الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سل الحسام الهندي لنصرة مولانا خالد النقشبندي
خاتمة المحققين رئيس العلماء المدققين السيد الشريف المرحوم السيد محمد أمين عابدين
نفعنا الله به
آمين
مرثية العلامة الملا داود البغدادي النقشبندى لسيدنا ومولانا مؤلف هذا الكتاب مكافأة عن شيخه العارف حضرت الشيخ خالد رحم الله تعالى أرواحهم آمين
ايا اماما في حلبة العلم جالا
…
اورث القلب فقده اوجالا
كنت بحر العلوم تقذف درا
…
فطما بعده الوجود وسالا
أنت شمس غربت في مغرب الار
…
ض ولكن انوارها تتلالا
كم حواش لكم تفوق حواشى ال
…
غيد حسنا ورقة وجمالا
أنت ابرزتها وكان ضمير الـ
…
ـكون يخفي لها فعزت منالا
وكم من رسائل أرسلت من
…
فكرك الصائب المجيد توالا
ان رد المختار مختار در
…
ابهر العقل حسنة فتعالى
جواهر قد اظهرت نثرا ونظما
…
فتحلى الوجود بل وتحافا
قد وشيت الطروس وشيا جليلا
…
من سجايا قطب الممالك حالا
بالنظم ابديته فاق عقده
…
لؤلئيا بل كان سحرا حلالا
في رثى شيخنا وشمس ضحانا
…
خالد الفضل من سمى افضالا
انا من ولده واجزيك عنه
…
در نظم اغلا من الدر مالا
وسيجزيك ربنا من عطاه
…
ماسير ضيك عاجلا وما لا
فسقى قبرك المنير املث
…
من غوادي الرحمى يجود أنهمالا
وصلاة على النبي وآل
…
وصحاب ما شات العين آلا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرع لنا خير شريعة واعلاها، واطد دعائمها لعلمائها وقواها، واقام سوق عزائمها، وارخص سوق فسوق من باراها وكف ايدى المتمردين، والجاحدين الحاسدين، ببراهين اضاء سناها وطهرها من دنس الزور والبهتان، والافتراء والعدوان، وجى جاها واظهرها إلى العيان كالشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، وحتم على كل نفس باقتفاء آثارها والعمل بمقتضاها، فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها، والصلاة والسلام على خير داع إلى توحيده، واشرف قائم بارشاد عبيده، حتى بلغ من المشقة اقصاها، واوذى فصبر، وابتلى فشكر، وحاز عزا وجاها وعلى آله وأصحابه الذين حازوا ينصرته اعلى المقامات واسناها، صلاة دائمة لا تعد ولا تحد ولا تتناهى، ما جرت سفينة لانتصار، لاهل الاسرار، في بحار الأفكار، ولحج الآثار والاخبار، وكان باسم الله مجريها ومرسيها (اما بعد) فيقول افقر العباد، إلى عفو مولاه يوم التناد، محمد امين الشهير بابن عابدين، لما فسد الزمان وتعاكس وتقاعد عن الصلاح وتقاعس، لم يشتغل غالب أهله بخاصة نفسه وبما ينفعه عند افول شمسه، وحلوله في رمسه، بل صار يطيل لسانه على اشرف أهل جنسه، بمجرد وهمه وحدسه، أو بمحض الزور والبهتان، لداء الحسد والطغيان، وغفل عن كون ذلك سببا للدمار وخراب الديار، ومحق الاعمار، واعفاء الآثار، فألف بعضهم رسالة أراد ترويجها في سوق الجهالة، بين أهل البطالة، حيث حكم فيها بالزندقة والضلالة، على الإمام الشهير، والعارف الكبير، الذي ورث من العوارف والمعارف كل طريف وتالد، ولم ينكر فضله إلا الجاحد المعاند، والمكابر الحاسد، وهو الإمام الأوحد، والعالم المفرد الهمام الماجد، حضرة سيدى الشيخ خالد، الذي بذل جهده في نفع العبيد، وارشادهم إلى الدأب على كلمة التوحيد، حتى غدا قطب العارفين في سائر الآفاق، وملاذ المريدين، على الإطلاق، واشتهرت به الطريقة النقشبندية، الواضحة الجلية، في عامة البلاد الإسلامية والممالك المحمية، مع ما حاز إلى ذلك من علوم باهرة بهية، وتأليفات شائقة شهية، فلا تبدو نفائس لآلئ التحقيق، من بحار التدقيق إلا بغواص افكاره، ولا تجلى عرائس جواري الترقيق، على منصات التنميق، الا لخطاب انظاره، فإذا شاع صيته وذاع، وعم النواحى والبقاع، وتليت آيات فضائله على السنة الاصايل والبكور ونشرت
رايات فواضله على رماح الظهور، وظهر ظهور البدر التام معتقدا بين الخاص والعام، حتى بين أعيان الدولة المنصور، ذات المحامد المأثوره، لا زالت مؤطدة البنيان، عالية الشأن، بيمن خليفتها الاعظم وخاقانها المحمود المعظم، الذي شيد دعائم الدين، واباد جيوش الكافرين الجاهدين، وحمى ساحة الإسلام والمسلمين، بماضي عزمه ونشر ألوية الشرائع والاحكام بثواقب حزمه، ادام الله تعالى طلعته السعيدة في افق هذا الزمان كوكبا منيرا، وخلدذا الاراء السديده في باهي مملكته عضدا ووزيرا، وايد ذوى العقود الرشيدة، في بروج اوامره ونواهيه نجوما مشرقة، وعيد ذوى القوة الشديدة في مطالع غزواته وجعلهم على اعدائه شهبا محرقة، حتى تنجلى غياهب الشرك والالحاد وتضحك بالنصر والحبور ثغور البلاد والعباد، ونفعه والمسلمين بإمداد هذا الإمام، والحبر البحر الهمام، الذي شهدت ببراءة ساحته المحترمه عما رمته به الحسدة الظلمة، عامة أهل البلاد من الناس، ولا سيما من لهم إلى جنابه قرب والتماس، منهم ذو الايادى البوادى، لدى الحاضر والبادى، ومفتى الانام في دمشق الشام، السيد حسين افندى المرادي دامت فضائله غير مصروفة عن ذاته لأنَّه منتهى جوعها، وفواضله تنفجر منه انهارها لأنَّه ينبوعها، فلذا سأل الفقير بنسل فصال النضال، من جعبة فرسان المقال، وسل لوامع قواطع الاستدلال، من غمد كتائب كتب فحول الرجال، وهزر دينى الرد، على عواتق الدفع والصد، عند النزال في حومة الجدال، لينقشع عن عين العيان، عين البهتان، والضلال، ويسلم صحيح الافعال، من همز الضعف والاعتلال ويرتفع خفض المنصوب على التمييز للحال، بإبراز ضمائر الصفات والافعال، ويظهر خفى المتشابه والاجمال، بتفسير نص المحكم من الأقوال، فبادرت إلى التوجه والاقبال، على الطاعة والامتثال، لسؤاله بلا اهمال ولا امهال، فجمعت هذه الاوراق، الحلوة المذاق لدى أهل الاشواق، كي يبدو نجمها الخفاق، في اكناف أطراف الآفاق، ويسير نميرها الدفاق بما رق وراق، في حياض رياض الإطلاق، وتغنى بلا بلهاذات الاطواق، على غصون الأفكار والاحداق وتشنف مسامع المشتاق، بما عنه نطاق البيان ضاق، وتصد أهل الافترا والاختلاق، عن سوء الافعال وسيء الأخلاق، ليكونوا من الرفاق أهل الصفا والوفاق، فقلت مستعينا بعون الملك الخلاق، في سلوك مهامة هذه المشاق، وقمع المعاند والمشاق (بضم الميم)، مستمنحا من فيض الكريم الرزاق، بسط موائد التوفيق في هذا المساق، واصابة الصواب في اللحاق والسباق،
وتوفير الثواب في يوم العرض والتلاق (اعلم) وفقني الله تعالى وإياك، وتولى هداى وهداك، وجانا من الوقوع في شرك الاشراك، واتباك كل كاذب افاك، انى أريد أن اكشف لك الغطا، وانبهك على بعض ما وقع في تلك الرسالة من الخطا، لئلا تزل بك الخطا، إلى مهمة تضل فيه القطا (فنقول) قال ذلك الزاعم المراغم في صدر رسالته، المنبئة عن عدم تثبته لامر ديانته سئلت عن فلان الثابت إقراره بتسخير الجن واستعانته بالارواح الارضية الخبيثة ودعواه علم بعض الأمور الغيبية عن أخبار الجان له وانه ربط وقتل كثيرا من العفاريت والجان مع انه به يدعى الولاية والارشاد في الطريقة العلية النقشبندية ويصدقه بعض الناس ويعتقدانه على الحق فهل هو ولى ومرشد مصدق فيما ادعاء كما يزعم أم ساحر وما حكم قضاء القاضي بهما فيه افيدوا بالنقل الصريح الصحيح من الكتب المعتبرة في المذاهب الأربعة المعتمدة، فلما كان السؤال متعلقا برجل مشخص معين مذكور باسمه اقتضى التوقف والتفحص عن الأحوال ليتحقق عندى جميع ما في السؤال، تجنبا عن سوء الظنون واستماع كل ما يقال فشهد لدى جم غفير من الشهود العدول على تحقيق جميع ما كتب عليه في السؤال منهم الصالح الجليل المسلم صلاحيته عند أهل الحرمين وسائر البلاد الشيخ إسماعيل النقشبندى والشيخ أحد على اغا زاده الكردى السليماني والشيخ محمد الهزامر ذى الكردى السليمانى والشريف افندى الديار بكرى وغيرهم من تلامذته المتقربين إليه بل من خلفائه الارشدين يزعمه الباطل بلا انكار أحد وقائلين بان المشهور بين الفرقة الخالدية الضالة المضلة أن هذا الأمر ليس مما ينكره خالد المعهود إلى الآن بل كان يفتخر به ويعده من جملة خوارقه وعلامة ولايته بزعمه الباطل وذلك مشهود فيه عند جميع الاكراد وعامة أهل بغداد فثبت عندى صدق ما في السؤال ثبوتا شرعيا مرعيا فبادرت إلى الجواب حذرا عما في الفتاوى الخيرية ومن كتم علما الجم بلجام من نار إلى أن قال فاجبت متوكلا على الملك التواب قائلا بأنه ساحر بالإجماع أي باتفاق المحققين من علماء المذاهب الأربعة المعتمدة هذا نص كلامه ثم استدل على مرامه بنقل بعض ما قاله العلماء من المحدثين والفقهاء في احكام الزنديق والساحر والكاهن والعراف، سالكا سبيل الاعتساف متجنبا عن طرق الإنصاف، حيث نزل هذه العبارات، على ما افترى على هذا الإمام من المقالات، الذي شهد الوجدان والعيان، ببراءة ساحته من هذا الزور والبهتان، فإن الذي شاهدناه من حالته البديعة الاستقامة على نهج الشريعة، واحباء يقع المساجد والخلوات، بإقامة الاذكار والاوراد والصلوات، ولم تسمع
منه ولا من أحد من خلفائه ومريديه، شيئا مما يشينه في دينه ويرديه، وهذا ما شهد به جماهير العباد في عامة البلاد، وإنما كان له بعض مريدين، رآهم من العتاة المتمردين فطردهم عن ابوابه، فتكلموا في جنابه، وانحازوا إلى بعض الحاسدين ولفقوا معهم ما القته إليهم الشياطين، وتزيوا بزى الصالحين، ونقلوا كلام العلماء بصورة الناصحين، والله أعلم بالجليات والخفيات، وإنما الأعمال بالنيات
شعر
إلى ديان يوم الحشر نمضى
…
وعند الله تجتمع الخصوم
على أنا اجتمعنا بهذا الشخص المسمى بالشيخ إسماعيل، الذي زعم هذا الزاعم أنه شهد عنده وسماه الصالح الجليل فسألناه عما نسبه إليه صاحب تلك الرسالة، فأنكر جميع هذه المقاله، وقال أن هذا الإمام شيخى وسيدى، وساعدى وعضدي، ظالما عكفت في اعتابه، ولم ار ما يدنس ساحة جنابه، فعلمنا أن ما ذكر كذب وافتراء، بلا بين ولا مراء، وكيف يتصور ممن هو من أعظم علماء الدين، ورئيس المحققين والمدققين وقد بذل جهده في نشر رايات الشريعة، وتشييد منازلها الرفيعة وإرشاد السالكين، إلى طريق المقربين، أن يدعى لنفسه ما لا يتصور من اجهل الجاهلين، وطغاة المتمردين، الذين خلعوا من اعناقهم ربقة الدين، فإنه لو لم يكن يخش الله تعالى من ذلك، وحاشاه من سلوك هذه المسالك، لخشى أن ينحط قدره عند الانا، لعلمه أن هذا الكلام، لا يقبله هوام العوام، فإنه مما تأنفه الأسماع، وتمجه الطباع فعلم أن هذا اختلاق واختراع، تنفر منه القلوب وترتاع، نعم أخبرني الشيخ إسماعيل المذكور أنه وقع له في دار الأستاذ في بعض مجالسه الذكريه، عند اجتماع القلوب على الذكر الخفى والتوجه بالكلية انهم كانوا يسمعون أصواتا خفيه، ولا يرون اشخاصا جليه، وأن هؤلاء من مؤمنى الجن ذوى النفوس المطمئنة، جاؤا يرتعون حول رياض الذكر التي هي رياض الجنة، وانه سمع مع رفيق له أصواتا من داخل مكان مغلق، فلم ير فيه أحدا فثبت ذلك عنده وتحقق، وانه إنما أخبر ذلك الحاسد، بما رآه من هذه المشاهد، وانه اجتمع به بعض من طرده الأستاذ، وجاء به إلى ذلك الحاسد واستعان به ولاذ، قال أن هذا الرجل شهد بما اقول، فبنو تلك الفضول، على مجرد هذا المقول، ثم إن الشيخ إسماعيل المذكور كتب بخطه إليهم كتابا تبرأ فيه مما نسبوه إليه وشافهنى فيه خطابا (وصورة ما كتبه) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى سلام على عباده الذين اصطفى (اما بعد) فيقول المفتقر إلى ربه الغنى
إسماعيل بن أحمد النقشبندى، الخالدى الزلزلوى عفى عنه، المجاور بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل التحية اشهد الله تعالى على ما في قلبي وخطي ولساني وكفى بالله شهيدا بأنى معتقد في شيخي ومرشدى حضرة مولانا ضياء الدين الشيخ خالد النقشبندى، ادام الله ظل فيوضاته واحسانه على رؤس الطالبين إلى يوم القيمة امين بأنه أعلم من رأيته واتقى واورع واكرم وازهد من في الأرض في هذا العصر واقومهم على الشريعة الغراء، والسنة النبوية الزهراء، والاخلاق الكريمة المحمدية العليا، وناهج مناهج جادة الطريقة العلية النقشبندية كثر الله تعالى اهاليها، وقدس اسرار مواليها، وممهد مسلك السلف الصالحين من العلماء والاولياء والاتقياء، وكذا اتباعه على هديه وسيرته الشريفة الطاهرة الاسنى، وكذلك اشهد الله تعالى واشهدكم بإنى متبرئ ممن توهم السحر أو الكفر والفسق أو البدعة فضلا عن الاعتقاد في حقه أو حق اتباعه الامجاد، والعياذ بالله تعالى من كل ذلك ومتبرئ ممن يعتقد فيه هذا الاعتقاد، في الدنيا والآخرة ويوم يقوم الاشهاد لاسيما من المنكر المطرود الذي اسمه عبد الوهاب نسأل الله تعالى أن يتوب عليه ويهديه إلى الصواب انتهى المقصود منه (فانظر) بعد هذا بعين الأنصاف، إلى ما ادعاه ذلك الزاعم من الاوصاف، التي تلقفها، من سفيف ذى الرأي "*" السفساف، المشهور بالعداوة والارجاف، وقد استشعر بأنه سيعترض عليه في ذلك، فأجاب عنه بما هو اظلم من الليل الحالك حيث قال، وعن الحق مال، فإن قيل أن بعض الشهود اعرض عن خالد المذكور، وتبرأ منه وحصلت العدواة بينهما فكيف تقبل شهادته على ساحريته وكافريته، قلنا الذي تحقق بل ثبت عند المسلمين والصلحاء المنصفين المتشرعين، بل عند الفقهاء العلماء المحققين العاملين، أن العداوة الثابتة بينهما ليست إلا كون خالد جنيا وكاهنا وساحرا وكافر أو من المعلوم القطعى عند أهل الحق أن هذه العدواة ليست الادينية فتقبل من عدو بسبب الدين لأنها من التدين كذا في الدر المختار وغيره، فإن قيل أن الشهادة لا تقبل بدون تقدم الدعوى، قلنا تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبولها لتوقفها على مطالبتهم بخلاف حقوق الله تعالى لوجوب إقامتها على كل أحد فكل أحد خصم فكأن الدعوى موجودة كذا في الدر المختار وغيره، فالحاصل أن البينة العادلة حجة شرعية قطعية بلا خلاف
_________
"*" سفيف كامير اسم لابليس والسفساف بالفتح الردى من كل شيء والامر الحقير قاموس.
أحد من أهل المذاهب الأربعة وإن الفتوى على أنه إذا أخذ الساحر والزنديق المعروف الداعى قبل توبته ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل كذا في الدر وغيره انتهى ما قاله في رسالته، المنبهة على تهوره وجهالته، حيث زعم أن هذه العداوة بينهما لكون المشهود عليه جنيا وكاهنا وساحرا وكافرا وإن هذا أمر تحقق وثبت عند المسلمين الصلحاء، والعلماء الفقهاء فانظر إلى هذا الكذب الصريح والاجتراء، والبهتان والافتراء، ولو كان له أدنى المام واذعان، لما ادعى ما يكذبه فيه المشاهدة والعيان ولكن من كان قصده الباس الحق بالباطل والصد عن سبيل الله لا يشعر بما تكلم به اوفاه، فإن هذا الداء قد حل المشركين والكفار على انكار معجزات الأنبياء الاخيار، حتى نسبوهم إلى السحر والجنون وانهم على الله يفترون، وليت شعرى، إن كان صادقا فيما ادعى من أن هذا أمر محقق ثابت عند المسلمين الصلحاء، بل عنده العلماء الفقهاء، لم (بكسر اللام وفتح الميم) توقف اولا عن التفحص من الشهود، وزكى نفسه بالتجنب عن سوء الظنون ليسود، وليصدق فيما يأتى به من الافتراء المردود، وايضا كيف قبل شهادة العدو المطرود، الذي طرده بين عامة الناس غير مجحود وهلا نسبه إلى التهمة حيث لم يشهد بذلك إلا بعد طرد استاذه له عن أبوابه، وحرصه بعد ذلك على العود إلى خدمة جنابه، واعتقاده فيه مدة سنين، بأنه امام العارفين، ومن خلص الموحدين، وقد كان بين يديه على ابلغ ما يكون من الخضوع، ولم يظهر منه هذا الطعن إلا بعد يأسه من الرجوع، فكيف تكون شهادته مقبولة، وهي بالزور والافتراء مشمولة، وقد قال العلامة ابن حجر في فتاويه الحديثية وكثير من النفوس التي يراد بها عدم التوفيق إذا رأت من استاذ شدة في التربية تنفر عنه وترميه بالقبائح والنقائص مما هو عنه برئ وليحذر الموفق من ذلك فإن النفس لا تريد إلا هلاك صاحبها فلا يطيعها في الاعتراض على شيخه وإن رآه على أدنى حال حيث امكنه أن يخرج افعاله على تأويل صحيح ومقصد مقبول شرعا ومن فتح باب التأويل للمشايخ واغضى عن احوالهم ووكل أمرهم إلى الله تعالى واعتنى بحال نفسه وجاهدها بحسب طاقته فإنه يرجى له الوصول إلى مقاصده والظفر بمراده في السر والعلانية في اسرع زمن ومن فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في افعالهم والبحث عنها فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته وانه لا يفلح انتهى، وتسميته هذه الشهادة عادلة، من جملة دعاويه الباطلة، ودعواه أن الشهادة العادلة قطعية بلا خلاف بين أهل المذاهب، من الجهل المركب الذي هو من أعظم المصائب
إذ لا شك أن الشهادة خبر والخبر الصادق إنما يفيد الظن دون القطع عند عامة العقلاء، إلا الخبر المتواتر وخبر المؤيد بالمعجزة من الأنبياء، كما بين في أول العقائد النسفية وغيرها من الكتب الكلامية والاصولية، وإذا كانت هذه الشهادة على الطرد والابعاد مبنية، فكيف تكون عادلة فضلا عن كونها قطعيه وايضا كيف تكون دينية، حتى تقبل بلا تقدم دعوى شرعية، فإن المرشد لا يطرد من المريدين، إلا من هو من اخوان الشياطين، وما زعمه من قبول هذه الشهادة بلا تقدم الدعوى لكونها ليست من حقوق العباد، ناشئ عن الجهل المركب أيضًا أو عن الافتراء في الاحكام الشرعية والعناد، فإن تكفير شخص معين من أعظم حقوق العباد التي لا بدلها من حكم شرعى لدى حاكم موفق ذى رأى وسداد وليت شعرى كيف يدعى ثبوت ما ذكر عنده ثبوتا شرعيا ويجعله امرا قطعيا وحكما مرعيا، مع أنه غير مأذون من قبل الإمام، أو أحد نوابه بسماع الاحكام، ولم يرض لنفسه ادعاء منصب الافتاء، حتى غصب منصب القضاء، وكيف وسعه الاقدام على الجزم بكفر من هو من اجل الموحدين، بمجرد أخبار بعض الفسقة المتمردين، أو بمجرد داء الحسد الذي يضنى الجسد، بل يفسد الدين، الم يسمع قوله تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} وما أخرجه ابن ماجه (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) والديلمى (الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل) الم يسمع ما أخرجه البخارى عن أنس وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال عن الله تبارك وتعالى "من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة" وما قاله بعض الأئمة اعلم يا أخى وفقك الله وايانا، وهداك سبيل الخير وهدانا أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصهم معلومة، ومن اطلق لسانه في العلماء بالثابت، بلاء الله قبل موته بموت القلب، فليحذر الذين يخالفون عن امره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، الم يسمع قوله تعالى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} وما أخرجه الشيخان عن أبي بكرة رضى الله تعالى عنه قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا الاشراك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس فقال إلا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، الم يسمع قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما أخرجه مسلم "إذا أكفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما"
وفي رواية (ايما رجل قال لاخيه كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال والا رجعت عليه) قال العلامة المحقق ابن حجر الهيثمي في كتابه الأعلام بقواطع الإسلام عن الروضة قال المتولى ولو قال لمسلم يا كافر بلا تأويل كفر لأنَّه سمى الإسلام كفرا ثم قال واعتمد ذلك المتأخرون كابن الرفعة والقمولى والنشائي والاسنوى والازرعى وأبي زرعة وصاحب الأنوار بل كثير منهم جزموا به من غير عزو ولم ينفرد المتولى بذلك بل سبقه إلى ذلك ووافقه عليه جمع من أكابر الاصحاب منهم الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني والحليمي والشيخ مصر المقدسي وكذا الغزالي وابن دقيق العيد، بل قضية كلام هؤلاء أنه لا فرق بين ان يؤول اولا انتهى (وقال) العلامة ابن الشحنه في شرحه على الوهبانية والمختار للفتوى في جنس هذه المسائل، أن القائل لمثل هذه المقالات إن أراد الشتم لا يعتقده كفرا لا يكفر وإن كان يعتقده كفرا فخاطبه بهذا بناء على اعتقاده أنه كافر يكفر لأنَّه لم اعتقد المسلم كافرا فقد اعتقد دين الإسلام كفرا ومن اعتقد دين الإسلام كفرا كفر والله تعالى أعلم (وفى البحر الرائق ويكفر بقوله لمسلم يا كافر عند البعض والمختار للفتوى أنه يكفر أن اعتقده كافرا لا أن أراد شتمه انتهى (فهذه) الآيات والاخبار، فيها للمتقي اعتبار، وما اقبح من اثر عليها الترهات، والتزويرات المفتريات، ومن أراد اطفاء نور أبى الله إلا أن يتمه، فقد اعمى الله بصيرته واصمه، ولم يزل هذا الإمام مبتلى بعداوة الحساد، على عادة السادة الامجاد، فيشيعون عنه الزور من الكلام، ويسعون به إلى الأمراء والحكام، فيتضاءلون عند الانام حقارة، ويزداد كوكبه إضاءة وانارة.
(شعر)
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
…
فالكل اعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها
…
حسدا وبغضا انه لدميم
وما اجدره أن ينشد بلسان قاله
…
مخبرا عن حقيقة حاله
(شعر)
سبقت العالمين إلى المعالى
…
بصائب فكرة وعلو همة
ولاح بحكمتي نور الهدى في
…
ليالي بالضلالة مدلهمة
يريد الجاهلون ليطفؤه
…
ويأبى الله إلا أن يتمه
ولا شك أنه لا يحسد إلا أهل الفضائل
…
ولا يسلم إلا ذوا الرذائل
ولذا قال القائل
لا مات خصادك بل خلدوا
…
حتى يروا منك الذي يكمد
ولا خلاك الدهور من حاسد
…
فإن خير الناس من يحسد
(فإن قلت) قد عرفنا مزيد فضل هذا الإمام، وكثرة الثناء عليه من عامة الانام، وإن من تكلم فيه بالنسبة إليهم اقل القليل، ولكن القاعدة التي عليها التعويل، بين اهلى التفريع والتأصيل، أن الجرح مقدم على التعديل (قلت) هذا في غير من اشتهرت عدالته، وظهرت ديانته، وفى غير من علم أن التكلم فيه ناشئ عن عداوة، أو جهالة وغباوة، فقد قال الحافظ الباجي الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فانا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة وإلا فلو فتحنا هذا الباب واخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من امام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون، قد عقد الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتاب العلم بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدأ فيه بحديث الزبير رضى الله تعالى عنه (دب إليكم داء الامم قبلكم الحسد والبغضاء) الحديث، وروى بسنده عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال اسمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايرا من التيوس في ذروبها وعن مالك بن دينار يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء الا قول بعضهم في بعض (وقال) الإمام المحقق الشيخ تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى بعد نقله لكثير من كلام الإمام ابن عبد البر محررا لهذه المسئلة أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بان مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء أو غير ذلك فنقول مثلا لا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذيب في مالك وابن معين في الشافعي والنسائى في أحمد بن صالح لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح منهم كالآتي بخير غريب لو صح لتوفرت الدواعى على نقله وكان القاطع قائما على كذبه فيما قاله ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك واليه أشار الرافعي بقوله وينبغي أن يكون المزكون برآء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفا من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق وقد وقع هذا لكثير من
الأئمة جرجوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب واطال الكلام في هذا المقام (فإن قلت) أن ما تقدم من تسليم حضور الجان في بعض مجالس هذا الأستاذ يقوى ما نسبه إليه اعداؤه من تسخير بعض الارواح الارضية له المعدود من السحر والموصل إلى دعوى علم الغيب قلت هذا مما لا يتوهمه عاقل، فضلا عن فاضل، بل ذلك كرامة عظيمة، ومنحة جسيمة، اكرمه الله تعالى ومنحه بها ليدل على حسن عقيدته، واستقامة طريقته، فإن حضور الجن بل الاجتماع بهم أمر جائز، والجن غير الشياطين، التي يدعى السحرة تسخيرها لهم وحضور الجن والاجتماع بهم ليس من هذا القبيل المسمى سحرا وليس ذلك من دعوى علم الغيب في شيء ولنشرح لك هذا المقام، تتميما للمرام، في أربعة فصول (الفصل الأول) في بيان حقيقة الكرامة، الثاني في بيان حقيقة الجن والفرق بينهم وبين الشياطين وجواز رؤيتهم والاجتماع بهم، الثالث في بيان السحر وأقسامه وأحكامه، الرابع في بيان دعوى علم الغيب، وتتبع ذلك بخاتمة مشتملة على نقل نبذة يسيرة عن بعض العلماء الأعلام، من معاصرى هذا الإمام، الذين شهدوا له بالفضل التام وبأنه من العلماء العاملين والأولياء الكرام (الفصل الأول) في كرامة الأولياء وتعريف الولى، قال المحقق التفتازاني في شرح المقاصد الولى هو العارف بالله تعالى وصفاته المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصى المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات وكرامته ظهور أمر خارق للعادة من قبله غير مقرون بدعوى النبوة وبهذا يمتاز عن المعجزة وبمقارنة الاعتقاد والعمل الصالح والتزام متابعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن الاستدراج وعن مؤكدات تكذيب الكذابين كما روى أن مسيلمة دعا لأعور أن تصير عينه العورا صحيحة فصارت عينه الصحيحة عورا ويسمى هذا إهانة وقد تظهر الخوارق من قبل عوام المسلمين تخلصا لهم من المحن والمكاره وتسمى معونة فلذا قالوا أن الخوارق أنواع أربعة معجزة وكرامة ومعونة واهانة وذهب جمهور المتكلمين إلى جواز كرامة الأولياء ومنعه أكثر المعتزلة والاستاذ أبو إسحاق يميل إلى قريب من مذاهبهم كذا قال إمام الحرمين ثم المجوزون ذهب بعضهم إلى امتناع كون الكرامة بقصد واختيار من الولى وبعضهم إلى امتناع كونها على قضية الدعوى حتى لو ادعى الولى الولاية واعتضد بخوارق العادات لم يجز ولم يقع بل ربما سقط عن مرتبة الولاية، وبعضهم إلى امتناع كونها من جنس ما وقع معجزة لنبي كانفلاق البحر وانقلاب العصى واحياء الموتى قالوا وبهذه الجهات تمتاز عن المعجزات، وقال الإمام هذه الطرق ليست سديدة والرضى عندنا تجويز جملة خوارق العادات
في معرض الكرامات وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوها عن دعوى النبوة حتى لو ادعى الولى النبوة صار عدوا الله تعالى لا يستحق الكرامة بل اللعنة والاهانة (ثم) ساق المحقق الادلة على جواز الكرامة وعلى وقوعها إلى ان قال وبالجملة فظهور كرامات الأولياء يكاد يلحق بظهور معجزة الانبياء وانكارها ليس بعجب من أهل البدع والاهواء. إذ لم يشاهدوا ذلك من انفسهم قط ولم يسمعوا به من رؤسائهم الذين يزعمون أنهم على شيء مع اجتهادهم في امر العبادات واجتناب السيئات * فوقعوا في اولياء الله تعالى أصحاب الكرامات "يمزقون اديمهم" ويمضغون لحومهم لا يسمونهم إلا باسم الجهلة المتصوفة، ولا يعدونهم في اعداد آحاد المبتدعة، ولم يعرفوا ان مبنى هذا الأمر على صفاء العقيدة، ونقاء السريرة. واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة. وإنما العجب من بعض فقهاء أهل السنة حيث قال فيما روى عن إبراهيم ابن ادهم انهم راوه بالبصرة يوم التروية وفى ذلك اليوم بمكة ان من اعتقد جواز ذلك يكفر. والإنصاف ما ذكره الامام النسفي حين (سئل) عما يحكى ان الكعبة تزور واحدا من الأولياء هل يجوز القول به (فقال) نقض العادة على سبيل الكرامة لاهل الولاية جائز عند أهل السنة انتهى (قال) العلامة ابن الشحنه قلت النسفى هذا هو الامام نجم الدين عمر مفتى الانس والجن رئيس الأولياء في عصره (وقد) نقل هذا عنه الامام ابن العلا في فتاواه ونقل فيها عن القاضي الامام صدر الإسلام أبي اليسر البزدوى في أصول التوحيد ان المشى من بخارى إلى مكة في ليلة واحدة من جملة الكرامات (ثم قال ابن الشحنه) وقال أبو الازد هرون ابن عبد الوهاب بن عبد الرحمن الاخيمي المصرى في كتابه المنقذ من الزلل وهو كتاب في أصول الدين اجاد فيه غاية الإجارة وبين مذهب أهل الحق احسن ابانة بعد ان ذكر الخلاف السابق والحق منع ما تحدى به نبي كاحياء الموتى وسورة من القرآن وانشقاق القمر والا خرج عن كونه دليلا وجواز (قوله وجواز عطف على منع) غيره كاشباع الخلق الكثير من الطعام القليل ولا التباس لان المعجزة تظهر على اثر دعوى الرسالة والولى لوادعى ذلك لكفر من ساعته ولم تبق كرامة فكيف تلتبس بالمعجزة انتهى. واطلق جمع من الشافعية الجواز وإن الفارق بين المعجزة والكرامة دعوى النبوة وعدمها (قلت) ويجب استثناء السورة من القرآن للقطع بعدم وجوده وبكفر مدعيه وعليه يحمل ما نقله ابن حجر في الفتاوى الحديثية عن امام الحرمين من جواز استوائهما فيما عدا التحدى ثم ذكر حكايات عن الأولياء من احياء الموتى وكلامهم معهم وانفلاق البحر وتسخير الماء وكلام الجمادات
والحيوانات لهم وطاعة الاشياء لهم حتى الجن وغير ذلك مما اشتهر وتواتر كما ذكره في الرسالة القشيرية (الفصل الثاني) في الجن والشياطين ورؤيتهم والاجتماع بهم قال في شرح المقاصد ظاهر الكتاب والسنة وهو قول أكثر الأمة ان الملائكة اجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات باشكال مختلفة كاملة في العلم والقدرة على الافعال الشافة شأنها الطاعات. ومسكنها السموات * هم رسل الله تعالى إلى انبيائه عليهم الصلاة والسلام وامناؤه على وحيه يسبحون الليل والنهار لا يفترون لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون* والجن اجسام لطيفة هوائية تتشكل باشكال مختلفة وتظهر منها افعال عجيبة منهم المؤمن والكافر والمطيع والعاصى والشياطين اجسام نارية شأنها القاء النفس في الفساد والغواية بتذكير اسباب المعاصى واللذات وانساء منافع الطاعات وما اشبه ذلك على ما قال تعالى حكاية عن الشيطان (وما كان لى عليهم من سلطان إلا ان دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا انفسكم) قبل تركيب الانواع الثلاثة من امتزاج العناصر الأربعة إلا ان الغالب على الشيطان عنصر النار وعلى الآخرين عنصر الهواء وذلك ان امتزاج العناصر قد لا يكون على القريب من الاعتدال بل على قدر صالح من غلبة أحدهما فإن كانت الغلبة للارضية يكون الممتزج مائلا إلى عنصر الأرض وإن كانت للمائية فالى الماء أو للهوائية فالى الهواء أو للنارية فالى النار لا يبرح ولا يفارق وليس لهذه الغلبة حد معين بل تختلف إلى مراتب بحسب أنواع الممتزجات التي تسكن هذا العنصر ولكون هذا الهواء والنار في غاية اللطافة والشفيف كانت الملائكة والجن والشياطين بحيث يدخلون المنافذ والمضايق حتى اجواف الاسنان (*) ولا يرون بحس البصر إلا إذا اكتسبوا،
(*) وفى معراج الدراية شرح الهداية اخر كتاب المفقود بعد ان ذكر حديث الذي اختطفه الجن في زمن عمر رضى الله تعالى عنه قال وفي هذا الحديث دليل لمذهب أهل السنة ان الجن يتسلطون على بنى ادم واهل الزيغ ينكرون ذلك على اختلاف بينهم فمنهم من يقول المنكر دخولهم في الادمى لان اجتماع روحين في جسد واحد لا يتحقق وقد يتصور تسلطهم على الادمى من غير ان يدخلوا فيه ومنهم من قال الجن اجسام لطيفة فلا يتصور أن يحملوا جسما كثيفا من موضع إلى موضع ولكنا أهل السنة تأخذ ما وردت به الآثار قال عليه الصلاة والسلام ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم وقال عليه الصلاة والسلام ان الشيطان يدخل في رأس الإنسان فيكون على قافية رأسه فتتبع الآثار ولا نشتغل بكفية ذلك انتهى. منه
من الممتزجات الآخر التي تغلب عليها الارضية والمائية جلابيب وغواش فيرون في ابدان كابدان الإنسان أو غيره من الحيوانات * والملائكة كثيرا ما تعاون الإنسان على أعمال يعجز هو عنها بقوته * كالغلبة على الاعداء والطيران في الهواء والمشى على الماء وتحفظه من كثير من الآفات واما الجن والشياطين فيخالطون بعض الأناسى ويعاونون على السحر والطلسمات والنيرنجات وما يشاكل ذلك انتهى وذكر قبله انه حكى مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء وارباب المكاشفات من الأولياء انتهى (قلت) ويدل على ذلك ما صرح به الفقهاء من الخلاف المشهور في صحة النكاح بين الجن والانس حيث صححه الشافعية ومنعه الحنفية لاشتراطهم في صحة النكاح اتحاد الجنس لكن نقل في القنية ان السائل عن ذلك يصفع لحماقته كما نقله في الاشباه والنظائر ثم قال وفي يتيمة الدهر في فتاوى أهل العصر (سئل) على ابن أحمد عن التزوج بامرأة مسلمة من الجن هل يجوز إذا تصور ذلك أم يختص الجواز بالآدميين (فقال) يصفع هذا السائل لحماقته وجهله (قلت) وهذا لا يدل على حماقة السائل وإن كان لا يتصور إلا ترى ان ابا الليث ذكر في فتاواه ان الكفار لو تترسوا بنبي من الأنبياء هل يرمى فقال يسأل ذلك النبي ولا يتصور ذلك بعد رسولنا صلى الله تعالى عليه وسلم ولكن اجاب على تقدير التصور وكذا هذا وسئل عنها أبو حامد فقال لا يجوز انتهى وروى المنع عن الحسن البصرى وقتادة والحاكم وابن قتيبة واسحق بن راهويه وعقبة الاصم وتمام ذلك في الاشباه والنظائر للعلامة ابن نجيم وذكر فيها ان الجماعة تنعقد بهم وانه إذا مر الجنى بين يدى المصلى يقاتل كما يقاتل الأنسى وانه لا يجوز قتل الجنى بغير حق كالانسى وانه لو وطئ الجنى الانسبة لاغسل عليها ما لم تنزل انتهى وظاهر الاطلاق عدم وجوب الغسل عليها وأن ظهر لها بصورة ادمى واولج الحشفة لانه وإن وجدت بينهما المجانسة الصورية لكن مع تحقق المباينة المعنوية لا يجب الغسل إلا بالإنزال كما في وطئ الميتة ولذا علل به بعضهم حرمة التناكح بينهما كذا حققه العلامة ابن امير حاج في شرحه على منية المصلى ثم قال ومذهب الشافعي وجوب الغسل عند تحقق الايلاج. واستبعاد وطئ الأنسى الجنية وعكسه مع التشكل في صورة بنى ادم بعيد. وقد اشتهر الوقوع ولا شك في إلا مكان انتهى. وافاد انه مع عدم التشكل غير ممكن لما علمت ان الجن اجسام لطيفة هوائية. ولعله محمل ما مر من ان السائل عنه يصفع وكذا يحمل عليه ما نقله في الطبقات الكبرى عن حرملة انه قال سمعت الامام الشافعي رحمه الله تعالى يقول من زعم من أهل العدالة انه يرى
الجن ابطلنا شهادته لقوله تعالى (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) إلا ان يكون الزاعم نبيا انتهى لكن هذا ينافى ما مر عن شرح المقاصد من حكاية مشاهدتهم عن كثير من العقلاء وارباب المكاشفات فإن المتبادر ان المراد المشاهدة بدون تشكل إلا ان يكون ذلك من باب الكرامة فإن ما صح ان يكون معجزة لنبي جاز ان يكون كرامة لولى على ما مر فيه من الكلام مبسوطا وكلام الامام الشافعي رضى الله تعالى عنه في غير أصحاب الكرامات عند عدم التشكل والا فلا وجه لمنع رؤيتهم لكل أحد عند التشكل. ولذا اختلفوا في قتل الحية البيضاء التي تمشى مستوية فقيل لا تقتل لأنها من الجان لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم اقتلوا ذا الطفيتين والابتر واياكم والحية البيضاء فانها من الجن وقال الطحاوى لا بأس بقتل الكل لانه صلى الله تعالى عليه وسلم عاهد الجن ان لا يدخلوا بيوت امته ولا يظهروا انفسهم فإذا خالفوا فقد نقضوا العهد فلا حرمة لهم وقد حصل في عهده صلى الله تعالى عليه وسلم وفيمن بعده الضرر بقتل بعض الحيات من الجن فالحق ان الحل ثابت ومع ذلك فالاولى الامساك عما فيه علامة الجان لا للحرمة بل لدفع الضرر التوهم من جهتهم وقيل ينذرها فيقول خلى طريق المسلمين أو ارجى بإذن الله تعالى فإن ابت قتلها كذا في فتح القدير للمحق ابن الهمام، وقد أطال تلميذه ابن امير حاج بذلك في شرحه على المنية ثم نقل عن شرح الجامع الصغير لصدر الإسلام قال والصحيح في الجواب ان يحتاط في قتل الحيات حتى لا يقتل جنيا فانهم يؤذونه اذى كثيرا بل إذ رأى حية وشك انه جنى يقول له خل طريق المسلمين ومر فإن مر تركه فإن واحدا من اخواني وهو اكبر سنامنى قتل حية كبيرة في دار لنا بسيف فضربه الجن حتى جعلوه زمنا فكان لا تتحرك رجلاه قريبا من شهر ثم عالجناه وداويناه بارضاء الجن حتى تركوه فزال ما به. وهذا مما عاينته بعيني انتهى. ومثله ما في تيسير الوصول إلى جامع الأصول عن أبي السايب قال دخلت على أبي سعيد فوجدته يصلى فجلست انتظره فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لاقتلها فأشار إلى ان اجلس فجلست فلما انصرف اشار إلى بيت في الدار فقال اترمى هذا البيت فقلت نعم فقال كان فيه فتى منا قريب عهد بعرس فخرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الخندق فكان الفتى يستأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بإنصاف النهار فيرجع إلى اهله فاستأذن يوما فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خذ سلاحك فانى اخشى عليك قريظه فأخذ الرجل سلاحه فأتى اهله فإذا امرأته بين البابين قائمة فاهوى إليها بالرمح ليطعنها به
واصابته غيرة فقالت لها كفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي اخرجنى فدخل البيت فإذا حية عظيمة منطوية على الفراش فاهوى إليها بالرمح فانتظمها به. ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما ندرى ايهما كان اسرع موتا الحية أو الفتى قال فجئنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فذكرنا ذلك له وقلنا ادع الله ان يحييه فقال استغفروا لصاحبكم ثم قال ان بالمدينة جنا قد اسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدالكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان أخرجه مسلم ومالك وأبو داود والترمذى * هذا وللعلامة ابن حجر الهيثمي كلام طويل في الجن ذكره في الفتاوى الحديثية ولنذكر نبذة منه قال. قال القاضي أبو يعلى الجن اجسام مؤلفة واشخاص ممثلة ويجوز كونها رقيقة وكثيفة خلافا لزعم المعتزلة رقتها ولذلك لا تراها وقال الباقلاني انما رآهم من رآهم لانهم اجسام مؤلفة وجئت واخرج ابن أبي الدنيا والحكيم الترمذى وأبو الشيخ وابن مردويه انه صلى الله تعالى عليه وسلم قال خلق الله الجن ثلاثة اصناف صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض وصنف كالريح في الهواء وصنف عليهم الحساب والعقاب قال السهيلي والصنف الثالث هو الذي لا يأكل ولا يشرب ان صح ان الجن لا تأكل ولا تشرب قال القاضي أبو يعلى ولا طريق للشياطين على النقل في الصور المختلفة وكذا الملائكة إلا بان يعلمه الله تعالى قولا أو فعلا إذا اتى به نقله من صورة إلى صورة أخرى لان تصويره لنفسه محال لان انتقالها من صورة إلى أخرى انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزاء وإذا انتقلت بطلت الحياة واستعمال وقوع الفعل من الجملة فكيف تنتقل وعلى هذا يحمل ما جاء ان إبليس تصور في صورة سراقة وجبريل تمثل في صورة دحية * ولما ذكر عند عمر الغيلاني قال ان أحد إلا يستطيع ان يتغير عن صورته التي خلقه الله عليها ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم من ذلك شيئا فاذنوا قال القاضي أبو يعلى الجن يأكلون ويشربون ويتناكحون كالانس وظاهر العمومات ان جميعهم كذلك وهو رأى قوم ثم قال بعضهم اكلهم وشربهم شم واستراح ولا مضغ وهذا لا دليل عليه. وقال الاكثر بل مضغ وبلع واخرج ابن جريج عن وهب انهم اجناس فأما خالصهم فمنهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ومنهم اجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون وهى هذه التي منها السعالى والغول واشباه ذلك * وصح عن ابن مسعود انه انطلق مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حتى إذا كان ابا على مكة فخط له خطا واجلسه فيه ثم افتح صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن فغشيه اسودة كثيرة حالوا بينهما حتى لم يسمع صوتة ثم تفرقوا عنه كقطع السحاب وفرغ صلى الله تعالى
عليه وسلم مع الفجر (واخرج) أبو نعيم عن إبراهيم النخعى ان نفرا من الجن قالوا انا خارجون إلى الحج وشقتنا بعيدة ونحن منطلقون فزودنا قال لكم الرجيع وما اتيتم من عظم فلكم عليه لحم وما اتيتم عليه من الروث فهو لكم ثمر فلما ولوا قلت من هؤلاء قال جن نصيبين (واخرج) مسلم وغيره ان الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله أي حقيقة وجله على المجاز رده ابن عبد البر بأنه لا معنى لصرفه عن حقيقته الممكنة (وصح) عن الأعمش انه قال تزوج اليناجني فقلت له ما احب الطعام اليكم قال الارز قال فاتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى احدا فقلت له افيكم من هذه الاهواء التي بيننا قال نعم قلت فما الرافضة فيكم قال شرنا وجاء عن قتادة وغيره وعن السدى ان فيهم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة وفي آثار واخبار أخرى ان مؤمنيهم يصلون ويصومون ويحجون ويطوفون ويقرؤن القرآن ويتعلمون العلوم ويأخذونها عن الانس وإن لم يشعروا بهم وكذا رواية الحديث (واخرج) الشيرازى ان سليمان عليه السلام اوثق شياطين في البحر وإذا كان سنة خمس وثلاثين ومائة خرجوا في صورة الناس فجالسوهم في المجالس والمساجد ونازعوهم القرآن والحديث واخرجه العقيلي وابن عدى بزيادة ان تسعة اعشارهم تذهب إلى العراق وعشرهم بالشام (واخرج) البخارى عن سفيان الثورى أخبره رجل انه كان يرى الجن كان رأى قاصا كان يقص في مسجد الخيف فتطلبه فإذا هو شيطان وجاءت اثار اخر بنحو ذلك وجاء من عدة طرق انه صلى الله تعالى عليه وسلم جئ إليه بمجنون فضرب ظهره وقال اخرج عدو الله فخرج وتفل في فم اخر وقال اخرج يا عدو الله فانى رسول الله. قال ابن تيمية وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك فليحذر (واخرج) جماعة ان ابن مسعود قرأ في اذن مصروع افحسبتم انما خلقناكم عبثا إلى اخر السورة فافاق ثم اخبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك فقال والذي نفسي بيده لو ان رجلا موقنا فرأها على جبل لزال انتهى ما في الفتاوى الحديثية ملخصا (وذكر) في موضع آخر عن شيخ الإسلام الحافظ العسقلاني في ابناء العمر عن الثورى الأنصاري المتوفى سنة إحدى وثمانمائة انه خرج عليه ثعبان مهول فقتله فاحتمل فورا من مكانه فأقام عند الجن إلى أن رفعوه لقاضيهم فادعى عليه ولى المقتول فأنكر فقال له القاضي على أي صورة كان المقتول فقال على صورة ثعبان فالتفت القاضي إلى من بجانبه فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول من تزيا بغير زيه فاقتلوه وامر القاضي
باطلاقه فرجعوا به إلى منزله انتهى ثم ذكر قصة نحوها (تنبيه) قد تحصل مما ذكرنا سابقا ولاحقا جواز رؤية الجن بعد التشكل لكل أحد وكذا بدون تشكل لمن شاء الله تعالى من عباده فضلا عن حضورهم في مجالس الذكر وسماع اصواتهم بل تصح رؤية الملائكة أيضا وارواح الانبيا فقد قال في الفتاوى الحديثية أيضا ذكر الغزالى وآخرون ان رؤية الملائكة ممكنة لأنها كرامة يكرم الله تعالى بها من يشاء من اوليائه وقد وقع ذلك الجماعة من الصحابة ولما رأى ابن عباس جبريل قال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لن يراه خلق الاعمى إلا ان يكون نبيا ولكن يكون ذلك آخر عمرك رواه الحاكم وكذلك رأته عائشة وزيد ابن ارقم وخلق لما جاء يسأل عن لا يمان ولم يعموا لان الظاهر ان المراد من رآه منفردا به كرامة له انتهى (وقال) في موضع آخر وقد سئل هل تمكن رؤية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في اليقظة فأجاب بقوله انكر ذلك جماعة وجوزه آخرون وهو الحق فقد اخبر بذلك من ولايتهم من الصالحين بل استدل حديث البخارى من رآنى في المنام فسيرانى في اليقطة أي بعينى رأسه وقيل بعينى قلبه واحتمال ارادة القيمة بعيد من لفظ اليقظة على انه لا فائدة في التقييد ح لان امته كلهم يرونه يوم القيمة من رآه في المنام ومن لم يره (و) في شرح ابن أبي جمرة للأحاديث التي انتقاها من البخارى ترجيح بقاء الحديث على عمومه في حياته صلى الله تعالى عليه ومماته ممن له اهلية الاتباع للسنة ولغيره قال ومن يدعى الخصوص بغير مخصص منه صلى الله تعالى عليه وسلم فقد تعسف ثم الزم المنكر ذلك بأنه غير مصدق بقوله الصادق وبانه جاهل بقدرة القادر وبانه منكر لكرامات الأولياء مع ثبوتها بدلائل السنة الواضحة ومراده بعموم ذلك وقوع رؤية اليقظة الموعود بها لمن رآه بالنوم ولو مرة واحدة تحقيقا لوعده الشريف الذي لا يخلف واكثر ما يقع ذلك للعامة قبل الموت عند الاختصار فلا تخرج روحه من جسده حتى يراه وفاء بوعده واما غيرهم فيحصل لهم ذلك قبل ذلك بقلة أو كثرة بحسب تأهلهم وتعلقهم واتباعهم للسنة إذ الاخلال بها مانع كبير (و) في صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه ان الملائكة كانت تسلم عليه اكر ماله لصبره على الم البواسير فلما كواها انقطع سلام الملائكة عنه فلما ترك الكى أي برئ كما في رواية صحيحة عاد سلامهم عليه وفى رواية البيهقى كانت الملائكة تصافحه فلما كوى تنحت عنه (و) في المنقذ من الضلالة لحجة الإسلام بعد مدح الصوفية وبيان أنهم خير الخلق حتى أنهم وهم بيقضتهم يشاهدن الملائكة وارواح الانبياء ويسمعون منهم
اصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى في الحال من مشاهدة الصور والامثال إلى درجات يضيق عنها نطاق الناطق (و) قال تلميذه الامام أبو بكر بن العربي المالكي ورؤية الأنبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن كرامة وللكافر عقوبة (و) في المدخل لابن الحاج رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم باب ضيق وقل من يقع له ذلك الامن كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزمان بل عدمت غالبا مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الاكابر الذين حفظهم الله تعالى في ظواهرهم وبواطنهم قال البازرى وقد سمع من جماعة من الأولياء في زماننا وقبله انهم رأوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقظة حيا بعد وفاته انتهى وتمام هذا البحث هناك مع بيان بعض من وقع له ذلك من الأولياء المكرمين رضى الله تعالى عنهم اجمعين (الفصل الثالث) في السحر واقسامه واحكامه قال في شرح المقاصد السحر امر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة اعمال مخصوصة يجرى فيها التعلم والتلمذ وبهذين الاعتبارين تفارق المعجزة والكرامة وبإنه لا يكون بحسب اقتراح المعترضين وبانه يختص بالازمنة أو الامكنة أو الشرائط وبانه يتصدى لمعارضته ويبذل الجهد في الإتيان بمثله وبإن صاحبه ربما يتعلق بالفسق ويتصف بالرجس في الظاهر والباطن والخزى في الدنيا والآخرة إلى غير ذلك من وجوه مفارقة (و) هو عند أهل الحق جائز عقلا
(1)
ثابت سمعا وكذا الإصابة بالعين وقالت المعتزلة بل هو مجرد اراءة ما لا حقيقة له بمنزلة الشعبذة التي سببها خفة حركات اليد واخفاء وجه الحيلة فيه انتهى (وفى) الفتاوى الحديثية واما الفرق بين الكرامة والسحر فهو ان الخارق الغير المقترن بتحدى النبوة أن ظهر على يد صالح وهو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق خلقه فهو الكرامة أو على يد من ليس كذلك فهو السحر والاستدراج قال امام الحرمين وليس ذلك مقتضى العقل ولكنه متلقى من اجماع العلماء انتهى. وتمييز الصالح المذكور من غيره بين لا خفاء فيه إذ ليست السيماء كالسيماء ولا الأدب كالاداب وغير الصالح لو لبس (بتشديد الباء الموحدة) ما عسى ان يلبس لابد ان يرشح من نتن فعله أو قوله ما يميزه عن الصالح * ومن ثمة ناظر صوفى برهميا وللبرهمية قوة تظهر لهم خوارق ازيد الرياضات فطار البرهمي في الجو فارتفعت إليه نعل ولم تضرب رأسه وتصفعه حتى وقع على الأرض منكسا على رأسه بين يدى الشيخ والناس ينظرون ثم ذكر عن جماعات من الأولياء نحو ذلك (واما) حكم السحر
(1)
قوله جائز عقلا المراد بالجائز الممكن منه.
فقد قال في الاعلام بقواطع الإسلام ومن المكفرات أيضا السحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها فإن خلى عن ذلك كان حراما لا كفرا فهو بمجرده لا يكون كفرا ما لم ينضم إليه مكفر. ومن ثم قال الماوردى مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه انه لا يكفر بالسحر ولا يجب به قتله ويسأل عنه فإن اعترف عنه بما يوجب كفره به كان كافرا بمعتقده لا بسحره * وكذا لو اعتقد اباحة السحر كان كافرا باعتقاده لا بسحره فيقتل ح بما انضم إلى السحر لا بالسحر هذا مذهبنا * واطلق مالك وجماعة سواء الكفر على الساحر وإن السحر كفر وإن الساحر يقتل ولا يستتاب سواء سحر مسلما أو ذميا كالزنديق. لكن قال بعض ائمة مذهبه والصواب ان لا يقضى بهذا حتى يتبين معقول السحر إذ هو يطلق على معان مختلفة، ومذهب أحمد في الساحر اقرب إلى مذهب مالك فيه انتهى. ثم قال وقالت الحنفية ان اعتقد ان الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر وإن اعتقد انه تخييل وتمويه لم يكفر وقالت الشافعية يصفه فإن وجد فيه كفرا كالتقرب للكواكب ويعتقد انها تفعل ما يلتمس منها فهو كفر وإن لم نجد فيه كفرا فإن اعتقد اباحته فهو كفر * قال الطرسوسي وهذا متفق عليه لان القرآن نطق بتحريمه انتهى (وقال) العلامة المحقق ابن الهمام في فتح القدير ويجب ان لا يعدل عن مذهب الشافعي في كفر الساحر وعدمه واما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر السعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد عمله إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره انتهى (وفى) مختارات النوازل لصاحب الهداية ساحر يسحر ويدعى الخلق من نفسه يكفر ويقتل لردته وساحر يسحر وهو جاحد لا يستتاب منه ويقتل إذا ثبت سحره دفعا للضرر عن الناس وساحر يسحر تجربة ولا يعتقد به لا يكفر والمراد من الساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا الذي يعتقد الإسلام والسحر في نفسه حق امر كائن إلا انه لا يصلح إلا للشر والضرر بالخلق والوسيلة إلى الشر شر فيصير مذموما انتهى (وقال) قاضي خان اتخذ لعبة ليفرق بين المرء وزوجه قالوا هو مرتد ويقتل إذا كان يعتقد لها اثر ويعتقد التفريق من اللعبة لانه كافر انتهى (والحاصل) ان نفس السحر ليس كفرا عند الحنفية كالشافعية بل لا يكفر صاحبه به ما لم يقترن بمكفر (و) لذا نقل في تبيين المحارم عن امام الهدى أبي منصور الماتريدي ان القول بان السحر كفر على الاطلاق خطأ ويجب البحث عن حقيقته فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الايمان فهو كفر والا فلا انتهى (نعم) يقتل حدا لاضراره بالناس كقطع الطريق وإن لم يعتقد ما يوجب
كفره فلو اقترن به ما يوجب كفره كاعتقاده التأثير بنفسه أو تأثير الكواكب أو الشياطين فإنه يكون كافرا فيقتل لاضراره وكفره لكن إذا تاب الساحر قبل ان يؤخذ تقبل ثوبته ولا يقتل وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل وكذا الزنديق المعروف الداعى والفتوى على هذا القول كما في البحر عن الفقيه أبي الليث (ثم) اعلم ان بعض ائمة الشافعية استشكل تكفير الساحر الذي يعتقد ان الكواكب تفعل ذلك أو ان الشياطين تقدره لا تقدرة الله تعالى بان هذا مذهب المعتزلة من استقلال الحيوانات بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء (و) منهم من اجاب بان الكواكب مظنة العبادة فإذا انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا (و) اعترض بان تأثير الحيوان بالضر والنفع في العادة مشاهدة واما كون المشترى أو زخل يوجب شقاوة أو سعادة فهو حزر وتخمين انتهى (اقول) الذي يظهر لى في الجواب عن هذا الاشكال هو انا انما لم نكفر المعتزلة بذلك لانهم بنوه على شبهة دليل وإن اخطأوا فيه فقالوا إن العبد يخلق افعاله تباعدا عن نسبة الشرور والقبائح إلى الله تعالى زعما منهم خلقها قبيح فقولهم بذلك زيادة في التنزيه والتوحيد على زعمهم وكذا بقية أهل الاهواء من أهل القبلة فإن المعتمد في مذاهب الأئمة عدم تكفيرهم لنحو ما قلنا ولذا انكر سيدنا على كرم الله وجهه على من كفر الخوارج بقوله من الكفر فروا (والحاصل) ان أهل الاهولاء انما قصدوا تصحيح عقيدتهم وتنزيه ربهم تعالى بما زعموه اما الساحر الذي يعتقد تأثير الافلاك والشياطين فهو طاعن في العقائد الإسلامية كلها منكر للتوحيد باثبات التأثير والايجاد والابداع لغير الله تعالى على قواعد الحكماء والفلاسفة والطبائعين ولو سلم انه لم يقصد ذلك فليس بانيا اعتقاده على دليل شرعى ليكون شبهة له تنفى تكفيره كما نفيت التكفير عن أهل الاهواء لانه غير ساع في تصحيح العقيدة والتنزيه بل هو كما تقدم ذو نفس شريرة خبيثة ساع في الاضرار والافساد والغالب انه ليس له في الإسلام اعتقاد فلذا اطلق العلماء القول بكفره وقتله والله ولى الإرشاد والتوفيق والسداد (تنبيه) قد علم ما قررنا ان السحر لا يلزم ان يكون كفرا ما لم يقترن بمكفر من قول أو فعل أو اعتقاد (و) في حاشية الإيضاح لبيري زاده قال الشمني تعلمه وتعليمه حرام اقول مقتضى الاطلاق ولو تعلم لدفع الضرر عن المسلمين (و) في شرح الزعفراني السحر حق عندنا وجوده وتصوره واثره وفي ذخيرة الناظر تعلمه فرض لرد ساحر أهل الحرب وحرام لفرق بين المرأة وزوجها وجائز
ليوفق بينهما انتهى كذا في شرح ابن عبد الرزاق على الدر المختار (اقول) وقد ذكرت في حاشيتي التي سميتها رد المختار على الدر المختار ان في الاخير نظرا لما ورد في الحديث من النهي عن الدولة بوزن عنبة وهي ما يفعل ليحب المرأة إلى زوجها وقد نص قاضي خان على حرمتها وعلله ابن وهبان بأنه ضرب من السحر قال ابن الشحنة ومقتضاه انه ليس مجرد كتابه آيات بل فيه شيء زائد انتهى (وفى) الزواجر عن اقتراف الكبائر ثم السحر على اقسام اولها سحر عبدة الكواكب وهم ثلاث فرق (الأولى) الذين يزعمون ان الافلاك والكواكب واجبة الوجود لذواتها وأنها غنية عن موجود ومدبر وهى المدبرة لعالم الكون والفساد وهم الصابئية الدهرية (والثانية) القائلون بآلهية الافلاك زاعمون انها هي المؤثرة الحوادث باستدارتها وتحركها فعبدوها وعظموها واتخذوا لكل واحد منها هيكلا مخصوصا وصنما معينا واشتغلوا بخدمتها وهذا دين عبدة الاصنام والأوثان (والثانية) اثبتوا لهذه النجوم والا فلاك فاعلا مختارا أوجدها بعد العدم إلا انه تعالى اعطاها قوة غالبة نافذة في هذا العالم وفوض تدبيره إليها (النوع الثاني) سحر أصحاب أهل الاوهام والنفوس القوية أي الذين يزعمون ان الإنسان تبالغ روحه بالتصفية في القوة والتأثير إلى حيث يقدر على الايجاد والاعدام والا حياء والامانة وتغيير البنية والشكل (الثالث) الاستعانة بالارواح الارضية أي المسمى بالعزائم وتسخير الجن (الرابع) التخيلات والاخذ بالعيون (الخامس) الاعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات على النسب الهندسية مثل صورة فرس في يده بوق إذا مضت ساعة من النهار صوت البوق من غير ان يمسه أحد (السادس) الاستعانة بخواص الادوية المبلدة والمزيلة للعقل ونحوها (السابع) تعليق القلب وهوان يدعى إنسان انه يعرف الاسم الاعظم وإن الجن تطيعه وينقادون له فإذا كان السامع ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد انه حق وتعلق قلبه بذلك وحصل في نفسه نوع من الرعب والخوف فحينئذ يتمكن الساحر من ان يفعل فيه ما شاء (و) انكر المعتزلة الانواع الثلاثة الأول قيل ولعلهم كفروا من قال بها وبوجودها (و) اما أهل السنة فجوزوا الكل وقدرة الساحر على ان يطير في الهواء وإن يقلب الإنسان جارا والحمار انسانا وغير ذلك من أنواع الشعوذة لا انهم قالوا ان الله تعالى هو الخالق لهذه الاشياء عند القاء الساحر كلماته المعينة ويدل على ذلك قوله تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) واختلف العلماء في الساحر هل يكفر اولا وليس من محل الخلاف
النوعان الاولان من أنواع السحر السبعة إذ لا نزاع في كفر اعتقد ان الكواكب مؤثرة لهذا العالم اوان الإنسان يصل بالتصفية إلى ان تصير نفسه مؤثرة في ايجاد جسم أو حياته أو تغيير شكل (و) أما النوع الثالث وهو ان يعتقد الساحر أنه بلغ في التصفية وقراءة الرقى وتدخين بعض الادوية إلى ان الجن تطيعه في تغيير البنية والشكل فالمعتزلة كفروه دون غيرهم (و) اما بقية انواعه فقال جماعة انها كفر مطلقا لان اليهود لما أضافوا السحر إلى سليمان صلى الله تعالى على نبينا وعليه وسلم قال تعالى تنزيها عنه (وما كفر سليمان ولكن الشياطن كفروا يعلمون الناس السحر) فظاهر هذا انهم كفروا بتعليمهم السحر لان ترتيب الحكم على الوصف المناسب يشعر بعليته وتعليم ما لا يكون كفرا لا يوجب الكفر وهذا يقتضى ان السحر على الاطلاق كفر (و) اجاب القائلون بعدم الكفر كالشافعى واصحابه بإن حكاية الحال يكفى في صدقها صورة واحدة فيحمل على سحر من اعتقد الاهية النجوم وايضا فلا نسلم ان ذلك فيه ترتيب حكم على وصنف يقتضى اشعاره بالعلية لان المعنى انهم كفروا وهم مع ذلك يعلمون السحر انتهى ما في الزواجر ملخصا (ثم) ذكره ان النوع الثالث وما بعده ان اعتقد ان فعله مباح قتل لكفر. لا تحليل المحرم المجمع على تحريمه المعلوم من الدين بالضرورة كفر وإن اعتقد انه حرام فعند الشافعي انه جناية وعند أبي حنيفة ان الساحر يقتل مطلقا لسعيه في الأرض بالفساد انتهى (وقد) ذكر هذه الاقسام العلامة المحقق المفتى أبو السعود افندى العمادي في تفسيره وفصل في النوع الثالث الذي خالف فيه المعتزلة تفصيلا حسنا وفق به بين القولين حيث قال ولعل التحقيق ان ذلك الإنسان ان كان خيرا (بتشديد الياء المثناه) متشرعا في كل ما يأتي ويذر وكان من يستعين به من الارواح الخيرة وكانت عزائمه ورقاه غير مخالفة للاحكام الشريفة الشرعية ولم يكن فيما ظهر بيده من الخوارق ضرر شرعى لاحد فليس ذلك من قبيل السحروإن كان شريرا غير متمسك بالشريعة الشريفة فظاهر ان من يستعين به من الارواح الخبيثة الشريرة لا محالة ضرورة امتناع تحقق التضام والتعاون بينهما من غير اشتراك في الخبث والشرارة فيكون كافرا قطعا انتهى (والحاصل) ان السحر حرام مطلقا بأنواعه وإن القول بأنه كفر مطلقا خطأ ما لم يتضمن اعتقادا مكفرا كما مر عن امام الهدى الماتريدى وعن فتح القدير وغيره (و) مثله ما قاله الامام القرافي من الأئمة المالكية ان السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشرعية ان نكفرهم بها لجمع عقاقير يجعلونها
في الانهار والابار أو في قبور الموتى أو في باب يفتح إلى الشرق ويعتقدون ان الآثار تحدث عن تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم فلا يمكننا نكفرهم بذلك لانهم جربوا ذلك فوجدوه لا يحرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فكان ذلك كاعتقاد الاطبا عند شرب الادوية وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب واما اعتقادهم ان الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ لأنها لا تفعل ذلك وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد والذي لا مرية في انه كفر اعتقاد ان الكواكب مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصابئة وهو كفر صراح انتهى ملخصا (تنبيه) قد ظهر لك بما قررناه. ونقلناه عن الأئمة وحررناه بطلان ما زعمه ذلك الحاسد المعاند من اطلاقه القول بتكفير الساحر وجزمه بإن تسخير الجن والعفاريت موجب للكفر فانك قد علمت من كلام امام الهدى وغيره ان تكفير الساحر مطلقا خطأ ما لم يكن فيه رد لما لزم في شرط الايمان وح فإذا ثبت على شخص ادعاؤه تسخير الجن يسأل عن حقيقته فإن فسر ذلك بما فيه كفر من قول أو فعل أو اعتقاد تحكم بكفره والا فلا يكون كافرا إلا على قول المعتزلة كما علمته من كلام الزواجر في بيان حكم النوع الثالث من الانواع السبعة وعلمت التوفيق ومثل هذا يقال في دعوى ربط الجان والعفاريت وقتلهم فإنه ليس بكفر ما لم يقترن بمكفر وقد مر في كلام الاشباه والنظائر انه لا يجوز قتل الجنى بغير حق كالأنسي وهذا صريح في انه يمكن قتل الجنى وإن قتله بحق جائز شرعا فقول ذلك الحاسد ان ذلك موجب للكفر بلا مرية. هو كذب وفرية لانه لا يكون كفرا ما لم يقترن بمكفر كما قررناه ومن الخطأ أيضا قوله ان ذلك متضمن لا دعاء ما هو خاص بنبي الله سليمان عليه السلام للآية وفيه ادعاء الاستعلاء على الانبياء عليهم الصلاة والسلام لاسيما نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قال (ان عفريتا من الجن نقلت على البارحة ليقطع على الصلاة فامكننى الله تعالى منه فأخذته فأردت ان اربطه على سارية من سوارى المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة اخى سليمان (رب هب لى ملكا لا ينبغي لاحد من بعدى) فرددته خاسئا) متفق عليه كذا في المشكاة قال في الفتح وفيه إشارة إلى انه صلى الله تعالى عليه وسلم يقدر على ذلك إلا انه تركه رعاية لسليمان عليه السلام ويحتمل ان تكون خصوصية سليمان استخدام الجن في جميع ما يريده لا في هذا القدر فقط
انتهى فإنه على الاحتمال الاخير لا يكون ربط العفريت خاصا بسليمان عليه السلام وإنما تركه صلى الله تعالى عليه وسلم تأدبا مع سليمان عليه السلام لكونه من جنس معجزته المختصه به من تسخير الشياطين له فيما يشاء وارادته عليه الصلاة والسلام أو لا لربطه ثم عدوله عن ذلك دليل على ان ذلك ممكن وانه غير مكفر وحاشاه صلى الله تعالى عليه وسلم ان يهم (بتشديد الميم) بما فيه كفر ولو نسيانا بل من اعتقد فيه ذلك فهو كافر فقول هذا الحاسد المعاند ان ادعاء ذلك مستلزم لإنكار النص الموجب للفكر اتفاقا كلام باطل يخشى عليه من الوقوع في الكفر لاستلزامه الطعن في جناب نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم نعوذ بالله من علم لا ينفع ومن حسد يعمى ويصم حتى يوقع صاحبه في مثل هذا المهيع على ان الآية فيها احتمالات ذكرها المفسرون ففى تفسير القاضي والمفتى قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغي لاحد من بعدى لا يتسهل له ولا يكون ليكون معجزة لى مناسبة لحالى أو لا ينبغي لاحد ان يسلبه منى بعد هذه السلبة اولا يصح لاحد من بعدى لعظمته كقولك لفلان ما ليس لاحد من الفضل والمال على ارادة وصف الملك بالعظمة لا ان لا يعطى أحد مثله فيكون منافسة انتهى زاد المفتى أبو السعود وقيل كان ملكا عظيما فخاف ان يعطى مثله أحد فلا يحافظ على حدود الله تعالى انتهى فقول من بعدى على الوجه الثاني بمعنى غيرى ممن هو في عصرى فإن سليمان عليه السلام قد كان سلب منه ملكه مرة فإنه كان ملكه في خاتمه وكانت له أم ولد اسمها امينه وكان إذا دخل عليها للطهارة اعطاها الخاتم فاعطاها يوما فتمثل لها بصورته شيطان اسمه صحر واخذ الخاتم فتختم به وجلس على كرسيه فاجتمع عليه الخلق ونقذ حكمه في كل شئ إلا فيه وفى نسائه إلى آخر القصة فمعنى الآية على هذا الوجه الدعاء بعدم سلب ملكه عنه في حياته بعد هذه السلبة ولا يخفى انه على هذا لا يمتنع وقوع مثله لغيره بعده وكذا على الوجه الثالث وهو قوله أو لا يصح لاحد من بعدى لعظمته فإن قوله من بعدى بمعنى غيرى أيضا ولكنه مطلق لا يختص بعصره وهو كناية عن عظمته سواء كان لغيره أم لا فإن الكناية لا تنافى ارادة الحقيقة وعدمها ومثله لفلان ما ليس لاحد من كذا وربما كان في الناس امثاله إذ المراد ان له حظا عظيما وسهما جسيما كما اوضحه في الكشاف ومعنى الآية على هذا الوجه الدعاء بان يهب له ملكا عظيما لا ان لا يعطى أحد مثله حتى يكون منافسة في الدنيا أي بخلا وتقديما لنفسه على من سواه شرها على الدنيا كما طعن به بعض الملحدين على سليمان عليه السلام (و)
الوجه الرابع الذي زاده المفتى أبو السعود هو بمعنى الوجه الأول والفرق بينهما هو أنه على الأول انما طلب ان لا يسهل لغيره مطلقا لانه انما كان من بيت النبوة والملك وكان زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك ومعجزة كل نبي من جنس ما اشتهر في عصره كما غلب في عهد الكليم السحر فجاءهم بتلقف ما اتوا به وفى عهد المسيح الحكمة والطب فجاءهم باحياء الموتى وفى عهد خاتم الرسل صلى الله تعالى عليه وسلم الفصاحة فجاءهم بما عجزهم عن معارضة اقصر سوره فطلب سليمان ذلك لاعجاز أهل عصره ليطيعوه إلى دعوة الإيمان لا طلبا للمفاخرة بأمور الدنيا كما زعمه بعض الملحدين وعلى الوجه الرابع انما طلب عدم تسهله لغيره من عدم محافظته على حدوده لكن على هذا الوجه يتعين كون المراد من قوله من بعدى لغيرى في حياته وبعد موتى اما على الوجه الأول فلا لان اعجاز أهل عصره لا ينافي تسهل مثله لمن بعد موته نعم إذا لم يتسهل من بعد موته يكون ابلغ في الاعجاز كما في اعجاز القرآن، هذا ما ظهر لى (ثم) لا يخفى ان ملك سليمان عليه السلام الذي طلبه لم يكن خصوص ربط العفاريت بل ذلك من بعض جزئياته المشار إليه بقوله تعالى (وآخرين مقرنين في الاصفاد) ولا شك ان تصرفه في الجن والشياطين بما أراد لم يقع لغيره. واما تسخير بعض امور خاصة فهو امر ممكن ليس فيه مشاركة لسليمان عليه السلام في ملكه الذي هو اعم واشمل من ذلك بيقين ولذا أخذ نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك العفريت كما قال فامكننى الله تعالى منه فأخذته فإن اخذه له تصرف في الجن بنوع ما فلو كان ذلك مشاكة لسليمان لما اخذه. واما قوله فأردت ان اربطه الخ ففيه دليل على انه كان قادرا على ذلك كما قدمناه وانه امر ممكن جائز ولكن تركه تأديا لدعوة سليمان عليه السلام كما قال عليه الصلاة والسلام لا تفضلونى على يونس بن متى مع انه صلى الله تعالى عليه وسلم افضل الخلائق اجمعين ولو كان ذلك منازعة لسليمان في ملكه المختص به لما قصده صلى الله تعالى عليه وسلم فعلم ان وقوع ذلك جائز لا ينافي الاختصاص ما هو اعم منه إلا ترى ان حضرة مولانا السلطان اعزه الله تعالى قد اختص ما خصه الله تعالى من الملك العظيم والتصرف التام في مملكته ومع هذا لا ينافى وقوع التصرف لبعض رعيته في بعض ما حولهم الله تعالى لانهم وإن كان لهم قدرة التصرف في شيء من ذلك لكن تصرف حضرة السلطان اعم واشمل فلا ينافي اختصاصه بالتصرف في الكل. وح فلا منافاة بين ما في الآية والحديث (وقد) ظهر لك بما قررناه وحررناه ان الآية
لا تقتضى انه لا يمكن لاحد ان يتصرف نوع تصرف في الجان وإن من قال ان اعتقاد الجواز كفر فهو مفتر على الشرع المصان بل لو ادعى مدع ان له في الجان التصرف التام كتصرف سليمان عليه السلام. لم يجز الجزم بكفره لما علمت من ان الآية ليست نصا في اختصاص سليمان عليه السلام بذلك لما علمت من الاوجه الأربعة في تفسيرها بل يسأل عن وجه تصرفه فإن كان فيه مكفر من قول أو عمل أو اعتقاد فهو كافر بذلك والا فلا فإن ذلك قد يكون كرامة له فإن ما ساغ ان يكون معجزة لنبي ساغ كونه كرامة اولى كما قدمناه. وانظر إلى ما حكى عن الأولياء من وقائعهم مع الجن تعلم صدق ما قلنا وانظر إلى ما في بهجة القطب الرباني والهيكل الصمداني سيدى عبد (القادر الكيلاني) من انقياد الجن والطاعة ملكهم له ومن مقاتلته لعفاريتهم وشياطينهم وحرقه لهم فاز فيها ما يكفى. ومن ذلك حكاية الذي اختطفت بنته فأمره ان يذهب إلى مكان كذا ويخط دائرة في الأرض يجلس فيها ففعل فرآهم يعبرون زمرا زمرا إلى ان جاء ملكهم راكبا فرسا وبين يديه امم منهم فوقف بازاء الدائرة وقال يا أنس ما حاجتك فقال بعثنى الشيخ عبد القادر إليك فنزل من على فرسه وقبل الأرض وجلس خارج الدائرة وسأله فذكر له قصة بنته فسألهم عمن اخذها فأتى بمارد من مردة الصين وهى معه فضرب عنق المارد واخذ ابنته ثم قال اما رأيت كالليلة في امتثالك امر الشيخ قال نعم انه لينظر من داره إلى المردة منا وهم باقصى الأرض فيفرون من هيبته إلى مساكنهم وإن الله تعالى إذا أقام قطبا مكنه من الجن والانس انتهى (فإن قلت) قد مر ان من أنواع السحر ان يعتقد انه بلغ في التصفية وقراة الرقى وتدخين بعض الادوية إلى ان الجن تطيعه في تغيير البنية والشكل وإن المعتزلة قالوا بكفره وغيرهم وإن لم يقل بكفره يقول ان ذلك حرام وانه يكفر مستحله وما كان مترددا بين كونه حراما أو كفرا كيف يجوز وقوعه من احاد المؤمنين فضلا عن الأولياء (قلت) لا شك ان كلا من المعجزة والكرامة والسحر امور خارقة للعادة وإنما الفرق بينها من حيث النسبة إلى من ظهرت على يديه فإن ظهر ذلك الخارق ممن هو افضل الناس نشأة وشرفا وخلقا وخلقا وصدقا وادبا وامانة وزهادة واشفاقا ورفقا وبعدا عن الدناءة والكذب والتمويه وكان له أصحاب في غاية العلم والديانة كان ذلك الخارق معجزة مصدقة لدعواه وإن ظهر على يدى متبع لنبي مقتف لهديه مواظب على الطاعات معرض عن المخالفات يدعو إلى تصحيح العقائد وإقامة الشريعة والاذكار والعبادات كان ذلك الخارق كرامة له اكرمه الله تعالى بها لا بقرأة رقى ولا بتدخين وإن ظهر على يدى
ذى نفس شريرة خبيثة كان سحرا وهذا فرق باعتبار الظاهر وثم فرق باعتبار الباطن ونفس الأمر وهو ان السحر كالسيميا والهيميا يكون بخواص ارضية أو سماوية وكالطلسمات يكون بنقش أسماء خاصة لها تعلق بالافلاك والكواكب على زعمهم وكالعزائم والاستخدامات يكون بتلاوة أسماء خاصة تعظمها ملوك الجان مع بتخيرات وهيئات معلومة غالبها مكفرة وكل ذلك اسباب عادية جرت عادة الله تعالى بترتب مسبباتها عليها لكنها خفية لم تظهر إلا لقليل من الناس فهي في الحقيقة ليس فيها شيء خارق للعادة إلا من حيث الظاهر اما في نفس الأمر فلا لارتباطها بأسبابها الخفية كالحشائش التي يعمل منها النفط التي تحرق الحصون وكالدهن الذي من ادهن به لم يقطع فيه حديد ولا تؤثر فيه النار ونحو ذلك بخلاف المعجزة والكرامة فإنه ليس في الحشائش والادهان وغيرها ما يقدر فيه الإنسان على قطع المسافة البعيدة في زمن يسير أو على المشى على وجه الماء أو على احياء الموتى وفلق البحر ونحو ذلك مما هو معجزة أو كرامة تظهر بمجرد خلق الله تعالى بلا استعمال اسباب معدة لذلك وقدمنا اول هذا الفصل عن شرح المقاصد وجوها آخر فارقة بين السحر وغيره وكذا حكاية الصوفى مع البرهمي واما إذا ظهر ذلك الخارق على يد أحد من عوام المؤمنين فإنه يسمى معونة كما مر في الفصل الأول (فإذا علمت) ذلك ظهر لك ان ما نسبه هذا الحاسد إلى حضرة مولانا خالد كرامة له عظيمة ومنحة جسيمة اشاعها عنه الحاسد بلسانه لمن لا يعلمها ولو عقل لكان يسترها ويكتمها ولله در القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة
…
طويت اناح لها لسان حسود
فإن مما لا يشك فيه عاقل ولا يجحده إلا المعاند الجاهل ان حضرة مولانا خالد قد ارغم الله به انف الحاسد حيث حاز اسنى المقامات في اتباع الشريعة ووصل إلى اعلا منازلها الرفيعة وشهد بذلك طلعته الوسيمه وعقيدته السليمه ودأبه على ارشاد العباد ورسوخ حبه في قلوب عامة أهل البلاد واستقامة أحوال خلفائه ومريديه وخذلان اعدائه وحاسديه وهذا اعدل شاهد عند ذوى المقامات على انه من أهل الكرامات وإن كان هو لا يدعى ذلك تواضعا. ويراه من نفسه ممتنعا. فقد سمعته مرة يقول اعوذ بالله ان اكون ممن يدعى الكرامات. بل انا من كلاب السادات ذوى المقامات. وهذا مقام ذوى العرفان من أهل الشهود والإحسان كلما علا مقام احدهم وارتفع خفض نفسه واتضع ثم الله سبحانه يرفعه ويؤيده ويشتت شمل عدوه ويبدده
(الفصل الرابع) في دعوى علم الغيب ذكر الحنفية في عدة من كتبهم ان من ادعى لنفسه علم الغيب كفر وفي الفتاوى الخانية سمع صوت هامة فقال يموت واحد قبل يكفر وقيل لا يكفر لان هذا انما يقال على وجه التفاؤل وكذا لو خرج إلى السفر فصاح العقعق فرجع فهو على هذا الخلاف أيضا انتهى (و) صرح صاحب الهداية في مختارات النوازل في مسئلة الهامة بان الصحيح انه لا يكفر (و) في البزازية من قال اعلم الاشياء المسروقة يكفر وكذا لو قال اخبر باخبار الجن يكفر أيضا لان الجن كالانس لا يعلمون الغيب ومن صدقه كفر لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من أتى كاهنا فصدقه فيما قاله فقد كفر بما انزل على محمد (و) ذكر في جامع الفصولين مسئلة بالفارسية حاصلها فيما لو تزوجها بلا شهود وقال ان الله ورسوله أو الملك يشهدان انه يكفر لانه اعتقد ان الرسول أو الملك يعلم الغيب ثم استشكل ذلك بما اخبر به صلى الله تعالى عليه وسلم من المغيبات وكذا ما اخبر به عمر وغيره من السلف ثم اجاب بأنه يمكن التوفيق بان المنفى هو العلم بالاستقلال لا العلم بالاعلام أو المنفى هو المجزوم لا المظنون ويؤيده قوله تعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها) الآية لانه غيب أخبر به الملائكة ظنا منهم أو باعلام فينبغي ان يكفر لو ادعاء مستقلا لا لو اخبر به باعلام في نومه أو يقظته في نوع من الكشف اذلا منافاة بينه وبين الآية لما مر من التوفيق والله تعالى اعلم انتهى (و) قال في الاعلام قال الرافعي عنهم أي ناقلا عن الأئمة الحنفية ولو قرأ القرآن على ضرب الدف أو القضيب أو قيل له اتعلم الغيب فقال نعم فهو كفر واختلفوا فيمن خرج لسفر فصاح العقيق فرجع هل يكفر انتهى كلام الرافعى زاد في الروضة قلت الصواب أنه لا يكفر في المسائل الثلاثة واعترض تصويبه في الثانية لتضمن قوله نعم تكذيب النص وهو قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) وقوله عز وجل (عالم الغيب) فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول ولم يستثن الله تعالى غير الرسول ويجاب بان قوله ذلك لا ينافي النص ولا يتضمن تكذيبه لصدقه بكونه يعلم الغيب في قضية وهذا ليس خاصا بالرسل بل يمكن وجوده لغيرهم من الصديقين فالخواص يجوز ان يعلموا الغيب في قضية أو قضايا كما وقع لكثير منهم واشتهر والذي اختص تعالى به انما هو علم الجميع وعلم مفاتح الغيب المشار إليها بقوله تعالى (ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) الآية وينتج من هذا التقرير ان من ادعى علم الغيب في قضية أو قضايا لا يكفر وهو محل ما في الروضة ومن ادعى علمه في سائر القضايا كفر وهو محل ما في اصلها إلا ان عبارته
لما كانت مطلقة تشمل هذا وغيره ساغ للنووى الاعتراض عليه فإن اطلق فلم يرد شيئًا فالوجه ما اقتضاه كلام النووى من عدم الكفر، ثم رأيت الاذرعى قال والظاهر عدم كفره عند الاطلاق انتهى (وسئل) في الفتاوى الحيثية عمن قال ان المؤمن يعلم الغيب هل يكفر للآيتين أو يستفصل لجواز العلم بجزئيات من الغيب (فأجاب) بقوله لا يطلق القول بكفره لاحتمال كلامه ومن تكلم بما يحتمل الكفر وغيره وجب استفصاله كما في الروضة وغيرها ومن ثم قال الرافعى ينبغى إذا نقل عن أحد لفظ ظاهره الكفر ان يتأمل ويمعن النظر فيه فإن احتمل ما يخرج اللفظ عن ظاهره من ارادة تخصيص أو مجاز أو نحوهما سئل اللافظ عن مراده وإن كان الأصل في الكلام الحقيقة والعموم وعدم الاضمار لان الضرورة ماسة إلى الاحتياط في هذا الأمر واللفظ محتمل فإن ذكر ما ينفى عنه الكفر مما يحتمله اللفظ ترك وإن لم يحتمل اللفظ خلاف ظاهره أو ذكر غير ما يحتمل أو لم يذكر شيئًا استتيب فإن تاب قبلت توبته والا فإن كان مدلول اللفظ كفرا يجمعا عليه حكم بردته فيقتل ان لم يتب وإن كان في محل الخلاف نظر في الراجح من الادلة ان تأهل والا أخذ بالراجح عند أكثر المحققين من أهل النظر فإن تعادل الخلاف أخذ بالاحوط وهو عدم التكفير بل الذي اميل إليه إذا اختلف بالتكفير وقف حاله وترك الأمر فيه إلى الله تعالى انتهى كلام الرافعى وقوله وإن كان في محل الخلاف الخ محله في غير قاض مقلد رفع إليه امره والا لزمه الحكم بما يقتضيه مذهبه ان انحصر الأمر فيه سواء وافق الاحتياط أم لا وما اشار إليه الرافعى من الاحتياط في اراقة الدماء ما امكن وجيه فقد قال حجة الإسلام الغزالي ترك قتل الف نفس استحقوا القتل أهون من سفك محجم من دم مسلم بغير حق ومتى استفصل فقال اردت بقولى المؤمن يعلم الغيب ان بعض الأولياء قد يعلمه الله ببعض المغيبات قبل منه ذلك لانه جائز عقلا وواقع نقلا إذ هو من جملة الكرامات الخارجة عن الحضر على ممر الاعصار فبعضهم يعلمه بخطاب. وبعضهم يعلمه بكشف حجاب وبعضهم يكشف له عن اللوح المحفوظ حتى يراه ويكفى بذلك ما اخبر به القرآن عن الخضر بناء على انه ولى وهو ما نقل عن جمهور العلماء وجميع العارفين وإن كان الاصح انه نبي وما جاء عن أبي بكر الصديق رضى الله تعالى عنه انه اخبر عن حمل امرأة انه ذكر وكان كذلك وعن عمر رضى الله تعالى عنه انه كشف له عن سارية وجيشه وهم بالعجم فقال على منبر المدينة وهو يخطب يوم الجمعة يا سارية الجبل يحذره الكمين الذي أراد استئصال المسلمين وما صح عنه صلى الله تعالى
عليه وسلم انه قال في حق عمر رضى الله تعالى عنه انه من المحدثين الملهمين، وفى رسالة القشيرى وعوارف السهر وردى وغيرهما من كتب القوم وغيرهم ما لا يحصى من القضايا التي فيها أخبار الأولياء بالغيبات ثم ذكر جملة من ذلك، إلى ان قال ولا ينافي الآيتان المذكورتان في السؤال لان علم الانبياء والأولياء انما هو باعلام من الله تعالى لهم وعلينا بذلك انما هو باعلامهم لنا وهذا غير علم الله تعالى الذي تفرد به وهو صفة من صفاته القديمة الازلية الدائمة الابدية المنزهة عن التغيير وسمات الحدوث والنقص المشاركة والانقسام بل هو علم واحد علم به جميع المعلومات كلياتها وجزئياتها ما كان منها وما يكون ليس بضرورى ولا كسبى ولا حادث بخلاف علم سائر الخلق. إذا تقرر ذلك فعلم الله تعالى المذكور هو الذي تمدح به واخبر في الآيتين المذكورتين بأنه لا يشاركه فيه أحد فلا يعلم الغيب إلا هو وما سواه ان علموا جزئيات منه فهو باعلامه واطلاعه لهم وح لا يطلق أنهم يعلمون الغيب إذ لا صفة لهم يقتدرون بها على الاستقلال بعلمه وايضاهم ما علموا وإنما علموا وايضا ما علموا غيبا مطلقا لان من اعلم بشيء منه يشاركه فيه الملائكة ونظراؤه ممن اطلع ثم اعلام الله تعالى الانبياء والأولياء ببعض الغيوب ممن لا يستلزم محالا بوجه فانكار وقوعه عناد ومن البداهة انه لا يؤدى إلى مشاركتهم له تعالى فيما تفرد به من العلم الذي تمدح به واتصف به في الأزل وما لا يزال وما ذكرناه في الآية صرح به النووى رحمه الله تعالى في فتاواه فقال معناها لا يعلم ذلك استقلالا وعلم احاطة بكل المعلومات إلا الله واما المعجزات والكرامات فبأعلام الله تعالى لهم علمت وكذا ما علم باجراء العادة انتهى (قلت) ومثل هذا ما ذكره العلامة المفتى أبو السعود افندي في تفسير قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا حيث قال والفاء لترتيب عدم الاظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب على الاطلاق أي فلا يطلع على غيبه اطلاعا كاملا ينكشف به جلية الحال انكشافا تاما موجبا لعين اليقين احدا من خلقه إلا من ارتضى من رسول أي إلا رسولا ارتضاه لاظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقهما اما لكونه من مبادى رسالته بان يكون معجزة دالة على صحتها واما لكونه من اركانها واحكامها كعامة التكاليف الشرعية التي امر بها المكلفون وكيفيات اعمالهم واجزئتها المترتبة عليها في الآخرة وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي بيانها من وظائف الرسالة واما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها وقت قيام الساعة فلا يظهر عليه احدا ابدا على ان بيان وقته محل بالحكمة التشريعية التي يدور عليها
فلك الرسالة وليس فيه ما يدل على نفى كرامات الأولياء المتعلقة بالكشف فإن اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل لا يستلزم عدم حصول مرتبة من تلك المراتب لغيرهم اصلا ولا يدعى أحد من الأولياء ما في رتبة الرسل عليهم السلام من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح انتهى (وحاصله) ان الله سبحانه وتعالى متفرد بعلم الغيب المطلق المتعلق بجميع المعلومات وانه انما يطلع رسله على بعض غيوبه المتعلقة بالرسالة اطلاعا جليا واضحا لا شك فيه بالوحى الصريح ولا ينافى ذلك ان يطلع بعض اوليائه على بعض ذلك اطلاعا دونه في الرتبة فمن ادعى علم بعض الحوادث الغائبة بوحى من اهله أو يكشف من ذوى الكرامات فهو صادق ودعواه جائزة لان اختص به تعالى هو الغيب المطلق على ان ما يدعيه العبد ليس غيبا حقيقة لأنه انما يكون باعلام من الله تعالى كما مر (و) كذا لو ادعاء أحد من آحاد الناس مستندا في ذلك إلى امارة نصبها تعالى على ذلك فقد قال الامام المرغيناني صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل واما علم النجوم فهو في نفسه حسن غير مذموم اذ هو قسمان * حسابي وانه حق وقد نطق به الكتاب قال تعالى (والشمس والقمر بحسبان) أي سيرهما بحساب * واستدلالي بسير النجوم وحركة الافلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض ولو لم يعتقد بقضاء الله تعالى أو ادعى علم الغيب لنفسه يكفر * ثم تعلم علم النجوم مقدار ما يعرف به مواقيت الصلاة والقبلة لا بأس به انتهى (و) مفهومه ان تعلم الزائد على ذلك مما يستدل به على الحوادث فيه بأس لانه مكروه لما فيه من ايقاع العامة في الشك لعدم علمهم بأنه انما علم ذلك بسبب عادة نصبه الله تعالى لذلك أو لما فيه من خوف الوقوع في اعتقاد تأثير النجوم في تلك الحوادث أو لما فيه من اظهار ما احب الله خفاءه فإنه لواحب اظهاره لنصب عليه علامة ظاهرة كما في الأمور التي جعل الله تعالى لها اسبابا ظاهرة يعلمها عامة الناس فلم يخف الله تعالى ما اخفاه منها الا لحكم باهرة فالتوصل إلى اظهاره والاطلاع عليه اخلال بتلك الحكم والله تعالى اعلم (وذكر) في الفتاوى الحديثية عن ابن الحاج المالكي فيمن قال النجوم تدل على كذا لكن بفعل الله تعالى يجرى الأمر في خلقه انه بدعة من القول منهى عنها فيؤدب ولا يكفر الا أن جعل للنجم تأثيرا فيقتل قال وظاهر كلام المارزى الجواز إلا إذا نسب ذلك لعادة اجراها الله تعالى* وقال ابن رشد (بفتح الراء والشين) ليس قول الرجل الشمس تكسف غدا بعلم الحساب كقول فلان يقدم غدا في جميع
الوجوه لان دعوى الكسوف ليست من علم الغيب لانه يدرك بالحساب فلا ضلال فيه ولا كفر لكن يكره الاشتغال به لأنه مما لا يعنى ولان الجاهل إذا سمع به ظن أنه من علم الغيب فيزجر فاعله ويؤدب عليه *وعن ابن الطيب ان ذلك جائز لانه مما يعلم بدقيق الحساب كالمنازل وهذا جائز تعلمه وتعليمه اجماعا فكذا الكسوف واعترض القول بتأديب قائله بانا إذا كنا نرى بالعيان صدقه واصابته كان ذلك مكابرة للحس واختلفوا في المنجم يقضى بتنجيمه فيقول انه يعلم متى يقدم فلان وما في الارحام ووقت نزول الامطار وحدوث الفتن والاهوال وما يسر الناس من الاخبار وغير ذلك من المغيبات فقال بعض المالكية انه كافر يقتل بلا استتابة وقال بعضهم يقتل بعد الاستتابة فإن تاب والا قتل وقال بعضهم يزجر ويؤدب* ووفق بعض محققهم بأنه ان كان يعتقد في النجوم أنها الفاعلة لذلك كله مستسرا بذلك فحضرته البينة أو اقر قتل بلا استتابة كالزنديق وإن معلنا به غير مسر بظهوره فهو كالمرتد فيستتاب والا قتل وإن كان مقرا بان النجوم لا تأثير لها في العالم والفاعل هو الله تعالى لكنه جعل النجوم دالة ولها امارة على ما يحدث في العالم فهذا يزجر عن اعتقاده ويؤدب عليه حتى يتوب عنه فإنه بدعة (ثم) قال في الفتاوى الحديثية وحاصل مذهبنا يعنى مذهب الشافعية في ذلك انه متى اعتقد ان لغير الله تعالى تأثيرا كفر فيستتاب فإن تاب والا قتل سواء اسر ذلك أو اظهره وكذا لو اعتقد انه يعلم الغيب المشار اليه بقوله تعالى لا يعلمها الا هو لانه مكذب للقرآن فإن خلا عن اعتقاد هذين فلا كفر بل ولا اثم ان قال علمت ذلك بواسطة القرينة والعادة الالهية أو نحو ذلك انتهى (وكذا) قال في كتابه الزواجر المنهى عنه من علم النجوم هو ما يدعيه اهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجئ المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغير الاسفار ونحو ذلك يزعمون انهم يدركون ذلك الكواكب لاقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الازمان وهذا علم استأثر الله تعالى به لا يعلمه أحد غيره فمن ادعى بذلك فهو فاسق بل ربما يؤدى به ذلك إلى الكفر فأما من يقول أن الاقتران والافتراق هو كذا جعله الله تعالى علامة بمقتضى ما اطردت به العادة الالهية على وقوع كذا وقد يتخلف فإنه لا اثم عليه بذلك وكذا الاخبار عما يدرك بطريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف بها الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى من الوقت فإنه لا اثم فيه بل هو فرض كفاية انتهى (وقد) عملات قدمناه عن مختارات النوازل ان مذهب الحنيفة في ذلك كمذهب
الشافعية (فقد) اتضح لك ما قررناه من جواز الاطلاع على بعض الأمور الغيبية معجزة أو كرامة أو امارة وعلامة عادية بتقدير الله تعالى اما لو ادعى ذلك من نفسه استقلالا أو بطريق أخبار الجن له بذلك زاعما عليهم الغيب أو بطريق الاستناد إلى تأثير الكواكب فهو كافر واما إذا اطلق وقال سيقع في اليوم الفلاني كذا وكذا فينبغى النظر في حال القائل فإن كان من أهل الديانة والصلاح والاستقامة يكون ذلك منه كرامة لأنه لا يخبر بذلك إلا عن صادق الالهام * أو عن كشف تام * أو عن رؤية منام* فقد وقع ذلك من ائمة الاعلام* كما مر عن الامامين أبي بكر وعمر وغيرهما وإن كان من آحاد الناس فقد مر عن عن البزازية من كتب الحنفية انه لو قال اعلم الاشياء المسروقة يكفر وكذا ما مر عنهم من لو ادعى علم الغيب نفسه يكفر * واما عند الشافعية فقد علمت ما مر من تفصيل الامام الرافعى (و) ينبغى اجراء هذا التفصيل عند الحنفية أيضا وحمل ما نقلناه عنهم على ما إذا ظهرت قرينة من حال ذلك القائل تدل على ارادة علمه ذلك من نفسه أو من أخبار الجن أو الكهنة معتقد اصدق ذلك * ففى جامع الفصولين روى الطحاوى عن اصحابنا لا يخرج الرجل من الايمان إلا جحود ما دخل فيه * ثم ما تيقن أنه ردة يحكم بها وما يشك انه ردة لا يحكم بها إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك مع ان الإسلام يعلو وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا ان لا يبادر أهل الإسلام مع انه يقضى بصحة اسلام المكره انتهى (و) في الفتاوى الصغرى الكفر شيء عظيم فلا اجعل المسلم كافرا متى وجدت رواية انه لا يكفر انتهى (و) في الخلاصة وغيرها إذا كان في المسئلة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتى ان يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم * زاد في البزازية إلا إذا صرح بارادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل ح (و) في التاتارخانية لا يكفر بالمحتمل لان الكفر نهاية في العقوبة فيستدعى نهاية في الجناية ومع الاحتمال لا نهاية انتهى كذا في البحر (و) قال بعد ذلك والذي تحرر أنه لا يفتى بكفر مسلم امكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فعلى هذا فأكثر الفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير بها ولقد الزمت نفسى ان لا افتى بشيء منها انتهى كلامه رحمه الله تعالى (و) تمام ذلك في كتابنا تنبيه الولاة والاحكام* على احكام شاتم خير الانام * أو أحد اصحابه الكرام * عليه وعليهم الصلاة والسلام* فارجع إليه فإن فيه ما يشفى ويكفى في المرام * من جنس هذا الكلام [تنبيه] قد ظهر لك وبان * مما قررناه في هذا الشأن * ان من كان من أهل العلم والعرفان
واخبر عن امر حدث أو سيحدث في الزمان * مما اطلعه عليه الملك المنان * لا يحل لمسلم ذى دين وايمان * ان يتهمه بان ذلك عن أخبار الجان وبأنه ساحر وشيطان * وإن يحكم عليه بالكفر والزندقة والالحاد بمجرد داء الحسد والافتراء والعناد * فإن سهامه ترجع إليه * ودعاويه تعود عليه * ويظهر منه خبث العقيدة * وإن آراء غير سديدة * ويخشى عليه سرعة الانتقام * وسوء الختام * والعياذ بالله تعالى (ففى) الفتاوى الحديثية * سئل عن قوم من الفقهاء ينكرون على الصوفية اجمالا أو تفصيلا فهل هم معذورون أم لا فأجاب* بقوله ينبغى لكل ذى عقل ودين ان لا يقع في ورطة الانكار على هؤلاء القوم فإنه السم القاتل كما شاهد ذلك قديما وحديثا وقد قدمنا قصة ابن السقا المنكر على ولى الله تعالى فأشار له انه يموت كافرا فشوهد عند موته بعد تنصره لفتنته بنصرانية أبت منه إلا ان ينتصر مستقبل الشرق وكلما حول للقبلة يتحول إلى الشرق حتى طلعت روحه وهو كذلك وكان واحد أهل زمانه علما وذكاء وشهرة وتقدما عند الخليفة فحقت عليه الكلمة بواسطة انكاره وقوله عن ذلك الولى لا سألته مسئلة لا يقدر على جوابها (و) جاء عن المشايخ العارفين والائمة الوارثين انهم قالوا أول عقوبة المنكر على الصالحين ان يحرم بركتهم قالوا ويخشى عليه سوء الخاتمة نعوذ بالله من سوء القضاء (و) قال بعض العارفين من رأيتموه يؤذى الأولياء وينكر مواهب الاصفياء فاعلموا انه محارب الله مبعود مطرود عن قرب الله (و) قال الامام المجمع على جلالته وامامته أبو تراب النخشي رضى الله تعالى عنه إذا الف القلب الاعراض عن الله تعالى صحبته الوقيعة في اولياء الله تعالى (و) قال الامام العارف شاه أبو شجاع الكرماني ما تعبد متعبد بأكثر من التحبب إلى اولياء الله تعالى لان محبتهم دليل على محبة الله عز وجل (و) قال أبو القسم القشيرى قبول قلوب المشايخ للمريدا صدق شاهد لسعادته ومن رده قلب شيخ من الشيوخ فلا محالة يرى غب ذلك ولو بعد حين ومن خذل بترك حرمة الشيوخ فقد اظهر رقم شقاوته وذلك لا يخطى انتهى (و) يكفي في عقوبة المنكر على الأولياء قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث الصحيح من آذى لى وليا فقد آذنته بالحرب أي اعلمته إلى محارب له ومن حارب الله تعالى لا يفلح ابدا وقد قال العلماء لم يحارب الله عاصيا إلا المنكر على الأولياء واكل الربا وكل منهما يخشى عليه خشية قريبة جدا من سوء الخاتمة إذ لا يحارب الله تعالى إلا كافر انتهى ملخصا * وقد أطال في ذلك فراجعه ان شئت (و) فيما ذكرناه كفاية المسترشدين. اعادنا الله واياهم ان نكون من المنكرين الجاحدين * وجعلنا
من المحبين الصادقين * لعباده الصالحين واوليائه العارفين * وحشرنا في زمرتهم يوم الدين [الخاتمة] في ترجمة هذا الامام أعلم انا لواردنا ان نستقصى ذكر من اعتقده ومن تبعه ومن اثنى عليه ومدحه * وذكر مآثره الجليلة * وصفاته الجميلة * تفصيلا أو اجمالا * لحاولنا امر امحالا * ولكنا نذكر من ذلك نبذة يسيرة لأنها سهلة شهيرة * وذكرها الامام الاوحد * والعلم المفرد * الشيخ محمد بن سليمان البغدادي الحنفى * النقشبندى في كتابه المسمى الحديقة النديه * في الطريقة النقشبندية * والبهجة الخالدية * في الباب الثاني منه حيث قال * اعلم ان شيخنا امدنا الله تعالى بمدده. وبارك في مدده. على ما ترجمه أحد الاخوان بما ملخصه * هو ابق إليها ذو الجناحين ضياء الدين حضرة مولانا الشيخ خالد الشهر زورى الأشعري عقيدة الشافعي مذهبا النقشبندى المجددى طريقة ومشربا القادرى السهوردى الكبروى الحشتى احازة ابن أحمد بن حسين العثمانى نسبا ينتهي نسبه إلى الولى الكامل ببر ميكائيل صاحب الاصابع الست المشهور بين الاكراد بشش انكشت يعني ست اصابع لان خلقة اصابعه كانت هكذا وهذا الولى معروف الانتساب إلى الخليفة الثالث منبع الحياء والإحسان ذى النورين عثمان بن عفان الاموى القرشي رضى الله تعالى عنه * العالم العلامة * والعلم الفهامة * مالك ازمة المنطوق والمفهوم * ذو اليد الطولى في العلوم * من صرف ونحو وفقه ومنطق ووضع وعروض ومناظرة وبلاغة وبديع وحكمة وكلام وأصول وحساب وهندسة واصطرلاب وهيئة وحديث وتصوف. العارف المسلك مربى المريدين. ومرشد السالكين ومحط رحال اولدين. وأمه بنتهى نسبها إلى الولى الكامل الفاطمي بير حضر المعروف النسب والحال بين الاكراد (ولد) قدس سره سنة الف ومائة وتسعين تقريبا بقصبة قره داغ من اكبر سناجق بابان وهى عن السليمانية نحو خمسة اميال تشتمل على مدارس وتكتنفها الحدائق وتنبع فيها عيون عذبة السلسال ونشأ فيها وقرأ ببعض مدارسها القرآن والمحرر للامام الرافعي في فقه الشافعية ومتن الزنجاني في الصرف وشيئا من النحو وبرع في النظم والنثر قبل بلوغ الحلم مع تدريب لنفسه على الزهد والجوع والسهر والعفة والتجريد والانقطاع على قدم أهل الضفة * ثم رحل لطلب العلم إلى النواحى الشاسعة * وقرأ فيها كثيرا من العلوم النافعية * و ورجع إلى نواحى وطنه * فقرأ فيها على العالم العامل. والتحرير الفاضل * ذى الاخلاق الحميدة* والمناقب السديدة * السيد الشيخ عبد الكريم البرزنجي رحمه الله تعالى * وعلى العالم المحقق الملا
صالح * وعلى العالم المحقق الملا إبراهيم البيارى * والعالم المدقق السيد الشيخ عبد الرحيم البرزنجى اخى الشيخ عبد الكريم * والعالم الفاضل الشيخ عبد الله الخرباني ثم رحل إلى نواحى كوى وحرير وقرأ شرح الجلال على تهذيب المنطق بحواشيه على العالم الزكى والتحرير الالمعي الملا عبد الرحيم الزياري المعروف بملازاده واخذ في تلك النواحى غير ذلك عن غيره (و) رجع إلى السليمانية ثانيا فقرأ فيها وفي نواحيها الشمسية والمطول والحكمة والكلام وغير ذلك وقدم بغداد فقرأ فيها مختصر المنتهى في الأصول * ورجع إلى محله الماهول. وحيث حل من المدارس. كان فيها الاتقى الأورع السابق في ميادين التحقيق كل فارس * لا يسئل عن مسئلة من العلوم الرسمية إلا ويجيب باحسن جواب * ولا يمتحن بعويصة من تحفة ابن حجر أو تفسير البيضاوى الا ويكشف عن وجوه خرائد فوائده النقاب * وهو يستفيد * ويفيد ويقرر ويحرر ويجيد * إلى انصاف وذكاء خارق * وقوة حفظ بذهن حاذق * مع تصاغره لدى الاساتذة والاقران * وتجاهله عن كثير من المسائل مع العرفان * فاشتهر خارق علمه * وطار إلى الاقطار صيت تقواه وذكائه وفهمه * إلى ان رغب بعض الأمراء في نصبه مدرسا قبل التكميل في إحدى المدارس. وإن يوظف له وظائف ويخصه بالنفائس * فلم يجبه إلى هذا المرام * زهدا فيما لديه من الحطام* قائلا انى الآن لست اهلا لهذا المقام * فرحل بعد هذا إلى سنندج (بفتح السين والنون وضم الدال المهمله) ونواحيها فقرأ فيها العلوم الحسابية والهندسيه * والاصطر لأبيه والفلكيه على العالم المدفق جغمينى عصره * وقوشجي مصره * الشيخ محمد قسيم السنندجى وكمل عليه الماده *على العاده * فرجع إلى وطنه قاضي الأوطار وصيته إلى اقصى الاقطار طار* فولى بعد الطاعون الواقع في السليمانية سنة الف ومائتين وثلاثة عشر تدريس مدرسة اجل اشياخه المتوفى بالطاعون المذكور الشيخ السيد عبد الكريم البرزنجى فشرع يدرس العلوم * وينثر المنطوق منها والمفهوم. غير راكن إلى الدنيا ولا إلى اهلها مقبلا على الله تعالى متبتلا إليه باصناف العبادة فرضها ونقلها * لا يتردد إلى الحكام * ولا يحابى احدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ الاحكام * لا تأخذه في الله لومة لائم * وهو نافذ الكلمة محمود السيرة يأخذ بالعزائم * حتى صار محسود صنفه * عزيزا في وصفه مع الصبر على الفقر والقناعة * واستغراق الاوقات بالافادة والطاعة إلى ان جزبه سنة عشرين شوق حج بيت الله الحرام * وتوق زيارة روضة خير الانام * عليه الصلاة والسلام * فتجرد عن العلائق * وخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله
الصادق * فرحل هذه الرحلة الحجازيه من طريق الموصل وديار بكر والرها وحلب والشام * واجتمع بعلمائها الاعلام * وصحب في الشام ذهابا وايابا العالم الهمام شيخ القديم والحديث * ومدرس دار الحديث الشيخ محمد الكزبرى * رحمه الله تعالى * وسمع منه واخذ عنه* فخرج منها على جادة العزائم * باحسن قدم * يطعم ولا يطعم * فوصل المدينة المنورة * ومدح الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم * بقصائد فارسية بليغة محرره * ومكث فيها قدر ما يمكث الحاج * وصار جامة ذلك المسجد الوهاج * قال وكنت افتش على أحد من الصالحين * لا تبرك ببعض نصائحه * واعمل بها كل حين * فلقيت شخصا يمنيا متريضا * عالما عاملا صاحب استقامة وارتضا * فاستنصحته استنصاح الجاهل المقصر * من العالم المتبصر فنصحني بأمور منها لا تبادر في مكة بالانكار على ما ترى ظاهره يخالف الشريعة * فلما وصلت إلى الحرم المكي وانا مصمم على العمل بتلك النصيحة البديعه * بكرة يوم الجمعة إلى الحرم * لاكون كمن قدم بدنة من النعم * فجلست إلى الكعبة الشريفة اقرأ الدلائل * إذ رأيت رجلا ذا لحية سوداء عليه ذى العوام قد اسند ظهره إلى الشاذروان ووجهه إلى من غير حائل * فحدثنى نفسى ان هذا الرجل لا يتأدب مع الكعبة ولم اظهر عتبه * فقال لى يا هذا اما علمت ان حرمة المؤمن عند الله تعالى اعظم من حرمة الكعبة * فلماذا تعترض على استدبارى الكعبة وتوجهي إليك * اما سمعت نصيحة من في المدينة واكد عليك * فلم اشك انه من أكابر الأولياء وقد تسربل بامثال هذه الاطوار عن الخلق فانكببت على يديه وسألته العفو وإن يرشدني بدلالته إلى الحق * فقال لى فتوحك لا يكون في هذه الديار * وأشار بيده إلى الديار الهنديه وقال تأتيك إشارة من هنالك فيكون فتوحك في هاتيك الاقطار * فايست من تحصيل شيخ في الحرمين يرشدني إلى المرام * ورجعت بعد قضاء المناسك إلى الشام * انتهى * فاجتمع ثانيا بعلمائها * وحل في قلوبهم محل سويدائها * فأتى إلى وطنه بعد قضاء وطره بالبركات* وباشر تدريسه بزيادة على زهده الأول وعده الحسنات الأولى سيئات * إلى ان إلى السليمانية شخص هندي من مريدي شيخه الآتي وصفه * فاجتمع به واظهر احتراقه واشتياقه لمرشد كامل يسعقه * فقال الهندى ان لى شيخا كاملا * عالما عاملا * عارفا بمنازل السائرين إلى ملك الملوك خبيرا بدقائق الإرشاد والسلوك * نقشبندى الطريقة * في علم الحقيقة فسر معى حتى نرحل إلى خدمته في جهان اباد * وقد سمعت إشارة بوصول مثلك هناك إلى المراد * فرحل سنة الف ومائتين وأربعة وعشرين
الرحلة الهنديه من طريق الرى * يطوى بايدى العيس بساط البيد اسرع طى * فوصل طهران * وبعض بلاد ايران * والتقى مع مجتهد هم المتضلع بضبط المتون والشروح والحواشي * إسمعيل الكاشي * فجرى بينهما البحث الطويل * بمحضر من جمهور طلبة إسمعيل * فافحمه افحاما اسكته * وانطق طلبته * بان ليس لنا من دليل * ولا قيل * ثم دخل بسطام وخرقان و سمنان * ونيسابور ثم بلدة هراة من بلاد الافغان واجتمع مع علمائها فحاوروه في ميدان الأمتحان* ولما رحل عنهم ودعوه بمسير اميال * لما شاهدوا فيه من بديع الحال * ووصل قندهار وكابل ودار العلم نيشاور * فاجتمع بجم غفير من علمائها وامتحنوه بمسائل من علم الكلام وغيره ثم رحل إلى بلدة لاهور فسار منها إلى قصبة فيها العالم النحرير * والولى الكبير * اخى شيخه في الطريقة الشيخ المعمر الولى ثناء الدين النقشبندى قال فبت في تلك القصبة ليلة فرأيت في واقعة انه قد جذبنى من خدى باسنانه يجرنى إليه وانا لا انجر فلما اصبحت ولقيته قال لى من غير ان اقص الرؤيا عليه سر على بركة الله تعالى إلى خدمة اخينا الشيخ عبد الله فعرفت انه قد اعمل همته الباطنية العلية ليجذبي إليه فلم ييسر لقوة جاذبة شيخي المحول فتوحى عليه * فرحلت من تلك القصبة اقطع الانجاد والاوهاد* إلى ان وصلت إلى دار السلطنة الهنديه وهي المعروفه بجهان آباد * بمسير سنة كاملة * وقد ادركتني نفحاته واشاراته قبل وصولى بنحو أربعين مرحله * وهو اخبر قبل ذلك بعض خواص اصحابه بوفودي إلى اعتاب قبابه * انتهى * وليلة دخوله بلدة جهان اباد انشأ قصيدته العربية الطنانه من بحر الكامل يذكر فيها وقائع السفر وتخلص إلى مدح شيخه مطلعها
كملت مسافة كعبة الأمال
…
جدا لمن قدمن بالاكمال
وهى طويلة وله غيرها من المقاطيع العربية وفى الفارسية قصائد ومقاطيع كثيرة انسيه منها قصيدة غراء في مدح شيخه قدس سره أيضا * وبعد وصوله تجرد ثانيا عما عنده من حوائج السفر * وانفقه كله على المستحقين ممن حضر * فأخذ الطريقة العلمية النقشبنديه بعمومها وخصوصها * ومفهومها ومنصوصها * على شيخ مشايخ الديار الهنديه ووارث المعارف والاسرار المجدديه * سباح بحار التوحيد * سياح قفار التجريد * قطب الطرائق * وغوث الخلائق* ومعدن الحقائق * ومنبع الحكم والإحسان والايقان والدقائق * العالم النحرير الفاضل * والعلم المفرد الكامل * المتجرد عماوى مولاه * حضرة الشيخ عبد الله الدهلوي قدس سره واشتغل بخدمة الزاوية * مع الذكر الملقن بالمجاهدة
فلم يمض عليه نحو خمسة اشهر حتى صار من أهل الحضور والمشاهدة وبشره شيخه ببشارات كشفيه * وقد تحققت بالعيان * وحل منه محل إنسان العين من الإنسان * مع كثرة تصاغره بالخدم * وكسره لدواعى النفس بالرياضات الشاقة وتكليفها خطط العدم * فلم تكمل عليه السنة حتى صار الفرد العلم * والله ذو الفضل الاعظم * وشهد له شيخه عند اصحابه وفى مكاتيبه المرسلة إليه بخطه المبارك بالوصول إلى كمال الولاية * واتمام السلوك العادى مع الرسوخ والدرايه * واجازه بالارشاد وخلفه الخلافة التامة* في الطرائق الخمسه * النقشبنديه * والقادريه والسهر ورديه * والكبرويه والجشتيه * واجازه بجميع ما يحوز له روايته من حديث وتفسير وتصوف واحزاب واوراد * ثم ارسله بعد ملازمته سنة بأمر مؤكد لم يمكنه التخلف عنه إلى هذه الاقطار والبلاد ليرشد المسترشدين * ويربى السالكين * باتقن ارشاد * وشيعه بنفسه نحو أربعة اميال * ليأتى إلى اوطانه ممتثلا للأمر الواجب الأمتثال * سائرا في طريقه برا وبحرا نحو خمسين يوما لم يطعم طعاما فيه ولم يشرب الماء متغذيا مترويا بالعبادة والذكر حتى خرج من بندر مسقط إلى نواحي شيراز * ويزد * واصفهان * يعلن بالحق اينما كان وكم مرة تجمع بعض الروافض لضربه وقتله * بعد عجزهم عن ادلة عقله ونقله * فهجم عليهم بسيفه البتار * فنكصوا على اعقابهم وولوا الادبار (ثم) اتى همدان وسنندج فوصل السليمانية سنة ست وعشرين باستقبال أعيان وطنه معززا مكرما فقدم في تلك السنة بلدتنا الزوراء ليزور الأولياء* فنزل في زاوية الغوث الاعظم * سيدنا الشيخ عبد القادر الجبلى* قدس سره الأقوم * وابتدأ هناك بارشاد الناس* على احكم اساس * فمكث نحو خمسة اشهر ثم رجع إلى وطنه بشعار الصوفية الاكابر* مرشدا في علمى الباطن والظاهرا. ولما اطردت سنة الله في الذي خلوا من قبل ان جعل حساد الكل من تفرد في الفضل * هاج عليه بعض معاصريه ومواطنيه بالحسد والعداوة والبهتان * ووشوا عليه عند حاكم كردستان* بأشياء تنبو عن سماعها الاذان. وهو برئ منها بشهادة البداهة والعيان. فلم يقابل صنيعهم الشنيع * إلا بالدعاء الهم وحسن الصنيع * فلم تخب نارهم * وزاد شرهم وعوارهم * فخلاهم * وشانهم في السليمانية ورحل إلى بغداد سنة ثمانية وعشرين مرة ثانية فالف الذي تولى كبر البهتان من المنكرين رسالة عاطلة عن الصدق والصواب. ومهرها بمهور اخوانه المنكرين مشحونة بتضليل الشيخ المترجم وتكفيره ولم يخشوا مقت المنتقم شديد العقاب* وارسلها إلى والى بغداد سعيد باشا يحرضه على اهانته * واخراجه
من بغداد بسعايته فبصره الله تعالى بدسائسهم الناشئة عن الحسد والعناده وامر بعض العلماء بردها على وجه السداد* فانتدب له العالم النحرير * الدارج إلى رحمة الله القدير * محمد امين افندى مفتى الحملة سابقا * وكان مدرس المدرسة العلوية لاحقا بتأليف رسالة طعن باسنة ادلتها اعجازهم فولتهم الادبار ثم لا ينصرون * وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون * ومهرت بمهور علماء بغداد. وارسلت إلى المنكرين فسقلتهم بالسنة حداد. فتخبت نارهم * وانطمست آثارهم* ورجع بعد هذه الأمور إلى السليمانية محفوفا بالكمالات الاحسانية. وبالجملة انتفع به خلق كثيرون من الاكراد واهل كركوك واربل والموصل والعماديه وعينتاب وحلب والشام والمدينة المنوره ومكة المعظمة وبغداد * وهو كريم النفس حميد الاخلاق باذل الندا * حامل الاذا * حلو المفاكهة والمحاضره * رقيق الحاشيه والمسامرة * ثبت الجنان* بديع البيان طلق اللسان * لا تأخذه في الله لومة لائم * يأخذ بالاحوط والعزائم * يتكفل الارامل والايتام * شديد الحرص على نفع الإسلام (وله) من المؤلفات حاشية نفيسة لم ينسج على منها لها على الخيالى (و) حاشية الحفيدية السيالكوتيه (و) حاشية على نهاية الرملى في فقه الشافعي إلى باب الجمعة (و) حاشية على جمع الفوائد من كتب الحديث (و) رسالة عجيبة سماها العقد الجوهرى في الفرق بين كسبى الماتريدى والاشعرى (و) رسالة في الرابطة في اصطلاح السادة النقشبنديه (و) شرح لطيف على مقات الحريرى لكنه لم يكمل (و) شرح على حديث جبريل جمع فيه عقائد الإسلام إلا انه باللغة الفارسية واكثر شعره فارسي (وله) ديوان نظم بديع * ونثر يفوق ازهار الربيع * وهو الآن اعنى سنة ثلاثة وثلاثين * يدرس العلوم من حديث وأصول وتصوف ورسوم* ويربى السالكين على احسن حال واجمل منوال * وقد مدحه ادباء عصره من مريديه وغيرهم بقصائد فارسية وعربيه * ورحل إليه كثير من الاقطار الشرقية والغربية * وبابه محط رحال الافاضل * ومخيم أهل الحاجات والمسائل* لم يشغله الخلق عن الحق * ولا الجمع عن الفرق* لا زال ظله ممدودا * ولواء ترويج الشريعة والطريقة بوجوده معقودا * امين ان الذي قلت بعض من مناقبه * ما زدت الا لعلى زدت نقصانا انتهى ما كتبه في الحديقة النديه مع حذف بعض من عباراته السنيه * روما للاختصار * وعدم الاملال والاضجار * ومن أراد الزيادة على ذلك من اوصاف هذا الامام * فليرجع إلى الكتاب الذي الفه فيه الامام الهمام خاتمة البلغا * ونادرة النبغاء الاوحد السند * الشيخ عثمان سند
الذي سماء اصفى الموارد * في ترجمة حضرة سيدنا خالد* فإنه كتاب لم يحك ببنان البيان على منواله * ولم تنظر عين إلى مثاله * ما اشتمل عليه من الفقرات العجيبه * والقصائد الرائقة الغربيه * عارض فيه المقامات الحريريه والاشعار الحسانيه والجريريه (ثم) ان حضرة الامام المترجم قد تفضل الله تعالى به على أهل الشام وانعم * حيث جعلها محل قراره* ومحط رحاله وتسياره* ودخلها سنة ثمانية وثلاثين بخدمه وحشمه وجملة من الخلفاء والمريدين * فغصت ابوابد بالزحام وهرع إلى خدمته الخاص والعام * يتبرك بزيارته الامراء والحكام * نافذ الكلمة فيهم بلا نقض ولا إبرام* تتواد عليه المكاتبات من أعيان الدولة المنصورة * وامراء عامة الاقطار المعمورة. وهو مع ذلك لم يشتغل عن نشر العلوم الشرعيه * واشادة شعار الطريقة النقشبنديه وإرشاد السالكين * وتربية المريدين * واحياء كثير من مساجد دمشق الشام قد آلت إلى الاندراس والانهدام* بإقامة الصلوات والاوراد والاذكار وإرشاد الحلق إلى طرق السادة الابرار* حتى صار عين جلق * ويدرها المتالق* ودر تاجها * وسبب رواجها* والمشار إليه من بين اهلها والمعول عليه في دفع الملمات وحلها مالى ان اصيبت بعين الزمان * ورميت بطوارق الحدثان * بسبب الطاعون الداعي إلى الهلاك والحتف * الواقع فيها عام اثنين واربعين ومائتين والف * قلبي داعيه المجاب إلى دار المقام في ليلة الجمعة لاربع عشرة خلون من ذي القعدة الحرام * ذلك العام * بعد ما قدم بين يديه ولدين تجيبين جعلهما الله له فرطين * فكان لهما الثالث * واسرع بلحاقهما غير متأخر ولا ناكث * ودفن بسفح قاسيون المشهور * في مكان موات بعيد عن القبور * احتفره لنفسه قبل وفاته بايام * استعدادا للموت المحتوم على الانام * وكان ذلك بعد شروعي في الفصل الرابع من هذه الاوراق * قبيل وصولى إلى خاتمتها الداعية للاشواق *ولقد دخلت عليه اعزيه بولده الاخير* فوجدته يضحك بوجه مستنير * وقال لى انا أحمد الله حيث أجد في قلبي الحمد والرضا أكثر من الاسترجاع على مر القضا ثم زرته يوم الثلاثا الحادى عشر من ذى القعدة قبل الغروب من ذلك اليوم* فذكرت له انى رأيت منذ ليلتين في النوم * ان سيدنا عثمان بن عفان ميت وانا واقف اصلى عليه فقال لى انا من اولاد عثمان فكأنه يشير إلى ان هذه الرؤيا تومئ إليه ثم اخبرت انه لما صلى العشاء التفت إلى مريديه فاستخلف واوصى وفعل ما أراد واستقصى * ثم دخل إلى بيته فطعن تلك الليلة ليفوز بقسم الشهادة
* وينال الحسنى وزياده * فرحم الله تعالى روحه * ونور مرقده وضريحه * * ومتعه بما كان غاية متمناه * وافنى عمره في طلبه ورجاء من الفوز بلذة النظر * إلى وجهه الكريم * في دار النعيم المقيم * وجمعنا واياه تحت ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله الوريف * في مقعد صدق ومقام منيف * انه على ما يشاء قدير * وبالاجابة جدير * صلى الله تعالى على سيدنا محمد النبي المكرم * والرسول المعظم * وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
(قال سيدى المؤلف رحمه الله تعالى)
(وقلت فيه * اندبه وارثيه * واذكر بعض فضائله الجمه)
(بقصيدة جعلتها للخاتمة تتمه)
أي ركن من الشريعة مالا
…
فرأيناه قد امال الجبالا
مذ رزئنا باوحد العصر علما
…
وبهاء وبهجة وكمالا
واجتهادا وطاعة وصفاء
…
وسخاء وعفة ونوالا
هو بحر العلوم شرقا وغربا
…
ويمينا وقبلة وشمالا
فإذا عن مشكل كل عنه
…
كل شهم يحل عنه الشكالا
مذ تجلى سناه فينا ارانا
…
كل بدر وقت الكمال هلالا
وسقى أهل عصره كاس قرب
…
وحساهم منه الرحيف الزلالا
هو قطب عليه دارت رحى العر
…
فإن وهو الفريد قالا وحالا
هو شيخ السلوك من نال هديا
…
من سناه فقد تركي فعالا
ولعثمان ذى الحياء وذى النو
…
رين صح انتسابه اجلالا
وبه ازدان ديننا وطريق النـ
…
ـقشبندى زاد منه جمالا
ما رأينا كعلمه وتقاه
…
ولجدواه ما رأينا مثالا
دمت الخلق لم يكدر صفاه
…
جاهل رام منه شيأ محالا
كثرت حاسدوه فازداد هديا
…
مذ اشاعو الردى وزادوا ضلالا
ورموه بالافك ظلما وراموا
…
ذله مذراوه فاق خصالا
فتغاضى عن القبيح وابدى
…
ما به زاد رفعة وجلالا
ايظن الحسود يطفى نورا
…
قد أراد الاله ان يتلالا
دأبه نشر حكمة وعلوم
…
كم به مبعد تقرب حالا
كعداد النجوم اتباعه في
…
كل قطر به صفوا اعْمالا
كم له من خليفة زاد قربا
…
وامتطى في التقى مقاما تعالى
كم به مسجد اعبد سناه
…
واكتسي جماله سربالا
ولكم عال عاجرا وفقيرا
…
فقضى من نواله آمالا
ولكم شاد سنة قد تداعت
…
وشفى باللسان داء عضالا
ولكم حاز خصله قد تسامت
…
دونها النجم في علاء منالا
ومزايا إذا اردت عداد الـ
…
ـقل منها فلست تحصى الرمالا
قد اجاب الاله لما دعاه
…
ولدار النعيم رام انتقالا
فبكته العيون دمعا عزيرا
…
فكأن العيون اضحت ثكالا
خالد القطب ان يزل فهداه
…
خالد في الانام ليس مزالا
فعليه من المهيمن رحمى
…
كل حين على ثراه توالى
ما سرى في الضمير ذكر خفى
…
وارتضاه سبحانه وتعالى
تمت
(وقد شطر هذه المرثية العلامة الفاضل المنلا دواد)
(البغدادي الخالدي النقشبندى فقال)
أي ركن من الشريعة مالا
…
قد فدته الانام روحا ومالا
زلزل الأرض فقده ودهاها
…
(فرايناه قد ازال الجبالا)
(مدرزئنا باوحد العصر علما
…
اظم الكون من اساه وحالا
فاق كل الانام فضلا ونورا
…
(وبهاء وبهجة وكمالا)
(واجتهاد أو طاعة وصفاء)
…
وحياء وقربة ووصالا
وسجايا كالزهر حسنا وحلما
…
(وسخاء وعفة ونوالا)
(هو بحر العلوم شرقا وغربا)
…
مستفيض للعارفين سجالا
طافح للورى يعم وراء
…
(ويمينا وقبلة وشمالا)
(فإذا عن مشكل كل عنه)
…
ثاقب الفهم فالعلوم ازالا
وإذا معقد المسائل ايدى
…
(كل شهم يحل عنه الشكالا)
(مذ تجلى سناه فينا ارانا)
…
طرق العلم صحة واعتلالا
واحتقرنا سواه حتى راينا
…
(كل بدر وقت الكمال هلالا)
(وسقى أهل عصره كاس قرب)
…
من عصير الذكر الالهى استحالا
فحثاهم من فيضه وحياهم
…
(وحساهم منه الرحيق الزلالا)
(هو قطب عليه دارت رحى العر
…
فإن) خدامه سمت ابدالا
وهو غوث الانام في سائر الاز
…
(مان وهو الفريد قالا وحالا)
(هو شيخ السلوك من نال هديا)
…
بهداه ما مل يوما ومالا
بل ومن قد سرى له بعض نور
…
(من سناه فقد تزكى فعالا)
(ولعثمان ذى الحياء وذى النو
…
رين) تلقاه تابعا مفعالا
فهو فرع من أصله وعلى الحا
…
(لين صح انتسابه اجلالا)
(وبه ازدان ديننا وطريق ال)
…
حق ايدى تبسما وتحالا
واشاد الدين القويم وجمع ان
…
(نقشبندي زاد منه جمالا)
(ما رأينا كعلمه وتقاه)
…
ماضى الدهر بل ولا استقبالا
ما سمعنا في عصره كعلاه
…
(ولجدواه ما راينا مثالا)
(دمت الخلق لم يكدر صفار)
…
خابط وتغالا
عالم ما اشانه قط يوما
…
(جاهل رام منه شيأً محالا)
(كثرت حاسدوه فازداد هديا)
…
حين لم يلق للعداوة بالا
فهو لا زال حافظا لهداه
…
(مذا شاعوا الردى وزادوا ضلالا)
(ورموه بالافك ظلما وراموا)
…
ان ينالوا منه فعاد وبالا
زاده الله عزة حين شاؤا
…
(ذله مذ رأوه فاق خصالا)
(فتغاضى عن القبيح وايدى)
…
لجميل الصفات منه احتمالا
وحباهم من خالص الحلم عفوا
…
(ما به زاد رفعة وجلالا)
(ايظن الحسود يطفئ نورا)
…
بفم نفخه يزيد اشتعالا
ويحه كيف يطفئ نور عبد
…
(قد أراد الاله ان يتلالا)
(دأبه نشر حكمة وعلوم)
…
اصرف العمر في هداها اشتغالا
باله كامل بعلم ورشد
…
(كم به مبعد تقرب حالا)
(كعداد النجوم اتباعه في)
…
زرقات اتباعه تتوالا
اخلص الناس مذ رأوه لهذا
…
(كل قطر به صفوا اعمالا)
(كم له من خليفة زاد قربا)
…
فتراه في حضرة القدس جالا
قد ترقى من فيضه واستحقا
…
(وامتطى في التقى مقاما تعالا
(كم به مسجد اعيد سناه)
…
بعد ما كان دائرا اهمالا
فانارت ارجاؤه بعمار
…
(واكتسى من جماله سربالا)
(ولكم اعال عاجزا وفقيرا)
…
فعلاهم بفضله ما عالا
ولكم اغمر الوجود بجود
…
(فقضى من نواله آمالا)
(ولكم شاد سنة قد تداعت)
…
وهو احيا مواتها استعمالا
وهو بالحال كم اجار صريخا
…
(وشقى باللسان داء عضالا)
(ولكم حاز حكمة قد تسامت)
…
فاداست بسط اللعالى النعالا
ولكم رتبة ترقى إليها
…
(دونها النجم في علاه منالا
ومزايا إذا اردت عداد ال)
…
عشر اعجزت في الوجود الرجالا
وكراماته إذا شئت احصا ال
…
(قل منهما فلست تحصى الرمالا)
(قد اجاب الاله دعاه)
…
للقا ملبيا اعجالا
واشتهى ان يفوز بالقرب منه
…
(ولدار النعيم رام انتقالا)
(فبكته العيون دمعا غزيرا)
…
فاسالت مثل العيون انهمالا
فقدته وكان عين ضياهم
…
(فكأن العيون اضحت ثكالا)
(خالد القطب ان يزل فهداه)
…
مستقيم وثابت لم يزالا
فهو باق بالله بعد فناء
…
(خالد في الانام ليس مرالا)
(فعليه من المهمين رحمى)
…
كلما هبت الرياح شمالا
وغيوث الرضوان بالفضل تهمى
…
(كل حين على ثراه توالا)
(ما سرى في الضمير ذكر خفى)
…
فاستفاد الوجود منه ونالا
أو بدي ورد عامل بصلاة
…
(وارتضاه سبحانه وتعالى