الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}
(1)
(2)
(3)
، والقائل:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}
(4)
، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا وسيدنا محمد القائل:«تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ»
(5)
…
أما بعد:
فإنه تقع في البلدان الإسلامية مشكلات اقتصادية، كما تقع في كثير من البلدان الأخرى سواء كانت متقدمة مادياً وصناعياً، أو من البلدان النامية، ويناقش الاقتصاديون الغربيون هذه القضايا، ويضعون لها حلولاً من وجهة نظرهم، دون إخضاعها لأحكام الدين، وإنما من منطلق المصلحة المادية كما يرونها، وقد يتفقون على هذه الحلول، وقد يختلفون فيها، وقد يثبت نجاحها من الوجهة المادية، وقد يثبت فشلها من هذه الوجهة كذلك، وقد تختلف الآراء في مدى نجاحها، أو فشلها.
(1)
سورة النساء الآية 59.
(2)
سورة النحل الآية 89.
(3)
سورة النساء من الآية 83.
(4)
سورة الأنعام من الآية 38.
(5)
الموطأ 2/ 686، المستدرك 1/ 171، قال الحاكم: صحيح الإسناد احتج البخاري بعكرمة، واحتج مسلم بأبي أويس، وسائر رواته متفق عليهم، ووافقه الذهبي، وقال له أصل في الصحيح.
وقال ابن عبد البر: «وهذا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد «انظر: التمهيد 24/ 331، الترغيب والترهيب 1/ 80.
ثم لا تلبث هذه المقترحات -التي نشأت وانطلقت من بيئة غير إسلامية- أن يتلقفها الاقتصاديون في البلدان الإسلامية، ثم يحاولوا أن يجدوا لها مسوغاً شرعياً، فيكون هذا التسويغ موفقاً حيناً، ومجانباً للصواب بإخضاع النصوص ولي أعناقها أحياناً أخرى.
ومن هذه المشكلات، انخفاض القوة الشرائية للنقود الورقية التي تقع إما بطريقة التناقص الخفي، والبطيء لقيمتها، أو بطريقة سريعة.
(1)
.
ومن أهم أسباب تناقص قيمة النقود ارتفاع التضخم، أو وقوع الحروب، فكلما ازداد التضخم نقصت قيمتها الشرائية، وكلما ازداد الانكماش ارتفعت قيمتها الشرائية.
وأما بالنسبة لآثار الحروب على العملة الورقية فإن الليرة اللبنانية مثلاً كانت في عام 1973 م تساوي (2. 6) للدولار الواحد، أي أن الليرة تساوي نصف دولار تقريباً، وفي عام 1994 م يساوي الدولار الواحد 1680 ليرة، وفي هذه السنة يساوي الدولار 1580. 5 ليرة
(2)
. والدينار العراقي كان سعره الرسمي عام 1410 هـ قبل العدوان على الكويت يساوي أكثر من ثلاثة دولارات، وفي هذه السنة وهي عام 1417 هـ يساوي الدولار 3115 ديناراً
(3)
.
(1)
مسألة تغير قيمة العملة وربطها بقائمة الأسعار، للدكتور محمد تقي العثماني، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، ع 5، ج 3 ص 1851.
(2)
جريدة الحياة، العدد 12101، الجمعة 12 إبريل 1996 م، 24 ذو القعدة 1416 هـ.
(3)
جريدة الحياة، العدد 12100، الخميس 11 إبريل 1996 م، 23 ذو القعدة 1416 هـ.
ونظراً لأن هذه مشكلة واقعة في البلدان الإسلامية في هذا العصر، وتختلف حدتها من بلد لآخر، ولأنها تؤثر على دخول الأفراد خاصة في الديون، والقروض، إذ إن تناقص قيمة النقود الورقية مع مرور عدة سنوات يجعل القرض أو الدين، عند سداد أي منهما لا يحقق لصاحبه من السلع والمنافع مثل ما كان عند عقد الدين أو القرض، لهذا فقد نادى بعض الاقتصاديين المسلمين بفكرة تطبيق الربط القياسي، أو ما يسمى بالربط بالمستوى العام للأسعار، وأيدهم بعض الفقهاء المعاصرين، وعارضهم أكثر الفقهاء.
وقد عرض مجمع الفقه الإسلامي بجدة، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي هذه المسألة على أعضاء المجمع في عدة دورات، وعقد لها ثلاث ندوات، وسيعقد لها هذا العام ندوتين، وتمهيداً لعرض نتائج هذه الندوات على الدورة العاشرة لمجمع الفقه الإسلامي في هذا العام، ونظراً للأهمية البالغة لهذه القضية، ولأنه قد تباينت فيها وجهات نظر المعاصرين، ولأن مجمع الفقه الإسلامي بجدة ما زال يعاود النظر فيها من حين لآخر، ولأن كثيراً ممن كتبوا في هذا الموضوع تناولوه من ناحية موقف الفقهاء من التعويض عند نقص قيمة النقود أو غلائها، أو من وجهة تمثل الدفاع، أو التأييد لقضية الربط بمستوى الأسعار، أو من ناحية التضخم وعلاجه، أو كساد النقود، ونحو ذلك. لهذا استعنت بالله على بحث هذا الموضوع، وسميته «ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو الفضة أو بسلة من العملات أو بمستوى الأسعار وحكمه شرعاً» .
وأعرض فيه لتصوير الموضوع، وتحرير موضوع النزاع، وبيان آراء الفقهاء المعاصرين، وما يمكن أن تخرج عليه آراء الأئمة، وعرض أدلة الآراء، ومناقشتها، والإجابة عليها، مع استعراض تاريخ موجز لبعض حالات الغلاء في الدولة
الإسلامية، وترجيح ما يؤيده الدليل، مع بيان مسوغات الترجيح شرعياً واقتصادياً. ثم أعرض حلولاً شرعية وقائية من التضخم، وحلاً لمعالجة هبوط قيمة النقود الشرائية، بضوابط معينة.
وقد جعلته بعد المقدمة في خمسة مباحث وخاتمة:
المبحث الأول: تمهيد في التعريف بالربط بالذهب أو بمستوى الأسعار، وفي المصطلحات الفقهية، والاقتصادية.
المبحث الثاني: رأي دعاة الربط وأدلتهم.
المبحث الثالث: رأي المانعين للربط وأدلتهم.
المبحث الرابع: مناقشة الأدلة.
المبحث الخامس: الترجيح.
المبحث السادس: الحلول الشرعية.
الخاتمة: في أهم النتائج.
تم بحمد الله في العوالي بمكة المكرمة
يوم الجمعة 03/ 04/ 1444 هـ الذي يوافقه 28/ 10/ 2022 م
المبحث الأول
تمهيد في التعريف بالربط بالذهب أو بمستوى الأسعار
وفي المصطلحات الفقهية، والاقتصادية
المطلب الأول: تعريف الربط بمستوى الأسعار
الربط بمستوى الأسعار هو: «الاتفاق عند العقد، أو وجود قانون حكومي
(1)
، على تقويم قيمة الديون قروضاً، أو بيوعاً مؤجلة، أو مهوراً، أو نحو ذلك، بعملة أو بسلعة، أو مجموعة من السلع، أو بالرقم القياسي لتكاليف المعيشة عند السداد».
شرح التعريف: معنى هذا هو اتفاق بين طرفين على أن ثمن المبيع مثلاً هو قيمة سلعة من السلع أو مقداراً من عملة معينة، وذلك في وقت عقد هذا الدين، سواء كان هذا الدين قرضاً، أو ثمن مبيع مؤجلاً، أو صداقاً مؤخراً، أو غير ذلك من الالتزامات المؤجلة، ثم تعرف قيمة تلك السلعة أو السلع، أو العملة عند السداد، بعد معرفتها عند العقد، وسمي كذلك لأن الدين تربط قيمته بتغييرات قيمة النقد. مثل أن يقرض باكستاني آخر ثلاثمائة ألف روبية باكستانية ويتفق على ربط هذا القرض بالدولار الأمريكي، فإنه ينظر كم يساوي هذا القرض من الدولارات عند السداد، فإذا كان يساوي عشرة آلاف دولار، فإنه عند السداد يرد من الروبيات ما يساوي تلك الدولارات. ففي هذا المثال الدولار= 30 روبية، فإذا كان عند السداد=40 روبية فإنه يرد أربعمائة ألف روبية، 10000 دولار×40= 400000 روبية.
(1)
ليس في الدول الإسلامية من وضع قانوناً للربط بأي مما ذكر.
ومثال آخر: إذا كان على إنسان دين لآخر، قيمته ألف ريال سعودي، واتفق الطرفان على ربطه بمجموعة من السلع مثل 100 كيلة من الأرز=300 ريال، و 100 كيلة من القمح=200 ريال، و 50 كيلو من البن=500 ريال، فإنه ينظر كم تساوي هذه السلع عند السداد، فإذا كان السداد بعد سنتين، وأنها حينئذ تساوي 1100 ريال فإن نسبة التضخم= 5% للسنة الواحدة، فعليه أن يسلم 1100 ريال. وعلى هذا المثال إذا كان الدين مليون ريال، فإنه يرد مليون ومائة ألف ريال
(1)
.
وإذا لم يكن هناك تضخم وإنما وقع إنكماش بنسبة 5% والدين 1000 ريال فإنه يرد 900 فقط.
وهذا النوع من الربط: يمكن تسميته بالربط التعاقدي، وهو الذي اشترطه المتعاقدان، أو أحدهما، ورضيا به.
أما النوع الثاني: فهو أن تصدر الحكومة قانوناً عاماً يلزم جميع الناس الذين يكونون أطرافاً لمعاملة معينة، كالدين، أو الوديعة المصرفية، أن تربط ديونهم، أو ودائعهم بمستوى تكاليف المعيشة.
«والرقم القياسي لتكاليف المعيشة يعكس تكلفة سلعة ثابتة من السلع والخدمات يفترض شراؤها من قبل مستهلك نموذج. وتتكون من الملبس والمأكل والمنزل والمواصلات والطاقة (مثل الكهرباء ووقود التدفئة) والرعاية الصحية
(1)
لمزيد من التفصيل في أنواع الربط عموماً، والربط القياسي خصوصاً، وطريقة تنفيذه، وغير ذلك من المعلومات، انظر: مشكلة التضخم في مصر، للدكتور رمزي زكي، علم الاقتصاد الإسلامي، للدكتور عبد الرحمن يسري أحمد، السياسات العلاجية للتضخم في البلدان المتقدمة والنامية، لعبد الرحمن يسري، آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي، رسالة دكتوراه، من جامعة أم القرى، للدكتور موسى آدم عيسى، ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعار بين الفقه والاقتصاد، للدكتور محمد أنس الزرقا، الربط القياسي، للدكتور فولكر نينهوس.
والترفيه. ومن المهم ملاحظة أن فكرة الربط ما بنيت على الوجود الفعلي لمثل هذا المستهلك النموذج الذي تجتمع فيه صفات تمثيل كافة أفراد المجتمع بأغنيائه وفقرائه وأطبائه ومزارعيه وقراه ومدنه
…
إلخ فهو أمر تقريبي الغرض منه الوصول إلى فكرة عامة عن اتجاهات الأسعار»
(1)
.
(2)
.
فالمتعاقدان وإن أجريا العقد بوحدة نقدية حقيقية إلا أنهما ربطاها بوحدة للتحاسب تكون هي المعتبرة في تقدير مقدار الدين، أو القرض ونحوهما عند السداد.
المطلب الثاني: تعريف الثمن
الثمن في اللغة: هو العوض الذي يأخذه البائع على التراضي في مقابلة المبيع عيناً كان أو سلعة
(3)
. قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}
(4)
.
الثمن في الاصطلاح: (ما تراضى عليه المتعاقدان سواء زاد على القيمة أو نقص)
(5)
.
(1)
التضخم وآثاره في المجتمع (الربط القياسي) ص 9 للدكتور محمد علي القري.
(2)
المرجع السابق.
(3)
المفردات في غريب القرآن، تاج العروس، المعجم الوسيط مادة ثمن.
(4)
سورة يوسف من الآية 20.
(5)
رد المحتار 4/ 51، وانظر مرشد الحيران م 415، جواهر الإكليل 2/ 21.
وعرِّف بأنه: ما يسميه العاقدان وقت البيع بالتراضي، سواء كان مساوياً للقيمة الحقيقية، أو ناقصاً عنها، أو زائداً عليها
(1)
. ويعبر عنه بالثمن المسمى
(2)
.
المطلب الثالث: تعريف المثل
يعبر الفقهاء بالمثلي، وهو نسبة إلى المثل، وهو يدل على مناظرة الشيء للشيء، يقال هذا مثل هذا، أي نظيره
(3)
.
والمثل «يستعمل على ثلاثة أوجه: بمعنى الشبيه، وبمعنى نفس الشيء وذاته، وزائدة، والجمع أمثال، ويوصف به المذكر والمؤنث والجمع، فيقال: هو وهي وهم وهن مثله، وفي التنزيل {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}
(4)
. وخرج بعضهم على هذا قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(5)
. أي ليس كوصفه شيء، وقال هو أولى من القول بالزيادة، لأنها على خلاف الأصل، وقيل في المعنى: ليس كذاته شيء كما يقال مثلك من يعرف الجميل، ومثلك لا يعرف كذا
…
ومثال الزيادة قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ}
(6)
. أي بما. قال ابن جني في الخصائص: قولهم مثلك لا يفعل كذا، قالوا: مثل زائدة، والمعنى أنت لا تفعل كذا»
(7)
. وهنا أطلق المثل وأراد به الذات.
وتطلق كلمة (مثل ويراد منها التسوية، أو المساواة)
(8)
. ولكن هناك فروقاً لغوية بينهما. فالمساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين، إذ التساوي
(1)
المعاملات الشرعية المالية ص 135، أحمد إبراهيم بك، مجلة الأحكام العدلية م 153 بتصرف.
(2)
مجلة الأحكام العدلية م 153.
(3)
معجم مقاييس اللغة، مجمل اللغة، مادة مثل.
(4)
سورة المؤمنون من الآية 47.
(5)
سورة الشورى من الآية 11.
(6)
سورة البقرة من الآية 137.
(7)
المصباح المنير، مادة: مثل.
(8)
لسان العرب، مادة: مثل.
التكافؤ في المقدارين بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر، ولا ينقص عنه، أما المماثلة فإنها لا تكون إلا في المتفقين، وهي عبارة عن سد أحد الشيئين مسد الآخر
(1)
.
تعريف المثلي في الاصطلاح: المثلي هو: «ما يوجد مثله في السوق بدون تفاوت يعتد به»
(2)
. أي لا يختلف لسببه الثمن
(3)
. وهذا التعريف يتفق مع مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
إلا أن المالكية قالوا: «ما حصره كيل، أو وزن، أو عدد لم يتفاوت أفراده مع وجوده في الأسواق»
(4)
.
والحنفية والحنابلة مثلوا له، بالمكيل، والموزون، والعددي، المتقارب، الذي لا تتفاوت آحاده تفاوتاً تختلف به القيمة، مثل الجوز، والبيض
(5)
.
وعرفه الشافعية بأنه: «ما حصره كيل أو وزن، وجاز السلم فيه»
(6)
.
فتبين أن المثلي ما تماثلت آحاده، أو أجزاؤه ولم تتفاوت تفاوتاً يعتد به، بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض دون فرق، كالمكيلات والموزونات المتحدة في النوع، والعدديات التي تتماثل آحادها، كالنقود الورقية، ذات الجنس الواحد، مثل الريال السعودي، أو الدولار الأمريكي، أو تتقارب كالبيض، والجوز والليمون
(7)
، لأنه إن وجد تفاوت بين أفراده في الكبر والصغر، وكان هذا التفاوت يسيراً لا يؤثر في اختلاف الثمن فإنه يكون مثلياً. أما إذا كان العرف
(1)
المصدر السابق، وانظر: الفروق في اللغة ص 149.
(2)
الدر المختار 5/ 117 و 118، رد المحتار، مجلة الأحكام العدلية م 145، المغني 6/ 435، وانظر: مجلة الأحكام الشرعية م 193.
(3)
انظر: المصدرين السابقين.
(4)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3/ 446، ط الاستقامة، القاهرة.
(5)
درر الحكام، لعلي حيدر 1/ 105، المغني 6/ 435، بدائع الصنائع 7/ 150.
(6)
مغني المحتاج 2/ 28، شرح المحلي على منهاج الطالبين 2/ 259، فتح العزيز 11/ 268 و 269.
(7)
رد المحتار، مجلة الأحكام العدلية م 147، درر الحكام 1/ 105، مجلة الأحكام الشرعية م 193، الشريعة الإسلامية ص 292، للدكتور بدران أبو العينين.
يفرق في الثمن بين الكبير والصغير، فإنه حينئذ لا يكون مثلياً. بل يكون قيمياً. أما المالكية فقد قرروا عدم التفاوت بين العددي.
ومن المثليات عروض التجارة المتحدة الجنس، كأفراد النسخ الجديدة المطبوعة من كتاب واحد، ومن صنف ورق واحد، متى كانت الطبعة واحدة، وكذا الأقمشة والمنسوجات القطنية والحريرية من المثليات، لأن كل ذراع، أو متر منها يساوي الآخر، وكذا الآنية متى كانت الأحجام والآحاد متحدة فكل ذلك يكون مثلياً.
أما إذا كانت أجزاء المذروعات متفاوتة كالنسيج غير المتماثل الأجزاء، وكالأراضي فإن كل قطعة منها تكون قيمية غير مثلية
(1)
.
المطلب الرابع: تعريف القيمة
القيمة في اللغة: القيمة بالكسر، تعني واحدة القيم، وأصله الواو، لأنه يقوم مقام الشيء ومعناه: ثمن الشيء بالتقويم. يقال: تقاوموه فيما بينهم، وقومت السلعة تقويماً
(2)
.
وفي المصباح: أن القيمة هي: الثمن الذي يقاوم به المتاع، أي يقوم مقامه
(3)
.
ونخلص مما سبق إلى أن القيمة في اللغة: ثمن السلعة إذا جرى تقويمها.
القيمة في اصطلاح الفقهاء:
عرفها ابن عابدين بأنها: «ما قوم به الشيء، بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان»
(4)
.
(1)
الشريعة الإسلامية ص 292.
(2)
لسان العرب، تهذيب اللغة، تاج العروس، الصحاح مادة (قوم).
(3)
مادة: (قوم).
(4)
رد المحتار 4/ 51 و 52
وعرف شيخ الإسلام ابن تيمية القيمة بأنها: «المقدار المساوي للشيء في ماليته، المغاير له في جنسه»
(1)
.
وعرفت مجلة الأحكام الشرعية القيمة بأنها: «ما يقوم به الشيء» . «ويختلف زماناً ومكاناً»
(2)
.
وعرف الشيخ أحمد إبراهيم بك القيمة بأنها: «ما توافق مقدار مالية الشيء، وتعادله بحسب تقويم المقومين»
(3)
.
ويظهر من التعريفات السابقة أن المراد بالقيمة ما يعادل، أو يساوي العين بسعر سوقها، بحسب تقويم المقومين، واعتبارها بالزمان والمكان سواء كانت مبيعاً، أو غيره.
وعلى هذا المعنى فإن القيمة عند الفقهاء تطلق على ثمن المثل، ويعبر البعض عنها بالقيمة الحقيقية
(4)
، وذلك في مقابل الثمن المسمى، أي الذي يسميه العاقدان وقت العقد. يقول ابن القيم عن البيع بما ينقطع به السعر: يذكر أنه إذا قلنا بصحة العقد: «فإن الضمان يكون بثمن المثل، وهو القيمة»
(5)
.
ويبين شيخ الإسلام رحمه الله فرقاً دقيقاً بين ثمن المثل وقيمة المثل، حيث جعل قيمة المثل هي: سعر السوق الحال، وثمن المثل هو سعر السوق أثناء التقابض
(6)
(7)
.
(1)
مجموع الفتاوى 20/ 564.
(2)
للشيخ أحمد القاري م 185.
(3)
المعاملات الشرعية المالية، للشيخ أحمد إبراهيم بك ص 135.
(4)
مجلة الأحكام العدلية م 154.
(5)
بدائع الفوائد 4/ 52، وانظر حاشية القليوبي 3/ 31.
(6)
مفهوم القيمة ونظريتها في الاقتصاد الإسلامي ص 59، رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى، إعداد الدكتور فداد العياشي.
(7)
مجموع الفتاوى 29/ 231.
(1)
.
والمثلي من الأموال قسيم القيمي
(2)
. وعلى ذلك فالقيمة يقدر بها الأشياء القيمية، أما المثل فيقدر به المثليات
(3)
.
تعريف القيمة عند الاقتصاديين:
يختلف مفهوم القيمة عند الاقتصاديين بالنسبة للنقود عن مفهومها بالنسبة للسلع، والمنافع، ولذا فسنقتصر على تعريفها عندهم بالنسبة للنقود.
تعريف القيمة الاسمية: «القيمة الاسمية لأي صك أو وثيقة أو عملة أو ورقة نقدية هي القيمة المدونة عليها
(4)
وهذه القيمة تحددها الحكومة.
وعلى هذا فإن القيمة الاسمية للديون والقروض هي المقدار المعلوم بموجب عدد وحدات النقد الذي تعاقد عليه المتعاقدان عند العقد، والذي يسميه الفقهاء بالثمن، ويوجبون رد مثله.
القيمة الحقيقية: هي قيمة النقود الشرائية والتي هي عبارة عن مقدار ما يتحصل عليه بوحدة النقد من سلع وخدمات
(5)
.
المطلب الخامس: غلاء النقود ورخصها، وكسادها، وانقطاعها
المراد بغلاء النقود ورخصها عند الفقهاء هو أن تزيد قيمة النقود، أو تنقص بالنسبة للذهب، أو الفضة
(6)
.
(1)
كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 253، طبعة وزارة الثقافة المصرية، وانظر: قاعدة المثلي والقيمي ص 19، للدكتور/ علي محيي الدين القره داغي.
(2)
مجلة الأحكام العدلية م 145، 146، بدائع الصنائع 7/ 150 و 151.
(3)
الموسوعة الفقهية 34/ 133.
(4)
موسوعة المصطلحات الاقتصادية ص 194، للدكتور حسين عمر.
(5)
مقدمة في النقود والبنوك ص 67، للدكتور محمد زكي شافعي.
(6)
تنبيه الرقود 2/ 58، درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية 1/ 101، تغير النقود وأثره على الديون ص 222، للدكتور نزيه كمال حماد.
الكساد في اللغة: معناه: عدم نفوق السلع لقلة الرغبات
(1)
.
وكساد النقد في اصطلاح الفقهاء هو «عدم الرواج في جميع البلدان، وعند بعض العلماء عدم الرواج في بلد المتعاملين»
(2)
. وقال ابن عابدين: «أصل الكساد الفساد، وعند الفقهاء أن تترك المعاملة بها في جميع البلاد، وإن كانت تروج في بعض البلاد لا يبطل لكنه يتعيب إذا لم يرج في بلدهم»
(3)
.
الانقطاع: هو عدم وجود النقد في التعامل وإن كان يوجد عند الصيارفة أو في البيوت
(4)
.
وقد كان غلاء النقد، ورخصه، وكساده، وانقطاعه، وعزته، حسب ما بيناه، يحدث عندما كان الناس يتعاملون بأنواع متعددة من النقود في نفس الوقت، مثل أنواع الدراهم والدنانير والفلوس المختلفة.
وقبل مائة وثلاث سنوات من كتابة هذا الكتاب عام 1444 كانت أكثر المجتمعات الإسلامية، لا سيما في الشرق الأوسط تتعامل بما لا يقل عن خمس أو ست عملات في نفس الوقت
(5)
. فيقع في كثير من الأحيان أن تثبت لبعض الناس ديون بعملة محددة، ثم تنقطع تلك العملة، لأسباب كثيرة، منها: توقف سك العملة في بلد المصدر، أو ارتفاع قيمة معدنها مقابل العملات الأخرى، فإذا ازداد
(1)
المصباح، ولسان العرب، مادة (كسد).
(2)
تبيين الحقائق 3/ 143، فتاوى قاضي خان 2/ 253، تنبيه الرقود 2/ 58، درر الحكام 1/ 108، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، ص 285 للدكتور نزيه حماد.
(3)
تنبيه الرقود.
(4)
فتاوى قاضي خان، تنبيه الرقود.
(5)
مثل: البغلية والطبرية واليزيدية والشريفي والبندقي والمحمدي والكلب والأنموري والناصري، وغيرها، وتعامل أهل الحجاز قبل سنة 1954 م في نفس الوقت بالريال المجيدي (نسبة إلى السلطان عبد المجيد) والريال الفرنسي، والريال السعودي من الفضة، والجنيه الإنجليزي الذهبي، المسمى جورج، وقد أدركت في صغري التعامل بالريال الفضي السعودي وكذلك الجنيه السعودي الذهبي. والروبية الهندية من الفضة، والريال الحميدي نسبة إلى السلطان عبد الحميد، والريال الهاشمي من الفضة، والجنيه الهاشمي أبو خيلين.
الطلب على العملة (ذهب) مثلاً، وارتفع سعره اختفى من الأسواق، ولكنه يوجد في البيوت.
ولقد وجدت هذه الحالات في البلدان التي كانت تطبق نظام المعدنين - الذهب والفضة- في العقود الماضية القريبة. فقد كانت نقود المملكة العربية السعودية قبل 1954 م الريال الفضي، والجنيه الذهبي، وكان ارتفاع أسعار الذهب خارج المملكة يؤدي إلى اختفائه من الأسواق، لرغبة الناس في تصديره، أو للاحتفاظ به وادخاره. ومثل هذا يحدث للفضة عند ارتفاع سعرها، وذلك لأن للنقود الذهبية والفضية قيمة ذاتية مستمدة من معدنهما، فيميل الناس إلى سحبها من التبادل مطمئنين إلى بقاء تلك القيمة فيها
(1)
.
وكان كلام الفقهاء في هذه المسائل بياناً لحكم هذه الوقائع، التي وقعت في عصورهم. تأسيساً على النصوص والقواعد الشرعية، وهو في الوقت نفسه تقعيد يستفيد منه من بعدهم في الحالات المماثلة.
وبالنسبة لصورة غلاء النقود ورخصها على ما عرفه به الفقهاء فإنه غير متحقق في النقود الورقية في هذا العصر، لأن الذهب والفضة اللذين تقاس بهما قيمة النقود من غيرهما لا يتعامل بهما في هذا العصر كنقود، وإنما تتفاوت قيمة النقود الورقية بغلاء البضائع، والمنافع، ورخصهما، فكلما غلت البضائع، والمنافع نقصت قوة شرائها، فكأنما انتقصت قيمتها، وكلما رخصت البضائع والمنافع زادت قوة شرائها، فكأنما ارتفعت قيمتها
(2)
.
(1)
كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصها ص 6 وما بعدها للدكتور محمد علي القري بن عيد.
(2)
مسألة تغير قيمة العملة وربطها بقائمة الأسعار، للدكتور محمد تقي العثماني، منشور في مجلة مجمع الفقه بجدة، ع 5، ج 3 ص 851، موسوعة المصطلحات الاقتصادية ص 196.
ويمكن ارتفاعها، أو انخفاضها بالنسبة لأسعار الصرف مع عملات الدول الأخرى، في حالة عدم تثبيت قيمة صرف العملة.
والانقطاع لا يتصور في النقود الورقية، لأنها نقود ائتمانية
(1)
، ليس لها قيمة استعمالية وإنما تستمد قوتها من ضرب السلطان لها، وصدور أمره باعتبارها نقوداً، ومن قبول الناس لها وثقتهم وتعاملهم بها
(2)
.
وأما كساد النقود، ومنه إبطال السلطان لها، فيوجد هذا في العصر الحاضر في النقود الورقية في الحالات التالية:
1 -
إيقاف الحكومة إصدار النقد الذي كان متداولاً، وإبداله بنقود جديدة، ويحصل هذا في حالات معينة، منها انتقال الحكم من رئيس الدولة، إلى رئيس آخر.
ففي هذه الحالة تسك الحكومة عملة أخرى. وقد استقر العرف في العصر الحاضر على أن تحدد الحكومة للناس أجلاً تسمح لهم فيه أن يستبدلوا العملة الجديدة بالقديمة. وإذا كانت العملة الجديدة مختلفة عن القديمة في نوعها، أو في سعرها مثل أن تكون كل دينار يساوي في الصرف ثلاثة قديمة، لأن الحكومات تحرص على استقرار صرف عملاتها، وتدافع عنه.
وضرب الأجل، وتحديد سعر الصرف، من قبل الحكومة، على نحو ما ذكرناه، لم يكن مطبقاً في أنظمة الإصدار النقدية القديمة
(3)
.
(1)
التعبير بالائتمانية يشمل النقود الورقية، والنقود الكتابية، فالنقود الورقية هي المعروفة لدى الجميع، وأما النقود الكتابية فهي نقود اعتبارية، تمثل الودائع الجارية لدى المصارف التجارية. وتظهر عن طريق الكتابة والقيد في دفاتر وسجلات هذه المصارف، وتتداول بطريق الشيك. انظر: تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية ص 66، للدكتور أحمد الحسني.
(2)
كساد النقود ص 7.
(3)
كساد النقود الورقية ص 8.
2 -
احتلال دولة لبلد ما، وإسقاط حكومته، وإلغاء عملته، وفرض عملة البلد الغازي على الناس في البلد المحتل.
3 -
انهيار النظام بسبب الحرب الأهلية، وذهاب سلطة الحكومة ووجودها المؤثر في البلاد. فعندئذ يحل بنقودها الكساد، وحينئذ تصبح عملتها باطلة لا قيمة لها
(1)
.
ففي الحالة الأولى لا يظهر أثر الكساد الذي قال به الفقهاء في النقود الائتمانية، ومنها النقود الورقية، لأن العملة الجديدة تحل محل القديمة، وإذا تقرر فارق في سعر الصرف أخذ به. وأما في الحالتين الأخيرتين فإن كلام الفقهاء في موضوع كساد النقود ينطبق عليها، قبل استقرار الأمر للحكومة الجديدة. أما إذا استقر الأمر لها، فإنها تعلن إصدارها لعملة جديدة، وتبين سعر الصرف بين العملتين، فيزول الكساد، وبالتالي ينتهي ما يترتب عليه من أحكام.
ما ذكرناه بخصوص الغلاء والرخص، أو الانقطاع، أو الكساد، إنما هو تعريف بهذه المصطلحات يوم أن كانت النقود ذهبية، أو فضية، أو فلوساً معدنية، ومدى انطباقها من حيث الصورة، والأثر على النقود الورقية المعاصرة أما موافقتها من حيث الحكم أو عدمه، فسيأتي في مكانه من هذا الكتاب.
وموضوعنا وثيق الصلة بغلاء النقود ورخصها، أما الكساد، والانقطاع فبيناهما لكثرة ورودهما في ثنايا البحث.
(1)
مثل ما وقع في يوغسلافيا السابقة، والاتحاد السوفيتي المنحل.
المطلب السادس: التضخم في اصطلاح الاقتصاديين:
عرف الاقتصاديون التضخم بعدة تعريفات أكتفي بما أراه أنسبها وصفاً، وأسلمها من المآخذ، وهو تعريف آميل جامس. فقد عرف التضخم بأنه «حركة صعودية في الأسعار مستمرة ناتجة عن فائض الطلب الزائد عن قدرة العرض»
(1)
.
ويظهر من هذا التعريف أن التضخم حركة أسعار متجهة إلى الارتفاع، بصفة مستمرة، وأنها ناتجة عن زيادة الطلب الاستهلاكي، والاستثماري، عن العرض الكلي، فزيادة النقود على مقدار البضائع والخدمات التي يمكن شراؤها بالنقود يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وعلى قدر نسبة ارتفاع الأسعار يقاس التضخم، فكلما زاد ارتفاع الأسعار زادت نسبة التضخم، ونتيجة لهذا الارتفاع في الأسعار فإن النقود تحقق لمالكها سلعاً أقل مما تحققه قبل ارتفاع التضخم، وهذه النتيجة يفسرها البعض بأنها نقص في القوة الشرائية للنقود، أو هبوط في قيمة النقد. مع أنه ليس هبوطاً في قيمة النقود الورقية بالنسبة للنقود الذهبية والفضية.
(1)
نقلاً عن التضخم مدخل نظري لمفهومه وأسبابه وآثاره ص 4، للدكتور شوقي دنيا.
والجدير بالذكر أنه يطلق عادة على الارتفاع في مستوى الأسعار «التضخم» ويطلق الانكماش على الانخفاض الذي يحدث في مستوى الأسعار. غير أن لهذه المصطلحات مدلولات أخرى ليس من مهمة هذا البحث التعرض لها، فليس كل ارتفاع في الأسعار يطلق عليه تضخماً، كما قد يحدث التضخم دون أن يكون هناك ارتفاع في الأسعار، وهو ما يطلق عليه «التضخم المكبوت» . كما أنه ليس كل انخفاض في مستوى الأسعار يطلق عليه انكماشاً، وقد يحدث الانكماش دون أن يكون هناك انخفاض في مستوى الأسعار.
انظر: دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي ص 239، للدكتور عبد الرحمن يسري. وعند ذكر التضخم في هذا البحث، فإنما نريد به أثر التضخم الذي يوصف بأنه ارتفاع في مستوى الأسعار، ويقابله انخفاض في القوة الشرائية للنقود.
من أراد الاطلاع على مزيد من التفصيل حول أنواع التضخم وأسبابه، وآثاره والنسبة التي بلغها في بعض الدول الإسلامية ووسائل علاجه، فليراجع كتاب مشكلة التضخم في مصر. للدكتور رمزي زكي، والتضخم والربط القياسي، للدكتور شوقي دنيا، والسياسات العلاجية للتضخم، للدكتور عبد الرحمن يسري، وسياسات لمكافحة التضخم في اقتصاديات الدول النامية، فيكتور مورندي، وجون بريسلي، المصادر المحلية والدولية للتضخم في بعض الدول الإسلامية. (والأربعة الأخيرة بحوث مقدمة إلى ندوة قضايا العملة) التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم وعلاجها في اقتصاد إسلامي، رسالة ماجستير من قسم الاقتصاد الإسلامي، جامعة أم القرى، لمحمد بن حسن الزهراني.
أما الانكماش فهو عبارة عن حالة اقتصادية يقل فيها مقدار النقود السائلة عن مقدار البضائع والخدمات المتوفرة في بلد ما. ونتيجة لهذه الحالة ينخفض مستوى أسعار البضائع والخدمات، فيحدث رخص عام، لأن العرض قد ازداد على الطلب.
أسباب التضخم:
قبل عرض أسباب التضخم أو التنبيه إلى أن الاقتصاديين يرجعون أسباب التضخم في البلدان الإسلامية إلى أسباب نقدية، ومنهم من يرجعها إلى أسباب هيكلية
(1)
. والذي يظهر لي أنه يمكن إرجاعها إلى العنصرين. إلا أنه يبرز الجانب الهيكلي بشكل أوضح في بعض البلدان، ويبرز العنصر النقدي في بلدان أخرى. وسوف أقتصر على تعداد أهم الأسباب التي توصلت إليها الندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم، في حلقتها الأولى:
1 -
العامل النقدي من حيث زيادة كمية النقد المعروضة في التداول عن الكمية التي يحتاج إليها التعامل، وتكون هذه الزيادة إما بطباعة العملة الورقية من قبل الدولة، أو بتوسع الودائع تحت الطلب نتيجة للتوسع في الائتمان المصرفي.
2 -
زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات في المجتمع عن الناتج الكلي، بحيث يحصل عدم التوازن، وترتفع الأسعار، ويكون هذا الارتفاع نتيجة لزيادة الطلب على الاستثمار، أو لزيادة الاستهلاك، ويتوافق ذلك مع وجود قوة شرائية لدى المستثمرين والمستهلكين، ويلحظ منه أن الإنتاج العام لا يزداد إما لبلوغ مرحلة الاستخدام الكامل للموارد، أو بسبب وجود اختناقات وتشوهات في
(1)
المراد بالهيكلية هنا: كل ما يتعلق بعناصر ومقومات النظام الاقتصادي القائم من مؤسسات ووسائل وسياسات وإجراءات وقطاعات مختلفة، فهي متعلقة بالأمور الإدارية، وعناصر الإنتاج الاقتصادي. انظر مشكلة التضخم في مصر ص 100، السياسات العلاجية للتضخم في البلدان المتقدمة والنامية، للدكتور عبد الرحمن يسري.
الأوضاع الاقتصادية، أو عوامل مؤسسية وأسباب سياسية وسلوكية أخرى لا تمُكن من زيادة الإنتاج، رغم عدم الاستخدام الكامل للموارد.
3 -
زيادة تكاليف الإنتاج، مما ينعكس على أسعار السلع المنتجة. وتشمل تكاليف الإنتاج ما هو معروف من: تكاليف العمالة - تكلفة المواد الأولية مستوردة أو محلية- تكلفة التمويل، سواء أكان بالطريقة المشروعة أم بغيرها.
4 -
العوامل الخارجية للتضخم التي يمكن تلخيصها في الارتفاع في أسعار المستوردات من سلع استهلاكية وإنتاجية ووسيطة، وفي زيادة الأرصدة النقدية الخارجية التي يتم بالاستناد إليها توسيع الائتمان المصرفي من قبل المصارف المحلية. ومن المعلوم أن هناك أسباباً عديدة لارتفاع أسعار المواد المستوردة منها ما هو سياسي، ومنها ما يتعلق بانخفاض أسعار المواد الأولية (التي تنتجها البلاد النامية) مع زيادة أسعار المواد المصنعة المستوردة.
وقد تطرق النقاش إلى علاقة الفائدة بالتضخم، وتأثير زيادة أسعار الفائدة في تخفيض معدل التضخم، وبالعكس، وبالرغم مما رآه بعض الاقتصاديين من عدم التلازم بين التضخم والفائدة فقد ذهب بعضهم إلى أن للفائدة دوراً ملحوظاً في إحداث التضخم؛ من حيث إن الفائدة هي سعر للمديونية تجعل لها سوقاً يؤدي إلى تراكم التعامل بالمديونية تراكماً ضخماً يعرض الاقتصاد للهزات الشديدة، بالإضافة إلى أن سعر الفائدة يدخل في عناصر التكلفة في مراحل الإنتاج
(1)
.
(1)
ملخص من البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة التضخم، الحلقة الأولى، التي عقدت في البنك الإسلامي للتنمية بجدة في 28 - 29/ 7/ 1416 هـ، 20 - 21/ 12/ 1995 م.
المبحث الثاني
بيان رأي دعاة الربط
قالت طائفة من الاقتصاديين وخاصة ما يلقب منهم بالنقديين، وعلى رأسهم فريدمان بالربط بمستوى الأسعار. وبعضهم يرى أن يشمل الربط سائر العقود والالتزامات، وبعضهم يرى سياسة الربط الانتقائي، لتعذر الربط الشامل، وقد قال به بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي في هذا العصر
(1)
.
وأيده قليل من الفقهاء المعاصرين على تفاوت بينهم.
وقال بالربط بالمستوى العام للأسعار الدكتور علي محيي الدين القره داغي
(2)
. والشيخ السلامي لا يجيز الربط القياسي إلا إذا اشترطه العاقدان. يقول الشيخ السلامي: «يجوز للمتعاقدين في الالتزامات الآجلة أن يضبطا قيمة الالتزام بمعيار هو المرجع عند الأداء (كالذهب، أو الدولار، أو سلة العملات) وبهذا يكون كل من المتعاقدين على بينة من أمره منذ البداية»
(3)
.
لكن إذا ارتفع التضخم، وترتب عليه نقص القوة الشرائية للنقود الورقية، وكان هذا الهبوط فاحشاً، ولم يتفق على ربط هذه الحقوق بمستوى الأسعار، أو
(1)
منهم الدكتور موريس أليه (وهو فرنسي من كبار علماء الاقتصاد الوضعي المعاصرين)، وذلك في محاضرته التي ألقاها في بنك التنمية الإسلامي بجدة، بعنوان: الظروف النقدية لاقتصاد السوق، والدكتور عبد الرحمن يسري في كتابه دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي ص 227، والدكتور شوقي دنيا، في بحثه تقلبات القوة الشرائية للنقود، مجلة المسلم المعاصر، عدد 41 ص 59، وما بعدها، والواقع أن الدكتور شوقي دنيا بدأ يتراجع عن رأيه هذا بعد اشتراكه في الندوات التي عقدت لدراسة هذه القضية، وقد أخبرني بهذا مشافهة، ومنور إقبال في بحثه مزايا ربط المعاملات بمستوى الأسعار ومساوئه ص 35، ومحمد عبد المنان في بحثه ربط القيمة بتغير الأسعار، ومنهم فريدمان، نقلاً عن عرض وتقويم للكتابات حول النقود في إطار إسلامي ص 182، لمحمد عفر، ورفيق المصري في بحثه الإسلام والنقود ص 91 و 92.
(2)
أثر التضخم والكساد في الحقوق والالتزامات الآجلة ص 11.
(3)
مفهوم كساد النقود الورقية ص 24.
نحوه، فإن جمهور الباحثين من الفقهاء والاقتصاديين يرون أن ترد الديون، أو القروض، ونحوها بأمثالها، ولا يلتفت إلى طروء الغلاء أو الرخص في قيمتها
(1)
.
وذهب البعض إلى القول برد القيمة ولهم وجهات نظر هي كما يلي:
1 -
قال الدكاترة وهبه الزحيلي، ونزيه حماد، وعجيل النشمي: إن القول برد قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص هو الأولى بالاعتبار، وهو الأقرب للعدالة، ولذا يجب رد قيمته يوم ثبوته في الذمة، ورجحوا رأي أبي يوسف
(2)
. وقال النشمي: يجب الرجوع إلى قيمة الأوراق النقدية يوم القبض في القرض، وإلى قيمة السلعة يوم الوفاء في البيع
(3)
.
2 -
وقال الشيخ عبد الله ابن بيه والدكتور الفرفور والدكتور ناجي عجم بوجوب تعديل العقد الملتزم به من تلك العملة في الحقوق والالتزامات الآجلة، بالرجوع إلى قيمتها وما كانت تعدل من الذهب يوم الثبوت في الذمة، سواء أكان منشأ الالتزام بها قرضاً أو بيعاً مؤجل الثمن أو غير ذلك، وقال الدكتور عجم: والأفضل لحل المشكلة أن يلجأ العاقدان إلى الصلح على مبلغ التعويض
(4)
.
3 -
وقال الشيخ مصطفى الزرقا بوجوب تعديل الديون والالتزامات المالية بذلك النقد أياً كان منشؤها، مداينات سابقة - كما في المهور المؤجلة في عقود النكاح والأبدال المؤجلة في عقود المعاوضات المالية- أو عقود متراخية التنفيذ،
(1)
سيأتي بيان أصحاب هذا القول في المبحث الآتي.
(2)
على فرض صحة نسبة هذا القول له، وسيأتي في المبحث الرابع بيان إجماع الحنفية على خلافه، وأبو يوسف ضمنهم
(3)
التضخم في الوجهة الشرعية، تعقيب الدكتور وهبه الزحيلي على بحث التضخم للدكتور شوقي دنيا ص 4، تغير قيمة النقود ص 226، تغير قيمة العملة في الفقه الإسلامي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، عدد 12 ص 176.
(4)
توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال ص 31، وما بعدها، للشيخ عبد الله ابن بيه، مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3، ج 3 ص 1772، ورقة الدكتور ناجي عجم المقدمة للدورة التاسعة ص 33.
كعقود التوريد والمقاولة، وذلك بتنصيف فرق العملة الفاحش، وتحميله على الطرفين معاً، على كل واحد منهما نصفه، بشرط أن يكون ذلك الهبوط حاصلاً بعد التعاقد بصورة مفاجئة لم تكن في حسبان العاقدين وقت التعاقد.
أما إذا كانت العملة تهبط قيمتها هبوطاً تدريجياً ملحوظاً للعاقدين عند التعاقد، فلا عبرة عندئذ لذلك الهبوط، إلا إذا كان الدين مؤجلاً إلى أجل طويل غير محدد، ووصل الهبوط التدريجي إلى درجة فاحشة بطول الزمن، كما في المهر المؤجل، فعندئذ تعتبر القيمة وقت العقد، وينصف الفرق بين الزوجين، لأنه غير ملحوظ عند التعاقد
(1)
.
4 -
وقال الدكتور محمد الأشقر إنه «ينبغي أن يعدل نقص القوة الشرائية للنقود الورقية في سائر المداينات المؤجلة، وذلك بإضافة نسبة مئوية (وهي نسبة التضخم) إلى الثمن المؤخر في بيوع النسيئة أو إلى مبلغ القرض، ليستكمل البائع أو المقرض أو المودع في الحسابات المصرفية مقابل ما نقص من حقه»
(2)
.
5 -
وقال الدكتور القره داغي إلى أن هناك معيارين يمكن التعويل على أي منهما في تقدير القيمة الواجبة في الذمة عند الانهيار أو الانخفاض الفاحش في العملة الورقية:
أحدهما: بالاعتماد على مستوى أسعار السلع الأساسية، مثل الحنطة والشعير واللحم والأرز
…
إلخ، وذلك ما يسمى بسلة السلع والبضائع.
والثاني: بالاعتماد على الذهب واعتباره في تقدير القيمة.
وعلى ذلك فإن تراضى المتداينان وتصالحا على أحد هذين المعيارين، فهو حسن مقبول شرعاً، وإلا أحيل الأمر إلى القضاء .. ويمكن لقاضي الموضوع أو
(1)
نقلاً عن التضخم وآثاره في المجتمع، للدكتور نزيه حماد ص 7 و 8.
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 5، ج 3، ص 1689.
المحكم أن يجمع بين المعيارين بأن يأخذ في اعتباره متوسط قيمة النقد بالنسبة للذهب والمستوى العام للأسعار يوم ثبوت الدين في الذمة
(1)
.
6 -
وذهب الشيخ عبد الله بن منيع إلى وجوب تعديل نقص القوة الشرائية إذا نقص سعر العملة الورقية المجعولة ديناً في الذمة، وهبطت قوتها الشرائية بعد امتناع المدين عن سداد ما عليه من دين مع القدرة واليسار .. ففي هذه الحالة يلزم المدين بأن يضمن للدائن ما فاته من نقص نتيجة ذلك المطل بالباطل .. ولا يعد ذلك من الربا في شيء، لأن مطله هذا من باب الغصب، وتطبق عليه أحكام الغصوب. وأيضاً: فالتضخم الفاحش تعد به العملات الورقية نقوداً كاسدة، ويرجع في وفاء الديون الثابتة بها إلى القيمة قياساً على الجوائح، حيث إن المدين قد انتفع ببدل الدين الذي عليه انتفاعاً سالماً من أثر التضخم، ثم حصل النقص الفاحش على الدائن في حال احتباس دينه عند المدين وعجزه عن التصرف فيه بما ينقذه من أثر التضخم
(2)
.
وأصحاب هذه الآراء قد اختلفوا في الضابط الذي يرجع إليه في معرفة اليسير من الفاحش والكثير وتحديده، وذلك على خمسة آراء:
أحدها: أنه يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة والاختصاص، فما عدوه يسيراً فهو يسير، وما عدوه فاحشاً فهو فاحش. وهو ما اتجه إليه الدكتور القره داغي والفرفور والأشقر.
الثاني: أنه يرجع في ذلك إلى ولي الأمر، لأنه الأقدر على معرفة المصلحة العامة وتقديرها وهو رأي الدكتور النشمي، قال: «ولا مانع من حيث المبدأ من تنظيم
(1)
أثر التضخم والكساد ص 12 و 13.
(2)
ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، للشيخ عبد الله بن منيع ص 6 و 9، والجدير بالذكر أن الشيخ ابن منيع نص على عدم جواز ربط القروض والديون بمستوى الأسعار كما سيتبين في المبحث الآتي.
الدولة نسبة التضخم وتحديدها كل عام؛ وبحيث تكون قائمة الأسعار مقياساً لتقويم العملة الورقية».
الثالث: أن حد الكثرة هو الثلث، اعتباراً بالجوائح التي توضع في الثمار، بجامع أن الجائحة أمر خارج عن إرادة العاقدين، وليس من فعل أحد من الخلق حتى يرجع عليه الدائن إن شاء. وهو رأي الشيخ ابن بيه.
والرابع: أن هبوط قيمة النقد الفاحش هو الذي يرهق الملتزم له (الدائن) أو صاحب الحق إرهاقاً شديداً. ومعياره أن يتجاوز ثلثي قيمة النقد وقوته الشرائية عند العقد في البيع وعند القبض في القرض، فلا يبقى من قيمته إلا ما هو أقل من الثلث، أخذاً من الأدلة الشرعية والآراء الفقهية التي تحدد حد الكثرة بالثلث. وهو رأي الأستاذ مصطفى الزرقا.
الخامس: أن معيار الهبوط الفاحش أن تنخفض قيمة العملة الورقية إلى ما دون النصف بالنسبة للذهب يوم الثبوت في الذمة، سواء أكان منشأ الالتزام بها قرضاً أو بيعاً مؤجل الثمن أو غير ذلك. ولا علاقة لهذا الحكم بالربا، لأن الربا زيادة مشروطة وقت ثبوت الحق، وتغير قيمة النقود الورقية تغيراً كبيراً يعد من العيوب الطارئة الموجبة للضمان، والضمان غير الربا. وهو رأي الدكتور ناجي عجم.
ويقول أصحاب هذا الرأي: إن التضخم الذي أصبح سمة من سمات هذا العصر، جعل النقود الورقية مقياساً غير عادل للمدفوعات المؤجلة، بسبب التناقص الخفي في قيمتها الشرائية، ونتيجة لهذه الآثار السلبية من جانب، وقصور مواجهتها من جانب آخر اتجه الفكر الاقتصادي الوضعي إلى معايشتها، مع
العمل على الوقاية من آثارها، أو التخفيف من هذه الآثار، ومن هنا جاءت فكرة الربط بمستوى الأسعار كوسيلة لتقليل مضار التضخم طالما أنه من المتعذر القضاء عليه
(1)
.
ويقولون: إن النقود التي يقرضها صاحبها عام 1400 هـ ومقدارها عشرة آلاف ريال ثم يعيدها المقترض بعد عشر سنوات لا تحقق لصاحبها من السلع، والمنافع ما تحققه حين اقتراضه لها. والمرأة التي يكون مؤخر صداقها عشرة آلاف ليرة تركية وتستحقها بعد عشرين سنة، فإذا قبضتها فإنها لا تحصل بها على ربع ما كانت تحصل عليه عند العقد من السلع.
ويقولون: إنهم يرون في عدالة الإسلام ما يحمي حقوق المقرضين، وأصحاب الديون المؤجلة، فيرون جواز ربط القروض، والديون، والمهور المؤجلة، ونحوها بمستوى الأسعار
(2)
.
ويرون أنه يؤدي إلى تحويل الموارد من الاستثمارات غير المنتجة (شراء العقارات والذهب) إلى استثمارات منتجة
(3)
.
ويقولون: إن الربط لا مناص منه لاقتصاد يرتكز على عدد كبير من الالتزامات والعقود الآجلة، والتي يجب الوفاء بها، وأن تحمى من التغيرات في القوة الشرائية للنقود
(4)
. وأنه يقلل من توقعات التضخم إن لم يمكن القضاء عليها، وهي توقعات تؤدي إلى زيادة الميل للإنفاق لدى الأفراد، وتؤدي إلى التبذير على الاستهلاك والمضاربة
(5)
.
(1)
التضخم والربط القياسي ص 1، مزايا ربط المعاملات بمستوى الأسعار ومساوئه ص 3 و 27 للدكتور منور إقبال.
(2)
المصدر السابق، ربط القيمة بتغير الأسعار ص 35، للدكتور محمد عبد المنان.
(3)
مزايا ربط المعاملات بمستوى الأسعار ص 7، التضخم والربط القياسي ص 29.
(4)
المصدر السابق.
(5)
ربط القيمة بتغيير الأسعارص 5.
أدلة دعاة الربط:
استدل دعاة الربط بأدلة أهمها ما يأتي:
1 -
قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ}
(1)
. وقال تعالى: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ}
(2)
والوفاء بالقسط يشمل كل أنواع المعاملات المالية، وليس الوزن أو الكيل فحسب، ومعلوم أن الربوي، والقروض الآجلة لن تدفع بقيمتها الحقيقية في حالة التضخم. والربط بتغير الأسعار يزيل هذا الضرر وهذا متفق مع الشريعة الإسلامية
(3)
.
2 -
«إن إيجاب أداء قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص يوم ثبوته في الذمة هو الأولى بالاعتبار
…
لأنه هو الأقرب للعدالة والإنصاف، فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، والله أمر بالقسط»
(4)
. فإذا كان الدين ثمناً لمبيع فتجب قيمته يوم العقد، وإن كان عن قرض فتجب قيمته يوم القبض.
3 -
إن رد القروض والديون بقيمتها الحقيقية سواء زادت أو نقصت عن مقدارها وقت القرض أو الدين ونحوهما، يتحقق فيه التماثل المطلوب في الحديث الشريف «مثلاً بمثل»
(5)
. فمن اقترض 1000 ريال ثم زادت نسبة التضخم
(1)
سورة الأنعام من الآية 152.
(2)
سورة الشعراء من الآية 182.
(3)
استعراض للمؤلفات الإسلامية ص 15 و 24، للدكتور سي. م حسن الزمان.
(4)
تغير النقود وأثره على الديون ص 226، وانظر: استعراض للمؤلفات الإسلامية ص 15 و 24، للدكتور حسن الزمان، وهو هنا يعرض رأي سليم شتى، ومحمد عبد المنان، دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي ص 247، ربط القيمة بتغير الأسعار ص 29 لمحمد عبد المنان، تقلبات القوة الشرائية للنقود ص 60، مزايا ربط المعاملات بمستوى الأسعار ص 15.
(5)
تغير النقود وأثره، وانظر: استعراض للمؤلفات الإسلامية، آثار التغيرات في قيمة النقود، رسالة ماجستير، من جامعة أم القرى، إعداد: موسى آدم عيسى، ص 377.
10% فرد 1100 ريال فهذه ليست زيادة حقيقية، وإنما هي رد لنفس المالية التي اقترضها المقترض، لأن مالية الألف ريال من حيث قوتها الشرائية كانت أكثر وقت الاقتراض، ثم انتقصت عند الأداء بنسبة 10%، فلو رد المقترض 1000 ريال لكان في ذلك ظلم على المقرض، لأنه لم تعد له المالية الكاملة التي أقرضها، بل عادت إليه ناقصة، وإذا ألزمنا المقترض أن يدفع إليه 1100 ريال لم يكن ذلك إلا إكمالاً للمالية المقترضة، لأن مالية 1100 اليوم هي عين مالية الألف عند الاقتراض. فزيادة المائة جبر لنقصان قيمة النقد، وليست زيادة على المالية المقترضة، فلزم أن لا تعتبر هذه الزيادة من الربا المحرم.
4 -
«لا ضرر ولا ضرار» «والضرر يزال» قاعدتان أساسيتان من القواعد الفقهية والتضخم يتسبب في هبوط القيمة الشرائية للنقود، فيتضرر الدائنون والمقرضون، وكل أصحاب العقود الآجلة، لذا فإن ربط الالتزامات بتغير الأسعار يعد تعويضاً عن هذا الضرر
(1)
.
5 -
(2)
.
6 -
«النقود في الزمن الحاضر تقبل وسيلة للتبادل بقيمة تزيد على قيمتها السلعية، ولكن لا يمكن معاملتها بنفس معاملة النقد السلعي (الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية)، الذي كان سائداً في صدر الإسلام، حينما لم يكن هناك فارق بين القيمة السلعية والقيمة الاسمية للنقد، ومن هنا لا ينبغي تطبيق اعتراض الفقه على مبادلة مقدارين غير متساويين من أية سلعة مع فارق الزمن، على النقود
(1)
مزايا ربط المعاملات بمستوى الأسعار ومساوئه ص 16.
(2)
ربط المعاملات بتغير الأسعارص 24.
في العصر الحاضر
(1)
. لأنه ليس من العدل أن يراعى جانب الصورة والشكل، ويهمل جانب الموضوع والحقيقة
(2)
.
7 -
يرى البعض جواز ربط القروض والديون إذا كانت العملة نقوداً ورقية، قياساً على رأي من يقول من الفقهاء المتقدمين رد قيمة الفلوس إذا غلت أو رخصت، وهو مروي عن أبي يوسف من الحنفية. ونسبوه قولاً للرهوني من المالكية، ولشيخ الإسلام ابن تيمية
(3)
. وعللوا ذلك بأنها نقود اصطلاحية، أي اصطلح الناس عليها، فتقاس الأوراق النقدية عليها، فعند نقص قيمتها أو زيادتها ترد قيمتها. جاء في تنبيه الرقود على مسائل النقود:«وفي المنتقى إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت قال أبو يوسف قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء وليس له غيرها، ثم رجع أبو يوسف وقال عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع ويوم وقع القبض»
(4)
.
«وقال العلامة الغزي عقب ما قدمناه عنه هذا إذا كسدت أو انقطعت، أما إذا غلت قيمتها أو انقطعت (*) فالبيع على حاله ولا يتخير المشتري ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع كذا في فتح القدير والبزازية معزياً إلى المنتقى غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول
(5)
والثاني
(6)
أولاً
(7)
ليس عليه غيرها
(1)
تقلبات القوة الشرائية للنقود ص 66، وانظر: ربط القيمة بتغير الأسعار ص 22.
(2)
تقلبات القوة الشرائية للنقود.
(3)
تغير النقود وأثره ص 211 وما بعدها، تقلبات القوة الشرائية للنقود ص 62، آثار التغيرات في قيمة النقود ص 370.
(4)
تنبيه الرقود 2/ 58 و 59.
(*) لعل صوابها أو رخصت.
(5)
أي أبي حنيفة.
(6)
أي أبي يوسف
(7)
أي في قوله الأول الذي وافق فيه الإمام أبا حنيفة، ثم رجع عنه.
وقال الثاني
(1)
ثانياً
(2)
: عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض
(3)
وعليه الفتوى وهكذا في الذخيرة والخلاصة بالعزو إلى المنتقى، وقد نقله شيخنا في بحره وأقره بحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات فيجب أن يعول عليه إفتاءً وقضاءً لأن المفتي والقاضي واجب عليهما الميل إلى الراجح من مذهب إمامهما ومقلدهما، ولا يجوز لهما الأخذ بمقابله لأنه مرجوح بالنسبة إليه
(4)
.
فالخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف خاص بغلاء الفلوس والدراهم غالبه الغش، أو رخصهما، أما الدنانير والدراهم التي لم يغلب غشها فلا خلاف في أن المقترض يرد مثلها ولو غلت أو رخصت
(5)
.
وحملوا قول الرهوني عليه، وذلك عند تعليقه على قول المالكية، بلزوم المثل ولو تغير النقد بزيادة أو نقص، وعبارته:«قلت: وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر ذلك جدا، حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه لوجود العلة التي علل بها المخالف»
(6)
.
ونسبوه لشيخ الإسلام ابن تيمية: بناءً على نقول من الدرر السنية، عن ناظم المفردات وشارحها، وعزوه إلى شرح المحرر.
جاء في الدرر السنية: «وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا غلت الدراهم المتعامل بها أو رخصت فأجاب: قد ذكر الأصحاب رحمهم الله، أنه إذا وقع البيع بنقد معين، كدراهم مكسرة أو مغشوشة، أو فلوس، ثم حرمها السلطان، فمنع
(1)
أبو يوسف.
(2)
أي قوله الثاني.
(3)
أي يوم البيع في عقد البيع، ويوم القبض في عقد القرض.
(4)
تنبيه الرقود ص 58.
(5)
المرجع السابق ص 59.
(6)
حاشية الرهوني 5/ 121.
المعاملة بها قبل قبض البائع لها، لم يلزم البائع قبضها، بل له الطلب بقيمتها يوم العقد، وكذا لو أقرضه نقداً فلوساً، فحرم السلطان المعاملة بذلك، فرده المقترض لم يلزم المقرض قبوله، ولو كان باقياً بعينه لم يتغير، وله الطلب بقيمة ذلك يوم القرض، وتكون من غير جنس النقد إن أفضى إلى ربا الفضل.
ووجه رد القيمة فيما ذكرنا: أما في مسألة البيع، فلأنها من ضمان المشتري حتى يقبضها البائع، وقد تعيبت بيد المشتري فلم يلزم البائع قبولها، وأما في مسألة القرض، فلأنها بقيت في ملك المقترض فلم يملك ردها، وإنما يملك القيمة والحالة هذه على المذهب، فيما إذا منع السلطان المعاملة بها خاصة، أما إذا زادت قيمتها أو نقصت مع بقاء التعامل بها، وعدم تحريم السلطان لها، فيرد مثلها سواء غلت أو رخصت أو كسدت، هذا حاصل المسألة عند أكثر الأصحاب».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قياس القرض فيما تقدم جميع الديون، من بدل المتلف والمغصوب، والصداق والصلح عن القصاص، والكتابة، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل له على رجل دراهم مكسرة، فسقطت المكسرة أو فلوس، قال: يكون له عليه قيمتها من الذهب، انتهى.
وقال الشيخ أيضاً: وقد نص في القرض على أن الدراهم المكسرة، إذا منع التعامل بها، فالواجب القيمة، فيخرج في سائر المتلفات كذلك في الغصب والقرض، فإنه معلوم أنه ليس المراد عيب الشيء المعين فإنه ليس هو المستحق وإنما المراد عيب النوع، والأنواع لا يعقل عيبها إلا نقصان قيمتها، فإذا أقرضه أو غصبه طعاماً، فنقصت قيمته، فهو نقص النوع، فلا يجبر على أخذه ناقصاً، فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل، فإن الماليين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع
اختلاف القيمة فلا تماثل، فعيب الدين إفلاس المدين، وعيب العين المعينة خروجها عن الكمال بالنقص، وأما الأنواع فلا عيب فيها بالحقيقة، وإنما نقصانها كعيبها انتهى.
فالحاصل أن الأصحاب إنما أوجبوا رد قيمة ما ذكرنا في القرض، والثمن المعين خاصة فيما إذا منع السلطان التعامل بها فقط، ولم يروا رد القيمة في غير القرض والثمن المعين، وكذلك لم يوجبوا رد القيمة والحالة هذه فيما إذا كسدت بغير تحريم السلطان لها، ولا فيما إذا غلت أو رخصت، أما الشيخ تقي الدين فأوجب رد القيمة في القرض والثمن المعين، وكذلك سائر الديون فيما إذا كسدت مطلقاً، وكذلك إذا نقصت القيمة فيما ذكروا في جميع المثليات والله أعلم
(1)
.
(1)
/ 206 وما بعدها.
المبحث الثالث
رأي المانعين للربط بالذهب أو بمستوى الأسعار
يتخرج منع ربط القروض والديون بمستوى الأسعار، سواء كان ثمنها نقوداً ورقية، أو غيرها من النقود، التي يتعارف الناس على نقديتها، على رأي عامة العلماء ومنهم الأئمة الأربعة. وممن قال به من الفقهاء المعاصرين الدكاترة محمد صديق الضرير، وعلى السالوس، وحسين حامد حسان، وحسن الشاذلي، ومحمد تقي العثماني، وستر الجعيد، والشيخ عبد الله بن منيع، وأيد هذا القول كثير من الاقتصاديين المعاصرين، منهم الدكاترة محمد عمر شبرا، ونجات الله صديقي، ومحمد حسن الزمان، ومحمد علي القري، وأحمد النجار، وضياء الدين أحمد، وفولكر نينهاوس
(1)
. وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
وقد صدر قرار الندوة التي عقدت في البنك الإسلامي بجدة، بالتعاون بين المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، التابع للبنك الإسلامي وبين المعهد العالمي للاقتصاد الإسلامي، التابع للجامعة الإسلامية في إسلام آباد، في توصيتها الثالثة بأنه «لا يجوز ربط الديون التي تثبت في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار
(1)
المدونة 3/ 445 و 4/ 25، الأم 3/ 33، تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 64، شرح منتهى الإرادات 2/ 226، موقف الشريعة من ربط الحقوق والالتزامات ص 4 للضرير، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ع 5 ج 3، ص 1748، التغيرات التي تؤثر في قيمة النقود ص 67، لحسن الشاذلي، مجلة مجمع الفقه ع 5 ج 3 ص 1854، أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي ص 554، لستر الجعيد، موقف الشريعة الإسلامية من ربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعار ص 5، للشيخ عبد الله بن منيع، نحو نظام نقدي عادل ص 56 و 57 لمحمد عمر شبرا، الربط القياسي ص 16 وما بعدها، فولكر نينهاوس، تعقيب ضياء الدين أحمد، على بحث محمد عبد المنان بعنوان ربط القيمة بتغير الأسعار ص 6 وما بعدها، طريقنا إلى نظرية متميزة في الاقتصاد الإسلامي ص 362 - 364 لأحمد النجار.
بأن يشترط العاقدان في العقد المنشئ للدين كالبيع والقرض وغيرهما ربط العملة التي وقع بها البيع أو القرض بسلعة أو مجموعة من السلع أو عملة معينة، أو مجموعة من العملات بحيث يلتزم المدين بأن يوفي للدائن قيمة هذه السلعة أو العملة وقت حلول الأجل بالعملة التي وقع بها البيع أو القرض»
(1)
.
وجاء في القرار الرابع للدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقدة في الكويت، أن:«العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضي بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار»
(2)
.
وجاء في القرار الرابع من ندوة قضايا العملة:
(3)
.
وجاء في الفقرة الرابعة من قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 79/ 6/ د 8، في الدورة الثامنة ما يأتي:«الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها» .
وفي الفقرة الخامسة: «تأكيد القرار رقم (4/ د 5) الصادر عن المجمع بشأن تغير قيمة العملة» . وهو ما توصل إليه رأي مجلس الفكر الإسلامي بباكستان»
(4)
.
(1)
كان هذا في 27 - 30 شعبان عام 1407 هـ، 25 - 28 نيسان 1987 م.
(2)
كان هذا في 1 - 6 جمادى الأولى عام 1409 هـ الموافق 10 - 15 كانون الأول ديسمبر 1988 م.
(3)
عقدت في البنك الإسلامي للتنمية بجدة، بالتعاون بين المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ومجمع الفقه الإسلامي، وذلك في 18 - 19 شوال 1413 هـ الموافق 10 - 11 إبريل 1993 م.
(4)
إلغاء الفائدة من الاقتصاد، تقرير مجلس الفكر الإسلامي في الباكستان ص 26 - 27 و ص 104.
أدلة المانعين للربط بالذهب أو بمستوى الأسعار:
أولاً: إن الورق النقدي المعمول به في جميع دول العالم في هذا العصر نقد قائم بذاته، له حكم الذهب والفضة.
جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي (يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة
…
)
(1)
.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي رقم 9/ د 3/ 07/ 86، «أنها نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ولها الأحكام المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما» .
وجاء في قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية: «إن الورق النقدي يعتبر نقداً قائماً بذاته كقيام النقدين في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان
…
»
(2)
.
وما دامت النقود الورقية تأخذ حكم الذهب والفضة، وقد اتفقت على هذا قرارات المجامع الفقهية، وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، فإنه يتخرج على هذا وجوب رد مثل الدين الثابت في الذمة عند حلول الأجل، وعليه فلا يجوز ربط القروض والديون بمستوى الأسعار، وذلك تخريجاً على أقوال علماء المسلمين ومنهم الأئمة الأربعة؛ حيث اتفقوا على أن النقود الذهبية والفضية يرد مثلها، في الديون، قروضاً أو ثمن بيوع مؤجلة، أو مهراً مؤخراً، أو نحو ذلك، فالنقص أو الزيادة في القيمة لا يعتد بها. فلا يلزم المدين إلا رد مثلها
(3)
.
(1)
كان هذا قراره السادس في دورته الخامسة المنعقدة عام 1402 هـ 1982 م.
(2)
القرار العاشر، من أعمال الهيئة في دورتها الثالثة المنعقدة في 1 - 17/ 4/ 1393 هـ
(3)
المدونة 3/ 445 و 4/ 25، الأم 3/ 33، البيان والتحصيل 6/ 429، حاشية الرهوني 5/ 221 و 122، منح الجليل 2/ 534، الشرح الصغير مع بلغة السالك 2/ 23، تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 64، المغني= =6/ 441 و 442، كشاف القناع 3/ 314، شرح منتهى الإرادات 2/ 226، حاشية المدني على كنون 5/ 118، قطع المجادلة عند تغير المعاملة، للسيوطي، مطبوع مع الحاوي للفتاوي 1/ 129، نهاية المحتاج 3/ 410 و 412، حاشية الشبراملسي 3/ 410، تحفة المحتاج 4/ 255.
أما إذا انقطعت، أو فقدت العملة في بلد المتعاقدين فتجب قيمتها
(1)
. وإليك بعض أقوال أهل العلم في هذا الشأن.
جاء في المدونة للإمام مالك رحمه الله: قلت أرأيت لو أن رجلاً قال لرجل: أقرضني ديناراً دراهم أو نصف دينار دراهم أو ثلث دينار دراهم. فأعطاه الدراهم ما الذي يقضيه في قول مالك؟ قال: قال: يقضيه مثل دراهمه التي أخذ منه. رخصت أو غلت، فليس عليه إلا مثل الذي أخذ
…
»
(2)
.
وقال الشافعي رحمه الله: «ومن سلف فلوساً أو دراهم أو باع بها ثم أبطلها السلطان فليس له إلا مثل فلوسه، أو دراهمه التي أسلف أو باع بها»
(3)
.
وقال ابن عابدين: «وإياك أن تفهم أن خلاف أبي يوسف جار حتى في الذهب والفضة كالشريفي والبندقي والمحمدي والكلب والريال فإنه لا يلزم لمن وجب له نوع منها سواه بالإجماع
…
وهذا كالريال الفرنجي والذهب العتيق في زماننا، فإذا تبايعا بنوع منهما، ثم غلا أو رخص بأن باع ثوباً بعشرين ريالاً مثلاً، أو استقرض ذلك يجب رده بعينه، غلا أو رخص»
(4)
(5)
.
(1)
منح الجليل 2/ 534 و 535.
(2)
/ 445، وانظر: البيان والتحصيل 6/ 487 - 488، حاشية الرهوني 121 و 122 الشرح الصغير 2/ 23.
(3)
الأم 3/ 33.
(4)
تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 64، وانظر: مرشد الحيران م 788.
(5)
المغني 6/ 441 و 442. الدانق: ضرب من النقود الفضية، وزنه ثمان حبات من أوسط حب الشعير. معجم المعاني الجامع ص 2
وجاء في قرة العين في الجواب على سؤال عن الواجب في الذمة عند بطلان السكة، أو زيادة قيمتها، أو انخفاضها:«الواجب قضاء المثل على من ترتبت في ذمته إن كانت موجودة في بلد المعاملة ويجب المثل لو كانت مائة بدرهم ثم صارت ألفاً بدرهم أو بالعكس، وكذلك لو كان الريال حين العقد بتسعين ثم صار بمائتين أو العكس وهكذا»
(1)
.
(2)
.
وقد تبين مما نقلناه عن الفقهاء أن الديون، والقروض، ترد بمثلها وأن الزيادة على ذلك ربا، وأن تغير سعر الصرف أو السلع، زيادة أو نقصاً لا يؤثر، ولا يكون مبرراً لربط ذلك الدين، أو القرض بمستوى الأسعار، حتى لو كانت مائة بدرهم، ثم صارت ألفاً بدرهم.
ثانياً: إن ربط القروض، أو ثمن المبيع المؤجل، أو الصداق المؤخر بمستوى الأسعار يؤدي إلى الربا، لأنه إذا دفع المقرض للمقترض، مثلاً خمسين ألف ريال سعودي ومثله مبلغ الدين. وبعد عام حل موعد السداد، وقد ارتفعت نسبة التضخم 5% فإنه يلزمه على رأي القائلين بالربط دفع الخمسين ألفا (50000) وعليها زيادة ارتفاع الأسعار وقدرها ألفان وخمسمائة ريال (2500). وهذا ربا الفضل والنسيئة، وهو باطل، لما رواه مسلم وغيره عن عثمان بن عفان رضي الله
(1)
ص 203 و 204، وانظر: منح الجليل 2/ 534، الشرح الكبير 3/ 40، والشرح الصغير مع بلغة السالك 2/ 23.
(2)
تنبيه الرقود 2/ 64، روضة الطالبين 4/ 37، قطع المجادلة 1/ 129، تحفة المحتاج 5/ 44، نهاية المحتاج 3/ 43.
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تَبِيعُوا الدِّينارَ بالدِّينارَيْنِ، ولا الدِّرْهَمَ بالدِّرْهَمَيْنِ»
(1)
.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، يَدًا بيَدٍ، فمَن زادَ، أوِ اسْتَزادَ، فقَدْ أرْبَى، الآخِذُ والْمُعْطِي فيه سَواءٌ «
(2)
.
فالحديثان الشريفان تضمنا النص على المنع من أخذ أكثر أو أقل مما أقرض أو باع به. والحديث الأول جاء بصيغة النهي، وصيغة النهي الخالية عن القرائن الصارفة عند علماء الأصول تقتضي التحريم والفساد، فكانت الزيادة أو النقص الناتجان عن الربط بمستوى الأسعار منهي عنهما، لأنهما ربا، وهو ربا الفضل، والنسيئة. ولذا فإن العقود التي يتفق فيها المتعاقدان على الربط بمستوى الأسعار، أو بعملة معينة، على النحو الذي بيناه عند شرح التعريف تكون حراماً، وباطلة.
ولأن حديث عثمان رضي الله عنه نص على العدد فقال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين. والبائع في مثالنا السابق باع خمسين ألفاً باثنين وخمسين الفاً وخمسمائة ريال. فتحقق بيع الدينار بالدينارين، فشمله النهي، فكان حراماً، والعقد فاسدا.
وهذا هو الذي فهمه العلماء المحققون، ونصوا عليه جاء في المغني:«وإن كانت الدراهم يتعامل بها عدداً، فاستقرض عدداً، رد عدداً، وإن استقرض وزناً رد وزناً»
(3)
.
روى أبو بردة عن أبيه قال: «أَتَيْتُ المَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بنَ سَلَامٍ رضي الله عنه، فَقالَ: ألَا تَجِيءُ فَأُطْعِمَكَ سَوِيقًا وتَمْرًا، وتَدْخُلَ في بَيْتٍ، ثُمَّ قالَ: إنَّكَ بأَرْضٍ الرِّبَا بهَا فَاشٍ، إذَا كانَ لكَ علَى رَجُلٍ حَقٌّ، فأهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ، أوْ حِمْلَ شَعِيرٍ،
(1)
صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 96.
(2)
المصدر السابق ص 99.
(3)
المغني 6/ 434.
أوْ حِمْلَ قَتٍّ، فلا تَأْخُذْهُ؛ فإنَّه رِبًا»
(1)
. وهذا له حكم المرفوع، لأنه مما لا يقال بالرأي.
فإذا كانت هدية المقترض للمقرض ربا، حتى لو كانت قليلة القيمة، كحمل تبن أو شعير أو قت، فإن من يقرض عشرة آلاف ثم يحصل بسبب اشتراط ربطها بمستوى الأسعار على أحد عشر ألفا أولى بالإنكار، وبتحقق الربا في هذا العقد.
ثالثاً: إن ربط القرض، أو الدين، يوم التعاقد بعملة ما، أو بقيمة مجموعة من السلع مصادم لنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما قلت: يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، وآخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا بَأْسَ أنْ تَأخُذَها بِسِعرِ يَومِها ما لم تَفتَرِقا، وبينَكُما شَيءٌ»
(2)
صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أحمد شاكر.
والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: «لا بَأْسَ أنْ تَأخُذَها بِسِعرِ يَومِها» ، فقد دل على أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته؛ حيث يؤدى عند تعذر المثل بما يقوم مقامه، وهو سعر الصرف يوم الأداء، لا يوم ثبوت الدين. والقول بالربط بمستوى الأسعار يقتضي أن يرد بقيمته يوم العقد.
فما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد قيمة النقود التي في الذمة بيوم السداد، فهذا دليل على عدم أخذ قيمتها يوم العقد، سواء باتفاق حين العقد، أو باتفاق يوم السداد، ونزيده إيضاحاً بالمثال التالي:
(1)
صحيح البخاري 7/ 129.
(2)
سنن أبي داود، تحقيق عزت الدعاس وعادل السيد 3/ 650، مسند الإمام أحمد تحقيق أحمد شاكر 9/ 85، رقم الحديث 6239. وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي المستدرك 2/ 44.
نفترض أن سعر الصرف بين الدرهم والدينار عند عقد البيع 1=8، وأصبح سعره عند السداد=10، وكان ثمن المبيع 500 درهم، فلو راعينا قيمة هذه الدراهم عند ثبوتها في الذمة لكانت 500÷8=62. 5 ديناراً، ولو راعينا قيمتها عند السداد لكانت 500÷10=50 ديناراً.
فنص الحديث «إذا كانت بسعر يومها» أي قيمة الدراهم يوم السداد، وهي في المثال 50 ديناراً، مع أنها أقل مما كانت عليه عند الالتزام، ومن هنا تبين عدم الاعتبار للقيمة يوم البيع، وهذا معناه وجوب أداء المثل، فلا يرد إلا الخمسمائة درهم، أو قيمتها وقت السداد، لأن قيمتها وقت السداد، مثلها بذاتها، وحالة محلها، ولا يلتفت إلى قيمتها يوم الالتزام. وهذا يدل على عدم الاعتبار لأي تغير في قيمة الدين
(1)
.
رابعاً: إن فيه غرراً فاحشاً وهو ناشئ عن الجهل بمقدار الثمن، فالبائع والمشتري، والمقرض والمستقرض لا يعلم كل منهم مقدار ما يجب دفعه عند حلول الأجل، لأنه لا يعلم كم تساوي قيمة السلعة، أو السلع التي يربط بها القرض، أو قيمة المبيع المؤجل، أو الصداق المؤخر. ومن شروط البيع العلم بمقدار الثمن، ومن شروط وجوب المهر المسمى في عقد الزواج العلم بمقدار المهر، ومقدار الثمن، والمهر، في حالة ربطهما بمستوى الأسعار أمران احتماليان غير معلومي المقدار، فيكون البيع والقرض فاسدين
(2)
. لما روى أبو هريرة قال: «نَهَى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن بَيْعِ الحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ»
(3)
.
(1)
التضخم والربط القياسي ص 24.
(2)
موقف الشريعة الإسلامية من ربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعار، للضرير ص 17.
(3)
صحيح مسلم بشرحه 4/ 5. منار السبيل 1/ 308.
خامساً: القول بربط القروض والديون - الممثلة في عملة ورقية- بمستوى الأسعار يلزم منه جواز ربط القروض عندما تكون سلعاً مثلية كالقمح، أو التمر فكيف يتم الربط في هذه الحالة؟ مع أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن من اقترض مالاً مثلياً فالواجب عليه رد مثله. يقول ابن قدامة:«يجب رد المثل في المكيل والموزون، لا نعلم فيه خلافاً»
(1)
. قال ابن المنذر: «أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أسلف سلفاً مما يجوز فرد عليه مثله أن ذلك جائز»
(2)
.
سادساً: ربط القروض، والديون بمستوى الأسعار فيه قلب للأوضاع السليمة، فالنقود هي التي تقوم السلع بها، وهي أثمان المبيعات
(3)
، والثمن كما يقول ابن القيم:«هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال، ولا يقوم هو بغيره، إذ يصير سلعة كبقية السلع»
(4)
. وفي حالة الربط تكون النقود مقومة بالسلع.
سابعاً: قياس القروض والديون في حالة ارتفاع قيمة النقود على السلم، فحيث إن زيادة قيمة المسلم فيه في عقد السلم لا توجب الزيادة في رأس مال السلم، فكذلك لا تجوز زيادة أو نقص مثلية القرض أو الدين
(5)
.
ثامناً: هبطت العملة في عدة فترات من التاريخ الإسلامي، ولم يقل الفقهاء بالربط بمستوى الأسعار.
حدث ارتفاع في الأسعار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى أنس رضي الله عنه حيث قال: «غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا فقال: «إنَّ اللهَ هو المسعِّرُ القابِضُ الباسطُ الرَّزاقُ، وإنِّي لأرجو أن ألقَى ربِّي وليسَ أحدٌ منكُم يطلبُني بمظلِمةٍ في دمٍ ولا مالٍ»
(6)
.
(1)
المغني 6/ 434.
(2)
انظر الإجماع لابن المنذر ص 81.
(3)
موقف الشريعة الإسلامية من ربط الحقوق والالتزامات بمستوى الأسعار، للضرير، ص 18.
(4)
إعلام الموقعين 2/ 132.
(5)
قطع المجادلة عند تغير المعاملة ص 129 و 130.
(6)
صحيح الترمذي بشرح ابن العربي 5/ 53، انظر: سنن أبي داود 3/ 731.
قال الترمذي حديث حسن صحيح
(1)
. ورواه الخمسة إلا النسائي، ورواه المجد ابن تيمية، وأخرجة الدارمي والبزار وأبو يعلى. قال الحافظ: إسناده على شرط مسلم، وصححه ابن حبان
(2)
. لكن ارتفاع الأسعار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان بسبب قلة العرض عن الطلب، وربما كان لسبب قلة الأمطار.
وقد غلا السعر على عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز قال أبو يوسف حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين ما بال الأسعار غالية في زمانك وكانت في زمان من قبلك رخيصة؟ قال: إن من كان قبلي كانوا يكلفون أهل الذمة فوق طاقتهم، فلم يكونوا يجدون بداً من أن يبيعوا ويكسدوا ما في أيديهم، وأنا لم أكلف أحداً إلا طاقته، فباع رجل كيف شاء. قال: فقلت لو أنك سعرت لنا. فقال: ليس من ذلك إلى شيء إنما السعر إلى الله
(3)
.
ويذكر ابن كثير في تاريخه في سنة تسع وأربعين وأربعمائة فيقول: «فيها كان الغلاء والفناء مستمرين ببغداد وغيرها من البلاد بحيث خلت أكثر الدور وسدت على أهلها أبوابها بما فيها، وأهلها موتى فيها .. وأكل الناس الجيف»
(4)
(5)
.
ويذكر ابن حجر العسقلاني من أخبار الغلاء في مصر، وتغير أسعار السلع وذلك في أحداث سنة ست وسبعين وسبعمائة. فيقول: «واستهلت والغلاء قد
(1)
صحيح الترمذي 5/ 53.
(2)
نيل الأوطار 5/ 219.
(3)
الخراج 269.
(4)
البداية والنهاية 12/ 70.
(5)
المصدر السابق 12/ 71.
تزايد جداً إلى أن بلغ الأردب بمائة وعشرة ثم بلغ في شعبان مائة وخمسة وعشرين، وقيمتها بالذهب إذ ذاك خمسة مثاقيل وربع، وبيع إذ ذاك دجاجة واحدة بأربعة دراهم، وصار أكثر الناس لا يقدر إلا على النخالة كل قرص أسود بنصف درهم وأكل الفقراء السلق والطين، وكادت الدواب أن تعدم لكثرة الموت فيها، وأكلوا الميتات»
(1)
(2)
.
ويذكر المقريزي عن أحداث القرن التاسع الهجري:
(3)
.
وخلال العصور الإسلامية التي عرضناها، رغم ما وصلت إليه في بعض الأزمنة من الغلاء الشديد، والذي يقابله بلا شك هبوط قيمة العملة، وارتفاع التضخم، لأن التضخم في حقيقته قديم
(4)
، لكن تسميته بهذا الاسم حديثة. لم
(1)
إنباء الغمر بأبناء العمر 1/ 92.
(2)
المصدر السابق ص 93.
(3)
إغاثة الأمة بكشف الغمة ص 79.
(4)
التضخم والربط القياسي ص 14.
نسمع أحداً من العلماء قال بربط المعاملات كالديون، والقروض بمستوى الأسعار، مع وجود العلماء الكبار أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والعز بن عبد السلام، ومن بعدهم ابن حجر العسقلاني، وغيرهم كثير، ولو كان جائزاً لقالوا به.
وحتى لا يقع الخلط من بعض القراء فإن ما قاله بعض الفقهاء في العصور السابقة من رد القيمة -وخالفهم فيه جمهور العلماء- إنما هو بالنسبة لحالة الانقطاع، أو تغيير السلطان للعملة، أو كسادها ولم يقولوا به في حالة غلاء الأسعار ورخصها. ومن قال به في حالة غلاء الفلوس ورخصها، فإنما هو غلاؤها ورخصها بالنسبة للذهب والفضة، لا بالنسبة لأسعار السلع. وهو من باب التعويض، وليس من باب الربط بمستوى الأسعار.
المبحث الرابع
مناقشة الأدلة
المطلب الأول: مناقشة أدلة القائلين بالربط بالذهب أو بمستوى الأسعار:
أولاً: صحيح أن الله سبحانه وتعالى أمر بالقسط في جميع المعاملات، وليس في الكيل والوزن فقط. ولكن الاستدلال بالآيات الكريمات على جواز ربط القروض، والديون بمستوى الأسعار، لا يصح، لأنه تحميل لمعنى الآيات ما لا تحتمله. جاء في تفسير ابن كثير: يأمرهم عليه السلام بإيفاء المكيال والميزان، وينهاهم عن التطفيف فيهما، فقال:{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} أي إذا دفعتم للناس فكملوا الكيل لهم ولا تبخسوا الكيل فتعطوه ناقصاً وتأخذوه إذا كان لكم تاماً وافيا. والقسطاس هو الميزان، وقيل هو القبان. وقال مجاهد: القسطاس العدل
(1)
.
ومن جهة ثانية ليس هذا عدلاً، وإن أفادت الآيات الكريمات بعمومها طلب العدل في كل شيء، وإن اعتقد دعاة الربط أنه عدل، لأنها مقيدة بالأحاديث المانعة من الزيادة، منها حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الصاع بالصاعين، ومنها تقييده صلى الله عليه وسلم صرف ما في الذمة بسعر يوم السداد، وقد بيناها، وغيرها، ووجهه دلالتها.
ومن جهة ثالثة فإن ربط القروض، والديون بمستوى الأسعار ليس عدلاً، لأنه يؤدي إلى أن يأخذ المقرض، أو الدائن أكثر، أو أقل مما أعطى، وهذا هو ربا الفضل، وهو مخالف للعدل أيضاً لأنه ينطبق في اتجاه واحد، حينما يكون هناك ارتفاع في الأسعار، وهو الغالب، وليس العكس، وما من أحد يميل إلى قبول مبلغ أقل من المبلغ الذي قام بإقراضه، أو باع به.
(1)
تفسير القرآن العظيم 3/ 345. وانظر: الجامع لأحكام القرآن 13/ 135، الوصايا العشر كما جاءت في سورة الأنعام، بحث للأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الصالح، مجلة البحوث الإسلامية، عدد 44، ص 330 و 331.
ولو صح الاستدلال بهذه الآيات لكان الاستدلال بها على رفض هذا المبدأ أولى، لأن العدل في اتباع شرع الله، ومنه الوفاء بمقدار الدين أو القرض عدداً، أو وزناً، أو كيلاً، دون زيادة أو نقصان.
ثانياً: قولهم إن ربط القروض والديون بمستوى الأسعار يؤدي إلى وفاء الدين، أو القرض، بقيمته الحقيقية، فهو يؤدي إلى التماثل المطلوب في الحديث الشريف - «مثلاً بمثل» - غير صحيح شرعاً، وتطبيقاً، ولا ينطبق على القواعد الشرعية بحال من الأحوال، لأن القروض يجب في الشريعة أن تقضى بأمثالها، وهذا لا يختلف فيه أحد، حتى القائلين بربط القروض بالأسعار، لأن المثلية في الشرع تتحقق بالكيل أو الوزن، أو العدد
(1)
، ولا تتحقق بالقيمة كما يظنها دعاة الربط.
أ-لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً
(2)
على خيبر، فجاءه بتمر جنيب
(3)
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَفْعَل، بِعِ الجَمْعَ
(4)
بالدَّراهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنيبًا»
(5)
. متفق عليه. وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث: «أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا»
(6)
. وفي رواية لمسلم: «هذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ، ثُمَّ بيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هذا»
(7)
.
(1)
انظر: مصطلح المثل في المبحث الأول.
(2)
استعمل رجلاً: جعله عاملاً. أي والياً. وهو: سواد بن غزية البلوي الأنصاري. توضيح الأحكام من بلوغ المرام 4/ 22، للشيخ عبد الله البسام، تبيين الحقائق 4/ 86 الاستذكار 19/ 142.
(3)
الجنيب: بفتح الجيم وكسر النون ثم ياء ساكنة، وآخره باء. نوع من التمر جيد. قال الخطابي هو أجود تمورهم.
(4)
الجمع: هو التمر المختلط من أنواع متفرقة، ليس مرغوباً فيه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 296، الفائق 1/ 234، توضيح الأحكام، شرع الزركشي على مختصر الخرقي 3/ 424.
(5)
صحيح البخاري بشرحه 4/ 399، صحيح مسلم بشرحه 4/ 105.
(6)
صحيح مسلم بشرحه 4/ 106.
(7)
المصدر السابق.
فهذا عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر كان يشتري التمر الجيد، وهو الجنيب، بالتمر الرديء، وهو الجمع، وكانت قيمة الصاع من الجنيب تساوي صاعين من الجمع، فظن أن تساويهما في القيمة مبيح لشراء التمر الطيب بالتمر الرديء وإن تفاضلا في المعيار الشرعي، وهو الكيل. فجاء الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن هذه المعاملة، فدل على عدم جوازها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرض إلا بالتماثل في القدر وهو الكيل، وجعل التساوي في القيمة هدراً. وهذا دليل على أن المماثلة في القيمة لا يتحقق بها معنى «مثلاً بمثل» . فدل الحديث على أن ربط القروض والديون بمستوى الأسعار لا يجوز، لأنه ربا.
ب- عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ، ولا الوَرِقَ بالوَرِقِ، إلَّا وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ»
(1)
.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، فمَن زادَ أوِ اسْتَزادَ فَهو رِبًا»
(2)
.
وعن عبادة ابن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب تبرها وعينها
(3)
، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدياً بمدي، والشعير بالشعير مدياً بمدي، التمر بالتمر مدياً بمدي والملح بالملح مدياً بمدي .... )
(4)
.
(1)
صحيح مسلم بشرحه 4/ 95، وانظر: جامع الأصول 1/ 457.
(2)
صحيح مسلم 4/ 99.
(3)
تبرها: الذهب قبل أن يضرب. عينها: المضروب من الدراهم والدنانير، المدي: مكيال يعرف ببلاد الشام، ومصر يتعاملون به، وأحسبه خمسة عشر مكوكاً، والمكوك صاع ونصف. انظر: معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود 3/ 644.
(4)
هذا الحديث أصله في الصحيح. ذكر مسلم منه الذهب بالذهب والفضة بالفضة وزناً بوزن، في 22 كتاب المساقاة رقم الحديث 1587.
وأخرجه أبو داود، انظر سنن أبي داود، تحقيق الدعاس والسيد 3/ 644، وسكت عنه أبو داود، ومن المعروف أن أبا داود لا يسكت عن حديث إلا وهو صالح للاحتجاج، ورواه الترمذي في البيوع باب 23، رقم الحديث 1240، وقال أبو عيسى: حديث عبادة حديث حسن صحيح.
فهذه الأحاديث الثلاثة تدل على عدم جواز بيع الذهب أو الفضة بجنسهما إلا بالوزن، وعدم جواز بيع الأصناف الأربعة بجنسها إلا بالكيل، لأنه إذا بيعت بجنسها وزناً لا يتحقق التماثل. وقوله صلى الله عليه وسلم:«فمَن زادَ أوِ اسْتَزادَ» ، يعم كل زيادة في الأموال الربوية، لأن «من» أداة شرط تفيد العموم
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إلَّا وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ» تأكيد على المماثلة في المعيار الشرعي، وهو الوزن فيما يوزن، والكيل فيما يكال، والعد فيما يعد. وحكى الوزير ابن هبيرة وغيره الاتفاق على أنه لا تباع المكيلات المنصوص عليها بعضها ببعض إلا كيلاً، وأنها مكيلة أبداً، والموزونات المنصوص عليها إلا وزناً، وأنها موزونة أبداً
(2)
.
وقوله: «سواء بسواء» تأكيد على المثلية هنا لا يكتفى فيها بمجرد الشبه، وإنما لا بد من المماثلة بقدر ما يحقق التسوية الحقيقية بين المتماثلين
(3)
، ولهذا قال الفقهاء لا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزناً، ولا ما أصله الوزن بشيء من جنسه كيلاً، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد
(4)
، لأن ما خولف معياره الشرعي لا يتحقق فيه التماثل
(5)
.
ج-ولما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينارُ بالدِّينارِ لا فَضْلَ بيْنَهُما، والدِّرْهَمُ بالدِّرْهَمِ لا فَضْلَ بيْنَهُما»
(6)
.
(1)
الإحكام في أصول الأحكام 2/ 188، شرح مختصر الروضة 2/ 467.
(2)
الإفصاح 2/ 328، حاشية العاصمي على الروض المربع 4/ 496.
(3)
قاعدة المثلي والقيمي ص 10.
(4)
تبيين الحقائق 4/ 89، بدائع الصنائع 5/ 193 و 194، مغني المحتاج 2/ 24، المغني 6/ 69، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 3/ 435، معالم السنن مع سنن أبي داود 3/ 645، الروض المربع 4/ 496، ما نقلناه عن أبي هبيرة في المنصوص عليها، وما ذكرنا من قول الفقهاء في كل مكيل وموزون.
(5)
المصدر السابق، الحاوي 6/ 125.
(6)
صحيح مسلم بشرحه 4/ 100.
فإذا وجدت الزيادة في أحد العوضين نتيجة للربط بمستوى الأسعار فإنه لا يتحقق التماثل المطلوب في حديث مثلاً بمثل، لأنه يوجد الفضل المنهي عنه في الحديث السابق.
د- لم تكتف الشريعة الإسلامية بمنع التفاضل، ثم لم تكتف بمنع أدنى زيادة، بل منعت ما يظن أنه يؤدي إلى المماثلة لقيامه على الخرص والتخمين كما في بيعي المزابنة، والمحاقلة
(1)
، لأن علة المنع في الربويات التفاضل، أو شبهته، الناشئة عن عدم التحقق من قدر المبيع.
قال البابرتي: نهي عن بيع المزابنة والمحاقلة
…
لأن فيه شبهة الربا الملحقة بالحقيقة في التحريم
(2)
.
هـ- ومن حيث التطبيق العملي فإن ربط القروض، والديون، ونحوهما بمستوى الأسعار لا يؤدي إلى التماثل في القيمة الحقيقية، لأنه يقوم على التقدير، ولأن إعداد الأرقام القياسية تعتمد على العينات العشوائية على جميع المستويات، وبالتالي فهي أرقام تقريبية، يكثر الاختلاف فيها، ولأنها تجرى على فترات دورية، مثلاً كل ستة أشهر، أو سنة، فإذا كانت الأسعار قد ارتفعت عند نهاية الستة الأشهر الأولى، ومواعيد سداد القروض والديون قبيلها، لأن عمليات الإقراض والاستدانة، والسداد تجرى كل يوم - فإن متوسط الأسعار لا يمكن أن يكون واقعياً، ولا عادلاً بصورة دقيقة، وبالتالي يكون الحساب خاطئاً، فلا يحقق المطلوب منه، لأنه لا يمثل القيمة الحقيقية كما يقول به دعاة الربط
(3)
.
(1)
انظر: في تعريفهما، وحكمهما، وأدلتهما. حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقترض بفوائد ص 98، وما بعدها، للدكتور صالح المرزوقي البقمي، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، عدد 21.
(2)
العناية 6/ 415.
(3)
استعراض للمؤلفات الإسلامية حول ربط المعاملات بتغير الأسعار ص 16.
ومن جهة ثانية فإن الربط بهذه الأشياء لا يحقق الهدف المقصود، وهو استقرار قيمة الديون، لأن ذلك يتوقف على مدى استقرار قيم هذه الأشياء المربوط بها، والمعروف في هذا العصر أن الذهب يتقلب سعره هبوطاً وصعوداً، فقد ذكرت الإحصائيات أن سعر الذهب تعرض في عام 1997 ميلادية لهبوط كبير، وصل في مصر إلى 30% ومن الثابت أيضاً أن أسعار العملات تتفاوت من حيث الاستقرار والاضطراب من عملة لأخرى. وعلى فرض استقرار قيم هذه الأشياء فإنه لا يلزم من ذلك استقرار قيمة العملة المربوطة، فقد يستقر ثمن الذهب في بلد ما أو حتى يرتفع ومع ذلك يكون المستوى العام للأسعار متزايداً، ومعنى ذلك هبوط القيمة الحقيقية للنقود
(1)
.
فالأحاديث التي ذكرناها كلها دالة بوضوح على أن التماثل المعتبر في الشريعة إنما هو التماثل في القدر، ولا عبرة بالتفاوت في القيمة، ما دامت الأموال ربوية.
فما دام أن التماثل يتحقق بالكيل، أو الوزن، أو العدد، وهذا غير ممكن في الربط بمستوى الأسعار، وما دام أن أدنى زيادة ممنوعة في الأموال الربوية، بل احتمال عدم التساوي -ليبوسة أحد المبيعين ورطوبة الآخر في المزابنة والمحاقلة - سبب للحرمة، ومبطل للعقد، وهو متحقق في عملية الربط بمستوى الأسعار، لأن المثلية قائمة على التقدير، ولأن من يدفع عشرة آلاف قد يأخذ أحد عشر ألفاً، وإذا كان الفقهاء يمنعون بيع كيلة من التمر بكيلة من التمر، لأنه خلاف معياره الشرعي، حيث بيع بالوزن بدل الكيل، فكيف يقال إن ربط القروض والديون بمستوى الأسعار يتحقق فيه التماثل المطلوب في الأحاديث الشريفة؟.
إن في نصوص الشريعة الصحيحة ما يسد جميع الطرق التي يود أن ينفذ منها أرباب الحيل.
(1)
ضبط الحلول المطروحة لمعالجة الآثار التوزيعية للتضخم ص 13، للدكتور شوقي دنيا، مطبوع على الآلة الكاتبة.
ثالثاً: الاحتجاج بقاعدتي «لا ضرر ولا ضرار» و «الضرر يزال» يجاب عليه بأن الضرر لا يزال بضرر مثله
(1)
. ولأنه إذا كان رد قيمة القرض، أو الدين في نظر دعاة الربط يؤدي إلى العدل بالنسبة للمقرض، والدائن، ويدفع عنهما الضرر، فإنه يؤدي إلى ظلم المقترض، والمدين ويؤدي إلى ضررهما. لأنهم كلفوا أكثر مما أخذوا، هذا من جهة. ومن جهة ثانية لو أن الأمر على عكس ما ذكر، فبدلاً من التضخم أصبح الوضع الاقتصادي في حالة انكماش، مما يترتب عليه أن قيمة النقود بالنسبة للسلع صارت مرتفعة عنه وقت ثبوت الدين في ذمة المدين، فهل سيرضى الدائن والمقرض بأخذ أقل مما دفع؟ الواقع أنه لا يرضى بأخذ أقل مما دفع. ثم إن التضخم الذي ينتج عنه ضعف القوة الشرائية للنقود، وبسببه يرى البعض تعويض المقرضين والدائنين عن نقص قيمة نقودهم ليس هو من فعل المدينين والمقترضين، وإنما هو بأسباب خارجة عن إرادتهم. وبناءً عليه فإنه ليس من العدل أن يكلف الإنسان بتحمل آثار نقص ليس من فعله.
ومن جهة أخرى فإن تلك النقود لو بقيت في يد المقرض أو الدائن ستتعرض للنقص كما هي عند المقترض، أو المدين.
ويجاب أيضاً على المحتجين بالعدالة بأن المستثمرين الذي لا يدخرون النقود فقط، بل يدخلون أيضاً في مخاطرة استثمارية غير مطمئنين إلى ثبات القيمة الفعلية لاستثماراتهم، لا تربط استثماراتهم بالمستوى العام للأسعار، مع أنهم قد يتعرضون لتآكل القوة الشرائية لنقودهم، ومع أنهم قد يتعرضون أيضاً للخسارة في مشاريعهم الاستثمارية. فأيهم أولى بالعدالة المتوهمة أهم المستثمرون؟ أم المقرضون
(1)
الأشباه والنظائر ص 95 للسيوطي.
والدائنون؟ ولماذا يجب أن يطمئن المدخرون وحملة النقود حتى عندما لا يتحملون أي مخاطرة؟
(1)
.
ولذا فإنه بدلاً من إحداث التفاوت الاجتماعي بسبب الربط القياسي طائفة يربط لها، وطائفة لا يربط لها فإن من الأصلح، من هذه الناحية، ومن ناحية ثانية الابتعاد عن تعاطي العقود المحرمة، ومن ناحية ثالثة العمل على حماية النقود من آثار التضخم هو أن يتوجه أصحاب النقود إلى استثمارها في مجالات الاستثمار المباحة.
رابعاً: الاستدلال بجواز بيع التقسيط مع ما فيه من زيادة على الحال مردود، لأن بيع التقسيط نصت الشريعة على جوازه، كما في قوله تعالى:{أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}
(2)
.
ولما جاء في صحيح البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: «جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقالَتْ: كَاتَبْتُ أهْلِي علَى تِسْعِ أوَاقٍ، في كُلِّ عَامٍ وقِيَّةٌ، فأعِينِينِي، فَقُلتُ: إنْ أحَبَّ أهْلُكِ أنْ أعُدَّهَا لهمْ، ويَكونَ ولَاؤُكِ لي فَعَلْتُ
…
» الحديث
(3)
. متفق عليه، واللفظ للبخاري.
أما الربط بمستوى الأسعار فقد دلت نصوص الشريعة التي ذكرناها في أدلة المانعين على عدم جوازه.
ومن جهة ثانية إن المبيع بالتقسيط يكون ثمنه معلوماً للعاقدين، ولا يصح العقد إلا بمعرفته. أما ثمن المبيع أو القرض في الربط بمستوى الأسعار فلا يعلم العاقدان قدره. لكل هذا جاز بيع التقسيط، ومنع الربط بمستوى الأسعار.
(1)
نحو نظام نقدي عادل ص 57.
(2)
سورة البقرة من الآية 282.
(3)
بلوغ المرام بشرحه توضيح الأحكام 3/ 433.
خامساً: قياس الأوراق النقدية المعاصرة على الفلوس بناءً على الرأي المرجوح الذي يرى قائله رد القيمة في الفلوس إذا غلت أو رخصت، وتجويزهم ربط القروض والديون بمستوى الأسعار بناءً عليه، نناقشه من وجوه:
أولها: إن قول أحد الفقهاء أو بعضهم بجواز مسألة ما ليس دليلاً شرعياً على جواز هذه المسألة، لأنه ليس من الأدلة، وبالتالي فإنه لا يصلح حجة للقائلين بجواز ربط القروض والديون بمستوى الأسعار. لكن يمكنهم أن يستدلوا بما استدل به هذا الفقيه. وبالتالي يمكن النظر في دليله، وموازنته بأدلة معارضيه، ومن ثم الترجيح بينها، بناءً على قواعد الترجيح المعروفة عند الفقهاء. أما إذا أجمع العلماء في عصر من العصور على حكم فإنه لا تجوز مخالفة هذا الإجماع.
ثانيها: أبين رأي جمهور الفقهاء في الذي يجب أن يرده المدين، والمقترض، إذا كان الدين فلوساً. فقد ذهب جماهير الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الواجب على المدين من الفلوس في القرض، والبيع المؤجل، ونحوهما هو نفس المقدار المحدد بدون زيادة أو نقصان.
(1)
.
فإذا كان الإمام مالك يقول: ليس له إلا مثل فلوسه في حالة الفساد وهو الكساد فالقول بأنه ليس له إلا مثلها في حالة الغلاء والرخص أولى.
(1)
/ 444.
وفي المدونة: «وكذلك إن أقرضته دراهم فلوساً، وهو يومئذ فلس بدرهم، ثم صارت مئتي فلس بدرهم، فإنما يرد إليك ما أخذ لا غير ذلك»
(1)
.
وقال الإمام الشافعي: «ومن سلف فلوساً أو دراهم أو باع بها ثم أبطلها السلطان فليس له إلا مثل فلوسه أو دراهمه التي أسلفها أو باع بها»
(2)
.
(3)
.
وجاء في بدائع الصنائع في الكلام على الفلوس: «
…
ولو لم تكسد ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا يفسخ البيع بالإجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة هنا لأن الرخص أو الغلاء لا يوجب بطلان الثمنية»
(4)
.
وجاء فيها بخصوص القرض: «ولو لم تكسد ولكنها رخصت أو غلت فعليه رد مثل ما قبض»
(5)
.
وجاء في فتاوى قاضي خان يلزمه المثل وهكذا ذكره الاسبيجابي قال: لا ينظر إلى القيمة
(6)
.
(1)
نقلاً عن منح الجليل 2/ 535.
(2)
الأم 3/ 33.
(3)
الشرح الصغير مع بلغة السالك 2/ 23، انظر: منح الجليل 2/ 534.
(4)
/ 242، وانظر: فتح القدير 7/ 157.
(5)
بدائع الصنائع.
(6)
تنبيه الرقود 2/ 59.
وقد نقل ابن عابدين عن الاسبيجابي فقال: «قال في غاية البيان: قيد بالكساد احترازاً عن الرخص والغلاء، لأن الإمام الإسبيجابي في شرح الطحاوي قال: وأجمعوا أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد»
(1)
.
وألزم ابن رشد من يقول بالرجوع للقيمة بإلزامات ثلاثة.
أولاً: أنه لا يجوز للمتبايعين فسخ العقد إذا كان الثمن والمثمن عروضاً -يعني إذا تغيرت القيمة- فإذا تغيرت القيمة كان العائد لأحدهما أكثر مما أعطى وهو ممنوع.
ثانياً: أنه أذا أبطل السلطان التعامل بالفلوس وأجرى الذهب والفضة فقط أنه يجب على من كان عليه دين بالفلوس أن يقضي دينه من الذهب والفضة. وهذا يؤدي إلى أن يلزم المدين بسداد دينه بعملة لم يلتزم بها.
ثالثاً: أن السلطان إذا أبدل المكاييل بأصغر أو أكبر أو الموازين بأنقص أو أوفى، أنه ليس للمبتاع إلا بالكيل الأخير وإن كان أصغر، وأن على البائع الدفع بالثاني أيضاً وإن كان أكبر. وهذا مما لاخفاء في بطلانه
(2)
.
(3)
.
فقوله: وشرطكما غير ذلك باطل فيه بيان أن أي شرط يختلف عن هذه القاعدة الشرعية وهي - رد المثل- باطل، سواء كان الاشتراط على رد القيمة، أو بطريقة الربط بمستوى سعر الذهب، أو السلع أو غير ذلك فكله باطل.
(1)
المصدر السابق.
(2)
حاشية الرهوني 5/ 119.
(3)
مواهب الجليل 4/ 341.
وقال السيوطي: «وقد تقرر أن القرض الصحيح يرد فيه المثل مطلقاً، فإذا اقترض منه رطل فلوس فالواجب رد رطل من ذلك الجنس، سواء زادت قيمته أم نقصت. أما في صورة الزيادة، فإن القرض كالسلم
…
وأما في صورة النقص فقد قال في (الروضة) من زوائده: ولو أقرضه نقداً، فأبطل السلطان المعاملة به، فليس له إلا النقد الذي أقرضه، نص عليه الشافعي رضي الله عنه.
فإن كان هذا مع إبطاله، فمع نقص قيمته من باب أولى»
(1)
.
(2)
.
وقال البهوتي: «إن الفلوس إن لم يحرمها وجب رد مثلها، غلت أو رخصت أو كسدت»
(3)
.
هذا هو رأي جماهير العلماء في الفلوس لدى المذاهب الفقهية. وهي نصوص صريحة واضحة، لا لبس فيها على أن الفلوس الثابتة في الذمة بسبب القرض، أو ثمن بيع مؤجل، أو صداق مؤخر، أنه ليس له إلا مثلها غلت أو رخصت، وهو نص الإمام مالك والشافعي، ومذهب أبي حنيفة. بل إن مالكاً والشافعي يقولان ذلك حتى في حالة الكساد. فإذا كان الأمر كذلك فهو في حالة الغلاء والرخص من باب أولى. وعليه فلا يجوز ربط القروض، والديون بمستوى الأسعار.
(1)
قطع المجادلة عند تغير المعاملة 1/ 97.
(2)
نهاية المحتاج 3/ 412.
(3)
كشاف القناع 3/ 315. وانظر: المغني 6/ 442.
ثالثها: تحرير أقوال العلماء الذين نسب لهم القول برد القيمة.
1 -
بالنسبة لما نسب لأبي يوسف من قوله برد قيمة الفلوس في القرض، أو البيوع المؤجلة في حالة غلاء الفلوس ورخصها، لم تروه عنه أشهر كتب الحنفية، كالمبسوط، والهداية، وفتح القدير، وبدائع الصنائع. بل نقلت إجماع الحنفية ومنهم الإمام وصاحباه على رد المثل
(1)
، وكذلك نقله الاسبيجابي
(2)
. والذي ذكرته في هذا الشأن هو مخالفة أبي يوسف لأبي حنيفة في مسألة كساد الفلوس في حالتي البيع والقرض، حيث قال أبو يوسف عليه القيمة.
(3)
(4)
.
وجاء فيه: بعد أن بين رأي أبي يوسف فيما إذا باع بفلوس ثم كسدت، وهو أن عليه القيمة ولا يفسد البيع. قال بعد هذا:«وفي المسألتين جميعاً إذا لم تكسد الفلوس غير أن قيمتها غلت أو رخصت لا يبطل البيع وعليه أن يدفع العدد الذي عينه منها»
(5)
.
(6)
.
(1)
فتح القدير 7/ 155 و 157، الهداية مع فتح القدير، بدائع الصنائع 5/ 242.
(2)
تنبيه الرقود 2/ 60.
(3)
المبسوط 14/ 29 و 30، تحفة الفقهاء 3/ 47، للسمر قندي، فتح القدير، الهداية، البدائع.
(4)
/ 155.
(5)
/ 157.
(6)
البدائع 5/ 242.
ويقول في القرض: «ولو لم تكسد ولكنها رخصت أو غلت فعليه رد مثل ما قبض بلا خلاف»
(1)
. أي بين الإمام وصاحبيه، لأن كلامه بعد بيان خلافهما في حالة الكساد.
(2)
.
والذي ذكر أن أبا يوسف يقول بالقيمة في حالة غلاء الفلوس ورخصها هو ابن عابدين، وقد نقل هذا عن كتاب المنتقى للحاكم الشهيد، وهو أصل من أصول مذهب الحنفية بعد كتب محمد بن الحسن
(3)
. والذي يظهر لي أن نسبة القول لأبي يوسف برد قيمة الفلوس حالة غلائها، أو رخصها محل نظر. لما يأتي:
1 -
كثرة عدد ناقلي الإجماع على رد المثل في حالة الغلاء والرخص
2 -
أن الكتب التي نقلت رد المثل، والتي قصرت خلاف الحنفية في الكساد، ولم تذكره في حالة الغلاء والرخص هي المعتمدة في نقل مذهب الحنفية. يقول ابن عابدين: عن المبسوط للسرخسي: «لا يعمل بما يخالفه، ولا يركن إلا إليه، ولا يفتي ولا يعول إلا عليه»
(4)
.
(1)
المصدر السابق.
(2)
/ 29 و 30.
(3)
المذهب عند الحنفية ص 74.
(4)
رد المحتار 1/ 70 الطبعة الثانية، م البابي الحلبي، سنة 1386 هـ-1966 م، وانظر: المذاهب عند الحنفية، ص 21، للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي.
3 -
ولأن نسبة القول برد قيمة الفلوس لأبي يوسف حالة غلائها ورخصها يتعارض مع لازم قوله، حيث علل في القول برد قيمة الفلوس حال كسادها ببطلان الثمنية. وفي حالة الغلاء والرخص لا تبطل الثمنية، وقد ذكر هذا من نقلنا نصوصهم من فقهاء الحنفية.
رابعها: على فرض التسليم بصحة نسبة هذا القول إلى أبي يوسف في غلاء الفلوس ورخصها، فإنه لا يصح قياس الحكم الذي قال به على انخفاض القوة الشرائية للنقود الورقية، لأن قوله معلل ببطلان الثمنية، قال السرخسي:«وإن استقرض عشرة أفلس ثم كسدت تلك الفلوس لم يكن عليه إلا مثلها في قول أبي حنيفة قياساً، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله قيمتها من الفضة استحساناً لأن الواجب عليه بالاستقراض مثل المقبوض والمقبوض فلوس هي ثمن» وبعد الكساد يفوت وصف الثمنية
…
»
(1)
.
وبصدد بقاء الثمنية في الفلوس في حالة غلائها أو رخصها يذكر السرخسي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، عقب النقل السابق عنه فيقول:«بخلاف ما إذا غلت أو رخصت لأن صفة الثمنية لا تنعدم بذلك، ولكن تتغير بتغير رغائب الناس فيها وذلك غير معتبر كما في البيع»
(2)
.
وهبوط القوة الشرائية للنقود الورقية في العصر الحاضر لا يلغي ثمنيتها، بل إنها تبقى أثماناً، ولا أحد يخالف في هذا، حتى القائلين بالربط، وبناءً عليه فلا يصح الاحتجاج بالقول المنسوب لأبي يوسف على فرض صحته.
خامسها: إن ما نسب لأبي يوسف من رد قيمة الفلوس حال غلائها أو رخصها، أو ذكره غيره بسبب منع السلطان لها. إنما هو حالة غلائها أو رخصها
(1)
المبسوط 14/ 29، وانظر: الهداية، وفتح القدير 7/ 157 و 158، رد المحتار 4/ 25، بدائع الصنائع 5/ 242.
(2)
المبسوط 14/ 30.
بالنسبة للذهب، أو الفضة، ولم يذكروا هذا بالنسبة لرخصها مقابل السلع، فلا يصلح هذا دليلاً للقول بجواز ربط القروض والديون، ونحوها بالمستوى العام للأسعار.
(1)
.
ويعترف بعض من كان يقول بالربط حين قوله به، هذا نص كلامه:«ثم إن المواطن الفقهية التي ركن إليها الاقتصاديون وانطلقوا منها في دراسة الربط لا تنبئ عن ربط لا من بعيد ولا من قريب، وإنما هي في كيفية المعالجة والتصرف حيال ما تم أو ما وقع، بعد أن انتهت الفترة الزمنية التي نشأت فيها هذه الحقوق، ومن الواضح أن الاعتماد على ذلك في الوصول إلى معرفة الربط أمر غير مأمون شرعاً، حيث كثيراً ما تكون هناك تفرقة وتمييز بين الحكم عند إتمام مقتضيات العقد وعند إنشاء العقد»
(2)
.
«والواقع أن الفلوس في الأزمنة المتقدمة كانت مرتبطة بنقود الذهب والفضة تقوَّم على أساسها، وتعتبر كالفكة للنقود الذهبية والفضية، وكانت عشرة فلوس
(1)
مسألة تغير العملة وربطها بقائمة الأسعار بحث للقاضي تقي الدين العثماني، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد 5 ج 3 ص 1862.
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، التضخم والربط القياسي، للدكتور شوقي أحمد دنيا عدد 8، ج 3 ص 605.
تعادل درهماً واحداً (في بعض العصور) من الفضة، فكان الفلس الواحد يعتبر عشر الدرهم الفضي، ولكن قيمة الفلس هذه لم تكن مقدرة على أساس قيمتها الذاتية، وإنما كانت قيمة رمزية اصطلح عليها الناس، فكان من الممكن أن يتغير هذا الاصطلاح، بأن يصطلح الناس على أن الفلس الواحد الآن يعتبر نصف عشر الدرهم بعد ما كان يعتبر عشره، فهذا هو المراد برخص الفلوس، كما يمكن أن يصطلح الناس على أن الفلس الواحد الآن يعتبر خمس الدرهم وهذا هو المراد بغلائها»
(1)
.
وما نسب للرهوني من المالكية فإنه غير دقيق، لما يأتي:
أ-أصل الخلاف جاء في بطلان الفلوس عند قول خليل (وإن بطلت فلوس فالمثل)
(2)
.
وذكر الرهوني رأي المالكية في وجوب رد المثل في الرخص والغلاء، وأنه لا خلاف في هذا وإنما الخلاف في الكساد. قال الرهوني:«ظاهر كلام غير واحد من أهل المذهب، وصريح كلام آخرين منهم أن الخلاف السابق محله إذا قطع التعامل بالسكة القديمة جملة، وأما إذا تغيرت بزيادة أو نقص فلا، وممن صرح بذلك أبو سعيد بن لب»
(3)
.
وذكر حجة مقابل المشهور في وجوب القيمة، وتعليلهم في الكساد بقصد رد هذه الحجة فقال: وقد يظهر بادئ الرأي أن مقابل المشهور أولى، لما علل به قائله من أن البائع إنما بذل سلعته في مقابلة منتفع به، لأخذ منتفع به، فلا يظلم بإعطائه
(1)
مسألة تغير العملة وربطها بقائمة الأسعار.
(2)
مختصر خليل مع حاشية الرهوني عليه 5/ 118.
(3)
حاشية الرهوني 5/ 121.
ما لا ينتفع به، وليس كذلك بل المشهور هو الذي يظهر وجهه، لأن ذلك مصيبة نزلت به
(1)
.
ب- قول الرهوني بعد العبارة السابقة: «قلت» وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر ذلك جدا حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه لوجود العلة التي علل بها المخالف
(2)
…
قال الشيخ محمد السلامي ظن كثير من الباحثين -بناء على هذا النص- أن الرهوني يقول بالقيمة أو يؤيد القائلين بها، وهذا غير صحيح، لأن الرهوني إنما ذكره بحثاً ملزماً للقائل بالقيمة في حالة الانقطاع، أي أن من يقول بالقيمة في حالة الانقطاع، وبناءً على علته ينبغي عليه أن يسحب الحكم-أي القول بالقيمة- إذا كان التغير كبيراً جداً، لوجود العلة التي علل بها. أي أنه لما كان لا فائدة من الفلوس عند انقطاع التعامل بها فكذلك لا فائدة منها إذا رخصت رخصاً كبيراً حتى إن القابض لها كالقابض لما لا كبير فائدة فيه. وجعل هذا إلزاماً للمخالف ثم كر على هذا القول بإبطاله
(3)
.
يؤيد ما ذكرناه رد الرهوني على من يقول برد القيمة في حالة انقطاع الفلوس، وهم ابن عتاب وعبدالحميد الصائغ، فقال: «وليس ضرر البائع هنا بأشد من ضرر من باع سلعة
…
معين مثلاً فمات بيد صاحبه قبل أن يدفعه للبائع، ونحو ذلك من المسائل الكثيرة مع أنهم راعوا حق البائع ولم يراعوا حق المشتري، والإمام وأتباعه لم يلتفتوا إلى هذه العلة التي اعتمدوا عليها في مخالفتهم، مع أنها كانت موجودة في زمانهم فلو كان للصائغ وابن عتاب ومن وافقهما دليل من
(1)
حاشية الرهوني 5/ 121.
(2)
المصدر السابق.
(3)
تعقيب الشيخ محمد المختار السلامي على بحث الدكتور عبد الستار أبو غدة، الاتجاهات الشرعية لمعالجة التضخم ص 3. والشيخ السلامي مفتي تونس، وهو فقيه مالكي.
كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، أو حدث سبب لما قالوه لم يكن موجوداً وقت الإمام فمن بعده من الأئمة لكان لهم عذر في المخالفة لإمامهم الذي التزموا مذهبه أما مع انتفاء ذلك كله فلا عذر لهم»
(1)
.
وبالنسبة لما نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية من أنه يقول برد القيمة في الفلوس إذا غلت أو رخصت، فهو محل نظر من وجوه:
1 -
لم نجد لشيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه قولاً برد قيمة الفلوس حالة غلائها أو رخصها.
2 -
ما ذكره الشيخ أبو بطين ليس فيه التصريح بأن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى رد القيمة في الغلاء والرخص مع عدم تحريم السلطان. وإنما فهمه من كلام شيخ الإسلام. ولم يورد نصاً من كلامه حتى يكون واضحاً لا لبس فيه.
3 -
حيث إن الشيخ أبا بطين ومن تبعه من المشايخ قد اعتمدوا في نسبة هذا القول إلى شيخ الإسلام ابن تيمية على كتاب شرح المحرر، وعلى مفردات الإمام أحمد. فسننقل هذه النصوص من أصليهما، ونناقشها ليتبين مدى دلالة هذه النقول على نسبة هذا القول لشيخ الإسلام، من عدمه.
قال ناظم المفردات:
والنص بالقيمة في بطلانها
…
لا في ازدياد القدر أو نقصانها
بل إن غلت فالمثل فيها أحرى
…
كدانق عشرين صار عشرا
قال الشارح: «يعني أن النص في رد القيمة إنما ورد عن الإمام (أحمد) فيما إذا أبطلها السلطان فمنع المعاملة بها، لا فيما إذا زادت قيمتها أو نقصت مع بقاء
(1)
حاشية الرهوني.
التعامل بها، وعدم تحريم السلطان لها، فيرد مثلها سواء غلت أو رخصت أو كسدت وسواء كان الغلو أو الرخص كثيراً بأن كانت عشرة بدانق فصارت عشرين بدانق وعكسه، أو قليلاً لأنه لم يحدث فيها شيء إنما تغير السعر فأشبه الحنطة إذا رخصت أو غلت»
(1)
.
وشيخ الإسلام فتى تيمية قال: قياس القرض عن جليه
والطرد في الديون والصداق وعوض في الخلق والإعتاق
والغصب والصلح عن القصاص ونحو ذا طرا بلا اختصاص
أي قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «في شرح المحرر: قياس ذلك أي القرض فيما إذا كان مكسرة أو فلوساً وحرمها السلطان وقلنا برد قيمتها في جميع الديون من بدل المتلف والمغصوب والصداق والفداء والصلح عن القصاص والكتابة» انتهى
(2)
.
فقول شيخ الإسلام في كتاب شرح المحرر، الذي ذكره ناظم المفردات، ووضحه شارحها الشيخ منصور البهوتي واضح في أنه يقول برد القيمة في الفلوس، والدراهم المكسرة حالة تحريم السلطان لها، لكنه لا يقصرها على القرض، وقيمة المبيع، وإنما يقيس عليها جميع الديون من بدل المتلف، والمغصوب والصداق، والفداء والصلح عن القصاص، والكتابة، فالفرق بينه وبين المذهب عند الحنابلة، أن الحنابلة يقصرون القول بالقيمة في حالتي القرض وقيمة المبيع. أما شيخ الإسلام فيقيس عليها ما سبق بيانه.
قال ناظم المفردات:
وخرج القيمة في المثلي
…
بنقص نوع ليس بالخفي
واختاره وقال عدل ماضي
…
خوف انتظار السعر بالتقاضي
(1)
المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد 2/ 388.
(2)
المصدر السابق.
(1)
.
ومعنى كلام شيخ الإسلام السابق، هو أن النص عن الإمام أحمد أن الدراهم المكسرة إذا أقرضت ثم منع السلطان التعامل بها، فالواجب على المقترض رد قيمتها. ويرى ابن تيمية أنه يتخرج على هذا الحكم وهو رد القيمة سائر المتلفات كالغصب. كل هذا في حالة منع السلطان التعامل بها. ومفهومه أنه إذا لم يمنع التعامل بها يبقى الحكم على أصله، وهو رد المثل. ثم يعلل لتخريجه، فيقول: «فإنه معلوم أنه ليس المراد عيب الشيء المعيب
…
فإذا أقرضه أو غصبه طعاماً، فنقصت قيمته فهو نقص النوع فلا يجبر على أخذه ناقصاً فيرجع إلى القيمة» ورأي شيخ الإسلام في رد القيمة هنا خاص بالطعام سواء في حالة القرض أو الغصب، لأنه لم يذكر الفلوس هنا ولا يمكن أن نحمل كلامه ما لا يحتمل، ويمكن أن يقيد ذلك في المثليات، بدليل قوله:«وكذلك إذا نقصت القيمة فيما ذكروا في جميع المثليات» .
(1)
المنح الشافيات 2/ 392، 391.
وما ذكره من أنه ليس المراد عيب الشيء المعين، فإنه ليس هو المستحق وإنما المراد عيب النوع، والأنواع لا يعقل عيبها إلا نقصان قيمتها. «هذا القول» يمكن أن يتعلق به من يرى أن شيخ الإسلام يرى التعويض في نقص القيمة ولكن كلامه معمول على نقصان القيمة بسبب تحريم السلطان لها، لأنه بصدد الرد على من قصر الرد في حالة الكساد بتحريم السلطان على نوع معين من الديون وهو الثمن المعين والقرض، فهو يقول إذا كان الكساد عيباً ووجب الرد في هذه الأنواع فيجب في الأنواع الأخرى لأننا إذا حصرنا الرد فيما ذكره الأصحاب حصرنا العيب في المعين وهو ليس كذلك بل هو عيب في النوع كله، أي النقود التي حرمها السلطان»
(1)
.
وربما كان هذا رداً على القاضي أبي يعلى ومن تابعه من الحنابلة، الذين لم يعتبروا تحريم السلطان للنقود مع وجود الرواج
(2)
، لأن الرواج عندهم كان في استقرار الثمنية، فلا يعدون تحريم السلطان عيباً في النقد.
فلعل قول شيخ الإسلام رد على هذا الفريق، لأنه يعد تحريم السلطان للنقد عيباً فيها يوجب القيمة.
4 -
إن كلام الناظم جاء في بطلان التعامل بالنقد، وليس فيه ذكر القيمة. بل نص على أن الخلاف ليس فيها
(3)
فقال:
والنص بالقيمة في بطلانها
…
لا في ازدياد القدر أو نقصانها
(1)
الأوراق النقدية ص 558.
(2)
المغني 6/ 442.
(3)
أحكام الأوراق النقدية ص 552.
وبعد عرض ما سبق من نقول عن شيخ الإسلام، ودراستها، يتبين أنه ليس هناك قول لشيخ الإسلام ابن تيمية برد القيمة في البيع أو القرض، إذا رخصت الفلوس، أو غلت. وإنما قوله بهذا في حالة بطلانها، أو منع السلطان التعامل بها. وانه يلحق بها - والحالة هذه- جميع الديون، من بدل المتلف والمغصوب، والصداق، والفداء، والصلح عن القصاص، والكتابة.
وجاء في المحرر لمجد الدين ابن تيمية: «وإذا أقرضه فلوساً أو مكسرة فحرمها السلطان. فله قيمتها وقت القرض»
(1)
.
يؤيد ما ذكرناه أن كثيراً من فقهاء الحنابلة المتأخرين ذكروا قول شيخ الإسلام في المسألة، ولم يذكروا عنه أنه يقول بالرد في القيمة، يقول البهوتي في القرض: «فإن ردها عليه لزمه قبولها إن كان مثلياً وهو المكيل والموزون وإلا فلا، ولو تغير سعره (ولو ينقص) ما لم يتعيب كحنطة ابتلت أو عفنت فلا يلزمه قبولها لأن عليه فيه ضرراً لأنه دون حقه (أو) يكن القرض (فلوساً أو) يكن دراهم (مكسرة فيحرمها) أي يمنع من المعاملة بها (السلطان) أو نائبه سواء اتفق الناس على ترك المعاملة بها أو لا لأنه كالعيب فلا يلزمه قبولها (فله) أي للمقرض (القيمة) عن الفلوس والمكسرة في هذه الحال (وقت قرض) سواء كانت باقية أو استهلكها وسواء نقصت قيمتها قليلاً أو كثيراً، والمغشوشة إذا حرمها السلطان كذلك، وعلم منه أن الفلوس إن لم يحرمها وجب رد مثلها غلت أو رخصت أو كسدت وتكون قيمة ذلك من غير جنسه إن جرى فيها ربا فضل كما لو أقرضه دراهم مكسورة فحرمها السلطان أعطى قيمتها ذهباً، حذراً من ربا الفضل (وعكسه بعكسه) فلو أقرضه دنانير مكسورة فحرمها السلطان أعطى قيمتها فضة (كذا)
(1)
/ 335.
الحكم المذكور (لو كانت) الفلوس أو المكسرة التي حرمها السلطان ثمناً معيناً في عقد بيع لم يقبضه البائع في وقت عقد على مبيع حتى حرمها السلطان أو رد المشتري مبيعاً لعيب أو خيار مجلس أو شرط أو تدليس ورام أخذ ثمنه وكان فلوساً أو مكسرة فحرمها السلطان فله قيمتها يوم عقد من غير جنسه أن جرى بينهما ربا فضل، وكذا سائر الديون كعوض خلف
…
ومتلف من غصب ونحوه وأجرة ونحوها كما أشار إليه الشيخ تقي الدين قال: وإذا كان المقرض ببلد المطالبة تحرم المعاملة به في سيرة السلطان. فالواجب على أصلنا: القيمة؛ إذ لا فرق بين الكساد لاختلاف الزمان أو المكان إذ الضابط أن الدين في الذمة كان ثمناً فصار غير ثمن»
(1)
.
وهذا النقل يؤيد ما سبق أن ذكرنا أن شيخ الإسلام يقول بالقيمة في حالة تحريم السلطان لها في جميع الديون، بينما قصره الحنابلة على بدل القرض والثمن المعين، والقاعدة التي ورد ذكرها توضح المقصود؛ إذ ليس نقص القيمة مع بقاء التعامل ملغياً لوجود وصف الثمنية.
والقاعدة المذكورة، الظاهر أنها من كلام شيخ الإسلام، لأن البهوتي قال: كما أشار إليه الشيخ تقي الدين. قال: ثم ذكرها، فالقول راجع إلى أقرب مذكور وهو الشيخ تقي الدين. وإن كانت من كلام البهوتي فهو أولى من فهم متأخري الحنابلة الذين نقل عنهم صاحب الدرر السنية
(2)
.
ويقول الشويكي: في القرض «وله طلب بدله فإن رده المقترض بعينه لزم قبوله إن كان مثلياً وإلا فلا ما لم يتعيب أو يكن فلوساً أو مكسرة أو نقداً فيحرمها
(1)
كشاف القناع 3/ 314 و 315.
(2)
أحكام الأوراق النقدية ص 553.
السلطان فله القيمة من غير جنسه إن جرى فيه ربا فضل وقت قرض نصاً وكذا ثمناً معيناً لم يقبضه البائع في بيع أو رد مبيعاً وأخذ الثمن وإن لم يحرمها بل غلت أو رخصت رد المثل قال أبو العباس وقياسه سائر الديون كصداق وعوض خلع
…
وغصب وصلح عن قصاص ونحوه»
(1)
.
ومن الحنابلة من يهتم بآراء شيخ الإسلام كصاحب الفروع وصاحب المبدع، ومع ذلك لم يذكروا شيئاً عنه في الغلاء والرخص
(2)
.
وبعد النقول السابقة يتبين أن رأي شيخ الإسلام منصب على تحريم السلطان للنقود المكسرة، والفلوس، وليس لنقص القيمة دخل في ذلك مع الرواج.
وهو يناقش الحنابلة في قصرهم على نوعين من الديون، مع أن العيب الذي ذكروه يجري في غيرهما. كما أنه لم ينص الناظم، ولا الشارح على أن شيخ الإسلام يرى التعويض في نقص القيمة مع بقاء التعامل، يؤيد هذا أن النقد مع بقاء التعامل به ولو انخفضت قيمته، فيه مانع يمنع من رد قيمته، وهو الوقوع في الربا ولا يمكن لشيخ الإسلام أن يقول بهذا، لأنه يرى وقوع الربا في الفلوس، ولأن العلماء يحتاطون في ذلك فيوجبون في حالة تحريم السلطان للنقد القيمة من خلاف الجنس، لئلا يلزم الربا، ولأن التغير في النقود لا بد منه، ولا يمكن أن يستقر النقد على سعر واحد من يوم البيع إلى يوم السداد، حتى في الذهب والفضة.
سادساً: لا يمكن قياس الأوراق النقدية على الفلوس لما يأتي:
1 -
النقود الورقية في هذا العصر هي النقد الوحيد في جميع دول العالم، حتى إن الذهب والفضة لم يعودا وسيطاً للتبادل، وبقي الورق النقدي وحده قائماً بهذه
(1)
التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح، لشهاب الدين أحمد بن محمد الشويكي، مصور بمركز البحث العلمي، بجامعة أم القرى، رقم 98، فقه حنبلي، لوحة 137/ أ وانظر: أحكم الأوراق النقدية ص 454.
(2)
المصدر السابق.
المهمة. بينما الفلوس جمع فلس، بسكون اللام وفتح السين هي «أدنى ما يتعامل به»
(1)
ويسمى في الشام قرشاً، وفي السعودية هللة، وفي مصر والسودان مليماً، وفي العراق فلساً، وفي اليمن بقشة، وفي المغرب والجزائر بيزا أو بسيطة، وفي اليونان دراخماً، وفي إنجلترا وأمريكا بنساً (2). ثم صارت عملة مساعدة مع الدراهم والدنانير. يقول المقريزي:«يجعلون بإزاء هذه المحقرات نحاساً يضربون منه قطعاً صغاراً تسمى (فلوساً) لشراء ذلك، ولا يكاد يوجد منها إلا اليسير، ومع ذلك فإنها لم تقم أبداً في شيء من هذه الأقاليم بمنزلة أحد النقدين قط»
(2)
، واختلف رواجها من إقليم إلى آخر من الدولة الإسلامية، فأصبحت في بعض الأقاليم من أعز النقود، لكنها على كل حال لم تصل إلى ما وصلت إليه الأوراق النقدية في هذه العصور، لا من حيث انفرادها بالنقدية، ولا من حيث قبولها، ولا من حيث عمومها في جميع دول العالم، ولا من حيث المدة الزمنية، فهي لا تساويها، فضلاً عن أن تتفوق عليها، ولهذا لا يصلح قياس الأعلى على الأدنى، فلا يجعل الأدنى أصلاً، والأعلى فرعاً. كما لا يجوز أن يكون الأصل ظنياً، والفرع قطعياً.
2 -
الورق النقدي نقد مستقل، يلحق بالذهب والفضة في جميع الأحكام، وإلحاقه بالفلوس لا يستقيم على أصول الإلحاق الصحيحة، لأن بالفلوس عند أبي حنيفة، وأبي يوسف - وهو الفقيه الذي ينسب له القول برد قيمة الفلوس حال رخصها أو غلائها- وصفاً يمنع من الإلحاق، وهو أنهما يعدّانها في حالة الرواج عروضاً. جاء في بدائع الصنائع في مسألة رأس مال الشركة: «وأما الفلوس فإن كانت كاسدة فلا تجوز الشركة ولا المضاربة بها، لأنها عروض. وإن كانت نافقة
(1)
المجموع 14/ 193.
(2)
إغاثة الأمة بكشف الغمة ص 74 و 75، مطبوع مع النقود العربية والإسلامية، للكرملي.
فكذلك في أشهر الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وأبي يوسف»
(1)
. وفي الهداية: «وأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لا تجوز الشركة والمضاربة بها لأن ثمنيتها تتبدل ساعة فساعة وتصير سلعة»
(2)
.
المطلب الثاني: مناقشة أدلة المانعين للربط بالذهب أو بمستوى الأسعار:
أولاً: إن منع المانعين للربط بناءً على الأحاديث التي تشترط المثل يناقش بأن المثل يتحقق بإعادة القيمة الحقيقية
(3)
.
ويرى البعض أن الفقهاء الذين منعوا التعويض لم تكن علة المنع عندهم إفضاؤه إلى الربا، ولكن لعدم ثبوت موجب ضمانه لديهم، أي ما يترتب في ذمة المدين هل هو الشكل الصوري، (أي مقدار الدين، أو القرض) أم أنه القيمة الحقيقية
(4)
، ويضيف صاحب هذا القول:«بأنه إذا قيل بأن سداد الدين وفقاً للقيمة الحقيقية للنقود يعد من قبيل الربا، فإن سدادها وفقاً للقيمة الاسمية يعد أيضاً من قبيل الربا، لأن الزيادة أو النقصان يتساويان من حيث الحكم في حالة الربا»
(5)
. ويستشهد صاحب هذا القول بما ذكره ابن قدامة: «وإن شرط في القرض أن يوفيه أنقص مما أقرضه، وكان ذلك مما يجري فيه الربا لم يجز لإفضائه إلى فوات المماثلة فيما هي شرط فيه .. ولنا أن القرض يقتضي المثل فشرط النقصان يخالف مقتضاه فلم يجز كشرط الزيادة»
(6)
.
(1)
/ 59.
(2)
/ 170.
(3)
ربط المعاملات بتغيير الأسعار ص 24، سبق بيان معنى القيمة الحقيقية، والاسمية في المبحث الأول.
(4)
آثار التغيرات في قيمة الدين ص 375.
(5)
المصدر السابق ص 377.
(6)
المغني 6/ 439.
والجواب على هذا كما يأتي:
بالنسبة لقولهم إن المراد بالمثل القيمة الحقيقية غير صحيح، ومن نافلة القول إن الآراء التي تنسب للفقه الإسلامي، لا ينبغي أن تطلق جزافاً، وكيفما اتفق، وإنما يجب أن تكون خاضعة لنصوص الشريعة، وقواعدها، كما يجب أن يكون التفسير اللغوي خاضعاً لقواعد اللغة العربية. وقد بين الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية الحنابلة أن المثل يتحقق بالكيل، أو الوزن، أو العدد. على تفصيل بينهم
(1)
. وأما القيمة: «فهي ما توافق مقدار مالية الشيء، وتعادله بحسب تقويم المقومين»
(2)
. ومن هنا يتضح أن هناك فرقاً كبيراً بين المثل والقيمة، وأنه لا يدخل أي منهما في مدلول الآخر، لأن المثل قائم على معايير دقيقة، الكيل، والوزن، والعد، أما القيمة فقائمة على التقويم، وهو التقدير.
وإذا أريد للمثل أن يعطي معنى القيمة فإنه حينئذ يحتاج إلى إضافة فيقال ثمن المثل. أما إذا أطلق كما في أحاديث الربا فلا يراد به إلا ما بيناه
(3)
.
يدل على ما ذكرنا من أن القيمة لا تحقق معنى المثل المذكور في أحاديث الربا ما رواه أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر، فجاء بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» قال لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَا تَفْعَل، بِعِ الجَمْعَ بالدَّراهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنيبًا» متفق عليه
(4)
.
(1)
انظر تفصيل هذا الموضوع في المبحث الأول.
(2)
المعاملات الشرعية المالية ص 135.
(3)
انظر تفصيله في المبحث الأول.
(4)
صحيح البخاري بشرحه 4/ 399، صحيح مسلم بشرحه 4/ 105، سبق تخريجه وبيان معاني غريبه في المبحث الرابع.
فهذا عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر كان يشتري التمر الطيب، وهو الجنيب، بالتمر الرديء، وهو الجمع، وكانت قيمة الصاع من الجنيب تساوي صاعين من الجمع، فظن أن تساويهما في القيمة مبيح لشراء التمر الطيب بالتمر الرديء وإن تفاضلا في المعيار الشرعي وهو الكيل، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاه عن هذه المعاملة، فدل على عدم جوازها، وأن التساوي في القيمة لا يعني التماثل المطلوب في الحديث الشريف وهو الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن، والعد فيما بعد.
وقد أكد هذا المعنى أحاديث كثيرة منها، قوله صلى الله عليه وسلم:«الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، فمَن زادَ أوِ اسْتَزادَ فَهو رِبًا»
(1)
. فنص الحديث على عدم جواز بيع الذهب أو الفضة إلا بالوزن، دال على أن المراد بالمثل المساواة في المعيار الشرعي، وهو الكيل، أو الوزن أو العدد، وليس المساواة في القيمة
(2)
.
وما قيل من أن الفقهاء الذين منعوا التعويض لم تكن علة المنع عندهم إفضاؤه إلى الربا، ولكن لعدم ثبوت موجب ضمانه لديهم، أي هل هو المقدار المقرض؟ والذي يسميه الباحث الشكل الصوري أم القيمة الحقيقية؟
فالجواب عنه فيما يلي:
1 -
أما موجب ضمان القرض فهو ثابت عند الفقهاء أنه المثل. ولو كان موجب الضمان متردداً بين أمرين لوجدتهم قد اختلفوا فيه، لكن جماهير العلماء في مختلف العصور قالوا: بوجوب رد المثل، لا القيمة، هو ما يشبه الإجماع. ولم يشتهر القول برد القيمة إلا عن أبي يوسف. فدل على أن المانعين للربط لا يختلفون في موجب الضمان.
(1)
صحيح مسلم بشرحه 4/ 99.
(2)
سبق أن بسطنا الكلام في هذا الموضوع، وأوردنا مزيداً من الأدلة في المطلب الأول من هذا الكتاب.
2 -
أما أنهم منعوا التعويض لا لإفضائه إلى الربا. فهذا القول مردود، لأن ربا القرض شامل للنقود وغيرها، فكل مقترض مع زيادة فهو ربا، ومنه الفلوس بالفلوس.
3 -
اختلف الفقهاء في ثمنية الفلوس، ومع هذا منعوا التعويض في نقص قيمتها. واتفق الفقهاء المعاصرون على جريان الربا في النقود الورقية. إلا من لا اعتداد برأيه. فهب أن منع الفقهاء من التعويض في الفلوس لا لأجل الربا، فهل تكون النقود الورقية ملحقة بالفلوس من حيث عدم جريان الربا فيها حتى يتسنى لنا القول بأن التعويض لا علاقة له بالربا؟
(1)
.
4 -
ما قاله الباحث من أنه إذا كان سداد الدين بالقيمة الحقيقية للنقود يعد من قبيل الربا فإن سدادها بالقيمة الاسمية يعد من قبيل الربا أيضاً غير صحيح. وهذا قياس فاسد يشبه قول أهل الجاهلية «إنما البيع مثل الربا» فسدادها بالقيمة الحقيقية ربا لأنه لا يؤدي إلى التماثل المشروط في الأموال الربوية، لأن القيمة الحقيقية لا تعتمد المعايير الشرعية، وإنما تعتمد التقدير بناء على تقويم المقومين.
وسبق أن بينا أن الأموال الربوية لا يصح فيها الظن بالتماثل، لقيامه على الخرص، كما في بيع المزابنة والمحاقلة
(2)
، الثابت النهي عنهما بأحاديث صحيحة
(3)
.
وأما سدادها بثمنها، وهو المعلوم مقدار عددها فهو جائز. وقول الباحث: إنه ربا، بناء على تفسيره بأنه ناقص عن قيمة الدين، لأنه بسبب هبوط قيمة النقود الشرائية يجعله أقل من مقدار الدين غير صحيح، لأن سداد الديون في الأموال
(1)
أحكام الأوراق النقدية ص 575.
(2)
انظر في معنى المزابنة والمحاقلة: حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقترض بفوائد، للدكتور صالح المرزوقي، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، عدد 21، ص 98.
(3)
انظر: صحيح البخاري بشرحه 4/ 384، صحيح مسلم بشرحه 4/ 36 و 37، المنتقى للباجي 4/ 243.
الربوية يجب أن يكون بنفس المقدار عدداً، أو كيلاً، أو وزناً، ولا اعتبار لزيادة القيمة أو نقصها. وقد نقلنا كثيراً من نصوص الفقهاء التي تؤكد هذا القول، ومنها قول ابن قدامة حيث قال: «قد ذكرنا أن المستقرض يرد المثل في المثليات سواء رخص سعره أو غلا أو كان بحاله
…
(إلى أن قال): وأما رخص السعر فلا يمنع ردها، سواء كان كثيراً، مثل أن كانت عشرة بدانق، فصارت عشرين بدانق، أو قليلاً
…
»
(1)
.
وأما استشهاده بما نقله عن ابن قدامة، فهو حجة عليه لا له، لأن القائلين بأن المثل هو نفس مقدار الدين كيلاً، أو وزناً، أو عدداً يوجبون رده بنفس مقداره، فكما أنهم لا يجيزون رده بزيادة لا يجيزون رده ناقصاً. وهذا متفق مع كلام ابن قدامة رحمه الله، ويؤيده ما نقلناه عنه قبل قليل. إذا رد الدين بنفس المقدار فإنه يكون مثلاً بمثل، ولا يقال في حالة هبوط القيمة الشرائية للنقود إنه رده ناقصاً، ولا في حالة ارتفاع القيمة الشرائية للنقود إنه رده زائداً. لأن الأحكام الشرعية منوطة بأمور ثابتة، مثل اشتراط المثل في الربويات، ولا تناط بأمور تؤدي إلى الاختلاف، والاضطراب، مثل القيمة، ومثل إباحة الفطر في رمضان، فإنه منوط بالسفر، ولم ينط بالمشقة، لأنه لو أنيط بالمشقة لاختلف مقدار المشقة من شخص لآخر، ثم إن العامل الذي يعمل في الصيف في بلاد حارة أكثر مشقة ممن يسافر بالطائرة.
ثانياً: وأما قولهم: إن ربط المعاملات بمستوى الأسعار يتضمن الجهل والغرر، فإن جميع عقود الاستثمار الإسلامية تتضمن قدراً من الجهل والغرر بدرجات متفاوتة. وخاصة إذا ما حلت اتفاقية المشاركة في الربح والخسارة محل الفائدة
(2)
.
(1)
المغني 6/ 441 - 442.
(2)
ربط القيمة بتغير الأسعار ص 36، استعراض للمؤلفات الإسلامية حول ربط المعاملات بتغيير الأسعار ص 24.
فجوابه أن يقال: أما أن عقود الاستثمار الإسلامية تتضمن قدراً من الجهل فهذا فيه تفصيل. فعقود الاستثمار كالبيع والإجارة والسلم والشركة وغير ذلك، لا بد فيها من العلم النافي للجهالة، وإن كان العلم في كل شيء بحسبه.
وأما الغرر، فاليسير منه مغتفر، وهو ما لا يؤدي إلى النزاع والخصومة. وأما الغرر الفاحش فهو مفسد للعقد ومنه الغرر الناتج عن ربط الحقوق بمستوى الأسعار، لأن ثمن المبيع يصبح غير معلوم المقدار، وكذلك لا يعلم مقدار وفاء القرض، وأي غرر أفحش من هذا.
والشركة ليس فيها غرر، لأنه يشترط فيها العلم بنصيب كل من الشركاء من الربح، كالربع، أو النصف على الراجح من أقوال الفقهاء، وهو مذهب الحنفية والحنابلة
(1)
.
والذين لم يشترطوا هذا وهم المالكية والشافعية
(2)
، لأنهم يرون قسمة الأرباح والخسائر على قدر المال، فحيث إنه يوجد أصل تتم القسمة على أساسه أغنى عندهم عن ذكر هذا الشرط.
وقد اتفق الفقهاء على وجوب بيان حصة المضارب من الربح فيها
(3)
، أما نصيب رب المال فلا يشترط بيانه، لأنه معلوم المقدار، وهو أن له الزائد عن نصيب المضارب المعلوم بالشرط
(4)
.
(1)
درر الحكام 3/ 370، مجلة الأحكام العدلية، مرشد الحيران م 638 بدائع الصنائع 8/ 3601 و 3602 م الإمام، كشاف القناع 3/ 498، الإنصاف: 5/ 412، شرح منتهى الإرادات 2/ 321، شركة المساهمة في النظام السعودي للدكتور صالح المرزوقي ص 174 - 179، طبعة شركة العبيكان.
(2)
الشرح الكبير للدردير 3/ 281، مغني المحتاج 2/ 215.
(3)
البحر الرائق 7/ 264، الشرح الكبير للدردير 3/ 463 وما بعدها، تحفة المحتاج 6/ 89 م، مصطفى محمد، كشاف القناع 3/ 508، المحلى 9/ 117.
(4)
كشاف 3/ 509، 510.
أما ما يظنه المناقش من أن عدم معرفة مقدار نصيب الشريك، أو المضارب يعد غرراً، فيجاب عليه: بأن الغرر ينتفي بعلم الشريك بنسبة حصته من الربح، وأما العلم بمقداره، كتحديد ربح السهم بثلاثين ريالاً، أو تحديد نصيب المضارب بعشرة آلاف، فإن هذا مفسد لعقد الشركة، أو المضاربة بالإجماع
(1)
، لأنهما تقتضيان الاشتراك في الربح، وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح، وذلك لأنه يحتمل أن لا تربح الشركة فيأخذ من شرط له المبلغ المحدد جزءاً من رأس المال، وقد تربح الشركة كثيراً فيتضرر من شرط له المقدار المحدد
(2)
.
(1)
الإجماع ص 85، لابن المنذر.
(2)
المبسوط 22/ 22، درر الحكام، شرح المنتهى.
المبحث الخامس
الترجيح
بعد عرض أدلة الفريقين، ومناقشتها فالراجح عندي عدم جواز ربط الديون والقروض، ونحوهما بالذهب أو الفضة، أو بعملة من العملات، أو بسلعة من السلع أو بمستوى الأسعار، وذلك لقوة أدلة هذا القول، وسلامتها من الإيراد عليها، ولعدم ثبوت أدلة دعاة الربط أمام المناقشة.
لأن ربط القروض والديون ونحوهما بهذه النقود أو السلع ربا؛ حيث يرد المقترض والمستدين أكثر مما أخذ، إذا كانت نسبة التضخم مرتفعة، أو أقل مما أخذ إذا كانت الحالة الاقتصادية فيها انكماش، فهو مصادم للأحاديث الصحيحة، ومنها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» قال لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَا تَفْعَل، بِعِ الجَمْعَ بالدَّراهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنيبًا»
(1)
وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث «أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا» .
فقد كانت قيمة صاع من الجنيب تساوي صاعين من الجمع، فظن عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تساويهما في القيمة مبيح لشراء أحدهما بالآخر وإن تفاضلا في المعيار الشرعي، وهو الكيل، فجاء الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن هذا البيع، وأنه لا يصح إلا بالتماثل في الكيل، أو الوزن، أو العدد، وأنه لا اعتبار بالتساوي في القيمة.
ومن جهة أخرى فهو غير صحيح، لأنه يقوم على التقدير وتقويم السلع، والشريعة الإسلامية تمنع بيع الأموال الربوية بعضها ببعض، إذا كان البيع قائماً
(1)
سبق إيراده كاملاً، وتخريجه، وبيان معاني غريبه، انظر: ثالثاً من المبحث الرابع.
على الخرص، كما في نهيها عن بيع المحاقلة، والمزابنة، لأنه لا يحقق التماثل ولأن الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.
بل إنه سيتطور إلى أسلوب استثماري ربوي، وستفضله بعض المصارف الربوية لتجعل ودائعها على أساس الربط القياسي، في حالة التضخم الجامح، بدلاً من سعر الفائدة الربوية الحالية «بل إنه سيفتح باب الربا على مصراعيه»
(1)
. ويعترف بعض دعاة الربط بهذا
(2)
.
والاحتجاج بقاعدة لا ضرر ولا ضرار، والضرر يزال، أجيب عليها بأن الضرر لا يزال بضرر مثله، وكيف يحمل المدين والمقترضون آثار نقص ليس من فعلهم.
بل إن الربط يفضي إلى مزيد من الظلم، لأنه يحمي الدائنين على حساب المدينين، الذين ليسوا سبباً في ارتفاع التضخم، والدائنون هم الأثرياء الموسرون، والمدينون هم في غالب الأحوال المستثمرون، الذي ينفعون المجتمع بتوليد الثروة، وإيجاد فرص العمل للناس، وكذا الأفراد ذوي الدخول المتدنية الذين يشترون حاجاتهم الأساسية بالتقسيط.
يضاف إلى ذلك أن ربط ديون الحكومة بالمستوى العام للأسعار يزيد من تكلفة الدين الحكومي؛ حيث إن الفائدة التي تدفع على السندات الحكومية تقل في كل دول العالم تقريباً عن معدل التضخم، بسبب تدني مستوى المخاطرة في تلك السندات، فإذا ربطت هذه السندات بالمستوى العام للأسعار زاد ما تدفعه الحكومة من ربا على هذه الديون، وهذا يؤدي بدوره إلى لجوء الحكومة إلى زيادة
(1)
ربط المعاملات بتغير الأسعار ص 20، تعقيب الدكتور نجاة الله صديقي.
(2)
دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي ص 261.
الضرائب على الناس، أو تخفيض الإنفاق العام، مثل بناء المدارس والمستشفيات ونحوها من أجل تغطية ذلك الالتزام الناشئ عن الربط بالمستوى العام للأسعار أو نحوه، أو التوسع في الإصدار النقدي بطريقة تؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم، وبالتالي زيادة تدهور القوة الشرائية للنقود، وهذا ظلم على ظلم.
وإذا طبق الربط في المصارف الربوية فإن الودائع بكل أنواعها ستزيد بمقدار ارتفاع الأسعار، مما يضطر هذه المصارف إلى رفع سعر الفائدة على القروض بأنواعها، وهذا يؤدي بالمستثمرين الذين يقترضون من هذه المصارف إلى زيادة الأسعار على المستهلكين، لتقابل هذه الزيادة زيادة الفوائد الربوية.
وبالنسبة للمصارف الإسلامية ستضطر إلى زيادة حصتها من أرباح عقود المرابحة، والذي يؤدي إلى انخفاض عدد المستفيدين من هذا الأسلوب الاستثماري، والذين يستفيدون منه سيتحملون زيادة الأرباح المذكورة، لحماية المودعين في المصرف وأصحابه من آثار التضخم، كما أن المصارف ستضطر إلى زيادة نصيبها من أرباح المشاركات والمضاربات، والذي يترتب عليه هبوط جدواها لكثير من رجال الأعمال، والبحث عن صيغ استثمارية أخرى، وهذا له آثاره السيئة على المصارف الإسلامية
(1)
.
ولأن فيه غرراً فاحشاً، وهو ناشئ عن الجهل بمقدار الثمن، فالمتعاقدان لا يعلم كل منهما مقدار ما يجب أن يدفعه عند حلول الأجل.
ولأن ربط القروض والديون بمستوى الأسعار فيه قلب للحقائق، فالنقود هي التي تقوم بها السلع، وفي حالة الربط تكون النقود مقومة بالسلع.
(1)
كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصها ص 26 - 29، للدكتور محمد علي القري بن عيد.
أما دعاة الربط فقد اعتمدوا على الاستدلال بالعقل، وعلى أقوال ضعيفة مرجوحة، وكان الواجب أن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وعد سبحانه وتعالى من أخذ بهذا المنهج أن يصل إلى الحق، قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}
(1)
.
ورده إلى الله، أي إلى القرآن، ورده إلى الرسول أي إلى سنته صلى الله عليه وسلم وقال تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}
(2)
.
وقد جاء في كتاب الله الكريم أن في الشريعة الإسلامية بياناً لحكم كل نازلة من النوازل التي يحتاج العباد لبيان حكمها. قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}
(3)
وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}
(4)
.
أما وقد ابتعدوا عن المنهج الصحيح في الاستدلال فقد جانبوا الصواب فيما أرى. فدعوى أن الربط القياسي بمستوى الأسعار ونحوه، يعمل على تثبيت قيمة النقود، ويجعل الديون، والقروض تسدد بقيمتها الحقيقية، وبالتالي فإن المقرضين والدائنين لا يضارون من التضخم. دعوى غير صحيحة، «لأن الرقم القياسي يمثل العادات الاستهلاكية لشخص متوسط ولا يمثل الأغلبية الساحقة من الأفراد في المجتمع. فهو يظلم الكثيرين، ويحابي كثيرين غيرهم دون مبرر. وذلك أن مجموعة السلع التي يحسب على أساسها الرقم القياسي إما أن تمثل الإنفاق في
(1)
سورة النساء الآية 59.
(2)
سورة النساء من الآية 83.
(3)
سورة النحل من الآية 89.
(4)
سورة الأنعام من الآية 38.
القطر كله، وإما أن يقتضي اختيار مجموعة مختلفة لكل منطقة اقتصادية. كما يستلزم الأمر التمييز بين الطبقات المختلفة. والأخذ بمجموعة واحدة من السلع ينطوي على ظلم. واختيار عدة مجموعات أمر عسير التطبيق»
(1)
ولأن الأرقام القياسية تجرى على فترات دورية، مثلاً كل ستة أشهر، فإذا كانت الأسعار قد ارتفعت عند نهاية الستة الأشهر الأولى، ومواعيد سداد القروض والديون قبيلها، لأن عمليات الإقراض والسداد تجرى كل يوم - فإن متوسط الأسعار لا يمكن أن يكون واقعياً، ولا عادلاً، بصورة دقيقة، وبالتالي يكون الحساب خاطئاً، فلا يحقق المطلوب منه، لأنه لا يمثل القيمة الحقيقية كما يقول به دعاة الربط
(2)
.
كما أن هناك عوامل أخرى غير النقود تؤدي إلى تغير أسعار السلع بنسب مختلفة. وهذه العوامل لها دورها في تحديد الأسعار التي تعكس بوجه عام قيمة النقود بالنسبة لكل سلعة أو تعامل
(3)
.
يقول الدكتور فولكر نينهوس: «يستطيع الربط القياسي على مستوى الفرد أن يحد من الاختلالات التوزيعية للتضخم ولكنه لا يستطيع بأي حال من الأحوال إزالة هذه الاختلالات كلياً كما أنه قد يؤدي إلى جعل الآثار التوزيعية أكثر سوءاً بالنسبة لقطاعات معينة من المجتمع»
(4)
.
ويقول: «إن عدد المحاولات الفاشلة في ربط أسعار السلع أو ربطها من خلال إجراءات أخرى لوضع مؤشر سعري ممثل أخذ في التزايد، ولم تحقق اتفاقيات
(1)
استعراض للمؤلفات الإسلامية حول ربط المعاملات بتغير الأسعار ص 19.
(2)
المصدر السابق ص 16.
(3)
المصدر السابقة ص 20.
(4)
الربط القياسي ص 16، وانظر: نحو نظام نقدي عادل ص 57، تعليقات على ربط القيمة بتغير الأسعار ص 9 للدكتور ضياء الدين أحمد.
السلع الدولية ولا مجموعة الدول المنتجة للنفط (الكارتيل) أي نجاح دائم، إذ إن الربط القياسي قد يكون ملائماً في الأسواق التنافسية لتسوية التذبذبات السعرية، ولكنه لا يستطيع تثبيتها مقابل الاتجاه الهابط للأسعار»
(1)
.
وأما ما ذكره دعاة الربط من أن رد الديون والقروض بقيمتها الحقيقية يؤدي إلى التماثل المشترط في الأحاديث، فلم يثبت، لأن الأحاديث التي ذكرها المانعون كلها دالة بوضوح على أن التماثل المعتبر في الشريعة إنما هو التماثل في القدر، ولا عبرة بالتفاوت في القيمة ما دامت الأموال ربوية. ويتحقق القدر بالكيل، أو الوزن، أو العدد، وهذا غير ممكن في الربط بمستوى الأسعار، وما دام أن أدنى زيادة ممنوعة في الأموال الربوية، بل احتمال عدم التساوي ليبوسة أحد المبيعين ورطوبة الآخر في المزابنة والمحاقلة سبب للحرمة، ومبطل للعقد. وهو متحقق في عملية الربط بمستوى الأسعار، لأن المثلية قائمة على التقدير، فهو غير جائز.
وقد تبين أن ما احتج به دعاة الربط بمستوى الأسعار من أنه يحقق العدالة غير صحيح، لأنه إذا حقق العدالة للمقرض، والدائن - كما يعتقدون- فإنه يظلم المقترض، والمدين، لأنهما كلفا أكثر مما أخذا. يقول محمد عمر شبرا رداً على دعاة الربط في قولهم: «التضخم يخل بمبدأ العدالة، والربط يصحح الوضع، والعدالة مطلب إسلامي، إذن الربط لا غبار عليه، إلى غير ذلك من المقولات التي لا تسلم من حيث الصياغة والشكل ولا من حيث المضمون، ولعل أقل ما يمكن أن يثار في وجه ذلك، هل العدالة في الربط أمر مؤكد؟ أم هي أمر احتمالي؟ ونحن نعرف أن الاحتمال إذا تطرق إليه شيء لا يصح اتخاذه دليلاً، والمعروف أن خبراء
(1)
المصدر السابق ص 12.
الاقتصاد أنفسهم شككوا كثيراً في تعبير الرقم المقاسم المختار عن حقيقة التضخم، ومن ثم عن العدالة
…
»
(1)
(2)
.
بل إن ربط الودائع، والديون في بعض الحالات أكثر جوراً من الربا
(3)
.
وما ذكروه من أن النقود الورقية تتعرض لنقص قيمتها كذلك فإن الذهب والفضة تنخفض وترتفع أقيامهما يقول: محمد عمر شبرا «إن أسعار الذهب، بعد إبطال وظيفته النقدية، تقلبت تقلب الطائر نتيجة قوى المضاربة الدولية والتقلبات اللولبية لمعدلات الفائدة، ولم تنج أسعار الفضة من القدر نفسه»
(4)
. ويقول الدكتور عبد الرحمن يسري، وهو من دعاة الربط:«قد يقال إن الذهب أو العملة الأجنبية عرضة للتدهور في القيمة الحقيقية في بعض الحالات، وهذا أمر مسلم به - كما يقول: فليس هناك ضمان تام لاستقرار القيمة الحقيقية في جميع الظروف، ولا شك أن المتعاملين يحتاجون مهما كان الأمر إلى مواجهة نوع من المخاطرة»
(5)
.
وقد ذكر ذلك الفقهاء قديماً، يقول الكاساني:«ولا يلتفت إلى القيمة ههنا لأن الرخص أو الغلاء لا يوجب بطلان الثمنية، ألا ترى أن الدراهم قد ترخص وقد تغلو وهي على حالها أثمان»
(6)
.
(1)
التضخم والربط القياسي ص 41، وانظر: نحو نظام نقدي عادل ص 56.
(2)
التضخم والربط القياسي.
(3)
تعقيب عمر شبرا على ربط القيمة بتغير الأسعار ص 11.
(4)
نحو نظام نقدي عادل ص 59.
(5)
دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي ص 265 و 266.
(6)
بدائع الصنائع 5/ 242.
ويرى الماوردي: أن تغير قيمة الدراهم والدنانير نتيجة منع السلطان بها ليس عيباً يستحق به الفسخ، لأن العيوب مختصة بالصفات اللازمة، فأما تحريم السلطان، فعارض يختص بالسعر ونقصه، ونقصان الأسعار لا يكون عيباً يستحق به الفسخ
(1)
.
وما ذكروه من أن الربط بمستوى الأسعار يقلل من الآثار السلبية للتضخم، وأنه يسهل من مهمة علاجه، غير دقيق، فإن رجال الاقتصاد يتفقون على أن الربط لا يقضي على التضخم، لكن منهم من يقول إنه مهدئ له، ومسكن وقتي
(2)
.
ويرى فلنر: أنه قد يعجل بمعدل التضخم وترتفع الأسعار ويتصاعد التضخم بما يؤدي إلى تصاعد الأسعار في حركة لولبية تغذي نفسها بنفسها
(3)
.
ومنهم من يرى أن الربط يساعد على حدة الصراع داخل المجتمع بين النقابات العمالية والشركات الاحتكارية على الحصول على حصص أكبر من الدخل القومي، وأن التعقيدات الإدارية تجعل من تحقيق العدالة الكاملة عن طريق الربط عملية صعبة للغاية
(4)
.
(1)
الحاوي 6/ 177.
(2)
ربط القيمة بتغير الأسعار والنظريات والخبرة والتطبيق ص 4 و 6، نحو نظام نقدي عادل ص 61، التضخم والربط القياسي ص 30.
(3)
المصدر السابق ص 7، نحو نظام نقدي عادل ص 56 و 57، النظام النقدي والمصرفي في اقتصاد إسلامي، بحث للدكتور محمد عمر شبرا في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي ص 5 عدد 2، مجلد 1، شتاء 1404 هـ، 1984 م جامعة الملك عبد العزيز، جدة، الربط القياسي ص 22، للدكتور فولكر نينهوس.
(4)
ربط القيمة بتغير الأسعار ص 6.
وقد بين التطبيق العملي أن الربط القياسي لم يثبت نجاحه، وأنه غير مجد بسبب تعقيداته وتكاليفه الإدارية العالية، وأنه عملية صعبة للغاية
(1)
.
فقد طبق ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بمستوى الأسعار في هذا القرن، في بعض دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل، والأرجنتين، وتشيلي، وكولومبيا، في ظروف التضخم وقد استخدمته البرازيل وتشيلي بصورة شاملة في الحقوق، والالتزامات، بينما استخدمته كل من الأرجنتين وكولومبيا على أساس انتقائي في بعض الأمور دون بعض.
لكن هذه التجربة لم يثبت نجاحها، بل أدت إلى أضرار أكثر من فوائدها
(2)
.
وأن الربط أدى إلى تسارع معدلات التضخم، ولم يحقق الغرض المرجو منه
(3)
.
يستنتج ملتون فريدمان (وهو من أشهر دعاة الربط) بعد دراسة مستفيضة لتجارب الربط القياسي التي تمت في بعض دول أمريكا اللاتينية، فيقول: «إن الربط القياسي لا يمكن أن يكون ترياقاً يشفي من مرض التضخم، لأن ربط جميع العقود أمر مستحيل من الناحية العملية، وإن الربط القياسي على نطاق واسع أمر صعب التنفيذ، لأنه يتناقض مع إحدى أهم ميزات النقود نفسها، وهي القدرة على إتمام المعاملات بتكاليف متدنية، ومن الواضح أن الربط على نطاق واسع يلغي هذه الميزة
(4)
.
ولأن الأرقام القياسية التي يمكن استخدامها متنوعة، ولها مشاكلها الكثيرة، منها مشكلة أي رقم للأسعار يستخدم، فهل نحسبه بالرقم القياسي لأسعار
(1)
نحو نظام نقدي عادل ص 56، الربط القياسي، نينهوس، ربط القيمة بتغير الأسعارص 6.
(2)
انظر: تعليق الدكتور ضياء الدين أحمد، مدير عام المعهد العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي بالجامعة الإسلامية، إسلام أباد، ص 8 و 9، على بحث عبد المنان، ربط القيمة بتغير الأسعار وقد نقل ضياء الدين عن ويرنر باير وبول بيكرمان في البحث المعنون بمشكلة الربط بالأسعار القياسية، انعكاسات على التجربة البرازيلية ص 677 والتقارير الاقتصادية للمعهد الأمريكي للبحوث الاقتصادية في 3 ديسمبر عام 1974 م ص 209. وانظر التضخم والربط القياسي ص 31 و 32.
(3)
نجاة الله صديقي، نقلاً عن عرض وتقويم للكتابات حول النقود ص 215.
(4)
نقلاً عن Milton Friedman Proceeding of the Economics.Conference on Inflation New York 1974. عن التضخم وآثاره في المجتمع ص 16، للدكتور محمد القري بن عيد.
السلع الاستهلاكية أم الإنتاجية، وبأرقام الجملة، أم بأرقام التجزئة. والأرقام القياسية هي أرقام تقريبية يكثر الاختلاف بين المتخصصين في قواعد إعدادها، وفي فهم نتائجها وتحليلها، وفي تكون معانيها ومتضمناتها الحقيقية وفهمها مصاعب ومشكلات كثيرة منها:
1 -
صعوبة تعريف مكونات تلك السلة وتحديدها، فمعلوم - مثلاً- أن السكن هو من الضروريات التي تلزم لكل فرد، ولكن أي سكن؟ أهو القصور والمنازل الفارهة، أم الشقق العادية، أم مساكن ذوي الدخول المتدنية؟ وحتى في المدينة الواحدة المترامية الأطراف تنشأ مشكلة المواقع المتميزة، والأحياء البعيدة .. إلخ.
وكذلك الطعام، هو بلا شك من الأساسيات ولكن أي طعام؟ وهل هو ما يعد في المنازل، أم ما تقدمه المطاعم، أم هو المواد الغذائية كالقمح واللحوم
…
إلخ، كل ذلك معتمد على تقاليد المجتمع الذي تتباين مناطقه، وتختلف عادات أهله، وعلى ظروفه بين المدينة والريف، وذوي اليسار والفقراء .. إلخ.
ومعلوم أهمية المواصلات، ولكن الدقة تقتضي أن نستوعب التغيرات في تكلفة المواصلات الخاصة؛ كالسيارات بأنواعها وأشكالها وما يتعلق بذلك من ثمن الوقود والصيانة وإضافة ثمن السيارة ذاتها، والتغيرات في المواصلات العامة كالحافلات والقطارات والطائرات، وما يتعلق بذلك من أنواع الدراجات .. إلخ وما هو القدر والنوع -من المواصلات- المناسب لذلك المستهلك النموذجي .. إلخ.
إن أخذ جميع هذه الأصناف والأشكال والأنواع والمناطق ومستويات الدخول في الاعتبار صعب للغاية، لا سيما عندما نتحدث عن بلد كبير مترامي
الأطراف، يسكنه عشرات الملايين من الناس، ولذا فهو عسير القياس كثير التغير لا يكاد يثبت على قيمة. وعملية إعداد الرقم المذكور تعتمد على العينات العشوائية على جميع المستويات.
2 -
إن ارتفاع معدل تكاليف المعيشة المذكور لا يعني فعلاً أن تكاليف المعيشة قد ارتفعت لجميع الناس، فمثلاً قد يقع ارتفاع كبير في إيجار الشقق في مدينة جدة مع أن باقي سكان البلاد لم تتأثر تكاليف معيشتهم، كما أن الذين يسكنون في منازل مملوكة لهم وأولئك الذين قد ارتبطوا بعقد إيجار لم تنته مدته بعد لا يتأثرون بهذا الارتفاع، وبنفس المعنى فإن القوة الشرائية لنقودهم لن تتأثر إلا إذا قرروا استئجار شقة في مدينة جدة.
وهكذا الحال في باقي مكونات «السلة» التي يعتمد عليها قياس تكاليف المعيشة. ولذلك فإن ربط دين لشخص بمعدل تكاليف المعيشة لتعويضه عن انخفاض القوة الشرائية للنقود ربما ترتب عليه تعويضه عن انخفاض لم يحصل في نقوده أصلاً.
3 -
لما كان كل مكون في «السلة» المذكورة وزن بحسب أهميته في حياة الناس، أضحى تأثير الرقم القياسي بارتفاع سعر سلعة ما يتباين تبعاً لتلك الأهمية، كما أنهم ينظرون إلى ما ينفقه هذا المستهلك النموذج على مكونات سلة السلع والخدمات المذكورة في سنة الأساس. ولكن المشكلة أن هذه النسبة تتغير ولا تكون ثابتة. بينما حساب المؤشر معتمد على أنها ما زالت كما هي في سنة الأساس. فمثلاً كانت سنة الأساس في الولايات المتحدة لغرض حساب مؤشر تكاليف المعيشة هي سنة 1972 م. فلما زادت أسعاره مما يعني أن وزنه في السلة قد أصبح أقل مما مضى. ولكن المؤشر استمر معتمداً على افتراض نفس الأوزان، الأمر
الذي أدى إلى المبالغة في حساب تكاليف المعيشة، ومن ثم أظهر المؤشر الانخفاض في القوة الشرائية للنقود بأكبر من حجمه الحقيقي، وقد حدث هذا مع أن الأمر ظاهر مشهور، فكيف في التغيرات التي لا ينتبه إليها في الوقت المناسب.
4 -
مشكلة الفرق الزمني، ذلك أن الرقم القياسي لا يعلن إلا بعد إتمام عمليات الإحصاء والحساب والتدقيق والمراجعة التي ربما استغرقت عدة أشهر، والتي تأتي بعد أشهر أخرى انقضت في جمع المعلومات. فإذا أعلن اليوم عن الرقم القياسي فهو يتضمن معدل التغير في الأسعار ليس اليوم بل إلى فترة سابقة، ثم يبدأ الناس في استخدامه، فكأنهم يغيرون الحقوق والالتزامات المالية اليوم بمعدل التضخم الذي كان سائداً في وقت سابق، بينما أن معدل التضخم اليوم لن يكون معروفاً لهم إلا في المستقبل، عندئذ يتضح أن استخدام المؤشر هو أمر تقريبي بل هذا أبعد ما يكون عن الاستيعاب الدقيق للمعدل الحقيقي للتغير في الأسعار»
(1)
.
ويعترف دعاة الربط بهذا. يقول الدكتور عبد الرحمن يسري: «يتضح مما سبق أنه (أي الرقم القياسي) لن يكون معبراً تعبيراً دقيقاً عن التغيرات في الأسعار داخل كل قطاع .. يزيد عن الرقم القياسي لأسعار بعض المجموعات السلعية، ويقل عن الرقم القياسي لأسعار البعض الآخر»
(2)
.
ويضاف إلى ذلك واقع الإحصائيات المتاحة في الدول الإسلامية، فهي إحصائيات غير متطورة، وقد يغيب بعضها، كما أن بعض المتاح منها غير دقيق
(3)
.
ثم إن الربط يؤدي إلى وجود وحدتين حسابيتين، إحداهما نقود الناس التي في أيديهم ويتعاملون بها يومياً، والأخرى وحدة تقديرية للعقود التي يتفق على
(1)
التضخم وآثاره في المجتمع (الربط القياسي) ص 11 - 14 بتصرف.
(2)
مؤشرات وضوابط الرقم القياسي، ص 3 و 4 للدكتور عبد الرحمن يسري.
(3)
المصدر السابق، عرض وتقويم للكتابات حول النقود في إطار إسلامي ص 172.
ربطها بمستوى الأسعار؛ إذ إن هذه الوحدة لا يعلم مقدارها إلا بالرجوع إلى السلع، وقت السداد.
ولأن البلاد الإسلامية تعرضت لموجات من الغلاء خلال فترات متعددة من التاريخ، كما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي عهد عمر بن عبد العزيز، وفي القرن الخامس الهجري، وفي القرن الثامن، والتاسع، وكان الغلاء في بعض هذه العصور شديداً جدا، ومعلوم أنه يقابله نقص في قيمة العملة، ولم يقل أحد من العلماء بربط الديون والقروض، والمهور، ونحوها بمستوى الأسعار.
ولأنه لا يمكن قياس الأوراق النقدية على الفلوس، لأنها لم تصل إلى ما وصلت إليه الأوراق النقدية في هذه العصور، لا من حيث انفرادها بالنقدية، ولا من حيث قبولها، ولا من حيث عمومها في جميع دول العالم، فهي لا تساويها فضلاً عن أن تتفوق عليها، ولهذا لا يصلح قياس الأعلى على الأدنى، فلا يجعل الأدنى أصلاً، والأعلى فرعاً.
وما نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية من قوله برد القيمة إنما هو في حالة تحريم السلطان للتعامل بالفلوس، والدراهم المكسرة.
وأن ما نسب لأبي يوسف من قوله برد قيمة الفلوس حال غلائها، أو رخصها، لا يصلح قياس الأوراق النقدية عليه حال هبوط قيمتها مقابل السلع والمنافع، لأن قوله بنقصها مقابل النقود الذهبية والفضية، ولأن الفلوس فكة لها، ولأن قوله معلل ببطلان الثمنية في الفلوس، وهذا غير موجود في الأوراق النقدية؛ إذ إن ثمنيتها باقية مع نقص قيمتها الشرائية، ولأن قوله لا علاقة له بفكرة ربط الديون بقائمة الأسعار.
المبحث السادس
الحلول الشرعية
إن استقرار النقود وثبات قيمتها هو العلاج الصحيح لمشكلة التضخم، وانخفاض القوة الشرائية للنقود، ولكي يتحقق هذا المطلب فإنه يمكن تقسيم الحلول الشرعية إلى قسمين: القسم الأول حلول للوقاية من ارتفاع التضخم، وللحد من آثاره، ويؤدي الأخذ بهذه الحلول إلى انتهاء دعوى الحاجة إلى الربط بمستوى الأسعار، أو غيره.
والقسم الثاني: حلول لواقعة هبوط القوة الشرائية للنقود، هبوطاً كثيراً.
أما الحلول الوقائية فهي:
1 -
تطبيق الأحكام الشرعية في جميع المجالات، ومنها المعاملات الاقتصادية، ومن ذلك إلغاء الربا من جميع المعاملات في البلدان الإسلامية، لأنه السبب الرئيس للمشكلات الاقتصادية.
2 -
ضبط الإصدار النقدي، وذلك بأن يكون عرض النقود مساوياً للناتج الحقيقي من موارد البلاد، وعدم التمويل بالتضخم سواء كان ذلك لعجز الميزانية، أم لمشروعات التنمية.
3 -
الاعتدال في الاستهلاك من قبل الشعوب الإسلامية، والحكومات، دون إسراف أو تقتير امتثالاً لقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
(1)
، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}
(2)
، وقوله تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}
(3)
.
(1)
سورة الأعراف من الآية 31.
(2)
سورة الفرقان الآية 67.
(3)
سورة الإسراء الآية 27.
4 -
زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدان الإسلامية، وخاصة في مجال التجارة الخارجية، والعمل على إحلال مصنوعات تلك البلاد محل مستورداتها من البلدان الصناعية، والعمل على تقوية مركزها التفاوضي والتنافسي تجاه البلدان الصناعية.
5 -
توجيه المدخرات للاستثمار في المجالات المشروعة، ومنها، المرابحة والمشاركة، والمضاربة، وعقد السلم، والبيع لأجل، وتوجيه استثمارها في المجالات المختلفة؛ كالتجارة، والزراعة، والصناعة، والخدمات، فإن هذا الاستثمار من أهم عوامل الحماية من هبوط القيمة الشرائية للنقود.
6 -
القرض عقد إرفاق شرع لمساعدة المحتاجين، فلا يحول إلى عقد استثمار من قبل المقرضين.
وسبق أن بينا أنه في حال رغبة المقرضين في الاحتياط لاستثماراتهم من هبوط القيمة الشرائية لحقوقهم فيمكنهم أن يقرضوا سلعاً، أو ذهباً، أو عملات تتمتع باستقرار نسبي.
القسم الثاني: حلول لواقعة هبوط القوة الشرائية للنقود.
الشريعة الإسلامية السمحة لا تعدم الحلول التي توافق مقاصدها السامية، ولا تتعارض مع نصوصها الشريفة؛ حيث إن لكل حادثة حكماً.
وقد بينا في المباحث السابقة عدم جواز ربط القروض، أو الديون، أو المهور المؤجلة بمستوى الأسعار الذي دعا إليه بعض الاقتصاديين، ومال إليه قليل من الفقهاء المعاصرين. لكنا نرى معالجة هذه القضية بما عالج به الإسلام وضع الجوائح.
تعريف الجوائح:
الجائحة في اللغة: هي الشدة تجتاح المال من سنة، أو فتنة، وهي مأخوذة من الجوح بمعنى الاستئصال والهلاك، يقال: جاحتهم الجائحة واجتاحتهم، وجاح الله ماله وأجاحه أي أهلكه بالجائحة
(1)
.
والجائحة في الاصطلاح: عرفها خليل بقوله: «هي ما لا يستطاع دفعه من سماوي أو جيش»
(2)
.
ومعنى وضع الجوائح أن الثمرة إذا تلفت أو بعضها قبل الجذاذ كان ذلك من ضمان البائع، فيرجع المشتري عليه بالثمن أو ببعضه حسب التالف
(3)
، على تفصيل سيأتي إن شاء الله.
أنواع الجائحة:
الجائحة نوعان:
جائحة لا دخل لآدمي فيها. وهي التي سببها سماوي، مثل المطر المضر، أو البرد، والحر، والسموم، والغرق بالسيل، والطير الغالب، والدود، والقحط، والعفن، والجراد، والغبار المفسد، ونحو ذلك. والزلازل، والبراكين، والفيضانات.
وهذا النوع لا خلاف بين الفقهاء القائلين بوضع الجوائح، في أنه جائحة، يترتب عليه وضعها على خلاف في مقدار ما يوضع، نبينه في مكانه إن شاء الله.
وهو مذهب المالكية والحنابلة، والشافعي في القديم
(4)
.
(1)
الصحاح والقاموس المحيط، ولسان العرب، والمصباح المنير: مادة (جوح).
(2)
مختصر خليل مع الشرح الصغير 3/ 244، نشر وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات العربية المتحدة، المطبعة العصرية.
(3)
شرح الزركشي 3/ 525.
(4)
المدونة 5/ 37 و 38، الشرح الكبير 3/ 167، وانظر: حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير، المغني 6/ 177، الإنصاف 5/ 74، شرح الزرقاني على مختصر خليل 5/ 228، مغني المحتاج 2/ 92، روضة الطالبين 3/ 563، الحاوي 6/ 246، مجموع الفتاوى 30/ 278.
النوع الثاني: جائحة من قبل الآدمي، وهذا على قسمين:
قسم يكون بسبب الآدمي، ويمكن تضمين فاعله. وهذا لا خلاف بين الفقهاء في عدم وضع جائحته
(1)
، لأنه يضمنها المتسبب. جاء في المقنع:«وإن أتلفه آدمي: خير المشتري بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلف»
(2)
.
والقسم الثاني: جائحة من قبل الآدمي، ولا يمكن تضمينه، كفعل السلطان، والجيش.
وهذا القسم اختلف القائلون بوضع الجوائح فيه:
فالمذهب عند المالكية، وقول عند الحنابلة
(3)
: أنه جائحة توضع عن المشتري، لأنه لا يمكن تضمين أحد. جاء في المدونة:«(قال) وقال مالك في الجيش يمرون بالنخل فيأخذون ثمرته قال هو جائحة توضع عن المشتري إن أصاب الثلث فصاعداً» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وإن أتلفها من الآدميين من لا يمكنه ضمانه كالجيوش التي تنهبها، واللصوص الذين يخربونها فخرجوا فيه وجهين، (يعني: الحنابلة) أحدهما: ليست جائحة لأنها من فعل آدمي.
والثاني: وهو قياس أصول المذهب أنها جائحة، وهو مذهب مالك، كما قلنا مثل ذلك في منافع الإجارة، لأن المأخذ إنما هو إمكان الضمان، ولهذا لو كان المتلف جيوش الكفار، أو أهل الحرب، كان ذلك كالآفة المساوية، والجيوش،
(1)
الشرح الصغير 3/ 244، المدونة 5/ 37، مواهب الجليل 4/ 507، مغني المحتاج، الحاوي 6/ 251، المبدع 4/ 172، الإنصاف 5/ 77، كشاف القناع 3/ 283.
(2)
المقنع مع المبدع 4/ 172، الإنصاف، الكشاف، مجموع الفتاوى.
(3)
المدونة، الشرح الكبير، وحاشية الدسوقي معه، المبدع 4/ 173، الإنصاف 5/ 78، وانظر: المغني 6/ 179، مجموع الفتاوى.
واللصوص، وإن فعلوا ذلك ظلماً، ولم يمكن تضمينهم: فهم بمنزلة البرد في المعنى»
(1)
.
أدلة وضع الجوائح:
1 -
ما رواه جابر رضي الله عنه قال: قال: صلى الله عليه وسلم: «لوْ بعْتَ مِنْ أخِيكَ ثَمَرًا فأصابَتْهُ جائِحَةٌ، فلا يَحِلُّ لكَ أنْ تَأْخُذَ منه شيئًا، بمَ تَأْخُذُ مالَ أخِيكَ بغيرِ حَقٍّ؟!» رواه مسلم
(2)
.
2 -
روى جابر رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بوَضْعِ الجَوَائِح» رواه مسلم
(3)
.
فقد دل الحديثان على وجوب وضع الجوائح؛ إذ نص الحديث الأول على تحريم أخذ عوض المبيع الذي أصابته الجائحة؛ حيث نفى صلى الله عليه وسلم حل ذلك. ثم أكد حرمة أخذه بصيغة الاستفهام الإنكاري، ووصفه بأنه غير حق.
أما الحديث الثاني فقد دل على وجوب وضع الجوائح، بصيغة الأمر. والأمر يفيد الوجوب، ما لم يصرفه صارف، ولم يوجد.
وبعد أن بينا ما ذهب إليه جمهور العلماء من القول بوضح الجوائح، وأوردنا الأدلة على ذلك من الأحاديث الصريحة الصحيحة، وأنهم قالوا بها في الآفات السماوية، وفي الآفات التي تحصل من الآدميين الذين لا يمكن تضمينهم كالجيوش، التي تنهب المحاصيل، أو اللصوص.
(1)
مجموع الفتاوى 30/ 278.
(2)
صحيح مسلم بشرحه 4/ 62، باب المساقاة، وانظر: سنن أبي داود 3/ 746، والنسائي في الزكاة 80، وفي البيوع 30، وابن ماجة 2/ 747. مسند الإمام أحمد مع الفتح الرباني 15/ 43، سنن الدارمي 2/ 67، المستدرك 2/ 42، رقم الحديث 2256/ 127.
(3)
صحيح مسلم بشرحه 4/ 64، المستدرك 2/ 42، وانظر: مسند الإمام أحمد مع الفتح الرباني 15/ 43، سنن أبي داود 3/ 670.
ولأن الدّين الذي في ذمة المدين، هو أحد العوضين، وما دام أنه توضع الجائحة في المثمن، فكذلك ينبغي وضعها في الثمن، ومثله القرض.
ويرى المؤلف أن هبوط قيمة النقود إذا بلغ الثلث فهو جائحة يجب وضعها كلها، إذا كان هذا الهبوط ناتجاً عن حروب خارجية، سواء اجتاحت جيوش العدو بلداً ما، أو كانت الحرب بين بلدين، أو كانت حروباً داخلية، كما وقع في لبنان، والصومال، وغيرهما. أو كان هبوط العملة بسبب البراكين أو الزلازل، أو الفيضانات، أو الأعاصير، أو أمر السلطان بتخفيض قيمة العملة، فإذا كان الأمر كذلك وتم هبوط قيمة العملة بمقدار الثلث، ففي هذه الأحوال، ومع توافر الشروط المذكورة، فإني أرى اعتبار هذا جائحة، ومن ثم يجب رد الدين أو القرض بقيمته قبيل حدوث الجائحة المذكورة، أو أسبابها، ومقدماتها.
يؤيد ذلك ما توصل إليه المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في قراره السابع
(1)
بشأن الظروف الطارئة، وتأثيرها في الحقوق والالتزامات العقدية؛ حيث أصدر بشأنها قراراً يكفل رفع الضرر عن الطرفين، واعتبار هذا ضرورة لحل النزاع، وتحقيق العدالة، فجعل للقاضي عند التنازع والطلب من أحد الطرفين تعديل الحقوق والالتزامات العقدية، بصورة توزع الخسارة على الطرفين المتعاقدين. وقد جاء في القرار المذكور أنه:«قد يطرأ بعد إبرام عقود التعهد ونحوها من العقود ذات التنفيذ المتراخي، في مختلف الموضوعات من تبدل مفاجئ في الظروف، والأحوال ذات التأثير الكبير في ميزان التعادل الذي بنى عليه الطرفان المتعاقدان حساباتهما، فيما يعطيه العقد كلاً منهما من حقوق وما يحمله إياه من التزامات، مما يسمى اليوم في العرف التعاملي بالظروف الطارئة»
(2)
.
(1)
كان هذا عام 1402 هـ
(2)
مجلة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، العدد الثاني، ص 223، وانظر: فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة آفاق وأبعاد ص 145 وما بعدها، للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
ومن أمثلة ذلك:
1 -
(1)
.
ومما لا شك فيه أن العقد الذي يعقد وفقاً لنظامه الشرعي يكون ملزماً لعاقديه قضاء عملا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
(2)
.
«ولكن قوة العقد الملزمة ليست أقوى من النص الشرعي الملزم للمخاطبين به كافة وقد وجد المجمع في مقاييس التكاليف الشرعية، ومعايير حكمة التشريع أن المشقة التي لا ينفك عنها التكليف عادة بحسب طبيعته، كمشقة القيام في الصلاة، ومشقة الجوع والعطش في الصيام، لا تسقط التكليف، ولا توجب فيه التخفيف، ولكنها إذا جاوزت الحدود الطبيعية للمشقة المعتادة في كل تكليف بحسبه، أسقطته أو خففته، كمشقة المريض في قيامه في الصلاة ومشقته في الصيام وكمشقة الأعمى والأعرج في الجهاد، فإن المشقة المرهقة عندئذ بالسبب الطارئ الاستثنائي توجب تدبيراً استثنائياً يدفع الحد المرهق منها، وقد نص على ذلك وأسهب في بيانه، وأتى عليه بكثير من الأمثلة في أحكام الشريعة الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات.
(1)
مجلة المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي ص 223.
(2)
سورة المائدة من الآية 1.
فيتضح من ذلك أن الخسارة المعتادة في تقلبات التجارة لا تأثير لها في العقود لأنها من طبيعة التجارة وتقلباتها لا تنفك عنها، ولكنها إذا جاوزت المعتاد المألوف كثيراً بمثل تلك الأسباب الطارئة الآنفة الذكر توجب عندئذ تدبيراً استثنائياً»
(1)
.
وقرر مجمع الفقه الإسلامي الدولي ما يلي:
1 -
في العقود المتراخية التنفيذ (كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات) إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد تبدلاً غير الأوضاع والتكاليف والأسعار تغييراً كبيراً بأسباب طارئة عامة لم تكن متوقعة حين التعاقد، فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي يلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة من تقلبات الأسعار في طرق التجارة، ولم يكن ذلك نتيجة تقصير أو إهمال من الملتزم في تنفيذ التزاماته، فإنه يحق للقاضي في هذه الحال عند التنازع وبناءً على الطلب تعديل الحقوق والالتزامات العقدية بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد عليه من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد فيما لو لم يتم تنفيذه منه إذا رأى فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه، وذلك مع تعويض عادل للملتزم له صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانباً معقولاً من الخسارة التي تلحقه من فسخ العقد بحيث يتحقق عدل بينهما دون إرهاق للملتزم ويعتمد القاضي في هذه الموازنات جميعاً رأي أهل الخبرة الثقات.
2 -
يحق للقاضي أيضاً أن يمهل الملتزم إذا وجد أن السبب الطارئ قابل للزوال في وقت قصير، ولا يتضرر الملتزم له كثيراً بهذا الإمهال.
هذا وإن مجلس مجمع الفقه يرى في هذا الحل المستمد من أصول الشريعة تحقيقاً للعدل الواجب بين طرفي العقد، ومنعاً للضرر المرهق لأحد العاقدين
(1)
مجلة المجمع ص 226.
بسبب لا يد له فيه، وأن هذا الحل أشبه بالفقه الشرعي الحكيم، وأقرب إلى قواعد الشريعة ومقاصدها العامة وعدلها. والله ولي التوفيق.
وخلاصة ما أراه في القروض، والديون، والمهور المؤجلة، ونحوها التي هبطت قيمتها وقت سدادها، هبوطاً كبيراً قياسها على الجائحة، على رأي جمهور العلماء القائلين بوضع الجوائح. وأن يكون هذا بالشروط التالية:
1 -
أن يكون الانخفاض بسبب حروب خارجية، أو تهديدات عسكرية، أو فتن وقلاقل. أو كوارث سماوية؛ كالزلازل والبراكين، والعواصف، والفيضانات، ونحوها مما ذكره الفقهاء، إذا أثرت هذه الكوارث على اقتصاد البلاد، وسببت انخفاضاً في قيمة عملتها.
2 -
أن يكون الانخفاض كثيراً، أي يبلغ الثلث فأكثر من وقت العقد إلى وقت الأجل في الديون. وإلى وقت سداد القرض في القروض، وقد اخترت الثلث، لأنه لا بد من ضابط بين القليل والكثير، والثلث في حد الكثرة كما ورد في الوصية في قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص:«الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ»
(1)
. أما انخفاض قيمة العملة بأقل من هذا القدر فيعد قليلاً، «والقليل مغتفر قياسا على الغبن اليسير، والغرر اليسير، المغتفرين شرعاً، من أجل رفع الحرج عن الناس، نظراً لعسر نفيهما في المعاملات بالكلية، ولغرض تحقيق أصل تشريعي مهم وهو استقرار التعامل بين الناس، بخلاف الغبن الفاحش، والضرر الفاحش، فإنهما ممنوعان في أبواب البيوع والمعاملات»
(2)
.
3 -
أرى أن يسدد الدين، أو القرض ونحوهما بقيمته قبيل وجود السبب الخافض لقيمة العملة.
(1)
صحيح البخاري بشرحه 3/ 164، صحيح مسلم بشرحه 4/ 163.
(2)
تغير النقود وأثرها على الديون ص 227، للدكتور نزيه حماد.
4 -
في حالة خوف الدائنين مما يحدث من تغير في قيمة النقود فلهم أن يقرضوا سلعاً ويشترطوا رد مثلها، أو يقرضوا ذهباً أو عملات تتمتع بثبات نسبي في قيمتها، ويرد مثلها.
5 -
أيدت ما توصلت إليه من تعويض الدائن، والمقرض ونحوهما عند نقص قيمة العملة حسب الضوابط المذكورة سابقاً، بما توصل إليه المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في قراره السابع عام 1402 هـ بخصوص الظروف الطارئة، وهذا التأييد من حيث مبدأ التعويض. ولم آخذ بنصوص القرار والتي من أهمها: «أنه يحق للقاضي في هذه الحال عند التنازع وبناءً على الطلب تعديل الحقوق والالتزامات العقدية بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقدين من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد فيما لم يتم تنفيذه منه
…
، وذلك مع تعويض عادل للملتزم له صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانباً معقولاً من الخسارة التي تلحقه من فسخ العقد
…
».
ونصوص قرار المجمع موفقة في موضوعها، لكني لم آخذ بها في نقص قيمة الديون والقروض لعدم تطابق القضيتين، فالتعويض الذي قلنا به في نقص العملة يعالج عقوداً قد تم تنفيذها، ولا يمكن فسخها. بينما العقود التي تعرض لها قرار مجمع الرابطة هي عقود متراخية كالمقاولات التي لم يتم تنفيذها بالكامل، وإنما نفذ جزء منها وبقي جزء أو أجزاء، لأنها تنفذ شيئاً فشيئاً، فيمكن إمضاؤها فيما نفذ، وفسخها فيما لم ينفذ. فلاختلاف الصورتين لم أر تطبيق كامل القرار المذكور عليها.
6 -
ما توصلت إليه يختلف عن ربط الديون والقروض بمستوى الأسعار الذي يدعو إليه البعض. فالربط القياسي ومنه الربط بمستوى الأسعار اشتراط عند العقد يؤدي إلى جهالة ثمن المبيع، أو مقدار الوفاء بالقرض؛ حيث لا يكون
معلوم المقدار بسبب عدم العلم بنسبة التضخم التي ستؤثر على قيم السلع التي ربط الدين بها. وهذا شرط باطل، والشرط الباطل لا تترتب عليه آثاره، ومنها عدم انتقال الملك. وهو يؤدي إلى الربا لأن مقدار الدين سيرتفع، أو ينخفض فيأخذ الدائن والمقرض أكثر أو أقل مما له على المدين، أو المقترض، وهنا يقع ربا الفضل والنسيئة كما تم بيانه فيما سبق.
أما تعويض الدائن والمقرض، عند نقص قيمة الدين أو القرض نقصاً يبلغ الثلث فأكثر، وبسبب وقوع جائحة -كما تم إيضاحه قريباً- فهو خال من الشرط المفسد للعقد، وليس فيه ربا، ولا يؤدي إلى جهالة مقدار القرض أو الدين، وليس التعويض لكل القروض والديون ونحوهما. وتقدير الجائحة بالضوابط التي ذكرناها راجع إلى القاضي الشرعي.
7 -
وقد عددنا نقص قيمة النقود بالأسباب التي بيناها جائحة يترتب عليها رد الديون، والقروض بكامل قيمتها قبل وقوع الجائحة، أو أسبابها المؤدية لانخفاض العملة، لأن وضع الجائحة كلها هو الذي تؤيده عموم الأحاديث الشريفة، فلا يصح تقييدها بدون دليل مكافئ. وهذا قول الإمام أحمد في أشهر الروايتين
(1)
عنه، وأبي عبيدة، وغيرهما من فقهاء الحديث
(2)
، وهو قول الشافعي في الجديد لو قال بوضع الجوائح، قال الشافعي:«ولو صرت إلى ذلك لوضعت كل قليل وكثير أصيب من السماء بغير جناية أحد فإما أن يوضع الثلث فصاعداً ولا يوضع ما دونه فهذا لا خبر ولا قياس ولا معقول»
(3)
. ويقول رحمه الله: «الجائحة من المصائب كلها كانت من السماء أو من الآدميين»
(4)
.
(1)
المغني 4/ 177، مجموع الفتاوى 30/ 279، الإنصاف 5/ 74، معونة أولي النهى 4/ 260.
(2)
مجموع الفتاوى. المغني 6/ 177.
(3)
مختصر المزني ص 81، وانظر: الأم 3/ 57.
(4)
الأم 3/ 59.
وهو مذهب المالكية في التمر والتين والعنب ونحوها كالجوز واللوز، والتفاح، والمشهور من مذهبهم في البقول
(1)
.
(1)
المنتقى 4/ 235، الزرقاني على خليل 5/ 228 وما بعدها، بداية المجتهد 2/ 188، القوانين الفقهية ص 260 و 261، الذخيرة 5/ 216، الموسوعة الفقهية 15/ 71.
الخاتمة
في أهم نتائج البحث
1 -
الربط بالمستوى العام للأسعار، هو: اتفاق عند العقد أو وجود قانون حكومي على تقويم قيمة الديون، أو القروض، ونحوهما، بعملة، أو بالذهب، أو الفضة، أو بسلعة، أو بمجموعة من السلع، أو بالرقم القياسي لتكاليف المعيشة، ليوفى الدين أو القرض بما تساويه العملة أو السلعة أو تكاليف المعيشة عند السداد.
2 -
جاءت الدعوة للربط بمستوى الأسعار بسبب التناقص الخفي في قيمة النقود الورقية، مقابل السلع، والمنافع. أي هبوط القيمة الشرائية للنقود، وذلك بسبب ارتفاع التضخم، وقال دعاة الربط إنه يحد من التضخم، وبالتالي يعمل على تثبيت قيمة النقود.
3 -
بين البحث تعريف التضخم، وأهم أسبابه، ووسائل علاجه.
4 -
تم شرح معنى الربط بالمستوى العام للأسعار، وبيان معاني الثمن، والمثل، والقيمة، والفرق بين كل منها، والفرق بينها وبين القيمة عند الاقتصاديين.
5 -
ظهرت فكرة الربط بمستوى الأسعار، في بلاد غير إسلامية، واختلف الاقتصاديون الغربيون في جدواها، وطبقت في فترات معينة، في بعض دول أمريكا اللاتينية، منها ما طبقته تطبيقاً شاملاً، ومنها ما طبقته في بعض العقود دون بعض.
6 -
ذهب الباحثون المعاصرون، من فقهاء واقتصاديين حول جواز ربط قيمة النقود بالمستوى العام للأسعار إلى رأيين، أحدهما يرى جوازه، والثاني يرى عدم جوازه.
7 -
صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته الخامسة، والثامنة بأن الحجة في وفاء الديون بالمثل وليس القيمة.
8 -
تم عرض أدلة الفريقين، وتمت مناقشتها.
9 -
رجح البحث عدم جواز ربط القروض والديون ونحوهما بمستوى الأسعار، لقوة أدلته وسلامتها من الإيراد عليها، ولعدم ثبوت أدلة دعاة الربط أمام المناقشة.
10 -
أظهر البحث أن الربط بمستوى الأسعار عقد ربوي، وأن تطبيقه يجعله يطور إلى أسلوب استثماري ربوي.
11 -
الربط بمستوى الأسعار ونحوه يؤدي إلى الغرر الفاحش، للجهل بمقدار الثمن، كما أنه يقلب الأوضاع فتقوم النقود بالسلع، بدلاً من أن تقوم السلع بالنقود.
12 -
وجد التضخم في فترات متعددة من التاريخ الإسلامي ولم يقل أحد من علماء المسلمين بربط الديون والقروض ونحوهما كالمهور المؤجلة وغيرها بمستوى الأسعار.
13 -
ما احتج به دعاة الربط من أن أبا يوسف والرهوني، وشيخ الإسلام ابن تيمية يقولون برد قيمة الفلوس حال غلائها أو رخصها، لأنها نقود اصطلاحية، والأوراق النقدية في هذا العصر نقود اصطلاحية، ويخرجون عليه القول بجواز الربط، أجيب عليه بأن أبا يوسف لم تروه عنه هذا القول
أشهر كتب الحنفية، منها المبسوط، قال ابن عابدين عن المبسوط ((لا يعمل بما يخالفه، ولا يركن إلا إليه، ولا يفتى ويعول إلا عليه)). ولأن الرهوني نص على أنه لا خلاف بين المالكية في وجوب رد المثل في الرخص والغلاء، وإنما الخلاف بينهم في حال ما إذ قطع التعامل بالسكة القديمة، وما نسب لابن تيمية غير موجود في كتبه، ومن نسبه إليه لم يورد نصاً صريحاً عنه، وإنما هو فهمه من كلام شيخ الإسلام من كتابي المحرر ونظم المفردات، وجاء فيهما أن الدراهم المكسرة إذا حرمها السلطان تجب القيمة. فبعضهم قال به في حال كساد الفلوس، لا في حال غلائها أو رخصها. وعلى فرض التسليم بصحة نسبة هذا القول إلى بعضهم، فقد رد البحث على هذا الاحتجاج بأنه لا يصح قياس هبوط قيمة الأوراق النقدية بالنسبة للسلع على ما نسب للعلماء السابقين بالنسبة للفلوس، لأن رخص الفلوس بالنسبة للذهب والفضة، لا بالنسبة للسلع، ولأنهم عللوا ذلك ببطلان الثمنية في الفلوس، بينما هبوط القوة الشرائية للنقود الورقية في هذا العصر لا يفقدها الثمنية، ولأنه لا يمكن قياس الأوراق النقدية على الفلوس، لأنها لم تصل إلى ما وصلت إليه الأوراق النقدية، لا من حيث انفرادها بالنقدية، ولا من حيث قبولها، ولا من حيث عمومها في جميع دول العالم، فهي لا تساويها فضلاً أن تتفوق عليها، ولهذا لا يصلح قياس الأعلى على الأدنى فلا يجعل الأدنى أصلاً والأعلى فرعاً، علماً أن قول هؤلاء العلماء لا يدل على جواز الربط، لأنه لم يكن متصوراً في زمانهم، وفرق بينه وبين القول برد قيمة الفلوس إذا رخصت أو غلت، لأن هذا من باب التعويض عن النقص أو الزيادة، وليس من باب الربط، لأن الربط اتفاق عند العقد.
14 -
أثبت البحث أن الربط لا يحقق الأهداف المرجوة منه، وهي تحقيق العدالة والقضاء على التضخم. بل تبين أن الربط يزيد التضخم.
15 -
التجارب التي طبقت لم يثبت نجاحها
16 -
قول دعاة الربط: إن النقود الورقية تتعرض لنقص قيمتها، كذلك فإن النقود الذهبية والفضية ترتفع، وتنخفض قيمة كل منهما.
17 -
الربط بمستوى الأسعار، ويقال له الربط القياسي، له مشكلاته العديدة، وقد بين البحث أهم هذه المشكلات.
18 -
محاولة تبرير الربط بمستوى الأسعار شرعاً، يجعل الفتاوى الشرعية تجري وراء مسلسل الفساد الاقتصادي، الوافد من الغرب، أو الشرق.
19 -
استقرار النقود، وثبات قيمتها هو العلاج الصحيح لمشكلة التضخم.
20 -
قدم البحث حلولاً وقائية، وحلولاً لحالة انخفاض القوة الشرائية للنقود بضوابط معينة.
21 -
من الحلول الوقائية.
أ - العمل على الوقاية من التضخم، قبل معالجة آثاره. وذلك بمنع أسبابه كما تم بيانها في البحث.
ب-توجيه رؤوس الأموال إلى الاستثمار، بدلاً من الربط بمستوى الأسعار.
ج- إذا خشي المقرضون من هبوط القيمة الشرائية للنقود، فيمكنهم أن يقرضوا سلعاً، أو ذهباً، أو عملات تتمتع باستقرار نسبي.
22 -
إذا كان هبوط العملة بسبب الحروب سواء كانت حروباً من دولة على دولة، أو حروباً داخلية، أو بسبب تهديدات عسكرية، أو زلازل، أو براكين،
أو فيضانات، أو أعاصير، مما لا دخل لآدمي - يمكن تغريمه- فيها إذا بلغ هبوط العملة الثلث فأكثر، ففي هذه الأحوال يعد هذا جائحة، يجب وضعها كلها تخريجاً على قول من قال من الفقهاء بوضع جميع الجائحة، واستدلالاً بالأحاديث الصحيحة، المذكورة في البحث.
23 -
إذا هبطت قيمة العملة بسبب الجائحة بناءً على الضوابط المذكورة في البحث فأرى أن ترد القروض والديون بكامل قيمتها قبل وقوع الجائحة، أو الأسباب المؤدية إليها.
24 -
إذا تحقق وصف الجائحة كما قدمنا فيجب أن تكون القيمة بنقود مغايرة لنقود عقد الدين، أو القرض حتى يختلف الجنس.
25 -
ما توصل البحث إليه يختلف عن ربط الديون والقروض بمستوى الأسعار، فالربط اشتراط عند العقد، يؤدي إلى جهالة ثمن المبيع، أو مقدار الوفاء بالقرض، لأنه يخضع لنسبة التضخم التي ستؤثر على قيم السلع التي ربط الدين بها. وهذا شرط باطل. ويؤدي -أيضاً- إلى الربا.
أما تعويض الدائن، أو المقرض، عند نقص قيمة الدين أو القرض، إذا بلغ النقص الثلث فأكثر، وبسبب وقوع الجائحة، كما وضحناه، فهو خال من الشرط المفسد للعقد، وليس فيه ربا، ولا يؤدي إلى جهالة مقدار القرض، أو الدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة، وأتم التسليم على نبينا محمد وآله، وصحبه أجمعين.
المراجع
1 -
آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي، موسى آدم عيسى، رسالة ماجستير من جامعة أم القرى، مطبوعة على الآلة.
2 -
أثر التضخم والكساد في الحقوق والالتزامات الآجلة، بحث للدكتور علي محيي الدين القره داغي، مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي، مطبوع على الآلة الكاتبة.
3 -
الإجماع، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر، مؤسسة الكتب الثقافية.
4 -
أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي، للدكتور ستر بن ثواب الجعيد، مكتبة الصديق، الطائف، الطبعة الأولى 1413 هـ 1993 م.
5 -
الإحكام في أصول الأحكام لسيف الدين أبي الحسن علي بن أبي على الآمدي، نشر مؤسسة الحلبي القاهرة، طبع دار الاتحاد العربي للطباعة، مصر، 1387 هـ.
6 -
الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، دار قتيبة للطباعة والنشر، دمشق، بيروت، دار الوعي، حلب، القاهرة، الطبعة الأولى، القاهرة سنة 1414 هـ-1993 م.
7 -
استعراض للمؤلفات الإسلامية حول ربط المعاملات بتغير الأسعار، للدكتور سي، م حسن الزمان، مقدم لندوة ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار جدة، شعبان 1407 هـ-1987 م.
8 -
الأشباه والنظائر، لزين العابدين بن إبراهيم بن نجيم، الناشر مؤسسة الحلبي وشركاه، القاهرة، مطابع سجل العرب، سنة 1387 هـ-1968 م.
9 -
إغاثة الأمة بكشف الغمة، للمقريزي، ضمن النقود العربية والإسلامية وعلم النميات، للكرملي، الطبعة الثانية، مكتبة الثقافة، القاهرة، الجيزة، سنة 1987 م.
10 -
إلغاء الفائدة من الاقتصاد، تقرير مجلس الفكر الإسلامي في الباكستان، نشر المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، الطبعة الثانية، مطابع جامعة الملك عبد العزيز، جدة سنة 1404 هـ-1984 م.
11 -
الفروق في اللغة، لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري، الطبعة الثانية، دار الآفاق الجديدة، بيروت سنة 1977 م.
12 -
الإفصاح عن معاني الصحاح، للوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن هبيرة، طبع ونشر المؤسسة السعودية، الرياض، سنة 1398 هـ.
13 -
الأم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
14 -
إنباء الغمر، لابن حجر العسقلاني، الناشر وزارة المعارف العثمانية بالهند، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، (ط الثانية سنة 1406 هـ) من الطبعة الأولى سنة 1387 هـ.
15 -
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى، مطبعة السنة المحمدية، مصر سنة 1374 هـ.
16 -
الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان، لأبي العباس نجم الدين بن الرفعة الأنصاري، تحقيق الدكتور محمد أحمد الخاروف، نشر مركز البحث العلمي، كلية الشريعة، مكة المكرمة، طبع دار الفكر، دمشق، سنة 1400 هـ-1980 م.
17 -
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين العابدين بن إبراهيم، الطبعة الثانية، دار المعرفة، بيروت.
18 -
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت سنة 1406 هـ-1986 م.
19 -
بدائع الفوائد، لابن القيم، دار الفكر للطباعة والنشر.
20 -
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لأبي الوليد محمد بن رشد القرطبي، الطبعة التاسعة، طبع ونشر دار المعرفة، بيروت، سنة 1409 هـ-1988 م.
21 -
البداية والنهاية، لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1377 هـ.
22 -
بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، لأحمد بن محمد الصاوي الطبعة الأخيرة، سنة 1372 هـ-1952 م، طبع ونشر شركة الحلبي، مصر.
23 -
بلوغ المرام بشرحه توضيح الأحكام، لابن حجر العسقلاني، وتوضيح الأحكام، للشيخ عبد الله البسام، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، الطبعة الأولى 1413 هـ-1992 م.
24 -
البيان والتحصيل، لأبي الوليد محمد بن رشد القرطبي، تحقيق الأستاذ أحمد الحبابي، نشر دار إحياء التراث الإسلامي، قطر، طبع دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة 1406 هـ-1986 م.
25 -
تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت.
26 -
التاج والإكليل لمختصر خليل (بحاشية مواهب الجليل) دار الفكر، الطبعة الثالثة، سنة 1412 هـ-1992 م.
27 -
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لعثمان بن علي الزيلعي، الطبعة الأولى، م الأميرية، مصر، 1313 هـ.
28 -
تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمر قندي، تحقيق الدكتور محمد زكي عبد البر، نشر دار إحياء التراث الإسلامي، قطر، الطبعة الثانية.
29 -
الترغيب والترهيب، لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، بيروت، 1406 هـ-1986 م.
30 -
التضخم وآثاره في المجتمع المعالجة في الإسلام (الربط القياسي) للدكتور محمد القري بن عيد، بحث مقدم إلى الحلقة الثانية في التضخم التي نظمها مجمع الفقه الإسلامي بالتعاون مع بنك فيصل الإسلامي البحريني، في كوالامبور 6 - 7 يوليو 1996 م.
31 -
التضخم وآثاره في المجتمع (مؤشرات وضوابط الربط القياسي)، للدكتور عبد الرحمن يسري، بحث مقدم لحلقة التضخم الثانية المنعقدة في كوالامبور عام 1996 م.
32 -
التضخم وآثاره في المجتمع للدكتور نزيه كمال حماد، بحث مقدم إلى حلقة التضخم الثانية المنعقدة في كوالامبور.
33 -
التضخم مدخل نظري لمفهومه وأسبابه، للدكتور شوقي دنيا، مقدم إلى ندوة التضخم حقيقته ومسبباته وأنواعه، حلقة العمل الأولى، جدة، رجب 1416 هـ ديسمبر 1995 م.
34 -
التضخم من الوجهة الشرعية، تعقيب الدكتور وهبة الزحيلي على بحث الدكتور شوقي دنيا.
35 -
التضخم والربط القياسي، دراسة مقارنة بين الاقتصاد الوضعي، والاقتصاد الإسلامي للدكتور شوقي أحمد دنيا، بحث مقدم إلى ندوة قضايا العملة، مطبوع على الآلة الكاتبة.
36 -
تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية، للدكتور أحمد حسن الحسني، دار المدني للطباعة والنشر، جدة، الطبعة الأولى، سنة 1410 هـ-1989 م.
37 -
تعقيب الشيخ محمد المختار السلامي على بحث الاتجاهات الشرعية لمعالجة التضخم من المصادر الفقهية، للدكتور عبد الستار أبو غدة، والبحث والتعقيب مقدمان إلى ندوة التضخم وآثاره على المجتمعات، المنعقدة في كوالامبور، يوليو 1996 م.
38 -
تغير النقود وأثره على الديون، للدكتور نزيه كمال حماد، دار الفاروق، الطائف، السعودية، الطبعة الأولى، المطبعة الأهلية للأوفست، الطائف، سنة 1411 هـ-1990 م.
39 -
تغير قيمة العملة في الفقه الإسلامي، بحث للدكتور عجيل النشمي، منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، عدد 12.
40 -
التغيرات التي تؤثر في قيمة النقود، للدكتور حسن الشاذلي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، بجدة، عدد 5 ج 3.
41 -
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، المكتبة التجارية، مصر.
42 -
تقلبات القوة الشرائية للنقود، بحث للدكتور شوقي أحمد دنيا، منشور في مجلة المسلم المعاصر، عدد 41، سنة 1985 م.
43 -
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق مجموعة من الأساتذة، الطبعة الثانية، سنة 1402 هـ-1982 م، (الناشر، والمطبعة وبلدها بدون).
44 -
توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، للشيخ عبد الله شيخ محفوظ بن بيه.
45 -
التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح، لشهاب الدين أحمد بن محمد الشويكي، مخطوط، مصور بمركز البحث العلمي، بجامعة أم القرى.
46 -
تنبيه الرقود على مسائل النقود، ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين، لمحمد أمين ابن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
47 -
تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مراجعة على محمد البجاوي، الدار المصرية للتأليف والترجمة، مصر.
48 -
توضيح الأحكام: للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، الطبعة الأولى، 1413 هـ-1992 م.
49 -
جامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لأبي السعادات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري، الطبعة الأولى، مطبعة السنة المحمدية، سنة 1368 هـ-1949 م.
50 -
جامع العلوم والحكم، لأبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن رجب، نشر مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.
51 -
الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.
52 -
جواهر الإكليل بشرح مختصر خليل، للشيخ صالح عبد السميع الآبي، دار الفكر، بيروت.
53 -
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، للشيخ عرفة الدسوقي، نشر دار الفكر، بيروت.
54 -
حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل، الشيخ محمد بن أحمد الرهوني، نشر دار الفكر، بيروت، مصور من الطبعة الأولى، بالمطبعة الأميرية بمصر، سنة 1306 هـ.
55 -
حاشية الشبراملسي، مع نهاية المحتاج.
56 -
حاشية المدني على كنون، مع حاشية الرهوني.
57 -
حاشية القليوبي، لشهاب الدين بن أحمد بن سلامة القليوبي، دار الفكر.
58 -
الحاوي الكبير، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الناشر المكتبة التجارية، مكة المكرمة، مطبعة دار الفكر، بيروت، سنة 1414 هـ-1994 م.
59 -
حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقرض بفوائد، للدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي، منشور بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الواحد والعشرين، سنة 1414 هـ-1994 م.
60 -
الخراج، لأبي يوسف، تحقيق محمد إبراهيم البنا، دار الإصلاح، مطبعة دار النصر الإسلامية.
61 -
الخرشي على مختصر خليل، لمحمد الخرشي المالكي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
62 -
الدر المختار شرح تنوير الأبصار، لمحمد بن علي الحصكفي (مع رد المحتار).
63 -
دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي، للدكتور عبد الرحمن يسري، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية 1988 م.
64 -
درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية، لعلي حيدر، تعريب المحامي علي فهمي الحسيني، منشورات مكتبة النهضة، بيروت، بغداد، توزيع دار العلم للملايين، بيروت ومعه مجلة الأحكام العدلية.
65 -
الدرر السنية في الأجوبة النجدية، لمجموعة من العلماء، جمع عبد الرحمن بن قاسم العاصمي.
66 -
الذخيرة، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، حققها مجموعة من الأساتذة، نشر دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، مطبعة دار صادر بيروت.
67 -
الربط القياسي، للدكتور فولكر نينهوس، مقدم إلى ندوة التضخم حقيقته ومسبباته وأنواعه وآثاره، الحلقة الأولى، جدة، رجب 1416 هـ ديسمبر 1995 م.
68 -
ربط القيمة بتغير الأسعار، محمد عبد المنان، بحث مقدم إلى ندوة ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار، جدة، شعبان 1407 هـ-1987 م.
69 -
رد المحتار على الدار المختار، لمحمد بن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
70 -
الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد شاكر، الطبعة الأولى، طبع شركة الحلبي، مصر، سنة 1358 هـ 1940 م.
71 -
الروض المربع شرح زاد المستقنع، (ومعه حاشية العاصمي)، للشيخ منصور بن يونس البهوتي، الطبعة الثالثة، سنة 1405 هـ.
72 -
روضة الطالبين، لأبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي، طبع ونشر المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت.
73 -
سنن أبي داود، لأبي سليمان بن الأشعث السجستاني، تعليق عزت الدعاس، وعادل السيد، الطبعة الأولى، طبع ونشر دار الحديث، بيروت، سنة 1391 هـ- 1971 م.
74 -
سنن الدارمي، لأبي عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق وتخريج السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، الناشر حديث أكاديمي، نشاط أباد، فيصل أباد، باكستان، سنة 1404 هـ - 1984 م.
75 -
السياسات العلاجية للتضخم في البلدان المتقدمة والنامية، للدكتور عبد الرحمن يسري أحمد، بحث مقدم للحلقة الأولى من ندوة التضخم حقيقته ومسبباته وأنواعه، التي نظمها مجمع الفقه الإسلامي، ومصرف فيصل الإسلامي البحريني، بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية، في جدة، رجب 1416 هـ ديسمبر 1995 م.
76 -
شرح الزرقاني لمختصر خليل، (مع حاشية الرهوني)، للشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني، نشر دار الفكر، الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية، مصر، سنة 1306 هـ.
77 -
شرح الزركشي على مختصر الخرقي، للزركشي، تحقيق عبد الله الجبرين، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، الرياض، سنة 1413 هـ-1993 م.
78 -
الشرح الصغير (بلغة السالك)، لأبي البركات أحمد الدردير، الطبعة الأخيرة، طبع ونشر شركة الحلبي، مصر، سنة 1372 هـ-1952 م.
79 -
الشرح الكبير، لأبي البركات أحمد الدردير، توزيع دار الفكر، بيروت.
80 -
شرح مختصر الروضة، لنجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1407 هـ-1987 م.
81 -
شرح منتهى الإرادات، للشيخ منصور بن يونس البهوتي، نشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
82 -
شرح منح الجليل، للشيخ محمد عليش، نشر مكتبة النجاح، طرابلس، ليبيا.
83 -
شرح منهاج الطالبين، لجلال الدين محمد بن أحمد المحلي، دار الفكر.
84 -
شركة المساهمة في النظام السعودي، دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي، نشر شركة العبيكان، الطبعة الأولى الخاصة بالعبيكان، عام 1440 هـ للدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي.
85 -
الصحاح، تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية، سنة 1402 هـ-1982 م.
86 -
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني، طبع ونشر المطبعة السلفية ومكتباتها، مصر.
87 -
صحيح الترمذي، بشرح ابن العربي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت.
88 -
صحيح مسلم بشرح النووي، لمسلم بن الحجاج النيسابوري، مطبعة الشعب، القاهرة.
89 -
طريقنا إلى نظرية متميزة في الاقتصاد الإسلامي، للدكتور أحمد عبد العزيز النجار، ضمن بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جدة 1400 هـ.
90 -
عرض وتقويم للكتابات حول النقود في إطار إسلامي، للدكتور محمد عبد المنعم عفر. مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، مطابع جامعة الملك عبد العزيز سنة 1414 هـ-1994 م.
91 -
عمدة التفسير عن الحافظ بن كثير، اختصار أحمد محمد شاكر وتحقيقه، مطبعة دار المعارف، مصر، سنة 1956 م.
92 -
العناية على الهداية (مع فتح القدير) لأكمل الدين محمد بن محمود البابرتي، الطبعة الأولى، مصر، سنة 1389 هـ-1986 م.
93 -
الفتاوى الهندية، تأليف الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، المطبعة الأميرية، مصر سنة 1310 هـ.
94 -
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم العاصمي، إشراف الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين، مكة المكرمة، طبع إدارة المساحة العسكرية، القاهرة، سنة 1404 هـ.
95 -
فتح العزيز شرح الوجيز (مع المجموع) للرافعي، الناشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
فتح القدير، لكمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي، مصر، سنة 1389 هـ-1970 م.
96 -
فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة، للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، نشر البنك الإسلامي للتنمية، جدة، الطبعة الأولى، مطابع سحر، جدة، سنة 1414 هـ-1993 م.
97 -
قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي، للدكتور علي محيي الدين القره داغي، الناشرون العرب، الطبعة الأولى، دار النصر للطباعة الإسلامية، القاهرة، سنة 1413 هـ-1993 م.
98 -
القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، دار الفكر، بيروت، 1403 هـ-1983 م.
99 -
قرة العين لفتاوى علماء الحرمين، فتاوى الشيخ حسين إبراهيم المغربي مفتي المالكية بمكة المكرمة، نشر المكتبة التجارية، مصر، مطبعة مصطفى محمد، مصر، سنة 1356 هـ-1937 م.
100 -
قطع المجادلة عند تغير المعاملة، ضمن الحاوي للفتيا، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتاب العربي، بيروت.
101 -
قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية، لمحمد بن أحمد بن جزي، طبعة جديدة، دار العلم للملايين، بيروت.
102 -
الكتاب السنوي للإحصائيات الدولية المالية التي يصدرها صندوق النقد الدولي، لعام 1995 م.
103 -
كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصها وأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزامات، للدكتور محمد علي القري بن عيد، بحث مقدم إلى الدورة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي، بجدة.
104 -
كشاف القناع عن متن الإقناع، للشيخ منصور بن يونس البهوتي، نشر مكتبة النصر الحديثة، الرياض.
105 -
لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت.
106 -
المبدع في شرح المقنع، لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح، الطبعة الأولى، طبع المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، سنة 1980 م.
107 -
المبسوط، لشمس الدين أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، مصر، سنة 1324 هـ.
108 -
مجلة الأحكام الشرعية، لأحمد بن عبد الله القاري، دراسة وتحقيق الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، والدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، الطبعة الأولى، طبع ونشر تهامة، جدة.
109 -
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الحادي والعشرون، السنة السادسة.
110 -
مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، سنة 1409 هـ-1988 م.
111 -
مجلة مجمع الفقه الإسلامي بمكة، العدد الثاني، سنة 1408 هـ.
112 -
مجمل اللغة لأحمد بن زكريا بن فارس، تحقيق زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، بيروت، سنة 1404 هـ-1984 م.
113 -
المجموع، للنووي، مع تكملته للسبكي، والتكملة الثانية للمطيعي، الناشر زكريا يوسف، مطبعة الإمام.
114 -
المحرر في الفقه، للشيخ مجد الدين أبي البركات ابن تيمية، مطبعة السنة المحمدية، سنة 1369 هـ-1950 م.
115 -
المحلى، لابن حزم، الناشر مكتبة الجمهورية العربية، مصر، مطبعة الاتحاد العربي.
116 -
مختصر المزني، للإمام الشافعي، دار المعرفة، بيروت.
117 -
المدونة الكبرى، للإمام مالك بن أنس، رواية سحنون، طبعة جديدة بالأوفست، دار صادر، بيروت.
118 -
المذهب عند الحنفية، للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، نشر مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، مطابع الصفا، مكة المكرمة.
119 -
مرشد الحيران، لمحمد قدري باشا، الناشر دار الفرجاني، القاهرة، طرابلس، ليبيا، لندن، ط الثانية، 1403 هـ - 1983 م.
120 -
مزايا ربط المعاملات بمستوى الأسعار ومساوئه، للدكتور منور إقبال، بحث مقدم إلى حلقة العمل حول ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار، شعبان سنة 1407 هـ نيسان 1987 م.
121 -
مسألة تغير قيمة العملة وربطها بقائمة الأسعار، بحث للقاضي تقي الدين العثماني، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس.
122 -
المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، تحقيق مصطفى عبد القادر السيد، دار الكتب العلمية، بيروت.
123 -
مسند الإمام أحمد مع الفتح الرباني، ترتيب أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي وتأليفه، طبعة دار العلم للطباعة والنشر، جدة.
124 -
مسند الإمام أحمد، تحقيق أحمد محمد شاكر، نشر دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مطبعة دار المعارف، مصر، سنة 1369 هـ-1950 م.
125 -
مشكلة التضخم في مصر، للدكتور رمزي زكي، الهيئة المصرية العامة للكتاب للنشر والطبع، الطبعة الأولى.
126 -
المصباح المنير، لأحمد بن علي المقري، مطبعة الحلبي، مصر.
127 -
معالم السنن، لأبي سليمان الخطابي (مع مختصر سنن أبي داود للمنذري).
128 -
المعاملات الشرعية المالية، لأحمد إبراهيم بيك، نشر مكتبة دار الأنصار، المطبعة الفنية.
129 -
معجم الأخطاء الشائعة، لمحمد العدناني، الناشر مكتبة لبنان، الطبعة الثانية، لبنان سنة 1983 م.
130 -
المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الطبعة الثالثة، مطابع الأوفست بشركة الإعلانات الشرقية، سنة 1405 هـ-1985 م.
131 -
معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، للدكتور نزيه كمال حماد، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عام 1415 هـ-1995 م.
132 -
معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، الطبعة الثانية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1389 هـ-1969 م.
133 -
معونة أولى النهى، للفتوحي، تحقيق عبد الملك بن دهيش، دار خضر، بيروت، الطبعة الأولى، 1416 هـ-1995 م.
134 -
مغني المحتاج، لمحمد الشربيني الخطيب، طبع ونشر شركة مكتبة ومطبعة الحلبي، مصر، سنة 1377 هـ-1958 م.
135 -
المغني، لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق الدكتور عبد الله التركي، وعبد الفتاح الحلو، الطبعة الأولى، مطبعة هجر، القاهرة، سنة 1409 هـ-1989 م.
136 -
مفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
137 -
مفهوم كساد النقود الورقية وأثره في تعين الحقوق والالتزامات الآجلة، للشيخ محمد المختار السلامي، بحث مقدم لدورة مجمع الفقه الإسلامي التاسعة.
138 -
مقدمة في النقود والبنوك، للدكتور محمد زكي شافعي، الطبعة السابعة، دار النهضة للطباعة والنشر، بيروت.
139 -
المقنع، لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، الطبعة الثالثة، 1393 هـ.
140 -
المنتقى شرح الموطأ، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، الطبعة الثانية، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
141 -
المنتقى من الأخبار بشرح نيل الأوطار، المنتقى لمجد الدين عبد السلام بن تيمية، ونيل الأوطار للشوكاني، دار الجليل، بيروت، دار الحديث، القاهرة.
142 -
المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد، لمنصور البهوتي، تحقيق عبد الله المطلق، إحياء التراث الإسلامي، قطر.
143 -
مواهب الجليل، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب، الطبعة الأولى مطبعة السعادة، مصر، سنة 1329 هـ.
144 -
الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط الثانية، مطبعة ذات السلاسل، الكويت.
145 -
موسوعة المصطلحات الاقتصادية، للدكتور حسين عمر، نشر دار الشروق، جدة، الطبعة الثالثة، مطبعة دار الشروق، القاهرة، سنة 1399 هـ-1979 م.
146 -
الموطأ، للإمام مالك بن أنس، رقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، طبع دار الحرمين، القاهرة، نشر دار الحديث، القاهرة.
147 -
موقف الشريعة الإسلامية من ربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعار، للشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، مقدم إلى ندوة ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار، جدة، شعبان 1407 هـ-1987 م.
148 -
موقف الشريعة من ربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعار، بحث للدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، مقدم إلى ندوة ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار، جدة، شعبان 1407 هـ- نيسان 1987 م، وقد نشر في مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، 5 ج 3.
149 -
نحو نظام نقدي عادل، للدكتور محمد عمر شبرا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سنة 1401 هـ-1981 م.
150 -
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي، الطبعة الأخيرة، شركة الحلبي، مصر، 1386 هـ-1967 م.
151 -
النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين المبارك بن محمد الجزري بن الأثير، تحقيق محمود الطناحي، وطاهر الزواوي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1399 هـ-1979 م.
152 -
الوصايا العشر كما جاءت في سورة الأنعام، بحث للدكتور محمد بن أحمد الصالح، نشر مجلة البحوث الإسلامية، تصدرها رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء العدد 44 عام 1416 هـ.
153 -
الهداية، شرح بداية المبتدي، لبرهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني، (مع فتح القدير).
المؤلف في سطور
هو: أبو عمر صالح بن زابن المرزوقي البقمي
حصل على البكالوريوس من كلية الشريعة بمكة المكرمة في العام الدراسي 1390، كما حصل على الماجستير من نفس الكلية عام 1395 هـ، وحصل على الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة أم القرى عام 1403 هـ وحصل على درجة أستاذ مشارك، ثم درجة أستاذ.
الخبرات العلمية:
• رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية.
• رئيس قسم الدراسات العليا الشرعية.
• درّس الفقه، والقواعد الفقهية، والشركات، في كلية الشريعة بمكة المكرمة، والدراسات العليا الشرعية.
• درّس فقه النوازل والشركات في المسجد الحرام.
• ناقش عدداً كثيراً من رسائل الماجستير والدكتوراه.
• شارك في أكثر من خمسين مؤتمراً وندوة، داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.
عضوية المجالس واللجان العلمية:
شارك في عدد كثير من المجالس واللجان منها:
1 -
عضو المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.
2 -
عضو مجلس الشورى لدورتين منذ عام 1426 هـ إلى عام 1433 هـ.
3 -
الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي منذ 20/ 12/ 1419 هـ حتى 1/ محرم عام 1444 هـ.
4 -
رئيس تحرير مجلة (المجمع الفقهي الإسلامي) بالرابطة.
5 -
عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.
6 -
رئيس اللجنة الشرعية لهيئة الإغاثة الإسلامية.
7 -
رئيس لجنة الفتوى برابطة العالم الإسلامي.
8 -
عضو لجنة الموسوعة الفقهية الاقتصادية بمجمع الفقه الإسلامي الدولي.
9 -
عضو لجنة التصنيف والرقابة للبنوك الإسلامية.
10 -
عضو الهيئة العالمية للاقتصاد الإسلامي.
مؤلفاته:
له مؤلفات كثيرة، منها:
1 -
شركات العقد في الشرع الإسلامي، وهي رسالة الماجستير، وهو هذا الكتاب.
2 -
شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي. وهي رسالة الدكتوراه وقد طبعتها جامعة أم القرى عام 1406، ثم طبعتها شركة العبيكان عام 1440 هـ-2019 م، وقد أجرى المؤلف عليها تعديلات كثيرة، وذلك بعد صدور نظام الشركات السعودي عام 1437 هـ.
3 -
حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقترض بفوائد، نشر في العدد (21) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
4 -
حكم الإسهام في شركات القطاع العام التي يدخل الربا في نشاطها، نشر في العدد الأول من المجلد العاشر، من مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، إصدار معهد البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية.
5 -
حكم الاكتتاب أو المتاجرة في أسهم الشركات المختلطة، نشرته مكتبة العبيكان 1429 هـ.
- تجارة الذهب في أهم صورها وأحكامها، نشر في ج/ 1 من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي العدد (9).
7 -
حُسن وفاء الديون وعلاقته بالربط بتغيّر المستوى العام للأسعار، نشر في الجزء (3) عدد (8) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
8 -
الاتجار في العملات عبر وسائل الاتصال الحديثة وأشهر صور المضاربة المطبقة في الأسواق العالمية، نشر في العدد (39) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة.
9 -
موقف الشريعة الإسلامية من ربط القروض والديون بمستوى الأسعار، سبق نشره في العدد (32) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
10 -
ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو بعملة معينة أو بسلة من العملات، نشر في العدد (43) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
11 -
حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراءً واقتناءً، نشرته مكتبة الرشد.
12 -
حدود حرية الفكر في الشريعة الإسلامية، نشر في العدد (14) من مجلة المجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة.
13 -
حكم بيع الحلي بجنسه، نشرته مكتبة الرشد.
14 -
المحرر في الإرهاب أسبابه وحلول عملية لمواجهته وجهود المملكة العربية السعودية في محاربته، تحت النشر.
15 -
من تجب عليه زكاة أسهم الشركات المساهمة، سبق نشره في العدد (68) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
16 -
تحرير القول في زكاة أسهم الشركات بالنظر إلى نوع نشاطها، سبق نشره في العدد (117) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
17 -
استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها، سبق نشره في العدد (56) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
18 -
الشامل في زكاة الأسهم واستثمار أموال الزكاة، نشر في مكتبة الرشد.
19 -
ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو الفضة أو بسلة من العملات أو بمستوى الأسعار وحكمه شرعاً. وأصله 9 و 10 من المؤلفات السابقة مع بعض التعديلات والإضافات.
20 -
شركات التمويل الإسلامية العاملة في أمريكا دراسة وتقويم لنماذج منها. قدِّم هذا البحث على مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.