4)

جَاء في "تَارِيْخِ الإسْلَام" للحَافِظ الذَّهَبِيِّ، عَنِ الحَافِظِ السَّمْعَانِيِّ:"رَوَى لَنَا عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَوَرَد "أَصْبَهَانَ" رَسُوْلًا في سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَمَانِيْنِ، وَ (ثَنَا) عَنْهُ مِنْ أَهْلِهَا أَكْثَرُ من ستِّين نَفْسًا. ثُمَّ قَالَ: (أَنبَأ) المَشَايخُ فَذَكَرَ سِتِّيْنَ بِـ "أَصْبَهَان"، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُم، قَالُوا: (أَنبَأَنَا) رِزْقُ اللهِ التَّمِيْمِيُّ فَذَكَرَ حَدِيْثَ: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا" وَهُوَ حَدِيْثٌ انْفَرَدَ رِزْقُ اللهِ بِعُلُوِّهِ. (أثَنَا) أَبُو المَعَالِي الهَمَذَانِيُّ، (أَنَا) أَبُو بَكْرِ بنُ سَابُوْرٍ، (أَنَا) عَبْدُ العَزِيْزِ الشِّيْرَازِيُّ، (أَنَا) رِزْقُ اللهِ إِمْلاءً، فَذَكَرَ مَجْلِسًا أَوَّلُهُ هَذَا الحَدِيْثُ

وَقَالَ السِّلَفِيُّ:- فِيْمَا (أَنَا) الدِّمْيَاطِيُّ، (أَنَا) ابنُ رَوَاجٍ، (أَنَا) =

ص: 181

عَنْهُ السِّلَفِيُّ بِالإجَازَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي أَوَّلِ "تَارِيْخِهِ" بِإِسْنَادِهِ عَنْ خَمِيْسٍ الحَوْزِيِّ

(1)

الحَافِظِ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بنَ عَلِيٍّ الرَّازِيَّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي المَنَامِ بِـ "بَغْدَادَ" كَأَنَّهُ فِي مَسْجِدِ "عَتَّابٍ"

(2)

، جَالِسٌ فِي القِبْلَةِ، وَعَلَيْهِ

= أَبُو طَاهِرِ بنُ سِلَفَةَ، قَالَ: رِزْقُ اللهِ شَيْخُ الحَنَابِلَةِ، قَدِمَ "أَصْبَهَان" رَسُوْلًا مِنْ قِبَلِ الخَلِيْفَةِ إِلَى السُّلْطَانِ، وَأَنَا إِذْ ذَاكَ صَغِيْرٌ، فَشَاهَدْتُهُ يَوْمَ دُخُوْلهِ كَانَ يَوْمًا مَشْهُوْدًا كَالعِيْدِ، بَلْ أَبْلَغُ في المَزِيْدِ، وَأُنْزِلَ بِـ "بَابِ القَصْرِ" مَحِلَّتِنَا، في "دَارِ سُلْطَان"، وَحَضَرْتُ فِي الجَامِعِ الجُورجِيْرِيِّ مَجْلِسَهُ مُتَفَرِّجًا، ثُمَّ لمَّا تَصَدَّيْتُ للسَّمَاعِ قَالَ لِي أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مَعْمَرٍ اللُّنْبَانِيُّ - وَكَانَ مِنَ الأَثْبَاتِ -: قَدِ اسْتَجزْتُهُ لَكَ في جُمْلَةِ مَنْ كَتَبْتُ اسْمَهُ مِنْ صِبْيَانِنَا، فَكَتَبَ خَطَّهُ بِالإجَازَةِ، قَالَ أَبُو غَالبٍ هِبَةُ اللهِ قَصِيْدَة أَوَّلها:

بِمُقْدَمِ الشَّيْخِ رِزقُ الله قَدْ رزِقَتْ

أَهْلُ أصْبَهَانَ أَسَانِيْدًا عَجِيْبَاتِ

يَقُوْلُ الفَقِيْرُ إلَى الله تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُلَيْمَان العُثَيْمِيْنَ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -: يَكُوْنُ عُمْرُ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ عِنْدَ إِجَازَتِهِ تِلْكَ لَا يَتَجَاوزُ ثَمَانِ سِنِيْنَ؛ لأنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ (475 هـ) وَوُروْدُ رِزْقُ اللهِ إِلَى "أَصْبَهَانَ" سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِيْنَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَدْ رَوَى عَنْ رِزْقِ اللهِ كَثيْرٌ مِنْ أهْلِ الأنْدَلُس يُرَاجَعُ مَثلًا: الصِّلَةُ لابنِ بشكوال (452)، وَصِلَةُ الصَّلَةِ (3/ 179)، وَالذَّيْلُ وَالتَّكْمِلَةُ (1/ 204)، وَفِيْهِ رَفْعُ نَسَبِهِ وَالحَدِيْث عَنْ هَذَا النَّسَبِ نَقْلًا عَنِ الأَمِيْرِ في "الإِكْمَالِ" وَالقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الصَّدفي .. وَالذَّيْلُ والتَّكْمِلَةُ أيْضًا (4/ 7)، وَنَفْحُ الطِّيْبِ (2/ 575، 3/ 111، 112)، وَالمُتَتَبِّعُ لِأَسَانِيْدِ الأَنْدَلُسِيِّيْن يَظْفَرُ بِأَعدَادٍ كَبِيْرَةٍ.

(1)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "الجَوْزِيّ" وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى ذلِك فِيْمَا مَضَى.

(2)

بَغْدَاد مَدِيْنَةُ السَّلامِ للدُّكتور صالح أَحْمَد العَلي (2/ 158)، ونَقَلَ عن تَارِيْخِ ابنِ النَّجَّارِ (2/ 224)"الَّذِي كَانَ يُدَرِّسُ فيه عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ" وَفَاتَتْهُ هَذِهِ الإشَارَةُ.

ص: 182

بُرْدٌ كُحْليٌّ

(1)

، وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ بِسَيْفٍ، وَالمَسْجِدُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، وَفِي الجَمَاعَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ وَهُوَ يَقُوْلُ لَهُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ - وَأَنَا أَقُوْلُ مَعَهُ -: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُسْنَ الاخْتِيَارِ فِي جَمِيْعِ الأَقْدَارِ، وَنَعُوْذُ بِكَ مِنْ سُوْءِ الاخْتِيَارِ فِي جَمِيْعِ الأَقْدَارِ.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ الكَرْكِيُّ

(2)

: سَمِعْتُ أَبَا الكَرَمِ الشَّهْرَزُوْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ التَّمِيْمِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ "سَمَرْقَنْدَ"

(3)

بِرِسَالَةِ المُقْتَدِي إِلَى "مَلِكْشَاه"

(4)

رَأَيْتُهُمْ يَرْوُوْنَ "النَّاسِخَ والمَنْسُوْخَ" لِهِبَةِ الله

(5)

عَنْ خَمْسَةِ رِجَالٍ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: الكِتَابُ مَعِي، وَالمُصْنِّفُ جَدِّي لأُمِّيِّ، وَمِنْهُ سَمْعْتُهُ، وَلكِنْ مَا أُسْمِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُم إلَّا بِمَائَةِ دِيْنَارٍ، فَمَا كَانَ الظُّهْرُ حَتَّى جَاءَنِي كِيْسٌ فِيْهِ خَمْسُمَائَةُ دِيْنَارٍ وَالجَمَاعَةُ، فَسَمِعُوا عَلَيَّ، وَسَلَّمُوا إِلَيَّ الذَّهَبَ، قَالَ: وَلمَّا عُدْنَا مِنْ "سَمَرْقَنْدَ" وَدَخَلْنَا "أَصْبَهَانَ" وَأَمْلَيْتُ الحَدِيْثَ يَوْمَ جُمْعَةٍ، فَقَامَ الجَمَاعَةُ وَمَدَحُوْنِي، وَقَالُوا: مَا سَمِعْنَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا.

(1)

في (ط) بطبعتيه: "كحل".

(2)

أَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ الكَركِيُّ، أَبُو الرِّضَا البَغْدَادِيُّ، التَّاجِرُ، المُحَدِّثُ (ت: 592 هـ). أَخْبَارُهُ في: العِبَرِ (378)، والنُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ (6/ 140)، وَهُوَ مَنْسُوْبٌ إِلَى "كَرْكَ" قَرْيَةٌ في أَصْلِ جَبَلِ لُبْنَانَ. وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (4/ 514)، وَذَكَرَ أَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ وَأَطَالَ فِي ذِكْرِهِ.

(3)

مَعَ أَنَّهُ دَخَلَ "سَمَرْقَنْدَ" لم يَرِدْ لهُ ذِكْرٌ في تَارِيْخِهَا "القَنْد في ذَيْل تَارِيْخِ سَمَرْقَنْدَ".

(4)

مَلِكْشَاه بنُ أَلْبَ أَرْسَلَان تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(5)

هِبَةُ اللهِ بنُ سَلَامَةَ البَغْدَادِيُّ، تَقدَّمَ ذكرُهُ.

ص: 183

وَلأَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ شِعْرٌ حَسَنٌ

(1)

، قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيُّ: أَنْشَدَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوسٍ

(2)

بِـ "دِمَشْقَ"، أَنْشَدَنَا التَّمِيْمِيُّ لِنَفْسِهِ:

(3)

وَمَا شنَآنُ الشَّيْبِ مِنْ أَجْلِ لَوْنِهِ

وَلكِنَّهُ حَادٍ إِلَى البَيْنِ مُسْرِعُ

إِذَا مَا بَدَتْ مِنْهُ الطَّلِيْعَةُ آذَنَتْ

بِأَنَّ المَنَايَا خَلْفَهَا تَتَطَلَّعُ

فَإِنْ قَصَّهَا المِقْرَاضُ صَاحَتْ بِأُختِهَا

فَتَظْهَرُ تَتْلُوْهَا ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُ

(1)

ذَكَرَهُ عِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ جَمَاعَةَ الكِنانِيُّ في كِتَابِهِ "التَّعْلِيْقَةِ في أَخْبَار الشُّعَرَاءِ" وَتَرْجَمَ لَهُ، وَلابْنِهِ أَبِي الفَضْل، وَأَوْرَدَ مَجْمُوْعةً مِنْ أَشْعَارِهِ وَأَخْبَارِهِ (الوَرَقَات: 197 - 199) نُسْخَةٌ مُصَوَّرَةٌ عَنِ المَكْتَبَةِ الوَطَنِيَّةِ ببارِيْسَ أهْدَاهَا إِليَّ أَخِي الكَرِيْم الدُّكتور عَبْدُ اللهِ بنُ صَالح الفَلَاحُ، وَكُنْتُ قَدْ أَرْشَدْتُهُ إِلَيْهَا، فَصَوَّرَهَا مِنْ هُنَاكَ.

(2)

هُوَ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ طَاوُوس، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 536 هـ) إِمَامُ جَامِعِ دِمَشْقَ، مُقْرِئٌ، مُحَدِّثٌ، صَدُوْقٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، وَثَّقه ابنُ عَسَاكِر وَغَيْرُهُ. وَذَكَرُوا في شُيُوْخِهِ رِزْقُ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، وَذَكَرُوا مِمَّن رَوَى عَنْهُ السَّمْعَانِيَّ وَلَمْ يُذْكَرْ في مُعْجَمَيْ شُيُوْخِهِ لا في "التَّحْبِيْرِ" ولا فِي "المُنْتَخَبِ". أَخْبَارُهُ في: الأنْسَابِ (3/ 410)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 101)، وَمُخْتَصَرِ تَارِيْخِ دِمَشْقَ (27/ 665)، وَطَبَقَاتِ الشَّافعِيَّةِ لابنِ السُّبْكِيِّ (7/ 324).

(3)

الأبْيَات في التَّعْلِيْقَةِ لابنِ جَمَاعَةَ (ورقة: 199). قَالَ: "أَخْبَرَنِي أَبُو الفَضْلِ بنُ أبِي الحُسَيْنِ الدِّمَشْقِيُّ مُكَاتَبَةً وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي المُظَفَّرِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ وَالِدِهِ عَبْدِ الْكَرِيْمِ السَّمْعَانِيِّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ طَاوُوسٍ المُقْرِئُ، قَالَ: أَنْشَدَنَا رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْميُّ لِنَفْسِهِ، وَأَنْبَأَنَا أَعْلَى مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِدَرَجَة مِنْ مَشَايِخِي، عَنِ ابنِ مَسْلَمةَ، عنِ البَطِّيِّ، عَنْ رِزْقِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ.

ص: 184

وَإِنْ خُضِبَتْ حَالَ الخِضَابُ لأنَّهُ

يُغَالِبُ صُنْعَ اللهِ وَاللهُ أَصْنَعُ

فَيُضْحِي كَرِيْشِ الدِّيْكِ فِيْهِ تَلَمُّعٌ

وَأَقْطَعُ مَا يُكْسَاهُ ثَوْبٌ مُلَمَّعُ

إِذَا مَا بَلَغْتَ الأَرْبَعِيْنَ فَقُلْ لِمَنْ

يَوَدُّكَ فِيْمَا تَشْتَهِيْهِ وَتُسْرِعُ

هَلِمُّوا لِنَبْكِي قَبْلَ فُرْقَةِ بَيْنِنَا

فَمَا بَعْدَهَا عَيْشٌ لَذِيْذٌ وَمَجْمَعُ

وَخَلِّ التَّصَابِي وَالخَلَاعَةَ وَالهَوَى

وَأُمَّ طَرِيْقَ الحَقِّ فَالحَقُّ أَنْفَعُ

وَخُذْ جُنَّةً تُنْجِي وَزَادًا مِنَ التُّقَى

وَصحْبَةَ مَأْمُوْنٍ، فَقَصْدُكَ مُفْزِعُ

قَالَ: وَأَنْشَدَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، أَنْشَدَنَا التَّمِيْمِيُّ لِنَفْسِهِ

(1)

:

مَرَرْنَا عَلَى رَسْمِ الدِّيَارِ فَسَلَّمْنَا

وَقُلْنَا لَهُ يَا رَبْعُ أَيْنَ نَأَوْا عَنَّا

وَجُدْنَا بِدَمْعٍ كَالرَّذَاذِ عَلَى الثَّرَى

فَصُمَّ المُنَادَى فَانْصَرَفْنَا وَمَا كُنَّا

وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ رَسْمَ دِيَارِهِمْ

بِهِ كَالَّذِيْ نَلْقَى فَقَدْ زَادَنَا حُزْنَا

(1)

جَاءَ فِي "التَّعْلِيْقَةِ" لابنِ جَمَاعَةَ: "أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، المُحَدِّثُ، نَجْمُ الدِّينِ عَبْدُ اللهِ بنُ عليِّ بنِ عُمَرَ الحِمْيَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: (أَنَا) الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ أبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ [بنُ] مُحَمَّدِ بنِ الحَاجِبِ مَنْصُوْرِ بن عَبْدَ اللهِ الأَمِيْنِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَستِّين وَستِّمَائَةَ، قَالَ: (أَنَا) شَمْسُ الدِّينِ أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ صَصْرَى سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمَائَةَ قَالَ: (أنْبَأَنَا) أَبُو الكَرَمِ المُبَارَكُ بنُ الحُسَيْنِ السَّهْرَوَرْدِيُّ، قَالَ: (أَنَا) أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ قَالَ: زُرْتُ قَبْرَ أَبِي فَقُلْتُ عِنْدَهُ (ح) و (أَنْبَأَنِي) أَعْلَى مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِدَرَجَةٍ؛ لكِنْ بِالإِجَازَةِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِي عَنْ أَبِي الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُقَيَّرِ، عَنْ أَبِي الكَرَمِ السَّهْرَوَرْدِيِّ المَذْكُوْرِ. (ح) و (أَنْبأني) أَبُو حَفْصِ بنُ القَوَّاسِ وَغَيْرَهُ، عَنْ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ لِنَفْسِهِ".

ص: 185

فَلَمَّا أَيِسْنَا مِنْ جَوَابِ رُسُوْمِهِمْ

نَزَلْنَا فَقَبَّلْنَا الثَّرَى قَبْلَ أَنْ رُحْنَا

وَمِنْ شِعرِه

(1)

:

يَا وَيْحَ هَذَا القَلْبِ مَا حَالُهُ

مُشْتَغِلًا فِي الحَيِّ بِلْبَالُهُ

سَكْرَانُ لَوْ يَصْحُو لَعَاتَبَهُ

وَكَيْفَ بِالعُتْبِ لِمَنْ حَالُهُ

دَمْعٌ غَزِيْرٌ وَجَوًى كَامِنٌ

يَرْحَمُهُ مِنْ ذَاكَ عُذَّالُهُ

مَا يَنْثَنِي بِاللَّوْمِ عَنْ حُبِّهِ

تَغَيَّرَتْ فِي الحُبِّ أَحْوَالُهُ

(1)

الأَبْيَاتُ فِي الوَافِي بِالوَفَيَات (14/ 113)، وَأَوْرَدَهَا ابنُ جَمَاعَةَ في "التَّعْلِيقَةِ" قَالَ:(أنْبَأَنَا) أَبُو الفَرَجِ ابنُ وُرَّيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ مَحْمُوْدٍ الحَافِظِ، قَالَ: أَنَا أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ الفَقِيْهُ الوَاعِظُ لِنَفْسِهِ. وَأَنْشَدَ لَهُ بِالإِسْنَادِ المَذْكُوْرِ قَبْلَ هَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَبِي القَاسِمِ قَالَ: أَنْشَدَنِي رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ لِنَفْسِهِ:

أَفِقْ يَا فُؤَادِي مِنْ غَرَامِكَ وَاسْتَمِعْ

مَقَالَةَ مَحْزُوْنٍ عَلَيْكَ شَفِيْقُ

عَلِقْتَ فَتَاةً قَلْبُهَا مُتَعَلِّقٌ

بِغَيْرِكَ فَاسْتَوْثَقْتَ غَيْرَ وَثِيْقِ

فَأَصْبَحْتَ مَوْثُوْقًا وَرَاحَتْ طَلِيْقَةً

فَكَمْ بَيْنَ مَوْثُوْقٍ وَبَيْنَ طَلِيْقِ

وَأَنْشَدَ لَهُ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ في "مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ":

بِأَبِي حَبِيْبٌ زَارَنِي مُتَنكِّرًا

فَبَدَا الوُشَاةُ لَهُ فَوَلَّى مُعْرِضَا

فَكَأَنِّي وَكَأَنَّهُ وَكَأَنَّهُمْ

أَمَلٌ وَنَيْلٌ حَالَ دُوْنَهُمَا القَضَا

وَأَنْشَدَ لَهُ أَيْضًا فِي "مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ" وَ"مُعْجَمِ البُلْدَانِ":

شَارِعُ دَارِ الرَّقِيْقِ أَرَّقَنِي

فَلَيْتَ دَارَ الرَّقِيْقَ لَمْ تَكُنِ

بِهِ فَتَاةٌ لِلْقَلْبِ فَاتِنَةٌ

أَنَا فِدَاءٌ لِوَجْهِهَا الحَسَنِ

ص: 186

قَالَ: وَأَنْشَدَنَا لِنَفْسِهِ:

(1)

وَلَمْ أَسْتَطِعْ يَوْمَ الفِرَاقِ وَدَاعَهُ

بِلَفْظِي فَنَابَ الدَّمْعُ مِنِّي عَنِ القَوْلِ

وَشَيَّعَهُ صَبْرِي وَنَوْمِي كِلَاهُمَا

فَعُدْتُ بِلَا أُنْسٍ نَهَارِي وَلَا لَيْلِي

فَلَمَّا مَضَى أَقْبَلْتُ أَسْعَى مُوَلَّهًا

يَدَيَّ عَلَى رَأْسِي وَنَادَيْتُ يَا وَيْلِي

تَبَدَّلْتُ يَوْمَ البَيْنِ بِالأُنْسِ وَحْشَةً

وَجَرَّرْتُ بِالخُسْرَانِ يَوْمَ النَّوَى ذَيْلِي

وَلَهُ أَيْضًا

(2)

:

لَا تَسْأَلَانِي عَنِ الحَيِّ الَّذِي بَانَا

فَإِنَّنِي كُنْتُ يَوْمَ البَيْنِ سَكْرَانَا

يَا صَاحِبَيَّ عَلَى وَجْدِي بِنَعْمَانَا

هَلْ رَاجِعٌ وَصْلُ لَيْلَى كَالَّذِيْ كَانَا

أَمْ ذَاكَ آخِرُ عَهْدٍ لِلِّقَاءِ بِهَا

فَنَجْعَلَ الدَّهْرَ مَا عِشْنَاهُ أَحْزَانَا

مَا ضَرَّهُمْ لَوْ أَقَامُوا يَوْمَ بَيْنَهُمُ

بِقَدْرِ مَا يَلْبَسِ المَحْزُوْنُ أَكْفَانَا

(1)

الأبْيَاتُ فِي "التَّعْلِيقَةِ" لابنِ جَمَاعَةَ بسَنَدِهِ المَذْكُوْرِ.

(2)

الأَبْيَاتُ في "التَّعْلِيْقَة" لابنِ جَمَاعَةَ قَالَ: "وَ (أَنْبَأَنِي) أيْضًا عَنْ عَبْدِ العَزيْزِ المذْكُوْرِ، قَالَ: (أَنَا) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبِيْدِ اللهِ بنِ نَصْرٍ الزَّاغُوَنِيُّ قَالَ: (أَنَا) أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ فِيْمَا أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ" وأنْشَدَ لِنَفْسِهِ، وَأَنْشَدَ لَهُ ابنُ جَمَاعَةٍ أَيْضًا:

وَمَا وَطَنِي إِلَّا الَّذِي تَسْكُنِيْنَهُ

وَلَا مَنْزِلي إِلَّا الَّذِي فِيْهِ أَحْبَابِي

بِذِكْرَاكِ أَدْعُو في صَلَاتَي لِأَنَّني

أَرَاكِ إِذَا صَلَّيْتُ فِي صَدْرِ مِحْرَابِي

أَقُوْلُ: ولا يَخْفَى مَا فِي هَذَيْن البَيْتَيْنِ مِنْ مُبَالَغَةٍ مَمْجُوْجَةٍ؟! وَأَنْشَدَ لَهُ أَيْضًا:

وَقَفَتْ للسَّلَامِ يَوْمَ التَقَيْنَا

وَأَشَارَتْ بِطَرْفِهَا الفَتَّانِ

تَدَّعِي حُبَّنَا وَتَصْبِرُ عَنَّا

لَيْسَ هَذَا مِنْ عَادَةِ الفِتْيَانِ

مُدَّعِي حُبَّنَا يَمُوْتُ قَتِيْلًا

وَلِصعْبِ الأُمُوْرِ فِيْنَا يُعَانِي

ص: 187

لَيْتَ الجِمَالَ الَّتِي لِلْبَيْنِ مَا خُلِقَتْ

وَلَيْتَ حَادٍ حَدَا لِلْبَيْنِ حَيْرَانَا

تُوُفِّيَ أَبُو مُحَمَّد التَّمِيْمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - لَيْلَة الثُّلَاثَاءِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابنُهُ أَبُو الفَضْلِ مِنَ الغَدِ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ بِـ "بَابِ المَرَاتِبِ" بِإِذْنِ الخَلِيْفَةِ المُسْتَظْهِرِ، وَلَمْ يُدْفَنْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ. ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ ابنُهُ أَبُو الفَضْلِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ نُقِلَ مَعَهُ إِلَى مَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ" فَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ أَبِيْهِ وَجَدِّهِ وَعَمِّهِ، بِدَكَّةِ الإمَامِ أَحْمَدَ عَنْ يَمِيْنِهِ.

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ

(1)

(أَثَنَا) أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَقَ الهَمَذَانِيُّ (أَثَنَا) أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَابُوْرَ

(2)

(1)

لَعَلَّهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مَرْجَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّالِحِيُّ المُقْرِئ (ت: 774 هـ). أَخْبَارُهُ في: المَقْصَدِ الأرْشَدِ (2/ 365)، وَالدُّرَرِ الكَامِنَةِ (3/ 364) .. وَغَيْرِهِمَا، ولَسْتُ عَلَى يَقِيْنٍ مِنْ ذلِكَ؟! فَلْيُرَاجَعْ. وَزَيْنَبُ هِي بِنْتُ الكَمَالِ، تَقَدَّم ذِكْرُهَا.

(2)

كَذَا في (ط) بطبعتيه وكذلك هو في (د) و (هـ) وفي الباقي: "أَبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ الله" وَتِلْمِيْذُهُ المَذْكُوْرُ بَعْدَهُ هُوَ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَقَ بنِ المُؤَيَّدِ الهَمَذَانِيُّ الأَبَرْقُوْهِي (ت: 701 هـ) قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في تَرْجَمَتِهِ: "كَانَ أَبُوْهُ قَاضِي "أَبَرْقُوْه" .. فَأَسْمَعَهُ مْن أِبي بْكرِ بنِ سَابُور سَنَةَ (619 هـ). . ." وَفِي "ذَيْلِ تَارِيْخِ الإِسْلامِ" فِي تَرْجَمَةِ الأَبَرْقُوْهِيِّ ص (22) عَدَّ في شُيُوْخِهِ: أَبَا بَكْرِ بنِ سَابِقٍ القَلَانِسِيَّ؟!. وَلَا شَكَّ أَنَّ "سَابِقًا" تَحْرِيْف "سَابُوْرٍ".

قَالَ الحَافِظُ البَرْزَاليُّ فِي المُقْتَفَى (2/ ورقة: 59) في تَرْجَمَةِ (الأَبَرْقُوْهِيِّ) أَيْضًا - لَمَّا ذَكَرَ سَمَاعَهُ -: "و"بِشِيْرَازِ" عَلَى أبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَابُوْرٍ القَلَانِسِيِّ في سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسَتِّمَائة" وَنُسْخَةُ "المُقْتَفَى" هَذِهِ مُتْقَنَةٌ جَيِّدَةٌ. وَلَدَيَّ "مُعْجَم الأبَرْقُوْهِي" المَذْكُوْرِ تَخْرِيْجِ سَعْدِ الدِّيْن مَسْعُوْدٍ الحَارِثِيِّ الحَنْبَلِيِّ نُسْخَةٌ جَيِّدَةٌ أَيْضًا =

ص: 188

(أَثَنَا) عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ (حَ) وَأَنْبَأَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَكِّيِّ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي الطَّاهِرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَا:(أثَنَا) أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحَرِثِ بنِ أَسَدِ بنِ اللَّيْثِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفْيَانَ بنِ يَزِيْدَ بنِ أُكَيْنَةَ بنِ الهَيْثَم بن عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ - قَالَ الأَوَّلُ: سَمَاعًا، وَقَالَ الثَّانِي: إِجَازَةً

(1)

-: سَمِعْتُ أَبِي أَبَا الفَرَجِ عَبْدَ الوَهَّابِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي أَبَا الحَسَنِ عَبْدَ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي أَبَا بَكْرٍ الحَرثَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي أَسَدًا يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي اللَّيْثَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبي سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي الأَسْوَدَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي سُفْيَانَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَزِيْدَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي أُكَيْنَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبي الهَيْثَمَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى ذِكْرٍ

(2)

إلَّا حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ".

"أُكَيْنَةُ" بِضَمِّ الهَمْزَةِ وَفَتْحِ الكَافِ، وَبِاليَاءِ وَالنُّوْنِ المَفْتُوْحَةِ، قَيَّدَهُ

= ذَكَرَ فِيْهَا شَيْخَهُ المَذْكُوْر هُنَا (وَرَقة: 60) كَمَا ذَكَرَ الحَافِظُ البَرْزَالِيُّ تَمَامًا، فَصَحَّ للهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ. وَمِنْ حُسْنِ الطَّالِعِ أَنَّ أَوَّلَ حَدِيْثٍ رَوَاهُ بِسَنَدِ شَيْخِهِ المَذْكُوْرِ هُوَ حَدِيْثِ رِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ المَذْكُوْرِ هُنَا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي إِيْرَادِ الأَسَانِيْدِ، وَكُلِّهَا مُتَّصِلَةٍ بِرِزْقِ اللهِ، ثُمَّ أَوْرَدَ تَرْجَمَتَهُ، وَذَكَرَ في شُيُوْخِهِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ

وذكر مَوْلِدَه سَنَةَ (542 هـ) بـ "شِيْرَاز" وَلَم يَذْكُرْ وَفَاتَهُ.

(1)

في (ط) بِطبعتيه و (هـ): "قَالَ: سَمِعْتُ".

(2)

في (ط) بطبعتيه: "عَلَى ذِكْرِ اللهِ" في (ط) الدُّكتور هنري لاووست، وَالدُّكتور سَامي الدَّهَّان عَنْ لَفْظِ الحَدِيْثِ في "فَتْحِ البَارِي" وَ"مُسْنَدِ أَحْمَدَ"، وفي (ط) الفقي زَادَهَا وَلَمْ يُشِرْ.

ص: 189

ابنُ مَاكُوْلَا وَغَيْرُهُ. وَعَبْدُ اللهِ هَذَا هُوَ ابنُ الحَارِثِ بنِ سَيْدَانَ بنِ مُرَّةَ بنِ سُفْيَان بنِ مُجَاشِعٍ بنِ دَارِمِ بنِ مَالِكِ بنِ حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيْمٍ التَّمِيْمِيُّ. كَذَا نَسَبَهُ ابنُ مَاكُوْلًا. وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ عَبْدُ اللهِ هَذَا اسْمُهُ عَبْدَ اللَّاتِ، فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَبْدَ اللهِ، وَعَلَّمَهُ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى اليَمَامَةِ وَالبَحْرِيْنَ؛ لِيُعَلِّمَهُمْ أَمْرَ دِيْنِهِمْ، وَقَالَ:"نَزَعَ اللهُ مِنْ صَدْرِكَ وَصَدْرِ وَلَدِكَ الغِلَّ وَالغِشَّ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".

قَرَأْتُ بِخَطِّ الإمَامِ أَبِي العَبَّاسِ بنِ تَيْمِيَّةَ: أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيَّ وَافَقَ جَدَّهُ أَبَا الحَسَنِ عَلَى كَرَاهَةِ المَاءِ المُسَخَّنِ بِالشَّمْسِ.

وَنَقَلَ بَعْضُ الأَصْحَابِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ: أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ خُرُوْجَ المَنِيِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ يُوْجِبُ الغُسْلَ.

وَذَكَرَ ابنُ الصَّيْرَفِيِّ

(1)

في "نَوَادِرِهِ" قَالَ: نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ: المَرْأَةُ تَعْدِمُ المَاءَ، وَيَكُوْنُ عِنْدَهُ مُجْتَمَعُ الفُسَّاقِ، فَتَخَافَ أَنْ تَخْرُجَ: أتَتَيَمَّمُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ فِي "شَرْحِ الإِرْشَادِ": يَتَوَجَّهُ أَنْ تَتَيَمَّمَ؛ لأنَّهُ ضَرُوْرَةٌ، وَهَلْ تُعِيْدُ الوُضُوْءَ إِذَا قَدَرَتْ عَلَى المَاءِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ العَزِيْزِ

(2)

يَقُوْلُ: تُعِيْدُ الوَضُوْءَ وَالصَّلَاةَ إِذَا قَدَرَتْ، فَإِنْ لَمْ تُعِدْ فَلَا جُنَاحَ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا إِعَادَةَ، قَالَ:

(1)

ابنُ الصَّيْرَفِيِّ هُوَ يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الحَرَّانِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "ابن الحُبَيْشِيِّ"(ت: 678 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

(2)

هُو المَعْرُوْف بـ "غُلَام الخَلَّالِ" عَبْد العَزِيْز بنُ جَعْفَرٍ (ت: 363 هـ) مُتَرْجَمٌ فِي "الطَّبَقَاتِ".

ص: 190

وَهُوَ الصَّحِيْحُ، وَبِهِ يَقُوْلُ شَيْخُنَا يَعْنِي: ابنَ أَبي مُوْسَى.

قُلْتُ: فَحَقِيْقَةُ الوَجْهَيْنِ فِي الإعَادَةِ إِنَّمِا هِيَ فِي الاسْتِحْبَابِ وَعَدَمِهِ؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تُعِدْ فَلَا حَرَجَ، وَقَدْ ذَكَرَ الأَصْحَابُ: أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِي رِوَايَةِ أُخْرَى عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْضِي وَتتَيَمَّمُ بَلْ قَالُوا: لَا يَجُوْزُ لَهَا المُضِيُّ إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُمْ.

وَفِي "النَّوَادِرِ" أَيْضًا: أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيَّ حَكَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ: بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَنْ يَسَارِ الإمَامِ مَعَ الكَرَاهَةِ.

وَفِي "المَنْثُوْرِ" لابنِ عَقِيْلٍ: ذَكَرَ شَيْخُنَا

(1)

فِي "الجَامِعِ الكَبِيْرِ": إِذَا فَصَدَ، وَشَدَّ العِصَابَةَ: مَسَحَ عَلَيْهَا وَتَيَمَّمَ، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُوْنَ جُرْحًا فَيَتَيَمَّمُ لَهُ، أَوْ مِثْلَ الجَبِيْرَةِ فَيَمْسَحَهُ فَقَطْ، فَقَالَ القَاضِي: وَجَدْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ كَذلِكَ - يَعْنِي: جَوَابَ التَّمِيْمِيِّ -.

وَذَكَرَ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ": أَنَّ جَلَالَ الدَّوْلَةِ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ شَاهِنْشَاه الأَعْظَمَ مَلِكَ المُلُوْكِ، وَخُطِبَ لَهُ بِذلِكَ، فَنَفَرَ العَامَّةُ، وَرَجَمُوا الخُطَبَاءَ، وَوَقَعَتْ فِتْنَةٌ، وَذلِكَ سَنَةَ تِسْعِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، فَاسْتُفْتِيَ الفُقَهَاءُ فَكَتَبَ الصَّيْمَرِيُّ

(2)

: أَنَّ هَذِهِ الأَسْمَاء يُعْتَبَرُ فِيْهَا القَصْدُ وَالنِّيَّةُ،

(1)

هو القَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَجَامِعُهُ الكَبِيْر هُوَ نَفْسُهُ "التَّعْلِيْقَةُ فِي مَسَائِلِ الخِلَافِ".

(2)

لَعَلَّهُ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ، أَبُو عَبْدِ الله الصَّيْمَرِيُّ، القَاضِي العَلَّامَةُ الحنَفِيُّ (ت: 436 هـ). أَخْبَارُهُ في: سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (17/ 615)، وَالجَوَاهِرِ المُضِيَّة (2/ 116)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 256)، مَنْسُوْبٌ إِلَى "صَيْمَرِ" نَهْرٌ مِنْ أَنْهَارِ "البَصْرَةِ" عَلَيْهِ عَدَّةُ قُرّى. =

ص: 191

وَكَتَبَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ

(1)

: أَنَّ إِطْلَاقَ مَلِكِ المُلُوْكِ جَائِزٌ، وَيَكُوْنُ مَعْنَاهُ: مَلِكُ مُلُوْكِ الأَرْضِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يُقَالَ:"قَاضِيْ القُضَاةِ"، وَ"كَافِي الكُفَاةِ"، جَازَ أَنْ يُقَالَ:"مَلِكُ المُلُوْكِ". وَكَتَبَ التَّمِيْمِيُّ نَحْوَ ذلِكَ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ

(2)

: أَنَّ القَاضِي المَاوَرْدِيُّ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ ذلِكَ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: وَالَّذِي ذَكَرَهُ الأَكْثَرُوْنَ هُوَ القِيَاسُ إِذَا قُصِدَ بِهِ مُلُوْكُ الدُّنْيَا، إلَّا أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا مَا رَآهُ المَاوَرْدِيُّ؛ لأنَّهُ قَدْ صَحَّ فِي الحَدِيْثِ مَا يَدُلُّ عَلَى المَنْعِ، لكِنَّهُمْ عَنِ النَّقْلِ بِمَعْزِلٍ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي الصَّحِيْحَيْنِ. وَابنُ الجَوْزِيِّ وَافَقَ عَلَى جَوَازِ التَّسْمِيَةِ بِـ "قَاضِي القُضَاةِ" وَنَحْوِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ القَيِّمِ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: وَفِي مَعْنَى ذلِكَ - يَعْنِي: مَلِكَ المُلُوْكِ - كَرَاهِيَةُ التَّسْمِيَةِ بـ "قَاضِي القُضَاةِ"، وَ"حَاكِمِ الحُكَّامِ" فَإِنَّ حَاكِمَ الحُكَّامِ فِي الحَقِيْقَةِ هُوَ اللهُ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالفَضْلِ يَتَوَرَّعُوْنَ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ "قَاضِي

= مُعْجَمُ البُلْدَانِ (3/ 498).

(1)

هُوَ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ الإمَامُ العَلَّامَةُ (ت: 450 هـ). أَخْبَارُهُ في: سِيْرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (17/ 668)، وَطَبَقَاتِ الشِّيْرَازِيِّ (127)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 284).

(2)

مُحَمَّد بنُ عَبدِ المَلكِ الهَمَذَانِيُّ هُوَ المَعْرُوْفُ بـ "الكَرَجِيِّ"(ت: 532 هـ) تَقَدَّم الحَديْثُ عَنْهُ في تَرْجَمَةِ شَيْخِ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيِّ (ت: 481 هـ) والمَاوَرْدِيُّ هو الإمَامُ العَلَّامَةُ المَشْهُوْرُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ (ت: 405 هـ) صَاحِبُ "الحَاوِي" في الفِقْهِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. يُرَاجَعُ: تَارِيْخُ بَغْدَادَ (12/ 102)، وَطَبَقَاتُ الفُقَهَاءِ (131).

ص: 192

القُضَاةِ"، وَ"حَاكِمِ الحُكَّامِ" قِيَاسًا عَلَى مَا يُبْغِضُهُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِـ "مَلِكِ الأَمْلَاكِ"، وَهَذَا مَحْضُ القِيَاسِ.

قُلْتُ: وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَمَاعَةٍ

(1)

الكِنَانِيُّ الشَّافِعِيُّ - قَاضِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، وَابْنُ قَاضِيْهَا - يَمْنَعُ النَّاسَ أَنْ يُخَاطِبُوْهُ بِـ "قَاضِي القُضَاةِ" أَوْ يَكْتُبُوا لَهُ ذلِكَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُبْدِلُوا ذلِكَ بِـ "قَاضِي المُسْلِمِيْنَ" وَقَالَ: إِنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَأْثُوْرٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.

يُوْضِحُ ذلِكَ: أَنَّ التَّلْقِيْبَ

(2)

بِـ "مَلِكِ المُلُوْكِ" إِنَّمَا كَانَ مِنْ شَعَائِرِ مُلُوْكِ الفُرْسِ مِنَ الأَعَاجِمِ المَجُوْسِ وَنَحْوِهِمْ، وَكَذلِكَ كَانَ المَجُوْسُ يُسَمُّوْنَ قَاضِيْهِم "موبَذ مُوبَذان" يَعْنُوْنَ بذلِكَ: قَاضِي القُضَاةِ. فَالكَلِمَتَانِ مِنْ شَعَائِرِهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي التَّسْمِيَةُ بِهِمَا

(3)

. وَاللهُ أَعْلَمُ.

‌32 - عَبْدُ الوَهَّابِ بِنُ رِزْقِ اللهِ

(4)

بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ، أَبُو الفَضْلِ

(1)

هُوَ شَيْخُهُ وَشَيْخُ أَبِيْهِ أَيْضًا ذَكَرَهُ وَالِدُهُ فِي مَشْيَخَتِهِ "المُنْتَقَى" رَقَم (235). وَتُرَاجَعُ (المُقَدِّمَةُ).

(2)

في (ط) الفقيه: "التَّقليب" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

(3)

في (أ) و (ب): "بهم".

(4)

32 - عَبْدُ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ (434 - 491 هـ):

قَدَّمَ المُؤلِّفُ تَرْجَمَتَهُ وَتَرْجَمَةَ أَخِيْهِ الآتِي بَعْدَهُ مُخَالِفًا لِتَرْتِيْبِ التَّرَاجِم لِيُلْحِقَهُمَا بِتَرْجَمَةِ أَبِيْهِمَا؛ لُقُرْبِهِمَا مِنْ عَصْرِهِ، وأَخَّر تَرْجَمَتَهُمَا العُلَيْمِيُّ عَلَى حَسَبِ التَّرْتِيْبِ.

أخبارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 9)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 131)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 23)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" =

ص: 193

ابنِ أَبِي مُحَمَّدٍ المَذْكُوْرِ قَبْلَهُ. ذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: كَانَ فَاضِلًا، مُتْقِنًا، وَاعِظًا، جَمِيْلَ المُحَيَّا،

(1)

سَمِعَ أَبَا طَالِبِ بنَ غَيْلَان، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، ثُمَّ سَاقَ لَهُ حَدِيْثًا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الفَضْلِ بنَ نَاصِرٍ يَقُوْلُ: مَاتَ أَبُو الفَضلِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا

= (1/ 219). وَيُرَاجَعُ: ذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (1/ 333)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (102)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 398)(5/ 402)، وَجَعَلَ وَفَاتَهُ سَنَةَ (492 هـ).

وَفِي "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ" قَالَ مُؤلِّفُهُ: "عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ رِزْقِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ" ثُمَّ سَقَطَتْ تَرْجَمَتُهُ، وَقَالَ:"أَبُو القَاسِمِ التَّمِيْمِيُّ أَخُو المَذْكُوْرَ قَبْلَهُ" وَلَمْ أَتَنَبَّهْ إِذْ ذَاكَ إِلَى هَذَا، وَقُلْتُ:"لَمْ يَذْكُرْ قَبْلَ عَبْدِ الوَهَّابِ أَحَدًا مِنْ إِخْوَتِهِ. . ." وَتَنَبَّه مُحَقِّقُ "المَنْهَجِ الأحْمَدِ" جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا، وَنَبَّهَ في الهَامِشِ إِلَى أَنَّ التَّرْجَمَتَيْنِ تَدَاخَلَتَا فَذَكَرَ أَخْبَارَ (عَبْدِ الوَاحِدِ) تَحْتَ رَسْمِ "عَبْدِ الوَهَّابِ" بَعْدَ ذلِكَ ظَنَنْتُ أَنَّ هَذَا التَّدَاخُلَ مِنَ النُّسَّاخِ لَاسِيَّمَا أَنَّ النُّسَخَ الَّتِي حَقَّقتُ عَلَيْهَا لَيْسَت بِالجَيِّدَةِ، ثُمَّ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيَّ - وَمِنَنُهُ لَا تُحْصَى - بِنُسْخَةٍ مِنَ "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ" بخَطِّ مَؤلِّفِهَا تَكَرَّمَ بِإِهْدَائِهَا أَخِي الكَرِيْمِ المِفْضَالِ نِظَامٌ اليَعْقُوْبِيُّ جَزَاهُ اللهُ عَنِّي خَيْرًا، وَرَاجَعْتُ النُّسْخَةَ فَإِذَا الكَلَامُ ذَاتُهُ فِيْهَا، فَعَلِمْتُ أَنَّ السَّقْطَ مِنَ المُؤَلِّفِ نَفْسِهِ، يَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْنَ المُسَوَّدَةِ وَمُبَيَّضَتِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

(1)

ذَكَرَ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ أَنَّهُ سَمِعَ أَيْضًا مِن أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الآبَنُوْسِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَ باليَسِيْرِ .. وَأَنَّ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ أَبُو مُحَمَّدِ بنِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ عَطَّافٍ، وَأَبُو عَبْدِ الله الدَّقَاقُ الأَصْبَهَانيُّ، قَالَ: وَكَانَ كَتَبَ عَنْهُ بِـ "أَصْبَهَان" لَمَّا وَرَدَهَا رَسُوْلًا مِنْ دَارِ الخِلَافَةِ إِلَى بَعْضِ المُلُوْكِ السَّلْجُوْقِيَّةِ، وَأَسْنَدَ عَنْهُ خَبَرًا إِلَى وَالِدِهِ رِزْقِ اللهِ، عَنِ المطَرِّزِ، وَأَنْشَدَ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البَرَدَانِيِّ - وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ - أَنَّ مَوْلِدَ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ فِي المُحَرَّم سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَة. وَذَكَرَ وَفَاتَهُ عن كِتَابِ أَبِي غَالِبٍ شُجَاعِ بنِ فَارِسٍ الذُّهْلِيِّ بِخَطِّهِ.

ص: 194

مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ". وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَبَاهُ نُقِلَ مَعَهُ إِلَى "بَابِ حَرْبٍ" فِي هَذَا اليَوْمِ. وَذَكرَ أَبُو الحُسَيْنِ فِي "الطَّبَقَاتِ": أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ بَيْنَ يَدَيْ أَبيْهِ فِي مَجَالِسَ وَعْظِهِ بِمَقْبَرَةِ الإمَامِ أَحْمَدَ، وَيَنْهَضُ بَعْدَ كَلَامِهِ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ، وَيُوْرِدُ فُصُوْلًا مَسْجُوْعَةً

(1)

.

‌33 - عبْدُ الوَاحِدِ بنِ رِزْقِ اللهِ

(2)

بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ، أَبُو القَاسِمِ.

ذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ أَيْضًا، فَقَالَ: مِنْ أَوْلَادِ الأَئِمَّةِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، قَرَأَ القُرآنَ وَالحَدِيْثَ وَالفِقْهَ، وَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ البَغْدَادِيِّيْنَ فِي الوَعْظِ، خُتِمَ بِهِ بَيْتُهُ، وَلَمْ يُعْقِبْ

(3)

سَمِعَ أَبَا طَالِبِ بنَ غَيْلَانَ، وَحَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ.

(4)

(1)

تَقَدَّم ذلِكَ في تَرْجَمَةِ أَبِيْهِ.

(2)

33 - عَبْدُ الوَاحِدِ التَّمِيْمِيُّ (437 - 493 هـ):

لَمْ يَذكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى فِي "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُه في: مُخْتَصَرِ ذَيْلِ طَبَقَاتِ الحَنَابلَةِ (ورقة: 9)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 133)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 24)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 219). وَيُرَاجَعُ: ذَيلُ تَارِيخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (1/ 233)، وَتَارِيْخِ دِمَشْقَ (37/ 215)، وَمُخْتَصَرُهُ (15/ 249).

(3)

يَقُوْلُ الفَقِيْرُ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُلَيْمَانَ العُثَيْمِيْنَ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -: كَلامُ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ يَصِحُّ فِي زَمَنِهِ، وَلَكِنَّهُ لا يَصِحُّ فِيْمَا بَعْدَهُ، فَقَدِ اشْتُهِرَ مِنْ هَذَا البَيْتِ: عَبْدُ القَادِرُ بنُ عُثْمَانَ بن أَبِي البَرَكَاتِ عَلِيِّ بن رِزْقِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ (ت: 636 هـ) وَقَدْ قَارَبَ المَائَة، يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنِ اسْتِدْرَاكِنَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(4)

في "تَارِيْخِ دِمَشْقَ" قَدِمَ "دِمَشْقَ" رَسُوْلًا مِنَ الخَلِيْفَةِ المُسْتَظْهِرِ بِاللهِ،

وَحَكَى عَنه أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَابرٍ وَاستَجَازَهُ لِنَفْسِهِ وغَيْرِهِ. وَنَقَلَ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرٍ عَن خَطِّ أَبِي =

ص: 195

قُلْتُ: وَسَمِعَ هُوَ وَأَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ مِنَ القَاضِي أَبي يَعْلَى، ثُمَّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيِّ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ صَدَّاعًا

(1)

. وَكَانَ يَلْبَسُ الحَرِيْرَ.

= مُحَمَّدِ بنِ صَابرٍ سَنَةَ وَفَاةِ أَبِيْهِ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ، قَالَ:"وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ فَقَالَ: مَوْلدِي فِي يَوْمِ الخَمِيْسِ سَابِع رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ بِـ "بَغْدَادَ" في الجَانِبِ الغَربِيِّ" وَقالَ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرٍ أَيْضًا: "قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي البَرَكَاتِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوسٍ: وَصَلَ عَبْدُ الوَاحِدِ التَّمِيْمِيُّ - وَهُوَ الأَصْغَرُ - إِلَى دِمَشْقَ فِي رِسَالَةٍ مِنَ الخَلِيْفَةِ المُسْتَظْهِرِ باللهِ في يَوْمِ الاثنَيْنِ الرَّابعَ وَعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَخَرَجَ الوَزِيْرُ وَالعَسْكَرُ، وَأَهْلُ البَلَدِ فَاسْتَقْبَلُوْهُ، وَجَاءَ فِي صُحْبَتِهِ خِلَعٌ للمَلِكِ دِقَاقٌ، وَللوَزِيْرِ، وَلِطُغْتَكِين، وَلِغَسْيَان صَاحِبِ "أَنْطَاكِيَّةَ" وَأُنْزِلَ في حَارَةِ الخَاطِبِ" وَذَكَرَ وَفَاتَهُ عَنْ خَطِّ أَبِي المُعَمَّرِ المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ الأنْصَارِيِّ.

وَفِي "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لابنِ النَّجَّارِ ذَكَرَ أَنَّه سَمِعَ أَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ الآبَنُوْسِيَّ، وَرَوَى بِسَنَدِهِ عَنْهُ عَنْ أَبِيْهِ، وَأَنْشَدَ بَيْتَيْن لِلْؤَوَاءِ الدِّمَشْقِيِّ هُمَا:

فُؤَادٌ كَمَا شَاءَ الهَوَى يَتَحَرَّقُ

وَدَمْعٌ كَمَا شَاءَ الجَوَى يَتَرَقْرَقُ

وَمَا سَوْرَةُ الأَجْفَانِ عَنْ سَنَهِ الكَرَى

وَلكنَّهَا فِي حَلْبَةِ الدَّمْعِ تُطْلَقُ

وَبَعْدَهُمَا فِي دِيْوَانه: 165، 166:

وَصَبٍّ غَدَا مِثْلَ الغَرِيْقِ كَمَا تَرَى

بِمَا وَجَدَتْهُ كَفُّهُ يتَعَلَّقُ

وَفِي الدِّيوان "البُكَا" بَدَل "الهَوَى". وَفي "الذَّيْل": "حِلْيَة" بدل "حَلْبَة" والتَّصْحِيْحُ مِنَ الدِّيْوَانِ. ولَيْسَ فيه غَيْرُ هَذِهِ الأَبْيَاتِ الثَّلاثَةِ.

(1)

في بَعْضِ الأُصُوْلِ المُعْتَمَدَةِ: "صدعًا" وفي بَعْضِهَا "صداعا" وفي (ط) بتحقيق الدُّكتور هنري لاوُوست وَالدُّكتور سَامِي الدَّهَّان "صدعًا" وَأَشَارَا إِلَى فَرْقِ النُّسَخِ فِي الهَامِشِ قَالَا: وَلَعَلَّه يُرِيْدُ "صَدَعًا" وَهُو الرَّبْعَةُ الخَفِيْفُ اللَّحْمِ. أقُوْلُ -وعَلَى اللهِ اعْتَمِدُ-: جَاءَ في "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لابنِ النَّجَّارِ: "كَانَ وَرِعًا .. " وَهَذ بِلَا شَكَّ أَنْسَبُ، =

ص: 196

وَذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ: أَنَّهُ كَانَ يُرَاسِلُ بِهِ إِلَى المُلُوْكِ فِي أَيَّامِ المُسْتَظْهَرِ

(1)

، وَأَنَّهُ كَانَ شَدِيْدَ القُوَّةِ فِي بَدَنِهِ

(2)

، وَأَنَّهُ حَدَّثَ بـ "أَصْبَهَانَ". وَسَمِعَ مِنْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاقُ الحَافِظُ. وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الأَحَدِ سَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ" عِنْدَ أَخِيْهِ أَبِي الفَضْلِ. رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.

‌34 - عَلِيُّ بنُ عَمْرِو

(3)

بنِ الحَسَنِ بنِ عَمْرٍو الحَرَّانِيُّ، أَبُو الحَسَنِ بنُ الضَّرِيْرُ،

= وَلَعَلَّهَا هِيَ الأصَحُّ وَالمَقْصُوْدَةُ، وَمَا سِوَاهَا تَحْرِيْفٌ؛ لأنَّهَا تُنَاسِبُ قَوْلَهُ:"يَلْبَس الحَرِيْرَ" يُريْدُ إِنَّه مَعَ وَرَعِهِ يَلْبَسُ الحَرِيْرَ، فَلَا بُدَّ أَنَّهُ يَسْتَجِيْزُهُ إِمَّا عَلَى تَأْوِيْلٍ

(1)

ذَكَرَ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ حِكَايةً تَدُلُّ عَلَى ذلِكَ فَقَالَ: "قَرَأْتُ في كِتَابِ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيِّ، قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ كَانَ أَبدًا يَحْكِي أَنَّهُ كَانَ بِدَارِ ابنِ جَرْدَةَ فَطَلَبَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَاءً لِيَشْرَبَهُ، فَقَامَ قَاصِدًا لِلْحُبِّ فَأَتَى بحُبٍّ عُكْبَرِيَّ، وَقَدْ مُلِءَ بالمَاءِ وَأُتْرِعَ فتَعَجَّبَ مَنْ رَآهُ مِنْ شِدَّةِ قُوَّتِهِ".

(فَائِدَةٌ): في المَطْبُوعِ من كِتَابِ ابنِ النَّجَّارِ: "جَوْدَة"؟ وابنُ جَرْدَةَ التَّاجِرُ العُكْبَرِيُّ الحَنْبَلِيُّ سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ. وَفِيْهِ: "الجُبُّ .. وَبِجُبٍّ" بالجِيْمِ وَصَوَابُهَا بِالحَاءِ المُهْمَلَةِ، وَالحُبُّ جَرَّةٌ كَبِيْرَةٌ مِنْ فَخَّارٍ، يُحْفَظُ وَيُبَرَّدُ فِيْهَا المَاءِ، وهي عَلَى تَسْمِيَتِهَا فِي مَنْطِقَةِ الخَلِيْجِ العَرَبِيِّ، يَنْطِقُوْنَهَا بِكَسْرِ الحَاءِ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي اللُّغَةِ العَامِيَّةِ فِي نَجْدٍ "الزِّير".

(2)

الخَلِيْفَةُ المُسْتَظْهِرُ سَبَقَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِيْهِ رِزْقِ اللهِ.

(3)

34 - أَبُو الحَسَنِ الحَرَّانِيُّ (؟ - 488 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلةِ (3/ 463)، وَمُخْتَصَرِهِ (402)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 9)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 242)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 21)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 217)، وَيُرَاجَعُ: تَارِيْخُ =

ص: 197

الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ. صَحِبَ الشَّرِيْفَ أَبَا القَاسِمِ الزَّيْدِيَّ الحَرَّانِيَّ

(1)

، وَأَخَذَ عَنْهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ. وَتَفَقَّهَ بِـ "بَغْدَادَ" عَلَى القَاضِي، وَكَانَ مِنْ أَكَابِر شُيُوْخِ "حَرَّانَ". ذَكَرَهُ أَبُو الفَتْحِ بنُ عَبْدُوْسٍ

(2)

، وَغَيْرُهُ وَحَدَّثَ بِـ "الإبَانَةِ الصُّغْرَى" لابنِ بَطَّةَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ بِـ "حَرَّانَ"، بِسَمَاعِهِ مِنَ الشَّرِيْفِ الزَّيْدِيِّ، بِسَمَاعِهِ مِنِ ابنِ بَطَّةَ. قَرَأْتُ بخَطِّ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَنْشَدَهُمْ لِغَيْرِهِ:

وَلَا تَمْشِ فَوْقَ الأَرْضِ إلَّا تَوَاضُعًا

فَكَمْ تَحْتَهَا قَوْمٌ هُمْ مِنْكَ أَرْفَعُ

فَإِنْ كُنْتَ فِي عِزٍّ وَحِرْزٍ وَمَنْعَةٍ

فَكَمْ مَاتَ مِنْ قَوْمٍ هُمْ مِنْكَ أَمْنَعُ

وَذَكَرَهُ أَبُو الحُسَيْنِ فَقَال: الصَّالِحُ التَّقِيُّ، صَاحِبُ الوَالِدِ السَّعِيْدِ.

تُوُفِّيَ بِـ "سَرُوْجَ"

(3)

فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ.

وَحَكَى لِي ابنُهُ خَلِيْفَةُ

(4)

قَالَ: حَكَى لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ "سَرُوْجَ" مِنَ

= الإِسْلامِ (242)، وَأَحَالَ مُحَقِّقُ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" إلَى "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لابنِ النَّجَّارِ (4/ 25)؟! وَلَمْ يَرِدْ فِي هَذَا الجُزْءِ لَا فِي هَذِهِ الصَّفْحَةِ وَلا فِي غَيْرِهَا، وَتَرَاجِمُ الجُزْءِ تَبْدَأَ بِـ "عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ" وَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى الحُرُوفِ.

(1)

تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ص (95).

(2)

هُوَ نَصْرُ بنُ عَبْدِ العَزِيز، أَبُو الفَتْحِ بنُ عَبْدُوْسَ (ت قبل سنة 600 هـ) ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

(3)

هِي بَلْدَةٌ قَرِيْبَةٌ مِنْ "حَرَّانَ" مِنْ دِيَارِ مُضَرَ، كَذَا قَالَ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ في مُعْجَمِ البُلْدَانِ (3/ 244) وَأَنْشَدَ لأبي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:

وَلَمَّا رَأَى أَجْبَالَ سِنْجَارَ أَعْرَضَتْ

يَمِيْنًا وَأَجْبَالٌ بِهِنَّ سَرُوْجُ

ذَرَى عَبْرَةً لَوْ لَمْ تَفِضْ لَتَقَضْقَضَتْ

حَيَازِيْمُ مَحْزُوْنٍ لَهَنَّ نَشِيْجُ

(4)

ابنُهُ خَلِيْفَةُ هَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهِ. وَالَّذِي حَكَى لَهُ خَلِيْفَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي يَعْلَى لا المُؤَلِّفُ فَالنَّصُّ مَا زَالَ لَهُ.

ص: 198

الصَّالِحِيْنَ أَنَّهُ رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَائِلًا يَقُوْلُ لَهُ: يَا فُلَانَ، إِلَى مَتَى تَنَامُ؟ قُمْ، قَدْ انْهَدَمَ رُبْعُ الإسْلَامِ. قَالَ: فَانْتَبَهْتُ، وَانْزَعَجْتُ، ثُمَّ عُدْتُ نِمتُ، فَرَأَيتُ القَائِلَ يَقُوْلُ: كَمْ تَنَامُ، قَدِ انْهَدَمَ رُبْعُ الإسْلَامِ؟! قَالَ: فَقَعَدْتُ وَاستَغْفَرْتُ اللهَ تَعَالَى، وَقُلْتُ: أَيْشٍ هَذَا؟ قَالَ: ثُمَّ نِمتُ، فَقَالَ لِي يَا فُلَانُ، قَدِ انْهَدَمَ رُبْعُ الإِسْلَامِ، قَدْ مَاتَ عَلِيُّ بنُ عَمْرٍو، قَالَ: فَأَصْبَحْتُ وَقَدْ مَاتَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

(1)

.

‌35 - عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ الكَرْخِيُّ

(2)

النَّهْرِيُّ، الفَقِيْهُ، أَبُو الحَسَنِ.

وَقَالَ ابنُ نُقْطَةَ:

(1)

بَعْدَهَا في (ط) بطبعتيه، و (هـ):"تَعَالَى" وَجُمْلَةُ الدُّعاءِ سَاقِطَةٌ من (ط).

يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (488 هـ):

26 -

عَلِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ الدَّبَّاسُ، وَالِدُ المُحَدِّثِ المَشْهُورِ أُبَيٍّ النَّرْسِيِّ.

وَمِمَّنْ يُذْكَرُ هُنَا:

- هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَقِيْلٍ. ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ عَلِيِّ بنِ عَقِيْلِ أَبِي الوَفَاءِ (ت: 513 هـ) وَمَحَلُّهُ هُنَا.

(2)

35 - أَبُو الحَسَنِ النَّهْرِيُّ (؟ - 489 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابَلَةِ: (3/ 468)، وَمُخْتَصَرِهِ (404)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 9)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 267)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 22)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 218). وَيُرَاجَعُ: تَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ لابنِ نُقْطَةَ (1/ 436)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 511) وَفِيْهِ:"وَكَانَ فَقِيْهًا، حَنْبَلِيًّا"، وَذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (4/ 64)، وَفِيْهِ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُبَارَكِ، وَالتَّوْضِيْحُ لابنِ نَاصِرِ الدِّيْنِ (1/ 621)، وَالتَّبْصِيْرِ للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (1/ 174). وَفِيْهِمَا "عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ"؟!. وَ"النَّهْرِيُّ" مَنْسُوبٌ إِلَى "دَرْبِ النَّهْرِ" كَمَا فِي "مُعْجَمِ البُلْدَانِ". وَأَخُوْه: =

ص: 199

هُوَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، مِنْ أَقْرَانِ ابنِ عَقِيْلٍ.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: تَفَقَّهَ عَلَى الوَالِدِ، وَدَرَّسَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَكَانَ كَثيْرَ الذَّكَاءِ، قَيِّمًا بِالفَرَائِضِ

(1)

. سَمِعَ مِنَ الوَالِدِ الحَدِيْثَ الكَثِيْرَ.

وَتُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ إِمَامًا، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ جَامِعِ المَنْصُوْرِ

(2)

.

= عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ (ت: 545 هـ) يَأْتِي اسْتِدْرَاكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

زَادَ ابنُ النَّجَّارِ: "بَرَعَ فِي المَذْهَبِ وَالخِلَافِ .. وَكَانَ حَسَنَ المُنَاظَرَةِ في الكَلَامِ ظَرِيْفًا، مِنْ مِلَاحِ البَغْدَادِيِّيَن، سَمِعَ الحَدِيْثَ من شَيْخِهِ ابنِ الفَرَّاء، وَمِنْ أَبِي الفَرَجِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ الفَضْلِ المَخْبَزِيِّ، وَمَا أَظنُّهُ رَوَى شَيْئًا مِنَ الحَدِيْثِ، كَانَ مَوْلِدُهُ بـ "الكَرْخِ" بِـ "دَرْبِ النَّهْرِ" فَلِهذَا قِيْلَ لَهُ: "النَّهْرِيُّ".

(2)

في "ذَيْلِ تَاريخِ بَغْدَادَ" لابنِ النَّجَّارِ: "قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي القَاسِمِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الحَرِيْرِيِّ قَالَ: تُوُفِّي أَبُو الحَسَنِ النَّهْرِيُّ عَشِيَّةَ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وَدُفِنَ يَوْمَ السَّبْتِ لأرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ تِسعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَرَأَيْتُ وَفَاتَهُ بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيِّ كَذلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ دُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الجَامِعِ بِـ "بَابِ البَصْرَةِ". . .". يُسْتَدرك عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفيات (489 هـ):

27 -

عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ، أَبُو مَنْصُوْرٍ الشِّيْحِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، شَيْخٌ فَاضِلٌ، ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، وَتَاجِرٌ كَثِيْرُ الأَسْفَارِ، وَتَرْجَمَتُهُ فِي المَصَادِرِ حَافِلَةٌ، وَذَكَرْتُ في هَامِشِ "الطَّبَقَاتِ"(3/ 324) أَنَّهُ سِبْطُ أَحْمَدَ بنِ العَبَّاسِ الشَّاميِّ الشِّيْحِيِّ المُتَرْجَمِ هُنَاكَ.

- وعَتِيْقُهُ: بَدْرُ بن عَبْدِ الله يَأْتِي في اسْتِدْرَاكِ وَفَيَاتِ سَنَةَ (532 هـ) إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَلَعَلَّ مِنَ الحَنَابِلَةِ أيْضًا فِي وَفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَةِ:

- عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ الجُرْجَانِي، وَهُوَ مُؤَلِّفُ "مَنَاقِب أَحْمَدَ".

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله في وَفَيَاتِ سَنَةِ (490 هـ) أحَدًا، وَفِيْهَا: =

ص: 200

قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ النَّهْرِيَّ قَالَ: كُنْتُ فِي بَعْضِ الأَيَّامِ أَمْشِي مَعَ القَاضِي الإمَامِ وَالِدِكَ، فَالتَفَتُّ، فَقَالَ لِي: لَا تَلْتَفِتْ إِذَا مَشَيْتَ؛ فَإِنَّهُ

= 28 - إِبْرَاهيْمُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَقَ بنِ مَنْدَه. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 103)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (331).

29 -

وَابْنُهُ: سُفْيَانُ بنُ ابْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ. ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرٍ في مُعْجَمِهِ وَلَمْ يَذْكُر وَفَاتَهُ. أَخُوْهُ: مَحْمُوْدُ بنُ سُفْيَانَ (ت: 632 هـ) سَيَأْتِي اسْتِدْرَاكُهُ فِي مَوضِعِهِ.

30 -

وَابْنُهُ: يَحْيَى بنُ سُفْيَانَ، كمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ. ذَكَرَهُ ابنُ الفُوَطِيِّ فِي مَجْمَعِ الآدَابِ (4/ 270). وَوَصَفَهُ بِـ "المُحَدِّثِ" وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ.

31 -

وَابْنُهُ الآخَرُ: إبْرَاهِيْمُ بنُ سُفْيَان، كَرِيْمُ الدِّيْنِ، أَبُو إِسْحَقَ، ذَكَرَهُ ابنُ الفُوَطِيِّ فِي مَجْمَعِ الآدَابِ (4/ 61) وَوَصَفَهُ أَيْضَا بِـ "المُحَدِّثِ" وَلَمْ يَذْكُر وَفَاتَهُ.

32 -

وَابْنُ هَذَا الأَخِيْرِ: مُحَمَّدُ بنُ ابْرَاهِيْمَ، كمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ. سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (584 هـ)(2/ 370) إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةَ (491 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

33 -

فَارِسُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ فَارِسٍ الذُّهْلِيُّ، وَالِدُ شُجَاعٍ الآتي في اسْتِدْرَاكِ وَفَيَاتِ سَنَةِ (507 هـ). وَجَدُّ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدِ بنِ فَارِسِ، أَذْكُرُهُ مَعَ عَمِّهِ شُجَاعٍ؛ لِجَهْلِ وَفَاتِهِ لِيَ الآنَ.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله في وَفَيَاتِ سَنَةِ (492 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

34 -

أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ. مُتَرْجَمٌ فِي: المُنْتَظَمِ (9/ 109)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1230)، وَالمُعِيْنِ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنِ (144)، وَالإِعْلامِ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (203)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 63)، وَالعِبَرِ (3/ 333)، وَمِرْآةِ الجِنَانِ (3/ 154)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 397).

35 -

وَسِبْطُهُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ البَاقِي بنِ عَلِيِّ، أَبُو مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطُ. ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (1/ 114) وَذَكَرَ أَخْبَارَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ.

ص: 201

يُنْسَبُ فَاعِلُ ذلِكَ إِلَى الحُمْقِ، قَالَ: وَقَالَ لِي يَوْمًا آخَرَ - وَأَنَا أَمْشِي مَعَهُ -: إِذَا مَشَيْتَ مَعَ مَنْ تُعْظِّمُهُ، أَيْنَ تَمْشِي مِنْهُ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: عَنْ يَمِيْنِهِ، تُقِيْمُهُ مَقَامَ الإمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَتُخْلِي لَهُ الجَانِبَ الأَيْسَرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْثِرَ أَوْ يُزِيْلَ أَذًى جَعَلَهُ فِي الجَانِبِ الأَيْسَرِ.

‌36 - عَبدُ اللهِ بنُ جابِرِ بنِ يَاسِيْنَ

(1)

بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْيَهْ

(1)

36 - عَبْدُ اللهِ بنُ جَابِرِ بنِ يَاسِيْنَ (419 - 493 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 468)، وَمُخْتَصَرِهِ (404)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 27)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 26)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 220). وَيُرَاجَعُ: تَارِيْخُ الإسْلامِ (155)، وَالعِبَرُ (3/ 338)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (17/ 101)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 399)(5/ 405).

(العَسْكَرِيُّ) نِسْبَةٌ إِلَى"عَسْكَرْ مُكْرَمٍ" بَلْدَةٌ قُرْبَ "الأَهْوَازِ" كَمَا في مُعْجَمِ البُلْدَانِ (4/ 139)، وَالأنْسَابِ (4/ 452)، وَالمَشْهُوْرُ في نَسَبِهِ (الحِنَّائِيُّ). قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في الأنْسَابِ (4/ 244): "بِكَسْرِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ النُّوْنِ المُشَدَّدَةِ، وَفِي آخِرِهَا اليَاءُ آخِرُ الحُرُوْفِ، هَذِهِ النِّسبَةُ إلى بَيْعِ الحِنَّاءِ

وَذَكَرَ بَعْضَ المَنْسُوْبِيْنَ إِلَيْهِ وَقَالَ: "وَأَبُو الحَسَنِ جَابِرُ بنُ يَاسِيْن [بنِ] مَحْمُوْيَه الحِنَّائِيُّ، مِنْ أَهْلِ "بَغْدَادَ" شَيْخٌ، ثِقَةٌ، كَانَ يَبِيعُ الحِنَّاء، وَكَانَ عَطَّارًا، سَمِعَ أَبَا طَاهِرٍ المُخَلِّصَ، سَمِعَ مِنْهُ الخَطِيْبُ وَجَدِّي، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمَا، حَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو الفَضْلِ بنُ الأُرْمَوِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ الأنْصَارِيُّ، وَأَبُو مَنْصُوْرِ بنُ زُرَيْقٍ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ الزَّوْزَنِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ السَّلَّالِ بِـ "بَغْدَادَ"، تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَستِّين وَأَرْبَعِمَائَةَ". ولَا أَدْرِي كَيْفَ أَغْفَلَ المُؤَلِّفُ ذِكْرَهُ إلَّا بِهَذِهِ الإشَارَة المُقْتَضَبَةِ؟! مَعَ أَنَّهُ أَكْثَرُ شُهْرَةً من وَلَدِهِ هَذَا. وَقَدْ أغْفَلَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبقات" وَهُوَ خَالُهُ، وَأَسْنَدَ عَنْهُ رِوَايَةً (3/ 18، 19). وَذَكَرَهُ الحَافِظُ الخَطِيْبُ فِي تَارِيْخِ بَغْدَادَ (7/ 239)، وَقَالَ:"كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحًا" وَقَالَ: =

ص: 202

ابنِ خَالِدٍ العَسْكَرِيُّ، الحِنَّائِيُّ، العَطَّارُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ.

وُلِدَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِي عَلِيِّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ بِشْرَانَ وَغَيْرِهِمَا، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبي يَعْلَى، وَاسْتَمْلَى عَلَيْهِ الحَدِيْثَ. قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: تَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَكَانَ

= "سَأَلْتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ فَقَالَ: لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنَ المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ. قَالَ: وَأَوَّلُ سَمَاعِي في سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ .. " وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ؛ لأنَّه مَاتَ قَبْلَهُ.

وَذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ في المُنْتَظَمِ (8/ 274) وَقَالَ: "وَحَدَّثَ، وَكَانَ ثِقَةً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَتُوُفِّيَ في لَيْلَةِ الأَحَدِ خَامِسَ عِشْرِيْن شَوَّالٍ، وَدُفِنَ في مَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ"، قَرِيْبًا من قُبَّةِ السَّعِيْدِ". وَحَدَّث عَنْهُ السِّلَفِيُّ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ"(ورقة: 47) عن أَبِي حَامِدٍ أَحْمَدَ بنِ أَبي طَاهِرٍ الإسْفِرَائِيْنِيِّ، وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيضًا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ في مَشْيَخَتِهِ "أَحَادِيثِ الشُيُوْخِ الثِّقَاتِ" (ورقة: 30). وَلمَّا ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في كِتَابِهِ "مُشْتَبَه النِّسْبَةِ" قَالَ: "وَجَابرُ بنُ يَاسِينَ الحِنَّائِيُّ، عَنْ أَبي حَفْصٍ الكَتَّانِيِّ مَشْهُوْرٌ" وَلَمْ يُعَلِّقْ عليه الحَافِظَان ابنُ نَاصرِ الدِّين، وَابنُ حَجَرٍ في "التَّوضِيْحِ" وَ"التَّبْصِيْرِ" لشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمَا.

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤلِّف رحمه الله:

36 -

أَخُو المُتَرْجَمِ هُنَا مُحَمَّدُ بنُ جَابِرِ بنِ يَاسِيْنَ. ذَكَرَهُ الدَّبيثي في ذَيْلِ تَاريخ مَدِيْنَةِ السَّلامِ (1/ 200)، وَقَال:"أَبُو العِزِّ بنُ أَبِي الحَسَنِ، مِنْ أَوْلادِ المُحَدِّثِيْنِ، وَالرُّواةِ المَذْكُوْرِيْنَ. . ." وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. وَيُرَاجَعُ: المُخْتَصرُ المُحْتَاجُ إِلَيْهِ (1/ 256).

- وَعَمُّ أَبِيْه: مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّد بن مَحْمُوْيَهْ أَسْنَدَ إِلَيْهِ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ في المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّة (وَرَقَة: 276) عن طَرِيْق جَابِرِ بنِ يَاسِيْنَ. قَالَ الحَافِظُ: "أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَن جَابِرُ بنُ يَاسِيْنَ بنِ الحَسَنِ بنِ مَحْمُوْيَهْ الحِنَّائِيُّ (أَنَا) عَمِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ. . ." وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهِ.

ص: 203

خَالَ أَوْلَادِهِ، وَكَانَ صَدُوْقًا، مَلِيْحَ المُحَاضَرَةِ، حَسَنَ الخَطِّ بَهِيَّ المَنْظَرِ، وَكَانَ يَسْتَمْلِي للْقَاضِي أَبِي يَعْلَى بِـ "جَامِعِ المَنْصُوْرِ".

وَقَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: عَلَّقَ عَنِ الوَالِدِ قِطْعَةً مِنَ المَذْهَبِ وَالخِلَافِ، وَكَتَبَ أَشْيَاءَ مِنْ تَصَانِيْفِهِ، وَكَانَ صَادِقَ اللَّهْجَةِ، حَسَنَ الوَجْهِ، مَلِيْحَ المُحَاضَرَةِ، كَثِيْرَ القِرَاءَةِ للقُرْآنِ، مَلِيْحَ الخَطِّ، حَسَنَ الحِسَابِ.

وَذَكَرَ القَاضِي عِيَاضٌ: أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَلِيَّ بنَ سُكَّرَةَ

(1)

عَنْه؟ فَقَالَ: كَانَ شَيْخًا مَسْتُوْرًا، فَاضِلًا. رَوَى عَنْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَعُمَرُ بنُ ظَفَرٍ، وَجَمَاعَةٌ.

قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: مَاتَ خَالِي يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ عِشْرِيْنَ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ إِمَامًا، وَدُفِنَ بِمَقْبَرةِ "بَابِ حَرْبٍ" قَرِيْبًا مِنْ قَبْرِ الإمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ شُجَاعٌ الذَّهْلِيُّ: مَاتَ يَوْمَ الخَمِيْسِ حَادِي عِشْرِيْنَ شَوَّالٍ، قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: وَالأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ؛ وَإِنَّمَا دُفِنَ يَوْمَ الخَمِيْسِ.

‌37 - وَكانَ أَبُوْهُ أَبُو الحَسَنِ جَابِرِ بنُ يَاسِيْنَ

(2)

، ثِقَةً، مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، سَمِعَ مِنْ أَبِي حَفْصٍ الكِنَانِيِّ، وَالمُخَلِّصِ، وَجَمَاعَةٍ، وَحَدَّثَ، رَوَى عَنْهُ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ

(3)

. وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، فِي شَوَّالٍ.

وَ"مَحْمُوْيَهْ" فِي نَسَبِهِ - بِمِيْمٍ مَفْتُوْحَةٍ، ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ، ثُمَّ مِيْمٍ مَضْمُوْمَةٍ،

(1)

القَاضِي عِيَاضٌ وَابنُ سُكَّرَةَ سَبَقَ ذِكْرُهُمَا.

(2)

37 - جَابِرُ بنُ يَاسِيْن: تقَدَّمَ تَخْرِيْج تَرْجَمَته فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الاسْتِدْرَاكِ.

(3)

في (أ): "وغيره".

ص: 204

هَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ، وَذَكَرَهُ ابنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ:"حَمُّوْيَه" بِلَا مِيْمٍ فِي أَوَّلِهِ. وَ"الحِنَّائِيُّ" أَظُنُّهُ مَنْسُوْبٌ إِلَى بَيْعِ الحِنَّاءِ.

‌38 - زِيَادُ بنُ عَلِيِّ بنِ هَارُوْن، أبو القاسِمِ الجِيْليُّ

(1)

الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ "بَغْدَادَ" سَمِعَ بِهَا مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ عُمَرَ بنِ عَليٍّ اللَّيْثِيِّ البُخَارِيِّ،

وَحَدَّثَ عَنْهُ بِكِتَابِ "الْوَجِيْزِ" لابنِ خُزَيْمَةَ

(2)

، سَمِعَهُ مِنْهُ أَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُونِّي، وَأَبُو الحُسَيْنِ

(1)

38 - زِيَادُ بن هَارُوْنَ (؟ -493 هـ):

لم يَذْكُرْه القَاضِي أَبُو الحُسَينِ بنُ أَبِي يَعْلَى فِي "الطَّبَقَاتِ". أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَر الذَّيْل عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابن نَصْرِ اللهِ (ورقة: 9)، والمَقْصَدِ الأرْشَدِ (1/ 403)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 26)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 220). وَيُرَاجَعُ: الشَّذَرَاتُ (3/ 399)(5/ 404).

وَأَحَالَ مُحَقِّقُ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" إِلَى أَنَّهُ مُتَرْجَمٌ فِي "الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ" في مَوْضِعَيْنِ (1/ 89، 2/ 456)، وَالصَّحِيْحُ أَنَّ المَوْضِعَ الثَّانِي مُسْتَدْرَكٌ عَلَى كِتَابِ ابنِ رَجَبٍ، وَلَيْسَ مِنْ كِتَابِهِ؟! وَهَذَا الاسْتِدْرَاكُ مَنْقُوْلٌ مِنْ كَلَامِ ابنِ حُمَيْدٍ النَّجْدِيِّ صَاحِبِ "السُّحُبِ الوَابِلَةِ" فِي اسْتِدْرَاك خَاصٍّ لَهُ عَلَى "الذَّيْلِ" سَمَّاهُ:"غَايَةَ العَجَبِ" سَأَنْشُرُهُ بَعْدَ هَذَا الكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، أُلْحِقَتْ بَعْضُ تَرَاجِمِهِ في آخِرِ كِتَابِ "الذَّيْلِ" في طَبْعَةِ الشَّيْخِ حَامِدٍ الفَقي، وابنُ حُمَيْدٍ اسْتَدْرَكَهُ عَلَى ابنُ رَجَب، ثُمَّ أَدْرَكَ أَنَّهُ مُتَرْجَمٌ في الأَصْلِ، فَأَلْغَى اسْتِدْرَاكَهُ، لكِنَّ النَّاسخَ نَقَلَهُ من هَامِشِ نُسْخَةِ ابنِ حُمَيْدٍ وَلَمْ يَتَنَبَّه لَهُ. وفي جَمِيْعِ النُّسَخِ الَّتِي رَجَعْتُ إِلَيْهَا المُعْتَمَدَةِ وَغَيْرِ المُعْتَمِدَةِ فِي التَّحْقِيْقِ "الحَنْبَلِيّ" مَا عَدَا (أ) و (هـ)، فَفِي (أ):"الجِيْلِيّ" كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ، وَفِي (هـ):"الحلي" غَيْرُ مُعْجَمَةٍ لكِنَهَا لَا تُقْرَأُ "الحَنْبَليِّ" وَهِيَ إلى "الجِيْلِي" أَقْرَبُ. وإِنَّمَا اخْتَرْتُ "الجِيْلِيَّ"؛ لأنَّ تَقْيِيْدَهُ بِـ "الحَنْبَلِيِّ" لَا مَعْنَى لَهُ، وَكُلُّ مَنْ فِي الكِتَابِ حَنَابِلَةٌ؟! وَلَمْ يَكُنْ مَنْهَجِ المُؤَلِّفِ.

(2)

هُوَ المُحَدِّثُ المَشْهُوْرُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَقَ (ت: 311 هـ).

ص: 205

ابنُ الآبَنُوْسِيِّ

(1)

، وَرَوَاهُ عَنْهُ. وَذَكَرَ هِبَةُ اللهِ السِّقْطيُّ: أَنَّ زِيَادًا الفَقِيْهَ الحَنْبَلِيَّ تُوفِّيَ فيِ طَاعُوْنِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

(2)

.

‌39 - إِسْماعِيْل بنُ حَمْدِ

(3)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَيْرَانَ البَزَّارُ الهَمَذَانِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَافِطُ،

مُكْثِرٌ، سمِعَ بِـ "نَيْسَابُوْرَ" عَبْدَ الغَافِرِ الفَارِسِيَّ، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابُوْنيَّ، وَأَخَاهُ أَبَا يَعْلَى، وَأَبَا حَفْصِ بنَ مَسْرُوْرٍ. وَبِـ "أَصْبَهَانَ" أَبَا عُمَرَ

(4)

ابنَ مَنْدَه، وَغَيْرَهُ، وَسَمِعَ بِبُلْدَانٍ شَتَّى، وَحَدَّثَ بِـ "بَغْدَادَ"، سَمِعَ عَلَيْهِ مَشَايِخُ الوَقْتِ بِـ "خُرَاسَانَ" وَ"الجَبَلَ"، وَكَانَ حَافِظًا مُكْثِرًا، قَدِيْمَ الحَدِيْثِ.

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "الأبْنُوسي" حَيْثُمَا وَرَدَتْ؟!.

(2)

سَاقِطٌ من (أ) و (ب) و (جـ).

(3)

39 - ابنُ خَيْرَانَ الهَمَذَانِيُّ (؟ - 489 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أَخبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 9)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 260)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 22)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 217). ويُراجَعُ: المُنْتَخَبُ مِنَ السِّيَاقِ (142، 191)(ط). إيران، وتَارِيْخُ الإِسْلامِ (294). وَفِي (ط) بِطَبْعَتَيْهِ:"أَحْمَدُ"، وَكَذلِكَ هِيَ فِي "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" و"مُخْتَصَرِهِ"، وَتَارِيْخِ نَيْسَابُوْرَ "المُنْتَخَب" بطَبْعَتَيْهِ أَيْضًا، وَتَحرَّفَتْ في "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ" إِلَى "حَمْدَان"، وَمَا أَثْبَتُّهُ باتِّفَاقِ الأُصُوْلِ المُعْتَمَدَةِ وَغَيْرِ المُعْتَمَدَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي "تَارِيْخِ الإسْلَامِ".

(4)

كَذَا فِي الأُصُوْلِ كُلَّهَا، مَطْبُوْعِهَا وَمَخْطُوْطِهَا المُعْتَمَدَةِ وَغَيْرِ المُعْتَمَدَةِ، وَكَذَا هُوَ فِي "المَقْصَدِ الأرْشَدِ" أَمَّا بَقِيَّةُ المَصَادِرِ فَلَمْ تَذْكُرْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْدَه (ت: 475 هـ) سَبَقَ ذِكْرُهُ في اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى المُؤَلِّفِ فِي وَفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَةِ.

ص: 206

وَذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ بـ "بَغْدَادَ" يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ رَابِعَ عِشْرِيْنَ المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ

(1)

بِـ "المَارِسْتَان". ودُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ"

(2)

.

‌40 - مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ جَدَّا

(3)

العُكْبَرِيُّ، أَبُو بَكْرِ بنِ أَبِي الحُسَيْنِ المُتَقَدِّمِ.

ذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي "التَّارِيْخِ" وَقَالَ: كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ، نَزَلَ يَتَوَضَأُ فِي دِجْلَةَ فَغَرِقَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ وأَرْبَعِمَائَةَ. وَقَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ: يَوْمَ الخَمِيْسِ خَامِسَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.

قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ مَعَ وَالِدِهِ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي حُضُوْرًا

(4)

سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَمَاتَ شَابًّا، وَمَا أَظُنُّهُ رَوَى شَيْئًا.

(1)

مَا دَامَتْ هَذِهِ سَنَةَ وَفَاتِهِ فَحَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذلِكَ ابنُ حُمَيْدٍ النَّجْدِيُّ في هَامِشِ نُسْخَةِ (أ).

(2)

بَعْدَهَا في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى" وَهَذِهِ الجُمْلَةُ سَاقِطَةٌ مِنَ الأُصُوْلِ مَا عَدَا (هـ) فَفِيْهَا: "رحمه الله".

(3)

40 - ابنُ جَدَّا العُكْبَرِيُّ (؟ - 493 هـ):

لَمْ يَذْكُره القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 9)، والمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 472)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 24)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 219). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 118)، وَفِي "المَقْصَدِ الأرْشَدِ":"مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ" خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ وَالِدِهِ رقم (8). وفي (ط) الدُّكتور هَنْرِي لاوُوست، وَالدُّكتور سَامِي الدَّهَّان:"جد".

(4)

في (ب): "حُضُوْرٌ".

ص: 207

‌41 - عَبْدُ البَاقِي بنُ حَمْزَةَ

(1)

بنِ الحُسَيْنَ

(2)

الحَدَّادُ، الفَرَضِيُّ، أَبُو الفَضْلِ.

وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ، فَقَالَ: شَيْخٌ، صَالِحٌ، خَيِّرٌ، كَانَ قَدْ قَرَأَ الفِقْهَ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ فِي الفَرَائِضِ وَالحِسَابِ، سَمِعَ أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيَّ وَغَيْرَهُ. وَرَوَى لَنَا عَنْهُ أَبُو الغَنَائِمِ سَرَايَا بنُ هِبَةِ اللهِ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ نَاصِرٍ الحَافِظُ، سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَوَثَّقَهُ، وَقَالَ: ثِقَةٌ، خَيِّرٌ.

وَذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَيْضًا مِنْ أَبَوَي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي، وَابْنِ حَسْنُوْنَ، وَأَبِي عَلِيٍّ المُبَارَكِ، وَهَنَّادٍ النَّسَفِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَنَّهُ حَدَّثَ بِالْيَسِيْرِ، وَرَوَى عَنْهُ سَعِيْدُ بنُ الرَزَّازِ الفَقِيْهُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ المَعْرُوْفُ بِـ "سِبْطِ الخَيَّاطِ"، وأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خُذَادَاذَ الحَدَّادُ.

تُوُفِّي يَوْمَ السَّبْتِ رَابِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ في مَقْبَرَةَ "بَابِ أَبْرِز"

(3)

.

(1)

41 - أبُو الفَضْلِ الحَدَّادُ (425 - 493 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 128)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 25)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 219). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 116)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (18/ 20)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 99)(5/ 405).

(2)

في "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ": "الحَسَن".

(3)

مَقْبَرَةٌ بِـ "بَغْدَادَ" مَشْهُوْرةٌ آنَذَاكَ.

ص: 208

قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ "الإِيْضَاحِ فِي الفَرَائِضِ"

(1)

، رَأَيْتُ مِنْهُ المُجَلَّدَ الأَوَّلَ، وَهُوَ حَسَنٌ جدًّا، صَنَّفَهُ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَحرَّرَ فِيْهِ نَقْلَ المَذْهَبِ تَحْرِيْرًا جَيِّدًا، وَمِمَّا ذَكَرَ فِيْه، فِي (بَابِ تَوْرِيْثِ ذَوِيْ الأَرْحَامِ)، فِي عَمَّةٍ لأَبَوَيْنِ، وَعَمَّةٌ لأَبٍ، وَعَمَّةٍ لأُمٍّ، المَالُ بَيْنَهُنَّ عَلَى خَمْسَةٍ، لِلْعَمَّةِ مِنَ الأَبَوَيْنِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْعَمَّةِ مِنَ الأَبِ سَهْمٌ، وَلِلْعَمَّةِ مِنَ الأُمِّ سَهْمٌ، هَذَا إِذَا نَزَّلْنَاهُنَّ أبًا، فَأَمَّا إِذَا نَزَّلْنَاهُنَّ عَمًّا، فَفِي ذلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، فَمِنْهُم مَنْ قَالَ: الأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا أَنْ يَكُوْنَ المَال (3) لِلْعَمَّةِ مِنَ

(2)

الأَبَوَيْنِ، بِمَنْزِلَةِ الأَعْمَامِ المُفَرَّقِيْنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الأَشْبَهُ أَنْ يُجْعَلَ المَالُ

(3)

بَيْنَهُنَّ عَلَى خَمْسَةٍ،

(1)

إِيْضَاحُ المَكْنُوْنِ (1/ 155، 600)، وفي هَذَا المَوْضِعِ الأَخِيْرِ أَخْطَأَ مُؤلِّفُهُ حَيْثُ نَسَبَ إِلَيْه "رِيَاضَ الجَنَّةِ في آثارِ أَهْلِ السُّنَّةِ" وَالصَّحِيْحُ أَنَّ هَذَا الكِتَابَ مِنْ تَأْلِيْفِ عَبْدِ البَاقِي بنِ عَبْدِ البَاقِي بن عَبْدِ القَادِرِ البَعْلِيِّ الحَنْبَلِيِّ (ت: 1071 هـ) وَقَدْ تَحَدَّثْتُ عَنْ هَذَا الكِتَابِ في تَرْجَمَةِ المَذْكُوْرِ في هَامِشِ كِتَابِ "السُّحُبِ الوَابِلَةِ"(2/ 442) فَليُرَاجِعْ مَنْ شَاءَ ذلِكَ هُنَاك. وَأَشَارَ مُحَقِّقُ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" إِلَى الصَّفْحَتَيْنِ المَذْكُوْرَتَيْن وَلَمْ يَتَنَبَّهْ إِلَى الخَطَإِ؛ لأنَّهُ - فِيْمَا يَظْهَرْ - نَقَلَهَا عَنْ "مُعْجَمِ المُؤَلِّفِيْن"(5/ 71)، وَهَذَا الأَخيْرُ نَقَلَهَا عَنْ هَدِيَّةِ العَارِفِيْنَ (1/ 95)، وَإِيْضَاحِ المَكْنُوْنِ (1/ 600) وَلَم يَتَنَبَّه الجَمِيْعُ إِلَى ذلِكَ، فَصَحَّ وَالحَمْدُ للهِ.

(2)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "مَعَ".

(3)

ساقطٌ من (هـ).

وَيُسْتَدْرَكُ عَلى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (493 هـ):

37 -

عَبْدُ الهَادِي بنُ عَبْدِ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو عَرُوْبَةَ الهَرَوِيُّ الأنْصَارِيُّ، وَهُوَ ابنُ شَيْخِ الإسْلَامِ أَبِي إِسْمَاعِيْل الهَرَوِيِّ السَّابِقِ الذِّكْرِ. ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخِ الإِسْلامِ (160).

38 -

عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ جَرْدَةَ البَغْدَادِيُّ العُكْبَرِيُّ الأَصْلِ. وَبَعْدَ =

ص: 209

كأَنَّ العَمَّ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ كَمَا قُلْنَا فِي الأَبِ، قَالَ: وَهَذَا هُو المَنْصُوْصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَجَدْتُهُ فِي كِتابِ "الشَّافي" لأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ العَزِيْزِ، مِنْ رِوَايَةِ حَرْبِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ قِيْلَ لَهُ فِي ثَلَاثِ عَمَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ قَالَ: عَلَى النِّصْفِ وَالسُّدُسِ، قِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ المَالُ لِلْعَمَّةِ مِنَ الأَبِ وَالأُمِّ؟ قَالَ: لَا، وَهَذَا نَصٌّ.

قُلْتُ: لَمْ يُبَيِّنْ أَحْمَدُ الأَصْلَ الَّذِي تَفَرَّعَ عَنْهُ هَذَا الجَوَابُ، وَهَلْ هُوَ تَنْزِيْلُ العَمَّاتِ أَبًا أَوْ عَمًّا؟ وَعَنْهُ فِي ذلِكَ رِوَايَاتٌ مَعْرُوْفَةٌ، لكِنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ أَنْ يَكُوْنَ المَالُ تَخْتَصُّ بِهِ العَمَّةُ لِلأَبَوَيْنِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ: بِتَنْزِيْلِهَنَّ أَبًا أَوْ عَمًّا، ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذلِكَ بَيْنَ تَنْزِيْلِهِنَّ أَبًا أَوْ عَمًّا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِيْ عَلَيْهِ جُمْهُوْرُ الأَصْحَابِ، وَالأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابنُ الحَدَّادِ عَنْ بعْضِ الأَصْحَابِ قَدْ قَالَهُ الشِّيْرَازيُّ فِي "المُبْهِجِ" وَغَيْرُهُ، وَجَعَلُوا العَمَّاتُ بِمَنْزِلَةِ الأَعْمَامِ المُفَرَّقِيْنَ، وَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لَنَصِّ أَحْمَدَ، فَهُوَ ضَعِيْفٌ فِي القِيَاسِ أَيْضًا؛ فَإنَّا لَا نُنَزِّلُ العَمَّاتِ أَعْمَامًا مُتَفَرِّقِيْنَ بِمَنْزِلَةِ إِخْوَتِهِنَّ حَتَّى تُنَزَّل العَمَّةُ لِأُمٍّ عَمًّا؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذلِكَ سُقُوْطُهَا أَلْبَتَّةَ؛ لأنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ،

= سَنَةَ (493 هـ) يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله:

39 -

هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بن أَبِي مُوْسَى، أَبُو غَالِبٍ الهَاشِمِيُّ الفَقِيْه، الحَنْبَلِيُّ، البَغْدَادِيُّ. كَذَا قَالَ الصَّفَدِيُّ فِي الوَافِي بِالوَفَيَاتِ (27/ 316) وَقَالَ:"سَمِعَ أَبَا إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ، وَحَدَّثَ بِاليَسِيْرِ، كَانَ حَيًّا سَنَةَ ثَلاثٍ وتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ".

ص: 210

وَإِنَّما نُنَزِّلُهُنَّ كُلُّهُنَّ أَعْمَامًا لِأَبَوَيْنِ بِمَنْزِلة أَخِيْهِنَّ العَمِّ مِنَ الأَبَوَيْنِ وَلَا يُقَالُ: فَيَلْزَمُ مِنْ ذلِكَ أَنْ يَقْتَسِمُوا المَالَ بَيْنَهُنَّ بِالسَّويَّةِ كَالأَعْمَامِ المُتَّفِقِيْنَ؛ لأَنَّا نَجْعَلُ المُدْلَى بِهِ - وَهُوَ العَمُّ - كَمَيِّتٍ وَرِثَهُ أَخَوَاتُهُ، وَهُنَّ العَمَّاتُ الثَّلَاثُ، فَيَقْتَسِمُوْنَ المَالَ عَلَى خَمْسَةٍ، كَمَا قُلْنَا مِثْلُ ذلِكَ فِي تَنْزِيْلِهِنَّ أَبًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ القَاعِدَةَ: أَنَّهُ إِذَا أَدْلَى جَمَاعَةٌ بِوَارِثٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَتَفَاضَلُوا بِالسَّبْقِ إِلَيْهِ فَنَصِيْبُهُ بَيْنَهُم عَلَى حَسَبِ مِيْرَاثِهِم مِنْهُ لَوْ وَرِثُوْهُ، سَوَاءً اخْتَلَفَتْ مَنَازِلُهُم مِنْهُ كَالإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ المُفْتَرِقِيْنَ، أَوْ تَسَاوَتْ كَأَوْلَادِهِ وإخْوَتِهِ المُتَّفِقِيْنَ.

‌42 - مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ

(1)

(2)

بنِ جَعْفَرٍ الرَّاذَانِيُّ، المُقْرِئُ الفَقِيْهُ الزَّاهِدُ،

(1)

وفي (د): "الحُسَين".

(2)

42 - أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّاذَانِيُّ (426 - 494 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 469)، وَمُخْتَصرِهِ (405)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (632)، ومُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 391)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 27)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 221). وَيُرَاجَعُ: تَكْمِلَةُ الإكْمَالِ (3/ 70)، وَالأَنْسَابُ (6/ 36)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 127)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (3/ 13)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (197)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (2/ 246)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 161)، وَالتَّوْضِيْحُ لابنِ نَاصِرِ الدِّينِ (4/ 88)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبهِ (2/ 6619)، وَلَهُ ذِكْرٌ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ".

وَ"الرَّاذَانِيُّ" نِسْبَةٌ إِلى "رَاذَانَ" قَالَ يَاقُوْتٌ: "بَعْدَ الأَلِفِ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ، وآخِرُهُ نُوْنٌ، "رَاذَانُ" الأَسْفَلُ، وَ"رَاذَانُ" الأَعْلَى كُوْرَتَانِ بِسَوَادِ "بَغْدَادَ" تَشْتَمِلُ عَلَى قُرًى كَثِيْرَةِ". وَذَكَرَ المُتَرْجَمَ هُنَا. وَابْنُهُ: الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ بن الحَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ أبُو عَلِيٍّ =

ص: 211

نَزِيْلُ "أَوَانَا"

(1)

أبُو عَبْدِ اللهِ وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعَمَائَةَ.

قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن: صَحِبَ الوَالِدَ، وَكَانَ زَاهِدًا، وَرِعًا، عَالِمًا بِالقِرَاءَاتِ

(2)

وَغَيْرِهَا، وَعَدَّهُ أَيْضًا مِمَّن تَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ، وَعَلَّقَ عَنْهُ.

وَذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَمِنْ أَبي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُونِ، وَأَبِي بَكْرِ بنِ حُمُّدُوْيَهْ

(3)

، وَخَلَقٌ، وَأَنَّهُ حَدَّثَ بِاليَسِيْرَ.

وَرَوَى عَنْهُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ اليُوْنَارْتِي

(4)

فِي "مُعْجَمِهِ" وَقَالَ: أَخْبَرَنَا

= (ت: 546 هـ) ذَكَرَه المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَحَفِيْدُهُ: مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ (ت: 587 هـ) مُسْتَدْرَكٌ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله يَأْتِي في مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ، ذَكَرَهُ ابنُ الدُّبَيْثِيِّ في "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" فَقَالَ:"مِنْ أَوْلَادِ الشُّيُوخِ الصَّالِحِيْنَ، كَانَ وَالِدهُ أَبُو عَلِيٍّ وَاعِظًا، خَيّرًا، وَجَدُّهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ زَاهِدًا، صَالِحًا".

(1)

"بِالفَتْحِ وَالنُّوْنِ، بُلَيْدَةٌ كَثِيْرَةُ البَسَاتِيْنِ وَالشَّجَرِ، نَزِهَةٌ، مِنْ نَوَاحِي "دُجَيْلِ بَغْدَادَ"، بَيْنَهَا وَبَيْنَ "بَغْدَادَ" عَشَرَةُ فَرَاسِخٍ مِنْ جِهَةِ "تَكْرِيْتَ" .. " كَذَا في مُعْجَمِ البُلدان (1/ 326).

(2)

مَعَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالقِرَاءَاتِ، لَمْ يَرِدْ فِي "مَعْرِفَةِ القُرَّاءِ" وَلا فِي "غَايَةِ النِّهَايَةِ"؟!.

(3)

اسمُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ (ت: 470 هـ) و"حُمُّدُويَه" قَيَّدَهَا ابنُ نُقْطَةَ الحَنْبَلِيُّ في إِكْمَالِ الإكْمَال (2/ 281)، فَقَالَ:"بِضَمِّ الحَاءِ، وَتَشْدِيْدِ المِيْمِ وَضَمِّهِ أَيْضًا" وَيَجِبُ أَنْ يُضَافَ إِلَى هَذَا التَّقْيِيْدِ: وَبِاليَاءِ آخِرِ الحُرُوْفِ. وَسَبَقَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ في تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بنِ يَاسِيْن (ت: 493 هـ) رقم (35).

(4)

قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ في الأنْسَابِ (12/ 434): "بِضَمِّ اليَاءِ المَنْقُوْطَةِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا، وَسُكُوْنِ الوَاوِ، وَفَتْحِ النُّونِ، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، وَفِي آخِرِهَا التَّاءُ المَنْقُوْطَةُ باثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقِهَا. هَذِهِ النِّسْبةُ إِلَى "يُوْنَارْتَ" وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى بَابِ أَصْبَهَانَ" وَذَكَرَ الحَافِظَ أَبَا نَصْرٍ هَذَا. وَقَالَ: "كَتَبَ إِلَيَّ الإجَازَةِ بِجَمِيْع مَسْمُوْعَاتِهِ. وَذَكَرَ وَفَاتَهُ بحُدُوْدِ سَنَةِ =

ص: 212

الشَّيْخُ، الإِمَامُ الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّاذَانِيُّ.

وَقَالَ ابنُ السَّمْعَانيِّ: كَانَ فَقِيْهًا، مُقْرِئًا، مِنَ الزُّهَّادِ المُنْقَطِعِيْنَ، وَالعُبَّادِ الوَرِعِيْنَ، مُجَابَ الدَّعوة، صَاحِبَ كَرَامَاتٍ، سَمِعَ مِنَ القَاضِيْ أَبِي يَعْلَى، وَغَيْرِهِ. سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ حَرِيْفَا

(1)

الشَّيخُ الصَّالِحُ بِـ "اللَّجْمَةِ" يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبي عَبْد اللهِ الرَّاذَانِي، وَاعْتَذَرْتُ عَنْ تَأَخُّرِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَا تَعْتَذِرْ

(2)

؛ فَإِنَّ الاجْتِمَاعَ مُقَدَّرٌ.

وَسَمِعْتُ ظَافِرَ بنَ مُعَاوِيَةَ المُقْرِئُ بِالحَرْبِيَّةِ

(3)

يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ الرَّاذَانِي أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَلَاةِ، فَجَاءَ ابْنُهُ إِلَيْهِ - وكَانَ صَغِيْرًا - وَقَالَ: يَا أَبي أُرِيْدُ غَزَالًا أَلْعَبُ بِهِ، فَسَكَتَ الشَّيْخُ، فَلَحَّ الصَّبِيُّ، وَقَالَ: لَا بُدَّ لِي مِنْ غَزَالٍ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: اسْكُتْ يَا بُنَيَّ، غَدًا يَجِيْئُكَ غَزَالٌ، فَمِنَ الغَدِ كَانَ الشَّيْخُ قَاعِدًا فِي بَيْتِهِ، فَجَاءَ غَزَالٌ وَوَقَفَ عَلَى بَابِ الشَّيْخِ، وَكَانَ يَضْرِبُ بِقَرْنَيْهِ البَابَ إِلَى أَنْ فَتَحُوا لَهُ البَابَ وَدَخَلَ، فَقَالَ الشَّيْخُ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، جَاءَكَ الغَزَالُ.

= ثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ.

(1)

كَذَا في الأُصُوْلِ؟ وَلَمْ أَجِدْهُ الآنَ، وَلَمْ أَجِدِ "اللَّجْمَةَ" فِي أَسْمَاءِ المَوَاضِعِ.

(2)

في (ط) الفقي: "لا تُعذر".

(3)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ "الخريبة" و"الحَرْبيَّةُ" حَيٌّ من أَحْيَاءِ "بَغْدَادَ" مَشْهُوْرٌ. يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 274) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِرَارًا، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ مَرارًا أَيْضًا، عَرَّفْتُ بِهِ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ في الطَّبَقَاتِ (1/ 218). وَيَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ الخُرَيْبَةَ "خُرَيْبَةَ ابن جَرْدَةَ" مِنْ أَحْيَاءِ "بَغْدَادَ" أَيْضًا. وَلَمْ أَعْرِفْ ظَافِرَ بنَ مُعَاوِيَةَ؟

ص: 213

وَذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ بإِسْنَادِهِ: أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بالطَّلَاقِ أَنَّهُ رَآهُ بِـ "عَرَفَةَ"، وَلَمْ يَكُنِ الشَّيْخُ حَجَّ تِلْكَ السَّنَةَ، فَأَخْبَرَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ فَأَطْرَقَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ إِبْلِيْسَ عَدُوَّ اللهِ يَسِيْرُ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ في إِفْتَانِ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ في لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُنْكَرُ لِعَبْدٍ مِنْ عَبِيْدِ اللهِ أَنْ يَمْضِيَ في طَاعَةِ اللهِ بِإِذْنِ اللهِ فِي لَيْلَةٍ إِلَى مَكَةَ وَيَعُوْدَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الحَالِفِ وَقَالَ: طِبْ نَفْسًا، فَإِنَّ زَوْجَتَكَ مَعَكَ حَلَالٌ

(1)

.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الرَّاذَانِيُّ كَثِيْرَ التَّهَجُّدِ، مُلَازِمًا لِلصِّيَامِ.

تُوُفِّيَ رحمه الله يَوْمَ الأَحَدِ رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمائَةَ

(2)

، وَدُفِنَ بِـ "أَوَانَا".

‌43 - أبو الحسن

(3)

بنُ زُفَرِ العُكْبَرِيُّ

(4)

، ذَكَرهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ فِيْمَنْ

(1)

هَذهِ مِنْ دَعَاوَى الصُّوفيَّة أَهْل الطُّرقِ وَالخَوَارِقِ وَالبِدَعِ؟!. هَذَا قِياسٌ غَرِيْبٌ، وَكَلامٌ مُسْتَنْكَرٌ، فَلَعَلَّهُ لا يَصحُّ عَنْهُ أَصْلًا.

(2)

في "مُعْجَمِ البُلدانِ" سَنَةَ (480 هـ).

(3)

فِي "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ": "أَبُو الحُسَين"؟!

(4)

43 - ابنُ زُفَرٍ العُكْبَرِيُّ (404 - 494 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 469)، وَمُخْتَصرِهِ (405)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْل عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 159)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 29)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 223). وَيُرَاجَعُ: ذَيلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (3/ 140)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ للذَّهَبيِّ (207). قَالَ ابنُ النَّجَّارِ:"عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، الفَقِيْهُ الحَنْبَلِيُّ المَعْرُوْفُ بـ "ابنِ زُفَرَ" مِنْ أَهْلِ "عُكْبَرَا"، ذَكَرَهُ أَبُو البَرَكَاتِ بنُ السَّقْطِيِّ في "مُعْجَمِ شُيُوْخِهِ" قَالَ: وُلِدَ فِي حَيَاةِ ابنِ شِهَابٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ =

ص: 214

تَفَقَّهَ عَلَى أَبيْهِ، وَعَلَّقَ عَنْهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ في تَرْجَمَتِهِ: صحِبَ الوَالِدَ، وَسَمِعَ دَرْسَهُ، وَكَانَ صالِحًا، كَثِيْرَ التِّلاوَةِ وَالتَّلْقيْنِ لِلْقُرْآنِ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ سَرَدَ الصَّوْمَ خَمْسًا وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَمَاتَ قَبْلَ أَبي عَبْدِ اللهِ بنِ الرَّاذَانِيِّ بِأَيَّامٍ يَسِيْرَةٍ، وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً رحمه الله

(1)

.

= مِنْهُ، وَسَمِعَ من ابنِ مِيْخَائِيْلَ وَابنِ الخَيَّاطِ العُكْبَرِيَّيْنِ، وَكَانَ فَقِيْهًا زِاهِدًا، وَرِعًا، صَدُوْقًا. أَنْبَأنَا ابنُ مَشَّقٍ. . ." وَسَاقَ سَنَدًا، وَأَوْرَدَ حَدِيْثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ، وَعَرَفْتُ سَنَةَ مَوْلدِهِ وَوَفَاتِهِ مِنْ قَوْلِ المُؤَلِّفِ هُنَا: "مَاتَ قَبْلَ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الرَّاذَانِيِّ بأيَّامٍ يَسِيْرَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً" وَتَقَدَّم أَنَّ وَفَاةَ ابنِ الرَّاذَانِيِّ سَنَةَ (494 هـ). فَيَكُوْنُ مَوْلِدُهُ سَنَة أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَتُوُفِّي ابنُ شِهَابٍ سَنَةَ (428 هـ). وَهُوَ مُتَرْجَمٌ فِي "الطَّبَقَاتِ".

(1)

بعدَهَا في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "تَعَالَى".

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (494 هـ):

40 -

نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البطِرِ، المُقْرِئ، المُحَدِّثُ، البَغْدَادِيُّ. أَخْبَارُهُ كَثيْرَةٌ. يُرَاجَعُ: الأنْسَابُ (9/ 133)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 46)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 402).

ومِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مِنَ الحَنَابِلَةِ في وَفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَةِ:

41 -

مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدُ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ بن أَبِي الرَّعْدِ، أَبُو الحَسَنِ العُكْبَرِيُّ، ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخِ الإِسْلامِ (202)، وَقَالَ: سَمِعَ الحَسَنَ بنَ شِهَابٍ العُكْبَرِيِّ. . .". وَيُرَاجَعُ: الوَجِيْز في ذِكْرِ المَجَازِ والمُجِيْزِ للحَافِظِ السِّلَفِيِّ (96) قَالَ مُحَقِّقُهُ: لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةَ (495 هـ) أحَدًا، وَفِيْهَا:

42 -

مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، أبُو بَكْرٍ الشِّيْرَازِيُّ البَغْدَادِيُّ المَعْرُوْفُ بـ "ابنُ الفَقِيْرَة" ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ (223) قَالَ:"رَجُلٌ صَالِحٌ، مِنْ أَهْلِ "النَّصْرِيَّةِ"، مَحَلَّةٌ بِـ "بَغْدَادَ"، سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ بِشْرَانَ وَغَيْرَهُ. قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأنْمَاطِيُّ: =

ص: 215

‌44 - مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ

(1)

بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ البَرَدَانِيُّ، الفَقِيْهُ الزَّاهِدُ، أَبُو سَعْدٍ

(2)

. أَحَدُ الفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، سَمِعَ مِنْهُ. قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: وَمَا أَظُنُّهُ رَوَى شَيْئًا. قَالَ ابنُ الخَشَّابِ

(3)

: أَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الحَفَّارُ

(4)

، أَنْشَدَنِي أَبُو سَعْدٍ البَرَدَانِيُّ عِنْدَ مَوْتِهِ:

(5)

= كَانَ ابنُ الفَقِيْرَةِ يَمْضِي وَيُخَرِّبُ قَبْرَ أبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ ويَقُوْلُ: كَانَ كَثِيْرَ التَّحَامُلِ عَلَى أَصْحَابِنَا الحَنَابِلَةِ، فَرَأَيْتُهُ يَوْمًا فَأَخَذْتُ الفَأْسَ مِنْ يَدِهِ، وَقُلْتُ: هَذَا كَانَ إِمَامًا، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَتَوَّبْتُهُ وَتَابَ، وَمَا رَجَعَ إِلَى ذلِكَ". أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ عَوَامِّ الحَنَابِلَةِ، وَإِلَّا كَيْفَ يَجْهَلُ قَدْرَ الإمَامِ الحَافِظِ الخَطِيْبِ - وَلَوْ تَحَامَلَ عَلَى الحَنَابِلَةِ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ - يَبْقَى عِلْمُهُ ظاهَرًا، وَفَضْله جَلِيًّا ظَاهِرًا، و"كَفَى بالمَوْتِ شَا"، وَ"اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُم" وَمِثْل هَذَا العَمَل يَدُلُّ عَلَى السَّذَاجَةِ والعَامِيَّةِ؛ لأنَّه لَا يَشْفِي غَلَّةً، غَفَرَ اللهُ لَهُمَا، وَسَامَحَهُمَا، وَجَزَاهُمَا عَنِ الإسْلَامِ خَيْرَ الجَزَاءِ.

(1)

44 - أَبُو سَعْدٍ البَرَدَانِيُّ (؟ - 496 هـ):

لَمْ يَذْكُره القَاضِي أبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ". أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طبقاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 393)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 31)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 224). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 136).

(2)

في "المَنْهَج الأَحْمَدِ": "أَبُو سَعِيْدٍ"؟! خَطَأٌ ظَاهِرٌ.

(3)

هُوَ الإمَامُ العَلَّامَةُ النَّحْوِيُّ الحَنْبَلِيُّ المَشْهُوْرُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ، أَبُو مُحَمَّدٍ (ت: 567 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأَتِي.

(4)

أَبُو بَكْرٍ الحَفَّارُ المَذْكُوْرُ هُنَا ذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخِ الإِسْلامِ (243)، وَالعِبَرِ (4/ 163)، وَالمُخْتَصَرِ المُحْتَاجِ إِلَيْهِ (3/ 220)، قالَ:"سَمِعَ منْ رِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ" وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ (557 هـ) في شَوَّالٍ.

(5)

البَيْتَانُ في "المَنْهَجِ الأحْمَدِ" عَنِ المُؤَلِّفِ. وَالأَيْنَاتُ: لَعَلَّهَا جَمْعٌ لأَيْنَةٍ، وَهُوَ شَجَرٌ =

ص: 216

إِنَّ مَنْ يَأْمُرُ بِالصَّـ

بْرِ مِنَ الصَّبْرِ نَفَرْ

إنَّ فِي الصَّدْر مِنَ الصَّـ

بْرِ كَأَيْنَاتٍ تَصِرْ

قالَ أنْشَدَنِيْهُمَا ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ رحمه الله.

تُوفِيَ يَوْمَ الأَحَدِ ثَامِنَ عَشَرَ المُحَرَّمِ سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائةَ، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ".

ذَكَرَ ابنُ عَقِيْلٍ في "فُنُوْنِهِ" قَالَ: وَجَدْتُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ بِخَطِّ أَبِي سَعْدٍ البَرَدَانيِّ أَنَّ عَبَدَةَ الأَوْثَانِ يُقَرَّوْنَ بِالْجِزْيَة، قَالَ: وَذَكَرَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيْفَةَ. وَهَذَا النَّقلُ عَامٌّ فِي العَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايةُ المَشْهُورَةُ أَنَّ الجِزْيةَ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ الكُفَّارِ إِلَّا عَبَدَةَ الأَوْثَانِ مِنَ العَرَبِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَشْهُوْرَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ مَعْرُوْفَةٌ فِي كُتُبِ القَاضِي وَغَيْرِهَا، فَلَا يَحْتَاجُ مَنْ دُوْنَ ابنِ عَقِيْلٍ - فَضْلًا عَنْ ابنِ عَقِيْلٍ - فِي نَقْلِهَا إِلَى أَنْ يَجدَهَا فِي تَعْلِيْقِ أَبِي سَعْدٍ البَرَدَانِيِّ.

‌45 - مُحَمَّدُ بنُ عُبيْدِ اللهِ

(1)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ كَادِشٍ العُكْبَرِيُّ، المُحَدِّثُ،

= حِجَازِيٌّ كَمَا في اللِّسَانِ: (أين) قَالَ: قَالَتِ الخَنْسَاءُ:

تَذَكَّرْتُ صَخْرًا أَنْ تَغَنَّتْ حَمَامَةٌ

هَتُوْفٌ عَلَى غُصْنٍ مِنَ الأَيْنِ تَسْجَعُ

وَلَعَلَّهُ يَقْصُدُ مَا يُصْنَعُ مِنْ شَجَرِ الأيْنِ مِنَ الرَّحْلِ، أَو النَّعْشِ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ المَوْتَى.

(1)

45 - أبُو يَاسِرِ بنُ كَادِشٍ العُكْبَرِيُّ (426 - 496 هـ):

لَمْ يَذْكُره القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 434)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 31)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 224). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 136)، وَالعِبَرُ (3/ 346)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (240)، =

ص: 217

المُسْتَمْلِي، أَبُو يَاسِرٍ. مُفِيْدُ أَهْلِ بَغْدَادَ، وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِمَائِةِ، وَسَمِعَ وَكَتَبَ الكَثِيْرَ وَأَفَادَ النَّاسَ، وَسَمِع الطَّلبَةُ وَالغُرَباءُ بِقِراءَتِهِ وَإِفَادَتِهِ الكَثِيْرَ، سَمِعَ قَدِيْمًا مِنَ الْجَوْهَرِيِّ، وَالْقَاضِي المَاوَرْدِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبي الحُسَيْن

(1)

ابنِ حَسْنُوْنَ، وَقَرَأَ بِنَفْسِهِ الكَثِيْرَ عَلَى طِرَادٍ، وَابنِ

= وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 404)، (5/ 413)، وَفِي "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ":"مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ". خَطَأُ طِبَاعَةٍ فَاتَنِي اسْتِدْرَاكُه؟! يُنْظَرُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ التَّرَاجِمِ. وَأَكْثَرَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ مِنَ الإسْنَادِ إِلَيْهِ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" يُنْظَرُ مثلًا (ورقة: 14) قَالَ الحَافِظُ: "أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو يَاسِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ كَادِشٍ العُكْبَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي جَامِعِ القَصْرِ، يَوْمَ الجُمُعَةِ في صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْن وَأَرْبعمائة. . ." وَتُرَاجَعُ الوَرَقَات (266، 31، 39، 271، 340

) وَغَيْرُهَا. وَأَخُوْهُ: أَبُو العِزِّ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ مُحَمَّدِ بنِ كَادِشٍ (ت: 526 هـ). وَسِبْطُ أَبي العِزِّ هَذَا عَلِيُّ بنُ أحْمَدَ البَغْدَادِيُّ (ت: 570 هـ). مُسْتَدْرَكَانِ عَلَى المُؤلِّفِ نَذْكُرُهُمَا في مَوْضِعَيْهِمَا إِنْ شَاءَ اللهُ.

(1)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "أَبُو الحَسَنِ" وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسْنُوْنَ، أَبُو الحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ (ت: 456 هـ)، وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بِـ "الشَّيْخِ، العَالِمِ، المُقْرِئِ، المُسْنِدِ، أَبِي الحُسَيْنِ، مُحَمَّدِ بنِ الشَّيْخ أَبِي نَصْرٍ

صَاحِبِ تِلْكَ "المَشْيَخَةِ" وَقَالَ: "رَوَى عَنْهُ أَبُو العِزِّ بن كَادِشٍ. . ." وَقَالَ: "سَمِعْنَا "مَشْيَخَتَهُ" منْ أَبِي حَفْصٍ القَوَّاسِ". يُرَاجَعُ: تَارِيْخُ بَغْدَادَ (1/ 356)، وَالعِبَرُ (3/ 340)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 84)، وَ"ابنُ حَسْنُوْن" بِفَتْحِ الحَاءِ وَضَمِّهَا، وَ"النَّرْسِيُّ" بِفَتْحِ النُّوْنِ وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، وَكَسْرِ السِّيْنِ المُهْمَلَةِ نِسْبَةً إِلَى "نَرْسٍ" نَهْرٌ بِنَوَاحِي الكُوْفَةِ. الأنساب (12/ 69)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (5/ 323)، واشتُهِرَ بِهَذِهِ النِّسبة أُبِيٌّ النَرْسِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَيْمُوْنَ (ت: 510 هـ) صَاحِبُ "المشيخة" أيضًا، وَوَالِدُهُ: عَلِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ (ت: 488 هـ).

وأَبُو الحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ هَذَا هُوَ جَدُّ أبي يَاسِر بنِ كَادِشٍ المُتَرْجَمِ هُنَا لأُمِّهِ، وَلَا =

ص: 218

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أَدْرِي هَلْ هُوَ جَدُّ أَخِيْهِ أَبي العَزِّ أَيْضًا، وإِنْ كُنْتُ لَا أَظُنُّ ذلِكَ؛ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا؟ فَلعَلَّه مِنْ أُمٍّ أُخْرَى. جَاءَ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" لِلْحَافِظِ السِّلَفِيِّ رحمه الله:" (حَدِيْثٌ وَاحِدٌ عَنِ ابنِ النَّرْسِيِّ) أخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ الله بنِ أَحْمَدَ النَّرْسِيُّ بِقِرَاءَة أَبِي يَاسِرِ بنِ كَادِشٍ في شَهْرِ رَبِيْعٍ الأوَّلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ (أَنَا) جَدِّي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسْنُوْنَ، أَبُو الحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ، (أَنَا) عُبَيْدُ اللهِ بنِ حَبَابَةَ. . ." وَذَكَرَ حَدِيْثًا.

فَهَلْ جَدُّهُ هَذَا كَانَ حَنْبَلِيًّا مِثْلَهُ؟ يَظْهَرُ ذلِكَ، وَلكِن لَسْتُ عَلَى يَقِيْنٍ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَبَيْتُهُ بَيْتُ عِلْمٍ كَبِيْرٍ، مَشْهُوْرٍ بِالرِّوَايَةِ وَالحَدِيْثِ فِي أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (17/ 337) - فِي تَرْجَمَةِ أبي نَصْرٍ وَالِدِ أَبِي الحُسَيْنِ -:"وَفِي ذُرِّيَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايخِ" وَلَمَّا تَرْجَمَ ابنُ نُقْطَةَ لأحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَسْنُوْنٍ قَالَ: "وَهُوَ مُحَدِّثُ ابنُ مُحَدِّثِ ابنِ مُحَدِّثٍ .. ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى الله أَعْتَمد -: ذَكَرَ جُمْلَةً مِنْهُم الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في الأنسَابِ (12/ 69)، وابنُ نُقْطَةَ الحَنْبَلِيُّ في إِكْمَالِ الإِكْمَالِ (2/ 231، 232)، (حَسْنُوْنُ)(5/ 78)، وَالحَافِظُ ابنُ نَاصِرِ الدِّيْنِ في التَّوْضِيْحِ (3/ 73) فَمَا بَعْدَهَا، وَالمُتَتَبِّعُ لأخْبَارِهِم في المَصَادِرِ يَقِفُ عَلَى تَرَاجِمَ كَثِيْرَةٍ غَيْرِ مَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ، أَغْلَبُهُم لَهُم أَخْبَارٌ وآثارٌ جَلِيْلَةٌ، وَخِدْمَةٌ للسُّنَّةِ وَعُلُوْمِهَا، اجْتَمَعَ لَدَيَّ جُذَاذَاتٌ كَثِيْرَةٌ ذَكَرْتُ فِيْهَا جَمَاعَةً مِنْهُم.

(فَائِدَةٌ): كَثِيْرٌ مِنَ المُحَدّثين يَصْعُبُ عَلَى البَاحِثِ تَحْدِيْدَ انْتِمَائِهِم المَذْهَبِيِّ الفِقْهِيِّ؛ لأنَّ أَغْلَبَ المُتَرْجِمِيْنَ لَا يَنُصُّوْنَ عَلَى ذلِكَ، وَكَأَنَّ لِأَهْلِ الحَدِيْثِ مَذْهَبًا مُتَمِيِّزًا يُعْرَفُون بِهِ (مَذْهَبَ أَهْلِ الحَدِيْثِ) الأَصْلُ فيه العَمَلُ بِظَاهِرِ الكِتَابِ وَصَحِيْحِ السُّنَّة، وَسَلَامَةُ الاعْتِقَادِ مِنَ التَّحْرِيْفِ وَالتَّأويلِ، وَالتَّشْبِيْهِ وَالتَّعْطِيْلِ، وَهَذَا هُوَ بِعَينِهِ مَذْهَبُ أَغْلَبِ الحَنَابِلَةِ.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةَ (497 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

43 -

الحُسَيْنِ بنُ عَبْدِ الملكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، أَبُو مُحَمَّدٍ اليُوسُفِيُّ البَغْدَادِيُّ، ابنُ =

ص: 219

البَطِّيِّ، وَطَبَقَتِهِمَا، وَحَدَّثَ بِالْيَسِيْرِ، رَوَى عَنْهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَالسِّلَفِيُّ وَقَالَ عَنْهُ: كَانَ قَارِئَ "بَغْدَادَ" وَالمُسْتَمْلِيَ بِهَا عَلَى الشُّيُوْخِ، ثِقَةً، كَثِيْرَ السَّمَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أُنْسٌ بِالعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ حَنْبَلِيَّ المَذْهَبِ، جَهُوْرِيَّ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الحَدِيْثِ وَالاسْتِمْلَاءِ.

تُوفِّيَ فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ رَابِعَ صَفَرَ سَنَةَ سِتٍّ وتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ".

‌46 - أحمَدُ بن مُحَمَّد

(1)

بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَرَدَانِيُّ، المُسْتَمْلِي،

= الشَّيْخِ الأجَلِّ، سَمِعَ من ابنِ غَيْلَانَ، وَإِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ وَجَمَاعَةٍ. وَحَدَّثَ، رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ السِّلفِيُّ، وابنُ الخَلِّي، وَخَمِيْسٌ، وَجَمَاعَةٌ، وَكَانَ ذَا أَمْوَالٍ وَحِشْمَةٍ. كَذَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ". أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: أَسْنَدَ إِلَيْهِ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ في المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ (الوَرَقَات: 24، 41، 187، 235) وَتُرَاجَعُ: (الوَرَقَاتُ: 99، 118، 154، 208، 221، 252، 340). في المَوْضع الأوَّلِ قَالَ: في المُحَرَّم سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ (كَذَا؟) عَنِ ابنِ غَيْلَانِ، وفي المَوْضِعِ الثَّانِي في شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وتِسْعِينَ عن أَبِي مُحَمَّدٍ الخَلَّالِ، وفي المَوْضِعِ الثَّالِثِ في رَبِيعٍ الآخرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وتِسْعِيْنَ عَنِ ابنِ غَيْلَان أَيْضًا. وفي المَوْضِعِ الرَّابِعِ في رَجَبِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وتِسْعِيْنَ، عَن أَبِي إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ، وكَذَا في المَوضع الخَامس، وَلَعَلَّ المَوْضِعَ الأوَّلَ منَ السَّنَةِ نَفْسِهَا أَيْضًا، وَيَكُوْنُ خَطَأً منَ النَّاسِخِ، سَبْقَ قَلَمِ؛ لِيَتَّفِقَ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في سَنَةِ وَفَاتِهِ. وَأَبُوْهُ عَبْدُ المَلِكِ بن مُحَمَّدٍ "الشَّيْخِ الأجَلُّ" (ت: 460 هـ) تَقَدَّمَ فِي اسْتِدْرَاكِنَا، وبَيْتُهُ بَيْتُ عِلْمٍ، رَفِيْعٌ، كَثيْرُ العُلَمَاءِ، مَرَّ بَعْضُهُم وَسَيَأتِي آخَرُوْنَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

46 - أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِيُّ (426 - 498 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 470)، وَمُخْتَصَرِهِ (405)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ =

ص: 220

أَبُو عَليٍّ الحَافِظُ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ وَالِدِهِ أَبِي الحَسَنِ

(1)

.

وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وأَرْبَعَمائَةَ، وَسَمِع مِنَ العُشَارِيِّ سَنَةِ ثَلاثٍ وَثَلاثِيْنَ. وَهُوَ أَوَّلُ سَمَاعِهِ، وَمِنْ أَبِي القَاسِم الأَزَجِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيِّ، وابَنِ غَيْلَانَ، وَالبَرْمَكِيِّ، وَالخَطِيْبِ، وغَيْرِهِم، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَخَرَّجَ، وَانْتَقَى، وَاسْتَمْلَى، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ في "الطَّبَقَاتِ": سَمِعَ دَرْسَ الوَالِدِ سِنِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ أَحَدَ المُسْتَمْلِيْنَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ المنْصُورِ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: كَانَ أَحَدَ المُتَمَيِّزِيْنَ فِي صَنْعَةِ الحَدِيْثِ.

= أَحْمَدَ (633)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 169)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 32)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 224). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 144)، وَالأَنْسَابُ (2/ 136)، وَسُؤَالاتُ السِّلَفِي للحَوْزِيِّ (72)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (1/ 447)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 396)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ (146)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (205)، وَالعِبَرُ (3/ 350)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1232)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 219)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (271)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 160)، وَالمُسْتَفَادُ (169)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (7/ 322)، وَتَوْضِيْحُ المُشْتَبِهِ (1/ 426)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبِهِ (1/ 137)، وَطَبَقَاتُ الحُفَّاظِ (450)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 408)، (5/ 419). وَلَهُ بِنْتٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ اسْمُهَا رَابِعَةٌ.

(1)

تَقَدَّم ذِكْرُ وَالِدِهِ رقم (10) وَذَكَرْتُ في هَامِشِ تَرْجَمَتِهِ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَى مَعْرِفَتِهِ من أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أُسْرَتِهِ، بِمَا فِي ذلِك أَبْنَاءُ المُتَرْجِمِ وَأَحْفَادُهُ. وَنِسْبَتُهُ سَبَقَتْ في تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ، فليُراجِعْ مَنْ شَاءَ ذَلِكَ هُنَاكَ.

ص: 221

وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتًا، صَالِحًا، لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِالحَدِيْثِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ بَصِيْرًا بِالحَدِيْثِ، مُحَقِّقًا حُجَّةً، سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ، وَحَدَّثَ عَنْهُ عَلِيُّ بنُ طِرَادٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ

(1)

، وَالسِّلَفِيُّ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَحْوَالِ جَمَاعَةٍ فَأَجَابَ وَأَجَادَ

(2)

.

قَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ أَبُو عَلِيٍّ أَحْفَظَ وَأَعْرَفَ مِنْ شُجَاعٍ الذُّهْلِيِّ

(3)

، وَكَانَ ثِقَةً، نَبِيْلًا، لَهُ تَصَانِيْفُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: جَمَعَ مُجَلَّدًا فِي "المَنَامَاتِ النَّبَوِيَّةِ".

قُلْتُ: وَلَهُ "جُزْءٌ في صَلَاةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ".

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "التَّمِيْمِيُّ" وَسَبَقَ التَّنْبِيْهُ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ مِرَارًا.

(2)

جَاءَ في المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ للحَافِظِ السِّلَفِيِّ (ورقة: 155): " (من فَوَائِدِ أَبِي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ الحَافِظِ) سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ البَرَدَانِيِّ الحَافِظَ - وَسَأَلْتُهُ مَتَى تُوُفِّيَ أَبُو الحَسَنِ القَزْوِيْنِيُّ؟ - فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ في سَنةِ سَتِّين وَثَلَاثِمَائَةَ، وَمَاتَ لَيْلَةَ الأحَدِ الخَامِسِ مِنْ شَعْبَانِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَحَضَرَ جَنَازَتَهُ مَائَتَا أَلْفِ نَفْسٍ أَوْ أَزْيَدُ، وَحَكَى لِيْ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتي وَصَلَ فِيْهَا أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ. سَأَلْتُ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ عَنْ مَوْلِدِهِ فَقَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، وَأَوَّلُ سَمَاعِي سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ العُشَارِيِّ".

(3)

في "تَارِيْخِ الإسْلامِ" لِلْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ نَقَلَ عِبَارَةَ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ وَفِيْهَا: "وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتًا، لَهُ مُصَنَّفَاتٌ، وَكَانَا حَنْبَلِيَّيْنِ".

أَقُولُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدْ -: هذَا يُفِيْدُ أنَّ شُجَاعًا الذُّهْلِيَّ كَانَ مِثْلَهُ حَنْبَلِيًّا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ هُنَا (ت شُجَاعٌ سَنَةَ 507 هـ) أَذْكُرْهُ في وَفَيَاتِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ.

قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "وَسَأَلَهُ السِّلَفِيُّ في كُرَّاسٍ عَنْ جَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَالِ فَأَجَابَ جَوَابَ عَارِفٍ مُحَقِّقٍ".

ص: 222

وَنَقَلَ السِّلَفِيُّ عَنْ خَمِيْسٍ الحَوْزِيِّ

(1)

الحَافِظِ قَالَ: كَانَ أَبُو عَلِيِّ بنُ البَرَدَانِيِّ أَحَدَ الحُفَّاظِ الأَئِمَّةِ الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ مَا يَقُوْلُوْنَ

(2)

.

تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الخَمِيْسِ حَادِي عِشْرِيْنَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ". وَفِي "الطَّبَقَاتِ" لأَبِي الحُسَيْنِ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ عَشَيَّةَ الأَرْبِعَاءِ عَاشِرَ شَوَّالٍ.

‌47 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ

(3)

بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، الشِّيْرَازِيُّ الأَصْلِ،

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "الجَوْزِيِّ" وَسَبَقَ التَّنْبِيْهُ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ مِرَارًا.

(2)

(فَائِدَةٌ): وَنَقَلَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ فِي "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" عَنْهُ فَوَائِدَ مِنْهَا في (وَرَقَة: 4) قَالَ: " (مِنْ حَديثِ أبي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ) أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَرَدَانِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِـ "شَارِعِ دَارِ الرَّقِيْقِ" في المُحَرَّم سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةِ (أَنَا) أَبُو طَالِبٍ

بنُ غَيْلَانَ .. ".

وَمِنْهَا في الوَرَقَةِ (84) قَالَ: " (مِنْ حَدِيْثِ أَبِي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ) عَنْ جَمَاعَةٍ كَتَبُوا إِلَيْهِ مِنْ مِصْرَ. . ." ثُمَّ ذَكَرَهُمْ.

وَمِنْهَا فِي الوَرَقَةِ (308) قَالَ: " (مِنْ حَدِيْثِ أَبِي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ) أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أحْمَدَ البَرَادَانِيُّ الحَافِظُ بِبَغْدَادَ - وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ - وَكُنْتُ قَدْ قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَلَّالُ. . ." والمُتَتَبِّعُ للنُّسْخَةِ يَجِدُ فَوَائِدَ أُخْرَى.

(3)

47 - أَبُو مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطُ (401 - 499 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 471)، وَمُخْتَصَرِهِ (406)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (633)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 10)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 344)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 33)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 224). =

ص: 223

البَغْدَاديُّ، الصَّفَّارُ، المُقْرِئُ، الزَّاهِدُ، المَعْرُوْفُ بِـ "أَبي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطِ".

وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِمَائَةَ فِي شَوَّال أَوْ ذِيْ القَعْدَةِ، وقَرأَ القُرآنَ عَلَى أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ عبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَسْرُوْرٍ وَغَيْرِهِ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ في كِبَرِهِ مِنْ أَبِي القَاسِم بنِ بِشْرَانَ، وَأَبِي مَنْصُوْرِ بنِ السَّوَّاقِ، وأَبِي طَاهِرٍ عَبْدِ الغفَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبِ، وَالحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَلَّالِ، وَأَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَتَفَقَّه عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَصَنَّفَ كِتَابَ "المُهَذَّبِ فِي القِرَاءَاتِ" وَرَوَى الحَدِيْثَ الكَثِيْرَ. وَرَوَى عَنْهُ سِبْطُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ المُقْرِئُ، وَأَخُوهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَابنُ نَاصِرٍ، وَالسِّلفِيُّ،

= وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 146)، وَالتَّقْيِيْدُ (1/ 38)، وَالكَامِلُ لابنِ الأَثِيْرِ (10/ 415)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (303)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 222)، وَدُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 28)، وَالعِبَرُ (3/ 353)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنِ (147)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (205)، وَمَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 457)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 161)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 166)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (2/ 74)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 406)، (5/ 416).

يُلَاحَظُ تَدَاخُلُ تَرْجَمَةِ المَذْكُوْرِ بتَرْجَمَةِ (عُمَرُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عُمَرَ، أَبُو الفَوَارِسِ البَغْدَادِيُّ) فِي "المُنتَظَمِ" وَ"مِرْآةِ الزَّمَانِ" وَقَد نَبَّهَ عَلَى ذلِك الدُّكتُور عُمرُ عَبْد السَّلام تَدْمُرِيُّ في هَامِشِ تَرْجَمَةِ المَذْكُوْرِ فِي "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" فَرَاجِعْهُ هُنَاك إنْ شئتَ.

- وَاشْتُهِرَ بالعِلْمِ سِبْطُهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ (ت: 541 هـ) وَهُوَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ بالقِرَاءَاتِ كَجَدِّهِ أيضًا. ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

- كَمَا اشْتُهِرَ بالعِلْمِ أَيْضًا: سِبْطُهُ الآخَرُ (أَخُو سَابِقِهِ) الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ (ت: 537 هـ) وَهُوَ الأَكْبَرُ، وَالأَوَّلُ الأَشْهَرُ، وَكَانَ خَيَّاطًا كَجَدِّهِ، وَكَانَ مِثْلهُ عَالِمًا بِالقِرَاءَاتِ أَيْضًا، لَمْ يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ، نَسْتَدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

ص: 224

وَسَعَدُ اللهِ بنُ الدَّجَاجِيِّ، وَأَبُو الفَضْلِ خَطِيْبُ "المَوْصِلِ" وَغَيْرُهُمْ.

وَكَانَ إِمَامًا بِمَسْجِدِ ابنِ جَرْدَةَ

(1)

بِـ "بَغْدَادَ"، بِـ "حَرِيْمِ دَارِ الخَلَافَةِ"، اعْتَكَفَ فِيْهِ مُدَّةً طَوِيْلَةً، يُعَلِّمُ العُمْيَانَ القُرْآنَ، لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى، وَيَسْأَلُ لَهُم، ويُنْفَقُ عَلَيْهِم، فَخَتَمَ عَلَيْهِ القُرْآنَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، حَتَّى بَلَغَ عَدَدُ مَنْ أَقْرَأَهُمْ القُرْآنَ مِنَ العُمْيَانِ سَبْعِيْنَ أَلْفًا. قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: هكَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّ أَبِي نَصْرٍ اليُوْنَارْتِيِّ الحَافِظِ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذا مُسْتَحِيْلٌ، وَأَنَّهُ مِنْ سَبْقِ القَلَمِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ: سَبْعِيْنَ نَفْسًا. وَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ؛ فَإِنَّ أَبَا مَنْصُوْرٍ قَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ إِقْرَاءُ الخَلْقِ الكَثيْرِ فِي السِّنِيْنَ الطَّوِيْلَةَ. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: أَقْرَأَ بِضْعًا وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَلَقَّنَ أُمَمًا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ أَبُوْ نَصْرٍ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُوْرٌ عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ، فَيَكُوْنُ جَمِيْعُ مَنْ خَتَمَ عَلَيْهِ القُرْآنَ سَبْعِيْنَ نَفْسًا! وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، وَنَحْنُ نَرَى آحَادَ المُقْرِئِيْنَ يَخْتُمُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِيْنَ نَفْسًا، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُوْرٍ يُقْرِئُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَبِأَصْحَابِهِ هَذِهِ المُدَدَ الطَّوِيْلَةَ، فَاجْتَمَعَ فِيْهَا إِقْرَاءُ هَذَا العَدَدِ الكَثيْرِ

(2)

.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ أَبُو مَنْصُوْرٍ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِيْنَ الزَّاهِدِيْنَ

(1)

تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَابْنُ جَرْدَةَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ (ت: 476 هـ) حَنْبَلِيٌّ اسْتَدْرَكْتُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(2)

هَذَا صَحِيْحٌ لَوْ كَانَتِ العِبَارَةُ: "من الصِّبْيَان" أَمَّا مِنَ "العُمْيَانِ" فَمُسْتَحِيْلٌ أَنْ يَكُوْنَ فِي "بَغْدَادَ" في زَمَنِهِ فَقَط سَبْعِيْنَ أَلْفَ أَعْمَى كُلُّهُم حَفَظَ القُرْآن عَلَى يَدَيْهِ، فَكَمْ فِيْهَا مِن أَعْمًى غَيْرَ هَؤُلَاءِ إِذًا؟! وَفِي الأُصُوْلِ كُلِّهَا:"العُمْيَان" وَلَعَلَّ صِحَّتَهَا: "الصِّبْيَان"؛ لِتَصِحَّ عِبَارَةُ الحَافِظِ ابنِ رَجَبٍ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

ص: 225

المُتَعَبِّدِيْنَ، كَانَ لَهُ وِرْدٌ بَيْنَ العِشَاءَيْنِ، يَقْرَأُ فِيْهِ سُبْعًا مِنَ القُرْآنِ قَائِمًا وَقَاعِدًا، حَتَّى طَعَنَ فِي السِّنِّ.

وَقَالَ ابنُ نَاصِرٍ عَنْهُ: كَانَ شَيْخًا صَالِحًا، زَاهِدًا، صَائِمًا أَكْثَرَ وَقْتِهِ، ذَا كَرَامَاتٍ ظَهَرَتْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: كَانَ الوَالِدُ السَّعِيْدُ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ بِـ "نَهْرِ المُعَلَّى" يَقْصِدُ الجُلُوْسُ لِلْحُكْمِ بِمَسْجِدِهِ، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ.

قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أَبو مَنْصُوْرٍ فِي يَوْمِ الأَرْبِعَاءِ، وَقْتَ الظُّهْرِ، السَّادِسَ عَشَرَ مِنَ المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةِ. وَصَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَ الخَمِيْسِ فِي جَامِعِ القَصْرِ ابنُ ابْنَتِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ، وَكَانَ الجَمْعُ كَثِيْرًا جِدًّا، وَعُبِرَ بِهِ إِلَى جَامِعَ المَنْصُورِ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَحَضَرْتُ ذلِكَ، وَكَانَ الجَمْعُ وَافِرًا عَظِيْمًا، وَكَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ في دَاخِلِ المَقْصُوْرَةِ عِنْدَ القِبْلَةِ. وَمَضَيْتُ مَعَهُ إِلَى "بَابِ حَرْبٍ"، وَدُفِنَ فِي الدَّكَّةِ بَجَنْبِ الشَّيْخِ أَبِي الوَفَاءِ بنِ القَوَّاسِ

(1)

.

وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: مَاتَ وَسِنُّهُ سَبْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، مُمَتَّعًا بسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَعَقْلِهِ، وَحَضَرَ جَنَازَتَهُ مَالَا يُحَدُّ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى إِنَّ الأَشْيَاخَ بِـ "بَغْدَادَ" كَانُوا يَقُوْلُونَ: مَا رَأَيْنَا جَمْعًا قَطُّ هكَذَا، لَا جَمْعَ ابنِ القَزْوِيْنِيِّ، وَلَا جَمْعَ ابنِ الفَرَّاءِ، وَلَا جَمْعَ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهَذِهِ الجُمُوعُ الَّتي

(1)

في (ط) الفقي: "ابن قواس" بدُوْنِ ألِفٍ وَلَامٍ، وَأَبُو الوَفَاءِ ابنُ القَوَّاسِ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ (ت: 476 هـ) تَرْجَمَ لَهُ المُؤَلِّفُ فِيْمَا سَبَقَ رقم (19) ص (84).

ص: 226

تَنَاهَتْ إِلَيْهَا الكَثْرَةُ، وَشُغِلَ النَّاسُ ذَلِكَ اليَوْمِ وَفِيْمَا بعْدَهُ عَنِ المَعَاشِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنْ نُقَّادِ البَاعَةِ فِي ذَلِكَ الأُسْبُوْعِ عَلَى تَحْصِيْلِ نَقْدِهِ. وَقَالَ أَبُو مَنْصُوْرِ بنُ خَيْرُوْنَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ يَوْمَ صُلِّيَ عَلَى أَبي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطِ مِنْ كَثْرَةِ الخَلْقِ وَالتَّبَرُّكِ بِالْجَنَازَةِ. وَقَالَ السِّلَفِيُّ

(1)

: ذَكَرَ لِي المُؤْتَمَنُ فِي ثَانِي جُمْعَةٍ مِنْ وَفَاةِ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُوْرٍ: أَنَّ اليَوْمَ خَتَمُوا عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ مَائَتَيْ وَإِحْدَى وَعِشْرِيْنَ خَتْمَةً. قَالَ السِّلَفِيُّ: وَقَالَ لِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ الأَيْسَرِ العُكْبَرِيُّ

(2)

- وكَانَ رَجَلًا صَالِحًا: حَضَرتُ جَنَازَةَ الشَّيْخِ الأَجَلِّ أَبِي مَنْصُورٍ بنِ يُوْسُفَ، [وَأَبِي تَمَّامِ بنِ أَبِي مُوْسَى القَاضِي]

(3)

. فَلَمْ أَرَ قَطُّ خَلْقًا أَكْثَرَ مِمَّنْ حَضَرَ جَنَازَةَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُوْرٍ، قَالَ: وَاسْتَقبَلَنَا يَهُوْدِيٌّ فَرَأَى كَثْرَةَ

(1)

ذَكَرَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ ابنَ الخَيَّاطِ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ"(وَرَقَة: 23، 177، 179)، وَرُبَّمَا في غَيْرِهَا أيْضًا. قَالَ في المَوْضِعِ الأَوَّلِ:"أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإمَامُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، المُقْرِئُ، المَعْرُوْفُ بـ "الخَيَّاطِ" بِقِرَاءَتي عَلَيْهِ في صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ (أَنَا) أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ مُحَمَّدِ بن جَعَفْرِ بنِ زَيْدٍ المُؤَدِّبُ. . ." وَذَكَرَ حَدِيْثًا. وَفِي المَوْضِعِ الثَّانِي قَالَ: "سَمِعْتُ الشَّيْخَ الإمَامَ أَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الخَيَّاطَ، الزَّاهِدَ، الحَنْبَلِيَّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ في جَامِعَ القَصْرِ في الجَانِبِ الشَّرقيِّ بَعْدَ صَلَاةِ الجُمُعَةِ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةٍ يَقُوْلُ. . ." وَفِي المَوْضِعِ الثَّالِثِ قَالَ: "أَخْبَرَنَا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُوْرٍ. . .".

(2)

تَرْجَمَ لَهُ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ في ذَيْلِ تَارِيْخ بَغْدَادَ (4/ 145)، اقْتَصَرَ فِيْهَا عَلَى قَوْلِهِ:"عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَيْسَرِ، أَبُو الحَسَنِ العُكْبَرِيُّ. ذَكَرَهُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّلَفِيُّ في "مُعْجَمِ شُيُوْخِهِ" وَرَوَى عَنْهُ حِكَايَةً، ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْهُ بِبَغْدَادَ".

(3)

في (د)"وَلَا جَمْعَ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ".

ص: 227

الزِّحَامِ وَالْخَلْقِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الدِّيْنَ هُوَ الحَقُّ، وَأَسْلَمَ.

وَذكَرَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ بنَ المُبَارَكِ بنِ سَهْلَانَ، سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ خِسْرُو البَلْخِيَّ، قَالَ: رُئِيَ الشَّيْخُ أَبَوْ مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطُ فِي النَّوْمِ فَقِيْلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِتَعْلِيْمِيَ الصِّبْيَانَ

(1)

فَاتِحَةَ الكِتَابِ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ حَسَنٍ المِزِّيِّ

(2)

أَخْبَرَكُمْ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَرَّاءُ (أَثَنَا) الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُظَفَّرِ بنِ أَبِي نَصْرٍ البَوَّابِ، وَابْنِهِ أَبي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُظفَّرِ بِـ "بَغْدَادَ"، قُلْتُ لَهُمَا: حَدَّثَكُمَا الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ الفُقَهَاءَ فِي النِّظَامِيَّةِ يَقُوْلُوْنَ فِي القُرْآنِ مَعْنَى قَائِمٌ بِالذَّاتِ، وَالْحُرُوْفُ وَالأَصْوَاتُ عِبَارَاتٌ وَدِلَالَاتٌ عَلَى الكَلَامِ القَدِيْمِ القَائِمِ بِالذَّاتِ، فَحَصَلَ فِي قَلْبِي شَيْءٌ مِن ذلِكَ حَتَّى صرْتُ أَقُوْلُ بِقَوْلِهِمِ مُوَافَقَةً، وَكُنْتُ إِذَا صَلَيَّتُ أَدْعُو اللهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لأَحَبِّ المَذَاهِبِ وَالاعْتِقَادَاتِ إِلَيْهِ، وَبَقِيْتُ عَلَى ذلِكَ مُدَّةً طَوِيْلةً أَقُوْلُ: اللَّهُمَّ وَفِّقْنِي لأَحَبِّ المَذَاهِبِ إِلَيْكَ وَأَقْرَبِهَا عِنْدَكَ، فَلَمَّا كَانَ فيِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وأَرْبَعِمَائَةَ رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنِّي قَدْ جِئْتُ إِلَى مَسْجِدِ الشَّيْخِ أَبي مَنْصُوْرٍ

(1)

هَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ العِبَارَةَ السَّابِقَةَ "الصِّبْيَان" لا "العُمْيَان".

(2)

لَعَلَّهُ شَيْخُهُ عُمَرُ بنُ حَسَنِ بنِ أُمَيْلَةَ المَرَاغِيُّ، وَشَيْخُهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَرَّاءُ حَنْبَلِيٌّ مَشْهُوْرٌ (ت: 700 هـ) لَمْ يَذْكُرُهُ الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ سَيَأتِي في اسْتِدراكِنَا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَهُوَ دِمَشْقِيٌّ، مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ.

ص: 228

الخَيَّاطِ، وَالنَّاسُ عَلَى البَابِ مُجْتَمِعُونَ، وَهُمْ يَقُوْلُوْنَ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُوْرٍ، فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ، وَقَصَدْتُ إِلَى الزَّاوِيَةِ الَّتي كَانَ يَجْلِسُ فِيْهَا الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُوْرٍ، فَرَأَيْتُهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ زَاوِيَتِهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ شَخْصٍ، فَمَا رَأَيْتُ شَخْصًا أَحْسَنَ مِنْهُ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذي وُصِفَ لَنَا، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مَا رَأَيْتُ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْهَا، وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ بَيْضَاءُ، وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُقْبِلٌ عَلَيْه بِوَجْهِهِ، فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، وَلَمْ أَتَحَقَّقْ مِنَ الرَّادُّ عَلَيَّ؛ لِدَهْشَتِي بِرُؤْيَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَجَلَسْتُ بَيْنَ أَيْدِيْهِمَا، فَالتَفَتَ إِلَيَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ أَسْتَفْتِحَهُ بِكَلَامٍ أَصْلًا، وَقَالَ ليْ: عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخِ، عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخِ، عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخِ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ: وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللهِ ثَلَاثًا، وَأَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ قَالَ لِي ذلِكَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثًا، وَيُشِيْرُ في كُلِّ مَرَّةٍ بِيَدِهِ اليُمْنَى إِلَى الشَّيْخِ أَبي مَنْصُوْرٍ، قَالَ: فَانْتَبَهْتُ وَأَعْضَائِي تَرْعُدُ، فَنَادَيْتُ وَالِدَتِي رَابِعَةَ

(1)

بِنْتَ الشَّيْخِ أَبِي حَكِيْمٍ الخَبْرِيِّ، وَحَكَيْتُ لَهَا مَا رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَذَا مَنَامُ وَحْيٍ، فَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ بَكَّرْتُ إِلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ

(1)

رَابِعَةُ بِنْتُ أَبِي حَكِيْمٍ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، سَيَأْتِي ذِكْرُهَا في تَرْجَمَةِ ابْنِهَا الحَافِظُ مُحَمَّد بنِ نَاصِرٍ المَذْكُوْرُ هُنَا (ت: 550 هـ)، وأُخْتُهَا فَاطِمَةُ لَهَا ذِكْرٌ وَأَخْبَارٌ وَرِوَايَةٌ. وَالخَبْرِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى (خَبْرَةً). مُعْجَمُ البُلْدَانِ (3/ 394)، وَفِي الأَنْسَابِ (5/ 39): بِفَتْحِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ، وَسُكُوْنِ البَاءِ المُنْقُوْطَةِ بِنُقْطَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي آخِرِهَا الرَّاءُ المُهْمَلَةُ.

ص: 229

الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُوْرٍ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ قَصَصْتُ عَلَيْهِ المَنَامَ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَخَشَعَ قَلْبُهُ، وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ حَسَنٌ، فَتَكُوْنُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الفُرُوْعِ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ الحَدِيْثِ فِي الأُصُوْلِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْ سَيِّدِيْ، مَا أُرِيْدُ أَكُونُ لَوْنَيْنِ، وَأَنَا أُشْهِدُ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَائَهُ، وَأُشْهِدُكَ عَلَى أَنِّي مُنْذُ اليَوْمِ لَا أَعْتَقِدُ، وَلَا أَدِيْنُ للهَ وَلَا أَعْتَمِدُ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، فَقَبَّلَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصوْرٍ رَأْسِي، وَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ، فَقَبَّلْتُ يَدَهُ، وَقَالَ لِيَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُوْرٍ: أَنَا كُنْتُ فِي ابْتِدَائِي شَافِعِيًّا، وَكُنْتُ أَتَفَقَّهُ عَلَى الْقَاضِي الإِمَامِ أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ

(1)

، وَأَسْمَعُ الخِلَافَ

(1)

أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ القَزْوِينِيُّ (ت: 442 هـ)، قَالَ الحَافِظُ الخَطِيْبُ:"كَتَبْنَا عَنْهُ، وَكَانَ أَحَدَ الزُّهَّادِ، وَمِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، يُقْرِئُ القُرآنَ، وَيَرْوِيْ الحَدِيْثَ، وَلَا يَخْرُجُ من بَيْتِهِ إلَّا لِلصَّلَاةِ" شَافِعِيَّ المَذْهَبِ، ألَّفَ هِبَةُ اللهِ بنُ المُجَلِّي فِي مَنَاقِبِهِ كِتَابًا. أَخْبَارُهُ في: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (12/ 43)، وَالأَنْسَابِ (10/ 138)، وَالمُنْتَظَمِ (8/ 146)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبُلاءِ (17/ 609)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 268).

وَيَجُوْز أَنْ يُسْتَدْرَكَ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله:

- خَلِيْلُ بنُ غَلْبُون بنِ رَجَاءِ بنِ عُمَرَ الدَّيْلُوْسِيُّ، أَبُو غَلْبُوْنَ، ذكَرَهُ العُلَيْمِيُّ في المَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 29)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (2/ 223) وَقَالَ:"الشَّيْخُ الصَّالِحُ. . ." وَلَيْسَ في التَّرْجَمَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى حَنْبَلِيَّتِهِ؟! وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الطَّبْقَةِ؟! قَالَ: "رَوَى عَنْ مَكِّيِّ بنِ عَبْدِ السَّلَامِ الرُّمَيْلِيِّ كِتَابِ "فَضَائِل بَيْتِ المَقْدِسِ" للمُشَرَّفِ؟! كَذَا. وَقُرِئَ عَلَيْهِ بِمَسْجِدِ السِّقَايَةِ بِـ "مِصْرَ"، وَوَفَاةُ مَكِّي سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةٍ". وَأَظُنُّ اللَّفْظَةُ هكَذَا "المُشَرَّفَ" لِتكُونَ صِفَةً لِـ "بَيْتِ =

ص: 230

عَلَيْهِ، فَحَضَرْتُ يَوْمًا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ القَزْوِيْنِيِّ الزَّاهِدِ الصَّالِحِ؛ لِأَقْرَأَ عَلَيْهِ القُرآنَ، فَابْتَدَتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ القُرْآنَ، فَقَطَعَ عَلَيَّ القِرَاءَةَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْن، ثُمَّ قَالَ: قَالُوا وَقُلْنَا، وَقُلْنَا وَقَالُوا، فَلَا نَحْنُ نَرْجِعُ إِلَيْهِم، وَلَا هُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى قَوْلِنَا، وَرَجَعْنَا إِلَى عَادَتِنَا، فَأَيُّ فَائِدةٍ في هَذَا؟ ثُمَّ كَرَّرَ عَلَيَّ هَذَا الكَلَامَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ مَا عَنَى الشَّيْخُ بِهَذَا أَحَدًا غَيْرِي، فَتَرَكْتُ الاشْتِغَالَ بِالخِلَافِ، وَقَرَأَتُ "مُخْتَصَرَ أَبي القَاسِمِ الخِرَقِيِّ" عَلَى رَجُلٍ كَانَ يُقْرِئُ القُرْآنَ، قَالَ الحَافِظُ: وَرَأَيْتُ بَعْدَ ذلِكَ مَا زَادَانِي يَقِيْنًا، وَعَلِمْتُ أَنَّ ذلِكَ تَثْبِيْتٌ مِنَ اللهِ، وَتَعْلِيْمٌ لأَعْرِفَ حَقَّ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيَّ وَأَشْكُرَهُ، وَاللهُ المَسْئُوْلُ الخَاتِمَةَ بِالمُوْتِ عَلَى الإِسْلَامِ وَالسُّنَّةَ. آمِيْنَ.

‌48 - جَعْفَرُ بن أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ

(1)

بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ

= المَقْدِسِ"؛ لأنَّ الكِتَابَ مِنْ تَأْلِيْفِ مَكِّيٍّ نَفْسه. وَالعِبَارَةُ مُشْكِلَةٌ.

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: يَجُوْزُ أَنْ يَعِيْشَ خَلِيْلُ بَعْدَ مَكِّيٍّ دَهْرًا طَوِيْلًا؟! وَإِنَّمَا قُلْتُ: "يَجُوْزُ. . ." لأَنَّهُ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَكُوْنَ العُلَيْمِيُّ رحمه الله وَجَدَ فِي طَبَقَةِ السَّمَاعِ: خَلِيْلَ بنَ غَلْبُوْنَ

الحَنْبَلِيِّ مثلًا، وَيَكُوْنَ تُوُفِّيَ كَهْلًا فَيَكُوْنَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ.

(1)

48 - جَعْفَرُ السَرَّاجُ (417 - 500 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُهُ في: مَخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 11)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 295)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 35)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 225). وَيُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (7/ 417)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 151)، وَمُعْجَمُ الأُدَبَاءِ

ص: 231

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (7/ 153)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 439)، وَتَارِيْخُ دِمَشْقَ (40/ 358)"نُسْخَةُ التَّيْمُوْرِيَّةِ"، وَمُخْتَصَرُهُ لابنِ مَنْظُوْرٍ (6/ 52)، وَوَفَيَاتُ الأَعْيَانِ (1/ 357)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (2/ 471)(ط) جَامِعَةُ أُمِّ القُرَى، وَالعِبَرُ (3/ 355)، وَدُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 29)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 228)، وَتَارِيْخُ الإِسْلَامِ (315)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنِ (147)، وَالإِعْلَامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (206)، وَالمُسْتَفَادُ مِنْ ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (93)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 162)(ذَكَرَهُ مَرَّتَيْنِ)، وَطَبَقَاتُ الشَّافِعِيَّةِ للإِسْنَوِي (2/ 45)(لأَنَّه نَظَمَ "التَّنْبِيْهِ")، لأَبي إِسْحَقِ الشَّيْرَازِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ كُتُبِ المَذْهَبِ عِنْدَهُمْ؛ لِذَا اقْتَصَرَ فِي ذِكْرِ مُؤَلَّفَاتِهِ عَلَيْه؟! وَلَمْ يَذْكُرْ صَدِيْقُنَا المُحَقِّق الدُّكتور عَبْدُ اللهِ الجُبُوِرِي في تَخْرِيْج تَرْجَمَتِهِ كُتُبَ طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ وَبِخَاصَّةٍ كِتَابُنَا هَذَا "الذَّيْل عَلَى الطَّبَقَاتِ" وَهُوَ مِنْ أَوْسَعِ مَنْ تَرجَمَ لَهُ! وَمِنْ مَصَادِرِ تَرْجَمَتِهِ: الوَافِي بِالوَفَيَاتِ (11/ 92)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 168)، وفيه:"جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّد بنِ الحُسَيْنِ"، والنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 194)، وَبُغْيَةُ الوُعَاة (1/ 485)، وَمِفْتَاحُ السَّعَادَةِ (1/ 175)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (3/ 411)(5/ 425).

وَلَهُ ابْنَانِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مُسْتَدْرَكَانِ عَلَى المُؤلِّفِ رحمه الله:

- أحَدُهُمَا: ثَعْلَبُ بنُ جَعْفَرٍ (ت: 524 هـ).

44 -

والآخَرُ: غَالِبُ بنُ جَعْفَرٍ (ت؟).

نَذْكُرُ الأَوَّلَ في مَوْضِعِهِ مِنَ الاسْتِدْرَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَم أَعْثُرْ حَتَّى الآنَ عَلَى أَخْبَارِهِ، وَلَا تَاريخ وَفَاتِهِ. ذَكَرَهُ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" (ورقة: 244) قَالَ: "أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الرِّضا غَالِبُ بنُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ السَّرَّاجِ بِقَراءَتِي عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، في شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْن. . .". وَذَكَرَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ فِي التَّكْمِلَةِ لِوَفَيَاتِ النَّقَلَةِ (1/ 127) =

ص: 232

جَعْفَرٍ السَّرَّاجُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، الأَدِيْبُ، أَبُو مُحَمَّدٍ.

وُلِدَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، فِي آخِرِهَا أَوْ فِيْ أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ، ذَكَرهُ السِّلَفِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ. وَقَرَأ القُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ، وَأَقْرَأَ سِنِيْنَ، وَسَمِعَ أَبَا عَلِيِّ بنَ شَاذَانَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلَّالَ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ شَاهِيْنَ، وَالْبَرْمَكِيَّ وَالقَزْوِيْنيَّ، وَخَلَقًا كَثيْرًا. وَسَافَرَ إِلَى "مَكَّةَ" وَسَمِعَ بِهَا

(1)

، وَدَخَل "الشَّامَ" وَسَمِعَ بِـ "دِمَشْقَ" مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الكِنَانيِّ، وَالخَطِيْبِ

(2)

وَغَيْرِهِمَا، وَسَمِعَ بِـ "طَرَابُلُسَ"، وَتَوَجَّهَ إِلَى الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، فَسَمِعَ بِهَا مِنْ أَبِي إِسْحَقَ الحَبَّالِ وَأَبي مُحَمَّدِ بنِ الضَّرَّابِ

(3)

، وخَرَّجَ

= حَفِيْدَهُ غَالِبُ بنُ ثَعْلَبِ بنِ جَعْفَرٍ (ت: 585 هـ) نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الاسْتِدْرَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ هُوَ ابْنُهُ المُتَقَدِّمُ؛ لأَنَّ الحَافِظَ المُنْذِرِيَّ ذَكَرَ مَوْلِدَهُ - تَقْدِيْرًا - سَنَة تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعَمَائَةَ.

(1)

لَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ عَمَّن سَمِعَ بـ "مَكَّةَ" وَذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ بِهَا مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ الأَرْدَسْتَانِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ عُبَيْدِ اللهِ السِّجْزِيِّ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ هَذَا الأَخِيْرِ مُسَلْسَلَ الأَوَّليَّةِ. وَفِي "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" لِلْحَافِظِ السِّلَفِيِّ (ورقة: 31) قَالَ: " (حَدِيْثٌ مُسَلْسَلٌ بالأَوَّلِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابنِ السَّرَّاجِ) أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ السَرَّاج، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ

وَذَكَرَ حَدِيْثَ "الرَّاحِمُوْنَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ" بسَنَدِهِ إِلَى سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ بسَنَدِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَدِيْثٌ مَشْهُوْرٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ.

(2)

في (ب): "الكِنَانِيّ الخَطِيْب" وَيُصَحِّحُهُ قَوْلُهُ: "وَغَيْرِهِمَا".

(3)

سَاقطٌ من (أ) وَفِي "تَارِيْخِ الإِسْلامِ": "عَبْدُ العَزِيْزِ الضَّرَّابِ" وَذَكَرَ جُمْلَةً منْ شُيُوْخِهِ مِمَّن لَمْ يَذْكُرْهُمُ المُؤَلِّفُ هُنَا.

ص: 233

لَهُ الخَطِيْبُ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ مَعْرُوْفَةٍ، تُسَمَّى "السِّرَاجِيَّاتِ"

(1)

. وَكَانَ أَدِيْبًا، شَاعِرًا، لَطِيْفًا، صَدُوْقًا، ثِقَةً، وَصَنَّفَ كُتُبًا حِسَانًا، مِنْها كِتَابُ "مَصَارعِ العُشَّاقِ"

(2)

، وَكِتَابُ "حُكْمِ الصِّبْيَانِ" وَكِتَابُ "مَنَاقِبِ السُّوْدَانِ" وَشِعْرُهُ مَطْبُوْعٌ، وَقَدْ نَظَمَ كُتُبًا كَثِيْرةً شِعْرًا، فَنَظَمَ كِتَابَ "المُبْتَدَأ"

(3)

وَكِتَابَ "مَنَاسِكَ الحَجِّ" وَكِتَابَ

(1)

قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "وَخَرَّجَ لَهُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ مَشْهُوْرَةً مَرْوِيَّةً.

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: تُعْرَفُ أَيْضًا عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِـ "فَوَائِدِ جَعْفَرٍ السَّرَّاجِ" رَأَيْتُهُ في مَجَامِيْعِ المَكْتَبَةِ الظَّاهِرِيَّةِ بِدِمَشْقَ بِعُنْوَان "مُنْتَخَبُ الفَوَائِدِ الصَّحَاحِ العَوَالِي" أَوْ "الفَوَائِدِ المُنْتَخَبةِ الصَّحَاحِ العَوَالِي" أَوْ "الفَوَائِدِ المُنْتَخَبةِ العَوَالِيْ" وَهِيَ نُسَخٌ عِدَّةٌ مِنْ أُصُوْلٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَلَيْهِا سَمَاعَاتٌ كَثيْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ رحمهم الله وَهِيَ من بَقَايَا المَكْتَبَةِ العُمَرِيَّة تَنْقُصُ النُّسَخُ الَّتِي اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا بِمَجْمُوْعِهَا عَن أَصْلِ الكِتَابِ الَّذِي هُوَ في خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ حَدِيْثِيَّةٍ فَلَعَلَّ فِي المَكْتَبَةِ المَذْكُوْرَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا نُسَخًا أُخْرَى تُكْمِلُهُ، وَلَعَلَّ أَحَدَ المُهْتَمِّيْن بِالحَدِيْثِ وَأَهْلِهِ يُوَجِّهُ عِنَايَتَهُ بِهَذَا الأَثَر، فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ طُبِعَ، وَقَدْ رَأَيْتُ كَثِيْرًا مِنْ أَصْحَابِ "الأَثْبَاتِ" وَ"المَشْيَخَاتِ" يَرْوُوْنَهُ بِالسَّنَدِ إِلَى مُؤَلِّفِهِ رحمه الله عَنْ طَرِيْقِ شُهْدَةَ بِنْتِ أَحْمَدَ الإِبَرِيَّ، عَنِ ابنِ السَّرَّاجِ.

(2)

رَوَاهُ العُلَمَاءُ عَنْهُ بالسَّنَدِ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَطْبُوْعٌ عِدَّةِ طَبَعَاتٍ، وَقَدْ سَارَ عَلَى مِنْوَالِهِ كَثِيْرٌ مِنَ الأُدَبَاءِ، وَمِنْ أَوْسَعِ مَا رَأَيْتُ كِتَابَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُمَرَ بنِ حَسَنٍ البِقَاعِيِّ (ت: 885 هـ) وَقَد ضَمَّنَهُ كِتَابَ ابنِ السَّرَّاجِ وَزَادَ عَلَيْهِ زِيَادَاتٌ كَثِيْرَةٌ جِدًّا فَجَاءَ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ، وَقَدْ كَتَبَ ابنُ السَّرَّاجِ عَلَى كِتَابِهِ:

هَذَا كِتَابُ مَصَارِعِ العُشَّاقِ

صَرَعَتْهُمُ أَيْدِي نَوًى وَفِرَاقِ

تَصْنِيْفُ مَنْ لَدَغَ الفِرَاقُ فُؤَادَهُ

وَتَطَلَّبَ الرَّاقِي فَعَزَّ الرَّاقِي

(3)

كِتَابُ "المُبْتَدَأ" لِوَهْبِ بنِ مُنَبَّهٍ نَصَّ عَلَى ذلِكَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِهِ" عَنِ الحَافِظِ ابنِ نَاصِرِ السَّلَامِيِّ البَغْدَادِيِّ الحَنْبَلِيِّ، وَهُوَ مِنْ تَلَامِيْذِ السَّرَّاجِ.

ص: 234

"الخِرَقِيِّ" وَكِتَابَ "التَّنْبِيْهِ"

(1)

وَغَيْرَهَا، ذَكَرَ ذلِكَ ابنُ الجَوْزِيِّ

(2)

وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَنْهُ أَشْيَاخُنَا، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَنَا عَنْهُ شُهْدَةُ بِنْتُ الإِبَرِيِّ، قَالَ: وَقَرَأْتُ عَلَيْهَا كِتَابَهُ المُسَمَّى بـ "مَصَارِعِ العُشَّاقِ" بِسَمَاعِهَا مِنْهُ، قَالَ: وَمِنْ أَشْعَارِهِ

(3)

:

بَانَ الخَلَيْطُ فَأَدْمُعِي

وَجْدًا عَلَيْهِمْ تَسْتَهِلُّ

وَحَدَا بِهِمْ حَادِيْ الفِرَا

قِ عَنِ المَنَازِلِ فَاستَقَلُّوا

قُلْ لِلَّذِينَ تَرَحَلُّوا

عَنْ نَاظِرِيْ وَالْقَلْبَ حَلُّوا

وَدَمِي بِلَا جُرْمٍ أَتَيْـ

ــتُ غَدَاةَ بَيْنِهِمُ اسْتَحَلُّوا

مَا ضَرَّهُمْ لَوْ أَنْهَلُو

مِنْ مَاءِ وَصْلِهِمُ وَعَلُّوا

قَالَ: وَأَنْبَأَنَا أَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ

(4)

، أَنْشَدْنَا جَعْفَرُ السَّرَّاجُ

(1)

قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي "السِّيَرِ": "قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ: وَنَظَمَ كِتَابَ "التَّنْبِيْهِ" لأَبِيْ إِسْحَقَ، وَنَظَمَ مَنْسَكًا".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: كُنْتُ قَبْلَ وُقُوْفِي علَى هَذَا النَّصِّ أَظُنُّ أَنَّهُ كِتَابُ "التَّنْبِيْهِ" لأبِي بَكْرٍ عَبْدِ العَزِيْزِ "غُلَام الخَلَّالِ" وَهُوَ حَنْبَلِيٌّ؛ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ نَظَمَ "مُخْتَصَر الخِرَقِيِّ"، وَإِذْ ثَبَتَ أَنَّهُ كِتَابُ أَبِي إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيِّ (ت: 472 هـ) - وَهُوَ فِي دَرَجَةِ شُيُوْخِهِ - إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُم - فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ أَقْدَمِ المُهْتَمِّيْنَ بِالكِتَابِ المَذْكُوْرِ، فَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ أَنَّ أَوَّلَ شَرْحٍ لِـ "التَّنْبِيْهِ" هُوَ شَرْحُ مُحَمَّدِ بنِ المُبَارَك بنِ الخِلِّ (ت: 552 هـ) وَهُوَ بَعْدَ ابنِ السَّرَّاجِ بأَكثَرَ مِنْ خَمْسِيْنَ عَامًا، وَهُوَ يَدُلُّ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى عَلَى بُعْدِهِ عَنِ التَّعَصُّبِ المَذْهَبِيِّ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

(2)

يُرَاجَعُ: مَشْيَخَةُ ابنِ الجَوْزِيِّ (201).

(3)

الأَبْيَاتُ فِي "المُنْتَظَم".

(4)

يُرَاجَعُ: مَشْيَخَةُ ابنِ الجَوَزِيِّ (173) واسْمُهُ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ (ت: 549 هـ).

ص: 235

لِنَفْسِهِ

(1)

:

قُلْ لِلَّذِينَ بِجَهْلِهِمْ

أَضْحَوا يَعِيْبُونَ المَحَابِرْ

وَالحَامِليْنَ لَهَا مِنَ الأَ

يْدِيْ بِمُجْتَمَعِ الأَسَاوِرْ

لَوْلَا المَحَابِرُ وَالمَقَا

لِمُ

(2)

وَالصَّحَائِفُ وَالدَّفَاتِرْ

وَالحَافِظُوْنَ شِرِيْعَةَ المَبْـ

ــعُوْثِ مِنْ خَيْرِ العَشَائِرِ

(3)

وَالنَّاقِلُوْنَ حَدِيْثَهُ

عَنْ كَابِرٍ ثَبْتٍ وَكَابِرْ

لَرَأَيْتَ مِنْ شِيَعِ الضَّلَا

لِ عَسَاكِرًا تَتْلُو عَسَاكِرْ

كُلٌّ يَقُوْلُ بَجَهْلِهِ

وَاللهُ لِلْمَظْلوْمِ نَاصِرْ

سَمَّيْتُمُ أَهْلَ الحَدِ

يْثِ أُوْلِيْ النُّهَى وَأُوْلِي البَصَائِرْ

حَشْوِيَّةً فَعَلَيْكُمْ

لَعَنٌ يُزِيْرُكُمُ المَقَابِرْ

(4)

هُمْ حَشُوُ جَنَّاتِ النَّعِـ

ــيْمِ عَلَى الأَسِرَّةِ وَالمَنَابِرْ

رُفَقَاءُ أَحْمَدَ كُلُّهُم

عَنْ حَوْضِهِ رَيَّانُ صَادِرْ

أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الجَزَرِيُّ

(5)

، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الهَادِي، عَنْ أَبِي طَاهِرٍ

(1)

الأَبْيَاتُ في "المُنْتَظَم" وَ"المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ"(وَرَقَةِ: 33).

(2)

في (أ) و (ب): "المعالم".

(3)

هَذَا البَيْتُ وَالَّذِي بَعْدَهُ ساقطان من (أ) و (ب).

(4)

هَذَا البَيْتُ سَاقِطٌ من (أ) و (ب).

(5)

أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ بنِ الحَسَنِ بنِ دَاوُدَ الجَزَرِيُّ، ثُمَّ الصَّالِحِيُّ، أَبُو العَبَّاسِ الهَكَّارِيُّ (ت: 743 هـ) حَنْبَلِيٌّ كَمَا فِي ذُيُولِ العِبَرِ (232)، وَتَارِيْخِ ابنِ قَاضِي شُهْبَةَ (2/ 1/ 317) وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ في طبقات الشَّافِعِيَّةِ (10/ 203)(اسْتِطْرَادًا) وَوَصَفَهُ =

ص: 236

السِّلَفِيِّ، أَنْشَدَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ لِنَفْسِهِ:

سَقَى اللهُ قَبْرًا حَلَّ فِيْهِ ابنُ حَنْبَلٍ

مِنَ الغَيْثِ وَسْمِيًّا عَلَى إِثْرِهِ وَلِي

عَلَى أَنَّ دَمْعِيْ فِيْهِ رَوَّى عِظَامَهُ

إذَا فَاضَ مَا لَمْ يُبْلَ مِنْهَا وَمَا بَلِي

للهِ رَبِّ النَّاسِ مَذْهَبُ أَحْمَدٍ

فَإنَّ عَلَيْهِ مَا حَييْتُ مُعَوَّلِي

دَعَوْهُ إِلَى خَلْقِ القُرَانِ كَمَا دَعَوْا

سَوَاهُ فَلَمْ يَسْمَعْ وَلَمْ يَتَأَوَّلِ

وَلَا رَدَّهُ ضَرْبُ السِّيَاطِ وَسَجْنُهُ

عَنِ السُّنَّةِ الغَرَّاءِ وَالمَذْهَبِ الجَلِي

وَلَمَّا يَزِدْهُمْ وَالسِّيَاطُ

(1)

تَنُوْشُهُ

فَشَلَّتْ يَمِيْنُ الضَّارِبِ المُتَبَتِّلِ

عَلَى قَوْلِهِ القُرْآنُ وَلْيَشْهَدِ الوَرَى

كَلَامُكَ يَا رَبَّ الوَرَى كَيْفَمَا مَا تِلي

فَمَنْ مُبْلِغٌ أَصْحَابَهُ أَنَّنِي بهِ

أُفَاخِرُ أَهْلَ العِلْمِ فِي كُلِّ مَحْفَلِ

وَأَلْقَى بِهِ الزُّهَّادُ كُلَّ مُطَلِّقٍ

مِنَ الخَوْفِ دُنْيَاهُ طَلَاقَ التَّبَتُّلِ

مَنَاقِبُهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمًا بِهَا

فَكَشْفًا طُرُوْسَ القَوْمِ عَنْهُنَّ وَاسْألِ

لَقَدْ عَاشَ فِي الدُّنْيَا حَمِيْدًا مُوَفِّقًا

وَصَارَ إِلَى الأُخْرَى إِلَى خَيْرِ مَنْزِلِ

وَإِنِّي لَرَاجٍ أَنْ يَكُوْنَ شَفِيعَ مَنْ

تَوَلَّاهُ مِنْ شَيْخٍ وَمِنْ مُتَكَهِّلِ

وَمِنْ حَدَثٍ قَدْ نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ

إِذَا سَأَلُوا عَنْ أَصْلِهِ قَالَ حَنْبَلِي

وَقَد رَوَى هَذِهِ الأَبْيَاتِ عَنْ جَعْفَرٍ الحَافِظَانِ مُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ، وَيَحْيَى بنُ

= بـ "الحَنْبَلِيِّ" وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابنُ رَجَبٍ - مَعَ أَنَّهُ مِن شُيُوْخِهِ - فَكَانَ مُسْتَدْرَكًا عَلَيْهِ، يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَيُرَاجَعُ: الدُّرَرُ الكَامِنَة (1/ 220) وَفِيْهِ: "وَأُحْضِرَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الهَادِي، وَأَخِيْهِ عَبْدِ الحَمِيْدِ".

(1)

في (ط) الفقي: "السِّياق" تَحْرِيْفٌ.

ص: 237

مَنْدَه، وَسَاقَها فِي كِتَابِهِ "مَنَاقِبِ أَحْمَدَ".

وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَابنُ نَاصِرٍ، وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، مأْمُوْنًا، عَالِمًا، فَهْمًا، صَالِحًا، كَتَبَ الكَثيْرَ، وَصَنَّفَ عِدَّةَ مُصَنَّفَاتٍ، وَكَانَ قَدِيْمًا يَسْتَمْلِي عَلَى أَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلَّالِ، وَغَيْرِهِمَا.

قَالَ القَاضِي عَيَاضٌ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيِّ بنَ سُكَّرَةَ عَنْ جَعْفَرٍ السَّرَّاجِ؟ فَقَال: شَيْخٌ، فَاضِلٌ، جَمِيْلٌ، وَسِيْمٌ، مَشْهُوْرٌ، يَفْهَمُ، عِنْدَهُ لُغَةٌ، وَقِرَاءَاتٌ، وَكانَ الغَالِبَ عَلَيْهِ الشِّعْرُ. وَذَكَرَهُ القَاضِي أَبُو بَكْرِ بنُ العَرَبِيِّ

(1)

، فَقَالَ: ثِقَةٌ، عَالِمٌ، مُقْرِئٌ، لَهُ أَدَبٌ ظَاهِرٌ، واخْتِصَاصٌ بِالخَطِيْبُ

(2)

.

وَقالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ مِمَّنْ يُفْتَخَرُ بِرُؤْيَتِهِ؛ لِدِيَانَتِهِ وَدِرَايَتِهِ، وَلَهُ تَوَالِيْفٌ مُفِيْدَةٌ، وَفِي شُيُوْخِهِ كَثْرَةٌ، وَأَعْلَاهُم إِسْنَادًا ابنُ شَاذَانَ

(3)

.

وَقَالَ ابنُ النَّجَّارِ: كَتَبَ بِخَطِّهِ الكَثِيْرَ، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ

(1)

الإمَامُ العَلَّامَةُ القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَعَافِرِيُّ الأَشْبِيْلِيُّ (ت: 543 هـ). أَخْبَارُهُ في: الغُنْيَةِ (66)، وَالصِّلَةِ (289)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (2/ 197)، وَالدِّيْبَاجِ المُذْهَبِ (2/ 256). وَذَكَرَ ابنُ العَرَبِيِّ شَيْخَهُ ابنَ السَّرَّاج في كِتَابِهِ العَوَاصم مِنَ القَوَاصِم (151).

(2)

في (أ) و (ب): "بالخطب" والنَّصُّ في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" كَمَا أَثْبَتْنَا، وَزَادَ فِي "السِّيَرِ""بِأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ" مِمَّا يُوضِّحُ المَقْصُوْدَ بِجَلَاءٍ.

(3)

رِوَايَةُ ابنِ السَّرَّاج عنه في العُمْدَةِ .. في مَشْيَخَةِ شُهْدَةَ (112) تَخْرِيْجِ أبي مُحَمَّدِ بنِ الأَخْضَرِ وَفِيْهِ: "أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بنُ الحُسَيْن السَّرَّاجُ بِقِرَاءَةِ أبي نَصْرٍ في شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، (أَنَا) أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شَاذَانَ .. ".

ص: 238

وَالأَدَبِ، وَحَدَّثَ بِالكَثِيْرِ، عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ، بِـ "بَغْدَادَ" وَ"الشَّامِ" وَ"مِصْرَ"، وَسَمِعَ مِنْهُ الأَئِمَّةُ الكِبَارُ وَالحُفَّاظُ، وَكَانَ مُتَدَيِّنًا حَسَنَ الطَّرِيْقَةِ، مَعَ ظُرْفِهِ وَلُطْفِ أَخْلَاقِهِ. رَوَى عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ

(1)

، وَابْنُ

(2)

نَاصِرٍ، وَالسِّلَفِيُّ [، وَغَيْرُهُمْ]

(3)

.

(1)

في (أ)، (ب):"ابن الأنماطِيِّ".

(2)

- (2) ساقطٌ من (ب)، مُلْحَقَةٌ فِي الهَامِشِ في (أ).

(3)

مِنْهُمْ ابْنَاهُ ثَعْلَبٌ، وَغَالِبٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، وَسَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدٍ الشَّحَّامُ، وأَبُو الحُسَيْنِ بنُ الخَلِّيِّ الفَقِيْهُ، وَعَبْدُ الحَقِّ بنُ يُوْسُفَ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَأَبُو الفَضْلِ خَطِيْبُ المَوْصِلِ

وَغَيرُهُمْ. ذُكِرَ فِي مَشْيَخَةِ الحَافِظَةِ شُهْدَةُ تَخْرِيْج أَبِي مُحَمَّدِ بنِ الأخْضَرِ المَعْرُوْفَةِ بِـ "العُمْدَةِ .. فِي شُيُوْخِ شُهْدَةَ": الشَّيْخُ الحَادِي عَشَرَ ص (112 - 117).

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: وآخرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ شُهْدَةَ بِنْتُ الإبَرِيِّ، قَرَأَتُ عَلَيْهَا كِتَابَهُ المُسَمَّى بِـ "مَصَارِعِ العُشَّاقِ" بِحَقِّ سَمَاعِهَا مِنْهُ" وَقَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "السِّيَرِ" وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْخُهُ أَبُو إِسْحَقَ الحَبَّالُ". وَقَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِهِ":"وَكَانَ لَهُ اعْتِنَاءٌ بِالحَدِيْثِ، انْتَخَبَ السِّلَفِيُّ مِنْ كُتُبِهِ أَجْزَاءَ عَدِيْدَة" وَقَالَ في "السِّيَرِ": "وَانْتَخَبَ السِّلَفِيِّ عَلَيْهِ مِن أُصُوْلِهِ ثَلَاثِيْنَ جُزْءًا".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: نَقَلَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ فِي كِتَابِهِ "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ أَسَانِيْدَ كَثِيْرَةً مِنْ أَبي مُحَمَّدٍ السَّرَّاجِ، وَسَأَلَهُ فِي الرِّجَالِ، وَحَصَّلَ مِنْهُ فَوَائِدَ. يُرَاجَعُ الوَرَقَاتُ (32) (حَدِيْثٌ مُسَلْسَلٌ) (33) (مِنْ فَوَائِدِهِ) وأنْشَدَ لَهُ في مَدْحِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مَقْطُوْعَتَيْنِ (38، 39) وَقَالَ: بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ في جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ (494 هـ) (58)، (مِنْ فَوَائِد ابنِ السَّرَّاجِ) (59، 64، 78، 89، 91، 102، 103، 117، 139، 140، 150، 194) وَذَكَرَ عَنْه كِتَابَ "إِيْضَاحِ الإشْكَالِ" لِعَبْدِ الغَنِيِّ بنِ سَعِيْدٍ (229)(يُحَدِّثُهُ وَسْطَ السَّفِيْنَةِ)(235، 240، 263)(قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ لَيْلًا)(269) قَالَ: =

ص: 239

ومن شِعْرِ جَعْفَرٍ السَّرَّاجِ

(1)

:

للهِ دَرُّ عِصَابَةٍ

يَسْعَوْنَ فِي طَلَبِ الفَوَائِدْ

يُدْعُوْنَ أَصْحَابَ الحَدِيْـ

ــثِ بِهِمْ تَجَمَّلَتِ

(2)

المَشَاهِدْ

طَوْرًا تَرَاهُمْ بِالصَّعِيْـ

ـــدِ وَتَارَةً فِي ثَغْرٍ آمِدْ

يَتَتَبَّعُوْنَ مِنَ العُلُوْ

مِ بِكُلِّ أَرْضٍ كُلَّ شَارِدْ

فَهُمْ النُّجُوْمُ المُهْتَدَى

بِهِمُ إِلَى سُبُلِ المَقَاصِدْ

وَلَهُ

(3)

:

= (قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ)(237)، (يَسْأَلُهُ في الرِّجَالِ)(375، 380)(في جَمَاعَةٍ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ)(386). كَمَا حَدَّثَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ عَنِ ابْنَيْهِ ثَعْلَبٌ ورقة (48)، وأبُو الرِّضَا غَالِبٌ ورقة (243) كَمَا سَبَقَ، وَفِي الكِتَابِ مَوَاضِع أُخْرَى كَثِيْرَة.

وَفِي "تَارِيْخِ الإسْلَامِ" وَ"السِّيَرِ": "وَقَالَ حَمَّادٌ الحَرَّانِيُّ: سُئِلَ السِّلَفِيُّ عَنِ السَّرَّاجِ فَقَالَ: "كَانَ عَالِمًا بالقِرَاءَاتِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، ثَقَةً، ثَبْتًا، كَثِيْرَ التَّصْنِيْفِ".

(1)

الأبْيَاتُ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ".

(2)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "تجلت".

(3)

ساقطةٌ من (أ) مُعَلَّقَةٌ عَلَى الهَامِشِ في (ب).

يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤلِّفِ رحمه الله فِي حُدُوْدِ الخَمْسِمَائَةَ - فِيْمَا أَظُنُّ -:

45 -

عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ الحَرْبِيُّ الحَنْبَلِيُّ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ في المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ (ورقة: 129) قَالَ: "حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ. . .".

46 -

وَمُحَمَّدُ بنُ جَابَارَ بنِ عَلِيٍّ الوَاعِظُ المُذَكِّرُ، أَبُو الوَفَاء الهَمَذَانِيُّ، مِمَّن أَجَازَ للسِّلَفِيِّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ [وَأَرْبَعِمَائَةَ] ذَكَرَهُ الحَافظُ الذَّهَبِيِّ فِي تَارِيْخِهِ (352) نَقْلًا عَنْ شَيْرَوَيْهِ مُؤَرِّخ "هَمَذَانَ" قَالَ: "صَالِحٌ، دَيِّنٌ، زَاهِدٌ، صَدُوْقٌ، مُتَعَصِّبٌ للحَنَابِلَةِ، =

ص: 240

إِذَا كُنْتُمُ تَكْتُبُوْنَ الحَدِيْـ

ــثَ لَيْلًا وَفِي صُبْحِكُمْ تَسْمَعُوْن

وَأَفْنَيْتُمُ فِيْهِ أَعْمَارَكُمْ

فَأَيُّ زَمَانٍ بِهِ تَعْمَلُوْن

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ جَعْفَرُ السَرَّاجُ صَحِيحَ البَدَن، لَمْ يَعْتَوِرْهُ فِي عُمُرِهِ مَرَضٌ يُذْكَرُ، فَمَرِضَ أَيَّامًا، وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الأَحَدِ العِشْرِيْنَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسِمَائةَ، وَدُفِنَ بِالمَقْبَرَةِ المَعْرُوفَةِ بِـ "الأَجَمَةِ" مِنْ "بَابِ أَبْرِز"، وَقِيْلَ: مَاتَ لَيْلَةَ الأَحَدِ، حَادِي عِشْرِيْنَ صَفَرٍ، كَذَا قَالَ ابنُ نَاصِرٍ، وَالذُّهْلِيُّ.

‌49 - رَجَبُ بنُ قَحْطَانَ بنِ الحَسَنِ

(1)

بنِ قَحْطَانَ الأَنْصَارِيُّ، الضَّرِيْرُ،

= رَوَى عن عَلِيِّ بنِ حُمَيْدٍ، وَحُمَيْدُ بنُ المَأْمُوْنِ وَطَائِفَةٌ، سَمِعْتُ مِنْهُ أَحَادِيْثَ".

كَمَا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (500 هـ):

47 -

عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَرَدَانِيُّ، أَبُو الفَضْلِ، تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَبِيْهِ فِي الأَصْلِ رقم (10) قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ (320):"سَمِعَ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلَانَ وَغَيْرَهُ. تُوُفِّيَ في رَبِيْعٍ الأَوَّلِ".

48 -

وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بن سَعِيْدٍ، أَبُو الفَتْحِ الحَدَّادُ المُقرِئُ الأَصْبَهَانِيُّ التَّاجِرُ، سِبْطُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه. قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:"كَانَ شَيْخًا جَلِيْلَ القَدْرِ، وَرِعًا، خَيِّرًا، كَثِيْرَ الصَّدَقَاتِ .. ". أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 151)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 216)، وَالعِبَرِ (3/ 355)، وَمَعْرِفَةِ القُرَّاءِ (1/ 455)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (7/ 323)

وَغَيْرِهَا.

كَتَبَ النَّاشِرُ فِي (ط) الشَّيْخ الفقي قَبْلَ التَّرْجَمَةِ (وَفَيَات المَائَةِ السَّادِسَةِ) مِنْ سَنَةِ 501 هـ - إلَى سَنَةِ 540 هـ. وَهَذِهِ العِبَارَةُ لَمْ تَرِدْ فِي الأُصُوْلِ، وَهَذَا خَطَأٌ. وَأَخْطَأَ ثَانِيَةً حَيْثُ جَعَلَ وَفَيَاتِ المَائَة السَّادِسَة تَنْتَهِي سَنَةَ 540 هـ؟!

(1)

49 - رَجَبُ بنُ قَحْطَان (؟ - 502 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَات"، وَأَخْبَارُهُ في: =

ص: 241

أَبُو المَعَالِي، المُقْرِئُ، الأَدِيْبُ. سَمِعَ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وَحَدَّثَ بِاليَسِيْرِ، وَسَمِعَ مِنْهُ هَزَارَ سِبُ بنُ عَوَضٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ عَطَّافٍ: كَانَ مِنْ مُجَوَّدِي القُرَّاءُ، وَالمُحْسِنِيْنَ فِي الأَدَاءِ، ذَا فَضْلٍ وَعَقْلٍ وَأَدَبٍ. تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِمَائَةَ. وَمِنْ شِعْرِهِ - أَنْشَدَهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ المَزْرَفِيُّ -:

(1)

إِنَّمَا المَرْءُ خِلَاصٌ جَائِزٌ

فإِذَا جَرَّبْتُهُ فَهُوَ شَبَهْ

وَتَرَاهُ رَاقِدًا فِي غَفْلَةٍ

فَهْوَ حَيُّ فَإِذَا مَاتَ انْتَبَهْ

‌50 - أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ

(2)

العُلْبِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الزَّاهِدُ،

ذَكَرَهُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَابْنُ

= مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَة لابنِ نَصْرِ اللهِ (وَرَقَة: 11)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 392)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 44)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 229). وَيُرَاجَعُ: الوَافِي بِالوَفَيَاتِ (14/ 108)، وَنَكْتُ الهِمْيَانِ (152). أَخْبَارُهُ فِيْهَا جَمِيْعًا عَنِ ابنِ رَجَبٍ دُوْنَ زِيَادَةٍ. وَذَكَرَهُ عِزُّ الدِّيْنِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ جَمَاعَةٍ فِي كِتَابِهِ التَّعلِيقَة في أَخْبَارِ الشُّعَرَاءِ (ورقة: 97)، وَأَنْشَدَ البَيْتَيْنِ بسَنَدِ ابنِ النَّجَّارِ إِلَيْهِ. وَلَيْسَ فِي أَخْبَارِهِ هُنَاك زِيَادَة، فَلَعَلَّ المُؤلِّفَ نَقَلَهَا عَنْهُ فَهُوَ شَيْخُهُ كَمَا أَسْلَفْنَا.

(1)

الأبْيَاتُ في "التَّعْلِيْقَةِ" لابنِ جَمَاعَة. وَالخِلَاصُ - بالكَسْرِ - مَا أَخْلَصَتْهُ النَّارُ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالشَّبَهُ: النُّحَاسُ يُصْبَغُ فَيَصْفَرُّ

فَيُشْبِهُ الذَّهَبَ بِلَوْنِهِ.

(2)

50 - أَبُو بَكْرٍ العُلْبِيُّ الزَّاهِدُ (؟ - 503 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 473)، وَمُخْتَصَرِهِ (407)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (633)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 11)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 143)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 44)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 229). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 163)، وَصَفْوَةُ الصَّفْوَةِ (2/ 495)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ لابنِ نُقْطَةَ (4/ 338)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (8/ 19)، وَتَارِيْخُ الإِسْلَامِ (77)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ =

ص: 242

الجَوْزِيِّ فِي "الطَّبَقَات" فَقَالَ: أَحَدُ المَشْهُوْرِيْنَ بِالزُّهْدِ وَالصَّلَاحِ، سَمِعَ الحَدِيْثَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَقَرأَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ المَذْهَبِ.

وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: صَحِبَ الوَالِدَ سِنِيْنَ، سَمِعَ دَرْسَهُ وَالْحَدِيْثَ مِنْهُ. وَكَانَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ يُجَصَّصُ الحِيْطَانَ، ثُمَّ تَرَكَ ذلِكَ، وَلَازَمَ المَسْجِدَ يُقْرِئُ القُرْآنَ وَيَؤُمُّ النَّاسَ، وَكَانَ عَفِيْفًا

(1)

لا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، وَلَا يَسأَلُ أَحَدًا حَاجَةً لِنَفْسِهِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيا، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ وَنَفْسِهِ، مُشْتَغِلًا بِعِبَادَةِ رَبِّهِ،

= (12/ 171)، وَالعِقْدُ الثَّمِيْنُ (3/ 10)، وَتَوْضِيْحُ المُشْتَبَهِ (6/ 317)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 6) (6/ 11). وفي (ط) بِطَبْعَتَيْهِ:"العَلْثِيُّ" تَصْحِيْفٌ ظَاهِرٌ، وَكَذلِكَ هُوَ فِي كَثِيْرٍ مِنَ المَصَادِرِ، وَالظَّاهرُ أَنَّهُ يُصَحَّحُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. قَالَ ابنُ نُقْطَةَ في "تَكْمِلَةِ الإكْمَالِ": "بِضَمِّ العَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَسُكُوْنِ اللَّامِ، وكَسْرِ البَاءِ المُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ

وَقَالَ: وَرَأَيْتُهُ بخَطِّ الحُفَّاظِ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: وَهُوَ أَصَحُّ في اللُّغَةِ فَإِنَّ "النِّسْبَةَ إِلَى الجَمْعِ فِي القَوْلِ الرَّاجِحِ أَنْ تَرِدَّ إلَى المُفْرَدِ فَيُنْسَبَ إِلَيْهِ، فَـ "العُلَبِيُّ" نِسْبَةً إِلَى "العُلَبِ" جَمْعُ عُلْبَة، فَالأَرْجَحُ أَن يُقَال: "العُلْبِيُّ" كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ، وَكَمَا اخْتَارَ ابنُ نُقْطَةَ رحمه الله. وَلَمْ تَرِدْ هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي "الأَنْسَابِ" لأَبي سَعْدٍ السَّمْعانِيِّ؟!.

- وَاشْتُهِرَ أَحْمَدُ بنُ مَوَاهِبَ بنِ حَسَنٍ، أَبُو عَبْدِ اللهِ (ت: 577 هـ) بـ "غُلَامِ ابنِ العُلْبِيِّ". وَكَذلِكَ ابنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ أَحْمَدَ بنِ مَوَاهِبَ (ت: 609 هـ). وَلَا أَدْرِي مَا صِلَةُ المُتَرْجَمِ بِالشَّيْخِ عَلِيِّ بنِ حَسَّان بنِ عَلِيِّ العُلْبِيِّ (ت: 555 هـ). وَابْنِهِ زَكَرِيَّا بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَّانَ العُلْبِيِّ (ت: 631 هـ). ذَكَرَهُم جَمِيْعًا ابنُ نُقْطَةَ فِي "تَكْمِلَةِ الإكْمَالِ" وَلَهُمْ أَخْبَارٌ فِي المَصَادِرِ المُخْتَلِفَةِ. وَلَا أَظُنُّهُمَا حَنْبَلِيَّانِ.

(1)

في (ط) الفقي: "عيفا" تحريفٌ.

ص: 243

كَثِيْرَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، مُسَارِعًا إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِ المُسْلِمِيْنَ، مُكَرَّمًا عِنْدَ النَّاسِ أَجْمَعِيْنَ، وَكَانَ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى دِجْلَةَ، فَيَأْخُذَ فِي كُوْزٍ لَهُ مَاءً يُفْطِرُ عَلَيْهِ. وَكَانَ يَمْشِي بِنَفْسِهِ فِي حَوَائِجِهِ وَلَا يَسْتَعِيْنُ بِأَحَدٍ، وَكَانَ إِذَا حَجَّ يَزُوْرُ القُبُوْرَ بِـ "مَكَّةَ" وَيَجِيْئُ إِلَى قَبْرِ الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، وَيَخُطُّ بِعَصَاهُ، وَيَقُوْلُ: يَا رَبِّ هَهُنَا، يَا رَبِّ هَهُنَا، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَخَمْسِمَائَةَ إِلَى الحَجِّ - وَكَانَ قَدْ وَقَعَ مِنَ الجَمَلِ فِي الطَّرِيْقِ دَفْعَتَيْنِ - فَشَهِدَ "عَرَفَةَ" مُحْرِمًا وَبِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ أَلَمِ الوُقُوعِ، وَتُوُفِّيَ عَشِيَّةَ ذلِكَ اليَوْمِ، يَوْمِ الأَرْبِعَاءِ، يَوْمِ "عَرَفَةَ" فِي أَرْضِ "عَرَفَاتٍ" فَحُمِلَ إِلَى "مَكَّةَ" فَطِيْفَ بِهِ البَيْتَ، وَدُفِنَ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى جَنْبِ قَبْرِ الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رضي الله عنه.

وَذَكَرَهُ فِي "التَّارِيْخِ" أَيْضًا

(1)

، فَذَكَرَهُ نَحْوًا مِنْ ذلِكَ، وَقَالَ: كَانَ يَتَنَزَّهُ عَنْ عَمَلِ النُّقُوْشِ وَالصُّوَرِ، وَكَانَ لَهُ عَقَارٌ قَدْ وَرِثَهُ عَنْ أَبِيْهِ، فَكَانَ يَبِيْعُ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَتقَوَّتُ بِهِ. وَذَكَر أَبُو الحُسَيْنِ أَنَّ سَبَبَ تَرْكِهِ لِصِنَاعَتِهِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الصُّنَّاعِ إِلَى بَعْضِ دُوْرِ السَّلَاطِيْنِ مُكْرَهًا، وَكَانَ فِيْهَا صُوَرٌ مِنَ الإِسْفِيْدَاجِ

(2)

مُجَسَّمَةٌ، فَلَمَّا خَلَا كَسَرَهَا كُلَّهَا، فَاسْتَعْظَمُوا ذلِكَ، فَقَالَ: هَذَا مُنْكَرٌ، وَاللهُ أَمَرَ بِكَسْرِهِ، فَانْتَهَى أَمْرُهُ إِلَى السُّلْطَانِ، وَقِيْلَ لَهُ: هَذَا

(1)

في (أ) و (ب): "وذكره أيضًا في التاريخ".

(2)

الإِسْفِيْدَاجُ: - بِالكَسْرِ - رَمَادُ الرَّصَاصِ وَالآنُكَ وَالآنُكِيِّ إِذَا شُدِّدَ عَلَيه الحَرِيْقُ صَارَ إِسْرِنْجًا مُلَطِّفًا جَلَّاءً، مُعَرَّبٌ. كَذَا قَالَ المُحِبِيُّ في قَصْدِ السَّبِيْلِ (1/ 184)، وَلَهُ ذِكْرٌ في معَاجمِ اللُّغَةِ (سفندج).

ص: 244

رَجُلٌ صَالِحٌ مَشْهُوْرٌ بِالدِّيَانَةِ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الفَرَّاءِ، فَقَالَ: يُخْرَجُ، وَلَا يُكَلَّمُ، وَلَا يُقَالُ لَهُ شَيْءٌ يَضِيْقُ بِهِ صَدْرُهُ، وَلَا يُرْجَعُ يُجَاءُ بِهِ إِلَى عِنْدَنَا، قَالَ: وَظَهَرَ لَهُ مِنَ الكَرَامَاتِ غَيْرُ قَلِيْلٍ، أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنَّهُ كَانَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ صَبِيٌّ صَغِيْرٌ، فَظَهَرَ بِهِ وَجَعٌ فِي حَلْقِهِ وَرَقَبَتِهِ، وخَافُوا مِنْهُ عَلَى الصَّبِيِّ، فَحَمَلَهُ إِلَى الشَّيْخِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَنَفَثَ مِنْ رِيْقِهِ، فَزَالَ مَا كَانَ بِهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى عِلَاجٍ.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَصَحِبَ القَاضِيَ أَبَا يَعْلَى، وَقَرأَ عَلَيْهِ طَرَفًا مِنَ الفِقْهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ.

قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ ابْنُ نَاصِرٍ، وَالسِّلَفِيُّ

(1)

وَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُ مَوْتِهِ إِلَى

(1)

قَال الحَافظُ الذَّهَبِيُّ: "رَوى عَنِ السِّلَفِيُّ وَقَالَ: "كَانَ مِنْ زُهَّادِ "بَغْدَادَ" مِنَ القَوَّالِيْنَ بِالحَقِّ، وَالنَّاهِيْنَ عَنِ المُنْكَرِ" وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السَّنْجِيُّ

قَالَ السِّلَفِيُّ فِي مَشْيَخَتِهِ البَغْدَادِيَّةِ (ورقة: 243): " (مِنْ حَدِيْثِ أَبِي عَلِيٍّ الكَوْكَبِيِّ) أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ العُلْبِيِّ الجَصَّاصُ الزَّاهِدُ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ في صَفَرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ قِيْلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاءِ الحَنْبَلِيُّ. . .".

وَيسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (503 هـ):

49 -

عُبيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ عُبيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ البَقَّالُ الأَزَجِيُّ، ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخ بَغْدَادَ (2/ 102)، وَالحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخِ الإسْلَامِ (80).

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (504 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

50 -

الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَبَّالُ الحَنْبَلِيُّ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخ الإِسْلَام (90) في وفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَة في ذِي القَعْدَةَ. سَمعَ أَبَا مُحَمَّدٍ =

ص: 245

"بَغْدَادَ" نُوْدِيَ فِي البَلَدِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَاةَ الغَائِبِ، فَحَضَرَ النَّاسُ فِي جَامِعَيْ "بَغْدَادَ" مِنَ الجَانِبَيْنِ، وَحَضَرَ أَصْحَابُ دَوْلَةِ المُسْتَظْهِرِ

(1)

، وَتَقَدَّمَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ بَعْضُ أَصْحَابِ القَاضِي. قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: وَصلَّيْتُ عَلَيْهِ أَنَا فِي مَسْجِدِي بِـ "بَابِ المَرَاتِبِ"، لِعُذْرٍ، وَصَلَّى مَعِي جَمَاعَةٌ.

‌51 - مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ بْنِ مُحَمَّدِ

(2)

بْنِ عُثْمَانَ بنِ المرَّاقِ الحَلْوَانِيُّ،

= الخَلَّالَ، وَالغَسَّانِيَّ.

51 -

وَعِليُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ المُبَارَك، ابنُ أُخْتِ أَبِي بَكْرٍ المَزْرَفِيُّ ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَاريخِ الإسلامِ (92)، وخَالُهُ هَذَا أَبُو بكرٍ المَزْرَفِيَّ (ت: 527 هـ) تَرْجَمَ لَهُ المُؤلِّفُ في مَوْضِعِهِ

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "باللهِ أَميرِ المُؤْمِنِيْنَ" زَادَهَا المُحَقِّقَانِ عَنِ "المَنهَجِ الأَحْمَدِ"، وَهِيَ في (ط) الفَقِي دُوْنَ إِشَارَةٍ عَلَى عَادَتِهِ.

وَالمُسْتَظْهِرُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْن أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بُويِعَ بِالخِلَافَةِ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَذلِكَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمَائَةٍ، وُصِفَ بِأَنَّهُ هَيِّنٌ لَيِّنٌ، حُكْمُهُ لَا يَتَعَدَّى بَابَ دَارِهِ، وفي زَمَنِهِ اسْتَولَى النَّصَارَى عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، (ت: 513 هـ) وَمُدَّةُ خِلَافَتِهِ تَزِيْدُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ حَسَنَ الخَلْقِ وَالخُلُقِ. أَخْبَارُهُ في: الإِنْبَاء (206)، وَالمُنْتَظَمِ (9/ 200)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 182)، وَتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ للسُّيُوطِيِّ (457).

(2)

51 - أَبُو الفَتحِ الحَلْوَانِيُّ (439 - 505 هـ):

أخبارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (4/ 476)، وَمُخْتَصَرِهِ (408)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (634)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابن نَصْرِ اللهِ (ورقة: 11)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 472)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (634)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرُّ المُنَضَّدِ" (1/ 230). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 170)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (112)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (4/ 149)، وَالمَدْخَلُ لابنِ بَدْرَان (418)، وَلَهُ ذِكْرٌ فِي "المَشْيَخَةِ البغدَادِيَّة". وَ"الحُلْوَانِيُّ" مَنْسُوْبٌ إِلَى "حُلْوَانَ" بِالضَّمِّ، ثُمَّ السُّكُوْنِ، مَدِيْنَةٌ بِالعِرَاقِ =

ص: 246

أَبُو الفَتْحِ، الفَقِيْه، الزَّاهِدِ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعمَائَةَ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي، وَأَبي الغَنَائِمِ

(1)

بنِ المَأْمُوْنِ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى

(2)

، وَأَبِي جَعْفَرِ بْنِ المُسْلِمَةِ، وَالصَّرِيْفِيْنِيِّ، وَالنَّهْرَوَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَرَأَى القَاضِي أَبَا يَعْلَى وَصَحِبَهُ مُدَّةً يَسِيْرَةً، ثُمَّ تَفَقَّهَ عَلَى صَاحِبَيْهِ الفَقِيْهَيْنِ: أَبِي عَلِيٍّ يَعْقُوبَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الشَّرِيْفِ، وَدَرَسَ عَلَيْهِمَا الفِقْهَ أُصُوْلًا وَفُرُوعًا، حَتَّى بَرَعَ فِيْهِمَا، وَأَفْتَى، وَدَرَّسَ بِمَسْجِدِ الشَّرِيْفِ أَبي جَعْفَرٍ بِـ "الْحَرِيْمِ" بَعْدَ ابْنِ شَافِعٍ. وَحَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ.

قَالَ ابْنُ شَافِعٍ: كَانَ ذَا زَهَادَةٍ وَعِبَادَةٍ، وَرَوَى عَنْهُ السِّلَفِيُّ فِي "مَشْيَخَتِهِ"، وَقَالَ: كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الحَنَابِلَةَ بِـ "بَغْدَادَ". وَكَانَ مَشْهُورًا بِالوَرَعِ الثَّخِيْنِ، وَالدِّيْنِ المَتِيْنِ. تُوفِيَ يَوْمَ الجُمعَةِ يَوْمَ عِيْدِ النَّحْرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِمَائَةَ، وَصُلِيَ عَلَيْهِ مِنَ الغَدِ، يَوْمَ السَّبْتِ بِالجَامِعِ، وَكَانَ الجَمْعُ مُتَوَافِرًا جِدًّا، لَا

= كَمَا فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ (2/ 334) وَأَنْشَدَ يَاقُوْتٌ لأَعْرَابِيٍّ:

تَلَفَّتُّ مِنْ حُلْوَانَ وَالدَّمْعُ غَالِبٌ

إِلَى رَوْضِ نَجْدٍ أَيْنَ حُلْوَانَ مِنْ نَجْدِ

لَحَصْبَاءُ نَجْدٍ حِيْنَ يَضْرِبُهَا النَّدَى

أَلَذُّ وَأَشْفَى لِلغَلِيْلِ مِنَ الوُرْدِ

أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أُنَاسٍ بَكَيْتُهُمْ

لِفَقْدِهُمُ هَلْ يَبْكِيَنَّهُمُ فَقْدِي

أُدَاوِي بِبَرْدِ المَاءِ حَرَّ صَبَابَةٍ

وَمَا لِلحَشَا وَالقَلْبِ غَيْرُكَ مِنْ بَرْدِ

- وابنُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ مُحَمَّدٍ (ت: 546 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

وحَفِيْدهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ت: 614 هـ) سَيَأْتِي في اسْتِدْرَاكِنَا في مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

(1)

في (ط) الفقي: "وأبي الغانم".

(2)

في (ط) بطبعيته: "أبي علي".

ص: 247

يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبِ" وَقَالَ المُبَارَكُ بْنُ كَامِلٍ

(1)

تُوفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ حَادِي عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ.

قُلْتُ: لهُ كِتَابُ "كِفَايَةِ المُبْتَدِي" فِي الفِقْهِ مُجَلَّدَةٌ، وَمُصنَّفٌ آخَرُ فِي الفِقْهِ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَمُصَنَّفٌ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ فِي مُجَلَّدَيْنِ، وَلَهُ "مُخْتَصَرُ العِبَادَاتِ" قَالَهُ ابْنُ النَّجَّارِ.

‌52 - المُعَمَّرُ بْن علِيٍّ

(2)

بنِ المُعَمَّرِ بْنِ أَبِي عِمَامَةَ البَقَّالُ البَغْدَادِيُّ، أَبُو سَعْدٍ،

(1)

المُبَاركُ بنُ كَامِلِ بنِ أَبِي غَالِبٍ، أَبُو بَكْرٍ الخَفَّافُ الحَنْبَلِيُّ البَغْدَادِيُّ الظَّفَرِيُّ (ت: 543 هـ)، ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

(2)

52 - ابنُ أبي عِمَامَةَ البَقَّالُ (429 - 506 هـ):

لَمْ يذكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بْنِ أَبي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

وَأَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورَقَة: 11)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 37)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 47)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضِّدِ" (1/ 230). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 173)، وَمُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 1148)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ (5/ 380)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 493)، وَسِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (19/ 451)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (150)، وَالعِبَرُ (4/ 11)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 175)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 193)، وَتَوْضِيْحُ المُشْتَبَهِ (8/ 224)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبِهِ (4/ 1304)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 205)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 14، 15)(6/ 23). وَرَوَى عَنْهُ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ فِي "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ"(ورقة: 38) قَالَ: "أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ المُعَمَّرُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الوَاعِظُ يُعْرَفُ بـ "ابنِ أَبِي عِمَامَةَ الفَامِيِّ. . .". وَأَخُوْهُ: عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ بنِ أَبي عِمَامَةَ، سَيَأْتِي فِي اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةَ (517 هـ) إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

ص: 248

الفَقِيْهُ، الوَاعِظُ، رَيْحَانَةُ البَغْدَادِيِّيْنَ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعَمِائَةَ، وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ غَيْلَانِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلَّالِ، وَالجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ الأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ فَقِيْهًا مُفْتِيًا، وَوَاعِظًا بَلِيْغًا فَصِيْحًا، لَهُ قَبُوْلٌ تَامٌّ، وَجَوَابٌ سَرِيْعٌ، وَخَاطِرٌ حَادٌّ، وَذِهْنٌ بَغْدَادِيٌّ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِدَّةِ الخَاطِرِ، وَسُرْعَةِ الجَوَابِ بِالمُجُونِ، وَطِيْبِ الخُلُقِ، وَلَهُ كَلِمَاتٌ فِي الوَعْظِ حَسَنَةٌ، وَرَسَائِلُ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَجُمْهُوْرَ وَعْظِهِ حِكَايَاتُ السَّلَفِ، وَكَانَ يَحْصُلُ بِوَعْظِهِ نَفْعٌ كَثيرٌ، وَكَانَ فِي زَمَنِ أَبِي عَلِيِّ عَبْدُ اللهِ بنِ

(1)

الوَلِيدِ، شَيْخِ المُعْتَزِلَةِ، يَجْلِسُ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَلْعَنُ المُعْتَزِلَةَ.

وَخَرَجَ مَرَّةً فَلَقِيَ مُغَنِيَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ تُرْكِيٍّ، فَقَبَضَ عَلَى عُوْدِهَا وَقَطَّعَ أَوْتَارَهَا، فَعَادَتْ إلَى التُّرْكِيِّ فَأَخْبَرَتْهُ، فَبَعَثَ مَنْ كَبَسَ دَارَ أَبِي سَعْدٍ، وَأُفْلِتَ، وَاجْتَمَعَ

(2)

بِسَبَبِ ذَلِكَ الحَنَابِلَةُ، وَطَلَبُوا مِنَ الخَلِيْفَةِ إزَالَةَ المُنْكَرَاتِ كُلِّهَا، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُ ذْلِكَ فِي تَرْجَمَةِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ

(3)

، وَكَانَ أَبُو سَعْدٍ يَعِظُ بِحَضْرَةِ الخَلِيْفَةِ المُسْتَظْهِرِ وَالمُلُوْكِ، وَقَالَ يَوْمًا لِلْمُسْتَظْهِرِ فِي وَعْظِهِ: أَهْوَنُ مَا عِنْدَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ أَبْوَابَ العِرْضِيِّ

(4)

تَوَابِيْتَ وَوَعَظَ نِظَامَ المُلْكِ الوَزِيْرَ مَرَّةً بِجَامِعِ المَهْدِيِّ، فقَالَ: الحَمْدُ للهِ وَلِيِّ الإِنْعَامْ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "أَبِي عَلِيِّ بن الوَلِيْد" وَتَقَدَّمَ التَّعْرِيْفِ بِهِ في تَرْجَمَةِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ.

(2)

في (أ) و (ب): "وَاحْتَجُّوا. .".

(3)

يُرَاجَعُ ص (36).

(4)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "العراض".

ص: 249

مَنْ هُوَ لِلأَنْبِيَاءِ خِتَامْ، وَعَلَى آلِهِ سُرُجِ الظَّلَامْ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ

(1)

الغُرِّ الكِرَامْ، وَالسَّلَامُ عَلَى صَدْرِ الإسْلَامْ، وَرَضِيَّ الإمَامْ، زَيَّنَهُ اللهُ بِالتَّقْوَى، وَخَتَمَ عَمَلَهُ

(2)

بِالحُسْنَى، وَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ خَيْرِ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، مَعْلُوْمٌ يَا صَدْرَ الإسْلَامِ، أَنَّ آحَادَ الرَّعِيَّةِ مِنَ الأَعْيَانِ مُخَيَّرُوْنَ فِي القَاصِدِ وَالوَافِدِ، إِنْ شَاءُوا وَصَلُوا وَإِنْ شَاءُوا فَصَلُوا، وَأَمَّا مَنْ تَوَشَّحَ بِوِلَايَةٍ فَلَيْسَ مُخَيَّرًا فِي القَاصِدِ وَالوَافِدِ؛ لِأَنَّ مَنْ هُوَ عَلَى الخَلِيْفَةِ أَمِيْرٌ، فَهُوَ فِي الحَقِيْقَةِ أَجِيْرٌ، قَدْ بَاعَ زَمَنَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ نَهَارِهْ مَا يَتَصَرَّفُ فِيْهِ عَلَى اخْتِيَارِهْ، وَلَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ نَفْلًا، وَلَا يَدْخُلَ مُعْتَكَفًا، دُوْنَ الصَّدَدِ لِتَدْبِيْرِهِمْ، وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ؛ لِأَنَّ ذلِكَ فَضْلٌ، وَهَذَا فَرْضٌ لَازِمٌ. وَأَنْتَ يَا صَدْرَ الإسْلَامِ وَإِنْ كُنْتَ وَزِيرَ الدَّوْلَةِ، فَأَنْتَ أَجِيْرُ الأُمَّةِ، اسْتَأْجَرَكَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ بِالأُجْرَةِ الوَافِرَهْ؛ لِتَنُوْبَ عَنْهُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَهْ

(3)

فَلْتُجِيْبَ عَنْهُ رَبَّ العَالَمِيْنَ؛ فَإِنَّهُ سَيَقِفُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ: مَلَّكْتُكَ البِلادْ، وَقَلَّدْتُكَ أَزِمَّةَ العِبَادْ، فَمَا صَنَعْتَ فِي إفَاضَةِ البَذْلِ، وَإِقَامَةِ العَدْلِ؟ فَلَعَلَّهُ يَقُوْلُ: يَا رَبِّ اخْتَرْتُ مِنْ دَوْلَتِي

(1)

في (أ) و (ب): "الصَّحَابَةُ".

(2)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "لَهُ".

(3)

بعدها في (ط) بطبعتيه: "فَأمَّا في الدُّنيا ففي مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ، وَأَمَّا في الآخرة" وَهَذه الزِّيَادَةُ لَا تُوجَدُ في جَمِيْعِ النُّسَخِ زَادَهَا المُحَقِّقَان الدُّكتور هنري لَاووست والدُّكتور سَامِي الدَّهَّان عَنْ "المُنْتَظَمِ" وَزَادَهَا الشَّيْخُ حامد الفقي دُوْنَ إِشَارَةٍ كَعَادَتِهِ، وَوُجُوْدُهَا ضَرُوْرِيٌّ لكِنَّ اتِّفَاقَ النُّسَخِ عَلَى إِسْقَاطِهَا دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّهَا سَقَطَتْ مِنَ المُؤَلِّفِ نَفْسِهِ، إِمَّا سَهْوٌ مِنْهُ رحمه الله وَإِمَّا لِسُقُوْطِهَا مِنْ نُسْخَتِهِ مِن "المُنْتَظَمِ" لِذلِكَ فَمَوْضِعُهَا الهَامِشُ.

ص: 250

شُجَاعًا عَاقِلًا، حَازِمًا، فَاضِلًا، وَسَمَّيْتُهُ قَوَامَ الدِّيْنِ، نِظَامَ

(1)

المُلْكِ، وَهَا هُوَ قَائِمٌ فِي جُمْلَةِ الوُلَاةِ، وَبَسَطْتُ بِيَدِهِ فِي الشُّرَطِ وَالسَّيْفِ وَالقَلَمِ، وَمَكَّنْتُهُ فِي الدِّيْنَارِ وَالدِّرْهَمِ، فَاسْأَلْهُ يَا رَبِّ: مَاذَا صَنَعَ فِي عِبَادِكَ وَبِلَادِكَ؟ أَفَتُحْسِنُ أَنْ تَقُولَ فِي الجَوَابِ نَعَمْ، تَقَلَّدْتُ أُمُوْرَ البِلَادِ، وَمَلَكْتُ أَزِمَّةَ العِبَادِ، وَبَثَثْتُ النَّوَالَ، وَأَعْطَيْتُ الإِفْضَالَ، حَتَّى إِذَا قَرُبْتُ مِنْ لِقَائِكَ، وَدَنَوْتُ مِنْ تِلْقَائِكَ، اتَّخَذْتُ الأَبْوَابَ وَالبَوَّابَ، وَالحِجَابَ وَالحُجَّابَ؛ لِيَصُدُّوا عَنِّيَ القَاصِدَ، وَيَرُدُّوا عَنِّي الوَافِدَ! فَاعْمُرْ قَبْرِكَ كَمَا عَمَرْتَ قَصْرَكَ، وَانْتَهِزِ الفُرْصَةَ مَا دَامَ الدَّهْرُ يَقْبَلُ أَمْرَكَ، فَلَا تَعْتَذِرْ، فَمَا ثَمَّ مَنْ يَقْبَلُ عُذْرَكَ. وَهَذَا مَلِكُ الهِنْدِ - وَهُوَ عَابِدُ صَنَمٍ - ذَهَبَ سَمْعُهُ

(2)

، فَقَالَ: مَا حَسْرَتِي لِذَهَابِ الجَارِحَةِ مِنْ بَدَنِي، وَلكِنْ تَأَسُّفِي لِصَوْتِ المَظْلُومِ لا أَسْمَعَهُ فَأُغِيْثَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ سَمْعِي فَمَا ذَهَبَ بَصَرِي فَلْيُؤْمَرْ كُلُّ ذِيْ ظَلَامَةٍ أَنْ يَلْبَسَ الأَحْمَرَ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُ عَرَفْتُهُ فَأَنْصَفْتُهُ. وَهَذَا أَنُوشِرْوَانَ قَالَ لَهُ رَسُوْلُ مَلِكِ الرُّوْمِ: لَقَدْ أَقْدَرْتَ عَدُوَّكَ عَلَيْكَ بِتَسْهِيْلِ الوُصُوْلِ إِلَيْكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَجْلِسُ هَذَا المَجْلِسَ لأَكْشِفَ ظُلَامَةً وَأَقْضِيَ

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "ونظام .. ".

(2)

بعدها في (ط) بطبعَتَيْهِ: "فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَهلُ مَمْلَكَتِهِ يُعَزُّوْنَهُ بِسَمْعِهِ" وَلَا تُوْجَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ في جَمِيع النُّسَخِ، زَادَهَا المُحقِّقَان الدُّكتور هنري لاووست والدُّكتور سامي الدَّهَّان عَن "المُنْتَظَمِ" وَزَادَهَا الشَّيخُ حَامِدٌ الفَقِي دُونَ إِشَارَةٍ، وَوُجُوْدِهَا غَيْرُ ضَرُورِيٌّ وَهِيَ مِمَا يَجُوْزُ حَذْفُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ، اخْتَصَرَ المُؤلِّفُ عِبَارَة "المُنْتَظم" أَوْ هُو سَهْوٌ مِنْهُ، أَوْ لِعَدَمِ وُجُودِ هَذِهِ العِبَارَةِ في نُسْخَتِهِ مِن "المُنْتَظَمِ" كَمَا قُلْنَا فِي سَابِقِهَا.

ص: 251

حَاجَةً. وَأَنْتَ يَا صَدْرَ الإِسْلَامِ، أَحَقُّ بِهَذِهِ المَأْثَرَةِ، وَأَوْلَى بِهَذِهِ وَأَحْرَى مَنْ أَعَدَّ جَوَابًا لِتِلْكَ المَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ اللهُ الَّذِي {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ}

(1)

فِي مَوْقِفٍ مَا فِيْهِ إِلَّا خَاشِعٌ، أَوْ خَاضِعٌ، أَوْ مُقْنِعٌ، فَيَنْخَلِعَ فِيْهِ القَلْبُ، وَيَحْكُمَ فِيْهِ الرَّبُّ، وَيَعْظُمَ فِيْه الكَرْبُ، وَيَشِيْبَ فِيْهِ الصَّغِيْرُ، وَيُعْزَلَ فِيهِ المَلِكُ وَالوَزِيْرُ:{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)}

(2)

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}

(3)

، وقَدِ اسْتَجْلَبْتُ لَكَ الدُّعَاءَ، وَخَلَّدْتُ لَكَ الثَّنَاءَ، مَعَ بَرَاءَتِي مِنَ التُّهَمَةِ، فَلَيْسَ لِي - بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى -[فِي أَرْضِ اللهِ ضَيْعَةٌ ولَا قَرْيَةٌ، وَلَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ خُصُوْمَةٌ، وَلَا بِي - بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى -]

(4)

فَقْرٌ وَلَا فَاقَةٌ. فَلَمَّا سَمِعَ نِظَامُ المُلْكِ هَذِهِ المَوْعِظَةَ بَكَى بُكَاءً شَدِيْدًا، وَأَمَرَ لَهُ بِمَائَةِ دِيْنَارٍ، فَأَبَى أَنْ يَأخُذَهَا، وَقَالَ: أَنَا فِي ضِيَافَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَمَنْ يَكُنْ فِي ضِيَافَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ يَقْبُحُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ عَطَاءَ غَيْرِهِ، فَقَالَ لَهُ: فُضَّهَا

(5)

عَلَى الفُقَرَاءِ، فَقَالَ: الفُقَرَاءُ عَلَى بَابِكِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ عَلَى بَابِي، وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا.

تُوُفِّيَ أَبُو سَعْدٍ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ثَامِنَ عِشْرِينَ رَبِيْعَ الأَوَّلَ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسَمَائَةَ،

(1)

سُوْرَةُ مَريَمَ، الآية:90.

(2)

سُورةُ النَّازِعَاتِ.

(3)

سُورةُ آلِ عِمْرَان، الآية:30.

(4)

ساقط من (أ) و (ب) و (جـ).

(5)

في (أ): "فضُمَّها" وَعَلَى قِرَاءَةِ نُسْخَةٍ أُخْرَى "قَسِّمْهَا".

ص: 252

وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ"، - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - (2).

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: حَكَى أَبُو المَكَارِمِ بْنُ رُمَيْضَاءَ السَّقْلَاطُوْنِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعْدٍ بنَ أَبِي عِمَامَةَ فِي المَنَامِ، حِينَ اخْتَصَمَ المُسْتَرْشِدُ وَالسُّلْطَانِ مَحْمُوْدٌ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ، وَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ عِنْدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَهَا هُوَ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ فَرَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ تَقْصِدُوْنَ؟ قَالَ: إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المُسْتَرْشِدِ بِاللهِ لِنَدْعُوَ لَهُ، فَصَحِبْتُهُمْ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى "الحَرْبِيَّةِ" إِلَى "مَسْجِدِ ابْنِ القَزْوِيْنِيِّ" فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: نَدْخُلُ، فَأَخَذَ الشَّيْخُ مَعَنَا، فَدَخَلَ بَابَ المَسْجِدِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ

(1)

، فَإِذَا الصَّوْتُ مِنْ صَدْرِ المَسْجِدِ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الإِمَامُ قَدْ نُصِرَ، قَالَ: فَانْتَبَهْتُ مَرْعُوْبًا، وَكَانَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ.

‌53 - جَعْفَرُ بْنُ الحَسَن

(2)

الدَّرْزِيْجَانِيُّ، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ. ذَكَرَهُ القَاضِي

(1)

فِي (ط) بطبْعَتيه: "وَبَرَكَاتُهُ".

(2)

53 - جَعْفَرُ الدَّرْزيْجَانِيُّ (؟ - 506 هـ).

أَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 477)، وَمُخْتَصَرِهِ (408)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 12)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 269)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 51)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 230). وَيُرَاجَعُ: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (19/ 414)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (137)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (11/ 101)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 15، 6/ 26).

وَ (الدَّرْزِيْجَانِيُّ)"نِسْبَةً إِلَى (دَرْزِيْجَانَ) قَرْيَةٌ عَلَى ثَلاثةِ فَرَاسِخَ من "بَغْدَادَ" بِفَتْحِ =

ص: 253

أَبُو الحُسَيْنِ فِيْمَنْ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ، وَعَلَّقَ، وَسَمِعَ الحَدِيْثِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَرْجَمَتَهُ كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ شَافِعٍ فِي "تَارِيْخِهِ" فَقَالَ: هُوَ الأَمَّارُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهَّاءُ عَنِ المُنْكَرِ، ذُو المَقَامَاتِ المَشْهُوْدَةِ فِي ذلِكَ، المُهْتَدِي

(1)

بِنُوْرِ الإِيْمَانِ وَاليَقِينِ لَدَى المُلُوْكِ وَالمُتصَرِّفِيْنَ. صَحِبَ القَاضِي أَبَا يَعْلَى، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ، ثُمَ تَمَّمَ عَلَى

= الدَّالِ المُهْمَلَةِ، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، وكَسْرِ الزَّاي، وَفَتْحِ الجِيْمِ، وفي آخِرِهَا النُّوْنُ" يُرَاجَعُ: مُعَجَمُ البُلدَانِ (2/ 513)، وَالأَنْسَابُ (5/ 298). وَذَكَرَا المَنْسُوبِيْنَ إِليْهَا، وَلَمْ يَذْكُرَا جَعْفَرًا هَذَا؛ لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ، وَكَانَ الحَافِظُ الخَطِيْبُ أَصْلُهُ مِنْهَا، وَكَانَ وَالِدُهُ خَطِيْبَهَا، وَأَغْلَبُ سُكَّانِ هَذ القَرْيَةِ مِنَ الحَنَابِلَةِ، وَالحَافِظُ الخَطِيْبُ حَنْبَلِيُّ المَذْهَبِ، تَحَوَّلَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَيَظْهَرُ أَنَّ وَالِدَهُ حَنْبَلِيٌّ عَلَى الأَصْلِ؟

وَمِمَّنْ يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله مِنْ حَنَابِلةِ "دَرْزيْجَانَ":

52 -

عُمَرُ بنُ أَبِي بكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَسْعَدَ الحَسَنِ بنِ سُكْرٍ الدَّرْزِيْجَانِيُّ. ذَكَرَهُ أَبُو البَرَكَاتِ بنُ المُسْتَوفِي الإِرْبِلِيُّ في تَارِيْخِ إِرْبلَ (367) وَقَالَ: "أقَام بِـ "إرْبِلْ"، وَلَهُ بِهَا ذِكْرٌ، وَبِـ "إِرْبِل" مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِهِ، تُوُفِّيَ بِـ "إِرْبِل" وَقَبْرُهُ بها، حَنْبَليُّ المَذْهَبِ، مُغَالٍ في السُّنَّةِ، من أَصْحَابِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيِّ"، وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ.

53 -

وَوَالِدُهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سَعْدٍ؟ الحَسَنِ بنِ سُكرٍ (ت بعد 574 هـ) ذَكَرَهُ ابنُ الدُّبَيْثيِّ فِي "تَارِيْخِهِ" وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ القَادِرِ بنِ يُوْسُفَ، وَأَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بن البَنَّاءِ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ تَمِيْمُ بنُ أَحْمَدَ البَنْدَنِيْجِيُّ، وَقَدْ كَانَ حَيًّا سَنَةَ (574 هـ). وَهَذَا أَفَدْتُهُ من تَعْلِيْقَاتِ الدُّكْتُور سَامِي الصَّقَّار عَلَى "تَارِيْخِ إِرْبِلَ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: عَلَى هَذَا يَكُوْنُ جَدَّهُ لَا أَبَاهُ؟! إِلَّا أَنْ تَكُوْنَ لَفْظَةُ "ابن" بَيْنَ "أَبي بَكْرٍ" وَ"عَبْدِ اللهِ" زَائِدَةً.

(1)

في (ط) بطبعتيه و (هـ): "المهيب".

ص: 254

صَاحِبِهِ الشَّرِيْفِ أَبي جَعْفَرٍ

(1)

، وَخَتَمَ عَلَيْهِ القُرْآنَ خَلْقٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَكَانَ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، أَمَّارًا بِالمَعْرُوفِ، قَوَّالًا بِالحَقِّ، نَاهِيًا عَنِ المُنْكَرِ، لَا تَأْخُذْهُ فِي اللهِ تَعَالَى لَوْمَةَ لَائِمٍ، مَهِيْبًا، وَقُوْرًا، لَهُ حُرْمَةٌ عِنْدَ المُلُوْكِ وَالسَّلَاطِيْنِ، وَلَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ

(2)

أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إِذَا أَنْكَرَ مُنْكَرًا، وَلَهُ المَقَامَاتُ المَشْهُوْدَةُ فِي ذلِكَ، مُدَاوِمًا لِلْصِيَّامِ، وَالتَّهَجُّدِ وَالقِيَامِ، وَلَهُ خَتَمَاتٌ كَثيْرَةٌ جِدًّا، كُلُّ خَتْمَةٍ مِنْهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ

(3)

وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ أَبي عَلِيِّ بْنِ البَنَّاءِ.

تُوفِيَ فِي الصَّلَاةِ سَاجِدًا، فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ سَتٍّ وَخَمْسِمَائَةَ بِـ "دَرْزِيْجَانَ" - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. قَالَ المُبَارَكُ بْنُ كَامِلٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بْنَ قَاسِمِ بْنِ علَيِّ الشَّعْرَانِيَّ

(4)

قَالَ: رَأَيْتُ جَعْفَرَ الدِّرْزِيْجَانِيَّ جَاءَ إِلَى "بَغدَادَ" فَالتَقَى بِهِ أَبُو الحَسَنِ الدِّرْزِيجَانِيّ

(5)

فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَرَكْتَ الصِّبْيَانَ؟ فقَالَ لَهُ

(6)

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ

(1)

في (ط) الفقِي: "أبو".

(2)

ساقطٌ من (ب) معلقة على الهامش في (أ).

(3)

هَذَا أَمْرٌ مُحَالٌ نَقْلَهُ المُؤَلِّفُ عَنِ "الطَّبَقَاتِ" للقَاضِي أَبِي الحُسَيْن؟!.

(4)

عَبْدُ الوَهَّابِ الشَّعْرَانِي هَذَا مُتَرْجَمٌ فِي ذَيْلٌ تَارِيْخ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (1/ 379)، قَالَ: "رَوَى عَنْ أَبِي الحُسَيْن بنِ الطُّيُوْرِيِّ شَيْئًا يَسِيْرًا، وأَنشَدَ عَنِ المُبَارَكِ بن كَامِل، عَنِ ابنِ الطُّيُورِيِّ المَذْكُوْرِ أَبْيَاتَ شِعْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ هُوَ الظَّفَرِيُّ البَغْدَادِيُّ (ت: 543 هـ) حَنْبَلِيُّ ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

(5)

في (ط) بطبعتيه: "أَبُو الحُسَينِ"، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ الآنَ.

(6)

سَاقط من (أ) و (ب) و (ج).

ص: 255

وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)}

(1)

تَقْوَى اللهِ لَنَا وَلَهُمْ.

(1)

سُوْرَةُ النِّسَاءِ.

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (506 هـ):

54 -

نَاجِيَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ جَرْدَةَ، البَغْدَادِيُّ أَبُوْهَا، العُكْبَرِيُّ الأَصْلِ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةِ (476 هـ)، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ أَخِيْهَا عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ في وَفَيَاتِ سَنَةِ (493 هـ).

وَممَّنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مِنَ الحَنَابِلَةِ فِي وَفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَةِ:

55 -

عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ رِضْوَان، أَبُو الحُسَيْنِ الكَاتِبُ. ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ فِي تَارِيْخِهِ (1/ 77) وقَالَ: وَهُوَ أَخُو أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ

عَيْنٌ فِي الكِتَابَةِ فِي دِيْوَانِ الإنْشَاءِ .. وكَانَ كَاتِبًا حَاذِقًا بَلِيْغًا، فَاضِلًا .. رَوَى عَنْهُ أَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، أَبُو الطَّاهِرِ السِّلَفِيُّ فِي "مُعْجَمَيْهِمَا" وَذَكَرَ مَوْلِدَهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ عَنِ ابنِ البَنَّاءِ بِخَطِّهِ، وَوَفَاتُهُ فِي السَّنَةِ المَذْكُورَةِ عَنْ ذَاكِرِ بنِ كَامِلٍ، عَنْ فَارِسِ بنِ شُجَاعٍ الذُّهلِيِّ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ فِي "المَشيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ"(وَرَقة: 215) قَالَ: " (من حَدِيْثِ الإِمَامِ أبي عَبْدِ اللهِ أحْمَد بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبلِ رضي الله عنه رِوَايَةَ وَلَدِهِ عَبْدِ الله عَنْهُ) أَخْبَرنَا الأَجَلُّ أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ رِضْوَانَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رِضْوَانَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي دَارِهِ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْن وَأَرْبَعِمَائَةَ. . ." وَلأَخِيْهِ أَبي نَصْرٍ ذِكْرٌ في المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ (الورقة: 47)، وَذَكَرَهُمَا مَعًا فِي الوَرَقَةِ (340). يُرَاجَع في تَرْجَمَةِ عَبْدِ المَلِكِ: المُنْتَظم (9/ 172)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (143)، وَسَيأْتِي أَخُوهُ أَحْمَدُ في اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ إِنْ شَاءَ اللهُ.

ص: 256

‌54 - عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ

(1)

بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَنْبَارِيُّ، القَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ، الفَقِيْهِ، الوَاعِظُ.

وُلِدَ يَوْمَ الخَمِيسِ خَامِسَ عِشْرِيْنَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمَائَةَ وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى ابنِ الشَّرْمَقَانِيِّ،

(2)

وسَمِعَ الحَدِيثَ مِنْ أَبِي طَالِبِ بنِ غَيْلَانَ، وَالجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ بِشْرَانَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بْنِ المُهْتَدِي، وَأَبِي الغَنَائِمِ بْنِ المَأْمُوْنِ، وَأَبِي جَعْفَرِ بْنِ المُسْلِمَةِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَسَمِعَ مِنَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ حَتَّى بَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَأَفْتَى وَوَعَظَ بِـ "جَامِعِ القَصْرِ"، وَ"جَامِعِ المَنْصُورِ"، وَ"جَامِعِ المَهْدِيِّ"، وَكَانَ مُظْهِرًا لِلْسُّنَّةِ فِي مَجَالِسِهِ. وَشهِدَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ بْنِ الدَّامَغَانِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الشَّامِّي

(3)

،

(1)

54 - أَبُو مَنْصُوْرٍ الأَنْبَارِيُّ (425 هـ - 507 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 478)، وَمُخْتَصَرِهِ (440)، وَمَنَاقِبُ الإِمَامِ أَحْمَدَ (634)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 12)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 255)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدَ (3/ 52)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 231). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 753)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 176)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 281)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (163)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (23/ 87)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 17)، (6/ 29).

(2)

بِفَتْحِ الشِّيْنِ المُعْجَمَةِ، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ، وَفَتْحِ المِيْمِ وَالقَافِ، وَفِي آخِرِهَا النُّوْنُ، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى "شَرْمَقَانَ" وَهِيَ بَلْدَةٌ قَرِيْبَةٌ مِنْ "إِسْفَرَائِيْنَ" بِنَوَاحِي "نَيْسَابُوْرَ" يُقَالُ لَهَا:"جَرْمَقَانَ" بِالجِيْمِ. . ." وَذَكَرَهَا يَاقُوْتٌ فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ (3/ 383)، وَالمَذْكُوْرُ هُنَا هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَبِي الفَضْلِ المُؤَدِّبُ، نَزِيْلُ "بَغْدَادَ"، أَحَدُ حُفَّاظُ القُرْآنِ، وَمِنَ العَالِمِيْنَ بِاخْتِلَافِ القِرَاءَاتِ وَوُجُوْهِهَا (ت: 451 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (7/ 204)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (1/ 227).

(3)

في (ط) بطبعتيه: "السَّامي" وَإِنَّما هُوَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الشَّامِيُّ بِالشِّيْنِ المُعْجَمَةِ، سَبَقَ ذِكْرُهُ ص (91).

ص: 257

وَغَيْرِهِمَا، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِـ "بَابِ الطَّاقِ" وَحَدَّثَ وَانْتَشَرَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بْنُ أَحْمَدَ بنِ يُوسُفَ، وَأَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، وَالمُبَارَكُ ابْنُ خُضَيْرٍ، وَالسِّلَفِيُّ.

(1)

(1)

جَاءَ فِي "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" لِلْحَافِظِ السِّلَفِيِّ (وَرَقَة: 54): ". . . (مِن حَدِيْثِ أبي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ): أَخْبَرَنَا فَضَائِلُ بنُ جَوْهَرِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُلَاحِظٍ

وَأَبُو مَنْصُورٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْبَارِيُّ الوَاعِظُ، قَاضِي "بَابِ الطَّاقِ" بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَيْضًا فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةِ أَرْبعٍ وَتِسْعِيْنَ، قَالَا:(أَنَا) أَبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيِّ إِمْلَاءً. . .". وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله في وَفِياتِ سَنَةِ (507 هـ):

56 -

شُجَاعُ بنُ فَارِسِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ فَارِسِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ غَرِيْبٍ الذُّهْلِيُّ المُحَدِّثُ الكَبَيْرُ، المُتَمَيِّزُ بإِتقَانِ الخَطِّ وَجَوْدَتِهِ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، مُفِيْدُ وَقْتِهِ بِـ "بَغْدَادَ". شَيْبَانِيٌّ، ذُهْلِيٌّ، من رَبِيْعَةَ الفَرَسِ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانِ، أَخْبَارُهُ كَثيْرَةٌ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ كَبِيْرٌ، قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ: "نَسَخَ بِخَطِّهِ مِنَ التَّفْسِيْرِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، مَا لَمْ يَنْسَخْهُ أَحَدٌ مِنَ الوَرَّاقِيْنَ. قَالَ لِي عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: دَخَلْتُ عَلِيْه يَوْمًا فَقَالَ لِي: تَوِّبْنِي، فَقُلْتُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: كَتَبْتُ شِعْرَ ابنِ الحَجَّاجِ بِخَطِّي سَبْعَ مَرَّاتٍ.

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: ابنُ الحَجَّاجِ شَاعِرٌ عَبَّاسِيُّ، كَانَ فَاحِشَ الشِّعْرِ، يَذْكُرُ القَبَائِحَ وَالفَضَائحَ فِي شِعْرِهِ، مَنْ غَزلٍ مَكْشُوْفٍ وَعُهْرٍ، وَوَصفِ خَمْرٍ وَذكر عَوْرَةٍ .. اسْمُهُ حُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ (ت: 391 هـ) وَمِنَ النَّاحِيَةِ الفَنِّيَّةِ فَشِعْرُهُ قَوِيٌّ، جَيِّدٌ، دَقِيْقُ الوَصفِ، جَيِّدُ التَشْبِيْهِ، لَهُ مَعَانٍ مُبْتَكَرَةٍ، مَعَ سُهُوْلَةِ لَفْظٍ وَجَزَالَةِ مَعْنًى؛ لِذَا أَصْبَحَ لِدِيْوَانِهِ ذُيُوْعٌ وَانْتِشَارٌ، وَمُحِبُّوْهُ كَثيْرٌ آنذَاكَ. فَنَسْخُ الشَّيْخِ هَذَا العَدَدِ مِنَ النُّسَخِ دَلِيْلٌ عَلَى كَثْرةِ الطَّلَبِ عَلَيْهِ. وَقَدْ شَعَرَ الشَّيْخُ فِي آخِر عُمُرِهِ أَنَّهُ أَعَانَ عَلَى نَشْرِ الرَّذِيْلَةِ، فَأَرَادَ التَّوْبَةَ. وَيَظْهَرُ أَنَّ الشَّيْخَ شَعَرَ بِالذَّنْبِ من التَّشَاغُلِ بِكُلِّ مَا لَا يَتَعَلَّقُ تَعَلُّقًا مُبَاشِرًا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِذَا فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ جَمَعَ تَاريْخًا لِـ "بَغْدَادَ" ذَيَّلَ =

ص: 258

تُوُفِيَّ يَوْمَ السَّبْتِ رَابِعَ عِشْرِيْنَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ"، وَتَبِعَهُ مِنَ الخَلْقِ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَلَا يَعُدُّهُمْ إِلَّا أَسْرَعُ الحَاسِبِيْنَ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَافِعٍ. وَفِي "تَارِيخِ ابْنِ

= بهِ على "تَارِيخِ الحَافِظِ الخَطِيْبِ" قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "فَغَسَلَهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ".

أَقُوْلُ: سامَحَهُ اللهُ وَعَفَا عَنْهُ، فَمَا أَحْوَجَنَا إِلَى مِثْلِ جَمْعِهِ لِمَا ذُكِرَ عَنْ أَمَانَتِهِ وَثِقَتِهِ.

وَذَكرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ عَنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِي قَوْلَهُ: "قَلَّ مَا يُوْجَدُ بَلَدٌ مِنْ بِلَادِ الإِسْلَامِ إِلَّا وَفِيْهِ شَيْءٌ بِخَطِّ شُجَاعٍ الذُّهْلِيِّ.

يَقُولُ الفَقِيْرُ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُلَيْمَانِ العُثيمِينَ - عَفَا اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّ شُجَاعًا هَذَا حَنْبَلِيُّ المَذْهَبِ قَوْلُ الحَافِظِ الذَّهَبِيِّ في تَارِيْخِ الإِسْلَامِ (272) - فِيْمَا نَقَلَهُ عَنِ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ -: في تَرْجَمَةِ أَبِي عَليٍّ البَرَدَانِيِّ (ت: 498 هـ) - ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَبَقَ -: "قَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ أَبُو عَلِيٍّ أَحْفظُ وَأَعْرَفُ مِنْ شُجَاعٍ الذُّهْلِيِّ، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتًا، لَهُ مُصَنَّفاتٌ، قَالَ: وَكَانَا حَنْبَلِيَّيْنِ" وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الإِشَارَةِ ذَكَرْتُهُ هُنَا. وَسَبَقَ أَنْ ذَكَرَتُ وَالِدَهُ "فَارِسُ بنُ الحُسَينِ" المُتَوَفَّى سَنَةَ (491 هـ) للسَّبَبِ نَفْسِهِ.

57 -

وَابْنُ أَخِيْهِ: مُحَمَّدُ بنُ حَامِدِ بنِ فَارِسٍ. ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابِنُ الدُّبَيْثِيِّ في ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (1/ 246) وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ.

58 -

وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَرْزُوْقِ بنِ عَبْدِ اللهِ، أَبُو الخَيْرِ الحَافِظُ الهَرَوِيُّ، موْلَى شَيْخِ الإِسْلامِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ، الإمَامِ المَشْهُوْرِ المَتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ. سَمِعَ مِنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ وَغَيْرِهِ فِي "هَرَاةَ" وَأَبِي عَمْرِو بنِ مَنْدَه بِـ "أَصْبَهَانَ" وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ وَطَبَقَتِهِ بِـ "بَغْدَادَ". . . وغَيْرِهَا مِنَ البِلَادِ، وَجَالَ الآفَاقَ، وَسَكَنَ "أَصْفَهَانَ". أَخْبَارُهُ في: سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (19/ 300)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1246)، وَالوَافِي بِالْوَفِيَاتِ (17/ 106)، وَطَبَقَاتِ الحُفَّاظِ (453)، وَشَذْرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 16).

ص: 259

السَّمْعَانِيِّ"، عَنْ أَبِي الفَضْلِ بْنِ عَطَّافٍ أَنَّهُ تُوفِيَّ لَيْلَةَ السَّبْتِ المَذْكُورَةِ. قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: صلَّيْتُ عَلَيْهِ إِمَامًا بِجَامِعِ المَنْصُورِ فِي المَقْصُورَةِ، قَالَ: وَحَدَّثَ عَنِ الوَالِدِ بِكَثِيْرٍ مِنْ سَمَاعَاتِهِ وَمُصَنَّفَاتِهِ.

‌55 - إِسْمَاعِيْلُ بْن مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ

(1)

بن دَاوُدَ الأَصْبَهَانِيُّ، الخَيَّاطُ، أَبُو عَلِيٍّ،

سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ، وَكَانَ خَطُّهُ دَقِيْقًا مَطْبُوْعًا، دَخَلَ "بَغْدَادَ" سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِمَائَةَ، وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ وَالِدِهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بْنِ الحَسَنِ بْنِ مَاجَهْ، وَأَبِي مُطِيعٍ المُضَرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

سَمِعَ مِنْهُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بنُ نَاصِرِ البَرْدَنِيُّ

(2)

. وَقَالَ: كَانَ مِنَ الأَئِمَّةِ الكِبَارِ، وَهُوَ أَخُو أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ

(3)

.

(1)

55 - ابن دَاوُدَ الأَصْفَهاني: (؟ - 508 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن بنُ يَعْلَى في "الطَّبقات".

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (وَرَقَة: 12)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 272)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 53)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنْضَّدِ" (1/ 231). ويُرَاجَعُ: الشَّذَرَاتُ (4/ 22)(6/ 37)، ومَعَ قَوْلِ أَبِي مَنْصُورٍ الآتِي:"كَانَ مِنَ الأَئِمَّةِ الكِبَارِ" فَأَخْبَارُهُ قَلِيْلَةٌ جِدًّا، ومَصْدَرُ المُؤَلِّفِ الوَحِيْدِ هو "تَارِيْخُ ابنِ النَّجَّارِ".

(2)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "البَرْدِيُّ" وفي الأُصُوْلِ كُلِّهَا: "البَرْدَنِيُّ" وَكَتَبَ فَوْقَهَا ابنُ نَصْرِ الله (كذا) اسْتَشْكَلَهَا، وَلَم أقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ. وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ كُلُّهَا سَاقِطَةٌ من (د).

(3)

ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَرَفَعَ نَسَبَهُ هكَذَا:"مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بن دَاوُدَ، أَبُو سَعْدِ بنِ أَبِي العَبَّاسِ" وَهَذَا لَا يَتَّفِقُ مَعَ نَسَبِهِ هُوَ. فَإِمَّا أنْ يَكُونَ أَبُو سَعْدٍ الآتِي ابْنَ أَخِيْه فَيَكُوْن: "أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ" أَخُو "إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ" لكنْ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا قَوْلُ المُؤَلِّفِ هُنَا =

ص: 260

قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَخِيْهِ أَبِي سَعْدٍ: تُوُفِّيَ أَخِي أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِمَائَةَ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

‌56 - إِسمَاعِيلُ بنُ المُبَارَكِ

(1)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ وَصِيْفٍ البَغْدَادِيُّ، الفَقِيهُ، أَبُو حَازِمٍ.

وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ وَأَرْبَعَمِائَةَ. وَقَرَأَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِن ابنِ العُشَارِيِّ، وَالجَوْهَرِيِّ. رَوَى عَنْهُ أَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، وَبِالإِجَازَةِ ابنُ كُلَيْبٍ. وَتُوفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِمَائَةَ.

‌57 - أَحْمدُ بنُ الحَسَنِ

(2)

بنِ أَحْمَدَ المُخَلَّطِيُّ، البَغْدَادِيُّ الفَقِيهُ، أَبُو العَبَّاسِ

= عَن أَبِي سَعْدٍ: "تُوُفِّي أَخِي .. " وَإِمَّا أنْ يَكُوْنَ أَخُوْهُ لأُمِّهِ وابْنُ عَمِّهِ. وَإمَّا أنْ يَكُوْنَ هُنَاكَ خَلَلٌ فِي رفْعِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا. وَحَاوَلْتُ أنْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَةِ أَبِيْهِ لَعَلَّهُ يُسَاعِدُ فِي كَشْفِ هَذَا الغُمُوْضِ. فَقَوْلُ المُؤَلِّفِ هُنَا: "حَدَّث بِهَا عَنْ وَالِدِهِ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَالِدَهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالرِّوَايَةِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهِ بَعْدُ.

(1)

56 - ابنُ وَصِيْفٍ (؟ - 508 هـ):

لمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 12)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 272)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 54)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 232). وَيُرَاجَعُ: تَارِيْخُ الإسْلَامِ (201)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 22)(6/ 36).

(2)

57 - أَبُو العَبَّاسِ المُخَلَّطِيُّ (؟ - 508 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 479)، وَمُخْتَصَرِهِ (409)، ومُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 12)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 91)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 52)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 231). وَيُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (11/ 190)، وَاللُّبَابُ (3/ 181)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 181)، وَتَارِيْخُ الإسْلَامِ =

ص: 261

الدَّبَّاسُ

(1)

. صَحِبَ القَاضِيَ أَبَا يَعْلَى، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ، وَلَازَمَهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ، وَكَتَبَ "الخِلَافَ" وَغَيْرَهُ مِنْ تَصَانِيْفِهِ. وَسَمِعَ أَيْضًا مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي، وَأَبي جَعْفَرِ بنِ المُسْلِمَةِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الآبَنُوْسِيِّ، وَأَبِي عَلِيِّ بنِ وِشَاحٍ، وَأَبِي عَلِيِّ المُبَارَكِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَحَدَّثَ عَنْهُمْ.

قَالَ ابنُ نَاصِرٍ الحَافِظُ: وَسَمِعْتُ مِنْهُ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ، وَالسِّتْرِ، وَالصِّيَانَةِ، ثِقَةً، مَأْمُوْنًا.

تُوفِّيَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ ثَانِي عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ" رحمه الله.

وَ"المُخَلَّطِيُّ" بِفَتْحِ اللَّامِ المُشَدَّدَةِ

(2)

- نِسْبَةَ إِلَى المُخَلَّطِ -، وَهُوَ النُّقْلُ

(3)

، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَبِيْعُهُ.

= (198)، وَالوَافِي بالوَفَيَاتِ (6/ 319)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 22)(6/ 36).

(1)

جَاءَ في الأنْسَابِ لأبي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ (5/ 267): "بِفَتْحِ الدَّالِ المُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيْدِ البَاءِ المَنْقُوْطَةِ بِوَاحِدَةٍ، وَفِي آخِرِهَا السِّيْنُ المُهْمَلَةُ، هَذِهِ الحِرْفَةُ لِمَنْ يَعْمَلُ الدِّبْسَ أَوْ يَبِيْعُهُ" وَالدِّبْسُ مَعْرُوْفٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبَنَا هُنَا؛ لأَنَّهُ بِـ "المُخَلَطِيِّ" أَشْهَرُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِيْهَا كَمَا سَبَقَ.

(2)

جَاءَ في "الأنْسَابِ": "بِضَمِّ المِيْمِ، وَفَتْحِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ اللَّامِ المُشَدَّدَةِ، وَفِي آخِرِهَا الطَّاءُ. هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى بَيْعِ المُخَلَّطِ، وَهُوَ الفَاكِهَةُ اليَابِسَةُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ إِذَا خُلِطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَيُقَالُ لِمَنْ يَبِيْعُ هَذَا (المُخَلَّطِيُّ) ". وَذَكَرَ المُتَرْجَمَ هُنَا دُوْنَ سِوَاهُ.

(3)

النُّقْلُ: هُوَ المُخَلَّطُ نَفْسُهُ، قَالَ ابنُ نَاصِرِ الدِّيْنِ فِي التَّوْضِيْحِ (1/ 566):"وَمَعْنَى النُّقْلِيِّ عِنْدَ الشَّامِيِّيْنَ كَالمُخَلِّطِ في عُرْفِ العِرَاقِيِّيْنَ، وَهُوَ مَنْ يَبِيْعُ المُخَلَّطِ وَهُوَ الفَاكِهَةُ اليَابِسَةُ من كُلِّ نَوْعٍ".

ص: 262

نَقَلْتُ مِنْ بَعْضِ تَعَالِيْقِ الإِمَامِ أَبِي العَبَّاسِ بنِ تَيْمِيَّةَ، قَالَ: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ المُخلَّطِيِّ عَلَى ظَهْرِ الجُزْءِ الثَّانِي وَالأَرْبَعِينَ مِنْ "تَعْلِيْقِ القَاضِيَ"، ثُمَّ رَأَيْتُهُ أَنَا بِخَطِّ المُخَلِّطِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا - يَعْنِي القَاضِيَ أَبَا يَعْلَى - قَالَ: إِذَا وَقَفَ دَارَهُ عَلَى مَسْجِدٍ وَعَلَى إِمَامِ يُصَلِّي فِيْهِ كَانَ لِلإِمَامِ نِصْفُ الاِرْتِفَاعِ، كَمَا لَو وَقَفَهَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَفَهُ عَلى مَسَاجِدِ القَرْيَةِ، وَعَلَى إِمَامٍ يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، قُسِمَ الاِرْتِفَاعُ عَلَى عَدَدِ المَسَاجِدِ، وَعَلَى الإِمَامِ، فَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى المَسْجِدِ خَاصَّةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى إِمَامٍ يُصَلِّي فِيْهِ، وَلَا يُصْرَفُ فِي بَوَارِي

(1)

المَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ذلِكَ مِنْ مَصلَحَةِ المُصَلِّينَ، لَا مِنْ مَصْلَحَةِ المَسْجِدِ.

‌58 - مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ

(2)

بنِ سَعِيْدٍ الغَسَّالُ المُقْرِئُ، أَبُو البَرَكَاتِ

بنُ

(1)

البَوَارِي جَمْعُ بَارِيَةٍ، وَهِيَ كَالحَصِيْرِ، تَعْمَلُ مِنَ القَصَبِ تُفْرَشُ في المَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا تَحَدَّثتُ عَنْهَا بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا في تَرْجَمَةِ (البُوْرَانِيِّ) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ (ت: 304 هـ) في الطَّبَقَاتِ (1/ 151) فَليُرَاجِعْ مَنْ شَاءَ ذلِكَ هُنَاك.

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةَ (508 هـ):

59 -

رَيْحَانُ، غُلَامُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ جَرْدَةَ البَغْدَادِيِّ. ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإسْلَامِ (204)، وَقَالَ:"رَوَى عَنْهُ أَبُو المُعَمِّرِ الأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بنِ البَنَّاء".

60 -

وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحَسَنِ القَزَّازُ، أَبُو غَالِبٍ الشَّيْبَانِيُّ البَغْدَادِيُّ مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ وَرِوَايَةٍ. حَدَّثَ عَنِ الجَوْهَرِيِّ، وَالبَرْمَكِيِّ، وَالعُشَارِيِّ، وَقَرَأَ القِرَاءَات عَلَى الشَّرْمَقَانِيِّ، وَابْن شِيْطَا. وَكَانَ ثِقَةً، حَاذِقًا بِالقِرَاءَاتِ. وَلَهُ أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ. أَخْبَارُهُ في: مَعْرِفَةِ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 464)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (2/ 192)

وَغَيْرِهِمَا.

(2)

58 - أَبُو البرَكَاتِ الغَسَّالُ (470 - 509 هـ): =

ص: 263

الحَنْبَلِيِّ يُلَقَّبُ "التَّارِيْخَ"

(1)

.

وُلِدَ فِي رَبِيعِ الآخِرِ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعَمِائَةَ

(2)

. وَقَرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى

= لمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 12)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 413)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 55)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 232). وَيُرَاجَعُ: تَكْمِلَةُ الإكْمَالِ (4/ 320)، وَذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ الدُّبيثيِّ (1/ 174)، وَمُخْتَصَرُهُ المُحْتَاجُ إِلَيْهِ للذَّهَبِيِّ (1/ 28)، وَتَارِيْخُ الإسْلَامِ للذَّهَبِيِّ (229)، وَالمُشْتَبهُ لَهُ (2/ 459)، وَتَوضِيْحُ المُشتَبَهِ لابنِ نَاصِر الدِّيْنِ (6/ 263)، وتَبْصِيْرُ المُنْتَبهِ للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (3/ 1009)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 26)(6/ 34).

وَاسْتَدْرَكَهُ ابنُ حُمَيْدٍ النَّجْدِيُّ المَكِّيُّ في "غَايَةِ العَجَبِ في تَتِمَّة طَبَقَاتِ ابنِ رَجَبٍ" عَنِ "المُشْتَبَهِ" للحَافِظِ الذَّهَبِيِّ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ المَذْكُوْرِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ المَذْكُوْر هُنَا أَسْقَطَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ اسْمَهُ "مُحَمَّدًا" فَقَالَ:"أَبُو البَرَكَاتِ سَعْدٌ" وَإِنَّمَا هُوَ "أَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ. . ." كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابنُ نَاصِر الدِّينِ في "التَّوْضِيْحِ". أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: أَخْطَأَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ ثَانِيَةً فَقَالَ في "تَاريخ الإسْلَامِ" أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وإِنَّمَا هُوَ أَبُو البَرَكَاتِ

؟! وَفِي (ط) بِطَبِعَتَيْهِ: "العَسَّالُ". وَالصَّحِيْحُ أَنَّهُ بِالغَيْنِ المُعْجَمَةِ.

وَابنُهُ عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ الغَسَّالُ (ت: 544 هـ). وَحَفِيْدُهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (ت: 614 هـ)، نَذْكُرُهُمَا فِي مَوْضِعَيْهِمَا مِنَ الاسْتِدْرَاكِ - إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى - وَقَدْ اسْتَدْرَكَهُمَا ابْنُ حُمَيْدٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُلَاحَظُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهم مَاتَ كَهْلًا، رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى. وَلَهُ حَفِيْدٌ آخَرُ؟! أَظُنُّهُ فِي "مُعْجَمِ الدِّمْيَاطِيِّ".

(1)

لم تَرِدْ في كُتُبِ الأَلْقَابِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا.

(2)

في "تَارِيْخِ ابنِ الدُّبَيْثِيِّ": "سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَبْدِ الغَنِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ =

ص: 264

رِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَيَحْيَى بنِ البُسْتِيِّ، وَغَيْرِهِمَا

(1)

. سَمِعَ مِنْ أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَأَبي الغَنَائِمِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَالقَاضِي ابنِ البَطْرِ، وَالنَّعَّالِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَّقَ الفِقْهَ عَنِ ابنِ عَقِيْلٍ. وَكَانَ مِنَ القُرَّاءِ المُجَوِّدِيْنَ، المَوْصُوْفِيْنَ بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وَطِيْبِ النَّغَمَةِ، يُقْصَدُ فِي رَمَضَانَ لِسَمَاعِ قِرَاءَتِهِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيْحِ مِنَ الأَمَاكِنِ البَعِيْدَةِ، وَكَانَ دَيِّنًا صَالِحًا، صَدُوقًا. حَدَّثَ، سَمِعَ مِنْهُ ابنُ نَاصِرٍ، وَالسِّلَفِيُّ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ تِلَاوَةً لِلْقُرْآنِ، وَكَتَبَ الحَدِيْثَ الكَثِيْرَ مَعَنَا وَقَبْلَنَا، وَهُوَ حَنْبَلِيُّ المَذْهَبِ، عَلَّقَ الفِقْهَ عَنْ ابنِ عَقِيْلٍ.

تُوفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَابِعَ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِمَائَةَ، وصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَكَانَ الجَمْعُ مُتَوَفِّرًا، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ" - رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى -.

‌59 - هِبَةُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ

(2)

بنِ مُوسَى بنِ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ السَّقَطِيُّ، أَبُو البَرَكَاتِ

= سَعْدٍ الحَنْبَلِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ مَوْلِدُ جَدِّي أَبِي البَرَكَاتِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ فِي رَبيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةِ سِتِّينَ وَأَرْبَعِمَائَةَ".

(1)

لَمْ يَرِدْ فِي "مَعْرِفَةِ القُرَّاءِ الكِبَارِ" فَلَعَلَّهُ لَا يَرَاهُ مِنَ الكِبَارِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي "غَايَةِ النِّهَايَةِ" فَهُو مُسْتَدْرَكٌ عَلَيْهِ.

(2)

59 - هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيُّ (445 - 509 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بْنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْل عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورَقة: 12)، وَالمَقْصَدِ الأَرشَدِ (3/ 78)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 54)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 232)، وَيُرَاجَعُ: خَرِيْدَةُ القَصْرِ (قِسْمُ شُعَرَاءِ العِرَاق)(3/ 1/ 306)، وَالأَنْسَابُ (7/ 92)، وَمُعْجَمُ السَّفَرِ للحَافظِ السِّلَفِيِّ (403)، والمُنْتَظَمُ (9/ 183)، والضُّعَفَاءُ وَالمَتْرُوْكُوْنَ لابنِ الجَوْزِيِّ (3/ 172)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 515)، وَمِيْزَانُ =

ص: 265

المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، ذَكَرَ أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ.

وَسَمِعَ الحَدِيْثَ بِبَلَدِهِ "بَغْدَادَ" مِنْ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ: القَاضِي أَبُو يَعْلَى. وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ، وَرَحَلَ إِلَى "وَاسِطَ" وَ"البَصْرَةَ" وَالكُوفَةِ" و"المَوْصِلِ" وَ"أَصْبَهَانَ" وَ"الجِبَالِ" وَغَيْرِهَا، وَبَالَغَ فِي الطَّلَبِ، وَتَعِبَ فِي جَمْعِ الحَدِيْثِ وَكِتَابَتِهِ.

وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَمَعْرِفةٌ بِالحَدِيْثِ وَاللُّغَةِ، وَجَمَعَ الشُّيُوخَ، وَخَرَّجَ التَّخَارِيْجَ، جَمَعَ لِنَفْسِهِ "مُعْجَمًا لِشُيُوْخِهِ" فِي نَحْوِ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ضَخْمَةٍ، وَجَمَعَ "تَارِيْخًا لِبَغْدَادَ"

(1)

ذَيَّلَ بِهِ عَلَى "تَارِيْخِ الخَطِيبِ". وَكَانَ مُجِدًّا فِي الطَّلَبِ، وَالسَّمَاعِ،

= الاعْتِدَالِ (4/ 292)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ (19/ 282)، والمُغْنِي فِي الضُّعَفَاءِ (2/ 708)، وَالعِبَرُ (4/ 19)، وَالإعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلَامِ (209)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (235)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1260)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (27/ 314)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 198)، وَالمُسْتَفَادُ مِنْ ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (249)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 179)، وَلِسَانُ المِيْزَانِ (6/ 189)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 26)(6/ 42).

(السَّقَطِيُّ) في نَسَبِه: بِفَتْحِ السِّيْنِ المُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ القَافِ، وَكَسْرِ الطَّاءِ المُهْمَلَةِ هَذهِ النِّسْبَةُ اِلَى بَيْعِ (السَّقَطِ) وَهِيَ الأَشْيَاءُ الخَسِيْسَةِ كَالخَرَزِ، وَالمَلَاعِقِ، وَخَوَاتِيْمِ الشَّبَهِ وَالحَدِيْدِ وَغيْرِهَا. كَذَا قَالَ السَّمْعَانِيُّ في "الأَنْسَابِ" وَذَكَرَ المُتَرْجَمَ كَمَا أَشَرْنَا في التَّخْرِيْجِ. وَابْنُهُ: وَجِيْهُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَبُو العَلَاءِ (ت: 567 هـ). وَحَفِيْدُهُ: هِبَةُ اللهِ بنُ وَجِيْهِ بن هِبَةِ اللهِ (ت: 627 هـ). نَذْكُرُهُمَا في مَوْضِعَيْهِمَا مِن الاسْتِدْرَاكِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

لَعَلَّ كِتَابَهُ هَذا هُوَ أَوَّلُ ذَيْلٍ عَلَى "تَارِيخ بَغْدَادَ" للحَافِظِ الخَطِيْبِ، ويَظْهَرُ أَنَّ أَهْلَ الحَدِيْثِ لَمْ يَهْتَمُّوا بِكِتَابِهِ؛ نَظَرًا إِلَى عَدَمِ ثِقَتِهِمْ بِمُؤَلِّفِهِ، بَل وَصَفُوْهُ بِالكَذِبِ كَمَا في تَرْجَمَتِهِ هُنَا، كَذلِكَ لَمْ يَظْهَرْ لَه ذُيُوْعٌ، وَلَا عَرَفَهُ كَثِيْرٌ مِنَ المُتَقَدِّمِيْنَ.

ص: 266

وَالبَحْثِ عَنِ الشُّيُوْخِ، وَإِظْهَارِ مَسْمُوْعَاتِهِمْ، وَالقِرَاءَةِ عَلَيْهِمْ.

كَتَبَ عَنْ أَصْحَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ شَاهِيْنَ، وَالمُخَلِّصِ، وَابنِ حَبَابَةَ، وَالحَرْبِيِّ، وَطَبَقَتِهِمْ

(1)

، وَمَنْ دُوْنَهُمْ، حَتَّى ادَّعَى السَّمَاعَ مِنْ شُيُوْخٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ، وَلَا يَحْتَمِلُ سِنُّهُ السَّمَاعَ مِنْهُمْ، كَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ؟ وَغَيْرِهِ، وَسُئِلَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الجَوْهَرِيِّ؟ فَقَالَ: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ، وَضَعَّفَهُ فِيْهِ جِدًّا.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَأَلْتُ ابنَ نَاصِرٍ عَنِ السَّقَطِيِّ فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ ثِقَةً؟ فَقَالَ: لَا وَاللهِ، حَدَّثَ بِـ "وَاسِطَ" عَنْ شُيُوْخٍ لَمْ يَرَهُمْ، وَظَهَرَ كَذِبُهُ عِنْدَهُمْ، قَالَ: وَسَمِعْتُ ابنَ نَاصِرٍ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ: السَّقَطِيُّ لَا شَيءَ، وَهُوَ مِثْلُ نَسَبِهِ مِنْ سَقَطِ المَتَاعِ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ السِّلَفِيُّ، وَعَدَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الحُفَّاظِ الَّذِيْنَ أَدْرَكَهُمْ

(2)

. وَكَانَ لَهُ نَظْمٌ حَسَنٌ، وَمَعْرِفَةٌ بِالآدَابِ.

قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ أَبِي مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللهِ التَّمِيْمِيِّ فَأَنْشَدَنَا:

فَمَا تَنْفَعُ الآدَابُ وَالعِلْمُ وَالحِجَى

وَصَاحِبُهَا عِنْدَ الكَمَالِ يَمُوْتُ

كَمَا مَاتَ لُقْمَانُ الحَكِيْمُ وَغَيْرُهُ

وَكُلُهُمْ تَحْتَ التُّرَابِ صُمُوْتُ

(1)

قَالَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ: "سَمِعَ أَبَا العَبَّاسِ الدَّجَاجِيَّ، وَابنَ المُسْلِمَةِ، وَجَابِرَ بنَ يَاسِيْنَ، وَأَبَا يَعْلَى الفَرَّاءَ، وابنَ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَهَنَّادَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ وَآخَرِيْنَ".

(2)

قَال الحَافِظُ السِّلَفِيُّ أَيْضًا: "وَكَانَ مِنْ أَهلِ الحِفْظِ، وَالمَعْرِفَةِ بِالحَدِيْثِ، وَشِعْرُهُ جَيِّدٌ حَسَنٌ [رحمه الله] وَقَدْ رَأَيتُهُ بِـ "أَصْبَهَانَ" لَمَّا قَدِمَهَا مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ رِزْقِ اللهِ وَأَنَا صَغِيرٌ يُقْرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ في "جَامِع جُوْرجِيْرَ" وَهُوَ عَلَى المِنْبَر".

ص: 267

وَكَانَ هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيُّ فِي المَجْلِسِ حَاضِرًا، فَأَجَابَهُ بِبَيْتَيْنِ، وَأَنْشَدَنَاهُمَا مِنْ لَفْظِهِ لِنَفْسِهِ:

بَلَى أَثَرٌ يَبْقَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ

وَذُخْرٌ لَهُ فِي الحَشْرِ لَيْسَ يَفُوْتُ

وَمَا يَسْتَوِي المَنْطِيْقُ ذُو العِلْمِ وَالحِجَى

وَأَخْرَسُ بَيْنَ النَّاطِقِيْنِ صَمُوْتُ

تُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ثَالِثِ عِشْرِيْنَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَّة تِسْعٍ وَخَمْسِمَائَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مِنَ الغَدِ بِالجَامِعِ أَبُو الخَطَّابِ

(1)

الفَقِيْهُ إِمَامًا، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى "بَابِ حَرْبٍ" فَدُفِنَ قَرِيْبًا مِنْ قَبْرِ مَنْصُوْرِ بنِ عَمَّارٍ، وَقِيْلَ: تُوفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ المَذْكُوْرِ، وَقِيْلَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، وَالصَّحِيْحُ الأَوَّلُ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيُّ: حَكَى هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيُّ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيلِ البُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الهَرَوِيُّ - وَكَانَ تِلْمِيْذَ أَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِيِّ - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، وَأَسْنَانُهُ تَتَنَاثَرُ مِنْ فِيهِ، وَيَسْقُطُ مِنْهَا الدُّوْدُ، لَا يُسْتَطَاعُ شَمُّ فِيهِ، فَقَالَ: هَذَا عُقُوْبَةُ تَعَرُّضِي بِالكَلَامِ، فَاحْذَرُوا.

‌60 - مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ

(2)

بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ البَنَّاءِ البَغْدَادِيُّ، الوَاعِظُ،

(1)

بَعْدَهَا في (ط) بِطبْعَتَيْهِ: "الكَلْوَذَانِي" زَادَهَا الدُّكتور هنري لَاووست، وَالدُّكتور سَامِي الدَّهَّان عَنِ "المُنْتَظَمِ"، وزَادَهَا الشَّيخُ حَامد الفَقِي عَلَى عَادَتِهِ دُوْنَ إِشَارَةٍ.

(2)

60 - أَبُو نَصْرِ بْنُ البَنَّاء (434 - 510 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَين بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابن نَصْرِ اللهِ (ورقة: 13)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 393)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 56)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّد" (232). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 188)، وَتَارِيْخُ الإسْلامِ (254)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 28) =

ص: 268

أَبُو نَصْرِ بنِ الإِمَامِ أَبِي عَلِيِّ المُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ

(1)

.

وُلِدَ حَادِي عِشْرِيْنَ صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَسَمِعَ مِنَ الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ بِشْرَانَ، وَالعُشَارِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ المُبَارَكِيِّ، وَوَالِدِهِ أَبِي عَلِيِّ بنِ البِنَّاءِ وَطَبَقَتِهِمْ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ، وَحَدَّثَ. روَى عَنْهُ أَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو سَعْدِ بنُ البَغْدَادِيِّ، وَابْنُ نَاصِرٍ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَثَّقَهُ، وَكَانَ مِن أَهْلِ الدِّيْنِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ، وَخَلَفَ أَبَاهُ في حَلَقَتِهِ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَجَامِعِ المَنْصُورِ.

تُوفِّيَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ خَامِسَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِمَائَةَ، وَفِي "تَارِيْخِ ابنِ النَّجَّارِ": سَادِسَ رَبِيعَ الأَوَّل - وَصَلَّى عَلَيْهِ مِنَ الغَدِ أَبُو الحَسَنِ الفَاعُوْسُ

(2)

الزَّاهِدُ، بِجَامِعِ القَصْرِ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ" وَقِيلَ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.

= (6/ 46)، وَرَوَى عَنْهُ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ في مَشْيَخَتِهِ البَغْدَادِيَّة (ورَقة: 214) هُوَ وَأَخُوهُ أَبو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ (ت: 527 هـ) الآتِي ذِكْرُهُ.

(1)

تَقَدَّم ذِكْرُهُ رقم (14) وَتَقَدَّم أَنَّ وَالِدَتَهُ بِنْتُ أَبِي مَنْصُورٍ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْن القِرْمِيْسِيْنِيِّ (ت: 460) وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الحَنَابِلَةِ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ رقم (2) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا، وَلَا عَلى شَيءٍ مِن أَخْبَارِهَا، فَيَظْهَرُ أَنَّهَا لَمْ تَتَمَيَّزْ بِالعِلْمِ، وَذَكَرْتُ في هَامِش تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ إِخْوَتَهُ الثَّلَاثَةَ "أَحْمَدَ"، وَ"يَحْيَى"، وَ"إِبْرَاهِيمَ" وَبَعْضَ مَنْ عَرَفْتُ مِنْ أَوْلَادِهِم وَأَحْفَادِهِم رحمهم الله جَمِيعًا.

(2)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "الفَاعُوْسِيُّ" وإِنَّما هو (الفَاعُوْسُ) بِدُوْنِ يَاءِ النِّسَبِ، وَهُوَ عَلَيُّ بنُ المُبَارَكِ (ت: 521 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

ص: 269

‌61 - مَحْفُوظُ بنُ أَحْمَدَ

(1)

بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ الكَلْوَذَانِيُّ، أَبُو الخَطَّابِ البَغْدَادِيُّ،

(1)

61 - أَبُو الخَطَّابِ الكَلْوَذَانِيُّ (432 - 510 هـ):

إِمَامُ المَذْهَبِ، وَنَاصِرُ السُّنَّة في زَمَنِهِ الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ.

أَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 479)، وَمُخْتَصَرِهِ (409)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (635)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 20)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 57)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنضَّدِ"(1/ 233)، وَالمَدْخَلُ لابن بَدْرَان (419). وَيُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (10/ 461)، وَمُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 1100)، وَخَرِيْدَةُ القَصْرِ (قِسْمُ شُعَرَاءِ العِرَاقِ)(3/ 1/ 39)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 190)، وَاللُّبَابُ (3/ 107)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 524)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (639)، وَالعِبَرُ (4/ 21)، وَدُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 37)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 348)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1261)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (209)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (251)، وَالمُسْتَفَادُ مِنْ ذَيْلِ تَارِيخِ بَغْدَادَ (26)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 20)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 180)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 212)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 27)، (6/ 45).

(الكَلْوَذَانِيُّ) نِسْبَةٌ إِلَى بَلْدَةِ (كَلْوَاذَى) قَرْيَةٌ فِي أَسْفَلِ الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ "بَغْدَادَ" قَالَ يَاقُوتٌ الحَمَوِيُّ في مُعْجَم البُلدَان (4/ 542): "وَهِيَ الآنَ خَرَابٌ" وَذَكَرَ مَحْفُوْظَ بنُ أَحْمَدُ، وَفِيه:(مَحْظُوظ)؟! وَذَكرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ (515 هـ) وَكلَاهُمَا خَطَأٌ مِنَ النُّسَّاخ لَا شَكَّ، وفي "الأَنْسَابِ" لأَبي سَعْدٍ تَفْصِيْلٌ أَكْثَرُ، فِي ذِكْرِهِ إِطَالَةٌ تَجِدهُ هُنَاكَ.

ولأَبِي الخَطَّابِ ابنَانِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ هُمَا: مُحَمَّدُ بنُ مَحْفُوْظٍ (ت: 533 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَحْمَدُ بنُ مَحْفُوْظٍ (ت: 538 هـ) ذَكَرَهُ الحَافِظَانِ المُنْذِريُّ وَالذَّهَبِيُّ في تَرْجَمَةِ ابنِهِ الآتِي بَعْدَهُ، وَقَالَا: أَبُو الفَرَج، أَحَدُ المُعَدَّلِيْنَ بـ "بَغْدادَ". وَحَفِيْدُهُ: مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْفُوْظٍ (ت: 583 هـ) نَذكرُهُمَا في مَوْضِعِهِمَا مِنَ الاسْتِدْرَاكِ - إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى -.

- واشْتُهِرَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الوَفَاءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 576 هـ) بـ "غُلَامِ أَبِي الخَطَّابِ"، ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

ص: 270

الفَقِيهُ. أَحَدُ أَئِمَّةِ المَذْهَبِ وَأَعْيَانِهِ.

وُلِدَ فِي ثَانِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعَمِائَةَ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنَ الجَوْهَرِيِّ، وَالعُشَارِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الجَازِرِيِّ، وَالمُبَارَكِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ الكُوْفِّي، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي جَعْفَرِ بنِ المُسْلِمَةِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي، وَغَيْرِهِمْ. وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْرًا مِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ، وَدَرَسَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي أَبي يَعْلَى، وَلَزِمَهُ حَتَّى بَرَعَ فِي المَذْهَبِ وَالخِلَافِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ بَعْضَ مُصَنَّفَاتِهِ، وَقَرَأَ الفَرَائِضَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الوَنِّيِّ

(1)

، وَبَرَعَ فِيْهَا أَيْضًا، وَصَارَ إِمَامَ وَقْتِهِ، وَفَرِيْدَ عَصْرِهِ فِي الفِقْهِ، وَدَرَّسَ وَأَفْتَى، وَقَصَدَهُ الطَّلَبَةُ، وَصَنَّفَ كُتُبًا حِسَانًا فِي المَذْهَبِ، وَالأُصُوْلِ وَالخِلَافِ، وَانْتُفِعَ بِهَا بِحُسْنِ قَصْدِهِ. فَمِنْ تَصَانِيْفِهِ:"الهِدَايَةُ"

(2)

فِي الفِقْهِ، وَ"الخِلَافُ الكَبِيرِ"

(1)

أَبُو عَبْدِ الله الوَنِّيُّ هَذَا حَنْبَلِيٌّ خَلَتْ مِنهُ كُتُبُ الحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُتَرْجِمٌ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهَا: الطَّبَقَاتُ الكُبرَى للسُّبْكِيِّ (4/ 374)، وَطَبَقَاتُ الأَسْنَوِيِّ (2/ 543)، وهُوَ حَنْبَلِيٌّ بِكُلِّ تَأكيدٍ. عَثَرَ صَدِيْقُنا الدُّكتور عبْدُ العَزيز بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْد على كِتَابِهِ فِي الفَرَائِضِ، وَحَقَّقَهُ، وَأَثْنَاء العَمَلِ عَلَى دِرَاسَةِ الكِتَابِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ حَنْبَلِيٌّ دُوْنَ شَكٍّ، وَإِنَّ إِيْرَادَ الشَّافِعِيَّةِ لَهُ فِي كُتُبِهِمْ خَطَأٌ ظاهرٌ مِنَ الأَقْدَمِيْنَ رحمهم الله، هكَذَا أَخْبَرَني في أَكْثَرِ مِن لِقَاءٍ مَعَهُ - حَفِظَهُ اللهُ -.

وَالوَنِّيُّ المَذكُوْرُ اسمُهُ الحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَقِيلَ: ابْنُ مُحَمَّدٍ (ت: 450 هـ) أصْلُهُ مِن "وَنْ" قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ "قُهُسْتَانَ" يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلدَان (5/ 385).

(2)

كِتَابُهُ هَذَا مِنْ أَشْهَر مُؤَلَّفَاتِهِ، بَلْ مِنْ أَشْهَرِ الكُتُبِ المُخْتَصَرَةِ المُفِيْدَةِ المُؤَلَّفَةِ فِي المَذْهَبِ، شَرَحَهُ عَدَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ مِنْهُمْ تِلْمِيْذُهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ أَبُو حَكِيْمٍ النَّهْرَوَانِي (ت: 556 هـ) قَالَ الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ: كَتَبَ مِنْهُ تِسْعُ مُجَلَّدَاتٍ، وَمَاتَ وَلَمْ يُكْمِلْهُ. ثُم شَرَحَهُ: أَسْعَدُ بنُ المُنَجِّى أَبُو المَعَالِي التَّنُوْخِيِّ (ت: 606 هـ) قَالَ ابنُ رَجَبٍ: في =

ص: 271

المُسَمَّى بـ "الانْتِصَارِ في المَسَائِلِ الكِبَارِ"

(1)

، وَ"الخِلَافُ الصَّغِيْرِ" المُسَمَّى بِـ "رُؤُوْسِ المَسَائِلِ" وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ "المُحَرَّرِ" أَبِي البَرَكَاتِ بنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ كَانَ يُشِيْرُ إِلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الخَطَّابِ فِي "رُؤُوْسِ المَسَائِلِ" هُو ظَاهِرُ المَذْهَبِ،

= بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّدًا وَسَمَّاهُ: "النِّهَايَة" ثُمَّ تِلْمِيْذُ أَبي حَكِيْمٍ: عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَبُو البَقَاءِ العُكْبَرِيُّ (ت: 616 هـ) ثُمَّ تِلْمِيْذُ أَبِي البَقَاءِ: مُحَمَّدُ بنُ الخَضِرِ، فَخْرُ الدِّينِ بنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت: 622 هـ) قَالَ ابنُ رَجَبٍ: لَمْ يُتِمَّهُ، ثُمَّ شَرَحَهُ تِلْمِيذُهُ: عَبْدُ السَّلَام بنُ أَبي عَبدِ الله بنِ أَبي القَاسِم مَجْدُ الدِّيْنِ بنُ تَيْمِيَّةَ، وَسَمَّاهُ:"مُنْتَهَى الغَايَة .. " وَاخْتصَرَهُ سُلَيْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ مَسَبِّكٍ الحَرَّانِيُّ (ت: بعد 620 هـ) وَعَبْدُ المُؤْمِنِ بنِ عَبْدِ الحَقِّ البَغْدَادِيُّ (ت: 739 هـ) وَاسْمُهُ: "إِدْرَاكُ الغَايَةِ" رَأَيْتُهُ بِخَطِّهِ، وَكَانَ رحمه الله مُغْرَمًا باخُتِصَارِ الكُتُبِ. وَرَوَاهُ عن مُؤَلِّفِهِ تِلْمِيذُهُ سَعْدُ الدِّينِ بُن نَصْرٍ الدَّجَاجِيُّ (ت: 564 هـ) وطُبع كِتَابُ "الهِدَايَةِ" في الرِّياض.

(1)

طُبِعَ - قِطْعَةٌ مِنهُ - في مَكْتَبَةِ العُبَيْكَان بالرِّيَاضِ في سَنَةِ (1413 هـ) في ثَلَاثِ مُجَلَّدَاتٍ حَقَّقَهُ الإِخْوَةُ الكِرَامُ د/ سُلَيْمَانُ بنُ عبد اللهِ العُمَيْرُ، وَد/ عَوَضُ بنُ رَجَاءٍ العَوْفِيُّ، ود/ عَبْدُ العَزيْزِ بنُ سُلَيْمَان البُعَيْمِيُّ، وَقد بَذَلُوا جُهْدًا مَشْكُورًا في تَحْقِيْقِهِ وَقَدَّمُوا عَمَلًا مُبَارَكًا، أَرَجُو اللهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَ بِهِ، ويَجْزِيَهُم خَيْرَ الجَزَاءِ عَلَى مَا بَذَلُوا.

وَأَصْلُ هَذَا العَمَلِ ثَلَاثُ رَسَائِلُ في الجَامِعَةِ الإسْلَامِيَّةِ بالمَدِيْنَةِ المُنَوَّرَةِ، قَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمُقَدِّمَةٍ عَنْ حَيَاةِ المُؤَلِّفِ أَطَالَ فِيْهَا، وَقَدَّم كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرَاسَةً اسْتَغْرَقَتْ صَفَحَاتٍ كَثيْرَةً أَيْضًا، وَصَنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهم فَهَارِسَ عَامَّةً للجُزْءِ الَّذِي حَقَّقَهُ، وَعَرَضَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم أَسْمَاءَ مَصَادِرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَكْرَارٌ ظَاهِرٌ، وَأَسْرَفَ مُحَقِّقَا الجُزْءَين الثَّانِي وَالثَّالِث في التَّعْلِيْقَاتِ؟! وَهَذَا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ يَصِحُّ في الرَّسَائِلِ، أَمَّا عِنْدَ طَبْعِ الكِتَابِ فَيَنْبَغِي أَن يَتَّفِقَ الجَمِيْعُ عَلَى تَوْحِيْدِ الجُهُوْدِ وَحَذْفِ المُكَرَّرِ فَيَخْرُجُ العَمَلُ - وَهُوَ مُتْقَنٌ - في مُجَلَّدَيْن لَطِيْفَيْن. وَمَنْ أَرَادَ الرَّسَائِلَ نَفْسَهَا يَجِدْهَا في مَكْتَبةِ الجَامِعَةِ.

ص: 272

وَلَهُ أَيْضًا كِتَابُ "التَّهْذِيْبِ"

(1)

فِي الفَرَائِضِ، وَ"التَّمْهِيْدُ"

(2)

فِي أُصُولِ الفِقْهِ، وَكِتَابُ "العِبَادَاتِ الخَمْسِ"

(3)

، و"مَنَاسِكُ الحَجِّ". وكَانَتْ لَهُ يَدٌ حَسَنَةٌ فِي الأَدَبِ، وَيَقُوْلُ الشِّعْرَ اللَّطِيْفَ

(4)

، وَلَهُ قَصِيْدَةٌ دَالِيَّةٌ فِي السُّنَّةِ مَعْرُوفَةٌ

(5)

،

(1)

حَقَّقَهُ الدُّكْتُوْر عَبْد العَزِيْز بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْدُ، وَلَا أَعْلَم أَنَّهُ نَشَرَه، ثُمَّ طُبِعَ بِتَّحْقِيْقِ الشَّيْخِ رَاشِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رَاشِدِ الهَزَّاعِ، في دَارِ الخَرَّازِ للنَّشْرِ وَالتَّوْزِيْع بِجدَّةَ سَنَةَ (1416 هـ).

(2)

طُبِعَ فِي مَرْكَزِ البَحْثِ العِلْمِيِّ بِجَامِعَةِ أُمِّ القُرَى بِمَكَّةَ المُشَرَّفَةِ سَنَةَ (1405 هـ) في أَرْبَعَةِ مُجَلَّدَاتٍ، وَأَصْلُ العَمَلِ رِسَالَتَان عِلْمِيَّتَان في كُلِّيةِ الشَّرِيْعَةِ وَالدِّرَاسَاتِ الإسْلَامِيَّةِ بِجَامِعة أُمِّ القُرَى الأوَّلُ وَالثَّانِي بِتَحْقِيْقِ الأَخِ الدُّكْتُورِ مُفِيْدِ أَبُو عَمْشَه، وَالثَّالثُ والرَّابِعُ بِتَحْقِيقِ الأَخِ الدُّكْتُورِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ إِبْرَاهِيْمَ، وَقَدَّمَ لَهُ الفَقِيْر، وَنُشِرَ فِي زَمَنِ إِدَارَتِي لِلْمَرْكَزِ المَذْكُورِ، وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ.

(3)

شَرَحَهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَكَارِمِ اليَعْقُوْبِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "الحُجَّةِ"(ت: 617 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. منْهُ نُسْخَةٌ قَدِيْمَةٌ فِي مَكْتَبَةِ الشَّيْخِ المَرْحُوْمِ عَبْدِ الرَّحْمَن بنِ عَبْد العَزِيْز الزَّامِل السُّلَيْمِ الخَاصَّةِ في مَدِيْنَةِ عُنَيْزَةَ - حَرَسَهَا اللهُ تَعَالَى - صَوَّرَهَا وَعَمِلَ عَلَى تَحْقِيْقها صَدِيْقُنَا الشَّيْخُ فَهْدُ بنُ عَبدِ الرَّحْمَن الثُّنَيَّانِ العُبَيْكَان حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى.

(4)

أَوْرَدَ العِمَادُ الكَاتِبُ الأَصْفَهَانِيُّ في "خَرِيْدَةِ القَصْرِ" نَمَاذِجَ مِنْ شِعْرِهِ.

(5)

هَذِهِ القَصِيْدَةُ رَوَاهَا عَنْهُ تِلْمِيْذُهُ سَعْدُ الدِّينِ الدَّجَاجِيُّ الوَاعِظُ (ت: 564 هـ)، وَأَوْرَدَهَا ابنُ الجَوْزِيِّ في "المُنْتَظَمِ" عَنْ تِلْمِيذِهِ مُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ السَّلَاميِّ الحَافِظِ المَشْهُوْرِ (ت: 550 هـ) وَأَوْرَدَهَا سِبْطُ ابنِ الجَوْزِيِّ في "مرآة الزَّمان" وَالعُلَيْمِيُّ في "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَنَشَرَهَا الشَّيْخُ جَمِيْلٌ الشَّطِّيُّ بِعُنْوَانِ "قَصِيدَةَ أَهْلِ الأَثَرِ"، أَوَّلُهَا:

دَعْ عَنْكَ تِذْكَارَ الخَلِيْطِ المُنْجِدِ

وَالشَّوْقُ نَحْوَ الآنِسَاتِ الخُرَّدِ

وَالنَّوْحُ فِي أَطْلَالِ سُعْدَى إِنَّمَا

تِذْكَارُ سُعْدَى شُغْلُ مَنْ لَمْ يَسْعَدِ =

ص: 273

وَمُقَطَّعَاتٌ عَدِيْدَةٌ مِنَ الشِّعْرِ.

وَكَانَ حَسَنَ الأَخْلَاقِ، ظَرِيْفًا، مَلِيْحَ النَّادِرَةِ، سَرِيعَ الجَوَابِ، حَادَّ الخَاطِرِ، وَكَانَ مَعَ ذلِكَ كَامِلِ الدِّيْنِ، غَزِيْرَ العَقْلِ، جَمِيْلَ السِّيْرَةِ، مَرْضِيَّ الفِعَالِ، مَحْمُوْدَ الطَّرِيْقَةِ، شَهِدَ عِنْدَ قَاضِي القُضَاةِ أَبي عَبْدُ اللهِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ، وَحَدَّثَ بِالكَثِيْرِ مِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ عَلَى صِدْقٍ وَاسْتِقَامَةٍ.

رَوَى عَنْهُ ابنُ نَاصِرٍ، وَأَبُو المُعَمَّرِ

(1)

الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو طَالِبِ بنُ خُضَيْرٍ، وَسَعْدُ اللهِ بنُ الدَّجَاجِيِّ، وَوَفَاءُ بنُ الأَسْعَدِ التُّرْكِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتِيْلٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَرَوَى عَنْهُ ابنُ كُلَيْبٍ بِالإِجَازَةِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الفِقْهَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ المَذْهَبِ مِنْهُمْ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ الجِيْلِيُّ الزَّاهِدُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بنُ النَّقُوْرِ: كَانَ إِلْكِيَا الهَرَّاسِيُّ إِذَا رَأَى الشَّيْخَ أَبَا الخَطَّابِ مُقْبِلًا قَالَ: قَدْ جَاءَ الفِقْهُ. وَقَالَ السِّلَفِيُّ: أَبُو الخَطَّابِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ وَيُنَاظِرُ

(2)

. وَكَانَ عَدْلًا، رَضِيًّا، ثِقَةً، عِنْدَهُ كِتَابُ "الجَلِيْسُ وَالأَنِيْسُ"

(3)

لِلْقَاضِي أَبِي الفَرَجِ الجَرِيْرِيِّ، عَنِ

= وَاسْمَعْ مَقَالِيَ إِنْ أَرَدْتَ تَخَلُّصًا

يَومَ الحِسَابِ وَخُذْ بِهَدْيِيْ تَهْتَدِ

وَاقْصِدْ فَإِنِّي قَدْ قَصَدْتُ مُوَفَقًا

نَهْجَ ابنِ حَنْبَلٍ الإِمَامِ الأَوْحَدِ

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "أَبُو النَّعَمِ" وَإِنَّمَا هُوَ "أَبُو المُعَمَّرِ" المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبدِ العَزِيز بنِ المُعَمَّرِ، الأَنْصَارِيُّ الأَزَجِيُّ، صَاحِبُ "المُعْجَمِ" (ت: 549 هـ).

(2)

أَسْنَدَ عَنْهُ فِي المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ في الوَرَقَاتِ: (27، 46، 80، 340).

(3)

اسمُ الكِتَاب كَامِلًا: "الجَلِيسُ الصَّالِحُ الكَافِي وَالأَنِيْسُ النَّاصِحُ الشَّافِي" ومُؤلِّفُهُ المُعَافى بنُ زكريَّا النَّهْرَوَانِيُّ الجَرِيْرِيُّ، أَبُو الفَرَجِ (ت: 390 هـ) حَقَّقَهُ الأُسْتَاذُ المَرْحُوْمُ مُحَمَّدُ =

ص: 274

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مُرْسِي الخُوْلِيُّ صَدِيْقُنَا، طُبِعَ مِنْهُ المُجَلَّدَانِ الأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ أَتَمَّهُ الدُّكْتُوْرُ إِحْسَانُ عبَّاس فَحَقَّقَ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وطُبِعَ الجَمِيْعُ فِي عَالَمِ الكُتُبِ سَنَة (1981 - 1993 م) وَلَمْ يُخْتَمْ بِفَهَارِسَ عَلى غيْرِ عَادَةِ الدُّكْتُور إِحْسَانُ.

وَ (الجَازِرِيُّ) المَذْكُوْرُ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، أَبُو عَلِيٍّ، مِنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ (ت: 452 هـ). أَخْبَارُهُ في: تَارِيخِ بَغْدَادَ (2/ 255)، وَالأَنْسَابِ (3/ 162)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 348)، وَغَيْرِهَا. قَالَ السَّمْعَانِيُّ:"الجَازِرِيُّ بِفَتْحِ الجِيمِ، وَالزَّاي المَكْسُورَةِ بعْدَ الأَلِفِ، وَبَعْدَهَا رَاءٌ، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى "جَازِرَةُ" وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ "نَهْرَوَانَ" بِالعِرَاقِ. يُرَاجَعُ: مُعجَمُ البُلدَانِ (2/ 109)، وَذَكرَ المُتَرْجَمَ هُنَا، قَالَ أَبُو سَعْدٍ: رَوَى كِتَابَ "الجَلِيْسَ وَالأَنِيْسِ" عَنِ القَاضِي أَبِي الفَرَجِ

وَأَجَازَ لِيْ أَبُو العِزِّ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ كَادِشٍ العُكْبَرِيُّ جَمِيعَ مَسْمُوعَاتِهِ، وَسَمِعَ هَذَا الكِتَابَ مِن أَبِي عَلِيٍّ الجَازِرِيِّ أيْضًا". وَنُسْخَةُ الكِتَابِ الكَامِلَةُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا المُحَقِّقُ رحمه الله مُسْنَدَةُ، بِرِوَايَةِ أَبِي الفَضْلِ عَبْدِ الرَّزَّاق بنِ أَحْمَدَ الصَّابُونِي الشَّيْبَانِيِّ المَعْرُوفِ بـ "ابنِ الفُوَطِيِّ" (ت: 723 هـ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللَّطِيْفِ البَزَّارِ المَعْرُوفِ بـ "ابنِ الفُوَيْرِهِ" (ت: 697 هـ) عَنْ عُمَرَ بنِ طَبَرْزَدَ (ت: 607 هـ)، عَنْ أَبِي العِزِّ بنِ كَادِشٍ (ت: 526 هـ)، عَن الجَازِرِيِّ (ت: 452 هـ)، عَنِ المُؤَلِّفِ بِقِرَاءَةِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأنْجَبِ (698 هـ). وَجَمِيْعُ هَؤُلَاءِ مِنَ الحَنَابِلَةِ مَا عَدَا ابنِ الجَازِرِيِّ الذي لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي حَتَّى الآنَ أَنَّهُ حَنْبَلِيٌّ. وَذَكَرَ ابنُ الفُوَطِيِّ فِي مَجْمَعِ الآدَابِ (5/ 405): "مُعِيْنُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "ابْنِ البَيْضَاوِيّ" المُعَدَّلُ، كَانَ مِنْ أَعْيَانِ العُدُوْلِ وَأَكَابِرِ الفُضَلاءِ وَالعُلَمَاءِ، سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ كُتُبِ الأَدَبِ وَالفِقْهِ، وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ بِالكِتَابَةِ، سَمِعَ الشَّيْخَ العَالِمَ نَاصِحَ الإِسْلامِ أَبَا الخَطَّابِ مَحْفُوْظَ بنَ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الكَلْوَذَانِيِّ، وَمِنْ جُملَةِ مَسْمُوْعَاتِهِ عَلَيْهِ كِتَابِ "الجَلِيْسِ الصَّالِح الكَافِي وَالأَنِيْس النَّاصِحِ الشَّافِي" لِلقَاضِي أَبِي الفَرَجِ المُعَافَى بنِ زكَرَيَّا بنِ يَحْيَى النَّهْرَوَانِيِّ الجَرِيْرِيِّ،

ص: 275

الجَازِرِيِّ عَنْهُ. وَكَانَ يَنْفَرِدُ

(1)

بِهِ وَلَمْ يَتَّفِقُ لِي سَمَاعُهُ، وَنَدِمْتُ بَعْدَ خُرُوْجِيْ مِن "بَغْدَادَ" عَلَى فَوَاتِهِ. وَكَذلِكَ أَثْنَى ابنُ نَاصِرٍ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ ثَنَاءً كَثِيْرًا. وَذَكَرَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: أَنَّ أَبَا الخَطَّابِ جَاءَتْهُ فَتْوَى فِي بَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرٍ، وَهُمَا:

(2)

قُلْ لِلإِمَامِ أَبِي الخَطَّابِ مَسْأَلَةً

جَاءَتْ إِلَيْكَ وَمَا يُرْجَى سِوَاكَ لَهَا

مَاذَا عَلَى رَجُلٍ رَامَ الصَّلَاةَ فَمُذْ

لَاحَتْ لِنَاظِرِهِ ذَاتُ الجَمَالِ لَهَا

فَكَتَبَ عَلَيْها أَبُو الخَطَّابِ:

قُلْ لِلأَدِيْبِ الَّذِي وَافَى بِمَسْأَلَةٍ

سَرَّتْ فُؤَادِيَ لَمَّا أَنْ أَصَخْتُ لَهَا

إِنَّ الَّذِي فَتَنَتْهُ عَنْ عِبَادَتِهِ

خَرِيْدَةٌ ذَاتُ حُسْنٍ فَانْثَنَى وَلَهَا

إِنْ تَابَ ثُمَّ قَضى عَنْهُ عِبَادَتُهُ

فَرَحْمَةُ اللهِ تَغْشَى مَنْ عَصَى وَلَهَا

تُوُفِّيَ رحمه الله فِي آخِرِ يَوْمِ الأَرْبِعَاءِ ثَالِثِ عِشْرِيْنَ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسَمِائَةَ، وَتُرِكَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَصُلِّيَ عَلَيْه يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي جَامِعِ القَصرِ، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ قَبْرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه، كَذلِكَ حَرَّرَ وَفَاتَهُ القَاضِي أَبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابنُ شَافِعٍ، وَذَكَرَ ابنُ الجَوْزِيِّ: أَنَّهُ تُوفِّيَ سَحَرَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ ابنُ شَافِعٍ: أَنَّ أَبَا الحَسَنِ بنَ الفَاعُوْسِ الزَّاهِدِ صَلَّى عَلَيْهِ إِمَامًا، وَحَضَرَ الجَمْعُ

= برِوَايَةِ أَبي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ الجَازِرِيِّ، وَهُوَ شَيْخُ أَبِي الخَطَّابِ الكَلْوَذَانِي" وَذَكَرَ فِي تَرْجَمَةِ كَمَالِ الدِّيْنِ عَلِيٍّ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ خُلَيْدٍ الكَاتِبِ أَنَّهُ قَرَأَ هَذَا الكِتَاب سَنَةَ (558 هـ) عَلَى مُعِيْن الدِّين المَذْكُوْرِ.

(1)

يعْنِي فِي وَقْتِهِ آنَذَاك وَللكِتَابِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى.

(2)

خَرِيْدَةُ القَصْرِ (3/ 1/ 39).

ص: 276

العَظِيْمُ، وَالجُنْدُ الكَثِيْرُ، وَدُفِنَ بَيْنَ يَدَيْ صَفِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ، بِجَنْبِ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ، رحمه الله

(1)

.

قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي العَبَّاسِ بنِ تَيْمِيَّةَ فِي "تَعَالِيْقِهِ القَدِيْمَةِ": رُئِيَ الإِمَامُ أَبُو الخَطَّابِ فِي المَنَامِ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ فَأَنْشَدَ:

(2)

أَتَيْتُ رَبِّي بِمِثْلِ هَذَا

فَقَالَ ذَا المَذْهَبُ الرَّشِيْدُ

مَحْفُوْظُ نَمْ فِي الجِنَانِ حَتَّى

يَنْقُلَكَ السَّائِقُ الشَّهِيْدُ

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَتْحِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ المِصْرِيِّ بِهَا، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ اللَّطِيفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَنَا) عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَلِيٍّ الحَرَّانِيُّ (أثنَا) أَبُو الخَطَّابِ مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ، (أَنَا) أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الجَازِرِيُّ (أَنَا) أَبُو الفَرَجِ المُعَافَى بنُ زكَرِيَّا النَّهْرَوَانِيُّ (أَثَنَا) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ الأَدَمِيُّ (ثَنَا) فَضْلٌ - يَعْنِي: ابنَ سَهْلٍ - (ثَنَا) مُوْسَى بنُ دَاوُدَ (ثَنَا) ابنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ اللهِ، طُوَبَى لِمَنْ رَآكَ وَآمَنَ بِكَ، فَقَالَ: طُوْبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَطُوْبَى، ثُمَّ طُوْبَى، ثُمَّ طُوْبَى لِمَنْ آمنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَا طُوْبَى؟ قَالَ: شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ مَسِيْرَةَ مِائَةَ عَامٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أكمَامِهَا"

(3)

وَبِهِ إِلَى أَبِي

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "تَعَالَى".

(2)

كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُوْلَ: "وَالشَّهِيْدُ" لَكِنَّهُ حَذَفَ الوَاوَ ضَرُوْرَةً فَأَفْسَدَ المَعْنَى.

(3)

رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (3/ 71).

ص: 277

الخَطَّابِ وَأَنْشَدَ مِنْ قَوْلهِ:

(1)

بِأَبِي مَنْ إِذَا شَكَوْتُ إِلَيْهِ

حُبَّهُ قَالَ ذَا مُحَالٌ وَلَهْوُ

وَإِذَا مَا حَلَفْتُ بِاللهِ إِنِّي

صَادِقٌ قَالَ لِيْ يَمِيْنُكَ لَغْوٌ

لَا وَمَنْ خَصَّهُ بِحُسْنٍ بَدِيْعٍ

وَجَمَالٍ جِسْمِي بِهِ اليَوْمَ نِضْوُ

لَا تَبَدَّلْتُ فِي هَوَاهُ وَلَا خُنْـ

ــتُ وَلا حَلَّ لِيْ عَلَيْهِ السُّلُوُّ

وَقَوْلُهُ أَيْضًا:

(2)

يَقُوْلُ لِيَ الأَحِبَّةُ لَا تَزُرْنَا

عَلَى حَالٍ وَنَحْنُ فَلَا نَزُوْرُ

فَقُلْتُ مَتَى أَطَعْتَ فَقَالَ هَذَا

وَقُلْتُ أُحِبُّكُمْ فَالقَوْلُ زُوْرُ

وَقَوْلُهُ أَيْضًا:

(3)

كَيْفَ أُخْفِيْ هَوَاكُمُ وَعَلَيْهِ

شَاهِدُ الحُزْنِ وَالنُّحُوْلِ يُنِمُّ

وَإِذَا اللَّائِمُوْنَ لَامُوا فَطَرْفِي

فِي هَوَاكُمْ أَعْمَى وَسَمْعِيْ أَصَمُّ

أَنْتُمُ لِلْفُؤَادِ هَمُّ وَلِلْعَـ

ــيْنِ سُهَادٌ وَلِلْجَوَانِحِ سُقْمُ

كُلُّ يَوْمٍ تُجَدِّدُوْنَ عَلَى قَلْـ

ــبِي عَذَابًا وَلَيْسَ لِلْقَلْبِ جُرْمُ

وَلَئِنْ دَامَ ذَا وَلَا دَامَ مِنْكُمْ

تَلِفَتْ مُهْجَتِيْ وَفِي ذَاكَ إِثْمُ

(1)

المَنْهَجُ الأَحْمَدُ. والنِّضْوُ: الهَزِيْلُ.

(2)

خَرِيدَةُ القَصْرِ (3/ 1/ 44).

(3)

تَارِيْخُ إِرْبِلَ (99) فِي تَرْجَمَةِ فَخْرِ الدِّيْنِ بنِ تَيْمِيَّةَ قَالَ: "وَأَنْشَدَنَا قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو الحَسَنِ سَعْدُ اللهِ بنُ نَصرِ بنِ سَعِيْدٍ الفَقِيْهُ، قَالَ: أَنْشَدَنَا الفَقِيْهُ، أبُو الخَطَّابِ الكَلْوَذَانِيِّ لِنَفْسِهِ، وَجَاءَ فِي البَيْتِ الأَخِيْرِ: "وَمَتَى دَامَ ذَا" وَفِي (أ) و (ب) و (جـ) "دَامَ هَذَا".

ص: 278

وَقَوْلُهُ أَيْضًا:

(1)

عَلَامَ أُجَازَى بِالوِصَالِ قَطِيْعَةً

وَبِالحُبِّ بَغْضًا إِنَّ ذَا لَعَجِيْبُ

وَكَمْ ذَا التَّجَنِّي مِنْكَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ

أَمَا لِفُؤَادِي مِنْ رِضَاكَ نَصِيْبُ

لَئِنْ لَانَ جَنْبِي عِنْدَكُمْ فَهْوَ وَالهَوَى

مَنِيْعٌ وَلكِنَّ الحَبِيْبُ حَبِيْبُ

وَإِنْ كَانَ ذَنْبِي عِنْدَكُمْ كَلَفِي بِكُمْ

فَمَا أَنَا مِنْهُ مَا حَيِيْتُ أَتُوْبُ

غَرَامِي بِكُمْ حَتَّى المَمَاتِ مَضَاعِفٌ

وَقَلْبِي لَكُمْ عِنْدِي عَلَيَّ رَقِيْبُ

وَمِنْ شِعْرِ أَبِي الخَطَّابِ - أَوْرَدَهُ ابنُ النَّجَّارِ مِنْ طَرِيْقِ أَبِي المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيِّ عَنْهُ -:

(2)

إِنْ كُنْتَ يَا صَاحِ بِوَجْدِي عَالِما

فَلَا تَكُنْ لِي فِي هَوَاهُ لَائِمَا

وَإِنْ جَهِلْتَ مَا أُلَاقِي بِهِمُ

فَانْظُرْ تَرَ دُمُوْعِيَ السَّوَاجِمَا

هُمْ قَتَّلُوْنِي بِالصُّدُوْدِ وَالقِلَى

وَمَا رَعَوْا فِي قَتْلِيَ المَحَارِمَا

يَا مَنْ يَخَافُ الإِثْمَ فِي وَصْلِي أَمَا

تَخَافُ فِي سَفْكِ دَمِي المَآثِمَا

هَبْنِيْ رَضِيْتُ أَنْ تَكُوْنَ قَاتِلِي

فَهَلْ رَضِيْتَ أَنْ تَكُوْنَ ظَالِمَا

سَلُوا النُّجُوْمَ بَعْدَكُمْ عَنْ مَضْجَعِي

هَلْ قَرَّ جَنْبِيْ أَوْ رَأَتْنِيْ نَائِمَا

وَاسْتَقْبِلُوا الشَّمَالَ كَيْمَا تَنْظُرُوا

مِنْ حُرِّ أَنْفَاسِيْ بِهَا سَمَائِمَا

وَهَذِهِ الأَيْكُ سَلُوا الأَيْكَ أَلَمْ

أُعْلِّمِ النَّوْحَ بِهَا الحَمَائِمَا

لَقَدْ أَقَمْتُ بَعْدَ أَنْ فَارَقْتُكُمْ

عَلَى فُؤَادِي بَيْنَهُمَا مَآتِمَا

(1)

المَنْهَجُ الأَحْمَدُ.

(2)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "رضي الله عنه" وَالأَبْيَاتُ فِي "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ".

ص: 279

كَانَ أَبُو الخَطَّابِ رضي الله عنه فَقِيْهًا، عَظِيْمًا، كَثِيرَ التَّحْقِيْقِ، وَلَهُ مِنَ التَّحْقِيْقِ وَالتَّدْقِيْقِ الحَسَنِ فِي مَسَائِلِ الفِقْهِ وَأُصُوْلِهِ شَيْءٌ كَثِيْرٌ جِدًّا، وَلَهُ مَسَائِلُ يَنْفَرِدُ بِهَا عَنِ الأَصْحَابِ.

فَمِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ قَوْلُهُ: إِنَّ لِلْعَصْرِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ قَبْلَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ الكُفَّارَ لَا يَمْلِكُوْنَ أَمْوَالَ المُسْلِمِيْنَ بِالقَهْرِ، وَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَى مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ مِنَ المُسْلِمِيْنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قُسِمَتْ فِي المَغْنَمِ أَوْ أَسْلَمَ الكَافِرُ وَهِيَ فِي يَدِهِ.

وَمِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ الأُضْحِيَةَ يَزُوْلُ المِلْكُ فِيْهَا بِمُجَرَّدِ الإِيْجَابِ، فَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُهَا إِبْدَالَهَا بِحَالٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي "الهِدَايَةِ" أَنَّ الزَّرَافَةَ حَرَامٌ، وَقَالَ السَّامُرِّيُّ

(1)

: هُوَ سَهْوٌ مِنْهُ. وَمنْ ذلِكَ قَوْلُهُ: بِطَهَارَةِ الأَدْهَانِ المُنَجَّسَةِ الَّتِي يُمْكِنُ غَسْلُهَا

(2)

بِالغَسْلِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ مَنْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الإِقْدَامُ عَلَى وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَحْرُمَ الأُخْرَى عَلَيْهِ، بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا أَوْ عَنْ بَعْضِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ قَدْ وَطِيءَ إِحْدَاهُمَا، ثُمَّ أَرَادَ وَطْءَ الأُخْرَى، وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَقَ بنِ هَانِئٍ

(3)

مَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ، وَنَصُّهُ

(1)

هو مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ (ت: 616 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

(2)

كَذَا، وَلَعَلَّهَا إِزَالَتُهَا.

(3)

هو إِسْحَقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ (ت: 275) مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ.

يُراجع: الطَّبَقَات (1/ 284)، وَمَصَادِرُ التَرْجَمَةِ هُنَاكَ، وَصَاحِبُ "المَسَائِلِ" إِنَّمَا هُو =

ص: 280

مَذْكُوْرٌ فِي "مَسَائِلِ ابنِ هَانِئِ" فِي (كِتَابِ الجِهَادِ).

وَمنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفَسِخُ بِسَبْيِ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِحَالٍ، سَوَاءً سُبِيَا مَعًا، أَوْ سُبِيَ أَحَدَهُمَا وَحْدَهُ. وَقَدْ حَكَى ابنُ المِنْذِرِ

(1)

الإِجْمَاعَ عَلَى انْفِسَاخِ نِكَاحِ المَسْبِيَّةِ وَحْدَهَا إِذَا كَانَ زَوْجُهَا فِي دَارِ الحَرْبِ، وَحَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا كَـ "ابْنِ عَقِيْلٍ"، وَهُوَ ظَاهِرُ القُرْآنِ، وَحَدِيْثُ أَبِي سَعِيْدٍ فِي "صَحِيْحِ مُسْلِمٍ" صَرِيْحٌ فِي ذلِكَ، وَالعَجَبُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي "الانْتِصَارِ"

(2)

أَنَّ حَدِيْثَ أَبِي سَعِيْدٍ لَا يَصِحُّ، قَالَ: وَالدَّلِيْلُ عَلَى ضَعْفِهِ أَنَّ سَبَايَا "أَوْطَاسَ"

(3)

كُنَّ مَجُوْسِيَّاتٍ. وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ بُطْلَانُهُ قَطْعًا؛ فَإِنَّ العَرَبَ لَمْ يَكُوْنُوا مَجُوْسًا

(4)

.

= وَالِدُهُ أَبُو إِسْحَقَ إِبْرَاهِيْمُ (ت: 265 هـ) يُرَاجَعُ: الطَّبَقَاتُ (1/ 252). وَتَخْرِيْجِ التَّرْجَمَةِ هُنَاكَ أَيْضًا.

(1)

هُوَ الإمَامُ الحَافِظُ العَلَّامَةُ شَيْخُ الإسْلَامِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَبُو بَكْرِ بنُ المُنْذِرِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الفَقِيْهُ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ "مَكَّةَ" (ت: 316 هـ) صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ مِنْهَا: "الإشْرَافُ فِي اخْتِلَافِ العُلَمَاءِ"، وَمِنْهَا "الإجْمَاعُ" وَ"المَبْسُوْطُ" وَغَيْرُهَا. أَخْبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الشِّيْرَازِيِّ (108)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (14/ 490)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (3/ 102)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (1/ 336)، وَالشَّذَرَاتِ (2/ 280)، وَطُبِعَ أَجْزَاءٌ مِنْ كِتَابِهِ "الإجْمَاع".

(2)

الانْتِصَارُ (1/ 585). وَفِيْهِ ذِكْرُ الحَدِيْثِ، وَفِي هَامِشِهِ تَخْرِيْجُهُ.

(3)

أَوْطَاسُ: مَوْضِعٌ قُرْبَ الطَّائِفِ كَانَتْ فِيْهِ "وَقْعَةُ حُنَيْنٍ". مُعْجَمُ مَا اسْتَعْجَمُ (1/ 212)، وَمُعْجَمُ البُلدَانِ (1/ 334).

(4)

هَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ. قَالَ الوَقَّشِيُّ في التَّعْلِيْقِ عَلَى المُوَطَّإِ (2/ 55) - عِنْدَ ذِكْرِ سَبَايَا =

ص: 281

وَقَدْ نُسِبَ إِلَى أَبِي الخَطَّابِ التَّفَرُّدُ بِتَخْرِيْجِ رِوَايَةٍ: بِأَنَّ التَّرْتِيْبَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الوُضُوءِ، وَلَيْسَ كَذلِكَ؛ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذَا التَّخْرِيْجِ ابنُ عَقِيْلٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى تَخْرِيْجِهَا مِنْ رِوَايَةِ سُقُوْطِ التَّرْتِيْبِ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ، وَسَائِرِ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ.

وَذَكَرَ أَبُو الخَطَّابِ فِي (كِتَابِ الصِّيَامِ) مِنَ "الهِدَايَةِ" - رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ -: أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذلِكَ في (كِتَابِ الحَجِّ)، وَلَا فِي غَيْرِ "الهِدَايَةِ". قَالَ أَبُو البَرَكَاتِ بنُ تَيْمِيَّةَ

(1)

: وَلَعَلَّهُ سَهَا فِي ذلِكَ، وَانْتَقَلَ ذِهْنُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الفَوَاتِ إِلَى مَسْأَلَةِ الإِفْسَادِ.

وَذَكَرَ فِي "الانْتِصَارِ" - رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ - أَنَّ صَلَاةَ الفَرْضِ تُقْضَى عَنِ المَيِّتِ كَالنَّذْرِ.

وَذَكَرَ فِي "الانْتِصَارِ" فِي مَسْأَلَةِ مَا إِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً عَمْدًا أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ بِالخِيَارِ، إِنْ شَاءُوا قُتِلَ لِلْجَمِيْعِ، وَلَا يَكُوْنُ لَهُمْ غَيْرُ ذلِكَ،

= "أَوْطَاسَ" -: "كَانَتِ العَرَبُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَصْنَافًا؛ مَجُوْسٌ، وَنَصَارَى، وَيَهُوْدُ، وَعَبَدَةُ أَوْثَانٍ، وَزَنَادِقَةٌ مُسْتَخِفُّوْنَ بِالأَدْيَانِ، لَا يَعْتَقِدُوْنَ شَيْئًا، فَكَانَ الغَالِبُ عَلَى بني تَمِيْمٍ المَجُوْسِيَّةَ وَعَلَى حِمْيَرَ، وَالأَوْسِ والخَزْرَجِ اليَهُوْدِيَّةَ، وَغَسَّانَ، وَقُضَاعَةَ، وَلَخْمَ، وَجُذَامَ، وَالنَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ، وَبَنِي تَغْلِبَ، وَبَنِي عِجْلَ، وَبَنِي شَيْبَانَ، وَمَذْحَجَ النَّصْرَانِيَّةَ. . ." قَالَ الوَقَّشِيُّ قَبْل ذلِكَ: "وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الوَدَّاكِ جَبْرِ بنِ نَوْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ أَنَّ ذلِكَ في غَزْوِةِ خَيْبَرَ".

(1)

هو المَعْرُوْفُ بِـ "مَجْدِ الدِّينِ" عَبْدُ السَّلَامِ بنُ عِبْدِ اللهِ (ت: 645 هـ) وهُو جِدُّ شيخِ الإسلامِ تَقِيِّ الدِّين أَحْمَدَ بنِ عَبدِ الحَلِيمِ الإِمَامِ المَشْهُورِ، ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

ص: 282

وَيَسْقُطُ بَاقِي حُقُوْقِهِمْ. وَإِنِ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ القَوَدَ وَبَعْضُهُمُ الدِّيَةَ قُتِلَ لِمُخْتَارِ القَوَدِ، وَأُخِذَ مِنْ مَالِهِ الدِّيَةَ لِطَالِبِهَا، وَأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى ذلِكَ فِي رِوَايَةِ المَيْمُونيِّ

(1)

وَذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَمَالِكٍ: يُقْتَلُ لِلْجَمِيْعِ، وَلَيْسَ لَهُمْ غَيْرُ ذلِكَ، عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُوْلُ: لَا يَثْبُتُ بِقَتْلِ العَمْدِ غَيْرُ القَوَدِ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ المَسْأَلَةِ: هَذَا الفَصْلُ مُشْكَلٌ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ إِنْ قَالَ: حُقُوْقُ الجَمِيْعِ تَسَاوَتْ، فَإِذَا طَلَبُوا القَتْلَ لَيْسَ لَهُمْ غَيْرُهُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُمْ أَخَذُوا بَعْضَ حُقُوقِهِمْ، وَسَقَطَ بَعْضُهَا، فَقَدْ قَالَ: بِأَنَّ القِصَاصَ يَتَبَعَّضِ فِي الاسْتِيْفَاءِ وَالإِسْقَاطِ، وَهَذَا بَعِيْدٌ، فَإِنَّهُ لَوْ قتَلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ وَلِيُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: قَدْ عَفَوْتُ لَكَ عَنْ نِصفِ القِصَاصِ، وَلكِنْ قَدْ بَقِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا النِّصْفُ فَيَسْتَحِقَّ قَتْلُكَ بِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذلِكَ، وَسَقَطَ حَقُّهُمْ مِنَ القِصَاصِ، وَلَوْ كَانَ يَتَبَعَّضُ لَثَبَتَ ذلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّبْعِيْضِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: أَخَذَ بَعْضَ الحَقِّ وَأَسْقَطَ بَعْضَهُ، وَاقْتَضَى أَنْ يَقُوْلَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ لِلْجَمِيْعِ، لِأَنَّ دَمَهُ يُسَاوِيْ دَمَ الجَمِيْعِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلٌّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ، أَوْ يَقُوْلُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْتَلُ بِالأَوَّلِ، أَوْ بِمَنْ تُخْرِجُهُ القُرْعَةُ، وَتُؤْخَذُ الدِّيَاتُ لِلْبَاقِيْنَ.

وَالَّذِي يَتَحَقَّقُ عِنْدِي أَنَّهُ يُقْتَلُ لِلْجَمِيْعِ وَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ دِيَاتُ الجَمِيْعِ تُقْسِمُ بَيْنَهُمْ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيْفَةِ: إِذَا قَطَعَ يَمِيْنَيْ رَجُلَيْنِ فَيُقْطَعُ لَهُمَا،

(1)

عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبدِ الحَمِيْدِ (ت: 274 هـ) أَخْبَارُهُ وَتَخْرِيْجُ تَرْجَمَتِهِ فِي الطَّبقَاتِ (2/ 92).

ص: 283

وَتُؤْخَذُ دِيَةُ يَدٍ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَكَمَا قَالَ ابنُ حَامِدٍ

(1)

، وَشَيْخُنَا وَأَصْحَابُنَا: إِذَا قَطَعَ فِي يَدِهِ نَاقِصَةِ الأَصَابِعِ يَدًا تَامَّةً يَجُوْزُ لِلْمَقْطُوْعَةِ يَدُهُ أَنْ يَقْطَعَ اليَدَ النَّاقِصَةَ، وَيَأْخُذَ دِيَةَ الأَصَابِعِ فَيَجْتَمِعُ القِصَاصُ وَالدِّيَةُ لِيَكْمُلَ حَقُّهُ، كَذلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا. وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ في "الانْتِصَارِ" فِي مَسْأَلَةِ ضَمَانِ العَارِيَّةِ أَنَّ المَبِيْعَ إِذَ فُسِخَ لِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَتَلِفَتِ السِّلْعَةُ فِي يَدِ المُشْتَرِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ يَدَهُ أَمَانَةٌ. وَهَذَا غَرِيْبٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَصْحَابِ، كَالقَاضِي في "خِلَافِهِ" وَابنِ عَقِيْلٍ، وَالأَزَجِيِّ فِي "النِّهَايَةِ"

(2)

.

وَاخْتَارَ فِيْهِ: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَضْمَنَ

(3)

بَعْضَ مَا عَلَى فُلَانٍ مِنَ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ بِهِ

(4)

البَعْضَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِيْهِ نَصًّا عَنْ أَحَمَدَ. وَفِي "الفُنُوْنِ" لابنِ عَقِيْلٍ قَالَ: إِنَّ الشَّرِيْفَ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ: إِنَّ الصِّحَّةَ قِيَاسُ المَذْهَبِ، وَأَنَّهُ اخْتَارَهُ.

وَاخْتَارَ فِيْهِ: أَنَّ عَامِلَ الزَّكَاةِ شَرِيْكٌ لِبَقِيَّةِ الأَصْنَافِ لَا أَجِيْرٌ، فَلَا

(1)

في (ط) بطبعتيه و (د): "أبو حامدٍ" خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وابنُ حَامِدٍ إِمَامٌ كَبِيرٌ مِنْ أَئِمَةِ الحَنَابِلَةِ اسُمُهُ الحَسَنُ بنُ حَامِدِ بن عَلِيٍّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ (ت: 403 هـ) أخبارُهُ وَتَخْرِيْجُ تَرجَمَتِهِ في "الطَّبقات"(3/ 309). وَيَقْصُدُ بـ "شَيْخِنَا" القَاضِيَ أَبَا يَعْلَى. وفي (ط) أَيْضًا: "من يَدِه".

(2)

يَحْيَى بنُ يَحْيَى (ت: بَعْدَ 600 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، وَمَوْضِعُهُ هُنَاكَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ السَّامُرِّيِّ (ت: 616 هـ) وَذَكَرَ هُنَاكَ كِتَابَهُ "النِّهَايَة" وَاسْمُهُ كَامِلًا: "نِهَايَةُ المَطْلَبِ في عِلْمِ المَذْهَبِ".

(3)

فِي هَامِشِ نُسْخَة (أ): "يُعَيِّنَ" قِرَاءَة نُسْخَةِ أُخْرَى.

(4)

ساقطٌ من (أ)، و (ب).

ص: 284

يَجُوْزُ أَنْ يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا عَبْدًا.

وَحَكَى فِيْهِ رِوَايَةً أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِي سَائِرِ الأَنْوَاعِ.

وَحَكَى فِيْهِ - رِوَايَّةً -: أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِي سَائِرِ الأَنْوَاعِ.

وَحَكَى فِيْهِ وَجْهًا أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ تَفْتَقِرُ إِلَى تَيَمُّمٍ، وَإِنْ كَانَتْ نَوَافِلَ.

وَاخْتَارَ فِي "الهِدَايَةِ": رَدَّ اليَمِيْنِ عَلَى المُدَّعِي، فَيَقْضِيَ لَهُ بِيَمِيْنِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ

(1)

.

وَوَقَفْتُ عَلَى فَتَاوَى أُرْسِلَتْ إِلَى أَبِي الخَطَّابِ رحمه الله مِنَ "الرَّحْبَةِ" فَأَفْتَى فِيْهَا فِي الشَّهْرِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِمَائَةَ، وَأَفْتَى فِيْهَا ابنُ عَقِيْلِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ

(2)

أَيْضًا.

فَمِنْهَا: إِذَا غَابَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُوْلِ فَطَلَبَتِ المَرْأَةُ المَهْرَ، فَإِنَّ الحَاكِمَ يُرَاسِلُ الزَّوْجَ، وَيُعْلِمُهُ بِالمُطَالَبَةَ بِالمَهْرِ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَبْعَثْ بِهِ إِلَى الزَّوْجَةِ بَاعَ عَلَيْهِ مُلْكَهُ، [فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ بَاعَ عَلَيْهِ]

(3)

وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَوْضِعَهُ

(1)

يَظْهَرُ أَنَّهُ أَبُو طَالِب المُشْكَانِيُّ، أَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ (ت: 244 هـ) ذَكَرَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ في الطَّبَقَاتِ (1/ 81) قَالَ: "المُتَخَصِّصُ بِصُحْبَةِ إِمَامِنَا أَحْمَدَ، رَوَى عَنْ أَحْمَدَ "مَسَائِلَ" كَثِيْرَةً، وَكَانَ أَحْمَدُ يُكْرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ".

(2)

عَلِيُّ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ نَصْرٍ (ت: 527 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

(3)

ساقط من (أ) وَضَرَبَ عَلَيْهَا النَّاسِخُ في (ب).

ص: 285

بَاعَ بِمِقْدَارِ نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَدَفَعَهُ إِلَيْهَا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ طَلَّقَها قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَبْقَى بَقِيَّةُ الصَّدَاقِ مَوْقُوفًا، وَوَافَقَهُ ابنُ عَقِيْلٍ عَلَى ذلِكَ.

وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ مُرَاسَلَتُهُ وَامْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ، وَدَفَعَ إِلَيْهَا كُلَّ الصَّدَاقِ؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ.

وَأَمَّا ابنُ الزَّاغُوْنِيِّ فَإِنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الحَاكِمُ إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِكُلِّ حَالٍ، لِأنَّهُ الثَّابِتُ لَهَا بِاليَقِيْنِ، وَالنِّصْفُ البَاقِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِطَلَاقٍ مُتَجَدِّدٍ، ويَرِدُ علَى هَذَا التَّعْلِيْلِ أَنَّ هَذَا النِّصْفَ أَيْضًا

(1)

يُحْتَمَلُ سُقُوْطُهُ بِفَسْخٍ؛ لِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ المُسْقِطَاتِ.

وَمِنْهَا: فِي وَقْفِ السُتُوْرِ عَلَى المَسْجِدِ، أَفْتَى أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفَهَا وَتُبَاعُ وَتُنْفَقُ أَثْمَانُهَا عَلَى عِمَارَتِهِ، وَلَا تُسْتَرُ حِيْطَانُهُ بِخِلَافِ الكَعْبَةِ، فَإِنَّهَا خُصَّتْ بِذلِكَ كَمَا خُصَّتْ بِالطَّوَافِ حَوْلَهَا، وَخَالَفَهُ ابنُ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ وَقَالَا: الوَقْفُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَالمَالُ عَلَى مِلْكِ الوَاقِفِ.

وَمِنْهَا: إِذَا وَجَدَ شَاةً بِمَضْيَعَةٍ فِي البَرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوْزُ لَهُ أَخْذُهَا وَذَبْحُهَا، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا إِذَا جَاءَ مَالِكُهَا، وَإِذَا وَجَدَهَا بِمِصْرٍ وَجَبَ تَعْرِيْفُهَا، وَوَافَقَهُ ابنُ الزَّاغُونِيِّ، وَخَالَفَهُمَا ابنُ عَقِيْلٍ، وَقَالَ: لَا يَجُوْزُ لَهُ ذَبْحُهَا بِحَالٍ، وَإِنْ ذَبَحَهَا أَثِمَ وَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا.

وَمِنْها: أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَجُوْزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى آخَرَ فِي كِتَابٍ مَكْتُوْبٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْرَأَهُ عَلَيْهِ، أَوْ يُقِرَّ عِنْدَهُ المَكْتُوْبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ

(1)

ساقط من (أ).

ص: 286

فَهِمَ جَمِيْعَ مَا فِيْهِ، وَلَا يَجُوْزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: اِشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الكِتَابِ، وَوَافَقَهُ ابنُ الزَّاغُوْنِيِّ عَلَى ذلِكَ.

وَمِنْهَا: كَمْ قَدْرُ التُّرَابِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوْغِ الكَلْبِ؟ أَفْتَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، وَإِنَّمَا يَكُوْنُ بِحَيْثُ تُمَرُّ أَجْزَاءَ التُّرَابِ مَعَ نَدَاوَةِ المَاءِ عَلَى جَمِيْعِ الإِنَاءِ، وَأَفْتَى ابنُ عَقِيْلٍ: أَنَّهُ تَكُوْنُ بِحَيْثُ تَظْهَرُ صِفَتُهُ وَيُغَيِّرُ المَاءَ. وَقَالَ ابنُ الزَّاغُونِيِّ: إِنْ كَانَ المَحَلُّ لَا يَضُرُّهُ التُّرَابُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي المَاءِ، وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِالتُّرَابِ فَهَلْ يَجِبُ ذلِكَ، أَمْ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ؟ علَى وَجْهَيْنِ.

وَمِنْهَا: إِشَارَةُ الأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ؟ أَفْتَى إِذَا كَثُرَ ذلِكَ مِنْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَأَفْتَى ابنُ الزَّاغُوْنِيِّ أنَّ الإِشَارَةَ بِرَدِّ السَّلَامِ لَا تُبْطِلُ مِنَ الأَخْرَسِ، وَلَا مِنَ المُتَكَلِّمِ، وَمَا عَدَاهَا يُجْرَى مُجْرَى العَمَلِ فِي الصَّلَاةِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَثِيْرِهَا وَيَسِيْرِهَا، وَأَفْتَى ابنُ عَقِيْلٍ أَنَّ إِشَارَةَ الأَخْرَسِ المَفْهُوْمَةِ تُجْرَى مُجْرَى الكَلَامِ، فَإِنْ كَانَتْ بِرَدِّ سَلَامٍ خَاصَّةً لَمْ تُبْطِلْ، وَمَا سِوَى ذلِكَ تُبْطِلُ.

وَمِنْهَا: إِذَا كُتِبَ القُرْآنَ بِالذَّهَبِ تَجِبُ فِيْهِ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ نِصَابًا، وَيَجُوْزُ لَهُ حَكُّهُ وَأَخْذُهُ، وَوَافَقَهُ ابنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَزَادَ إِنَّ كِتَابَتَهُ بِالذَّهَبِ حَرَامٌ، وَيُؤْمَر بِحَكِّهِ، وَلَا يَجُوْزُ لِلرَّجُلِ اتِّخَاذُهُ.

وَمِنْهَا إِذَا أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلإِرْضَاعِ فِي رَمَضَانَ، هَلْ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ، إِذَا تَغَيَّرَ لَبَنُهَا بِالصَّوْمِ بِحَيْثُ يَتَأذَّى بِذلِكَ المُرْتَضِعُ؟ أَجَابَ يَجُوْزُ لَهَا ذلِكَ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ لَزَمَهَا ذلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ كَانَ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ الخِيَارُ فِي الفَسْخِ،

ص: 287

وَوَافَقَهُ ابنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَزَادَ مَتَى قَصَدَتْ بِصَوْمِهَا تَضَرُّرَ الصَّبِيِّ عَصَتْ وَأَثِمَتْ، وَكَانَ لِلْحَاكِمِ إِلْزَامُهَا بِالفِطْرِ إِذَا طَلَبَهُ المُسْتَأْجِرُ.

وَمِنْهَا: إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَغْرَقُ، يَجُوْزُ لَهُ الإِفْطَارُ إِذَا تَيَقَّنَ تَخْلِيْصَهُ مِنَ الغَرَقِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الصَّوْمُ مَعَ التَّخْلِيْصِ، وَوَافَقَهُ ابنُ الزَّاغُوْنِيِّ.

وَمِنْها: هَلْ يَجُوْزُ التَّفرِيْقُ بَيْنَ الأُمِّ وَوَلَدِهَا بِالسَّفَرِ، إِذَا قُصِدَ أَنْ يُجْعَلَ وَطَنُهَا دُوْنَ وَطَنِهِ؟

أَجَابَ: إِنَّهُ لَا يَجُوْزُ ذلِكَ، وَأَجَابَ ابنُ عَقِيْلٍ إِذَا كَانَ الوَلَدُ مُسْتَقِلًّا، غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى تَرْبِيَةِ الأُمِّ، كَانَ الأَبُ أَحَقُّ بِهِ سَفَرًا، كَتَخْرِيْجِهِ فِي عَمَلٍ أَوْ تِجَارَةٍ، وَانْقَطَعَ آخِرَ جَوَابِهِ. وَأَجَابَ ابنُ الزَّاغُوْنِيِّ إِذَا افْتَرَقَتْ بِالأَبَوَيْنِ الدَّارُ، وَلَم يَقْصِدِ الأَبُ ضَرَرَ الأُمِّ بِمَنْعِهَا مِنْ كَفَالَةِ الوَلَدِ، فَالأَبُ أَحَقُّ بِهِ.

(فَصْلٌ)

(1)

: صَنَّفَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - وَهُوَ الوَزِيْرُ ابنُ يُونُسَ -

(2)

مُصنَّفًا فِي أَوْهَامِ أَبِي الخَطَّابِ فِي الفَرَائِضِ وَمُتَعَلَّقَاتِهَا مِنَ الوَصَايَا وَالمَسَائِلِ الحِسَابِيَّةِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ كُلُّهُ

(3)

، لَكِنْ لِأَبي الخَطَّابِ فِي هَذِهِ المَوَاضِعِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً، يُقَالُ: إِنَّهَا وَهْمٌ وَغَلَطٌ.

(1)

في (د) فقط: "قلْتُ".

(2)

هوَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يُونُسَ بنِ أَحْمَدَ، أَبُو المُظَفرِ، جَلَالُ الدِّين (ت: 593 هـ) ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ

(3)

بعدها في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ، وَ (هـ):"بل على بعضه".

وَيُذْكَرُ هُنَا فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (510 هـ):

- عَقِيْلُ بنُ عَلِيٍّ بنِ عَقِيْلِ. ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي تَرْجَمَةِ أَبِيْهِ عَلِيٍّ (ت: 513 هـ) وَمَحَلُّهُ هُنَا.

ص: 288

فَمِنْهَا: مَسْأَلَةٌ فِي البَيْعِ بِتَخْيِيْرِ الثَّمَنِ، وَالوَضِيْعَةِ مِنْهُ.

وَمَسْأَلَةٌ: فِي وَقْفِ المَرِيْضِ دَارَهُ الَّتِي لَا يَمْلِكُ سِوَاهَا عَلَى ابْنهِ وَابْنَتِهِ بِالسَّوِيَّةِ، وَحُكْمِ إِجَازَتِهِمَا وَرَدِّهِمَا، وَإِجَازَةِ أَحَدِهِمَا وَرَدِّ الآخَرِ، وَلِتَصْحِيْحِ كَلَامِهِ فِيْهَا وَجْهٌ فِيهِ تَعْسِيْفٌ شَدِيْدٌ.

وَمَسْأَلَةٌ: فِي الوَصَايَا، فِيْمَا إِذَا تَرَكَ وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِجَمِيْعِ مَالِهِ، وَلآخَرَ بِثُلُثِهِ، وَحُكْمِ إِجَازَتِهِمَا وَرَدِّهِمَا، وَإِجَازَةِ أَحَدِهِمَا وَرَدِّ الآخَرِ، وَإِجَازَتهِمَا لِأَحَدِهِمَا وَرَدِّهِمَا عَلَى الآخِرِ، وَقَدْ تَأَمَّلْتُ هَذهِ المَسْأَلَةَ فَوَجَدْتُ الخَلَلَ فِيْهَا وَقَعَ مِنْ جِهَّةِ النُّسَخِ؛ فَإِنَّ فِي الأَصْلِ فِيْهَا إِلْحَاقًا اشْتَبَهَ عَلَى النُسَّاخِ مَوْضِعُهُ، فَأَلْحَقُوهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَنَشَأَ الخَلَلُ فِي الكَلَامِ، وَلَزِمَ بِسَبَبِ ذلِكَ لَوَازِمَ فَاسِدَةً، وَقَدْ نَسَبَ السَّامُرِّيُّ الوَهْمَ فِيْهَا إِلَى أَبِي الخَطَّابِ، وَلَيْسَ كَذلِكَ.

وَمِنْهَا: مَسْأَلَةٌ، فِي بَابِ الإِقْرَارِ بِمُشْتَرِكٍ فِي المِيْرَاثِ. وَقَدْ ذَكَرَهَا أَبُو البَرَكَاتِ فِي "المُحَرَّرِ" وَذَكَرَ أَنَّهَا سَهْوٌ.

وَمِنْهَا: مَسْأَلَةٌ فِي الوَصِيَّةِ بِسَهْمٍ مِنْ سِهَامِ الوَرَثَةِ، وَقَدْ بَيَّنَ خَلَلَهَا السَّامُرِّيُّ فِي "مُسْتَوْعِبِهِ".

وَمِنْهَا: عَدَّهُ الجِهَاتَ فِي ذَوِيْ الأَرْحَامِ، وَأَنَّهَا خَمْسَةٌ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إِلَى ذلِكَ، وَقَدْ أَلْزَمَهُ صَاحِبُ "المُغْنِي" وَصَاحِبُ "المُحَرَّرِ" وَغَيْرِهِمَا لَوَازِمَ فَاسِدَةً، بِسَبَبِ ذلِكَ، وَطَائِفَةُ مُحَقِّقِي المُتَأَخِّرِيْنَ صَحَّحُوا كَلَامَهُ فِي الجِهَاتِ، وَأَجَابُوا عَمَّا أُوْرِدَ عَلَيْهِ، وَبَيَّنُوا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ. وَلَوْلَا خَشْيَةُ الإِطَالَةِ، وَأَنْ نَخْرُجَ عَمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنَ التَّرَاجِمِ لَذَكَرَنَا هَذِهِ

ص: 289

المَسَائِلَ مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً، وَبَيَّنَّا مَا وَقَعَ فِيْهِ الوَهْمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلكِنْ نَذْكُرُ ذلِكَ فِي مَوْضعٍ آخَرَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

‌62 - يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ

(1)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيْى بنِ مَنْدَه العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ،

الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو زكَرِيَّا بنِ أَبِي عَمْرٍو

(2)

ابنِ الإِمَامِ الحَافِظِ أَبِي عَبْدِ الله بنِ أَبِي مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، المُحَدِّثُ بنُ المُحَدِّثِ

(1)

62 - يَحْيَى بنُ مَنْدَهَ (434 - 511 هـ):

مِنَ البَيْتِ العَرِيْقِ الأَصْبَهَانِيِّ العَبْدِيِّ (آلُ مَنْده) المُحَدِّثِين، حَمَلَةِ لِوَاءِ السُّنَّةِ المُدَافِعينَ عَنْهَا، حُمَاةُ العَقِيْدَةِ الصَّحِيْحَة، يَنْتَمُوْنَ إِلى جَدِّ يَحْيَى هَذا الأَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى (ت: 301 هـ) ذَكَرْتُ بَعْضَ عُلَمَائِهِم فِي هَامِشِ تَرْجَمَتِهِ فِي الطَّبَقَاتِ (2/ 385) فَمَا بَعْدَهَا. قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ: "أَعْرَقُ بَيْتٍ في الحَدِيْثِ"، ويَحْيَى هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أبُو الحُسَيْن بنُ أبي يَعْلَى في "الطَّبَقَات"، وَأَخْبَارُهُ في مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَة لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 14)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 98)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 68)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 235)، وَيُرَاجَعُ: التَّحْبِيْرُ فِي المُعْجَمِ الكبِيْرِ للسَّمْعَانيِّ (2/ 378)، وَالمُنْتَخَبُ لَهُ (3/ 1841)، وَأَدَبُ الإِمْلاءِ وَالاسْتِمْلاءِ لَهُ رَقَم (387)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 204)، وَالتَّقْيِيْدُ لابنِ نُقْطَةَ (2/ 302)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ لَهُ (1/ 306)، وَالكَامِلُ لابنِ الأَثِيْرِ (10/ 546)، وَالمُنْتَخَبُ مِنَ السِّيَاقِ (487)، وَوَفَيَاتُ الأَعْيَانِ (6/ 168)، وَطَبَقَاتُ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ (4/ 25)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1250)، وَالمُسْتَفَادُ مِنْ ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (431)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 202)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (2/ 374)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 214)، وَطَبَقَاتُ الحُفَّاظِ (454)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 32)(6/ 52).

(2)

في (ب): "عمر" خَطَأٌ ظَاهِرٌ.

ص: 290

ابنِ المُحَدِّثِ بنِ المُحَدِّثِ، بنِ المُحَدِّثِ، بنِ المُحَدِّثِ.

وُلِدَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ بِـ "أَصْبَهَانَ" وَسَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ أَبِي عَمْرٍو، وَعَمَّيْهِ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي الحَسَنِ عُبَيْدِ اللهِ

(1)

، وَأَبِي بَكْرِ بنِ رِيْذَةَ، وَسَمِعَ مِنْهُ "المُعْجَمَ الكَبِيرِ" للطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ

(2)

، وَأَبِي طَاهِرٍ الكَاتِبِ

(3)

، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ فَضْلَوَيْهِ، وَأَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَرَحَلَ إِلَى "نَيْسَابُوْرَ"، وَسَمِعَ بِهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ خَلَفٍ المُقْرِيءِ، وَأَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيِّ الحَافِظِ بِـ "هَمَذَانَ"، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّهَاوَنْدِيِّ، وَسَمِعَ بِـ "البَصْرَةِ" مِنْ أَبِي القَاسِمِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الشَّاهِدِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ السَّعِيْدَانِيِّ، وخَلْقٍ كَثِيْرٍ سِوَاهُمْ. وَصَنَّفَ

(1)

أَبُوْهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدٍ (ت: 475 هـ). وعَمُّهُ: عُبَيْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ (ت: 462 هـ) لَمْ يَذْكُرْهُمَا المُؤلِّفُ؟! اسْتَدْرَكْتُهُمَا فِي مَوْضِعَيْهِمَا، وَعَمُّهُ: عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ مُحَمَّدٍ (ت: 470 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. وَلَهُ عَمٌّ ثَالِثٌ اسمُهُ: إِسْحَقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَقَ (ت؟) ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرٍ في "مُعْجَمِهِ" اسْتَدَرَكْتُهُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله في هَامِشِ تَرْجَمَةِ أَخِيْهِ "عَبْدِ الرَّحْمَن". لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ سَنَةِ وَفَاتِهِ.

- وهُنَاكَ سَمِيُّهُ وَقَرِيْبُهُ: يَحْيَى بنُ سُفْيَانَ بنِ مَنْدَه. ذَكَرَهُ ابن الفُوَطِيِّ فِي مَجْمَعِ الآدَابِ (4/ 270) وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله.

(2)

جَاءَ في "المُنْتَخَبِ" مِنْ "مُعْجَمِ السَّمْعَانِيِّ": "وَأَمَّا مَسْمُوْعَاتُهُ مِنَ الكُتُبِ

[و] كِتَابُ "المُعْجَمِ الكَبِيْرِ" للطَّبْرَانِيِّ، وَكِتَابُ "المُعْجَمِ الصَّغِيْرِ" لَهُ بِرِوَايَتِهِ عَنِ ابنِ رِيْذَةَ عَنْهُ" وَأَبُو بَكْرِ بنُ رِيْذَة اسمُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن رِيَذَةَ الضَبِّيُّ.

(3)

اسمُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.

ص: 291

التَّصَانِيْفَ، وَأَمْلَى، وَخَرَجَ التَّخَارِيْجَ لِنَفْسِهِ، وَلِجَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوْخِ "أَصْبَهَانَ". وَحَدَّثَ بِالكَثِيْرِ، وَسَمِعَ مِنْهُ الكِبَارُ وَالحُفَّاظُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ وَغَيْرِهِمْ. مِنْهُمْ: الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاقُ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ العَلَاءِ، وَقَدِمَ "بَغْدَادَ" حَاجًّا، وَحَدَّثَ بِهَا، وَأَمْلَى بِـ "جَامِعِ المَنْصُورِ" سَمِعَ مِنْهُ بِهَا أَبُو مَنْصُورٍ الخَيَّاطُ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيُوْرِيِّ، وَهُمَا أَسَنُّ مِنْهُ وَأَقْدَمُ إِسْنَادًا، وَسَمِعَ مِنْهُ بِهَا أَيْضًا ابنُ نَاصِرٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَالسِّلَفِيُّ

(1)

، وَالشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ الجِيْلِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بنُ الخَشَّابِ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيُّ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتًا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو سَعْدِ بنُ السَّمْعَانِيِّ الحَافِظُ

(2)

.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَأَلْتُ إِسْمَاعِيْلَ التَّيْمِيَّ الحَافِظَ عَنْهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَصَفَهُ بِالحِفْظِ وَالمَعْرِفَةِ وَالدِّرَايَةِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ اللَّفْتُوَانِيُّ

(3)

(1)

لَهُ ذِكْرٌ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" للحَافِظِ السِّلَفِيِّ (ورقة: 226). قَالَ: (مِنْ فَوَائِدِ أَبِي الرَّجَاءِ الحَدَّادِ الأصْبَهَانِيِّ) أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الرَّجَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بن سَعِيْدٍ الحَدَّادُ الأصْبَهَانِيُّ، نَزيلُ "بَغْدَادَ" قَرَأْتُ عَلَيْهِ بـ "بَغْدَادَ" في جَامِعِ القَصْرِ، يَوْمَ الجُمْعَةِ، قَبْلَ الصَّلَاةِ، في جُمَادَى الآخِرَةِ، من سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْن وَأَرْبَعِمَائَة بِانْتِقَاءِ الشَّيْخِ الإمَامِ أَبِي زكَرِيَّا يَحْيَى بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَه الأصْبَهَانِيِّ (أَنَا) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَقَ بنِ زِيَادٍ (أَنَا) أَبُو القَاسِمِ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَيُّوب الطَّبَرَانِيُّ. . .".

(2)

ذكره في "مُعْجَمَيْهِ" كَمَا أَسْلَفنا في مَصَادِرِ تَرْجَمَتِهِ.

(3)

قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في الأَنْسَابِ (11/ 27): "بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُوْنِ الفَاءِ، وَضَمِّ =

ص: 292

الحَافِظُ يَقُوْلُ: بَيْتُ ابنِ مَنْدَه بُدِئْ بِيَحْيَى وَخُتِمَ بِيَحْيَى، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: يُرِيْدُ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَالفَضْلِ وَالعِلْمِ

(1)

.

وَذَكَرَهُ شَهْرَوَيْهِ

(2)

بنُ شَهْرَدَارَ الحَافِظُ فَقَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا، سَمِعَ مِنْهُ عَامَّةُ مَشَايِخِ "الجَبَلِ" وَ"خُرَاسَانَ" وَكَانَ حَافِظًا، فَاضِلًا مُكْثِرًا، صَدُوْقًا،

= التَّاءِ المَنْقُوْطَةِ باثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقِهَا، وَفِي آخِرِهَا النُّوْنُ، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى "لَفْتُوَانَ" وَهِيَ إِحْدَى قُرَى "أَصْبَهَانَ" وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بنُ شُجَاعٍ

سَمِعَ أَبَا عَمْرٍو عَبْدَ الوَهَّابِ

ابنَ مَنْدَه" وَفِي مُعْجَم البُلْدَانِ (5/ 23): "بالفَتْحِ ثُمَّ السُّكُوْنِ، وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقِ مَفْتُوْحَةٌ، وآخرُهُ نُوْنٌ".

وَقَوْلُ اللَّفْتُوَانِي في "المُنْتَخَبِ مِنْ شُيُوْخِ أَبِي سَعْدٍ" وَعِبَارَتُهُ: "وَكَانَ مُحَمَّدٌ اللَّفْتُوَانِيُّ يَقُوْلُ: بُدِئَ في بَيْتِ مَنْدَهَ بِالحِفْظِ، وَالعِلْمِ، وَطَلَبِ الحَدِيْثِ بِيَحْيَى وَخُتِمَ بِيَحْيَى".

يَقُوْلُ الفَقِيْرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَنُ بنُ سُلَيْمَانَ العُثَيْمِيْن - عَفَا اللهُ عَنْهُ -: هَذَا القَوْلُ يَصِحُّ في الزَّمَنِ الَّذِي قِيْلَ فِيْهِ، وَإِلَّا فَإِنَّ بَيْتَ آلِ مَنْدَه بَقِيَ بَعْدَ ذلِكَ زَمَنًا في خِدْمَةِ السُّنَّةِ وَعُلُوْمِهَا، وَالدِّفَاعِ عَن العَقِيْدَة الصَّحِيْحَةِ، بَرَزَ وَاشْتُهِرَ مِنْهُم إِبْرَاهِيْمُ بنُ سُفْيَانَ بنِ إِبْرَاهِيْم (ت: 584 هـ)، وابنُهُ مَحْمُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ (ت: 632 هـ)، وَأخْتُهُ وَبَنَاتُهُ .. وَهَذَا القَوْلُ كَقَوْلِهِمْ:"بُدِأَتِ الكِتَابَةُ بعَبْدِ الحَمِيْدِ وَخُتِمَتْ بابنِ العَمِيْدِ" يَصْدُقُ عَلَى الزَّمَنِ الَّذِي قِيْلَتْ فِيْهِ.

(1)

فِي (أ): "العِلْمِ وَالفَضْلِ".

(2)

هو صَاحِبُ "تَارِيْخِ هَمَذَانَ" و"مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ" وَغَيْرِهِمَا المُحَدِّثُ، العَالِمُ، المُؤَرِّخ (ت: 509 هـ) أَخْبَارُهُ في: سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 294)، وَالعِبَرِ (4/ 18)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (7/ 111)، وَشَذرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 23) نَقَلَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ عَنْ يَحْيَى بنِ مَنْدَه (صَاحِبِنَا المُتَرْجَمِ) قَوْلَهُ فِيْهِ: شَابٌّ، كَيِّسٌ، حَسَنٌ، ذَكِيُّ القَلْبِ، صُلْبٌ في السُّنَّةِ، قَلِيْلُ الكَلَامِ" فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْنَى عَلَى صَاحِبِهِ كَمَا تَرَى.

ص: 293

ثِقَةً، يُحْسِنُ هَذَا الشَّأْنِ، جَيِّدًا، كَثِيْرَ التَّصَانِيْفِ، شَيْخَ الحَنَابِلَةِ وَمُقَدَّمَهُمْ، حَسَنَ السِّيْرَةِ، بَعِيْدًا مِنَ التكَّلُّفِ، مُتَمَسِّكًا بِالأَثَرِ.

وَذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاقُ الحَافِظُ فَقَالَ: الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الأَوْحَدُ، عِنْدَهُ الحَدِيْثُ الكَثِيْرُ، وَالكُتُبُ الكَثِيْرَةُ الوَافِرَةُ، جَمَعَ، وَصَنَّفَ تَصانِيْفَ كَثِيْرَةً، مِنْهَا: كِتَابُ "الصَّحِيْحِ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاجِ".

وَذَكَرَهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الغَافِرِ، فِي "تَارِيْخِ نَيْسَابُورَ" فَقَالَ: رَجُلٌ فَاضِلٌ مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالحَدِيْثِ المَشْهُوْرِ فِي الدُّنْيَا، سَمِعَ مِنْ مَشَايخِ "أَصْبَهَانَ" وَسَافَرَ، وَدَخَلَ "نَيْسَابُورَ" وَأَدْرَكَ المَشَايِخَ، وَسَمِعَ مِنْهُمْ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ، وَعَادَ إِلَى بَلَدِهِ.

وَقَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ فِي حَقِّهِ: جَلِيْلُ القَدْرِ، وَافِرُ الفَضْلِ، وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، فَاضِلٌ، مُكْثِرٌ، صَدُوْقٌ، كَثِيْرُ التَّصَانِيْفِ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، بَعِيْدُ [من]

(1)

التَّكَلُّفِ، أَوْحَدُ بَيْتِهِ فِي عَصْرِهِ

(2)

، صَنَّفَ "تَارِيْخَ أَصْبَهَانِ" وَغَيْرَهُ مِنَ الجُمُوْعِ.

قُلْتُ: وَصَنَّفَ "مَنَاقِبَ العَبَّاسِ" رضي الله عنه فِي أَجْزَاءَ كَثِيرَةٍ.

وَلِلْحَافِظِ السِّلَفِيِّ فِيْهِ يَمْدَحُهُ:

(3)

(1)

يُنْظَرُ السَّطْرُ الثَّانِي مِنْ أَعْلَى الصَّفْحَةِ.

(2)

هُنَا يَنْتَهِي نَصُّ أَبِي سَعْدٍ في "المُنْتَخَبِ" وَ"التَّحْبِيْرِ" وَبَعْدَهُ فِيْهِمَا: "خَرَّجَ التَّخَارِيْجَ لِنَفْسِهِ وَلِجَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِنَا الأَصْبَهَانِيين" وَنَقَلَ العِبَارَةَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "السِّيَرِ" وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: "وَأَجَازَ لِي" وَفِي مُعْجَمَيْهِ: "كَتَبَ إِلَيَّ الإجَازَة بِجَمِيْعِ مَسْمُوْعَاتِهِ. . .".

(3)

هَذَا الكَلَامُ فِيْهِ تَجَوُّزٌ، الَّذِي فَوْقَ كلِّ عَلِيْمٍ هُوَ اللهُ جَلَّ ثناؤُهُ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)} وإِنْ كَانَ يَقْصِدُ في زَمَنِهِ، لَكِنَّ البُعْدَ عنِ العِبَارَاتِ الَّتي تَحْتَاجُ إِلَى تأْوِيْلٍ =

ص: 294

إِنَّ يَحْيَى فَدَيْتُهُ مِن إِمَامٍ

حَافِظٍ مُتْقِنٍ تَقِيٍّ حَلِيْمِ

جَمَعَ النَّبْلَ وَالأَصَالَةَ وَالفَضْـ

ــلَ وَفِي العِلْمِ فَوْقَ كُلِّ عَلِيْمِ

وَصَنَّفَ "مَنَاقِبَ الإِمَامِ أَحْمَدَ" رضي الله عنه في مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ، وَفِيْهِ فَوَائِدُ حَسَنَةٌ، وَقَالَ فِي أَوَّلِهِ: وَمِنْ أَعْظَمِ جَهَالَاتِهِمْ - يَعْنِي المُبْتَدِعَةَ - وغُلُوِّهِمْ فِي مَقَالَاتِهِم وُقُوْعُهُمْ فِي الإِمَامِ المَرْضِيِّ، إِمَامِ الأَئِمَّةِ، وَكَهْفِ الأُمَّةِ، نَاصِرِ الإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ لَمْ تَرَ عَيْنٌ مِثْلَهُ

(1)

عِلْمًا وَزُهْدًا، وَدِيَانَةً وَأَمَانَةً، إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، أَبي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ، قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ، وَبَرَّدَ عَلَيْهِ ضَرِيْحَهُ، الإِمَامُ الَّذِي لَا يُجَارَى، وَالفَحْلُ الَّذِي لَا يُبَارَى، وَمَنْ أَجْمَعَ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ - رَحْمَةُ اللهُ وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِم - فِي زَمَانِهِ عَلَى تَقَدُّمِهِ فِي شَأنِهِ، وَنُبْلِهِ وَعُلُوِّ مَكَانِهِ، وَالَّذِي لَهُ مِنَ المَنَاقِبِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى، قَامَ للهِ تَعَالَى مَقَامًا لَوْلَاهُ لَتَجَهَّمَ النَّاسُ، وَلَمَشَوَا عَلَى أَعْقَابِهِمْ القَهْقَرَى، وَلَقَدْ صَدَقَ الإِمَامُ أَبُو رَجَاءٍ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ البَغْلَانِيُّ

(2)

حَيْثُ قَالَ: إِنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلِ فِي زَمَانِهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي زَمَانِهِمَا. وَأَحْسَنَ مَنْ قَالَ

(3)

: لَوْ كَانَ أَحْمَدَ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ لَكَانَ آيَةً، أَعَاشَنَا اللهُ

= أَحْوَطُ وأَسْلَمُ. رَحِمَ اللهُ السِّلَفِيِّ وَعَفَا عَنْهُ.

(1)

أَيْ: في زَمَانِهِ.

(2)

مُتَرْجَمٌ في الطَّبَقَاتِ (2/ 204).

(3)

أورد القَاضِي أَبُو الحُسَيْن بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ"(1/ 38) بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَوْلَهُ: "لَوْ أَن أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ رضي الله عنه في بَنِي إِسْرَائِيْلَ كُتِبَتْ لَهُ سِيْرَةٌ، وَفِي تَهْذِيْب الكَمَالِ (1/ 462) عَنِ البُخَارِيِّ: "لَكَانَ أُحْدُوْثَةً".

ص: 295

تَعَالَى عَلَى عَقِيْدَتِهِ، وَحَشَرَنَا يَوْمَ القِيَامَةِ فِي زُمْرَتِهِ.

وَحِيْنَ وَقَفْتُ عَلَى سَرَائِرِ هَؤُلَاءِ

(1)

، وَخُبْثِ اعْتِقَادِهِمْ فِي هَذَا الإِمَامِ، قَصَدْتُ لِمَجْمُوعٍ نَبَّهْتُ فِيْهِ عَلَى بَعْضِ فَضَائِلِهِ، وَنُبْذَةٍ مِنْ مَنَاقِبِهِ، وَذَكَرْتُ طَرَفًا مِمَّا مَنَحَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ المَنْزِلَةِ الرَّفِيْعَةِ، وَالرُّتْبَةِ العَلِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، مَعَ أَنِّي لَسْتُ أَرَى لِنَفْسِيَ أَهْلِيَّةً لِذلِكَ، وَأَنَّ المَشَايِخَ المَاضِيْنَ - رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى - قَدْ عُنُوا بِجَمْعِهِ فَشَفَوا لكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَبْقَى لِي

(2)

بِجَمْعِ مَنَاقِبِهِ ذِكْرٌ، وَأَنْ أَكُوْنَ مُشَرَّفًا فِيْمَا بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِانْتِسَابِي إِلَيْهِ، وَنَحْلِيْ مَذْهَبَهُ وَطَرِيْقَتَهُ.

وَذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ هَذَا الكِتَابِ (أَثَنَا) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الفَقِيْهُ إِجَازَةً: (أَثَنَا) أَبُو مَسْعُوْدٍ أَحْمَدَ بُن مُحَمَّدٍ البَجَلِيُّ الطَّبَرِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ الأَسَدِيُّ، فِي "فَضَائِلِ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ"

(3)

: لَمَّا فَرَغْتُ مِنْ سَمَاعِ كِتَابِ "المُسْنَدِ" مِنْ أَبِي بَكْرٍ القَطيْعِيِّ بِـ "بَغْدَادَ"، عَنْ عَبْدِ الله، عَنْ أبِيْهِ رحمهم الله، وَتَحْصِيْلِ نُسْخَةٍ مِنْ مَائَةٍ وَنَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ جُزْءًا، وَجُمْلَةُ مَا وَعَاهُ الكِتَابُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ

(1)

يَظْهَرُ أَنَّهُ يقْصد "المَعْتَزِلَةَ".

(2)

فِي (ط): "لَهُ" وَقَدْ ذَكَرْتُ في هَامِش آخرِ تَرْجَمَةِ الإمَامِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ من أَسْمَاءِ الكُتُبِ المُؤَلّفة في سيرة الإمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

(3)

لم أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ وَفَاتَنِي ذِكْرُ الكِتَابِ في أَسْمَاءِ الكُتُبِ المُؤَلَّفَةِ في مَنَاقِبِ الإمَام، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُ غَيْر هَذِهِ الإشَارَة، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مُؤَلِّفَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ فَهُوَ مُسْتَدركٌ عَلَى القَاضِي أَبِي الحُسَيْن، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي مَنْ أَخَذَ عَنِ القَطِيْعِيِّ؟!

ص: 296

حَدِيْثٍ غَيْرَ ثَلَاثِيْنَ - أَوْ أَرْبَعِيْنَ - حَدِيْثًا. سَمِعْتُ ذلِكَ مِنْ ابنِ مَالِكٍ، يَقُوْلُ وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ: سمِعْتُ عَبْدَ الله يَقُولُ: أَخْرَجَ وَالِدِي هَذَا "المُسْنَدَ" مِنْ جُمْلَةِ سَبْعِمَائَةِ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَقَدْ أَفْرَدْتُ لِذلِكَ كِتَابًا فِي جُزْءٍ واحِدٍ، سَمَّيْتُهُ: كِتَابَ "المُدْخَلِ فِي المُسْنَدِ" أَشْبَعْتُ فِيْهِ ذِكْرَ ذلِكَ أَجْمَعَ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى انْتِفَاعًا بِالعِلْمِ، وَتَوْفِيقًا لِمَا يُقَرِّبُنَا إِلَيْسَ، فَإِنَّهُ قَرِيْبٌ مُجِيْبٌ.

وَمِنْهُ قَالَ: (أَنَا) عَمِّي الإِمَامُ، (أَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، (أَنَا) أَبُو الحَسَنِ العَبْدِيُّ، (ثَنِي) أَبُو الحُسَيْنِ، (ثنا) رَزِيْنُ بنُ أَبي هَارُونَ قَالَ: قَالَ فُوْرَانُ: مَاتَتْ امْرَأَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، قَالَ: فَجَاءَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَالدَّوْرَقِيُّ قَالَ: فَلَمْ يَجِدُوا امْرَأَةً تَغْسِلُهَا إِلَّا امْرَأَةً حَائِضًا قَالَ: فَجَاءَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَهُمْ جُلُوْسٌ، فَقَالَ: مَا شَأْنَكُمْ؟ فَقَالَ أَهْلُ المَرْأَةِ: لَيْسَ نَجِدُ غَاسِلَةً إِلَّا امرْأَةً [حَائِضًا]

(1)

، قَالَ: فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَلَيْسَ تَرْوُوْنَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "يَاعَائشِةُ ناوِلِيْنِي الخُمْرَةَ؟ قَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: إِنَّ حَيْضَتِكِ لَيْسَتْ فِي يَدَكِ" يَجُوْزُ أَنْ تُغَسِّلَهَا، قَالَ: فَخَجِلُوا وَبَقَوا.

سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ البَيْهَقِيِّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ حَمْزَةَ

(2)

يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ رحمه الله يَقُوْلُ: الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ،

(1)

فِي الأُصُوْلِ: "حَائِضٌ". والحَدِيْث في صَحِيْحِ مُسْلِمٍ رقم (298) في (الحَيْضِ)"بَابُ الاضْطِجَاعِ مَعَ الحَائِضِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ".

(2)

العَبَّاسُ بنُ حَمْزَةَ لم يَرِدْ في "الطَّبَقَاتِ" للقَاضِي أَبِي الحُسَيْن، وَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ كَمَا تَرَى؟!

ص: 297

وَالآخِرَةُ دَارُ جَزَاءٍ، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ هُنَا نَدِمَ هُنَاكَ.

وَرَوَى مِنْ طَرِيْقِ النَّقَّاشِ: سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سَهْلِ بنَ زِيَادٍ

(1)

سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: سُئِلَ أَحْمَدُ رحمه الله عَنِ الفُتُوَّةِ؟ فَقَالَ: تَرْكُ مَا تَهْوَى لِمَا تَخْشَى.

وَمِنْ طَرِيْقِ أَحْمَدَ بنِ مَرْوَانَ المَالِكِيِّ، (ثَنَا) إدْرِيْسُ الحَدَّادُ

(2)

قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِذَا ضَاقَ بِهِ الأَمْرُ آجَرَ نَفْسَهُ مِنَ الحَاكَةِ فَسَوَّى لَهُمْ. قَالَ إِدْرِيْسَ: فَلَمَّا كَانَ أَيَّامُ المِحْنَةِ، وَصُرِفَ إِلَى بَيْتِهِ حُمِلَ إِلَيْهِ مَالٌ جَلِيْلٌ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى رَغِيْفٍ يَأْكُلُهُ، فَرَدَّ جَمِيْعَ ذلِكَ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيْرًا، قَالَ: فَجَعَلَ عَمُّهُ إِسْحَقَ يَحْسِبُ مَا رَدَّ، فَإِذَا هُوَ خَمْسِمَائَةِ أَلْفٍ - أَوْ نَحْوِهَا - فَقَالَ لَهُ: يَا عَمِّ، أَرَاكَ مَشْغُوْلًا بِحِسَابِ مَا لَيْسَ يُحْسَبُ، فَقَالَ: قَدْ رَدَدْتَ اليَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَأنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَى حَبَّةٍ، فَقَالَ: يَا عَمِّ، لَوْ طَلَبْنَا لَمْ يَأْتِنَا، وَإِنَّمَا أَتَانَا لَمَّا تَرْكْنَاهُ.

(أَثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، (أَثَنَا) أَبُو مُحَمَّدِ بنِ حِبَّانِ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ البُرْدِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ قُتَيْبَةَ

(3)

، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: إِنَّ القَلَنْسُوَةَ لَتَقَعُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا يُحِبُّهَا.

(أَثَنَا) أَبِي رحمه الله (أَثَنَا) أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ إِجَازَةً، (ثَنَا)

(1)

أَبُو سَهْلٍ لَمْ يَرِدْ في "الطَّبَقَات" للقَاضِي أَبي الحُسَيْنِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ أَيْضًا.

(2)

مُتَرْجَمٌ في الطَّبَقَاتِ (1/ 310) وَلَمْ يَرِدِ الخَبَرُ.

(3)

مُتَرْجَمٌ فِي الطَّبَقَاتِ (1/ 280) ولم يَرِدِ الخَبَرُ.

ص: 298

أَحْمَدُ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عُمَرَ، (ثَنَا) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي: عَبْدَ الله بنَ أَحْمَدَ - قَالَ: قُلْتُ لِأَبي رحمه الله يَقُوْلُوْنَ: إنَّكَ تتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ؟ قَالَ: مَا فَعَلْتُهُ قَطُّ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي فِي ذَا خَبَرٌ.

أَخْبَرَنَا عَمِّي الإِمَامُ، (أَثَنَا) عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَهْضَمٍ بِـ "مَكَةَ"، (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ أَبي زكَرِيَّا الفَقِيْهُ، (ثَنَا) عَبْدُوْسُ بنُ أَحْمَدَ، (ثَنَا) أَبُو حَامِدٍ الخُلْقَانِيُّ

(1)

قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَد بنِ حَنْبَلٍ: مَا تَقُوْلُ فِي القَصَائِدِ؟ فَقَالَ: فِي مِثْلِ مَاذَا؟ قُلْتُ: مِثْلُ مَا تَقُوْلُ:

إِذَا مَا قَالَ لِي رَبِّي

أَمَا اسْتَحْيَيْتَ تَعْصِيْنِي

وَتُخْفِيْ الذَّنْبَ مِنْ غَيْرِي

وَبِالعِصْيَانِ تَأْتِيْنِي

قَالَ: فَرَدَّ البَابَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ:

إِذَا مَا قَالَ لِي رَبِّي

أَمَا استَحْيَيْتَ تَعْصِيْنِي

وَتُخْفِي الذَّنْبَ مِنْ غَيْرِي

وَبِالعِصْيَانِ تَأْتِيْنِي

يُرَدِّدُهَا

(2)

، فَخَرَجْتُ وَتَركْتُهُ.

(أَثَنَا) عَمِّي، (أَثَنَا) عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أَحْمَدَ بنِ قَاذَوَيْهِ، (أَثَنَا) عَبْدُ الله بنُ

(1)

قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ في الأنساب (163): "الخُلْقَانِيُّ" بضمِّ الخَاءِ المُعْجَمَةِ، وَسُكُوْنِ اللَّامِ، وَفَتْحِ القَافِ، وفي آخِرِهَا النُّوْنُ. هَذِهِ النِّسْبَة إِلَى بَيْعِ الخَلِقِ مِنَ الثِّيَابِ .. " وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا حَامِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ في "الطَّبَقَاتِ" وَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ. وَالأَبْيَاتُ في "المَنْهَجِ الأحْمَدِ".

(2)

ساقطٌ من (هـ) و (ط) بطبعتيه.

ص: 299

مَحْمُوْدِ، (أَثَنَا) أَبُو حَاتِمٍ

(1)

مُحَمَّدٍ بنُ إِدْرِيْسَ قَالَ: وَلَقَدْ ذُكِرَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ كَانَتْ لَهُ زلَّةٌ، وَأَنَّهُ تَابَ مِنْ زَلَّتِهِ، فَقَالَ: لَا يَقْبَلُ اللهُ ذلِكَ مِنْهُ حَتَّى يُظْهِرَ التَّوْبَةَ وَالرُّجُوْعَ عَنْ مَقَالَتِهِ، وَلْيُعْلِمَنَّ أَنَّهُ قَالَ مَقَالَتَهُ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَأَنَّهُ تَابَ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ مَقَالَتِهِ وَرَجَعَ عَنْهُ، فَإِذَا ظَهَرَ ذلِكَ مِنْهُ حِيْنَئِذٍ تُقْبَلُ، ثُمَّ تَلَا أَبُو عَبْدِ اللهِ:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}

(2)

وَمِنْ طَرِيْقِ أَبِي أَحْمَدَ بنِ عَدِيٍّ، (ثَنَا) عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَوْثَرَةَ

(3)

الجُرْجَانِيِّ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ رَجَاءٍ

(4)

يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: طَلَبُ إِسْنَادِ العُلُوِّ مِنَ السُّنَّةِ.

(أَثَنَا) عَمِّي الإِمَامُ (أَثَنَا) يَحْيَى بنُ عَمَّارِ بنِ يَحْيَى كِتَابَةً، أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارَ أَخْبَرَهُ (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّرَّامُ (ثَنَا) عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ رحمه الله كُنَّا نَرَى السُّكُوْتَ عَنْ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَخُوْضَ فِيْهِ هَؤُلَاءِ، فَلَمَّا أَظْهَرُوهُ لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ.

وَوَجَدْتُ فِي كُتُبِ عَمِّي بِخَطِّهِ، قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الحَارِثِ:

(1)

في (أ): "حازم" وَهُوَ الإِمَامُ المَشْهُوْرُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (ت؛ 277 هـ).

(2)

سورة البقرة، الآية:160.

(3)

قَيَّدَهُ ابنُ نَاصرِ الدِّيْنِ فِي التَّوْضِيْحِ (3/ 385): "بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَسُكُوْنِ الوَاوِ، وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ، ثُمَّ رَاءُ مَفْتُوْحَتَانِ، ثُمَّ هَاءٌ".

(4)

لَمْ يَرِدْ في "الطَّبَقَاتِ" للقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ؟!.

ص: 300

(ثَنَا) يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَقَ البَغْدَادِيُّ، سَمِعْتُ هَارُونَ الحَمَّالَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبلٍ وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنَّ هَهُنَا رَجُلٌ يُفَضِّلُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَال أَحْمَدُ: لَا تُجَالِسُهُ، وَلَا تُؤَاكِلُهُ وَلَا تُشَارِبُهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَلَا تَعُدْهُ.

(أَثَنَا) أَبي وَعَمَّايَ رحمهم الله، (أَنَا) وَالِدُنَا رحمه الله (أَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوسُفَ العُمَانِيُّ، (ثَنِيَ) جَدِّي العَبَّاسُ بنُ حَمْزَةَ

(1)

قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ، مَا أغْفَلَ هَذَا الخَلْقِ عَمَّا أَمَامَهُمْ! الخَائِفُ مِنْهُمْ مُقَصِّرٌ، وَالرَّاجِي مِنْهُمْ مُتَوَانٍ.

(أَثَنَا) عَمِّي الإِمَامُ (أَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الكَرْخِيُّ (أَنَا) سُلَيْمَانَ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَيُّوْبَ

(2)

، (ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدُ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سُئِلَ أَبي عَنْ رَجُلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَكَانَ عِنْدَهُ مَمْلُوْكُ سُوْءٍ، لَقَّنَهُ أَنْ يَقُولَ بِخَلْقِ القُرآنِ؟ فَقَالَ: لَا يُجْزِئُ عَنْهُ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ اللهَ تبارك وتعالى أَمَرَهُ بِتَحْرِيْرِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُؤْمِنٍ، هَذَا كَافِرٌ.

(أَثَنَا) عَمِّي الإِمَامُ، (أَثَنَا) أَبِي (أَنَا) أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ عُمَرَ، (ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ

(3)

: سأَلْتُ أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُوْلُون:

(1)

سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي "الطَّبَقَاتِ" وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ العُمَانِيِّ؟!

(2)

هُوَ الطَّبَرَانِيُّ الإمَامُ المَشْهُوْرُ.

(3)

الخَبَرُ وَالحَدِيْثُ في الطَّبقات (2/ 15) في تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ.

ص: 301

لَمَّا كَلَّمَ اللهُ مُوْسَى عليه السلام لَمْ يَتَكَلَّمِ اللهُ بِصوْتٍ، فَقَالَ أَبِي رحمه الله: بَلْ تَكَلَّمَ عز وجل بِصَوْتٍ، هَذِهِ الأَحَادِيثُ نُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ.

قَالَ أَبِي رحمه الله: حَدِيْثُ ابنِ مَسْعُوْدٍ "إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ عز وجل سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَمَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ" قَالَ أَبِي: وَهَذِهِ الجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ، قَالَ أَبِي: وَهَؤُلَاءِ كُفَّارٌ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُمَوِّهُوا عَلَى النَّاسِ، مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ عز وجل لَمْ يَتَكَلَّمْ فَهُوَ كَافِرٌ، إِلَّا أَنَّا نَرْوِيْ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ كَمَا جَاءَتْ.

(أَثَنَا) عَمِّي الإِمَامُ، (أَثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ فَارِسٍ (ثَنَا) إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ (ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبي عَنْ رَجُلٍ يُمْتَحَنُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَيُحَدِّثُ؟ فَقَالَ: كَانَ ابنُ عُيَيْنَةَ يَتَحَدَّثُ بهِ، وَلَمْ أَسْمَعَهُ أَنَا مِنْهُ.

عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ

(1)

: اجْتَمَعَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَدَّمَ الأَشْعَثُ جَرِيْرًا عَلَيْهَا، وَقَالَ الأَشْعَثُ

(2)

للْنَّاسِ: إِنِّي ارْتَدَدْتُ، وَلَمْ يَرْتَدَّ، قَالَ: أَنَا أَقُوْلُ بهَذَا الحَدِيْثِ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، فَقُلْتُ: إِنِ اجْتَمَعَ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا قَدِ امْتُحِنَ، وَالآخَرُ لَمْ يُمْتَحَنْ، فَقَالَ: لَا يَتَقَدَّمُ، وَلْيُصَلِّ بِهِمُ الَّذِي لَمْ يُمْتَحَنْ، وَرَأَى ذلِكَ فَضِيْلَةً لَهُ عَلَى مَنِ امْتُحِنَ، وَأَعْجَبَهُ حَدِيْثُ قَيْسٍ عَنْ جَرِيْرٍ، وَقَالَ: هَذَا أَصْلٌ مِنَ الأُصُوْلِ، وأَعْجَبَهُ جِدًّا، وَقَالَ: أَنَا آخِذُ بِه.

(1)

لَمْ يَتَّضِحْ لِي مُرَادَ هَذَا الخَبَرِ؟!

(2)

ساقطٌ من (ط) الفقي.

ص: 302

وَمِنْ طَرِيْقِ أَبِي

(1)

عَبْدِ الرَّحمنِ السُّلَمِيِّ (أَنَا) أَبُو مُحَمَّدٍ، (ثَنَا) الأَزْهَرِيُّ، (ثَنَا) إِسْمَاعِيلُ بنُ عُمَرَ

(2)

: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أَحَادِيْثُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ تَأْخُذُ بِحُلُوْقِ المُبْتَدِعَةِ.

وَمِنْ طَرِيْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْدَوَيْهِ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مَصقَلَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ المُثَنَّى الأَنْبَارِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ - أَوْ سُئِلَ - أَبُو عَبْدِ الله أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ بَيْعِ المَاءِ؟ فَقَالَ: هُوَ مَا لَا يَمْلِكُهُ الرَّجُلُ، وَأمَّا بَيْعُ المَاءِ السَّايِحِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكُلُّ مَا يَمْلِكُهُ الرَّجُلُ فَهوَ جَائِزٌ.

(أَثَنَا) أَبُو القَاسِمِ عَمِّي (أنَا) أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْحَقَ الوَيْذَابَاذِيُّ

(3)

(أنَا) أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ (ثَنَا) مُعَاذُ بنُ المُثَنَّى العَنْبَرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أُصُوْلُ الإِيْمَانِ ثَلَاثَةٌ: دَالٌّ، وَدَلِيْلٌ، وَمُسْتَدِلٌّ، فَالدَّالُ: اللهُ تبارك وتعالى، وَالدَّلِيْلُ: القُرآنُ، والمُسْتَدِلُّ: المُؤْمِنُ، فَمَنْ طَعَنَ عَلَى حَرْفٍ مِنَ القُرآنِ فَقَدْ طَعَنَ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَعَلَى كِتَابِهِ، وَعَلَى رَسُوْلِهِ صلى الله عليه وسلم.

(أَثَنَا) عَمِّي (أَثَنَا) أَبُو القَاسِمِ بنُ قَاذَوَيْهِ (أَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشُّرُوْطِيُّ

(1)

في (ط) بطبعتيه: "ابن".

(2)

هو إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ (ت؟) ذَكَرَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَينِ في الطَّبَقَاتِ (1/ 278) وَقَالَ: "سَمِعَ مِنْ أَبِي عَبْدِ الله "مَسَائِلَ". . ." وَلَمْ يَرِدْ فِيْهِ هَذَا الخَبَرُ.

(3)

مَنْسُوْبٌ إِلَى "وَيْذَابَاذَ" بالذَّالِ المُعْجَمَةِ .. قَالَ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ في مُعْجَمِ البُلْدَان (5/ 444): "هي مَحِلَّةٌ كَبِيْرَةٌ بـ "أَصْبَهَان". . .".

ص: 303

سَمِعْتُ أَبَا زكَرِيَّا القَسَّامَ يَحْيَى بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الصُّوْفِيَّ مُوسَى بنَ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا الشَّيْخِ الأَبْهَرِيَّ، يَذْكُرَانِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الأَثْرَمِ

(1)

أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَعَوُّذِهِ مِنَ الفَقْرِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَقْرُ القَلْبِ.

وَمِنْ طَرِيْقِ ابنِ عَدِيٍّ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَعِيْدٍ الحَرَّانِيَّ، سَمِعْتُ المَيْمُوْنِيَّ

(2)

يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: ثَلَاثَةُ كُتُبٌ لَيْسَ لَهَا أُصُوْلٌ: المَغَازِي، وَالمَلَاحِمُ، وَالتَّفْسِيرُ.

وَمِنْ طَرِيْقِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ

(3)

، سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بنَ عَبْدُوْسٍ

(4)

يَقُولُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَنْ لَمْ يَجْمَعْ عِلْمَ الحَدِيْثِ وَكَثْرَةَ طُرُقِهَا وَاخْتِلَافِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ الحُكْمُ عَلَى الحَدِيْثِ وَلَا الفُتْيَا بِهِ.

أَخْبَرَنَا عَمِّي (أَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ كِتَابَةً، أَنَّ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيَّ حَدَّثَهُمْ، سَمِعْت أَبَا العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ السِّجْزِيَّ، سَمِعْتُ النَّوْفَلِيَّ

(5)

،

(1)

اسمُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَانِئٍ، الطَّائِيُّ وَقِيْلَ: الكَلْبِيُّ (ت: بعد 260 هـ). ذَكَرَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن في "الطَّبَقَاِت"(1/ 162) قَالَ: "نَقَلَ عَن إِمَامِنَا "مَسَائِلَ" كَثِيْرَةً، وَصَنَّفَهَا وَرَتَّبَهَا أَبْوَابًا" وَلَهُ كِتَابٌ في السُّنَنِ مَشْهُوْرٌ، مَنْسُوْبٌ إِلَيْهِ. وَهُوَ من كِبَارِ أَصْحَابِ أَحْمَد.

(2)

في (هـ): "مَيمون" وَاسْمُهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ (ت: 274 هـ) تَقَدَّمَ ذكْرُهُ.

(3)

في (ط) الفقي: "أَحمد بن ياسين".

(4)

اسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوْسِ بنِ كَامِلٍ، أَبُو أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ (ت: 293 هـ) ذكَرَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن في الطَّبَقَاتِ (2/ 344).

(5)

هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّوْفَلِيُّ (كَذَا) ذَكَرَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن في الطَّبَقَاتِ (2/ 577)، وَالخَبَرُ في تَرْجَمَتِهِ هُنَاك.

ص: 304

سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: إِذَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحَلَالِ وَالحَرَامِ وَالسُّنَنِ وَالأَحْكَامِ تَشَدَّدْنَا فِي الأَسَانِيْدِ، وَإِذَا رَوَيْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي فَضَاِئِلِ الأَعْمَالِ، وَمَا لَا يَضَعُ حُكْمًا وَلَا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الأَسَانيدِ. وَمِنْ طَرِيْقِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ - أَظُنُّهُ النَّقَاشَ - (أَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ زِيَادٍ (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ المَاسْتَوِيُّ

(1)

، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ فِي كِتَابِ الحَيْضِ تِسْعَ سِنِيْنَ حَتَّى فَهِمْتُهُ.

(أَثَنَا) عَمِّي (أَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (أَنَا) جَدِّي (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فُوْرَكَ، سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَبدِ الوَهَّابِ

(2)

يَقُوْلُ: سُئِلَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ رحمه الله هَذِهِ الكِتَابَةُ إِلَى مَتَى العَمَلُ بِهِ؟ قَالَ: أَخْذُهُ العَمَلُ بِهِ.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الفَضْلُ المُقْرِئُ إِجَازَةً (أَثَنَا) أَبُو العَبَّاسِ النَّسَوِيُّ شَيْخُ الحَرَمِ، (ثَنَا) عُمَرُ بنُ المُقْرِئُ (ثَنَا) أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الخُزَاعِيُّ (ثَنَا) صَالِحُ بنُ أَحمَدَ بنِ حَنبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا النَّاسُ إِلَّا مَنْ يَقُوْلُ حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَسَائِرُ النَّاسِ لَا خَيْرَ فِيْهِمْ.

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ (أَنِي) أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ (ثَنَا) أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ (ثَنَا) مُهَنَّى بنُ يَحْيَى

(3)

سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنِ الإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ يُرْوَى عَنِ العَبَادِلَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُوْنَ ذلِكَ؟ قُلْتُ:

(1)

ذَكَرَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ في "الطَّبَقَاتِ"(2/ 233).

(2)

لم يذْكُره القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ في "الطَّبَقَاتِ" مَعَ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ؟!.

(3)

الطَّبَقَاتِ (2/ 432)، وَذَكَرَ الخَبَرَ ص (437). وعَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ.

ص: 305

وَمَنِ العَبَادِلَةُ؟ قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الله بنُ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنُ عَمْرٍو رضي الله عنهم قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَابْنُ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: لَيْسَ ابنُ مَسْعُوْدٍ مِنَ العَبَادِلَةِ.

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ (ثَنَا) حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ قُتَيْبَةٌ بنُ سَعِيْدٍ يَقُولُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِمَامٌ، وَمَنْ لَا يَرْضَى بِإِمَامَتِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ.

قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَهْ: نَقُوْلُ - وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ -: إِنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ، وَسَيِّدُ المُؤْمِنِيْنَ، وَبِهِ نَحْيَا، وَبِهِ نَمُوْتُ وَبِهِ نُبْعَثُ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا، فَهُوَ عِنْدَنَا مِنَ الجَاهِلِيْنَ.

وَمِنْ طَرِيْقِ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْمَاطِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ يُونُسَ، (ثَنَا) شَيْخٌ رَأَيْتُهُ بِـ "مَكَّةَ"، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ مِنْ أَهْلِ "سِجِسْتَانَ" ذُكِرَ عَنْهُ فَضْلٌ وَدِيْنٌ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَنْ تَرَكْتَ لَنَا فِي عَصْرِنَا هَذَا مِنْ أمَّتِكَ نَقْتَدِي بِهِ فِي دِيْنِنَا؟ قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه: فَمَا قَالَهُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَقَدْ نَدَبَ صلى الله عليه وسلم إِلَى الاِقْتِدَاءِ بِهِ، فَلَزِمَنَا جَمِيْعًا امْتِثَالَ مَرْسُوْمِهِ، وَاقْتِفَاءَ مَأْمُورِهِ.

تُوفِّيَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه رحمه الله فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ حَادِي عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، كَذَا نَقَلَهُ ابنُ النَّجَّارِ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الحَافِظِ، وَذَكَرَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ الأَصْبَهَانِّيِيْنَ أَنَّهُ تُوفَيَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَيْ عَشَرَةَ وَخَمْسَمِائَةَ بـ "أَصْبَهَانَ" قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ إِلَيَّ مَعْمَرُ بنُ

ص: 306

الفَاخِرِ مِنْ "أَصْبَهَان" أَنَّ ابنَ مَنْدَه تُوفِّيَ يَوْمَ عِيْدِ الأَضْحَى مِنَ السَّنَةِ

(1)

. وَذَكَرَ غَيْرُهُ: أَنَّهُ دُفِنَ بـ "بَابِ دَرْيَةَ" عِنْدَ قَبْرِ وَالِدِهِ وَجَدِّهِ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ -. وَذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ مِمَّنْ تُوفِّيَ سَنةَ اثْنَيْ عَشَرَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: تُوفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المِصْرِيُّ بهَا، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ (أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَنَا) أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّرَسُوْسِيُّ (أَنَا) يَحْيَى بنُ مَنْدَه الحَافِظُ (أَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، (ثَنَا) سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، (ثَنَا) إِسْحَقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَرِيُّ (أَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ (أَنَا) الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ

(2)

عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبيْهِ قَالَ:"رَأَيْتُ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أُحْصِي"

(3)

.

‌63 - مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ طَالِبِ بنِ زَبِيْبَا

(4)

الخِرَقِيُّ البَزَّارُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الفَضْلِ

(1)

في "المُنْتَخَبِ مِنْ مُعْجَمِ شُيُوْخِ السَّمْعَانيِّ" ذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ دُوْنَ خِلَافٍ.

(2)

في (أ) و (ب) و (جـ): "عَبد الله" وهُو عَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، كَمَا في تَهْذِيْبِ التَّهْذِيْبِ (5/ 42) وَغَيْرِهِ.

(3)

رَوَاهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيْقًا في (الصَّومِ)"بَابُ سِوَاكِ الرَّطْبِ وَاليَابِسِ للصَّائِمِ"(4/ 158)، وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ (3/ 445)، وأَبُو دَاوُدَ رقم (2364) في (الصَّوْمِ)"بَابُ السِّوَاكِ للصَّائِمِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ رقم (725) في (الصَّوْمِ)"بَابُ مَا جَاءَ في السِّوَاكِ للصَّائِمِ". وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ضَعِيْفٌ. عَنْ هَامِشِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" مَعَ اخْتِصَارٍ.

(4)

63 - أَبُو الفَضْلِ بنُ زِبِبْيَا (436 - 511 هـ):

لمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن بنُ أَبِي يَعْلَى في "الطَّبَقَاتِ". =

ص: 307

ابنِ أَبِي الغَنَائِمِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ وَالِدِهِ.

(1)

وُلِدَ فِي العُشْرِ الأَخِيْرِ مِنَ المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعَمِائَةَ. وَقِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ قَالَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِيْنَ. وَسَمِعَ مِنَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَالجَوْهَرِيِّ، وابنِ المُذْهِبِ، وَأَبِي بَكْرِ بنِ بِشْرَانَ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي طَالِبٍ المَكِّيِّ. وَحَدَّثَ، وَرَوَى عَنْهُ السِّلَفِيِّ

(2)

، وَأَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، وابنُ نَاصِرٍ، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ، وَعُمَرُ بنُ ظَفَرٍ. وَبِالإِجَازَةِ ذَاكِرُ بنُ كَامِلٍ، وابنُ كُلَيْبٍ. وَكَانَ فَقِيْهًا، فَاضِلًا، أَظُنُّهُ تَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي، أَوْ عَلَى أَبِيْهِ المَذْكُورِ.

وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: قَالَ شَيْخُنَا ابنُ نَاصِرٍ: لَمْ يَكُنْ بِحُجَّةٍ، كَانَ عَلَى غَيْرِ السَّمْتِ المُسْتَقِيْمِ، وَذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ أَنَّهُ قَرَأَ بِخَطِّ ابنِ نَاصِرٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ عَقِيْدَةَ الفَلَاسِفَةِ تَقْلِيْدًا عَنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ، نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.

= أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 14)، وَالمَقْصَدِ الأرْشَدِ (2/ 473)، وَالمَنْهَجِ الأحْمَدِ (3/ 73)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 235). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ شُيُوْخِ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 984)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 195)، وَاللُّبَابُ (3/ 57)، وتَارِيْخُ الإسْلَامِ (322)، والمُشْتَبَهُ للذَّهَبِيِّ (1/ 3166)، وَمِيْزَانُ الاعْتِدَالِ (5/ 304)، وَالتَّوضِيْحُ (4/ 190)، وَالتَّبْصِيْرُ (2/ 603، 670)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 30) (6/ 51). وفي (ط) بطبعتيه:"زِبِيْبَا".

(1)

وَالِدُهُ أَوَّلُ تَرْجَمَةٍ فِي كِتَابِ ابنِ رَجَبٍ هَذَا.

(2)

جَاءَ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّة" للحَافِظِ السِّلَفِيِّ: "وَأَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ الحَنْبَلِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ زِبِبْيَا" بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ في شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. . .".

ص: 308

تُوفِّيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ تَاسِعِ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمسِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ "بَابِ أَبْرزِ" فِي العَالِيَةِ رحمه الله وَسَامَحَهُ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بـ "فِسْطَاطِ مِصْرَ"(أَنَا) عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَلِيٍّ (أَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ زِبِبْيَا إِذْنًا (أَنَا) القَاضِي أَبُو يَعْلَى بنُ الفَرَّاءِ (أَنَا) أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ - فِيْمَا أَذِنَ لَنَا - أَنَّ حَمْزَةَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ البَزَّارَ حَدَّثَهُ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَاصِمٍ الجَرْمِيِّ

(1)

، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنِّي قَدْ دَخَلْتُ "دَرْبَ هِشَامٍ"، فَلَقِيَنِي بِشْرُ بنُ الحَارِثِ رحمه الله فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ يَا أَبَا نَصْرٍ؟ فَقَالَ: مِنْ عِلَيِّيْنَ، قُلْتُ: مَا فَعَلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ قَالَ: تَرَكْتُ السَّاعَةَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الوَرَّاقُ

(1)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "الحَرْبِيُّ" وفي (أ): "عِصَامٌ" وفي هَامِشِهِ: "عَاصِمٌ" قِرَاءَةُ نُسْخَةٍ أُخْرَى. وَالصَّحِيْحُ مَا أَثبَتُّهُ. وَيُرَاجَعُ: تَهْذِيْبُ التَّهْذِيْبِ (5/ 49).

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةَ (511 هـ):

61 -

المُبَارَكُ بنُ طَالِبٍ، أَبُو السُّعُوْدِ الحَلَاوِيُّ. قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: الإمَامُ

الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ الزَّاهِدِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطِ. وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 1669)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (323)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 182)، وَهُوَ مِمَّنْ يُسْتَدْرَكُ عَلَى ابنِ الجَزَرِيِّ في "غَاية النِّهاية". وَقَدْ لَا يَكون من كِبَارِ القُرَّاء، فَلِذَا لَا يُسْتَدْرَكُ عَلَى الذَّهَبِيِّ.

62 -

وَعَبْدُ الرَّحْمَن بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ اليُوْسُفِيُّ البَغْدَادِيُّ. كَانَ مُحَدِّثًا، رَئِيْسًا، وَافِرَ الجَلالَةِ، رَاوِيَ "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ" عَنْ أَبِي بَكْرِ بنِ بِشْرَانَ عَنْهُ. أَخْبَارُهُ فِي: العِبَرِ (4/ 24)، وَالشَّذَرَاتِ (6/ 50).

ص: 309

بَيْنَ يَدَيْ اللهِ عز وجل يَأْكُلَانِ وَيَشْرَبَانِ وَيَتَنَعَّمَانِ. قُلْتُ: فَأَنْتَ؟ قَالَ: عَلِمَ اللهُ قِلَّةَ رَغْبَتِي فِي الطَّعَامِ فَأَبَا حَنِي النَّظَرَ إِلَيْهِ.

‌64 - طَلْحَةُ بنُ أَحْمَدَ

(1)

بنِ طَلْحَةَ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بَادِي بنِ الحَارِثِ بنِ قَيْسِ بنِ الأَشْعثِ بنِ قَيْسٍ الكِنْدِيُّ العَاقُوْليُّ، القَاضِي أَبُو البَرَكَاتِ.

وُلِدَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ صَلَاتِهَا ثَالِثِ عِشْرِيْنَ شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ بـ "دَيْرِ العَاقُوْلِ" وَهِيَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا مِنْ "بَغْدَادَ"، وَدَخَلَ "بَغْدَادَ" سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَاشْتَغَلَ بِالعِلْمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ سنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِيْنَ، وَمِنَ القَاضِي أَبي يَعْلَى، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ حَسْنُوْنَ، وَأَبي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأِبي جَعْفَرِ بنِ المُسْلِمَةِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي، وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ الدَّجَاجِيِّ، وَهَنَّادٍ النَّسَفِيِّ، وَجَابِرِ بنِ يَاسِيْنَ، وَابْنِ هَزَارَمُرْدَ، وَأَبِي الفَتْحِ

(1)

64 - طَلْحَةُ العَاقُوْلِيِّ (432 - 512 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 482) - وَهُوَ آخرُ تَرْجَمَةٍ في الكِتَابِ -، وَمُخْتَصَرِهِ (414)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصرِ اللهِ (ورقة: 14)، وَالمَقْصَدِ الأرْشَدِ (1/ 455)، وَالمَنْهَجِ الأحْمَدِ (3/ 74)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 236). وَيُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (8/ 317)، وَمُخْتَصَرُهُ اللُّبَابُ (2/ 305)، وَمُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 449) وَالمُنْتَظَمُ (9/ 302)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ (1/ 220)، وتَارِيْخُ الإسْلَامِ (335)، وَتَوْضِيْحُ المُشتَبِهِ (1/ 316)، وتَبْصِيْرُ المُنْتَبِهِ (1/ 56)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 34)(6/ 56). ونسْبَتُهُ (العَاقُوْلِيُّ) سَبَقَ الحَدِيْثُ عَنْهَا في هَامشِ التَّرجَمَةِ رقم (3).

ص: 310

أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَدَّادِ الحَنَفِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: قَرَأَ عَلَى الوَالِدِ "الخِصَالُ"، وَحَضَرَ دَرْسَهُ الفِقْهَ.

قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ "الجَامِعَ الصَّغِيْرَ" أَيْضًا، قَالَ: وَقَالَ لِي: اقْرَأَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ خَتْمَتَيْنِ. وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: قَرَأَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي يَعْقُوْبَ

(1)

، وَهُوَ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ، وَكَانَ عَارِفًا بِالمَذْهَبِ، حَسَنَ المُنَاظَرَةِ. وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ القَصْرِ لِلْمُنَاظَرَةِ.

وَقَالَ ابنُ شَافِعٍ: سَمَاعُهُ صَحِيْحٌ، وَكَانَ ثِقَةً، أَمِيْنًا، وَمَضَى عَلَى السَّلَامَةِ وَالسِّتْرِ، سَمِعَ مِنْهُ ابنُ كَامِلٍ

(2)

وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: كَانَ صَالِحًا، دَيِّنًا، خَيِّرًا، رَوَى لَنَا عَنْهُ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الأَمِيْنُ بِـ "دِمَشْقَ" وَالمُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.

قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ ابنُ نَاصِرٍ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ، وَبِالإِجَازَةِ ابنُ كْلَيْبٍ، وَذَاكِرُ بنُ كَامِلٍ

(3)

.

(1)

هُوَ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَرْزَبِيْنِيُّ (ت: 486 هـ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ رقم (29).

(2)

في (ط) الفقي: "ابن كاملي" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

(3)

وَمِمَّن رَوَى عَنْهُ أيْضًا الحَافِظُ السِّلَفِيُّ في المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ (ورقة: 204، 319) قَالَ في المَوْضِع الأَوَّلِ: " (مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عن أَبِيْهِ) أَخْبَرَنَا أَبُو البَرَكَاتِ طَلْحَةُ بنُ أَحْمَدَ بن بَادِي العَاقُوْلِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ في شَهْرِ رَبِيْعٍ الأوَّلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ (أَنَا) أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ. . .".

وَفِي المَوْضِعِ الثَّانِي: " (مِنْ حَدِيْثِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) أَخْبَرَنَا أَبُو البَرَكَاتِ طَلْحَةُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَادِي العَاقُوْلِيُّ، مِنْ فُقَهَاءِ الحَنَابِلَةِ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ في شَهْرِ رَبِيْعٍ الأوَّلِ .. " =

ص: 311

قَالَ ابنُ نَاصِرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو البَرَكَاتِ طَلْحَةُ بنُ أَحْمَدَ بنِ طَلْحَةَ القَاضِي، قَالَ: كَانَ لِي صَدِيْقٌ اسْمُهُ ثَابِتٌ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، يَقْرَأُ القُرآنَ، وَيَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، فَتُوفِّيَ فَلَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ لِعُذْرٍ مَنَعَنِي، فَرَأَيْتُهُ فِي المَنَامِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَليَّ السَّلَامُ، وَأَعْرَضَ عَنِّي، فَقُلْتُ: يَا ثَابِتُ، مَا تُكَلِّمُنِي وَأَنْتَ صَدِيْقِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ مَوَدَّةٌ؟ فَقَالَ: أَنْتَ صَدِيْقِي، وَلَمْ تُصَلِّ عَلَيَّ، فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي كَيْفَ أَنْتَ بِقَبْرِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؛ لأنَّهُ دُفِنَ هُنَاكَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي قَبْرِ أَحْمَدَ أَحَدٌ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ

(1)

.

تُوفِّيَ طَلْحَةُ العَاقُوْلِيُّ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ ثَانِي شَعْبَانَ، وقالَ ابنُ نُقْطَةَ: ثَالِثُ شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ وَخَمْسَمِائَةَ - وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "الفِيْلِ" مِنْ "بَابِ الأَزَجِ"، قَرِيْبَا مِنْ قَبْرِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ العَزِيْزِ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَيْدُوْمِيُّ بِـ "مِصْرَ"(أَنا) أَبُو الفَرَجِ الحَرَّانِيُّ (أَنا) ابنُ كُلَيْبٍ (أَنا) طَلْحَةُ بنُ أَحْمَدَ العاقُوْلِيُّ (أَنا) أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ (أَنا) أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْهِ (أَنا) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ المَرْزُبَانِ (أَنا) الحُسَيْنُ بنُ بَحْرٍ (ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ، قَالَ ابنُ المَرْزُبَانِ: وَ (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ (ثَنَا) أَحْمَدُ بنُ عَوْنٍ القَوَّاسُ قَالَا: (ثَنَا) مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ العَلَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

= وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ في مَوَاضِعَ أُخْرَى فَلْتُرَاجَعُ.

(1)

مَا هَذَا؟! هَذَا شَيْءٌ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِوَحْيٍ.

ص: 312

قَالَ: "كَرَمُ المَرْءِ دِيْنُهُ، وَمُرُوْءَتُهُ عَقْلُهُ، وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ"

(1)

.

ذَكَرَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ فِي "المُغْنِي" فِي بَابِ الأَيْمَانِ

(2)

، عَنْ طَلْحَةَ العَاقُولِيِّ: أَنَّ العَبْدَ إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا، وَقُلْنَا: يَمْلِكُهُ، وَأَعْتَقَ مِنْهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنَّ الوَلَاءَ يَكُوْنُ مَوْقُوْفًا، فَإِنْ عَتَقَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الأَكْثَرُوْنَ: أَنَّ العَبْدَ لَا يَرِثُ بِالوَلَاءِ وَلَا غَيْرِهِ.

وَحَكَمُوا فِي المُكَاتَبِ: إِذَا عَتَقَ لَهُ عَبْدٌ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ، هَلْ يَكُوْنُ وَلَاؤُهُ لِلْسَيِّدِ، أَوْ يَكُونُ مَوْقُوْفًا، فَإِنْ عَتَقَ المُكَاتَبُ كَانَ لَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَالقَاضِي فِي "خِلَافِهِ": أَنَّهُ لِلْسَيِّدِ بِكُلِّ حَالٍ.

وَحَكَى الشَّيْخُ أَيْضًا: فِي "المُغْنِي"

(3)

وَ"الكَافِي"عَنْ طَلْحَةَ العَاقُولِيِّ: أَنَّ الحَالِفَ إِذَا قَالَ: وَالخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، وَالرَّبِّ: كَانَ يَمِيْنًا بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ نَوَى بِذلِكَ غَيْرَ اللهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ؛ لَا تُسْتَعْمَلُ مَعَ التَّعْرِيْفِ

(4)

إِلَّا فِي اسْمِ اللهِ تَعَالَى، فَهِيَ كَاسْمِ اللهِ، وَالرَّحْمَنِ.

قُلْتُ: وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذلِكَ ابنُ الزَّاغُونِيِّ فِي "الإِقْنَاعِ": فِي الخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، وَسَائِرُ أَسْمَاءِ الأَفْعَالِ، قَالَ: وَهَذا مَبْنِيٌّ عِنْدَنَا عَلَى أَصْلٍ، فَإِنَّ صِفَاتَ الأَفْعَالِ قَدِيْمَةٌ، استَحَقَهَا اللهُ تَعَالَى فِي القِدَمِ كَصِفَاتِ الذَّاتِ.

(1)

رَوَاهُ أَحْمَدُ في المُسندِ (2/ 365)، وَيُرَاجَعُ هَامِشِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ".

(2)

المُغني (13/ 531).

(3)

المُغني (13/ 453، 454).

(4)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "التَّصْرِيْفِ".

ص: 313

‌65 - يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ

(1)

بنِ الحُسَيْنِ بن عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ

(2)

البَيِّعِ، الأَزَجِيُّ، الفَقِيْهُ، أَبُو القَاسِمِ بنُ الشَّوَّاءِ.

وُلِدَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَقَرَأَ القُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ، وَسَمِعَ مِنِ ابنِ المُهْتَدِي، وابْنِ المُسْلِمَةِ

(3)

، والجَوْهَرِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وأَبِي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُونِ، وَأَبَوَيْ الحُسَيْنِ بنِ حَسْنُونَ، وَابْنِ النَّقُّوْرِ، وَتَفَقَّه علَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، ثُمَّ عَلَى القَاضِي يَعْقُوْبَ

(4)

وَكَانَ فَقِيْهًا، حَسَنًا، صَحِيْحَ السَّمَاعِ، وَحَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ، رَوَى عَنْهُ أَبُو المَعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: سَمِعَ مِنَ الوَالِدِ، وَحَضَرَ دَرْسَهُ، وَنَسَخَ مُعْظَمَ كُتُبِهِ.

تُوفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ، تَاسِعَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ. وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ" رحمه الله

(5)

.

(1)

65 - أَبُو القَاسِمِ بنُ الشَّوَّاءُ (442 - 512 هـ):

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 480)، وَمُخْتَصَرِهِ (412)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 15)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 100)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 74)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 236). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 203)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (345)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 35) (6/ 57). وَأَخُوْهُ: المُبَارَكُ بنُ عُثْمَانَ (ت: 533 هـ) لَمْ يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ، نَسْتَدْرِكْهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(2)

في (ط) الفقي: "ابنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ".

(3)

في (ط): "المُسلم".

(4)

هُو البَرْزَبِيْنِيُّ كَمَا سَبَقَ.

(5)

زَادَ في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "تَعَالَى".

ص: 314

‌66 - حَمْدُ بنُ نَصْرِ

(1)

بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَعْرُوفٍ الهَمَذَانِيُّ، الحَافِظُ الفَقِيْهُ، الأَدِيْبُ أَبُو العَلَاءِ، المَعْرُوفُ بِـ "الأَعْمَشِ"

وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَسَمِعَ بِـ "هَمَذَانِ" مِنْ عُبَيْدِ الله بنِ الحَافِظِ بنِ مَنْدَه، وَأَبي مُسْلِمِ بنِ عَوْفٍ النَّهَاوَنْدِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدِ بنِ مَاهِلَةَ

(2)

وَطَبَقَتِهِمْ. رَوَى عَنْهُ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلَاءِ القَطَّانُ، وَأَبُو الفُتُوْحِ الطَّائِيُّ، وَغَيرُهُمْ.

ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ"، فَقَالَ: شَيْخٌ، حَافِظٌ، ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ. وَكَانَ - مَعَ بَصرِهِ بهَذا الشَّأْنِ - عَارِفًا بِفِقْهِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، نَاصِرًا للسُنَّةِ، عَالِمًا بِالعَرَبِيَّةِ، وَافِرَ الجَلَالَةِ بـ "هَمَذَانَ"، وَأَمْلَى عِدَّةَ مَجَالِسَ مِنْ حِفْظِهِ.

قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ: أَجَازَ لِي مَرْوِيَّاتَهُ. وَكَانَ عَارِفًا بِالحَدِيْثِ، حَافِظًا، ثِقَةً، سَمِعَ الكَثِيْرَ بِنَفْسِهِ، وَأَمْلَى، وَحَدَّثَ.

تُوُفِّيَ عَاشِرَ شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -

(3)

.

(1)

66 - الأعْمَشُ الهَمَذَانِيُّ (431 - 512 هـ):

لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى فِي "الطَّبَقَاتِ".

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 15)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 364)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 76)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 236). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَخَبُ مِنْ شُيُوْخِ السَّمْعَانِيِّ (2/ 745)، وَالتَّحْبِيْرُ لَهُ (1/ 248)، وَطَبَقَاتُ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ (2/ 20)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 276)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (333)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1248)، وَطَبَقَاتُ الحُفَّاظِ (454)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 31)(6/ 50).

(2)

اسْمُهُ: هَارُوْن بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِرٍ الهَمَذَانِيُّ.

(3)

في "المُنْتَخَبِ مِنْ مُعْجَمِ شُيُوْخِ السَّمْعَانِيِّ": "كَانَتْ وِلَادَتُهُ بِـ "هَمَذَانَ". . . وَوَفَاتُهُ =

ص: 315

‌67 - عَلِيُّ بنُ عَقِيْلِ

(1)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلِ بنِ أَحْمَدَ - كَذَا قَرَأْتُ نَسَبَهُ بِخَطِّهِ - البَغْدَادِيُّ، الظَّفَرِيُّ، المُقْرِئُ، الفَقِيْهُ، الأُصُولِيُّ، الوَاعِظُ، المُتَكَلِّمُ، أَبُو الوَفَاءِ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ

(2)

الأَعْلَامِ، وَشَ

يْخُ الإِسْلَامِ.

= بِهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ عِنْدَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ العَاشِرِ مِنْ شَوَّالِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ عنْد غُرُوْبِ الشَّمْسِ بِمَقَابِرِ الكَبِيْرِ في الرَّوْضَةِ".

(1)

67 - أَبُو الوَفَاءِ بنُ عَقِيْلٍ (431 - 513):

مِنْ أَجَلِّ العُلَمَاءِ وَالمُفَكِّرِيْنَ، وَمِن أَكْبَرِ عُلَمَاء الفِقْهِ وَالأُصُوْلِ، صَاحِبُ كِتَابِ "الفُنُوْنِ" مِنْ أَعْظَمِ الكُتُبِ المُؤَلَّفَةِ في الإسْلَامِ وَأَكْبَرِهَا.

أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 482)، ومُخْتَصَرِهِ (413)، وَمَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (634)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 15)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 245)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 78)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 237). وَيُرَاجَعُ: خَرِيْدَةُ القَصْرِ "قِسْمُ شُعَرَاءِ العِرَاقِ"(3/ 29)، وَمُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 736)، وَالمُنْتَظَمُ (9/ 212)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيخِ (10/ 561)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (2/ 691)(ط) جَامِعَةِ أُمِّ القُرَى، وَمَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 468)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 443)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (349)، وَمِيْزَانُ الاعْتِدَالِ (3/ 146)، وَالعِبَرُ (4/ 229)، وَدُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 29)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (210)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ (150)، وَالمُسْتَفَادُ مِنْ ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (192)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (21/ 326)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 204)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 184)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (1/ 556)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبِهِ (3/ 1061)، وَلِسَانُ المِيْزَانِ (4/ 243)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 219)، وَطَبَقَاتُ المُفَسِّرِيْنِ للدَّاوُدِيِّ (1/ 417)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 35)(6/ 58)، وَالمَدْخَلُ لابنِ بَدْرَانَ (416)، وَجَلاءُ العَيْنَيْنِ (99).

(2)

ساقط من (أ) و (ب).

ص: 316

وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابنُ نَاصِرٍ، وَالسِّلَفِيُّ

(1)

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ. وَرَأَيْتُهُ بِخَطِّهِ. وَنَقَلَ عَنْهُ عَلِيُّ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ هِبَةِ اللهِ البَزَّارُ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِيْنَ، وَتَفَقَّهْتُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْهُ: أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثِيْنَ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَقَرَأَ بِالرِّوَايَاتِ القُرْآنَ عَلَى أَبِي الفَتْحِ بنِ شِيْطَا

(2)

، وَغَيْرِهِ. وَكَانَ يَقُولُ: شَيْخِي فِي القِرَاءَةِ: ابنُ شِيْطَا. وَفِي النَّحْوِ وَالأَدَبِ

(3)

: أَبُو القَاسِمِ بنُ بَرَهَانَ

(4)

، وَفِي الزُّهْدِ:

(1)

في (ط) الفقي: "ابن نَاصِرٍ السِّلَفِي" بِسُقُوْطِ الوَاوِ. وَجَاءَ فِي المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ (ورقة: 263): " (مِنْ فَوَائِدِ أبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ) أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإمَامُ أَبُو الوَفَاءِ عَلِيُّ بنُ عَقِيْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الفَقِيْهُ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ. وَذَكَرَ أَنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِيْنَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، وأَنَّ جَدَّهُ كَانَ هُوَ الَّذِي كَتَبَ نُسْخَةِ عَزْلِ الطَّائِعِ وَتَوْلِيَةِ القَادِرِ، قَالَ: وَالرِّسَالَةُ عِنْدِي بِخَطِّ جَدِّي، وَكَانَ كَاتِبَ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ بنِ بُوَيْهِ، قَالَ: وَتَفَقَّهْتُ أَنَا أَوَّلًا عَلَى ابنِ الفَرَّاءِ الحَنْبَلِيِّ، وَاسْتَفَدْتُ مِنْ أَبِي إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ قَاضِي القُضَاءِ الدَّامَغَانِيِّ الحَنَفِيِّ، وَابْنِ الصَّبَّاغِ الشَّافِعِيِّ، وَأُسْتَاذِي في القِرَاءَةِ ابنُ شِيْطَا وَسَمِعْتُ الشِّعْرَ عَلَى ابنِ كَوْثَرٍ (؟) وابنِ الشَّبْلِ، وَسَمِعْتُ الحَدِيْثَ مِنَ الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بنِ بِشْرَانَ، وابْنَيْ أَبي طَالِبٍ المَكِّيِّ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، والمُبَارَكِيِّ، وَالعُشَارِيِّ، وابنِ الكُوْفِيِّ وَطَبَقَتِهِمْ. . ." وَتُرَاجَعُ ورقة (48) أَيْضًا فِيْهَا ذِكْرٌ لَهُ.

(2)

أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ الحُسَيْنِ البَغْدَادِيُّ (ت: 450 هـ). يُرَاجَعُ: تَارِيْخُ بَغْدَادَ (11/ 16)، وَالمُنْتَظَمُ (8/ 199)، وَمَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 333).

(3)

في (أ) و (ب) و (جـ): "في الأدب والنَّحو".

(4)

الإمَامُ العَلَّامةُ النَّحْوِيُّ المَشْهُوْرُ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيِّ بنِ بَرَهَانَ العُكْبَرِيُّ (ت: 456 هـ) =

ص: 317

أَبُو بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيِّ

(1)

، وَأَبُو بَكْرِ بنِ زَيْدَانَ

(2)

، وَأَبُو الحُسَيْنِ القَزْوِيْنِيِّ

(3)

، وَذَكَرَ جَمَاعَةً غَيْرَهُمْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَفِي آدَابِ التَّصَوُّفِ: أَبُو مَنْصورٍ صاحِبُ الزِّيَادَةِ العَطَّارُ

(4)

، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالزُّهْدِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ مُتَقَدِّمِي الصُّوْفِيَّةِ، وَفِي الحَدِيْثِ: ابنُ التَّوَّزِيِّ

(5)

، وَأَبُو بَكْرِ بنُ بِشْرانَ، وَالعُشَارِيُّ،

= شَارِحُ "اللُّمَعِ" في النَّحْوِ (ط) في مُجَلَّدَيْنِ، حَنْبَلِيٌّ تَحَوَّلَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. يُرَاجَعُ: تَارِيْخُ بَغْدَادَ (11/ 71)، وَالمُنْتَظَمُ (8/ 337)، وَإِنْبَاهُ الرُّوَاة (2/ 213)، وَبُغْيَةُ الوُعَاة (2/ 120).

(1)

مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَارِئُ، نَزِيْلُ "بَغْدَادَ" (ت: 449 هـ) قَالَ الحَافِظُ الخَطِيْبُ: "كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ صَالِحًا وَرِعًا" أَخْبَارُهُ فِي: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (3/ 106)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (236) .. وَغَيْرِهِمَا.

(2)

لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ بَعْدُ.

(3)

عَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ (ت: 442 هـ) من كبار الزُّهَّاد وَالعُبَّاد وَالفُقَهَاء، شَافِعِيُّ المَذْهَبِ. لَمَّا مَاتَ غُلِّقَتْ جَمِيْعُ "بَغْدَادَ" لِحُضُوْرِ جَنَازَتِهِ. نَقَلَ الحَافِظُ الخَطِيْبُ عَنْ صَاحِبِنَا المُتَرْجَمُ ابنُ عَقِيْلٍ قَوْلَهُ:"شَهِدْتُ جِنَازَتَهُ، وَكَانَ يَوْمًا لَم يُرَ في الإسْلَامِ بَعْدَ جَنَازَة أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مِثْلَهُ". يُرَاجَعُ: تَارِيْخُ بَغْدَادَ (12/ 43)، وَالمُنْتَظَمُ (8/ 46)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (17/ 609)، وَالشَّذَرَاتُ (3/ 268).

(4)

مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدٍ (ت: 468 هـ). يُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 299).

(5)

في (ط) بطبعتيه: "ابن النوري" وإنَّمَا هُوَ التَّوَّزِيُّ وَهُوَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ (ت: 442 هـ) قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في الأَنْسَابِ (3/ 104): "بِفَتْحِ التَّاءِ المَنْقُوْطَةِ باثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقِها، وَتَشْدِيْدِ الوَاوِ، وَفِي آخِرِهَا الزَّاي، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى بَعْضِ بِلَادِ فَارِس" وَفِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ (2/ 65)(تَوَّج) قَالَ: وَهي (تَوَّزُ) بالزَّاي. وَالتَّوَّزِيُّ المَذْكُوْرُ لَهُ تَرْجَمَةٌ في تَارِيْخِ بَغْدَادَ (4/ 324)، وَالمُنْتَظَمِ (9/ 212)، وَالعِبَرِ (3/ 199)، وَلِسَانِ المِيْزَانِ (1/ 233).

ص: 318

وَالجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَفِي الشِّعْرِ وَالتَّرَسُّلِ: ابنُ شِبْلٍ

(1)

، وَابنُ الفَضْلِ

(2)

، وَفِي الفَرَائِضِ: أَبُو الفَضْلِ الهَمَذَانِيُّ

(3)

، وَفِي الوَعْظِ: أَبُو طَاهِرِ بنُ العَلَّافِ

(4)

صَاحِبُ ابنِ سَمْعُوْنَ، وَفِي الأُصُولِ ابنُ

(5)

الوَليْدِ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ التَّبَّانِ

(6)

، وَفِي الفِقْهِ: القَاضِي أَبُو يَعْلَى المَمْلُوْءُ عَقْلًا وَزُهْدًا وَوَرَعًا، قَرَأْتُ عَلَيْهِ سَنَةَ

(1)

مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْن بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ بنِ شِبْلٍ (ت: 473 هـ) شَاعِرٌ مَشْهُوْرٌ فِي زَمَنِهِ قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: لَهُ "ديوانُ" سَائِرٌ، وَقَدْ سَمِعَ "غَرِيْبَ الحَدِيْثِ" من أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ البَادِي. أَخْبَارُهُ في: دُمْيَةِ القَصْرِ (2/ 907)، وَالمُنتظمِ (8/ 328)، وَمُعجَمِ الأُدَبَاءِ (10/ 23)، وخَرِيْدَةِ القَصْرِ "قِسْمِ شُعَرَاءِ العِرَاقِ"(2/ 247)، وَالمُحَمُّدُوْنَ مِنَ الشُّعَرَاءِ للقِفْطِيِّ (462). وَلا أَعْرِفُ الآنَ له دِيْوَان شِعْرٍ، لا رِوَايَةً وَلَا جَمْعًا.

(2)

هُوَ الشَّاعِرُ المَشْهُوْرُ المَعْرُوْفُ بـ "صُرْدُر" اسمُهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ (ت: 465 هـ) يُعْرَفُ بـ "صُرَّبَعَرٍ" فَقَالَ لَهُ نِظَامُ المُلْكِ: أَنْتَ صُرَّدُرٍّ لا صُرَّبَعَرٍ، فبقيَ ذلِكَ عَلَيْهِ. دِيْوَانُهُ مَطْبُوعٌ قَدِيْمًا بِدَارِ الكُتُبِ المِصْرِيَّةِ طَبْعةً جَيِّدةً، أَنِيْقَةٌ، مَلِيْحَةٌ، سَنَةَ (1934 م) في (238) صفحة، عَنْ نُسْخَةٍ بخطِّ مَحْمُوْد سَامي البَارُوْدِيِّ رحمه الله وَشِعْرُهُ جَيِّدٌ مُسْتَحْسَنٌ. أَخْبُارُهُ في: دُمْيَةِ القَصْرِ (1/ 331)(ط) بَغْدَادَ، وَالمُنْتَظَمِ (8/ 280)، وَالكَامِلِ فِي التَّارِيْخِ (10/ 88)، وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (3/ 385)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 303).

(3)

عَبْدُ المَلِكِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ الفَرَضِيُّ (ت: 489 هـ). أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 100)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 153).

(4)

مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، أَبُو طَاهِرٍ العَلَّافُ البَغْدَادِيُّ (ت: 442 هـ).

أَخْبَارُهُ فِي: تَارِيْخِ بَغْدَادَ (3/ 103)، وَالمُنْتَظَمِ (8/ 148).

(5)

في (ط) بطبعتيه: "أَبُو" وَتَقَدَّمَ التَّعْرِيْفُ بِهِ.

(6)

لَمْ أَهْتَدِ إِلَيْهِ الآن؟!.

ص: 319

سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَلَمْ أُخِلَّ بِمَجَالِسِهِ وَخَلْوَتِهِ الَّتِي تَتَّسِعُ لِحُضُوْرِي

(1)

، وَالمَشْيِ مَعَهُ مَاشِيًا، وفِي

(2)

رِكَابِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَحَظِيْتُ مِنْ قُرْبِهِ بمَا لَمْ يَحْظَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّي، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيُّ، إِمَامُ الدُّنْيَا وَزَاهِدُهَا، وَفَارِسُ المُنَاظَرَةِ وَوَاحِدُهَا، كَانَ يُعَلِّمُنِي المُنَاظَرَةَ، وانْتَفَعَتُ بِمُصَنَّفَاتِهِ، وأَبُو نَصْرِ الصَّبَاغِ، وَأَبُو عَبْدُ اللهِ الدَّامَغَانِيُّ، حَضَرْتُ مَجَالِسَ دَرْسِهِ وَنَظَرِهِ، وَقَاضِي القُضَاةِ الشَّامِيُّ انْتَفَعْتُ بِهِ غَايَةَ النَّفْعِ، وَأَبُو الفَضْلِ الهَمَذَانِيُّ، وَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَأَكْثَرُهُمْ فَضْلًا: أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ حَظِيتُ بِرُؤْيَتِهِ، وَمَشَيْتُ فِي رِكَابِهِ، وَكَانَتْ صُحْبَتِي لَهُ حِيْنَ انْقِطَاعِهِ عَنِ التَّدْرِيْسِ وَالمُنَاظَرَةِ، فَحَظِيْتُ بِالجَمَالِ وَالبَرَكَةِ. وَمِنْ مَشَايِخِيِ: أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ كَانَ حَسَنَةَ العَالَمِ، وَمَاشِطَةَ "بَغْدَادَ"، وَمِنْهُمْ: أَبُو بَكَرٍ الخَطِيْبُ كَانَ حَافِظَ وَقْتِهِ. وَكَانَ أَصْحَابُنَا الحَنَابِلَةِ يُرِيْدُونَ مِنِّي هِجْرَانَ جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ، وَكَانَ ذلِكَ يَحْرِمُنِي عِلْمًا نَافِعًا، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو مَنْصُورِ بنُ يُوسُفَ

(3)

فَحَظِيْتُ مِنْهُ بِأَكْبَرِ حَظْوَةٍ، وَقَدَّمَنِي عَلَى الفَتَاوَى، مَعَ حُضُوْرِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنِّي، وَأَجْلَسَنِي فِي "حَلْقَةِ البَرَامِكَةِ" بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، لَمَّا مَاتَ شَيْخِي

(1)

في (أ): "بحُضُوري".

(2)

كَذَا في الأُصُوْلِ كُلِّهَا مَاعَدَا نُسْخَة (د)، وَكَذلِكَ هو مُختصر ابن نَصْرِ اللهِ، وَ"المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَ"المَقْصَدِ الأَرْشَدِ" وَ"المُنَتَظَمِ" وَفِي (د):"ماشيًا في رِكَابِهِ" بِحَذْفِ الوَاوِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ مَا عَلَيْهِ الأُصُوْلُ فَلَعَلَّ الخَلَلَ مِنَ المُؤَلِّفِ نَفْسِهِ.

(3)

تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَوَّلُ رَجُلٍ ذَكَرْتُهُ في الاسْتِدْرَاكِ عَلَى المُؤَلِّفِ.

ص: 320

سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَقَامَ بِكُلِّ مَؤُوْنَتِي وَتَحَمُّلِي، فَقُمْتُ مِنَ الحَلْقَةِ أَتَتَبَّعُ حِلْقَ العُلَمَاءِ لِتَلَقُّطِ الفَوائِدِ.

وَأَمَّا أَهْلُ بَيْتِي فَإِنَّ بَيْتَ أَبِي كُلُّهُمْ أَرْبَابُ أَقْلَامٍ، وَكِتَابَةٍ، وَشِعْرٍ، وَآدَابٍ، وَكَانَ جَدِّي مُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ كَاتِبُ حَضْرَةِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ المُنْشِيءُ لِرِسَالَةِ "عَزْلِ الطَّايِعِ وَتَوْلِيَةِ القَادِرِ"

(1)

، وَوَالِدِي أَنْظَرُ النَّاسَ وَأَحْسَنُهُمْ جزْلًا

(2)

وَعِلْمًا. وَبَيْتُ أُمِّي

(3)

بَيْتُ الزُّهْرِيِّ صَاحِبِ الكَلَامِ وَالدَّرْسِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ. وَعَانَيْتُ مِنَ الفَقْرِ، وَالنَّسْخِ بِالأُجْرَةِ، مَعَ عِفَّةٍ وَتُقًى

(4)

. وَلَا أُزَاحِمُ فَقِيْهًا فِي حَلْقَةٍ، وَلَا تَطْلُبُ نَفْسِي رُتْبَةً مِنْ رُتَبِ أَهْلِ العِلْمِ القَاطِعَةِ لِي عَنِ الفَائِدَةِ. وَتَقَلَّبَتْ

(5)

عَلَيَّ الدُّوَلُ فَمَا أَخَذَتْنِي دَوْلَةُ سُلْطَانٍ، وَلَا عَامَّةَ عَمَّا أَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ الحَقُّ، فَأُوْذِيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حَتَّى طُلِبَ الدَّمُ، وَأُوْذِيْتُ فِي دَوْلَةِ النِّظَامِ بِالطَّلَبِ وَالحَبْسِ - فَيَا مَنْ خِفْتُ الكُلَّ لأَجْلِهِ لَا تُخَيِّبْ ظَنِّي فِيْكَ - وَعَصَمَنِي اللهُ تَعَالَى فِي عُنْفُوانِ شَبَابِي بِأَنْوَاعٍ مِنَ العِصْمَةِ، وَقَصَرَ مَحَبَّتِي

(1)

تَقَدَّمَ في نَصِّ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ أَنَّهَا عِنْدَهُ بِخَطِّ جَدِّهِ.

(2)

هكَذَا في الأُصُوْلِ كُلِّهَا: "جزلًا" وَأَشَارَ مُحَقِّقَا الجُزْءِ الأَوَّلِ الكِتَابِ: الدُّكتور هَنري لاووست، وَالدُّكتور سَامِي الدَّهَّان إِلَى أَنَّ في "المُنْتَظَم":"جدلًا" وَلَعَلَّهَا أَقربُ إِلَى الصَّوَابِ.

(3)

كَذَا في (أ) و (د) وفي بَقِيَّةِ النُّسَخِ وَ"مُخْتَصَر ابنِ نَصْرِ اللهِ": "أبي" وَكَتَبَ فَوْقَهَا ابنُ نَصْرِ اللهِ (كَذَا) وَمَا أَثْبَتُّهُ يؤيِّدُهُ مَا جَاءَ في "المُنْتَظَمِ" وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْضًا، ويَبْدُو أَنَّ "أبي" سَبْقُ قَلَمٍ، ثُمَّ جَرَى عَلَيْهَا النُّسَّاخُ.

(4)

لَيْتَهُ لَمْ يَقُلْ ذلِكَ؛ لأنَّ فِيْه تَزْكِيَةَ النَّفْسِ؟! وَإِنْ كَانَ مِنَ التَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ اللهِ.

(5)

في (أ): "تقلَّب".

ص: 321

عَلَى العِلْمِ وَأَهْلِهِ، فَمَا خَالَطْتُ لَعَّابًا قَطُّ، وَلَا عَاشَرْتُ إِلَّا أَمْثَالِي مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ. قَالَ: والغَالِبُ عَلى أَحْدَاثِ طَائِفَةِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ العِفَّةُ، وَعَلَى مَشَايِخِهُمْ الزَّهَادَةُ وَالنَّظَافَةُ. آخِرُ كَلَامِهِ.

وَالأَذِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُ، وَطَلَبِهِمْ مِنْهُ هِجْرَانَ جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ، نَذْكُرُ بَعْضَ شَرْحِهَا، وَذلِك: أَنَّ أَصْحَابَنَا كَانُوا يَنْقِمُوْنَ عَلَى ابنِ عَقِيْلٍ تَرَدُّدُهُ إِلَى ابنِ الوَليْدِ، وَابنِ التَّبَّانِ شَيْخَيِ المُعْتَزِلَةِ، وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمَا فِي السِّرِّ عِلْمَ الكَلَامِ، وَيَظْهَرُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ نَوْعُ انْحِرَافٍ عَنِ السُّنَّةِ، وَتَأَوَّلَ لِبَعْضِ الصِّفَاتِ، وَلَمْ يَزَلْ فِيْهِ بَعْضُ ذلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ رحمه الله

(1)

. ففِي سَنَةِ إِحْدَى وَستِّينَ اطَّلَعُوا لَهُ عَلَى كُتُبٍ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ تَعْظِيْمِ المُعْتَزِلَةِ، وَالتَّرَحُّمُ عَلَى الحَلَّاجِ وَغَيْرِ ذلِكَ، وَوَقَفَ علَى ذلِكَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ، فَاشْتَدَّ ذلِكَ عَلَيْهِمْ، وَطَلَبُوا أَذَاهُ، فَاخْتَفَى، ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يَزَلْ أَمْرَهُ فِي تَخْبِيْطٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، فَحَضَرَ فِي أَوَّلِهَا إِلَى الدِّيْوَانِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الأَصْحَابِ، فَاصْطَلَحُوا، وَلَمْ يَحْضُرِ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ؛ لأَنَّهُ كَانَ عَاتِبًا عَلى وُلَاةِ الأَمْرِ بِسَبَبِ إِنْكَارِ مُنْكَرٍ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي تَرْجَمَتِهِ. فَمَضَى ابنُ عَقِيْلٍ إِلَى بَيْتِ الشَّرِيْفِ وَصَالَحَهُ، وَكَتَبَ خَطَّهُ: يَقُوْلُ عَلِيُّ بنُ عَقِيْلِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِنِّي أبْرَأُ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ مَذَاهِبِ مُبْتَدِعَةِ الاعْتِزَالِ وَغَيْرِهِ، وَمِن صُحْبَةِ أَرْبَابِهِ، وَتَعْظِيْمِ أَصْحَابِهِ، وَالتَّرَحُّمِ علَى أَسْلَافِهِمْ، وَالتَّكَثُّرِ

(1)

يُرَاجَعُ: مَا قَالَهُ عَنْهُ شَيْخُ الإِسْلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في دَرْءِ تَعَارُضِ العَقْلِ والنَّقْلِ (8/ 60، 270، 7/ 263).

ص: 322

بِأَخْلَاقِهِمْ، وَمَا كُنْتُ عَلَّقْتُهُ، وَوُجِدَ بِخَطِّي مِنْ مَذَاهِبِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ فَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ كِتَابَتِهِ، وَلَا تَحِلُّ كِتَابَتُهُ، وَلَا قِرَاءَتُهُ، وَلَا اعْتِقَادُهُ، وَإِنَّنِيْ عَلَّقْتُ مَسْأَلَةَ اللَّيْلِ فِي جُمْلَةِ ذلِكَ. وَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: هُوَ أَجْسَادٌ سُوْدٌ، وَقُلْتُ: الصَّحِيْحُ: مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ عَدَمٌ وَلَا يُسَمَّى جِسْمًا، ولَا شَيْئًا أَصْلًا، وَاعْتَقَدْتُ أَنَا ذلِكَ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُمْ

(1)

وَاعْتَقَدْتُ فِي الحَلَّاجِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، وَالزُّهْدِ، وَالكَرَامَاتِ، وَنَصَرْتُ ذلِكَ فِي جُزْءٍ عَمِلْتُهُ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ، وَأَنَّهُ قُتِلَ بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، وَأَصَابُوا فِي ذلِكَ وَأَخْطَأَ هُوَ، وَمَعَ ذلِكَ فَإِنِّي أَستَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ مُخَالَطَةِ المُعْتَزِلَةِ وَالمُبْتَدِعَةِ وَغَيْرِ ذلِكَ، وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّعْظِيمِ لَهُمْ؛ فإِنَّ ذلِكَ كُلُّهُ حَرَامٌ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ فِعْلُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ عَظَّمَ صَاحِبَ بِدْعَةِ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هَدْمِ الإِسْلَامِ". وَقَدْ كَانَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الشُّيُوْخِ وَالأَتْبَاعِ سَادَتِي وَإِخْوَانِيْ - حَرَسَهُمُ اللهُ تَعَالَى - مُصِيْبِيْنَ فِي الإِنْكَارِ عَلَيَّ؛ لِمَا شَاهَدُوْهُ بِخَطِّي مِنَ الكُتُبِ الَّتِي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهَا، وَأَتَحَقَّقُ أَنِّي كُنْتُ مُخْطِئًا غَيْرَ مُصِيْبٍ، وَمَتَى حُفِظَ عَلَيَّ مَا يُنَافِي هَذَا الخَطَّ وَهَذَا الإِقْرَارَ فَلإِمَامِ المُسْلِمِيْنَ مُكَافَاتِي عَلَى ذلِكَ، وَأَشْهَدْتُ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأُوْلِي العِلْمِ عَلَى ذلِكَ غَيْرَ مُجْبَرٍ، وَلَا مُكْرَهٍ، وَبَاطِنِي وَظَاهِرِيْ

(1)

في (أ) و (جـ) و (هـ): "منه".

ص: 323

- يَعْلَمُ اللهُ تَعَالَى - فِي ذلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ تَعَالَى

(1)

: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} وَكُتِبَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ عَاشِرَ مُحَرَّمٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَكَانَتْ كِتَابَتُهُ قَبْلَ حُضُوْرِهِ الدِّيْوَانَ بِيَوْمِ، فَلَمَّا حَضَرَ شَهِدَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ مِنَ الشُّهُوْدِ وَالعُلَمَاءِ

(2)

.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَأَفْتَى ابنُ عَقِيْلٍ، وَدَرَّسَ، وَنَاظَرَ الفُحُوْلَ، وَاسْتُفْتِيَ فِي الدِّيْوَانِ فِي زَمَنِ القَائِمِ فِي زُمْرَةِ الكِبَارِ، وَجَمَعَ عِلْمَ الفُرُوعِ وَالأُصُوْلِ، وَصَنَّفَ فِيْهَا الكُتُبَ الكِبَارَ، وَكَانَ دَائِمَ التَّشَاغُلِ بِالعِلْمِ حَتَّى أَنِّي رَأَيْتُ بِخَطِّهِ: إِنِّي لَا يَحِلُّ لِي أَنْ أُضَيِّعَ سَاعَةً مِنْ عُمُرِي، حَتَّى إذَا تَعَطَّلَ لِسَانِي عَنْ مُذَاكَرَةِ وَمُنَاظَرَةٍ، وَبَصَرِي عَنْ مُطَالَعَةٍ أَعْمَلَتْ فِكْرِيْ فِي حَالِ رَاحَتِي وَأَنَا مُسْتَطْرِحٌ، فَلَا أَنْهَضُ إِلَّا وَقَدْ خَطَرَ لِي مَا أُسَطِّرُهُ، وَإِنِّي لأَجِدُ مِنْ حِرْصِيْ عَلَى العِلْمِ وَأَنَا فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ أَشَدُّ مِمَّا كُنْتُ أَجِدُهُ وَأَنَا ابنُ عِشْرِيْنَ سَنَةٍ. قَالَ: وَكَانَ لَهُ الخَاطِرُ العَاطِرُ، وَالبَحْثُ عَنِ الغَوَامِضِ وَالدَّقَائِقِ، وَجَعَلَ كِتَابَهُ المُسَمَّى بِـ "الفُنُوْنِ" مَنَاطًا لِخَوَاطِرِهِ وَوَاقِعَاتِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ وَاقِعَاتِهِ فِيْهِ عَرَفَ غَوْرَ الرَّجُلِ، وَتَكَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ بِلِسَانِ الوَعْظِ مُدَّةً، فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ جَرَتْ فِيْهَا فِتَنٌ بَيْنَ الحَنَابِلَةِ

(1)

سورة المائدة.

(2)

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في لِسَانِ المِيْزَان (4/ 243): "وَهَذَا الرَّجُلُ مِن كِبَارِ الأئِمَّةِ، نَعَمْ كَانَ مُعْتَزِليًّا، ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ تَابَ عَنْ ذلِكَ وَصَحَّتْ تَوْبَتُهُ، ثُمَّ صَنَّفَ في الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْلُ عَصْرِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. . .".

ص: 324

وَالأَشَاعِرَةِ

(1)

فَتَرَكَ الوَعْظَ، وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّدْرِيْسِ، وَمَتَّعَهُ اللهُ تَعَالَى بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَجَمِيْعِ جَوَارِحِهِ. قَالَ: وَقَرَأْتُ بِخَطِّهِ قَالَ: بَلَغْتُ الاثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً، وَأَنَا فِي سَنَةِ الثَّمَانِيْنَ وَمَا أَرَى نَقْصًا فِي الخَاطِرِ، وَالفِكْرِ، وَالحِفْظِ، وَحِدَّةِ النَّظَرِ، وَقُوَّةِ البَصَرِ لِرُؤْيَةِ الأَهِلَّةِ الخَفِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ القُوَّةَ بِالإِضَافَةِ إِلَى قُوَّةِ الشَّبِيْبَةِ وَالكُهُوْلَةِ ضَعِيْفَةٌ.

قُلْتُ: وَذَكَرَ ابنُ عَقِيْلٍ

(2)

، في "فُنُوْنِهِ": قَالَ حَنْبَلِيُّ - يَعْنِي نَفْسَهُ -: أَنَا أَقْصُرُ بِغَايَةِ جَهْدِي أَوْقَاتَ أَكْلِي، حَتَّى أَخْتَارُ سَفَّ الكَعْكِ وَتَحَسِّيْهِ بِالمَاءِ عَلَى الخُبْزِ؛ لِأَجْلِ مَا بَيْنِهِمَا مِنْ تَفَاوُتِ المَضْغِ، تَوَفُّرًا عَلَى مُطَالَعَةٍ، أَو تَسْطِيْرَ فَائِدَةٍ، لَمْ أُدْرِكْهَا

(3)

.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: وَكَانَ ابنُ عَقِيْلٍ قَوِيَّ الدِّيْنِ، حَافِظًا لِلْحُدُوْدِ، وَتُوُفِّيَ لَهُ وَلَدَانِ، فَظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الصَّبْرِ مَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، وَكَانَ كَرِيْمًا يُنْفِقُ مَا يَجِدُ، وَلَمْ يُخَلِّفْ سِوَى كُتُبِهِ وَثِيَابِ بَدَنِهِ، وَكَانَتْ بِمِقْدَارِ كَفَنِهِ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ.

وَقَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو المَعَالِيْ الجُوَيْنِيُّ "بَغْدَادَ" أَوَّلَ مَا دَخَلَ الغَزَّالِي

(4)

فَتَكَلَّمَ مَعَ أَبِي إِسْحَقَ، وَأَبِي نَصْرٍ الصَّبَّاغِ، وَسَمِعْتُ كَلَامَهُ، ثُمَّ

(1)

أَشَارَ المُؤلِّف إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا في تَرْجَمَةِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ.

(2)

في (ط) الفَقِي: "ابنُ عَقْلٍ" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

(3)

ساقطٌ من (أ).

(4)

هكَذَا في (أ) و (ب) و (د) واسْتَشْكَلَهَا نَاسِخُ (ب) فَوَضَعَ عَلَيْهَا عَلَامَةً، وَفِي (ج) تَجَاوَزَهَا النَّاسِخُ فَقَالَ:"أَوَّلَ مَا دَخَلَ فَتَكَلَّمَ .. " وفِي (هـ): "الغِزُّ" ويَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الأخِيْرَة هِيَ الصَّحِيْحَةُ. والدَّلِيْلُ عَلَى ضَعْفِ صِحَّة المُثبت "الغَزَالِيُّ" قَوْلُهُ بَعْدَ ذلِكَ: =

ص: 325

ذَكَرَ عَنْهُ مَسْأَلةَ العِلْمِ بِالأَعْرَاضِ المشْهُورَةِ عَنْهُ، وَبَالَغَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ.

وَلَمَّا وَرَدَ الغَزَّالِيُّ "بَغْدَادَ"، وَدَرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ حَضَرَهُ ابنُ عَقِيْلٍ، وَأَبُو الخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا، وَكَانَ ابنُ عَقِيْلٍ كَثيْرَ المُنَاظَرَةِ لِـ "إِلْكِيَا" الهَرَّاسِيِّ

(1)

[وكَانَ إِلْكِيَا]

(2)

يُنْشِدُهُ فِي المُنَاظَرَةِ:

ارْفِقْ بِعَبْدِكَ إِنَّ فِيْهِ فَهَاهَةً

جَبَلِيَّةً وَلَكَ العِرَاقُ وَمَاؤُهَا

قَالَ السِّلَفِيُّ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ الشَّيْخِ أَبِي الوَفَاءِ بنِ عَقِيْلٍ؛ مَا كَانَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَهُ لِغَزَارَةِ عِلْمِهِ، وَحُسْنِ إِيْرَادِهِ، وَبَلَاغَةِ كَلَامِهِ، وَقُوَّةِ حُجَّتِهِ، وَلَقَدْ تَكَلَّمَ يَوْمًا مَعَ شَيْخِنَا أَبِي الحَسَنِ إلْكِيَا الهَرَّاسِيِّ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ شَيْخُنَا: هَذَا لَيْسَ بِمَذْهَبِكَ، فَقَالَ: أَنَا لِي اجْتِهَادٌ

(3)

مَتَى مَا طَالَبَنِي خَصْمِي بِحُجَّةٍ كَانَ عِنْدِي مَا أَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِي، وَأَقُومُ لَهُ بِحُجَّتِي، فَقَالَ لَهُ

= "وَلَمَّا وَرَدَ الغَزَّالِيُّ. . ." كَمَا أَنَّهُ سَيَأْتِي ذكرُ "الغِرِّ" في كَلَامِ المُؤَلِّفِ.

(1)

في (ط) بطبعتيه: "للكيا" وفي (ب): "الهراشي" بالشِّين، وَإِنَّمَا هُوَ إِلْكِيَا الهَرَّاسِيُّ وَاسْمُهُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ، مِنْ شُيُوْخِ الشَّافِعِيَّةِ، وَمُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ بِـ "بَغْدَادَ" (ت: 493 هـ) مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ كِتَابٌ رَدَّ فِيْهِ عَلَى "مُفْرَدَاتِ الإمَامِ أَحْمَدَ" قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "فَلَمْ يُنْصِفُ فِيْهِ". أَخْبَارُهُ في: سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 350)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (7/ 231)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لابنِ قَاضِي شُهْبَةَ (1/ 319)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 8)

وَغَيْرِهَا. وَإِلْكِيَا - بِالأَعْجَمِيَّةِ - الكَبِيْرُ القَدْرِ المُعَظَّمُ بَيْنَ النَّاسِ.

(2)

ساقطٌ من (ب).

(3)

قَبْلَهَا فِي "سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ" وَ"تَارِيْخِ الإِسْلامِ": "فَقَالَ لَهُ أَبُو الوَفَاءِ: أَكُوْنُ مِثْلَ أَبِي عَلِيٍّ الجُبَّائِيِّ، وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ لَا أَعْلَمُ شَيْئًا؟ أَنَا لِي اجْتِهَادِي. . .".

ص: 326

شَيْخُنَا: كَذلِكَ الظَّنُّ بِكَ.

وَذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ فِي "تَارِيْخِهِ"

(1)

: أَنَّ ابنَ عَقِيْلٍ قَرَأَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي أَبِيْ يَعْلَى، وَعَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ، وَقَرَأَ الأُصُوْلَ وَالخِلَافَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ، وَأَبي نَصْرِ بنِ الصَّبَّاغِ، وَقَاضِي القُضَاةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِيِّ. وَكَانَ شَهْمًا مِقْدَامًا، يُوَاجِهُ الأَكَابِرِ بِالإِنْكَارِ بِلَفْظِهِ وَخَطِّهِ، حَتَّى إِنَّهُ أَرْسَلَ مَرَّةً إِلَى حَمَّادٍ الدَّبَّاسِ

(2)

- مَعَ شُهْرَتِهِ بِالزُّهْدِ وَالمُكَاشَفَاتِ، وَعُكُوْفِ العَامَّةِ عَلَيْهِ - يَتَهَدَّدُهُ فِي أَمْرٍ كَانَ يَفْعَلُهُ وَيَقُولُ لَهُ: إِنْ عُدْتَ إِلَى هَذَا ضَرَبْتُ عُنُقَكَ.

وَكَتَبَ مَرَّةً إِلَى الوَزِيْرِ عَمِيْدِ الدَّوْلَةِ ابنِ جَهِيْرٍ

(3)

- لَمَّا بَنَى سُوْرَ "بَغْدَادَ"،

(1)

هَذَا النَّقْلُ عَنِ ابنِ النَّجَّارِ لَيْسَ فِيْهِ مُفِيْدٌ؛ لأنَّهُ سَبَقَ إِيْرَادُ مِثْلِهِ. إِلَّا حِكَايَتَهُ عَنْ حَمَّادٍ.

(2)

هُوَ حَمَّادُ بنُ مُسْلِمٍ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّحْبِيُّ، الدَّبَّاسُ (ت: 525 هـ) قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "وَكَانَ قَلِيْلَ العِلْمِ أُمِّيًّا" أَقُوْلُ: وَهكَذَا أَغْلَبُ شُيُوْخِ الصُّوْفِيَّةِ عَوَامٌّ في زِيِّ عُلَمَاء؟!. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ يَتَصَوَّفُ، وَيَدَّعِي المَعْرِفَة وَالمُكَاشَفَةَ وَعُلُوْمَ البَاطِنِ، وَكَانَ عَارِيًا مِنْ عِلْمِ الشَّرْعِ، وَنَفَقَ عَلَى الجُهَّالِ، كَانَ ابنُ عَقِيْلٍ يُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْهُ، وَبَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي المَحْمُوْمَ لَوْزَةً وَزَبِيْبَةً لِيَبْرَأَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ: إِنْ عُدْتَ لِهَذَا ضَرَبْتُ عُنُقُكَ. يُرَاجَعُ: سِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 594)، والمُنْتَظَم (10/ 22) وَفِيْهِ:"وَكَانَ يَأْكُلُ بِالمَنَامَاتِ، وَكَانَ يَجِيْءُ الرَّجُلَ فَيَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ في المَنَامِ أَعْطِ حَمَّادًا كَذَا، فاجْتَمَعَ لَهُ أَصْحَابٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مَا يُفْتَحُ لَهُ". قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "قُلْتُ: نَقَمَ ابنُ الأثِيْرِ وَسِبْطُ ابنِ الجَوْزِيِّ هَذَا وَعَظَّمَا حَمَّادًا رحمه الله وَكَانَ الشَّيْخُ عَبْدِ القَادِرِ مِنْ تَلَامِيْذهِ" أَقُوْلُ - وعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: منْ هُنَا أُتِيَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ؟.

(3)

مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بن جَهِيْرٍ، أَبُو مَنْصُوْرٍ (ت: 493 هـ) وَزَرَ أَيَّامَ وَالِدِهِ، وَكَانَ =

ص: 327

وَأَظْهَرَ العَوَامُّ فِي الاِشْتِغَالِ بِبِنَائِهِ المُنْكَرَاتِ -: لَوْلَا اعْتِقَادُ صِحَّةِ البَعْثِ، وَأَنَ لَنَا دَارًا أَكُونُ فِيْهَا عَلَى حَالٍ أَحْمَدُهَا لَمَا نَصَّبْتُ نَفْسِيْ إِلَى مَالِكِ عَصْرِي، وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ فِي جَمِيْعِ مَا أُوْرِدُهُ، بَعْدَ أَنْ أُشهِدَهُ: أنِّي مُحِبٌ مُتَعَصِّبٌ، لَكِنْ إِذَا تَقَابَلَ دِيْنُ مُحَمَّدٍ وَدَوْلَةُ بَنِي جَهِيْرٍ، فَوَاللهِ مَا أَرَدْتُ هَذِهِ بِهَذِهِ، وَلَوْ كُنْتُ كَذلِكَ كُنْتُ كَافِرًا، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا الخَرْقُ الَّذِيْ جَرَى بِالشَّرِيْعَةِ لِمُنَاصَبَةِ وَاضِعِهَا، فَمَا بَالُنَا نَعْقِدُ الخَتَمَاتِ وَرِوَايَةَ الأَحَادِيْثِ فَإِذَا نَزَلَتْ بِنَا الحَوَادِثُ تَقَدَّمْنَا بِجَمِيْعِ الخَتَمَاتِ، وَالدُّعَاءِ عَقِيْبَهَا؟! ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ طُبُوْلٌ وَصَوَابِي

(1)

، وَمَخَانِيْثُ، وَخَيَالٌ، وَكَشْفُ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مَعَ حُضُوْرِ النِّسَاءِ، إِسْقَاطًا لِحُكْمِ اللهِ تَعَالَى. وَمَا عِنْدِي يَا شَرَفَ الدِّيْنِ أَنْ تَقُوْمَ بِسَخْطَةٍ مِنْ سَخَطَاتِ اللهِ تَعَالَى، تُرَى بِأَيِّ وَجْهٍ تَلْقَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم؟! بَلْ لَوْ رَأَيْتُهُ فِي المَنَامِ مُقَطِّبًا كَانَ ذلِكَ يُزْعِجُكَ فِي يَقَظَتِكَ، وَأَيُّ حُرْمَةٍ تَبْقَى لِوُجُوْهِنَا وَأَيْدِيْنَا وَأَلْسِنَتِنَا عِنْدَ اللهِ، إِذَا وَضَعْنَا الجِبَاهَ سَاجِدَةً؟! ثُمَّ كَيْفَ

= وَالِدُهُ أَيْضًا وَزِيْرًا، وَعُرِفَ هُوَ بِالشَّجَاعَةِ وَالشَّهَامَةِ، وَفَصَاحَةِ اللِّسَانِ، وَكَانَ أَدِيْبًا، بَلِيْغًا، مَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ. يُرَاجَعُ: خَرِيْدَةُ القَصْرِ (قِسْمُ شُعَرَاءِ العِرَاق)(1/ 87)، وَالمُنْتَظمُ (9/ 118)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 298)، وَسِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (19/ 175)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (1/ 122).

وَ (جَهِيْرٌ) عَلَى وَزْنِ أَمِيْرٍ. وَفِي "المُنْتَظَمِ"(9/ 85): "وَكَتَبَ ابنُ عَقِيْلٍ إِلَى الوَزِيْرِ ابنِ جَهْوَرٍ إِخْرَاقُ العَوَامِّ بِالشِّرِيْعَةِ في بِنَاءِ السُّوْرِ فَكَانَ فِيْهِ مِمَّا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ".

(1)

في (ط): "صَوَانِي" وَالصَّوَانِي: الأَوَانِي المَعْرُوْفَةُ، وَالصَّوَابِي: النِّسَاءُ الجَمِيْلَاتُ اللَّاتِي تَصْبُو إِلَيْهِنَّ قُلُوْبُ الرِّجَالِ، أَيْ: تَمِيْلُ إِلَيْهِنَّ.

ص: 328

تُطَالِبُ الأَجْنَادَ بِتَقْبِيْلِ عَتَبَةٍ، وَلَثْمِ تُرَابِهَا، وَتُقِيْمُ الحَدَّ فِي دِهْلِيْزِ

(1)

الحَرِيْمِ، صَبَاحًا وَمسَاءً، عَلَى قِدْحِ نَبِيْذٍ مُخْتَلِفٍ فِيْهِ، ثُمَّ تَمْرَحُ العَوَامُّ فِي المُسْكِرِ المُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيْمِهِ؟! هَذَا مُضافُ إِلَى الزِّنَا الظَّاهِرِ بـ "بَابِ بَدْرٍ" وَلُبْسِ الحَرِيْرِ عَلَى جَمِيْعِ المُتَعَلِّقَيْنِ وَالأَصْحَابِ. يَا شَرَفُ الدِّيْنِ، اتَّقِ سَخَطَ اللهِ تَعَالَى: فَإِنَّ سَخَطَهُ لَا يُقَاوِمُهُ سَمَاءٌ وَلَا أَرْضٌ وَإِنْ فَسَدَتْ حَالِيْ بِمَا قُلْتُ فَلَعَلَّ اللهَ يَلْطُفُ بِي، وَيَكْفِيْنِي هَوَائِجِ الطِّبَاعِ. ثُمَّ لَا تَلُمْنَا عَلَى مُلَازَمَةِ البُيُوْتِ، وَالاخْتِفَاءِ عَنِ العَوَامِّ؛ لأَنَّهُمْ إِنْ سَأَلُوا لَمْ نَقُلْ إِلَّا مَا يَقْتَضِي الإِعْظَامَ لِهَذِهِ القَبَائِحِ، وَالإِنْكَارَ لَهَا، وَالنِّيَاحَةَ عَلَى الشَّرِيْعَةِ، أَتُرَى لَوْ جَاءَتْ مُعْتِبَةٌ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ فِي مَنَامٍ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ - أَن

(2)

لَوْ كَانَ لِلْوَحْيِ نُزُوْلٌ - أَوْ أُلْقِيَ إِلَى رَوْعِ مُسْلِمٍ بِإِلْهَامٍ: هَلْ كَانَتْ إِلَّا إِلَيْكَ؟ فَاتَّقِ اللهَ تَقْوَى مِنْ عِلْمِ بِمِقْدَارِ

(3)

سُخْطِهِ، فَقَدْ قَالَ

(4)

: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} وَقَدْ مَلأَتْكُمْ فِي عُيُوْنِكُمْ مَدَائِحُ الشُّعَرَاءِ

(5)

وَمُدَاجَاةُ المَتَمَوِّلِيْنَ

(1)

الدِّهْلِيْزُ - بالكَسْرِ، وفَتْحُهُ عَامِيٌّ - مَا بَيْنَ الدَّارِ وَالبَابِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، كَذَا في قَصْدِ السَّبِيْلِ (2/ 42)، وَهِيَ لُغَةُ العَامَّةِ بِمَنْطِقَةِ الرِّيَاضِ يُسَمُّوْنَ مَدْخَلَ البَيْتِ (دِهْلِيْزَ) وَرُبَّمَا نَحَوا بِالزَّاي مَنْحَى القَافِ، كَمَا نَحَوا بالقَافِ مَنْحَى الزَّاي في (إبْرِيْق). وانْقَرَضَ هَذَا الاسْتِعْمَالُ بانْقِرَاضِ البُيُوْتِ المَبْنِيَّةِ منَ اللَّبِنِ وَالطِّيْنِ.

(2)

ساقطٌ من (ط).

(3)

في (هـ): "مقدار".

(4)

سُوْرةُ الزُّخرف، الآية:55.

(5)

في (ط) الفقي: "الشُّرا" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

ص: 329

بِدَوْلَتِكُمْ، الأَغْنِيَاءِ الأَغْبِيَاءِ، الَّذِيْنَ خَسِرُوا اللهَ فِيْكُمْ، فَحَسَّنُوا لَكُمْ طَرَائِقَكُمْ، وَالعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ، وَلَا يَغُرُّهُ مَدْحُ مَنْ لَا يَخْبُرُهَا.

وَكَتَبَ ابنُ عَقِيْلٍ إِلَى السُّلْطَانِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ "مَلِكْشَاه"

(1)

وَقَدْ كَانَتِ البَاطِنيَّةُ أَفْسَدُوا عَقِيْدَتُهُ، وَدَعَوْهُ إِلَى إِنْكَارِ الصَّانِعِ: أَيُّهَا المَلِكُ، اعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ العَوَامَّ وَالجُهَّالَ يَطْلُبُوْنَ اللهَ مِنْ طَرِيْقِ الحَوَاسِّ، فَإِذَا فَقَدُوْهُ جَحَدُوْهُ، وَهَذَا لَا يَحْسُنُ بِأَرْبَابِ العُقُوْلِ الصَّحِيْحَةِ؛ وَذلِكَ أَنَّ لَنَا مَوْجُوْدَاتٌ مَا نَالَهَا الحِسُّ، وَلَمْ يَجْحَدْهَا العَقْلُ، وَلَا يُمْكِنُنَا جَحْدُهَا لِقِيَامِ دِلَالَةِ العَقْلِ عَلَى إِثْبَاتِهَا، فَإِنْ قَالَ لَكَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ: لَا تُثْبِتُ إِلَّا مَا تَرَى، فَمِنْ هَهُنَا دَخَلَ الإِلْحَادُ عَلَى جُهَّالِ العَوَامِّ الَّذِيْنَ يَسْتَثْقِلُوْنَ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ لَنَا هَذِهِ الأَجْسَادِ الطَّوِيْلَةِ العَمِيْقَةِ، الَّتِي تَنْمِي وَلَا تَفْسُدُ، وَتَقْبَلُ الأَغْذِيَةَ، وَتَصْدُرُ عَنْهَا الأَعْمَالُ المُحْكَمَةُ، كَالطِّبِّ، وَالهَنْدَسَةِ، فَعَلِمُوا أَنَّ ذلِكَ صادِرٌ عَنْ أَمْرٍ وَرَاءَ هَذِهِ الأَجْسَادِ المُسْتَحِيْلَةِ وَهُوَ الرُّوْحُ وَالعَقْلُ، فَإِذَا سَأَلْنَاهُمْ: هَلْ أَدْرَكْتُمْ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ بِشَيءٍ مِنْ إِحْسَاسِكُمْ؟ قَالُوا: لَا، لكِنَّنَا أَدْرَكْنَاهُمَا

(2)

مِنْ طَرِيْقِ الاسْتِدْلَالِ بِمَا صَدَرَ عَنْهُمَا (1) مِنَ التَّأْثِيْرَاتِ قُلْنَا: فَمَا

(1)

جَلَالُ الدَّوْلَةِ مَلِكْشَاه بنُ أَلْب أرْسَلَان السُّلْجُوْقِيُّ التُّرْكِيُّ (ت: 485 هـ). أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 69)، وَأَخْبَارِ الدَّوْلَةِ السَّلْجُوْقِيَّةِ (55)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 54)، وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (5/ 283).

(2)

في (أ)، (ج)، (د) " أدركناها

عنها".

ص: 330

لَكُمْ جَحَدْتُمْ الإِلَهَ، حَيْثُ فَقَدْتُمُوهُ حِسًّا، مَعَ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ إِنْشَاءِ الرِّيَاحِ وَالنُّجُوْمِ، وَإِدَارَةِ الأَفْلَاكِ، وَإِنْبَاتِ الزَّرْعِ، وَتَقْلِيْبِ الأَزْمِنَةِ؟ وَكَمَا أَنَّ لِهَذَا الجَسَدِ عَقْلًا وَرُوْحًا بِهِمَا

(1)

قَوَامُهُ وَلَا يُدْرِكُهُمَا الحِسُّ، لكِنْ شَهِدَتْ بِهِمَا أَدِلَّةُ العَقْلِ مِنْ حَيْثُ الآثَارِ، كَذلِكَ اللهُ سُبْحَانَهُ - وَلهُ المَثَلُ الأَعْلَى - ثَبَتَ بِالعَقْلِ، لِمُشَاهَدَةِ الإِحْسَاسِ مِنْ آثَارِ صَنَائِعِهِ، وإِتْقَانِ أَفْعَالِهِ.

وَأَرْسَلَ هَذَا الفَصْلَ إِلَى السُّلْطَانِ مَعَ بعْضِ خَوَاصِّهِ، قَالَ: فَحَكَى لِي أَنَّهُ أَعَادَهُ عَلَيْهِ فَاسْتَحْسَنَهُ، وَهَشَّ إِلَيْهِ، وَلَعَنَ أُوْلَئِكَ، وَكَشَفَ إِلَيْهِ مَا يَقُوْلُونَ لَهُ.

وَكَتَبَ ابنُ عَقِيْلٍ أَيْضًا مَرَّةً إِلَى أَبِي شُجَاعٍ

(2)

، وَزِيْرِ الخَلِيْفَةِ المُقْتَدِي

(3)

(1)

في (أ)، (د)، (هـ):"هما".

(2)

مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الرَّوْذَرَاوِرِيُّ (ت: 488 هـ) الوَزِيْرُ بنُ الوَزِيْرِ يُلَقَّبُ: ظَهِيْرَ الدِّيْن، وَلِيَ الوِزَارَة لِلمُقْتَدِي سنة (476 هـ)، وَعَزَلَ نَفْسَهُ سَنَةَ (484 هـ)، وَحَجَّ سَنَةَ (487 هـ) فَجَاوَرَ بالمَدِيْنَةِ إلى أَنْ تُوُفِّيَ فِيْهَا، ودُفِنَ بِـ "البَقِيعْ"، وَكَانَت سِيْرَتُهُ حَسَنَةً، وَافِرَ العَقْلِ، عَالِمًا، فَاضِلًا، لَه مَعْرِفَةٌ بالأَدَبِ وَالشِّعْرِ وَالأَخْبَارِ. وَهُوَ مُؤلِّفُ "ذَيْلِ تَجَارُبِ الأُمَمِ" لِمِسْكَوَيْهِ المَطْبُوْعُ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى "رَوْذَرَاوَرَ" مِنْ نَوَاحِي "هَمَذَانَ". أَخْبَارُهُ في: خَرِيْدَةِ القَصْرِ "قِسْمِ شُعَرَاءِ العِرَاقِ"(1/ 77)، وَالمُنْتَظَمِ (9/ 90)، وَالتَّدْوِيْنِ في أَخْبَارِ قَزْوِيْنَ (3/ 180)، وَتَارِيْخِ آلِ سَلْجُوْقَ (77)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 27)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لِلسُّبْكِيِّ (3/ 57). وذَكَرَ ابنُ الجَوْزِيِّ في "المُنْتَظَمِ" في تَرْجَمَةِ المَذْكُوْرِ نَصِيْحَةَ ابنِ عَقِيْلٍ لَهُ، ثُمَّ قَالَ:"قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: كَانَ الوَزِيْرُ أَبُو شُجَاعٍ كَثيْرَ البِرِّ للخَلْقِ، كَثيْرَ التَّلَطُّفِ بِهِم. . ." وَأَوْرَدَ كَلَامًا حَسَنًا تَجِده هُنَاك.

(3)

اسمُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنُ الإِمَامِ القَائِمِ بِأَمْرِ اللهِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَبُو القَاسِمِ، بُويعَ بالخِلَافَةِ =

ص: 331

وَكَانَ دَيِّنًا، كَثِيْرَ التَّعَبُّد، لكِنْ كَانَتْ بِهِ وَسْوَسَةُ فِي عِبَادَاتِهِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَجَلَّ تَحْصِيْلٍ عِنْدَ العُقَلَاءِ بإِجْمَاعِ العُلَمَاءِ: الوَقْتُ، فَهُوَ غَنِيْمَةٌ تُنْتَهِزُ فِيْهَا الفُرَصُ، فَالتَّكَالِيْفُ كَثيْرَةٌ، وَالآدَابُ خَاطِفَةٌ، وَأَقَلُّ مُتَعَبَّدٍ بِهِ المَاءُ، وَمَنْ اطَّلَعَ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرِيْعَةِ عَلِمَ قَدْرَ التَّخْفِيْفِ، فَمِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ:"صُبُّوا عَلَى بَوْلِ الأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا منَ المَاءِ"، وَقَوْلُهُ فِي المَنِيِّ:"أَمِطْهُ عَنْكَ"، وَقَوْلُهُ فِي الخُفِّ:"طَهُورُهُ أنْ تَدْلِكَهُ بِالأَرْضِ"، وَفِي "ذَيْلِ المَرْأَةِ":"يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ"، وَقَوْلُهُ:"يُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ، وَيُنْضحُ بَوْلُ الغُلَامِ"، و"كَانَ يَحْمِلُ بِنْتَ أَبِي العَاصِ فِي الصَّلَاةِ". وَنَهَى الرَّاعِي فِي إِعْلَامِ السَّائِلِ عَنِ المَاءِ وَمَا يَرِدُهُ، وَقَالَ:"يَا صَاحِبَ المِيْزَابِ لَا تُخْبِرُهُ" فَإِنْ خَطَرَ بِالبَالِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فِي الطَّهَارَةِ، كَالاحْتِيَاطِ فِي غَيْرِهَا فِي مُرَاعَاةِ الإِطَالَةِ، وَغَيْبُوْبَةِ الشَّمْسِ، وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ يَفُوْتُ منَ الأَعْمَالِ مَا لَا يَفِي بهِ الاحْتِيَاطُ فِي المَاءِ الَّذِي أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ، وَقَدْ صَافَحَ رَسُوْلُ اللهِ

(1)

صلى الله عليه وسلم الأَعْرَابِيَّ، وَرَكِبَ الحِمَارَ وَمَا عُرِفَ مِنْ خُلُقِهِ التَّعَبُّدُ بِكَثْرَةِ المَاءِ، وَقَدْ تَوَضَّأَ مِنْ سِقَايَةِ المَسْجِدِ، وَمَعْلُومٌ

= بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ القَائِمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْن وَأَرْبَعِمَائَة، وَهُوَ الَّذِي لَقَّبَهُ بـ "المُقْتَدي" لَيْس لَهُ من الخِلَافَة إلَّا اسمُهَا، وَكَانَت وَفَاتُهُ فَجَأَةً سَنَةَ (487 هـ). أَخْبُارُهُ في: الإِنْبَاءِ فِي تَارِيْخِ الخُلَفَاءِ (201)، وَالمُنْتَظَمِ (9/ 84)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 146)، وَمَآثِرِ الإِنَافةِ (2/ 1 - 11)، وَتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ لِلسُّيُوطِيِّ (454)،

وَغَيْرِهَا.

(1)

سَاقِطٌ من (ط) الفقي.

ص: 332

حَالُ الأَعْرَابِ الَّذِيْنَ بَانَ مِنْ أَحَدِهِمْ الإِقْدَامُ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ، وَتَوَضَّأَ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ وَمَا احْتَرزَ؛ تَعْلِيْمًا لَنَا وَتَشْرِيْعًا. وَأَعْلَمَنَا أَنَّ المَاءَ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ، وَتَوَضَّأَ مِنْ غَدِيْرٍ كَأَنَّ

(1)

مَاءَهُ نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: "تَنَزَّهُوا مِنَ البَوْلِ" فَإِنَّ لِلْتَّنَزُّهِ حَدًّا مَعْلُوْمًا، فَأَمَّا الاسْتِشْعَارُ فَإِنَّهُ إِذَا نَمَا وَانْقَطَعَ الوَقْتُ، وَلَا يَقْضِيْ مِثْلُهُ الشَّرْعُ.

وكَتَبَ ابنُ عَقِيْلٍ غَيْرَ مَرَّةٍ إِلَى قَاضِي القُضَاةِ أَبي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ رَسَائِلَ تتَضَمَّنُ تَوْبِيْخَهُ عَلَى تَقْصِيْرٍ وَقَعَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ، وَفِيْهَا كَلَامٌ خَشِنٌ، وَعِتَابٌ غَلِيْظٌ.

وَلَمَّا دَخَلَ السُّلْطَانُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ إِلَى "بَغْدَادَ" وَمَعَهُ وَزِيْرُهُ نِظَامُ المُلْكِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ

(2)

قَالَ النِّظَامُ: أُرِيْدُ أَنْ أَسْتَدْعِيَ بِهِم، وَأَسْأَلَهُمْ عَنْ مَذْهَبِهِمْ، فَقَدْ قِيل: إِنَّهُمْ مُجَسَّمَةٌ، يَعْنِي الحَنَابِلَةَ، قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَصُوغَ لَهُمْ كَلَامًا يَجُوْزُ أَنْ يُقَالَ إِذًا، فَقُلْتُ: يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ الجَمَاعَةِ أَنْ يُسْأَلُوا عَنْ صَاحِبِنَا؟ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى حِفْظِهِ لأخبَارِ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَفْعَالِهِ، إِلَّا مَا كَانَ لِلرَّأي فِيْهِ مَدْخَلٌ مِنَ الحَوَادِثِ الفِقْهِيَّةِ، فَنَحْنُ عَلى مَذْهَبِ ذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلى تَعْدِيْلِهِ، عَلَى أَنَّهُمْ عَلَى

(1)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "كَانَ".

(2)

قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ"(19 حَوَادِثُ سَنَةَ 484 هـ): "وَفِي رَمَضَانَ وَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى "بَغْدَادَ" وَهِيَ القَدْمَةُ الثَّانِيَةُ .. " وَيُرَاجَعُ: نِهَايَةُ الأَرَبِ (26/ 329)، وَالمُخْتَصَرُ فِي أَخْبَارِ البَشَرِ (2/ 201)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 137)، وَمَآثِرُ الإِنَافَةِ (2/ 2).

ص: 333

مَذْهَبِ قَوْمٍ أَجْمَعْنَا عَلى سَلَامَتِهمْ مِنَ البِدْعَةِ، فَإِنْ وَافَقُوا عَلَى أَنَّنَا عَلَى مَذْهَبِهِ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى سَلَامَتِنَا مَعَهُ؛ لأَنَّ مُتَّبِعَ السَّلِيْمِ سَلِيْمٌ، وَإنْ ادَّعَوا عَلَيْنَا أَنَّا تَرْكْنَا مَذْهَبَهُ، وَتَمَذْهَبْنَا بِمَا يُخَالِفُ الفُقَهَاءَ، فَلْيَذْكُرُوا ذلِكَ لِيَكُوْنَ الجَوَابُ بِحَسَبِهِ، وَإِنْ قَالُوا: أَحْمَدُ مَا شَبَّهَ وَأَنْتُمْ شَبَّهْتُمْ، قُلْنَا: الشَّافِعِيُّ لَمْ يَكُنْ أَشْعَرِيًّا، وَأَنْتُمْ أَشْعَرِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَ مَكْذُوْبًا عَلَيْكُمْ فَقَدْ كُذِبَ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ نَفْزَعُ مِنَ التَأْوِيْلِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبيهِ، فَلَا يُعَابُ عَلَيْنَا إِلَّا تَرْكُ الخَوْضِ وَالبَحْثِ، وَلَيْسَ بِطَرِيْقَةِ السَّلَفِ، ثُمَّ مَا يُرِيْدُ الطَّاعِنُوْنَ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لَا نُزَاحِمُهُمْ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا؟.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ المَذْكُورَةِ

(1)

تُوفِّيَ أَبُو طَاهِرِ بنُ عَلَّكٍ

(2)

وَكَانَ مِنْ صدْرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَكَابِرِ المُتَمَوِّلِيْنَ، فَشَيَّعَهُ نِظَامُ المُلْكِ وَأَرْبَابُ الدَّوْلَةِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ أَبي إِسْحَقَ الشِّيْرَازِيِّ، وَجَاءَ السُّلْطَانُ إِلَى القَبْرِ بَعْدَ دَفْنِهِ. قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: جَلَسْتُ إِلَى جَانِبِ نِظَامِ المُلْكِ، بِتُرْبَةِ أَبِي إِسْحَقَ وَالمُلُوْكُ قِيَامٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاجْتَرَأْتُ عَلَى ذلِكَ بِالعِلْمِ، وَكَانَ جَالِسًا لِلْتَّعْزِيَةِ بابنِ عَلَّكَ.

(1)

في (ط) الفقي: "المذكور".

(2)

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلَّكٍ، أَبُو طَاهِرٍ السَّاوِيُّ (ت: 484 هـ) أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، مَوْلِدُهُ بِـ "أَصْبَهَانَ"، وَتَفَقَّه بِـ "سَمَرْقَنْدَ"، وَتُوفِّيَ بِـ "بَغْدَادَ". أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظِمِ (9/ 58)، وَطَبَقَاتِ الشَّافعيَّةِ للسُّبكيِّ (3/ 221)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 372).

وَ (السَّاوِيُّ) نِسْبَةً إلى "سَاوَةَ" بَلْدَةٌ بَيْنَ "الرَّيِّ" وَ"هَمَذَانَ". يُرَاجَعُ: الأَنْسَابُ (7/ 19)، وَمُعْجَمُ البُّلْدَانِ (3/ 201).

ص: 334

وَلَمَّا بُوْيِعَ المُسْتَظْهِرُ

(1)

حَضَرَ ابنُ عَقِيْلٍ مَعَ الغَزَّالِيِّ

(2)

وَالشَّاشِيِّ

(3)

لِلْمُبَايَعَةِ، فَلَمَّا تُوُفِيَّ المُسْتَظْهِرُ

(4)

غَسَّلَهُ ابنُ عَقِيْلٍ مَعَ السَّيْبِيِّ

(5)

.

(1)

الخَلِيْفَةُ المُسْتَظْهِرُ سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَتَوْلِيَتُهُ الخِلَافَةِ في النِّصْفِ مِنَ المُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ الصَّفَدِيُّ في الوَافِي بالوَفَيَاتِ (7/ 115):"وَلي الخِلَافَة يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ قَبْلَ الظُّهْرِ ثَامِنَ عَشَر المُحَرَّمِ. . .".

(2)

الغَزَّالي، أَبُو حَامِدٍ مَعْرُوْفٌ (ت: 505 هـ) وَلَعَلَّ مِنَ المُفِيْدَ أَنْ نَذْكُرَ أَنَّ الزَّايَ مُشَدَّدَةٌ في نَسَبِهِ، فَهُوَ مَنْسُوْبٌ إِلَى "الغَزَّالِ" قَالَ ابنُ الأثِيْرِ في اللُّبَابِ (2/ 379):"عَلَى عَادَةِ أَهْلِ "جُرْجَانَ" وَ"خَوَارَزْمَ" كَـ "العَصَّارِيِّ" نِسْبَةً إلَى "العَصَّارِ". . . وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُوْلُ: إِنَّهُ بالتَّخْفِيْفِ نِسْبَةٌ إِلَى "غَزَالَةَ" قَرْيَةٌ مِنْ "طُوْسَ" وَهُوَ خِلَافُ المَشْهُوْرِ".

أَقُوْلُ - وعَلَى الله أَعْتَمِدُ -: لم يَذْكُرِ الحَافِظُ السَّمْعَانِيّ في "الأنْسَابِ" هَذِهِ النِّسْبَةَ وَهَذَا غَرِيْبٌ جِدًّا؛ لِشُهْرَةِ المَنْسُوْبِ؟! وَلَمْ يَذْكُرِ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ القَرْيَةَ في "مُعْجَمِ البُلدان"؟! وَهِي من فَوَائِد كِتَاب "اللُّبَابِ" رَحِمَ اللهُ مُصَنِّفَهُ. وَأَلَّفَ أُسْتَاذُنَا العَلَّامَةُ المَرْحُوْمُ الدُّكْتُوْر سُلَيْمَان دُنْيَا كِتَابِ "الحَقِيْقَةُ عِنْدَ الغَزَالِي".

(3)

أَمَّا (الشَّاشِيُّ) فَهُوَ الفَقِيْهُ الشَّافِعِيُّ الكَبِيْرُ، الإمَامُ، العَلَّامَةُ، فَقِيْهُ العَصْرِ، شَيْخُ الإِسْلَامِ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ، أَبُو بَكْرٍ (ت: 507 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (9/ 179). وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (4/ 219)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 393)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ (6/ 70)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 16). وَنِسْبَتُهُ إِلَى "الشَّاشِ" مِنْ بِلَادِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ تَحَدَّثْتُ عَنْهَا في الطَّبَقَاتِ (1/ 146).

(4)

تُوفِّي المُسْتَظْهِرِ لَيْلَةَ الأحَدِ السَّابِعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ. قَالَ ابنُ الجَوْزيَّ فِي تَرْجَمَةِ المُسْتَظْهِرِ فِي المُنْتَظَمِ: "وَغَسَّلَهُ أَبُو الوَفَاءِ بنِ عَقِيْلٍ وَابنِ السِّيْبِيِّ .. ".

(5)

في (ط) بطبعتيه: "الشَّيْبِيُّ" بالشِّيْنِ المُعْجَمَةِ. خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ الله، أَبُو البَرَكَات السِّيْبِيُّ البَغْدَادِيُّ (ت: 514 هـ) قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ في =

ص: 335

قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: وَلَمَّا تَوَلَّى

(1)

المُسْتَرْشِدُ تَلَقَانِي ثَلَاثَةٌ مِنَ المُسْتَخْدَمِيْنَ يَقُوْلُ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ: قَدْ طَلَبَكَ مَوْلَانَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ [ثَلَاثَ مَرَّاتٍ]

(2)

فَلَمَّا صِرْتُ بِالحَضْرَةِ، وَقَالَ لِي قَاضِي القُضَاةِ - وَهُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ -: طَلَبَكَ مَوْلَانَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقُلْتُ: ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ، ثُمَّ مَدَدْتُ يَدِي فَبَسَطَ لِي يَدَهُ الشَّرِيْفَةَ، فَصَافَحْتُهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَبَايَعْتُ، فَقُلْتُ: أُبَايِعُ سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المُسْتَرْشِدَ بِاللهِ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ، مَا أَطَاقَ وَاسْتَطَاعَ، وَعَلَى الطَّاعَةِ مِنِّي.

وَكَانَ ابنُ عَقِيْلٍ رحمه الله مِنْ أَفَاضِلِ العَالَمِ، وَأَذْكِيَاءِ بَنِي آدَمَ، مُفْرِطُ الذَّكَاءِ، مُتَّسِعُ الدَّائِرَةِ فِي العُلُوْمِ، وَكَانَ خَبِيْرًا بِالكَلَامِ، مُطَّلِعًا عَلَى مَذَاهِبِ المُتَكَلِّمِيْنَ. وَلَهُ بَعْدَ ذلِكَ فِي ذَمِّ الكَلَامِ وَأَهْلِهِ شَيْءٌ كَثِيْرٌ، كَمَا ذَكَرَ

= المُنْتَظَمِ (9/ 219): "سَمِعَ أَبَا الحُسَيْن بنَ النَّقُّور، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيَّ وَأَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيَّ وَغَيْرِهِمْ، وَحَدَّثَ عَنْهُم، وَرَوَى عَنْهُ الخَلِيْفَةُ المُقْتَفِي، وَكَانَ يُعَلِّمُ أَوْلَادَ المُسْتَظْهِرِ، فَأَنِسَ بالمُسْتَرْشِدِ فَلَمَّا صَارَتِ الخِلَافَةُ لَهُ قَبَضَ عَلَى ابنِ الخَرَزِيَّ وَرَدَّ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ النَّظَرَ في المَخْزَنِ .... وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّدَقَةِ مُتَعَهَّدًا لأهْلِ العِلْمِ. . .". أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 219)، وَالكَامِلِ في التَّارِيْخِ (10/ 578)، وَنُزْهَةِ الأَلِبَّاءِ (284)، وَمِرْآةِ الزَّمَانِ (8/ 91)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 187). وَ (السِّيْبِيُّ) مَنْسُوْبٌ إِلَى "السِّيْبِ" بكسْرِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَسُكُوْنِ البَاءِ المَنْقُوْطَةِ بِوَاحِدَةٍ قَرْيَةٌ بِنَوَاحِي قَصْرِ ابنِ هُبَيْرَةَ. الأَنْسَابُ (7/ 215)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (3/ 333).

(1)

في (ط) الفقي: "تولد" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

(2)

سَاقِطٌ من (ط) الفقي.

ص: 336

ابنُ الجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَقْطَعُ أَنَّ الصَّحَابَةَ مَاتُوا، وَمَا عَرَفُوا الجَوْهَرَ وَالعَرَضَ، فَإِنْ رَضِيْتَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُمْ فَكُنْ، وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ طَرِيْقَةَ المُتَكَلِّمِيْنَ أَوْلَى مِنْ طَرِيْقَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَبِئْسَ مَا رَأَيْتَ. وَذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ بَالَغْتُ فِي الأُصوْلِ طُوْلَ عُمْرِي، ثُمَّ عُدْتُ القَهْقَرَى إِلَى مَذْهَبِ المَكْتَبِ، وَقَدْ حَكَى هَذَا عَنْهُ القُرْطُبِيُّ

(1)

في "شَرْحِ مُسْلِمٍ". وَلَهُ مِنَ الكَلَامِ فِي السُّنَّةِ وَالاِنْتِصَارِ لَهَا، وَالرَّدِّ عَلَى المُتَكَلِّمِيْنَ شَيءٌ كَثِيْرٌ، وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذلِكَ مُصَنَّفًا. وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ البَرْزَالِيُّ

(2)

قَالَ: قَرَأْتُ بِخَطِّ

(1)

أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، أَبُو العَبَّاسِ الأنْصَارِيُّ القُرْطُبِيُّ (ت: 656 هـ) يُعْرَفُ بـ "ابنِ المُزَيِّنِ" مَوْلِدُهُ "قُرْطُبَةَ" وَاسْتَقَرَّ بِـ "الإِسْكَنْدَرِيَّة" وَوَفَاتُهُ بِهَا. أَخْبَارُهُ في: ذَيْلِ مِرْآةِ الزَّمَانِ (1/ 95)، وَالذَّيْلِ وَالتَّكْمِلَةِ للمُرَّاكِشِيِّ (1/ 1/ 348)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (23/ 323)، وَالدِّيْبَاجِ المُذْهَبِ (1/ 240)، وَاسْمُ شَرْحِهِ "المُفْهِمُ لِمَا أُشْكَلَ من تَلْخِيْصِ كِتَابِ مُسْلِمٍ" مَطْبُوْعٌ بِتَحْقِيْقِ مُحْي الدِّين مَسْتُو وَزُمَلَائِهِ فِي سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ في دَارِ ابن كَثِيْر، وَدَار الكَلِم الطَّيِّب سَنَة (1417 هـ) وَالنَّصُّ فِي الجُزْء السَّادِسِ (ص: 691)، وَأَصْلُهُ "مُخْتَصَرُ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ" لَهُ ثُمَّ شَرَحَهُ.

(2)

هُوَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَدَّاسٍ البِرْزَالِيُّ الأَشْبِيْلِيُّ (ت: 739 هـ) وَنِسْبَتُهُ إِلَى "بِرْزَالَةِ" مِنْ قَبَائِلِ البَرْبَرِ، أَصْلُهُ مِنْ "أشْبِيْلِيَّةَ" بِـ "الأنْدَلُس" وَمَوْلِدُهُ بـ "دِمَشْقَ" وَوَفَاتُهُ مُحْرِمًا في "وَادِيْ خُلَيْصٍ" المَعْرُوْفِ قُرْبِ "مَكَّةَ" مُحَدِّثٌ، مُؤرِّخٌ، مَشْهُوْرٌ، شُيُوْخُهُ نَحْوَ ثَلَاثَةِ آلافِ شَيْخٍ بِالسَّمَاعِ وَالإِجَازَةِ لَدَيَّ مُلَخَّص "مَشْيَخَتِهِ"، وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بِـ "مُؤَرِّخِ الإِسْلَامِ" وَقَالَ:"وَكَانَ رَأْسًا في صِدْقِ اللَّهْجَةِ وَالأمَانَةِ، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ .. وَقَالَ: وَهُوَ الَّذي حَبَّبَ إِليَّ طَلَبَ الحَدِيْثِ".

أقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعتمد -: وَهُوَ صَاحِبُ "المُقْتَفَى" الَّذي أَكْثَرْتُ مِنَ الرُّجُوْعِ =

ص: 337

الحَافِظِ ضِيَاءَ الدِّيْنِ المَقْدِسِيِّ، قَالَ: كَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَبِي الوَفَاءِ بنِ عَقِيْلٍ يَقُوْلُ لَهُ: صِفْ لِي أَصْحَابَ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى مَا عَرَفْتَ مِنَ الإِنْصَافِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ: هُمْ قَوْمٌ خُشُنٌ، تَقَلَّصَتْ أَخْلَاقُهُمْ عَنِ المُخَالَطَةِ، وَغَلَظَتْ طِبَاعُهُمْ عَنْ المُدَاخَلَةِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ الجِدُّ، وَقَلَّ عِنْدَهُمْ الهَزْلُ، وَعَزَبَتْ

(1)

نُفُوسُهُمْ

= إِلَيْهِ فِي تَخْرِيْجِ تَرَاجِمِ المُتَأَخِّرِيْنَ مِنَ الحَنَابِلَةِ فِي هَذَا الكِتَابِ وَغَيْرِهِ. وَاسْتَدْرَكْتُ مِمَّن ذَكَرَ مِنْهُمْ أَعْدَادًا كَبِيْرةً رحمه الله وَجَزَاهُ خَيْرًا، وَهُوَ مُعَاصِرٌ فِي "دِمَشْقَ" لِشَيْخِ المُؤَرِّخِيْنَ الذَّهَبِيِّ، وَالحَافِظِ العَلَّامَةِ المُؤَرِّخِ المُحَدِّثِ المِزِّيِّ، وَمِنْ أَشْهَرِ تَلَامِيْذِ شَيْخِ الإسْلَامِ تَقِيِّ الدِّيْنِ ابنِ تَيْمِيَّةَ رحمه الله، تَتَبَّعَ أَخْبَارَهُ وَسَجَّلَهَا فِي كِتَابِهِ المَذْكُوْرِ "المُقْتَفَى" وَالمُتَتَبِّعُ لَهَا يَظْفَرُ بِأَخْبَارٍ عَنْ سِيْرَةِ الإمَامِ قَدْ لَا تَكُوْنُ مَشْهُوْرَةً، وَهُوَ مِنْ أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ فَوَالِدُهُ مُحَدِّثٌ مُحَقِّقٌ، وَجَدُّهُ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ كَذلِكَ، وَيَظْهَرُ أَنَّ جَدَّهُ هَذَا هُوَ الوَافِدُ إِلَى "دِمَشْقَ" وَجَدُّهُ الأَعْلَى لأُمِّهِ عَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ اللَّوْرَقِيُّ الأنْدَلُسِيُّ (ت: 661 هـ) عَالِمٌ بالنَّحْوِ وَالقِرَاءَاتِ شَرَحَ "المُفَصَّلَ" فِي عِدَّةِ أَجْزَاءَ هُوَ مِنْ أَوْسَعِ وَأَنْفَعِ شُرُوْحِهِ، وَشَرَحَ "المُقَدِّمَةَ الجُزُولِيَّةَ" فِي مُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْنِ، وَشَرَحَ "الشَّاطِبِيَّة" فِي القِرَاءَاتِ وَغَيْرِهَا. وَسِيْرَةُ البَرْزَالِيِّ جَدِيْرَةٌ أَنْ تُكْتَبَ، وَلَا أَعْلَمُ أنَّ أَحَدًا كَتَبَ عَنْ حَيَاتِهِ وَآثَارِهِ وَأَخْبَارِهِ كِتَابًا خَاصًّا، وَمُؤلَّفَاتُهُ فِي خِدْمَةِ السُّنَّةِ كَثِيْرَةٌ وَبَعْضُهَا مَوْجُوْدٌ. أَخْبَارُهُ في: ذَيْلِ تَارِيْخِ الإِسْلامِ أَوْ (سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ)(454)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (1/ 381)، وَالدُّرَرِ الكَامِنَةِ (10/ 321)، وَالشَّذَرَاتِ (8/ 214)(ط) دَار ابنِ كَثيْرٍ. وَكِتَابُهُ "المُقْتَفَى" ذَيْلٌ عَلَى كِتَابِ الرَّوْضَتَيْنِ لأبِي شَامَةَ المَقْدِسِيِّ المَوْجُوْد الآنَ مِنْهُ مُجَلَّدَانِ ضَخْمَانِ مِنْ أَصْلٍ فِي ثَلاثِ مُجَلَّدَاتٍ.

(1)

اللَّفْظَةُ مُهْمَلَةٌ مِنَ النُّقطِ في (أ) و (ب)، وفي (ج):"عَرَفت" والمُثبت من (د) و (هـ) وَهُوَ الألْيَقُ بِالمَعْنَى، وَمَعْنَاهُ غَابَتْ، وفي التَّنْزِيْلِ:{عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ. . .} مَعْنَاه - وَاللهُ أَعْلَمُ - لا يَغِيْبُ.

ص: 338

عَنْ ذِلِّ المُرَاءَةِ، وَفَزِعُوا عَنِ الآرَاءِ إِلَى الرِّوَاياتِ، وَتَمَسَّكُوا بالظَّاهِرِ تَحَرُّجًا عَنِ التَّأْوِيْلِ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، فَلَمْ يُدَقِّقُوا فِي العُلُومِ الغَامِضَةِ، بَلْ دَقَّقُوا فِي الوَرَعِ، وَأَخَذُوا مَا ظَهَرَ مِنَ العُلُومِ

(1)

، وَمَا وَرَاءَ ذلِكَ قَالُوا: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيْهَا، مِنْ خَشْيَةِ بَارِيْهَا، وَلَمْ أَحْفَظْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ تَشْبِيْهًا، إِنَّمَا غَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الشَّنَاعَةُ لإِيْمَانِهِمْ بِظَوَاهِرِ الآيِ وَالأَخْبَارِ، مِنْ غَيْرِ تَأْوِيْلٍ وَلَا إِنكارٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي لَا أَعْتَقِدُ فِي الإِسْلَامِ طَائِفَةٌ مُحِقَّةٌ، خَالِيَةٌ مِن البِدَعِ، سِوَى مَنْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيْقِ، وَالسَّلَامُ.

وَكَانَ رحمه الله بَارِعًا فِي الفِقْهِ وَأُصُوْلِهِ، وَلَهُ فِي ذلِكَ اسْتِنْبَاطَاتٌ عَظِيْمَةٌ حَسَنَةٌ، وَتَحْرِيْرَاتٌ كَثِيْرَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طُوْلَى فِي الوَعْظِ وَالمَعَارِفِ، وَكَلَامُهُ فِي ذلِكَ حَسَنٌ، وَأَكْثَرُهُ مُسْتَنْبِطٌ مِنَ النُّصُوْصِ الشَّرْعِيَّةِ، فَيَسْتَنْبِطُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَفَضَائِلِهِ

(2)

مَعَارِفَ جَلِيْلَةً، وَإِشَارَاتٍ دَقِيْقَةً، وَمِنْ مَعَانِي كَلَامِهِ يَسْتَمِدُّ أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ فِي الوَعْظِ، فَمِنْ ذلِكَ مَا قَالَهُ فِي "الفُنُونِ": لَقَدْ عظَّمَ اللهُ

(3)

الحَيَوَانَ، لَا سِيَّمَا ابنَ آدَمَ، حَيْثُ أَبَاحَهُ الشِّرْكَ عِنْدَ الإِكْرَاهِ، وَخَوْفِ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ

(4)

: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} . مَنْ قَدَّمَ حُرْمَةَ نَفْسِكَ عَلَى حُرْمَتِهِ، حَتَّى أَبَاحَكَ

(1)

في هامش (أ): "العلم" قراءة نُسخةٍ أُخرى.

(2)

في هامش نسخة (أ): "وقضايا" قراءة نُسخة أُخْرَى.

(3)

بعدها في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "سُبحانه" عن (هـ) فقط.

(4)

سُورةُ النَّحْلِ، الآية:106.

ص: 339

أَنْ تتَوَقَّى وَتتَحَامَى

(1)

عَنْ نَفْسِكَ بِذِكْرِه بِمَا لا يَنْبَغِيْ لَهُ سُبْحَانَهُ، لَحَقِيْقٌ

(2)

أَنْ تُعَظَّمَ شَعَائِرُهُ، وَتُوقَّرَ أَوَامِرُهُ، وَزَوَاجِرُهُ. وَعَصَمَ عِرْضَكَ بِإِيْجَابِ الحَدِّ بِقَذْفِكَ، وَعَصَمَ مَالَكَ بِقَطْعِ مُسْلِمٍ فِي سَرِقَتِهِ، وَأَسْقَطَ شَطْرَ الصَّلَاةِ لأَجْلِ مَشَقَّتِكَ، وَأَقَامَ مَسْحَ الخُفِّ مَقَامَ غَسْلِ الرِّجْلِ؛ إِشْفَاقًا عَلَيْكَ مِنْ مَشَقَّةِ الخَلْعِ وَاللِّبْسِ، وَأَبَاحَكَ المَيِّتَةَ سَدًّا لِرَمَقِكَ، وَحِفْظًا لِصِحَّتِكَ، وَزَجَرَكَ عَنْ مُضَارِّكَ بِحَدٍّ عَاجِلٍ، وَوَعِيْدٍ آجِلٍ، وَخَرَقَ العَوَائِدَ لِأَجْلِكَ، وَأَنْزَلَ الكُتُبَ إِلَيْكَ، أَيَحْسُنُ بِكَ - مَعَ هَذَا الإِكْرَامِ - أَنْ تُرَى عَلَى مَا نَهَاكُ مُنْهَمِكًا، وَعَمَّا أَمَرَكَ مُتَنَكِّبًا، وَعَنْ دَاعِيْهِ مُعْرِضًا، وَلِسُنَّتِهِ هَاجِرًا، وَلِدَوَاعِي عَدُوِّكَ فِيْهِ مُطِيْعًا؟ يُعَظِّمُكَ وَهُوَ هُوَ، وَتُهْمِلُ أَمْرَهُ وَأَنْتَ أَنْتَ، هُوَ حَطَّ رُتَبَ عِبَادِهِ لِأَجْلِكَ، وَأَهْبَطَ إِلَى الأَرْضِ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ سَجْدَةٍ يَسْجُدُهَا لَكَ، هَلْ عَادَيْتَ خَادِمًا طَالَتْ خِدْمَتُهُ لَكَ لِتَرْكِ صَلَاةٍ؟ هَلْ نَفَيْتَهُ مِنْ دَارِكَ لِلإِخْلَالِ بِفَرْضٍ، أَوْ لارْتِكَابِ نَهْيٍّ؟ فَإِنْ لَمْ تَعْتَرِفْ اعْتِرَافَ

(3)

العَبِيْدِ لِلْمَوَالِي فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَقْتَضِيَ نَفْسَكَ لِلْحَقِّ سبْحَانَهُ، اقْتِضَاءَ المُسَاوِي المُكَافِيءِ، مَا أَوْحَشَ مَا تَلَاعَبَ الشَّيْطَانُ بِالإِنْسَانِ بَيْنَا يَكُوْنُ بِحَضْرَةِ الحَقِّ، وَمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ سُجُوْدٌ لَهُ، تَتَرَامَى بِهِ الأَحْوَالُ وَالجَهَالَاتُ بِالمَبْدَإِ وَالمَآلِ، إِلَى أَنْ يُوْجَدَ سَاجِدًا لِصُوْرَةٍ فِي حَجَرٍ، أَوْ لِشَجَرَةٍ مِنَ الشَّجَرِ، أَوْ لِشَمْسٍ أَوْ

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "وتَحَامَى" عن (هـ) فقط.

(2)

في (أ): "فحقيق".

(3)

ساقطٌ من (ط) الفقي.

ص: 340

القَمَر

(1)

، أَوْ لِصُورَةِ ثَوْرٍ خَارَ، أَوْ لِطَائرِ صَفَرَ! مَا أَوْحَشَ زَوَالَ النِّعَمِ، وَتَغَيُّرَ الأَحْوَالِ، وَالحَوْرَ

(2)

بَعْدَ الكَوْرِ! لَا يَلِيْقُ بِهَذا الحَيِّ الفَاضِلِ عَلَى جَمِيْعِ الحيَوَانِ أَنْ يُرَى إِلَّا عَابِدًا للهِ فِي دَارِ التَّكلِيْفِ، أَوْ مُجَاوِرًا

(3)

للهِ فِي دَارِ الجَزَاءِ وَالتَّشْرِيْفِ، وَمَا بَيْنَ ذلِكَ فَهُوَ وَاضِعٌ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا.

وَمِنْ كَلَامِهِ فِي تَقْرِيْرِ البَعْثِ وَالمَعَادِ: وَاللهِ لَا أَقْنَعُ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ اللَّمْحَةِ الَّتِي مُزِجَتْ بِالعَلَاقِمِ، وَلَا أَقْنَعُ مِنَ الأَبَدِيِّ السَّرْمَدِيِّ

(1)

في (أ): "أو قمر".

(2)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "الجَوْرَ" مَضْبُوْطةً بالشَّكْلِ فِيْهِمَا مَعَ قِلَّةِ الضَّبْطِ فِيْهِمَا وَبِالجِيْمِ؟! وَهُوَ خَطَأٌ ظاهرٌ، إِنَّمَا هُو "الحَوْرُ" بالحَاءِ المُهملةِ، وَهُوَ اقْتِبَاسٌ مِنْ حَدِيْثٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّامٍ رحمه الله في غَرِيْبِ الحَدِيْثِ (1/ 219) قَالَ:"وفي حَدِيْثِهِ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَافَرَ سَفَرًا قالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المُنقَلَبِ، وَالحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ. . ." قَالَ في شَرْحِهِ: "وَقَوْلُهُ: الحَوْرُ بَعْدَ الكَوْنِ هكَذَا يُرْوَى بالنُّوْنِ، وَسُئِلَ عَاصِمٌ عَنْ هَذَا فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِه: حَارَ بَعْدَ مَا كَانَ، يَقُوْلُ: إِنَّهُ كَانَ عَلَى حَالَةٍ جَمِيْلَةٍ فَحَارَ عَنْ ذلِكَ، أَيْ: رَجَعَ، وَهُوَ فِي غَيْرِ هَذَا الحَدِيْثِ "الكَوْرِ" بِالرَّاءِ. وَزَعَمَ الهَيْثَمُ أَنَّ الحَجَّاجَ بنَ يُوْسُفَ بَعَثَ فُلَانًا - قَدْ سَمَّاهُ - عَلَى جَيْشٍ وَأَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ إِلَى الخَوَارِجِ، ثُمَّ وَجَّهَهُ بَعْدَ ذلِكَ إِلَيْهِمْ تَحْتَ لِوَاءِ غَيْرِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: هَذَا الحَوْرُ بَعْدَ الكَوْرِ، فَقَالَ لَهُ الحَجَّاجُ: وَمَا قَوْلُكَ: الحَوْرُ بَعْدَ الكَوْرِ؟ قَالَ: النُّقْصَانُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ. وَمَنْ قَالَ هَذَا أَخَذَهُ مِنْ كَوْرِ العِمَامَةِ يَقُوْلُ: قَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وانْتَقَضَتْ كَمَا يَنْتَقِضُ كَوْرُ العِمَامَةِ بَعْدَ الشَّدِّ. وَكُلُّ هَذَا قَرِيْبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ في المَعْنَى".

(3)

في (أ): "مجازيًا" وَصُحِّحَتْ عَلَى هَامِشِ الوَرَقَةِ قراءة نُسخة أُخرى.

ص: 341

(1)

إلَّا بِبَقَاءٍ سَرْمَدِيٍّ

(1)

وَلَا يَلِيْقُ بِذَا الكَرَمِ إِلَّا إِدَامَةُ النِّعَمِ. وَاللهِ مَا لَوَّحَ بِمَا لَوَّحَ إِلَّا وَقَدْ أَعَدَّ مَا تَخَافُهُ

(2)

الآمَالُ، وَمَا قَدَحَ أَحَدٌ فِي كَمَالِ جُودِ الخَالِقِ وَإِنْعَامِه بِأَكْثَرَ مِنْ جَحْدِهِ البَعْثَ مَعَ تَسْوِيْفِ

(3)

النُّفُوْسِ، وَتَعْلِيْقِ القُلُوْبِ بِالإِعَادَةِ، وَالجَزَاءُ عَلَى الأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، الَّتِي هَجَرَ القَوْمُ فِيْهَا اللَّذَّاتِ، فَصَبَرُوا عَلَى البَلَاءِ؛ طَمَعًا فِي العَطَاءِ. قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَنَا إِعَادَةً تتَضَمَّنُ بَقَاءً دَائِمًا، وَعَيْشًا سَالِمًا، أَنَّ أَصَحَّ الدَّلَالَةِ قَدْ دَلَّتْ عَلى كَمَالِ البَارِئِ سبحانه وتعالى، وَخُرُوْجِهِ عَنْ النَّقَائِصِ. وَقَدِ استَقْرَيْنَا أَفْعَالَهُ، فَرَأَيْنَاهُ قَدْ أَعَدَّ كُلَّ شَيْءٍ لِشَيْءٍ، فَالسَّمْعُ لِلْمَسْمُوَعاتِ، وَالعَيْنُ لِلْمُبْصَرَاتِ، وَالأَسْنَانُ لِلطَّحْنِ، وَالمَنْخِرَانِ لِلشَّمِّ، وَالمِعْدَةُ لِطَبْخِ الطَّعَامِ، وَقَدْ بَقِي لِلْنَّفْسِ غَرَضٌ قَدْ عُجِنَ فِي طِيْنِهَا وَهُوَ البَقَاءُ بِغَيرِ انْقِطَاعٍ، وَبُلُوغُ الأَغْرَاضِ مِنْ غَيْرِ أَذًى. وَقَدْ عَدِمَتِ النَّفْسُ ذلِكَ في الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّا نَرَى طَالَمَا لَمْ يُقَابَلْ وَلا تَقْتَضِي الحِكْمَةُ لذلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ لَهَا ذلِكَ فِي دَارٍ أُخْرَى. قَالَ: وَلأنْظُرَ إِلَى صوْرَةِ البِلَى فِي القُبُوْرِ، فَكَمْ مِنْ بِدَايَةٍ خَالَفَتْهَا النِّهَايَةُ. فَإِنَّ بِدَايَةَ الآدَمِيِّ وَالطَّيْرِ مَاءٌ مُسَخَّنٌ مُسْتَقْذَرٌ، وَمَبَادِئُ النَّبَاتِ حَبُّ عَفِنٌ، ثُمَّ يَخْرُجُ الآدَمِيُّ والطَّاوُوْسَ، وَكَذلِكَ خُرُوْجُ المَوْتَى بَعْدَ البِلَى. قَالَ: وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ لَاحَتْ لِي مَقْبَرَةٌ، وَكَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: هَذِهِ خِيْمُ

(1)

ساقطٌ من (ط) بِطَبْعَتَيْهِ.

(2)

في هامش (أ): "لعلها يجاوز".

(3)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "تشريف" و (ج).

ص: 342

البِلَى، عَلَى بَابِ الرَّجَاءِ وَعَلَى الوَفَاءِ، قَالَ: وَهَذَا الإِلْقَاءُ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِكَثْرَةِ لَهَجِي بِالبَعْثِ، وتَشَوُّفِي إِلَى الاجْتِمَاعِ بِالسَّلَفِ النَّظَافِ وَتَبَرُّمِي مِنْ مُخَالَطَةِ السَّفْسَافِ.

وَكَانَ ابنُ عَقِيْلٍ يَقُوْلُ: لَا يَعْظُمُ عِنْدَكَ بَذْلُكَ نَفْسَكَ فِي ذَاتِ اللهِ فَهِيَ الَّتِي بَذَلْتَهَا بِالأَمْسِ فِي حُبِّ مُغَنِّيَةٍ، وَهَوَى أَمْرَدَ، وَخَاطَرْتَ بِهَا فِي الأَسْفَارِ لِأَجْلِ زِيَادَةِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتَ إِلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى عَظَّمْتَ مَا بَذَلْتَهُ، وَاللهِ مَا يَحْسُنُ بَذْلُ النَّفْسِ إِلَّا لِمَنْ إِذَا أَبَادَ أَعَادَ، وَإِذَا أَعَادَ أفَادَ، وَإِذَا أفَادَ خَلَّدَ فَائِدَتَهُ عَلَى الآبَادِ، وَذَاكَ وَاللهِ الَّذِي يَحْسُنُ فِيْهِ بَذْلُ النُّفُوْسِ، وَإِبَانَةِ الرُّؤُوْسِ، أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}

(1)

؟.

سمِعَ ابنُ عَقِيْلٍ الحَدِيْثَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بنِ بِشْرَانَ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ شِيْطَا، وَأَبِي الحَسَنِ التَّوَّزِيِّ

(2)

، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ العُشَارِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي عَلِيٍّ المُبَارَكِيِّ، وَغَيْرِهمْ.

وَحَدَّثَ، وَرَوَى عَنْهُ ابنُ نَاصِرٍ، وَعُمَرُ بنُ ظَفَرٍ المَغَازِلِيُ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الرِّضَى الفَارِسِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ النَّاصِحِيُّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ السِّنْجِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ يَحَيَى البَرَدَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَجَازَ لأبِي سَعْدِ بنِ السَّمْعَانِيِّ الحَافِظِ، وَعَبْدِ الحَقِّ اليُوْسُفِيِّ، وَيَحَيَى بنِ بُوْشٍ.

أَنْبَأَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللَّطِيْفِ الدِّيْنَوَرِيِّ،

(1)

سُوْرَة آل عِمْرَانَ، الآيَة:169.

(2)

في (ط) الفقي: "النُّوري" و (هـ)، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ فِيْمَا تَقَدَّمَ.

ص: 343

عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ بِنِ عبْدِ الحَقِّ بنِ عَبْدِ الخَالِقِ (أَثَنَا) أَبُو الوَفَاءِ عَلِيُّ بنُ عَقِيْلٍ الإِمَامُ (أَثَنَا) أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَتْحِ (أَنَا) مَحْمُوْدُ بنُ عُمَرَ العُكْبَرِيُّ (أَنَا) أَبُو بَكْرِ بنِ المُحِبِّ إِجَازَةً (ثَنَا) أَبُو حَفْصٍ الجَوْهَرِيُّ (ثَنَا) أَبُو أَحْمَدَ بنُ مُحَمَّدِ بنُ نَصْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ تَرَكْتَ لَنَا فِي عَصْرِنَا هَذَا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.

وَلابْنِ عَقِيْلٍ تَصَانِيْفُ كَثيْرَةٌ فِي أَنْوَاعِ العِلْمِ وَأَكْبَرُ تصَانِيْفِهِ: كِتَابُ "الفُنُونِ" وَهُوَ كِتَابٌ كَبِيرٌ جِدًّا، فِيْهِ فَوَائِدُ كَثيْرَةٌ جَلِيْلَةٌ، فِي الوَعْظِ، وَالتَّفْسِيْرِ، وَالفِقْهِ، وَالأَصْلَيْنِ، وَالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَالشِّعْرِ، وَالتَّارِيْخِ، وَالحِكَايَاتِ، وَفِيْهِ مُنَاظَرَاتُهُ، وَمَجَالِسُهُ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ، وَخَوَاطِرُهُ، وَنَتَائِجُ فِكْرِهِ، قَيَّدَهَا فِيْهِ. وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: وَهَذَا الكِتَابُ مَائَتَا مُجَلَّدٍ، وَقَعَ لِي مِنْهُ نَحْوٌ مِنْ مَائَةٍ وَخَمْسِيْنَ مُجَلَّدَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّازِقِ

(1)

الرَّسْعَنِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" قَالَ لِي أَبُو البَقَاءِ اللُّغَوِيُّ

(2)

: سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا حَكِيْمٍ النَّهْرَوَانِيَّ

(3)

يَقُولُ: وَقَفْتُ عَلَى السِّفْرِ الرَّابِعِ بَعْدَ الثَّلَاثَمِائَةَ مِنْ كِتَابِ "الفُنُونِ" وَقَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ" لَمْ يُصَنَّفْ فِي الدُّنْيَا أَكْبَرُ مِنْ هَذَا الكِتَابِ. حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى

(1)

فِي (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "عبد الرَّزَّاق" وَهكَذَا في الأُصُوْلِ كُلِّهَا مَاعَدَا نُسخة (ج) كما هو مُثْبَتٌ، فَفِيْهَا "عَبْدُ الرَّازِقِ"، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيْح، وَهُوَ عَبْدُ الرَّازِقِ بنُ رِزْقِ اللهِ الرَّسْعَنِيُّ الإمَامُ الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، المُفَسِّر (ت: 661 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، نَذْكُرُ تَفْسِيْرَهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَاسْمُهُ "رُمُوْزُ الكُنُوْزِ".

(2)

هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ العُكْبَرِيُّ (ت: 616 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

(3)

هُوَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ (ت: 556 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

ص: 344

مِنْهُ المُجَلَّدَ الفُلَانِيَّ بَعْدَ الأَرْبَعَمِائَةَ. قُلْتُ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرَ بنُ عَلِيٍّ القَزْوِيِنِيُّ

(1)

بِـ "بَغْدَادَ"، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايخِنَا يَقُولُ: هُوَ ثَمَانُمَائَةَ مُجَلَّدَةٍ

(2)

. وَلَهُ فِي الفِقْهِ كِتَابُ "الفُصُوْلِ" وَيُسَمَّى "كِفَايَةَ المُفْتِي" فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ

(3)

، كِتَابُ "عُمْدَةُ الأَدِلَّةِ" كِتَابُ "المُفْرَدَاتِ" كِتَابُ "المَجَالِسِ النَّظَرِيَّاتِ" كِتَابُ "التَّذْكِرَةِ" مجَلَّدٌ

(4)

، كِتَابُ "الإِشَارَةِ" مُجَلَّدٌ لَطِيْفٌ، وَهُوَ مُخْتَصَرُ كِتَابِ "الرِّوَايَتَيْنِ وَالوَجْهَيْنِ" كِتَابُ "المَنْثُوْرِ". وَفِي الأَصْلَيْنِ كِتَابُ "الإِرْشَادِ فِي أُصُولِ الدِّينِ" وَكِتَابُ "الوَاضِح فِي أُصُولِ الفِقْهِ"

(5)

وَ"الانْتِصَارُ لِأَهْلِ الحَدِيْثِ"

(1)

تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِرَارًا، وَهُوَ مِن شُيُوْخِ المُؤَلِّفِ ابنِ رَجَبٍ.

(2)

هَذَا الاضْطِرَابُ في عَدَدِ الأجْزَاءِ مَرَدُّهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - لاختِلَافِ خُطُوطِ النُّسَّاخِ وعَدَدَ أَوْرَاقِ الأَجْزَاءِ. وَطُبِعَ مِنْهُ قِطْعَةٌ فِي مُجَلَّدَيْنِ في المَطْبَعَةِ الكَاثُوليكيَّة بِبَيْرُوْتَ سَنَةَ (1970 م) حقَّقها الدُّكتُور جُورج المَقْدِسِيُّ.

(3)

يُوْجَدُ مِنْهُ قِطْعَتَانِ إِحْدَاهُمَا في دار الكُتب المِصْرِيَّة (رقم 13 فقه حَنْبَلي) والأُخْرَى في المَكْتَبَةِ الظَّاهِرِيَّة بِدِمَشْقَ (رقم 63 فقه حنبلي) يَظْهَرُ أنَّها (مُنْتَخَبَاتٌ مِنْهُ).

(4)

يُوْجَدُ مِنْهُ نُسْخَةٌ فِي المَكْتَبَةِ الظَّاهِرِيَّة بدمشق (رقم 87 فقه حنبلي).

(5)

كَانَ مَرْكَزُ البَحْثِ العِلْمِيِّ بِجَامِعَةِ أُمِّ القُرَى بِمَكَّةَ المُكَرَّمَة عَلَى عَزْمٍ للقِيَامِ بِنَشْرِ هَذَا الكِتَاب - فِيْ فَتْرَةِ عَمَلِي بِالمَرْكَزِ المَذْكُوْرِ - لاسيَّما أنَّه حُقِّقَ الجُزء الأوَّلَ مِنْهُ في رِسَالَةٍ عِلْمِيَّةٍ، وَبَقِيَّةُ أَجْزَائِهِ لا تَزَالُ أَثْنَاء التَّحْقِيْقِ؛ لِنُلْحِقَهُ بِكِتَابِ "التَّمْهِيْدِ" لأبي الخطَّاب الَّذِي تَمَّ طَبْعُهُ ضِمْنَ مَنْشُوْرَاتِ المَرْكَزِ، ثُمَّ تَرَكْتُ العَمَلَ في المَرْكَزِ وَلَمْ يَتِمَّ العَمَلُ فيه. وأَنْهَى الدُّكتور مُوْسَى بن مُحَمَّد القَرني العَمَل في الجُزء الأَوَّلِ، ثُمَّ أَنْهَى الدُّكتُوْرُ عَطَاءُ اللهِ فَيْضُ اللهِ، وَالدُّكتُوْرُ عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْدِ العَزِيْزِ السُّدَيْسُ عَمَلَهُمَا في بقيَّة الكِتَابِ، وَلَمْ يَتَّفِقِ الجَمِيْعُ عَلَى نَشْرِهِ، ثُمَّ صَدَرَ الجُزْء الأوَّل مِنْهُ بِتَحْقِيْقِ الدُّكتُورِ جُوْرج المَقْدِسيِّ، =

ص: 345

مُجَلَّدٌ "نَفْيُ التَّشْبِيْهِ""مَسْأَلَةٌ فِي الحَرْفِ وَالصَّوْتِ" جُزْءٌ

(1)

"مَسَائِلُ مُشْكِلَةٌ فِي آيَاتٍ مِنَ القُرْآنِ وَأَحَادِيْثَ سُئِلَ عَنْهَا فَأَجَابَ" وَلَهُ كِتَابُ "تَهْذِيْبِ النَّفْسِ""تَفْضِيْلِ العِبَادَاتِ عَلَى نَعِيْمِ الجَنَّاتِ"

(2)

.

= وَلَمْ يَكُنْ تَحْقِيْقُهُ بِالَّذِي يَشْفِي غَلَّةً، وَقَدْ رَأَيْنَا تَحْقِيْقَهُ لِقِطْعَتَي "الفُنُوْنِ" وَ"مَسْأَلَة الحَرْفِ وَالصَّوْتِ" وَكِتَاب "الجَدَلِ" ليْسَت عَلَى النَّهْج الصَّحِيْحِ السَّليمِ الَّذي يَتَطَلَّع إليه طَالِبُ العِلْمِ. وَقَدْ سَارَعَ مَعَالِي الدُّكتُور عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ المُحْسن التُّركي ونَشَرَهُ كَامِلًا سَنَةَ (1420 هـ) في مُؤسَّسَةِ الرِّسَالةِ في أَرْبَعَةِ أَجْزَاء، عَلَى نَفَقَةِ بَعْضِ المُحْسِنِيْن الَّذي آثَرَ عَدَمَ ذِكْر اسمِهِ ابتِغَاءَ مَا عِنْدَ اللهِ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَالِي الدُّكتُور رَاضِيًا كُلَّ الرِّضَا عَن عَمَلِهِ فِيْهِ لِذَا قَالَ:"وَإِنْ لَمْ يَبْلُغ الصِّفَةَ الَّتي كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا؛ إِذْ فيه العَدِيْدُ مِنَ المَوْضُوْعَاتِ تَسْتَدْعِي اسْتِكْمَالًا أَوْ تَعْلِيْقًا وَبَيَانًا. . ." وَيَالَيْتَ مَعَالِيْهِ اسْتَكْمَلَ، وَعَلَّقَ، وَبَيَّنَ، وَلَوْ تأَخَّرَ الكِتَابُ عَنِ الصُّدُوْرِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، مَاذَا كَانَ سَيَحْدُثُ؟! فَإِنَّ الكِتَابَ جَلِيْلُ القَدْرِ جِدًّا، وَأَصْلٌ مِن أُصُوْلِ هَذَا الفَنِّ عَامَّةً، وَأُصُوْلِ المَذْهَبِ خَاصَّةً.

(1)

هُوَ فِي إِثْبَاتِ الحَرْفِ وَالصَّوْتِ فِي كَلَامِ اللهِ تَعَالَى رَدَّ فِيْهِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ذلِكَ، وَقَدْ نَشَرَهُ الدُّكْتُوْر جُورج المَقْدِسِيُّ فِي مجلَّة الدِّرَاسَاتِ الشَرْقِيَّةِ فِي المَعْهَدِ الفَرَنْسِيِّ بِدِمَشقَ سَنَة (1971 م).

(2)

مِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّف رحمه الله فِي مُؤَلَّفَاتِ ابنِ عَقِيْلٍ كِتَابُ "الجَدَلِ" وَقَدْ عَلَّقَ الشَّيْخُ ابنُ حُمِيْدٍ النَّجْدِيُّ المَكِّيُّ في هَامِشِ نُسْخَةِ (أ) فَقَالَ: "كِتَابُ "الجَدَلِ" مِمَّا مَنَّ الله بِهِ عَلَى الحَقِيْرِ بخَطِّ مَحْمُوْدِ بنِ الصَّقَّالِ سَنَةَ 564". أَقُوْلُ: هَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ نَفْسُهَا الَّتي أَخْرَجَ عَنْها الدُّكْتُوْرُ جُوْرجُ المَقْدِسيُّ، ثُمَّ الدُّكتُوْرُ عَلِيٌّ العُمَيْرِيْنِيُّ الكِتَابَ كَمَا سَيَأْتِي، وَنَاسِخُهَا مَحْمُوْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ الصَّقَّالُ الحَرَّانِي، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ المُنْعِم بنُ عَلِيِّ بن نَصْرٍ

الحَرَّانيُّ (ت: 601 هـ) المَذْكُوْرُ في مَوْضِعِهِ هنَا. وَنَشَرَ الدُّكْتُوْرِ جُوْرجِ المَقْدِسِيِّ كِتَابَ "الجَدَلِ" لابنِ عَقِيْلٍ في مَجَلَّةِ الدِّرَاسَاتِ الشَّرقِيَّةِ بالمَعْهَدِ الفَرَنْسِيِّ =

ص: 346

وَكَانَ ابنُ عَقِيْلٍ كَثِيْرَ التَّعْظِيْمِ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالردِّ عَلَى مُخَالِفِيْهِمْ، وَمِنْ كَلَامِهِ فِي ذلِكَ: وَمِنْ عَجِيْبِ مَا نَسْمَعُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الأَحْدَاثِ الجُهَّالِ أَنَّهُمْ يَقُوْلُوْنَ: أَحْمَدُ لَيْسَ بِفَقِيْهٍ، لكِنَّهُ مُحَدِّثٌ، وَهَذَا غَايَةُ الجَهْلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خُرِّجَ عَنْهُ اخْتِيَارَاتٌ بَنَاهَا عَلَى الأَحَادِيْثِ بِنَاءً لَا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُهُمْ، وَخُرِّجَ عَنْهُ مِنْ دَقِيْقِ الفِقْهِ مَا لَا تَرَاهُ لأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ مَسَائِلَ منْ كَلَامِ أَحْمَدَ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يَقْصُدُ هَذَا إِلَّا مُبْتَدِعٌ، قَدْ تَمَزَّقَ فُؤَادُهُ مِنْ خُمُوْلِ

(1)

كَلِمَتِهِ، وَانْتِشَارِ عِلْمِ أَحْمَدَ، حَتَّى إِنَّ

(2)

أَكْثَرَ العُلَمَاءِ يَقُوْلُوْنَ: أَصْلِي أَصْلُ

= بِدِمَشْقَ سَنَةَ (1967 م)، زَوَّدَنِي بِنُسخةٍ مُصَوَّرةٍ منهُ فَضِيْلَةُ الشَّيخِ عَبْدُ الله الغُدَيَّان - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى - سَنَةَ (1406 هـ) فَلَهُ شُكْري وَتَقْدِيْرِي. وأَعَادَ تَحْقِيْقَهُ ونَشَرَه الدُّكتُور عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيِّ العُمَيْرِيْنِيُّ سَنَةَ (1418 هـ) وَطُبِعَ بِمَكْتَبَةِ التَّوْبَةِ في الرِّياض. وَقَدْ قدَّم لَهُ بمقدِّمَةٍ طَوِيْلَةٍ جِدًّا، لَو اخْتَصَرَهَا لَكَانَ أَوْلَى. وَقَدْ وَقَعَ المُحَقِّق بِخَطَإٍ غَرِيْبٍ يُسْتَكْثَرُ عَلَى أَمْثَالِهِ، حَيْثُ نَسَبَ كِتَابَ "الكُلِّيَّاتِ" الوَارِدِ في مُقَدِّمَتِهِ ص (41) إِلَى أَبِي البَقَاءِ العُكْبَرِيِّ؟! حَيْثُ قَالَ:"وأَمَّا أَبُو البَقَاء العُكْبُرِيُّ فَيَنْقُلُ لَنَا الأُسْتَاذُ الكَبِيْر الدُّكتور زَاهر عَوَّاض الألمَعِيَّ في رِسَالَتِهِ القَيِّمَةِ للدُّكتُوراه: "مَنَاهج الجَدَلِ في القُرآن الكَرِيْمِ" تَعْرِيْفًا لَهُ حَيْثُ يَقُوْلُ:. . ." وَنَقَلَ نَصًّا أَحَالَ في الهَامِشِ إِلَى "الكُلِّيَّاتِ" للعُكْبَرِيِّ ص (145) طبع بولاق، وَمَعْلُوْمٌ لَدَى الخَاصِّ والعَامِّ من طَلَبَةِ العِلْمِ أَنَّ "الكُلِّيَّات" لأبي البَقَاءِ الكَفَوِيِّ، لا العُكْبَرِيِّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَن هَذَا بأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ أَو خَطَأ طِبَاعَة، لكن الدُّكتورَ العُمَيْرِيْنِيَّ عَرَّفَ بِأَبي البَقَاء العُكْبَرِيِّ في الهَامِشِ، وَعندَ تَخْرِيْجِ القَوْلِ من "الكليَّات" نَسَبَهُ إلى أَبِي البَقَاء العُكْبَرِيِّ أَيْضًا؟!.

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "خُمُوْدِ".

(2)

ساقطٌ من (أ).

ص: 347

أَحْمَدَ، وَفَرْعِي فَرْعُ فُلَانٍ، فَحَسْبُكَ بِمَنْ يُرْضِى بِهِ فِي الأُصُوْلِ قُدْوَةً.

وَكَانَ يَقُوْلُ: هَذَا المَذْهَبُ إِنَّمَا ظَلَمَهُ أَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ أَبي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيَّ إِذَا بَرَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي العِلْمِ تَوَلَّى القَضَاءَ وَغَيْرِهِ مِنَ الوِلَايَاتِ، فَكَانَتِ الوَلَايَةُ سَبَبًا

(1)

لِتَدْرِيْسِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِالعِلْمِ، فَأَمَّا أَصْحَابُ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَلَّ فِيْهِمْ مَنْ تَعَلَّقَ بِطَرَفٍ مِنَ العِلْمِ إِلَّا وَيُخْرِجُهُ ذلِكَ إِلَى التَّعَبُّدِ وَالتَّزَهُّدِ؛ لِغَلَبَةِ الخَيْرِ عَلَى القَوْمِ، فَيَنْقَطِعُونَ عَنِ التَّشَاغُلِ بِالعِلْمِ.

وَكَانَ مَعَ ذلِكَ يَتَكَلَّمُ كَثِيْرًا بلِسَانِ الاِجْتِهَادِ وَالتَّرْجِيْحِ وَاتِّبَاعِ الدَّلِيْلِ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُ، وَيَقُوْلُ: الوَاجِبُ اتِّبَاعُ الدَّلِيْلِ، لَا اتِّبَاعُ أَحْمَدَ. وَكَانَ يَخُوْنُهُ قِلَّةُ بِضَاعَتَهُ فِي الحَدِيْثِ، فَلَوْ كَانَ مُتَضَلِّعًا مِنَ الحَدِيْثِ وَالآثَارِ، مُتَوَسِّعًا فِي عُلُومِهِمَا لَكَمُلَتْ لَهُ أَدَوَاتُ الاجْتِهَادِ، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُ بِأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَمَنْ كَانَ فِي وَقْتِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الحُفَّاظِ كَأَبِي نَصرِ بنِ مَاكُوْلَا، وَالحُمَيْدِيِّ، وَغَيْرِهِمْ أَوْلَى وَأَنْفَعُ لَهُ مِنَ الاجْتِمَاعِ بِابْنِ الوَلِيْدِ وَابْنِ التَّبَّانِ، وَتَرْكُهُ لِمُجَالَسَةِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ هُوَ الَّذِي حَرَمَهُ عِلْمًا نَافِعًا فِي الحَقِيْقَةِ، وَلكِنَّ الكَمَالَ للهِ.

وَلَهُ مَسَائِلُ كَثِيْرَةٌ يَنْفَرِدُ بِهَا، وَيُخَالِفُ فِيْهَا المَذْهَبَ، وَقَدْ يُخَالِفُهُ فِي بَعْضِ تَصَانِيْفِهِ، وَيُوَافِقُهُ فِي بَعْضِهَا، فَإِنَّ نَظَرَهُ كَثِيْرًا يَخْتَلِفُ، وَاجْتِهَادُهُ يَتَنَوَّعُ.

وَكَانَ يَقُولُ: عِنْدِي أَنَّ مِنْ أَكْبَرِ فَضَائِلِ المُجْتَهِدِ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الحُكْمِ عِنْدَ تَرَدُّدِ الحُجَّةِ وَالشُّبْهَةِ فِيْهِ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى أَحَدِ المُتَرَدِّدِيْنَ دَلَّهُ عَلَى أَنَّهُ مَا عَرَفَ الشُّبْهَةَ، وَمَنْ لَا تَعْتَرِضُهُ شُبْهَةٌ وَلَا تَصْفُو لَهُ حُجَّةٌ، وَكُلُّ قَلْبٍ لَا يَقْرَعُهُ

(1)

ساقطٌ من (ط) الفقي.

ص: 348

التَّرَدُّدُ، فَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِيْهِ التَّقْلِيْدُ

(1)

وَالجُمُوْدُ عَلَى مَا يُقَالُ لَهُ وَيَسْمَعُ مِنْ غَيْرِهِ.

فَمِنَ المَسَائِلِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا: أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَجُوْزُ لَهُنَّ اسْتِعْمَالُ الحَرِيْرِ إِلَّا فِي اللُّبْسِ دُوْنَ الافْتِرَاشِ وَالاسْتِنَادِ. ذَكَرَهُ فِي "الفُنُونِ".

وَمِنْهَا: أَنَّ صَلَاةَ الفَذِّ

(2)

تَصِحُّ فِي صَلَاةِ الجَنَازَةِ خَاصَّةً، وَهُوَ مَعْرُوْفٌ عَنْهُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا لَا يَجْرِيْ إِلَّا فِي الأَعْيَانِ السِّتَّةِ المَنْصُوْصِ عَلَيْهَا. ذَكَرَهُ فِي "نَظَرِيَّاتِهِ"

(3)

.

وَمِنْهَا: أَنَّ الوَقْفَ لَا يَجُوْزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ خَرِبَ وَتَعَطَّلَ نَفْعُهُ، وَلَهُ ذلِكَ كَلَامٌ فِي "جُزْءٍ" مُفْرَدٍ

(4)

.

وَمِنْهَا: أَنَّ الأَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ. ذَكَرَهُ فِي "الفُصُوْلِ" فِي "كِتَابِ النِّكَاحِ".

وَمِنْهَا: أَنَّ المَشْرُوْعَ فِي عَطِيَّةِ الأَوْلَادِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الذُّكُوْرِ وَالإِنَاثِ ذَكَرَهُ فِي "الفُنُونِ".

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوْزُ اسْتِئْجَارُ الشَّجَرِ المُثْمِرِ تَبْعًا لِلأَرْضِ؛ لِمَشَقَّةِ التَّفْرِيْقِ بَيْنَهُمَا حَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّيْنِ بْنُ تَيْمِيَّةَ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ العُشْرُ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الحَرْبِ وَلَا أَهْلِ

(1)

في (أ): "التَّقليب".

(2)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "الغد".

(3)

هُو "المَجَالِسُ النَّظَرِيَّاتُ" سَبَقَ في مُؤَلَّفَاتِهِ.

(4)

هَذِهِ المَسْأَلَةُ جَرَى فِيْهَا مُنَاظَرَةٌ لَهُ مَعَ القَاضِي المُبَارَكِ بن عَلِيّ، أَبُو سَعْدٍ المُخَرِّمِي (ت: 513 هـ) تَرْجَمَة رَقَم (67) هُنَا كَمَا ذَكَرَ المُؤَلِّفُ مَضْمُوْنَهَا مُخْتَصَرًا فِي تَرْجَمَةِ أَبِي سَعْدٍ.

ص: 349

الذِّمَّةِ، إِذَا اتَّجَرُوا فِي بِلَادِ الإِسْلَامِ إِلَّا بِشَرْطٍ أَوْ تَرَاضٍ. ذَكَرَهُ فِي "فُنُونِهِ". وَقَدْ حَكَى القَاضِي في "شَرْحِهِ الصَّغِيْرِ" رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدُ، كَذلِكَ ذَكَرَهَا ابنُ تَمِيْمٍ، لكِنَّهَا غَرِيْبَةٌ جِدًّا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، فَتَغَيَّرَتْ صِفَاتُهَا بِمَا يُزِيْلُ اسْمُهَا: لَمْ يَتَعَلَّقِ الحِنْثُ بِهَا عَلَى هَذِهِ الحَالُ مُطْلَقًا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ وَطْءُ المُكَاتَبَةِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ وَطْأَهَا فِي عَقَدِ الكِتَابَةِ، وَحَكَاهُ فِي "مُفْرَدَاتِهِ" رِوَايةً.

وَمِنْهَا: أَنَّه لَا زكَاةَ فِي حُلِيِّ المَوَاشِطِ المُعَدِّ لِلْكِرَاءِ، وَذَكَرَهُ فِي "عُمْدَةِ الأَدِلَّةِ" وَخَرَّجَ مِنْ قَوْلِ الأَصْحَابِ وَجْهًا يُوْجِبُ الزَّكَاةَ فِي سَائِرِ مَا يُعَدُّ لِلْكِرَاءِ مِنَ الأَمْلَاكِ، مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الزُّرُوْعَ وَالثِّمَارَ الَّتِي تُسْقَى بِمَاءٍ نَجِسٍ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ، وَإِنْ لَمْ تُسْقَ بَعَدَهُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا كَانَتْ نِضْوَةَ

(1)

الخُلُقِ لَا يُمْكِنُ زَوْجُهَا وَطْأَهَا

(1)

النِّضْوُ - في اللُّغَةِ -: "الدَّابَّةُ الَّتِي هَزَلَتْهَا الأَسْفَارُ وَأَذْهَبَتْ لَحْمَهَا

وَأَنْضَى فُلَانٌ بَعِيْرَهُ، أَيْ: هَزَلَهُ، وَتَنَضَّاهُ أَيْضًا، وَقَالَ:

لَو أصْبَحَ فِي يُمْنَى يَدَيَّ زِمَامُهَا

وَفِي كَفِّي الأُخْرَى وَبِيْلٌ تُحَاذِرُهْ

لَجَاءَتْ عَلَى مَشْيِ الَّتِي قَدْ تُنُضِّيَتْ

وَذَلَّتْ وَأُعْطَتْ حَبْلَهَا لَا تُعَاسِرُهْ

وَيُرْوَى "تُنُصِّيَتْ" أَيْ: أُخِذَتْ بِنَاصِيَتِهَا، يَعْنِي بِذلِكَ امْرَأَةً اسْتَصْعَبَتْ عَلَى بَعْلِهَا" اللِّسَان (نَضَا) وَيَجُوْزُ أَنْ تَكُوْن مَأخُوْذةً مِنْ قَوْلِهِم نَضَا ثَوْبُهُ عَنْهُ نَضْوًا: خَلَعَهُ وَأَلْقَاهُ فَكَأَنَّ المُرَادَ أَنَّهَا خَلَعَت خُلُقَهَا وَأَلْقَتْهُ عَنْهَا

وَاللهُ أَعْلَمُ.

ص: 350

إِلَّا بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا يَمْلِكُ فَسْخَ نِكَاحِهَا بِذلِكَ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الإِمَامَ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الغَالِّ، وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَأنَّ امْتِنَاعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا كَانَ مِنْ خصَائِصِهِ.

وَمِنْهَا: تَحْرِيْمُ الاسْتِمْنَاءِ بِكُلِّ حَالٍ، وَحَكَاهُ رِوَايَةً.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجِبُ الحَدُّ بِقَذْفِ العَبْدِ العَفِيْفِ كَالحُرِّ، ذَكَرَهُ فِي "مُفْرَدَاتِهِ".

وَمِنَ المَسَائِلِ الغَرِيْبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابنُ عَقِيْلٍ: مَسْأَلَةٌ فِي الحَامِلِ وَالمُرْضِعُ إِذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى وَلَدَيْهِمَا: فَهَلْ تَكُوْنُ الكَفَّارَةُ عَلَى الأُمِّ مِنْ مَالِهَا، أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؟ ذَكَرَ فِي "الفُنُونِ" فِيْهَا احْتِمَالٌ. قَالَ: وَالأَشْبَهُ أَنَّهُ عَلَى الأُمِّ؛ لِأَنَّهَا هِي المُرْتَفِقَةُ بِالإِفْطَارِ لاسْتِضْرَارِهَا، وَتَغَيُّرِ لَبَنِهَا، وَالوَلَدُ تَبَعٌ لَهَا. قَالَ: وَلأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطِّفْلُ مُعْتَبَرًا فِي إِيجَابِ التَّفْكِيْرِ لَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ تَامَّةٌ، كَالجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ، وَكَالمُشْتَرِكِيْنُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ، عَلَى أَصَحِّ الرَوَايَتَيْنِ.

قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيْفٌ؛ فَإِنَّ المُشْتَرِكَيْنِ فِي الجِمَاعِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَالمُشْتَرِكَيْنَ فِي القَتْلِ كُلٌّ مِنْهُمَا جَنَى عَلَى إجْرَامِهِ، فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الجِنَايَةِ، بخِلَافِ الطِّفْلِ وَالأُمِّ هَهُنَا.

وَذَكَرَ أَيْضًا فِي "الفُنُونِ" قَالَ: سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ قَائِلٍ قَالَ: وَاللهِ لَا رَدَدْتُ سَائِلًا - أَوْ قَالَ: للهِ عَلَيَّ لَا رَدَدْتُ سَائِلًا - وَلَيْسَ يَتَّسِعُ حَالُهُ لِذلِك، وَإِنْ اعْتَمَدَ ذلِكَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وَقْتٌ لِعَمَلٍ، وَلَا لِتِجَارَةٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي، فَكَيْفَ وَلَا مَالَ يَفِي، وَلَا وَقْتَ يَتَّسِعُ لِذلِكَ مَعَ كَثْرَةِ السُّؤَّالِ؟.

ص: 351

فَأَجَابَ حَنْبَلِيٌّ: بَأَنَّ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِنَا فِيْمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَقَ بِجَمِيْعِ مَالِهِ: فَإِنَّهُ فِي اليَمِيْنِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثُلُثِ وَكَفَّارَةِ يَمِيْنٍ، وَفي النَذْرَ يَلْزَمهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَا يَتَحَصَّلُ لَهُ مِمَا يُزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ نَذْرِهِ لُزُوْمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ.

قَالَ قَائِلٌ: يَشْتَرِي بُرًّا أَوْ حَبَّ رُمَّانٍ، وَيُعْطِي كُلَّ سَائِلٍ حَبَّةً مِنْ ذلِكَ؟

قَالَ لَهُ الحَنْبَلِيُّ: هَذَا لَا يَجِيْءُ عَلَى أَصْلِنَا؛ لأَنَّا نَعْتَبِرُ المَقَاصِدَ فِي الأَيَمَانِ وَالنُّذُوْرِ، وَالقَصْدُ أَنْ لَا يَرُدَّ سَائِلًا عَنْ سُؤَالِهِ، وَحَبَّةُ رُمَّانٍ وَحَبَّةُ بُرٍّ لَيْسَتْ سُؤَالُ السَّائِلِ، فَإِعْطَاؤُهُ كَرَدِّهِ.

وَقَالَ حَنْبَلِيٌّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ خُرُوْجُهُ مِنْ نَذْرِهِ بِبُرَّةِ بُرٍّ؛ لأَنَّا قَدْ عَلَّقْنَا حُكْمَ الرِّبَا عَلَى بُرَّةٍ بِبُرَّتَّيْنِ، وَمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الشَّرْعُ مَأْثَمًا فَأَحْرَى أَنْ يُعَلَّقَ عَلَيْهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الثَّوَابُ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشقِّ تَمْرَة" يَعْضُدُ القَوْلَ بِالتَّصَدُّقِ بِالبُرَّةِ.

وَقَالَ حَنْبَلِيُّ آخَرُ: بَلْ إِذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَعَدَ، فَكَانَتِ العِدَّةُ مُخَلِّصَةً لَهُ مِنَ الرَّدِّ، فَإِنَّ الرَدَّ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ العِدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَعَدَ بِزَكَاةِ مَالِهِ لِلْسَّاعِي لَا يَسْتَحِقُّ القِتَالَ، وَلَا التَّعْزِيرِ، وَلَا يَأثَمُ؟ وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ رَدَّ السَّاعِي، وَلَا المُطَالِبِ بِدَيْنِهِ، وَلَا الفَقِيْرِ. وَلِلْحَدِيْثِ الَّذِي جَاءَ:"العِدَةُ دَيْنٌ" وَهَذِهِ العِدَّةُ نَافِعَةٌ فِي مَنْعِ الحِنْثِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا لَا تَقِفُ العَزْمِ عَلَى الإِعْطَاءِ عَلَى التَّوْفِيَةِ، بَلْ مَنْ وَعَدَ، فَعَزَمَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ لَهُ مَالٌ أَعْطَى السَّائِلَ

ص: 352

مَا سَأَلَهُ فَمَا رَدَّهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ غَرَائِبِ ابنِ عَقِيْلٍ: أَنَّهُ اخْتَارَ وُجُوبَ الرِّضَى بِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى في الأَمْرَاضِ وَالمَصائِبِ. ذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِ. لكِنَّهُ فَسَّرَ الرِّضَى في "الفُنُونِ": بِأَنَّهُ الرِّضَى عَنِ اللهِ

(1)

بِهَا، ثِقَةً بِحُكْمِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْلِمَةً للطَّبْعِ، كَمَا لَا يُبْغِضُ الطَّبِيْبُ

(2)

عَنْدَ بَطِّ

(3)

الدُّمُّلِ وَفَتْحِ العُرُوْقِ، وَلَيْسَ المُرَادَ هَشَاشَةُ

(4)

النَّفْسِ وَانْشِرَاحِهَا لَهَا، فَإِنَّ هَذَا عِنْدَهُ مُسْتَحِيْلٌ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلأَنْبِيَاءِ، كَذَا قَالَ. وَهُوَ فاسِدٌ.

وَاخْتَارَ: أَنَّ النَّهَارَ أَفْضَلُ مِنَ اللَّيْلِ.

وَاخْتَارَ: أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ الصَّلَاةَ علَى القَبْرِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوْقَاتِ النَّهْيِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ، وَخَالَفَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ أَصْحَابِنَا فِي زَمَنِهِ.

وَمِنْ كَلَامِهِ الحَسَنِ: أَنَّهُ وَعَظَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا مَنْ يَجِدُ فِي قَلْبِهِ قَسْوَةً، احْذَرْ أَنْ تَكُونَ نَقَضْتَ عَهْدًا، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوْلُ:

(5)

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} .

وَسُئِلَ فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ فِي عُزْلَةِ الجَاهِلِ؟ فَقَالَ: خَبَالٌ وَوَبَالٌ، تَضُرُّهُ

(1)

ساقطٌ من (أ).

(2)

في (أ): "الطِّبّ".

(3)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "بَطْءِ" مَهْمُوْزٌ والصَّوَابُ عَدَمُ الهَمْزِ جَاءَ فِي اللِّسَانِ (بَطَطَ): "البَطُّ: شَقُّ الدُّمَّلِ وَالخُرَّاجِ وَنَحْوِهِمَا. . .".

(4)

في (أ): "بشاشة".

(5)

سُوْرَةُ المَائِدَةِ، الآية:13.

ص: 353

وَلَا تَنْفَعُهُ، فَقِيْلَ لَهُ: فَعُزْلَةِ العَالِمِ؟ قَالَ: "مَالَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ المَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، إِلَى أَنْ يَلْقَاهَا رَبُّهَا"

(1)

.

وَمِنْ كَلَامِهِ فِي صِفَةِ الأَرْضِ أَيَّامَ الرَّبيعِ:

(2)

إِنَّ الأَرْضَ أَهْدَتْ إِلَى السَّمَاءِ غُبْرَتَهَا بتَرْقِيَةِ الغُيُوْمِ، فَكَسَتْهَا السَّمَاءُ زُهَرَتَهَا مِنَ الكَوَاكِبِ وَالنُّجُوْمِ، وَقَالَ: كَأَنَّ الأَرْضَ أَيَّامَ زَهْرَتِهَا مِرْآةُ السَّمَاءِ فِي انْطِبَاعِ صُوْرَتَهَا.

قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ في كِتَاب أَبِي نَصْرٍ المُعَمَّرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَيِّعِ بِخَطِّهِ، وَ (أَنَا) عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ الأَزَجِيُّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو الوَفَاءِ عَلِيُّ بنُ عَقِيْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ الحَنْبَلِيُّ لِنَفْسِهِ:

(3)

يَقُولُوْنَ لي مَا بَالُ جِسْمِكَ نَاحِلٌ

وَدَمْعُكَ مِنْ آمَاقِ عَيْنَيْكَ هَاطِلُ

وَمَا بَالُ لَوْنَ الجِسْمِ بُدِّلَ صُفْرَةً

وَقَدْ كَانَ مُحْمَرًّا فَلَوْنُكَ حَائِلُ

فَقُلْتُ سُقَامًا حَلَّ فِي بَاطِنِ الحَشَا

وَلَوْعَةَ قَلْبٍ بَلْبَلَتْهُ البَلَابِلُ

وَأَنَّى لِمِثْلِي أَنْ يَبِيْنَ لِنَاظِرٍ

وَلكِنَّنِي لِلْعَالَمِيْنَ أُجَامِلُ

فَلَا تَغْتَرِرْ يَومًا بِبِشْرِي وَظَاهِرِي

فَلِي بَاطِنٌ قَدْ قَطَّعَتْهُ النَّوَازِلُ

(1)

مُقْتَبَسٌ مِنَ الحَدِيْثِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ مَالك في المُوَطَّإِ (2/ 303)(ط) دَارِ الغَرْبِ سَنَةَ (1417 هـ) الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ (كِتَابُ القَضَاء)"القَضَاءُ في اللَّقيطة" رقم (2204).

(2)

فِي "المُسْتَفَادُ مِنْ ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ"(342): "قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الوَفَاءِ بنِ عَقِيْلٍ من كَلَامِهِ في صِفَةِ الأَرْضِ أَيَّامَ الرَّبِيْعِ. . .".

(3)

الأبْيَاتُ في "المَنْهَجِ الأحْمَدِ" عَنِ المُؤَلِّفِ، وَالسِّتَّةُ الأُوَّلُ في "المُسْتَفَادِ" وَ"الوَافي بِالوَفَيَاتِ" وَغَيْرِهِمَا. وَفِي "المُسْتَفَادِ":"فلا تُغْتَرَرْ يَوْمًا بِسِرِّي" وهو أولَى؛ لأن السِّرَّ يُخَالِفُ الظَّاهِر.

ص: 354

وَمَا أَنَا إِلَّا كَالزِّنَادِ تَضَمَّنَتْ

لَهِيْبًا وَلكِنَّ اللَّهِيْبَ مُدَاخِلُ

إِذَا حُمِّلَ المَرْءُ الَّذِي فَوْقَ طَوْرِهِ

يُرَى عَنْ قَرِيبِ مَنْ تَجَلُّدَ عَاطِلُ

لَعَمْرِي إِذَا كَانَ التَّجَّمُّلُ كُلْفَةً

يَكُوْنُ كَذَا بَيْنَ الأَنَامِ مُجَامِلُ

فَأَمَّا الَّذِي أَثْنَى لَهُ الدَّهْرُ عِطْفَهُ

وَلَانَ لَهُ وَعْرُ الأُمُوْرِ مُوَاصِلُ

بِأَلْطَافِ قُرْبٍ يَسْهُلُ الصَّعْبُ عِنْدَهَا

وَيَنْعُمُ فِيْهَا بِالَّذِي كَانَ يَامَلُ

تَرَاهُ رَخِيَّ البَالِ مِن كُلِّ عُلْقَةٍ

وَقَدْ صَمِيَتْ مِنْهُ الكُلَى وَالمَفَاصِلُ

تُوُفِّيَ أَبُو الوَفَاءِ بنُ عَقِيْلٍ رحمه الله بُكْرَةَ الجُمُعَةِ، ثَانِي عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَادِسَ عَشَرَ الشَّهْرَ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فِي جَامِعَيْ القَصْرِ وَالمَنْصُورِ، وَكَانَ الإِمَامُ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ القَصْرِ ابنُ شَافِعٍ، وَكَانَ الجَمْعُ يَفُوْتُ الإِحْصَاءِ. قَالَ ابنُ نَاصِرٍ: حَزَرْتُهُمْ بِثَلَاثِمَائَةِ أَلْفٍ، وَدُفِنَ فِي دَكَّةِ قَبْرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه، وَقَبْرُهُ ظَاهِرٌ رضي الله عنه، فَمَا كَانَ فِي مَذْهَبِنَا أَحَدٌ مِثْلَهُ، آخِرُ كَلَامِ بنِ نَاصِرٍ. وَذَكَرَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ الخَفَّافُ أَنَّهُ جَرَتْ فِتْنَةٌ يَعْنِي عَلَى حَمْلِهِ قَالَ: وَتَجَارَحُوا، وَقَالَ الشَّيْخُ مُطِيْعٌ: كُفِّنَ وَنُطِعَ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ أَنْشَدَنِيْ الإِمَامُ أَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُودُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمٍ الأَدِيْبُ الغَانِمِيُّ

(1)

لِنَفْسِهِ، يَمْدَحُ الإِمَامَ أَبَا الوَفَاءِ بنَ عَقِيْلٍ:

(1)

مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّد بنِ غَانِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الغَانِمِيُّ، الجَرَّاحِيُّ، الأَدِيْبُ، أَبُو المَحَاسِنِ الهَرَوِيُّ (ت: 553 هـ) كَانَ أَدِيْبًا، شَاعِرًا، فَقِيْهًا، مُحَدِّثًا، وَرِعًا، كَثِيْر العِبَادَةِ، زَاهِدًا، كَانَ يَتَوَرَّعُ مِنْ أَكْل طَعَامِ وَالِدِهِ؛ لاخْتِلَاطِهِ =

ص: 355

لِعَلِيٍّ بنِ عَقِيْلٍ البَغْدَاذِي

مَجْدُ لِفَوْقَ الفَرْقَدَيْنِ مُحَاذِي

قَدْ كَانَ يَنْصُرُ أَحْمَدًا خَيْرَ الوَرَى

وَكَلَامُهُ أَحْلَى مِنَ الآزَاذِي

وَإِذَا تَلَهَّبَ فِي الجِدَالِ فَعِنْدَهُ

سَحْبَانُ فَهٌ فِي التَّجَارُبِ هَاذِي

مَا أَخْرَجَتْ بَغْدَادَ

(1)

فَحْلًا مِثْلَهُ

للهِ دَرُّ الفَاضِلِ البَغْدَاذِي

= بِأَصْحَابِ السُّلْطَانِ. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَخَبِ مِنْ شُيُوْخِ السَّمْعَانِيِّ (3/ 1722)، وَالتَّحْبِيْرِ لَهُ (2/ 301)، وَالأَنْسَابِ لَهُ (9/ 120)، وَالتَّقْيِيْدِ (2/ 247)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 359)، وَالجَوَاهِرِ المُضِيَّةِ (3/ 472). وَالأَبْيَاتُ في "المَنْهَجِ الأحْمَد" عَنِ المُؤَلِّفِ، قَالَ مُحَقِّقُ "المَنْهَجِ الأحْمَدِ":"كَذَا في الأُصُوْلِ، وَلَا يَسْتَقِيْمُ الصَّدْرُ؟! ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى الله أعْتَمِدُ -: هُوَ مُسْتَقِيْم الصَّدْرِ، لكِنْ يَجِبُ تَنْوِيْنُ (عَلِيٍّ) وَإِنْ كَانَ مَوْصُوْفًا بـ "ابنِ" ضَرُوْرَةً؛ لاسْتِقَامَةِ الوَزْنِ. وَ"البَغْدَاذِيُّ" بالدَّال المُهْمَلَةِ في (ط) الفَقِي وَمَعْلُوْمٌ أَنَّهَا بِالذَّالِ المُعْجَمَةِ؛ لأَجْلِ القَافِيَةِ، وَالبَيْتُ الأوَّل مُصَرّعٌ فَيِجبُ أن تَتَّفِقَ عَرُوْضُهُ مَعَ ظَرْبِهِ وَ"بَغْدَاذ" لُغَةٌ في "بَغْدَادَ" ويُقَالُ:"بَغْدَانَ" بالنُّوْنِ أَيْضًا. وَ"الآزَاذُ" نَوْعٌ من التَّمْرِ، أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ. وَيُرَاجَعُ: المُعَرَّبُ (82)، وَقَصْدُ السَّبِيْلِ (1/ 140). وَجَاءَ في (ط) الفقي "سُبْحَان" مَقْلُوْبَةُ "سَحْبَانَ" وَالمَقْصُوْدُ سَحْبَانُ وَائِلٍ، المَشْهُوْرُ بِالخَطَابَةِ وَالفَصَاحَةِ عِنْدَ العَرَبِ. وفي (ط) بطَبْعَتَيْهِ:"فِيْهِ" وَالصَّوَابُ "فَهٌ" كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ. جَاءَ في اللِّسَانِ: "فَهَهَ": "وَالفَهُّ: الكَلِيْلُ اللِّسَانِ، العَيِيُّ عَنْ حَاجَتِهِ". وَتَقَدَّمَ في هَذِهِ التَّرْجَمَةَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

ارْفِقْ بِعَبْدِكَ إِنَّ فيه فَهَاهَةً

جَبَلِيَّة وَلَكَ العِرَاقُ وَمَاؤُهَا

وَلَا يَزَالُ العَامَّةُ فِي نَجْدٍ يَقُوْلُوْنَ ذلِكَ في وَصْفِ الرَّجُلِ المُغَفَّلِ السَّاذجِ (فَهَاهَةٌ) وَصَوَابُهُ (فَهٌ) وَالفَهَاهَةُ فِعْلُهُ.

(1)

"بَغْدَاد" هُنَا بالدَّالِ المُهْمَلَة؛ لأنَّهُ لَا حَاجَةَ تَدْعُو لاسْتِعْمَالِ اللُّغَة الأُخْرَى، وَفِي قَافِيَةِ البَيْتُ مَقْلُوْبَةٌ ذَالًا مُعْجَمَةً؛ لِلْحَاجَةِ كَمَا أَسْلَفْتُ، وفي (ط) الفَقِي بِالدَّالِ المُهْمَلَةِ فِيْهِمَا؟!

ص: 356

وَلَقَدْ مَضَى لِسَبِيْلِهِ مَعْ عُصْبَةٍ

كَانُوا لِدِيْنِ الحَقِّ خَيْرَ مَلَاذِ

وَقَدْ قَرَأَ عَلَى ابنِ عَقِيْلٍ الفِقْهَ وَالأُصُولَ خَلْقٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، يَأْتِي ذِكْرُهُمْ فِي مَوَاضِعِهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الطَّبَقَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ. وَمِمَّنْ قَرَأَ علَيْهِ أَبُو الفَتْح بنُ بَرَهَان

(1)

الأُصُوْلِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ فِي الأُصُولِ، وَمُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ، وَكَانَ أَوَّلًا حَنْبَلِيًّا، ثُمَّ انْتَقَلَ لِجَفَاءِ أَصْحَابِنَا لَهُ.

وَكَانَ لابنِ عَقِيْلٍ وَلَدَانِ مَاتَا فِي حَيَاتِهِ:

أَحَدُهُمَا: أبُو الحَسَنِ عَقِيْلٌ

(2)

كَانَ فِي غَايَةِ الحُسْنِ. وَكَانَ شَابًّا، فَهِمًا ذَا خَطٍّ حَسَنٍ. قَالَ ابنُ القَطِيْعِيِّ: حَكَى وَالِدُهُ أَنَّهُ وُلِدَ لَيْلَةَ حَادِي عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى

(3)

وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَحَكَى غَيْرُهُ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الأَنْصَارِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ حُسَيْنِ بنِ أَيُّوبَ، وَغَيْرِهِمَا. وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ، وَنَاظَرَ فِي الأُصُولِ وَالفُرُوعِ. وَسَمِعَ الحَدِيْثَ الكَثِيْرَ، وَشَهِدَ عِنْدَ قَاضِي القُضَاةِ أَبِي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ، فَقَبِلَ قَوْلَهُ، وَكَانَ فَقِيْهًا فَاضِلًا، يَفْهَمُ

(1)

هُوَ العلَّامَةُ الفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَرَهَانَ، أَبُو الفَتْح بنُ الحَمَّامِيِّ البَغْدَاديُّ (ت: 518 هـ). قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: كَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ، بَارِعًا في المَذْهَبِ وَأُصُوْلِهِ، مِن أَصْحَابِ ابنِ عَقِيْلٍ، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافِعِيًّا، وَدَرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ. تَفَقَّهَ بِـ "الشَّاشِيِّ وَالغَزَّالِي". أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (9/ 250)، وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (1/ 99)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ (19/ 456)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (6/ 30)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 61).

(2)

مَذْكُوْرٌ في تَرْجَمَةِ أَبِيْهِ فِي "مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ" وَ"المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَغَيْرِهِمَا. وَخَصَّهُ ابنُ النَّجَّارِ بِالتَّرْجَمَةِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (2/ 288).

(3)

فِي "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ": "في يَوْمِ السَّبْتِ الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ من شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِمَائَةَ".

ص: 357

المَعَانِي جَيِّدًا، وَيَقُولُ الشِّعْرَ، وَكَانَ يَشْهَدُ مَجْلِسَ الحُكْمِ، وَيَحْضُرُ المَوَاكِبَ.

وَتُوُفِّيَ رحمه الله يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، مُنْتَصَفَ مُحَرَّم سَنَةَ عَشْرِ وَخَمْسِمَائَةَ. وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، كَذَا ذَكَرَ ابنُ شَافِعٍ وَغَيْرُهُ. وَفِي تَارِيْخِ ابنِ المَنْدَائِيِّ

(1)

: أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ. وَدُفِنَ يَوْمَ السَّبْتِ بِدَكَّةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ. فَعَلَى هَذَا: تَكُوْنُ وَفَاتُهُ قَبْلَ وَالِدِهِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، وَلَا أَظُنُّ هَذَا إِلَّا غَلَطًا، وَكَانَ لَهُ مِنَ العُمُرِ سَبْعٌ وَعُشْرُونَ سَنَةً، وَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِالظَّفَرِيَّةِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُوْهُ نُقِلَ إِلَى دَكَّةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه. قَالَ وَالِدُهُ: مَاتَ وَلَدِي عَقِيْلٌ وَكَانَ قَدْ تَفَقَّهَ وَنَاظَرَ، وَجَمَعَ أَدَبًا حَسَنًا، فَتَعَزَّيْتُ بِقِصَّةِ عَمْرِو بنِ عَبْدِ وَدٍّ

(2)

الَّذِي قَتَلَهُ عَلِيٌّ عليه السلام

(3)

، فَقَالَتْ أُمُّهُ ترْثِيْهِ

(4)

:

(1)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "ابنُ المُنَادِي" وَسَبَقَ ذِكْرُ "ابنُ المَنْدَائِيِّ" وَكَانَ مُحَقِّقُو الكِتَابِ وَنَاسِخُوْه يُحَرِّفُوْن اللَّفْظَةَ إِلَى "المُنْذِرِيِّ" أَوْ "المَيْدَانِيّ"، وَكَذلكَ هُوَ فِي (أ) و (ب).

(2)

شَاعِرٌ من بَنِي عَامِرِ بنِ لُؤَيٍّ، كَانَ فَارِسَ قُرَيْشٍ وَشَاعِرَهَا، قُتِلَ يَومَ الخَنْدَقِ. يُرَاجَعُ مَنِ اسْمُهُ عَمْرٍو مِنَ الشُّعَرَاءِ (105) وزَهْرُ الآدابِ (45)، وَغَيْرِهِمَا وفي السِّيرةِ النَّبَويةِ أَنَّهُ قُتِلَ مَعَهُ ابنُهُ حِسْلُ بنُ عَمْرٍو، وَفِي "نَشْوَةِ الطُّرَبِ": وَلَا عَقِبَ لَهُ.

(3)

غَيَّرَهَا الشَّيْخُ حَامِدٌ الفقي في (ط) إلى: "رضي الله عنه" اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ"؟! وَالتَّصْلِيَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ عُمُوْمًا وَأَهْلِ البَيْتِ خُصُوْصًا

جَائِزَةٌ لَكنَّ الشَّائِعَ التَّرَضِّي عَنْهُمْ.

(4)

هُمَا فِي شَرْحِ الحَمَاسَةِ للمَرْزُوْقِيِّ (2/ 804)، وَزَهْرِ الآدَابِ (521)، وَنَشْوَةِ الطَّرَبِ في تَارِيْخِ جَاهِلِيَّةِ العَرَبِ (1/ 368) وَفِيْهَا: وَقَالَتْ أُختُهُ تَرْثِيْهِ، وَزَادَا بَعْدَهُمَا:

مِنْ هَاشِمٍ فِي ذُرَاهَا وَهِيَ صَاعِدَةٌ

إِلَى السَّمَاءِ تُمِيْتُ النَّاسَ بِالحَسَدِ

قَوْمٌ أَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ تَكُوْنَ لَهُمْ

مَكَارِمُ الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا بِلَا أَمَدِ =

ص: 358

لَوْ كَانَ قَاتِلُ عَمْرٍو غَيْرَ قَاتِلِهِ

مَا زِلْتُ أَبْكِي عَلَيْهِ دَائِمَ الأَبَدِ

لَكِنَّ قَاتِلَهُ مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ

مَنْ كَانَ يُدْعَى أَبُوْهُ بَيْضَةَ البَلَدِ

فَأَسْلَاهَا، وَعَزَّاها جَلَالَةُ القَاتِلِ، وَفَخْرُهَا بِأَنَّ ابْنَهَا مَقْتُوْلُهُ، فَنَظَرتُ إِلَى قَاتِلِ وَلَدِي الحَكِيْمِ المَالِكِ، فَهَانَ عَلَيَّ القَتْلُ وَالمَقْتُوْلُ لِجَلَالَةِ القَاتِلِ

(1)

. وَذُكِرَ عَنِ الإِمَامِ أَبي الوَفَاءِ

(2)

: أَنَّهُ أَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ، وَهُوَ فِي أَكْفَانِهِ، وَقَالَ

= وَيُقَالُ فِي الأَمْثَالِ: "فُلَانٌ بَيْضَةُ البَلَدِ" عَلَى سَبِيْلِ المَدْحِ أَوِ الذَّمِّ، تَسْتَعْمَلُ فِيْهِمَا مَعًا. يُرَاجَعُ: جَمْهَرَةُ الأَمْثَالِ (1/ 231)، وَمَجْمَعُ الأَمْثَالِ (1/ 97)، وَثِمَارُ القُلُوْبِ (495). لَكِنَّهَا هُنَا عَلَى سَبِيْلِ المَدْحِ.

(1)

رِوَايَةُ الخَبَرِ في "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لابنِ النَّجَّارِ فيه بَعْضُ الاخْتِلَافِ، وَقَد أَوْرَدَهُ ابنُ النَّجَّارِ هكَذَا: أَنْبَأْنَا أَبُو القَاسِمِ الأَزَجِيُّ، عَنْ أَبِي الوَفَاءِ بنِ عَقِيْلٍ قَالَ: ثَكِلْتُ وَلَدَيْنِ نَجِيْبَيْنِ، أَحَدُهُمَا حَفِظَ القُرْآنَ

وفِي الخَبَرِ بَعْدَ البَيْتَيْن: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ.

كَذَبْتُ - وَبَيْتِ اللهِ - لَوْ كُنْتُ صَادِقًا

لَمَا سَبَقَتْنِي بِالغَرَاءِ نِسَاءُ

كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

كَذَبْتَ - وَبَيْتِ اللهِ - لَوْ كُنْتُ عَاشِقًا

لَمَا سَبَقَتْنِي بِالبُكَاءِ الحَمَائِمُ

وَذَكرَ بَعْدَهُ كَلَامًا مَحْصُوْلُهُ هُنَا.

(2)

ذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ خَبَرًا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحِ بنِ شَافِعٍ الجِيْلِيِّ، عَنْ أَبيْهِ، وَنَقَلَهُ مِنْ خَطِّ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ لِي وَالِدِي: دَخَلْتُ عَلَى أَبي الوَفَاءِ بنِ عَقِيْلٍ وَهُوَ عِنْدَ وَلَدِهِ بَعْدَ مَا مَاتَ، وَقَبْلَ الشُّرُوْعِ فِي غَسْلِهِ، وَهُوَ يُرَوِّحُهُ بِمَرْوَحَةٍ، وَلَمْ أَدْرِ عَلَى أَيِّ شَيءٍ أَحْمِلُ ذلِكَ مِنْهُ، وَمَا أَقْدَمْتُ عَلَى خِطَابِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الحَالِ، فَابْتَدَأَنِي وَقَالَ لِي: مَا هُوَ إِلَّا كَمَا وَقَعَ لَكَ، وَلكِنْ هِيَ جُثَّةٌ كَرِيْمَةٌ عَلَيَّ وَإِنْ عُدِمَ جَوْهَرُهَا، فَمَا دَامَتْ مَاثِلَةً بَيْنَ يَدَيَّ فَلَا يَطِيْبُ قَلْبِي إِلَّا بِتَعَاهُدِهَا بِمَا أَقْدَرُ عَلَيْهِ، مِن ذَبِّ الأَذَى عَنْهَا، فَإِذَا غَابَتْ عَنِّي فَهِيَ فِي اسْتِرْعَاءِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لَهَا مِنِّي. قَالَ: وَقَالَ لِي وَالِدِي كَانَ ابنُ عَقِيْلٍ يَقُوْلُ: لَوْلَا =

ص: 359

يَا بُنيَّ، أسْتَوْدِعُكَ اللهُ الَّذِي لَا تَضِيْعُ وَدَائِعُهُ، الرَّبُّ خَيْرٌ لَكَ مِنِّي

(1)

ثُمَّ مَضَى، وَصَلَّى عَلَيْهِ بِجَنَانٍ ثَابِتٍ رحمه الله.

وَمِنْ شِعْرِ عَقِيْلٍ هَذَا

(2)

:

شَاقَهُ وَالشَّوْقُ مِنْ غِيَرِهْ

طَلَلٌ عَافٍ سِوَى أَثَرِهْ

مُقْفِرٌ إِلَّا مَعَالِمُهُ

وَاكِفٌ بِالوَدْقِ مِنْ مَطَرِهْ

فَاثْنَى وَالدَّمْعُ مُنْهَمِلٌ

كَانْسِلَالِ السِّلْكِ عَنْ دُرَرِهْ

طَاوِيًا كَشْحًا عَلى نُوَبٍ

سَبَحَاتٍ لَسْنَ مِنْ وَطْرِهْ

رِحْلَةُ الأَحْبَابِ عَنْ وَطَنٍ

وَحُلُوْلُ الشَّيْبِ فِي شَعَرِهْ

شِيَمٌ للدَّهْرِ سَالِفَةٌ

مُسْتَبِيْنَاتٌ لِمُخْتَبِرِهْ

وَقَبُوْلُ الدَّلِّ

(3)

مَبْسَمُهَا

أَبْلَجُ يَفْتَرُّ عَنْ خَضِرِهْ

= أَنَّ القُلُوبَ تُوْقِنُ بِاجْتِمَاعِ ثَانٍ لَتَفَطَّرَتِ المَرَائِرُ لِفِرَاقِ المَحْبُوبَيْنَ، قَالَ: وَكَانَ يَقُوْلُ: سُبْحَانَ مَنْ يَقْتُلُ أَوْلَادَنَا وَنُحِبُّهُ".

(1)

فِي "ذَيْلِ تَارِيْخ بَغْدَادِ" لابنِ النَّجَّارِ: "أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي نَصْرٍ القَنَّاصَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ وَالِدِي يَقُوْلُ: غَسَّلْتُ [ابنَ] ابنِ عَقِيْلٍ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ غَسْلِهِ قُلْتُ لِوَالِدِهِ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُوَدِّعَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ وَهُوَ مَلْفُوْفٌ فِي أَكْفَانِهِ لَا يَبِيْنُ مِنْهُ إِلَّا وَجْهُهُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ: أَسْتَوْدِعُكَ اللهُ الَّذِي لَا تُضَيِّعُ وَدَائِعُهُ الرَّبُّ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأَبِ، ثُمَّ مَضَى".

(2)

في ذَيْلِ تَارِيخ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ: "قَرَأْتُ فِي كِتَابِ "الفُنُونِ" لأَبي الوَفَاءِ بنِ عَقِيْلٍ بِخَطِّهِ قَالَ: وَلِوَلَدِي عَقِيْلٍ - كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - فِي إِمَامِنَا المُسْتَظْهِرْ بِاللهِ أَمِير المُؤْمِنينَ. . ." وَذَكَرَ القَصِيْدَةَ وَهِي أَكْثَر مِمَّا عِنْدنَا هُنَا، عَدَدُ أَبْيَاتِهَا هُنَاكَ ثَلَاثُوْنَ بَيْتًا.

(3)

في (ط): "الدُّر".

ص: 360

هَزَّ عِطْفَيْهَا الشَّبَابُ كَمَا

مَاسَ غِصْنُ البَانِ فِي شَجَرِهْ

ذَاتُ فَرْعٍ فَوْقَ مُلْتَمِعٍ

كَدُجًى أَبْدَى سَنَا قَمَرِهْ

وَبَنَانٌ زَانَهُ تَرَفٌ

ذَادَهُ التَّسْلِيْمُ عَنْ خَفَرِهْ

خِصْرُهَا يَشْكُو رَوَادِفَهَا

كَاشْتِكَاءِ الصَّبِّ مِنْ سَهَرِهْ

نَصَبَتْ قَلْبِي لَهَا غَرَضًا

فَهْوَ مُصْمًى بِمُعْتَوَرِهْ

وَزَهَتْ تِيْهًا كَأَنَّ لَهَا

مَنْبِتًا تُزْهِي بِمُفْتَخِرِهْ

وَأَنَاخَتْ فِي فَنَا مَلِكٍ

دَنَتِ الأَخْطَارُ عَنْ خَطَرِهْ

- وَالآخَرُ: أَبُو مَنْصُورٍ هَبَةُ اللهِ،

(1)

وُلِدَ فِي ذِيْ الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَتَفَقَّهَ، وَظَهَرَ مِنْهُ أَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى عَقْلٍ غَزِيْرٍ، وَدِيْنٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ مَرِضَ وَطَالَ مَرَضُهُ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوْهُ مَالًا فِي المَرَضِ، وَبَالَغَ.

قَالَ أَبُو الوَفَاءِ: قَالَ لِي ابْنِي، لَمَّا تَقَارَبَ أَجَلُهُ: يَا سَيِّدِي قَدْ أَنْفَقْتَ وَبَالَغْتَ فِي الأَدْوِيَةِ، وَالطِّبِّ، وَالأَدْعِيَةِ، وَللهِ تَعَالَى فِيَّ اخْتِيَارٌ، فَدَعْنِي مَعَ اخْتِيَارِهِ قَالَ: فَوَاللهِ مَا أَنْطَقَ اللهُ سبحانه وتعالى وَلَدِي بهَذِهِ المَقَالَةِ الَّتِي تُشَاكِلُ قَوْلَ إِسْحَق لإِبْرَاهِيْم

(2)

{افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} إِلَّا وَقَدْ اخْتَارَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْحَظْوَةِ.

تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَلَهُ نَحْوَ

(1)

هُوَ أَيْضًا فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ أَبِيْهِ فِي "مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ" لابنِ نَصْرِ اللهِ، وَ"المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَيُرَاجَعُ:"المُنْتَظَمُ" وَ"الشَّذَرَاتُ" وَغَيْرها.

(2)

سُوْرَةُ الصَّافَّاتِ، الآية:102. وَهَذَا عَلَى أَنَ إِسْحَقَ هُوَ الذَّبِيْحُ، وَأَغْلَبُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ إِسْمَاعِيْلَ عليهما السلام.

ص: 361

أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَحَمَلَ أَبُو الوَفَاءِ رحمه الله فِي نَفْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ أَمرًا عَظِيْمًا، وَلكنَّه تَصَبَّرَ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنهُ جَزَعٌ، وَكَانَ يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ القُلُوْبَ تُوْقِنُ بِاجْتِمَاعٍ ثَانٍ لَتَفطَّرَتِ المَرَائِرُ لِفِرَاقِ المَحْبُوبَيْنِ.

وَقَالَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ - وَقَدْ دَخَلَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، وَذَكَرَ مَنْ رَأَى فِي زَمَانِه مِنَ السَّادَاتِ مِنْ مَشَايِخِهِ وَأَقْرَانِهِ، وَغَيْرِهِمْ -: قَدْ حَمِدْتُ رَبِّي إِذْ أَخْرَجَنِي وَلَمْ يَبْقَ لِي

(1)

مَرْغُوْبٌ فِيْهِ، فَكَفَانِي صُحْبَةُ التَّأَسُّفِ عَلَى مَا يَفُوْتُ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ مَعَ غَيْرِ الأَمْثَالِ عَذَابٌ، وَإِنَّمَا هَوَّنَ فِقْدَانِي للسَّادَاتِ نَظَرِي إِلَى الإِعَادَةِ بِعَيْنِ اليَقِيْنِ، وَثِقَتِي إِلَى وَعْدِ المُبْدِئُ لَهُمْ عَلَى تِلْكَ الأَشْكَالِ وَالعُلُوْمِ أَنْ يَقْنَعَ لَهُمْ مِنْ الوُجُوْدِ بِتِلْكَ الأَيَّامِ اليَسِيْرَةِ، المَشُوْبَةِ بِأَنْوَاعِ التَّنْغِيْصِ وَهُوَ المَالِكُ، وَلَا وَاللهِ، أَقْنَعُ

(2)

لَهُمْ إِلَّا بِضِيَافَةٍ تَجْمَعُهُمْ عَلَى مَائِدَةِ تَلِيْقُ بِكَرَمِهِ، نَعِيْمٌ بِلَا ثُبُوْرٍ، وَبَقَاءُ بِلَا مَوْتٍ وَاجْتِمَاعٌ بِلَا فُرْقَةٍ، وَلَذَّاتٌ

(3)

بِغَيْرِ نُغْصَةٍ.

‌68 - المُبَارَكُ بنُ عَلِيِّ

(4)

بنِ الحُسَيْنِ بنُ بُنْدَارٍ البَغْدَادِيُّ المَخَرِّمِيُّ، الفَقِيْهُ

(1)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "فَلَمْ يَبْقَ لِي. . .".

(2)

في (ط) الفقي: "لاقنع".

(3)

في (ط) الفقى: "ولدات".

(4)

68 - القَاضِي أَبُو سَعْدٍ المُخَرِّمِيُّ (446 - 513 هـ):

أخبَارُهُ فِي: طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (3/ 481)، وَمُخْتَصَرِهِ (412)، وَمَنَاقِبُ الإِمَامِ أَحْمَدَ (635)، وَمُخْتَصَرِهِ (236)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ (ورقة: 17) =

ص: 362

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 76)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنضَّدِ". وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 215)، وَالحَوَادِثُ الجَامِعَةُ (167)، وَالعِبَرُ (4/ 31)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (359)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ (19/ 428)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (8/ 54)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 305)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 185)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 40)(6/ 66). بَيْتُهُ بَيْتُ عِلْمٍ وَرِئَاسَةٍ وَأَدَبٍ، وَأَصْلُهُمْ مِنَ العَجَمِ قَدِمَ جَدُّهُ (بُنْدَارٌ) إِلَى "بَغْدَادَ" وَاسْتَوْطَنَهَا، وَسَكَن "المُخَرِّمَ" وَكَانَتْ مَحِلَّةٌ بِأعْلَى البَلَدِ فَنُسِبَ إِلَيْهَا، وَأَوَّلُ مَنِ اشْتُهِرَ مِنْ أَوْلَادِهِ - فِيْمَا أَعْلَمُ -. حَفِيْدُهُ المُتَرْجَمُ هُنَا الشَّيْخ أَبُو سَعْدٍ: وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَدِ اشْتُهِرَ مِن أَوْلَادِ الشَّيْخِ وَأَحْفَادِهِ، وَاشْتُهِرَ ابنُ حَفِيْدِهِ "المُبَارَكِ بنِ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ" وَهُوَ: يَحْيَى بنُ المُبَارَكِ بنِ عَلِيٍّ المُخَرِّمِيُّ (ت: 637) وَاشتُهِرَ لِيحيى هَذَا مِنَ الوَلَدِ: عَلِيُّ بنُ يَحْيَى بنِ المُبَارَكِ (ت: 646 هـ). وَالمُبَارَكُ بنُ يَحْيَى بنِ المُبَارَك (ت: 664 هـ). وَعَبْدُ الرحمنِ بن يَحْيَى بنَ المُبَارَكِ (ت:؟).

63 -

وهُنَاكَ عَلِيٌّ المُخَرِّمِيُ رَضِيُّ الدِّينِ ذَكرَه فِي الحَوَادِثِ: (212) وَقَالَ "وَصُرِفَ رَضِيُّ الدِّين عَلِيُّ بنُ المُخَرِّمِي مِن نِيَابَةِ ابنِ عَمِّهِ فَخْرِ الدِّين أَبِي سَعْدٍ المُبَارَكِ. . .".

- وَاشْتُهِرَ لِيَحْيَى بنِ المُبَارَكِ مِنَ الوَلَدِ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى كَمَالُ الدِّيْنِ. وَحَفِيْدُ هَذَا الأَخِيْرِ يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ.

(تَنْبِيْهٌ): جَعَلَ ابنُ الفُوَطِيِّ في مَجْمَعِ الآدَابِ (1/ 366)، يَحْيَى بنَ المُبَارَك (ت: 637 هـ) ابنٌ للشَّيْخِ المُتَرْجَمِ قَالَ: "وَشَهِدَ أَبُوْهُ عِنْدَ قَاضِي القُضَاة أَبي الحَسَنِ بنِ الدَّامغَانِي" وَهَذَا غَيرُ صَحِيْحٍ؛ فَإنَّهُ ابنُ حَفِيْدِهِ بدَلِيْلِ بُعْدِ مَا بَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا، وَلَمَّا رَفَعَ مُؤَلِّفُ الحَوَادِثِ (366) نَسَبَ ابنِ الحَفِيْدِ قَالَ: يَحيى بنُ المُبَارَكِ بنِ عَليِّ بنِ المُبَارَكِ بنِ عَلِي بنِ الحُسَيْنِ بنِ بُنْدَارِ

فجَعَلَهُ ابنَ حَفِيْدِهِ كَمَا قُلْنَا. وَنَتَحَدَّثُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ في مَوْضِعِهِ مِنَ الاسْتِدرَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

- ونُسِبَ إلَى الشَّيخ المُتَرْجَمِ: عبدُ اللَّطِيْفِ بنُ المُعَمَّرِ بنِ عَسْكَرِ بنِ القَاسِمِ المُخَرِّمِيُّ،

ص: 363

القَاضِي، أَبُو سَعْدٍ قَاضِي "بَابِ الأَزَجِ".

وُلِدَ فِي رَجَبَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي، وَأَبِي جَعْفَرِ بنِ المُسِلَمَةِ، وَجَابِرِ بنِ يَاسِيْنَ، وَالصِّرِيْفِيْنِيِّ، وَابْنِ المَأْمُوْنِ، وَابْنِ النَّقُوْرِ. وَسَمِعَ مِنَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى شَيْئًا مِنَ الفِقْهِ، ثُمَّ تَفَقَّهَ عَلَى صَاحِبِهِ الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ، ثُمَّ القَاضِي يَعْقُوْبَ البَرْزَبِيْنِيِّ. وَأَفْتَى، وَدَرَّسَ، وَنَاظَرَ، وَجَمَعَ كُتُبًا كَثِيْرَةً لَمْ يُسْبَقْ إِلَى جَمْعِ مِثْلِهَا، وَشَهِدَ عِنْدَ أَبِي الحَسَنِ الدَّامَغَانِيِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ، ثُمَّ

= المُؤدِّبُ الأَزْجِيُّ، أَبُو القَاسِمُ (ت: 621 هـ) قَالَ الحَافِظُ المُنْذِريُّ في التَّكْمِلَةِ: كَانَ جَدُّهُ عَسْكَرٌ صَاحِبًا للقَاضِي أَبي سَعْدٍ المُبَارَكِ المُخَرَّمِيِّ فَنُسِبَ إِلَيْهِ." حَدَّثَ عَنْهُ الأَبَرْقُوْهِيُّ كَمَا في مُعْجَمِهِ وَرَقَة (83) ويَظْهَرُ أَنَّهُ حَنْبَلِيٌّ بدَلِيْلِ صِلَةُ جَدِّهِ بِالشَّيْخِ، وَنِسْبتُهُ الأَزَجِيُّ، وَهِيَ مَحِلَّةٌ للحَنَابِلَةِ بـ "بَغْدَادَ"، وَدَفْنُهُ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرَبٍ" وَهِي مِنْ مَقَابِرِهِمْ، وَاللهُ تَعَالَى أعْلَمُ.

64 -

وَجَدُّهُ عَسْكَرُ بنُ القَاسِمِ المُخَرِّمِيُّ: مِنْ أَهْلِ "بَابِ الأَزَجِ"، ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ فِي "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" (2/ 259) وَقَالَ: "وَكَانَ صَاحِبًا لِلْقَاضِي أَبِي سَعْدٍ المُبَارَكِ بنِ عَلِيٍّ المُخَرِّمِيِّ وَوَكِيْلًا بَيْنَ يَدَيْهِ

وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّطِيْفِ

أَنْبَأَنَا أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ - وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ - قَالَ: أَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ الحَافِظُ، وَقَالَ: أَنْشَدَنِي عَسْكَرٌ صَاحِبُ القَاضِي أَبِي سَعْدٍ المُخَرِّمِيِّ الفَقِيْهِ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُهُ

إِذَا حَصَّلَ كِتَابًا أَنْشَدَ:

كَمْ مِنْ كِتَابٍ تَعِبْتُ فِي طَلَبِهْ

وَكُنْتُ مِنْ أَفْرَحِ الخَلَائِق بِهْ

حَتَّى إِذَا مِتُّ وَانْقَضَى عُمُرِي

صَارَ لِغَيْرِي وَعُدَّ مِنْ كُتُبِهْ

ص: 364

نَابَ فِي القَضَاءِ

(1)

، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، جَمِيْلَ الطَّرِيْقَةِ، سَدِيْدَ الأَقْضِيَةِ، وَبَنَى مَدْرَسَةً بِـ "بَابِ الأَزَجِ" ثُمَّ عُزِلَ عَنِ القَضَاءِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَوُكِّلَ بِهِ فِي الدِّيْوَانِ عَلَى حِسَابِ وُقُوْفِ التُّرَبِ، فَأَدَّى مَالًا.

ثُمَّ تُوُفِّيَ فِي ثَانِي عَشَرَ المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ أَبِي بَكْرٍ الخَلَّالِ

(2)

عِنْدَ رِجْلَي الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه. ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ أَبُو الفَرَجِ فِي "تَارِيْخِهِ". وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الجُمْعَةِ ثَانِي عَشَرَ المُحَرَّمِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الجُمُعَةِ. قَبْلَ الصَّلَاةِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ. قَالَ: وَكَانَ مَلِيْحَ المُنَاظَرَةِ، سِيْرَتُهُ جَمِيْلَةٌ، وَعِشْرَتُهُ مَلِيْحَةٌ، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ امْتِزَاجٌ، وَاجْتَمَعْنَا

(1)

في كِتَابِ "الحَوَادِثِ" سَنَةَ (488 هـ) قَالَ: "وَكَانَ نَزِهًا فِي وِلَايَتِهِ" وفِي المُنْتَظَمِ "وَنَابَ في القَضَاءِ عَنِ السِّيْبِيِّ وَالهَرَوِيِّ." وَفِي تَارِيْخِ الإِسْلَامِ للحَافِظِ الذَّهْبِيِّ في تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ الهَرَوِيِّ (ت: 529 هـ) قَالَ: "وَخُوْطِبَ بـ "أَقْضَى القُضَاةِ" وَ"زَيْنِ الإِسْلَامِ" وَاسْتَنَابَ في القَضَاءِ أَبَا سَعْدٍ المُبَارَكَ بنَ عَلِيٍّ المُخَرِّمِيَّ الحَنْبَلِيَّ بـ "بَابِ المَرَاتِبِ" وَ"بَاب الأَزَجِ". . . ." وَالهَرَوِيُّ المَذْكُوْرُ كَانَ قَاضِيًا في العِرَاقِ، ثُم وَلِيَ قَضَاءَ "الشَّامِ"، فَأَقَامَ بهَا مُدَّةٍ، ثُمَّ عَادَ إِلى العِرَاقِ، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:"وَكَانَ بِفَرْدِ عَيْنٍ". أَقُولُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: لَمْ يَذْكُرْهُ الصَّفَدِيُّ فِي كِتَابِهِ "الشُّعُوْرِ بِالعُوْرِ" وَلَمْ يَسْتَدْرِكْهُ مُحَقِّقُهُ مَعَ شُهْرَتِهِ؟! وَيُرَاجَعُ: قُضَاةُ دِمَشْقَ (44) وَفِيْه: قُتِلَ هُوَ وَوَلَدُهُ.

(2)

في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ": "وَدُفِنَ بِجَنْبِ المَرُّوْذِيِّ في مَدْرَسَتِهِ بِـ "بَابِ الأَزَج" وَلَا شَكَّ أنَّ فِي هَذَا الكَلَامِ اخْتِلَالًا، فَالمَرَّوْذِيُّ دُفِنَ عِند رِجْلِ الإِمَامِ أَحْمَدَ في مَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ"؟! كَذَا فِي تَرْجَمَتِهِ فِي طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لِلقَاضِي أَبِي الحُسَيْن وَغَيْرِهِ.

ص: 365

فِي مَجْلِسِ الشَّرِيْفِ لِلدَّرْسِ. غَفَرَ اللهُ لَهُ

(1)

. وَفِي "تَارِيْخِ القُضَاةِ" للْمَنْدَائِيِّ

(2)

: أَنَّهُ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الأَحَدَ رَابِعَ عَشَرَ مُحَرَّمٍ. وَهُوَ وَهمٌ.

وَ"المُخَرِّمِيُّ" - بِكَسْرِ الرَّاءِ - مَنْسُوبٌ إِلَى "المُخَرَّمِ": مَحِلَّةٌ بِـ "بَغْدَادَ" شَرْقِيِّهَا. نَزَلَهَا بَعْضُ وَلَدِ يَزِيْدِ بنِ المُخَرِّمِ، فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ، ذَكَرَهُ المُنْذِرِيُّ

(3)

.

وَالمَدْرَسَةُ المَذْكُورَةُ الَّتِي بَنَاهَا هِيَ المَنْسُوْبَةُ الآنَ إِلَى تِلْمِيْذِهِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيِّ

(4)

؛ لأَنَّهُ وَسَّعَهَا وَسَكَنَ بِهَا

(5)

فَعُرِفَتْ بِهِ.

وَلِلْمُخَرِّمِيِّ ذُرِيَّةٌ فِيْهِمْ شُيُوْخُ تَصَوُّفٍ، وَرُؤَسَاءُ ذَوُو وِلَايَاتٍ، وَرُوَاةُ حَدِيْثٍ

(6)

.

وَلأَبِي سَعْدٍ المَخَرَّمِّيِّ مَعَ ابنِ عَقِيْلٍ مُنَاظَرَةٌ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الوَقْفِ إِذَا خَرِبَ وَتَعَطَّلَ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَضْمُونَ المُنَاظَرَةِ مُلَخَّصًا

(7)

:

قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: أَنَا أُخَالِفُ صَاحِبِي فِي هَذِهِ؛ لِدَلِيْلٍ عَرَضَ لِي، وَهُوَ أَنَّ البَاقِيَ بَعْدَ التَّعَطُّلِ وَالدُّرُوْسِ صَالِحٌ لِوُقُوعِ البَيْعِ وَابْتِدَاءِ الوَقْفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُ وَقْفُ هَذِهِ الأَرْضِ العَاطِلَةِ ابْتِدَاءً، فَالدَّوَامُ أَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ وَالعِدَّةَ يَمْنعَانِ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، وَلَا يَمْنَعَانِ دَوَامَهُ؟

(1)

ذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ كَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوظِ، مَلِيْحَ العِشْرَةِ.

(2)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ وَأَغْلَبُ الأُصُوْلِ: "المَيْدَانِي" وسَبَقَ التَّنْبِيْهُ عَلى مِثْلِ ذلِكَ.

(3)

التَّكْمِلَةُ لِوَفَيَاتِ النَّقَلَةِ (3/ 133). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (5/ 85).

(4)

هِيَ الَّتِي تُعْرَفُ الآنَ في وَسَطِ بَغْدَادَ بجَامِعِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ.

(5)

في (ب): "فيها".

(6)

ذَكَرْتُ مَنْ عَرَفْتُ مِنْهُمُ فِي صَدْرِ التَّرْجَمَةِ.

(7)

أَلَّفَ فِيْهَا ابنُ عَقِيْلٍ "رِسَالَةً" كَمَا سَبَقَ فِي تَرْجَمَتِهِ.

ص: 366

اعْتَرَضَ عَلَيْهِ المُخَرَّمِيُّ، فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا أُسَلِّمَ مَا عَوَّلْتَ عَلَيْهِ فِي صِحَّةِ إِنْشَاءِ وَقْفِهَا، بَلْ لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا يَجِبُ نَقْلُهُ؟

قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: هَذَا لَا يَجُوْزُ أَنْ يُقَالَ جُمَلَةً، فَإِنَّكَ تَقُوْلُ: تُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثمَنُهَا فِي وَقْفٍ آخَرَ، فَهَذِهِ المَالِيَّةُ الَّتِي قَبِلَتِ البَيْعِ، وَهُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُسْتَأْنَفٌ كَيْفَ لَا يَصْلُحُ لِبَقَاءِ دَوَامِ عَقْدٍ قَدِ انْعَقَدَ بِشُرُوْطِهِ؟! وَأَكْثَرُ مَا يُقَدَّرُ أَنَّ المَسْجِدَ بَقِيَ فِي بَرِّيَّةٍ، فَيَصْلُحُ لِصَلَاةِ المَارَّةِ وَالقَوَافِلِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجَرَ البُقْعَةَ أَهْلُ قَافِلَةٍ لإِيْقَافِ دَوَابِّهِمْ، وَطَرْحِ رِحَالِهِمْ، وَهَذَا القَدْرُ مِنْ بَقَاءِ مَالِيَّةِ الأَصْلِ وَالمَنَافِعِ، وَقُبُوْلَهَا لِلْعُقُوْدِ المُسْتَجِدَّةِ، لَا يَجُوْزُ مَعَهُ قَطْعُ دَوَامِ الوَقْفِ.

قُلْتُ: هَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ؛ لِمَا قَالَهُ المُخَرِّمِيِّ مِنْ مَنْعِ صِحَّةِ إِنْشَاءَ وَقْفِهَا، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُفِيْدُ هَذَا: أَنَّ وَقْفِيَّتَهَا لَمْ تَزُلْ بِالخَرَابِ، وَالمُخَرِّمِيُّ مُوَافِقٌ عَلَى ذلِكَ، وَلكنَّهُ يَقُوْلُ: إِنَّهُ يَجُوْزُ أَوْ يَجِبُ بَيْعُهَا وَصَرْفُ ثَمَنِهَا إِلَى مِثْلِهَا، وَهَذَا شَيءٌ آخَرُ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ ابنُ عَقِيْلٍ عَلَى صِحَّةِ إِنْشَاءِ وَقْفِهَا.

فَإِنْ قَالَ:

(1)

فَإِذَ صَحَّ إِنْشَاءُ عَقْدِ البَيْعِ عَلَيْهَا صَحَّ إِنْشَاءُ الوَقْفِ.

قُلْنَا: هَذَا مَمْنُوعٌ، فَكَمْ مِنْ عَيْنٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا، فَإِنَّ الوَقْفَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِي عَيْنٍ يَدُوْمُ نَفْعُهَا مَعَ بَقَائِهَا، وَلَوْ جَازَ وَقْفُ مَا يَجِبُ بَيْعُهُ وَنَقْلُهُ لَجَازَ

(2)

وَقْفُ المَطْعُوْمَاتِ وَنَحْوِهَا، وَتُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا فِي

(1)

في (أ) و (ب): "وإن .. ".

(2)

في (ط) الفقى: "لَجَازَ بَيع وقف .. " وهي كَذلِك فِي (أ) ثُمَّ ضرب عليها وصحَّحَهَا في الهامش.

ص: 367

غَيْرِهَا، ثُمَّ يُقَالُ: إِذَا وَقَفَهَا

(1)

ابْتِدَاءً وَهِيَ مُتَعَطِّلَةٌ، فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الانْتِفَاعُ بِهَا فِيْمَا وُقِفَتْ لَهُ كَوَقْفِ أَرْضٍ سَبَاخٍ مَسْجِدًا صَحَّ وَقْفُهَا.

فَإِنْ قِيلَ: مَعَ هَذَا يُقَرُّ لِحَالِهِ

(2)

وَلَا يُبَاعُ؛ فَلأَنَّهُ لَمْ يُفْقَدْ مِنْهُ شيءٌ مِنْ مَنَافِعِهِ المَوْقُوْفَةِ. بِخِلَافِ المَسْجِدِ العَامِرِ إِذَا خَرِبَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِن الانْتِفَاعُ بِهَا فِيْمَا وَقَفتْ لَهُ، كَفَرَسٍ زَمِنٍ حُبِسَ لِلجِهَادِ، فَهَذَا كَيْفَ يَصِحُّ وَقْفُهُ وَالمَقْصُودُ مِنْهُ مَفْقُوْدٌ؟ فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ إِجَارَةِ

(3)

أَرْضِ سَبِخَةٍ للزَّرْعِ، وَبَعِيْرٍ زَمَنٍ لِلرُّكُوْبِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ إِنْشَاءِ وَقْفِهَا، وَأَنَّهَا تُبَاعُ، وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا، فِيْمَا يُنْتَفَعُ بِهِ، كَمَا هُو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةِ السُّرُجِ الفِضِّيَّةِ، وَأَفْتَى بِمِثْلِهِ جَمَاعَةٌ فِي وَقْفِ السُّتُوْرِ عَلَى المَسْجِدِ، فَهَذَا حُجَّةٌ لَنَا، لأَنَّ صِحَّةَ الوَقْفِ لَمَّا لَمْ تُنَافِ جَوَازَ البَيْعِ وَالإِبْدَالِ، بَلْ وُجْوْبَهَا فِي الابْتِدَاءِ، فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ فِي الدَّوَامِ.

وَقَوْلُهُ: وَهَذَا القَدْرُ مِنْ بَقَاءِ المَالِيَّةِ لَا يَجُوْزُ مَعَهُ قَطْعُ دَوَامِ الوَقْفِ، دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ.

قَالَ المُخَرِّمِيُّ: فَمَا طُلِبَ بِالنَّقْلِ وَالبَيْعِ إِلَّا دَوَامُ النَّفْعِ، فَإِنَّ نَقْلَ الوَقْفِ إِلَى مَكَانٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَبْقَى للْنَّفْعِ.

قَالَ ابنُ عَقِيْلٍ: إِلَّا أَنَّكَ لَمَّا أَسْقَطْتَ حُكْمَ العَيْنِ وَالتَّعِيْينِ، وَذلِكَ إِسْقَاطٌ،

(1)

في هامش (أ): "وقف" قِرَاءَةُ نُسْخَةٍ أُخْرَى.

(2)

في (أ) و (ب): "بحاله".

(3)

في (ط) الفقى: "إجازة".

ص: 368

كُمَرَاعَاةِ تَعْيِيْنِ الوَاقِفِ، وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمُرَاعَاةِ بَقَايَا المَحَلِّ أَحْمَدُ، حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا حَلَفَ: لَا دَخَلْتُ هَذَا الحَمَّامِ فَصَارَ

(1)

مَسْجِدًا وَدَخَلَهُ، أَوْ لَا أَكَلْتُ لَحْمَ هَذَا الجَدْيَ فَصَارَ تَيْسًا، أَوْ هَذَا التَّمْرَ فَاستَحَالَ نَاطِفًا

(2)

، أَوْ خَلًّا حَنَثَ بِأَكْلِهِ، فَهَذَا فِي بَابِ الأَيْمَانِ. وَفِي بَابِ المَالِيَّةِ وَالمِلْكِ: تَزُوْلُ المَالِيَّةُ بِمَوْتِ الشَّاةِ، وَشِدَّةِ العَصِيْرِ، وَيَبْقَى تَخْصِيْصُهُ بِهِ بَدْءًا، بِحَيْثُ يَكُوْنُ أَحَقَّ بِالجِلْدِ دَبْغًا وَاسْتِصْلَاحًا، وَبِالخَمْرِ تَخْلِيْلًا فِي رِوَايَةِ، وَكَذلِكَ الجَلَّالَةُ وَالمَاءُ النَّجِسُ.

قُلْتُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ يُرَاعِي المَعَانِي فِي مَسَائِلِ الأَيْمَانِ، وَمَسْأَلَةِ الوَقْفِ؛ فَإِنَّ الوَاقِفَ إِنَّمَا قَصَدَ بِوَقْفِهِ دَوَامَ الانْتِفَاعَ بِمَا وَقَفَهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ حُصُوْلُ ذلِكَ النَّفْعِ مِنْ تِلْكَ العَيْنِ أَبْدَلْنَاهَا بِغيْرِهَا مِمَّا يَحْصُلُ مِنْهُ ذلِكَ النَّفْعُ، مُرَاعَاةً بِحُصُوْلِ

(3)

النَّفْعِ المَوْقُوْفِ وَدَوَامِهِ بِهِ، وَهُوَ المَقْصُوْدُ الأَعْظَمِ لِلْوَاقِفِ،

(1)

في (أ) و (ب): "وَصار".

(2)

النَّاطِفُ: الخَمْرُ.

(3)

في (ط) بطبعتيه: "لِحُصُولِ".

ويُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤلِّف رحمه الله في وَفَيَاتِ سَنَةِ (513 هـ):

65 -

كَتَائِبُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ بنِ الخَضِرِ السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الجَابِيُّ، أَبُو البَرَكَاتِ بنِ المُقَصْقِصِ الحَنْبَلِيُّ. كَذَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ (356) وَذَكَرَهُ ابنُ عَسَاكِرٍ فِي تَارِيْخِ دِمَشْقَ (50/ 17) وَلَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ

؟! وَيُرَاجَعُ مُخْتَصَرُهُ لابنِ مَنْظُوْرٍ (21/ 135) وَذَكَرُوا مَوْلِدَهُ سَنَةَ أَرْبَع وَأَرْبَعِيْنَ وَأَربَعِمَائَة، وَشَيْئًا مِن أَخْبَارِهِ. =

ص: 369

دُوْنَ خُصُوْصِيَّةِ تِلْكَ العَيْنِ المُعَيَّنَةِ. وَكَذلِكَ الحَالِفُ قَصَدَ الامْتِنَاعَ مِنْ تِلْكَ العَيْنِ المَحْلُوْفِ عَلَيْهَا دُخُوْلًا وَأَكْلًا. وَهَذَا القَصْدُ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَبَدُّلِ

= وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (514 هـ) أحَدًا، وَفِيْهَا:

66 -

أَحْمَدُ بنُ الخَطَّابِ بنِ حَسَنِ، أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيُّ الحَنْبَلِيُّ، ويُعْرَفُ بـ "ابن صُوْفَانَ" الغَسَّالُ، قَرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي عَلِيِّ بن البَنَّاءِ، وَسَمِعَ من ابنِ المَأْمُونِ، وَالصَّرِيْفِيْنِيِّ، وَنَقَلَ عَنِ ابنِ النَّجَّار، وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 219) وَقَالَ: "وَكَانَ صَالِحًا، مَسْتُورًا يُقْرِئُ القُرْآن وَيؤمَّ النَّاسَ .. ".

67 -

وَعبدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَجَا بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ شَاتِيْلِ الدَّبَّاسُ الأَزَجِيُّ. ذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ في المُنْتَظَمِ (9/ 220)، وَالحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخِ الإِسْلامِ (370) وَقَالَ:"أَخُو عَبْدِ الله، وَعَمُّ عُبَيْدِ الله، وَوَالِدُ قَاضِي المَدَائِنِ حَمْدٌ".

أَقُوْلُ - وَعلَى الله أَعْتَمِدُ -: ابنُهُ قَاضِي المَدَائِنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ بن عبد الرَّحمن (ت: 548 هـ) ذَكَرَه المُؤلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَد يَكُوْن (أَحْمَدُ) تَحْرِيْفَ (حَمْدٍ) نُحَقِّقُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

68 -

وَمَكِّيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُظْفَّرِ، أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيُّ المُقْرِئُ الحَنْبَلِيُّ، كَذَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ (378)، وَيُرَاجَعُ: غَايَةُ النِّهَايَةِ (2/ 308).

69 -

وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ نَصْرٍ بنِ السَّريِّ، أَبُو مُحَمَّدٍ المَعرُوفُ بِـ "الزَّاغُوْنِيِّ" وَالِدُ العَلَّامَةِ أَبي الحَسَنِ عَلِيٍّ الإِمَامِ المَشْهُوْرِ (ت: 527 هـ) ذَكَرَه المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَخِيهِ أَبي بَكرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله (ت: 551 هـ) سَيأتي في اسْتِدْرَاكِنَا إنْ شَاءَ اللهُ.

ذَكَرَ عُبَيْدَ الله هَذَا ابنُ النَّجَّارِ في ذَيْلِ تَاريخ بَغْدَادَ (2/ 152) عَنْ "تَارِيْخِ" ابْنِهِ أَبي الحَسَنِ بِخَطِّهِ. وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظم (9/ 220)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (372).

70 -

وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَالِدُ ابنِ الجَوْزِيِّ. ذَكَرَهُ ابنُ خِلِّكَانَ فِي "وَفَيَاتِ الأَعْيَانِ".

ص: 370

صِفَاتِ تِلْكَ العَيْنِ، فَإِنَّ ذَاتَهَا بَاقِيَةٌ. وَهَذَا أَفْقَهُ وَأَحْسَنُ مِمَّا اخْتَارَهُ ابنُ عَقِيْلٍ مِنْ تَعْلِيْقِ الحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ الاسْمِ، فَرَاعَى العيْنَ فِي صُوْرَةِ الوَقْفِ وَلَمْ يُجِزْ إِبْدَالَهَا، وَإِنْ فَاتَ المَقْصُوْدُ مِنْهَا؛ لِتَعَلُّقِ الوَقْفِ بِهَا، وَرَاعَى الاسْمَ المُعَلَّقَ بِهِ اليَمِيْنِ، فَمَنَعَ الحِنْثَ بِتَبَدُّلِهِ مَعَ بَقَاءِ العَيْنِ، وَوُجُوْدِ المَعْنَى الَّذِي قَصَدَ اجْتِنَابَهُ بِاليَمِيْنِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ المَيْتَةِ وَالخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَهِمَا فَهُنَاكَ عَيْنٌ بَاقِيَةٌ عَلَى اخْتِصَاصِ صَاحِبِهَا وَتَحْتَ يَدِهِ الحُكْمِيَّةِ لِمَا بَقِيَ فِيْهَا مِنَ المَنَافِعِ، فَلِذلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا، كَذلِكَ هُنَا العَيْنُ بَاقِيَةٌ عَلَى الوَقْفِيَّةِ، لكِنْ نَحْنُ نَقُوْلُ: يَجُوْزُ إِبْدَالُهَا، وَالمُخَالِفُ لَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً عَلَى مَنْعِ ذلِكَ. قَالَ المُخَرِّمِيُّ: لَا يَجُوْزُ أَخْذُ حُكْمِ الدَّوَامِ مِنَ الابْتِدَاءِ، كَمَا لَمْ يَجُزْ فِي بَابِ تَمَلُّكِ القَرِيْبِ ذِي الرَّحْمِ المُحَرِّمِ، وَكَمَا لَمْ يَجُزْ فِي بَابِ تَمَلُّكِ الكَافِرِ العَبْدَ المُسْلِمَ بِالإِرْثِ. فَإِنَّهُ لَا يَدُوْمُ المِلْكُ عَلَى الأَبِ وَلَا عَلَى المُسْلِمِ، وَيَصِحُّ ابْتِدَاءُ المِلْكِ فِيْهِمَا، وَالأُضْحِيَةُ المُعَيَّنَةُ يَجُوْزُ نَقْلُهَا إِلَى مَا هُوَ أَسْمَنُ مِنْهَا، فَيَقْطَعُ الدَّوَامُ بِالإِبْدَالِ.

قالَ ابنُ عَقِيْلٍ: أَمَّا مَسْأَلَةُ تَمَلُّكِ ذِي الرَّحْمِ المُحَرَّمِ فَذكَ ضِدُّ مَا نَحْنُ فِيْهِ؛ لأَنَّ ذلِكَ التَّمَلُّكَ جُعِلَ وَسِيْلَةَ الوَسَائِلِ إِلَى الأَغْرَاضِ المَقْصُودَةِ، يُعْفَى فِيْهَا عَنْ خَلَلٍ يَدْخُلُ، وَضَرَرٍ يَحْصُلُ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ بِاليَدِ، وَإِزَالَةِ المُحْرِمِ الطِّيْبَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَالتَّمَلُّكُ لِلأَبِ سَبَبٌ لِلْمُجَازَةِ وَالمُكَافَأَةِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الشَّرْعُ، وَهِيَ عِتْقُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذلَكَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَصَارَ التَّمَلُّكُ ضَرُوْرَةً لِحُرِّيَّتِهِ، إِذْ لَوْ مَلَكَهُ وَدَامَ مُلْكُهُ صَارَ مُكَافَأَةَ الشَّيءِ بِضِدِّهِ؛

ص: 371

لِمَا فِيْهِ مِنْ إِذْلَالِهِ لأَبِيْهِ، وَالمَطْلُوْبُ مُكَافَأَتُهُ بِالإِعْتَاقِ وَالإِطْلَاقِ، وَاغْتُفِرَ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ لَحْظَةً؛ لِمَا يَعْقُبُهُ مِنَ العِزِّ الدَّائِمِ، فَهَذِهِ عِلَّةُ انْقِطَاعِ الدَّوَامِ هُنَاكَ، وَهُوَ ضِدُّ مَا نَحْنُ فِيْهِ، فَإِن المَوْقُوْفَ مَوْضُوعٌ لِدَوَامِ الانْتِفَاعِ، وَلِهذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي مَحَلٍّ يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ. وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ فَمَنِ الَّذِي أَخْبَرَكَ أَنِّي أَنْصُرُ مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيْفَةَ، حَتَّى يَلْزَمُنِي إِبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، عَلَى أَنَّهَا انْقَطَعَتْ لِجَوَازِ المُشَارَكَةِ بِالثُّلُثِ أَكْلًا لِلْمُضَحِّي، وَإِهْدَاءً لِثُلُثِهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَهَهُنَا إِبْدَالُ قَلِيْلَةِ الانْتِفَاعِ بِأَنْفَعَ مِنْهَا لَا يَجُوْزُ، فَالأَمْرَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

قُلْتُ: كَانَ المُخَرِّمِيُّ رَجَعَ مَعَهُ عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّلِ إِلَى أَنَّ الوَقْفَ المُعَطَّلَ وَإِنْ صَحَّ ابْتِدَاؤُهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةَ دَوَامِهِ، كَشِرَاءِ ذِيْ الرَّحِمِ. فَاسْتَطَالَ ابنُ عَقِيْلٍ عَلَيْهِ، وَقَالَ: المَقْصُوْدُ مِنْ شِرَاءِ ذِي الرَّحِمِ قَطْعُ الدَّوَامِ، بِخِلَافِ الوَقْفِ، وَلكِنْ لَا حَاجَةَ إِلَى مَا ذَكَرَهُ المُخَرِّمِيُّ هُنَا؛ فَإِنَّ التَّحْقِيْقَ فِي ذلِكَ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ العَيْنَ المُعَطَّلَةَ إِنْ كَانَ يُمْكِنُ الانْتِفَاعَ بِهَا عَلى وَجْهٍ مَا صَحَّ وقْفُهَا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا، لكِنْ فِي الدَّوَامِ تُبْدَلُ، وَإِنْ لَمْ تُبْدَلْ فِي الابْتِدَاءِ؛ لِمَا سَبَقَ مِن الفَرْقِ، وَفِي المَوْضِعَيْنِ الوَقْفُ صَحِيْحٌ، لكِنَّ جَوَازَ الإِبْدَالِ أَوْ وُجُوْبَهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى صِحَّةِ الوَقْفِ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابنِ عَقِيْلٍ دَلِيْلًا عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ العَيْنُ مَسْلُوْبَةَ النَّفْعِ بِالكُلِّيَّةِ فَهَذِهِ لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا ابْتِدَاءً وَلَا دَوَامًا، بَلْ تَخْرُجُ بِذلِكَ عَنِ الوَقْفِيَّةِ، وَإِنْ سُلِّمَ صِحَّةُ بَقَائِهَا عَلَى الوَقْفِيَّةِ فِي الدَّوَامِ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الأَصْحَابِ - فَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي

ص: 372

الدَّوَامِ مَا لَا يَفْتَقِرُ فِي الابْتِدَاءِ. وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ وَتَفْرِيْقُهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الوَقْفِ بِالمُشَارَكَةِ فِيْهَا دُوْنَ الوَقْفِ: فَالَوَقْفُ أَيْضًا قَد يَدْخُلُهُ المُشَارَكَةُ، بِأَنْ يَقِفَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ يَقِفَ مَسْجِدًا وَيُصَلِّي فِيْهِ مَعَ النَّاسِ، وَنَحْوِ ذلِكَ. وَأَمَّا تَفْرِيْقُهُ بِجَوَازِ الإِبدَالِ فِي الأُضْحِيَةِ بِأَنْفَعَ مِنْهَا دُوْنَ الوَقْفِ، فَيُقَالُ: وَالوَقْفُ فِيْهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ بِجَوَازِ الإبْدَالِ كَالأُضْحِيَةِ، فَلِمَنْ نَصَرَ هَذَا القَوْلَ أَنْ يَنْتَصِرَ لِهَذِهِ، فَلَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

‌69 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَد

(1)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَد بنِ الغَازِيْ البَدْلِيْسِيُّ، أَبُو الحَسَنِ،

أَحَدُ الفُقَهَاءِ الأَعْيَانِ. اشْتَغَلَ قَدِيْمًا عَلَى أَبِي الحَسَنِ الآمِدِيِّ

(2)

بـ "آمِدَ"، وَلَازَمَهُ وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ، وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ.

وَقَدْ ذَكَرَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ فِي تَرْجَمَةِ شَيْخِهِ أَبِي الحَسَنِ

(3)

، وأَشْغَلَ

(4)

النَّاسَ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ، وأَظُنُّهُ قَدِيْمَ الوَفَاةِ.

(1)

69 - ابنُ الغَازِي البَدْلَيْسِيُّ (؟ -؟):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 18)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 345)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 29)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 223).

و"البَدْلِيْسيُّ""مَنْسُوْبٌ إِلَى "بَدْلِيْسَ" بِالْفَتْحِ، ثُمَّ السُّكُوْنِ، وَكَسْرِ اللَّامِ، وَيَاءٌ سَاكِنَةٌ، وَسِيْنٌ مُهْمَلَةٌ" كَذَا قَالَ يَاقُوْت فِي مُعْجمِ البُلْدَانِ (1/ 427). وَلَمْ تَرِدْ هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي كُتُبِ الأَنْسَابِ؟!.

(2)

تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ رقم (5) وَذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ "السُّنَّةَ" لِلْخَلَّالِ.

(3)

الطبقات (3/ 433) قَالَ: "وَكَانَ لَهُ أَصْحَابٌ بِهَا، بَرَعَ مِنْهُمْ أَبُو الحَسَنِ بنُ الغَازِي .. ".

(4)

في (ط) بطبعتيه: "وَشَغَلَ".

ص: 373

قَرَأْتُ بِخَطِّ شَيْخِ الإسْلَامِ أَبِي العَبَّاسِ بنِ تَيْمِيَّةَ قَالَ: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا يَحْيَى بنِ الصَّيْرَفِيِّ الحَرَّانِيِّ

(1)

قَالَ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَلَامَةَ الحَرَّانِيُّ

(2)

فِيْمَا عَلَّقَهُ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ بنِ الغَازِيْ، فَقَالَ: وَإِذَا وَقَعَ الإنَاءُ الَّذِي أَصَابَهُ الوُلُوْغ فِي مَاءٍ كَثيْرٍ، فَهُوَ غَسْلَةٌ واحِدَةٌ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، سَوَاءً أَكَانَ وَاقِفًا أَوْ

(3)

جَارِيًا، وَلَا يُعْتَبَرُ لِكُلِّ غَسْلَةٍ جَرْيَةٌ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ وُقُوْعُهُ فِي المَاءِ الوَاقِفِ يُحْتَسَبُ بِهِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي المَاءِ الجَارِي يُحْتَسَبُ بِكُلِّ جَرْيَةٍ غَسْلَةٌ، وَكِلا الوَجْهَيْنِ مُحْتَمَلَانِ، قَالَ: وَذَكَرَ إِذَا مَاتَ فِي المَاءِ مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَنْجَسُ مَا مَاتَ فِيْهِ مِنَ المَاءِ اليَسِيْرِ وَالكَثِيْرِ وَالمَائِعِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ المَذْهَبِ. قَالَ: وَفِيْهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْجَسُ مَا مَاتَ فِيْه، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.

‌70 - الحُسَيْنُ

(4)

بنُ مُحمَّدٍ العُكْبُريُّ،

(5)

، أَبُو المَوَاهِبِ،

أَحَدُ الفُقَهَاءِ الأَكَابِرِ،

(1)

يَحْيَى بنُ مَنْصُورٍ (ت: 678 هـ) ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

(2)

في (أ): "أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ" وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهِ فِيْهِمَا؟! وَهُوَ حَنْبَلِيٌّ مُسْتَدْرَكٌ عَلَى المُؤَلِّفِ.

(3)

الأَفْضَلُ أَنْ يَقُوْلَ: "أَمْ جَارِيًا" وَتُسَمَّى هَذِهِ "أَم" المُعَادِلَة؛ لأَنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَة قَالَ تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136)} ، {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} .

(4)

في (ط) بطبعتيه: "الحَسَنُ".

(5)

70 - أَبُو المَوَاهِبِ العُكْبَرِيُّ (؟ -؟):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 18)، =

ص: 374

وَلَهُ تَصَانِيْفٌ فِي المَذْهَبِ أَظُنُّهُ مِنْ أَصْحَابِ القَاضِي - أَوْ أَصْحَابِهِ القُدَمَاءِ - وَوَقَفْتُ لَهُ عَلَى "رُءُوْسِ المَسَائِلِ"

(1)

وَهِيَ مُنْتَخَبَةٌ مِنَ "الخِلَافِ الكَبِيْرِ" عَلَى طَرِيْقِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي الخَطَّابِ. وقَدْ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بِنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ الخَيَّاطِ العُكْبَرِيِّ

(2)

المُقْرِئِ حَدِيْثًا. وَرَوَى عَنْهُ نَصْرٌ المَقْدِسِيُّ

(3)

. وَشَيْخُهُ العُكْبَرِيُّ هَذَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابنِ بَطَّة

(4)

فَقِيْهًا. مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. ذَكَرَهُ ابنُ البَنَّاءِ فِي "طَبَقَاتِ الفُقَهَاءِ". وَرِوَايَةُ نَصْرٍ المَقْدِسِيِّ عَنْ أَبِي المَوَاهِبِ تَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ وَفَاتِهِ.

= وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 30)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 223).

(1)

مِنْهُ نُسْخَةٌ في الجَامِعَةِ الأَمْرِيْكِيَّةِ بـ "بَيْرُوْتَ" صَوَّرْتُها سَنَةَ (1394 هـ) وكُنْتُ أَظُنُّها مِنْ تَأْلِيْفِ أَبي البَقَاءِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ العُكْبَرِيِّ (ت: 616 هـ) لمَّا كُنْتُ آنَذَاكَ مُهْتَمًّا بِجَمْعِ آثَارِهِ، فَتَبَيَّنَ صِحَّةُ نِسْبَتِهَا إِلَى أَبِي المَوَاهِبِ هَذَا.

(2)

لَم أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهِ، وَلَعَلَّهُ مِنْ ذَوِيْ قَرَابَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبِيْدِ اللهِ بنِ تَوْبَةَ العُكْبَرِيِّ الخَيَّاطِ الَّذي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ رقم "3" وَتَرْجَمَ لَهُ العُلَيْمِيُّ في المَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 345) بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الإِشَارَةِ، بِالعِبَارَةِ نَفْسِهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذلِكَ شَيْئًا.

(3)

لَعَلُّهُ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسيُّ (ت: 490 هـ). قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "الشَّيْخُ الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، مُفِيْدُ الشَّامِ، شَيْخُ الإِسْلَامِ". أَخْبَارُهُ في: سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ (19/ 136)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (5/ 351)، وَالنُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ (5/ 160)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 395).

(4)

هو عُبَيْدِ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيُّ (ت: 387 هـ). يُرَاجَعُ: الطَّبَقَاتُ (3/ 256).

ص: 375

‌71 - أَبُو عَلِيِّ بنُ شِهَابٍ العُكْبَريُّ

(1)

صَاحِبُ كِتَابِ "عُيُوْنِ المَسَائِلِ"،

مُتَأَخِّرٌ. وَنَقَلَ مِنْ كَلَامِ القَاضِي، وَأَبِي الخَطَّابِ كَأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ ابنِ شِهَابٍ المُتَقَدِّمِ، مَا وَقَفتُ لَهُ عَلَى تَرْجَمَةٍ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّهُ الحَسَنُ بنُ شِهَابٍ الكَاتِبُ، الفَقِيْهِ، صَاحِبُ ابنِ بَطَّةَ، وَهُوَ خَطَأٌ عَظِيْمٌ.

‌72 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ حَمْزَةَ

(2)

بنِ عُمَرَ البَغْدَادِيُّ، الفَقِيْهُ المُعَدَّلُ، أَبُو سَعْدٍ،

وُلِدَ فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَسَمِعَ مِن ابنِ النَّقُّوْرِ، وَالصِّرِيْفِيْنِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيِّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ، وَأَفْتَى، وَبرَعَ فِي الفِقْهِ، وَشَهِدَ عِنْدَ قَاضِي القُضَاةِ أَبِي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ، وَكَانَ مَرْضِيَّ الطَّرِيْقَةِ، جَمِيْلَ السِّيْرَةِ، مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ شَيْخُ أَبِي حَكِيْمٍ النَّهْرَاوِنِيِّ، الَّذِي تَفَقَّهَ عَلَيْهِ، وَرَوَى عَنْهُ حِكَايَةً، وَلَمْ

(1)

71 - أَبُو عَلِيِّ بنُ شهَابٍ العُكْبَرِيُّ (؟ -؟):

أخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى الطَّبَقَاتِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 18)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 101)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنضَّدِ" (1/ 239). وَابنُ شِهَابٍ المُتَقَدِّمُ (ت: 428) ذَكَرَهُ أَبُو الحُسَيْنِ في الطَّبَقَاتِ (3/ 341).

(2)

72 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ حَمْزَةَ (457 - 515 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نصْرِ اللهِ (ورقة: 18)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 128)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 103)، وَمُخْتَصَرِهِ الدُّرِّ المُنضَّدِ" (1/ 239). ويُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 229)، وَذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَاد لابنِ النَّجَّارِ (1/ 331)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (389)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 47) (6/ 77) والتَّرْجَمَة هُنَا بِجُمْلَتِهَا عَنِ ابنِ النَّجَّارِ. وَأَبُو حَكِيْمٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ (ت: 556 هـ). ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

ص: 376

يُحدِّثْ إلَّا باليَسِيْرِ

(1)

.

(1)

قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: "وَحَدَّثَ بِكِتَابِ "الشِّهَابِ" للقُضَاعِيِّ، عَنِ الحُمَيْدِيِّ، عَنْهُ، وَبِيَسِيْرِ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ". وَقَالَ ابنُ النَّجَّارِ: أَنْبَأنَا أبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ، قَالَ "ثَنَا" إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ الفَقِيْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعْدِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ حَمْزَةَ بإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ أبي الحَسَنِ الأَبْهُرِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي بَهَاءُ الدَّوْلَةِ مِنَ "الأَهْوَازِ" بِرِسَالَةِ إِلَى القَادِرِ لِدِيْنِ اللهِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ بِالدُّخُوْلِ عَلَيْهِ سَمِعْتُهُ يُنْشِدُ هَذِهِ لِسَابِقٍ البَرْبَرِيِّ:

سَبَقَ القَضَاءُ [بِكُلِّ] مَا هُوَ كَائِنٌ

وَاللهُ يَا هَذَا لِرِزْقِكَ ضَامِنُ

تُعْنَى بِمَا تُكْفِي وَتَتْرُكُ مَا بِهِ

تُعْنَى كَأَنَّكَ لِلْحَوَادِثِ آمِنُ

أَوَمَا تَرَى الدُّنْيَا وَمَصْرَعَ أَهْلِهَا

فَاعْمَلْ لِيَوْمِ فِرَاقِهَا يَا خَائِنُ

وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لَا أَبَا لَكَ فِي الَّذي

أَصْبَحْتَ تَجْمَعُهُ لِغَيْرِكَ خَازِنُ

يَا عَامِرَ الدُّنْيَا أَتَعْمُرُ مَنْزِلًا

لَمْ [يَبْقَ] فِيْهِ مَعَ المَنِيَّةِ سَاكِنُ

المَوْتُ شَيْءٌ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ

حَقٌّ وَأَنْتَ بِذِكْرِهِ مُتَهَاوِنُ

إِنَّ المَنِيَّةَ لَا تُؤَامِرُ مَنْ أَتَتْ

فِي نَفْسِهِ يَوْمًا وَلَا تَسْتَاذِنُ

فَقُلْتُ: الحَمْدُ للهِ الَّذي وَفَّق أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ لإِنْشَادِ هَذِهِ الأَبْيَاتِ، وَتَدَبُّرِ مَعَانِيْهَا، وَالعَمَلِ بِمَضْمُونِهَا، فَقَالَ: يَا أَبا الحَسَنِ بَلْ للهِ المِنَّةُ عَلَيْنَا إِذْ أَلْهَمَنَا بِذِكْرِهِ، وَوَفَّقَنَا لِشُكْرِهِ، أَلَمْ تَسْمَعَ قَوْلَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ - وَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَهْلُ المَعَاصِي - فَقَالَ: هَانُوا عَلَى اللهِ فَعَصَوْهُ، وَلَوْ عَزُّوا عَلَيْهِ لَعَصَمَهُمْ". ثُمَّ ذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ وَفَاةَ عَبْدِ الوَهَّابِ وَمَوْلِدَهُ في اليَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ في وَفَاتِهِ خَاصَّةً، نَقْلًا عَنْ "تَارِيْخ ابنِ الزَّاغُونِيِّ".

أَقُوْلُ - وَعَلَى الله أَعْتَمِدُ -: الأَبْيَاتُ وَالحِكَايَةُ ذَكَرَهَا ابنُ الجَوْزِيِّ في كِتَابَيْهِ المِصْبَاحِ المُضِي (1/ 586)، وَالمُنْتَظَمِ (7/ 163). وَأَصْلَحْتُ بَعْضُ أَلْفَاظٍ وَقَعَ فِيْهَا تَحْرِيْفٌ ظَاهرٌ جِدًّا. وَسَابِقُ البَرْبَريُّ، شَاعِرٌ، زَاهِدٌ، مِنْ شُعَرَاءِ بَنِي أُمَيَّة يَفِدُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ فَيُنْشِدَهُ، تُوُفِّيَ في حُدُودِ سَنَةِ (100 هـ). له دِيْوَانُ شِعْرٍ جَمَعَهُ الدُّكْتورُ بَدْرُ أَحْمَد ضَيْف وَطُبِعَ في دَارِ المَعْرِفَةِ الجَامِعيَّة بالإسْكَنْدَرِيَّةِ سِنَةَ (1987 م).

ص: 377

تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثَ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرةِ الإمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه.

‌73 - مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ

(1)

بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الدَّنِفِ البَغْدَادِيُّ المُقْرِئُ الزَّاهِدُ،

(1)

73 - أَبُو بَكْرِ بنُ الدَّنِفِ (442 - 515 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 18)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 474)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 103)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 239). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (9/ 230)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ (2/ 564)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 485)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (395)، وَشَّذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 47)(6/ 77).

يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (515 هـ):

71 -

عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، أَبُو يَاسِرٍ البَرَدَانِيُّ، أُخُو أَبِي عَلِيٍّ (ت: 498 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، مِنْ أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ شَهِيْرَةٍ، تَقَدَّمَ التَّعْرِيْفُ بِهَا فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ (ت: 469 هـ). ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلَامِ (389) وقَالَ: شَيْخٌ، صَالِحٌ، خَيِّر .. ". وَسَيَأْتِي ابنُهُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ في وَفِيَاتِ سَنَةِ (517 هـ). وَابْنَةُ أَخِيْهِ: شَمْسُ النَّهارِ بِنْتُ الحَافِظِ أَبي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ البَرَدَانِيِّ، أُمُّ الفَضْلِ، زَوْجَةُ أبي مَنْصُوْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زُرَيْقٍ القَزَّازِ، وَوَالِدَةُ نَصْرِ اللهِ بنِ أَبِي مَنْصُوْر عَبْد الرَّحْمَن (ت: 585 هـ) ذَكَرَهَا الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تاريخ الإسلام (388) وَقَالَ: "سَمَّعَهَا أَبُوْهَا من أَبي جَعْفَرِ بنِ المُسْلِمَةِ وَغَيْرِهِ. وَرَوَى عَنْهَا أَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ. وَأخْتُهَا رَضِيَّةُ تأْتِي فِي الاسْتِدْرَاكِ عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةِ (564 هـ) إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (516 هـ) أحَدًا، وَفِيْهَا:

72 -

عَبْدُ القادرِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، أَبُو طَالِبٍ البَغْدَادِيُّ مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالفَضْلِ الكَبِيْرِ. المَعْرُوْفِ بِالرِّوَايَةِ. قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ: "شَيْخٌ، =

ص: 378

أَبُو بَكْرٍ، وُلِدَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وأَرْبَعِمَائَةَ.

وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِن ابنِ المُسْلِمَةِ، وَابنِ المُهتَدِيْ، وَالصِّرِيْفِيْنِيِّ، وَابنِ المَأْمُوْنِ، وَابنِ النَّقُّوْرِ، وَطَبَقَتِهِمْ. وَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَحَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ. سَمِعَ مِنْهُ ابنُ نَاصِرٍ، وَرَوَى عَنْهُ المُبَارَكُ بنُ خُضَيْرٍ، وَذَاكِرُ بنُ كَامِلٍ، وَابنُ بَوْشٍ وَغَيْرُهُم، وَكَانَ مِنَ الزُّهَّادِ الأَخْيَارِ، وَمِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، انْتَفَعَ بهِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ. ذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ.

وَقَالَ ابنُ النَّجَّارِ: كَانَ مَشْهُوْرًا بالصَّلَاحِ وَالدِّيْنِ، دَرَسَ الفِقْهَ عَلَى الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَصَحِبَهُ، وانْتَفَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ قَرَأُوا عَلَيْهِ، وَعَادَتْ عَلَيْهِمْ بَرَكَتُهُ.

تُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ سَابِعَ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ" رحمه الله.

وَ"الدَّنِفُ": بِفَتْحِ الدَّالِ المهْمَلَةِ، وَكَسْرِ النُّوْنِ، وآخرُهُ فَاءٌ. قَيَّدَهُ ابنُ نُقْطَةَ الحَافِظُ وَغَيْرُهُ.

‌74 - مُحَمَّدُ بنُ أحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ

(1)

بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ دَاوُدَ

= صَالِحٌ، ثِقَةٌ، دَيِّنٌ، مُتَحَرٍّ في الرِّوايَةِ، كَثِيْرُ السَّمَاعِ .. ". أخبارُهُ في: المُنْتَظَمِ (9/ 239)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 386)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 49). وتَقَدَّمَ ذِكْرُ وَالِدِهِ في اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةِ (479 هـ).

(1)

74 - أَبُو سَعْدِ بنِ دَاوُدَ الأَصْبَهَانِيِّ (؟ - 517 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 18)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 345)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 104)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 240). ويُرَاجَعُ: شَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 56)(6/ 91). وَسَبَقَ أَنْ ذَكَرَ المُؤَلِّفُ =

ص: 379

الأَصْبَهَانِيُّ، أَبُو سَعْدِ بنِ أَبِي العَبَّاسِ، وَيُعْرَفُ بِـ "الخَيَّاطِ"، مِنْ أَهْلِ "أَصْبَهَانَ"، قَدِمَ "بَغْدَادَ"، وَاسْتَوْطَنَهَا مُدَّةً طَوِيْلَةً، وَسَمِعَ مِنْ مَشَايِخِهَا، وَانْتَخَبَ، وَعَلَّقَ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثيْرًا، وَحَصَّلَ الأُصُوْلَ وَالنُّسَخَ، وَجَمَعَ شَيْئًا كَثِيْرًا جِدًّا مِنَ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، وَنَفَذَهُ إِلَى "أَصْبَهَانَ" وَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ بِـ "بَغْدَادَ".

حَدَّثَ بِـ "بَغْدَادَ" عَن أَبِي القَاسِم بنِ مَنْدَه إِجَازَةً، وَعَنْ غَيْرِهِ سَمَاعًا. كَتَبَ عَنْهُ ابنُ عَامِرٍ العَبْدَرِيِّ، وَابنِ نَاصِرٍ، وَخَطُّهُ حَسَنٌ. قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: وَكَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنُّةِ المُحَقِّقِيْنَ المُبَالِغِيْنَ المُتَشَدِّدِيْنَ، ظَاهِرَ الصَّلَاحِ، قَلِيْلَ المُخَالَطَةِ للنَّاسِ، كَانَ حَنْبَلِيًّا مُتَعَصِّبًا لِمَذْهَبِهِ، مُتَشَدِّدًا فِي ذلِك. تُوُفِّيَ يَوْمَ الخَمِيْسِ سَادِسَ عِشْرِي

(1)

ذِي الحِجَّة سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ

= إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ دُاوُد الأَصْبَهَانِيَّ، التَّرْجَمَة رقم (54) قَالَ:"وَهُوَ أَخُوَ أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بن دَاوُدَ. . ." وَأَنَا أَشُكُّ أَنَّهُ أَخُوْه إِلَّا أَنْ يَكُوْنَ أَخُوْهُ لأُمِّهِ، هَذَا إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ المَقْصُوْدُ؟! يُرَاجَعُ مَا كَتَبْتُهُ هُنَاكَ.

(1)

في (ب): "عشر" وفي (هـ): "عشرين".

وَيُسْتَدْرَكُ علَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفيَاتِ سَنَةِ (517 هـ):

73 -

مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدَ بنِ أَحْمَدَ البَرَدَانِيُّ، أَبُو مَنْصُوْرِ بنِ أَبِي يَاسِرٍ، من أُسْرَةٍ عِلْميَّةٍ شهيرة. تَقَدَّمَ التَّعرِيْفُ بِهَا فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ (ت: 469 هـ). أَخْبَارُهُ فِي تَارِيْخِ الإِسْلامِ (417).

74 -

وَعُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ بنِ أَبِي عِمَامَةَ، أَبو المَعَالِي، أَخُو المُعَمَّرِ بنِ عَلِيِّ (ت: 506 هـ) تَقَدَّمَ ذِكْرُ المُؤَلِّفُ لَهُ رَقَم (51). ذكَرَ عُثْمَانَ هَذَا ابنُ الجَوْزِيِّ في المُنْتَظَمِ (9/ 248)، وَالحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي المِيْزَانِ (3/ 49)، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لم يَكُنْ حَمِيْدَ السِّيْرَةِ فَلَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ، بَلْ ذَمُّوْهُ وانْتَقَصُوْهُ، قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: "سَمِعَ مِنِ ابنِ =

ص: 380

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= غَيْلَانَ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ الوَهَّابِ: جَهِدْنَا بِهِ أَنْ نَقْرَأَ عَلَيْهِ فَأَبَى، وَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي كَذَّابٌ، وَكَانَ شَاعِرًا، خَبِيْثَ اللِّسَانِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَلِيْلَ الدِّيْنِ، يُخِلُّ بالصَّلَوَاتِ"، وفي "المِيْزَانِ": "شَاعِرٌ، هَجَّاءٌ، يُخِلُّ بِالصَّلَوَاتِ". وَكَلَامُ ابنِ الجَوْزِيِّ هَذَا نَقَلَ بَعْضَهُ الحَافِظُ ابنُ نَاصِرِ الدِّيْنِ في التَّوْضِيْحِ (8/ 224)، لَكِنَّ الحَافِظَ السِّلَفِيَّ رَوَى عَنْهُ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ" (ورقة: 355) قَالَ: "أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ بنِ المُعَمَّرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَقَّالِ، الأَدِيْبُ، يُعْرَفُ بـ "ابْنِ أَبِي عِمَامَةَ" (أَنَا) أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ غَيْلَانَ البَزَّارُ. . .". وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا. وَيُرَاجَعُ: ذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (2/ 215). وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (518 هـ) أحَدًا، وَفِيْهَا:

75 -

إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ بنِ أحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ. ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ رحمه الله في السِّير (20/ 7) في تَرْجَمَةِ أَخِيْهِ يَحْيَى (ت: 531 هـ) قَالَ: "وَقَدْ مَرَّ أَخُوْهُمَا أَبُو غَالِبٍ، وَمَاتَ قَبْلَهُمَا أَخُوْهُمَا أَبُو الفَضْلِ إِبْرَاهِيْمَ

يَرْوِي عَنِ ابنِ المُهْتَدِي باللهِ، وَابْنِ النَّقُوْرِ. سَمِعَ مِنْهُ يَحْيَى بنُ بَوُشٍ. . ." وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّه من أَهْلِ العِلْمِ، لكِنَّهُ لَمْ يُفْرِدْهُ بِالتَّرْجَمَةِ، وذلِكَ حُظُوْظٌ.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (520 هـ) أحَدًا، وَفِيْهَا:

76 -

بُهْرَامُ بنُ بُهْرَامَ بنِ فَارِسٍ، أَبُو شُجَاعٍ البَغْدَادِيُّ البيِّعُ، أَحَدُ الرُّؤسَاءِ المُتمَوِّلِيْنَ، سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِيَّ، وأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيَّ وَغَيْرَهُمَا. قَالَ الحَافِظُ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحًا، وَكَانَ كَرِيْمًا. بَنَى مَدْرَسَةً لِلْحَنَابِلَةِ بِـ "كَلْوَاذَى" وَدُفِنَ فِيْهَا. وَوَقَفَ قِطْعَةً مِنْ أَمْلَاكِهِ عَلَى الفُقَهَاءِ. قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ: صَلُحَ أَمْرُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَحَسُنَتْ طَرِيْقَتُهُ، وَكَانَ لَهُ مَعْرُوْفٌ كَثِيْرٌ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ. أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (9/ 262)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (439)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 107).

77 -

وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، أَبُو عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيُّ الهَرَوِيُّ، ابنُ شَيْخ الإِسْلَامِ أَبي إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيِّ المُتَقَدِّمِ ذِكْرِهِ (ت: 470 هـ). كَانَ زَاهِدًا، صَلْفًا، تَامَّ

ص: 381

بِـ "بَابِ حَرْبٍ"، وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا؛ لأنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ قَطٌّ رحمه الله.

‌75 - عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ

(1)

بنِ عَلِيِّ بنِ الفَاعُوْسِ البَغْدَادِيُّ، الإسْكَافُ،

= المُرُوْءَةِ، ذَا هَيْبَةٍ وَجَلَالَةٍ، كَذَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَخَبِ مِنْ شُيُوخِ السَّمْعَانِيِّ (1/ 527)، والتَّحْبِيْرِ للسَّمْعَانِيِّ أَيْضًا (1/ 153)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (439).

(1)

75 - أَبُو الحَسَنِ ابنُ الفَاعُوسِ (؟ - 521):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 18)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 267)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 105)، وَمُخْتَصرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 241). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 761)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 7)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (10/ 648)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 521)، وَالعِبَرُ (4/ 50)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (67)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 233)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 64)(6/ 105). وَ (الفَاعُوْسُ) في لَقَبِهِ لَمْ يَرِدْ في كُتُبُ الأَلْقَابِ، وَهُوَ اسْمُ الأفْعَى كَذَا فِي اللِّسَانِ:(فَعَسَ) عَنِ ابنِ الأَعْرَابِيِّ وَأَنْشَدَ:

بِالْمَوْتِ مَا عَيَّرْتِ يَا لَمِيْسُ

قَدْ يَهْلَكُ الأَرْقَمُ وَالفَاعُوْسُ

. . . . . . . . . . . .

قَالَ: وَيُقَال للدَّاهِيَةِ مِنَ الرِّجَالِ فَاعُوْسُ. وَدَاهِيَةٌ فَاعُوْسٌ: شَدِيْدَةٌ. . .".

وَيَظْهَرُ أَنَّ مِن أَحْفَادِ ابنِ الفَاعُوْسِ - أَوْ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ -:

- مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ البَغْدَادِيُّ المُعَدَّلُ الفَاعُوْسُ، عزُّ الدِّينِ. ذَكَرَهُ ابنُ الفُوَطِيِّ في مَجْمَع الآدَابِ (1/ 317) وَقَالَ:"مِنْ أَرْبَابِ البُيُوْتَاتِ القَدِيْمَةِ، وَالرِّئَاسَةِ، وَالتَّقَدُّمِ وَالرِّوَايَةِ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا تَاجُ الدِّيْنِ في "تَارِيْخِهِ". . . كَتَبْتُ عَنْهُ في صَفَرٍ أَوَائِلَ مَا قَدِمْتُ مِنْ "مَرَاغَةَ" سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وسِتِّمَائة. . ." وَشَيْخُهُ تَاجُ الدِّين هُوَ ابنُ السَّاعِي.

- وَحَفِيْدُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَخْرُ الدِّيْنِ =

ص: 382

المُقْرِئُ، الزَّاهِدُ، أَبُو الحَسَنِ، سَمِعَ مِنَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّد بنِ غَالِبٍ العَطَّارِ وَغَيْرِهِمَا، وَصَحِبَ الشَّرِيْفَ أَبَا جَعْفَرٍ، وَكَانَ مَشْهُوْرًا بِالزُّهْدِ، وَالوَرَعِ، وَالتَّقَشُّفِ، وَحُسْنِ الطَّرِيْقَةِ، لِلْخَلْقِ فِيْهِ اعْتِقَادٌ عَظِيْمٌ. وَذَكَرَ ابنُ نَاصِرٍ: أَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي عَصْرِهِ، وَكَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى النَّاسِ أَحَادِيْثَ قَدْ جَمَعَهَا بِغَيْرِ أَسَانِيْدَ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو حَكِيْمٍ النَّهْرَوَانِيُّ

(1)

قَالَ: كَانَ ابنُ الفَاعُوْسِ إِذَا صَلَّى الجُمُعَةَ جَلَسَ يَقْرَأُ عَلَى أَصْحَابِهِ الحَدِيْثَ، فَيَأْتِي سَاقِي المَاءَ فَيَأْخُذَ مِنْهُ فَيَشْرَبَ؛ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهُ مُفْطِرٌ، وَرُبَّمَا صَامَهَا فِي بَعْضِ الأَيَّامِ.

وَكَانَ ابنُ الفَاعُوْسِ يَتَوَرَّعُ

(2)

عَنِ الرِّوَايَةِ، وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبُو المُعَمَّرِ

= البَغْدَادِيُّ، الفَقِيْهُ، المُعَدَّلُ، مِنْ بَيْتِ الفَضْلِ وَالعَدَالَةِ، شَهِدَ عِنْدَ القَاضِي تَاجِ الدِّيْنِ عَلِيِّ بنِ أَبي القَاسِمِ القَزْوِيْنِيِّ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ غُرَّة شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسَبْعِمَائَةَ. وَهُوَ من فُقَهَاءِ الحَنَفِيَّةِ بِـ "المُسْتَنْصِرِيَّةِ"، وَشَيْخُ دَارِ القُرآن المُجَاوِرَةِ لِمَدْرَسَةِ بَهَاءِ الدِّيْنِ بنِ قَاضي "دَقُوْقَ" بِـ "بَابِ الأَزَجِ".

يَقُوْلُ الفَقِيْرُ إلَى اللهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَان العُثَيمِيْن - عَفَا اللهُ عنه -: لَمَّا ذَكَرَ ابنُ الفُوَطِيِّ فِي تَرْجَمَةِ عِزِّ الدِّيْنِ أَنَّه مِنْ أَرْبَابِ البُيُوْتَاتِ القَدِيْمَةِ ذَكَرَ المُحَقِّقُ في الهَامِشِ مِنْهُم أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ المُتَرْجَمُ هُنَا، وَعَبْدُ الرَّحِيْمُ بنُ أَحْمَدَ؛ لِيُؤَكِّدُ ذلِكَ. وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ هَذَا مِمَّنْ يُسْتَدْرَكُ عَلَى الحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي "الدُّرَرِ الكَامِنَةِ" كَمَا يُسْتدْرَكُ عَلَى الدُّكْتور نَاجي مَعْرُوف في "تَارِيْخ عُلَمَاءِ المُسْتَنْصِرِيَّة". وَهُمَا غَيْرُ مُسْتَدْرَكيْنِ عَلَى المُؤَلِّفِ؛ لأَنَّهُمَا غَيْرُ حَنْبَلِيَّيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُمَا لِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ ذَوِي قَرَابَةِ المَذْكُوْرِ فَحَسْبُ.

(1)

إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ (ت: 556 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.

(2)

في (أ) و (ب): "متورع".

ص: 383

الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِرٍ الحَافِظُ. وَقَالَ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيُّ يَقُوْلُ: إِنَّ أَبَا بَكْرِ بنِ الخَاضِبَةِ كَانَ يُسَمِّي ابنَ الفَاعُوْسِ الحَجَرِيَّ؛ لأنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: الحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِيْنُ اللهِ حَقِيْقَةً.

قُلْتُ

(1)

: إِنْ صَحَّ عَنِ ابنِ الفَاعُوْسِ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: الحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِيْنُ اللهِ حَقِيْقَةً، فَأَصْلُ ذلِكَ: أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ نَفَوْا وُقُوْعَ المَجَازِ فِي القُرْآنِ، وَلكِنْ لَا يُعْلَمُ مِنْهُمْ مَنْ نَفَى المَجَازَ فِي اللُّغَةِ، كَقَوْلِ أَبِي إِسْحَقَ الإسْفِرَائِيْنِيِّ

(2)

. وَلكِنْ قَدْ يَسْمَعُ بَعْضُ صَالِحِيْهِمْ إِنْكَارَ المَجَازِ في القُرْآنِ، فَيَعْتَقِدُ إِنْكَارَهُ مُطْلَقًا. وَيُؤَيِّدُ ذلِكَ: أَنَّ المُتَبَادِرَ إِلَى فَهْمِ

(1)

رَدَّ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ عَلَى هَذَا فِي "تَارِيْخِ الإِسْلَامِ" بِقَوْلِهِ: "هَذَا تَشْغِيْبٌ وَأَذِيَّةٌ لِرَجُلٍ صَالِحٍ، وَإِلَّا فَهَذَا نِزَاعٌ مَحْضٌ فِي عِبَارةٍ، وَعَرَفْنَا مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: "يَمِيْنُ اللهِ حَقِيْقَةً" أَنَّ ذلِكَ إِضَافَةُ مِلْكٍ وَتَشْرِيْفٍ، فَهِيَ إِضَافَةٌ حَقِيْقِيَّةٌ، وَإنْ شِئْتَ قُلْتَ: يَمِيْنُ اللهِ مَجَازًا، وَهَوَ أَفْصَحُ وَأَظْهَرُ؛ لأنَّ فِي سِيَاقِ الحَدِيْثِ مَا يُوَضِّحُ ذلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: "فَمَنْ صَافَحَهُ فَكَأنَّمَا صَافَحَ اللهَ" يَعْنِي بمَنْزِلَةِ يَمِيْنِ اللهِ فِي الأَرْضِ، وَفِي "السِّيَرِ" مِثْلُ ذلِكَ.

(2)

هُوَ الإِمَامُ، العَلَّامَةُ، الأَوْحَدُ، الأُسْتَاذُ، أَبُو إسْحَقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِهْرَانَ الإِسْفِرَائِيْنِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المُلَقَّبُ "رُكْنُ الدِّينِ" (ت: 418 هـ) أَحَدُ المُجْتَهِدِيْنَ فِي عَصْرِهِ، وَصَاحِبُ المُصَنَّفَاتِ البَاهِرَةِ، كَذَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في السِّيَرِ (17/ 353)، وَمِنْ كَلَامِهِ:"القَوْلُ بِأَنَّ لِكُل مُجْتَهِدٍ نَصِيْبٌ أَوَّلُهُ سَفْسَطَةٌ، وَآخِره زَنْدَقَةٌ" وَكَانَ يُنْكِرُ كَرَامَاتِ الأَوْليَاءِ، وَلَعَلَّهُ يُنْكِرُ مَا كَانَ سَائِدًا فِي عَصْرِهِ، وَلَهُ كِتَابٌ ضَخْمٌ في خَمْسِ مُجَلَّداتٍ في الرَّدِّ عَلَى المُلْحِدِيْنَ. أَخْبَارُهُ في: طَبَقَاتِ الشِّيْرَازِيِّ (106)، وَالأَنْسَابِ (1/ 237)، وَمُعْجَمِ البُلْدَانِ (1/ 178)، وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (1/ 28)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّة لِلسُّبْكِيِّ (4/ 256)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 209).

ص: 384

أَكْثَرِ النَّاسِ مِنْ لَفْظِ الحَقِيْقَةِ وَالمَجَازِ: المَعَانِي وَالحَقَائِقُ دُوْنَ الألْفَاظِ.

فَإِذَا قِيْلَ: إِنَّ هَذَا مَجَازٌ فَهِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَهُ مَعَنًى، وَلَا لَهُ حَقِيْقَةٌ، فَيُنْكِرُوْنَ ذلِكَ، وَيَنْفُرُوْنَ مِنْهُ، وَمَنْ أَنْكَرَ المَجَازَ مِنَ العُلَمَاءِ فَقَدْ يُنْكِرُ إِطْلَاقَ اسْمِ المَجَازِ؛ لِئَلَّا يُوْهِمَ هَذَا المَعْنَى الفَاسِدَ، وَيَصِيْرَ ذَرِيْعَةً لِمَنْ يُرِيْدُ جَحْدَ حَقَائِقِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَدْلُوْلَاتِهِمَا، وَيَقُوْلُ: غَالِبُ مَنْ تَكَلَّمَ بالحَقِيْقَةِ وَالمَجَازِ هُمُ المُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ، وَتَطَرَّقُوا بِذلِكَ إِلَى تَحْرِيْفِ الكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، فَيُمْنَعُ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِالمَجَازِ، وَيَجْعَلُ جَمِيْعَ الأَلْفَاظِ حَقَائِقَ، وَيَقُوْلُ: اللَّفْظُ إِنْ دَلَّ بِنَفْسِهِ فَهُوَ حَقِيْقَةٌ لِذلِكَ المَعْنَى، وَإِنْ دَلَّ بِقَرِيْنَةٍ فَدِلَالَتُهُ بِالقَرِيْنَةِ حَقِيْقَةٌ لِلْمَعْنَى الآخَرِ، فَهُوَ حَقِيْقَةٌ فِي الحَالَيْنِ، وَإِنْ كَانَ المَعْنَى المَدْلُوْلُ عَلَيْهِ مُخْتَلِفًا فَحِيْنَئِذٍ يُقَالُ: لَفْظُ اليَمِيْنِ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:

(1)

{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} حَقِيْقَةٌ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ، وَلَفْظُ اليَمِيْنِ فِي الحَدِيْثِ المَعْرُوْفِ:"الحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِيْنُ اللهِ فِي الأَرْضِ، فَمَنْ صَافَحَهُ فَكَأَنَّمَا صَافَحَ اللهَ"

(2)

. وَقِيْلَ: يَمِيْنُهُ يُرَادُ بِهِ - مَعَ هَذِهِ القَرَائِنِ المُحْتَفَّةِ بِهِ - مَحَلُّ الاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيْلِ، وَهُوَ حَقِيْقَةٌ فِي هَذَا المَعْنَى فِي هَذِهِ الصُّوْرَةِ، وَلَيْسَ فِيْهِ مَا يُوْهِمُ الصِّفَةَ الذَّاتِيَّةَ أَصْلًا، بَلْ دِلَالَتُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الخَاصِّ قَطْعِيَّةٌ، لَا تَحْتَمِلُ النَّقِيْضَ بِوَجْهٍ، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيْلٍ وَلَا غَيْرِهِ.

(1)

سُورة الزُّمر، الآية:67.

(2)

بَعْدَهَا فِي (ط) بطبعتيه: "عز وجل" وهي في (هـ) فقط.

ص: 385

وَإِذَا قِيْلَ: فَابنُ الفَاعُوْسِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ؛ أَعْنِي: البَحْثَ عَنْ مَدْلُوْلَاتِ الألْفَاظِ؟

قيْلَ: وَلَا ابنُ الخَاضِبَةِ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ

(1)

، وَإِنْ كَانَ مُحَدِّثًا، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنِ ابْنِ الفَاعُوْسِ، أَوْ بَلَغَهُ عَنْهُ إِنْكَارُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا مَجَازًا؛ لِمَا سَمِعَهُ مِنْ إِنْكَارِ لَفْظِ المَجَازِ فَحَمَلَهُ السَّامِعُ لِقُصُوْرِهِ، أَوْ لِهَوَاهُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ حَقِيْقَةً لَزِمَ أَنْ يَكُوْنَ هُوَ يَدُ الرَّبِّ عز وجل، الَّتِي هِيَ صِفَتُهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

(1)

يَرُدُّ هَذَا مَا رَوَى الحَافِظُ السِّلَفِيُّ في المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ (ورقة: 258) عَنْ أَبِي الحَسَنِ الفَصيْحِيِّ النَّحْوِيِّ "مَا رَأَيْتُ في أَهْلِ الحَدِيْثِ أَقْوَمُ فِي اللُّغةِ مِنِ ابْنِ الخَاضِبَةِ" قَالَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ أَيْضًا: سَأَلْتُ أَبَا الكَرَمِ خَمِيْسًا الحَوْزِيَّ عَن ابْنِ الخَاضِبَةِ فَقَالَ: كَانَ عَلَّامَةَ فِي الأَدَب، قُدْوَةً فِي الحَدِيْثِ، جَيِّدَ اللِّسَانِ. . ." سُؤَالَاتُ السِّلَفِيِّ (102) وَذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي "السِّيَرِ" وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1224) أَنَّ أَبَا الوَفَاءِ بنَ عَقِيْلٍ الإِمَامَ يَقُوْلُ - وَذَكرَ شدَّةً أَصَابَتْهُ بِمُطَالَبَةٍ طُوْلِبَ بِهَا، وَأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ ذلِكَ خَلَوَاتٌ يدْعُو رَبَّهُ وَيُنَاجِيْهِ

وَلَئِنْ قُلْتَ يَا رَبِّ: هَلْ وَالَيْتَ فِيَّ وَليًّا؟ أَقُوْلُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، أَبُو بَكْرِ بنُ الخَاضِبَةِ

فَأُخْبِرَ ابنُ الخَاضِبَةِ بِقَوْلِهِ. فَقَالَ: اغْتَرَّ الشَّيْخُ أَعَزَّهُ اللهُ".

وَرَوَى الحَافِظُ السِّلَفِيِّ فِي المَشْيَخَةِ المَذْكُوْرَةِ عَنْ كَرِيْمَةَ بِنْتَ ابْنِ الخَاضِبَةِ وَقَالَ: "الحَافِظَةُ بِنْتُ الحَافِظُ". وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عبد البَاقِي بنِ مَنْصُوْرٍ، أبُو بَكرٍ البَغْدَادِيُّ الدَّقاقُ (ت: 489). أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظِمِ (9/ 101)، وَمُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (17/ 226) وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 109)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (3/ 393) وَبِنْتُهُ كَرِيْمَةُ تَرْجَمَ لَهَا الذَّهَبِيُّ في "تَاريخ الإسلام". وَأَبُو الحَسَنِ الفَصِيْحِيُّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ النَّحْوِيُّ (ت: 516 هـ) سُمِّيَ الفَصِيْحِيَّ لِتَدْرِيْسِهِ كِتَابَ "الفَصِيح" لِثَعْلَبٍ. أَخْبَارُهُ في: إِنْبَاهِ الرُّوَاة (2/ 206)، وَبُغْيةِ الوُعاة (2/ 197)، وَمُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (15/ 66).

ص: 386

تُوُفِّيَ ابنُ الفَاعُوْسِ لَيْلَةَ السَّبْتِ تَاسِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ - وَقِيْلَ: العِشْرِيْنَ مِنْهُ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ - سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الغَدِ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَدُفِنَ قَرِيْبًا مِنْ قَبْرِ الإمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه، وَكَانَ ذلِكَ يَوْمًا مَشْهُوْدًا، غُلِّقَتْ فِيْهِ أَسْوَاقُ "بَغْدَادَ" وَكَانَ أَهْلُ "بَغْدَادَ" يَصِيْحُوْنَ فِي جَنَازَتِهِ: هَذَا يَوْمٌ سُنِّيٌّ حَنْبَلِيٌّ، لَا قُشَيْرِيٌّ وَلَا أَشْعَرِيٌّ، وَكَانَ حَيْنَئِذٍ بِـ "بَغْدَادَ" أَبُو الفَرَجِ

(1)

الإِسْفِرَائِيْنِيُّ الوَاعِظُ، وَكَانَ العَوَامُّ قَدْ رَجَمُوْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَرَمَوا عَلَيْهِ المَيْتَاتُ، فَأَظْهَرُوا فِي ذلِكَ اليَوْمِ لَعْنَهُ وَسَبَّهُ، فَبَلَغَ ذلِكَ المُسْتَرْشِدَ، فَمَنَعَهُ مِنَ الوَعْظِ، وَأَمَرَهُ بِالخُرُوْجِ مِنْ "بَغْدَادَ"

(2)

وَظَهَرَ فِي ثَانِي يَوْمٍ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ كَرَارِيْسَ فِيْهَا مَا يَتَضَمَّنُ الاسْتِخْفَافَ

(1)

كَذَا فِي جَمِيْعِ الأُصُوْلِ، وفي (أ) ضُرِب عَلَيْهَا بِالقَلَمِ وَكَتَبَ فِي الهَامِش:"أَبُو الفُتُوْحِ"، وَهَذا هُوَ الصَّحِيْحُ؛ وَإِنَّمَا أَبْقَيْتُهَا لِغَلَبَةِ الظَنِّ أَنَّ الخَطَأَ مِنَ المُصَنِّفِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدٍ أَبُو الفُتُوْحِ الإِسْفِرَائِيْنِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ المُعْتَمَدِ" (ت: 538 هـ) أَشْعَرِيٌّ مُتَعَصِّبٌ، مُثيْرٌ لِلْفِتْنَةِ، كَثِيْرُ الشَّغْبِ لأَهْلِ الحَدِيْثِ، أُخْرِجَ بِسَبَبِ ذلِكَ مِنْ "بَغْدَادَ" مَرَّتَيْنِ، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:"وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ فثَارَتِ الحَنَابِلَةُ، فَأَمَرَ المُسْتَرْشِدُ بِإِخْرَاجِهِ، فَلَمَّا وَلِيَ المُقْتَفِي رَجَعَ إِلَى "بَغْدَادَ" وَعَادَ فَعَادَتِ الفِتَنُ فَأَخْرَجُوْهُ إِلَى بَلَدِهِ".

وَيُسْتَدْرَك عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةَ (521 هـ):

78 -

عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَه، وَالِدُهُ مَذْكُوْرٌ في طَلَبَةِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَهُوَ مَذْكُوْرٌ في مَشْيَخَةِ ابنِ الجَوْزِيِّ (120)(الشَّيْخُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُوْنَ).

(2)

المُنْتَظَمُ (10/ 6، 7)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (9).

ص: 387

بِالقُرْآنِ، فَطِيْفَ بِهِ البَلَدُ، وَنُوْدِيَ عَلَيْهِ، وَهَمَّتِ العَامَّةُ بِإِحْرَاقِهِ

(1)

، وَظَهَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ، وَجَلَسَ لِلْوَعْظِ [، وَعَكَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَانْتَصَرَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

‌76 - مُوْسَى بنُ أَحْمَدَ]

(2)

بنِ مُحَمَّدٍ النَّشَادِرِيُّ

(3)

، الفَقِيْهُ، أَبُو القَاسِمِ.

كَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ أَبِي ذَرٍ الغِفَارِيُّ رضي الله عنه. سَمِعَ الحَدِيْثَ الكَثِيْرَ، وَقَرَأَ بِالرِّوَايَاتِ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ

(4)

، وَنَاظَرَ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيُّ: رَأَيْتُهُ يَتَكَلَّمُ كَلَامًا حَسَنًا.

تُوُفِّيَ رَابِعَ رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَة، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الإمَامِ أَحْمَدَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ" رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الخَمِيْسِ خَامسَ رَجَبٍ، وَذَكَرَ ابنُ القَطِيْعِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَازِنِ، وَأَنَّهُ كَمَّلَ "التَّعْلِيْقَةَ" وَنَاظَرَ، وَتَبَصَّرَ في المَذْهَبِ.

(1)

الخَبَرَانِ فِي المَصْدَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ.

(2)

76 - أَبُو القَاسِمِ النَّشَادِرِيُّ (؟ - 522 هـ):

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَر الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 19)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 6)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 105)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 241). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (1/ 10)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (79)، والشَّذَرَاتُ (4/ 66)(6/ 109).

(3)

في (أ): "النَّشَاذِرِيُّ" تَصْحِيْفٌ، وَفِي المُنْتَظَمِ:"السَّامري" تَحْريفٌ ظَاهِرٌ، وَلَمْ تَرِدْ هِذِهِ النِّسْبَةِ فِي كُتُبِ الأَنْسَابِ المَشْهُوْرَةِ؟!.

(4)

في (ط) الفقي: "الزَّغُوانِيُّ" تَحْرِيْفٌ أَوْ خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

ص: 388

قُلْتُ: أَظُنُّهُ مَاتَ شَابًّا؛

(1)

فَإِنَّ شَيْخَهُ ابْنَ الزَّاغُوْنِيِّ عَاشَ بَعْدَهُ مُدَّةً.

(1)

في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ": "مَاتَ شابًّا" دُوْنَ ظَنٍّ.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ فِي وَفِيَاتِ سَنَةِ (523 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

79 -

عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بنُ عَلِي بنُ مُحَمَّد بنُ مُوْسَى الخَيَّاطُ وَلَدُ أَبِي بَكْرٍ المُقْرِئُ المَشْهُوْرُ (ت: 467 هـ) الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ رَقَم (7)، وَعَلِيُّ هَذا ذَكَرَهَ ابن النَّجَّار فِي ذَيلِ تَارِيْخِ بَغْدَاد (4/ 11) وَقَالَ:"مِنْ أَهْلِ "بَابِ البَصْرَة" وَمِنْ أَوْلَادِ المُحَدِّثِيْنَ، تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَالِدِهِ،. . .". وَذَكَرَ أَخْبَارَهُ. وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 747).

80 -

وَعُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عِيْسَى، أَبُو القَاسِمُ الطِّيْبِيُّ. ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِ تَارِيْخ بَغْدَادَ (5/ 4) وَقَالَ:"مِنْ سَاكِنِي "بَابِ الأَزَجِ" قَرَأَ الفِقْهَ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ مَحْفُوظ بنِ أَحْمَد الكَلْوَذانِيِّ، وَعَلَّق عَنْهُ "مَسَائِلَ الخِلَافِ" وَذَكَرَ مَوْلِدَهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ" وَهُوَ وَالِدُ "تَمَنِّي" وَالِدَةِ أَحْمَدَ وَتَمِيْمٍ ابْنَي البَنْدَنِيْجِيِّ.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (524 هـ) أَحَدًا، فِيْهَا:

81 -

أَحْمَدُ بنُ عبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ رَضْوَان، أَبُو نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ المَرَاتِبِيُّ، سَبَقَ اسْتِدْرَاكُ أَخِيْه عبْدِ المَلِكِ في وَفَيَاتِ سَنَة (506 هـ). أَخْبَارُ أَحْمَدُ في مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 43)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 350)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (89)

وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَهُ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ في "المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّة".

82 -

ثَعْلَبُ بنُ جَعْفَرِ بنِ السَّرَّاج، تَقَدَّم ذِكْرُ وَالِدِهِ فِي وَفَيَاتِ سَنَةَ (500 هـ) وَذَكْرنَا في هَامِشِ تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ مَصَادِرَ تَرْجَمَتِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا أَخَاهُ أَبَا الرِّضَا غَالِبَ بنَ جَعْفَرٍ، وَابْنُهُ غَالِبُ بنُ ثَعْلَبٍ (ت: 586 هـ) سَيَأْتِي اسْتِدْرَاكُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَلْيُرَاجِعْ مَنْ شَاءَ ذلِكَ هُنَاكَ، رَحِمَهُمِ الله تَعَالَى.

83 -

وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ عَبْدِ الوَاحدِ بنِ الحَسَنِ بنِ زُرَيْق الشَّيْبَانِيُّ البَغْدَادِيُّ القَزَّازُ، أَخْبَارُهُ في: مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 103)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (89) وأَسْقَطَ وَالِدَهُ مُحَمَّدًا.

ص: 389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله في وَفَيَاتِ سنة (525 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

84 -

عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَجَا بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ شَاتِيْلٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ المَرَاتِبِيُّ الدَّبَّاسُ، وَالِدُ أبي الفَتْح عُبَيْدِ اللهِ (ت: 581 هـ) يَأْتِي في اسْتِدْرَاكِنَا إنْ شَاءَ اللهُ، وَتقَدَّم ذِكْرُ أَخِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ في اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةِ (514 هـ) وَابْنُ أَخِيْهِ حَمْدُ بنُ عَبْدُ الرَّحْمَن (ت: 548 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِه، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَهَلْ هُوَ أَحْمَدُ أَوْ حَمَدُ يُحَقَّقُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

85 -

وَعَبْدُ البَاقي بنُ عَامِرٍ بنِ زَيْدٍ، أَبُو المَجْدِ الأَنْصَارِيُّ الهَرَوِيُّ، سِبْطُ شَيْخُ الإِسْلَامِ أَبِي إسْمَاعِيْلَ. قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "وَاعِظٌ، حَسَنُ الإِيْرَادِ، بَارِزُ العَدَالَةِ، نَبِيْلٌ، عَالِمٌ، سَمِعَ جَدَّهُ

وأَمْلَى مَجْلِسًا بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ". أَخْبَارُهُ في: المُنْتَخَبِ مِنْ مُعَجَمِ شُيُوْخِ السَّمْعَانِيِّ (2/ 1039)، وَالتَّحْبِيْرِ لَهُ (1/ 419)، وَالمُنْتَخَبِ مِنْ السِّيَاقِ (363)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (133)

وَغَيْرِهَا.

86 -

وَعَلِيُّ بنُ طَاهِرٍ البَغْدَادِيُّ، المَغَازِلِيُّ، ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخِ الإِسْلامِ (133) عَنِ المُبَارَكِ بنِ كَامِلٍ، قَالَ: عَمُّ وَالِدَتِي. وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ (ت: 543 هـ) حَنْبَليٌّ ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ كَبِيْرٍ.

87 -

هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ حَمْدِ بنِ العبَّاسِ بنِ الحُصَيْنِ، أَبُو القَاسِمِ الشَّيْبَانِي الهَمَذَانِيُّ، ثمَّ البَغْدَادِيُّ، المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، وَصَفَهُ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ بِـ "مُسْنِدُ العِرَاقِ"، وَقَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ:"وَعُمِّرَ حَتَى صَارَ أَسْنَدَ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيْحَ السَّمَاعِ". وَآخرُ أَصْحَابِهِ عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ (ت: 607 هـ).

اسْتَدْرَكَهُ أَحَدُ الفُضلَاءِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ البَسَّامِ في عُنَيْزَةَ، وَهِيَ نُسْخَة جَيِّدةٌ لَكِنَّها غَيْرُ مُعْتَمَدةٍ في الأُصُوْلِ. أَخْبَارُهُ كَثيْرَةٌ، وَشُهْرَتُهُ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيْثِ طَبَّقَتِ الآفَاقَ مِنْهَا فِي المُنْتَظَمِ (10/ 24)، وَمَشْيَخَةِ ابنِ الجَوْزِيِّ (53)، وَمُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ =

ص: 390

‌77 - مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ

(1)

بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَّاءِ، القَاضِي الشَّهِيْدُ، أَبُو الحُسَيْنِ، ابنِ شَيْخِ المَذْهَبِ، القَاضِي أَبِي يَعْلَى.

= (2/ 1222)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (19/ 536)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 77). وَكَانَ أَبُوْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ والفَضْلِ (ت: 469 هـ). وَلهُ أَخَوَانِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ والفَضْلِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا: عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَبُو غَالِبٍ (ت: 469 هـ). ذَكَرَهُ ابنُ النَّجَّارِ في ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (1/ 292)، وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وأَرْبَعِمَائَةِ قَالَ:"بَعْدَ أَبيْهِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا" وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؛ لأنَّ أَخَاهُ هِبَةَ اللهِ وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثلاثِيْنَ؟!. فَلَا بُدَّ أنَّ فِي العِبَارَةِ خَلَلًا.

وَالآخَرُ: أَبُو الفَرَجِ الحُصَيْنُ. قَالَ ابنُ النَّجَّارِ في تَرْجَمَةِ عَبْد الواحد: سَمِعَ مِنْ أَخَوَيْهِ أَبي القَاسِم هِبَةُ اللهِ، وَأَبِي الفَرَجِ الحُصَيْنُ. وَلَمْ أَقِفْ الآنَ عَلَى أَخْبَارِهِ. وَحَفِيْد أَخِيْهِ: وَاسْمُهُ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مَسْعُودِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، مَجْدُ الدِّيْنِ، أَبُو غَالِبٍ (ت: 597 هـ) ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارُ في ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (1/ 103) وكَانَ كَاتِبًا بَلِيْغًا، خَدَمَ المُلُوْكَ وَالسَّلاطِين في العِرَاقِ والشَّامِ وَمِصْرَ، وَأَقَامَ بِـ "حَلَبَ" وَفِيْهَا وَفَاتُهُ، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبين العِمَادِ الأَصْبَهَانِيِّ الكاتِبِ صدَاقَةٌ كَمَا فِي خَرِيْدَة القَصْرِ (2/ 271).

(1)

77 - القَاضِي أَبُو الحُسين بن أبي يَعْلَى (451 - 526 هـ):

مُؤَلِّفُ "الطَّبَقَاتِ" ذَكَرْتُ أَخْبَارَهُ مُفَصَّلَةً فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ المَذْكُوْرِ. أَخْبَارُهُ فِي: مَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (637)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 19)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 499)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 106)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرُّ المُنَضَّدِ" (1/ 241). وَيرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 1028)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 29)، وَالتَّقْيِيْدُ (1/ 104)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 601)، وَالعِبَرُ (4/ 69)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (1/ 159)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 251)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (8/ 88)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَة (12/ 204)، وَنُزْهَةُ العُيُوْنِ (2/ ورقة: 404)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 79)(6/ 13).

ص: 391

وُلِدَ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَقَرَأَ بِبَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الخَيَّاطِ

(1)

، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِيْهِ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأَبَوي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِيْ، وَابْنِ النَّقُّوْرِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَالعَاصِمِيِّ، وَطَبَقَتِهِمْ. وَتُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَهُوَ صَغِيْرٌ

(2)

، فَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَأَفْتَى، وَنَاظَرَ، وَكَانَ عَارِفًا بِالمَذْهَبِ، مُتَشَدِّدًا فِي السُّنَّةِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ فِي الفُرُوْعِ وَالأُصُوْلِ، وَغَيْرِ ذلِكَ، مِنْهَا:

(1)

قَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الطَّبَقَاتِ (3/ 432، 433): "قَرأْتُ عَلَيْهِ خَتْمَتَيْنِ لِنَافِعٍ؛ إِحَدَاهُمَا: مِنْ طَرِيْقِ الحُلْوَانِيِّ وَأَبِي نَشِيْطٍ

وَسَاقَ سَنَدَهُ إِلَى نَافِعٍ فِيْهِمَا، ثُمَّ قَالَ:"وَكَانَ خَتْمِي عَلَيْهِ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَكَانَ شَيْخِي قَرَأَ بِهَا فِي المُحَرَّم سَنَةَ أَرْبَعَمَائَةَ. وَالخَتْمَةُ الثَّانِيَةُ: منْ طَرِيْقِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ بِضَمِّ المِيْمَاتِ فِي جَمِيْعِ القُرْآنِ، وأَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا عَلَى أَبِي الحَسَنِ السُّوْسَنْجَرْدِيِّ فِي سَنَةِ أَرْبَعِمَائَةَ .. " وَسَاقَ سَنَدًا إِلَى نَافِعٍ قَالَ: "وَكَانَ فَرَاغِي مِنْ هَذِهِ الخَتْمَةِ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسِ وَسِتِّيْنَ وأَرْبَعِمَائَةَ".

(2)

يَظْهَرُ أنَّه بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ كَفَلَهُ جَدُّهُ لأُمِّهِ جَابِرُ بنُ يَاسِيْنَ الحِنَّائيُّ، العُكْبَرِيُّ، العَطَّارُ (ت: 464 هـ)، وَأَنَّهُ عَاشَ فِي كَنَفْ أَخْوَالِهِ الَّذِيْنِ عَرَفْنَا مِنْهُم عَبْدِ اللهِ بنَ جَابِرٍ (ت: 493 هـ)، ومُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ. وَكَانَا مِنَ العُلَمَاءِ، وَلَا شكَّ أَنَّه أَفَادَ مِنْ أَخْوَالِ أُمِّهِ مِنْهُمْ: عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، أَبُو القَاسِمِ البُنْدَارُ البُسْرِيُّ (ت: 474) وابْنُه الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ (ت: 497 هـ) وَقَدْ أَسْنَدَ عَنِ الأوَّلِ في "الطَّبَقَاتِ" وَوَصَفَهُ بِـ "خَالي" وَ"خَالِ أُمِّي" وَهُمَا مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ بِـ "بَغْدَادَ" في زَمَنِهِمَا، وَلَهُمَا ذِكْرٌ وأَخْبَارٌ. وَقد كَتَبَ لَهُ وَالِدُهُ وَلأَخِيْهِ أَبِي القَاسِمِ إِجَازَةً، بِطَلَبِ خَالِهِمَا عَبْدِ اللهِ بن جَابِرِ بنِ يَاسِيْن.

ص: 392

"المَجْمُوْعُ فِي الفُرُوْعِ""رُؤوْسُ المَسَائِلِ""المُفْرَدَاتِ فِي الفِقْهِ""التَّمَامُ لِكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالوَجْهَيْنِ"

(1)

الَّذِي لأَبِيْهِ "المُفْرَدَاتُ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ""طَبَقَاتُ الأَصْحَابِ"

(2)

"إِيْضاحُ الأَدِلَّةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الفِرَقِ الضَّالَّةِ المُضِلَّةِ""الرَّدُّ عَلَى زَائِغِي الاعْتِقَادَاتِ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ سَمَاعِ الآيَاتِ""شَرَفُ الاتِّبَاعِ وَسَرَفُ الابْتِدَاعِ""تَنْزِيْهُ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَان""المُقْنِعُ فِي النِّيَّاتِ""المِفْتَاحُ فِي الفِقْهِ".

وَقَرَأَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ: الشَّيْخُ عَبْدُ المُغِيْثِ الحَرْبِيِّ، وَغَيْرُهُ. وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ مِنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ: ابنُ نَاصِرٍ، وَمَعْمَرُ بنُ الفَاخِرِ، وَابنُ الخَشَّابِ، وَأَبُو الحُسَيْنِ البَرَانْدَسِيُّ الفَقِيْهُ، وَالجُنَيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الجِيْلِيُّ الفَقِيْهُ، وَحَدَّثَا عَنْهُ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ بنُ الحَافِظِ أَبِي العَلَاءِ الهَمَذَانِيِّ، وَأَبُو نُجَيْحٍ مَحْمُوْدُ بنُ أَبِي المُرَجَّى الأصْبَهَانِيُّ الحَنْبَلِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَبِي حَبَّةَ

(3)

، وَيَحْيَى بنُ بَوْشٍ، وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضًا: عَلِيُّ بنُ المُرَجِّبِ البَطَائِحِيُّ، وَالمُبَارَكُ بنُ الطَّبَّاخِ، وَابْنُ الخُرَيْفِ، وَابنُ عَسَاكِرٍ الحَافِظُ، وَبالإِجَازَةِ أَبُو مُوْسى المَدِيْنِيُّ، وَابْنُ كُلَيْبٍ.

وَكَانَ للقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ بَيْتُ في دَارِهِ بِـ "بَابِ المَرَاتِبِ" يَبِيْتُ فِيْهِ

(1)

نُشِرَ فِي دَارِ العَاصِمَةِ فِي الرِّيَاضِ سَنَة (1414 هـ).

(2)

طُبِعَ عِدَّةُ طَبَعَاتِ آخِرُهَا سَنَةَ (1419 هـ) بِتَحْقِيْق وَتَعْلِيْق الفَقِيْرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَرْجُو الله جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ.

(3)

في (ط) بطبعتيه: "جسد" تَحْرِيْفٌ ظَاهِرٌ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَبِي حَبَّةَ (ت: 588 هـ) وَرَجَّحْتُ أَنَّهُ حَنْبَلِيٌّ فَاسْتَدْرَكْتُهُ فِي وَفَيَاتِهَا.

ص: 393

وَحْدَهُ، فَعَلِمَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يَخْدِمُهُ وَيَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ بِأَنَّ لَهُ مَالًا، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ لَيْلًا، وَأَخَذُوا المَالَ وَقَتَلُوْهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ - لَيْلَةَ عَاشُوْرَاءَ - سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَصُلَّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ حَادِي عَشَرَ المُحَرَّمِ، وَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيْهِ بمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ"، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُوْدًا، وَقَدَّرَ اللهُ ظُهُوْرَ قَاتِلِيْهِ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ المَيْدُوْمِيُّ بـ "مِصْرَ"(أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ الحَرَّانِيُّ (أَثَنَا) أَبُو عَلِيٍّ ضِيَاءُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ النَّجَّارُ (أَثَنَا) القَاضِي أَبُو

(1)

يَعْلَى (أثنَا) أَبُو الغَنَائِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ المَأْمُوْنِ (أَثَنَا) أَبُو القَاسِمِ بنُ حَبَابَةَ (ثَنَا) أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ (ثَنَا) أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ (ثَنَا) جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:"وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيْمِ الأظْفَارِ وَنَتْفِ الإبِط وَحَلْقِ العَانَةِ: أَنْ لَا يُتْرَكَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(2)

.

نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ فِي "مُفْرَدَاتِهِ فِي الأصُوْلِ": اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ هَلْ يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ [فِي اليَمِيْنِ]

(3)

بِاللهِ؟ فَقَالَ: مَعَ انْقِطَاعِ يَمِيْنِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا، وَهِيَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ، اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ وَالوَالِدُ، وَبِهَا

(1)

في (ط) الفقي: "أبي".

(2)

رقم (258) في (الطَّهَارَةِ)"بَابُ خِصَال الفِطْرَةِ" مِنْ حَدِيْثِ أَنسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه. عَنْ هَامِشِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ".

(3)

ساقط من (أ).

ص: 394

قَالَ أَكْثَرُهُمْ.

وَجْهُ الأُوْلَى: أَنَّ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيْصَ يَجُوْزُ أَنْ يَتَأَخَّرَا، فَكَذلِكَ الاسْتِثْنَاءُ.

وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ: أَنَّ الاسْتِثْنَاءِ يُجْرِي مُجْرَى الشَّرْطِ؛ لأنَّهُ إِذَا انْفَصَلَ عَمَّا قَبْلَهُ لَمْ يُفِدْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ: اضْرِبْ زَيْدًا، أَوْ أَعْطِهِ دِرْهَمًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَوْمٍ، إِذَا قَامَ أَوْ أَكَلَ لَمْ يُفِدْ ذلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا كَذلِكَ فِي اليَمِيْنِ؟ هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوْفِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الرِّوَايَةَ الأُوْلَى كَمَا حَكَى عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ مِنْ صِحَّةِ الاسْتِثْنَاءِ، فِي اليَمِيْنِ، وَإِنْ طَالَ الفَصْلُ. وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الأَصْحَابِ حَكَى ذلِكَ عَنْ أَحْمَدَ.

‌78 - عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الدَّوَاحِيُّ،

(1)

أَبُو الحَسَنِ الوَاعِظُ،

تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ

(1)

78 - أَبُو الحَسَنِ الدَّوَاحِيُّ (؟ - 526):

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (وَرَقَة: 19)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 222)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 108)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 242). وَيُرَاجَعُ: الشَّذَرَات (4/ 79)(6/ 131).

يقُوْلُ الفَقِيْرُ الَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُليْمَان العثيمين - عفا الله عنه -: هكَذَا فِي جَمِيْعِ النُّسَخِ المُعْتَمَدَةِ فِي التَّحْقِيقِ وغَيرِ المُعْتَمَدَةِ، وَهكَذَا أَيْضًا فِي طَبْعَتَي الكِتَابَ، ومَصَادِرِ التَّرْجَمَةِ المَذْكُوْرَةِ؛ لأَنَّ الجَمِيْعَ نَقَلَ عَنِ ابنِ رَجَبٍ، وَيَظْهَرُ أَنَّ المُؤَلِّفَ ابنَ رَجَبٍ رحمه الله اخْتَصَرَ التَّرْجَمَةَ من "ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ" لابنِ النَّجَّارِ (3/ 302) فَتَحَرَّفتْ عَلَيْهِ اللَّفْظَةُ، والَّذي في "الذَّيْلِ لابنِ النَّجَّارِ":" الدَّوْلَعِيِّ" مَنْسُوْبٌ إلَى "الدَّوْلَعِيَّةِ" اسْمِ بَلْدَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ و"الدَّوْلَعِيَّةِ" ذَكَرَهَا يَاقُوْتُ الحَمَوِيُّ فِي مُعْجمِ البُلْدَانِ (2/ 553) فَقَالَ:"بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَبَعْدَ الوَاوِ السَّاكِنَةِ لَامٌ مَفْتُوْحَةٌ، وَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ؛ قَرْيَةٌ كَبِيْرَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ "المَوْصِلِ" يَوْمٌ وَاحِدٌ، عَلَى سَيْرِ القَوَافِلِ مِنْ طَرِيْقِ "نِصِيْبِيْنَ" .. " وَلَفْظَةُ =

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= "الدَّوْلَعِيِّ" إِذَا انْفَصَلَتْ اللَّامُ عَنِ العَيْنِ تَحَرَّفَتْ إِلَى الدَّوَاحِيِّ".

وَأَنَا أَنْقُلُ لَكَ مَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ في أَخْبَارِهِ لِمَزِيْدِ الفَائِدةِ. قَالَ الحَافِظُ رحمه الله: "عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ دانج (؟) بنِ حَمْدَانَ بنِ مُؤَمَّلِ بنِ زُهَيْرِ بنِ نُوْفَلِ بن حَارِثَةَ الثَّعْلَبِيُّ، أَبُو الحَسَنِ الدَّوْلَعِيُّ الوَاعِظُ، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ الكَلْوَذَانِيِّ، وَكَانَ عَالِمًا بِالمَوَاقِيْتِ، قَدْ رَصَدَ النُّجوْمَ، وَعَانَاهَا وَعَرَفَ مَطَالِعَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَلَهُ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ سَمَّاهُ "المُرْشِدَ" سَمِعَهُ مِنْهُ الحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدُوْنَ العَبْدَرِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ، وَرَأَيْتُ بِخَطِّ أَبي مُحَمَّدِ بنِ الخَشَّابِ عَلَى وَجْهِ هَذَا الكِتَابِ: هَذَا أَبُو الحَسَنِ الدَّوْلَعِيُّ صَدِيْقُنَا، وَقَدْ أَوْقَفْتُهُ عَلَى أَشْيَاءٍ وَوَافَقَ عَلِيْهَا، وَقَدْ ضَرَبَ فِي حَوَاشِي الكِتَابِ غَيْرَ مَوْضِعٍ بِخَطِّهِ. قَرَأَتُ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ المُبَارَكِ بنِ كَامِلِ بنِ أَبي غَالِبٍ الخَفافِ بِخَطِّهِ قَالَ: مَاتَ عَلِيٌّ الدَّوْلَعِيُّ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ خَامِس شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ" يَوْمَ الجُمُعَةِ".

(فَائِدَة): ويُنْسَبُ إِلَى "الدَّوْلَعِيَّةِ" نَصْرُ اللهِ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ نَصْرِ اللهِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ أَبِي البَرَكَاتِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّلَامِ، أَبُو الفَتْحِ التَّمِيْمِيَّ، من وَلَدِ الأقْرَعِ بنِ حَابِسٍ الدَّوْلَعِيُّ الخَطِيْبُ المَنْعُوتُ بِـ "المُهَذَّبِ". . ." كَذَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ في "مُعْجَمِهِ" (2) (ورقة: 179) وَقَالَ: "الدَّوْلَعِيَّةُ": قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ "المَوْصِلِ". . ." وأَنْشَدَ لَهُ:

سَلِ الوَمِيْضَ عَلَى نَجْدٍ إِذَا ابْتَسَمَا

يُخْبِرْكَ عَنْ ظَبَيَاتِ الجَزْعِ إِنْ عَلِمَا

وَاسْتَنْطِقِ الضَّالَ عَنْ سَرْبٍ تَكَنَّسَهُ

بِالأَمْسِ وَاسْتَلَمَ البَانَاتِ وَالسَّلَمَا

وَارْبَعْ عَلَى العَلَمِ الفَرْدِ الَّذِي نَصَبَتْ

مِنْهُ الحُقُوْقُ لأَشْيَاعِ الهَوَى عَلَمَا

فَثَمَّ مَسْرَحُ ظَبْيٍ وَجْهُهُ قَمَرٌ

إِذَا بَدَا فِي الدَّيَاجِي يَفْضَحُ الظُّلَمَا

وَلَهَا بَقِيَّةٌ. قَالَ الحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ: وَأَنْشَدَنَا نَصْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ، قَالَ أَنْشَدَنِي وَلَدِي أَبُو اليُسرِ مَنْصُوْرٌ لِنَفْسِهِ:. . ." وَأَوْرَدَ أَبْيَاتًا تَجِدْهُمَا هُنَاكَ. ثُمَّ قَالَ: "مَوْلِدُ المُهَذَّبِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، ومَوْلِدُ وَلَدِهِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمَائَةَ".

ص: 396

الكَلْوَذَانِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحَدِيْثَ.

تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ خَامِسَ شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الغَدِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ".

‌79 - مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ

(1)

بنِ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الله الشَّيْبَانِيُّ، الحَاجِّيُّ،

= (فَائِدَةٌ أُخْرَى): يُنْسَبُ هَذِهِ النِّسْبَةُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَضْلِ بنِ زَيْدٍ بنِ يَاسِيْنَ، جَمَالُ الدِّيْنِ الدَّوْلَعِيُّ، خَطِيْبُ جَامِعِ "دِمَشْقَ" (ت: 635 هـ) الَّذِي أَنْشَأَ المَدْرَسَةَ الدَّوْلَعِيَّةَ الشَّامِيَّةَ بِـ "جِيْرُوْنَ" وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ذَكَرَ بِهَا الدَّرْسَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ أَخُوْهُ شَرَفُ الدِّيْنِ، وَمِنْ بَعْدِهِ ابْنُ أَخِيْهِ شَمْسُ الدِّيْن. . .". يُرَاجَعُ: الأَعْلَاقُ الخَطِيْرَة (مَدِيْنَة دِمَشْق)(234)، وَالدَّارِسُ فِي تَارِيْخِ المَدَارِسِ (1/ 242). وَعَمُّ جَمَالِ الدِّيْنِ هَذَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ زَيْدِ

(ت: 598 هـ) كَانَ مِن كِبَارِ العُلَمَاءِ، وَكَانَ خَطِيْبَ جَامِعِ "دِمَشْق" قَبْل ابْن أَخِيْهِ، لَهُ أَخبَارٌ. وَهُم مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. يُرَاجَعُ: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (21/ 350)، وَطَبَقَات الشَّافِعِيَّة للسُّبْكِيِّ (7/ 187).

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (526 هـ):

88 -

أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، أَبُو العِزِّ بنِ كَادِشٍ السُّلَمِيُّ، العُكْبَرِيُّ، البَغْدَادِيُّ. أَخبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (10/ 28)، وَمُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 48)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (141)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 558)، وَعَدَّهُ السُّبكيُّ فِي الشَّافِعِيَّةِ وَذَكَرَهُ فِي طَبَقَاتِهِ الكُبْرَى (7/ 87، 210). وَقَرِيْبُهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ (ت: 496 هـ) وَلَعَلَّهُ جَدُّهُ، ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

(1)

79 - أبُو بكْرٍ المَزْرَفِيُّ (439 - 527 هـ):

أخْبَارُهُ فِي: مَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (637)، وَمُخْتَصَرِهِ (19)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 19)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 394)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 108)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 242). وَيُرَاجَعُ: =

ص: 397

المَزْرَفِيُّ، المُقْرِئُ، الفَرَضِيُّ، أَبُو بَكْرٍ.

وُلِدَ فِي سَلْخِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. وَقَرَأَ القُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الحَمَّامِيِّ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرِ بنِ مُوْسَى الخَيَّاطُ، وَطَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ القَوَّاسُ. وَسَمِعَ مِن ابنِ المُسْلِمَةِ، وَابنِ المَأْمُوْنِ، وَالصَّرِيْفِيْنِيِّ، وَابنِ المُهْتَدِي، وَابنِ النَّقُوْرِ، وَالنَّهْرَوَانِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ العَاصِمِيِّ، وَابنِ البُسْرِيِّ

(1)

،

= الأَنْسَابُ (12/ 221)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 33)، وَمَشْيَخَةُ ابنِ الجَوْزِيِّ (59)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ (5/ 555)، وَمُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 917)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (5/ 142)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (159)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 631)، وَمَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 484)، وَالعِبَرُ (4/ 72)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ (155)، وَالمُشْتَبَهُ (1/ 357)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (3/ 10)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (2/ 131)، وَتَوْضِيْحُ المُشْتَبَهِ (8/ 140)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبِهِ (4/ 1361)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 251)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 81)(6/ 135).

- وَذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيْخ الإِسْلامِ (92): عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ المُبَارَكِ، أَبُو الحَسَنِ (ت: 504)، وقَالَ:"ابن أُخْتِ المَزْرَفِيِّ" وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي الاسْتِدْرَاكِ على المُؤَلِّفِ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَبَقَ.

- وَعُرِفَ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ (ت: 553 هـ) بِـ "صَاحِبِ أَبِي بَكْرِ بنِ المَزْرَفِيِّ. يُرَاجَعُ: تَارِيْخُ الإِسْلامِ (131) نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

(1)

في (ط) بطبعتيه: "البَرِّي" وهي كَذَلِكَ في (أ) و (ب) و (ج) وفي (د) و (هـ): "البُسْرِي" كَمَا أَثْبَتْنَا، وَأَشَارَ مُحَقِّقَا (ط) الدُّكتور هنري لاووست، وَالدُّكتور سَامِي الدَّهَّان، وَكَذَا (ط) الشَّيخ حامد الفَقِي إِلَى هَذَا الفَرْقِ في القِرَاءَةِ، وَإِنَّما اخْتَرْتُهُ؛ لأَنَّهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ - أَقْربُ إِلَى الصَّوَابِ، فَيَكُوْنُ المَقْصُوْدُ الشَّيْخَ الجَلِيْلَ، العَالِمَ، الصَّدُوْقَ، مُسْنِدَ "العِرَاقِ" عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البُسْرِيَّ، أَبَا القَاسِمِ (ت 486 هـ) وَلَمْ يُذْكَرْ فِيْمَن سَمِعَ مِنْهُ، وَلكِنَّ الحَافِظَ الذَّهَبِيَّ رحمه الله ذَكَرَ مَجْمُوْعَةً مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مِنْ =

ص: 398

وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ الدَّجَاجِيِّ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْرًا، وَبَرَعَ فِي القِرَاءَاتِ، وَتَفَرَّدَ بِعِلْمِ الفَرَائِضِ، وَأَلَّفَ فِيْهِ.

وَذَكَرَ ابنُ نَاصِرٍ أَنَّهُ كَانِ مُقْرِئَ زَمَانِهِ، قَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ الحَافِظُ، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرٍ البَطَائِحِيُّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ ابنُ نَاصِرٍ، وَابْنُ عَسَاكِرٍ، وَاليُوْنَارْتِيُّ، وَأَبُو سَعْدِ

(1)

بنُ أَبِي عُصْرُوْنَ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ،

= أَهْلِ طَبَقَتِهِ مِنَ الحَنَابِلَةِ خَاصَّةً منهم: أبُو عَليٍّ البَرَدَانِيُّ وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَمَوْهُوُبٌ الجَوَالِيْقِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالحَافِظُ ابنُ نَاصِرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، وَمِنْ غَيْرِ الحَنَابِلَةِ: نَصْرُ بنُ نَصْرٍ العُكْبَرِيُّ، وَالحُمَيْديُّ، وَالحَافِظُ الخَطِيْبُ، وَابنُ طِرَادِ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ الغَازِيِّ، وَابنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ

وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ مِنَ الحَنَابِلَةِ؛ لِذَا اسْتَدْرَكْتُهُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله في سَنَةِ وَفَاتِهِ المَذْكُوْرَةِ، كَمَا اسْتَدْرَكْتُ وَالِدَهُ مِنْ قَبْلُ فِي وَفيَاتِ سَنَةِ (486 هـ)؛ لأنَّ وَالِدَهُ خَالُ أُمِّ القَاضِي أَبي الحُسَيْنِ بنِ أَبِي يَعْلَى، وَهِيَ بِنْتُ الشَّيْخِ جَابِرِ بنِ يَاسِيْن وَهُوَ حَنْبَلِيٌّ أَيْضًا.

وَمِنْ مَنْهَجَي أَنَّنِي أُلْحِقُ القَرَابَاتِ، مَا لَمْ يُنَصَّ عَلَى تَحَوُّلِهِ، أَوْ يَثْبُتْ بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَذْهَبِ سَلَفِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(1)

في (ج) و (د): "سَعِيْدٌ" وهو خَطَأٌ، والمَقْصُوْدُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَبي عَصْرُوْنَ التَّمِيْمِيُّ الحَدِيْثِيُّ الأَصْلِ المَوْصِلِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت 585 هـ) يُلَقِّبُونَهُ - وَلَا أُلَقِّبُهُ - قَاضِي القُضَاةِ، ويُلَقَّبُ أَيْضًا شَرَفَ الدِّين، عَالِمَ أَهْلِ "الشَّامِ"، شَيْخَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَيْهِ تُنْسَبُ المَدَارِسُ العَصْرُونِيَّةِ في بِلَادِ الشَّامِ، وفي ذُرِّيَتِهِ عُلَمَاءُ أَفَاضِلُ. قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَرْجَمَتِهِ فِي سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (21/ 126):"وَتَلَا بِالسَّبْعِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ البَارِعِ، وبِالعَشْرِ عَلَى أَبي بَكْرٍ المَزْرَفِيِّ. . ." أَخْبارُهُ في: خَرِيْدَةِ =

ص: 399

وَجَمَاعَةٌ آخِرُهُمْ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ

(1)

، وَدَرَسَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ الفَرَائِضَ وَالحِسَابَ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُوْنَارْتيُّ في "مُعْجَمِهِ": هُوَ وَحِيْدُ عَصْرِهِ فِي خُلُقِهِ، وَحُسْنِ قِرَاءَتِهِ. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ ثِقَةً، عَالِمًا، ثَبْتًا، حَسَنَ العَقِيْدَةِ. وَقَالَ ابنُ القَطِيْعِيِّ: سَمِعْتُ ابنَ الأَخْضَرِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الخَشَّابَ يَقُوْلُ: قَدْ سَمِعْتُ مِنْ يَحْيَى بنِ مَنْدَه سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ - وَحَضَرَ مَعِي فِي الطَّبَقَةِ أَبُو مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطُ المُقْرِئُ - وَلَا أَفْرَحُ بِسَمَاعِي مِنْهُ مِثْلَ مَا أَفْرَحُ بِسَمَاعِي مِنَ المَزْرَفِيِّ؛ وَذلِكَ لأنَّهُ طَلَبَ الحَدِيْثَ بِنَفْسِهِ وَفَهِمَ.

تُوُفِّيَ يَوْمَ السَّبْتِ مُسْتَهَلَّ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ فَجْأَةً، وَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي سُجُوْدِهِ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ".

(وَالمَزْرَفِيُّ) نِسْبَةً إِلَى "المَزْرَفَةِ":

(2)

قَرْيَةٌ بَيْنَ "بَغْدَادَ" وَ"عُكْبَرَا"،

= القَصْرِ "قِسْم شُعَرَاء الشَّامِ"(2/ 351)، وَوَفَيَاتِ الأَعْيَانِ (3/ 53)، وَالعِبَرِ (4/ 256)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (7/ 132)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (1/ 455). ويُرَاجَعُ عَنِ "المَدْرَسَةِ العَصرُونِيَّةَ" الأَغْلَاقُ الخَطِيْرَةِ لابنِ شَدَّادٍ "مَدِيْنَةُ دِمَشْقَ"(124، 210، 238). وَالدَّارِسُ فِي تَارِيْخِ المَدَارِسِ للنُّعَيْمِيِّ (1/ 399). وَأَلَّفَ الدُّكْتُور صَادِق أَحْمَدَ دَاوُد جَوْدة "المَدَارس العَصْرُونيَّة في بلادِ الشَّامِ" طُبِعَ سَنَةَ 1406 هـ (الشَّرِكَةِ المُتَّحِدَةِ).

(1)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "المَيْدَانِي" وسَبَقَ التَّنْبِيْهُ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ مِرَارًا.

(2)

يُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (5/ 142)، ولَمْ يَضْبِطْهَا المُؤَلِّفُ هُنا كَما تَرَى، وَضَبَطَهَا الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "المُشْتَبَهِ" لَهُ بِكسْرِ المِيْمِ بِخَطِّ يَدِهِ فِي رَسْمِ القَلَمِ، وَكَذلِكَ هِيَ فِي مُؤَلَّفَاتِهِ الأُخْرَى. قَالَ ابنُ نَاصِرِ الدِّيْنِ فِي "التَّوْضِيْحِ":"وَقَدْ وَجَدْتُ المُصَنِّفَ [الذَّهَبِيَّ] كَسَرَ المِيْمِ بِخَطِّهِ، وَقَدْ نَصَّ أَبُو سَعْدِ بنُ السَّمْعَانِي، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نُقْطَةَ عَلَى فَتْحِهَا"(ذَكَرْتُهُمَا فِي مَصَادِرِ تَخْرِيْجِ التَّرْجَمَةِ).

ص: 400

وَلَمْ يَكُنْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ أَبُوْهُ إِلَيْهَا أَيَّامَ الفِتْنَةِ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى "بَغْدَادَ" قِيْلَ لَهُ: المَزْرَفِيُّ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ المِصْرِيُّ بِهَا (أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ الحَرَّانِيُّ (أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ (أَثَنَا) أَبُو بَكْرٍ المَزْرَفِيُّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ (أَنَا) أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ (أَثَنَا) أَبُو الفَضلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَن الزُّهْرِيُّ، (أَثَنَا) جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ (ثَنَا) قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، (ثَنَا) إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بنِ مَالِكٍ بنِ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ؛ إِذَا حَدَّثَ كذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ" أَخْرَجَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ

(1)

.

‌80 - عَلِيُّ بنُ عَبَيْدِ اللهِ

(2)

بنِ نَصْرِ بنِ السَّرِيِّ.

(3)

كَذَا نَسَبَهُ ابنُ شَافِعٍ وَابْنُ الجَوْزِيِّ

(1)

رَوَاهُ البُخَارِيُّ في صَحِيْحِهِ رَقَم (33) فِي (الإِيْمَانِ)"بَابُ عَلَامَةِ المُنَافِقِ" و (6095) في (الأَدَبِ)، وَمُسْلِمٌ رقم (59) في (الإِيْمَان) في "بَابِ خِصَالِ المُنَافِقِ" مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه. عَن هَامِش "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ".

(2)

في "المَقْصَدِ الأَرْشَدِ" وَ"الكَامِلِ فِي التَّارِيْخِ": "ابنُ عَبْدِ اللهِ"؟!.

(3)

80 - أَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ (455 - 527 هـ):

أَخْبَارُهُ في: مَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (637)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصْرِ اللهِ (وَرَقة: 19) وَالْمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 232)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 109)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 242)، والمَدْخَلِ لابنِ بَدْرَان (416). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 722)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 32)، وَمَشْيَخَةُ ابْنِ الجَوْزِيِّ (79)، وَاللُّبَابُ (2/ 53)، وَتَارِيْخُ الحُكَمَاءِ (11)، وَالْكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ لابن الأَثِيْرِ (11/ 9)، ومُعْجَمُ البُلْدَانِ (3/ 142)، وَوَفِيَاتُ الأَعْيَانِ (3/ 453)، وَالمُشْتَبَهُ للذَّهبِيِّ (330)، وَسِيَرُ =

ص: 401

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 605)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (154)، وَالعِبَرُ (4/ 72)، ودُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 48)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنِ (154)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (216)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 205)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 252)، وَتَوْضِيْحُ المُشْتَبَهِ (4/ 255)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبهِ (2/ 650)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 80)، (6/ 133).

وَنِسْبَتُهُ: "الزَّاغُوْنِيُّ" إِلَى قَرْيَةٍ اسْمُهَا "زَاغُوْنِي" كَمَا في مُعْجَمِ البُلْدَانِ (3/ 142) قَالَ: "قَرْيَةٌ مَا أَظُنُّها إِلَّا مِنْ قُرَى "بَغْدَادَ"." وفي "التَّوْضِيْحِ" لابنِ نَاصِرِ الدِّينِ (4/ 255) قَالَ: "قُلْتُ: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبَعْدَ الأَلِفِ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ مَضْمُوْمَةٌ، ثُمَّ وَاوٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ نُوْنٌ مَكْسُوْرَةٌ، نِسْبَةٌ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا "زَاغُيِيْنَا".".

"فَائِدَةٌ" ذَكَرَ يَاقُوْتُ فِي المَنْسُوْبِيْن إِلَيْهَا: أَحْمَدُ بنُ الحَجَّاجِ بن عَاصِمٍ الزَّاغُوْنِيَّ، أَبُو جَعْفَرٍ، يَرْوِي عَنْ أَحْمَد بن حَنْبَل، أَسْنَدَ ذلِكَ عَنِ ابن الأَخْضَرِ، وَابنُ الأَخْضَرِ لَهُ تَأْلِيْفٌ فِي الرُّوَاةِ عَنْ أَحْمَدَ اسْمُهُ "المَقْصَدُ الأَرْشَدُ" كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَتِهِ. وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَذْكُرْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْن في "الطَّبَقَاتِ" وَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ، وَلَمْ يَذْكُر السَّمْعَانِيُّ هَذِهِ النِّسْبَة؟! وَاسْتَدْرَكها ابنُ الأَثِير في "اللُّبَابِ". وَوَلَدُهُ: عُبَيْدُ اللهِ بن نَصْرٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةِ (514 هـ). وَأَخُوْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَصْرٍ (ت: 552 هـ) سَيَأْتِي في اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

- وَذَكَرَ الحُسَيْنِيُّ فِي صِلَةِ التَّكْمِلَةِ (ورقة: 127) مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الزَّاغُوْنِيَّ وَذَكَرَ وَفَاتَهُ بِـ "مِصْرَ" فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ (656 هـ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَذْهَبَهُ، وَلَا رَفَعَ نَسَبَهُ فَهَلْ هُوَ حَفِيْدُ أَخِيْهِ المَذْكُوْرِ؟ وَهَلْ هُوَ حَنْبَلِيٌّ مُسْتَدْرَكٌ عَلَى المُؤَلِّفِ؟ أَظُنُّ ذلِكَ، وَوَصَفَهُ الحُسَيْنيُّ بِـ "الشَّيْخِ الصَّالِحِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ".

(فائدةٌ أُخْرَى): وَذَكَرَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ (311) وَفَيَاتِ سَنَةِ (548 هـ):

89 -

عبْدَ الرَّحِيْمِ بنَ أَحْمَد بنِ مُحَمَّد بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمِ بنِ الإخْوَةِ البَغْدَادِيَّ اللُّؤْلُؤُيَّ، ونَقَلَ عَنِ ابنِ السَّمْعَانِيِّ قَوْلَهُ: "وَسَمَّعَهُ خَالُهُ أَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ الفَقِيْهُ من أَبِي عَبْدِ اللهِ =

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= النَّعَّالي، ونَصْرِ بنِ البَطِرِ. . ." وَابْنُ الإِخْوَةِ هَذَا من أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ؛ فَوَالِدُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ مُحَمَّدٍ (ت: 541 هـ) عَالِمٌ، تَرْجَمَ لَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "السِّيَرِ"، وعَمُّهُ: الفَرَجُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو عَلِيٍّ (ت: 546 هـ) شَاعِرٌ، ذَكَرَهُ العِمَادُ الكَاتِبٌ في خَرِيْدَةِ القَصْرِ "قِسْمِ شُعَرَاءِ العِرَاقِ"(2/ 186). وَأَخُوْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَالِمٌ، وَلَا أَدْرِي هَلْ هُوَ شَقِيْقُهُ فَيَكُوْنُ أَيْضًا ابنُ أُخْتِ أَبي الحَسَنِ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ أَوْ لا؟ وَهِشَامُ بنُ عبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، ابنُ عَبْدِ الرَّحِيْم، سَالِفِ الذِّكْرِ، وَكَانَ عَالِمًا، مُسْنِدًا، مُحَدِّثًا، ثِقَةٌ (ت: 606 هـ) وَغَيْرُهُم كَثِيْرٌ.

وَعَبْدُ الرَّحِيْم هَذَا، شَاعِرٌ رَقِيقُ الشِّعْرِ جَيِّدُهُ، ومَعَ أَنَّهُ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ فَشِعْرُهُ في غَايةِ الجَوْدَةِ يُضَاهِي شِعْرَ كِبَارِ الشُّعَرَاءِ في العَصْرِ العَبَّاسِي، وَقَد غَفَلَ عَنْهُ مُؤَرِّخُو الأَدَبِ. قَالَ العِمَادُ الكَاتِبُ في الخَرِيْدَةَ (قسْمِ شُعَرَاءِ العِرَاق)(3/ 1/ 140)"وَهُوَ جَامِعُ العُلُوْمِ، مُتَفَرِّدٌ بِإِنْشَاءِ المَنْثُوْرِ وَالمَنْظُوْمِ، أَفَاضِلُ العَصْرِ تَلَامِذَةُ عِلْمِهْ، وَأَمَاثِلُ الدَّوْلَةِ مُهْتَدُوْنَ بِنَجْمِهْ، وَقَدْ أَخَذَ بِجَامِعِ الحَقَائِقِ النَّقْلِيَّةِ، واطَّلَعَ عَلَى دَقَائِقِ مَكْنُوْنَاتِ الأَدَبِ الخَفِيَّةِ، فَأَمَّا الحَدِيْثُ فَهُو سَابِقُ فُرْسَانِهْ، وأَمَّا التَّفْسِيْرُ فَهُوَ فَارِسُ مَيْدَانِهْ، وأَمَّا النَّحْوُ فَهُو بَدْرٌ طَلَعَ فِي أُفْقِهْ، وأَمَّا الأَدَبُ فَهُو شَمْسٌ طَلَعَتْ مِنْ شَرْقِهْ، يَكَادُ شِعْرُهُ مِنَ اللَّطَافَةِ يُذِيْبُ القَلْبَ القَاسِي، ونَثْرُهُ مِنَ السَّلَاسَةِ يُؤَوِّبُ الجَبَلَ الرَّاسِي، لَهُ مِنْ جَزَالَةِ البَدَاوَةِ طَلَاوَةٌ، وَلَهُ مِنْ حَلَاوَةِ الحَضَارَةِ عَلَاوَةٌ، مَعَانِيْهِ أَدَقُّ مِنَ السِّحْرِ الحَلَالْ، وَأَلْفَاظُهُ أَرَقُّ مِن المَاءِ الزُّلَالْ، وأَنَاشِيْدُهُ أَثْرَى مِنْ شَدَوَاتِ الحَمَامِ عَلَى الفَنَنْ، وَأَحْلَى مِنْ حَدَوَاتِ الحَادِيْنَ لِلظَّعَنْ".

وَأَوْرَدَ العِمَادُ نَمَاذِجَ مِنْ شِعْرِهِ قَصَائِدَ طِوَالًا فِي غَايَةِ الجَوْدَةِ وَحُسْنِ الاخْتِيَارِ. وَلَمَّا أَنْشَدَ لَهُ صَدْرَ قَصِيْدَةٍ قَالَ: "أَقُوْلُ: هَذِهِ الأَبْيَاتُ حَقُّهَا أنْ تُطَرَّزَ بِمَاءِ الذَّهَبِ عَلَى وِشَاحِ الأَدَبِ. . ." ثم أَنْشَدَ منْهَا أَبْيَاتًا وَقَالَ: "هَذَا سِحْرٌ لَا شِعْرٌ، وَلَهُ بِاخْتِيَارِ هَذَا المَعْنَى عَلَى المُتَقَدِّمِيْنَ فَخْرٌ .. " وأَنْشَدَ لَهُ مِنْ قَصِيْدَةٍ أَبْيَاتًا ثُمَّ قَالَ: "مَا أَعْجَبَ هَذا =

ص: 403

وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابنُ النَّجَّارِ: ابنُ نَصْرٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ سَهْلِ بنِ السَّرِيِّ. وَقَالَ ابنُ نُقْطَةَ: نَصْرُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ سَهْلِ بنِ الزَّاغُوانِيِّ البَغْدَادِيُّ، الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ الوَاعِظُ، أَبُو الحَسَنِ، أَحَدُ أَعْيَانِ المَذْهَبِ، وسَمِعَ مِنْ أَبِي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأَبِي جَعْفَرِ بنِ المُسْلِمَةِ، وَأَبي مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيِّ وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ

(1)

، وَأَبِي مُحَمَّدِ عَبْدِ اللهِ

(2)

بنِ عَطَاءٍ الهَرَوِيِّ، وَجَمَاعَةٍ آخَرِيْنَ. وَقَرَأَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي يَعْقُوْبَ البَرْزَبِيْنِيِّ، وَقَرَأَ الكَثِيْرَ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالفَرَائِضِ، وَكَانَ مُتَفَنِّنًا فِي عُلُوْمٍ شَتَّى، مِنَ الأُصُوْلِ، وَالفُرُوْعِ،

= الكَلَامَ! كَأَنَّمَا سُقِيَ شَرْبًا مِنْ تَسنِيْم، أَوْ رُكِّبَ مِنْ أَنْفَاسِ نَسِيْم" وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:"وَلَقَدْ ذَهَبَ - وَاللهِ - فِي الإِجَادَة كُلَّ مَذْهَبٍ، وَارْتَقَى فِي الفَصَاحَةِ كُلَّ مَرْقَبٍ" وَأَوْرَدَ لَهُ قَصِيْدَةَ رِثَاءٍ في ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ مَاتَ طِفْلًا فَقَالَ: "مَا أَظُنُّ أَنَّهُ رَثَي طِفْلًا بِأَحْسَنِ مِنْ هَذَا؟ وَأَوْرَدَ نَمَاذِجَ كَثِيْرَةً جِدًّا مِنْ شِعْرِهِ وَمُقَطَّعَاتِهِ وَنَثْرِهِ مِنْ ص (138 - 215).

90 -

وَذَكَرَ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ في ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (5/ 84): عُمَرَ بنَ سَعَادَةَ المُقْرِئَ النَعَّالَ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ: كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بن عُبِيْدِ الله بن الزَّاغُوْنِيِّ. وَرَوَى عَنْهُ "كِتَابَ الخِرَقي" في الفِقْهِ عَلَى مَذْهَب أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، رَوَاهُ عَنْهُ عُثْمَانُ بنُ مُقْبِلٍ اليَاسِرِيُّ الوَاعِظُ. . ." وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. فَهُو مُسْتَدْرَكٌ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله.

- وَذَكَرَ ابنُ الفُوْطِيّ فِي مَجْمَعِ الآدَابِ (1/ 483) مَسْعُود بن عُمَر المَلَّاحَ (ت: 576 هـ) عَنْ "تَارِيْخِ ابنِ القَطِيْعِيِّ" وَقَالَ: كَانَ مُخْتَصًّا بِصُحْبَةِ الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَصْرٍ الزَّاغُونِيِّ. . ." نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الاسْتِدْرَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

(1)

في (ط) الفقي: "اليَسَرِي" وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو القَاسِمِ بنُ البُسْرِيِّ، تَقَدَّمَ التَّعْرِيْفُ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ. السَّابِقَةِ "المَزْرَفِي".

(2)

فِي الأُصُوْلِ: "أَبِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ" وَإِنَّمَا هُوَ "عَبْدِ اللهِ" كَمَا سَبَقَ فِي تَرْجَمَتِهِ رَقَم (21).

ص: 404

وَالحَدِيْثِ، وَالوَعْظِ، وَصَنَّفَ فِي ذلِكَ كُلِّهِ. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ لَهُ فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ العِلْمِ حَظٌّ وَافِرٌ، وَوَعَظَ مُدَّةً طَوِيْلَةً. قَالَ: وَصَحِبْتُهُ زَمَانًا، فَسَمِعْتُ مِنْهُ الحَدِيْثَ، وَعَلَّقْتُ عَنْهُ مِنَ الفِقْهِ وَالوَعْظِ وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ يُنَاظِرُ فِيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَعِظُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَيَجْلِسُ يَوْمَ السَّبْتِ أَيْضًا.

وَذَكَرَ ابنُ نَاصِرٍ: أَنَّهُ كَانَ فَقِيْهَ الوَقْتِ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ، وَكَانَ مَشْهُوْرًا بالصَّلَاحِ، وَالدِّيَانَةِ، وَالوَرَعِ، وَالصِّيَانَةِ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله حَامِدَ بنَ أَبِي الفَتْحِ المَدِيْنِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ

(1)

بنِ الزَّاغُوْنِيِّ - يَعْنِي أَخَا أَبِي الحَسَنِ هَذَا - يَقُوْلُ: ذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ مِمَّنْ يُوْثَقُ بِهِمْ: أَنَّهُ رَأَى فِي المَنَامِ ثَلَاثَةً، يَقُوْلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: اخْسِفْ، وَوَاحِدُ يَقُوْلُ: اِغْرِقْ، وَوَاحِدُ يَقُوْلُ: اِطْبِقْ - يَعْنِي: البَلَدَ - فَأَجَابَ أَحَدُهُمْ: لَا؛ لِأَنَّ بِالقُرْبِ مِنَّا ثَلَاثَةٌ: أَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَالثَّانِي أَحْمَدُ بنُ الطَّلَّايَةِ

(2)

، وَالثَّالثُ: مُحَمَّدُ بنُ فُلَانٍ مِنَ الحَرْبِيَّةِ.

وَلابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ تَصَانِيْفُ كَثيْرَةٌ، مِنْهَا: فِي الفِقْهِ "الإقْنَاعُ" في مُجَلَّدٍ، وَ"الوَاضِحُ" وَ"الخِلَافُ الكَبِيْرُ" وَ"المُفْرَدَاتُ" فِي مُجَلَّدَيْنِ، وَهِيَ مَائَةُ مَسْأَلَةٍ. وَلَهُ مصَنَّفٌ في الفَرَائِضِ يُسَمَّى "التَّلْخِيْصَ" وَجُزْءٌ فِي "عَوِيْصِ المَسَائِلِ الحِسَابِيَّةِ"

(1)

في (ط) الفقي: "عَبْدَ اللهِ".

(2)

أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ (ت: 549 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.

ص: 405

وَمُصَنَّفٌ في "الدَّوْرِ وَالوَصَايَا" وَلَهُ "الإيْضَاحُ في أَصُوْلِ الدِّيْنِ" مُجَلَّدٌ

(1)

وَ"غُرَرُ البَيَانِ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ" مُجَلَّدَاتٌ عِدَّةٌ، وَلَهُ "دِيْوَانُ خُطَبٍ" أَنْشَأَهَا، وَمَجَالِسُ فِي الوَعْظِ، وَلَهُ تَارِيْخٌ عَلَى السِّنِيْنِ

(2)

مِنْ أَوَّلِ وِلَايَةِ المُسْتَرْشِدِ إِلَى حِيْنَ وَفَاتِهِ هُوَ، وَ"مَنَاسِكُ الحَجِّ" وَ"فَتَاوَى" وَ"مَسَائِلُ فِي القُرْآن"، وَ"الفَتَاوَى الرَّجَبِيَّةُ"

(3)

وَ"جُزْءٌ" في تَصْحِيْحِ حَدِيْثِ الأَطِيْطِ، "سدره في المُسْتَحِيْلِ وَسَمَاع المُوْتَى فِي قُبُوْرِهِمْ".

وَكَانَ ثِقَةً صَدُوْقًا، صَحِيْحَ السَّمَاعِ، حَدَّثَ بِالكَثِيْرِ، وَرَوَى عَنْهُ ابنُ نَاصِرٍ، وَأَبُو المُعَمَّرِ الأنْصَارِيُّ، وَابنُ عَسَاكِرَ، وَابنُ الجَوْزِيِّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: صَدَقَةُ بنُ الحُسَيْنِ، وَابنُ الجَوْزِيِّ.

تُوُفِّيَ يَوْمَ الأحَدِ سَادِسَ عَشَرَ مُحَرَّمٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَة، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الإمَامِ أَحْمَدَ، بِـ "بَابِ حَرْبٍ" وَكَانَ لَهُ جَمْعٌ عَظيْمٌ يَفُوْتُ الإحْصَاءَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

(1)

وَقَفْتُ لَهُ عَلَى نُسْخَتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا في المَكْتَبَةِ الظَّاهِرَيَّة بِدِمَشْق، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ مَعروفةٌ مَشْهوْرَةٌ، وَالأُخْرَى في مَكْتَبَةِ أَحْمَدَ الثَّالثِ بِتُركِيَّا رقم (14134)، وهي هُنَاكَ مَجْهُولةُ المُؤَلِّفِ بِعُنوان "كِتَابٌ فِي عِلْمِ الكَلَامِ" قَارَنَهَا بنُسْخة الظَّاهريَّة صَدِيْقُنَا الكَرِيْمُ الدُّكْتُوْرُ هِشَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصِّيْنِيُّ، الأُسْتَاذُ بكُلِّيَّةِ الدَّعْوَةِ وَأُصُوْلِ الدِّين بِجَامعةِ أُمِّ القُرَى بِمَكَّةَ المُكَرَّمة، فَصحَّتْ أَنَّهَا نُسْخَةٌ أُخْرَى مِنَ الكِتَابِ المَذْكُوْرِ.

(2)

يُوْجَدُ قِطْعَةٌ منه فِي مَكْتَبَةِ الدَّوْلَةِ ببرلين رقم "1553" قَالَ القِفْطِيُّ في "تَاريخ الحُكَمَاءِ"(110): "أَتَى بِمَا لا يَشْفِي الغَلِيْلَ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ ذلِكَ مِنْ صِنَاعَتِهِ"، وَهُوَ ذَيْلٌ عَلَى "تَارِيْخِ ابنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ".

(3)

في (ط) الفَقي: "الرَّجعيه".

ص: 406

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي تَارِيْخِ وَفَاتِهِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَدَقَةُ بنُ الحُسَيْنِ، نَقَلَهُ عَنْهُ ابنُ النَّجَّارِ، وَذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ عَنِ ابنِ عَسَاكِرٍ، وَغَيْرِهِ. والَّذِي ذَكَرَهُ ابنُ شَافِعٍ، وَابنُ الجَوْزِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَابنُ نُقْطَةَ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الأَحَدِ بَعْدَ الظُّهْرِ سَابِعَ عَشَرَ مُحَرَّمٍ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ ابنَ شَافِعٍ وَابْنَ الجَوْزِيِّ وَافَقَا عَلَى أَنَّ وَفَاةَ المَزْرَفِيَّ - المَذْكُوْرَ قَبْلَهُ - كَانَتْ يَوْمَ السَّبْتِ مُسْتَهَلِّ مُحَرَّمٍ، وَمَتَى كَانَ السَّبْتُ مُسْتَهَلَّ مُحَرَّمٍ، فَالأَحَدُ سَادِسَ عَشَرِهِ، لَا سَابِعَ عَشَرِهِ. وَقَدْ عَلَّقَ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي "جُزْءٍ"

(1)

وَفَاةَ ابنِ الزَّاغُوْنِيِّ، فَقَالَ: فِي الأحَدِ سَادِسَ عَشَرَ مُحَرَّمٍ، عَلَى الصَّوَابِ.

(أَنَا) أَبُو الفَتْحِ المَيْدُوْمِيُّ بـ "فِسْطَاطِ مِصْرَ"(أَثَنَا) أَبُو الفَرَج الحَرَّانِيُّ (أَثَنَا) الحَافِظ أبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ (أَثَنَا) أَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ (أَثَنَا) أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ (أَثَنَا) عِيْسَى بنُ عَلِيِّ بنِ الجَرَّاحِ (ثَنَا) أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ (ثَنَا) نُعَيْمُ بنُ الهَيْضَمِ (ثَنَا) أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ:"أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الأَدَمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَيَقُوْلُ: نِعْمَ الأَدَمُ الخَلُّ - مَرَّتَيْنِ" تَفَرَّدَ بهِ مُسْلِمٌ، فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ

(2)

.

(1)

لَمْ يَذْكُرْهُ صَدِيْقُنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ العَلْوجِيُّ في مؤلَّفَاتِ ابنِ الجَوْزِيِّ.

(2)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِه رقم (2052) في (كِتَابِ الأَشْرِبَةِ)"بَابُ فَضِيْلَةِ الخَلِّ والتَّأَدُّمِ بِهِ"، مِنْ حَدِيْثِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، رقم (2051) من حَدِيْثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها. عن هَامِشِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ".

ص: 407

ذَكَرَ ابنُ الزَّاغُوْنِيِّ فِي "مَنَاسِكِهِ": أَنَّ رَمْيَ الجِمَارِ أَيَّام مِنًى، وَرَمْي جَمْرَةِ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ يَجُوْزُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَالأَفْضَلُ بَعْدَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِيْما أَعْلَمُ، وَهُوَ ضعِيْفٌ، مُخَالِفٌ لِلْسُّنَّةِ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ.

وَحَكَى فِي "الإقْنَاعِ" - رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ -: أَنَّهُ إِذَا اتَّخَذَ عَصِيْرًا لِلْخَمْرِ، فَانْقَلَبَتْ خَلًّا لَمْ تُطَهِّرُهُ؛ لأنَّ اتِّخَاذَهُ كَانَ مُحَرَّمًا.

وَحَكَى فِيْهِ - رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ -: أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِشَيْءٍ غَيْرِ مَنْعِ الجِزْيَةِ.

وقَالَ فِيْهِ: المَشْهُوْرُ مِنَ المَذْهَبِ أَنَّ السُّمَّ نَجِسٌ، وَفِي المَذْهَبِ مَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ؛ لِأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنَ الذِّرَاعِ المَسْمُوْمَةِ.

وذَكَرَ فِيْهِ: أَنَّ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا يَلْزَمُهَا المَقَامَ فِي مَنْزِلِ الوَفَاةِ، إلَّا إِذَا تَبَرَّعَ لَهَا الوَرَثَةُ بِالسُّكْنَى، وَلَا يَلْزَمُهَا فِيْمَا عَدَا ذلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ المَنْزِلُ مِلْكًا لَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا المُقَامُ فِيْهِ. وَحَكَى فِيْهِ - رِوَايَةً -: أَنَّ البَائِنَ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا.

وَذَكَرَ فِيْهِ: أَنَّ الحَامِلَ المُتَوَفَّى

(1)

عَنْهَا زَوْجُهَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى

(2)

إِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ، كَمَا لَوْ كَانَ الأَبُ حَيًّا، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ الأَصْحَابِ بَنَى رِوَايَةَ وُجُوْبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى لَهَا عَلَى هَذَا الأَصْلِ، وَلَا جَعَلَهَا مِنْ فَوَائِدِ

(1)

في (أ) وَ (ب): "إِذَا".

(2)

في (أ): "للسُّكْنى والنَّفَقَةِ" وَيُصَحِّحُهُ مَا بَعْدَهُ.

ص: 408

الخِلَافِ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ هَلْ هِيَ لِلْحَمْلِ أَوْ للْحَامِلِ؟ فَإِنَّ نَفَقَةَ الأَقَارِبِ تَسْقُطُ بِالمَوْتِ، فَكَيْفَ تَجِبُ نَفَقَةُ الحَمْلِ مِنَ التَّرِكَةِ؟.

وَحَكَى "فِي بَابِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ" فِي ثَمَنِ مَاءِ الغُسْلِ وَالسِّدْرِ وَالمِشْطِ وَالدُّهْنِ وَالطِّيْبِ

(1)

وَمَا أَشبَهَ ذلِكَ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَيْهَا؛ لأنَّ بِهِ يَحْصُلُ التَّمْكِيْنُ مِنَ الاسْتِمْتَاعِ.

وَالثَّانِي: هُوَ عَلَيْهِ، وَشَبَّهَهُ بالقُوْتِ وَتَوَابِعِهِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الأَصْحَابِ أَلْزَمَ الزَّوْجَ ثَمَنَ الطِّيْبِ مُطْلَقًا، وَلَا حَكَى فِي لُزُوْمِ ثَمَنِ البَوَاقِي خِلَافًا سِوَى مَاءِ الغُسْلِ الوَاجِبِ.

وقَالَ أَيْضًا في نَفَقَةِ الأقَارِبِ: إِذَا كَانَ بَعْضُ وَرَثَةِ الفَقِيْرِ مُوْسِرًا، وَبَعْضُهُم مُعْسِرًا: فَإِنْ كَانَ الفَقِيْرُ أَبًا أَوْ أُمًّا لَزِمَ المُوْسِرُ كَمَالَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ جَدًّا أَوْ جَدَّةً فَوَجْهَانِ، وَأَمَّا سِائِرُ الوَرَثَةِ: فَلَا تَلْزَمُ المُوْسِرُ مِنْهُمُ النَّفَقَةَ إِلَّا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنَ المِيْرَاثِ، وَهَذَا تَفْصِيْلٌ غَرِيْبٌ.

وَحَكَى فِيْهِ - رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ -: أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ تَقْدِيْمُ الكَفَّارَةِ عَلَى الحِنْثِ إِذَا كَانَ صَوْمًا، وَيَجُوْزُ بِالمَالِ.

وَذَكَرَ فِيْهِ: أَنَّ نَذْرَ اللِّجَاجِ وَالغَضَبِ نَذْرٌ صَحِيْحٌ يَلْزَمُ الوَفَاءُ بِهِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي المَذْهَبِ، لكِنْ قَدْ قِيْلَ: إِنَّهُ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابنِ أَبِي مُوْسَى مَا يُوْهِمُهُ. وَذَكرَ فِيْهِ أَيْضًا: أَنَّ المُسْتَأَمِنَ إِذَا دَخَلَ دَارَ الإسْلَامِ بِتِجَارَةٍ أُخِذَ مِنْهُ الخُمُسُ، وَأَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا اتَّجَرَ فِي دَارِ الإسْلَامِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أُخِذَ مِنْهُ

(1)

فِي (ط) الفقي: "الطِّيْب" بسُقُوْطِ الوَاو.

ص: 409

العُشُرُ، وَهُوَ غَرِيْبٌ مُخَالِفٌ لِنُصُوْصِ أَحْمَدَ وَقَوْلِ الأَصْحَابِ، وَالمَأْثُوْرُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه.

‌81 - مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ

(1)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ خَلَفِ بنِ الفَرَّاءِ،

(1)

81 - القَاضِي أَبُو خَازِمِ بنِ أَبي يَعْلَى (457 - 527 هـ):

أخْبَارُهُ في: مَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (637)، وَمُخْتَصَرِهِ (20)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 18)، والمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 112)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 143)، وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 1029)، تَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ (4/ 558)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 604)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 206)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 252)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 251)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 82)(6/ 135).

هُوَ الأَخُ الشَّقِيْقُ لأَبِي الحُسَيْنِ - صَاحِبِ "الطَّبَقَاتِ"(ت: 526 هـ) - تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ -؛ لأنَّ جَدُّهُمَا مَعًا جَابِرَ بنَ يَاسِيْنَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ أَخِيْهِ. وَأَبُو خَازِمٍ هُوَ الأَصْغَرُ، وَأَخُوْهُمَا: أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ (ت: 469 هـ) لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ شَقِيْقُهُمَا. وَأَبُوهُم: العَالِمُ، الفَقِيْهُ، الكَبِيْرُ، القَاضِي، أَبُو يَعْلَى (ت: 458 هـ) إِمَامُ الحَنَابِلَةِ في وَقْتِهِ.

وَيَظْهَرُ أَنَّ الذُّريَّةَ مِنَ العُلَمَاء مِنْ صُلْبِ أَبي خَازِمٍ هَذَا، فَاشتُهِرَ: ابنه: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ: الفَقِيْهُ القَاضِي عُرِفَ بِـ "أَبِي يَعْلَى الصَّغِيْرِ"(ت: 560 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ. وَابنُهُ الآخَرُ: عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ القَاضِي (ت: 578 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ رحمه الله فِي تَرْجَمَةِ ابنِ أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ (ت: 585 هـ). وابنُهُ الآخِرُ أَيْضًا: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو الفَرَجِ القَاضِي (ت: 546 هـ) ذَكَرَهُ المؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، وَلِلقَاضِي أَبي يَعْلَى الصَّغِيْرِ مِنَ الوَلَدِ - وَهُمْ أَحْفَادُ المُتَرْجَمِ -: المُظَفَّرُ بنُ مُحَمَّدٍ (ت: 575 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. وَأحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ (ت: 611 هـ) لَمْ يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفِ نَسْتَدْرِكُهُ فِي موْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَلأَخِيْهِ أَبي الفَرَجِ عَلِيٍّ مِنَ الوَلَدِ - وَهُمْ أَحْفَادُ المُتَرْجَمِ أَيْضًا -: عَبْدُ اللهِ، وَقيْلَ: عُبَيْدُ اللهِ بنِ عَليٍّ (ت: 585 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ =

ص: 410

الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ، أَبُو خَازِمِ بنِ القَاضِي الإمَامِ أَبِي يَعْلَى. وأَخُو القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ. وُلِدَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنِ وَأَرْبَعِمَائَةَ.

وَسَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِي جَعْفَرِ بنِ المُسْلِمَةِ، وَابنِ المَأْمُوْنِ، وَجَابِرِ بنِ يَاسِيْنَ. وَذَكَرَ ابنُ نُقْطَةَ: أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِيْهِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا بالإجَازَةِ

(1)

؛ فَإِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ وَالِدِهِ بِسَنَةٍ

(2)

. وَقَدْ ذَكَرَ أَخُوْهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ: أَنَّ وَالِدَهُ أَجَازَ لَهُ وَلأَخِيْهِ أَبِي خَازِمٍ

(3)

، وَقَرَأَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي يَعْقُوْبَ وَلَازَمَهُ، وَعَلَّقَ عَنْهُ، وَبَرَعَ فِي مَعْرِفَةِ المَذْهَبِ وَالخِلَافِ

= في موْضِعِهِ. وأُخْتُهُ بَشَّارَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْهَا المُؤَلِّفُ، نَسْتَدْرِكُهَا فِي هَامِشِ تَرْجَمَةِ أَخِيْهَا عَبْدِ اللهِ - إِنْ شَاءَ اللهِ -؛ لأَنَّنَا نَجْهَلُ الآنَ سَنَةَ وَفَاتِهَا. وَالله تَعَالَى أَعْلَمُ.

(1)

في (هـ): "بإجازة".

(2)

في المَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّةِ لِلحَافِظِ السِّلَفِيِّ (وَرَقَةِ: 269): "أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو خَازِمٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الفَرَّاءِ الحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي دَارِهِ بِـ "بَابِ الأَزَجِ" جَانِبِ الشَّرْقِيِّ، فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ وَالِدِهِ شَيْئًا، وَقَالَ: لِي مِنْهُ إِجَازَةٌ، تُوُفِّيَ وَالِدِي في شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَكُنْتُ أَنَا إِذْ ذَاكَ ابنَ سَنَةٍ وَنِصْفٍ وَأَيَّامٍ، وَكَانَ مَوْلِدُ وَالِدي سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةَ عَلَى مَا قِيْلَ "أَنَا" جَدِّي لأُمِّي أَبُو الحَسَنِ جَابِرُ بنُ يَاسِيْنَ بنِ الحَسَنِ بنِ مَحْمُوْيَةَ الحِنَّائِيُّ. . .".

(3)

ذَكَرَ ذلِكَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ في تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ في الطَّبَقَاتِ (3/ 376) قَالَ: "سَأَلَهُ الإِجَازَةَ لَنَا خَالُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ جَابِرٍ، فَأَجَازَ لَنَا فِي مَرَضِهِ لَفْظًا" وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الإِجَازَةِ قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ في "الطَّبَقَاتِ": "حَدَّثَنا الوَالِدُ السَّعِيْدُ إِمْلَاءً مِنْ لَفْظِهِ وَأَصْلِهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ، بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ فِي التَّاسِعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعَمَائَةَ .. " وَيَكُوْنُ عُمُرُهُ إِذ ذَاك خَمْسُ سِنِيْنَ؟!

ص: 411

وَالأُصُوْلِ، وَصنَّفَ تَصَانِيْفَ مُفِيْدَةً، وَلَهُ كِتَابُ "التَّبْصِرَةِ" فِي الخِلَافِ، وَكِتَابُ "رُؤُوْسِ المَسَائِلِ"، وَ"شَرْحُ مُخْتَصَرِ الخِرَقِيِّ"، وَغَيْرُ ذلِكَ.

وَكَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ الزَّاهِدِيْنَ، وَالأَخْيَارِ الصَّالِحِيْنَ. وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنَتُهُ نِعْمَةُ

(1)

، وَأَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بَوْشٍ.

وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ تَاسِع عِشْرِيْنَ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ. وَصُلَّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ مُسْتَهَلِّ رَبِيْعٍ الأَوَّلَ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَكَانَ يَوْمُهُ يَوْمًا مَشْهُوْدًا، وَدُفِنَ بِدَارِهِ بِـ "بَابِ الأَزَجِ" ثُمَّ نُقِلَ فِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى مَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، فَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيْهِ، رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى.

وَ (أَبُو خَازِمٍ) بالخَاءِ وَالزَّايِ المُعْجَمَتَيْنِ.

نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ ابنِ الصَّيْرَفِيِّ الحَرَّانِيِّ (مَسْأَلَةً) إِذَا حُلِقَ شَارِبُهُ بِحَيْثُ إِنَّهُ لَا يَنْبُتُ فَقَالَ ابنُ أَبِي مُوسَى

(2)

تَجِبُ فِيهِ حُكُوْمَةٌ، وَقَالَ القَاضِي أَبُو خَازِمٍ

(1)

لَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهَا. وَفِي "الوَافِي بالوَفَيَاتِ": "رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ؛ أَبو يَعْلَى مُحَمَّدٌ، وَأَبُو الفَرَجَ عَلِيٌّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ".

(2)

مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي مُوْسَى، أَبُو عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ (ت: 428 هـ) صَاحِبُ "الإِرْشَادِ".

يُرَاجَعُ: الطَّبَقَاتُ (3/ 335) وَمَصَادِرُ تَرْجَمَتِهِ هُنَاكَ.

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفِيَاتِ سَنَةِ (527 هـ):

91 -

أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ البنَّاءِ، ابنُ أَبِي عَلِيٍّ الإِمَامِ المَشْهُوْرِ (ت: 470 هـ) سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِه. وَابْنُهُ هَذَا أَبُو غَالِبٍ، شَيْخٌ صَالحٌ، كَثِيْرُ الرِّوَايَةِ، عَالِي السَّنَدِ، مُسْنِدُ "بَغْدَادَ" كَانَ مِنْ بَقِيَّةِ الثِّقَاتِ. كَذَا قَالَ الحافِظُ الذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُ. لَهُ "مَشْيَخَةٌ" مَشْهُوْرَةٌ قِطْعَةٌ منها في المَكْتَبَةِ الظَّاهِريَّةِ. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ =

ص: 412

ابنِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَجِبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُوْرٌ بِحَفِّهِ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبُ إِذَا كَانَ شَابًّا دُوْنَ الشَّيخِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: مِنَ الشَّيخِ سُنَةٌ، وَمِنَ الشَّابِّ مُثْلَةٌ - يَعْنِي: حَلْقَ الشَّارِبِ.

‌82 - عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ

(1)

- وَيُعْرَفُ بـ "عَسْكَرٍ"

(2)

- بنِ الحَسَنِ العُكْبَرِيُّ،

= (10/ 31)، وَمَشْيَخَةِ ابنِ الجَوْزيِّ (96)، وَالتَّقْيِيْدِ لابنِ نُقْطَةَ (135)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 603)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 89)، وَغَيْرِهَا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ أَخِيْهِ: مُحَمَّدٍ (ت: 516 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَخِيْهِمَا: إِبْرَاهِيْمَ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (518 هـ) في اسْتِدْرَاكِنَا، وَذَكَرَ المُؤَلِّفُ أَخَاهُمْ يَحْيَى (531 هـ) فِي مَوْضِعِهِ.

وَلأَحْمَدَ بنِ الحَسَن أَبي غَالِبٍ هَذَا أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ منْ أَهْلِ العِلْمِ ذَكَرْنَاهُمْ في هَامِشِ تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ، وَنَسْتَدْرِكُهُم في مَوَاضِعِهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

92 -

وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ شَاشِيْرَ المُخَرَّمِيُّ، أَبُو القَاسِمِ الحَنْبَلِيُّ، كَذَا نَصَّ على ذلِكَ ابنُ النَّجَّارِ في ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَاد (2/ 88) قَالَ:"كَانَ يُصَلِّي إِمَامًا في مَسْجِدٍ بِـ "دَرْبِ فَرَاشَا" وَكان شَيْخًا صَالِحًا،

وذَكَرَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ وَقَالَ: "رَوَى عَنْهُ شَيْخُنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ بُوْشٍ، ثُمَّ ذَكَرَ - بِسَنَدِهِ - وَفَاتَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَدَفْنَهُ في قَبْرِ أَحْمَدَ رحمه الله.

(1)

82 - ابنُ نَبَالٍ العُكْبَرِيُّ (؟ - 528 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 20)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 63)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 114)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 244). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكرٍ (1/ 484)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 38)، وَتَكمِلَةُ الإِكْمَالِ (6/ 289)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (167)، وَالتَّوْضِيْحُ لابنِ نَاصِرِ الدِّيْنِ (9/ 259)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبِهِ للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (4/ 1500)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 85)(6/ 140).

(2)

فِي مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ "ابنُ طَالِبٍ" وَفِي "تَكمِلَةِ الإِكْمَالِ": "ابنُ خَلَفٍ" وَفَي "تَاريْخِ الإِسْلَامِ"، وَ"التَّوْضِيْحِ":"عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ بنِ الحَسَنِ" وَعَلَى هَذَا تَدُلُّ عِبَارَةُ المُؤَلِّفِ =

ص: 413

المُقْرِئُ الفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُعْرَفُ بِـ "ابنِ نَبَالٍ"

(1)

سَمِعَ مِنْ أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَأَبِي الحُسَيْنِ العَاصِمِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَتَفَقَّهَ عَلى أَبِي الوَفَاءِ بنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي سَعْدٍ البَرَدَانِيِّ، وَكَانَ يَصْحَبُ شَافِعًا الحَنْبَلِيَّ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِشِرَاءِ كُتُبِ ابنِ عَقِيلٍ، فَبَاعَ مُلْكًا لَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِه كِتَابَ "الفُنُوْنِ"، وَكِتَابَ "الفُصُوْلِ" وَوَقَفَهَا عَلَى المُسْلِمِيْنَ، وَكَانَ خَيِّرًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَحَدَّثَ.

وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ ثَانِي عِشْرِينَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَصَلَّى عَلِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ الزَّاهِدُ مِنَ الغَدِ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ نِيِّفٍ وَسَبْعِينَ سَنَةٍ، - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.

‌83 - عَبدُ الوَاحِدِ بنُ شُنَيْفِ

(2)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ الوَاحِدِ الدَّيْلَمِيُّ، البَغْدَادِيُّ،

= فَيَكُوْنُ "عَسْكَرٌ" لَقَبًا لأَبِيْه "المُبَارَكِ" عَلَى أَنَّ اللَّفْظَةَ في مُخْتَصَرِ ابنِ نَصْرِ اللهِ "عُكْبَرٌ" مَضْبُوْطَةً بِالشَّكْلِ مَعَ قلَّةِ عِنَايَةِ المُخْتَصِرِ بِالضَّبْطِ بالشَّكْلِ وَأَغْلَبُ النُّسْخَةِ بِخَطِّ مُخْتَصِرِهِ.

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ، وَكَثيْرٍ من المَصَادِرِ:"نيال" قَالَ ابنُ نُقْطَةَ: "وَأَمَّا نَبَالٌ أَوَّلُهُ نُوْنٌ مَفْتُوْحَةٌ، بَعْدَهَا بَاءٌ خَفِيْفَةٌ مُعْجَمَةٌ بِوَاحِدةٍ، فَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ الحَسَنِ بنِ خَلَفِ بنِ نَبَالٍ العُكْبَرِيُّ. . ." وَذَكَرَ في شُيُوْخِهِ رزْقَ اللهِ التَّمِيْميَّ، وَقَالَ:"سَمِعَ مِنْهُ أَبُوْ بَكْرٍ بنُ كَامِلٍ الخَزَّازُ" كَذَا؟ وَلَعَلَّهَا "الخَفَّافُ" أَوْ "الخَرَّازُ" وَالخَفَّافُ يَلَقَّبُ أَيْضًا بِـ "الخَرَّازِ" وَهُوَ بِـ "الخَفَّافِ" أَشْهَرُ. وأَخْبَارُهُ فِيْهِ عَنْ "تَارِيْخ ابنُ شَافِعٍ".

(2)

83 - ابنُ شُنَيْفٍ الدَّيْلَمِيُّ (؟ - 528 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى الطَّبَقَاتِ لابنِ نَصرِ اللهِ (ورقة: 20)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 139)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 115)، وَمُخْتَصَرِهِ الدُّرِّ المُنَضَّدِ (1/ 244). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (10/ 39)، وَذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (1/ 238)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (8/ 150)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 85)(6/ 141). وَ (شُنَيْفٌ) - عَلَى التَّصغِيْرِ المُرْخَّمِ - =

ص: 414

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مِثْلُ "حُمَيْدٍ" وَ"زُرَيْقٍ". وَقَيَّدهَا الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ فِي التَّكْمِلَةِ (3/ 369): "بِضَمِّ الشِّيْنِ المُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ النُّوْنِ، وَسُكُوْنِ اليَاءِ آخِرِ الحُرُوْفِ، وَفَاءٌ". وَ (الدَّيْلَمِيُّ): بِفَتْحِ الدَّالِ، وَسُكُوْنِ اليَاءِ المُعْجَمَةِ بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا، وَفَتْحِ اللَّامِ، وَكَسْرِ المِيْمِ، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى "الدَّيْلَمِ" وَهِيَ بِلَادٌ مَعْرُوْفَةٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلَادِ المَوَالِي يَنْتَسِبُوْنَ إِلَيْهَا". الأَنْسَابُ (5/ 400). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 416).

أَقُوْلُ - وَعَلى اللهِ أَعْتَمِدُ -: (آلُ شُنَيْفٍ) هَؤُلَاءِ مِنْ دَيْلَمِ العَرَبِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذلِكَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في "الأَنْسَابِ" وَالحَافِظُ المُنْذِرِيُّ في التَّكْمِلَةِ (3/ 369). وَلاِبْنِ شُنَيْفٍ أُسْرَةٌ عِلْمِيَّةٌ اشْتُهِرَ مِنْهَا:

- ابنُهُ: عَوْنُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بن شُنَيْفٍ (ت: 588 هـ). وَسَعِيْدُ بنُ الحُسَيْنِ بن شُنَيْفٍ (ت: 554 هـ). وَأَخُوْهُ عبد الله بنُ الحُسَيْنِ بن شُنَيْفٍ (ت:؟). وَأحمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بن شُنَيْفٍ (ت: 568 هـ). وَأَخُوْهُ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بن شُنَيْفٍ (ت: 553 هـ). وَالحُسَيْنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ شُنَيْفٍ (ت: 610 هـ). وَإِبْرَاهِيمُ بنُ أَبي مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بن شُنَيْفٍ (ت: 625 هـ). وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بن شُنَيْفٍ (ت: 631 هـ).

93 -

وَشُنَيْفُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ (ت؟) هَذَا الأَخِيْرُ ذَكَرَهُ الحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ في "مُعْجَمِهِ"(وَرَقة: 323) قَالَ: "شُنَيْفُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْد الوَاحِدِ بنِ شُنَيْفِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ؛ أَبُو الفَرَجِ البَغْدَادِيُّ النَّصْرِيُّ. ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْهُ إِسْنَادًا، وَرَوَى حَدِيْثًا، وَقَالَ: "مَوْلِدُ شُنَيْفٍ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ بِـ "النَّصْرِيَّةِ" مَحِلَّةٌ غَرْبِيُّ "بَغْدَادَ". . ." وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي مَصْدَرٍ آخَرَ، فَهُوَ مِنْ فَوَائِدِ الحَافِظِ رحمه الله. وَهَؤُلَاءِ جَمِيْعًا مِنَ الحَنَابِلَةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ منهم إلَّا المُتَرْجَمَ هُنَا، وسَعِيْدَ بنَ الحُسَيْنِ الآتِي ذِكْرُهُ (ت: 554 هـ) نَذْكُرُ كُلُّ وَاحِدٍ منهُمْ في مَوْضِعِهِ من الاسْتِدْرَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَذَكَرْتُ شُنَيْفًا هُنَا؛ لأنِّي أَجْهَلُ سَنَةَ وَفَاتِهِ. وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَذْكُرُهُ فِي تَرْجَمَةِ أَخِيْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، لأنَّه مَجْهُوْلُ الوَفَاةِ أَيْضًا.

ص: 415

الفَقِيهُ، أَبُو الفَرَجِ، أَحَدُ أَكَابِرِ الفُقَهَاءِ، تَفَقَّهَ عَلى أَبِي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ وَبَرَعَ، وَكَانَ مُنَاظِرًا، مُجَوِّدًا، وَأَمِيْنًا مِنْ قِبلِ القُضَاةِ، وَبَاشَرَ بَعْضَ الوِلَايَاتِ، وَلَهُ دُنْيَا وَاسِعَةٌ، وَكَانَ ذَا فِطْنَةٍ، وَقُوَّةَ قَلْبٍ، وَعِفَّةٍ، وَنَزَاهَةٍ، وَأَمانَةٍ.

قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: كَانَ مَشْهُورًا بِالدِّيَانَةِ، وَحُسْنِ الطَّرِيقَةِ، وَلَمْ تِكُنْ لَهُ رِوَايَةٌ فِي الحَدِيْثِ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو الحَسَنِ بنُ غَرِيْبَةَ

(1)

قَالَ: كَانَ تَحْتَ يَدِهِ - يَعْنِي: ابنَ شُنَيْفٍ - مَالٌ لِصَبِيٍّ، وَكَانَ قَدْ قَبَضَ بعْضَ المَالِ، وَلِلْصَّبِيِّ فَهْمٌ وَفِطْنَةٌ، فَكَتَبَ الصَّبِيُّ جُمْلَةَ التَّرِكَةِ عِنْدَهُ، وَأَثْبَتَ مَا يَأْخُذُ مِنَ الشَّيْخِ، فَلَمَّا مَرِضَ الشَّيْخُ أَحْضَرَ الصَّبِيَّ وَقَالَ لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ لَكَ عِنْدِي؟ فَقَالَ: وَاللهِ مَا لِي عِنْدَكَ شَيْءٌ؛ لأَنَّ تَرِكَتِي وَصَلَتْ إِلَيَّ بِحِسَابٍ مَحْسُوْبٍ

= (فَائِدَةٌ): ذَكَرَ الحَافِظُ ابنُ نُقْطَةَ فِي إِكْمَالِ الإِكْمَالِ (3/ 449): هِبَةُ اللهِ بنُ أَبي بَكْرِ بنِ شُنَيْفٍ الكُتْبِيُّ (ت: 640 هـ) وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ؛ لأَنَّهُ تُوُفِيَّ بَعْدَهُ، وَقَالَ:"سَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بنِ شَاتِيْلَ وَغَيْرِهِ وَحَدَّثَ". وَذَكَرَه الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ في التَّكْمِلَةِ (3/ 60) وَقَالَ: "وَذَكَرَ أَنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ" وَزَادَ بَعْدَ "شُنَيْفٍ": "ابنُ نَجْمٍ" وَقَالَ: "وَلَنَا مِنْهُ إِجَازَةٌ" وَ"سَمِعَ في صِبَاهُ بإِجَازَةِ وَالِدِهِ". وَلَا أَدْرِي هَلْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الأُسْرَةِ، وَمَنْ ثَمَّ فَهُو حَنْبَلِيٌّ أَوْلَيْسَ مِنْهَا؟!؛ لذا لَمْ أَسْتَدْرِكْهُ، وَذَكَرْتُهُ؛ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُوْنَ كَذلِكَ.

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "عربية" وَأَشَارَ الشَّيْخُ الفَقِي إِلَى القِرَاءَةِ الأُخرَى، وَجَعَلَهَا في الهَامِشِ وهِيَ القِرَاءَةِ الصَّحِيْحَةُ. وَابنُ غَرِيْبَةَ عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ بنِ الفَضْلِ (ت: 578 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. وَذَكَرَ في شُيُوْخِهِ ابنَ شُنَيْفٍ.

ص: 416

فَأَخْرَجَ الشَّيخُ سَبْعِينَ دِيْنَارًا وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ، فَهِيَ لَكَ؛ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْتَرِي لَكَ بِشَيءٍ مِنْ مَالِكٍ وَأَعُوْدُ فَأَبِيْعَهُ، فَحَصَلَ لَكَ هَذَا.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الحَسَنِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ حَشَرِيُّ

(1)

بِـ "دَارِ القَزِّ"

(2)

وَكَانَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ الرُّطَبِيِّ

(3)

يَتَولَّى التَّرِكَاتِ، فَكَتَبَ إِلَى الشَّيخِ عَبْدِ الوَاحِدِ

(1)

في "المُنْتَظَمِ": "حَشوى" وَالحَشَرِيُّ: الَّذِي لا وَارِثَ لَهُ فِي أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ.

(2)

"دَارُ القَزِّ" مِحِلَّةٌ كَبِيْرَةٌ مِنْ مَحَالِّ "بَغْدَادَ" فِي أَقْصَى شَمَالِهَا الغَرْبِيِّ، مُنْفَرِدَةٌ مِنَ الصَّحْرَاءِ، عَلَيْهَا سُوْرٌ، تُنْسَبُ إِلَى بَيْع القَزِّ، وَيَعْمَلُ فيها الكَاغِدُ. يُرَاجعُ: مُعْجَمُ البُلدان (2/ 482)، وَمَرَاصِدُ الإطِّلاع (507)، وَنَسَبَ إِليْهَا الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ بِلَفْظِ:(الدَّرْقَزِيُّ) بِوَزْنِ (العَبْدَرِيِّ) وَقَالَ: "بِفَتْحِ الدَّالِ المُهْمَلَةِ، وَسُكُوْنِ الرَّاءِ المُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ القَافِ، وَالزَّايُ المُعْجَمَةُ بَعْدَهُ، هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى "دَارِ القَزِّ" وَهِيَ مَحِلَّةٌ بِالجَانِبِ الغَرْبيِّ. . .". وَرَجَّحَ الأُسْتَاذُ الدُّكْتُوْرُ صَالِحُ أَحْمَدَ العَلِي في كِتَابِهِ "بَغْدَادَ مَدِيْنَة السَّلَام"(2/ 162) أَنَّ أَقْدَمَ إِشَارَةٍ وَجَدَهَا تُشِيْرُ إِلَيْهَا هِيَ قَوْلُ القَاضِي ابنِ أَبي يَعْلَى أَنَّ وَالِدَه القَاضِيَ أبي يعْلَى انْتَقَلَ إِلَيْهَا حَوَالي سَنَةَ (390 هـ)

مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ ازْدِهَارِهَا وَنُمُوِّهَا". يُرَاجَعُ الطَّبقات (3/ 364) تَحْقِيْقُ الفَقِيْرِ إِلَى اللهِ.

وَقَد نُسِبَ إِلَيْهَا جَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ مِنَ الحَنَابِلة مِنْهُم عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ (ت: 604 هـ). وَأَخُوْهُ أَبُو البَقَاءِ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُمَا. وفي مَشْيَخَةِ نَجِيْبِ الدِّيْنِ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ عَبْدِ المُنعم الحَرَّانِي (ت: 672 هـ) مَجْمُوعَةٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ هَذِهِ النِّسْبَةِ، وَالمَنْسُوبِيْنَ إِلَيْهَا فِيْهِمْ كَثْرَةٌ.

(3)

في أَحْمَدُ بنُ سَلَامَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ البَجَلِيُّ الكَرْخِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت: 527 هـ) يُعْرَفُ بِـ "ابنِ الرُّطَبيِّ" وَلِيَ القَضَاءَ بِـ "الحَرِيْمِ الطَّاهِرِيِّ" بِـ "بَغْدَادَ" وَالحِسْبَةَ، وَكَانَ يُؤَدِّبُ الرَّاشِدَ بِاللهِ أَمِيْرَ المُؤْمِنيْنَ، وَكَثِيْرًا مِنْ أَوْلَادِ الخُلَفَاءِ. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (10/ 31)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 205)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (4/ 1288)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (6/ 18)، وَشَذَرَاتِ الذَّهَبِ (4/ 80).

ص: 417

يَتَوَلَّى تَرِكَةَ فُلَانٍ، فَحَضَرَ وَأَعْطَى زَوْجَتَهُ حَقَّهَا، وَأَعْطَى البَاقِي ذَوِي أَرْحَامِهِ، وَكَتَبَ بِذلِكَ إِلَيْه، فَكَتَبَ ابنُ الرُّطَبِيِّ مَعَ مَكْتُوْبِهِ إِلَيْهِ رُقْعَةً إِلَى المُسْتَرْشِدِ يُخْبِرُهُ بِمَا صَنَعَ، وَأَنَّهُ وَرَّثَ ذَوِي الأَرْحَامِ، فَكَتَبَ: نِعْمَ مَا فَعَلَ؛ إِذْ

(1)

عَمِلَ بِمَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِمَنِ اسْتَعْمَلَ فِي هَذا حَنْبَلِيًا وَقَدْ عَلِمَ مَذْهَبَهُ فِي ذلِكَ.

تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فِي لَيْلَةِ السَّبْتِ حَادِي عِشْرِينَ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَصَلَّى عَليْهِ الشَّيخُ عَبْدُ القَادِرِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، رضي الله عنه.

‌84 - ثَابِتُ بنُ مَنْصُورِ

(2)

بنِ المُبَارَكِ الكِيْلِيُّ، المُقْرِئُ المُحَدِّثُ، أَبُو العِزِّ.

سَمِعَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَغَانِمِ

(3)

ابنِ الحُسَيْنِ،

(1)

في (ط) بطبعتيه: "إِذَا".

(2)

84 - ثَابِتٌ الكِيْلِيُّ (؟ - 528 هـ):

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 20)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 293)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 116)، وَمُخْتَصرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 244). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 206)، وَمَشْيَخَةُ ابنِ الجَوْزِيِّ (167)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 52)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 234)(4/ 566)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (165)، وَالمُشْتَبَهُ للذَّهَبِيِّ، وَالتَّوْضِيْحُ (7/ 353)، وَالتَّبْصِيْرُ (1230)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (10/ 472)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 93)(6/ 152)، وَتَاجُ العَرُوْسِ (كَيَلَ).

(3)

كَذَا فِي الأُصُوْلِ كُلِّهَا مَاعَدَا (هـ) فَفِيْهَا: "عَاصِمُ بنُ الحُسَيْنِ" وفي "المُنْتَظَمِ": "عَاصِمٌ" دُوْنَ وَصْفٍ وَإِضَافَةٍ، وَفِي "مُعْجَمِ البُلْدَانِ":"أَبُو الحُسَيْن عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ" وَمِثْلُهُ تَمَامًا فِي "الوَافِي بالوَفَيَاتِ" وَهَذا هُو الصَّحِيْحُ، وَرُبَّمَا كَانَ الخَطَأُ مِنْ المُؤَلِّفِ نَفْسَه؛ لِذَا أَبْقَيْتُهُ فِي الأَصْلِ. وَعَاصِمُ بنُ الحَسَنِ وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهِبيُّ بِـ "الشَّيْخِ، العَالِمُ، =

ص: 418

وَطَبَرْزَدَ، وَنَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَالحُسَيْنِ بنِ طَلْحَةَ وَخَلْقٍ كَثِيرٍ

(1)

وَعُنِيَ بِالحَدِيثِ، وَسَمِعَ الكَثِيرَ، وَخَرَّجَ تَخَارِيجَ لِنَفْسِهِ عَنْ شُيُوْخِهِ فِي فُنُونٍ، وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ مِنهُ جَمَاعَةٌ، وَرَوَى عَنْهُ السِّلَفِيُّ، وَالمُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الفَرَجِ

= الصَّادِقِ، الأَدِيْبِ، مُسْنِدِ "بَغْدَادَ" في وَقْتِهِ، وَهُوَ أَبُو الحُسَين عَاصمُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَاصِمِ بنِ مَهْرَانَ العَاصِمِيُّ البَغْدَادِيُّ الكَرْخِيُّ الشَّاعرُ (ت: 483 هـ)، رَوَى عَنْه كِبَارُ الحُفَّاظِ، وَكَانَ فِي غَايَةِ الثِّقَةِ وَالأَمَانَة.

(فَائِدَةٌ لَطِيْفَةٌ): قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبْيُّ فِي سِيرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (18/ 599): "قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا سَعْدٍ البَغْدَادِيَّ عَنْ عَاصِمِ بنِ الحَسَنِ فَقَالَ: كَانَ شَيْخًا، مُتْقِنًا، أَدِيْبًا، فَاضِلًا، كَانَ حُفَّاظُ "بغْدَادَ" يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَيَشْهَدُوْنَ بِصِحَّةِ سَمَاعِهِ، وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيَّ يَقُوْلُ: ضَاعَ الجُزْءُ الرَّابِعُ من "جَامِعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ" لابنِ عَاصِمٍ، وَكَانَ سَمَاعُهُ، قَرَؤُوْهُ عَلَيْهِ بِالسَّمَاع، وَضَاعَ، فَكَانَ بَعْدُ يَرْوِيْهِ بِالإِجَازَةِ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ جَاءَنِي شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ وَقَدْ لَقِيَهُ، فَقَالَ: تَعَالَ حَتَّى نَسْمَعَهُ، فَأَرَيْنَاهُ الأَصْلَ فَسَجَدَ للهِ، وَقَرَأْنَاهُ عَلَيْهِ بِالسَّمَاعِ. وَقَالَ لِي عَبْدُ الوَهَّابِ: كَانَ عَفِيْفًا، نَزِهَ النَّفْسِ، صَالِحًا، رَقِيْقَ الشِّعْرِ، مَلِيْحَ الطَّبْعِ، قَالَ لِيْ، مَرِضْتُ فَغَسَلْتُ دِيْوَان شِعْرِي". أَخْبَارُ عَاصِمٍ في الأَنْسَابِ (8/ 314)، وَالمُنْتَظَمِ (9/ 51)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (18/ 598)، وَدُوَلِ الإِسْلامِ (2/ 12)، وَالبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (12/ 136)، وَالشَّذَرَاتِ (3/ 368).

(1)

ذَكَرَ يَاقُوْتٌ في شُيُوْخِهِ: أَبُو مَنْصُوْرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الخَيَّاطُ، وَأَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سِوَارٍ، وَأَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ خَيْرُوْن، وَأَبُو الخَطَّابِ بنُ الجَرَّاحِ، وَأَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بنُ أَحْمَد بنِ البِيْنِيُّ. قَالَ: رَوَى عَنْهُم الحَدِيْثَ. وَذَكَرَ فِي المَوْضِعِ الثَّانِي مِنَ "المُعْجَمِ" مِنْ شُيُوخِهِ: مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَقَ البَاقَرْحِيُّ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ حَافِظٌ ثِقَةٌ.

ص: 419

الجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُمْ

(1)

.

وَقَالَ أَبُو الفَرَجٍ: كَانَ دَيِّنًا، ثِقَةً، صَحِيْحَ الإِسْنَادِ، وَوَقَفَ كُتُبَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَقَالَ السِّلَفِيُّ عَنْهُ: فقِيْهٌ عَلى مَذْهَبِ أَحْمَدَ، كَتَبَ كَثيرًا، وَسَمِعَ مَعَنَا وَقَبْلَنَا عَلَى شُيُوخٍ، وَكَانَ ثِقَةً، زَعِرَ

(2)

الأَخْلَاقِ.

وَقَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَأَلْتُ ابنَ نَاصرٍ عَنْهُ فَقَالَ: صَحِيْحُ السَّمَاعِ، مَا كَانَ يَعْرِفُ شَيْئًا.

وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ. قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: قَرَأتُ بِخَطِّ يَحْيَى بنِ الطَّرَاحِ: أَنَّ ثَابِتًا تُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ سَابِعَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بِمَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - وَرَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ المُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ قَدْ نَعَتُوهُ فِي طِبَاقِ

(3)

السَّمَاعِ بِالإِمَامِ الحَافِظِ، رحمه الله.

وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلى "كِيْلَ": قَرْيَةٌ عَلَى شَاطِيءِ دِجْلَةَ عَلَى مَسِيْرَةِ يَوْمٍ مِنْ "بَغْدَادَ" مِمَّا يَلِي طَرِيقِ "وَاسِطَ" وَيُقَالُ لَهَا: "جِيلُ" أَيْضًا

(4)

.

(1)

ذَكَرَ يَاقُوْتٌ مِنْهم: - زِيَادَةً عَلَى مَا ذَكَرَ المُؤَلِّفُ -: أَبُو القَاسِمِ المُفَضَّلُ بنُ أَبي حَرْبٍ الجُرْجَانِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البُسْرِيُّ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ النَّعَّالُ. قَالَ: " وَخَلْقٌ

وَكَانَ صُلْبًا في السُّنَّةِ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ في جَامِعِ القَصْرِ يُحَدِّثُ فِيْها".

(2)

فِي (ط): "وعر" وَالزَّعَارَةُ: الحِدَّةُ فِي الأَخْلاقِ، وَهِيَ بِمَعْنَى الوُعُوْرَةِ لَكِنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُوْنَ الزَّعَارَةِ كَثيْرًا فِي وَصْفِ الأَخْلَاقِ.

(3)

في (ط) الفقي: "طابق"، وفي هامش (أ):"طبقات" قراءة نُسْخَةٍ أُخْرَى.

(4)

في "مُعْجَم البُلْدان" ذَكَرَهَا في "الجِيْلِ" وَ"الكِيْلِ" قَالَ في "الجِيْلِ": "قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ =

ص: 420

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ المَيْدُوْمِيُّ بـ "مِصْرَ"(أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ الحَرَّانِيُّ (أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ (أَثَنَا) أَبُو العِزِّ ثَابِتُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكِيْلِيُّ بِقِرَاءَةِ شَيْخِنَا ابنِ نَاصِرٍ عَلَيْهِ (أَثَنَا) أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بنُ أَبي حَرْبٍ (أَثَنَا) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيُّ (أَثَنَا) أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الحِيْرِيُّ (ثَنَا) أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي (ثَنَا) يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ (ثَنَا) عَبدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا سَلَمَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحمَنِ أَتَى

(1)

خَالِدَ بنَ عَبدِ اللهِ بنِ أَسِيْدٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ - يَعْنِي: مَسْجِدَ البَصْرَةَ - قَالَ: وَجَاءَ الحَسَنُ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ قَالَ: فَحَدَّثَ قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ

(2)

: "الشَّمْسُ وَالَقَمَرُ ثَوْرَانُ مُكَوَّرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ" قَالَ: فَقَالَ الحَسَنُ: وَمَا ذَنْبُهُمَا؟ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَسَكَتَ الحَسَنُ.

‌85 - عَلِيُّ بنُ أَبِي القَاسِمِ

(3)

بنِ أَبِي زُرْعَةَ الطَّبَرِيُّ المُقْرِئُ،

المُحَدِّثُ

= "بَغْدَادَ" تَحْتَ "المَدَائِن" بَعْدَ "زَرَارِيْنَ" يُسَمُّوْنَهَا "الكِيْلَ". . . يُنْسَبُ إِلَيْهَا: أَبُو العِزِّ ثَابِتُ بنُ مَنْصُوْرٍ. . .".

(1)

في (ط) بطَبْعَتَيْهِ: "أَبِي" وَهُوَ تَصْحِيْفٌ شَنِيْعٌ يُحيْلُ المَعْنَى وَهِيَ كَذلِكَ في الأُصُوْلِ مَاعَدا (ج) فَرَسَمَهَا النَّاسخ "أتا" خَوْفًا من الاشْتِبَاهِ فِيْمَا يَبْدُو. وَخَالِدٌ المَذْكُوْرُ هُوَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ أَسِيْدِ بنِ أَبِي العِيْصِ بنِ أُمَيَّةَ القُرَشِيُّ. التَّارِيْخُ الكَبِيْرُ لِلْبُخَارِيِّ (2/ 1/ 158)، وَالجَرْحُ وَالتَّعْدِيْلُ (1/ 339)، وَمُخْتَصَرُ تَارِيْخِ دِمَشْقَ (7/ 366).

(2)

رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "مُشْكِلِ الآثَارِ"(1/ 66، 67)، وَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي "البَعْثِ وَالنُّشُوْرِ". . . وإِسْنادُهُ صَحِيْحٌ يُرَاجَعُ: هَامِشُ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ" وَلَهُ بَقِيَّةٌ هُنَاكَ.

(3)

85 - ابنُ أَبِي زُرْعَةَ الطَّبَرِيُّ (؟ - 528 هـ): =

ص: 421

الزَّاهِدُ، أَبُو الحَسَنِ. مِنْ أَهْلِ "آمُلَ طِبْرِسْتَانَ"

(1)

ذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: شَيْخٌ، صَالِحٌ، خَيِّرٌ، دَيِّنٌ، كَثِيْرُ العِبَادَةِ وَالذِّكْرِ، مُسْتَعْمِلٌ لِلسُّنَنِ، مُبَالِغٌ فِيهَا جَهْدَهُ، وَكَانَ مَشْهُوْرًا بِالزُّهْدِ وَالدِّيَانَةِ، رَحَلَ بِنَفْسِهِ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ إِلى "أَصْبَهَانَ" وَسَمِعَ بِهَا جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظِ، كَأَبِي المَحَاسِنِ الرَّوْيَانِيِّ الفَقِيهِ، وَأَبِي بَكْرِ بنِ الخَطَّابِ الإِخْبَارِيِّ قَالَ: وَكَتَبَ لِي الإِجَازَةَ وَلَمْ أَرَهُ، ثُمَّ رَوَى حَدِيْثًا عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: تُوُفِّيَ بِـ "العُسَيْلَةِ"

(2)

= أَخْبَارُهُ في مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَة لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 20)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 251)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 113)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 244) كُلُّهُمْ عَنِ المُؤَلِّفِ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي مَصْدَرٍ آخَرَ.

(1)

مُعْجَمُ البُلْدَانِ (1/ 77).

(2)

مُعْجَمُ البُلْدَانِ (4/ 141) "العُسَيْلَةُ - بِلَفْظِ تَصْغِيْرِ عَسَلَةٍ

ثُمَّ قَالَ: مَاءٌ في جَبَلِ "القَنَانِ" شَرْقِيُّ "سَمِيْرَاءَ" وَسَمِيْرَاءُ لا تَزَالُ عَلَى تَسْمِيَتِهَا وَهِيَ اليَوْمَ بَلْدَةٌ عَامِرَةٌ فِي شَمَالِ غَرْبِ القَصِيْمِ، وَهِيَ تَابِعَةٌ لِمَنْطِقَةِ "حَائِل" وَالعُسَيْلَةُ في طَرِيْقِ الحَاجِّ العِرَاقِيِّ.

يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله في وَفَيَاتِ سَنَة (528 هـ):

94 -

عَبْدُ الخَلَّاقِ بنُ عَبْدِ الوَاسِعِ بنِ عبْدِ الهَادِي بنِ شَيْخِ الإِسْلامِ أبي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَبُو الفُتُوْحِ الهَرَوِيُّ. قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: كَانَ حَسَنَ الأَخْلَاقِ، حُلْوَ الشَّمَائِلِ .. رَوَى عَنْهُ أَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكرٍ. أَخْبَارُهُ في المُنْتَظَمِ (10/ 39)، وَفِيْهِ "عَبْدُ الخَالِقِ" وَمُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 530) وَغَيْرِهِمَا.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله في وَفَيَاتِ سَنَةِ (529 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

95 -

الحَسَنُ بنُ المُبَاركِ بنِ أَحْمَدَ الأَنْمَاطِيِّ، أَخُو الحَافِظِ عبد الوَهَّابِ، ذَكَرَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ (174) وَقَالَ:"حَدَّثَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَيِّ". ذَكَرَ المُؤَلِّفُ =

ص: 422

بَعْدَ فَرَاغِهِ مِن الحَجِّ وَالعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ فِي المُحَرَّمِ سنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِهَا، وَصلَّى عَلَيهِ أَبُو زَيْدٍ البَصْرِيِّ الخَطِيْبُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

‌86 - أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ

(1)

بنِ الأَبْرَادِيِّ البَغْدَادِيُّ، الفَقِيهُ، الزَّاهِدُ أَبُو البَرَكَاتِ.

سَمِعَ مِنْ أَبِي الغَنَائِمِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْضَرِ الأَنْبَارِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ النَّحَّاسِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ فَهَدٍ العَلَّافِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَرَأَ الفِقْهَ عَلَى

= أَخَاهُ عَبْدَ الوَهَّابِ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (538 هـ).

96 -

وَهِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، أَبُو دُلَفِ بنِ أَبِي الوَفَاءِ، المُقْرِئُ الحَنْبَلِيُّ. ذَكَرَهُ الصَّفَدِيُّ فِي الوَافِي بِالوَفَيَاتِ (27/ 321).

وَيُذْكَرُ هُنَا:

- خُذَادَاذُ بنُ سَلامَةَ بنِ خُذَادَاذ العِرَاقِيُّ، المَأْمُوْنِيُّ. ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي تَرْجَمَةِ وَلَدِهِ مُحَمَّدٍ (ت: 552 هـ) وَمَحَلُّهُ هُنَا.

وَلَعَلَّ من الحنَابِلَةِ: فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (530 هـ):

- أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ بنِ هَبَةِ الله، أَبُو الفَضْلِ البَغْدَادِيِّ الإِسْكَافَ المَعْرُوْفَ بـ "ابنِ العَالِمَةِ"، يَظْهَرُ أنَّهُ حَنْبَلِيٌّ؛ لِمُلَازَمَتِهِ ابنَ القَوَّاسِ، وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِ الحَنَابِلَةِ. وأُمُّهُ العَالِمَةُ بِنْتُ الرَّازِي؟! كَذَا ذُكِرَ. أَخْبَارُهُ فِي: مَشْيَخَةِ ابنِ الجَوْزِيِّ (107)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 62)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (1/ 47).

(1)

86 - أَبُو البرَكَاتِ بنُ الأَبْرَادِيِّ (؟ - 531):

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 20)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 44)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 118)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 247). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 66)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 70)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ (1/ 164)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (232)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (7/ 204)، وَالشَّذَرَاتُ (4/ 96)، (6/ 159).

ص: 423

ابْنِ عَقِيْلٍ، وَصَحِبَ الفَاعُوْسَ وَغَيْرَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَتَعبَّدَ وَوَقَفَ دَارًا لَهُ بِـ "البَدْرِيَّةِ" شَرْقَ "بَغْدَادَ" عَلى أَصْحَابِنَا مَدْرَسَةً، وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، وَأبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِرٍ.

وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الخَمِيسِ ثَانِي عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ أَبْرِز". قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُهُ فِي "تَارِيخِ ابنِ شَافِعٍ" بِخَطِّهِ، وَالَّذِي رَأَيْتُ فِي "تَارِيْخِ مُخْتَصَرِ ابنِ شَافِعٍ" لابْنِ نُقْطَةَ: فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَفَاةَ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي البَرَكَاتِ أَحْمَدَ بنِ الأَبْرَدِيِّ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذلِكَ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ"

(1)

وَتَرْجَمَاهُ بِتَرْجَمَةِ أَبي البَرَكَاتِ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَسَنَذْكُرُ ابْنُهُ أَبَا الحَسَنِ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى

(2)

.

‌87 - يَحْيَى بنُ الحَسَنِ

(3)

بنِ أَحمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ البَنَّاءِ، أَبُو عَبدِ الل

هِ بنِ الإِمَامِ

(1)

المُتَابِعُ هُوَ ابنُ نُقْطَةَ؛ لأَنَّ ابنِ الجَوْزِيِّ قَبْلَهُ زَمَنًا. وَنَتِيْجَةَ لِهَذَا الخَلْطِ تَرْجَمَ لَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" تَحْقِيْقِ الدُّكْتُور عُمَر عَبْد السَّلامِ تَدْمُرِي في مَوْضِعَيْنِ: 232، 249، مَرَّةً بِـ "أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ" وَالأُخْرَى بِـ "مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ" في وَفَيَاتِ السَّنَةِ نَفْسِهَا، ولم يَتَنَبَّهْ لِذلِكَ مُحَقِّقُهُ؟!

(2)

ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في وَفَيَاتِ سَنَةِ (554 هـ). وَسَيَأْتِي ذِكْرُ حَفِيْدِهِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ في الاسْتِدْرَاكِ عَلَى وَفَيَاتِ سَنَة (612 هـ) إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله:

97 -

قَرِيْبُهُ: عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ، أَبُو حَفْصٍ الأَبْرَادِيُّ، ذَكَرَهُ الحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ فِي مُعْجَمِهِ (20/ ورقة: 122) وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ.

(3)

87 - أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَنَّاءِ (453 - 531 هـ):

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابن نَصْرِ اللهِ (ورقة: 20)، =

ص: 424

أَبي عَلِيٍّ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَأَخُو أَبِي نَصْرٍ المُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ أَيْضًا.

وُلِدَ يَوْمَ الجُمُعَةِ رَابِعَ عِشْرِيْنَ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمَائَةَ وبَكَّرَ بِهِ أَبُوهُ فِي السَّمَاعِ، فسَمِعَ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي، وَابْنِ الآبَنُوْسِيِّ وَابْنِ النَّقُوْرِ، وَأَبِي الغَنَائِمِ، وَجَابِرِ بنِ يَاسِيْنَ وَوَالِدِهِ أَبِي عَلِي بنِ البَنَّاءِ، وَغَيْرِهِمْ، وَحَدَّثَ وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الحُفَّاظِ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ: ابنُ عَسَاكِرٍ وَابنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ بُوْشٍ.

وَرَوَى عَنْهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ إِجَازَةً، وَقَالَ: كَانَ شَيْخًا، صَالِحًا، حَسَنَ السِّيْرَةِ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، حَسَنَ الأَخْلَاقِ، مُتَوَدِّدًا، مُتَوَاضِعًا، بَرًّا، لَطِيْفًا بِالطَّلَبَةِ، مُشْفِقًا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عبْدَ اللهِ بنَ عِيْسَى بنِ أَبِي حَبِيْبٍ الأَنْدَلُسِيَّ الحَافِظَ قَاضِي "أَشْبِيْلِيَّةَ"

(1)

يُثْنِي عَلَيْهِ كَثِيْرًا، وَيَمْدَحُهُ وَيُطْرِيْهِ،

= وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (3/ 89)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 117)، وَمُخْتَصَرِه "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 147). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 120، 383)، وَآخِرُ المُعْجَمِ مَفْقُوْدٌ فَلَمْ يَرِدْ فيه اسمُهُ وَمَرْوِيَّاتُهُ عَنْهُ في مَوْضِعِهِ، وَمَشْيَخَة ابنِ الجَوْزِيِّ (71)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 60)، وَالمُعِيْنُ في طَبَقَاتِ المُحَدِّثين (156)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأعلام (218)، وَالعِبَرُ (4/ 86)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 259)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (2/ 386)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 98)(6/ 161). وتَقَدَّم ذِكْرُ وَالِدِهِ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (470 هـ) رقم (14) وَذَكَرْتُ في هَامشِ تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ مَنْ عَرَفْتُ مِنْ أَفْرَادِ أُسْرَتِهِ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ أَخِيْهِ أبي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ في وَفَيَاتِ سَنَةِ (510 هـ) رقم (59).

(1)

عَبد اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 548 هـ): وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بِـ "العَلَّامَةِ، ذِي الفُنُوْنِ" وَقَالَ: "مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ وَوِزَارَةٍ وقَضَاءٍ. حَجَّ، ثُمَّ قَدِمَ "بَغْدَادَ" وَ"خُرَاسَانَ" قَالَ السَّمْعَانِيُّ: اجْتَمَعْتُ بِهِ بِـ "هَرَاةَ" فَوَجَدْتُهُ بَحْرًا لَا =

ص: 425

وَيَصِفُهُ بِالعِلْمِ، وَالتَّمْيِيْزِ، وَالفَضْلِ، وَحُسْنِ الأَخْلَاقِ، وَعِمَارَةِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ بِـ "بَغْدَادَ" فِي الحَنَابِلَةِ مِثْلَهُ، قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِيُّ كَثِيرَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، يَصِفُهُ بِالخَيْرِ، وَالصَّلَاحِ، وَالعِلْمِ، وَكَذلِكَ كُلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأخَذَ عَنْهُ كَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَمْدَحُهُ

(1)

.

وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ ثَامِنَ شَهْرِ رَبِيْعِ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ صَبِيْحَةَ يَوْمِ الجُمُعَةِ بِمَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ.

أَخْبَرَنَا

(2)

أَبُو الفَتْحِ المَيْدُوْمِيُّ بِـ "الفِسْطَاطِ"(أَنَا) عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ (أَنَا) يَحْيَى بنُ أَبِي عَلِيٍّ البَنَّاءُ، بِقِرَاءَةِ شَيْخِنَا أَبِي الفَضْلِ بنِ نَاصِرٍ (أَنَا) أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ

(3)

بنُ عَلِيِّ بنِ المُهْتَدِي (أَنَا) أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ الخَضِرِ السُّوْسَنْجَرْدِيُّ (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ البُحْتُرِيِّ (ثَنَا) أَحْمَدُ بنُ عَبْد الجَبَّارِ

= ينْزِفُ مِنَ الحَدِيْث، وَالفِقْهِ، وَالنَّحْوِ وَغَيْرِ ذلِكَ" أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (10/ 154)، وَمُعْجَمِ بنِ الأبَّارِ (235)، وَتَكْمِلَةِ الصِّلَةِ "الأَنْدَلُسِيَّةِ"(834)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (20/ 297)، وَنَفْحِ الطِّيْبِ (1/ 167، 184، 185)(4/ 380)، وَالنَّصُّ هُنَا عَنِ السَّمْعَانِيِّ فِي "السِّيَرِ" مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيْرٍ.

(1)

وصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في "السِّيَر" بِـ "الشَّيْخِ، الإمَامِ، الصَّادِقِ، العَابِدِ، الخَيِّرِ، المُتَّبِعِ، الفَقِيْهِ، بَقِيَّةِ المَشَايخِ" وَنَقَلَ في "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" عَنِ الحَافِظِ السَّمْعَانِيِّ قَوْلَهُ فِيْهِ: "شَيْخٌ، صالحٌ، مِنْ أَهْلِ الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، مُكْثِرٌ، وَاسِعُ الرِّوَايةِ، وَمُتِّعَ بِمَا سَمِعَ، وَعُمِّرَ حَتَّى حَدَّثَ بِالكَثِيْرِ".

(2)

منْ هُنَا إِلَى آخرِ التَّرْجَمَةِ سَاقِطٌ من "هـ".

(3)

فِي (ط): "أَبُو الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّد. . .".

ص: 426

العُطَارِدِيُّ (ثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

: "لَقَدْ

(1)

رَوَاهُ البُخَارِيُّ رقم (3803) في "مَنَاقِبِ الأَنْصَارِ" وَمُسْلِمٌ رقم: (2466) في "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" مِنْ حَدِيْثِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، بِلَفْظِ:"اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ رقم (3847) وابنُ مَاجَهْ رقم (158) وَأَحْمَدُ في المُسْنَدِ (3/ 234، 269، 316، 349)(4/ 352) عن هَامِشِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ". يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (531 هـ):

98 -

عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بن يُوْسُفَ، أَبُو الفَضْلِ اليُوسُفِيُّ البَغْدادِيُّ. قَالَ الحَافِظُ ابنُ النَّجَارِ:"من سَاكِنِي دَارِ الخِلَافَةِ وَمِنْ أَوْلَادِ الأَكَابِرِ المُحْتَشِمِيْنَ" وَذَكَرَ أَنَّهُ دُفِنَ في قَبْرِ الإِمَام أَحْمَدَ. قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "طَلَبَ الحَدِيْثَ بِنَفْسِهِ وَأَكْثَرَ، وَحَصَّلَ الأُصُوْلَ، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ وَرِوَايَةٍ".

أَقُوْلُ - وَعَلى اللهِ أَعْتَمِدُ -: جَدُّه عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ يُوْسُفَ (ت: 460 هـ) هُوَ أوَّلُ رَجُلٍ استَدْرَكْتُهُ عَلَى المُؤَلِّفِ وَمَرَّ مِنْ عُلَمَاءِ أُسْرَتِهِ الكَثيْرَ، وَسَيَأْتِي الكَثِيْرَ أَيْضًا. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (10/ 70)، وَذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (1/ 115).

99 -

وَهِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الحَرِيْرِيُّ البَغْدَادِيُّ المُقْرِئُ، أَبُو القَاسِمِ بنُ الطَّبِرِ، وَهُوَ خَالُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ الأَنْمَاطِيِّ (ت: 538 هـ) - حَنْبَلِيٌّ ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ - أَمَّا هِبَةُ اللهِ فَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "شَيْخٌ مَشْهُوْرٌ، مُقْرِئٌ، ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، عَارِفٌ بِالقِرَاءَاتِ" أَخْبَارُهُ في: مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 1208) وَمَشْيَخَةِ ابنِ الجَوْزِيِّ (109)، وَالمُنتظَمِ (10/ 71)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 593)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (2/ 349)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 97).

100 -

وَنَصْرُ بْنُ الحُسَيْن بنِ الحَسَنِ، أَبُو القَاسِمِ بنُ الخَبَّازَةِ البَغْدَادِيُّ الحَنْبَلِيُّ المُقْرِئُ. كَذَا قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في تَارِيْخِ الإِسْلامِ (258)، وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ =

ص: 427

اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".

‌88 - أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ

(1)

بنِ أَحْمَدَ الدِّيْنَوَرِيُّ البَغْدَادِيُّ الفَقِيهُ، الإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بنِ أَبِي الفَتْحِ،

أَحَدُ الفُقَهَاءِ الأَعْيَانِ، وَأَئِمَّةِ أَهْلِ المَذْهَبِ.

سَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، وَغَيْرِهِمَا، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ، وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي المُنَاظَرَةِ عَلى أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، حَتَّى كَانَ أَسْعَدُ المِيْهَنِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ

(2)

يَقُوْلُ: مَا اعْتَرَضَ أَبُو بَكْرٍ

= (10/ 71)، ومَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكِبَارِ (1/ 497)، وَغَايَةُ النِّهَايَةِ (2/ 335).

(1)

88 - أَبُو بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيُّ (؟ - 532 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: مَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (638)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصرِ اللهِ، (ورقة: 20)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 170)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 118)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 147). وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (10/ 73)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (8/ 359)، وَالعِبَرُ (4/ 87)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (268)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 213)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (7/ 323)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 261)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 98)(6/ 162) وَ (الدِّيْنَوَرِيُّ) بِكَسْرِ الدَّالِ المُهْمَلَةِ، وسُكُوْنِ اليَاء آخِرِ الحُرُوْفِ، وفَتْحِ النُّونِ وَالوَاوِ، وَفِي آخِرِهَا الرَّاءُ. هذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى "الدِّيْنَوَرَ" وَهِي بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الجَبَلِ عِنْدَ "قِرْمِيْسِيْنَ" كَذَا في الأَنْسَابِ لأبِي سَعْدٍ (5/ 407). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (2/ 616).

(2)

أَسْعَدُ بنُ أَبي نَصْرِ بنِ الفَضْلِ القُرَشِيُّ، مَجْدُ الدِّينِ، أَبُو الفَتْح، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة (ت: 527 هـ)، صَاحِبُ "التَّعْلِيْقَةِ" المَشْهُوْرَةِ، وَ"المِيْهَنِيُّ" بِكَسْرِ المِيْمِ، وسُكُونِ اليَاءِ المَنْقُوْطَةِ بِتَحْتِهَا بِنُقْطَتَيْنِ، وفَتْحِ الهَاءِ، وَفِي آخِرِهَا النُّوْنُ. هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى "مِيْهَنَةَ" وَهَيَ إِحْدَى قُرَى "خَابَرَانَ" بَيْنَ "سَرْخَسَ" و"أَبِيْوَرْدَ" كَذَا فِي الأَنْسَابِ (11/ 580)، =

ص: 428

الدِّيْنَوَرِيُّ عَلَى دَلِيلِ أَحَدٍ إِلَّا ثَلَمَ فِيهِ ثُلْمَةً. وَلَهُ تَصَانِيْفُ فِي المَذْهَبِ مِنْهَا: كِتَابُ "التَّحْقِيْقِ فِي مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ" وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ، مِنْهُمْ: أَبُو الفَتْحِ بنُ المَنِّيِّ، وَالوَزِيْرُ ابنُ هُبَيْرَةَ. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: حَضَرْتُ دَرْسَهُ بَعْدَ مَوْتِ شَيخِنَا ابنِ الزَّاغُوْنِيِّ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ سِنِيْنَ

(1)

قَالَ وَأَنْشَدَنِي:

تَمَنَّيْتَ أَنْ تُمْسِي فَقِيْهًا مُنَاظِرًا

بِغَيْرِ عَنَاءٍ وَالجُنُوْنُ فُنُوْنُ

وَلَيْسَ اكْتِسَابُ المَالِ دُوْنَ مَشَقَّةٍ

تَلَقَّيْتَهَا فَالعِلْمُ كَيْفَ يَكُوْنُ

قَالَ: وَحَدَّثَنِي قَالَ: كُنْتُ أَتَفَقَّهُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي الخَطَّابِ، وَكُنْتُ فِي بِدَايَتِي أَجْلِسُ فِي آخِرِ الحَلْقَةِ، وَالنَّاسُ فِيْهَا عَلَى مَرَاتِبِهِمْ، فَجَرَى بَيْنِي وَبَينَ رَجُلٍ كَانَ يَجْلِسُ قَرِيْبًا مِنَ الشَّيخِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَلَامٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي اليَّوْمِ الثَّانِي جَلَسْتُ فِي مَجْلِسِي عَلَى عَادَتِي فِي آخِرِ الحَلْقَةِ، فَجَاءَ ذلِكَ الرَّجُلُ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِي، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: لِمَ تَرَكْتَ مَكَانَكَ؟ فَقَالَ: أَتْرُكُ مِثْلَ هَذَا فَأَجْلِسُ مَعَهُ يُزْرِي عَلَيَّ، فَوَالله مَا مَضَى إلَّا قَلِيْلٌ حَتَّى تَقَدَّمْتُ فِي الفِقْهِ، وَقَوِيَتْ مَعْرِفَتِي بِهِ، فَصِرْتُ أَجْلِسُ إِلَى جَانِبِ الشَّيْخِ، وَبَيْنِي وَبَيْنَ ذلِكَ الرَّجُلِ رِجَالٌ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: وَكَانَ يَرِقُّ عِنْدَ ذِكْرِ الصَّالِحِيْنَ، وَيَبْكِي وَيَقُوْلُ:

= وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ البُلْدَانِ (5/ 287) وَفِي سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 634)"قَرِيْبَةٌ مِنْ "طُوْسَ" صَغِيْرَةٌ" أَخْبَارُ أَسْعَدَ في: المُنْتَظَمِ (10/ 13)، وَوَفَيَاتِ الأعْيَانِ (1/ 207)، وَطَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ للسُّبْكِيِّ (7/ 42)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 80).

(1)

لَمْ يَرِدْ في مَشْيَخَةِ ابنِ الجَوْزِيِّ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَدِّثًا.

ص: 429

لِلْعُلَمَاءِ عِنْدَ اللهِ قَدْرٌ، فَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ.

تُوُفِّيَ يَوْمَ السَّبْتِ غُرَّةَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ عِنْدَ رِجْلِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطِ، قَرِيْبًا مِنْ قَبْرِ الإمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه. وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يُشَيِّعْهُ إلَّا عَدَدٌ يَسِيْرٌ. رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو البَقَاءِ بنُ طَبَرْزَدٍ

(1)

: كُنْتُ يَوْمَ مَوْتهِ عِنْدَ القَاضِي أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ البَاقِي، فَخُبِّرَ بِذلِكَ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ، "مَوْتُ الأَقْرَانِ هَدُّ الأَرْكَانَ". وَقَالَ: "إِذَا رَأَيْتَ أَخَاكَ يَحْلِقُ فَبُلَّ أَنْتَ

(2)

".

(1)

هُوَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّد بنِ مَعْمَرٍ، أَخُو الحَافِظِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدُ، تُوُفِّيَ أَبُو البَقَاءِ سَنَةَ (542 هـ)، وَتُوُفِّيَ أَخُوْهُ عُمَرُ سَنَةَ (607 هـ)، وَهُمَا حَنْبَلِيَّانِ اسْتَدْرَكْهُمَا عَلَى المُؤَلِّفِ فِي مَوْضِعَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ. وَالطَّبَرْزَذُ بِالدَّالِ المُهْمَلَةِ وَالذَّالِ المُعْجَمَةِ: السُّكَّرُ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ. يُرَاجَعُ: المُعَرَّبُ للجَوَالِيْقِيِّ (276)، وقَصْدُ السَّبِيْلِ للمُحِبِّيِّ (2/ 252).

(2)

يَبْدُو أَنَّ هَذَا مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ المُوَلَّدِيْنَ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الأَمْثَالِ المَشْهُوْرَةِ.

يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفِيَاتِ سَنَةِ (532 هـ):

101 -

أَحْمَدَ بنُ ظَفَرِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ المَغَازِلِيُّ، أَخُو المُحَدِّثِ عُمَرُ بنُ ظَفَرٍ (ت: 542 هـ). قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ - عَنْ أَحْمَدَ -: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً. وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ:"وسَمِعْتُ مِنْهُ جُزْءًا". أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (10/ 73)، وَمَشْيَخَةِ ابنِ الجَوْزِيِّ (123)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (264).

102 -

أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ الحَسَنِ بنِ مُنَازِلٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَبُو المَكَارِمِ. قَالَ الحافظُ السَّمْعَانِيُّ:"كَانَ شَيْخًا، صَالِحًا، فَقِيْرًا، مُعِيْلًا، مُكْتَسِبًا، كَثِيْرَ الكُتُبِ، سَمِعَ أَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَيَّ". أَخْبَارُهُ في: مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 51)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 79)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (7/ 13)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (264). كرَّرَهُ الحَافِظُ =

ص: 430

وَمِنْ غَرَائِبِ أَبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيِّ: أنَّهُ خَرَّجَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ القِبْلَةُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلإِجْمَاعِ.

وَحَكَى ابنُ تَمِيْمٍ عَنْهُ: أَنَّهُ ذَكَرَ وَجْهًا أَنَّ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ الكَثَّةِ فِي الغُسْلِ كَالوُضُوْءِ. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ "تَلْبِيسُ إِبْلِيْسَ": كُنْتُ أُصلِّي وَرَاءَ شَيْخِنَا أَبي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيِّ فِي زَمَنِ الصِّبَا فَكُنْتُ - يَعْنِي: إِذَا دَخَلْتُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وقَدْ بَقِيَ فِي الرَّكْعَةِ يَسِيْرٌ - أَستَفْتِحُ وَأَسْتَعِيْذُ، فَيرْكَعُ قَبْلَ أَنْ أَقْرَأَ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنَّ الفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوْبِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ خَلْفَ الإِمَامِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الاسْتِفْتَاحَ سُنَّةٌ، فَاشْتَغَلَ بِالوَاجِبِ وَدعَ السُّنَّةِ.

‌89 - مُحَمَّد بنُ مَحْفُوظِ بنِ أَحْمَدَ

(1)

بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ الكَلْوَذَانِيُّ، الفَقِيْهُ

= الذَّهَبِيُّ وَفَيَاتِ سَنَةِ (533 هـ) ظَنًّا مِنْهُ أَنَّه غَيْرُهُ.

103 -

وَابنُ عَمِّهِ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحُسْنِ .. أبُو الفَضْلِ، شَيْخٌ صَالِحٌ، سَمِعَ أَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ:"حدَّثَنِي عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا". أَخْبَارُهُ في: تَارِيْخِ الإِسْلامِ (284).

104 -

وَبدْرُ بنُ صَالِحِ بنِ عَبْدِ اللهِ، أَبُو النَّجْمِ الشِّيْحِيُّ، مَوْلَى المُحَدِّثِ عَبْدِ المُحْسِنِ الشِّيْحِيُّ الَّذِي سَبَقَ اسْتِدْرَاكُهُ. سَمِعَ الكثيرَ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَحَدَّثَ، سَمِعَ مِنْهُ الحَافِظان أَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِرِ، وأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا. أَخْبَارُهُ فِي: مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 184)، الأَنْسَابِ (7/ 442)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 74)، وَمَشْيَخَةِ ابنِ الجَوْزِيِّ (96).

(1)

89 - مُحَمَّدُ بنُ مَحْفُوْظٍ (500 - 533 هـ):

أَخْبَارُهُ في: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 20)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 120)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 248). وَيُرَاجَعُ: =

ص: 431

أَبُو جَعْفَرِ بنُ الإِمَامِ أَبِي الخَطَّابِ، المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ. وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِمَائَة، فِيْمَا ذَكَرَهُ أَبُو الحَسَنِ بنُ القَطِيْعِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ" عَنْ ابنِ أَخِيْهِ مَحْفُوْظِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْفُوظٍ

(1)

قَالَ ابنُ القَطِيعِيِّ: وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ.

قُلْتُ: هَذَا مُحَالٌ؛ فَإِنَّ عُمُرَهُ يَوْمَ مَاتَ أَبُوهُ - عَلَى مَا ذُكِرَ فِي مَوْلِدِه - يَكُوْنُ عَشْرَ سِنِيْنَ، فَكَيْفَ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ وَبَرَعَ؟.

قَالَ: وَصَنَّفَ كِتَابًا سُمِّيَ "الفَرِيْدَ"

(2)

وَهُوَ عِنْدِي بِخَطِّهِ. ثُمَّ سَاقَ مِنْهُ حَدِيْثًا وَحِكَايَاتٍ وَأَشْعَارًا. قَالَ: وَتُوُفِّيَ - فِيْمَا ذَكَرَهُ لِي

(3)

ابنُ أَخِيْهِ - فِي سَابِعَ

= شَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 103)(6/ 169)، وَهَدِيَّةُ العَارِفِيْن (2/ 88).

(1)

سَيَأْتِي فِي اسْتِدْرَاكِنَا عَلَى وَفَيَاتِ سَنَةِ (583 هـ).

(2)

إِيْضَاحُ المَكْنُوْنِ (2/ 319) وفيه: "الكتابُ الفَرِيْدُ".

(3)

أَي: لابنِ القَطِيْعِيِّ.

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (533 هـ):

105 -

عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، أَبُو القَاسِمِ، أَخُو الحُفَّاظِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ت: 511 هـ) وَعَبْدِ الخَالِقِ (ت: 548 هـ) وَعَبْدِ الوَاحِدِ (ت: 537 هـ) مِنَ الأُسْرَةِ العِلْمِيَّةِ الكَبِيْرَةِ "آلِ يُوْسُفَ" يُعْرَفُوْنَ بِـ "اليُوْسُفِيُّ". كَانَ عَبْدُ اللهِ عَالِمًا، مُحَدِّثًا، ثِقَةً، قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ:"دَيِّنٌ، خَيِّرٌ، مِنْ بَيْتِ الحَدِيْثِ، صَالِحٌ، جَاوَرَ بِمَكَّةَ سِنِيْنَ .. " رَوَى عَنْهُ الكِبَارُ كَأَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ، وَالحَافِظِ السِّلَفِيِّ، وَالحَافِظِ ابنِ عَسَاكِرٍ، وَعُمَرَ بنِ كَرَمٍ، وَعَبْدِ المُجِيْبِ الحَرْبِيِّ، وآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ الكِنْدِيُّ". أَخْبَارُهُ فِي: مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 458)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 80)، وَالأَنْسَابِ (4/ 100)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 62)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (322).

106 -

وَالمُبَارَكُ بنُ عُثْمَانَ بنِ حُسَيْنٍ، أَبُو مَنْصُورٍ بنُ الشَّوَّاءِ الأَزَجِيُّ الدَّقَّاقُ، أَخُو =

ص: 432

عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ".

قُلْتُ: وَفِي "تَارِيْخِ ابنِ شَافِعٍ": أَنَّهُ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ ثَامِنَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ وَدُفِنَ فِي مَنْزِلهِ بـ "بَابِ الأَزْجِ" وَرَأَيْتُ فِي "تَارِيْخِ القُضَاةِ" لابنِ المَنْدَائِيِّ: أَنَّ المُتَوَفَّى فِي هَذِهِ السَّنَةِ هُوَ أَبُو الفَرَجِ أَحْمَدَ بنِ الإمَامِ أَبِي الخَطَّابِ، وَكَانَ مِنَ المُعَدَّلِيْنَ بِـ "بَغْدَادَ" وَأَنَّ وَفَاتَهُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ثَامِنَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ" عنْدَ أَبِيْهِ.

‌90 - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي

(1)

بنِ مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

= يَحْيَى بنِ عُثْمَانَ (ت: 512) الَّذِي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا سَبَقَ. رَوَى عَنْ مَالِكٍ البَانِيَاسيِّ، وَرَوَى عَنْهُ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرِ، وأَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ. أَخْبَارُهُ في: مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرِ (2/ 1088). وَفِيْهِ: "المُبَارَكُ بنُ عُثْمَانَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ". وَيُرَاجَع: تَاريْخُ الإِسْلامِ (337).

(1)

90 - القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ (442 - 535 هـ):

أَخْبَارُهُ في: مَنَاقِبِ الإمَامِ أَحْمَدَ (636)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (21)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 443)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 120)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 248). وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 953)، وَتَارِيْخُ دِمَشْقَ (54/ 68)، وَمُخْتَصَرُهُ لابنِ مَنْظُوْرٍ (22/ 244)، وَالأَنْسَابُ (12/ 94)، وَمُخْتَصَرُهُ "اللُّبَابُ"(3/ 311)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 92)، وَمَشْيَخَةُ ابنِ الجَوْزِيِّ (54)، وَأَعْمَارُ الأَعْيَانِ لَهُ (83)، وَمُعْجَمُ البُلْدَانِ (5/ 332)، وَتَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ (6/ 90)، وَالتَّقْيِيْدُ (1/ 72)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (11/ 80)، وَالتَّمْيِيْزُ وَالفَصْلُ لابنِ بَاطِيْشٍ (2/ 694)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (9/ 178)، وَسِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (20/ 23)، وَتَارِيْخُ الإسْلَامِ (390)، وَالعِبَرُ (4/ 97)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ (157)، وَالإعْلَامُ بِوَفَيَاتِ =

ص: 433

ابْنِ الرَّبِيْعِ بِنِ ثَابِتِ بنِ وَهَبِ بنِ مَشْجَعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ الله بنِ كَعبِ بنِ مَالِكٍ - أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِيْنَ خُلِّفُوا، ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ - الأَنْصَارِيُّ الكَعْبِيُّ البَغْدَادِيُّ النَّصْرِيُّ

(1)

البَزَّازُ

(2)

الفَرَضِيُّ، القَاضِي، أَبُو بَكْرِ بنِ أَبِي طَاهِرٍ، وَيُعْرَفُ بِـ "قَاضِي المَارِسْتَان"

(3)

.

= الأَعْلَامِ (219)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1281)، وَدُوَلُ الإسْلَامِ (2/ 55)، وَالمُسْتَفادُ مِن ذَيْلِ تَارِيْخِ بَغْدَادَ (101)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 263)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 217)، وَتَوْضِيْحِ المُشْتَبَهِ لابنِ نَاصِرِ الدِّيْنِ (1/ 550)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبهِ (1/ 160)، وَلِسَانُ المِيْزَانِ (5/ 241)، وَالنُّجُوْمُ الزَّاهِرَةُ (5/ 267)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 108)(6/ 177).

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "البَصْرِيُّ". وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا هو "النَّصْرِيُّ" - بِالنُّونِ - نِسْبَةً إِلى "النَّصْرِيَّةِ". قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ في الأَنْسَابِ (12/ 93):"وَجَمَاعَةٌ نُسِبُوا إِلَى "النَّصْرِيَّة" وهي مَحِلَّةٌ بِـ "بغْدَادَ" بِالجَانِبِ الغَرْبِيِّ. . ."، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي. وَذَكَرَ يَاقُوْتٌ الحَمَوِيُّ فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ (5/ 332) "النَّصْرِيَّة" وَقَالَ:" .. مُتَّصِلَةٌ بِـ "دَارِ القَزِّ" بَاقِيَةٌ إِلَى الآنَ، مَنْسُوبَةٌ إِلَى أَحَدِ أَصْحَابِ المَنْصُوْرِ. يُقَالُ لهُ نَصْرٌ، .. " وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بنَ عَبْدِ البَاقِي أَيْضًا.

(2)

عن (ب) و (ج) وَفي البَقِيَّةِ: "البَزَّارُ"، وَالبَزَّازُ: نِسْبَةٌ إِلى بَيْعِ البَزِّ وَشِرَائِهِ، وَهِيَ الثِّيَابُ، وَهِيَ نِسْبَةٌ لأَبِيْهِ من قَبْلُ، فَلَعَلَّ أبُوْهُ أَوْ جَدَّهُ كان كَذلِكِ، وَلَا تزَالُ العَامَّةُ بِنَجْدٍ يُسَمُّوْنَ سُوْقَ بَيْعِ الثِّيَابِ "سُوْقَ البَزِّ".

(3)

نُسِبَ كَذلِكَ لِتَوَلِّيْهِ النَّظَرَ فِي أَوْقَافِ البِيْمَارِسْتَانَ العَضُدِيِّ، الَّذِي أَنْشَأَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ بنُ بُوَيْهِ سَنَةَ (364 هـ) في الشَّمَالِ الغَرْبِيِّ مِنْ "بغْدَاد". وَعَضُدُ الدَّوْلَةِ هو الَّذي أَلَّفَ لَهُ الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ النَّحْوِيُّ كِتَابَ "الإِيْضَاحِ العَضُدِيُّ" وَ"تَكْمِلَتِهِ" المَعْرُوفِ فِي النَّحْوِ، وَبِاسْمِهِ ألَّفَ "المَسَائِل العَضُدِيَّات" أَيْضًا وَهُمَا مَطْبُوْعَانِ، وَالأَوَّلُ مَشْهُوْرٌ جِدًّا. وَ"المَارَسْتَانُ" فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ. يُرَاجَعُ: المُعَرَّبُ للجَوَالِيْقِيِّ (312)، وَقَصْدُ السَّبِيْلِ (1/ 320).

ص: 434

‌91 - كَانَ وَالِدُهُ أبو طَاهِرٍ عَبْدُ البَاقِي

(1)

وَيُعْرَفُ بِـ "صِهْرِ هِبَةِ" المُقْرِئُ،

وكَانَ

(1)

91 - أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ البَاقِي (؟ - 461 هـ):

حقُّهُ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّرْجَمَةِ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى ذلِكَ فِيْمَا مَضَى فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ، وَتَرْجَمَ لَهُ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ في الطَّبقَات (3/ 429)، ومُخْتَصَرِهِ (389)، وابنُ مُفْلِحٍ في المَقْصَدِ الأرشدِ (2/ 179)، والعُلَيْمِيُّ في المَنْهَجِ الأَحْمَدِ (2/ 379)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 203)، وَيُرَاجَعُ: المُنْتَظَمُ (8/ 255)، ومَنَاقِبُ الإِمَامِ أَحْمَدَ (628)، وَسِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (18/ 260)، ذَكَرَ سَنَةَ وَفَاتِهِ، وَتَارِيْخ الإسْلَامِ (67)، تَرْجَمَ لَهُ وَرَفَعَ نَسَبَهُ وَقَالَ:"أَبُو طَاهِرٍ، وَالِدُ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ، سَاقَ نَسَبَهُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَقَالَ: "شيخٌ، صَالِحٌ، ثِقَةٌ، رَاغِبٌ في الخَيْرِ، مُخْتَلِطٌ بِأَهْلِ العِلْمِ

ذَكَرَهُ عَبْدُ العَزِيْزِ النَّخْشَبِيُّ في "مُعْجَمِهِ". . .". وَهُوَ أيضًا في التَّوضِيْحِ لابنِ نَاصِرِ الدِّين (1/ 549)، والتَّبْصِيْرِ للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (1/ 159).

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: ذَكَرَهُ ابنُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي في مَشْيَخَتِهِ "أَحَادِيْثِ الشُّيُوْخِ الثِّقَاتِ" قَالَ: "شَيْخٌ آخَرُ"[الوَاحِدُ وَالثَّلاثُوْن] وَأَخْبَرَنَا وَالِدِي الشَّيْخُ أَبُو طَاهرٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. . ." وَذَكَرَ في سَمَاعِهِ عَلَيْهِ مِنْ شُيُوْخِهِ: أَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ القَاسِمِ بنِ الصَّلْتِ القُرَشِيَّ المُجَبِّرَ، وَأَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ بنِ الصَّلْتِ المَعْرُوْفَ بِـ "ابنِ الأَهْوَازِيِّ"، وَأَبَا نَصْرٍ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ حَسْنُوْنَ النَّرْسِيِّ، وَأَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ طَلْحَةَ بنِ أَحْمَدَ بنِ هَارُوْنَ المُنَقَّى، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ دُوْست العَلَّافَ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنَ بنَ الحَسَنِ الغَضَارِيَّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنَ بنَ المُقْرِئِ المَعْرُوْفَ بِـ "ابنِ الحَمَّامِيِّ" وَعَنِ ابنِ الحَمَّامِيِّ قَالَ:"حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ النَّقَاشُ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ: دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه يَومًا فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي "البَصْرَةِ" فِي بَعْضِ مَجَالِسِ العُلَمَاءِ فَرَأَيْتُ شَيْخًا =

ص: 435

مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ "بَغْدَادَ" وَالمُلَازِمِيْنَ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، شَيْخًا، صَالِحًا، مُحْدِثًا، مُعَدَّلًا، سَمِعَ الحَدِيْثَ وَحَدَّثَ. وَتُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ.

وأَمَّا وَلَدُهُ أَبُو بَكْرٍ هَذَا: فَوُلِدَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَحَفِظَ القُرآنَ وَهُوَ ابنُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَحَضَرَ عَلَى أَبي إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. وَسَمِعَ مِنْ أَخِيْهِ أَبي الحَسَنِ عَلِيٍّ

(1)

، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَأَبِي طَالِبٍ العُشَاِرِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ البَاقِلَّاوِيّ

(2)

، وَأَبِي مُحَمَّدٍ

= فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيْلَ: أَبُو نَوَاسِ، فَقُلْتُ: أَنْشِدْنِي شَيْئًا مِنْ شِعْرِكَ فِي الزُّهْدِ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرِ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ

خَلَوْتُ وَلكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيْبُ

وَأَنْشَدَ الأَبْيَاتَ، تَجِدْهَا هُنَاكَ، وَقَدْ خَرَّجْتُهَا في هَامِشِ المَقْصَدِ الأَرْشَدِ (1/ 206) في تَرْجَمَةِ ثَعْلَبٍ (أَحْمَدِ بنِ يَحْيَى) (ت: 292 هـ).

107 -

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ ابنَهُ: عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَاقِي (ت: في حُدُوْدِ 540 هـ). ذَكَرَهُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ في الأَنْسَابِ (12/ 94)، قَالَ - بَعْدَ ذِكْرِ المُتَرْجَمِ -:"وَابْنُهُ أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدٍ .... تُوُفِّي في حُدُوْدِ سَنَةِ أَرْبعين وَخَمْسِمَائَةَ" نَذْكُرُهُ في مُسْتَدْرَكِ وَفَيَاتِهَا. إِنْ شَاءَ اللهِ تَعَالَى وَإِنْ نَسِيْتُهُ فَهَذِهِ الإِشَارَةُ كَافِيَةٌ بِحَمْدِ اللهِ.

- وَابنُ أُخْتِهِ: مُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنِ بنِ عبَّاسٍ الفَقِيْرُ (ت: 597 هـ) نَذْكُرُهُ فِي المُسْتَدْرَكِ عَلَى وَفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

(1)

هُوَ أَخُو أَبِي إِسْحَقَ البَرْمَكِيِّ لَا أَخُو المُتَرْجَمِ، وَهُوَ عَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ البَرْمَكِيُّ (ت: 450 هـ) لَمْ يَرِدْ فِي "مَشْيَخَتِهِ" وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ مَشهُوْرَةٌ، يَرْوِي عَنْهُ كِتَابَ "نِشْوَارِ المُحَاضَرَةِ" للتَّنُوْخِيِّ. وَالكِتَابُ مَطْبُوعٌ مَشْهُوْرٌ.

(2)

هكَذَا فِي الأُصُوْلِ المُعْتَمَدَةِ مَاعَدَا (هـ) ففيها "البَاقِلَّانِي" وَهُوَ كَذلِكَ (البَاقِلَّانِي) في مَشْيَخَتِهِ (أَحَادِيْثِ الشُّيُوخِ الثِّقَات)"الشَّيْخُ الثَّالِثُ": "أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ =

ص: 436

الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ عُمَرَ بنِ الحُسَيْنِ الخَفَّافِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ حَسْنُونَ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ غَالِبٍ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الآبَنُوسِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ أَبِي طَالِبٍ المَكِّيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ المَأْمُونِ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَسَمِعَ مِن خَلْقٍ آخَرِيْنَ

(1)

. وَسَمِعَ بِـ "مَكَّةَ" مِنْ أَبِي مَعْشَرٍ وَغَيْرِهِ، وَبـ "مِصْرَ" مِنْ أَبِي إِسْحَقَ الحَبَّالِ، وَقَدْ خُرِّجَتْ لَهُ "مَشْيَخِهِ"

(2)

عَنْ شُيُوخِهِ فِي خَمْسَةِ

= ابنِ عِيْسَى البَاقِلَّانِيُّ. . .".

(1)

أَوْصَلَهُمُ الدُّكْتُورُ حَاتِمُ بنُ عارفٍ الشَّرِيْفُ في مُقدِّمَتِهِ لِتَحْقِيْقِ "المَشْيَخَةِ" إِلَى مَا يقرُب من (109) ما بَيْنَ شَيْخٍ وَشَيْخَةٍ.

(2)

نُسْخَتُهُ الوَحِيْدَةُ - فِيْمَا أَعْلَمُ - فِي مَكْتَبَةِ فَيْضُ اللهِ بِتُركيَّا رقم (533) وَقَدْ أَخَذْتُ لَهَا صُوْرَةً مِنْ هُنَاكَ فِي رِحْلَتِي إِلى تُرْكِيَا سَنَةَ (1406 هـ)، لَمَّا عَقَدْتُ العَزْمَ على إِخْرَاجِ "المَقْصَدِ الأَرْشَد" لابنِ مُفْلِحٍ؛ لأنَّ هَذِهِ "المَشْيَخَةَ" مِن تُرَاثِ الحَنَابِلَةِ، فَرُبَّمَا تُعِيْنُ عَلَى تَصْحِيْحِ بَعْضِ التَّرَاجِمِ. وَبَقِيَتْ عِنْدِي مُدَّةً حَتَّى يَسَّرَ اللهُ للأخِ الكَرِيْمِ الدُّكْتُورِ حَاتِمِ بنِ عَارِفٍ الشَّرِيْفِ تَسْجِيْلَهَا لِنَيْلِ دَرَجَةِ الدُّكْتُوْرَاه في قِسْمِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في كُليَّةِ الدَّعْوَةِ وَأُصُوْلِ الدِّيْنِ بِجَامِعَةِ أُمِّ القُرَى، وَقَامَ بِتَحْقِيْقِهَا وَدِرَاسَتِهَا، وَأَتَمَّ العَمَل فيها عَلَى أَحْسَنِ صُوْرَةٍ وَأَجْمَلِ طَرِيْقَةِ، جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا، وَذلِكَ سَنَةَ (1420 هـ). وَهَذِهِ النُّسْخَةُ جَيِّدَةٌ مَنْقُوْلَةٌ مِنْ أَصْلِ المُؤلِّفِ الَّذِي بِخَطِّهِ فِي وَقْفِ الإِمَامِ العَالِمِ النَّحْوِيِّ، الفَقِيْهِ، الحَنْبَلِيِّ، أَبِي مُحَمَّدِ بنِ الخَشَّابِ (ت: 567 هـ) [ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ]، مُقَابَلَةً عَلَيْهَا بَعْدَ نَسْخِهَا، وَنَاسِخُها عَالِمٌ جَلِيْلٌ اسْمُهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّشْفِ. وَقَد رَجَّحَ مُحَقِّقُهَا الفَاضِلِ أَنَّها مَنْسُوخَةٌ قَبْلَ سَنَةَ (612 هـ)، بِيَسِيْرٍ. وَقَد انْتَقَلَتْ هَذِهِ النُّسْخَةُ إِلَى "مِصْرَ" فَمَلَكَهَا العِزُّ الحَرَّانِيُّ (ت: 686 هـ) وَتَفَرَّدَ بمِصْرَ بِسَمَاعِهَا، ثمَّ أَوْقَفَهَا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَالعِزُّ هَذَا هُو أَخُو النَّجِيْبِ عَبْدِ اللَّطِيْفِ الحَرَّانِيِّ المُقِيْم بِـ "مِصْرَ" وَالمُتَوَفَّى بِهَا سَنَة (672 هـ) وَقَد سَمِعَ هُوَ هَذِهِ النُّسْخَةَ =

ص: 437

أَجْزَاءٍ سَمِعْتُهَا بِـ "القَاهِرَةِ" وَكَانَتْ لَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي القَاسِمِ التَّنُوْخِيِّ، وَابْنِ شِيْطَا، وَالقُضَاعِيِّ مُصَنِّفِ "الشِّهَابِ".

وَتَفَقَّهَ فِي صِبَاهُ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَقَرَأَ الفَرَائِضَ وَالحِسَابَ وَالجَبْرَ وَالمُقَابَلَةَ وَالهَنْدَسَةَ، وَبَرَعَ فِي ذلِكَ، وَلَهُ فِيْهِ تَصَانِيْفُ، وَشَهِدَ عِنْدَ قَاضِي القُضَاةِ أَبي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ وَتَفَنَّنَ فِي عُلُوْمِ كَثِيرَةٍ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: عَارِفٌ بِالعُلُوْمِ مُتَفَنِّنٌ، حَسَنُ الكَلَامِ، حُلْوُ المَنْطِقِ، مَلِيْحُ المُحَاوَرَةِ، مَا رَأَيتُ أَجْمَعَ لِلْفُنُوْنِ مِنْهُ، نَظَرَ فِي كُلِّ عِلْمٍ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: تُبْتُ مِن كُلِّ عِلْمٍ تَعَلَّمْتُهُ إِلَّا الحَدِيْثَ وَعِلْمَهُ. قَالَ: وَكَانَ سَرِيْعَ النَّسْخِ، حَسَنَ القِرَاءَةِ لِلْحَدِيْثِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا ضَيَّعْتُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِي فِي لَهْوٍ أَوْ لَعَبٍ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَسَرَتْنِي الرُّوْمُ، وَبَقِيْتُ فِي الأَسْرِ سَنَةً وَنِصْفًا، وَكَانَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ الغِلُّ فِي عُنُقِي، وَالسَّلَاسِلُ عَلَى يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ لِي: قُلِ المَسِيْحُ ابنُ اللهِ حَتَّى نَفْعَلَ وَنَصْنَعَ فِي حَقِّكَ، فَامْتَنَعْتُ وَمَا قُلْتُ، قَالَ: وَوَقْتَ أَنْ حُبِسْتُ كَانَ ثَمَّ مُعَلِّمٌ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ الخَطَّ بِالرُّوْمِيَّةِ، فَتَعَلَّمْتُ فِي الحَبْسِ الخَطَّ الرُوْمِيَّ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: حَفِظْتُ القُرْآنَ وَلِيَ

= وَرَوَاهَا أَيْضًا، وَهُمَا مُحَدِّثَانِ كَبِيْرَانِ مَشْهُوْرَانِ حَنْبَلِيَّانِ، ولَهُمَا أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُمَا مَعًا مِنْ شُيُوْخِ شُيُوْخِ الحَافِظِ ابنِ رَجَبٍ. فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُوْنَ النُّسْخَةُ نَفْسُهَا هِيَ الَّتِي سَمِعَهَا الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ رحمه الله مِن طَرِيْقِ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْم المَيْدُوْمِيِّ المَذْكُوْرِ فِي السَّنَدِ الآتِي المُتَّصِلِ بِـ "أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيِّ" صَاحِبِ المَشْيَخَةِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 438

سَبْعُ سِنِيْنَ، وَمَا مِنْ عِلْمٍ فِي عَالَمِ اللهِ إِلَّا وَقَدْ نَظَرْتُ فِيهِ، وَحَصَّلْتُ مِنْهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَتَفَرَّدَ فِي الدُّنْيَا بِعُلُوِّ الإِسْنَادِ، وَرَحَلَ إِلِيْهِ المُحَدِّثُوْنَ مِنَ البِلَادِ.

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ حَسَنَ الصُّوْرَةِ، حِلْوَ المَنْطِقِ، مَلِيْحَ المُعَاشَرَةِ، كَانَ يُصَلِّي فِي جَامِعَ المَنْصُوْرِ، فَيَجِيْءُ فِي بَعْضِ الأَيَّامِ، فَيَقِفُ وَرَاءَ مَجْلِسِي وَأَنَا عَلَى مِنْبَرِ الوَعْظِ فَيُسَلِّمُ عَلَيَّ. وَأَمْلَى الحَدِيثَ فِي جَامِعِ القَصْرِ بِاسْتِمْلَاءِ شَيْخِنَا ابنِ نَاصِرٍ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً فَهْمًا، ثَبْتًا، حُجَّةً

(1)

، مُتْقِنًا فِي عُلُوْمٍ كَثِيْرَةٍ، مِنْفَرِدًا فِي عَلْمِ الفَرَائِضِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي ضَيَّعْتُ مِنْ عُمْرِي شَيْئًا فِي لَهْوٍ أَوْ لَعِبٍ، وَمَا مِنْ عِلْمٍ إِلَّا وَقَدْ حَصَّلْتُ بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ، وَكَانَ قَدْ سَافَرَ فَوَقَعَ فِي أَيْدِيْ الرُّوْمَ، فَبَقِيَ فِي أَسْرِهِمْ سَنَةً وَنِصْفًا، وَقَيَّدُوْهُ، وَجَعَلُوا الغِلَّ فِي عُنُقِهِ، وَأَرَادُوا مِنْهُ أَنْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَتَعَلَّمَ مِنْهُمْ الخَطَّ الرُّوْمِيَّ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِ أَنْ لَا يُعَسِّفَ

(2)

وَعَلَى المُتَعَلِّمِ أَنْ لَا يَأْنَفَ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ خَدَمَ المَحَابِرَ خَدَمَتْهُ المَنَابِرَ، قَالَ: وَأَنْشَدَنِي:

(3)

لِيْ مُدَّةٌ لَا بُدَّ أَبْلُغُهَا

فَإِذَا انْقَضَتْ وَتَصَرَّمَتْ مُتُّ

لَوْ عَانَدَتْنِيْ الأَسْدُ ضَارِيَةً

مَا ضَرَّنِي مَا لَمْ يَجِي الوَقْتُ

قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُنَجِّمِيْنَ حَضَرَا حِيْنَ وُلِدَ، فَأَجْمَعَا أَنَّ عُمْرَهُ اثْنَتَانِ

(1)

في (ط) الفقي: "جه" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

(2)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "يُعَنَّفُ".

(3)

المُنْتَظِم (10/ 94)، وَالمَنْهَج الأَحْمَد (3/ 122).

ص: 439

وَخَمْسُونَ سَنَةً، قَالَ: وَهَا أَنَا قَدْ جَاوَزْتُ التِّسْعِيْنَ. قَالَ: وَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ صَحِيْحَ الحَوَاسِّ، لَمْ يَتَغَيَّرُ مِنْهَا شَيْءٌ، ثَابِتَ العَقْلِ، يَقْرَأُ الخَطَّ الدَّقِيْقَ مِنْ بُعْدٍ، وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمُدَيْدَةٍ، فَقَالَ: قَدْ نَزَلَتْ فِي أُذْنِي مَادَّةٌ، فَقَرَأَ عَلَيْنَا مِن حَدِيْثِهِ، وَبَقِيَ عَلَى هَذَا نَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ زَالَ ذلِكَ، وَعَادَ إِلَى الصِّحَّةِ، ثُمَّ مَرِضَ فَأَوْصَى أَن يُعَمَّقَ قَبْرُهُ زِيَادَةً عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ العَادَةُ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ إِذَا حُفِرَ مَا جَرَتْ بِهِ العَادَةُ لَمْ يَصِلُوا إِلَيَّ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَى قَبْرِهِ {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)}

(1)

وَبَقِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يَفْتُرُ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ قَبْلَ الظُّهْرِ ثَانِي رَجَبَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَحَضَرَ قَاضِي القُضَاةِ الزَّيْنَبِيُّ، وَوُجُوْهُ النَّاسِ، وَشَيَّعْنَاهُ إِلَى مَقْبَرَةِ "بَابِ حَرْبٍ"، فَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ أَبِيْهِ، قَرِيْبًا مِنْ بِشْرٍ الحَافِي رضي الله عنه.

قُلْتُ: وَحَدَّثَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بِالكَثِيْرِ مِنْ حَدِيْثِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ الأَئِمَّةُ الحُفَّاظُ وَغَيْرُهُمْ، وَأَثْنَوا عَلَيْهِ

(2)

. قَالَ ابنُ الخَشَّابِ عَنْهُ: كَانَ مَعَ تَفَرُّدِهِ بِعِلْمِ الحِسَابِ وَالفَرَائِضِ، وَافْتِنَانِهِ فِي عُلُوْمٍ عَدِيْدَةٍ، صَدُوْقًا، ثَبْتًا فِي الرِّوَايَةِ، مُتَحَرِّيًا فِيْهَا. وَقَالَ ابنُ نَاصِرٍ عَنهُ: كَانَ إِمَامًا فِي الفَرَائِضِ

(1)

سورة ص. هَلْ تَجُوْزُ الكِتَابَةُ عَلَى القَبْرِ؟!.

(2)

أَوْصَلَهُم الدُّكْتُورُ حَاتِمُ بنُ عَارِف الشَّريفُ في مقدِّمته لتَحقيق "المَشْيَخَةِ" إِلَى مَا يَقْرُبُ من (250) ما بَيْنَ رَجُل وَامْرَأَةٍ.

ص: 440

وَالحِسَابِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البَرْمَكِيِّ

(1)

وَذَكَرَ جَمَاعَةً. وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحًا، وَمَتَّعَهُ اللهُ بِعَقْلِهِ، وَسَمْعِهِ، وَبَصَرِهِ، وَجَوَارِحِهِ إِلَى حِيْنَ وَفَاتِهِ، وَلَمْ يُخْلَفْ بَعْدَهُ مَنْ يَقُوْمُ مَقَامَهُ فِي عِلْمِهِ، وَكَانَ قَدْ خُرِّجَتْ لَهُ مَجَالِسُ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، فَأَمْلَاهَا بِالجَامِعَ مِنْ دَارِ الخِلَافَةِ

(2)

.

وَقَالَ ابنُ شَافِعٍ: سَمِعْتُ ابنَ الخشَّابِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ قَاضِي المَارِسْتَان يَقُوْلُ: قَدْ نَظَرْتُ فِي كُلِّ عِلْمٍ حَصَّلْتُ مِنهُ بعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ، إِلَّا هَذَا النَّحْوِ، فَإِنِّي قَلِيْلُ البِضَاعَةِ فِيْهِ. قَالَ ابنُ شَافِعٍ: وَمَا رَأَيْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ - يَعْنِي: ابنَ الخَشَّابِ - يُعظِّمُ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِهِ تَعْظِيْمَهُ لَهُ، وَكَانَ أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ مِثْلُهُ، وَيُطْرِيْهِ فِي الثَّنَاءِ.

(أَنَا) أَبُو الفَتْحُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهيْمَ بـ "مِصْرَ"(أَثَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ (أَثَنَا) الحَافِظَانِ: أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدِ

(3)

عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مَحْمُودِ بنِ الأَخْضَرِ، وَأَبُو أَحْمَدَ عَبدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيِّ بنِ سُكَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ.

(ح)(أَنَا) مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدِّمَشْقِيِّ

(4)

بِهَا غَيْرَ مَرَّةٍ

(1)

إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ البَرْمَكِيُّ (ت: 445 هـ) وَعُمْرُ أبي بَكْرٍ إِذْ ذَاكَ دُوْنَ الخَامِسَةِ، وَتَرْجَمَةُ البَرْمَكِيِّ في الطَّبقات (3/ 352) وَتَخْرِيْجُهَا هُنَاكَ.

(2)

فِي (ط): "دَارِ الخَلِيْفَةِ".

(3)

فِي (ط): "أَبُو مُحَمَّدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ" وَ"أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ".

(4)

هُوَ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ الخَبَّازِ" مِنْ أَشْهَرِ شُيُوْخِ الحَافِظِ ابنِ رَجَبٍ. يُرَاجَعُ مَبْحَثِ شُيُوْخِهِ فِي مُقَدِّمَةِ الكِتَابِ.

ص: 441

(أَثَنَا) أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّنُوْخِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اْلمُنْعِم الحَرَّانِيُّ

(1)

وَأَبُو الفَرَج عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ المَقْدِسِيُّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدُ بنِ عَلَّانَ وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا (أَنَا) أَبُو حَفْصٍ عُمَرَ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَبَرْزَدٍ، وَأَبُو اليُمَنِ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ الكِنْدِيُّ، زَادَ الأَوَّلَانِ: وَأَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ اللَّطِيفِ بنُ إِسْمَاعِيلَ الصُّوْفِيُّ، وَزَادَ الأَوَّلُ وَحْدَهُ: وَأَحْمَدُ بنُ تُزْمِشَ

(2)

البَغْدَادِيُّ، قَالُوا كُلُّهُمْ:(أَنَا) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي البَزَّازُ

(3)

(أَنَا) أَبُو إِسْحَقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ البَرْمَكِيُّ - حُضُوْرًا - (أَنَا) أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَزَّارُ (ثَنَا) أَبُو مُسْلِمٍ (ثَنَا) مُحَمَّدُ بنُ عبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ (ثَنَا) حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ

(4)

: "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "الحَارِثِيُّ" تَحْرِيْفٌ. وَهُوَ مَشْهُوْرٌ، سَبَقَ ذِكْرُهُ وَهُوَ رَاوِي مَشْيَخَةِ أَبي بَكْرٍ المُتَرْجَمَ كَمَا سَبَقَ.

(2)

هُوَ أَحْمَدُ بنُ تُزْمُشَ بنِ بَكتَمُر بن قَزَاغُل البَغْدَادِيُّ الخَيَّاطُ (ت: 598 هـ). أَخْبَارُهُ فِي: المُخْتَصَرِ المُحْتَاجِ إِلَيْهِ (1/ 176)،

وَغَيْرِهِ. وضَبَطَهَا البُنْدَارِيُّ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ "تُزْمُشَ" وفَتْحِ البَاءِ مِنْ "بَكْتَمَرَ" كَمَا فِي هَامِشِ مَجْمَعِ الآدَابِ (2/ 14).

(3)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "البَزَّار".

(4)

رَوَاهُ البُخَارِيُّ رقم (108) في (العِلْمِ)، "بَابُ إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم"، وَمُسْلِمٌ رقم (2) في المُقَدِّمَةِ. وَأَحْمَدُ في المُسْنَدِ (3/ 113)، وَالتِّرْمِذِيُّ رقم (2663)، وابنُ مَاجَه رقم (32) في المُقَدِّمَةِ. وَالنَّسَائِيُّ في الكُبْرَى رقم (5914)(3/ 458)، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه. وَرَوَاهُ الشَّيْخَان عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيْثِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ. عَنْ هَامِشِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ".

ص: 442

أُنْبِئْتُ عَنْ يُوسُفَ بنِ خَلِيْلٍ الحَافِظِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الفَوَارِسِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ الخَزَّازُ الصُّوفِيُّ البَغْدَادِيُّ بـ "بَغْدَادَ" قَالَ: سَمِعْتُ القَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَبدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازَ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ مُجَاوِرًا بِمَكَّةَ - حَرَسَهَا اللهُ تَعَالَى - فَأَصَابَنِي يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ جُوْعٌ شَدِيْدٌ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَدْفَعُ بِهِ عَنِّي الجُوْعَ، فَوَجَدْتُ كِيْسًا مِنْ إِبْرِيْسَمٍ، مَشْدُوْدًا بِشَرَابَةٍ مِنْ إِبْرِيسَمٍ أَيْضًا، فَأَخَذْتُهُ] وَجِئْتُ بِهِ إِلَى بَيتِي]

(1)

، فَحَلَلْتُهُ فَوَجَدْتُ فِيْهِ عِقْدًا مِنْ لُؤْلُؤٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا الشَّيْخُ

(2)

يُنَادِي عَلَيْهِ، وَمَعَهُ خِرْقَةٌ فِيْهَا خَمْسُمَائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ يَقُوْلُ: هَذَا لِمَنْ يُرَدَّ عَلَيْنَا الكِيْسُ الَّذِي فِيْهِ اللُّؤْلُؤُ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحْتَاجٌ، وَأَنَا جَائِعٌ، فَآخُذُ هَذَا الذَّهَبَ فَأَنْتَفِعُ بِهِ، وَأَرُدَّ عَلَيْهِ الكِيْسَ، فَقُلْتُ لَهُ: تَعَالَ إِلَيَّ فَأَخَذْتُهُ وَجِئْتُ بِهِ إِلَى بَيْتِي، فَأَعْطَانِي عَلَامَةَ الكِيْسِ، وَعَلَامَةَ الشَّرَابَةِ، وَعَلَامَةَ اللُّؤْلُؤِ، وَعَدَدَهُ، وَالخَيْطَ الَّذِي هُوَ مَشْدُوْدٌ بِهِ، فَأَخْرَجْتُهُ وَدَفْعْتُهُ إِلَيْه، فَسَلَّمَ إِلَى خَمْسِمَائَةِ دِيْنَارٍ، فَمَا أَخَذْتُهَا، وَقُلْتُ: يَجِبُ عَلَيَّ أنْ أُعِيْدَهُ إِلَيْكَ وَلَا آخُذُ لَهُ جَزَاءً، فَقَالَ لِي: لَا بُدَّ أَنْ تَأْخُذَ وَأَلَحَّ عَلَيَّ كَثِيْرًا، فَلَمْ أَقْبَلَ ذلِكَ مِنْهُ، فَتَرَكَنِي وَمَضَى، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنِّي فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ مَكَّةِ، وَرَكِبْتُ البَحْرَ، فَانْكَسَرَ المَرْكَبُ وَغَرِقَ النَّاسُ، وَهَلَكَتْ أَمْوَالُهُم، وَسَلِمْتُ أَنَا عَلَى قِطْعَةٍ منَ المَرْكَبِ، فَبَقِيَتُ مُدَّةً فِي البَحْرِ لَا أَدْرِيْ أَيْنَ أَذْهَبُ، فَوَصَلْتُ إِلَى جَزِيْرَةٍ فِيْهَا قَوْمٌ، فَقَعَدَتُ فِي

(1)

في (أ) مَطْمُوْسَةٌ.

(2)

كَذَا فِي الأُصُوْلِ، وَالأَصْوَبُ:"فَإِذَا شَيْخٌ" عَلَى التَّنْكِيْرِ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوْفٍ.

ص: 443

بَعْضِ المَسَاجِدِ، فَسَمِعُوْنِي أَقْرَأُ، فَلَمْ يَبْقَ فِي تِلْكَ الجَزِيْرَةِ أَحَدٌ إِلَّا جَاءَ إِلَيَّ وَقَالَ: عَلِّمْنِي القُرآنَ، فَحَصَلَ لِي مِن أُوْلئِكَ القَوْمِ شَيءٌ كَثِيْرٌ مِنَ المَالِ، قَالَ: ثُمَّ إِنِّي رَأَيتُ فِي ذلِكَ المَسْجِدِ أَوْرَاقًا مِنْ مُصحَفٍ، فَأَخَذْتُهَا أَقْرَأُ فِيْهَا فَقَالُوا لي: تُحْسِنُ تَكْتُبِ؟ فَقلْتُ: نَعَمْ، فقَالُوا: عَلِّمْنَا الخَطَّ، فَجَاءُوا بِأَوْلَادِهِمْ

(1)

مِنَ الصِّبْيَانِ وَالشَّبَابِ، فَكُنْتُ أُعَلِّمُهُمْ، فَحَصَلَ لِي أَيْضًا مِنْ ذلِكَ شَيءٌ كَثِيْرٌ، فَقَالُوا لِي بَعْدَ ذَلِكَ: عِنْدَنَا صَبِيَّةٌ يَتِيْمَةٌ، وَلَهَا شَيءٌ مِنَ الدُّنْيَا نُرِيْدُ أَنْ تتَزَوَّجَ بِهَا، فَامتَنَعْتُ، فَقَالُوا: لَا بُدَّ، وَأَلزَمُوْنِي، فَأَجَبْتُهُمْ إِلَى ذلِكَ، فَلَمَّا زَفُّوْهَا إِلَيَّ مَدَدْتُ عَيْنِي أَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَوَجَدْتُ ذلِكَ العِقْدُ بِعَيْنِهِ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهَا، فَمَا كَانَ لِي حِيْنَئِذٍ شُغْلٌ إِلَّا النَّظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا شَيْحُ، كَسَرْتَ قَلْبَ هَذِهِ اليَتِيْمَةِ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى هَذَا العِقْدِ، وَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمْ قِصَّةَ العِقْدِ فَصَاحُوا وَصَرَخُوا بِالتَّهْلِيْلِ وَالتَّكْبِيْرِ، حَتَّى بَلَغَ إِلَى جَمِيْعِ أَهْلِ الجَزِيْرَةِ، فَقُلْتُ: مَا بِكُمْ؟ فَقَالُوا: ذلِكَ الشَّيْخُ الَّذِي أَخَذَ مِنْكَ العِقْدَ أَبُو هَذِهِ الصَّبِيَّةِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا وَجَدْتُ فِي الدُّنْيَا مُسْلِمًا إِلَّا هَذَا الَّذِيْ رَدَّ عَليَّ هَذَا العِقْدَ، وَكَانَ يَدْعُو وَيقُوْلُ: اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى أُزَوِّجَهُ بِابْنَتِي، وَالآنَ قَدْ حَصَلَتْ، فَبَقِيَتُ مَعَهَا مُدَّةً، وَرُزِقْتُ مِنْهَا بِوَلَدَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهَا مَاتَتْ، فَوَرِثْتُ العِقْدَ أَنَا وَوَلَدَايَ، ثُمَّ مَاتَ الوَلَدَانِ فَحَصَلَ العِقْدُ لِي، فَبِعْتُهُ بِمَائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَهَذَا المَالُ الَّذِي تَرَوْنَ مَعِي مِنْ بَقَايَا

(1)

في (ط) الفقي: "بأولاهم" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.

ص: 444

ذلِكَ المَالِ. هكَذَا سَاقَ هَذِهِ الحِكَايَةَ يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلِ فِي "مُعْجَمِهِ"

(1)

(1)

مُعْجَمُ ابنِ خَلِيْلٍ: الوَرَقَتَانِ (164)، (175)(يُلاحَظُ اضْطِرَابُ تَرْتِيْبِ النُّسْخَةِ).

وَيُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله في وفيات سَنَةِ (535 هـ):

108 -

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُنَازِلِ الشَّيْبَانِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ زُرَيْق" القَزَّازُ البَغْدَادِيُّ الحَرِيْمِيُّ، مِنْ أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ، اشتُهِرَتْ بِالعِلْمِ وَالرِّوَايةِ. قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ:"كَانَ شَيْخًا، صَالِحًا، مُتَوَدِّدًا، سَلِيْمَ الجَانِبِ، مُشْتَغِلًا بِمَا يَعْنِيْهِ، مِنْ أَوْلَادِ المُحَدِّثِيْنَ، سَمَّعَهُ أَبُوْهُ وَعَمُّهُ وَشُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ كَثِيْرًا، وَعُمِّرَ، وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ". أخْبَارُهُ في: الأَنْسَابِ (6/ 234)، (10/ 132)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 90)، وَالتَّقْيِيْدِ (340)، وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ (20/ 69)، وَتَارِيْخِ الإِسْلَامِ (378)، وَفِيْهِ:"مُبَارَكٌ" بَدَل "مُنَازِلٍ". خَطَأٌ ظَاهِرٌ.

109 -

وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الوَاسِعِ بنِ عَبْدِ الهَادِي، حَفِيْدُ شَيْخ الإسْلَامِ الأَنْصَارِيِّ الهَرَوِيِّ. قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ: "إِمَامٌ، جَمِيْلُ السِّيْرَةِ، مَرْضِيُّ الطَّرِيْقَةِ، ذُو سَمْتٍ وَوَقَارٍ، وَعِفَّةٍ وَحَيَاءٍ، حَرِيْصٌ عَلَى سَمَاعِ الحَدِيْثِ وَطَلَبِهِ

سَمِعَ الكَثيرَ، وَحَصَّلَ الأُصُوْلَ. . .". أَخْبَارُهُ فِي: تَارِيْخ الإِسْلَام للذَّهَبِيِّ (380).

110 -

وَعَطَاءُ بنُ أَبي سَعْدِ بنِ عَطَاءِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ الهَرَوِيُّ الفُقَّاعِيُّ، صَاحِبُ شَيْخِ الإِسْلَامِ أبي إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيِّ، قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ:"كَانَ مِمَّنْ يُضْرَبُ به المَثَلُ في إِرَادَةِ شَيْخِ الإِسْلَامِ وَالجِدِّ في خِدْمَتِهِ، وَلَهُ آثارٌ وَحِكَايَاتٌ ومَقَامَاتٌ وَقْتَ خُرُوْجِ شَيْخِ الإِسْلَامِ إِلى "بَلْخَ" في المِحْنَةِ، قُدِّمَ إِلَى الخَشَبَةِ لِيُصْلَبَ بَعْدَ أَنْ حُبِسَ مُدَّةً فَسَلَّمَهُ اللهُ في آخِرِ لَحْظَةٍ. وَكَانَ مُحَدِّثًا، رَحَّالًا، مُجَاهِدًا، قَويًا في ذاتِ اللهِ، سَمِعَ بِـ "هَرَاةَ" وَ"مَالِيْنَ" وَ"بَغْدَادَ" وَغَيْرِهَا، عُرِضَ عَلَيْهِ مَالًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَأَخْبَارُهُ كَثيْرَةٌ جِدًّا، وَبَلَاؤُهُ في الإِسْلَامِ كَبِيْرٌ، لَهُ أَوْلَادٌ منْ أَهْلِ العِلْمِ. أَخْبَارُهُ في مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 685)، وَالأَنْسَابِ (9/ 332)، وَالمُنْتَظَمِ (10/ 91)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ =

ص: 445

وَسَاقَهَا ابنُ النَّجَّارِ فِي "تَارِيخِهِ"، وَقَالَ: هِيَ حِكَايَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَأَظُنُّ القَاضِي حَكَاهَا عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا أَبُو المُظَّفَرِ سِبْطُ ابنِ الجَوْزِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ"

(1)

فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الوَفَاءِ بنِ عَقِيْلٍ، وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَقِيْلٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ حَجَّ، فَالْتَقَطَ العِقْدَ وَرَدَّهُ بِالمَوْسِمِ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بُذِلَ لَهُ مِنَ الدَّنَانِيْرِ، ثُمَّ قَدِمَ "الشَّامَ" وَزَارَ "بَيْتَ المَقْدِسِ" ثُمَّ رَجَعَ إِلَى "دِمَشْقَ"، وَاجْتَازَ بِـ "حَلَبَ" فِي رُجُوْعِهِ إِلَى "بَغْدَادَ"، وَأَنَّ تزَوُّجَهُ بِالبِنْتَ كَانَ بِـ "حَلَبَ" وَلكِنَّ أَبَا المُظَفَّرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيْمَا يَنْقُلُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْحِكَايَةِ إِسْنَادًا مُتَّصِلًا إِلَى ابْنِ عَقِيْلٍ، وَلَا عَزَاهَا إِلَى كِتَابٍ مَعْرُوْفٍ، وَلَا يُعْلَمُ قُدُوْمُ ابنِ عَقِيْلٍ إِلَى "الشَّامِ"، فَنِسْبَتُهَا إِلَى القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيِّ أَنْسَبُ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ القِصَّةُ: أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ قَبُوْلُ الهَدِيَّةِ عَلَى رَدِّ الأَمَانَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا بِغَيْرِ عَوَضٍ، وَهَذَا إِذَا كَانَ لَمْ يَلْتَقِطْهَا بِنِيَّةِ أَخْذِ الجُعْلِ المَشْرُوْطِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَلَى مِثْلِ ذلِكَ فِي الوَدِيْعَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوْزُ لِمَنْ رَدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا قَبُوْلُ هَدِيَّتِهِ إِلَّا بِنِيَّةِ المُكَافَأَةِ.

‌92 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ

(2)

بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الشِّيْرَازِيُّ،

ثُمَّ

= (20/ 54). وَسَمِعَ مِنْهُ الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرٍ بِـ "هَرَاةَ".

111 -

وَمَحْمُوْدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَخْضَرِ، أَبُو نَصْرٍ الجُنَابِذِيُّ البَغْدَادِيُّ، وَالِدُ الحَافِظِ أَبي مُحَمَّدٍ عَبْدِ العَزِيْزِ (ت: 611) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ، وَوَالِدُهُ هَذَا ذَكَرَهُ ابنُ الدُّبَيْثِيِّ في تَارِيْخهِ (المُخْتَصَرِ المُحْتَاجِ إِلَيْهِ (3/ 184).)

(1)

مِرْآةُ الزَّمَانِ (2/ 696).

(2)

92 - شَرَفُ الإسْلَامِ ابنُ الحَنْبَلِيِّ (؟ - 536 هـ): =

ص: 446

الدِّمَشْقَيُّ، المَعْرُوفِ بِـ "ابنِ الحَنْبَلِيِّ" الفَقِيْهُ، الوَاعِظُ، المُفَسِّرُ، شَرَفُ الإِسلَامِ، أَبُو القَاسِمِ. كَذَا كَنَّاهُ ابنُ القَلَانِسِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ" وَكَنَّاهُ المُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ: أَبَا البَرَكَاتِ، ابنِ شَيْخِ الإِسلَامِ أَبِي الفَرَجِ الزَّاهِدِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ شَيْخِ الحَنَابِلَةِ بِـ "الشَّامِ" فِي وَقْتِهِ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَهُوَ صَغِيْرٌ فَاشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ، وَتَفَقَّهَ

= أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 21)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 147)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 125)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 248)، وَالمَدْخَلِ لابنِ بَدْرَان (415). وَيُرَاجَعُ: تَارِيْخُ دِمَشْقَ لابنِ القَلَانِسِيِّ (429)، وَذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (1/ 349)، وَمِرْآةُ الزَّمَانِ (8/ 8/ 102)، (وفيات 533 هـ)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 103)، وَتَارِيْخُ الإِسْلامِ (417)، وَالعِبَرُ (4/ 100)، وَدُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 55)، وَالمُعِيْنُ فِي طَبَقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ (158)، وَالإِعْلَامِ بِوَفَيَاتِ الأَعْلامِ (220)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 219)، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 268)، وَذَيْلُ تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ لابنِ فَهْدٍ (72) وَفِيْهِ:"عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟! " وَطَبَقَاتُ المُفَسِّرِيْنَ للسُّيُوْطِيِّ (25)، وَطَبَقَاتُ المُفَسِّرِيْنَ للدَّاوُدِيِّ (1/ 362)، وَالقَلائِدُ الجَوْهَرِيَّةُ (2/ 64)، وَالدَّارِسُ فِي تَارِيْخ المَدَارِسِ (2/ 64)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 113)(6/ 185).

أُسْرَتُهُمْ تُعْرَفُ بِـ "آلِ الحَنْبَلِيِّ" مِنْ أَكْبَرِ وَأَشْهَرِ الأُسَرِ الحَنْبَلِيَّةِ في بِلَادِ الشَّامِ، تَوَارَثُوا العِلْمَ كَابِرًا عن كَابِرٍ، سَبَقَ التَّنْبِيْهُ عَلَى ذلِكَ فِي تَرْجَمَةِ وَالِدِهِ "عَبْدِ الوَاحِدِ" رقم (28)، وَرَفَعَ المُؤَلِّفُ هُنَاكَ نَسَبَهُمْ إِلَى الأَنْصَارِ. وَلَمْ يشْتَهِرْ بِالعِلْمِ مِنْ ذُرِّيَّةِ وَالِدِهِ إِلَّا هُوَ وَأُخْتُهُ الَّتِي لا نَعْرِفُ الآنَ اسْمُهَا، وَهِيَ أُمُّ الوَاعِظِ زَيْنِ الدِّيْنِ عَلِيِّ بنِ نَجَا (ت 599 هـ) الَّذِي قِيْلَ: إِنَّها تَحْفِظُ تَفْسِيْرَ أَبِيْهَا المَعْرُوْفَ بِـ "الجَوَاهِرِ" واشتُهِرَ لِلشَّيخِ شَرَفِ الدِّيْنِ مِنَ الوَلَدِ - مِن أَهْلِ العِلْمِ - سِتَّةٌ، هُمْ: مُحَمَّدٌ شَرَفُ الدِّين، وَنَجْمٌ، وَعَبْدُ الحَقِّ، وَعَبْدُ الهَادِي، وعَبْدُ الكَافِي، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَأَكْثَرُ الأَوْلَادِ وَالأَحْفَادِ لِنَجْمٍ، وَنُفَصِّلُ ذلِكَ فِي مَوَاضِعِهِمْ عِنْدَ ذِكْرِ المُؤَلِّفِ لَهُمْ. وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ أسْتَدْرِكُهُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

ص: 447

وَبَرَعَ، وَنَاظَرَ، وَأَفْتَى، وَدَرَّسَ الفِقْهَ، وَالتَّفْسِيْرَ، وَوَعَظَ، وَاشْتَغَلَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ فَقِيْهًا بَارِعًا، وَوَاعِظًا فَصِيْحًا، وَصَدْرًا مُعَظَّمًا، ذَا حُرْمَةٍ، وَحَشْمَةٍ، وَسُؤدَدٍ، وَرِئَاسَةٍ، وَوَجَاهَةٍ، وَجَلَالَةٍ، وَهَيْبَةٍ. وَلَمَّا وَرَدَ الفِرِنْجُ إِلَى "دِمَشْقَ" سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ أَرْسَلَهُ صَاحِبُ "دِمَشْقِ" إِلَى الخَلِيْفَةِ المُسْتَرْشِدِ بِـ "بَغْدَادَ" لِيَسْتَنْجِدَهُمْ عَلَى الفِرِنْجِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَوَعَدَهُ بِالإِنْجَادِ. وَكَانَ لَهُ بِجَامِعِ "دِمَشْقَ" مَجْلِسٌ يَعْقِدُهُ لِلْوَعْظِ، وَقِيْلَ: إنَّهُ مُنِعَ مِنْهُ بِسَبَبِ الفِتَنِ.

قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمَعْتُ أَبَا الحَجَّاجِ يُوْسُفَ بنَ مُحَمَّدٍ بنِ مُقَلِّدٍ التَّنُوْخِيَّ الدِّمَشْقِيَّ مُذَاكَرَةً يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الإِمَامَ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ أَبِي الفَرَجِ الحَنْبَلِيَّ الدِّمَشْقِيَّ بِـ "دِمَشقَ" يُنْشِدُ عَلَى الكُرْسِيِّ فِي جَامِعِهَا - وَقَدْ طَابَ وَقْتُهُ -:

سَيِّدِيْ عَلِّلِ الفُؤَادَ العَلِيْلَا

وَاحْيِنِي قَبْلَ أَنْ تَرَانِي قَتِيْلَا

إِنْ تَكُنْ عَازِمًا عَلَى قَبْضِ

(1)

رُوْحِيْ

فَتَرَفَّقْ بِهَا قَلِيْلًا قَلِيْلًا

قَرَأْتُ بِخَطِّ حَفِيْدِهِ نَاصِحِ الدِّيْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَجْمٍ قَال: حَكَى لَنَا الفَصِيْحُ الحَنَفِيُّ قَالَ: احْتَجْتُ فَأَشَارَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ أَقُوْمَ فِي مَجْلِسِ شَرَفِ الإِسْلَامِ فَأَمْتَدِحُهُ بِقَصِيْدَةِ شِعْرٍ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَرَمَى عَلَى الشَّيْخُ مِنْدِيْلًا كَانَ فِي يَدِهِ، فَخَلَعَ عَلَيَّ جَمَاعَةٌ أَصْحَابِهِ ثِيَابًا كَثيْرَةً، وَنَثَرُوا عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ مِنَ المَجْلِسِ وَمَعِي جِمَالٌ تَحْمِلُ الخِلَعَ، فَبَلَغَ ذلِكَ البُرْهَانُ

(1)

في (ط) الفقي: "القبض".

ص: 448

البَلْخِيُّ

(1)

شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، فَشَكَانِي إِلَى وَالِدِي، فَقُلْتُ: كُنْتُ مُحْتَاجًا، وَرُحْتُ إِلَى رَجُلٍ أَغْنَانِي، فَاسْكُتُوا عَنِّي وَإِلَّا رُحْتُ إِلَيْهِ بُكْرَةً.

قَالَ نَاصِحُ الدِّيْنِ: وَكَانَ وَجِيْهُ الدِّيْنِ مَسْعُوْدُ بنُ شُجَاعٍ

(2)

شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ بِـ "دِمَشْقَ" يَذْكُرُ شَرَفَ الإِسْلَامِ جَدِّي، وَيَقُوْلُ: كَانَ يَذْكُرُ مُجَلَّدَةً مِنَ التَّفْسِيرِ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ وَيُثْنِي عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَانَ زَيْنُ الدِّيْنِ بنُ الحَكِيْمِ الوَاعِظُ الحَنَفِيُّ

(3)

يَذْكُرُ جَدِّي شَرَفَ الإِسْلَامِ عَلَى المِنْبَرِ، وَيُثْنِي

(1)

اسمُهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَبُو الحَسَنِ الجَعْفَرِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "البُرْهَانِ البَلْخِيِّ" (ت: 548 هـ)، قَالَ القُرَشِيُّ في "الجَوَاهِرِ المُضِيَّةِ":"أَحَدُ من نَشَرَ العِلْمَ في بِلَادِ الشَّامِ" قَالَ ابنُ عَسَاكِرٍ: "قَدِمَ دِمَشْقَ فَنَزَلَ بِـ "الصَّادِرِيَّةِ" وَمُدَرِّسُهَا عَلِيُّ بنُ مَكِّي الكَاسَانِيُّ، وَنَاظَرَ فِي الخِلَافِيَّاتِ، وَعَقَدَ مَجْلِسَ تَذْكِيْرٍ، فَحَسَدَهُ الكَاسَانِيُّ، وتَعَصَّبَ عَلَيْهِ الحَنَابِلَةُ". أَخْبَارُهُ في: العِبَرِ (4/ 131)، وَدُوَلِ الإِسْلَامِ (2/ 64)، وَالجَوَاهِرِ المُضِيَّة (2/ 560)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 148).

(2)

هُوَ مَسْعُوْدُ بنُ شُجَاع بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الأُمَوِيُّ (ت: 599 هـ)، ولَقَبُهُ بُرْهَانُ الدِّين؟ تَفَقَّهَ عَلَى البُرْهَانِ البَلْخِيِّ السَّالِفِ الذِّكْرِ. وقَدْ أَدْرَكَ شَرَفَ الإِسْلامِ؛ لأنَّه وُلِدَ بِـ "دِمَشْقَ" في سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِمَائَة. أَخْبَارُهُ في: العِبَرِ (4/ 310)، وَمِرْآةِ الجِنَانِ (3/ 599)، وَالجَوَاهِرِ المُضِيَّةِ (3/ 467)، وَالدَّارِسِ في تَارِيْخِ المَدَارِسِ (1/ 413)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 343).

(3)

مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ الحَكِيْمِيُّ، أَبُو المَظَفَّرِ، الوَاعِظُ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ حَكِيْمٍ". قَالَ القُرَشِيُّ:"فَقِيْهُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ" وَنَقَلَ عَنِ ابنِ نَاصِرِ الدِّين قَوْلَهُ: "كَذَّابٌ"، مَا سَمِعَ شَيْئًا بِـ "بَغْدَادَ" وَلَا رَأَيْنَاهُ مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وهُوَ قَاصٌّ، يَتَسَوَّقُ عَنْدَ العَوَامِّ" وَنَقَلَ عَنِ ابنِ النَّجَّارِ قَوْلَهُ فِيْهِ: "وَكَانَ فَسْلًا في دِيْنِهِ، خَلِيْعًا، قَلِيْلَ =

ص: 449

عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ فَبَكَى.

قُلْتُ: وَلِشَرَفِ الإِسَلَامِ تَصَانِيْفُ فِي الفِقْهِ وَالأُصُوْلِ، مِنْهَا:"المُنْتَخَبُ فِي الفِقْهِ" فِي مُجَلَّدَيْنِ، وَ"المُفْرَدَاتُ" وَ"البُرْهَانُ" فِي أُصُولِ الدِّيْنِ وَ"رِسَالَةٌ فِي الرَدِّ عَلَى الأَشْعَرِيَّةِ". وَحَدَّثَ عَنْ أَبِيْهِ بِـ "بَغْدَادَ" وَ"دِمَشْقَ" وَسَمِعَ مِنْهُ بِـ "بَغْدَادَ" أَبُو بَكْرِ بنُ كَامِلٍ الخَفَّافُ، وَنَاظَرَ مَعَ الفُقَهَاءِ بِـ "بَغْدَادَ" فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّاتِ.

قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَ عَنْ وَالِدِهِ بِحَدِيْثٍ مُنْكَرٍ، وَبَنَى بِـ "دِمَشْقَ" مَدْرَسَةً دَاخِلَ "بَابِ الفَرَادِيْسِ" وَهِيَ المَعْرُوفَةُ بِـ "الحَنْبَلِيَّةِ"

(1)

وَلَمَّا شَرَعَ فِي بِنَائِهَا طَلَعَ بعْضُ المُخَالِفِيْنَ إِلَى "زُمُرُّدْ خَاتُونَ" أَمُّ شَمْسِ المُلُوْكِ - وَكَانَ حُكْمُهَا نَافِذًا فِي البَلَدِ - فَقَالُوا لَهَا: هَذَا ابنُ الحَنْبَلِيِّ بَيْنِيْ مَدْرَسَةً لِلْحَنَابِلَةِ، وَهَذَا البَلَدُ عَامَّتُهُ شَافِعِيَّةٌ، وَتَصِيْرُ الفِتَنُ وَبِنَاؤُهَا مَفْسَدَةٌ وَضَرَرٌ كَبِيْرٌ، فَبَعَثَتْ إِلَى الشَّيْخِ، وَقَالَتْ لَهُ: بَطِّلْ هَذَا البِنَاءَ، فَقَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَقَالَ لِلْصُّنَّاعِ: انْصَرِفُوا، فَانْصَرَفُوا، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَحْضَرَ الصُّنَاعَ وَالفَعَلَةَ

= المُرُوْءَةِ، سَاقِطًا كَذَّابًا". أَخْبَارُهُ في: خَرِيْدَةِ القَصْرِ "قِسْمِ شُعَرَاءِ العِرَاقِ"(3/ 1/ 266)، وَمِيْزَانِ الاعْتِدَالِ (3/ 480)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (2/ 203)، وَالجَوَاهِرِ المُضِيَّةِ (3/ 89).

(1)

في الأَعْلَاقِ الخَطِيْرَةِ "مَدِيْنَةِ دِمَشْقَ" لابنِ شَدَّادٍ (255)، أَنَّ الَّذِي بَنَى هَذِهِ المدْرَسةِ سَيْفُ الإِسْلَامِ أَخُو صَلَاحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ، وَأَوَّلُ مَنْ ذَكَرَ بِهَا الدَّرْسَ وَالِدُ النَّاصِحِ الحَنْبَلِيِّ .... وَوَالِدُ النَّاصِحِ هُوَ نَجْمُ بنُ عبْدِ الوَهَّابِ المُتَرْجَمِ هُنَا لَكِنَّ النُّعَيْمِيَّ لَمْ يَرْضَ ذلِكَ، وَوَافَقَ المُؤَلِّفَ في أَنَّها من إِنْشَاءِ شَرَفِ الدِّين عَبْدِ الوَهَّاب، قَالَ في الدَّارِسِ (2/ 64) "ولا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ ابنِ شَدَّاد حَيْثُ قَالَ: مَدْرَسَةُ سَيْفِ الإِسْلَامِ أَخِي صَلَاحِ الدِّيْنِ. . .".

ص: 450

وَأَصْحَابَهُ وَأَشْعَلُوا المَشَاعِلَ وَالشَّمْعَ، وَشَرَعُوا فِي تَأْسِيْسِ حَائِطِ القِبْلَةِ، وَنَصَبُوا المِحْرَابَ لَيْلًا، وَقَالَ: اغْدُوا عَلَى عَمَلِكُمْ، فَغَدَوا، وَقَالَ أُوْلَئِكَ لَهَا: قَدْ خَالَفَ أَمْرَكَ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَشَرَةٌ مِنَ القَلْعَةِ، وَقَالُوا لَهُ: أَمَا قَدْ نَهَتْكَ خَاتُونُ عَنْ بِنَاءِ هَذَا المَكَانِ؟ فَقَالَ: أَنَا قَدْ بَنَيْتُ بَيْتًا مِنْ بُيُوْتِ اللهِ عز وجل، وَنَصَبْتُ مِحْرَابًا لِلْمُسْلِمِيْنَ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ تَهْدِمُهُ تَبْعَثُ تَهْدِمُهُ، وَصَاحَ عَلَى الصُّنَّاعِ: اعْمَلُوا، فَبَلَغَهَا مَا قَالَ، فَقَالَتْ: صَدَقَ، أَنَا مَالِيْ وَلِلْفُقَهَاءِ. ذَكَرَ ذلِكَ النَّاصِحُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ جَدِّهِ شَرَفِ الإِسْلَامِ. قَالَ: سَمِعْتُ وَالِدِي يَقُوْلَ: جَاءَ رَجُلٌ مِن أَصْحَابِ أَبِي شَرَفِ الإِسْلَامِ إِليْهِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي مَنَامِي أَبِي، فَقَالَ لِيْ: هَذَا الَّذِي يَقُوْلُهُ لَكُمْ الشَّيْخُ مَا هُوَ صَحِيْحٌ، مَا رَأَيْنَا لَا جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا قِيَامَةً وَلَا حِسَابًا، وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: مَا ذَاكَ وَالِدُكَ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي، وَالِدِي، أَنَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: ذَاكَ الشَّيْطَانُ، السَّاعَةَ يَعُوْدُ وَيَقُوْلُ لَكَ مِثْلَ مَا قَالَ: فَقُلْ أَنْتَ لَهُ: بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَنْتَ وَالِدِي؟ فَيُوَلِّي عَنْكَ وَيَضْرِطُ لَكَ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ أَصْبَحَ وَجَاءَ إِلَى الشَّيْخِ، فَقَالَ لَهُ: ضَرَطَ لَكَ؟ قَالَ: إِيْ وَاللهِ يَا سَيِّدِيْ.

تُوُفِّيَ رحمه الله فِي لَيْلَةِ الأَحَدِ سَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ عِنْدَ وَالِدِهِ، بِمَقَابِرِ الشُّهَدَاءِ مِنْ "مَقَابِرِ البَابِ الصَّغِيْرِ".

وَذَكَرَهُ أَبُو المَعَالِي بنُ القَلَانِسِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ" فَقَالَ: كَانَ عَلَى الطَّرِيْقَةِ المَرْضِيَّةِ، وَالخِلَالِ الرَّضِيَّةِ، وَوُفُوْرِ العِلْمِ، وَحُسنِ الوَعْظِ، وَقُوَّةِ الدِّيْنِ،

ص: 451

وَالتَّنَزُّهِ عَمَّا يَقْدَحُ فِي أَفْعَالِ غَيْرِهِ مِنَ المُتَفَقِّهِيْنَ، وَكَانَ يَوْمَ دَفْنِهِ مَشْهُوْدًا مِنْ كَثْرَةِ المُشَيِّعِيْنَ لَهُ، وَالبَاكِيْنَ حَوْلَهُ، وَالمُؤَبِّنِيْنَ لأَفْعَالِهِ، وَالمُتَأَسِّفِيْنَ عَلَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

(1)

. ولِلْمُهَذَّبِ أَحْمَدَ بنِ مُنَيِّرٍ

(2)

الشَّاعِرِ الحَلَبِيِّ المَشْهُوْرِ رِسَالَةٌ إِلَى شَرَفِ الإِسْلَامِ يَمْدَحُهُ فِيْهَا وَأَهْلُ بَيْتِهِ بِقَصِيْدَةٍ، يَقُوْلُ فِيْهَا:

وَلَعَمْرِيَ لَوْلَا بَقِيَّةُ عَبْدِ الـ

ــوَاحِدِ الحَنْبَلِيِّ أَعْضَلَ دَاؤُهُ

هُمْ أَعَادُوا المَعْرُوفَ غَضًّا وَقَدْ صَوَّ

حَ مُخْضَرُّهُ وَغَاضَ بَهَاؤُهُ

مَعْشَرٌ أُرْضِعُوا النَّبَاهَةَ مِنْ عُوْ

دٍ نُضَارٍ مَاءُ المُرُوْءَةِ مَاؤُهُ

كُلُّ مَعْرُوفِهِمْ لِمَعْرُوْفِهِمْ طَلْـ

ـــقٌ وَهُمْ فِي مَكْرُوْهِهِ شُرَكَاؤُهُ

(1)

سَاقط من (أ).

(2)

هو أَحْمَدُ بنُ مُنَيِّرِ بنِ أَحْمَدَ بن مُفْلِحٍ الطَّرَابُلُسِيُّ (ت: 5348) يُلَقَّبُ عَينَ الزَّمَانِ، وَمهَذَّبَ الدِّيْنِ، كَمَا يُلَقَّبُ بِـ "الرَّفَّاءِ" شَاعِرٌ مُجِيْدٌ للشِّعْرِ، وَوُصِفَ بِأَنَّهُ كَانَ سَلِيْطَ اللِّسَانِ، كَثِيْرَ الهِجَاءِ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّه لا يَكَادَ يَسْلَمُ مِنْ مَقَاطِيْعِ هِجَائِيَّةِ مُنْعِمٌ عَلَيْهِ ولا مُسْيءٌ إِلَيْهِ، وَكَانَ شِيْعِيًّا إِمَاميًّا، ومَعَ شِدَّة هَجْوِهِ وَبَذَائِهِ لِسَانِهِ كَان يَتَحَرَّقَ شوْقًا إِلَى تَحْرِيْرِ بِلَادِ المُسْلِميْن مِنَ الصَّلِيْبِيِّنَ الغُزَاةِ، فَلَازَمَ عِمَادَ الدِّيْنِ، ثُمَّ ابْنَهُ نُوْرَ الدِّين الشَّهِيْدَ، وَقَالَ قَصَائِدَ فِيْهِمَا مَدْحًا لَهُمَا، وَتَأْيِيدًا لِنُصْرَةِ الدِّيْنِ، وَهِيَ تَقْطُرُ حَمَاسَةً وَتَشَوُّقًا إِلَى الجِهَادِ وَالتَّحْرِيْرِ. أَخْبَارُهُ في: ذَيْلِ تَارِيخِ دِمَشْقَ (322)، وَالرَّوْضَتَيْنِ (1/ 49)، وَخَرِيْدَةِ القَصْرِ (1/ 78)(قِسْمِ شُعَرَاءِ الشَّامِ) والنُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ (5/ 299)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 146). وَجَمَعَ شِعْرَهُ الدُّكتور سُعُوْد مَحْمُوْد عَبْدِ الجَابِرِ، مِنْ جَامِعَةِ قَطَر، وَنَشَرَهُ فِي دَارِ القَلَمِ سنَة (1402 هـ). ثُمَّ جَمَعَهُ أَيْضًا الدُّكْتور عُمَر عبد السَّلَام تَدْمُرِي وَنَشَرَهُ فِي دَارَ الجِيْلَ سَنَةَ (1986 م). وَقَدْ أَخَلَّتْ طَبْعَةُ الدُّكْتُورِ سُعُوْدٍ بِعَدَمِ ذِكْرِ هَذِهِ الأَبْيَات، وَهِيَ مَوْجُوْدَةٌ فِي طَبْعَةِ الدُّكتور عُمَرَ عَنِ الذَّيْلِ عَلَى الطَّبَقَاتِ فَحَسْبُ يُرَاجَع: الدِّيوان (144).

ص: 452

أَلْسُنُ تَوَّجَ المَنَابِرَ مِنْهَا

كُلُّ عَضْبِ فَلَّ القَضَاءَ مَضَاؤُهُ

فَالكِتَابُ العَزِيْزُ يَشْهَدُ أَنْ قَدْ

سَلَّمَتْ خِصْلَةً لَهُ قُرَّاؤُهُ

أَهْلُهُ أَنْتُمُ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ قَوْ

لِيَ غَمَّمَتْ عَيْنَهُ أَعْضَاؤُهُ

فُقَهَاءُ الإِسْلَامِ إِنْ عَـ

ـــنَّ لَبْسُ أَحْبَارِهِ خُطَبَاؤُهُ

قَالَ نَاصِحُ الدِّيْنِ حَفِيْدُ شَرَفِ الإِسْلَامِ: قَدْ عَرَضْتُ هَذِهِ القَصِيْدَةَ عَلَى أَبِي البَقَاءِ العُكْبَرِيِّ

(1)

فَأَثْنَى عَلَيْهَا كَثِيْرًا.

(1)

عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْن (ت: 616 هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.

يُسْتَدْرَكُ عَلَى المُؤَلِّفِ رحمه الله فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ (536 هـ):

112 -

أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّد بنِ حَمْدِي. أَخْبَارُهُ فِي: المُنْتَظَمِ (10/ 97)، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ابْنِهِ أَحْمَدَ بنَ أَحْمَدَ (ت: 576 هـ) وَعَتِيْقُهُ بُزْغُشُ (ت: 616 هـ) فِي مَوْضِعَيْهِمَا مِنَ الاسْتِدْرَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

وَلَمْ يَذْكُرِ المُؤَلِّفُ رحمه الله في وَفَيَاتِ سَنَةِ (537 هـ) أَحَدًا، وَفِيْهَا:

113 -

الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الله البَغْدَادِيُّ، أَبُو عَبْد اللهِ المُقْرِئ المَعْرُوْفُ بِـ "سِبْطِ ابنِ الخَيَّاطِ" أَخُو عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ (ت: 541 هـ) الَّذِي ذَكَرَهُ المُؤَلِّف في مَوْضِعِهِ وَهَذَا هُوَ الأَكْبَرُ. وَكَانَ خَيَّاطًا كَجَدِّهِ، يَأْكُلُ من كِرَاءِ يَدِهِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالقِرَاءَاتِ كَجَدِّهِ أَيْضًا. أَخْبَارُهُ في: الأَنْسَابِ (5/ 225)، المُنْتَظَمِ (10/ 104)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ (20/ 129)، وَغَايَةِ النِّهَايَةِ (1/ 246)، وَالشَّذَرَاتِ (4/ 114).

114 -

وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنُ يُوْسُفَ اليُوْسُفِيُّ، البَغْدَادِيُّ مِنْ أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ مَشْهُوْرَةٍ بِالرِّوَاية، وَهُو أَخُو عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ الخَالِقِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَن، أَقَامَ بِـ "اليَمَنِ" مُدَّةً. أَخْبَارُهُ فِي: ذَيْلِ تَارِيْخ بَغْدَاد لابن النَّجَّار (2/ 197).

115 -

وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ علِيٍّ البَرَدَانِيُّ البَقَّالُ. أخْبَارُهُ في: ذَيْل تاريخ بَغْدَاد لابنِ =

ص: 453

‌93 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنِ المُبَارَكِ

(1)

بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الأَنْمَاطِيُّ، الحَافِظُ أَبُو البَرَكَاتِ،

مُحَدِّثُ "بَغْدَادَ" وُلِدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ. وَسَمِعَ الكَثِيْرِ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وأَبِي القَاسمِ الأَنْمَاطِيِّ، وَابنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَطِرَادٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ

= النَّجَّارِ (4/ 18) سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ .. وَغَيْرَهُ، فَلَعَلَّهُ مِنْ ذَوِيْ قَرَابَتِهِ.

(1)

93 - عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ (462 - 538 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: مَنَاقِبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (638)، وَمُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابْنِ نَصْرِ اللهِ (وَرَقَة: 21)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 176)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 126)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ"(1/ 249)، وَيُرَاجَعُ: مُعْجَمُ ابنِ عَسَاكِرٍ (1/ 656)، وَالمُنْتَظَمُ (10/ 108)، وَصَيْدُ الخَاطِرِ (140)، وَمَشْيَخَةُ ابنِ الجَوْزِيِّ (85)، وَصِفَةُ الصَّفْوَةِ (2/ 498)، وَالتَّقْيِيْدُ (371)، وَالكَامِلُ فِي التَّارِيْخِ (11/ 96)، وَذَيْلُ تَارِيْخِ بَغْدَادَ لابنِ النَّجَّارِ (1/ 380)، وَتَذْكِرَةُ الحُفَّاظِ (4/ 1282)، وَسِيَرُ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (20/ 134)، وَدُوَلُ الإِسْلامِ (2/ 56)، وَالعِبَرُ (4/ 104)، وَالإِعْلامُ بِوَفَيَاتِ الأعْلامِ (221)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (19/ 153)"مُصَوَّر"، وَمِرْآةُ الجِنَانِ (3/ 268)، وَالبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 219)، وَطَبَقَاتُ الحُفَّاظِ (464)، وَشَذَرَاتُ الذَّهَبِ (4/ 116).

وَ"الأَنْمَاطِيُّ" بِفَتْحِ الأَلِفِ وَسُكُوْنِ النُّوْنِ، وَفَتْحِ المِيْمِ، وَكَسْرِ الطَّاءِ المُهْمَلَةِ هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى بَيْعِ الأَنْمَاطِ، وَهِيَ الفُرُشُ الَّتِي تُبْسَطُ. . ." هكَذَا قَالَ أَبُو سَعْدٍ في الأَنْسَاب (1/ 376). وَلمْ يذْكرِ المُتَرْجَمَ هُنَا وَهُوَ شَيْخُهُ؟!

(فَائِدَة): أَخُوْهُ الحَسَنُ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ (ت: 529 هـ) من أَهْلِ العِلْمِ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في اسْتِدْرَاكنَا. وَخَالُهُ: هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الحَرِيْرِيُّ البَغْدَادِيِّ المُقْرئُ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ البَطِرِ"(ت: 531 هـ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَيْضًا في اسْتِدْرَاكِنَا.

ص: 454

بَعْدَهُمْ

(1)

وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الكَثِيْرَ، وَسَمِعَ العالِي وَالنَّازِلِ، حَتَّى إنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ الطُّيُورِيِّ جَمِيْعَ مَا عِنْدَهُ

(2)

.

(1)

ذَكَرَ الحَافِظُ ابنُ النَّجَّارِ فِي شُيُوْخِهِ "مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ" زِيَادَةً عَلَى مَنْ ذَكَرَ المُؤَلِّفُ: أَبَا الغَنَائِمِ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ أَبي عُثْمَانَ الدَّقَّاقَ، وَأَخَاهُ أَبَا مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ، وَأَبَا الفَوَارِسِ طِرَادَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيَّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ عَاصِمَ بنَ الحَسَنِ العَاصِمِيَّ، وَأَبَا الخَطَّابِ نَصْرَ بنَ أَحْمَدَ بنِ البَطِرِ، هَلْ هُوَ خَالُهُ أَيْضًا، وَأَبَوَيْ عَبْدِ اللهِ مَالِكَ بنَ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيَّ، والحُسَيْنَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ النَّعَّالِيَّ. قَالَ:"وَخَلْقًا كَثيْرًا غَيْرَهُمْ".

(2)

لا بَأْسَ أَنْ نَعْرِفَ مَنِ ابنِ الطُّيُوْرِيِّ؟ ومَاذَا كَانَ عِنْدَهُ؟ أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: هُوَ - كَمَا وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ -: "الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، المُفِيْدُ، بَقِيَّةُ النَّقَلَةِ المُكْثِرِيْنَ، أَبُو الحُسَيْنِ المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، الصَّيْرَفِيُّ، ابنُ الطُّيُوْرِيِّ (ت: 500 هـ)، وَصَفَهُ الأَمِيْرُ ابنُ مَاكُوْلا بِأَنَّهُ: "مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ وَالعَفَافِ وَالصَّلَاحِ" وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُونَارْتِيُّ: "هُوَ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، كَثِيْرَ الأُصُوْلِ، يُحِبُّ العِلْمَ وَأَهْلَهُ، وَقَدْ وَصَفُوْهُ بِالْمَعْرِفَةِ، وَسَعَةِ الرِّوَايَةِ، وَكَانَ دَيِّنًا صَالِحًا". أَخْبَارُهُ فِي: الإِكْمَالِ (3/ 287) وَوَصَفَهُ بِـ "صَدِيْقُنَا" وَالأنْسَابِ (4/ 209)، وَالْمُنْتَظَمِ (9/ 154)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (19/ 213). قَالَ الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ:"كَانَ مُحَدِّثًا، مُكْثِرًا، صَالِحًا، أَمِيْنًا، صَدُوْقًا، صَحِيْحَ الأُصُوْلِ، وَرِعًا، وَقُوْرَا، حَسَنَ السَّمْتِ، كَثيْرَ الخَيْرِ، كَتَبَ الكَثِيْرَ، وَسَمِعَ النَّاسُ بِإِفَادَتِهِ، وَمَتَّعَهُ اللهُ بِمَا سَمِعَ حَتَّى انْتَشَرَتْ عَنْهُ الرِّوَايَةُ، وصَارَ أَعْلَى البَغْدَادِيِّينَ سَمَاعًا". قَالَ الحَافِظُ السِّلَفِيُّ: "وَحَصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْ أَحَدٌ مِنْ كُتُبِ التَّفَاسِيْرَ وَالْقِرَاءَاتِ وَاللُّغَةِ، وَالمَسَانِيْدِ، والتَّوَارِيْخِ، وَالْعِلَلِ، وَالأَدَبِيَاتِ وَالشِّعْرِ كُلُّهَا مَسْمُوْعَةٌ" وانْتَقَى السِّلَفِيُّ عِدَّةُ أَجْزَاءٍ مِنَ الفَوَائِدِ وَالنَّوَادِرِ عَلَيْهِ وَتُعْرَفُ هَذِهِ بِـ "الطُّيُوْرِيَّاتِ" وَهِي مَوْجُوْدَةٌ في المَكْتَبَةِ الظَّاهِرِيَّةِ بِـ "دِمَشْقَ" رقم (320) حَدِيْث في (286) وَرَقَة، وَ"المَشْيَخَةُ البَغْدَادِيَّةُ" للحَافِظِ السِّلَفِيِّ مَشْحُوْنَةٌ =

ص: 455

قَالَ ابنُ نَاصِرٍ عَنْهُ: كَانَ بَقِيَّةَ الشُّيُوْخِ، سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ يَفْهَمُ، مَضَى مَسْتُوْرًا، وَكَانَ ثِقَةً، وَلَمْ يَتزَوَّجْ قَطُّ.

وَقَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ عَبْدُ الوَهَّابِ رَفِيْقًا، حَافِظًا، ثِقَةً، لَدَيْهِ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ. وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنيُّ فِي "مُعْجَمِهِ": هُوَ حَافِظُ عَصْرِهِ بِـ "بَغْدَادَ". وَذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ، فَقَالَ: حَافِظٌ، ثِقَةٌ، وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، دَائِمُ البِشْرِ، سَرِيْعُ الدَّمْعَةِ عِنْدَ الذِّكْرِ، حَسَنُ المُعَاشَرَةِ، جَمَعَ الفَوَائِدَ، وَخَرَّجَ التَّخَارِيجَ، لَعَلَّهُ مَا بَقِيَ جُزْءٌ مَرْوِيُّ إِلَّا وَقَدْ قَرَأَهُ وَحَصَّلَ نُسْخَتَهُ، وَنسَخَ الكُتُبِ الكِبَارَ، مِثْلَ "الطَّبَقَاتِ" لابنِ سَعْدٍ، وَ"تَارِيْخِ الخَطِيْبِ" وَكَانَ مُتَفَرِّغًا لِلْتَّحْدِيْثِ؛ إِمَّا أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ، أَوْ يُنْسَخَ شَيْئًا، وَذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِهِ، كَـ "مَشْيَخَتِهِ" وَ"طَبَقَاتِ الأَصْحَابِ" المُخْتَصَرَةِ، وَ"التَّارِيْخ" وَ"صَفْوَةِ الصَّفْوَةِ" وَ"صَيْدِ الخَاطِرِ"

(1)

وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَثِيْرًا، وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتًا، ذَا

= بالنَّقْلِ مِنْ فَوَائِدِهِ. قَالَ ابنُ سُكَّرَةَ: "ذَكَرَ لِيْ شَيْخُنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَنَّ عِنْدَهُ نَحْوَ أَلْفَ جُزْءٍ بِخَطِّ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأُخْبِرْتُ عَنْهُ بِذلِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ عِنْدَهُ نَحْوَ أَرْبعَةٍ وَثَمَانِيْنَ مُصَنَّفًا لابنِ أَبِي الدُّنيا".

أَقُوْلُ - وَعَلى اللهِ أَعْتَمِدُ -: هَذَا كُلُّهُ حَصَّلَهُ الأَنْمَاطِيُّ من شَيخٍ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوْخِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كُلَّ مَا عِنْدَ الشَّيْخِ عَنْهُ، بِذلِكَ يُعْرَفُ عَظَمَةُ هَؤَلاء الأَفَاضِلِ في حِفْظِ السُّنَّةِ، وَالحَرِيْصِيْنَ عَلَى الدِّفَاعِ عَنْهَا، رحمهم الله، وَلْيَعْتَبِرُ بِذلِكَ طَلَبَةُ العِلْمِ فِي وَقْتِنَا، وَهَؤَلاءِ العُلَمَاءِ هُمْ إِلَى العَمَلِ بِهَا أَكْثَرُ حِرْصًا مِنْ جَمْعِهَا وَتَوْثِيْقِهَا {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (2)} {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} .

(1)

تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا جَمِيْعًا في تَخْرِيْجِ التَّرْجَمَةِ.

ص: 456

دِيْنٍ وَوَرَعٍ، وَكُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ وَهُوَ يَبْكِي، فَاسْتَفَدْتُ بِبُكَائِهِ أَكْثَرَ مِنِ استِفَادَتِي بِرِوَايَتِهِ، وَكَانَ عَلَى طَرِيْقَةِ السَّلَفِ، وَانْتَفَعْتُ بِهِ مَا لَم أَنْتَفِعُ بِغَيْرِهِ، وَدَخَلْتُ عَلَيْه فِي مَرَضِهِ - وَقَدْ بَلِيَ وَذَهَبَ لَحْمُهُ - فَقَالَ لِي: إِنَّ اللهَ عز وجل لَا يُتَّهَمُ فِي قَضَائِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَا رَأَيْنَا فِي مَشَايِخِ الحَدِيْثِ أَكْثَرَ سَمَاعًا مِنْهُ، وَلَا أَكْثَرَ كِتَابَةً لِلْحَدِيْثِ بِيَدِهِ، مَعَ المَعْرِفَةِ بِهِ، وَلَا أَصْبَرَ عَلَى الإِقْرَاءِ، وَلَا أَسْرَعَ دَمْعَةً، وَأَكْثَرَ بُكَاءً، مَعَ دَوَامِ البِشْرِ، وَحُسْنِ اللِّقَاءِ. وَقَالَ أَيْضًا: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ مِنْ أَخْبَارِ الصَّالِحِيْنَ، فَكُلَّمَا قَرَأْتُهَا بَكَى وَانْتَحَبَ، وَكُنَّا نَنْتَظِرُهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِجَامِعِ المَنْصُورِ، فَلَا يَجِيءُ مِنْ قَنْطَرَةِ "بَابِ البَصْرَةِ" وَإِنَّمَا يَجِيءُ مِنَ القَنْطَرَةِ العَتِيْقَةِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: تِلْكَ كَانَتْ "دَارَ ابنِ مَعْرُوفٍ القَاضِي"

(1)

، فَلَمَّا غَضِبَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ أَخَذَهَا وَبَنَى عَلَيْهَا القَنْطَرَةَ. قَالَ لَنَا: وَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيَّ يَحْكِي عَنِ ابْنِ معْرُوفٍ: أَنَّهُ أَحَلَّ كُلَّ مَنْ يَجُوْزُ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنِّي أَنَا لَا أَفْعَلُ. قَالَ: وَكَانَتْ فِيْهِ خَلَّةٌ أُخْرَى عَجِيْبَةٌ: لَا يَغْتَابُ أَحَدًا، وَلَا يُغْتَابُ عِنْدَهُ، وَكَانَ صَبُوْرًا عَلَى القِرَاءَةِ عَلَيْهِ، يَقْعُدُ طُوْلَ النَّهَارِ لِمَنْ يَطْلُبُ العِلْمَ، وَكَانَ سَهْلًا فِي إِعَارَةِ الأَجْزَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ، وَلَمْ يَكُنْ يَأُخُذُ أَجْرًا عَلَى العِلْمِ، وَيَعِيْبُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ، ويَقُوْلُ: عَلِّمْ مَجَّانًا، كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّانًا.

قُلْتُ: حَدَّثَ عَبْدُ الوَهَّابِ بِالكَثِيْرِ، وَسَمِعَ مِنْهُ خُلُقٌ عَظِيْمٌ. وَرَوَى عَنْهُ مِنَ الحُفَّاظِ وَالأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ: ابنُ نَاصِرٍ، وَالسِّلَفِيُّ،

(1)

لَمْ أَقِفْ بَعْدُ عَلَى تَرْجَمَتِهِ.

ص: 457

وَابنُ عَسَاكِرٍ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ

(1)

وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ الدَّبِيْقِيِّ وَعبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ هَذَا خِلَافُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَدِيَّةَ

(2)

،

(1)

لَمْ يَذْكُرْ فِي "المُنْتَخَبِ مِنْ مُعْجَمِ الشُّيُوْخِ" وَلَا فِي "التَّحْبِيْرِ"؟! وَلَا ذَكَرَهُ فِي "الأَنْسَابِ" فِي "الأَنْمَاطِي"؟!

(2)

هكَذَا النَّصُّ فِي الأُصُوْلِ مَا عَدَا (هـ) فَفِيْهَا: "وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَدِيْمَةَ وَهُوَ خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ" وَهَذَا النَّصُّ غيرُ مُسْتَقِيْمٍ فِيْهَا جَمِيْعًا وَصَوَابُهُ: "وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَدِيَّةَ، وَهُوَ خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ" وَاتِّفَاقُ النُّسَخِ عَلَى هَذَا يُرَجِّحُ أَنَّ الخَطَأَ مِنَ المُؤَلِّفِ نَفْسِهِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -. وَلَوْ قُلْنَا إِنَّ ابنَ هَدِيَّةَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ، فَأَيْنَ المُخَالِفُ لَهُ، وَالمُتَرْجَمُ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ؟! و"هَدِيمة" صَوَابُهَا "هَدِيَّةُ".

قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيِّ فِي التَّكْمِلَةِ (3/ 9): "وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَدِيَّةَ البَغْدَادِيُّ الدَّارَقَزِيُّ الوَرَّاقُ" وَذَكَرَ وَفَاتَهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمَائَةَ وَقَالَ: "سَمِعَ مِنَ الحَافِظِ أَبِي البَرَكَاتِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ المُبَارَكِ الأَنْمَاطِيِّ، وَحَدَّثَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ بِـ "بَغْدَادَ" عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيِّ سَمَاعًا، وَذلِكَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ. وَ"هَدِيَّة" بِفَتْحِ الهَاءِ، وَكَسْرِ الدَّالِ المُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيْدِ اليَاءِ آخِرِ الحُرُوْفِ وَفَتْحِهَا، وَتَاءُ تَأنِيْثٍ". وَيُرَاجَع: تَوْضِيْح المُشْتَبَهِ (9/ 142)، وَتَبْصِيْرُ المُنْتَبِهِ (4/ 1450) وَذَكَرَا الرَّجُلَ نَفْسَهُ، وابنُ هَدِيَّةَ هَذَا لَهُ أَخْبَارٌ فِي: الإِعْلَامِ بِوَفياتِ الأعْلامِ (254)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (347)، وَالمُخْتَصَرِ المُحْتَاجِ إِلَيْهِ (2/ 193)، وَالنُّجُوْمِ الزَّاهِرَةِ (6/ 251) وتُوُفِّيَ وَقَدْ جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ.

وَ (ابْنُ الدَّبِيْقِيِّ) المَذْكُوْرُ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ بَرَكَةَ بنِ مَحْفُوْظٍ، أَبُو العَبَّاسِ البَغْدَادِيُّ (ت: 612 هـ) مَنْسُوْبٌ إِلَى "الدَّبِيْقَةِ" مِنْ قُرَى "نَهْرِ عِيْسَى". مُحَدِّثٌ، كَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ ثُمَّ أَظْهَرَ أَشْيَاءً غَيْرَ مُرْضِيَّةٍ وَاشْتُهِرَ ذلِكَ عَنْهُ. مِنْهَا أَنَّه أَثْبَتَ لِنفْسِهِ شُيُوْخًا =

ص: 458

وَهُوَ خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ وَكَانَ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ مِنَ الحُفَّاظِ يَسْتَفِيْدُونَ مِنْهُ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى قَوْلهِ فِي أَحْوَالِ الرُّوَاةِ وَجَرْحِهِمْ وَتَعْدِيْلِهِمْ.

وَمِنَ الفَوَائِدِ المَذْكُورَةِ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيْزُ الرِّوَايَةِ بِالإِجَازَةِ عَنِ الإِجَازَةِ، وَجَمَعَ فِي ذلِكَ تَأْلِيْفًا ذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبٌ غَرِيْبٌ.

تُوُفِّيَ رحمه الله يَوْمَ الخَمِيْسِ حَادِي عَشَرَ المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بِـ "الشَّوْنِيْزِيَّةِ" وَهِيَ مَقْبَرَةُ أَبِي القَاسِمِ الجُنَيْدِ، غَرْبِيِّ بَغْدَادَ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بـ "مِصْرَ"(أَنَا) أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الحَرَّانِيُّ (أَنَا) الحَافِظُ أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ (أَنَا) الحَافِظُ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ (أَنَا) أَبُو مُحَمَّدٍ

= مَجَاهِيْلَ، وَرَكَّبَ أَسَانِيْدَ بَاطِلَةً مُخْتَلَطَةً

أَخْبَارُهُ فِي: التَّكْمِلَةِ لِوَفَيَاتِ النَّقَلَةِ (2/ 330)، وَالعِبَرِ (5/ 40)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (96)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (22/ 74)، وَمِيْزَانِ الاعْتِدَالِ (1/ 163)، وَلِسَانِ المِيْزَانِ (1/ 322)، وَالشَّذَرَاتِ (5/ 49).

وَزَادَ ابنُ النَّجَّارِ فِي الرُّوَاة عَنْهُ: عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ سَعْدٍ الضَّفَّارَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ يَعِيْشَ الكَاتِبَ، وَمُحَمَّدَ بنَ هِبَةِ اللهِ بنِ كَامِلٍ الوَكِيْلَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ وَأَحْمَدَ ابْنَي أَزْهَرَ بنِ عَبْدِ الوَهَّاب السَّبَّاكَ، وَأبَا الفُتُوْحِ مَسْعُوْدَ بنَ عبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الْكَرِيْمِ الدَّقَّاقَ، وَيَحْيَى بنَ مَحَاسِنٍ الفَقِيْهَ، وَيَحْيَى بنَ مُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الزَّبِيْدِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ هِبَةِ اللهِ بنِ العَلَاءِ الزَّاهِدَ، وَيُوْسُفَ بنَ المُبَارَكِ بنِ كَامِلٍ الخَفَّافَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ مَعَالِي بنِ مِنيْنَا، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الحُسَيْنِ بنِ أَقْبَلَ "؟ "، وَأَبَا الفُتُوْحِ وَهْبَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَهْبٍ الحرى "؟ " وَخَلِيْفَةَ بنَ أَبِي بَكْرِ بنِ أَحْمَدَ، أَبُو نَصْرٍ السَّقَّاءَ وَغَيْرَهُمْ.

ص: 459

عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيُّ (أَنَا) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدَانَ

(1)

الصَّيْرَفِيُّ (أَنَا) أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ (أَنَا) عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ (أَنَا) شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

: "إِنَّ آخِرَ مَا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُبُوَّةِ الأُوْلَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ" أَخْرَجَهُ البخَارِيُّ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ.

‌94 - مُحَمَّدُ بن عَلِيِّ

(3)

بنِ صَدَقَةَ بنِ جَلب الصَّائِغُ، أَبُو البَرَكَاتِ،

أَمِيْنُ الحُكْمِ

(1)

في (ط) بِطَبْعَتَيْهِ: "عبد الله".

(2)

رَوَاهُ أَحْمَدُ في المُسْنَدِ (4/ 121، 122، 5/ 273)، وابنُهُ عَبْدُ اللهِ فِي زَوَائِدِ المُسْنَدِ (5/ 273)، وَالبُخَارِيُّ رقم (3483، 3484، 6120)، وَأَبُو دَاوُدَ رقم (4797)، وَابنُ مَاجَه رقم (4183)، وَغَيْرُهُم مِنْ حَدِيْثِ أَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ رضي الله عنه. عَنْ هَامِشِ "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ".

(3)

94 - أَبُو البَرَكَاتِ الصَّائغ (؟ - 538 هـ):

أَخْبَارُهُ فِي: مُخْتَصَرِ الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ لابنِ نَصْرِ اللهِ (ورقة: 21)، وَالمَقْصَدِ الأَرْشَدِ (2/ 474)، وَالمَنْهَجِ الأَحْمَدِ (3/ 128)، وَمُخْتَصَرِهِ "الدُّرِّ المُنَضَّدِ" (1/ 249). وَيُرَاجَعُ: الشَّذَرَاتُ (4/ 117)(6/ 193)، وَمَصْدَرُهُمْ جَمِيْعًا المُؤَلِّفُ دُوْنَ زِيَادَةٍ.

وَممَّنْ يَحْسُنُ ذِكْرُهُ في وَفَيَاتِ هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا:

116 -

مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، أَبُو الحَسَنِ بنِ صِرْمَا الدَّقَّاقُ الصَّائِغُ، ابنُ عَمَّةِ الحَافِظِ المُحَدِّثِ مُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ السَّلَاميِّ (ت: 550 هـ) الَّذِي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. وَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّهُ: "كَانَ شَيْخًا، صَالِحًا، سَيِّدًا" رَوَى عَنْهُ ابنُ الجَوْزِيِّ، وابنُ السَّمْعَانِيِّ، وَزَيْدٌ الكِنْدِيُّ

وَغَيْرُهُم. أَخْبَارُهُ في: المُنْتَظَمِ (10/ 110)، =

ص: 460

بِـ "بَابِ الأَزَجِ". سَمِعَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، وَقَرَأَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي أَبِي حَازِمٍ.

وَذَكَرَ ابنُ القَطِيْعِيِّ، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أَبِي البَرَكَاتِ الصَّائِغِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: جَاءَتْ فَتوَىً إِلَى القَاضِي أَبِي حَازِمٍ وَفِيْهَا مَكْتُوبٌ.

مَا يَقُوْلُ الإِمَامُ أَصْلَحَهُ اللَّـ

ــهُ وَلِلسَّبِيْلِ هَدَاهُ

فِي مُحِبٍّ أَتَى إِلَيْهِ حَبِيْبٌ

فِي لَيَالِي صِيَامِهِ فَأَتَاهُ

أَفْتِنَا هَلْ صَبَاحَ لَيْلَتِهِ أَفْـ

ـــطَرَ أَمْ لَا وَقُلْ لَنَا مَا تَرَاهُ

قالَ: فَقَالَ لِي القَاضِي أَبُو حَازِمٍ: أَجِبْ يَا أَبَا البَرَكَاتِ، فَكَتَبْتُ: الجَوَابُ وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ:

أَيُّهَا السَّائِلُ عَنِ الوَطْءِ فِي لَيْـ

ـــلَةِ الصِّيَامِ الَّذِي إِلَيْهِ دَعَاهُ

وَجْدُهُ بِالَّذِي أَحَبَّ وَقَدْ أَحْـ

ــــرَقَ نَارُ الغَرَامِ مِنْهُ حَشَاهُ

وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (475).

117 -

وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدٍ بنِ مُحَمَّدِ (أَرْبع مرَّاتٍ) بنِ حُسَيْنِ الأَصْبَهَانِيُّ الصَّائِغُ المُؤَذِّنُ، أَبُو نَصْرٍ، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:"شَيْخٌ، صَالِحٌ، تَفَرَّدَ بِعِدَّةٍ مِنْ تَصَانِيْفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَنْدَه عَنْهُ، وَسِمَعَ أَيْضًا مِنْ أَخِيْهِ عَبْدِ الوَهَّابِ". أخْبَارُهُ في التَّحْبِيْرِ في المُعْجَمِ الكَبِيْرِ للسَّمْعَانِيِّ (2/ 227)، وَالمُنْتَخَبِ لَهُ (3/ 1610)، وَمُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ (2/ 1045)، وَتَارِيْخِ الإِسْلامِ (485)، وَلَمْ تَتَكَرَّرَ "مُحَمَّدٌ" في مُعْجَمِ ابنِ عَسَاكِرٍ إلَّا ثَلاثًا؟ ولَعَلَّها كذلِكَ في المُنْتَخَبِ لابنِ السَّمْعَانِيِّ؛ لأَنَّهَا هُنَاكَ مُخَالَفَةٌ لِتَرتِيْبِ مَا قَبْلَهَا، وَمَا بَعْدَهَا مِنَ التَّرَاجِمِ كَمَا نَبَّهَ المُحَقِّقُ جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا.

أَقُوْلُ - وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ -: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَنْدَه وَأَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ مِنْ كِبَارِ الحَنَابِلَةِ، ذَكَرَ المُؤَلِّفُ "عَبْدَ الرَّحْمَنِ" (ت: 470 هـ) فِي مَوْضِعِهِ، وَاسْتَدْرَكْتُ "عَبْدَ الوَهَّابِ" (ت: 475 هـ). عَلَى المُؤَلِّفِ فِي مَوْضِعِهِ.

ص: 461

كَيْفَ تَعْصِي وَلَوْ تَفَكَّرَ فِي قُدْ

رَةِ رَبِّي مُفَكِّرٌ مَا عَصَاهُ

أَأَمِنْتَ الَّذِي دَحَا الأَرْضَ أَنْ تُطْـ

ـــبِقَ دُوْنَ الوَرَى عَلَيْكَ سَمَاهُ

لَيْسَ فِيْمَا أَتَيْتَ مَا يُبْطِلُ الصَّوْ

مَ جَوَابِي فَاعْلَمْ هَدَاكَ اللهُ

تُوُفِّيَ لَيْلَةَ سَابِعَ عشَرَ رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمِسِمَائَةَ، وَدُفِنَ بِـ "بَابِ حَرْبٍ". وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّ زَوْجَتَهُ سَمَّتْهُ فِي طَعَامٍ قَدَّمَتْهُ لَهُ، وَأَكَلَ مَعَهُ مِنْهُ رَجُلَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا منْ لَيْلَتِهِ، وَالآخَرُ مِنْ غَدِهِ، وَبَقِيَ أَبُو البَرَكَاتِ مَرِيْضًا مُدَيْدَةً، ثُمَّ مَاتَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.

يَقُوْلُ مُحَقِّقُهُ الفَقِيْرُ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ سُلَيْمَان العُثَيْمِيْن عَفَا اللهُ عَنْهُ:

تَمَّ بحَمْدِ اللهِ وَحُسْنِ تَوْفِيْفِهِ الجُزْءُ الأَوَّلِ مِنَ الكِتَابِ

يَتْلُوْهُ فِي الجُزْءِ الثَّانِيّ تَرْجَمَةَ أَبِي مَنْصُوْرٍ

الجَوَالِيْقِيِّ (ت: 540 هـ)

وَكَانَ الفَرَاغُ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ وتَصْحِيْحِهِ وَالتَّعْلِيْقِ عَلَيْهِ فِي لَيْلَةِ الاثْنَيْنِ

الثَّلاثِيْنَ مِنْ رَبِيْعِ الآخِرِ سَنَةَ 1424 هـ فِي مَنْزِلِي بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللهُ

وَهَذِهِ التَّجْزِأَة مِنْ عَمَلِ المُحَقِّقِ

ص: 462