المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سلسلةُ: ريِّ الظَّمْآن بِمَجالِس شُعَبِ الإيمَانِ (3) الإِيْمَانُ بالملائكةِ عليهم السلام تأليف أبي حمزة - ري الظمآن بمجالس شعب الإيمان - جـ ٣

[غازي بن سالم أفلح]

فهرس الكتاب

سلسلةُ: ريِّ الظَّمْآن بِمَجالِس شُعَبِ الإيمَانِ (3)

الإِيْمَانُ بالملائكةِ

عليهم السلام

تأليف

أبي حمزة غازي بن سالم أفلح

عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه وجميع المسلمين

تقديم

الدكتور عزيز بن فرحان العنزي الدكتور رشاد بن حمود الحزمي

الشيخ عبد العزيز بن يحيى البرعي الشيخ محمد بن عبد الله باموسى

الشيخ نعمان بن عبد الكريم الوتر

ص: 3

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولى لمكتبة دروس الدار

1444 هـ - 2022 م

(مزيدة ومنقحة)

رقم الفسح الإعلامي في دولة الإمارات العربية المتحدة دبي

MC-01 - 01 - 7549142

Date-2022 - 04 - 19

الترقيم الدولي

ISBN: -978 - 9948 - 04 - 572 - 4

التصنيف العمري: E

تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقا لنظام التصنيف العمري الصادر عن وزارة الثقافة والشباب

للتواصل مع المؤلف: [email protected]

الإمارات العربية المتحدة - الشارقة

البريد الإلكتروني: [email protected]

للتواصل: 00971503667077

تويتر: @ DroosAldar

ص: 4

‌الركن الثالث من أركان الإيمان:

الإيمان بالملائكة

ص: 5

‌المجلس الخامس عشر

(1)

الشعبة الثالثة من شعب الإيمان: الإيمان بالملائكة الكرام

‌تعريف الملائكة:

الملائكة جمع ملَك، والمَلَك أصله: مَلْأك ثم حُذِف الهمز، والفعل منه: أَلَكَ يَأْلِك ألكًا بمعنى: أبلغ، والألوك: الرسول، والمألُكة: الرسالة. فلفظ الملائكة -إذًا- مشتَقٌّ من الألْك. وأطلق عليهم هذا الاسم للدلالة على أنهم رسل الله -جل وعلا-.

(2)

‌الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان:

الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ» وهذا في الصحيحين من حديث أبي هريرة

(3)

. وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صحيح مسلم-: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»

(4)

.

وقال ابن القيم رحمه الله: الإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الذي لا يتمُّ إلا به ا. هـ

(5)

‌معنى الإيمان بالملائكة:

الإيمان بالملائكة يتضمن التصديق والاعتقاد الجازم: بما أخبر الله تعالى عن ملائكته كما يتضمَّن إنزالَهم منزلتهم التي أنزلهم اللهُ إياها في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

(1)

كان في يوم الاثنين الحادي عشر من شهر رمضان 1441 هـ.

(2)

انظر تاج العروس مادة (ألك).

(3)

البخاري (50) واللفظ له، ومسلم (9).

(4)

مسلم (8).

(5)

التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (1/ 216)

ص: 7

‌الإيمان بالملائكة من الإيمان بالغيب:

والإيمان بالملائكة من الغيب الذي أمرنا الله أن نؤمن به؛ لأن الملائكة من العوالم الغائبة عنَّا التي لا نعرفها إلا بأدلة من الكتاب والسنة؛ ولذلك فلا دخل للقصص الإسرائيلية ولا لفلسفة المتفلسفين في إثبات أشياء من هذا الباب؛ لأنه عالم غيبي لا ندرك منه إلا ما جاءنا فيه الوحي من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌الإيمان بالملائكة من أسباب زيادة الإيمان:

وهو باب عظيم وممتع، يقرؤه المسلم فيزداد به إيمانُه. فمن أسباب زيادة الإيمان القراءةُ في هذه الشعب العظيمة: الإيمان بالله، والإيمان برسله، والإيمان بكتبه وغيرها من أركان الإيمان. يقول ربُّنا -جل وعلا-:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177]. وقال ربنا -جل وعلا- مادحًا نبيَّه والمؤمنين معه الذين اتبعوه بإيمانهم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285].

ويقول ربنا -جل وعلا-: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء: 136].

ويقول ربنا سبحانه: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} [البقرة: 98]. فتبيَّن بهذا أن الإيمان بالملائكة ركنٌ عظيمٌ من أركان الإيمان، لا يتم إيمان المؤمن إلا به.

‌الإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور:

يقول العلماء: يتضمن الإيمانُ بالملائكة الإيمانَ بأمور أربعة.

وقد ذكرها الحافظ أبو عبد الله الحسين الحليمي رحمه الله في كتابه المنهاج في شعب الإيمان، وذكرها أيضًا الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله

(1)

.

فأما الأمر الأول: فهو الإيمان بوجودهم تفصيلًا وإجمالًا: فمن وَرَدَ تعيينُه باسمٍ

(1)

انظر المنهاج في شعب الإيمان (1/ 302)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (5/ 116 - 119).

ص: 8

مخصوصٍ كجبريل وميكائيل ومالك فنؤمن بهم وبوظائفهم تفصيلًا على ما بُيِّن في الكتاب والسنة. وأما الذين لم يَرِدْ ذِكْرُ أسمائهم فنؤمن بهم إجمالًا، وهم خَلْقٌ كثير كما سيأتي معنا.

الأمر الثاني: إنزالهم منازلهم: وإثبات أنهم عباد لله وخلقُه كالإنس والجن، وأنهم مكلَّفون بعبادة الله، ولا يقدرون إلا على ما أَقْدَرَهُم الله عليه، والموتُ عليهم جائز، ولكن الله جعل لهم أمدًا بعيدًا، ولا يُوصَفون بشيء يؤدي وصفُهم به إلى إشراكهم بالله -جل وعلا-.

والأمر الثالث: الإيمان بما علمنا من صفاتهم على الإجمال والتفصيل: فنؤمن إجمالا بأنهم مخلوقون من نور، وأنهم على صورة حسنة جدًّا، وأنهم خَلْقٌ عظيم، ونؤمن تفصيلًا بما علمنا من أوصاف بعضهم.

والأمر الرابع: الإيمان بما علمنا من أعمالهم على الإجمال والتفصيل.

‌الإيمان بالملائكة يكون إجمالًا وتفصيلًا:

يقول العلامة ابن باز -رحمه الله تعالى-: "والإيمان بالملائكة يتضمَّن الإيمان بهم إجمالًا وتفصيلًا، فيؤمن المسلم بأن لله ملائكةً خلقهم لطاعته، ووصَفَهم بأنهم: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)} [الأنبياء: 26 - 27] وهم أصناف كثيرة: فمنهم الموكَّلون بحمل العرش، ومنهم خزنة الجنة والنار، ومنهم الموكَّلون بحفظ أعمال العباد، ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمَّى اللهُ ورسولُه منهم كجبريل، وميكائيل، ومالك خازن النار، وإسرافيل الموكَّل بالنفخ في الصور"

(1)

.

وثبت في حديث المعراج أنه صلى الله عليه وسلم رُفِعَ له البيت المعمور الذي هو في السماء السابعة، بمنزلة الكعبة في الأرض، وإذا هو يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم

(2)

وهذا يدل على كثرتهم.

ويقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "الإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور:

أوَّلًا: الإيمان بوجودهم.

(1)

مجموع فتاوى ابن باز (1/ 19).

(2)

أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (164) من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه.

ص: 9

ثانيًا: الإيمان باسم من علمنا اسمه منهم.

وثالثًا: الإيمان بأفعالهم.

ورابعًا: الإيمان بصفاتهم"

(1)

.

‌من صفات الملائكة أنهم خُلِقوا من نور:

في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ»

(2)

.

وجاء عن بعض السلف الكلامُ في مادة هذا النور، والسلامة ترك الخوض في هذا إذ لم يصح في ذلك شي عن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ الألباني رحمه الله:

هذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها، لأنها لم ترد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ا. هـ

(3)

‌تقدُّمِ خَلْقِ الملائكة على البشر:

وجاء في كتاب الله ما يُبيِّن أنَّ الله -جل وعلا- خَلَقَهم قبل خلق الناس كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] والخليفة المقصود به آدم عليها السلام، فدَلَّت الآية على أنَّ الله -جل وعلا- خلقهم قبل خلق الجن والإنس.

‌رؤية الملائكة:

والملائكة خَلْقٌ خلقهم الله تعالى من نور، ولا يستطيع العباد رؤيتهم؛ ولذلك لم يَرَ الملائكة في صورهم الحقيقية من هذه الأمة إلا رسولُنا صلى الله عليه وسلم؛ فإنه رأى جبرائيل مرَّتَيْنِ في صورته التي خلقه الله عليها كما سيأتي. ودلَّت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثلوا في صور البشر كما سيأتي معنا.

‌عِظَمُ خلق الملائكة:

جاءت النصوص أيضًا ببيان عظم خلقهم، فقال الله عز وجل في ملائكة النار: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ

(1)

مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (5/ 116 - 119).

(2)

مسلم (2996).

(3)

سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 820).

ص: 10

غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم]

ومما جاء أيضًا من السنة في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبرائيل عليهم السلام على صورته التي خلقه الله عليها مرتين في خَلْقٍ عظيم: قال ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} [التكوير] وقال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم]. والمقصود بهذه الآيات جبريلُ عليها السلام وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة الإسراء والمعراج.

تقول أمُّنا عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم-: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ»

(1)

وتقول رضي الله عنها أيضًا: كان يأتيه في صورة الرجال وإنه آتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته فسَدَّ أُفُقَ السماء

(2)

.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه كما في الصحيحين: "رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح"

(3)

وقال أيضًا في قوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم]: "أي: رفرفًا أخضر قد سَدَّ الأفق"

(4)

. وهذا الرفرف الذي سَدَّ الأفق هو ما كان عليه جبريل عليها السلام، رفرف ملأ ما بين السماء والأرض. وجاء في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليها السلام في صورته، وله ستمائة جناح، كلُّ جناح منها قد سَدَّ الأفق، يسقُط من جناحه من التهاويل والدُّرِّ واليواقيت ما الله به عليم"

(5)

. والتهاويل أي: الأشياء المختلفة الألوان.

وقال ربنا سبحانه في وصف جبريل عليها السلام: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} [التكوير]. فالرسول الكريم المقصود به: جبريل عليها السلام، و {ذِي الْعَرْشِ} هو ربُّ العزة.

(1)

صحيح مسلم (177).

(2)

صحيح مسلم (177).

(3)

البخاري (3232)، مسلم (174).

(4)

البخاري (3233).

(5)

مسند الإمام أحمد (3748).

ص: 11

ومما يدل أيضًا على عِظَم خلق الملائكة: ما جاء في سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ»

(1)

.

فهذا ملك واحد من ملائكة الله سبحانه.

ورُوِيَ أيضًا: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى قَرْنِهِ الْعَرْشُ، وَبَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ خَفَقَانُ الطَّيْرِ سَبْعمِائَةِ سَنَةٍ، يَقُولُ الْمَلَكُ: سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ» رواه الطبراني في الأوسط

(2)

.

‌عِظَمُ خلق الملائكة يدل على عظمة الخالق سبحانه:

وما تقدَّم من وصف خَلْق بعض الملائكة يدل على عِظَم خَلْقهم، وهذا -يا إخواني - يدل على عظمة الله، فإذا كان مخلوقٌ من مخلوقات الله -جل وعلا- بهذه العظمة، فهذا يدُلُّ على عظمة الخالق -جل وعلا-. فنؤمن بذلك كما ورد في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌الملائكة ذووا أجنحة:

وقد جاءت الآيات أيضًا ببيان أنَّ للملائكة أجنحة كما في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر] ويُسمِّي بعضُ أهل التفسير سورة فاطر بـ "سورة الملائكة"

(3)

، ومعنى الآية: أن الله جعلهم أصحاب أجنحة، بعضُهم له جنحان، وبعضُهم له ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك، وقد سبق أنَّ جبريل عليها السلام له ستمائة جناح.

(1)

سنن أبي داود (4727) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (151)، وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (452).

(2)

الطبراني في المعجم الأوسط (6503) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وقال: «لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَّا ابْنُهُ مُنْكَدِرٌ، تَفَرَّدَ بِهِ وَلَدُهُ عَنْهُ ا. هـ قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/ 80): رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرد به عبد الله بن المنكدر. قلت: هو وأبوه ضعيفان ا. هـ وقال الطبراني أيضا:

وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ» ا. هـ وقال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (6923): منكر بذكر: (القرن) و: (الخفقان). وانظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته (855).

(3)

الإتقان في علوم القرآن (1/ 194)

ص: 12

‌جمال الملائكة:

وجاءت الأدلة أيضًا ببيان جمال الملائكة، وأنَّ الله سبحانه خَلَقَهم على صورة كريمة جميلة كما تقدَّم في قول الله تعالى في وصف جبريل:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)} [النجم]. فعن ابن عباس في قوله: {ذُو مِرَّةٍ} قال: "ذو منظر حسن"

(1)

. وقال قتادة: "ذو خَلْق طويل حسن"

(2)

. وقد تقرر عند الناس وصْفُ الملائكة بالجمال كما تقرر عندهم وصْفُ الشياطين بالقبح.

وكذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحدث الناس يومًا، فقال:«يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، أَوْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، إِلَّا أَنَّ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ» (ومسحة ملك يعني من جماله ومن حسنه) .. قال في الحديث: فدخل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

(3)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِلَّا أَنَّ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ» المقصود به جمال الملائكة، وأن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه وأرضاه ناله شيء من هذا الجمال؛ ولهذا كان جرير بن عبد الله البجلي يُوصَف، فيقال عنه إنه يوسف هذه الأمة كما رُوِيَ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه

(4)

. ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِلَّا أَنَّ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ» ، كما يقول ابن الأثير:"يقال: على وجهه مسحة ملك ومسحة جمال أي: أثرٌ ظاهرٌ منه، ولا يقال ذلك إلا في المدح"

(5)

.

وجاء الحديث أيضًا في صحيح البخاري أن دحية بن خليفة الكلبي كان من أجمل الناس، وكان يُضرَب به المثل في الجمال وحسن الصورة، وأن جبريل عليها السلام كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم على صورة دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الكلبي رضي الله عنه وأرضاه

(6)

.

وبهذا يظهر لنا أن السُّنة قد جاءت ببيان جمال خَلْقِهم عليهم السلام.

(1)

تفسير الطبري (22/ 10).

(2)

تفسير الطبري (22/ 10) ..

(3)

عند أحمد (19180)، والطبراني في الكبير (2/ 352) رقم (2483) وغيرهما.

(4)

معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (5/ 82)، واعتلال القلوب للخرائطي (323).

(5)

النهاية في غريب الأثر (4/ 699).

(6)

تقدم في المجلس الحادي عشر (ص 181).

ص: 13

وفي حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ،

وفيه ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ

» الحديث

(1)

‌تفاوت الملائكة في الخَلْق:

وجاءت الأدلة أيضًا ببيان تفاوتهم في الخَلْق والمقدار، فالملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار، فبعض الملائكة كما تقدَّم له جناحان وبعضهم له أكثر.

‌تفاوت الملائكة في الفضل:

ويقول الله -جل وعلا-: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)} [الصافات] فهم على منازل، ويتفاضلون، وأفضلُ الملائكة هم الذين شهدوا معركة بدر كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ جبريل قال له:«مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ، قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ المُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ المَلَائِكَةِ»

(2)

.

‌الملائكة لا يُوصَفون بالذكورة ولا الأنوثة:

وقد تقرَّر عند العلماء أن الملائكة لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة. وهذا من الأبواب التي ضل فيها أقوام بسبب أنهم يتحدثون عن الأمور الغيبية بدون رجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما ضلَّ في ذلك من قبلُ مشركو العرب الذين كانوا يزعمون أن الملائكةَ بناتُ الله وأنهم إناث، قال الله -جل وعلا-:{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)} [الصافات]

وقال سبحانه: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)} [الزخرف].

(1)

مسند أحمد (18534) وانظر تخريجه والكلام عليه في مباحث الإيمان باليوم الآخر.

(2)

البخاري (3992) من حديث رفاعة الزرقي رضي الله عنه.

ص: 14

فلا يوصفون بأنهم إناث، ولا يوصفون بأنهم ذكور؛ لأن ذلك لم يَرِد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لكن بعض الناس لا يريد أن يفهم هذه الأمور الغيبية إلا على ما هو عليه من الأمور البشرية وهذا خطأ وضلال.

‌الملائكة لا يحتاجون إلى طعام ولا إلى شراب ولا نكاح:

كذلك الملائكة لا يحتاجون إلى طعام ولا إلى شراب. وقد قصَّ اللهُ علينا من خبر الملائكة الذين جاؤوا إلى إبراهيم عليها السلام في صورة بشر، فقدَّم لهم الطعام، فلم تمتد أيديهم إليه، فأوجس منهم خيفة، فكشفوا حينئذ عن أمرهم. كما قال:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [الذاريات]. قال الفخر الرازي: "اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون"

(1)

.

‌الملائكة لا يدركهم ما يدرك البشر من الكلل والملل في العبادة:

كذلك جاءت الآيات ببيان أنهم يعبدون الله بلا كلل ولا ملل. فلا يدركهم ما يدرك البشر من ذلك قال الله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 20] يعني لا يضعفون. وقال تعالى: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38].

‌الملائكة لا يعلمون الغيب:

قال الله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)} [النمل: 65]، وقال تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)} [البقرة: 31 - 32]

وفي قصة الإسراء والمعراج «لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَالُوا: وَمَنْ

(1)

مفاتيح الغيب (1/ 85).

ص: 15

مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ فِي الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ،

» الحديث

(1)

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ رضي الله عنه، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، فَأَتَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ: حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ رضي الله عنه، فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَقَالَ: وَكَيْفَ يَشْقَى رَجُلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَتَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَجَلُهُ، فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ رِزْقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ»

(2)

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ، يَا رَبِّ أُنْثَى، يَا رَبِّ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ، فَمَا الأَجَلُ، فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» متفق عليه

(3)

‌موت الملائكة عليهم السلام

-:

وكذلك دلَّت الأدلة على أن الملائكة من الخلق الذين يموتون، قال:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88].

لكن متى يموتون؟ هذا من الأمور التي لا نعرفها ولا نعلمها، قال الله -جل وعلا-:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزمر]

(1)

البخاري (7517) من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

صحيح مسلم (2645).

(3)

صحيح البخاري (3333) وصحيح مسلم (2646).

ص: 16

وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185، الأنبياء: 35، العنكبوت: 57]

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يُخْبِرُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَامًّا يَعُمُّ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ بِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، كَقَوْلِهِ:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن] فَهُوَ تَعَالَى وَحْدَهُ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ يَمُوتُونَ، وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَنْفَرِدُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْقَهَّارُ بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاءِ، فَيَكُونُ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا. ا. هـ

(1)

‌الملائكة يسكنون السماء:

وبيَّنت الأدلة أيضًا منازل الملائكة ومساكنها، وأنهم في السماء، قال -جل وعلا-:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الشورى: 5] ومما يدل على أن السماء مسكنُهم قولُ الله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَقَالَتِ المَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»

(2)

.

وسيأتي في مبحث عدد الملائكة أدلة تدل على سكناهم السماء.

‌الملائكة ينزلون إلى الأرض بأمر الله:

وينزلون إلى الأرض بأمر الله لتنفيذ مهمات أمرهم الله -جل وعلا- بها كما قال: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64] وفي الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ: «أَلَا تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟» ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} ، قَالَ: كَانَ هَذَا الجَوَابَ

(1)

تفسير ابن كثير - ت السلامة (2/ 177)

(2)

أخرجه البخاري (781) ومسلم (410)

ص: 17

لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

(1)

وكما قال تعالى في ليلة القدر: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر].

‌الملائكة عددهم كثير لا يحصيهم إلا الله:

والملائكة خَلْقٌ كثير لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] وقد تقدم معنا أن البيت المعمور في السماء يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم

(2)

.

وجاء في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ وَلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا»

(3)

وفي جامع الترمذي وسنن ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ،

»

(4)

الحديث

وفي مسند البزار وغيره عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابِهِ، إِذْ قَالَ لَهُمْ:«هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟» ، قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ»

(5)

(1)

أخرجه البخاري (3218، 7455) واستدركه الحاكم (4215) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ا. هـ وتعقبه شيخنا الوادعي في التعليق على المستدرك.

(2)

أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (164) من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه.

(3)

صحيح مسلم (2842)

(4)

أخرجه الترمذي (2312) وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجه (4190) وأحمد (21516) والحاكم (3883) وإسناده ضعيف لكن له شواهد منها ما سيأتي بعده وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (1780) والسلسلة الصحيحة (1722)

(5)

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (597) والبزار (3208) والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (250)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1134)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1072، 6346) والطبراني في المعجم الكبير (3/ 201) رقم (3122) وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (509)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (432) وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 217) وفي معرفة الصحابة (1891)، من طرق عن عبد الوهاب بن عطاء، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن حكيم بن حزام. وقال البزار: ولا نعلم رواه عن سعيد عن قتادة إلا عبد الوهاب بن عطاء ا. هـ وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث صفوان بن محرز عن حكيم، تفرد به -يعني عبد الوهاب- عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ا. هـ وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (5/ 336/ ط سلامة): غريب ولم يخرجوه، وقال: رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة مرسلا ا. هـ قلت: ويزيد وإن كان أثبت وأوثق من عبد الوهاب، إلا أن عبد الوهاب قال فيه الإمام أحمد: كان عالما بسعيد ا. هـ والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (852، 1060) وحسنه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (480). وفي الباب حديث أبي ذر المتقدم وآخر من حديث أنس عند أبي نعيم في الحلية (6/ 269) وسيأتي حديث عائشة وابن مسعود في مبحث تسبيح الملائكة.

ص: 18

قال المنذري رحمه الله: (أطَّتْ) بفتح الهمزة وتشديد الطاد المهملة من (الأطيط): وهو: صوت القَتَب والرحل ونحوهما إذا كان فوقه ما يثقله. ومعناه: أن السماء من كثرة ما فيها من الملائكة العابدين أثقلها حتى أطَّت ا. هـ

(1)

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ تبارك وتعالى مَلَائِكَةً [سَيَّارَةً، فُضُلًا] يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ» قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا»

» متفق عليه وفي رواية لمسلم «

فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا

»

(2)

وفي مسند أبي داود الطيالسي قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ -وهو القطان-، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ:«إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ أَوْ تَاسِعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى»

(3)

(1)

انظر: صحيح الترغيب والترهيب (3/ 320)

(2)

صحيح البخاري (6408) واللفظ له، وصحيح مسلم (2689) ومنه الزيادات.

(3)

مسند أبي داود الطيالسي (2668) ومن طريقه الإمام أحمد في المسند (10734) والبزار (9447) وابن خزيمة في صحيحه (2194). ورواه الطبراني في المعجم الأوسط (2522، 4937) من طريقين عن عمرو بن مرزوق عن عمران به. وعمران مختلف فيه، وقتادة مدلس وقد عنعن، وأبو ميمونة هو الآبار قال الدارقطني مجهول يترك. وفرق الحفاظ بينه وبين أبي ميمونة الفارسي الثقة (انظر: فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (16/ 186) للشيخ أبي عمرو ياسر آل عيد). وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (8/ 449): تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به. وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2205)

ص: 19

وفي رواية: «

أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ»

(1)

وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ:«لَيْسَ شَيْءٌ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ»

قال فَيَقُولُ: «كُنْ أَلْفَ أَلْفٍ أَلْفَيْنِ

(2)

فَيَكُونُونَ»

(3)

. وفي رواية: «خلق الله الْمَلَائِكَة ثمَّ قَالَ، ليكن مِنْكُم ألفَ أَلفَيْنِ، فيكونون، فَإِنْ فِي الْمَلَائِكَة لخلقاً هم أَصْغَر من الذُّبَاب»

(4)

.

وفي رواية: «لَيْسَ مِنْ خَلَقِ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَخْلُقُهُمْ مِثْلَ الذُّبَابِ، ثُمَّ يَقُولُ تبارك وتعالى: كُونُوا أَلْفَ أَلْفَيْنِ»

(5)

وروى ابن عدي في الكامل عَنْ أَبِي يَحْيى القتات عَنْ مُجَاهِدٍ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلائِكَةِ مَا مِنْ شَجَرَةٍ تَنْبُتُ إلَاّ وَمَلَكٌ موكل بها»

(6)

.

فدلت هذه الأدلة على كثرتهم، وأنهم خَلْقٌ كثير لا يحصيهم إلا الله.

‌الملائكة كرام بررة:

وَصَفَ اللهُ -جل وعلا- الملائكة في كتابه، بأنهم كرام بررة، قال تعالى:{بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)} [عبس: 15 - 16]. قال البخاري رحمه الله: " {سَفَرَةٍ} الملائكة، واحدُهم: سافر، سَفَرْت: أصلحت بينهم، وجُعِلَت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته كالسفير

(1)

المعجم الأوسط (2522) للطبراني.

(2)

سئل ابن جريج عن ذلك فقال: معناه ما لا تحصى كثرته. انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (744) وصفات رب العالمين لابن المحب الصامت (1/ 685 ت رسائل جامعية بترقيم الشاملة)

(3)

أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1194) -ومن طريقه ابن منده في الرد على الجهمية (34) - قال حدثني سريج بن يونس، نا سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر، عن هشام به.

(4)

أخرجه ابن منده في الرد على الجهمية (77) بسنده عن صدقة بن سابق، قال: قرأت على محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة، به.

(5)

أخرجه البزار في المسند (2477) قال: أخبرنا محمد بن العلاء، قال: أخبرنا أبو معاوية، عن هشام به. وصحح إسناده الألباني في السلسلة الضعيفة (14/ 149)

(6)

أخرجه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (4/ 211) وأبو الشيخ في العظمة (2/ 744) وإسناده ضعيف وضعفه الألباني في الضعيفة (6566).

ص: 20

الذي يصلح بين القوم"

(1)

.

وقوله تعالى: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} أي: خَلْقُهم كريمٌ حسنٌ شريفٌ، وأخلاقهم وأفعالهم بارَّة طاهرة كاملة. ومناسبةً لهذه الأوصاف ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ»

(2)

.

‌استحياء الملائكة عليهم السلام

-:

جاء وصف الملائكة بأنهم خلق حَيِيٌّ. كما جاء في حديث عائشة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عثمان حين دخل عليه، فقال:«أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ»

(3)

.

فهذه بعض أوصفاهم التي جاء خبرها في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌ذكر بعض من سُمِّيَ لنا من الملائكة وبعض أعمالهم:

وكما ذكرنا فقد أمرنا الله -جل وعلا- أن نؤمن بما جاء من أخبارهم في الكتاب والسنة، فنؤمن بأسماء من سمَّى لنا منهم فمن أولئك:

‌جبريل عليها السلام

-:

وتسميته معروفة ومشهورة. وهو مقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ومعلمه.

قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»

(4)

. «وَكَانَ جِبْرِيلُ عليها السلام يَلْقَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليها السلام، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» متفق عليه

(5)

.

وقال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «كَانَ -أي جبريل- يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً،

(1)

صحيح البخاري (6/ 206).

(2)

صحيح البخاري (4937) واللفظ له، ومسلم (798) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

مسلم (2401) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(4)

أخرجه البخاري (3219)، ومسلم (819) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

صحيح البخاري (1902) وصحيح مسلم (2308) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 21

فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي العَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ

» رواه البخاري

(1)

.

وقد أمَّ جبريل عليها السلام النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وعلمه المواقيت.

(2)

وهو الرُّوح الأمين المذكور في قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193 - 194].

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رضي الله عنه، لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ جِبْرِيلَ عليها السلام، عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ. فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 97] رواه البخاري.

(3)

وفي المسند عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ، عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ،

فذكر الحديث وفيه: إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الَّتِي نُبَايِعُكَ إِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلا لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبكَ؟ قَالَ:«جِبْرِيلُ عليها السلام» ، قَالُوا: جِبْرِيلُ ذَاكَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَالْعَذَابِ عَدُوُّنَا، لَوْ قُلْتَ: مِيكَائِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، لَكَانَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)} [البقرة].

(4)

وجبريل هو المعنيُّ بقوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم]

و {ذُو مِرَّةٍ} أي: ذو قوة. قاله مجاهد، والحسن، وابن زيد. وقال ابن عباس: ذو منظر حسن. وقال قتادة: ذو خلق طويل حسن. ولا منافاة بين القولين؛

(1)

صحيح البخاري (4998).

(2)

صحيح البخاري (521) وصحيح مسلم (610) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه وفي الباب أحاديث كثيرة انظر: نيل الأوطار (1/ 373)

(3)

أخرجه البخاري (3329، 4480)

(4)

مسند أحمد (2483) وأخرجه الترمذي مختصرا (3117) وصححه الشيخ الألباني لغيره في السلسلة الصحيحة (1872) وحسنه لغيره شيخنا الوادعي في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص: 18)

ص: 22

وقوله: {فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)} يعني: جبريل عليها السلام استوى في الأفق الأعلى والأفق الأعلى: الذي يأتي منه الصبح

(1)

.

وقد تقدم -في مبحث عظم خلق الملائكة- أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبرائيل عليهم السلام على صورته التي خلقه الله عليها مرتين في خَلْقٍ عظيم. ففي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ»

وقال ابن مسعود رضي الله عنه كما في الصحيحين-: "رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح" وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليها السلام في صورته، وله ستمائة جناح، كلُّ جناح منها قد سَدَّ الأفق، يسقُط من جناحه من التهاويل والدُّرِّ واليواقيت ما الله به عليم"

(2)

.

والتهاويل أي: الأشياء المختلفة الألوان.

وفي الصحيحين أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»

(3)

وقال ربنا سبحانه في وصف جبريل عليها السلام: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} [التكوير]. فالرسول الكريم المقصود به: جبريل عليها السلام، و {ذِي الْعَرْشِ} هو ربُّ العزة.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وقد كان لجبريل عليها السلام من الصفات الحميدة العظيمة، من الكرم والقوة والقرب من الله تعالى والمكانة والاحترام بين الملائكة والأمانة والحسن والطهارة؛ ما جعله أهلاً لأن يكون رسول الله تعالى بوحيه إلى رسله

وقد بيَّن الله تعالى لنا أوصاف جبريل، الذي نزل بالقرآن من عنده، وتدل على عظم القرآن، وعنايته تعالى به؛ فإنه لا يرسل من كان عظيماً إلا بالأمور العظيمة ا. هـ

(4)

(1)

ينظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 444)

(2)

تقدم تخريج هذه الأحاديث

(3)

صحيح البخاري (4) وصحيح مسلم (161).

(4)

تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (المقدمة/ 11)

ص: 23

‌ميكائيل عليها السلام

-:

قال تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وقُرِئَ: {وميكائيل}

(1)

. قال ابن كثير: وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَمُوَكَّلٌ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ، وَهُوَ ذُو مَكَانَةٍ مِنْ رَبِّهِ عز وجل، وَمِنْ أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ

وقال: وَمِيكَائِيلُ مُوَكَّلٌ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ اللَّذَيْنِ يُخْلَقُ مِنْهُمَا الْأَرْزَاقُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَلَهُ أَعْوَانٌ يَفْعَلُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ بِأَمْرِ رَبِّهِ يُصَرِّفُونَ الرِّيَاحَ وَالسَّحَابَ كَمَا يَشَاءُ الرَّبُّ جل جلاله ا. هـ

(2)

وتقدم حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،

وفيه فَقَالُوا: لَوْ قُلْتَ: مِيكَائِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، لَكَانَ

الحديث.

(3)

وفي صحيح البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟» قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ:«مَا شَاءَ اللَّهُ» فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟» قُلْنَا: لَا، قَالَ: «لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ،

فذكر الحديث بطوله وفي آخره: فقالا للنبي صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ

» الحديث

(4)

.

وفي صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ،

(1)

قرأ حفص، وأبو عمرو، ويعقوب:{وَمِيكَالَ} على وزن «مثقال» بحذف الهمزة من غير ياء بعدها، وهي لغة «الحجازيين» . وقرأ قنبل بخلف عنه، وأبو جعفر، ونافع:{وميكائل} بهمزة بعد الألف من غير ياء، وهي لغة لبعض العرب. وقرأ الباقون {وميكائيل} بالهمزة، وإثبات ياء بعدها، وهو الوجه الثاني «لقنبل» وهي لغة أيضا. وميكال: اسم أعجميّ، فمن قرأه «ميكال» على وزن «مفعال» فقد جاء على وزن أبنية العرب. ومن قرأه بغير ذلك فليعلم أنه خارج عن أبنية العرب. "الهادي شرح طيبة النشر في القراءات العشر (2/ 46) "

(2)

البداية والنهاية ط هجر (1/ 105)

(3)

تقدم

(4)

صحيح البخاري (1386)

ص: 24

الحديث في التشهد.

(1)

وزاد الدارمي وابن الجارود:

السَّلَامُ عَلَى إِسْرَافِيلَ

(2)

.

وفي المسند والمستدرك عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَبِي بَكْرٍ يومَ بَدْرٍ: «مَعَ أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ، وَمَعَ الْآخَرِ مِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشْهَدُ الْقِتَالَ وَيَكُونُ فِي الصَّفِّ»

(3)

وفي المسند أيضا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِجِبْرِيلَ:«مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ؟ قَالَ مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ»

(4)

وفي سنن النسائي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنْ أُبَيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا أَنِّي قَرَأْتُ آيَةً وَقَرَأَهَا آخَرُ غَيْرَ قِرَاءَتِي، فَقُلْتُ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْآخَرُ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهُ أَقْرَأْتَنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: «نَعَمْ» . وَقَالَ الْآخَرُ: أَلَمْ تُقْرِئْنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عليهما السلام أَتَيَانِي، فَقَعَدَ جِبْرِيلَ عَنْ يَمِينِي وَمِيكَائِيلَ عَنْ يَسَارِي، فَقَالَ جِبْرِيلُ عليها السلام: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ مِيكَائِيلُ عليها السلام: اسْتَزِدْهُ اسْتَزِدْهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ فَكُلُّ حَرْفٍ شَافٍ كَافٍ»

(5)

وفي الصحيحين عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، [يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عليهما السلام»

(6)

وفي المعجم الكبير للطبراني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي السَّمَاءِ مَلَكَيْنِ أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِالشِّدَّةِ وَالْآخَرُ يَأْمُرُ بِاللِّينِ وَكُلٌّ

(1)

صحيح البخاري (831، 6230).

(2)

سنن الدارمي (1379) والمنتقى لابن الجارود (205)

(3)

مسند أحمد (1257) والمستدرك على الصحيحين (4430، 4653) وقال الحاكم: صحيح الإسناد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3241) وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (484)

(4)

مسند أحمد (13343) وسنده ضعيف لكن له ما يعضده ولذا صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2511) وقال في صحيح الترغيب (3664) حسن لغيره. وانظر: السلسلة الضعيفة (4454).

(5)

سنن النسائي (941) وصححه ابن حبان (737) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (843)

(6)

صحيح البخاري (4054) وصحيح مسلم (2306) واللفظ له ومنه الزيادة.

ص: 25

مُصِيبٌ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَنَبِيَّانِ أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِاللِّينِ وَالْآخَرُ يَأْمُرُ بِالشِّدَّةِ وَكُلٌّ مُصِيبٌ، وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ وَنُوحًا، وَلِي صَاحِبَانِ أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِاللِّينِ وَالْآخَرُ بِالشِّدَّةِ وَكُلٌّ مُصِيبٌ، وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ»

(1)

‌إسرافيل عليها السلام

-:

وهو الذي وَكَلَ اللهُ -جل وعلا- إليه النفخ في الصور. و «الصُّورُ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ» كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وَإِسْرَافِيلُ مُوَكَّلٌ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ لِلْقِيَامِ مِنَ الْقُبُورِ، وَالْحُضُورِ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ لِيَفُوزَ الشَّكُورُ، وَيُجَازَى الْكَفُورُ فَذَاكَ ذَنْبُهُ مَغْفُورٌ وَسَعْيُهُ مَشْكُورٌ، وَهَذَا قَدْ صَارَ عَمَلُهُ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ وَهُوَ يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ا. هـ

(3)

(1)

المعجم الكبير للطبراني (23/ 315) رقم (715) وأخرجه عبد الله في زوائده على أبيه في فضائل الصحابة (300) وأبو بكر النيسابوري في فوائده (89) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (9450) - وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 51): رواه الطبراني، ورجاله ثقات ا. هـ وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4015) لجهالة عبد الله بن أبي سفيان وقال: قال الحافظ في "التقريب": "مقبول". يعني عند المتابعة. وبقية رجال الإسناد ثقات، على ضعف في حفظ بعضهم ا. هـ وللحديث شاهد في مسند أحمد (3632) عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى؟»

فذكر الحديث وفيه: «

وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ عليها السلام،

وَمَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى

وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ

وَإِنَّ مِثْلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى،

» الحديث ورواه الترمذي (1714، 3084) وقال: هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ا. هـ وله شاهد آخر يرويه ابن أبي عاصم في السنة (1424) عَنْ رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما: «أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِمَثَلِكُمَا فِي الْمَلَائِكَةِ وَمَثَلِكُمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ، أَمَّا مَثَلُكَ أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ فِي الْمَلَائِكَةِ كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ، وَمَثَلُكَ فِي الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ

وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ فِي الْمَلَائِكَةِ كَمَثَلِ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالْبَأْسِ وَالشِّدَّةِ وِالنِّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَمَثَلُكَ فِي الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ نُوحٍ

». الحديث ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 304) وقال: غريب من حديث سعيد بن جبير تفرد به رباح عن ابن عجلان ا. هـ وابن عجلان ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:(يخطئ ويخالف)، وقال الأزدي:(فيه نظر). ورباح بن أبي معروف ضعيف الحديث. فالحديث حسن لغيره بهذه الشواهد والله أعلم.

(2)

أخرجه أبو داود (4742) والترمذي (2430، 3324) وصححه الحاكم (3631، 8680) وصححه الألباني في الصحيحة (1080) وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (591)

(3)

البداية والنهاية ط هجر (1/ 106)

ص: 26

وقال القرطبي رحمه الله: وَالْأُمَمُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنْفُخُ فِي الصُّورِ إِسْرَافِيلُ عليها السلام ا. هـ

(1)

.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "اشْتُهِرَ أَنَّ صَاحِبَ الصُّورِ إِسْرَافِيلُ عليها السلام وَنَقَلَ فِيهِ الْحَلِيمِيُّ الْإِجْمَاعَ ا. هـ

(2)

.

وفي مسند أبي يعلى عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّوَرِ قَدِ الْتَقَمَ وَحَنَا جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ؟» ، قِيلَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:«قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا»

(3)

وروى الحاكم في المستدرك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ طَرْفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ»

(4)

‌توسل النبي بربوبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة:

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوسَّل إلى الله -جل وعلا- بربوبيته لهؤلاء الملائكة، فيقول في قيام الليل في استفتاحه:«اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»

(5)

.

قال ابن القيم رحمه الله: فتوسّل إليه سبحانه بربوبيته العامة والخاصة لهؤلاء الأملاك الثلاثة الموكلين بالحياة: فجبريل موكّل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكّل بالقَطْر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكّل بالنفخ في الصّور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم. فسأله رسوله بربوبيته لهؤلاء أن يهديَهُ لما اختُلف فيه

(1)

تفسير القرطبي (7/ 20).

(2)

فتح الباري (11/ 368).

(3)

مسند أبي يعلى (1084) وشرح مشكل الآثار للطحاوي (5343) وصححه ابن حبان (823) وصححه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (555) والحديث أخرجه الترمذي (2433) وغيره من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد به. وعطية ضعيف. وانظر السلسلة الصحيحة (1079)

(4)

المستدرك على الصحيحين (8676) وصححه ووافقه الألباني في السلسلة الصحيحة (1078)

(5)

رواه مسلم (770) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 27

من الحقّ بإذنه في ذلك من الحياة النافعة.

(1)

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فَجِبْرِيلُ عليها السلام يَحْصُلُ بِمَا يَنْزِلُ بِهِ الْهُدَى، وَمِيكَائِيلُ عليها السلام يَحْصُلُ بِمَا هُوَ مُوَكَّلٌ بِهِ الرِّزْقُ، وَإِسْرَافِيلُ عليها السلام يَحْصُلُ بِمَا هُوَ مُوَكَّلٌ بِهِ النَّصْرُ وَالْجَزَاءُ ا. هـ

(2)

وفي المعجم الكبير للطبراني عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَصَلَّى قَرِيبًا مِنْهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:«اللهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، وَمُحَمَّدٍ [النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

(3)

.

‌دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يلحقه بهؤلاء الأملاك الثلاثة:

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِي، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ وَأَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«لَا بَلْ أَسْأَلُ اللَّهَ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى الأسْعَدَ مَعَ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وإِسْرَافِيلَ»

(4)

(1)

إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (2/ 844)

(2)

البداية والنهاية ط هجر (1/ 106)

(3)

المعجم الكبير (1/ 195) رقم (520) -ومن طريقه الضياء في المختارة (4/ 205/ 1422) - وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (103) ومنه الزيادة. والحاكم في المستدرك على الصحيحين (6610). وأخرجه مختصرا البزار (2336) وسنده ضعيف وضعفه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/ 59).

(4)

أخرجه النسائي في الكبرى (7067) وابن حبان (6591) وأبو محمد الفاكهي في فوائده (154) -ومن طريقه ابن بشران في الأمالي (1585)، والبيهقي في الدلائل (7/ 209) - من طرق عن الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بردة به وصححه الألباني في الصحيحة (7/ 285). وقد خولف فيه الثوري فرواه ابن سعد في الطبقات (2/ 230) قال: أخبرنا يعلى، ومحمد ابنا عبيد قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي بردة بن أبي موسى به، مرسلا. وخالفهم بشر بن سلم الهمداني البجلي فرواه عن إسماعيل عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه. رواه الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1954) بسند ضعيف إلى بشر، وبشر قال أبو حاتم منكر الحديث كما في الجرح والتعديل لابنه (2/ 358). وحديث أبي موسى ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 37) وقال: رواه الطبراني، وفيه محمد بن سلام الجمحي، وهو ثقة، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات ا. هـ

ص: 28

‌خزنة الجنة عليهم السلام

-:

وأما خازن الجنة فرُوِيَ أنه يقال له: "رضوان"، وجاء في بعض الأحاديث لكنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ»

(2)

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دَعَاهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ: أَيْ فُلُ هَلُمَّ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَاكَ الَّذِي لَا تَوَى عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ»

(3)

‌مالك خازن النار عليها السلام

-:

وجاء في كتاب الله ذِكْرُ مالكٍ وهو خازن النار، قال الله تعالى:{وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)} [الزخرف: 77].

وفي صحيح البخاري عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالَا: الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ»

(4)

وفي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى

فذكر الحديث وفيه: وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ

» الحديث

(5)

.

‌خزنة السموات:

وجاء في حديث الإسراء في الصحيح عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،

(1)

انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (5870) وضعيف الترغيب والترهيب (1/ 300) رقم (594)

(2)

صحيح مسلم (197)

(3)

صحيح البخاري (2841) وصحيح مسلم (1027)

(4)

صحيح البخاري (3236)

(5)

صحيح البخاري (3239) وصحيح مسلم (165)

ص: 29

فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ: لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ،

-فذكر الحديث ثم قال-: حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ: فَفَتَحَ،

» الحديث

(1)

.

‌الملائكة حراس مكة والمدينة:

عن إِسْحَاقَ بنِ أَبي طَلْحَةَ عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ، وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ

(2)

، إِلَّا عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، [فَيَنْزِلُ بِالسِّبْخَةِ] ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ»

(3)

وعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«المَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجِدُ المَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ، وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»

(4)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ، وَلَا الدَّجَّالُ»

(5)

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ»

(6)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، هِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ، حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ»

(7)

وفي صحيح مسلم عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها في قصة الْجَسَّاسَةِ قالت:

فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ:«لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ» ،

فذكرت الحديث -وفيه قول المسيح الدجال- قَالَ:

وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا

(1)

صحيح البخاري (349) وصحيح مسلم (163)

(2)

أي: أنقاب كلّ واحدة منهما، والأنقاب: جمع نَقب، والأنقاب مداخل المدينة، وقيل: هي أبوابها.

(3)

صحيح البخاري (1881) وصحيح مسلم (2943) ومنه الزيادة.

(4)

صحيح البخاري (7134، 7473)

(5)

صحيح البخاري (1880، 7133)، وصحيح مسلم (1379)

(6)

صحيح البخاري (1879، 7125)، وصحيح مسلم (1379)

(7)

صحيح مسلم (1380)

ص: 30

الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ-يعني العصا- فِي الْمِنْبَرِ:«هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ» - يَعْنِي الْمَدِينَةَ -

الحديث

(1)

‌الملائكة حراس الشام:

عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُؤَلِّفُ القُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِلشَّامِ» ، فَقُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا»

(2)

قال المناوي: أي لأن ملائكة البليغِ الرحمة، الذي وسعت رحمته كل شيء تحفها وتحوطها بإنزال البركات ودفع المهالك والمؤذيات ا. هـ

(3)

‌ملك الموت عليها السلام

-:

وكذلك ملك الموت: جاء ذكره في الكتاب والسنة بـ "ملك الموت"، ويُسمِّيه بعض الناس عزرائيل وهذه التسمية لا وجود لها في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة

(4)

. قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)} [السجدة]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَلَكَ الموت شخص مُعَيَّنٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ "إِبْرَاهِيمَ"،

(1)

صحيح مسلم (2942).

(2)

أخرجه الترمذي (3954) وأحمد (21606، 21607) وصححه ابن حبان (7304) والحاكم (2900) وقال على شرط الشيخين ووافقه العلامة الألباني في الصحيحة (503). قلت: الحديث حسن صحيح وأسانيده عند الحاكم ليست على شرطهما فإنه من رواية: عبد الرحمن بن شماسة، عن زيد بن ثابت وعبد الرحمن ليس من رجال البخاري ثم إن آخر الرجال في السند ليس من رجالهما وانظر تحقيق المسألة في بيان شرط الشيخين في السلسلة الصحيحة (3/ 66) وإسناد ابن حبان قال محققه: صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حرملة وابن شماسة، فمن رجال مسلم ا. هـ وهو كما قال. والله أعلم.

(3)

«فيض القدير» (4/ 274)

(4)

قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 106): وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَيْسَ بِمُصَرَّحٍ بِاسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، وَقَدْ جَاءَ تَسْمِيَتُهُ فِي بَعْضِ الْآثَارِ بِعِزْرَائِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ا. هـ وقال الألباني في أحكام الجنائز (1/ 254) اسم عزرائيل: لا أصل له في السنة ا. هـ وانظر: موسوعة الألباني في العقيدة (8/ 38)

ص: 31

وَقَدْ سُمِّيَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ بِعِزْرَائِيلَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. ا. هـ

(1)

وحديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما، المذكور رواه أحمد وغيره مطولا وفيه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ،

وفيه ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، عليها السلام، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ»

وقال صلى الله عليه وسلم «وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ

» الحديث

(2)

‌أعوان ملك الموت عليها السلام

-:

وله أعوان من الملائكة يعينونه، كما قال تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)} [الأنعام] قال ابن كثير رحمه الله: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لِمَلَكِ الْمَوْتِ أَعْوَانٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يُخْرِجُونَ الرُّوحَ مِنَ الْجَسَدِ، فَيَقْبِضُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ إِذَا انْتَهَتْ إِلَى الْحُلْقُومِ ا. هـ

(3)

وقال أيضا: وَلَهُ أَعْوَانٌ يَسْتَخْرِجُونَ رُوحَ الْعَبْدِ مِنْ جُثَّتِهِ حَتَّى تَبْلُغَ الْحُلْقُومَ فَيَتَنَاوَلُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ بِيَدِهِ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْ يَدِهِ فَيَلُفُّوهَا فِي أَكْفَانٍ تَلِيقُ بِهَا .... ثُمَّ يَصْعَدُونَ بِهَا، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَإِلَّا غُلِّقَتْ دُونَهَا، وَأُلْقِيَ بِهَا إِلَى الْأَرْضِ

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَلَائِكَةَ الْمَوْتِ يَأْتُونَ الْإِنْسَانَ عَلَى حَسَبِ عَمَلِهِ إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا أَتَاهُ مَلَائِكَةٌ بِيضُ الْوُجُوهِ بِيضُ الثِّيَابِ طَيِّبَةُ

(1)

تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 360)

(2)

مسند أحمد (18534) وانظر تخريجه والكلام عليه في مباحث الإيمان باليوم الآخر.

(3)

تفسير ابن كثير ت سلامة (3/ 267)

ص: 32

الْأَرْوَاحِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَبِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ عِيَاذًا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ ذَلِكَ ا. هـ

(1)

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «خُطْوَةُ مَلَكِ الْمَوْتِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»

(2)

‌استئذان ملك الموت عليها السلام على الأنبياء:

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ» فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ:«اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» . فَقُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى»

(3)

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ» فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلَّا خُلَّةَ الإِسْلَامِ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ»

(4)

‌مجيء ملك الموت عليها السلام إلى أبينا آدم عليها السلام

-:

روى الإمام الترمذي وغيره من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ

(1)

البداية والنهاية ط هجر (1/ 106)

(2)

أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (26) والدينوري في المجالسة وجواهر العلم (2580) وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (457) وأبو إسحاق الثعلبي في «تفسيره (2234) والبيهقي في الأسماء والصفات (848) ورجاله ثقات.

(3)

أخرجه البخاري (4463)، ومسلم (2444/ 87)

(4)

أخرجه البخاري (3904)، ومسلم (2382)

ص: 33

إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ فَقَالَ: رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: أَيْ رَبِّ، زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمَّا قُضِيَ عُمْرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ: أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ قَالَ: فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنُسِّيَ آدَمُ فَنُسِّيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ»

(1)

ورواه ابن وهب في القدر عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بنحوه وزاد في آخره: «

وَخَطِئَ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ

، فَرَأَى فِيهِمُ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ، وَالْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَالصَّحِيحَ وَالْمُبْتَلَى، قَالَ: يَا رَبِّ، أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُشْكَرَ»

(2)

ورواه الترمذي أيضا عن الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ المَلَائِكَةِ، إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ، فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ، بَيْنَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَا هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ - أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ -

(1)

جامع الترمذي ت شاكر (3076) وأخرجه الفريابي في القدر (19) والحاكم في المستدرك (3257، 4132) وابن منده في الرد على الجهمية (23) عن أبي نعيم وأبو يعلى الموصلي (6654) في مسنده عن القاسم -وهو العرني- وابن سعد في الطبقات الكبرى ط دار صادر (1/ 27) وأبو محمد الفاكهي في الفوائد (134) والبزار في مسنده (8892) عن خلاد بن يحيى كلهم عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ا. هـ وخالفهم ابن وهب في سنده كما سيأتي. ورواه ابن أبي حاتم، في التفسير (5/ 1614) وأبو الشيخ في العظمة (1015) وابن منده في الرد على الجهمية (24) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء به مختصرا

(2)

كتاب القدر (8) -ومن طريقه أبو يعلى (6377) والفريابي في القدر (20) -. قال أبو زُرعة الرازي -كما في العلل لابن أبي حاتِم (1757) -: حديثُ أبي نُعيم أصحُّ، وَهِمَ ابنُ وَهْبٍ في حديثه ا. هـ

ص: 34

قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمْرِهِ. قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كُتِبَ لَهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. قَالَ: ثُمَّ أُسْكِنَ الجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا، فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجَّلْتَ، قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ. قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكِ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ. قَالَ: فَمِنْ يَوْمِئِذٍ أُمِرَ بِالكِتَابِ وَالشُّهُودِ»

(1)

وقَالَ أَبُو خَالِدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ الأَحْمَر: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ هُرْمُزٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَهُ، فَجَلَسَ فَعَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ، ائْتِ أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةَ فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ بَيْنَهُمْ [ثُمَّ قَبَضَ لَهُ يَدَيْهِ، فَقَالَ له: خُذْ وَاخْتَرْ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ

(1)

جامع الترمذي ت شاكر (3368) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ا. هـ وأخرجه النسائي في الكبرى (9975) مختصرا وابن خزيمة» في التوحيد (1/ 160) -وعنه ابن حبان (6167) - والحاكم (214، 768 مختصرا) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ا. هـ وقال في الموضع الثاني: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ا. هـ وأعله النسائي بقوله: خالفه محمد بن عجلان فيه؛ ثم أسنده عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام ببعضه موقوفا، وقال هذا هو الصواب ا. هـ وفي العلل لأحمد -رواية ابنه عبد الله- خَالَفَهُ اللَّيْث بن سعد عَنْ بن عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ا. هـ ولعل الخطأ من ابن عجلان فقد تُكُلِّم في روايته عن المقبري، ثم إن الحارث قد توبع كما سيأتي مما يدل على أن روايته محفوظة. والحديث قال الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبير (8/ 4150): إسناده صالح. وأصل الحديث في الجملة في صحيفة همام ا. هـ وصححه الألباني كما في هداية الرواة (4585) وظلال الجنة (206) وشيخنا مقبل الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (1/ 380) وقول الحاكم "على شرط مسلم"، فيه نظر: فرجاله وإن كانوا رجال مسلم إلا أنه لم يتحقق فيهم أن يروي لهم مسلم بهذا السياق في صحيحه. كما أن آخر الإسناد لا يلتقي بشيخ مسلم والله أعلم.

ص: 35

رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، فَفَتَحَهَا لَهُ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ كُلِّهِمْ، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ أَجَلُهُ، وَإِذَا آدَمُ قَدْ كُتِبَ لَهُ عُمْرُ أَلْفِ سَنَةٍ، وَإِذَا قَوْمٌ عَلَيْهِمِ النُّورُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ عَلَيْهِمِ النُّورُ، فَقَالَ: هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ الَّذِينَ أُرْسِلُ إِلَى عِبَادِي، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ هُوَ أَضْوَءُهُمْ نُورًا، وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنَ الْعُمْرِ إِلا أربعون سنة

(1)

، فقال: يا رب، ما بال هذا، من أضوئهم نُورًا وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنَ الْعُمْرِ إِلا أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ فَقَالَ: ذَاكَ مَا كُتِبَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، انْقُصْ لَهُ مِنْ عُمْرِي ستين سنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا أَسْكَنَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ كَانَ يَعُدُّ أَيَّامَهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَهُ قَالَ لَهُ آدَمُ: عَجِلْتَ عَلَيَّ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ! فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ، فَقَالَ: قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي سِتُّونَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ: مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِكَ شَيْءٌ، قَدْ سَأَلْتَ رَبَّكَ أَنْ يَكْتُبَهُ لابْنِكَ دَاوُدَ، فَقَالَ: مَا فعلت فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَنَسِيَ آدَمُ، فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، فَيَوْمَئِذٍ وَضَعَ اللَّهُ الْكِتَابَ، وَأَمَرَ بِالشُّهُودِ]»

(2)

‌مجيء ملك الموت عليها السلام إلى موسى عليها السلام

-:

عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليها السلام. فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ قَالَ فَلَطَمَ مُوسَى عليها السلام عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا، قَالَ فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، قَالَ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ، فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ، رَبِّ أَمِتْنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، رَمْيَةً بِحَجَرٍ» ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاللهِ لَوْ

(1)

في الرواية المتقدمة "ستون سنة" وهي أرجح.

(2)

أخرجه النسائي في السنن الكبرى (9977) والطبري في تاريخه (1/ 155) قالا: أخبرنا محمد بن خلف قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان به والزيادة للطبري. وقال النسائي: حديث محمد بن خلف وهو منكر ا. هـ قلت: وقد توبع تابعه مخلد بن مالك وهو ثقة عن أبي خالد به. رواه الحاكم (215) وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 393) عنه عن أبي خالد الأحمر، به واقتصر الحاكم على طريق داود بن أبي هند، به.

ص: 36

أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ»

(1)

قال الحافظ ابن قدامة رحمه الله: ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق، وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناما فإن قريشا أنكرته وأكبرته، ولم تنكر المنامات. ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليهم السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه ا. هـ

(2)

وقال الحافظ أبو حاتم ابن حبان رحمه الله: وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ الْأخْبَارِ الَّتِي يُدْرِكُ مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَحْرُمِ التَّوْفِيقَ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ. وَذَاكَ أَنَّ اللَّهَ -جل وعلا- أَرْسَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليهم السلام رِسَالَةَ ابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ لَا أَمْرًا يُرِيدُ اللَّهُ -جل وعلا- إِمْضَاءَهْ كَمَا أَمَرَ خَلِيلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ بِذِبْحِ ابْنِهِ أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ، دُونَ الْأَمْرِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ -جل وعلا- إِمْضَاءَهُ، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى ذَبْحِ ابْنِهِ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ فَدَاهُ بِالذَّبْحِ الْعَظِيمِ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ -جل وعلا- الْمَلَائِكَةَ إِلَى رُسُلِهِ فِي صُوَرٍ لَا يَعْرِفُونَهَا كَدُخُولِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى رَسُولِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَعْرِفْهُمْ، حَتَّى أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، وَكَمَجِيءِ جِبْرِيلَ عليهم السلام إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُؤَالِهِ إِيَّاهُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم حَتَّى وَلَّى. فَكَانَ مَجِيءُ مَلَكِ الْمَوْتِ عليهم السلام إِلَى مُوسَى عليهم السلام عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهُ مُوسَى عليهم السلام عَلَيْهَا، وَكَانَ مُوسَى عليهم السلام غَيُورًا فَرَأَى فِي دَارِهِ رَجُلًا لَمْ يَعْرِفْهُ، فَشَالَ يَدَهُ فَلَطَمَهُ فَأَتَتْ لَطْمَتُهُ عَلَى فَقْءِ عَيْنِهِ الَّتِي فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَتَصَوَّرُ بِهَا لَا الصُّورَةِ الَّتِي خَلْقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا،

وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرِيعَتِنَا أَنَّ مَنْ فَقَأَ عَيْنَ الدَّاخِلِ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوِ النَّاظِرِ إِلَى بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جُنَاحٌ عَلَى فَاعِلِهِ، وَلَا حَرَجٍ عَلَى مُرْتَكِبِهِ، لِلْأَخْبَارِ الْجَمَّةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ الَّتِي أَمْلَيْنَاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا: كَانَ جَائِزًا اتِّفَاقُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِشَرِيعَةِ مُوسَى، بِإِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَمَّنْ فَقَأَ عَيْنَ الدَّاخِلِ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَكَانَ اسْتِعْمَالُ مُوسَى هَذَا الْفِعْلِ مُبَاحًا لَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ. فَلَمَّا رَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ عليهم السلام إِلَى رَبِّهِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ مُوسَى عليهم السلام فِيهِ، أَمَرَهُ ثَانِيًا بِأَمْرِ آخَرَ أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، إِذْ قَالَ اللَّهُ لَهُ: قُلْ لَهُ:

(1)

أخرجه البخاري (1339، 3407)، ومسلم (2372)

(2)

لمعة الاعتقاد (ص 28)

ص: 37

إِنْ شِئْتَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَكَ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ يَدُكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، فَلَمَّا عَلِمَ مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ جَاءَهُ بِالرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْمَوْتِ، وَلَمْ يَسْتَمْهِلْ، وَقَالَ: فَالْآنَ. فَلَوْ كَانَتِ الْمَرَّةُ الْأُولَى عَرَفَهُ مُوسَى عليهم السلام أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، لَاسْتَعْمَلَ مَا اسْتَعْمَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُخْرَى عِنْدَ تَيَقُّنِهِ وَعِلْمِهِ بِهِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ، وَرُعَاةُ اللَّيْلِ يَجْمَعُونَ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَيَرْوُونَ مَا لَا يُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ، وَيَقُولُونَ بِمَا يُبْطِلُهُ الْإِسْلَامُ جَهْلًا مِنْهُ لِمَعَانِي الْأَخْبَارِ، وَتَرْكَ التَّفَقُّهِ فِي الْآثَارِ مُعْتَمِدًا مِنْهُ عَلَى رَأْيِهِ الْمَنْكُوسِ وَقِيَاسِهِ الْمَعْكُوسِ ا. هـ

(1)

‌المنكر والنكير عليهما السلام

-:

وجاء أيضًا من أسماء الملائكة "المنكر" و"النكير"، وهما ملكان وَكَلَ اللهُ -جل وعلا- إليهما: السؤال في القبر؛ فيسألان الميت في قبره، عن ربه، ودينه، ونبيه، ويمتحنان البر والفاجر وهما فتانا القبر،، -أجارنا الله من عذاب القبر، وثبتنا بالقول الثابت آمين-.

وقد روى الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ - أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ - أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: التَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ»

(2)

(1)

صحيح ابن حبان (14/ 116).

(2)

أخرجه الترمذي (1071)، وابن حبان (3117) وغيرهما. وهو في السلسلة الصحيحة (1391)

ص: 38

‌هاروت وماروت عليهما السلام

-:

ومن الملائكة الذين سمَّى الله -جل وعلا- في كتابه: "هاروتُ" و "ماروتُ" في قوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة: 102] وقد ذُكِرَ في تفسير الآية أن الله بعثهما فتنةً للناس في فترة من الفترات. ويذكر بعض أهل التفسير قصصًا عن هذين المَلَكَيْنِ، وأنهما وقعا في الزنى وغير ذلك، وأنهما هما كوكب الزهرة، وكلُّ ذلك لا يثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.

قال ابن كثير رحمه الله: وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَسْمَائِهِمْ فِي الْقُرْآنِ: هَارُوتُ، وَمَارُوتُ، فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ السَّلَفِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي قِصَّتِهِمَا وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا آثَارٌ كَثِيرَةٌ غَالِبُهَا إِسْرَائِيلِيَّاتٌ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي تَقَاسِيمِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ عِنْدِي نَظَرٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَيَكُونُ مِمَّا تَلَقَّاهُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ

(1)

وَفِيهِ: أَنَّهُ تَمَثَّلَتْ لَهُمَا الزُّهْرَةُ امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ

ثُمَّ قِيلَ: كَانَ أَمْرُهُمَا، وَقِصَّتُهُمَا فِي زَمَانِ إِدْرِيسَ. وَقِيلَ: فِي زَمَانِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ

وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَبَرٌ إِسْرَائِيلِيٌّ مَرْجِعُهُ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ بِالْقِصَّةِ

(2)

. وَهَذَا أَصَحُّ إِسْنَادًا، وَأَثْبَتُ رِجَالًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ا. هـ

(3)

‌ملك الجبال:

عن عَائِشَةَ رضي الله عنه زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ:«لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ» ، قَالَ

(1)

انظر: مسند أحمد ط الرسالة (6178) وصحيح ابن حبان (6186) وسلسلة الأحاديث الضعيفة (170).

(2)

انظر: «تفسير عبد الرزاق» (1/ 283) رقم (97)

(3)

انظر: البداية والنهاية ط هجر (1/ 109) وتفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 32)

ص: 39

-صلى الله عليه وسلم: «فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ» ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»

(1)

‌ملك الرعد:

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا أَبَا القَاسِمِ، أَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟ قَالَ:«مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ: «زَجْرَةٌ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ» قَالُوا: صَدَقْتَ. فَقَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: «اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا» قَالُوا: صَدَقْتَ

(2)

.

وروى البخاري في الأدب المفرد عنِ الْحَكَمِ -وهو ابن أبان-، قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ:«سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتَ لَهُ» ، قَالَ: «إِنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ يَنْعِقُ بِالْغَيْثِ، كَمَا يَنْعِقُ الرَّاعِي بِغَنَمِهِ.

(3)

وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «الرَّعْدُ مَلَكٌ وَالْبَرْقُ مِخْرَاقٌ مِنْ حَدِيدٍ» .

(4)

وقال مُجَاهِدٌ: «الرَّعْدُ مَلَكٌ يَزْجُرُ السَّحَابَ بِصَوْتِهِ»

(5)

.

قال الشَّافِعِي: ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن

(6)

.

(1)

رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795) واللفظ له.

(2)

أخرجه الترمذي (3117) عن بكير بن شهاب، عن ابن جبير، عن ابن عباس به وصححه الألباني لغيره في الصحيحة (1872) وحسنه لغيره شيخنا الوادعي في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص: 18).

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (722) وابن أبي الدنيا في المطر والرعد والبرق (94) وحسنه الألباني.

(4)

أخرجه أحمد كما في العلل ومعرفة الرجال رواية ابنه عبد الله (5637) وابن أبي الدنيا في المطر والرعد والبرق (126)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (1015)، والطبري في تفسيره (1/ 357/ ط هجر).

(5)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1363) وابن الجعد في مسنده (252) -وعنه ابن أبي الدنيا في المطر والرعد والبرق (106) - والطبري في تفسيره (1/ 357/ ط هجر) وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 284) والبيهقي في السنن الكبرى ت التركي (6551)

(6)

الأم للشافعي (2/ 558/ ط الوفاء)

ص: 40

وقال أبو صَالِحٍ السمان: الرَّعْدُ: مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يسبح

(1)

وقال عِكرِمَةُ: الرعدُ مَلَكٌ يَزجُرُ السحابَ كما يَزجُرُ الحادِي الإبِلَ.

(2)

.

‌حملة العرش والملائكة المقربون:

قال الله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)} [النساء] وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة]

وفي صحيح مسلم أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَنْصَارِ، -فذكر الحديث وفيه-

أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «

وَلَكِنْ رَبُّنَا تبارك وتعالى اسْمُهُ، إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ

الحديث»

(3)

وخرَّج الإمام الطبراني، في المعجم الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ، وعُنُقُهُ مُنْثَنِي تَحْتَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ رَبَّنَا فَرَدَّ عَلَيْهِ عز وجل: مَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا»

(4)

والمعنى: ملكٌ على هيئة ديك

(5)

. ويؤيده رواية أبي يعلى ولفظه: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ السَّابِعَةَ، وَالْعَرْشُ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَهُوَ

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره (1161) والخرائطي في مكارم الأخلاق (1012) والطبري في تفسيره (1/ 357/ ط هجر)، والطبراني في الدعاء (1000)

(2)

أخرجه صالح في مسائله (459)، والخرائطي في المنتقى (564) والطبري في تفسيره (1/ 359/ ط هجر) والبيهقي في السنن الكبرى ت التركي (6550)

(3)

صحيح مسلم (2229).

(4)

المعجم الأوسط (7324)، وأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (524، 1248) والحاكم (7813)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (150) وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (452)

(5)

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 245).

ص: 41

يَقُولُ: سُبْحَانَكَ أَيْنَ كُنْتَ؟ وَأَيْنَ تَكُونُ؟»

(1)

وفي سنن أبي داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ»

(2)

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «حَمَلَةُ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ كَعْبِ أَحَدِهِمْ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمِهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ»

(3)

.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: «[إِنَّ اللَّهَ عز وجل جَزَّأَ الْخَلْقَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ الْمَلَائِكَةَ، وَجُزْءًا سَائِرَ الْخَلْقِ، وَجَزَّأَ] الْمَلائِكَة عَشَرَة أَجْزَاءٍ، فَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ الْكُرُوبِيُّونَ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ، وَجُزْءٌ وَاحِدٌ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِخَزَائِنِ كُلِّ شَيْءٍ

(4)

، وَالْمَلائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ الْمَلائِكَةُ، وَجُزْءٌ وَاحِدٌ الإِنْسُ وَالْجِنُّ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ الْجِنُّ، وَجُزْءٌ وَاحِدٌ الإِنْسُ، فَإِذَا وُلِدَ وَاحِدٌ مِنَ الإِنْسِ وُلِدَ مَعَهُ تِسْعَةٌ مِنَ الْجِنِّ، وَالإِنْسُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَجُزْءٌ وَاحِدٌ سَائِرُ الإِنْسِ، وَمَا مِنَ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ، [{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)} [الذاريات]، قَالَ: «السَّمَاءِ السَّابِعَةِ]

(5)

وَإِنَّ الْحَرَمَ مُحَرَّمٌ مَا بِحِيَالِهِ إِلَى الْعَرْشِ، وَإِنَّ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ بِحِيَالِ الْبَيْتِ، لَوْ سَقَطَ سَقَطَ عَلَيْهِ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا»

(6)

(1)

مسند أبي يعلى الموصلي (6619) وأخرجه الدارمي في النقض على المريسي (111)، وهو في السلسلة الصحيحة (150)، وصححه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (452)

(2)

سنن أبي داود (4727) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (151)، وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (452).

(3)

أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (26) والبيهقي في الأسماء والصفات (848) ورجاله ثقات.

(4)

في رواية المروذي والحاكم «وَجُزْءٌ لِرِسَالَتِهِ» زاد المروذي: «وَأَمْرِهِ» وفي رواية يحيى بن سلام: «وَجُزْءٌ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لِرِسَالَتِهِ، وَلِخَزَائِنِهِ، وَمَا يَشَاءُ مِنْ أَمْرِهِ»

(5)

في رواية المروذي «السَّادِسَة» .

(6)

أخرجه أبو بكر النجاد في أماليه (45) -وعنه أبو القاسم ابن بشران في أماليه (529) وابن عساكر في تاريخه (46/ 462) - قال: ثنا جعفر بن محمد الصائغ، ثنا حسن بن موسى الأشيب، ثنا شيبان، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن عمرو البكالي، عن عبد الله بن عمرو به. ورجاله ثقات ورواه البيهقي في الشعب (3706) من طريق آخر عن شيبان به مختصرا. ورواه المروذي في أخبار الشيوخ وأخلاقهم (313) والطبري في التفسير ط هجر (16/ 244) والحاكم في المستدرك على الصحيحين (8506) من طرق عن عمران القطان عن قتادة به والزيادات من المستدرك. ورواه يحيى بن سلام في تفسيره (1/ 344، 2/ 776) عن سعيد عن قتادة به. وخالفهم معمر فرواه عن قتادة عن عمرو البكالي قوله رواه عبد الرزاق في تفسيره (1887) عنه والطبري (16/ 401) عن ابن ثور عن معمر به

ص: 42

وروى أسد بن موسى في الزهد قال: ثنا غسان بن برزين الطهوي، نا سيار بن سلامة الرياحي، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ اجْتَمَعَتِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، لَا يَذْكُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيَكُونُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَيَكُونُ الْجِنُّ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، وَيَكُونُ الْإِنْسُ جُزْءًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَنْشَقُّ السَّمَاءُ الدُّنْيَا، فَتَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ صُفُوفًا، عَلَى كُلِّ صَفٍّ رَأْسٌ، فَيَدْعُو أَهْلُ الْأَرْضِ مِنْهُمْ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ رَبُّنَا عز وجل؟ قَالُوا: لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ، فَيَكُونُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْإِنْسُ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ، فَيَكُونُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، وَيَكُونُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ جُزْءًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَنْشَقُّ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ، فَتَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ صُفُوفًا، عَلَى كُلِّ صَفٍّ رَأْسٌ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْأَرْضِ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا تبارك وتعالى؟ فَيَقُولُونَ: لَيْسَ فِينَا، وَهُوَ آتٍ، فَيَكُونُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ وَأَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَيَكُونُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، وَيَكُونُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ جُزْءًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَنْشَقُّ السَّمَاءُ الثَّالِثَةَ، فَتَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ صُفُوفًا، عَلَى كُلِّ صَفٍّ رَأْسٌ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْأَرْضِ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا تبارك وتعالى؟ فَيَقُولُونَ: لَيْسَ فِينَا، وَهُوَ آتٍ، فَيَكُونُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَمَا أَسْفَلَ مِنْهَا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَيَكُونُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، وَيَكُونُ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ جُزْءًا وَاحِدًا، ثُمَّ يَكُونُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ عَلَى هَذَا حَتَّى يَبْلُغَ لِلْسَابِعَةِ، حَتَّى يَجِيءَ رَبُّكَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ صُفُوفًا لَا يَتَكَلَّمُونَ»

(1)

(1)

أخرجه أسد بن موسى في الزهد (52) وقال محققه الشيخ الحويني: إسناده قوي رجاله ثقات ا. هـ قلت: غسان وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان ممن يخطئ. وقال الحافظ في التقريب: صدوق ربما أخطأ. والحديث رواه عوف وهو ابن أبي جميلة -وهو ثقة- عن أبي المنهال سيار بن سلامة عن شهر بن حوشب -وهو مختلف فيه- عن ابن عباس بسياق آخر. كما سيأتي. ورواه أسد بن موسى في الزهد (53) والدارمي في الرد على الجهمية (142) وابن أبي حاتم في التفسير (15089) -مختصرا- والحاكم في المستدرك على الصحيحين مطولا (8699) من طرق عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس به وقال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم محتج بهم غير علي بن زيد بن جدعان القرشي وهو وإن كان موقوفا على ابن عباس فإنه عجيب بمرة ا. هـ وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (5322): منكر موقوف ا. هـ

ص: 43

ورواه ابْنُ الْمُبَارَكِ، وهوذة قالا: نا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ الرِّيَاحِيِّ، ثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ، وَجُمِعَ الْخَلَائِقُ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ، جِنُّهُمْ وَإِنْسُهُمْ بِالضِّعْفِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، قُبِضَتْ هَذِهِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا فَنُشِرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَأَهْلُ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ جِنِّهِمْ، وَإِنْسِهِمْ بِالضِّعْفِ، فَإِذَا رَآهُمُ أَهْلُ الْأَرْضِ فَزِعُوا إِلَيْهِمْ، وَيَقُولُونَ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَفْزَعُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ رَبِّنَا، لَيْسَ فِينَا، وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ تُقْبَضُ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ، وَأَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ أَكْثَرُ وَحْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضِّعْفِ، فَإِذَا نُثِرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَزِعَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْأَرْضِ فَيَقُولُونَ لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَفْزَعُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ، فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ رَبِّنَا، لَيْسَ فِينَا، وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يُقْبَضُ السَّمَاوَاتُ سَمَاءٌ سَمَاءٌ، كُلَّمَا قُبِضَتْ سَمَاءٌ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ الَّتِي تَحْتَهَا، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضِّعْفِ جِنِّهِمْ وَإِنْسِهِمْ، كُلَّمَا نُثِرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَزِعَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْأَرْضِ وَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى تُقْبَضُ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، فَلَأَهْلُهَا وَحْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ سِتِّ سَمَاوَاتٍ، وَجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضِّعْفِ، وَيَجِيئُ اللَّهُ فِيهِمْ، وَالْأُمَمُ جُثًى صُفُوفٌ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الْحَمَّادُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَيَقُومُونَ فَيَسْرَحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَةً: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)} [السجدة] فَيَسْرَحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُنَادِي ثَالِثَةً: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ

ص: 44

وَالْأَبْصَارُ (37)} [النور]» زاد هوذة في روايته «

قَالَ: فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ. فَإِذَا أُخِذَ مِنْ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ، خَرَجَ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فَأَشْرَفَ عَلَى الْخَلَائِقِ لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَلِسَانٌ فَصِيحٌ فَيَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِكُلِّ جُبَارٍ عَنِيدٍ قَالَ: فَيَلْتَقِطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ فَيَجْلِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، قَالَ: ثُمَّ يَخْرُجُ ثَانِيَةً فَيَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِمَنْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: فَيَلْتَقِطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ فَيَجْلِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يَخْرُجُ ثَالِثَةً قَالَ: ثَالِثَةً فَقَالَ: أَبُو الْمِنْهَالِ أَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِأَصْحَابِ التَّصَاوِيرِ قَالَ: فَيَلْتَقِطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ فَيَجْلِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، فَإِذَا أُخِذَ مِنْ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ، نُشِرَتِ الصُّحُفُ، وَوُضِعَتِ الْمَوَازِينُ، وَدُعِيَ الْخَلَائِقُ لِلْحِسَابِ»

(1)

‌الملائكة الموكلون بالأرحام:

وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من أعمالهم أنهم مسؤولون عن ابن آدم من أول وهلة يعني من أول خلق الله -جل وعلا- له كما جاء في الصحيح عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَجَلُهُ؟ فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ: رِزْقُهُ؟ فَيَقْضِى رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ»

(2)

.

وجاء في حديث عبدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ

»

(3)

.

(1)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (2/ 101/ زيادات نعيم). ومن طريقه ابن أبي الدنيا في الأهوال (173) -. ورواه الحارث في مسنده كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (2/ 1001) -ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (6/ 62) - حدثنا هوذة عن عوف به. وقال الحافظ في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (4557): هذا موقوف وإسناده حسن ا. هـ

(2)

مسلم (2645).

(3)

صحيح البخاري (3208)، وصحيح مسلم (2643) واللفظ له.

ص: 45

‌ملائكة الرحمة وملائكة العذاب:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْرَكَهُ المَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ العَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ» متفق عليه

(1)

وفي سنن النسائي عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ، وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ، حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ: مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلُونَهُ: مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا، فَإِذَا قَالَ: أَمَا أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عز وجل، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الْأَرْضِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ»

(2)

وفي حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ،

وفيه ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ

وقال صلى الله عليه وسلم «وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ

» الحديث

(3)

(1)

صحيح البخاري (3470)، واللفظ له. وصحيح مسلم (2766)

(2)

سنن النسائي (1833) وأخرجه ابن حبان (3014) والحاكم (1302) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1309) وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (1/ 412)

(3)

مسند أحمد (18534) وانظر تخريجه والكلام عليه في مباحث الإيمان باليوم الآخر.

ص: 46

‌القرين من الملائكة:

ومن أعمالهم التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنها أن الله -جل وعلا- وكل بابن آدم ملكًا يدعوه للخير. يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» زاد في رواية: «وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» . قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّاي إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ؛ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ»

(1)

فقرين الملائكة لابن آدم يدعوه للخير ويذكره ويحُثُّه عليه ويُبيِّنُ له.

وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّة، -واللمة يعني القرب والدنو- فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ، ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268] الآيَةَ

(2)

. وهذا يدل على رحمة الله -جل وعلا- بابن آدم وأن الله -جل وعلا- يسدده، وأن الله وكَّل به هؤلاء الملائكة العظام والمباركين بحراسته وحَثِّه ودعوته إلى الخير. فالحجة قائمة عليك يا ابن آدم؛ فأقبل على طاعة الله -جل وعلا-.

‌أثر لمَّة الملك وأثر لمَّة الشيطان:

قال ابن القيم رحمه الله: وإذا تأمَّلْتَ حال "القلب" مع المَلَكِ والشيطانِ رأيتَ أعجب العجائب، فهذا يُلِمُّ به مرَّةً، وهذا يُلِمُّ به مرَّةً، فإذا أَلَمَّ به المَلَكُ حدَثَ من لَمَّتِه الانفساحُ، والانشراحُ، والنُّورُ، والرَّحمةُ، والإخلاصُ، والإنابةُ، ومحبَّةُ الله، وإيثارُه على ما سواه، وقِصَرُ الأمَلِ، والتَّجَافِي عن دار البلاء والامتحان والغرور، فلو دامت له تلك الحالة لكان في أَهْنَأ عَيشٍ وأَلَذِّهِ وأَطْيَبِهِ. ولكن تأتيه لَمَّةُ الشيطان، فتُحْدِثُ له من الضِّيقِ، والظُّلْمةِ، والهَمِّ، والغَمِّ، والخوفِ، والسَّخَطِ على المقدور، والشَّكِّ في الحقِّ، والحرص على الدنيا وعاجلِها، والغفلةِ عن الله ما هو من أعظم عذاب "القلب".

‌أحوال القلوب مع لمَّة الملك ولمَّة الشيطان:

قال رحمه الله: ثُمَّ للنَّاس في هذه المحنة مراتب لا يحصيها إلا الله عز وجل: فمنهم من

(1)

مسلم (2814).

(2)

أخرجه الترمذي (1988) ورجح أبو حاتم وأبو زرعة وقفه. انظر: العلل لابن أبي حاتم (2224)

ص: 47

تكون لَمَّةُ المَلَك أغلب عليه من لَمَّةِ الشيطان وأقوى، فإذا أَلَمَّ به الشيطانُ وجَدَ من الألَم، والضِّيق، والحَصْر، وسوء الحال بحسب ما عنده من حياة "القلب"، فيُبَادِرُ إلى مَحْوِ تلك اللَّمَّة، ولا يَدَعها تستحكِمُ فيصعب تداركها. فهو دائمٌ بين اللَّمَّتَين، يُدَالُ له مرَّةً، ويُدَالُ عليه مرَّةً أخرى، والعاقبة للتقوى. ومنهم من تكون لَمَّةُ الشيطان أغلب عليه من لَمَّةِ المَلَك وأقوى، فلا تزال تغلبُ لَمَّةَ المَلَك حتَّى تستحكم ويصير الحكم لها، فيموت "القلب"، فلا يُحِسُّ بما ناله الشيطان، مع أنَّه في غاية العذاب، والألَم، والضِّيق، والحَصْر، ولكنَّ سُكْرَ الشهوة والغفلة حَجَبَ عنه الإحساس بذلك المُؤْلِم. فإذا كُشِفَ عنه بعض غطائه أدركَ سُوءَ حاله، وعَلِمَ ما هو فيه، فإن استمرَّ له كَشْفُ الغطاء أمكَنَهُ تدارُكُ هذا الدَّاءِ وحَسْمُهُ، وإن عادَ الغطاءُ عادَ الأمر كما كان، حتَّى يُكْشَفَ عنه وقت المُفَارَقَة، فتظهر حينئذٍ تلك الآلامُ، والهُمومُ، والغمومُ، والأحزانُ، وهي لم تتجدَّدْ له، وإنَّما كانت كامنةً فيه، تُوَارِيها الشَّوَاغِلُ، فلمَّا زالت الشَّوَاغل ظهر ما كان كامنًا، وتجدَّدَ له أضعافُه.

‌سبب تسلط الشيطان على القلوب:

قال رحمه الله: والشيطانُ يُلِمُّ بـ "القلب" لِمَا له هناك من جَوَاذِب تجذبه، وهي نوعان: صفات، وإرادات. فإذا كانت الجَوَاذِبُ صفاتٍ قَويَ سُلْطَانُه هناك، واسْتفْحَلَ أمرُهُ، ووجَدَ موطِنًا ومَقَرًّا، فتبقى الأذكارُ والدَّعواتُ والتعوُّذَاتُ التي يأتي بها الإنسانُ حديثَ نفسٍ، لا تدفعُ سلطانَ الشيطان؛ لأنَّ مَرْكبَهُ صفةٌ لازِمةٌ. فإذا قلع العبدُ تلك الصفاتِ من قلبه، وعَمِلَ على التَّطهُّرِ منها والاغتسال، بَقِيَ للشيطان بـ "القلب" خَطَرَاتٌ، ووَسَاوِسُ، ولَمَّاتٌ من غير استقرار، وذلك يُضْعِفُه، ويقوِّي لَمَّةَ المَلَك، فتأتي الأذكارُ، والدَّعواتُ، والتعوُّذَاتُ؛ فتدفعه بأسهل شيء. وإذا أردت لذلك مثالًا مطابقًا: فَمَثلُه مَثَلُ كلبٍ جائعٍ، شديدِ الجوع، وبينك وبينه لحمٌ أو خبزٌ، وهو يتأمَّلك، فيراك لا تقاوِمُه وهو قد اقتربَ منك، فأنت تَزْجُرُه، وتصيح عليه، وهو يأبَى إلا الهجوم عليك، والغَارَة على ما بين يديك. فالأذكارُ بمنزلة الصِّيَاح عليه، والزَّجْرِ له، ولكنَّ مَعْلُومَه ومُرَادَهُ عندك، وقد قَوَّيتَهُ عليك، فإذا لم يكنِ بين يديك شيءٌ يصلح له -وقد تأمَّلَكَ فرآكَ أقوى منه- فإنَّك تزجُره فيَنْزَجِر، وتصيحُ عليه فيذهب. وكذلك "القلبُ" الخالي عن قُوت الشيطان يَنْزَجِرُ

ص: 48

بمجرَّدِ الذِّكْرِ. وأمَّا "القلب" الذي فيه تلك الصفات التي هي مَرْكبه وموطنه، فيقع الذِّكْرُ في حواشيها وجوانبها، ولا يقوى على إخراج العدوِّ. ومصداق ذلك تجده في الصلاة، فتأمَّل الحالَ، وانظر: هل تخْرِج الصلاة وأذكارُها وقراءَتها الشيطانَ من قلبك، وتفرغه كلَّهُ لله تعالى، وتُقِيمُه بين يديه مقبلًا بكُلِّيَّتِهِ عليه، يصلي لله -تعالى- كأنَّه يَرَاهُ، قد اجتمع هَمُّهُ كلُّهُ على الله، وصار ذِكْره، ومراقَبته، ومحبَّتُه، والأُنْسُ به؛ في مَحَلِّ الخواطر والوساوس؛ أم لا؟ فالله المستعان. وهاهنا نكتةٌ ينبغي التفطُّنُ لها، وهي أنَّ القلوبَ ممتلئةٌ بالأخلاط الرديئة. والعباداتُ والأذكارُ والتعوُّذَاتُ أدويةٌ لتلك الأخلاط، كما يثير الدواءُ أخلاطَ البدن، فإن كان قبل الدواء وبعده حِمْيَةٌ نَفَعَ ذلك الدواء، وقَلَعَ الدَّاءَ أو أكثَرَهُ، وإنْ لم يكن قبله ولا بعده حِمْيَةٌ لم يزد الدواء على إثارته، وإن أزال منه شيئًا ما. فمدار الأمر على شيئين: الحِمْيَةِ، واستعمالِ الأدوية ا. هـ

(1)

‌الملائكة الموكلون بحراسة ابن آدم:

ومن أعمالهم أن الله -جل وعلا- وكل إليهم حراسة ابن آدم قال الله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد].

قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "المعقبات": "هم الملائكة جعلهم الله؛ ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا جاء قدر الله (الذي قدر أن يصل إليه) خلوا عنه"

(2)

يعني لم يستطيعوا أن يفعلوا تجاه قدر الله -جل وعلا- شيئًا.

‌الملائكة الحفظة:

قال: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)} [الأنعام: 61]. قال قَتَادَةَ، " حَفَظَةٌ يَا ابْنَ آدَمَ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ عَمَلَكَ وَرِزْقَكَ وَأَجَلَكَ، إِذَا تُوفِّيتَ ذَلِكَ قُبِضْتَ إِلَى رَبِّكَ.

(3)

وأخبرنا ربنا أيضًا أنه يحيط بابن آدم ملائكةٌ حافظون لأعماله. قال تعالى:

(1)

التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (1/ 635)

(2)

تفسير الطبري (13/ 458).

(3)

تفسير الطبري (9/ 289).

ص: 49

{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار] وكل الله بك يا ابن آدم ملكين حاضرين لا يفارقانك، يُحصيان عليك أعمالك وأقوالك كما قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق].

‌رقيب عتيد:

وما معنى رقيب وما معنى عتيد؟ الرقيب العتيد هو المراقب المعد لذلك لا يترك كلمة إلا ودَوَّنها على صاحبها؛ فينبغي للعبد إذا عرف ذلك أن يستحيي من ملائكة الرحمن، وعليه أن يراقب ربه -جل وعلا- في أقواله وفي أفعاله

(1)

.

وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ عَمَلِ يَوْمٍ إِلَّا وَهُوَ يُخْتَمُ عَلَيْهِ وَلَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَهُوَ يُخْتَمُ عَلَيْهَا حَتَّى إِذَا حِيلَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنِ الْعَمَلِ قَالَ الْحَفَظَةُ: يَا رَبَّنَا هَذَا عَمَلُ عَبْدِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَمَلِ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ»

وقَالَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَعْلَمُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الْحَافِظُ لِأَنَّهُ يَعْرُجُ بِعَمَلِهِ وَيَنْزِلُ بِرِزْقِهِ فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ رِزْقٌ عَلِمَ أَنَّهُ مَيِّتٌ»

(2)

وذكر بعض الناس في قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق] أن الملك في اليمين "رقيب"، وأن ملك الشمال يقال له:"عتيد"؛ وهذا ليس بصحيح؛ فإن قوله تعالى: {رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} وصفان للملكين اللذين يسجلان أعمال العباد، ومعنى: رقيب عتيد: ملكان حاضران شاهدان لا يغيبان عن العبد.

(1)

وفي سنن الترمذي ت شاكر (2800) -وقال حديث غريب- عَنْ لَيْثٍ -وهو ابن أبي سليم-، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: مرفوعا «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ» وضعفه الألباني في الإرواء (64)، وله شاهد ضعيف أيضا، رواه البيهقي في الشعب (7345) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه. وهو في السلسلة الضعيفة (2300)

(2)

المستدرك على الصحيحين (7669) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه شيخنا الوادعي في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» (510).

ص: 50

‌ملك الحسنات وملك السيئات:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أمامة رضي الله عنه عند الطبراني وغيره: «إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ - وفي رواية سبع - سَاعَاتٍ، عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً» وفي رواية «صَاحِبُ الْيَمِينِ أَمِيرٌ عَلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ فَإِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ حَسَنَةً أَثْبَتَهَا وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْيَمِينِ: امْكُثْ سِتَّ سَاعَاتٍ

»

(1)

وقال الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، فَقَامَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ يُصَلِّي فَبَصَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:«يَا شَبَثُ لَا تَبْصُقْ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَا عَنْ يَمِينِكَ، فَإِنَّ عنْ يَمِينِكَ كَاتِبَ الْحَسَنَاتِ، وَابْصُقْ عَنْ شِمَالِكَ، وَخَلْفَكَ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، وَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَهُ اللَّهُ بِوَجْهِهِ يُنَاجِيهِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَنْصَرِفُ، أَوْ يُحْدِثُ حَدَثَ سَوْءٍ»

(2)

وهذا له حكم الرفع، وقد روي مرفوعا

(3)

-والوقف أصح-.

(1)

رواه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 185) رقم (7765) من طريق عبد الوهاب الحوطي، وغيره وفي مسند الشاميين (526) من طريق إبراهيم بن العلاء وغيره والبيهقي في شعب الإيمان (6650) عن أبي اليمان الحمصي، كلهم عن إسماعيل بن عياش، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن عروة بن رويم، عن القاسم، عن أبي أمامة به باللفظ الأول. وحسن إسناده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1209). ورواه الطبراني في الكبير (8/ 191) رقم (7787) وفي مسند الشاميين (468) من طريق الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن القاسم، به باللفظ الثاني. وفيه عنعنة الوليد فإنه مشهور بالتدليس. وتوبع ثور؛ تابعه بشر بن نمير - عند الكلاباذي في بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار (111) وابن شاهين في الترغيب (182) والبيهقي في شعب الإيمان (6649) والتفسير الوسيط للواحدي (4/ 166) - وتابعهما أيضا جعفر بن الزبير عند البيهقي في الشعب (6648) والبغوي في التفسير البغوي (4/ 273)، ولا يفرح بمتابعتهما فإنهما متروكان. وانظر السلسلة الضعيفة (2237).

(2)

رواه عبد الرزاق الصنعاني (1/ 432/ 1689) -واللفظ له- وابن أبي شيبة (7454) وابن خزيمة في التوحيد (1/ 35) وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (869) والبيهقي في الأسماء (655) من طرق عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ،

فذكره وعند ابن خزيمة تصريح الأعمش بالسماع.

(3)

رواه ابن ماجه (1023) من طريق أَبي بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ رَأَى شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ بَزَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا شَبَثُ لَا تَبْزُقْ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ:«إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، حَتَّى يَنْقَلِبَ أَوْ يُحْدِثَ حَدَثَ سُوءٍ» وحسنه الألباني. ورواه البزار في مسنده (2889) وابن خزيمة (924) من طريق عِمْرَان الْقَطَّان، عَنْ عَاصِمٍ به وقال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ مَرْفُوعًا إِلَّا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مَوْقُوفًا ا. هـ قلت قد توبع كما تقدم. وأيضا فقد رواه ابن المنذر في الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/ 267) رقم (1634) من طريق حَمَّاد وهو ابن سلمة عن عاصم به. ورواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 176) رقم 122 والمحاملي (415) -ومن طريقه الخطيب في التاريخ (2913) -، عن حماد -وهو ابن أبي سليمان - وفي حفظه ضعف- عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ، بَزَقَ فِي قِبْلَتِهِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ، أَوْ قَالَ الرَّجُلُ، فِي صَلَاتِهِ يُقْبِلُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ فِي قِبْلَتِهِ، وَلَا يَبْزُقَنَّ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّ كَاتَبَ الْحَسَنَاتِ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ» ورواية الوقف وإن كانت أصح فللحديث حكم الرفع والله أعلم.

ص: 51

وَفِي الصَّحِيحِ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ وَالْمَلَكُ عَنْ يَمِينِهِ»

(1)

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أَجْمَعَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى أَنَّ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَالَّذِي عَنْ شِمَالِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ،

وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَكْتُبُ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ، أَوْ لَا يَكْتُبُ إِلَّا مَا فِيهِ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«يَكْتُبُ كُلَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ حَتَّى إِنَّهُ لَيَكْتُبُ قَوْله أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ ذَهَبْتُ وَجِئْتُ رَأَيْتُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ عُرِضَ قَوْله وَعَمَلُهُ فَأُقِرَّ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَأُلْقِيَ سَائِرُهُ فَذَلِكَ قَوْله: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]»

(2)

.

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: رَكِبَ رَجُلٌ الْحِمَارَ، فَعَثَرَ بِهِ، فَقَالَ: تَعِسَ الْحِمَارُ، فَقَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ: مَا هِيَ حَسَنَةٌ أَكْتُبُهَا، وَقَالَ صَاحِبُ الشِّمَالِ: مَا هِيَ سَيِّئَةٌ فَأَكْتُبُهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ: مَا تَرَكَ صَاحِبُ الْيَمِينِ مِنْ شَيْءٍ، فَاكْتُبْهُ، فَأَثْبَتَ فِي السَّيِّئَاتِ "

(1)

صحيح البخاري (416).

(2)

رواه ابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير (7/ 399) والدر المنثور (7/ 593) وذكر إسناده الحافظ في تغليق التعليق على صحيح البخاري (5/ 380) -، وهو من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 52

تَعِسَ الْحِمَارُ ".

(1)

قال ابن رجب رحمه الله: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مَا لَيْسَ بِحَسَنَةٍ، فَهُوَ سَيِّئَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ بَعْضَ السَّيِّئَاتِ قَدْ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَقَعُ مُكَفَّرَةً بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ

(2)

، وَلَكِنَّ زَمَانَهَا قَدْ خَسِرَهُ صَاحِبُهَا حَيْثُ ذَهَبَتْ بَاطِلًا، فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ حَسْرَةٌ فِي الْقِيَامَةِ وَأَسَفٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَوْعُ عُقُوبَةٍ. ا. هـ

(3)

وعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:«يُكْتَبُ مِنَ الْمَرِيضِ كُلُّ شَيْءٍ، حَتَّى أَنِينُهُ فِي مَرَضِهِ»

(4)

وقالَ قَتَادَةُ: تَلَا الْحَسَنُ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17]، فَقَالَ:«يَا ابْنَ آدَمَ بُسِطَتْ لَكَ صَحِيفَةٌ، وَوُكِّلَ بِكَ مَلَكَانِ كَرِيمَانِ: أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِكَ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِكَ؛ فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ؛ وَأَمَّا الَّذِي عَنْ شِمَالِكَ فَيَحْفِظُ سَيِّئَاتِكَ، فَاعْمَلْ بِمَا شِئْتَ أَقْلِلْ أَوْ أَكْثِرْ، حَتَّى إِذَا مُتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ، فَجُعِلَتْ فِي عُنُقِكَ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ، حَتَّى تَخْرُجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء] عَدَلَ وَاللَّهِ عَلَيْكَ مِنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ» .

(5)

وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يَئِنُّ في مرضه

(6)

، فبلغه

(1)

رواه هناد في الزهد (2/ 542). وجاء نحوه عن حسان بن عطية رواه حسين المروزي في زوائده على الزهد (1013) وابن وهب في الجامع (463) وابن أبي شيبة (7/ 218) رقم (35480 والبيهقي في شعب الإيمان (4818). ورواه الطبري في تفسيره (21/ 426) عن عَمْرو بْن الْحَارِثِ، عَنْ هِشَامٍ الْحِمْصِيِّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ

فذكر نحوه مختصرا.

(2)

قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]

(3)

جامع العلوم والحكم (ح: 15)

(4)

مصنف ابن أبي شيبة (2/ 443) رقم (10830) والزهد لهناد بن السري (2/ 535)

(5)

تفسير عبد الرزاق (3/ 229) رقم (2953) عن معمر عن قتادة به. ومن طريق معمر رواه الطبري في تفسيره (21/ 425) ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت (85) عنْ يَزِيدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ مختصرا.

(6)

انظر: سيرة الإمام أحمد بن حنبل (ص: 127) لابنه صالح.

ص: 53

عن طاووس أنه قال: يكتب الملك كلَّ شيء حتى الأنين

(1)

.

فصبر، فلم يَئِنَّ -رحمه الله تعالى- حتى مات

(2)

وهذا من حرصهم -رحمهم الله تعالى- على أعمالهم.

فراقِبْ ربَّك أيها المؤمن، واعلم أن أعمالك تُحصى عليك، قال الله -جل وعلا-:{أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6].

(1)

رواه أبو نعيم في الحلية (4/ 4) عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاووسٍ، قَالَ:«مَا مِنْ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ إِلَّا أُحْصِيَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ» . وهو في مسند ابن الجعد (2727) ومصنف ابن أبي شيبة (35412) والزهد لهناد (396) والصبر والثواب لابن أبي الدنيا (186) وحلية الأولياء لأبي نعيم (5/ 18) عَنْ لَيْثٍ قَالَ: «حَدَّثْتُ طَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ، فِي مَرَضِهِ أَنَّ طَاوُسًا كَانَ يَكْرَهُ الْأَنِينَ، فَمَا سُمِعَ طَلْحَةُ يَئِنُّ حَتَّى مَاتَ» .

(2)

تفسير ابن كثير (7/ 299).

ص: 54

‌المجلس السادس عشر

(1)

قدرة الملائكة على التشكل:

وأعطى الله -جل وعلا- الملائكة القدرة على أن يتشكَّلُوا بغير أشكالهم. فقد أرسل الله -جل وعلا- جبرائيل إلى مريم في صورة بشر، كما ذكر ذلك سبحانه في كتابه في سورة مريم:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)} [مريم] الآيات.

كذلك أرسل الله -جل وعلا- الملائكة في صورة بشر إلى نبيه وخليله إبراهيم عليها السلام قال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)} [هود] الآيات.

وجاءت الملائكة إلى نبي الله لوط عليها السلام في صورة شباب حِسَانِ الوجوه، وضاق لوطٌ عليها السلام بهم، وخَشِيَ عليهم قومه؛ فقد كانوا قوم سوء، يفعلون السيئات، ويأتون الذُّكْران من العالمين قال -جل وعلا-:{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)} [هود]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "تبدَّو لهم في صورة شباب حِسَانٍ امتحانًا واختبارًا حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر"

(2)

.

وقد جاء جبريل عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صفات عدة:

فتارة كان يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه كما تقدَّم معنا- وكان صحابيًّا جميل الصورة.

(3)

وتارة كان يأتي في صورة أعرابي حسن المظهر، شديد سواد الشعر، شديد بياض الثياب، لا يُرى عليه أَثَرُ السفر. كما جاء في الصحيح من حديث عمر رضي الله عنه: بينما

(1)

كان في يوم الثلاثاء الثاني عشر من شهر رمضان 1441 هـ.

(2)

البداية والنهاية (1/ 91)، وانظر تفسير ابن كثير (4/ 336).

(3)

انظر ما تقدم في مبحث: الإيمان بالرسل (2/ 37) من هذه السلسة المباركة.

ص: 55

نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياض الثياب، شديدُ سواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر

الحديث، وهو حديث مشهور معروف، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك الصحابة بـ «أن هذا جبريل أتاكم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»

(1)

.

ورأت أمُّنا عائشة رضي الله عنها الرسولَ صلى الله عليه وسلم واضعًا يدَه على مَعْرَفة

(2)

فرس دحية الكلبي يُكَلِّمه، فلما سألته عن ذلك، قال:«ذَاكَ جِبْرِيلُ عليها السلام، وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ»

(3)

.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا: أنه لما هاجر تائبًا جاءه الموت في منتصف الطريق إلى الأرض التي هاجر إليها قال في الحديث: «فاختصمت فيه ملائكةُ الرحمةِ وملائكةُ العذابِ فحكَّموا فيهم ملكًا جاءهم في صورة آدمي» ، يقول صلى الله عليه وسلم:«فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قِيسُوا ما بين الأرضين» . والحديث في الصحيحين

(4)

.

‌سرعة الملائكة:

وكذلك جاء في السنة ما يدل على عِظَمِ سرعتهم، وأنهم سريعون جدًّا، فسرعة الملائكة فوق ما يُتَصَوَّر؛ فإن السائل لا يكاد ينتهي من سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم إلا وينزل جبريل عليها السلام من السماء إلى الأرض، فينزل بالوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى كم مقدار المسافة بين السماء والأرض. وقد روى عَاصِم بن أبي النجود، عَنْ زِرّ بن حبيش، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

المَعْرَفة: موضع العُرْف من الفرس، والعُرْف: شعر العنق. انظر القاموس المحيط، والمعجم الوسيط مادة (عرف).

(3)

رواه أحمد في المسند (24462، 25131) عَنْ مُجَالِدٍ، -وهو ضعيف- عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَعْرَفَةِ فَرَسٍ، وَهُوَ يُكَلِّمُ رَجُلًا، قُلْتُ: رَأَيْتُكَ وَاضِعًا يَدَيْكَ عَلَى مَعْرَفَةِ فَرَسِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَنْتَ تُكَلِّمُهُ، قَالَ:«وَرَأَيْتِيهِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:«ذَاكَ جِبْرِيلُ عليه السلام وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ» قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ صَاحِبٍ وَدَخِيلٍ، فَنِعْمَ الصَّاحِبُ، وَنِعْمَ الدَّخِيلُ -والدَّخِيلُ: الضَّيْفُ-.

(4)

البخاري (3470)، ومسلم (2766) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 56

مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ»

(1)

‌علم الملائكة:

وأخبرنا الله -جل وعلا- عن علمهم، وأن الله -جل وعلا- علَّمهم علمًا آتاهم إياه: قال الله -جل وعلا- في قصة آدم عليها السلام: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة]. فالإنسان يتميز بالقدرة على التعرف على الأشياء واكتشاف سنن الكون والملائكة يعلمون ذلك بالتلقي المباشر عن رب العالمين -سبحانه- ولهذا يقول ربنا -جل وعلا-: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الإنفطار].

‌اختصام الملائكة في الملأ الأعلى:

أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تختصم في الملأ الأعلى: يعني تتحاور فيما خَفِيَ عليها من وحي ربها -جل وعلا-. كما روى الترمذي وأحمد عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى قَرْنَ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيعًا، فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ وَصَلَّى وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ [دَعَا بِصَوْتِهِ فَـ] قَالَ [لَنَا]:«كَمَا أَنْتُمْ عَلَى مَصَافِّكُمْ» . ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا. فَقَالَ: «[أَمَا] إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ، [فَتَوَضَّأْتُ] فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي [فَاسْتَثْقَلْتُ](حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ)، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ [قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ] أَتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي يَا رَبِّ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي يا رَبِّ، فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِي فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ [قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ] فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ. قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ؟ قُلْتُ: نَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ، وَجُلُوسٌ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَواتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ. قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ [وفي رواية: قَالَ: ثُمَّ فِيمَ؟] قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ

(1)

حديث حسن؛ رواه الدارمي في الرد على الجهمية (81) وابن خزيمة في التوحيد (1/ 243) والطبراني في المعجم الكبير (9/ 202) رقم (8987) والبيهقي في الأسماء والصفات (851).

ص: 57

وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ: سَلْ. قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا»

(1)

وعن أبي قلابة عن ابن عباس رضي الله عنهما عند أحمد والترمذي - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَانِي رَبِّي -جل وعلا- اللَّيْلَةَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ-أَحْسِبُهُ يَعْنِي فِي النَّوْمِ-فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ-أَوْ قَالَ: نَحْرِي-فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، يَخْتَصِمُونَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ، قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ وَالدَّرَجَاتُ؟ قَالَ: الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِبْلَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ، وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ إِذَا صَلَّيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً، أَنْ تَقْبِضَنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ، قَالَ: وَالدَّرَجَاتُ: بَذْلُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»

(2)

.

فدل على تحاورهم في العلم وتساؤلهم فيما بينَهم.

‌انتظام صفوف الملائكة:

كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سوَّى الصفوف يقول: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟!» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» أخرجه مسلم

(3)

(1)

مسند أحمد (22109) والسياق له، وسنن الترمذي ت شاكر (3235) وما بين معكوفين منه وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ،

إلخ. وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/ 148).

(2)

مسند أحمد (3484) وسنن الترمذي ت شاكر (3233) وأبو قلابة لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما. لكن الحديث في الشواهد. ولذا قال الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (194): صحيح لغيره ا. هـ وانظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (684).

(3)

صحيح مسلم (430) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.

ص: 58

فهذا يدل على أن الملائكة منظَّمون في عبادتهم لربهم -جل وعلا-.

‌عصمة الملائكة:

وأخبرنا ربنا -جل وعلا- عن شأن الملائكة وأنهم عباد معصومون. قال الله -سبحانه- في وصف الملائكة الذين هم على النار: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} ثم قال في وصفهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم] وقال -جل وعلا-: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)} [الأنبياء]. فتأمل قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} يدُلُّك على أنهم لا يعصون ربهم -جل وعلا- وأنهم مستجيبون لأمر الله.

قال القاضي عياض رحمه الله: أجمع الْمُسْلِمُون عَلَى أَنّ الْمَلَائِكَة مؤمنون فضلاء واتفق أئِمَّة الْمُسْلِمِين أَنّ حُكْم المُرْسَلِين مِنْهُم حُكْم النَّبِيّين سواء فِي العِصْمَة مِمَّا ذَكَرْنَا عِصْمتَهُم مِنْه وَأَنَّهُمْ فِي حُقُوق الْأَنْبِيَاء والتَّبْلِيغ إِلَيْهِم كالْأَنْبِيَاء مَع الْأُمَم واختلفوا فِي غَيْر الْمُرْسَلِين مِنْهُم فذهبت طائفة إِلَى عصمة جميعهم عَنْ المعاصي

، وذهبت طائفة إن أَنّ هَذَا خُصُوص لِلْمُرْسَلِين مِنْهُم وَالمُقَرَّبِين، واحْتَجُّوا بأشْيَاء ذَكَرَهَا أهْل الْأَخْبَار والتَّفَاسِير

والصواب عصمة جميعهم وتنزيه نصابهم الرفيع عَنْ جميع مَا يحط من رتبتهم ومنزلتهم عَنْ جليل مقدارهم

فمما احْتَجّ بِه من لَم يُوجِب عصمة جميعهم قِصَّة هاروت وماروت وَمَا ذَكَر فيها أهل الْأَخْبَار ونَقَلَة الْمُفَسّرِين

فاعلم أكْرَمَك اللَّه أَنّ هَذِه الأخْبَار لَم يُرْو منها شيء لَا سَقِيم وَلَا صَحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَلَيْس هُو شَيْئًا يُؤْخَذ بِقِيَاس وَالَّذِي مِنْه فِي الْقُرْآن اخْتَلف الْمُفَسِّرُون فِي مَعْنَاه، وَأنْكَر مَا قَال بَعْضُهُم فِيه كَثير مِنْ السَّلَف كَمَا سنذكره، وهذه الْأَخْبَار من كُتُب اليَهُود وَافْتِرَائِهِم

ومما يذكرونه قِصَّة إبليس وَأنَّه كَان مِنْ الْمَلَائِكَة ورئيسا فيهم ومِن خزان الْجَّنة إِلَى آخر مَا حكوه

وَهَذَا أيْضًا لَم يتفق عَلَيْه بَلْ الأكثر ينفون ذَلِك وَأنَّه أَبُو الجن كَمَا آدَم أبو الإنس

ومما رووه في الْأَخْبَار أَنّ خلقًا مِنْ الْمَلَائِكَة عصوا اللَّه فحرقوا وأمروا أَنّ يسجدوا لآدم فأبوا فحرقوا ثُمّ أخرون كَذَلِك حَتَّى سجد لَه من ذَكَر اللَّه إلَّا إبليس فِي

ص: 59

أخبار لَا أصل لَهَا تردها صحاح الْأَخْبَار فَلَا يشتغل بِهِا والله أعلم ا. هـ

(1)

خشية الملائكة وخوفهم من الله:

أخبرنا ربنا عن عبادة الملائكة لربها -جل وعلا-: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]. وقال في وصفهم -جل وعلا-: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} [الأنبياء] فهم شديدو الخوف من الله. وقال -جل وعلا- في كتابه الكريم مبيِّنًا عُلُوَّ مكانتِهم في طاعته وعبادته: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)} [الأنبياء].

وصح عَنْ سلمَانَ الفارسيِّ رضي الله عنه أنه قَالَ: «يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [وَلَهُ كِفَّتَانِ]، فَلَوْ وُضِعَتْ فِيهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ [وَمَنْ فِيهِنَّ] لَوَسَعَتْ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ، لِمَنْ تَزِنُ بِهَذَا؟ قَالَ: لِمَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي، [قَالَ: وَيَوضَعُ الصِّرَاطَ، وَهُوَ كَحَدِّ الْمُوسَى،] [فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا مَنْ تُجِيزُ عَلَى هَذَا، فَيَقُولُ: أُجِيزَ عَلَيْهِ مَنْ شِئْتُ] فَيَقُولُونَ -أي الملائكة-: [رَبَّنَا] سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ»

(2)

(1)

الشفا بتعريف حقوق المصطفى - وحاشية الشمني (2/ 174)

(2)

صحيح رواه المروزي في زوائد الزهد لابن المبارك (1357) -ومن طريقه الآجري في الشريعة (895) - ويحيى بن سلام في تفسيره (1/ 318) وأسد بن موسى في الزهد (66) وابن الأعرابي في المعجم (1827) والآجري في الشريعة (894) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2208، 2221)، وروى ابن أبي شيبة في المصنف (34195)"جملة الصراط" ورواه الحاكم في المستدرك (8739) من طريق المسيب بن زهير عن هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي عثمان، عن سلمان به مرفوعا. وقال:" هذا حديث صحيح على شرط مسلم ". وتعقبه الشيخ الألباني فقال: وفيه نظر، فإن هدبة بن خالد وإن كان من شيوخ مسلم، فإن الراوي عنه المسيب بن زهير لم أر من وثقه، وقد ترجم له الخطيب (13/ 149) وكناه أبا مسلم التاجر، وذكر أنه روى عنه جماعة، وأنه توفي سنة (285)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد رواه الآجري في " الشريعة " (382) عن عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حماد بن سلمة به موقوفا على سلمان. وإسناده صحيح، وله حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي ا. هـ قلت: وتوبع معاذ -وهو العنبري- على وقفه فقد رواه أيضا أسد بن موسى في الزهد، والحسن بن موسى -عند ابن أبي شيبة -، وأبو نصر التمار -عند ابن أبي الدنيا -كما في البداية والنهاية (20/ 110) - واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد؛ والأسود بن عامر -عند ابن الأعرابي- كلهم (أسد والحسن بن موسى والتمار، والأسود) عن حماد به موقوفا. وله حكم الرفع كما تقدم وانظر: السلسلة الصحيحة (941). والسياق للمروزي والزيادات للالكائي ومعه ابن الأعرابي في الثانية والثالثة والخامسة وللآجري الثانية والخامسة.

ص: 60

وفي الإبانة لابن بطة بسند حسن عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أنهُ حَدَّثَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ لِعِبَادَتِهِ أَصْنَافًا، فَإِنَّ مِنْهُمُ الْمَلَائِكَةَ قِيَامًا صَافِّينَ مِنْ يَوْمِ خَلْقِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَلَائِكَةً رُكُوعًا خُشُوعًا مِنْ يَوْمِ خَلْقِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلَقَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَتَجَلَّى لَهُمْ تَعَالَى، وَنَظَرُوا إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ، مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ»

(1)

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى، وَجِبْرِيلُ كَالْحِلْسِ الْبَالِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عز وجل»

(2)

والحِلْس: ما وَلِيَ البعير تحت الرحل

(3)

.

‌تسبيح الملائكة وذكرهم لله:

وجاء في الأدلة الشرعية شيءٌ من بيان عبادتهم وتعبدهم لربهم -جل وعلا- فمن ذلك: التسبيح والذكر؛ يقول ربنا -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7] وقال -جل وعلا-: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]. وأخبرنا ربنا أن تسبيح الملائكة دائم ليلًا ونهارًا لا ينقطع، يقول -جل وعلا-:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء].

ولكثرة تسبيحهم فإنهم هم المسبِّحون على الحقيقة؛ فإن الله يقول مخبرًا عنهم: أنهم قالوا: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات]. وما ذلك إلا لكثرة تسبيحهم وثنائهم على ربهم -جل وعلا- فهم يقومون ويركعون ويسجدون لربهم.

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَوْضِعُ قَدَمٍ

(1)

أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (33) والبيهقي في كتاب الرؤية -كما في الحبائك في أخبار الملائك للسيوطي (147) - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 296) وابن العديم في بغية الطلب فى تاريخ حلب (4/ 2026) - وسنده حسن. وهو في التاريخ الكبير للبخاري (2/ 8 ت المعلمي اليماني) مختصرا- ومن طريقه الخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 849) وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 297) -.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء (414) وابن أبي عاصم في السنة (621) والطبراني في الأوسط (4679) وقوام السنة في الحجة (248) وابن مردويه كما في الدر المنثور (5/ 216) وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2289)

(3)

انظر: كتاب العين للخليل (3/ 142) وتهذيب اللغة للأزهري (4/ 181)

ص: 61

إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات]» رواه المروزي

(1)

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «إِنَّ مِنَ السَّمَوَاتِ لَسَمَاءً مَا مِنْهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ، إِلَّا عَلَيْهَا جَبْهَةُ مَلَكٍ أَوْ قَدَمَاهُ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا» ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات] رواه عبد الرزاق في تفسيره والمروزي، وهذا موقوف لكنه في حكم المرفوع.

(2)

وروى المروزي أيضا عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ:«مَا فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ»

(3)

ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم البيت المعمور في السماء قال عليه الصلاة والسلام: «يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ»

(4)

والبيت المعمور هو للملائكة كالكعبة في الأرض وهو حيال الكعبة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهو محاذٍ للكعبة، فهم يحُجُّون إلى البيت المعمور في السماء.

وتقدم أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «

وَلَكِنْ رَبُّنَا تبارك وتعالى اسْمُهُ، إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ

الحديث»

(5)

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:

(1)

تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (253) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (508) الكنى والأسماء للدولابي (1824). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1059).

(2)

تفسير عبد الرزاق (2565) تعظيم قدر الصلاة للمروزي (254)، وشعب الإيمان للبيهقي (157) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1059).

(3)

تعظيم قدر الصلاة (259) وسنده صحيح ورواه الطبراني في المعجم الأوسط (3568) والكبير (2/ 184/ 1751) -وعنه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1403) - مرفوعا فذكره وزاد: «

فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، إِلَّا أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا» وسنده ضعيف.

(4)

تقدم تخريجه في المجلس الخامس عشر.

(5)

تقدم في مبحث حملة العرش

ص: 62

«مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ»

(1)

‌قول الملائكة آمين:

روى مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَقَالَتِ المَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه

(2)

. قال الحافظ ابن رجب: الحديث على ظاهره، وأن الملائكة في السماء تؤمن على قراءة المصلين في الأرض للفاتحة ا. هـ

(3)

وروى مَالِكٌ أيضا، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ، فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه

(4)

وفي رواية: للبخاري «إِذَا أَمَّنَ القَارِئُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»

(5)

وروى مالك أيضا عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة] فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري

(6)

وفي صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ

(1)

صحيح مسلم (2731)

(2)

موطأ مالك ت عبد الباقي (1/ 88) رقم (46) ومن طريقه رواه البخاري (781) ومسلم (410/ 74)

(3)

فتح الباري لابن رجب (7/ 102).

(4)

موطأ مالك ت عبد الباقي (1/ 87) رقم (45) ومن طريقه رواه البخاري (780) ومسلم (410/ 72)

(5)

صحيح البخاري (6402)

(6)

موطأ مالك ت عبد الباقي (1/ 87) رقم (45) ومن طريقه رواه البخاري (782) ورواه مسلم من طريق سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا بلفظ:«إِذَا قَالَ الْقَارِئُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 7] فَقَالَ: مَنْ خَلْفَهُ: آمِينَ، فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»

ص: 63

بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ: الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ»

(1)

.

‌قول الملائكة اللهم ربنا لك الحمد:

وروى مالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه

(2)

‌استجابة الملائكة لما يوكل إليهم من الأعمال:

كذلك جاءت الأدلة ببيان ما هم عليه من التعبد لربهم في استجابتهم لكل الأعمال التي تُوكَل إليهم. كما في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ، لَا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ»

(3)

فهُمْ مطيعون لربهم، منظَّمون في أعمالهم عليهم السلام.

‌محاورة الملائكة لله تعالى في خلق آدم عليها السلام

-:

ومن أخبار الملائكة ما قصَّ الله -جل وعلا- علينا من شأنهم في قصة آدم عليه الصلاة والسلام، وأنهم حاوروا ربهم -جل وعلا- فسألوه عن الحكمة من خلق الإنسان:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} [البقرة]

وما هذه المحاورة مع ربهم -جل وعلا- إلا لعلو مكانتهم عند الله.

والله لما خلق آدم وبيَّنَ فضله عندهم بعلمه، وأَمَرَهم بالسجود له أذعنوا لربهم {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)} [ص].

‌غسل الملائكة لآدم عليها السلام عند وفاته:

ومن أعمال الملائكة التي جاء بيانها في السنة أنهم تولَّوا غسل آدم عليها السلام لما تُوُفِّي، فقد جاء في معجم الطبراني عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَمَّا تُوُفِّيَ آدَمُ غَسَّلَتْهُ

(1)

صحيح مسلم (2733).

(2)

موطأ مالك ت عبد الباقي (1/ 88) رقم (47) ومن طريقه رواه البخاري (796، 3228) ومسلم (409)

(3)

مسلم (157).

ص: 64

الْمَلَائِكَةُ بِالْمَاءِ وِتْرًا، وَلُحِدَ لَهُ، وَقَالَتْ: هَذِهِ سُنَّةُ آدَمَ وَوَلَدِهِ»

(1)

.

وروي عَنْ أبَيِّ بْنِ كَعْبٍ موقوفا، قَالَ:«إِنَّ آدَمَ عليها السلام لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيْ بَنِيَّ إِنِّي أَشْتَهِي مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَذَهَبُوا يَطْلُبُونَ لَهُ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَمَعَهُمْ أَكْفَانُهُ وَحَنُوطُهُ، وَمَعَهُمُ الْفُؤُوسُ وَالْمَسَاحِي وَالْمَكَاتِلُ، فَقَالُوا لَهُمْ: يَا بَنِي آدَمَ، مَا تُرِيدُونَ وَمَا تَطْلُبُونَ، أَوْ مَا تُرِيدُونَ وَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟، قَالُوا: أَبُونَا مَرِيضٌ فَاشْتَهَى مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، قَالُوا لَهُمْ: ارْجِعُوا فَقَدْ قُضِيَ قَضَاءُ أَبِيكُمْ. فَجَاءُوا، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ حَوَّاءُ عَرَفَتْهُمْ، فَلَاذَتْ بِآدَمَ عليها السلام، فَقَالَ: إِلَيْكِ عَنِّي فَإِنِّي إِنَّمَا أُوتِيتُ مِنْ قِبَلِكِ، خَلِّي بَيْنِي وَبَيْنَ مَلَائِكَةِ رَبِّي تبارك وتعالى. فَقَبَضُوهُ، وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَحَنَّطُوهُ، وَحَفَرُوا لَهُ وَأَلْحَدُوا لَهُ، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلُوا قَبْرَهُ فَوَضَعُوهُ فِي قَبْرِهِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنَ الْقَبْرِ، ثُمَّ حَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ، ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ»

(2)

‌غسل الملائكة لحنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه

-:

ومن الصحابة صحابيٌّ أكرمه الله -جل وعلا- بأن الملائكة غسلته، وهو: حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه المشهور بالغسيل. استشهد في معركة أحد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ» فَسَأَلُوا صَاحِبَتَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ خَرَجَ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ

الْمَلَائِكَةُ»

(3)

.

‌نزول الملائكة مع عيسى بن مريم عليهما السلام

-:

ففي صحيح مسلم عن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ،

فذكر الحديث وفيه قال صلى الله عليه وسلم: «

فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ -يعني الدجال- إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ،

»

(1)

الطبراني في الأوسط (8261، 9259)، والحاكم (4004) وصححه. ووافقه الألباني كما في السلسلة الضعيفة (6/ 406).

(2)

رواه عبد الله في زوائد مسند أبيه (35/ 162) رقم (21240) ومن طريقه الضياء في المختارة (4/ 19) وصححه الألباني كما في السلسلة الضعيفة (6/ 405).

(3)

رواه ابن حبان (7025)، والحاكم (4917)، والبيهقي في سننه (6605) من حديث عبدالله بن الزبير رضي الله عنها.

ص: 65

الحديث

(1)

‌محبة الملائكة للمؤمن:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ

»

(2)

.

فهنيئًا لك أيها المؤمن محبة هؤلاء الخلق المباركين لك ولاستقامتك على طاعة الله سبحانه.

‌تسديد الملائكة للمؤمن:

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تسدد العبد المؤمن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لحسان ويقول: «اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»

(3)

يعني جبريل، أي: سدِّدْه به.

وفي المسند عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ - يَعْنِي مِنْ بَيْتِهِ - إِلَّا بِبَابِهِ رَايَتَانِ: رَايَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ، وَرَايَةٌ بِيَدِ شَيْطَانٍ، فَإِنْ خَرَجَ لِمَا يُحِبُّ اللَّهُ عز وجل، اتَّبَعَهُ الْمَلَكُ بِرَايَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ رَايَةِ الْمَلَكِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ، اتَّبَعَهُ الشَّيْطَانُ بِرَايَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ رَايَةِ الشَّيْطَانِ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ»

(4)

.

وفي الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: نا مَيْثَمٌ، رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَلَغَنِي «أَنَّ الْمَلَكَ يَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَزَالُ بِهَا مَعَهُ حَتَّى يَرْجِعَ يَدْخُلُ بِهَا مَنْزِلَهُ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغْدُو مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو بِرَايَتِهِ إِلَى السُّوقِ فَلَا يَزَالُ بِهَا حَتَّى يَرْجِعَ فَيُدْخِلَهَا مَنْزِلَهُ»

(5)

وفي سنن الترمذي عن ابن جريج عن إسحاق بن أبي طلحة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ - يَعْنِي: إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ-: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى

(1)

صحيح مسلم (2937)

(2)

البخاري (3209) ومسلم (2637) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

البخاري (3212)، ومسلم (2485) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

مسند أحمد (8286) وصححه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (499)

(5)

الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2715) ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (6354) وصحح إسناده الحافظ في الإصابة ط هجر (10/ 358) ووافقه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (422).

ص: 66

اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ»

(1)

‌صلاة الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم

-:

قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56].

وقَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله: قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: «صَلَاةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ: الدُّعَاءُ» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُصَلُّونَ: يبرِّكون.

(2)

.

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: هَكَذَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُمَا. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ كَذَلِكَ

(3)

. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الرَّبِيعِ أَيْضًا. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَمَا قَالَهُ سَوَاءً، رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ

(4)

: وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: «صَلَاةُ الرَّبِّ: الرَّحْمَةُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ: الِاسْتِغْفَارُ» ا. هـ

(5)

وقد رجح ابن القيم قول أبي العالية؛ وضعف تفسير الصلاة بالرحمة والاستغفار من عدة أوجه وذكر أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة وإنما المعروف عند العرب إنما هو الدعاء والتبريك والثناء ولا تَعْرِفُ العَرَبُ «صلى عليه» بمعنى «رحمه» .

(6)

‌صلاة الملائكة على المؤمن:

والملائكة كذلك تصلي على عباد الله المؤمنين أي: تدعو لهم وتستغفر لهم، قال -جل وعلا-:

(1)

رواه الترمذي (3426) وأبو داود (5095) وقال الترمذي في العلل الكبير (ص: 362/ ترتيبه): سألت محمدا -يعني شيخه الإمام البخاري- عن هذا الحديث فقال:

لا أعرف لابن جريج، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة غير هذا الحديث. ولا أعرف له سماعا منه ا. هـ وقال الدارقطني في العلل (12/ 13): والصحيح أن ابن جريج لم يسمعه من إسحاق ا. هـ وانظر: نتائج الأفكار (1/ 165) للحافظ -وقد حسنه لما له من شواهد-. وانظر: تخريج «الذكر والدعاء» للشيخ ياسر فتحي (1/ 116)

(2)

صحيح البخاري (8/ 532/ مع الفتح).

(3)

رواه القاضي أبو إسحاق الجهضمي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (95) قال: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ به.

(4)

سنن الترمذي تحقيق أحمد شاكر (2/ 356).

(5)

تفسير ابن كثير، سورة الأحزاب (6/ 457).

(6)

جلاء الأفهام (ص: 253 - 276/ ط مشهور) وانظر: كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته لشيخنا د. محمد بن خليفة التميمي (2/ 506 - 512).

ص: 67

{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب].

‌تبليغ الملائكة سلام المؤمن على النبي صلى الله عليه وسلم

-:

روى الإمام النسائي بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ»

(1)

وروي -بسند لا يصح- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا بِهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا حَتَّى يُبْلِغْنِيهَا»

(2)

وأخرج أصحاب السنن إلا الترمذي عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ: خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: "وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ " يَقُولُونَ بَلِيتَ. فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ»

(3)

.

‌تعظيم الملائكة لطالب العلم:

عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ: إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي، أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ،

(1)

سنن النسائي (1282) وأخرجه أحمد (3666) والدارمي (2816) وأبو يعلى (5213) والبزار (1923) وصححه ابن حبان (914) والحاكم (3576) وصححه الألباني في الصحيحة (2853) وقال شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (462) حديث صحيح على شرط مسلم ا. هـ والصواب أنه صحيح فقط كما قال الحاكم والألباني، وليس على شرط مسلم فإنه من رواية: الثوري، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود. ولم يرو مسلم لابن السائب عن زاذان ولا للثوري عن ابن السائب. وليس لعبد الله بن السائب في صحيح مسلم إلا حديث واحد من رواية سليمان الشيباني، عنه عن عبد الله بن معقل. ولزاذان في صحيح مسلم حديثان من رواية ذكوان وعمرو بن مرة عنه فقط.

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 134) رقم (7611) وفي مسند الشاميين (3445) - ومن طريقه الشجري في أماليه (1/ 130) - وهو حديث واهي الإسناد، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 162):

فيه موسى بن عمير القرشي الأعمى، وهو ضعيف جدا ا. هـ وانظر:«صحيح الترغيب والترهيب» (1663)

(3)

أخرجه أبو داود (1047)، وابن ماجه (1085)، والنسائي (1374)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ط غراس (962) وفي صحيح الترغيب والترهيب (696).

ص: 68

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ، قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»

(1)

وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ رضي الله عنه أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ، قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ وَرَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

(2)

وفي رواية عَنْ صَفْوَانَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَّكِئٌ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بُرْدٍ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بطالبِ الْعِلْمِ، (إِنَّ) طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ حُبِّهِمْ لِمَا يَطْلُبُ،

» الحديث

(3)

وقوله في الحديث: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ»

يحتمل -عند أهل العلم وجوها- منها: أن يكون محمولا على الحقيقة - وإن لم يُشاهَد ذلك الوضع- ومعناه بسط أجنحتها وفرشها لطالب العلم لتكون وطاءً له ومعونة إذا مشى في طلب العلم. أو يكون بمعنى التواضع من الملائكة تعظيما لحق طالب

(1)

أخرجه أبو داود (3641) والترمذي (2682) وابن ماجه (221) وصححه ابن حبان (88) وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب (70)

(2)

أخرجه أحمد (18089) واللفظ له والترمذي (3535) وابن ماجه (226) وصححه ابن خزيمة (193) وابن حبان (85، 1319) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (85) وانظر: إرواء الغليل (104)

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 54) رقم (7347) ورواه أبو القاسم البغوي في المعجم (1280) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 13) وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (8/ 42) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3818) وجود إسناده المنذري وحسنه الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب (71) والسلسلة الصحيحة (3397)

ص: 69

العلم وتوقيرا لعلمه فتضم أجنحتها له وتخفضها عن الطيران أو أن يراد به النزول عند مجالس العلم والذكر وترك الطيران. قاله الخطابي رحمه الله.

(1)

وقال الحليمي رحمه الله: يحتمل أن يكون في الدنيا، ويحتمل في الآخرة، فإن كان في الدنيا فله وجهان: أحدهما أن يعطف عليه ويرحمه،

والآخر أن يكون المراد بوضع الأجنحة فرشها،

أي إن الملائكة إذا رأت طالب العلم فرشت له أجنحتها في رجليه وحملته عليها فمن هناك يسلم فلا يحفى إن كان ماشيًا، ولا يُعنَّى، ويقرب عليه الطريق البعيد، ولا يصيبه ما يصيب المسافرين من أنواع الضرر كالمرض وذهاب المال وضلال الطريق والحصر والله أعلم ا. هـ

(2)

وقال الحافظ أبو موسى المديني رحمه الله: وذَكَر أبو الحُسَيْن ابنُ فَارِس صاحِبُ "كِتابِ المُجْمَل" في أَمالِيه، عن عليِّ بنِ إبراهيم القَطَّان. قال: سَمِعتُ أَبا حَاتِم الرَّازِي يقول: سَمِعتُ ابنَ أَبِي أُوَيْس يقول: سَمِعتُ مالِكاً يَقولُ: مَعْنَى قَولِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَضَع، يَعنِي المَلائِكَةُ أَجْنِحَتَها، تَبسُطُها بالدُّعِاء لِطالِبِ العِلْم بَدَلاً من الأَيْدِي.

(3)

وقال ابن القيم رحمه الله: ووَضعُ الملائكة أجنحتها له تواضعًا وتوقيرًا وإكرامًا لما يحملُه من ميراث النبوَّة ويطلبُه، وهو يدلُّ على المحبة والتعظيم،

لأنه طالبٌ لما به حياةُ العالَم ونجاتُه، ففيه شبهٌ من الملائكة، وبينه وبينهم تناسُب، فإنَّ الملائكةَ أنصحُ خلق الله وأنفعُهم لبني آدم، وعلى أيديهم حصلَ لهم كلُّ سعادةٍ وعلمٍ وهدى.

(4)

‌كتابة الملائكة لمن يحضر الجمعة:

وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلَائِكَةُ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاؤُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ»

(5)

.

(1)

«معالم السنن» (4/ 61 و 183)، وانظر:«شرح السنة للبغوي» (1/ 277) و «شرح المشكاة للطيبي» (2/ 673)«حاشية السندي على ابن ماجه» (1/ 97)

(2)

«المنهاج في شعب الإيمان» (2/ 193)، وانظر: تفسير القرطبي (سورة التوبة، آية: 122)

(3)

«المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث» (1/ 363)

(4)

«مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» (1/ 171 ط عطاءات العلم)

(5)

البخاري (3211)، ومسلم (850) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 70

‌حضور الملائكة مجالس الذكر:

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ تبارك وتعالى مَلَائِكَةً [سَيَّارَةً، فُضُلًا] يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ» قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» [فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ] قَالَ: «فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ» قَالَ: «فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟» قَالَ: «فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟» قَالَ: «فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا» قَالَ: «يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟» قَالَ: «يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ» قَالَ: «يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا» قَالَ: «يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ» قَالَ: «يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا» قَالَ: «يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً» قَالَ: [قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ]«فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» [قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا] قَالَ: «يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ: [رَبِّ] فِيهِمْ فُلَانٌ [عَبْدٌ خَطَّاءٌ] لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ [إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ]. قَالَ: [فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ] هُمُ الجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» متفق عليه

(1)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «

وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ

» رواه مسلم

(2)

‌تنزل الملائكة لاستماع القرآن:

روى الإمام مسلم عن أبيْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ رضي الله عنه بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ، إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، قَالَ أُسَيْدٌ:

(1)

صحيح البخاري (6408) واللفظ له، وصحيح مسلم (2689) ومنه الزيادات.

(2)

صحيح مسلم (2699).

ص: 71

فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا، قَالَ: فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ فِي مِرْبَدِي، إِذْ جَالَتْ فَرَسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَقَرَأْتُ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَقَرَأْتُ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَانْصَرَفْتُ، وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ، فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ» رواه مسلم

(1)

‌دعوة الملائكة الناس إلى الصلاة:

كما في المعجم الكبير للطبراني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«يُبْعَثُ مُنَادٍ عِنْدَ حَضْرَةِ كُلِّ صَلَاةٍ فَيَقُولُ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا فَأَطْفِئُوا عَنْكُمْ مَا أَوْقَدْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَقُومُونَ فَيَتَطَهَّرُونَ وَتَسْقُطُ خَطَايَاهُمْ مِنْ أَعْيُنِهِمْ، وَيُصَلُّونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُوقِدُونَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الْأُولَى نَادَى: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا فَأَطْفِئُوا مَا أَوْقَدْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَقُومُونَ فَيَتَطَهَّرُونَ وَيُصَلُّونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الْعَصْرُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَضَرَتِ الْمَغْرِبُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَضَرَتِ الْعَتَمَةُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَيَنَامُونَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُمْ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«فَمُدْلِجٌ فِي خَيْرٍ، وَمُدْلِجٌ فِي شَرٍّ»

(2)

وفي المعجم الأوسط عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا يُنَادِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا إِلَى نِيرَانِكُمْ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَأَطْفِئُوهَا بِالصَّلَاةِ»

(3)

(1)

صحيح مسلم (896) وهو في صحيح البخاري (5018) معلقا.

(2)

المعجم الكبير (10/ 141) رقم (10252) - وعنه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 189) -، والأصبهاني قوام السنة في الترغيب والترهيب (1982) وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 76)، وحسنه الألباني في الصحيحة (2520).

(3)

المعجم الأوسط (9452) وأخرجه في المعجم الصغير (1135)، وعنه أبو نعيم في «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» (3/ 42) -وسقط من سنده الصحابي وجاء على الصواب في «تقريب البغية بترتيب أحاديث الحلية» (506) للهيثمي-، ورواه الضياء في «الأحاديث المختارة» (7/ 161) رقم (2590) وفي سنده ضعف، ولكنه حسن بما قبله. وانظر:«صحيح الترغيب والترهيب» (358) والسلسلة الضعيفة (3057)

ص: 72

‌دعاء الملائكة لمعلم الناس الخير:

ومن ذلك أن الملائكة تدعو لمعلم الناس الخير: كما جاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ»

(1)

أي: يدعون له.

‌دعاء الملائكة لمن يصلي ويجلس في مصلاه:

والملائكة أيضًا تحضر الجماعة والجمعة مع الناس. وتدعوا لمن لزم مصلاه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ .. »

(2)

.

‌دعاء الملائكة لأصحاب الصف الأول:

والملائكة تدعو أيضًا لأصحاب الصفوف الأولى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ»

(3)

.

فالملائكة يدعون لك وأنت تنتظر الصلاة عقب الصلاة، ويدعون لك وأنت تتقدَّم إلى الصف الأول، يدعون لك ويستغفرون لك ربَّك -جل وعلا-.

‌دعاء الملائكة للمتسحرين:

يدعون أيضًا ويستغفرون للصائمين الذين يحرصون على السحور كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ»

(4)

.

‌دعاء الملائكة لمن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم

-:

وكذلك من صلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، وكذلك تصلي عليه

(1)

الترمذي (2685) وغيره.

(2)

البخاري (477)، ومسلم (649) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

رواه الإمام أحمد (18516)، وأبو داود (664) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

(4)

رواه الإمام أحمد (86110) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وهو عند ابن حبان (3467)، والطبراني في الأوسط (6434)، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وصححه الألباني في الصحيحة (1654، 3409)

ص: 73

الملائكة كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلاَّ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ»

(1)

.

‌دعاء الملائكة لمن ينفق ويتصدق ودعاؤهم على الممسك:

كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»

(2)

.

وفي المسند عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلَا آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا مَالًا تَلَفًا»

(3)

‌الملائكة تدعو للمؤمن بظهر الغيب وتأمِّن على دعائه لأخيه بظهر الغيب:

إذا دعا المؤمن لأخيه المؤمن فإن الملائكة تُؤَمِّنُ على دعائه وتدعو له، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه:«دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ: الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ»

(4)

.

‌دعاء الملائكة مستجاب:

ومعنى ذلك أنها دعوة مستجابة؛ فإن الملائكة تُؤمِّن على الخير، وتُؤمِّن على الأمر

(1)

رواه ابن ماجه (907) وأحمد (15680) من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه. وهو في صحيح الترغيب (1669).

(2)

صحيح البخاري (1442) وصحيح مسلم (1010).

(3)

مسند أحمد (21721) وصححه ابن حبان (686، 3329) والحاكم (3662) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (443) وقال على شرط مسلم ا. هـ والصواب أنه حديث حسن وليس على شرط مسلم فالحديث من رواية قتادة، عن خليد العصري، عن أبي الدرداء. وخليد روى له مسلم حديثا واحدا متابعة من رواية أبي الأشهب جعفر بن حيان العطاردي عنه عن الأحنف. وخليد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في الثقات وحديثه هذا يشهد له ما قبله.

(4)

صحيح مسلم (2733).

ص: 74

المستجاب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْعُو عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»

(1)

.

‌استغفار الملائكة لمن عاد مريضًا:

فإنه «مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا مُمْسِيًا، إِلَّا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَتَاهُ مُصْبِحًا، خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ» هكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود وغيره من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه

(2)

.

‌استغفار الملائكة للمؤمنين:

والملائكة تستغفر للمؤمنين كما قال الله -جل وعلا-: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)} [الشورى: 5] وكما قال -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر: 7].

قال ابن القيم: فإنَّ الملائكةَ أنصحُ خلق الله وأنفعُهم لبني آدم، وعلى أيديهم حصلَ لهم كلُّ سعادةٍ وعلمٍ وهدى. ومِنْ نفعهم لبني آدم ونُصْحِهم أنهم يستغفرون لمسيئهم، ويُثَبِّتون مؤمنيهم، ويعينونهم على أعدائهم من الشياطين، ويحرصون على مصالح العبد أضعافَ حرصه على مصلحة نفسه، بل يريدون له من خير الدنيا والآخرة ما لا يريدُ العبدُ ولا يخطرُ له ببال.

(3)

‌الدعاء عند سماع صياح الديكة لأنها ترى الملائكة:

وقد جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ

(1)

أخرجه مسلم (920) من حديث أم سلمة رضي الله عنه.

(2)

رواه أبو داود (3098، 3099) موقوفا ومرفوعا. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ط غراس (2713)

(3)

«مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» (1/ 171 ط عطاءات العلم)

ص: 75

مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا»

(1)

قَالَ الْقَاضِي عياض رحمه الله: وذلك - والله أعلم - لتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ عَلى دعاءِ بني آدمَ، وَاسْتِغْفَارِهِمْ له فرحًا ببركة ذلك، وحسن عون الملك به، إذا دعا بحضرته بالتأمين والاستغفار له، وإشهاده له بالتضرع إلى الله والإخلاص ا. هـ

(2)

وقال القرطبي رحمه الله: وكأنه إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء عند صراخ الديكة لتؤمن الملائكة على ذلك الدعاء، فتتوافق الدعوتان، فيستجاب للداعي، والله أعلم ا. هـ

(3)

‌سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى أن تصلي الملائكة على من أطعمه:

روى البزار من طريق جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثابتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُ الأَنْصَارَ، فَإِذَا جَاءَ إلَى دُورِ الْأَنْصَارِ جَاءَ صِبْيَانُ [الْأَنْصَارِ] [فَـ] [يَدُورُونَ] حوله فَيَدْعُو لَهُمْ وَيَمْسَحُ رُءُوسَهُمْ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فَأَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَابَ سَعْد [بْنِ عُبَادَةَ] فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:«السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ [وَبَرَكَاتُهُ]» فَرَدَّ سَعْدٌ فَلَمْ يَسْمَعِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم[رَدَّهُ] حَتَّى سَلَّمَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلاثِ تَسْلِيمَاتٍ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ وَإِلَّا انْصَرَفَ فَرَجَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ سَعْدٌ مُتَبَادِرًا فَقَالَ: يا رسول اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا سَلَّمْتَ تَسْلِيمَةً إلاَّ قَدْ سَمِعْتُهَا وَرَدَدْتُهَا عَلَيْكَ، وَلكن أَرَدْتُ أَنْ تُكْثِرَ عَلَيْنَا مِنَ السَّلامِ وَالرَّحْمَةِ [فَـ]ـادْخُلْ يا رسول اللَّهِ فَدَخَلَ، فَجَلَسَ [فَتَحَدَّثْنَا] فَقَرَّبَ إِلَيْهِ سَعْدٌ طَعَامًا فَأَصَابَ مِنْهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَرَادَ [النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْصَرِفَ قَالَ:«أَكَلَ طَعَامُكُمُ الأَبْرَارُ وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ»

(4)

.

(1)

صحيح البخاري (3303) وصحيح مسلم (2729). ومن لطائف هذا الحديث أنه قد أخرجه الأئمة الخمسة عن شيخ واحد، وهو قتيبة بن سعيد، فالبخاري أخرجه في "بدء الخلق" ومسلم هنا في "الدعوات"، وأبو داود في "الأدب"، والتِّرمذيُّ في "الدعوات"، والنسائيّ في "التفسير"، وفي "عمل اليوم والليلة"، فكلّهم عن قتيبة، عن الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه عن قتيبة أيضا: ابن أبي شيبة في مصنف (6/ 101) رقم (29805)

(2)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 224)، وانظر: شرح النووي على مسلم (17/ 47)

(3)

وقال المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 58)

(4)

أخرجه البزار في مسنده (6872) قال حدثنا محمد بن عبد الملك -وهو ابن أبي الشوارب- حدثنا جعفر به. وسنده حسن. ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (1577) قال: حَدَّثَنَا محمد بن خزيمة، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الملك به. وله الزيادات إلا الثانية والسادسة والثامنة. وهي مع الزيادة الرابعة للبيهقي في الآداب (470) ومع الزيادة الخامسة في الدعوات الكبير (511) رواه بسنده عن محمد بن إسحاق الصاغاني قال حدثنا محمد بن عبد الملك به. ورواه في السنن الكبرى (14674) ولم يسق لفظه. والحديث رواه أبو داود (3854) وأحمد (12406) وغيرهما عن معمر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه به. مطولا ومختصرا، وقال معمر: عن أنس أو غيره. وهذا سند ضعيف. فإن في رواية معمر عن ثابت مقالا. قال الحافظ -كما في نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار ط ابن كثير (5/ 204) -: لأن معمراً وإن احتج به الشيخان فروايته عن ثابت بخصوصه مقدوح فيها. قال علي بن المديني: في رواية معمر عن ثابت غرائب منكرة. وقال يحيى بن معين: أحاديث معمر عن ثابت لا تساوي شيئاً. وساق العقيلي في الضعفاء عدة أحاديث من رواية معمر عن ثابت منها هذا الحديث، وقال: كل هذه الأحاديث لا يتابع عليها، وليست بمحفوظة، وكلها مقلوبة. وليس عند البخاري من رواية معمر عن ثابت سوى موضع واحد متابعة، وأورده مع ذلك معلقاً، وله عند مسلم حديثان أو ثلاثة كلها متابعة. وفي هذا السند مع ذلك علة أخرى، وهي التردد بين أنس وغيره عند الإمام أحمد، لاحتمال أن يكون الغير غير صحابي ا. هـ

ص: 76

قال العلامة الألباني رحمه الله: اعلم أن هذا الذكر ليس مقيدا بالصائم بعد إفطاره بل هو دعاء لصاحب الطعام بالتوفيق حتى يفطر الصائمون عنده وينال أجر إفطارهم فهو كالجملتين الأخريين: "أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة" وهو بالنسبة إلينا لا يمكن أن يكون إلا دعاء كما لا يخفى وليس في الحديث التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم كان صائما فلا يجوز تخصيصه بالصائم ا. هـ

(1)

‌تسليم الملائكة على إبراهيم عليها السلام

-:

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)} [هود: 69]

‌تسليم الملائكة على نبينا عليه الصلاة والسلام

-:

وتقدم حديث ملك الجبال وسلامه على النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي أحاديث في مبحث نزول الملائكة بالبشرى فيها تسليم الملائكة عليهم السلام على نبينا صلى الله عليه وسلم.

‌تسليم الملائكة على أهل الجنة:

وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 23 - 24]

(1)

آداب الزفاف في السنة المطهرة (ص: 171)

ص: 77

‌تسليم الملائكة على عمران بن حصين رضي الله عنه

-:

وفي صحيح مسلم عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ:

فذكر الحديث وفيه: «وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ، حَتَّى اكْتَوَيْتُ، فَتُرِكْتُ، ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ»

(1)

وفي سنن أبي داود عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَ، وَلَا أَنْجَحْنَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ رحمه الله: وَكَانَ يَسْمَعُ تَسْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ فَلَمَّا اكْتَوَى انْقَطَعَ عَنْهُ فَلَمَّا تَرَكَ رَجَعَ إِلَيْهِ ا. هـ

(2)

وفي الطبقات لابن سعد عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما أَشَعَرْتَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ انْقَطَعَ التَّسْلِيمُ، فَقُلْتُ: أَمِنْ قِبَلِ رَأْسِكَ كَانَ يَأْتِيكَ التَّسْلِيمُ أَوْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْكَ؟، قَالَ: لَا، بَلْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِي، فَقُلْتُ: لَا أَرَى أَنْ تَمُوتَ حَتَّى يَعُودَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي: أَشَعَرْتَ أَنَّ التَّسْلِيمَ عَادَ لِي؟ قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ رضي الله عنه.

(3)

‌تسليم جبريل عليها السلام على خديجة رضي الله عنه

ا-:

في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:" أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ"

(4)

.

‌تسليم جبريل عليها السلام على عائشة رضي الله عنه

ا-:

وفي الصحيحين أيضا أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ [وَبَرَكَاتُهُ]. قَالَتْ:

(1)

صحيح مسلم (1266).

(2)

سنن أبي داود (3865) وصححه الحاكم في المستدرك (8284) على شرط مسلم ا. هـ قلت: أما إسناد أبي داود فهو كذلك وقد صححه شيخنا الوادعي على شرط مسلم في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (3139)، وأما إسناد الحاكم فالصحيح أن نقول: صحيح رجاله رجال مسلم.

(3)

الطبقات الكبرى ط دار صادر (4/ 289) ورواه الإمام أحمد في الزهد (805) والطحاوي في شرح معاني الآثار (7168)

(4)

أخرجه البخاري (3820) ومسلم (2432)

ص: 78

وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى

(1)

.

‌رد الملائكة للسلام:

عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: -فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا-، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«خَلَقَ اللهُ عز وجل آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، قَالَ فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، قَالَ: فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الْآنَ» متفق عليه

(2)

وفي المسند عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ أَهْلِي أُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَنَا بِهِ قَائِمٌ، وَرَجُلٌ مَعَهُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجَةً، قَالَ: فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ قَامَ بِكَ الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، قَالَ:«وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ» ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:«أَتَدْرِي مَنْ هُوَ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ:«ذَاكَ جِبْرِيلُ مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ»

(3)

وفي المسند أيضاً عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه، قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام جَالِسٌ فِي الْمَقَاعِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَجَزْتُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي؟» قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ»

(4)

وروى البخاري في الأدب المفرد وأحمد عن هِشَامِ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَإِنْ كَانَ تَصَارَمَا فَوْقَ

(1)

أخرجه البخاري (3217) ومسلم (2447) واللفظ له والزيادة من البخاري.

(2)

صحيح البخاري (3326، 6227) وصحيح مسلم (2841)

(3)

مسند أحمد (20350، 23093) وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/ 403) وفي صحيح الترغيب والترهيب (2572)

(4)

مسند أحمد (23677) وصححه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (472).

ص: 79

ثَلَاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا، وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا فَسَبْقُهُ بِالْفَيْءِ، كَفَّارَتُهُ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ، وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ، فَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا»

(1)

‌مصافحة الملائكة:

روى قتادة: «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تُصَافِحُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما حَتَّى اكْتَوَى فَتَنَحَّتْ» وهو حديث مرسل لا يصح

(2)

.

وفي صحيح مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

(3)

.

وفي المسند عنْ أَبي الْمُدِلَّةِ

(4)

، مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قُلْنَا:

(1)

الأدب المفرد (402)، مسند أحمد (16257) وصححه ابن حبان (5664) وصححه الألباني في الصحيحة (1246) وفي صحيح الترغيب والترهيب (2759)، وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح (500).

(2)

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ط دار صادر (4/ 288) والطبراني في المعجم الكبير (18/ 107) رقم (203) وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (5354).

(3)

صحيح مسلم (2750).

(4)

أبو المدلة: قال ابن المديني -كما في التهذيب-: لا يعرف اسمه، مجهول، لم يرو عنه غير أبى مجاهد ا. هـ وقال الآجري عن أبي داود: أبو مدلة من أهل الكوفة، مولى أم المؤمنين ا. هـ وذكره ابن حبان في الثقات وقال: اسمه عبيد اللَّه بن عَبْد اللَّه، روى عنه: سعد الطائي ا. هـ وقال في صحيحه: (3/ 159): مديني، ثقة ا. هـ وقال ابن ماجه في سننه (1752) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعْدَانَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ سَعْدٍ أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

الحديث. وفيه توثيق لأبي مدلة إما من وكيع أو من دونه. وقد صحح حديثه ابن خزيمة وحسنه الترمذي فالراجح أنه ثقة والتعديل هنا مقدم على التضعيف الذي هو الجهالة والله أعلم.

ص: 80

يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا، وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ قَالَ:«لَوْ تَكُونُونَ - أَوْ قَالَ: لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ - عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ، وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ»

(1)

وفي مسند أبي يعلى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: غَدَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ:«وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: النِّفَاقُ، النِّفَاقُ. قَالَ:«أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ النِّفَاقَ» . قَالَ: ثُمَّ عَادُوا الثَّانِيَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. قَالَ:«وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: النِّفَاقُ النِّفَاقُ. قَالَ: «أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ النِّفَاقَ» . قَالَ: ثُمَّ عَادُوا الثَّالِثَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ:«وَمَا ذَاكَ؟» . قَالُوا: النِّفَاقُ. قَالَ: «أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟» . قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ النِّفَاقَ» . قَالُوا: إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ كُنَّا عَلَى حَالٍ، وَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ هَمَّتْنَا الدُّنْيَا وَأَهْلُونَا. قَالَ:«لَوْ أَنَّكُمْ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي تَكُونُونَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي تَكُونُونَ عَلَيْهِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِطُرُقِ الْمَدِينَةِ»

(2)

(1)

مسند أحمد (8043) وصححه ابن حبان (7387)، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 657): حديث حسن أو صحيح بشواهده ا. هـ وصححه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (1596)، والحديث ورواه الترمذي (2526) عن حمزة الزيات، عن زياد الطائي -وهو مجهول-، عن أبي هريرة، نحوه.

(2)

مسند أبي يعلى الموصلي (3304) قال: حدثنا عبد الواحد -هو ابن غياث-، حدثنا غسان بن برزين يعني الطهوي، حدثنا ثابت البناني، عن أنس به. ورجاله ثقات. ومن طريق عبد الواحد رواه الإسماعيلي في معجم أسامي شيوخه (1/ 418). ورواه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 37) قال حدثني موسى قال حدثنا غسان به مختصرا. وأشار البخاري في تاريخه إلى إعلاله بالإرسال فقال: حدثني يحيى بن محمد بن السكن، قال: حدثنا حبان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي عثمان -يعني النهدي-، عن النبي صلى الله عليه وسلم ا. هـ وحماد عن ثابت أوثق من غسان. والحديث وصله الجريري عن أبي عثمان عن حنظلة كما في صحيح مسلم وقد تقدم. ورواه أحمد في مسنده (12796) قال حدثنا مؤمل -وهو ابن إسماعيل (ضعيف) -، حدثنا حماد، عن ثابت، به مختصرا. ورواه ابن حبان (344) وغيره عن معمر، عن قتادة، عن أنس، وفي رواية معمر عن قتادة ضعف كما تقدم.

ص: 81

‌تشييع الملائكة جنازة المؤمن:

روى مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ المُنَافِقُونَ: مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ، وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَا، وَلَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ»

(1)

(1)

جامع معمر بن راشد (11/ 235) رقم (20414) وعنه الإمام عبد الرزاق وعنه رواه عبد بن حميد في المنتخب (1192) -وعنه الترمذي (3849) -، والبزار في مسنده (7253) قال حدثنا زهير بن محمد، وأبو يعلى في المسند (3034) قال حدثنا محمد بن مهدي، والطبراني في المعجم الكبير (6/ 12) رقم (5345) قال حدثنا إسحاق الدبري والحاكم (4926) من طريق محمد بن يحيى وهو الذهلي؛ كلهم (عبد بن حميد وزهير ومحمد بن مهدي والذهلي) عن عبد الرزاق أخبرنا معمر به. وخالفهم أحمد بن منصور الرمادي فرواه عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا -لم يذكر عن أنس-، رواه البغوي في شرح السنة (14/ 182) ورواية الجماعة عن عبد الرزاق أصح. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب ا. هـ وقال البزار: ولا نعلم رواه عن قتادة، عن أنس إلا معمر ا. هـ وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ا. هـ وفيه نظر: فإن رواية معمر عن قتادة ضعيفة، قال ابن أبى خيثمة -كما في التاريخ الكبير (1/ 325) -: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدثك مَعْمَر عَنِ العراقيين فخَفْه (أو فخالفه)؛ إِلا عَنِ الزُّهْرِيّ، وابن طاووس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا، وما عمل في حديث الأعمش شيئا ا. هـ وقال الحافظ في مقدمة الفتح: لم يخرج يعني البخاري من روايته عن قتادة ولا ثابت البناني إلا تعليقا. ا. هـ وقال الدارقطني في العلل: سيئ الحفظ لحديث قتادة ا. هـ وقال يحيى بن معين: قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ عنه الأسانيد -كما في [شرح علل الترمذي (384) -. وقد توبع معمر، رواه ابن حبان (7032) أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف، حدثنا محمد بن سواء، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال وجنازة سعد موضوعة:«اهتز لها عرش الرحمن» فطفق المنافقون في جنازته وقالوا: ما أخفها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«إنما كانت تحمله الملائكة معهم» ورواه الحافظ الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (7/ 30) بسند صحيح عن أبي لبيد محمد بن إدريس -وهو ثقة- عن محمد بن ثعلبة بن سواء عن عمه محمد بن سواء به لكن قال (عن سعيد) بدل (عن شعبة)، وقال: أخرجه ابن حبان في كتابه،

عن شعبة، عن قتادة، والله أعلم بالصواب هل هو عن سعيد أو شعبة ا. هـ قلت: والراجح رواية (سعيد) كما بينه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (7/ 1052) فالحديث رواه ابن أبي عاصم في السنة (561) ثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف، ثنا محمد بن سواء والطبراني في المعجم الكبير (6/ 12) رقم (5342) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبدان بن أحمد، قالا: ثنا محمد بن ثعلبة بن سواء، ثنا عمي محمد بن سواء عن سعيد به. مقتصرا على جملة اهتزاز العرش. وليس فيه جملة حمل الملائكة له. وتابعه عبد الوهاب بن عطاء فرواه عن سعيد كذلك. رواه الإمام مسلم (2467) وأحمد (13454) والبيهقي في الأسماء والصفات (844) فذكر جملة اهتزاز العرش. والحديث صححه الألباني كما تقدم وقال شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (214): هو حسن لغيره ا. هـ وهو كما قال فباجتماع رواية معمر، مع رواية ابن سواء -عند ابن حبان- يكون الحديث حسنا لغيره والله أعلم.

ص: 82

وفي سنن النسائي بسند صحيح عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ»

(1)

ورواه البزار بلفظ: «لَقَدْ هَبَطَ يَوْمَ مَاتَ سَعْد بْنُ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَهْبَطُوا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَقَدْ ضَمَّه القبرُ ضَمَّةً» قال: ثم بكى نافع

(2)

(1)

رواه النسائي (2055) قال: أَخْبَرَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، به. وقال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (7/ 1043): وإسناده صحيح على شرط الشيخين ا. هـ وقال شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (201): هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم ا. هـ والصواب أنه صحيح فقط فإنه ليس في الصحيحين رواية عمرو العنقزي عن ابن إدريس، وعمرو: روى له البخاري حديثا واحدا تعليقا رقم (5441). وروى له مسلم حديثا واحدا متابعة رقم (2066/ 4) والله أعلم

(2)

رواه البزار كما في المسند (البحر الزخار)(12/ 152) رقم (5746) قال: حَدَّثنا عَبد الأعلى بن حماد، حَدَّثنا داود بن عَبد الرحمن، حَدَّثنا عُبَيد اللَّهِ بْنِ عُمَر، عَنْ نافعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَر: قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ هَبَطَ يَوْمَ مَاتَ سَعْد بْنُ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَهْبَطُوا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَقَدْ ضَمَّه القبرُ ضَمَّةً» . ثُمَّ بَكَى نَافِعٌ. قال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نعلَمُ رَوَاهُ عَنْ عُبَيد اللَّهِ، عَنْ نافع عن ابْنِ عُمَر إلاَّ دَاوُدُ الْعَطَّارُ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ، عَنْ نافعٍ، مُرسَلاً ا. هـ قلت: قوله لم يروه إلا داود مراده بهذا اللفظ. فقد روى البزار رواية العنقزي المتقدمة عند النسائي قبل هذا مختصرا برقم (5737) ولفظه «اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْد بْنِ مُعَاذٍ» وقال: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نعلمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إلاَّ، عَنْ ابْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ ا. هـ والوجه المرسل الذي أشار إليه رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ط دار صادر (3/ 430) قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: " بَلَغَنِي أَنَّهُ شَهِدَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَقَدْ ضُمَّ صَاحِبُكُمْ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ» .

ص: 83

وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِدَابَّةٍ وَهُوَ مَعَ الْجَنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ:«إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي، فَلَمْ أَكُنْ لِأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ، فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ» رواه أبو داود وهو معل

(1)

.

ورواه الترمذي وغيره بلفظ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا، فَقَالَ:«أَلَا تَسْتَحْيُونَ إِنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ»

وسنده ضعيف ورجح العلماء وقفه

(2)

وفي الصحيحين عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: أُصِيبَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأَبْكِي وَجَعَلُوا يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْهَانِي، قَالَ: وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو، تَبْكِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«تَبْكِيهِ، أَوْ لَا تَبْكِيهِ، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ»

(3)

(1)

سنن أبي داود (3177) وصححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1314) وقال: على شرط الشيخين ا. هـ ووافقه الألباني في أحكام الجنائز (75). قلت: الحديث من رواية يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن ثوبان به. ويحيى مدلس وقد عنعن وقد أعله الإمام أبو حاتم الرزي فقال -كما في العلل لابن أبي حاتم (3/ 554) - قَالَ أَبِي: هَذَا حديثٌ خطأٌ، لَيْسَ الحديثُ مِنْ حَدِيثِ أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، وَأَبُو سَلَمة عَنْ ثَوْبان لا يَجِيءُ؛ إِنَّمَا هَذَا حديثٌ يَرْوِيهِ أَبُو سَلاَّم، عَنْ ثَوْبان، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ يَرْوِي عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلاَّم، عَنْ جدِّه أَبِي سَلاَّم، فيَحْتملُ أَنْ يكونَ أَخَذَهُ عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلاَّم، عَنْ ثَوْبان، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأسقَطَ زَيْدًا مِنَ الوَسَط، أَوْ لم يحفَظ عنه ا. هـ

(2)

جامع الترمذي (1012) ورواه الطبراني في مسند الشاميين (1452) وأبو نعيم في الحلية (6/ 118، 9/ 308) والحاكم (1315) والبيهقي في السنن الكبرى (6856) من طرق عن عيسى بن يونس، عن أبي بكر بن أبي مريم -وهو ضعيف-، عن راشد بن سعد، عن ثوبان به. وتابعه بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم. رواه ابن ماجه (1480) والطبراني (1452) وابن عساكر في تاريخه (10604). ورواه البيهقي (6855) بسند فيه ضعف عن بقية به موقوفا. وقال الترمذي: حديث ثوبان قد روي عنه موقوفا. قال محمد -يعني البخاري-: الموقوف منه أصح ا. هـ وقال البيهقي: هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد موقوف

ورواه ثور بن يزيد عن راشد بن سعد موقوفا على ثوبان، وفى ذلك دلالة على أن الموقوف أصح، وكذا قاله البخاري ا. هـ وفي جامع التحصيل (ص: 174) قال أحمد بن حنبل: راشد لم يسمع من ثوبان ا. هـ

(3)

صحيح البخاري (1244)، وصحيح مسلم (2471) واللفظ له.

ص: 84

‌نزول الملائكة بالبشرى:

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [هود: 69] وقال تعالى: {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)} [مريم: 7]

وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ} [آل عمران: 45]

تقدم حديث بشرى جبريل وسلامه لخديجة رضي الله عنه.

وفي الصحيحين عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ» ، قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى، قَالَ:«وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى»

(1)

وفي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:«هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ»

(2)

وروى الترمذي وأحمد عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَتْنِي أُمِّي: مُنْذُ مَتَى عَهْدُكَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَالَتْ مِنِّي وَسَبَّتْنِي، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: دَعِينِي، فَإِنِّي آتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأُصَلِّي مَعَهُ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ لَا أَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْعِشَاءِ، ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ، فَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ فَنَاجَاهُ، ثُمَّ ذَهَبَ فَاتَّبَعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِي فَقَالَ:«مَنْ هَذَا؟» ، فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ، قَالَ:«مَا لَكَ؟» ، فَحَدَّثْتُهُ بِالْأَمْرِ، فَقَالَ:«غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ» ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَا رَأَيْتَ الْعَارِضَ الَّذِي عَرَضَ لِي قُبَيْلُ؟» ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَهُوَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَهْبِطِ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ، وَيُبَشِّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا

(1)

صحيح البخاري (7487) واللفظ له، وصحيح مسلم (94)

(2)

صحيح مسلم (806).

ص: 85

شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ»

(1)

‌شفاعة الملائكة يوم القيامة:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟» ، قُلْنَا: لَا، قَالَ:«فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا»

فذكر الحديث ثم قال: فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلَائِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ،

الحديث

(2)

‌شفاعة الملائكة للمؤمن الذي يحمد الله في السراء:

وصح عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه أنه قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَيَحْمَدُهُ فِي الرَّخَاءِ فَأَصَابَهُ ضُرٌّ فَدَعَا اللَّهَ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ مِنِ امْرِئٍ ضَعِيفٍ. قَالَ: فَتَسْتَغْفِرُ لَهُ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَلَا يَحْمَدُهُ فِي الرَّخَاءِ فَأَصَابَهُ ضُرٌّ فَدَعَا اللَّهَ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مُنْكَرٌ»

(3)

وقد روى يَزِيدُ الرَّقَاشِيَّ، عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قال وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّ أَنَسًا، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ يُونُسَ عليه السلام حِينَ دعا اللَّهَ بِهذه الْكَلِمَاتِ أَقْبَلَتِ الدَّعْوَةُ نَحْوَ الْعَرْشِ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبُّ، هَذَا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادٍ غَرِيبَةٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَا تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: يَا رَبُّ، وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: ذَاكَ عَبْدِي يُونُسُ، قَالُوا: عَبْدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ مُجَابَةٌ؟ قَالُوا: يَا رَبُّ، أَفَلَا تَرْحَمُ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنَجِّيهِ مِنَ الْبَلَاءِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ بِالْعَرَاءِ»

(4)

(1)

جامع الترمذي (3781) ومسند أحمد (23329) ورواه النسائي في الكبرى (8240) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (796) وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (191)

(2)

صحيح البخاري (7439) وصحيح مسلم (183).

(3)

رواه محمد بن فضيل الضبي في الدعاء (85) -وعنه ابن أبي شيبة (29480) - ورواه البيهقي في الشعب (1100).

(4)

رواه عبد الرزاق (2558) والطبري (19/ 628) وابن أبي حاتم في (13710، 18281) في تفاسيرهم، وابن أبي الدنيا في «الفرج بعد الشدة» (ص 46) والطبراني في الدعاء (47) والتنوخي في «الفرج بعد الشدة» (1/ 92). وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه البزار (8227) والطبري في تفسيره (16/ 384) وفي تاريخه (2/ 16) وفي سنده ضعف وإبهام. وحسنه الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (2/ 23 ت التركي) فقال: يزيد الرقاشي ضعيف، ولكن يتقوى بحديث أبي هريرة المتقدم، كما يتقوى ذاك بهذا. والله أعلم ا. هـ

ص: 86

‌الله -جل وعلا- يباهي الملائكة بعباده الصالحين من بني آدم:

عَنِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» رواه مسلم

(1)

.

وفي المسند عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:«إِنَّ اللهَ عز وجل يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا»

(2)

وَفيه أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا»

(3)

وفي الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:«مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ:«آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟» قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَنَّ اللهَ عز وجل يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ»

(4)

(1)

صحيح مسلم (1348).

(2)

أخرجه أحمد في المسند ط الرسالة (7089). وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1153): حسن صحيح. وحسنه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (456)

(3)

مسند أحمد (8047) وصححه ابن خزيمة (2839) وابن حبان (3852) والحاكم (1708) وقال: صحيح على شرط الشيخين ا. هـ والصواب أن إسناده عند الحاكم صحيح فقط. والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1132) وحسنه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (455)

(4)

صحيح مسلم (2701)

ص: 87

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ، وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْرِعًا، قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ:«أَبْشِرُوا، هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى» رواه ابن ماجه

(1)

‌وجوب محبة المؤمن للملائكة:

وهذا مما يدعو المؤمن إلى محبة الملائكة، فيحبهم؛ لأنهم عباد لله مكرمون، ولأنهم عباد لله مطيعون، فهذا من واجب المؤمن تجاه الملائكة أن يحبهم؛ فإن الله -جل وعلا- أخبرنا عن شأنهم بأنهم عبادٌ لله لا يعصونه أبدًا، وهم يحبونك فأحبهم كما يحبونك.

‌البعد عن كل ما يؤذي الملائكة:

ومن حب الملائكة أن نبتعد عن إيذائهم وعن كل ما يؤذيهم؛ ولذلك جاء في الحديث في نهي المصلي أن يأتي إلى المسجد وقد أكل ثومًا أو بصلًا، قال النبي عليه الصلاة والسلام:«فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ»

(2)

.

وصح عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أنه قَالَ: أُمِرْنَا بِالسِّوَاكِ وَقَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ الْمَلَكُ فَقَامَ خَلْفَهُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ وَيَدْنُو، فَلَا يَزَالُ يَسْتَمِعُ وَيَدْنُو حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَلَا يَقْرَأُ آيَةً إِلاَّ كَانَتْ في جَوْفِ الْمَلَكِ» . أخرجه البيهقي في السنن الكبرى وصححه الضياء المقدسي في المختارة.

(3)

(1)

أخرجه ابن ماجه (801) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (661) وشيخنا الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (446)

(2)

مسلم (564) من حديث جابر رضي الله عنه.

(3)

السنن الكبرى (166/ ط هجر)، والأحاديث المختارة» (2/ 198). وهو موقوف لكنه مرفوع حكما، ويؤيده أنه جاء مرفوعا صريحا بسند لا بأس به في الشواهد فقد رواه البزار في مسنده (603) وابن صاعد في زوائده على الزهد لابن المبارك (1225) عَنْ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ أَمَرَ بِالسِّوَاكِ، وَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَسَوَّكَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَامَ الْمَلَكُ خَلْفَهُ، فَتَسَمَّعَ لِقِرَاءَتِهِ فَيَدْنُو مِنْهُ» أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا «حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلَّا صَارَ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ، فَطَهِّرُوا أَفْوَاهَكُمْ لِلْقُرْآنِ» قال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَوْقُوفًا ا. هـ قلت: فضيل فيه ضعف وقد خالفه خالد الطحان -عند البيهقي-، وابن عيينة -عند ابن المبارك في الزهد (1224) وعبد الرزاق في المصنف (4184) فوقفاه وتابعهما الأعمش عن سعد بن عبيدة. رواه ابن أبي شيبة (1799) بدون ذكر السواك. وانظر السلسلة الصحيحة (1213).

ص: 88

وروي أيضاً: «طيبُوا أَفْوَاهكُم بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهَا طرق الْقُرْآن» . ولا يصح

(1)

‌الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة:

روى ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي طَلْحَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةُ» متفق عليه

(2)

وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ» قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ

(1)

أخرجه الدارقطني في غرائب مالك (كما في لسان الميزان 5/ 437)، من طريق عبد الله بن نافع؛ والسِّلَفي في معجم السفر (1/ 266) من طريق عبد الملك الأصمعي؛ كلاهما (ابن نافع والأصمعي) عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:«نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن» . قال الدارقطني هذا باطل لا يصح. قلت: في إسناد الدارقطني: محمد بن يوسف الحواري وشيخه سلام، ضعفهما الدارقطني وفي إسناد السِّلَفي: سليمان بن أحمد بن يحيى ولعله الملطي المضري قال ابن ماكولا في الإكمال (7/ 243) يتهم بالكذب لا يوثق بما يرويه ا. هـ ورواه ابن ماجه في سننه موقوفا عن علي رضي الله عنه والسمعاني في أدب الإملاء (1/ 27) وأبو نعيم في الحلية (4/ 296 ترجمة سعيد بن جبير) عن بحر بن كنيز السقاء ثنا عثمان بن ساج عن سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا، قال أبو نعيم: غريب من حديث سعيد لم نكتبه إلا من حديث بحر ا. هـ وعزاه الهندي في كنز العمال إلى أبي نعيم في كتاب السواك والسجزي في الإبانة عن علي رضي الله عنه. وقال العراقي في تخريج الإحياء وكلاهما ضعيف. أي المرفوع والموقوف ا. هـ وقال الحافظ في التلخيص: ورواه أبو مسلم الكجي في السنن وأبو نعيم من حديث الوضين وفي إسناده مندل وهو ضعيف ا. هـ ورواه الديلمي عن أنس رضي الله عنه كما في كنز العمال بلفظ: «نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن» . ورواه البيهقي في الشعب من حديث سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طيبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القرآن» . وفي سنده غياث بن كلوب قال البيهقي مجهول ا. هـ وضعفه الدارقطني (كما في الميزان) وقال له نسخة عن مطرف بن سمرة، وقال المناوي في فيض القدير: بعد أن ذكر ضعف غياث: وأقول: فيه أيضا الحسن بن الفضل بن السمح قال الذهبي: مزقوا حديثه ا. هـ.

(2)

صحيح البخاري (3322، 3225، 4002) وصحيح مسلم (2106).

ص: 89

اشْتَكَى زَيْدٌ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: «إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ» متفق عليه

(1)

وفي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم البَيْتَ، فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَصُورَةَ مَرْيَمَ، فَقَالَ «أَمَا لَهُمْ، فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ، فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ»

(2)

وفي موطأ مالك: عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّ رَافِعَ بْنَ إِسْحَاقَ مَوْلَى الشِّفَاءِ أَخْبَرَهُ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه نَعُودُهُ. فَقَالَ لَنَا أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ تَمِاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ» . يَشُكُّ إِسْحَاقُ لَا يَدْرِي، أَيَّتَهُمَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ.

(3)

وفي صحيح مسلم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ»

(4)

وفي صحيح البخاري عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: وَعَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ فَرَاثَ عَلَيْهِ

(5)

، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ:«إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ»

(6)

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: وَاعَدَ

(1)

صحيح البخاري (5958) وصحيح مسلم (2106).

(2)

رواه البخاري (3351)

(3)

رواه مالك في الموطأ (ت الأعظمي (5/ 1405) رقم 3545) ومن طريقه: أخرجه أحمد (3/ 90) والترمذي (2805) وأبو يعلى (1303) وابن حبان» (5849) وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وانظر: المسند المصنف المعلل (28/ 447).

(4)

أخرجه مسلم (3/ 1672) رقم (2112)

(5)

يعني احتبس عليه وتأخر عن لقياه.

(6)

أخرجه البخاري (3227، 5960)

ص: 90

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ عليها السلام فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا، فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ:«مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ» ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ:«يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَاهُنَا؟» فَقَالَتْ: وَاللهِ، مَا دَرَيْتُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ» ، فَقَالَ:«مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ، إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ»

(1)

وفي صحيح مسلم عن عَبْد اللهِ بْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا، فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي، أَمَ وَاللهِ مَا أَخْلَفَنِي» ، قَالَ: فَظَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليها السلام، فَقَالَ لَهُ:«قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ» ، قَالَ:«أَجَلْ، وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» ،

الحديث

(2)

وفي سنن أبي داود والترمذي عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عن مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عليها السلام، فَقَالَ لِي: [إِنِّي كُنْتُ] أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ [عَلَيْكَ البَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ] إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ [وفي رواية: كَانَ فِي بَابِ البَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ]، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ، فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ، فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآَنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ» ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا الْكَلْبُ لِحَسَنٍ - أَوْ حُسَيْنٍ - كَانَ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمْ

(3)

،

(1)

أخرجه مسلم (2104).

(2)

أخرجه مسلم (2105)

(3)

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَالنَّضَدُ: شَيْءٌ تُوضَعُ عَلَيْهِ الثِّيَابُ شَبَهُ السَّرِيرِ "

ص: 91

فَأُمِرَ بِهِ فَأُخْرِجَ.

(1)

.

وفي سنن النسائي عَنْ أَبِي إِسْحَقَ السبيعي، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عليها السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، [وَفِي بَيْتِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتْرٌ مُصَوِّرٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ] فَقَالَ [نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«ادْخُلْ» فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ (وفي رواية: تَمَاثِيلُ خَيْلًا وَرِجَالًا)، فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا، أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ [وفي رواية: تَمَاثِيلُ]» (وفي رواية: فَإِنْ كُنْتَ لَابُدَّ جَاعِلًا فِي

(1)

أخرجه أبو داود في سننه (4158) -ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 441) رقم (14578) وفي شعب الإيمان (5901)، وفي الآداب (532) - قال: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ؛ ورواه الترمذي في جامعه (2806) قال: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ؛ ورواه أحمد في المسند (13/ 413/ ط الرسالة) رقم (8045) حدثنا أبو قطن، وفي (16/ 152) رقم (10193) مختصرا قال: حدثنا وكيع، ورواه ابن حبان في صحيحه (5854) قال أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 440) (14576) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ نا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، كلهم (الفزاري، وابن المبارك، وأبو قطن، ووكيع، والنضر، والطنافسي) عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، حدثنا مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، والتصريح بالتحديث من رواية ابن المبارك والنضر بن شميل. والزيادات من روايتهما. وزاد النضر في روايته:« .. ثُمَّ أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَمَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 287) رقم (6945) قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: ثنا الْوُحَاظِيُّ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُجَاهِدٌ الْكُوفَةَ، أَتَيْتُهُ أَنَا وَأَبِي، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي جِئْتُكَ الْبَارِحَةَ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْبَيْتِ تِمْثَالُ رَجُلٍ، فَمُرْ بِالتِّمْثَالِ، فَلْيُقْطَعْ رَأْسُهُ، حَتَّى يَكُونَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ» . قلت: والحديث في إسناده يونس بن أبي إسحاق السبيعي: قَال صَالِح بْن أَحْمَد بْن حنبل، عن علي ابن الْمَدِينِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى، وذَكَرَ يُونُسَ بْنَ أَبي إِسْحَاقَ، فَقَالَ: كَانَتْ فِيهِ غَفْلَةٌ وكَانَتْ فِيهِ سَجِيَّةٌ، كان يقول: حَدَّثني أبي، قال: سمعت عدي بن حَاتِمٍ: «اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قال يَحْيَى: وهَذَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وشُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قال يَحْيَى: وكَانَتْ فِيهِ غَفْلَةٌ. وَقَال أَبُو طالب: قال أَحْمَد بْن حنبل: يونس بْن أَبي إسحاق حديثه فيه زيادة على حديث الناس. وَقَال عَبد اللَّهِ بْن أحمد بْن حنبل: سَأَلتُ أبي عن يونس ابن أَبي إسحاق، فقال: حديثه مضطرب. وَقَال يحيى بْن مَعِين: يونس بْن أَبي إسحاق ثقة. وَقَال أَبُو حاتم: كان صدوقا إلا أنه لا يحتج بحديثه. وَقَال النَّسَائي: ليس به بأس. انظر: تهذيب الكمال (32/ 491). وقد توبع يونس، تابعه أبوه أبو إسحاق كما في الحديث التالي.

ص: 92

بَيْتِكَ، فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوِ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ، وَاجْعَلْهَا بُسُطًا)»

(1)

وفي المسند عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ الْكَآبَةُ، فَسَأَلْتُهُ مَا لَهُ؟ فَقَالَ:«لَمْ يَأْتِنِي جِبْرِيلُ مُنْذُ ثَلَاثٍ» قَالَ: فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ بَيْنَ بُيُوتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، فَبَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عليها السلام، فَبَهَشَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُ، فَقَالَ:«لَمْ تَأْتِنِي فَقَالَ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ»

(2)

قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاءُ: سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً وَفِيهَا مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى. وَسَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِ النَّجَاسَاتِ وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَالْمَلَائِكَةُ ضِدُّ الشَّيَاطِينِ وَلِقُبْحِ رَائِحَةِ الْكَلْبِ وَالْمَلَائِكَةُ تَكْرَهُ الرَّائِحَةَ الْقَبِيحَةَ وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنِ اتِّخَاذِهَا فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ وَصَلَاتَهَا فِيهِ وَاسْتِغْفَارَهَا لَهُ وَتَبْرِيكَهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْتِهِ ودفعها أذى للشيطان وأما هؤلاء الملائكة لذين لا يدخلون بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ فَهُمْ مَلَائِكَةٌ يطوفون بالرحمة وَالتَّبْرِيكِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَأَمَّا الْحَفَظَةُ فَيَدْخُلُونَ فِي كُلَّ بيت ولا يفارقون بَنِي آدَمَ فِي كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بإحصاء أعمالهم وكتابتها قال الخطابي وانما لا تدخل الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ مِمَّا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ مِنَ الْكِلَابِ وَالصُّوَرِ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحِرَامٍ مِنْ كَلْبِ

(1)

رواه النسائي (5365) وفي الكبرى (9708) قال: أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (6946) قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، كلهم (هناد، وعلي بن معبد) عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْن عَيَّاشٍ، ورواه عبد الرزاق في المصنف (19488) قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، - ومن طريقه أحمد في المسند (13/ 443/ ط الرسالة رقم 8079) والبيهقي في السنن الكبرى (14577)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 255) رقم (14428) - ورواه ابن حبان في صحيحه (5853) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، ثلاثتهم (أبو بكر ومعمر وزيد) عَنْ أَبِي إِسْحَقَ به. والزيادات بين معكوفتين من رواية زيد. والرواية الأولى من سنن النسائي الكبرى والطحاوي وغيره والرواية في آخره من طريق زيد بن أبي أنيسة عند ابن حبان.

(2)

صحيح أخرجه أحمد (36/ 107/ ط الرسالة) رقم (21772) - ومن طريقه الضياء المقدسي في "المختارة"(1346) - والطيالسي (627)، والبزار (2590).

ص: 93

الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وَالصُّورَةِ الَّتِي تُمْتَهَنُ فِي الْبِسَاطِ وَالْوِسَادَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ وَكُلِّ صُورَةٍ وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الْجَمِيعِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْجِرْوَ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ السَّرِيرِ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَعَ هَذَا امْتَنَعَ جِبْرِيلُ عليها السلام مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَعَلَّلَ بِالْجِرْوِ فَلَوْ كَانَ العذر فى وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لَمْ يَمْتَنِعْ جِبْرِيلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ا. هـ

(1)

‌لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ» وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أيضا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ» رواهما مسلم

(2)

. قال النووي رحمه الله: وأمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ كَرَاهَةُ اسْتِصْحَابِ الكلب والجرس فى الأسفار وأن الملائكة لا تصحب رُفْقَةً فِيهَا أَحَدُهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ والاستغفار لا الحفظة وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا قَرِيبًا وَسَبَقَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي مُجَانَبَةِ الْمَلَائِكَةِ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَأَمَّا الْجَرَسُ فَقِيلَ سَبَبُ مُنَافَرَةِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّوَاقِيسِ أَوْ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعَالِيقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَقِيلَ سَبَبُهُ كَرَاهَةُ صَوْتِهَا وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْجَرَسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَآخَرِينَ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي عُلَمَاءِ الشَّامِ يُكْرَهُ الْجَرَسُ الْكَبِيرُ دون الصغير ا. هـ

(3)

‌لعن الملائكة لمن يستحق اللعن:

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)} [البقرة]،

(1)

شرح النووي على مسلم (14/ 84)

(2)

صحيح مسلم (2113، 2114)

(3)

شرح النووي على مسلم (14/ 95)

ص: 94

وقال تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)} [آل عمران]

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا

(1)

، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» متفق عليه

(2)

وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «المَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا

(3)

، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ»، وَقَالَ:«ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، (يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ) فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ، وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ، وَلَا عَدْلٌ» متفق عليه

(4)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ، وَلَا صَرْفٌ» رواه مسلم وفي رواية له: «وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ، وَلَا صَرْفٌ»

(5)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ

(1)

(من كذا إلى كذا) يعني ما بين عير إلى ثور، وهما جبلان معروفان في المدينة. انظر: فتح الباري (4/ 83).

(2)

صحيح البخاري (1876)، وصحيح مسلم (1366)

(3)

في رواية مسلم: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ»

(4)

صحيح البخاري (1870، 3179)، وصحيح مسلم (1370)

(5)

صحيح مسلم (1371)

ص: 95

لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ، وَلَا صَرْفٌ» رواه مسلم

(1)

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ فِي عِمِّيَّا، أَوْ رِمِّيًّا

(2)

يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ، أَوْ بِسَوْطٍ، فَعَقْلُهُ عَقْلُ خَطَإٍ، وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَقَوَدُ يَدَيْهِ، فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رواه أبو داود

(3)

وعَنِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَخَافَهُ اللَّهُ عز وجل وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» رواه أحمد

(4)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» متفق عليه

(5)

وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ»

(6)

(1)

صحيح مسلم (1508)

(2)

قال في عون المعبود (12/ 182): (مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيًّا) بِكَسْرِ عَيْنٍ وَتَشْدِيدِ مِيمٍ مَكْسُورَةٍ وَقَصْرِ فِعِّيلَا مِنَ الْعَمَى كَالرِّمِّيَا مِنَ الرَّمْيِ أَيْ مَنْ قُتِلَ في حال يعمى أمره فلا يتبين قاتله وَلَا حَالُ قَتْلِهِ ا. هـ

(3)

سنن أبي داود (4591) ورواه النسائي (4789) وابن ماجه (2635) من طريق سليمان بن كثير، حدثنا عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس به. وصححه الألباني في هداية الرواة (3408). وقد أعل الحديث برواية ابن عيينة عن عمرو عن طاووس مرسلا. لم يذكر ابن عباس. رواه الشافعي ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16001) وقال: هذا مرسل ا. هـ ورواه أبو داود من طريق ابن السرح حدثنا سفيان عن عمرو عن طاووس قوله. ورواه حماد بن زيد عن عمرو عن طاووس مرسلا رواه أبو داود ورجح الدارقطني المرسل كما في العلل (2108) وقال البزار في مسنده (4714): ولا نعلم أسنده عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس، إلا سليمان بن كثير. ورواه غير سليمان، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ا. هـ وذكره شيخنا الوادعي في أحاديث معلة ظاهرها الصحة (227).

(4)

المسند (16559) وصححه الألباني في الصحيحة تحت الحديث (2671) على شرطهما. وصححه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح (377) وقال: حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح ا. هـ وهو الصواب: فالحديث عند أحمد من رواية حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن أبي مريم عن عطاء بن يسار عن السائب. ورجاله رجال الشيخين سوى حماد فمن رجال مسلم وإنما اعتمده عن ثابت فحسب.

(5)

صحيح البخاري (3237، 5193)، وصحيح مسلم (1436)

(6)

صحيح مسلم (2616)

ص: 96

‌تحريم سب الملائكة:

ولا يجوز سب الملائكة ولا الكلام عليهم بشيء فيه نقص أو عيب؛ فإن هذا من الأمور العظيمة. فإنه يجب على كل مكلف تعظيم الأنبياء عليهم السلام وكذلك الملائكة عليهم السلام ومن نالهم بسب أو شتم فقد كفر.

يقول ابن نجيم الحنفي رحمه الله: ويكفر

بعيبه ملكاً من الملائكة أو الاستخفاف به

(1)

. ويقول القاضي عياض المالكي رحمه الله: قال القاضي بقرطبة سعيد بن سليمان في بعض أجوبته: من سبّ الله وملائكته قتل. وقال سحنون: من شتم ملكاً من الملائكة فعليه القتل ا. هـ

(2)

وقال الدردير المالكي رحمه الله: ويكفر إن سبّ نبياً مجمعاً على نبوته، أو ملكاً مجمعاً على ملكيته، أو ألحق به نقصاً وإن ببدنه كعرج، وشلل ا. هـ

(3)

.

ويقول ابن غنيم المالكي رحمه الله: وَمَنْ سَبَّ

نَبِيًّا مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكًا مُجْمَعًا عَلَى مَلَكِيَّتِهِ أَوْ لَعَنَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي دِينِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ خَصْلَتِهِ أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ أَوْ زُهْدِهِ، أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ

قُتِلَ حَدًّا لِأَنَّ قَتْلَهُ لِازْدِرَائِهِ بِحَقِّ النَّبِيِّ أَوْ الْمَلَكِ، لَا لِأَنَّهُ كَافِرٌ

وَيُسْتَعْجَلُ بِقَتْلِهِ.

(4)

.

ويقول ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: إنْ جَحَدَ نَبِيًّا، أَوْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِهِ، أَوْ مَلَكًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، أَوْ اسْتَبَاحَ مُحَرَّمًا، فَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ ا. هـ

(5)

وروى الدينوري في المجالسة عن أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ البصري أنه قال: كُنَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ بِالْبَصْرَةِ، فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَلائِكَةِ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق (5/ 131)

(2)

الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 642)

(3)

الشرح الصغير للدردير ط الكتب العلمية (4/ 226)

(4)

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 202)

(5)

المغني لابن قدامة (9/ 21)

ص: 97

الْعِلْمِ»، وَفِي الْمَجْلِسِ مَعَنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ فَجَعَلَ يَسْتَهْزِئُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَاللهِ! لأَقَطِّرَنَّ غَدًا نَعْلِي فَأَطَأُ بِهِمَا أَجْنِحَةَ الْمَلائِكَةِ. قَالَ: فَفَعَلَ وَمَشَى فِي النَّعْلَيْنِ، فَجَفَّتْ رِجْلاهُ جَمِيعًا، وَوَقَعَتْ فِي رِجْلَيْهِ جَمِيعًا الآكلة.

(1)

وقال الطبراني: سمعتُ أبا يحيى زكريا بن يحيى السَّاجي قال: كنَّا نمشي في بعض أزقَّة البصرة إلى باب بعض المحدِّثين، فأسرعنا المشي، وكان معنا رجلٌ ماجنٌ متَّهمٌ في دينه، فقال:«ارفعوا أرجلَكم عن أجنحة الملائكة، لا تكسروها» ، كالمستهزاء؛ فما زال من موضعه حتى جفَّت رجلاه وسَقَط.

(2)

فانظر إلى عاقبة الاستهزاء بالسنة، وما حل بهؤلاء من العقوبة العاجلة نسأل الله السلامة والعافية

(3)

‌من محبة المؤمن للملائكة البعد عن المعاصي:

ومن محبتنا لملائكة الرحمن وعدم إيذائهم البعد عن الذنوب والمعاصي والآثام؛ فإن الملائكة لا تحب المعاصي، ولذلك جاء في الحديث كما تقدم:«لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَة» ، و «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ» وغير ذلك من الأحاديث التي تبين أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ناهيًا عن البصاق على اليمين في الصلاة قال:«إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِى مُصَلَّاهُ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ؛ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَيَدْفِنُهَا»

(4)

.

ويجب على المؤمن أن يوالي الملائكة، وأن يحبهم؛ فهم عباد الله، عاملون بأمره، تاركون لنهيه، وهم أولياء لله.

وأخبار الملائكة في الكتاب والسنة كثيرة جدًّا، وواجب المؤمن في كل ما ورد من

(1)

المجالسة وجواهر العلم (2154)

(2)

أخرجه الطبراني في كتاب «السُّنَّة» ، كما ذكر شيخ الإسلام في «الفتاوى» (4/ 539)، وابن القيم في «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» (1/ 173 ط عطاءات العلم). ومن طريقه الخطيب في «الرحلة» (8)، والهروي في «ذم الكلام» (4/ 369)، والنووي في «بستان العارفين» (111)

(3)

انظر: كتاب «سرعة العقاب لمن خالف السنة والكتاب» لشيخنا محمد بن عبد الله باموسى حفظه الله.

(4)

البخاري (416) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 98

أخبار في الكتاب والسنة هو الإيمان والتسليم، وهم عالم غيبي؛ فلا ينبغي للإنسان أن يتخرص القول في أخبارهم، وإنما يؤمن بما ثبت وصحَّ من أخبارهم وأعمالهم وأحوالهم في الكتاب والسنة.

‌إقسام الله بالملائكة:

‌القسم في سورة الصافات:

قال الله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)} [الصافات]

قال العلامة السعدي رحمه الله: هذا قسم منه تعالى بالملائكة الكرام، في حال عبادتها وتدبيرها ما تدبره بإذن ربها، على ألوهيته تعالى وربوبيته،

فقال: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)} أي: صفوفا في خدمة ربهم، وهم الملائكة.

{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)} وهم الملائكة، يزجرون السحاب وغيره بأمر الله.

{فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)} وهم الملائكة الذين يتلون كلام الله تعالى. فلما كانوا متألهين لربهم، ومتعبدين في خدمته، ولا يعصونه طرفة عين،

أقسم بهم على ألوهيته فقال: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)} ليس له شريك في الإلهية، فأخلصوا له الحب والخوف والرجاء، وسائر أنواع العبادة ا. هـ

(1)

وقال ابن القيم رحمه الله: ومن ذلك قوله عز وجل: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)} أقسم -سبحانه- بملائكته الصَّافَّات للعبوديَّة بين يديه، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟!

يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأوَّلَ فالأوَّل، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ»

(2)

، وكما قالوا عن أنفسهم:{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات: 165].

والملائكة "الصَّافَّات": التي تَصُفُّ، أجنحَتَها في الهواء.

و"الزَّاجِرَاتُ ": الملائكة التي تزجُرُ السَّحَاب وغيرَه بأمر الله،

فـ "التاليات": التي تتلو كلام الله.

(1)

تفسير السعدي " تيسير الكريم الرحمن"(ص: 700) وانظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 5)

(2)

صحيح مسلم (430) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.

ص: 99

وقيل: "الصَّافَّات" الطير، كما قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19]، وقال تعالى:{وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} [النور: 41]؛

و"الزَّاجِرَات": الآيات والكلمات الزاجرات عن معاصي الله، و"التاليات": الجماعات التاليات كتابَ الله عز وجل.

وقيل: "الصَّافَّات" للقتال في سبيل الله، فـ "الزَّاجِرات" الخيلَ للحمل على أعدائه، فـ "التاليات" الذاكرين له عند مُلَاقَاةِ عدوِّهم.

وقيل: "الصَّافَّات": الجماعاتُ الصَّافَّاتُ أبدانها في الصلاة، "الزَّاجِرات" أنفسها عن معاصي الله، فـ "التاليات" آياتِ اللهِ.

واللفظ يحتمل ذلك كلَّه، وإن كان أحقَّ من دخل فيه وأَوْلَى الملائكةُ،

إلخ ا. هـ

(1)

‌القسم في سورة الذاريات:

وقال تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)} [الذاريات]

قال العلامة السعدي رحمه الله: هذا قسم من الله الصادق في قيله، بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافع، ما جعل على أن وعده صدق، وأن الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال، لواقع لا محالة، ما له من دافع، فإذا أخبر به الصادق العظيم وأقسم عليه، وأقام الأدلة والبراهين عليه، فلِمَ يكذب به المكذبون، ويعرض عن العمل له العاملون.

والمراد بالذاريات: هي الرياح التي تذروا، في هبوبها {ذَرْوًا} بلينها، ولطفها، ولطفها وقوتها، وإزعاجها.

{فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)} السحاب، تحمل الماء الكثير، الذي ينفع الله به البلاد والعباد.

{فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)} النجوم، التي تجري على وجه اليسر والسهولة، فتتزين بها

(1)

التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (1/ 648)

ص: 100

السماوات، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وينتفع بالاعتبار بها

(1)

.

{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)} الملائكة التي تقسم الأمر وتدبره بإذن الله، فكل منهم، قد جعله الله على تدبير أمر من أمور الدنيا وأمور الآخرة، لا يتعدى ما قدر له وما حد ورسم، ولا ينقص منه ا. هـ

(2)

‌القسم في سورة المرسلات:

وقال تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)} [المرسلات].

قال العلامة ابن جزي رحمه الله:

اختلف في معنى المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات على قولين: أحدهما أنها الملائكة والآخر أنها الرياح.

فعلى القول بأنها الملائكة: سماهم المرسلات لأن الله تعالى يرسلهم بالوحي وغيره،

وسماهم العاصفات لأنهم يعصفون كما تعصف الرياح في سرعة مضيهم إلى امتثال أوامر الله تعالى،

وسماهم ناشرات لأنهم ينشرون أجنحتهم في الجو، وينشرون الشرائع في الأرض، أو ينشرون صحائف الأعمال وسماهم الفارقات لأنهم يفرقون بين الحق والباطل.

وعلى القول بأنها الرياح:

سماها المرسلات لقوله: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} [الروم: 48]

(1)

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/ 414): المشهور عن الجمهور -كما تقدم-: أنها السفن، تجري ميسرة في الماء جريا سهلا. وقال بعضهم: هي النجوم تجري يسرا في أفلاكها، ليكون ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى، إلى ما هو أعلى منه، فالرياح فوقها السحاب، والنجوم فوق ذلك، والمقسمات أمرا الملائكة فوق ذلك، تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية ا. هـ

(2)

تفسير السعدي " تيسير الكريم الرحمن"(ص: 808) وانظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 5)

ص: 101

وسماها العاصفات من قوله: {رِيحٌ عَاصِفٌ (22)} [يونس] أي شديدة،

وسماها الناشرات لأنها تنشر السحاب في الجو ومنه قوله: {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [الروم: 48]

وسماها الفارقات لأنها تفرق بين السحاب ومنه قوله: {وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} [الروم: 48]

وأما الملقيات ذكرا فهم الملائكة لأنهم يلقون الذكر للأنبياء عليهم السلام.

والأظهر في المرسلات والعاصفات أنها الرياح لأن وصف الريح بالعصف حقيقة،

والأظهر في الناشرات والفارقات أنها الملائكة لأن الوصف بالفارقات أليق بهم من الرياح، ولأن الملقيات المذكورة بعدها هي الملائكة ولم يقل أحد أنها الرياح.

ولذلك عطف المتجانسين بالفاء فقال: {وَالْمُرْسَلَاتِ} {فَالْعَاصِفَاتِ}

ثم عطف ما ليس من جنس بالواو فقال: {وَالنَّاشِرَاتِ}

ثم عطف عليه المتجانسين بالفاء.

وقد قيل في المرسلات والملقيات أنهم الأنبياء عليهم السلام.

{عُرْفًا (1)} معناه: فضلا وإنعاما وانتصابه على أنه مفعول من أجله وقيل: معناه متتابعة وهو مصدر في موضع الحال.

وأما {عَصْفًا} و {نَشْرًا} و {فَرْقًا} فمصادر، وأما {ذِكْرًا} فمفعول به.

{عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)} العذر فسّره ابن عطية وغيره بمعنى: إعذار الله إلى عباده لئلا تبقى لهم حجة أو عذر

وأما {نُذْرًا (6)} فمن الإنذار وهو التخويف

إلخ

(1)

وقال الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير رحمه الله:

والأظهر أن: "المرسلات" هي الرياح، كما قال تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]، وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57]

وهكذا العاصفات هي: الرياح، يقال: عصفت الريح إذا هبت بتصويت،

وكذا الناشرات هي: الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء، كما يشاء الرب

(1)

تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 441 - 442)

ص: 102

-عز وجل.

وقوله: {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)} يعني: الملائكة قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، ومجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، والثوري. ولا خلاف هاهنا؛ فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، والهدى والغي، والحلال والحرام، وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق، وإنذار لهم عقاب الله إن خالفوا أمره ا. هـ

(1)

.

وقال ابن القيم رحمه الله:

فُسِّرت "المرسلات" بالملائكة،

وفُسِّرت بالرِّياح،

وفُسِّرت بالسَّحَاب،

وفُسِّرت بالأنبياء،

قلت: الله -سبحانه- يرسل الملائكةَ، ويرسل الأنبياءَ، ويرسل الرِّياحَ، ويرسل السَّحَابَ فيسوقه حيث يشاء، ويرسل الصواعقَ فيصيب بها من يشاء.

فإرساله واقعٌ على ذلك كلِّه، وهو نوعان:

إرسالُ دِينٍ يحبُّه ويرضاه، كإرسال رسله وأنبيائه.

وإرسالُ كَوْنٍ؛ وهو نوعان:

نوعٌ يحبُّه ويرضاه، كإرسال ملائكته في تدبير أمر خلقه.

ونوعٌ لا يحبُّه، بل يسخطه ويبغضه، كإرسال الشياطين على الكفار.

فالإرسالُ المقسَمُ به هاهنا مُقَيَّدٌ بـ "العُرْف":

فإمَّا أن يكون ضد المنكر، فهو إرسال رسله من الملائكة، ولا يدخل في ذلك إرسال الرِّياح، ولا الصواعق، ولا الشياطين.

وأمَّا إرسال الأنبياء فلو أُريد لقال: والمرسلين، وليس بالفصيح تسمية الأنبياء "مرسلات"،

وإن كان "العُرْف" من: التَتَابع،

جاز أن تكون "المرسلات": الرِّياح، ويؤيده عَطْف "العاصِفات" عليه و "النَّاشِرات". وجاز أن تكون: الملائكة، وجاز أن يَعُمَّ النَّوعين؛ لِوَقْعِ الإرسال- عُرْفًا- عليهما. ويؤيِّده أنَّ "الرِّياح" موكَّلٌ بها ملائكةٌ تسوقها وتُصَرِّفُها. ويؤيِّد كونها "الرِّياح" عطف "العَاصِفات" عليها بـ"فاء" التعقيب والتسبيب، فكأنَّها أُرسِلت، فَعَصَفَتْ.

(1)

تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 297)

ص: 103

ومن جعل "المرسلات": الملائكة قال: هي تعصف في مُضِيِّها مُسرِعَةً كما تعصف "الرِّياح". والأكثرون على أنَّها "الرِّياح"

وأمَّا "النَّاشرات نشرًا"؛ فهو استئنافُ قَسَمٍ آخر، ولهذا أتى به بـ "الواو"، وما قبله معطوفٌ على القَسَم الأوَّل بـ "الفاء".

قال ابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وقتادة:"هي الرِّياح تأتي بالمطر". ويدلُّ على صِحَّة قولهم قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57]؛ يعني أنَّها تنشُرُ السَّحَابَ نَشْرًا، وهو ضدُّ الطَّيِّ.

وقال مقاتل: "هي الملائكةُ تنشر كتبَ بني آدم وصحائف أعمالهم"، وقاله: مسروق، وعطاء عن ابن عباس.

وقالت طائفةٌ: هي الملائكةُ تنشر أجنحَتَها في الجَوِّ عند صعودها ونزولها.

وقيل: تنشر أوامر الله في السماء والأرض.

وقيل: تنشر النُّفُوس، فَتُحْييها بالإيمان.

وقال أبو صالح: "هي الأمطار تنشر الأرض، أي: تحييها".

قلت: ويجوز أن تكون "النَّاشِرات" لازمًا لا مفعول له، ولا يكون المراد أنَّهنَّ يَنشُرنَ كذا، فإنَّه يقال: نَشَرَ الميتُ، أي: حَييَ، وأَنْشَرَهُ الله: إذا أحياه، فيكون المرادُ بها: الأنفسَ التي حَييَتْ بالعُرْفِ الذي أرسلت به "المُرْسَلَات"، أو الأشباحَ والأرواحَ والبقاعَ التي حَيِيَتْ بالرِّياح المرسلات، فإنَّ "الرِّياحَ" سببٌ لنشور الأبدان والنَّبَات، والوحيَ سببٌ لنشور الأرواح وحياتها.

لكنْ هنا أمرٌ ينبغي التفطُّن له، وهو أنَّه -سبحانه- جعل الإقسام في هذه السورة نوعين، وفَصَل أحدهما من الآخر، وجعل "العَاصِفَات" معطوفًا على "المرسلات" بـ "فاء" التعقيب، فصارا كأنَّهما نوعٌ واحدٌ، ثُمَّ جعل "النَّاشرات" كأنَّه قَسَمٌ مبتَدَأٌ فأتى فيه بـ "الواو"، ثُمَّ عطف عليه "الفَارِقات" و "المُلْقِيَات" بـ "الفاء"، فأوهم هذا أنَّ "الفارقات" و "المُلقيات" مرتبطٌ بـ "النَّاشرات"، وأنَّ "العَاصِفَات" مرتبطٌ بـ "المُرْسَلَات".

وقد اختلف في "الفَارقات"؛ والأكثرون على أنَّها الملائكة، ويدلُّ عليه عطْفُ "المُلْقِياتِ ذِكْرًا" عليها بـ "الفاء"، وهي الملائكة بالاتفاق.

وعلى هذا فيكون القَسَم بالملائكة التي نَشَرَتْ أجنحتها عند النزول، ففرَّقَت بين

ص: 104

الحق والباطل، فألقَت الذِّكْرَ على الرُّسُلِ إعذارًا وإنذارًا.

ومن جعل "النَّاشِرات": الرِّياح جعل "الفَارِقَات" صفةً لها، وقال: هي تفرِّقُ السَّحَابَ هاهنا وهاهنا، ولكن يأبى ذلك عطْفُ "المُلْقِيَات" بـ "الفاء" عليها.

ومن قال: "الفَارِقَات": آيُ القرآنِ؛ تُفرِّقُ بين الحقِّ والباطل، فقوله يلتئم مع كون "النَّاشِرَات" الملائكة أكثر من التئامه إذا قيل: إنَّها "الرِّياح".

ومن قال: هي جماعات الرُّسُل؛ فإنْ أراد الرُّسُلَ من الملائكة فظاهِرٌ، وإنْ أراد الرُّسُلَ من البشر فقد تقدَّمَ بيان ضعف هذا القول. ويظهر -والله أعلم بما أراد من كلامه - أنَّ القَسَم في هذه السورة وقع على النَّوعين: الرِّياحِ، والملائكةِ. ووجه المناسبة: أنَّ حياةَ الأرض والنَّبَات وأبدان الحيوان بالرِّياح، فإنَّها من رَوْح الله، وقد جعلها الله -تعالى- نُشُورًا، وحياةَ القلوب والأرواح بالملائكة. فبهذين النَّوعين يحصل نوعَا الحياة، ولهذا -والله أعلم- فَصَلَ أَحَدَ النَّوعين من الآخر بـ "الواو"، وجعل ما هو تابعٌ لكلِّ نوعٍ بعده بـ "الفاء" .... إلخ.

(1)

‌القسم في سورة النازعات:

وقال تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات]

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

قال ابن مسعود وابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وأبو الضحى، والسدي:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)} الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعنف فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حلته من نشاط، وهو قوله:{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)} قاله ابن عباس.

وعن ابن عباس: {وَالنَّازِعَاتِ} : هي أنفس الكفار، تنزع ثم تنشط، ثم تغرق في النار. رواه ابن أبي حاتم.

(1)

التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (1/ 223 - 229)

ص: 105

وقال مجاهد: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)} الموت.

وقال الحسن، وقتادة:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)} هي النجوم.

وقال عطاء بن أبي رباح في قوله: {وَالنَّازِعَاتِ} {وَالنَّاشِطَاتِ} هي القسي في القتال. والصحيح الأول، وعليه الأكثرون.

وأما قوله: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} فقال ابن مسعود: هي الملائكة. وروي عن علي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي صالح مثل ذلك.

وعن مجاهد: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)} الموت.

وقال قتادة: هي النجوم. وقال عطاء بن أبي رباح: هي السفن.

وقوله: {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)} روي عن علي، ومسروق، ومجاهد، وأبي صالح، والحسن البصري: يعني الملائكة؛ قال الحسن: سبقت إلى الإيمان والتصديق به. وعن مجاهد: الموت. وقال قتادة: هي النجوم وقال عطاء: هي الخيل في سبيل الله.

وقوله: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} قال علي، ومجاهد، وعطاء، وأبو صالح، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي: هي الملائكة-زاد الحسن: تدبر الأمر من السماء إلى الأرض. يعني: بأمر ربها عز وجل. ولم يختلفوا في هذا. ا. هـ

(1)

.

وقال السعدي رحمه الله: هذه الإقسامات بالملائكة الكرام، وأفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر الله، وإسراعهم في تنفيذ أمره، يحتمل أن المقسم عليه، الجزاء والبعث، بدليل الإتيان بأحوال القيامة بعد ذلك، ويحتمل أن المقسم عليه والمقسم به متحدان، وأنه أقسم على الملائكة، لأن الإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، ولأن في ذكر أفعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة عند الموت وقبله وبعده، فقال:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)} وهم الملائكة التي تنزع الأرواح بقوة، وتغرق في نزعها حتى تخرج

(1)

تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 312)

ص: 106

الروح، فتجازى بعملها. {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)} وهم الملائكة أيضا، تجتذب الأرواح بقوة ونشاط، أو أن النزع يكون لأرواح المؤمنين، والنشط لأرواح الكفار. {وَالسَّابِحَاتِ} أي: المترددات في الهواء صعودا ونزولا {سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ} لغيرها {سَبْقًا} فتبادر لأمر الله، وتسبق الشياطين في إيصال الوحي إلى رسل الله حتى لا تسترقه {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} الملائكة، الذين وكلهم الله أن يدبروا كثيرا من أمور العالم العلوي والسفلي، من الأمطار، والنبات، والأشجار، والرياح، والبحار، والأجنة، والحيوانات، والجنة، والنار وغير ذلك. ا. هـ

(1)

.

وقال ابن القيم رحمه الله: ومن ذلك قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} ،

فهذه خمسة أمور، وهي صفات الملائكة.

فأَقْسَمَ -سبحانه- بالملائكة الفاعلة لهذه الأفعال؛ إذ ذلك من أعظم آياته،

وحَذفَ مفعول النَّزْع والنَّشْطِ لأنَّه لو ذَكرَ ما تنزِعُ وتنشِطُ لأوْهَمَ التقييدَ به؛

ولأنَّ القَسَمَ على نفس الأفعال الصادرة من هؤلاء الفاعلين، فلم يتعلَّق الغَرَضُ بذكر المفعول

، فكان نفسُ النَّزْع هو المقصود لا عَيْنُ المنزوع.

وأكثر المفسِّرين على أنَّها الملائكة التي تنزع أرواح بني آدم من أجسامهم، وهم جماعةٌ؛

و "النَّزعُ": هو اجْتِذَابُ الشيء بقوَّةٍ، والإغراق في النَّزْع أن يجتذبه إلى آخره، ومنه إغراق النَّزْع في جَذْبِ القَوس: أن يبلغ بَها غاية المَدِّ، فيقال: أغرق في النَّزْعِ، ثُمَّ صار مثَلاً لكلِّ من بالغ في فعلٍ حتَّى وصل إلى آخره.

و "الغَرْقُ": اسم مصدَرٍ أُقيم مَقَامَه، كالعطاء والكلام أُقيم مقام الإعطاء والتكليم.

(1)

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 908)

ص: 107

وقال ابن مسعود: "هي أنفس الكفار"، وفي هذا القول ضعفٌ

وقال الحسن: ""النَّازِعَات" هي: النُّجُوم، تنزع من المشرق إلى المغرب،

و "غَرْقًا" هو غروبها"، قال: "تنزع من هاهنا وتغرق هاهنا" .... إلى أن قال:

فأَقْسَمَ بطوائف الملائكة وأصنافهم:

{وَالنَّازِعَاتِ} : التي تنزع الأرواح من الأجساد.

{وَالنَّاشِطَاتِ} : التي تنشطها، أي: تُخرجها بسرعةٍ وخِفَّة، من قولهم: نَشَطَ الدَّلْوَ من البئر؛ إذا أخرجها، وأنا أَنْشَطُ لكذا أي: أَخَفُّ له وأسرع.

{وَالسَّابِحَاتِ} : التي تسبح في الهواء في طريق مَمَرِّها إلى ما أُمِرَتْ به، كما تسبح الطير في الهواء.

{فَالسَّابِقَاتِ} : التي تسبق وتُسرع إلى ما أُمِرَتْ به، لا تبطئ عنه ولا تتأخر.

{فَالْمُدَبِّرَاتِ} : التي تدبِّرُ أُمورَ العباد التي أمرها ربَّها بتدبيرها، وهذا أَوْلى الأقوال.

(1)

JIH

انتهى الجزء الثالث

ويليه الجزء الرابع: الإيمان بالكتب المنزلة

(1)

التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (1/ 207 - 218)

ص: 108