المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد - أثر الشك والوسواس في وجود الله عز وجل على عقيدة المسلم

[نهار العتيبي]

فهرس الكتاب

‌مقدمة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد

يعاني الكثير من المسلمين من كثرة الشكوك والوساوس في وجود الله عز وجل، مع كثرة المشككين في وجود الله عز وجل، وانتشارهم في وسائل الإعلام المختلفة؛ لا سيما في الشبكة العنكبوتية، ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يعني ضرورة بيان حكم الشك والوسواس في وجود الله عز وجل، فإن ذلك يتعلق بالله عز وجل، وشرف العلم بشرف المعلوم، ولا سيما هذا العلم المتعلق بأعظم أصول الإيمان، وهو الإيمان بالله عز وجل. فإن البحث في مسألة وجود الله عز وجل هو أهم البحوث وأعلاها فإن الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى بالنسبة لبقية الأصول والفروع؛ كأصل الشجرة بالنسبة للسوق والفروع، فهو أصل الأصول، وقاعدة الدين، وكلما كان حظ المرء من الإيمان بالله عظيما كان حظه في الإسلام كبيراً، وإن تشكيك المسلم في وجود الله عز وجل جعل كفر النّاس أعظم، حتى قال أحد المتخصصين في العقيدة " كان حريّاً بنا ألا نقف عند أدلة وجود الله كثيراً، لأنّ الفطرة الإنسانية تشهد بذلك، ولا يكاد يعرف منكر لوجود الخالق في الماضي إلا النزر اليسير، وهم لا يمثلون في البشرية نسبة تذكر. إلا أن الانحراف اليوم وصل الدّرك الأسفل، فأصبحنا نرى أقواماً يزعمون أن لا خالق، ويجعلون هذه المقولة مذهباً يقيمون عليه حياتهم، وقد قامت دول على هذا المذهب تعدّ بمئات الملايين من البشر. وانتشرت هذه المقولة في كل مكان، وألفت فيها كتب، وأصبح لها فلسفة تدرس، وحاول أصحابها أن يسموها بالمنهج العلمي، ويدللوا عليها ".

(1)

ومع انتشار الوسوسة عند كثير من الناس كان هناك ضرورة كبيرة لبيان حكم الوسوسة في وجود الله عز وجل، ومعرفة مدى تأثيرها على عقيدة المسلم، وماهي الأحكام التي تترتب على تلك الوسوسة، وكيف يتعامل المسلم معها.

(1)

العقيدة في الله، عمر بن سليمان الأشقر، دار النفائس، ط 2، 1419 هـ، الأردن، (72).

ص: 4

‌التعريف بالمصطلحات العلمية:

‌1 - أولاً: تعريف الأثر لغة واصطلاحاً:

‌أ - الأثر لغة:

يطلق على عدة معني. قال ابن فارس (ت 395 هـ): (أثر) له ثلاثة أصول: تقديم الشيء. ذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي.

(1)

وقال ابن منظور (ت 711 هـ): الأثر بالتحريك - ما بقي من رسم الشيء، والتأثر إبقاء الأثر في الشيء، وأثر في الشيء ترك فيه أثرا.

(2)

‌ب - الأثر اصطلاحا:

لا يخرج استعمال لفظ ال (أثر) عن المعاني اللغوية، ويستعمل للدلالة على ثلاث معاني: الأول بمعنى النتيجة، وهو الحاصل من الشيء، والثاني العلامة، والثالث بمعنى الجزء، أو ما يترتب على الشيء.

(3)

ولذلك فإن السلف رحمهم الله يرون أن الأثر يراد به العلم، أو خاصة العلم، أو علم يستخرج، أو نتيجة للشيء. قال ابن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى:{أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4] أي: " البقية من علم لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ".

(4)

(1)

معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، كتاب الهمزة -باب الهمزة والتاء وما يثلثهما، (1/ 53).

(2)

لسان العرب، مادة (أثر)(1/ 52).

(3)

كتاب التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق إبراهيم، دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، 1418 هـ، بيروت (23)، مجلة البحوث الإسلامية، عدد 66، لعام 1423 هـ، (66/ 259).

(4)

جامع البيان عن تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري، دار السلام، ط 1، 1425 هـ (9/ 7392 - 7393).

ص: 5

‌ثانياً: تعريف الشك لغة واصطلاحاً

‌الشك لغة:

يطلق الشك ويراد به عدة أمور من أهمها:

1 -

التداخل فيقال: شككته بالرمح أي طعنته به؛ فدخل سنانه في جسمه.

(1)

2 -

الشك بمعنى عدم اليقين؛ فقوله: شككت في الأمر أو تشككت فيه أي ذهب يقيني، لأن الشاك كأنه شُك له الأمران في مشك واحد؛ وهو لا يتيقن واحد منهما، ولذلك يقال: شككت بين ورقتين، أذا أنت غرزت العود فيهما فاجتمعا.

(2)

3 -

التردد: أي التردد بين شيئين؛ دون ترجيح لأحدهما.

(3)

ومنه قوله تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)[يونس: 94].

(1)

معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (3/ 173).

(2)

معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (3/ 173).

(3)

المصباح المنير، أحمد المغربي، طبعة دار الكتب العلمية، (د. ت)، (167).

ص: 6

‌الشك اصطلاحاً

تعريف الشك في الاصطلاح لا يبعد عن التعريف اللغوي، فيعرف الشك بأنه:"ما يناقض اليقين، ويتردد صاحبه بين شيئين "

(1)

، وعلى هذا يدل أحد تفسيري قوله تعالى:{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [إبراهيم: 10].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " أفي وجوده شك، فإن الفطر شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب، فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده; ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه (فاطر السماوات والأرض) الذي خلقها وابتدعها على غير مثال سبق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليها، فلا بد لها من صانع، وهو الله لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه و مليكه ".

(2)

فالشك في وجود الله عز وجل هو التردد في وجوده سبحانه؛ وعدم اليقين في وجوده سبحانه وتعالى.

(3)

(1)

تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير، (2/ 691 - 692).

(2)

تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير، (قال رحمه الله:" والمعنى الثاني في قولهم: (أفي الله شك) أي: أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك، وهو الخالق لجميع الموجودات، ولا يستحق العبادة إلا هو، وحده لا شريك له; فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى ". (المرجع السابق، 2/ 692).

(3)

تجريد التوحيد الفيد، العلامة أحمد بن علي المقريزي، (766 - 845 هـ)، طبع ونشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، ط 2، 1432 هـ، الرياض، ص: 48

ص: 7

‌ثالثاً: تعريف الوسواس لغة واصطلاحاً

‌الوسواس لغة

الوسواس: " الشيطان، وهمس الصائد والكلاب، وصوت الحَلْي، والوسوسة؛ حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه:.

(1)

الوسواس اصطلاحاً الوسواس والوسوسة هي: ما يلقى في القلب، ويخفى على الخلق فلا يطلعون عليه، إما حديث النفس أو بفعل الشيطان، وهي مجرد خاطر لم يساكن القلب فضلاً عن أن يعقد القلب عليه، بل يكرهه.

(2)

وقيل الوسوسة هي: "الخواطر التي ليست بمستقرة، ولا اجتلبتها شبهة طرأت، ولا أصل لها "

(3)

الفرق بين الشك والوسواس

نظراً لوجود خلط لدى كثير من المسلمين بين الشك والوسواس؛ فلا بد من بيان الفرق بينهما، فإن الفرق بينهما له أثر على حكم كل منهما كما سيتبين في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى، فإن السلف رحمهم الله يرون أن الشك يناقض اليقين؛ ولا يجتمع شك ويقين، وأما الوسواس فهو الخواطر والأفكار فقط إما بما توسوس به النفس أو بما يوسوس به الشيطان؛ مع بقاء اليقين في القلب بوجود الله عز وجل،

(4)

بدليل قول الله عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99]. فهو ليس له تسلط على المؤمنين لاطمئنان قلوبهم بالإيمان.

(1)

القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1428 هـ، بيروت (603) تحت (الوس).

(2)

الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية، (7/ 281)، الرد على المنطقيين، الطبعة القيمة، بومباي، 1368 هـ، (508).

(3)

شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبو زكريا النووي، دار الخير، 1416 هـ، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، (3/ 318).

(4)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث، اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، تحقيق: الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، دار العاصمة، الطبعة الثانية، 1419 هـ، الرياض (296).

ص: 8

وقد يأتي الشك بمعنى الوسواس، ويتضح ذلك من السياق؛ كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(نحن أحق بالشك من إبراهيم)

(1)

، قال ابن عباس رضي الله عنهما:" هذا لما يعرض في الصدور ويوسوس به الشيطان، فرضي الله من إبراهيم عليه السلام بأن قال: بلى ".

(2)

" فالمراد بالشك هنا الخواطر التي لا تثبت، وأما الشك المصطلح وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحدهما عن الآخر؛ فهو منفي عن الخليل قطعاً لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ مرتبة النبوة ".

(3)

(1)

البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله عز وجل ونبئهم عن ضيف إبراهيم، حديث رقم (3372)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب زيادة طمأنينة القلب، حديث رقم (151).

(2)

فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار السلام، الطبعة الأولى، 1421 هـ، الرياض (6/ 498).

(3)

فتح الباري، ابن حجر (6/ 500)، العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 2، بيروت، (1/ 212).

ص: 9

‌رابعاً: تعريف العقيدة لغة واصطلاحاً

‌أ - العقيدة لغة:

مأخوذة من العقد وعَقَدَ الحبلَ يَعقِده أي شدًّه

(1)

، والعَقْد الرَبْط بشدّة ومنه الإحكام، والإبرام، والتماسك، والمُراصّة، والإثبات، والتَّوثّق،

(2)

وتطلق على مافي القلب فيقال اعتقد كذا بقلبه

(3)

. قال الله تبارك وتعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89]. "وهي: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، فالعقيدة في الدين ما يقصد به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل. والجمع: عقائد وخلاصة ما عقد الإنسان عليه قلبه جازماً به؛ فهو عقيدة، سواء كان حقاً، أم باطلاً "

(4)

.

‌ب - العقيدة اصطلاحاً:

العقيدة في الاصطلاح العام هي: "الأمور التي يجب أن يصدق بها القلب، وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك. أي: الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده، ويجب

أن يكون مطابقاً للواقع، لا يقبل شكاً ولا ظنا؛ فإن لم يصل العلم إلى درجة اليقين الجازم لا يسمى عقيدة ".

(5)

العقيدة الإسلامية: هي " الإيمان الجازم بالله وما يجب له في ألوهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين، وأمور الغيب وأخباره، وما أجمع عليه السلف، والتسليم لله تعالى في الحكم والأمر، والقدر والشرع، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالطاعة والتحكيم والاتباع ".

(6)

والعقيدة من حيث كونها علماً بمفهوم أهل السنة والجماعة فإنها تشمل الموضوعات التالية: التوحيد - توحيد الألوهية؛ وتوحيد الربوبية؛ وتوحيد الأسماء والصفات -، والإيمان، والإسلام، والغيبيات، والنبوات، والقدر، والأخبار، وأصول الأحكام القطعية، وسائر أصول الدين والاعتقاد، ويتبعه الرد على أهل الأهواء والبدع وسائر الملل والنحل الضالة، والموقف منهم

(7)

(1)

- القاموس المحيط، الفيروز أبادي، تحت:(عقد)، (324).

(2)

- لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين ابن منظور، دار صادر، بيروت، ج 3، ص: 295 - 300، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بمصر، دار احياء التراث الإسلامي، ج 2، ص: 620 - 621

(3)

- مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، ط 11، 1426 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ص: 390

(4)

الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، عبد الله بن عبد الحميد الأثري، الطبعة الثالثة، 1425 هـ، دار الراية، الرياض، ص: 29

(5)

الوجيز في عقيدة السلف الصالح، الأثري، ص: 30

(6)

مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، العقل ناصر بن عبدالكريم، ص: 9

(7)

المرجع السابق، (6).

ص: 10

‌المبحث الأول: حقيقة وجود الله عز وجل

حقيقة وجود الله عز وجل هي حقيقة ثابتة عند السلف الصالح رحمهم الله تعالى، فالأصل عندهم اليقين بوجود الله عز وجل بخلاف الفرق المنحرفة من أهل الكلام؛ ومن وافقهم قديما؛ وفي عصرنا الحاضر، فإن الأصل عندهم الشك وليس اليقين، خلافاً للسلف الصالح أهل السنة والجماعة " وقد وجد الانحراف في تقرير وجود الله تعالى عند الجهمية والمبتدعة، نتيجة عن التأثر بالزنادقة والهنود السمنية، اتسع انحراف المتكلمين من المعتزلة

(1)

وغيرهم، فاشترطوا النظر والاستدلال، والشك لحصول العلم بالصانع بزعمهم، وقد فند شيخ الإسلام

(1)

المعتزلة هي فرقة ضالة خالفوا قول الأمة في مرتكب الكبيرة بزعامة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد في زمن الحسن البصري، ويعتقد المعتزلة بأصول خمسة يخالفون فيها أهل السنة والجماعة، وهي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يرون من خلالها الخروج على الحاكم وقتاله. (فرق معاصرة تنتسب للإسلام وبيان موقف الإسلام منها، دكتور غالب بن علي عواجي، المكتبة العصرية الذهبية، ط 5، 1426 هـ، جدة، 3/ 1163 - ، 1198، آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً، الدكتور علي بن سعد بن صالح الضويحي، مكتبة الرشد، ط 2، 1417 هـ، الرياض، ص: 45 وما بعدها).

ص: 11

هذا الزعم الباطل، فقال: ليس هذا قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا قاله أحد من الأنبياء والمرسلين، ولا هو قول المتكلمين، ولا غالبهم، بل هذا قول محدث في الإسلام، ابتدعه متكلمو المعتزلة، ونحوهم من المتكلمين الذين اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمهم، وقد نازعهم في ذلك طوائف من المتكلمين من المرجئة، والشيعة، وغيرهم، وقالوا: بل الإقرار بالصانع فطري ضروري بديهي، لا يجب أن يتوقف على النظر والاستدلال؛ بل قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن معرفة الله، والإقرار به لا يقف على هذه الطرق التي يذكرها أهل النظر"

(1)

، فالمعتزلة ومن وافقهم يرون أن أول واجب على المكلف هو النظر المؤدي للمعرفة ولذلك قالوا بوجوب الشك بينما أول واجب عند السلف هو التوحيد لأن الله تعالى أمر به، فالمعرفة تؤدي إلى التوحيد، وقد فطر الله تعالى الناس على معرفته، ونص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ عندما بعثه إلى اليمن، فقال:(وليكن أول ما تدعوهم له أن يوحدوا الله) وفي رواية: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(3)

(1)

نقض تأسيس الجهمية، شيخ الإسلام ابن تيمية، (5/ 473)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة الأولى، 1398 هـ (6/ 350)، العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها والدفاع عنها حتى نهاية العصر الأموي، عطا الله بخيت حماد المعايطة، دار الآفاق الفكرية، الطبعة الأولى، 1422 هـ، مصر (13).

(2)

البخاري، كِتَاب التَّوْحِيدِ، بَاب مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ، حديث رقم (6848) ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم (16).

(3)

يرى الماتريدية أن معرفة الله لا تتم بالمعرفة الضرورية الفطرية بل لا تكون إلا بالاكتساب العقلي فلذا كان من الأصول التي تنبني عليها عقيدتهم (وجوب معرفة الله بالعقل) ورتبوا على ذلك إيجاب النظر والاستدلال وجعلوه أول واجب على العبد. واختلفت الأشاعرة عباراتهم في أول واجب على المكلف بعد أن اتفقوا على أن الأمر بعبادته ليس أول واجب. فحكى الأشاعرة عن الأشعري القول بأن أول واجب على المكلف هو المعرفة. والمعرفة عندهم معناها معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم. وعند الباقلاني أول واجب: النظر فقال: أول ما فرض الله عز وجل على جميع العباد النظر في آياته. والثاني من فرائض الله عز وجل على جميع العباد الإيمان به والإقرار بكتبه ورسله، والمراد بالنظر عندهم: ترتيب أمرين معلومين ليتوصل بترتيبهما على علم مجهول. (مجموع الفتاوى، (2/ 37038)، درء تعارض العقل والنقل، (8/ 8).

ص: 12

ولذلك يعبر عنه السلف بالمعرفة أي معرفة الله عز وجل ولهذا يقول السفاريني

(1)

في الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية:

أول واجب على العبيد معرفة الإله بالتسديد

(2)

قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله معلقاً على ذلك: " فالصحيح ما قاله المؤلف رحمه الله أن أول واجب معرفة الله، أما النظر فلا نقول إنه واجب، ولكن لو فرض أن الإنسان احتاج للنظر فحينئذ يجب عليه النظر ".

(3)

ولقد دلت الأدلة الكثيرة جداً على ما ذهب إليه السلف وأن الله تعالى موجود، سواء كان الدليل من الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، أو كان الدليل من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، أو كان الدليل دليلاً عقلياً، أو كان دليلاً حسياً، والأصل في ذلك عند السلف رحمهم الله تعالى هو الدليل من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم تأتي بقية الأدلة للاستئناس بها، ويمكن إيضاح ذلك فيما يلي:

(1)

هو الإمام الحبر الهمام العلامة محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني، النابلسي الحنبلي، صاحب التصانيف المشهورة، ولد بقرية سفّارين من قرى نابلس سنة 1114 هـ، وتلا القرآن العظيم ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم فأخذ العلم عن العديد من المشايخ، وله العديد من المؤلفات ومنها: شرح ثلاثيات مسند أحمد، وشرح نونية الصرصيري، وتحبير الوفاء في سيرة المصطفى، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، وغيرها، توفي رحمه الله عام 1188 هـ وهو على معتقد أهل السنة والجماعة لكن عليه بعض المآخذ لتأثره ببعض عبارات أهل الكلام مثل قوله:(القرآن كلام الله القديم) وقوله: وسائر صفاته الفعلية من الاستواء والنزول والإتيان والمجيء والتكوين ونحوها قديمة لله تعالى ليس شيء منها محدث) ومثل حديثه حول تفويض الكلام وهذا لا يقدح في علمه رحمه الله تعالى فهو على عقيدة السلف الصالح. (عبد الرحمن بن قاسم، مقدمة حاشية الدرة المضية للسفاريني، 5 - 6، لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السُنّيّة شرح قصيدة أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية، محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، تحقيق: الدكتور عبد الله بن محمد بن سليمان البصيري، مكتبة الرشد، ط 1، 1421 هـ، الرياض، 1/ 50 - 53).

(2)

شرح العقيدة السفارينية 0 الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية)، محمد بن صالح العثيمين، مدار الوطن، ط 2، 1434 هـ، الرياض، ص:147.

(3)

المرجع السابق، ص: 149

ص: 13

‌أولاً: دليل الفطرة

أهل الفطر كلهم متفقون على الإقرار بالله عز وجل.

(1)

"فإن الإقرار بالخالق سبحانه، وكماله، أمر فطري ضروري في حق من سلمت فطرته "

(2)

، "فالفطرة السليمة تشهد بوجود الله من غير دليل:، ولم يُطل القرآن في الاستدلال على وجود الله تعالى، لأنّ القرآن يقرّر أنّ الفطر السليمة، والنفوس التي لم تتقذر بأقذار الشرك، مفطورة على الاقرار بوجوده سبحانه وتعالي، بل إنّ توحيده - سبحانه - أمر فطري بدهي؛ قال الله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]. وقد نصّ الرسول صلى الله عليه وسلم على فطرة الإقرار بالخالق، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء؛ هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم (فطرة الله التي فطر الناس عليها)

(3)

. ولم يقل صلى الله عليه وسلم في الحديث ويُسلمانِه، لأنّ الإسلام مُوافقٌ للفطرة ".

(4)

ولذلك لم يكثر السلف رحمهم الله الخوض في إثبات وجود الله تعالى، وحشد الأدلة لتقريره، لأنه من القضايا المسلمة المستقرة في الفطرة البشرية ".

(5)

(1)

مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية (6/ 386).

(2)

المرجع السابق، (6/ 73).

(3)

رواه البخاري برقم كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، برقم (1385)، ورواه مسلم في كتاب القدر، باب كل مولود يولد على الفطرة، برقم (2658).

(4)

العقيدة في الله، عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، 1419 هـ، الأردن، (69 - 70).

(5)

المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع، خالد بن مسعود الجعيد وآخرون ' دار الهدي النبوي؛ دار الفضيلة، مصر - السعودية، الطبعة الأولى، 1428 هـ، (239).

ص: 14

‌ثانياً: دلالة الشرع

عند النظر في الأدلة الشرعية من الوحي المعصوم نجد أنها تدل على وجود الله عز وجل من خلال إثبات صفاته عز وجل التي تدل على حياته وقيوميّته وعلوه وعلمه وسائر صفاته الدالة على وجوده عز وجل، سواء كان ذلك في كتاب الله تعالى أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ففي كتاب الله تعالى يقول جل وعلا:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ .. الآية} [البقرة: 255]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً القيم لغيره ".

(1)

ويقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام مبيناً أن الله عز وجل موجود، وأنه الخالق لجميع المخلوقات، بما فيها السماوات والأرض:(كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء).

(2)

وفي رواية: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض).

(3)

ولذلك فالسلف رحمهم الله يرون أن الإيمان بالله تعالى لا يكون إلا بالإيمان بوجوده، وربوبيته، وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، وأن العبد لا يكون مؤمناً حتى يؤمن بأركان الإيمان الستة؛ وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والإيمان باليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره"

(4)

، "وأن الإيمان بالله تعالى هو التصديق بما قال به وأمر به وافترضه ونهى عنه؛ من كل ماجاءت به الرسل ونزلت فيه الكتب "

(5)

.

(1)

تفسير القرآن العظيم، الحافظ اسماعيل بن كثير الالقرشي الدمشقي، دار الفيحاء - دمشق- دار السلام - الرياض، ط 1، 1414 هـ، (1/ 413)

(2)

أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد (ص 403 ج 13).

(3)

خرجه البخاري رحمه الله في كتاب بدء الخلق (ص 286 ج 6).

(4)

كتاب الإيمان، ابن مندة، (1/ 124 - 128).

(5)

كتاب الاعتقاد، محمد بن القاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس، مكتبة المعارف، ط 5، 1426 هـ، الرياض، ص: 24

ص: 15

‌ثالثاً: دلالة العقل على وجود الله عز وجل

دل العقل السليم عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى، ووافق نصوص الشرع في ذلك ويتضح ذلك جلياً فيما يلي:

1 -

دليل الخلق والإيجاد: إن هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ سَابِقُهَا وَلَاحِقُهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَالِقٍ أَوْجَدَهَا؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجِدَ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ صُدْفَةً. فَهِيَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجِدَ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَخْلُقُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ كَانَ عَدَمًا؛ فَكَيْفَ يَكُونُ خَالِقًا؟! وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ صُدْفَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، وَلِأَنَّ وُجُودَهَا عَلَى هَذَا النِّظَامِ الْبَدِيعِ المُحْكَمِ، وَالتَّنَاسُقِ الْمُتَآلِفِ، وَالِارْتِبَاطِ الْمُلْتَحِمِ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَمُسَبَّبَاتِهَا، وَبَيْنَ الْكَائِنَاتِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ يَمْنَعُ مَنْعًا بَاتًّا أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا صُدْفَةً. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تُوجِدَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا أَنْ تُوجَدَ صُدْفَةً، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُوجِدٌ؛ وَهُوَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ وَالْبُرْهَانَ الْقَطْعِيَّ فِي سُورَةِ الطُّورِ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]؛ يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمْ يُخْلَقُوا مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ، وَلَا هُمُ الَّذِينَ خَلَقُوا أَنْفُسَهُمْ؛ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ خَالِقُهُمْ هُوَ اللهُ تبارك وتعالى؛ وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ رضي الله عنه رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ سُورَةَ الطُّورِ فَبَلَغَ هَذِهِ

ص: 16

الْآيَاتِ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37]، وَكَانَ جُبَيْرٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا، قَال:(كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، وَذَلِكَ أَوْلَ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي)

(1)

.

(2)

فالله عز وجل خلق المخلوقات، ومن أهمها الإنسان، الذي أوجده الله تعالى من العدم، يقول الله جل وعلا مبينا ذلك:{أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67]" والاستدلال على الخالق بخلق الانسان في غاية الحسن والاستقامة، وهو طريقة عقلية صحيحة، وهي شرعية؛ دل القرآن عليها وهدى الناس إليها، وبينها وأرشد إليها "

(3)

.

ولذلك دل القرآن الكريم على خلق الخلق وأن الله تعالى هو خالقهم في آيات كَثِيرَة؛ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: 3].

ويقول سبحانه وتعالى مبيناً أنه الخالق وما سواه مخلوق، ومادام أنه خالق سبحانه لكل شيء فإنه موجود جل وعلا:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الزمر: 63].

(1)

أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب تفسير سورة (والطور) حديث رقم (4375).

(2)

مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، (5/ 107)

(3)

النبوات، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق الدكتور عبد العزيز الطويان، أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1420 هـ، (1/ 292).

ص: 17

2 -

دليل العناية والاتقان: عناية الله تعالى بعباده بإرسال الرسل دليل على وجوده سبحانه، فإن ما جاءت به الرسل من شرائع الله تعالى المتضمنة لجميع ما يصلح الخلق يدل على أن الذي أرسلهم بها رب رحيم حكيم، ولا سيما هذا القرآن المجيد الذي أعجز البشر والجن أن يأتوا بمثله.

(1)

يقول الله سبحانه وتعالى مبيناً إرساله الرسل إلى عباده: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)[فاطر: 24]. قال ابن كثير رحمه الله: وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل ".

(2)

ولا شك أن النظر والتدبر في السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات، وما فيها من فعل معجز وتدبير محكم وعناية واتقان؛ يدل بوضوح على وجود الرب الخالق الحكيم؛ الذي أتقن كل شيء خلقه، يقول الله جل وعلا مبيناً هذا الاتقان:{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].

وقد وردت آيات كثيرة تشير إلى هذا المعنى؛ ومنها قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} [النبأ: 6 - 8]، وقوله تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان: 61] وقوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ([الغاشية: 17 - 19]. " وهذه الآيات تدل على الحث على التفكر في مخلوقات الله تعالى الدالة على توحيده سبحانه، فإذا تم توحيده، لزم الإقرار بوجوده سبحانه.

(3)

(1)

شرح العقيدة الواسطية، محمد العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة السادسة، 1421 هـ، الدمام (32 - 33).

(2)

تفسير القرآن العظيم، اسماعيل بن كثير الدمشقي، دار الفيحاء- دمشق، دار السلام- الرياض، الطبعة الأولى، 1414 هـ، (3/ 729).

(3)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الطبعة الأولى، 1421 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، (906، 922).

ص: 18

رابعاً: دلالة الحس على وجود الله عز وجل

دل الحس على وجود الله، فإن الإنسان يدعو الله عز وجل، يقول: يا رب! ويدعو بالشيء، ثم يستجاب له فيه، وهذه دلالة حسية، هو نفسه لم يدع إلا الله، واستجاب الله له، رأى ذلك رأي العين. وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في عصرنا، أن الله استجاب لهم. فالأعرابي الذي دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة قال: هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا قال أنس: والله، ما في السماء من سحاب ولا قزعة (أي: قطعة سحاب) وما بيننا وبين سلع (جبل في المدينة تأتي من جهته السحب) من بيت ولا دار. وبعد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فوراً خرجت سحابة مثل الترس، وارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت، وبرقت، ونزل المطر، فما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام.

(1)

وهذا أمر واقع يدل على وجود الخالق دلالة حسية. وفي القرآن الكثير من الأدلة على ذلك منها قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَه .. ا} لآية [الأنبياء: 83 - 84].

(2)

ومن الادلة الحسية كذلك على وجود الله عز وجل هو مشاهدة معجزات الأنبياء، فإنها تدل على أن مرسلهم موجود سبحانه وتعالى، وفي القرآن الكريم ما يؤيد دلالة المعجزة على إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى، وذلك في المحاورة التي وقعت بين موسى عليه السلام وفرعون الجاحد لرب العالمين حيث قال الله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ*قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ*قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ*قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ*قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ*قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ*قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ*قَالَ فَأْتِ بِهِ

(1)

رواه البخاري برقم (933)، ومسلم برقم (897)

(2)

شرح العقيدة الواسطية، محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية، 1415 هـ الدمام، (1/ 56).

ص: 19

إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ*فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ*وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِين ([الشعراء: 23 - 33].

فهذه الآيات تبين أن فرعون أنكر الرب تعالى، وأن موسى عليه السلام أقام عليه الحجة التي تعتبر دليلاً على صدق كونه رسولاً من رب العالمين، والآيات هي اليد والعصى، كما أن هناك آيات أخرى وهي، نقض الثمرات، والسنين والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وهي تسع آيات بينات

(1)

. وأما معجزات عيسى عليه السلام فكانت متعددة يبينها قول الله تعالى: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ} [ال عمران: 49]

(2)

. وأما معجزات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فكثيرة؛ ولكن أعظمها معجزة القرآن الكريم. وذلك لأنها معجزة باقية على مر الزمن، ناطقة بنبوته عليه الصلاة والسلام في كل زمان ومكان، بينما سائر المعجزات الأخرى التي أيد الله تعالى بها سائر أنبيائه قد انتهت وذهبت وأصبحت تاريخاً يُذكر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وأما الذين سلكوا طريق الحكمة، فلهم أيضاً مسالك؛ مثل أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى إذا بعث رسولاً أمر الناس بتصديقه وطاعته، فلا بد أن ينصب لهم دليلاً يدل على صدقه، فإن إرسال رسولاً بدون علامة وآية تعرف المرسل إليهم أنه رسول: قبحٌ، وسفه في صرائح العقول، وهو نقص في جميع الفطر ".

(3)

(1)

الرسل والرسالات، عمر بن سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، الطبعة الأولى، الكويت، 1401 هـ (128).

(2)

الرسل والرسالات، الأشقر، (130).

(3)

النبوات، ابن تيمية، (2/ 889).

ص: 20

‌المبحث الثاني: أثر الشك في وجود الله عز وجل على عقيدة المسلم

الإيمان بالله تعالى هو أحد أركان الإيمان، ويدخل في الإيمان بالله تعالى الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى؛ وهو أمر من أمور الغيب الواجب الإيمان بها، ومن أنكر شيئاً من أمور الغيب فهو خارج من الإسلام، فإن من اركان الإيمان: الإيمان بالله تعالى بمعرفته والتيقن بوجوده والإيمان بربويته وأسمائه وصفاته

(1)

، ويرى السلف رحمهم الله أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، ويقولون: هو قول وعمل ومعرفة، أي: اعتقاد ونية

(2)

.

والشك في وجود الله تعالى مخالف للفطر السليمة كما تقدم؛ لكن نظراً لانتشاره في السنوات الأخيرة بشكل مخيف في البلاد الإسلامية

(3)

، كان لزاماً بيان أثره على عقيدة المسلم، فإن الشك في وجود الله عز وجل هو في الحقيقة شك في ربوبيته سبحانه وتعالى، فمن شك أنه لا يوجد رب خالق مالك متصرف في هذا الكون فقد وقع في الكفر، ومن أنكر ربوبية الله عز وجل فإنه سينكر ألوهيته من باب أولى؛ إذ لا يمكن أن يتعبد الإنسان معدوماً؛ ونظراً لأن الشك في ربوبية الله تعالى يؤدي إلى الكفر؛ لتعلقه بالاعتقاد الذي يجب على المسلم اعتقاده

(4)

؛ فسأبين في هذا المبحث؛ حكم الشك في وجود الله تعالى، وما يترتب على الشك في وجوده سبحانه وتعالى؛ فيما يلي:

(1)

اعتقاد أهل السنة والجماعة، الإمام عدي من مسافر (467 - 558 هـ)، تحقيق: أحمد فريد المزيد، مطبوع مع كتاب أصول السنة للإمام أحمد، دار الكتب العلمية، 1427 هـ، بيروت، ص:(283).

(2)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، هبة الله بن الحسن اللالكائي، دار ابن حزم، ط 1، 1426 هـ، بيروت، (2/ 95)، (4/ 403 - 415)، كتاب اعتقاد أهل السنة، الاسماعيلي، ص:(43)، كتاب الإيمان، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط 2، 1403 هـ، بيروت، ص:(50)،.

(3)

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، مانع بن حماد الجهني، الطبعة الخامسة، 1424 هـ، دار الندوة العالمية، الرياض (2/ 803 - 804).

(4)

الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة، الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسن البيهقي، دار الكتب العلمية، ط 2، 1406 هـ، لبنان، ص:(95)، كتاب الإيمان، الحافظ محمد بن إسحاق بن يحي بن مندة، تحقيق: أ. د. علي بن محمد الفقيهي، دار الفضيلة، ط 4، 1421 هـ، الرياض، (1/ 123)، كتاب اعتقاد أهل السنة، الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي (277 - 371)، ط 1، دار المنهاج، 1430 هـ، الرياض، ص:(35).

ص: 21

‌أولاً: حكم الشك في وجود الله تعالى

لكي يتضح حكم الشك في وجود الله تعالى؛ فلا بد من بيان اعتقاد السلف في حكم من شك في وجود الله تعالى، وإيضاح الرد على من احتج بشك الأنبياء، وأن الشك في وجود الله تعالى يؤدي إلى الكفر فيما يلي:

1 -

اعتقاد السلف في حكم من شك في وجود الله تعالى

يعتقد السلف رحمهم الله أن الله تعالى موجود؛ وأنه رب العباد وخالقهم ومُوجدهم من العدم، وأنه خالق كل شيء

(1)

، وأن الله تعالى ممستوي على عرشه بائن من خلقه أحاط بكل شيء علماً ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

(2)

. ولهذا يقول السلف رحمهم الله: " إثبات الله عز وجل إثبات وجود لا إثبات كيفية "

(3)

.

ويعتقد السلف بأن الإيمان بالله تعالى هو أحد أركان الإيمان الستة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور: (الإِيمَان أَنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)

(4)

.

وبناء على ذلك فإن أول أركان من ركن الإيمان هو الإيمان بالله عز وجل، ويتضمن الإيمان بالله عز وجل الإيمان بما يلي

(5)

:

(1)

الاعتقاد على مذهب السلف، البيهقي، ص:(8 - 10)، بيان المعاني في شرح مقدمة أبي زيد القيرواني، صالح بن فوزان الفوزان، دار ابن الجوزي، ط 1، 1435 هـ، الدمام، ص:(50).

(2)

أصول السنة واعتقاد الدين، الإمام عبد الرحمن بن حاتم الرازي، (ت 327 هـ)، تحقيق: أحمد فريد، طبع مع كتاب أصول السنة للإمام أحمد، دار الكتب العلمية، 1427 هـ، بيروت، ص:(133).

(3)

جواب أبي بكر الخطيب البغدادي عن سؤال بعض أهل دمشق في الصفات، طبع بذيل كتاب اعتقاد أهل السنة للاسماعيلي، تقريظ: حماد الأنصاري، ط 2، دار المنهاج، 1430 هـ، الرياض، ص:(72).

(4)

أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان رقم (8).

(5)

شرح أصول الإيمان، محمد بن صالح العثيمين، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1410 هـ، الرياض، ص: 15 - 23

ص: 22

أ - الإيمان بوجوده، أي: أنه موجود سبحانه وتعالى.

ب - الإيمان بربوبيته، أي: أنه سبحانه هو الرب لا شريك له ولا معين.

ت - الإيمان بألوهيته، أي: أنه الإله الحق لا شريك له.

ث - الإيمان بأسمائه وصفاته، أي: إثبات ما أثبتع الله تعالى في كتابه، أو أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.

وأما الشك في وجود الله تعالى فيرى السلف أنه كفر بالله سبحانه وتعالى، وهو ما يسمونه كفر الشك،

(1)

وهو التردد، وعدم الجزم بصدق الرسل، ويقال له كفر الظن، وهو ضد الجزم

(1)

قسم العلماء الكفر إلى عدة أقسام تندرج تحتها كثير من صور الشرك وأنواعه وهي:

1) كفر الجحود والتكذيب: وهذا الكفر تارة يكون تكذيباً بالقلب ــ وتارة يكون تكذيبا باللسان أو الجوارح وذلك بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرا مع العلم به ومعرفته باطناً، ككفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى عنهم:(فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به)[البقرة: 89] وقال سبحانه أيضا: (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)(البقرة: 146) وذلك أن التكذيب لا يتحقق إلا ممن علمَ الحقَّ فرده ولهذا نفى الله أن يكون تكذيب الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم على الحقيقة والباطن وإنما باللسان فقط؛ فقال تعالى: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الأنعام/ 33 وقال عن فرعون وقومه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)[النمل/ 14]، ويلحق بهذا الكفر كفر الاستحلال فمن استحل ما عَلِم من الشرع حرمته فقد كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وكذلك من حَرَّم ما عَلِم من الشرع حِله.

[(أعلام السنة المنشورة 177) و (نواقض الإيمان القولية والعملية، عبد العزيز آل عبد اللطيف (36 – 46)، ضوابط التكفير، عبد الله القرني (183 – 196)]

2) كفر الإعراض والاستكبار: ككفر إبليس إذ يقول الله تعالى فيه: (إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)[البقرة/ 34]. وكما قال تعالى: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) النور/ 47 فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل، وإن كان أتى بالقول. فتبين أن كفر الإعراض هو: ترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به سواء كان قولا أو عملا أو اعتقادا. يقول تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ)[الأحقاف/ 3] فمن أعرض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول كمن قال لا أتبعه، أو بالفعل كمن أعرض وهرب من سماع الحق الذي جاء به أو وضع أصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع، أو سمعه لكنه أعرض بقلبه عن الإيمان به، وبجوارحه عن العمل فقد كفرَ كُفْر إعراض.

3) كفر النفاق: وهو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله، مع الانقياد ظاهرا رئاء الناس ككفر ابن سلول وسائر المنافقين الذين قال الله تعالى عنهم:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ .. الخ الآيات) البقرة/ 8–20

4) كفر الشك والريبة: وهو التردد في اتباع الحق أو التردد في كونه حقاً، لأن المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول حق لا مرية فيه، فمن جوَّز أن يكون ما جاء به ليس حقا ًفقد كفر؛ كفر الشك أو الظن كما قال تعالى:(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً. قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً)[الكهف: 35 - 38].

ص: 23

واليقين. وقد يعبر عنه السلف بالنية؛ قال ابن مندة رحمه الله

(1)

: " ذكر وجوب النية للإسلام والإيمان بالله وحده لا شريك له "

(2)

.

والدليل على كفر الشك قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ الساعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَواكَ رَجُلًا لَكِنا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 35 - 38]. قال ابن جرير الطبري رحمه الله: " {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} وظلمه نفسه: كفره بالبعث، وشكه في قيام الساعة، ونسيانه المعاد إلى الله تعالى، فأوجب لها بذلك سخط الله وأليم عقابه، وقوله:{قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} يقول جلّ ثناؤه: قال لما عاين جنته، ورآها وما فيها من الأشجار والثمار والزروع والأنهار المطردة شكاً في المعاد إلى الله: ما أظنّ أن تبيد هذه الجنة أبدا، ولا تفنى ولا تَخْرب، وما أظنّ الساعة التي وعد الله خلقه الحشر فيها

(1)

هو الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يحي بن مندة، ولد في سنة عشر وثلاثمائة أو إحدى عشر وثلاثمائة بأصبهان، ونشأ نشأة علمية فوالده وجده أئمة، رحل في طلب العلم إلى نيسابور والعراق والمدينة وغيرها، توفي سنة 395 هـ، (مقدمة كتاب الإيمان، ابن مندة، مرجع سابق، (1/ 22 - 51).

(2)

كتاب الإيمان، ابن مندة، (1/ 154).

ص: 24

تقوم فتحدث، ثم تمنى أمنية أخرى على شكّ منه، فقال:(وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي) فرجعت إليه، وهو غير موقن أنه راجع إليه "

(1)

ومن الأدلة الواضحة كذلك على كفر من شك في وجود الله عز وجل قول الله سبحانه وتعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [إبراهيم: 10]، قال ابن كثير: أفي الله شك؟ وهذا يحتمل شيئين؛ أحدهما؛ أفي وجوده شك، إن الفطر شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب، فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده; ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه (فاطر السماوات والأرض) الذي خلقها وابتدعها على غير مثال سبق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليها، فلا بد لها من صانع، وهو الله لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه ومليكه.

والمعنى الثاني في قولهم: (أفي الله شك) أي: أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك، وهو الخالق لجميع الموجودات، ولا يستحق العبادة إلا هو، وحده لا شريك له; فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى "

(2)

.

والسلف رحمهم الله لا يفرقون بين من شك في الله، أو في الملائكة، أو في الرسل، أو في البعث، أو في الجنة، أو في النار، أو في شيء مما بلغه عن خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم: فيقولون هو كافر، ويستدلون على ذلك بما رواه أبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ

(1)

جامع البيان عن تأويل آي القران، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد عبد الرزاق البكري وآخرون، دار السلام، الطبعة الأولى، 1425 هـ، القاهرة (7/ 5350).

(2)

تفسير القران العظيم، ابن كثير، (2/ 691).

ص: 25

فِيهِمَا، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ

(1)

. وبما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُوحِيَ إِلَيَّ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ، يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه ِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ، وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ)

(2)

. فسبب الكفر هنا هو الشك فالحديث الأول دل على أن من شروط لا إله إلا الله؛ اليقين المنافي للشك

(3)

، وأما الحديث الثاني فيدل على يقين المؤمن بشهادة أن محمداً رسول الله، إذا يقال له:(قد علمنا إن كنت لموقناً به، وأما المنافق فهو شاك محتار؛ ولذلك يقول: (سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته). ويدل على ذلك أيضاً حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ عن الميت: (وَيُجْلَسُ الرَّجُلُ السُّوءُ فِي قَبْرِهِ، فَزِعًا مَشْعُوفًا، فَيُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، فَيُقَالُ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا، فَقُلْتُهُ،

إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ، عَلَى الشَّكِّ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مُتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).

(4)

ومن الأدلة كذلك على كفر من شك بالله تعالى، هو عدم اليقين بما جاء في كتاب الله تعالى، فإن ذلك تكذيب للقرآن الكريم الذي هو كلام الله تعالى، ومن كذب الله تعالى فلا شك في كفره.

(5)

والنبي صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن ربه عز وجل فمن شك في

(1)

رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب مَنْ لَقِي اللَّهَ بِالْإِيمَانِ وَهُو غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحُرِّمَ عَلَى النَّارِ (27).

(2)

رواه البخاري في كتاب العلم، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس، حديث رقم (86)، ورواه مسلم في كِتَاب الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ، بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، حديث رقم (963).

(3)

ذكر أهل العلم أن ل لاإله إلا الله سبعة شروط وهي: (العلم ـ اليقين – الإخلاص – الصدق – المحبة – الانقياد – القبول (معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، حافظ بن أحمد حكمي، الطبعة الثالثة، دار ابن القيم، 1415 هـ، الدمام، 1/ 32).

(4)

رواه ابن ماجة (4268) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجة ".

(5)

شرح السنة، حسن بن علي بن خلف البربهاري، ط 1، دار الآثار، 1429 هـ، القاهرة، ص:(455).

ص: 26

صدقه؛ فهو مكذب به، قال القاضي عياض رحمه الله بعد أن ذكر بعض المكفرات -:" وكذلك من أضاف إلى نبينا صلى الله عليه وسلم تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقه، أو سبه، فهو كافر بإجماع "

(1)

.

ولذلك يرى السلف رحمهم الله أن من قال: لا إله إلا الله لا يدخل الجنة إلا إذا قالها غير شاك بها، وإنما متيقناً معتقداً بقلبه.

(2)

والشك في وجود الله من المسلم ردة عن الإسلام، فإن "الردة قد تكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد، فمن اعتقد عدم وجود الله عز وجل أو شك في ذلك فإنه مرتد خارج من الإسلام"

(3)

.

2 -

جواب السلف على من احتج بشك الأنبياء

فيما تقدم تبين اعتقاد السلف في حكم من شك في وجود الله تعالى، ونظراً لأن هناك من يحتج بما حصل من بعض الأنبياء من شك كما ذكره الله تعالى عنهم كإبراهيم، ولوط، ويوسف عليهم السلام

(4)

، فإن هذه الحجة ليست صحيحة وهي داحضة ولا يلتفت إليها، وذلك لأن جميع الأنبياء قد زكاهم الله تعالى في كتابه الكريم في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [58]، وأما قول إبراهيم عليه السلام كما أخبر الله تعالى عنه:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]. فقد ذكر أهل

(1)

الشفا، القاضي عياض، (2/ 608).

(2)

كتاب الإيمان، ابن مندة، (1/ 212 - 227).

(3)

العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، مدحت بن الحسن ال فراج، مكتبة الرشد، ط 6، 1428 هـ، الرياض، ص:(206).

(4)

كتاب الإيمان، ابن مندة، مرجع سابق (1/ 488 - 489).

ص: 27

العلم أن ذلك من الوساوس التي تأتي الإنسان وقلبه مطمئن بالإيمان، وذلك لا يؤثر على اليقين، وعلى هذا بوب ابن مندة رحمه الله في كتاب الإيمان بقوله: ذكر درجات الأنبياء في الوساوس مع اليقين، قال ابن حجر رحمه الله:" واختلف السلف في المراد بالشك هنا، فحمله بعضهم على ظاهره وقال: كان ذلك قبل النبوة، وحمله أيضا الطبري على ظاهره وجعل سببه حصول وسوسة الشيطان، لكنها لم تستقر ولا زلزلت الإيمان الثابت. عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: أرجى آية في القرآن هذه الآية وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى الآية، قال ابن عباس: هذا لما يعرض في الصدور ويوسوس به الشيطان، فرضي الله من إبراهيم عليه السلام بأن قال: بلى. وذهب آخرون إلى تأويل ذلك، قال " لما اتخذ الله إبراهيم خليلا استأذنه ملك الموت أن يبشره فأذن له " فذكر قصة معه في كيفية قبض روح الكافر والمؤمن، قال " فقام إبراهيم يدعو ربه: رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك " وفي رواية قال " ليطمئن قلبي بالخلة " وعن سعيد بن جبير قال: ليطمئن قلبي أني خليلك " وعن ابن عباس " لأعلم أنك أجبت دعائي، ثم اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك فقال بعضهم: معناه نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم، وقيل معناه إذا لم نشك نحن فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أنه لم يشك. وإنما قال ذلك تواضعا منه، أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، وقيل: معناه هذا الذي ترون أنه شك أنا أولى به لأنه ليس بشك إنما هو طلب لمزيد البيان، وله:(قال أولم تؤمن) الاستفهام للتقرير، ووجهه أنه طلب الكيفية وهو مشعر بالتصديق بالإحياء. قوله:(بلى ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزيد سكونا بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب، لأن

ص: 28

تظاهر الأدلة أسكن للقلوب، وكأنه قال أنا مصدق، ولكن للعيان لطيف معنى. وقال عياض: لم يشك إبراهيم بأن الله يحيي الموتى، ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة الإحياء فحصل له العلم الأول بوقوعه، وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته، ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين وإن لم يكن في الأول شك لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين والله أعلم. "

(1)

. وأما ما قيل عن شك لوط عليه السلام في قدرة الله عز وجل؛ فقال ابن حجر رحمه الله مفنداً ذلك: "قوله: (يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد)

(2)

أي إلى الله سبحانه وتعالى، ويشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ويقال إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لأنهم من سدوم وهي من الشام وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط، فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم فقال: لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني"

(3)

. قال رحمه الله: " وله: (ولو لبثت في السجن طول ما لبث، يوسف لأجبت الداعي)

(4)

أي أسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدمت طلب البراءة، فوصفه بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعا، والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وجلالا، وقيل هو من جنس قوله لا تفضلوني على يونس وقد قيل إنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع ".

(5)

(1)

فتح الباري، ابن حجر، (6/ 498 - 500).

(2)

رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب ولوطا إذ قال لقومه، حديث رقم (33375).

(3)

فتح الباري، ابن حجر، (6/ 503 - 504).

(4)

رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب ونبئهم عن ضيف إبراهيم، برقم (3372) ورواه مسلم في كتاب الفضائل في باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، حديث رقم (2369).

(5)

فتح الباري، ابن حجر (6/ 500).

ص: 29

‌ثانياً: ما يترتب على الشك في وجود الله عز وجل

تبين لنا فيما سبق أن من شك في وجود الله عز وجل فقد كفر بالله وخرج من الإسلام، وبالتالي فيحكم بردته ويترتب على ذلك ما يترتب على الردة من أحكام، ويمكن بيان ذلك فيما يلي:

1 -

يستتاب إذا أظهر ما يدل على ذلك فإن تاب وإلا قتل: فإن المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ، وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا، وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ "

(1)

. وقد دلت السنة الصحيحة على وجوب قتل المرتد، فعن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)

(2)

. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)

(3)

.

2 -

حبوط عمله لردته: لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].

(4)

(1)

المغني، ابن قدامة (9/ 18). أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية، الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، دار العلوم، الطبعة الثانية، 1303 هـ، الرياض، (164 - 171).

(2)

رواه البخاري برقم (6922).

(3)

رواه البخاري برقم (6484)، ومسلم برقم (1676).

(4)

أحكام الردة، السامرائي، (265).

ص: 30

3 -

خروجه من الإسلام لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 54 - 56].

(1)

والخروج من الإسلام هنا هو ردة كما تقدم، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:" قوله تعالى هاهنا: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) أي: يرجع عن الحق إلى الباطل ".

(2)

4 -

ينفسخ نكاحه، ويفرق بينه وبين زوجته.

(3)

وعلى ذلك يدل قوله تعالى: {وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221]. وهذا عام لا تخصيص فيه، سواء كان كافراً كفراً أصلياً، أو مرتداً عن الإسلام.

(4)

5 -

لا يغسل، ولا يكفن، ولا يرث ولا يورث، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

(5)

لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]. فحبوط العمل هنا لفقد شرط الإسلام؛ واستمرار المرتد على ردته.

(6)

6 -

يُمنَع من التصرُّف في ماله في مدة استتابته، فإن أسلَم فهو له، وإلا صار لبيت المال، من حين قتله، أو موتِه على الردة، وقيل: من حين ارتداده يُصرَف في مصالح المسلمين.

(7)

(1)

أحكام الردة، السامرائي، (61).

(2)

تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، 2/ 97

(3)

أحكام الردة، السامرائي (217).

(4)

تيسير الكريم المنان، ابن سعدي، (99)

(5)

أحكام الردة، السامرائي، (233).

(6)

تيسير الكريم المنان، ابن سعدي، (97).

(7)

أحكام الردة، السامرائي، (198).

ص: 31

‌المبحث الثالث: أثر الوسواس في وجود الله عز وجل على عقيدة المسلم

يعرض للمسلم وسواس في وجود الله عز وجل، وقد يقع المسلم في حرج من هذه الوسواس، لا سيما وهذه الوسواس يتعلق بالله سبحانه وتعالى، وفيما يلي بيان لهذا الوسواس وحكمه:

‌1 - الوسواس في وجود الله عز وجل

هناك فرق واضح بين الشك والوسواس؛ فالشك كما سبق بيانه هو عدم اليقين، ولا يجتمع الشك مع اليقين مطلقاً، بينما الوسواس هو أمر طارئ مع وجود اليقين في القلب، والشك يكون باختيار الإنسان؛ أما الوسوسة فبغير اختياره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " هناك فرق بين الشك والوسوسة، فالوسوسة هي مما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان "

(1)

.

ويعتقد السلف أن الله سبحانه خلق الشياطين؛ وأنهم يوسوسون للآدميين، ويقصدون استزلالهم، والترصد لهم، لقول الله عز وجل:{إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وأن الله تعالى يسلطهم على من يشاء ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء، قال الله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ

(1)

مجموع الفتاوي (14/ 18) وانظر: الضياء الشارق، سليمان بن سحمان، عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الخامسة، 1414 هـ، (374).

ص: 32

لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء: 65]. وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98، 100].

(1)

وقد أعطي الشيطان القدرة على أن يصل إلى قلب الإنسان، كما في الحديث الصحيح (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً) أو قال: (شيئاً)

(2)

.

والقرآن وصف الشيطان المطلوب الاستعاذة منه بأنّه {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس: 5]، وقد صح أيضاً أنّ لكل إنسان قريناً من الجنّ يأمره بالشرّ، ويحثه عليه، وفي القرآن (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [ق: 27].

ولا يتخلص المرء من هذا إلا بالالتجاء إلى الله (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ *)[الناس: 1 - 6].

وشياطين الجنّ يقومون بدور كبير في إفساد الفطرة وتدنيسها، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فكان مما جاء في خطبته:(ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كلّ مال نحلته عبادي حَلالٌ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً)

(3)

(4)

.

والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

(1)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث، الصابوني، ص:(296).

(2)

رواه البخاري في كتاب الأحكام، حديث رقم (6750)، ورواه مسلم برقم (2175).

(3)

رواه مسلم برقم، (2765).

(4)

العقيدة في الله، الأشقر، (71).

ص: 33

(1)

.

(2)

وهذا يجعل خطورته أشد؛ حتى يصل بالمسلم إلى تشكيكه في خالقه قائلاً من خلق الله، ففي الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا، حتى يقول له: من خلق ربك؟، وفي رواية أخرى: قال: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: فمن خلق الله؟)

(3)

.

وقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى في كتابه أن للشيطان خطوات؛ لا يرضى ولا يتوقف حتى يوقع الإنسان في الكفر؛ فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]. قال ابن جرير رحمه الله: " اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلها، وادخلوا في التصديق به قولا وعملا ودعوا طرائق الشيطان وآثاره أن تتبعوها فإنه لكم عدو مبين لكم عداوته.

(4)

وكما أن الشيطان يوسوس فكذلك، فإن النفس توسوس بالسوء، والنفس أمّارة بالسوء إلا من رحم الله كما قال الله سبحانه في سورة يوسف عليه السلام:(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)[يوسف: 53]. قال السعدي رحمه الله: " {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يُدْخَلُ على الإنسان {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} فنجَّاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصِيّةٌ عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده.

(5)

(1)

سبق تخريجه، ص: 24

(2)

عالم الجن والشياطين، عمر بن سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، الكويت، الطبعة الثانية، 1401 هـ (22).

(3)

رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، برقم (6366)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، برقم (134).

(4)

جامع البيان عن تآويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، (2/ 1122).

(5)

تيسير الكريم المنان، السعدي، ص:(400).

ص: 34

‌2 - تأثير الوسواس على عقيدة المسلم

قد يخشى كثير من المسلمين من أن الوسواس له تأثير على عقيدة المسلم، ولكن يرى علماء السلف أن الوسواس ليس له تأثير فيما إذا عالجه المسلم ولم يسترسل معه ويفعل بسببه ما يؤثر من مؤثرات أخرى تقدح في عقيدته

(1)

، وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم تأثير الوسواس على العقيدة فقال:(الحمد لله الذي رد كيده للوسوسة)

(2)

، وقال:(فإذا عرض لأحدكم فلينته)

(3)

عن ابي هريرة "فإذا بلغه فاليستعذ بالله ولينتهي ".

فدل الحديث الأول على أن الوسواس من فعل الشيطان؛ الذي من طبيعته الوسوسة، ولذلك أمرنا الله تعالى بالاستعاذة منه فقال سبحانه في سورة الناس:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ) ثم ذكر المستعاذ منه فقال: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ *الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)[الناس: 1 - 6]. وأما الحديث الثاني فيدل على الأمر بعدم الاسترسال حتى لا يؤدي بالمسترسل إلى أمور محرمة، وهذا يدل على عدم تأثير الوسوسة على العقيدة؛ ما دام القلب مطمئن بالإيمان، قال ابن القيم رحمه الله:" وهذه الوسوسة قوة للقلب الحي ".

(4)

وعندما اشتكى الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه و وسلم ما كانوا يجدونه من الوسوسة؛ فقالوا: (إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به) قال: أوجدتموه؟ قالوا: نعم. قال لهم) ذاك صريح الإيمان) وفي رواية: محض

(1)

السنة، ابن أبي عاصم، (1/ 455 - 459).

(2)

رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (667)، من طريق إسحاق بن يوسف به، وسنده حسن رجاله رجال الصحيح. رواه البخاري في صحيحه برقم (3276) ومعلم رقم (134)

(3)

رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، حديث رقم (3102)، ومسلم في الإيمان باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها رقم (136).

(4)

إغاثة اللهفان، ابن القيم، (10/ 10)، كتاب الإيمان، ابن مندة، (1/ 471)

ص: 35

الإيمان

(1)

. وفي رواية: (سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد الشيء لو خرّ من السماء؛ فتخطفه الطير كان أحب إليه مما يتكلم به؛ قال: ذاك محض الإيمان، أو صريح الإيمان).

(2)

قال النووي رحمه الله: " (ذلك صريح الإيمان، ومحض الإيمان) معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك ".

(3)

وقال ابن القيم رحمه الله: " فهذا دليل صريح على الإيمان، بل هذا عمل قلبي قد زاد إيمان العبد ".

(4)

" وقال البيضاوي

(5)

قوله صلى الله الله عليه وسلم: (ذاك) إشارة إلى ما دل عليه قولهم (يتعاظم) أي: يتعاظم علمكم بفساد تلك الوساوس، وامتناع نفوسكم والتجافي عن التفوه به؛ صريح الإيمان ".

(6)

ومما يدل على أن الوسواس لا أثر له عند أهل السنة والجماعة؛ مالم يعمل العبد أو يتكلم

(7)

؛ هو قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها؛ مالم يتكلموا أو يعملوا به)

(8)

.

(1)

رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها برقم (132).

(2)

رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها برقم (132).

(3)

شرح مسلم، النووي، (1/ 318).

(4)

زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة- مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، ط 3، 1402 هـ، (3/ 19)، الإيمان معالمه وسننه واستكمال درجاته، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، دار الأرقم، ط 2، الكويت، (64).

(5)

القاضي عبد الله بن عمر البيضاوي، ولد في مدينة الدار البيضاء بفارس، وإليها نسبته، قرب شيراز، ولا تعلم سنة ولادته، وهو شافعي المذهب أشعري العقيدة، من مؤلفاته: أنوار التنزيل وأسرار التأويل - منهاج الأصول لعلم الأصول - شرح المحصول في أصول الفقه - منتهى المنى في شرح أسماء الله الحسنى _ وغيرها، توفي ببلاد فارس سنة 685 هـ (تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، عبد الله بن عمر البيضاوي، تحقيق: أ. د. محمد بن إسحاق بن محمد إبراهيم، ط 1، 1420 هـ، الرياض (12 - 21).

(6)

تحفة الأبرار، البيضاوي، (137).

(7)

كتاب الإيمان، ابن مندة، (1/ 475 - 477).

(8)

رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيا في الأيمان، حديث رقم (6287) ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر، حديث رقم (127).

ص: 36

‌المبحث الرابع: علاج الشك في وجود الله عز وجل

الأصل أن المسلم لا يتعرض لما يشككه في دينه، سواء كان ذلك بالاطلاع على مؤلفات الكفّار، أو بمن تأثر بالفلاسفة، أو بعقيدة المعتزلة ومن وافقهم في دعوتهم لإثبات وجود الله تعالى بالشك كما تقدم، أو بالإلحاد المعاصر ودعاته الذين يستهدفون به المسلمين

(1)

، أو بما يبثه العصرانيون في كتبهم وأطروحاتهم

(2)

، أو بما يعرض في وسائل التواصل المختلفة، حفاظاً على إيمانه، وذلك من أجل أن تسلم عقيدته، وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه

(1)

قال شيخنا الدكتور غالب عواجي رحمه الله: " أما بالنسبة لظهور الإلحاد في بلاد المسلمين؛ فإنه يعود إلى أسباب كثيرة من أهمها حالة الانبهار بظهور هذه الماديات التي ظهرت على أيدي غير المؤمنين بالله تعالى، وما أصاب قلوب ضعفاء الإيمان من انبهار تام برونق تلك الحياة الزائفة الزائلة

وعلى كل حال فقد ظهر الإلحاد بشكله الجديد المدروس كبديل لكل الأديان، وزعماؤه هم البديل الجديد عن الأنبياء والرسل، والمتمسكون بالإلحاد هم المتطورون المتقدمون، والتاركون له هم الرجعيون المتخلفون، وللباطل صولة ثم يضمحل ". [المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها، د. غالب ين علي عواجي، المكتبة العصرية الذهبية، ط 1، 1327 هـ، جدة، 2/ 1013 - 1014].

(2)

العصرانيون كما يطلق عليهم في عصرنا الحاضر أنكروا الغيب؛ بدعوى مواكبة العصر، وزعموا أن من أنكره لا يخرج من الإسلام، كما يقول الدكتور حسن حنفي حيث يقول: يمكن للمسلم المعاصر أن ينكر الجانب الغيبي في الدين، ويكون مسلماً بسلوكه، ويرى زكي نجيب محفوظ أن الغيب خرافة، والإيمان به خرافة، وقد سبقهم المعتزلة فأنكر النظّام وجود الجن، ورد المعتزلة كثيراً من العقائد الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعذاب القبر، والإيمان بالحوض، والصراط، والميزان، والشفاعة، ورؤية الله في الدار الآخرة، وردوا الأحاديث الواردة في الصحيحين. (العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب، محمد حامد الناصر، مكتبة الكوثر، ط 2، 1422 هـ، ص: (395).

ص: 37

وسلم على عمر رضي الله عنه عندما وجد في يديه ورقات من التوراة وقال عليه الصلاة والسلام: (أمتهوكون

(1)

فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني)

(2)

.

وأما علاج الشك في وجود الله عز وجل عندما يوجد لدى المسلم فيكون بالتوبة إلى الله سبحانه؛ والإيمان به، واليقين التام بوجوده، والإقرار بأنه هو الخالق الرازق المدبر لهذا الكون، وهذا هو توحيد الربوبية، ولا يقتصر المكلف على هذا النوع من التوحيد؛ بل لا بد من توحيد الألوهية؛ وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى " و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا " [البقرة: 23]. "دليل على ان الذي يرجى له الهداية من الضلالة هو الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلالة. فهذا الذي إذا بين له الحق حري باتباعه؛ ان كان صادقاً في طلب الحق، و أما المعاند الذي يعرف الحق و يتركه فهذا لا يمكن رجوعه؛ لأنه ترك الحق بعد ما تبين له، و لم يتركه عن جهل فلا حيلة فيه، و كذلك الشاك الذي ليس بصادق في طلب الحق بل هو معرض غير مجتهد بطلبه؛ فهذا في الغالب لا يوفق. ".

(3)

ولذلك نجد السلف يرون أن الشك والريب في العقائد بمعنى واحد، ومنهم من يفرق بينهما ويرى أن الشك أخص من الريب

(4)

، والتوبة منهما جميعاً واجبة؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والريب يكون في علم القلب وفي عمل القلب، بخلاف الشك، فإنه لا

(1)

قال الحسَن: (مُتَهوِّكون) أي: مُتَحيِّرون. ذكرَه البيهقيّ في شُعَب الإيمان (1/ 132).

(2)

رواه أحمد (3/ 387)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (6/ 34 رقم 1589).

(3)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، السعدي، (46).

(4)

الريب والريبة: الشك والظن والتهمة. قال القتيبي: الريبة والريب: الشك، لا ريب فيه: لا شك فيه، قال الله تعالى:(ذلك الكتاب لا ريب فيه)[البقرة: 1] أي: لا شك فيه (لسان العرب، 1/ 442).

ص: 38

يكون إلا في العلم، ولهذا لا يوصف باليقين إلا من اطمأن قلبه علماً وعملاً ".

(1)

وبذلك يكون الشك أخص من الريب، ويكون الشاك كافراً بسبب الإخلال بشرط العلم؛ الذي هو أصل قول القلب".

(2)

ولذلك فمن تاب من الشك، وآمن بوجود الله عز وجل، وأتبع ذلك بتوحيد الله تعالى توحيد العبادة تاب الله تعالى عليه، قال القاضي عياض رحمه الله:"أما مفتري الكذب عليه تبارك وتعالى بادعاء الإلهية أو الرسالة أو النافي أن يكون الله خالقه أو ربه أو قال ليس لي رب أو المتكلم بما لا يعقل من ذلك في سكره أو غمرة جنونه فلا خلاف في كفر قائل ذلك ومدعيه مع سلامة عقله كما قدمناه لكنه تقبل توبته على المشهور وتنفعه إنابته وتنجيه من القتل ".

(3)

وقد أو ضح أهل العلم أن من تاب إلى الله عز وجل؛ تاب الله تعالى عليه حتى وإن كانت معصيته شركاً بالله عز وجل، فباب التوبة مفتوح لكل من عصى الله إذا توفرت شروطها، قال تعالى:} وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {[النساء: 110]. وقال تعالى:} فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {[المائدة: 39]. قال السعدي رحمه الله: " فيغفر لمن تاب فترك الذنوب، وأصلح الأعمال والعيوب، وذلك أن لله ملك السماوات والأرض، يتصرف فيها بما يشاء من التصاريف القدرية والشرعية، والمغفرة والعقوبة، بحسب ما اقتضته حكمته، رحمته الواسعة ".

(4)

(1)

مجموع الفتاوى 14/ 108، كتاب الإيمان، ص: 268

(2)

نواقض الإيمان الإعتقادية وضوابط التكفير عن السلف، محمد بن عبد الله الوهيبي، دار المسلم، ط 2، 1426 هـ، الرياض، (2/ 73).

(3)

الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض اليحصبي، المكتبة العصرية، (د. ط) 1428 هـ بيروت، (398).

(4)

تيسير الكريم المنان، السعدي، ص:(254).

ص: 39

وذكر العلماء للتوبة أربعة شروط في أي ذنب يقترفه المسلم وهي كما يلي

(1)

:

1 -

ان تكون التوبة خالصة لله تعالى.

2 -

أن يقلع عن الذنب.

3 -

وأن يندم على ما قد مضى.

4 -

وأن يعزم في المستقبل على ألا يعود إليه.

5 -

وإذا كان الأمر يتعلق بحقوق الآدميين، سواء بأموالهم، أو أعراضهم، أو أبدانهم، فعليه أن يطلب المسامحة ممن له عليه حق، أو يؤدي الحقوق إلى أهلها.

قال ابن القيم: (والظلم عند الله عز وجل يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئًا، وهو الشرك به، فإن الله لا يغفر أن يُشْرَك به. وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئًا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضًا، فإن الله تعالى يستوفيه كله. وديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل، فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوًا، فإنه يُمحى بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، ونحو ذلك. بخلاف ديوان الشرك؛ فإنه لا يُمحى إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يُمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها)

(2)

.

فإن أخف الدوواين يمحى بالتوبة والاستغفار والله تعالى يغفر الذنوب جميعاً بدون استثناء اذا تاب العبد وأناب

(1)

رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، محيي الدين أبي زكريا النووي، دار مكتبة الحياة، 1983 هـ، ص:(11).

(2)

الوابل الصيب من الكلم الطيب، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: سيد إبراهيم، دار الحديث - القاهرة الطبعة الثالثة، 1999 م، (1/ 24).

ص: 40

‌المبحث الخامس: علاج الوسواس في وجود الله عز وجل

الوسواس يعرض للمسلم في كل أحيانه، لا سيما في عقيدته، فتوسوس له نفسه او يوسوس له الشيطان، و لا يزال الشيطان بالإنسان يوسوس له، ويحاول إضلاله كما قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور: 21].

وهذا يدل على أن الشيطان لا يزال يحاول بالمسلم حتى يصل به إلى محاولة التشكيك في وجود الله عز وجل، إضافة إلى وسوسة النفس الأمارة بالسوء، مما يوقع المسلم في الحرج والقلق؛ لا سيما في هذا الأمر العظيم؛ مما يستدعي البحث عن علاج لهذا الوسواس الذي لا يكاد يسلم منه أحد، ويمكن علاج الوسواس في وجود الله عز وجل؛ من خلال فعل الأمور التالية:

1 -

الانتهاء وقطع الوسوسة: " فإن الله تعالى جعل للأفكار والعقول حدا تنتهي إليه، ولا تتجاوزه. ويستحيل لو حاولت مجاوزته أن تستطيع، لأنه محال، ومحاولة المحال

ص: 41

من الباطل والسفه، ومن أمحل المحال التسلسل في المؤثرين والفاعلين، فإن المخلوقات لها ابتداء، ولها انتهاء. وقد تتسلسل في كثير من أمورها حتى تنتهي إلى الله الذي أوجدها وأوجد ما فيها من الصفات والمواد والعناصر {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42] فإذا وصلت العقول إلى الله تعالى وقفت وانتهت، فإنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء. فأوليته تعالى لا مبتدأ لها مهما فرضت "

(1)

. وكذلك إذا حصلت له الوسوسة، فليقطعها ويتوقف ولا يسترسل لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته).

(2)

قال ابن حجر: " فليستعذ بالله ولينته أي يترك التفكر في ذلك الخاطر ويستعيذ بالله إذا لم يزل عنه التفكر، الحكمة في ذلك ان العلم باستغناء الله تعالى عن كل ما يوسوسه الشيطان أمر ضروري لا يحتاج للاحتجاج والمناظرة فإن وقع شيء من ذلك فهو من وسوسة الشيطان وهي غير متناهية فمهما عورض بحجة يجد مسلكاً آخر من المغالطة والاسترسال فيضيع الوقت إن سلم من فتنته فلا تدبير في دفعه أقوى من الإلجاء إلى الله تعالى بالاستعاذة به.

(3)

2 -

أن يدفعه بما يضاده من الإيمان بالله ورسله، فيقول المسلم: آمنت بالله، أو يقول: الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد، لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل:(آمنت بالله)، وفي رواية:(آمنت بالله ورسله)

(4)

، وقال عليه الصلاة والسلام: فإذا قال ذلك،

(1)

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ط 4، 1423 هـ، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، (18).

(2)

رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، حديث رقم (3102)، مسلم في الإيمان باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها رقم (136 (.

(3)

فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ، (13/ 273).

(4)

رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، حديث رقم (134).

ص: 42

فقولوا: الله أحد. الله الصمد لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد)

(1)

. فإن الله عز وجل ورسله الكرام؛ أخبروا بأنه تعالى الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه تعالى المتفرد بالوحدانية، وبالخلق والإيجاد للموجودات السابقة و اللاحقة. فهذا الإيمان الصحيح الصادق اليقيني يدفع جميع ما يضاده من الشبه المنافية له، فإن الحق يدفع الباطل، والشكوك لا تعارض اليقين.

(2)

3 -

أن يتفل المسلم عن يساره، ويستعيذ من الشيطان، فقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا العلاج فقال:(ثم ليتفل عن يساره ثلاثًا، وليستعذ من الشيطان).

(3)

فاستعاذته بالله من الشيطان، لإن هذا من وساوسه وإلقائه في القلوب; ليشكك الناس في الإيمان بربهم. فعلى العبد إذا وجد ذلك: أن يستعيذ بالله منه، فمن تعوذ بالله بصدق وقوة أعاذه الله وطرد عنه الشيطان، واضمحلت وساوسه الباطلة

(4)

.

وأن يكون المسلم مطمئناً على إيمانه، ولا يترك العمل لوجود الوسوسة، لأنها لا أثر لها على الإيمان كما تقدم.

وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم أمراً الاستعاذة به سبحانه من الشيطان ومبيناً لعباده أنه ليس له سلطان على المؤمنين وأن سلطانه على الذين يتولونه فإذا قرأت القرآن

(1)

رواه أبو داود في السنن، في كتاب السنة، باب في الجهمية برقم (4722)، ورواه النسائي في باب الوسوسة برقم (10497)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (8182)، (صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1408 هـ).

(2)

السنة، أبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، تحقيق: أ. د. باسم فيصل الجوابرة، دار الصميعي، ط 2، 1426 هـ، الرياض، (1/ 45 - 455)، بهجة قلوب الأبرار، السعدي، (19).

(3)

رواه أبو داود في السنن، في كتاب السنة، باب في الجهمية برقم (4722)، ورواه النسائي في باب الوسوسة برقم (10497)، وصححه الألبناني في صحيح الجامع برقم (8182)، (صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1408 هـ).

(4)

بهجة قلوب الأبرار، السعدي، (18).

ص: 43

فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (98) أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (91) ان سلطانه على الذين يقولونه والذين هم به مشركون) (النحل 98 - 100)

قال ابن جرير رحمه الله "إنه ليس له سلطان على الذين آمنو فأستعاذوا بالله منه كما ندب الله تعالى الاستعاذة (وعلى ربهم يتوكلون) على من عرض لهم من خطواته ووساوسه"

(1)

(1)

جامع البيان الطبري، (6/ 5052)

ص: 44

‌النتائج والتوصيات

تم التوصل إلى العديد من النتائج في هذا الدراسة، ويمكن إيضاحها فيما يلي:

1 -

أن الله تعالى موجود، وهو حي قيوم، وهو سبحانه خالق الخلق وموجدهم من العدم، وهذه الحقيقة دلت عليها الفطرة السليمة، ودل عليها أيضا الشرع المطهر، والعقل السليم، كما دل عليها الحس بمشاهدة المخلوقات العظيمة، ومعجزات الأنبياء، وإجابة دعاء الداعين.

2 -

أن الشك في وجود الله تعالى كفر مخرج من الإسلام، وقد دلت الأدلة الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، على أن كفر الشك يقع من كل من شك في وجود الله سبحانه وتعالى، وإنكار وجوده عز وجل هو انكار لربوبيتة، فمن شك في ذلك فهو مكذب للرسل الله عليهم الصلاة والسلام.

3 -

أن المسلم أذا شك في وجود الله تعالى فقد ارتد عن دين الله، وتنطبق عليه أحكام الردة؛ فيستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتد ً، وأنه يخرج من الإسلام، ويحبط عمله، وينفسخ نكاحه ويفرق بينه وبين زوجته، ويمنع من التصرف في ماله مدة استتابته، وإذا مات فلا يورث ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يقبر في مقابر المسلمين.

4 -

أن الوسواس في وجود الله تعالى يكون من النفس الأمارة بالسوء، ومن الشيطان الذي يحاول أن يضل المسلم، ويدفعه للشك في وجود الله تعالى، ولذلك تشرع الاستعاذة من الشيطان ومن وساوسه.

5 -

لا أثر للوسواس على عقيدة المسلم عند السلف؛ إذا دفعه المسلم ولم يسترسل معه؛ فإذا فعل ذلك، فإنه لا يضره، وذلك صريح الإيمان.

ص: 45

6 -

أن الواجب على المسلم أن يبتعد عن كل ما يثير الشكوك في دينه؛ سواء بالاطلاع على كتب الإلحاد، أو غيرها من المجلات، أو ما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة التي تشككه في دينه أو تزعزع عقيدته.

7 -

أن علاج الشك في وجود الله عز وجل هو للتوبة من هذا الشك؛ ويلزم من ذلك الدخول في الإسلام، والإيمان بوجود الله عز وجل، والشهادة له بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

8 -

أن علاج الوسواس يكون بقطعه، وعدم الاسترسال معه، وأن يقول المسلم: آمنت بالله؛ أو يقول: آمنت بالله ورسله، أو يقول: الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد، ثم يتفل عن يساره ويستعيذ بالله من الشيطان.

9 -

أوصي إخواني الدعاة وطلبة العلم، بنشر وبيان الأحكام المتعلقة بالشك في وجود الله تعالى؛ حتى يتبين لكل مسلم، ولكي يحذر المسلمون من دعاة الضلالة الذين يدعونهم إلى الشك في وجود الله، وأن يبينوا لهم خطورة هذا الأمر وأنه كفر بالله عز وجل، ولكي يمتنعوا من طاعتهم في هذا الأمر العظيم.

10 -

أوصي إخواني من الدعاة وطلبة العلم، ببيان حكم الوسوسة في وجود الله تعالى التي ابتلي بها كثير من المسلمين، وأنها لا تؤثر على عقيدتهم، حتى تطمئن قلوبهم، ولا يتركوا الأعمال الصالحة خوفاً من وقوعهم في الشرك، وذلك لأنهم مسلمون، ولا أثر للوسوسة على دينهم، مع بيان أهمية قطع الوسوسة وعدم الاسترسال معها.

ص: 46

‌المراجع

1 -

أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية، الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، دار العلوم، الطبعة الثانية، 1303 هـ، الرياض

2 -

أصول السنة واعتقاد الدين، الإمام عبد الرحمن بن حاتم الرازي، (ت 327 هـ)، تحقيق: أحمد فريد، طبع مع كتاب أصول السنة للإمام أحمد، دار الكتب العلمية، 1427 هـ، بيروت

3 -

اعتقاد أهل السنة والجماعة، الإمام عدي من مسافر (467 - 558 هـ)، تحقيق: أحمد فريد المزيد، مطبوع مع كتاب أصول السنة للإمام أحمد، دار الكتب العلمية، 1427 هـ، بيروت.

4 -

الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة، الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسن البيهقي، دار الكتب العلمية، ط 2، 1406 هـ، لبنان

5 -

آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً، الدكتور علي بن سعد بن صالح الضويحي، مكتبة الرشد، ط 2، 1417 هـ، الرياض

6 -

الإيمان معالمه وسننه واستكمال درجاته، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، دار الأرقم، ط 2، الكويت.

7 -

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ط 4، 1423 هـ، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.

ص: 52

8 -

بيان المعاني في شرح مقدمة أبي زيد القيرواني، صالح بن فوزان الفوزان، دار ابن الجوزي، ط 1، 1435 هـ، الدمام.

9 -

تجريد التوحيد الفيد، العلامة أحمد بن علي المقريزي، (766 - 845 هـ)، طبع ونشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، ط 2، 1432 هـ، الرياض.

10 -

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، عبد الله بن عمر البيضاوي، تحقيق: أ. د. محمد بن إسحاق بن محمد إبراهيم، ط 1، 1420 هـ، الرياض

11 -

تفسير القرآن العظيم، اسماعيل بن كثير الدمشقي، دار الفيحاء- دمشق، دار السلام- الرياض، الطبعة الأولى، 1414 هـ

12 -

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الطبعة الأولى، 1421 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت

13 -

جامع البيان عن تأويل آي القران، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد عبد الرزاق البكري وآخرون، دار السلام، الطبعة الأولى، 1425 هـ، القاهرة

14 -

الرد على المنطقيين، ابن تيمية، الطبعة القيمة، بومباي، 1368 هـ

15 -

الرسل والرسالات، عمر بن سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، الطبعة الأولى، الكويت، 1401 هـ

16 -

رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، محيي الدين أبي زكريا النووي، دار مكتبة الحياة، 1983 هـ

ص: 53

17 -

زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة- مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، ط 3، 1402 هـ

18 -

السنة، أبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، تحقيق: أ. د. باسم فيصل الجوابرة، دار الصميعي، ط 2، 1426 هـ، الرياض

19 -

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، هبة الله بن الحسن اللاكائي، دار ابن حزم، ط 1، 1426 هـ، بيروت

20 -

شرح العقيدة الواسطية، محمد العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة السادسة، 1421 هـ، الدمام.

21 -

شرح العقيدة الواسطية، محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية، 1415 هـ الدمام.

22 -

شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبو زكريا النووي، دار الخير، 1416 هـ

23 -

الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض اليحصبي، المكتبة العصرية، (د. ط) 1428 هـ بيروت

24 -

الشك أسبابه وآثاره وعلاج الإسلام له، رسالة ماجستير للباحث أحمد بن إبراهيم عسيري، جامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم العقيدة.

25 -

صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1408 هـ

26 -

الضياء الشارق، سليمان بن سحمان، عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الخامسة، 1414 هـ

ص: 54

27 -

عالم الجن والشياطين، عمر بن سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، الكويت، الطبعة الثانية، 1401 هـ

28 -

العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب، محمد حامد الناصر، مكتبة الكوثر، ط 2، 1422 هـ.

29 -

العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها والدفاع عنها حتى نهاية العصر الأموي، عطا الله بخيت حماد المعايطة، دار الآفاق الفكرية، الطبعة الأولى، 1422 هـ، مصر

30 -

العقيدة في الله، عمر بن سليمان الأشقر، دار النفائس، ط 2، 1419 هـ، الأردن

31 -

عقيدة السلف وأصحاب الحديث، اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، تحقيق: الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، دار العاصمة، الطبعة الثانية، 1419 هـ، الرياض

32 -

العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 2، بيروت

33 -

فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار السلام، الطبعة الأولى، 1421 هـ، الرياض

34 -

فرق معاصرة تنتسب للإسلام وبيان موقف الإسلام منها، دكتور غالب بن علي عواجي، المكتبة العصرية الذهبية، ط 5، 1426 هـ، جدة

35 -

القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1428 هـ، بيروت.

ص: 55

36 -

كتاب الاعتقاد، محمد بن القاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس، مكتبة المعارف، ط 5، 1426 هـ، الرياض.

37 -

كتاب اعتقاد أهل السنة، الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي (277 - 371)، ط 1، دار المنهاج، 1430 هـ، الرياض

38 -

كتاب الإيمان، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط 2، 1403 هـ، بيروت

39 -

كتاب الإيمان، الحافظ محمد بن إسحاق بن يحي بن مندة، تحقيق: أ. د. علي بن محمد الفقيهي، دار الفضيلة، ط 4، 1421 هـ، الرياض

40 -

كتاب التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق إبراهيم، دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، 1418 هـ، بيروت.

41 -

لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين ابن منظور، دار صادر، بيروت،

42 -

معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية.

43 -

المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بمصر، دار احياء التراث الإسلامي.

44 -

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة الأولى، 1398 هـ.

45 -

مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، ط 11، 1426 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

46 -

المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها، د. غالب ين علي عواجي، المكتبة العصرية الذهبية، ط 1، 1327 هـ، جدة.

ص: 56

47 -

المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع، خالد بن مسعود الجعيد وآخرون، دار الفضيلة- السعودية، ط 1، 1428 هـ، الرياض.

48 -

المصباح المنير، أحمد المغربي، طبعة دار الكتب العلمية، (د. ت).

49 -

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، حافظ بن أحمد حكمي، الطبعة الثالثة، دار ابن القيم، 1415 هـ، الدمام

50 -

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، مانع بن حماد الجهني، الطبعة الخامسة، 1424 هـ، دار الندوة العالمية، الرياض

51 -

النبوات، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق الدكتور عبد العزيز الطويان، أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1420 هـ

52 -

نواقض الإيمان الإعتقادية وضوابط التكفير عن السلف، محمد بن عبد الله الوهيبي، دار المسلم، ط 2، 1426 هـ، الرياض

53 -

الهدي النبوي؛ دار الفضيلة، مصر - السعودية، الطبعة الأولى.

54 -

الوابل الصيب من الكلم الطيب، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: سيد إبراهيم، دار الحديث - القاهرة الطبعة الثالثة، 1999 م

55 -

الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، عبد الله بن عبد الحميد الأثري، الطبعة الثالثة، 1425 هـ، دار الراية، الرياض.

56 -

الوسوسة في الإيمان حقيقتها وأسبابها وعلاجها، الدكتورة سارة بنت فراج بن علي العقلا، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، صفر 1424 هـ.

57 -

الوسوسة في الله عز وجل وعلاجها في ضوء عقيدة السلف، الدكتور عبدالرحمن بن عبد الله التركي، مجلة الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الخامس، شوال، 1433 هـ

ص: 57