المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرسالة الثالثة عشرة   رفع الانتقاض ودفع الاعتراض على قولهم الأيمان مبنية - رفع الانتقاض ودفع الاعتراض على قولهم الأيمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض - ط إسطنبول

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

الرسالة الثالثة عشرة

رفع الانتقاض ودفع الاعتراض على قولهم الأيمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض

لخاتمة المحققين السيد محمد امين الشهير بابن عابدين

رحمه الله تعالى آمين

ص: 291

الرسالة الثالثة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الاحد. والصلاة والسلام على سيدنا محمد السيد السند. وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان على طول الابد (اما بعد) فيقول راجي عفو ربه واسير وصمة ذنبه * محمد امين. ابن عمر عابدين. غفر الله تعالى له ولوالديه * ولمن له حق عليه (هذه رسالة سميتها رفع الانتقاض، ودفع الاعتراض. على قولهم الأيمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض. اذكر فيها ما يفتح على به المولى الأكرم. الذى علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. على ما وصل إليه فهمى. وانتهى إليه علمى. بما ذكره علماؤنا الراسخون. وسلفنا الاقدمون. بوأنا الله تعالى واياهم دار السلام. وحشرنا في زمرتهم تحت لواء سيد الانام. عليه الصلاة والسلام.

(فنقول) اعلم أن ائمتنا الحنفية صرحوا في كتبهم بان الإيمان عندنا مبنية على الالفاظ لا على الاغراض وصرحوا أيضًا بأنها مبنية عندنا على العرف وفرعوا على الأصلين المذكورين مسائل عديدة وبين هذين الأصلين مناقضة بحسب الظاهر، وكذا في بعض الفروع المفرعة عليهما خفاء لا يدركه إلا الماهر. وقد خفى ذلك على كثير من الناظرين. وحارت فيه افكار الفضلاء الكاملين. فضلا عن القاصرين. فلنتكلم على ذلك بما يوضح الحال ويزيح الاشكال. بعون رب العالمين (قال) في الأشباه والنظاير قاعدة الأيمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض فلو اغتاظ من إنسان فحلف أن لا يشترى له شياء بفلس فاشترى له بمائة درهم لم يحنث ولو حلف لا يبيعه بعشرة فباعه باحد عشر أو بتسعة لم يحنث مع ان غرضه الزيادة لكن لا حنث بلا لفظ ولو حلف لا يشتريه بعشرة فاشتراه باحدى عشر حنث وتمامه في تلخيص الجامع الكبير وشرحه للفارسي انتهى كلام الأشباه. وهذا بحسب مع الظاهر مشكل من وجهين. الأول أن هذا الأصل وبعض الفروع المذكورة مخالف لقولهم الايمان مبنية على العرف. الثاني أن الفرع الأخير موافق لبناء الإيمان على العرف ومخالف لبنائها على الالفاظ أنه مفرع عليه لكن صاحب الأشباه احال تمام تقرير المسئلة إلى تلخيص الجامع الكبير وشرحه للفارسي فنذكر جملة كلامهما فإن فيه البيان الشافي. والتقرير الوافي. ونشرح ما في ذلك من الخفاء ليظهر المراد. نفعا للعباد (واعلم) اولا أن هذا الموضع من

ص: 292

المحلات المشكلة. والمسائل المعضلة * فعليك أن تتلقاه بفكر خال وقال. لكى يتذلل لك أبيه وينقاد * وممن نبه على صعوبة هذا المحل الإمام جمال الدين الحصيرى في كتابه التحرير شرح الجامع الكبير حيث قال في باب اليمين في المساومة كما نقله عنه الفارسي في شرحه تحفة الحريص ما نصه وروى عن القاضي الجليل السجزى رحمه الله تعالى أنه قال لأصحابه هلموا نطارح مسائل الجامع فسألوه عن مسائل هذا الباب فقال ايتونى بالين من هذا وروى عن الشاشي رحمه الله تعالى الذي كان من أصحاب الكرخي رحمه الله تعالى أنه قال قرأنا كتاب الجامع على الكرخي فلما انتهينا إلى هذا الباب وضع نكتة لتخريج مسائل الباب فانتقضت بمسئلة ثانية من الباب ثم وضع نكتة أخرى فانتقضت بمسئلة ثالثة ثم وضع نكتة أخرى فانتقضت بالرابعة فقام وترك الدرس يومئذ قال ذكر مشايخنا هاتين الحكايتين لبيان الصعوبة انتهى ولنذكر من مسائل هذا الباب ما يخص غرضنا المقصود فنقول مستمدين العون من الملك المعبود (قال) الإمام صدر الدين أبو عبد الله محمد بن عباد بن ملك داد

(1)

الخلاطي في كتابه الذي لخص به كتاب الجامع الكبير للإمام محمد بن الحسن في باب اليمين في المساومة حلف لا يشتريه بعشرة حنث باحد عشر ولو حلف البائع لم يحنث به لأن مراد المشترى المطلقة ومراد البائع المفردة وهو العرف ولو اشترى أو باع بتسعة لم يحنث لأن المشترى مستنقص والبائع وإن كان مستزيدا لكن لا يحنث بالغرض بلا مسمى كمن حلف لا يخرج من الباب أو لا يضرب سوطا او لا يشتريه بفلس أو ليغدينه اليوم بالف فخرج من السطح وضرب بعصا واشترى بدينار وغدى برغيف مشترى بالف لم يحنث كذا بتسعة ودينار او ثوب وبالعرف يخص ولا يزاد حتى خص الرأس بما يكبس ولم يرد الملك في تعليق طلاق الأجنبية بالدخول انتهى.

(وقال) شارحه الشيخ الإمام علاء الدين أبو الحسن على بن بلبان بن عبد الله الفارسي الحنفى في شرحه المسمى تحفة الحريص في شرح التلخيص رجلان تساوما ثوبا فحلف المشترى أنه لا يشتريه بعشرة فاشتراه بأحد عشر الحنث في يمينه لأنَّه اشتراء بعشرة وزيادة

(2)

والزيادة على شرط الحنث لا تمنع الحنث كما لو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها ودخل

(1)

قال شارحه ملك داد اسم مركب من كلمة عربية وهى ملك وكلمة فارسية وهى داد ومعناها قيل اما العدل الذى هو خلاف الظلم واما العطاء فيكون ملخص معنى هذا الاسم عطاء الملك لأنهم يقدمون المضاف إليه على المضاف ويحتمل أن يكون معناه عدل الملك والله تعالى اعلم انتهى منه.

(2)

قوله وزيادة وهي الدرهم الحادى عشر فشرط حنثه وجود الفعل المحلوف عليه وهو الشراء بالعشرة فإذا اشترى باحد عشر فقد وجد شرط الحنث وزيادة والزيادة لا تمنع الحنث ولا يقال أن الاحد عشر غير العشرة وهو قد خلف على العشرة لانا نقول مراد المشترى العشرة المطلقة الشاملة للمفردة والمقرونة كما يأتى فمراده بالشراء بعشرة التزام العشرة ازاء المبيع مجازا لا القعد بالعشرة منه.

ص: 293

دارا أخرى (ولو) كان الحالف البائع لا يبيعه بعشرة فباعه باحد عشر لم يحنث لحصول شرط بره لأن غرضه الزيادة على العشرة وقد وجد * وهذا لأن البيع بالعشرة نوعان بيع بعشرة مفردة وبيع بعشرة مقرونة بالزيادة ففي المشترى اللفظ مطلق لا دلالة فيه على تعيين أحد النوعين فكان مراده العشرة المطلقة والشراء بعشرة له حقيقة وهو العقد بعشرة ومجاز وهو التزام عشرة بإزاء هذا الثوب لأن الشراء عقدو فيه التزام الثمن وقد دل حال الحالف على ارادة المجاز لان الحامل

(3)

له على اليمين معنى التزام الثمن فحمل عليه. أما البائع فمراده البيع بعشرة مفردة بدلالة الحال إذ غرضه أن يزيده المشترى على العشرة ولم يوجد شرط حنثه وهو البيع بعشرة منفردة فلا يحنث وهذا هو المتعارف بين الناس فيحمل اليمين على ما تعارفوه (ولو) اشتراه المشترى او باعه البائع بتسعة لم يحنث واحد منهما أما المشترى فلانه مستنقص فكان شرط بره الشراء بانقص من عشرة وقد وجد واما البائع فلانه وإن كان مستزيدا للثمن على العشرة إلا أنه لا يحنث بفوات الغرض وحده بدون وجود الفعل المسمى وهو البيع بعشرة فلا يحنث. وهذا لأن الحنث انما يثبت بما يناقض البر صورة وهو تحصيل ما هو شرط الحنث صورة وللمحالف في الاقدام على اليمين غرض (فإذا) وجد الفعل الذى هو شرط الحنث صورة وفات غرضه به فقد فات شرط البر من كل وجه فيحنث (أما) إذا وجد صورة الفعل الذي هو شرط في الحنث بدون فوت الفرض أو بالعكس لا يكون حنثا مطلقا فلا يترتب عليه حكم الحنث وصار كمن حلف لا يخرج من الباب فخرج من جانب السطح أو حلف لا يضرب عبده سوطا فضربه بعصا أو حلف لا يشترى لامرأته شيأ بفلس فاشترى لها شيأ بدينار أو حلف ليغدين فلانا اليوم بألف درهم فغداه برغيف مشتري بألف لم يحنث في هذه الصور كلها وإن كان غرض الحالف في المسئلة الأولى القرار في الدار وفي الثانية الامتناع عن ايلام العبد وفي الثالثة ايذاء المرأة وعدم الانعام عليها،

(3)

الحامل اسم ان ومعنى تميز والتزام خبرها منه

ص: 294

وفي الرابعة كون ما يغديه به كثير القيمة، وكذا لو اشتراء المشترى أو باعه البائع بتسعة ودينار أو بتسعة وثوب لم يحنث. أما المشترى فلان شرط حنثه لم يوجد لا حقيقة ولا مجازا أما حقيقة فلان العقد ليس بعشرة. واما مجازا فلانه لم يلتزم العشرة بازاء المبيع والمشترى وإن كان مستنقصا يمينه الثمن عن العشرة إلا أن ذلك غرض وبالغرض يبر

(1)

ولا يحنث لما قلنا واما البائع فلعدم وجود شرط الحنث صورة وهو البيع بعشرة مع تحقق شرط بره وهو الزيادة على العشرة اذ غرضه الزيادة وبالغرض يتحقق البر دون الحنث لما قلنا انتهى كلام شرح التلخيص وسنذكر تمامه.

(تنبيه) لتوضيح ما مر اعلم أن الحالف على شيء لابد أن يكون له في الاقدام على اليمين غرض ثم ان ذلك الغرض قد يكون نفس الفعل الذي سماه مثل لا ادخل هذه الدار فالفعل المحلوف عليه عدم الدخول وهو الغرض ومثل لادخلن هذه الدار فالفعل هو الدخول وهو الغرض وقد يكون الغرض هو ذلك الفعل المسمى فقط او مع شيء آخر مثل لا اشتريه بعشرة فالفعل هو عدم الشراء بعشرة والغرض هو عدم الشراء بها وبما فوقها لأنَّه مستنقص فمراده الشراء بما دونها وكذا لا أبيعه بعشرة فإن الغرض هو عدم البيع بالعشرة المسماة وبما دونها لأنَّه مستزيد فمراده البيع بما فوقها وقد يكون الغرض امرا خارجا عن الفعل المسمى ولا يكون المسمى مرادا اصلا مثل لا اضع قدمى في دار فلان فإن الفعل المسمى المحلوف عليه هو عدم وضع القدم والغرض المنع عن الدخول مطلقا والمسمى غير مراد حتى لو وضع قدمه ولم يدخل لم يحنث. ثم أن البر لا يتحقق إلا بتحقق الغرض فصار حصول الغرض شرطا للبر ومن المعلوم ان الحنث نقيض البر فالحنث لا يتحقق إلا بما يفوت الغرض وهو عدم الفعل المحلوف عليه اثباتا او نفيا ففى لا ادخل انما يتحقق الحنث بالدخول وفى لادخلن بعدمه فإذا تحقق الفعل الذي هو شرط الحنث وفات به الغرض فقد فات شرط البر من كل وجه فيتحقق الحنث المطلق المترتب عليه حكمه من لزوم كفارة ونحوها لتحقق شرطه وهو وجود الفعل المفوت للغرض لأن شرط الحنث الكامل هو وجود الفعل مع فوات الغرض أما إذا وجد صورة الفعل بدون فوت الغرض أي بان وجد معه الغرض أو بالعكس أي عكس الوجه الأول الذى هو وجود الفعل مع فوت الغرض بان وجد الغرض وفات الفعل وعكس الثاني الذى هو وجود الفعل والغرض أيضًا بأن فات كل من الفعل والغرض فلا يتحقق الحنث في كل من صورتي العكس

(1)

قوله وبالغرض يبر فيه نظر منه

ص: 295

المذكورتين والصورة التي قبلهما لعدم وجود شرط الحنث الكامل (فالحاصل) أن الاوجه أربعة لأنَّه اما أن يوجد حقيقة الفعل ويفوت الغرض. أو توجد صورة الفعل والفرض أو يوجد الغرض فقط ويفوت الفعل. أو لا يوجد شيء منهما والحنث انما يتحقق في الوجه الأول فقط دون الثلاثة الباقية. مثال الأول الشراء بأحد عشر في المسئلة الأولى من المسائل الاربع المتقدمة في أول عبارة تلخيص الجامع لأن الفعل المحلوف عليه الشراء بعشرة وغرض المشترى الحالف نقص الثمن عن العشرة فإذا اشترى بأحد عشر فقد اشترى بعشرة وزيادة ووجدا لفعل المحلوف عليه وفات الغرض وهذا هو شرط الحنث المطلق المترتب عليه حكمه فلذا قالوا أنه يحنث ولا يقال ان الشراء بعشرة معناه الحقيقي عقد الشراء بعشرة والعقد بأحد عشر غير العقد بعشرة فلم يوجد الفعل المحلوف عليه لانا نقول أن الشراء بعشرة له معنى حقيقى وهو ما ذكرته ومعنى مجازى وهو التزام العشرة بإزاء الثوب المبيع ومراد المشترى هو المعنى المجازى بقرينة حالية وهى أن الحامل له على اليمين من جهة المعنى هو التزام الثمن وذلك الثمن هو العشرة التى سماها والعشرة تطلق على العشرة المفردة وهى هذا الكم المنفصل الذى هو آخر مراتب الآحاد واول مراتب العشرات وتطلق على المقرونة أي العشرة التي قرنت بغيرها من الاعداد ولما كان غرض المشترى نقص الثمن عن العشرة وعدم التزامها بإزاء المبيع علم أن مراده مطلق العشرة أي الشاملة للمفردة والمقرونة فإذا اشترى بالمفردة فلا كلام في أنه قد وجد الفعل وفات الغرض فيحنث وكذا لو اشترى بالمقرونة لأن غايته أنه وجدت العشرة التي امتنع من التزامها في الثمن ووجد معها زيادة وهى الدرهم الحادى عشر مثلا وإذا وجد شرط الحنث ووجد معه زيادة فتلك الزيادة لا تمنع الحنث كما لو حلف لا يدخل هذه لدار فدخلها ودخل دارا أخرى فإنه يحنث وإن زاد على شرط الحنث (ومثال) الوجه الثاني البيع بأحد عشر في المسئلة الثانية من المسائل الاربع المذكورة فإنه وجدت صورة الفعل المحلوف عليه وهو البيع بعشرة التي في ضمن الاحد عشر ووجد أيضًا الغرض لأن غرض البائع الحالف الزيادة على العشرة وقد وجدت فلا يحنث لأن شرط الحنث وجود الفعل مع فوت الغرض وهنا لم يفت الغرض بل وجد على أن الفعل في الحقيقة لم يوجد ايضا لان مراد البائع في قوله لا ابيعه بعشرة العشرة المفردة أما العشرة المقرونة بالزيادة فإنه غير ممتنع عنها بل طالب لها وهي غرضه فإذا باع بأحد عشر فقد وجد غرضه ولم يوجد الفعل المحلوف عليه حقيقة أي الذى أراد منع نفسه عنه وإنما وجد صورة في ضمن الاحد عشر ولذا قيد

ص: 296

الشرط بقوله أما إذا وجد صورة الفعل والا فحقيقة الفعل لم توجد وكيف توجد حقيقة الفعل الذى هو شرط الحنث مع وجود الغرض الذي يحصل به البر وهما متناقضان (ومثال) الوجه الثالث الشراء بتسعة في المسئلة الثالثة من الاربع المذكورة لأن المشترى الحالف مستنقص عن العشرة فإذا اشترى بتسعة فقد وجد غرضه ولم يوجد الفعل المحلوف عليه أصلا فيكون قد وجد شرط البر الكامل وفات شرط الحنث من كل وجه فلا يحنث (ومثال) الوجه الرابع البيع بتسعة في المسئلة الرابعة من المسائل الاربع لأن البائع طالب للزيادة فإذا باع بتسعة وقد حلف لا يبيع بعشرة لم يوجد الفعل المحلوف عليه وهو العشرة ولا الغرض وهو الزيادة فحيث فات الفعل لم يتحقق شرط الحنث الكامل وإن فات الغرض لأن فوت الغرض لا يوجب الحنث ما لم يوجد الفعل لأن الحنث شرطه وجود الفعل المفوت للغرض كما مر فلذا لا يحنث. ومثله المسائل الاربع الثانية المتقدمة في عبارة الجامع في قوله كمن حلف لا يخرج من الباب الخ فإنه لم يوجد فيها الفعل ولم يوجد الغرض أيضًا بل فات لأنَّه حلف لا يخرج من الباب وغرضه القرار في الدار فإذا خرج من السطح فات الفرض لكن لم يوجد الفعل وهو الخروج من الباب ومثله لا اشتريه بعشرة فاشتراه بتسعة ودينار فانه وإن كان غرضه منع نفسه عن الشراء بعشرة وباكثر منها ثمنية لكنه لم يوجد الفعل وهو الشراء بعشرة لا حقيقة ولا مجازا وكذا لو باعه بذلك لا يحنث بالاولى لأنَّه لم يوجد الفعل ولكنه حصل الغرض لأن البائع مراده البيع بأكثر من العشرة من حيث العدد أو الثمنية (فقد) ظهر وجه الحكم المذكور في كل من المسائل المذكورة وتفريعها على أن الإيمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض أي انها تبنى على ما تلفظ به الحالف من الفعل المحلوف عليه المناقض للغرض فإذا وجد الفعل المذكور ثبت الحنث المطلق والا فلا ولا تبنى على الغرض فلا يقال أن المعتبر غرض الحالف فإن فات الغرض حنث سواء وجد الفعل أولا وإن وجد الغرض لا يحنث سواء فات الفعل او لا لأن المعتبر اللفظ والغرض لا يعتبر إلا إذا وجد معه اللفظ وهذا ما أشار إليه في تلخيص الجامع بقوله وبالعرف يخص ولا يزاد (قال) شارحه الفارسي رحمه الله تعالى وقوله في المتن وبالعرف يخص ولا يزاد جواب عن سؤال مقدر. وهو أن يقال غرض المشترى من اليمين عرفا النقصان عن عشرة فإذا اشترى بتسعة ودينار أو بتسعة وثوب لم يوجد النقصان بل وجدت الزيادة من حيث القدر والمالية فوجب أن يحنث وكذا البائع بتسعة مفردة وجب أن يحنث لأن المنع عن ازالة ملكه بعشرة منع عن إزالته بتسعة عرفا كما ان امتناع

ص: 297

المشترى عن التزام عشرة بإزاء المبيع امتناع عن التزام أحد عشر * والجواب عن الأول أن الحكم لا يثبت بمجرد الغرض وإنما يثبت باللفظ والذي تلفظ به المشترى لا يحتمل الشراء بتسعة ودينار او ثوب اذ الدرهم لا يحتمل الدينار ولا الثوب ولا يمكن أن يجعل مجازا عن الشراء بما يبلغ قيمته عشرة باعتبار الغرض في العرف لأنَّه لا تجوز الزيادة على اما ليس في لفظه بالعرف لما يذكره

(1)

ولهذا لو حلف لا يشتريه بدرهم فاشتراه بدينار لم يحنث. واما الجواب عن الثاني أي عن قوله وكذا البائع بتسعة الخ فهو أن نقول الملفوظ هو العشرة وطلب الزيادة على العشرة ليس في لفظ البائع وليس هو محتمل لفظه اذ اسم العشرة لا يحتمل التسعة ليتعين بغرضه والزيادة على اللفظ بالعرف لا تجوز بخلاف الشراء بتسعة

(2)

لأن العشرة في جانب المشترى تحتمل عشرة مفردة وعشرة مقرونة فتتعين إحداهما بغرضه اذ العام يجوز تخصيصه وتقييده بالعرف كما خص الرأس فيما إذا حلف لا يأكل رأسا بما يكبس في التنور ويباع في المصر وهو رأس الغنم والبقر عند أبي حنيفة لأنَّه المتعارف في زمانه وبرأس الغنم خاصة عندهما لأنَّه المتعارف في زمانهما ولا يحنث برأس العصفور ونحوه. وكذا إذا اشترى بألف درهم وفي البلد نقود مختلفة يخص الثمن بالنقد الغالب بدلالة العرف وهذا لأن تخصيص اللفظ بالنية جائز وهو إرادة الحالف وحده فتخصيصه بالعرف أولى لأنَّه ارادة جميع الناس. أما الزيادة على ما شرط الحالف بدلالة العرف لا تجوز لأنَّه لا تأثير لها في جعل ما ليس بملفوظ ملفوظا. ولهذا لو قال لاجنبية ان دخلت الدار فانت طالق كان لغوا ولا يراد الملك في لفظه بالعرف ليصير كأنه قال ان دخلت الدار وانت في نكاحي فانت طالق وإن كان المتعارف فيما بين الناس لأن الملك ليس بمذكور في لفظه ولا تأثير للعرف في جمل ما ليس بملفوظ ملفوظا انتهى كلام الفارسي في شرحه على تلخيص الجامع وفيه نوع خفاء ناشئ عن سقط أو تحريف. يدركه ذو الذهن الصافي والطبع اللطيف.

(خاتمة) في توضيح هذا المقام. بما يرفع الشبه

(1)

قوله لما يذكره أي في قوله ولهذا لو قال لاجنبية الخ منه

(2)

قوله بخلاف الشراء بتسعة الخ جواب عن قوله كما أن امتناع المشترى عن التزام عشرة الخ لكن في هذا الكلام نظر لا يخفى على من له المام والظه أن هنا سقطا من الكاتب والأصل في العبارة هكذا ومثله الشراء تسعة بخلاف الشراء بأحد عشر فإنه يحنث لأن العشرة في جانب المشترى يراد بها المطلقة الشاملة للمفردة والمقرونة بخلاف البيع لأن العشرة في جانب البائع تحتمل عشرة مفردة وعشرة مقرونة الخ هذا ما ظهر لي فتأمله منه

ص: 298

ولاوهام. اعلم أن استعمال الالفاظ فيما وضعت له لغة تسمى حقيقة وقد تستعمل في غيره لقرينة ويسمى مجازا بالنظر إلى وضع اللغة. ثم هذا المجاز قد يعرض له كثرة استعمال عند قوم بحيث لا يستعمل اللفظ في غيره أو يستعمل قليلا فيصير ذلك اللفظ حقيقة عرفية عامة أو خاصة. فالعامة كالدابة فإنها في أصل الوضع اسم لما يدب على الأرض ثم خصصت بذوات الاربع مما يركب وشاع العرف العام بذلك حتى صار استعمال اللفظ فيه حقيقة عرفية لا يراد به غيرها حتى تركت به الحقيقة الأصلية وهذه حقيقة عرفية لغوية أيضًا ففي القاموس الدابة مادب من الحيوان وغلب على ما يركب انتهى والعرفية الخاصة كالالفاظ المصطلح عليها في الشرع أو في عرف طائفة كالصلاة والحج فانهما في اللغة اسم للدعاء والمقصد إلى معظم ثم خصا فى عرف الشرع بهذه الأفعال المخصوصة وكالفاعل والمفعول في عرف النحوى والوتد والسبب في عرف العروضي. فهذا القسم أيضًا شاع عند أهله حتى صار حقيقة عرفية اصطلاحية بحيث لا يفهم منه في تخاطبهم غيره وتركت به الحقيقة الأصلية. فالعرف له اعتبار في الكلام لأنَّه السابق إلى الافهام وذكر السيد الشريف قدس سره في حواشي المطالع أن اللفظ عند أهل العرف حقيقة في معناه العرفى مجاز في غيره. وقد صرح الاصوليون بان الحقيقة تترك بدلالة العادة كالنذر بالصلاة والحج. وصرح المحقق ابن الهمام في تحرير الأصول في بحث التخصيص أن العرف العملى لقوم مخصص للفظ العام الواقع في مخاطبتهم عند الحنفية خلافا للشافعية كما لو قال حرمت الطعام وعادتهم اكل البر انصرف الطعام إليه أي إلى البر وهو أي قول الحنفية هو الوجه أي المعتبر واما تخصيص العام بالعرف القولى وهو أن يتعارف قوم إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه إلا ذلك المعنى فمحل اتفاق كإطلاق الدابة على الحمار والدراهم على النقد الغالب انتهى موضحا وتمامه فيه وقال في البحر من كتاب الوقف نقلا عن فتاوى العلامة قاسم تلميذ ابن الهمام نص أبو عبد الله الدمشقي في كتاب الوقف عن شيخه شيخ الإسلام ان قول الفقهاء نصوص الواقف كنص الشارح يعنى في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق ان لفظه ولفظ الموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشرع أم لا انتهى (فظهر) أن دلالة الالفاظ على معانيها العرفية معتبرة ومن ذلك ما صرحوا به من أن مبنى الإيمان على العرف قال العتابي وهو الصحيح وفي الكافي وعليه الفتوى كما نقله ابن امير حاج في شرح التحرير قبيل مسائل الحروف وعليه فروع كثيرة في كتب

ص: 299

الفقه. منها لو حلف لا يأكل رأسا انصرف إلى ما يباع في مصره ويكبس في التنور لأنَّه المتعارف * ومنها لو قال لآخر طلق امرأتي ان كنت رجلا لا يكون تركيلا بقرينة آخر الكلام المستعمل عرفا في التوبيخ والتعجيز ومنها مسئلة يمين الفوا كأن خرجت فانت طالق وقد تهيأت الخروج يتقيد يتلك الخرجة التي تهيأت لها حتى لو خرجت بعد ساعة لا يحنث وكقول من دعى إلى الغداء والله لا اتغدى فإنه يتقيد بالغداء المدعو إليه لأنَّه المراد عرفا ونظائر ذلك كثيرة (وقال) في تنوير الابصار وشرحه الدر المختار ما نصه ولا حنث في حلقه لا يأكل لحما بأكل مرقه أو سمك إلا إذا نواهما ولا في لا يركب دابة فركب كافرا اولا يجلس على وتد فجلس على جبل مع تسميتها في القرآن لحما ودابة وأوتادا للعرف وما في التبيين من حنثه في لا يركب حيوانا بركوب الإنسان رده في النهر بان العرف العملى مخصص عندنا كالعرف القولى انتهى (أقول) وما في التبيين رده أيضًا في فتح القدير بأنه غير صحيح لتصريح أهل الأصول بقولهم الحقيقة تترك بدلالة العادة اذ ليست العادة إلا عرفا عمليا انتهى. والظاهر أن ما ذكره الزيلعي في التبيين مبنى على ما زعمه من أن الأصل اعتبار الحقيقة اللغوية قال في البحر في مسئلة الرأس وفى زماننا هو خاص بالغنم فوجب على المفتى أن يفتى بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه حلف الحالف كما افاده في المختصر أي الكنز وما في التبيين من أن الأصل اعتبار الحقيقة اللغوية ان امكن العمل بها والا فالعرف الخ مردود لأن الاعتبار انما هو للعرف وتقدم أن الفتوى على أنه لا يحنث باكل لحم الخنزير والأدمى ولذا قال في فتح القدير ولو كان هذا الأصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد على خلافه في الفروع انتهى وفى البدائع والاعتماد انما هو على العرف انتهى كلام البحر (فثبت) بهذا صحة قولهم الإيمان مبنية على العرف وقد قالوا أيضًا الإيمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض والاغراض جمع غرض ما يريده الإنسان ويطلبه فمرادهم بالالفاظ أنما هو الالفاظ العرفية إلى الدالة على المعاني العرفية فالايمان مبنية على الالفاظ العرفية دون الالفاظ اللغوية أو الشرعية ودون الاغراض. فقولهم الأيمان مبنية على العرف احترزوا به عن بنائها على اللغة أو الشرع مثلا فإذا استعمل الحالف لفظا له معنى لغوى أو شرعى وكان في العرف له معنى آخر يراد به معناه العرفى وقولهم الأيمان مبنية على الالفاظ احترزوا به عن بنائها على الاغراض وصرحوا بذلك في قولهم لا على الاغراض الخفاء المقابلة بين اللفظ والغرض بخلاف مقابلة المعنى اللغوى للمعنى العرفى فلذا لم يصرحوا به هناك (ثم اعلم) أن الغرض

ص: 300

الذي يقصده المتكلم بكلامه قد يكون هو معنى اللفظ الذي تكلم به حقيقة أو مجازا وقد يكون امرا آخر خارجا عن اللفظ مدلولا عليه بجملة الكلام كدلالة الكناية على المعنى المكنى عنه في قولك فلان كثير الرماد فان هذا اللفظ معناه في اللغة والعرف واحد ولكنه اريد به لازم هذا المعنى وهو وصفه بالكرم وهذا المعنى خارج عن اللفظ مدلول عليه بجملة الكلام لم يوضع له اللفظ لا حقيقة ولا مجازا (اذا) عرفت ذلك فالاول كقوله لا اشتريه بعشرة ففرض المشترى منع نفسه من التزام العشرة فى ثمن ذلك المبيع سواء كانت عشرة مفردة أو مقرونة بزيادة والعرف ارادة ذلك ايضا فهنا اجتمع الفرض والعرف فى لفظ الحالف فاذا اشترى باحد عشر حنث لانه اراد العشرة المجازية المطلقة وهى موجودة في الاحد عشر * والثاني كقوله لا ابيعه بعشرة فباعه بتسعة لا يحنث لان غرض البائع ان يبيعه باكثر من عشرة لأنه طالب للزيادة وانه لا يريد بيعه بتسعة لكن التسعة لم تذكر في كلامه لان العشرة لم توضع للتسعة لا لغة ولا عرفا فغرضه الذي قصده من هذا الكلام خارج عن اللفظ مفهوم من جملة الكلام فلو اعتبر الفرض لزم ابطال اللفظ والعبرة في الأيمان للألفاظ لا لمجرد الاغراض لان الغرض يصلح مخصصا لا مزيد او التخصيص من عوارض الألفاظ فاذا كان اللفظ عاما والغرض الخصوص اعتبر ما قصده كالرأس فى لا آكل رأسا فان لفظه عام والغرض منه خاض كما مر واعتبار هذا الغرض لا يبطل اللفظ لأنه بعض ما وضع له اللفظ * وكذا لو حلف لا يشتريه بعشرة دراهم فاشتراه بتسعة ودينار او بتسعة وثوب لا يحنث وان كان غرضه الشراء بانقص من عشرة وقد زاد عليها من حيث المالية ووجه عدم الحنث ان هذا مجرد غرض مفهوم من جملة الكلام خارج عن اللفظ المذكور فى كلامه فان لفظ عشرة دراهم اسم لهذا الوزن المعدود من الدراهم مفردا وهو حقيقة العشرة او مقرونا بغيره وهو مجاز العشرة وفى تسعة دراهم وثوب او دينار لم توجد العشرة لا حقيقة ولا مجازا فلو حنث لزم منه الزيادة على الكلام بمجرد الغرض بدون لفظ والغرض يصلح مخصصا للألفاظ لا مزيدا عليها ومثله لا اشتريه بدرهم او بفلس فاشتراه بدينار فانه وان كان الغرض منع نفسه عن الشراء بما زاد على الدرهم او الفلس ويلزم منه منعه عن الدينار بالاولى لكن هذا لم يوضع له اللفظ لا حقيقة ولا عرفا وانما هو غرض خارج عن اللفظ لان لفظ الدرهم او الفلس اسم لهذا الشئ الخاص والدينار خارج عنه من كل جهة فلو حنث به لزم الزيادة على اللفظ بالغرض بدون لفظ ومثله لو حلف لا يخرج من الباب فخرج من السطح او لا يضربه بسوط

ص: 301

فضربه بعصا ونحو ذلك مما كان الغرض منه خارجا عن اللفظ كما تقدم شرحه * ومثله او قال لاجنبية ان دخلت الدار فانت طالق فانه وان كان غرضه ان دخلت وانت في نكاحى لكن ذلك غير مذكور والغرض لا يصلح مزيدا فاذا تزوجها ودخلت الدار لا يحنث (والحاصل ان الذى يبنى عليه الحكم في الأيمان هو الالفاظ المذكورة في كلام الحالف باعتبار دلالتها على معانيها الحقيقية او المجازية التي قرينتها العرف العام او الخاص وتسمى الحقيقة الاصطلاحية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية وتارة تكون القرينة غير العرف ومنه نية الحالف فيما تجرى فيه النية كنية تخصيص العام كقوله لا آكل طعاما ونوى طعاما خاصا فانه يصدق ديانة فقط لاقضاء ايضا وبه يفتى خلافا للخصاف الا اذا حلفه ظالم فلا بأس للقاضى ان يأخذ بقول الخصاف ويصدقه قضاء ايضا كما في الدر المختار عن الولوالجية اما الاغراض الخارجة عن الألفاظ فلا تبنى الاحكام في الايمان عليها لانه يلزم منه الزيادة بالغرض على اللفظ والعرض لا يصلح مزيدا نعم يصلح مخصصا للفظ العام ويكون قرينة لصرف اللفظ عن عمومه لان اللفظ العام لما جاز تخصصيه بمجرد نية الحالف فجوازه بالغرض العرفى اولى (فان قلت) انهم قد اعتبروا الغرض العرفى بدون اللفظ فيما اذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة فقد صرحوا بانها ان كانت مما يؤكل انعقدت اليمين على اكل عينها كشجرة الريباس وقصب السكر وان كان مما لا تؤكل عينها فإن كانت تثمر انعقدت اليمين على الاكل من ثمرتها والا فعلى الاكل من ثمنها حتى لو اكل من عينها لا يحنث وكل من ثمرتها وثمنها غير مذكور فى كلام الحالف بل هو غرضه وانما المذكور لفظ الشجرة وكذا لو قال والله لا اضع قدمى فى دار فلان انعقدت يمينه على الدخول فقط حتى لو دخلها حافيا او منتعلا او راكبا يحنث ولو وضع قدمه فيها من غير دخول بان اضطجع خارجها ووضع قدمه فيها لا يحنث مع ان الدخول مجرد غرض وهو غير مذكور في كلامه وانما المذكور وضع القدم فما الفرق بين هذا وبين قوله والله لا اشتريه بدر هم فاشتراه بدينار حيث قلتم لا يحنث لان الدينار غير مذكور في كلامه وانما المذكور الدرهم والدرهم لا يصدق على الدينار وكذا نظائره المارة مما لم يعتبروا فيه الغرض الزائد على اللفظ (قلت) لم ار من تعرض لذلك ولكن يعلم الجواب مما قررناه واوضحناه وذلك ان المعتبر في الأيمان هو الالفاظ دون الاغراض فينصرف اللفظ اولا الى حقيقته اللغوية مالم يصرفه عنها قرينة لفظية او عرفية فالعرف حيث وجد صار اللفظ مصروفا به عن معناه اللغوى الى

ص: 302

المعنى العرفى وصار حقيقة عرفية كما قررناه والشجرة في قول القائل لا آكل من هذه الشجرة اذا كانت مما لا تؤكل عينها صارت عبارة عن اكل ثمرتها او ثمنها حقيقة عرفية وكذا وضع القدم صار عبارة في العرف العام عن الدخول ولذا مثل الاصوليون بهذين المثالين للحقيقة المتعذرة والمهجورة فقالوا واذا كانت الحقيقة متعذرة او مهجورة صير الى المجاز بالاجماع كما اذا حلف لا يأكل من هذه النخلة ولا يضع قدمه فى دار فلان ومثله قولك لا آكل هذا القدر ولا اشرب هذا الكأس فان يمينه لما يحله فقط (فان قلت) كذلك قول القائل والله لا اشتريه بدرهم صار فى العرف عبارة عن عدم شرائه بدرهم أو اكثر من حيث المالية وخصوص الدرهم غير مراد اصلا فالحقيقة فيه مهجورة ايضا كما فى الشجرة ووضع القدم (قلت) ليس كذلك فانه في مسئلة الشجرة ووضع القدم قد صار اللفظ موضوعا ومستعملا فى معنى آخر غير المعنى الاصلى وصار المعنى الاصلى غير مراد حتى لم يحنث به كما ذكرنا وهذا بخلاف قوله والله لا اشتريه بدرهم فان الدرهم باق على معناه الاصلى ولا يمكن جمله مجازا عن الدينار بدليل انه لو اشترى بدرهم يحنث فعلم ان معنى الدرهم مراد ولو اريد به كل من الدرهم والدينار يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو لا يجوز عندنا على ان المتكلم لم يقصد ذلك وانما قصد منع نفسه من الشراء بالدرهم ويلزم منه منع نفسه من الشراء بالدينار بالاولى لكن هذا غرض غير ملفوظ وانما هو لازم للفظ والغرض لا يصلح مزيدا على اللفظ بل يصلح مخصصا للفظ العام (والحاصل) ان لفظ الدرهم لم يرد به غير ما وضع له عرفا فلذا يحنث به ولا يحنث بالدينار لانه مجرد غرض لم يوضع له اللفظ عرفا بخلاف الشجرة ووضع القدم فان معناهما الاصلى قد هجر حتى لا يحنث الحالف به ويحنث بالمعنى المجازى وهو الغرض الذى وضع له اللفظ عرفا فالغرض صار نفس مدلول اللفظ لا شيئا خارجا عنه * ومن هذا القبيل مسائل كثيرة ذكرها في كتاب النتف بقوله واما اليمين على شيء ويراد به غيره بان يقول والله لاديرن الرحى على رأسك او لاضر من النار على رأسك او لاقيمين القيامة على رأسك ويريدان يفعل به داهية فاذا فعل ذلك فقد بر وكذا والله لاقرعن سمعك يريد به ان يسمعه خبر سوء او لابكين عينك يريدان يحزنه بامر فيكى او لاخرسنك يريدان يدفع له رشوة كيلا يتكلم فى امره شيئا او لاحرقن قلبك يريد به ان يفعل به امرا يوجع قلبه فاذا فعل ما اراد فقد برو ذكر امثلة كثيرة من هذا القبيل * ثم قال فى اخرها فاذا فعل ذلك فقدبر في يمينه وان اراد بشئ من ذلك حقيقته فلا يبرا لا ان يفعله

ص: 303

وهو قول فقهائنا جميعا وفى قول مالك يحنث ان لم يفعل ما قاله بلسانه انتهى فقد افاد ان هذا كله مما استعمل فيه اللفظ فى غير معناه الاصلى وانه لا يحنث بالمعنى الاصلى الا اذا نواه خلاف المالك ومثل هذه الالفاظ في عرف العامة كثير فتحمل على الغرض الذي صار حقيقة اللفظ في عرفهم والله تعالى اعلم (فقد) ظهر لك بهذا التقرير. الساطع المنير. معنى قولهم الايمان مبنية على العرف وقولهم انها مبنية على الالفاظ لا على الاغراض وصحة الفروع التى فرعوها وظهر لك ان كلا من هاتين القاعدتين مقيدة بالأخرى فقولهم انها مبنية على العرف معناه العرف المستفاد من اللفظ لا الخارج عن اللفظ اللازم له وقولهم أنها مبنية على الالفاظ لا على الاغراض دل على تقييد القاعدة الاولى بما ذكرنا وهي دلت على تقييد القاعدة الثانية بالالفاظ العرفية ودلت ايضا على انه حيث تعارض الوضع الاصلى والوضع العرفى ترجح الوضع العرفى والا لم يصح قولهم الايمان مبنية على العرف وظهر ايضا ان المراد بالعرف ما يشمل العرف الفعلى والعرف القولى وان كلا منهما تترك به الحقيقة اللغوية كمامر تقريره وان المراد بناء الايمان على العرف اعتبار المعنى العرفى الذي استعمل فيه اللفظ وان المراد بالعرض ما قصده المتكلم من كلامه سواء كان هو المعنى العرفى الذى استعمل فيه اللفظ او كان معنى عرفيا خارجا عن اللفظ زائدا عليه وانه بالمعنى الاول يصلح مخصصا وبالمعنى الثانى لا يعتبر وهو المعنى بقولهم لا على الاغرض وان معنى قول الجامع وبالعرف يخص ولا يزاد ان اللفظ اذا كان معناه الاصلى عاما واستعمل فى العرف خاصا كالدابة مثلا تخصص المعنى الاصلى به وكان المعتبر هو العرف ولا يزاد به على اللفظ اى لو كان الغرض العرفى خارجا عن اللفظ وانما دل عليه الكلام لا يعتبر لان العبرة للالفاظ العرفية او الاصلية حيث لا عرف للاغراض العرفية الخارجية فهذا ما ظهر للعبد الضعيف * العاجز النحيف * في تقرير هذه المسئلة المعضله المشكلة * التي حارت في فهمها افهام الافاضل * وكل عن ادراكها كل مناضل * فعليك بهذا البيان الشافي * والايضاح الكافي * وادع لقصير الباع * قليل المتاع * بالعفو التام * وحسن الختام * والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات * والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه وتابعيهم ما دامت الارض والسموات * وقد فرغت من تحرير هذه الرسالة في ليلة الاثنين ثاني ربيع الثاني سنة 1238 ثمانية وثلاثين ومائتين والف

ص: 304