الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب الطَّهارة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 - باب ما جاءَ لا تُقبَلُ صلاةٌ
(1)
بغيرِ طُهُورٍ
1 -
حدّثنا قتَيبةُ بنُ سعيدٍ، قال: أخبرنا أبو عَوانةَ، عن سماكِ بن حرْبٍ (ح) قال: وحدثنا هَناد بن السري، قال: حدثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن مُصْعَبِ بن سعدٍ
عن ابنِ عُمر، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُقبَلُ صَلاةٌ بِغَيرِ طُهُورٍ، ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ"، قال هَنَّاد في حديثه:"إلا بِطُهور"
(2)
.
(1)
في (ب): "لا يقبل الله صلاةً".
(2)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل سماك بن حرب، وباقي رجاله ثقات. وأخرجه مسلم (224)، وابن ماجه (272)، وهو في "المسند"(4700)، و"صحيح ابن حبان"(3366) وقد ذكر المصنف بعض أحاديث الباب عن أسامة بن عمير الهذلي، وأبي هريرة، وأنس، انظر تخريجها وغيرها عند حديث أسامة بن عمير في "المسند" برقم (20708).
قوله: "الطهور" قال ابن سيد الناس 1/ 333: بضم الطاء، وهو اسم لفعل التطهر، هذا هو المشهور، واسم الماء: الطهور، بفتح الطاء، وكل ماء نظيف طهور، قاله ابن سيده، وكذا قال الجوهري، كالسّحور، والفُطور، والوقود، وذهب الخليل والأصمعي، وغيرهما إلى أنه بالفتح فيهما. =
هذا الحديثُ أَصَحُّ شيءٍ في هذا الباب وأَحْسَنُ
(1)
.
وفي الباب عن أبي المَلِيحِ عن أبيهِ، وأَبي هريرةَ، وأنسٍ
(2)
.
وأبو المَلِيحِ بنُ أسامةَ اسمُه: عَامِر بن أُسامة، ويقال: زيدُ بنُ أُسامةَ بنِ عُمَيْر الهُذَليُّ.
2 - باب مَا جَاءَ في فَضْل الطُّهُور
2 -
حدَّثنا إسحاق بن موسى الأنصاريُّ، قال: حدّثنا مَعْنُ بنُ عيسى، قال: حدثنا مالك بنُ أَنسٍ (ح)
وحدثنا قُتَيْبةُ، عن مالكٍ، عن سُهيلِ بن أَبي صالح، عن أَبيه
= والغُلولُ، بضم الغين: الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة، وكل من خان في شيء خفية، فقد غلَّ، وسميت غلولًا، لأن الأيدي فيها مغلولة، أي: ممنوعة.
قال أبو بكر بن العربي: فالصدقة من مال حرام في عدم القبول واستحقاق العقاب، كالصلاة بغير طهور في ذلك.
(1)
قوله: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب" قال ابن سيد الناس 1/ 319: لا يلزم منه أن يكون صحيحًا عنده، وكذلك إذا قال: أحسن، لا يقتضي أن يكون حسنًا عنده.
(2)
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 1/ 23: قد جَرَت عادة الترمذي في هذا "الجامع" أنه يقول بعد ذكر أحاديث الأبواب: وفي الباب عن فلان وفلان، فإنه لا يريد ذلك الحديث بعينه، بل يريد أحاديث أُخَر يصحُّ أن تكتب في الباب، قال الحافظ العراقي: وهو عملٌ صحيح، إلا أن كثيرًا من الناس يفهمون من ذلك أن مَن سُمَّي من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه، وليس كذلك، بل قد يكون كذلك، وقد يكون حديثًا آخر يصحُّ إيرادُه في ذلك الباب.
عن أَبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا تَوضَّأَ العَبْدُ المسلِمُ - أَو المُؤْمِنُ - فغَسَلَ وَجْهَه، خَرَجَت من وَجهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إليها بعَيْنَيْهِ معَ الماءِ - أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، أو نحو هذا -، فإذا غَسَل يَدَيْهِ، خَرَجَت من يَدَيْه كلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْها يَداه معَ الماءِ - أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ الماءِ - حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِن الذُّنوبِ"
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وهو حديث مالِكٍ، عن سُهَيْلٍ، عن أَبيه، عن أَبي هُرَيرَةَ.
وأَبو صالح والدُ سُهَيلٍ: هو أبو صالح السَّمَّانُ، واسمهُ: ذَكْوانُ. وأَبو هُريرةَ اختَلفوا في اسمِه، فقالوا: عبدُ شَمْسٍ، وقالوا: عبد الله بنُ عَمرو، وهكذا قال محمد بن إسماعيل، وهذا أصحُّ.
وفي الباب عن عثمانَ، وثَوْبانَ، والصُّنابِحِيَّ، وعَمرو بن عَبَسَةَ، وسَلْمانَ، وعبدِ الله بن عَمرو.
والصُّنَابحيُّ هذا الَّذي روى عن أَبي بكرٍ الصَّدَّيقِ ليس له سَماعٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه: عبد الرحمن بنُ عُسَيْلةَ، ويُكْنَى أَبا عبد الله، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو في الطَّريقِ، وقد روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديثَ.
(1)
صحيح، وهو في "الموطأ" 1/ 32، وأخرجه مسلم (244)، وهو في "المسند"(820)، و"صحيح ابن حبان"(1040).
والصُّنَابِحُ بنُ الأَعْسَرِ الأَحْمَسِيُّ صاحِبُ النبي صلى الله عليه وسلم يُقال له: الصُّنابِحيُّ أيضًا، وإنما حديثُه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إنِّي مُكاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ، فلا تَقْتَتِلُنَّ بَعْدي"
(1)
.
3 - باب ما جاء أَنّ مفتاحَ الصلاةِ الطُّهورُ
3 -
حدّثنا قُتيبةُ وهنَّادٌ ومحمودُ بنُ غَيْلانَ، قالوا: حدثنا وكِيعٌ، عن سفيانَ (ح)
وحدثنا محمد بن بشَّارٍ، قال: حدثنا عبدُ الرحمن
(2)
، قال: حدثنا سفيانُ، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيلٍ، عن محمد ابن الحَنفِيَّةِ
عن علي، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مِفْتاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وتَحْرِيمُها التَّكبيرُ، وتَحْلِيلُها التَّسليمُ"
(3)
.
وهذا الحديثُ أَصحُّ شيءٍ في هذا الباب وأَحسَنُ.
وعبدُ اللهِ بنُ محمد بن عَقِيل هو صَدُوقٌ، وقد تَكلَّمَ فيه بعضُ أهل العلم من قِبَلِ حِفْظِه.
وسمعتُ محمدَ بن إسماعيلَ يقول: كان أحمدُ بن حنبلٍ
(1)
حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه (3944). وهو في "مسند أحمد"(19069)، و"صحيح ابن حبان"(5985) و (6446) و (6447).
(2)
في نسخة في (ب) زيادة: "ابن مهدي".
(3)
صحيح لغيره، وهذا سند حسن في الشواهد من أجل عبد الله بن محمد بن عقيل. وأخرجه أبو داود (61) و (618)، وابن ماجه (275)، وهو في "المسند"(1006).
وإسحاق بن إبراهيمَ والحُميدِيُّ يحتجُّونَ بحديث عبدِ الله بن محمد بنِ عَقيلٍ، قال محمد: وهو مُقارِبُ الحديثِ
(1)
.
وفي البابِ عن جابرٍ، وأَبي سعيدٍ
(2)
.
4 -
حدثنا أبو بكر محمد بن زَنْجَويهِ البغدادي وغيرُ واحد، قالوا: حدثنا الحسينُ بن محمدٍ، حدثنا سليمانُ بن قَرْمٍ، عن أبي يحيى القَتَّاتِ، عن مجاهدٍ
عن جابرِ بن عبدِ الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِفْتاحُ الجنةِ الصلاةُ، ومِفْتاحُ الصلاةِ الوُضوءُ"
(3)
.
(1)
قال الحافظ السيوطي في "تدريب الراوي" 1/ 349: قولهم: مقارب الحديث، قال العراقي: ضبط في الأصول الصحيحة بكسر الراء، وقيل: إن ابن السَّيْد حكى فيه الفتح والكسر، وأن الكسر من ألفاظ التعديل، والفتح من ألفاظ التجريح، قال: وليس ذلك بصحيح، بل الفتح والكسر معروفان، حكاهما ابنُ العربي في "شرح الترمذي"، وهما على كل حال من ألفاظ التعديل، وممن ذكر ذلك الذهبيُّ، قال: وكأن قائل ذلك فهم من فتح الراء أن الشيء المقارَب هو الرديء، وهذا من كلام العوام وليس معروفًا في اللغة، وإنما هو على الوجهين من قوله صلى الله عليه وسلم:"سدَّدوا وقاربوا" فمن كسر، قال: إن معناه حديثه مقارب لحديث غيره، ومن فتح، قال: معناه: إن حديثه يقاربه حديثُ غيره، ومادة فاعل تقتضي المشاركة. انتهى. وممن جزم بأن الفتح تجريحٌ البُلقيني في "محاسن الاصطلاح" قال: حكى ثعلب: تِبْرٌ مقارَب، أي: رديء.
(2)
حديث جابر هو الحديث التالي، وحديث أبي سعيد سيأتي برقم (235).
(3)
إسناده ضعيف لضعف سليمان بن قرم وأبي يحيى القتات.
وأخرجه أحمد في "المسند"(14662) عن حسين بن محمد - وهو المرُّوذي - بهذا الإسناد. =
4 - باب ما يقول إذا دَخَل الخَلاءَ
5 -
حدثنا قُتَيبةُ وهَنَّادٌ، قالا: حدثنا وكِيعٌ، عن شعبةَ، عن عبدِ العزيزِ بن صُهَيبٍ
عن أَنسِ بنِ مالكٍ قال: كانَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دَخَلَ الخلاءَ قالَ: "اللَّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ - قال شعبةُ: وقد قال مرةً أُخرى: أَعُوذُ باللهِ - مِنَ الخُبْثِ والخَبِيث" أو "الخُبُثِ والخَبائِثِ"
(1)
.
= والشطر الثاني يشهد له ما قبله.
تنبيه: هذا الحديث اختلفت النُّسَخ في إيراده وحذفه، فقد ورد في نسخة (س) و (ل)، ونسخة في هامش (د)، وجاء في نسخة (ب) على هامشها دون تصحيح أو إشارة إلى نسخة أخرى، واستدركه الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" 2/ 264 على الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، وقال: ليس في السَّماع، ولم يذكره أبو القاسم. ونسبه الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 1/ 216 إلى الترمذي، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" 1/ 147: هو عند الترمذي، ولكن ليس داخلًا في الرواية.
ولم يرد هذا الحديث في نسخة (ب) وهي نسخة مقروءة عليها سماعات، وكذا لم يرد عند ابن الأثير في كتابه "جامع الأصول"، ولا عند ابن العربي في "عارضة الأحوذي"، ولا عند المباركفوري في "تحفة الأحوذي".
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (142) و (6322)، ومسلم (375)، وأبو داود (4) و (5)، والنسائي 1/ 20، وهو في "المسند"(11947)، و"صحيح ابن حبان"(1407). وانظر ما بعده.
و"الخُبُثُ" بضم المعجمة والموحَّدة، وكذا الرواية، وقال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 11: إنه لا يجوز غيره.
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 243: وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه، ككُتُب وكُتْب، قال النووي: وقد صرح جماعة =
وفي البابِ عن عَليًّ، وزيدِ بنِ أرقمَ، وجابرٍ، وابنِ مسعودٍ.
حديثُ أَنسٍ أَصحُّ شيءٍ في هذا الباب وأَحسنُ.
وحديثُ زيدِ بن أَرْقَمَ في إسناده اضْطرابٌ
(1)
: رَوَى هِشامٌ الدَّسْتُوائيُّ وسعيدُ بن أَبي عَرُوبَةَ، عن قتادة، فقال سعيدٌ: عنِ القاسمِ بنِ عوف الشَّيْبَانيَّ، عن زيدِ بنِ أرقمَ. وقال هشام: عن قتادة، عن زيدِ بنِ أرقَمَ.
ورواهُ شعبةُ ومَعْمرٌ عن قتادة، عن النَّضْرِ بنِ أَنسٍ، وقال شعبة: عن زيدِ بن أرقمَ، وقال معمر: عن النَّضْر بن أَنسٍ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
سألتُ محمدًا عن هذا، فقال: يُحتَمل أن يكون قَتادةُ روى عنهما جميعًا
(2)
.
= من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة، منهم: أبو عبيد 2/ 192، إلا أن يقال: إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر. والخبث: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، يريد ذُكران الشياطين وإناثهم. قاله الخطابي وابن حبان وغيرُهما، وقال ابن الأعرابي فيما نقله عنه الخطابي في "غريب الحديث" 3/ 221: أصل الخُبث في كلام العرب: المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من المِلل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار.
(1)
انظر حديث زيد بن أرقم في "المسند"(19286).
(2)
قوله: "سألت محمدًا" إلى هنا أثبتناه من (ل)، ولم يرد في بقية أصولنا الخطية، ونصه في "العلل الكبير" 1/ 84: قلت لمحمد: فأيُّ الروايات أصح؟ قال: لعل قتادة سمع منهما جميعًا عن يزيد بن أرقم، ولم يقض في هذا بشيءٍ.
6 -
حدثنا أَحمد بن عَبْدَة الضَّبَّيُّ البصريُّ، قال: حدّثنا حمادُ بن زيدٍ، عن عبد العزيز بنِ صُهَيبٍ
عن أَنس بن مالكٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ إذا دخلَ الخَلاءَ، قالَ:"اللهمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ منَ الخُبُثِ والخبائِثِ"
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
5 - باب ما يقولُ إذا خرجَ من الخَلاء
7 -
حدثنا محمد بن إسماعِيلَ
(2)
، حدثنا مالك بن إسماعِيلَ، عن إسرائيلَ، عن يوسفَ بن أَبي بُرْدةَ، عن أَبيهِ
عن عائشة قالت: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ، قال:"غُفْرانَكَ"
(3)
.
هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ، لا نعرِفُه إلَّا مِن حديثِ إسرائيلَ عن يوسفَ بنِ أبي بُردة.
(1)
إسناده صحيح كسابقه.
(2)
في (س) ونسخة في (ب): "محمد بن حميد بن إسماعيل"، وهو خطأ، فليس في شيوخ الترمذي من اسمه "محمد بن حميد بن إسماعيل" بل ولا يوجد في رجال "التهذيب" من اسمه كذلك، ومحمد بن إسماعيل: هو الإمام البخاري، والحديث بهذا الإسناد مخرج عنده في "الأدب المفرد"(693).
(3)
حديث حسن، وأخرجه أبو داود (30)، وابن ماجه (300)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(79). وهو في "المسند"(25220)، و"صحيح ابن حبان"(1444).
وأبو بُرْدةَ بنُ أبي موسى اسمه: عامرُ بن عبد الله بن قَيسٍ الأَشعَريُّ. ولا نَعرِفُ في هذا الباب إلَّا حديثَ عائشةَ.
6 - باب في النَّهْيِ عن استقبال القِبْلة بغائطٍ أو بولٍ
8 -
حدثنا سعيدُ بنُ عبد الرحمن المخزُوميُّ، قال: حدثنا سفيان بن عُيَيْنةَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عطاء بنِ يزيدَ اللَّيثيَّ
عن أَبي أَيوب الأنصاريَّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتَيْتُمُ الغائِطَ، فلا تَستَقبِلُوا القِبْلَةَ بِغائِطٍ ولا بَوْلٍ، ولا تَستدْبِرُوها، ولكِنْ شَرَّقُوا أَو غَرَّبُوا".
قال أبو أَيوبَ: فَقَدِمنا الشَّامَ، فوَجَدنا مَرَاحِيضَ قد بُنِيَتْ مُستَقْبَلَ القِبلَةِ، فنَنْحَرِفُ عنها ونَستغفِرُ اللهَ
(1)
.
وفي الباب عن عبدِ الله بنِ الحارث الزُّبيْدي، ومَعقِلِ بنِ أَبي الهَيثَم
(2)
- ويقال: مَعْقِلُ بن أَبي مَعْقِلٍ - وأَبي أُمامةَ، وأَبي هُريْرةَ، وسَهْلِ بن حُنَيفٍ.
وحديثُ أبي أيوبَ أَحسنُ شيءٍ في هذا البابِ وأصحُّ.
وأبو أَيوبَ اسمُه: خالد بن زيد. والزُّهريُّ اسمه: محمد بن
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (144) و (394)، ومسلم (264)، وأبو داود (9)، وابن ماجه (318)، والنسائي 1/ 22 - 23 و 23. وهو في "المسند" (23524)، و"صحيح ابن حبان" (1416).
(2)
زاد في (د) بعد "معقل بن أبي الهيثم": "وأبي أمامة"، وهو خطأ.
مُسلم بنِ عُبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ الزُّهري، وكنيتُه
(1)
: أبو بكرٍ.
قال أَبو الوليدِ المكَّيُّ
(2)
: قال أبو عبدِ الله الشافِعيُّ: إنَّما معْنَى قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تستَقبِلُوا القِبلَةَ بغائِطٍ ولا بولٍ، ولا تَستَدبِرُوها": إِنَّما هذا في الفَيَافي، فأمَّا في الكُنُفِ
(3)
المَبْنِيَّة له رُخْصةٌ في أن يَسْتَقبِلَها. وهكذا قال إسْحاقُ.
وقال أحمدُ بن حنبلٍ: إنَّما الرُّخْصةُ من النبي صلى الله عليه وسلم في اسْتِدبارِ القِبلةِ بغائطٍ أَو بَولٍ، فأمَّا استقبالُ القبلةِ فلا يستقبِلُهَا. كأنَّه لم يرَ في الصَّحراءِ ولا في الكَنيفِ
(4)
أَن يَستقبِلَ القِبلة
(5)
.
(1)
لفظة: "وكنيته" ليست في (د).
(2)
هو الفقيه موسى بن أبي الجارود راوي كتاب "الأمالي" عن الشافعي، وأحد الثَّقات من أصحابه والعلماء، يُرجَع إليه عند اختلاف الرواية، وكان فقيهًا جليلًا، أقام بمكة يفتي الناسَ على مذهب الشافعي. انظر "طبقات الشافعية الكبرى" 2/ 161 - 162 لابن السبكي.
(3)
الفَيافي: هي الأماكن المستوية لا سِتر فيها، والكُنُف: هي المراحيض.
(4)
في (د): "الكنف".
(5)
اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في هذه المسألة، ففي رواية: أنه يجوز الاستدبار في الفضاء والبنيان، وفي ثانية: بالمنع فيهما، وفي ثالثة: جوازهما في البنيان فقط، وفي رابعة: يحرم استقبالها في البنيان، وفي خامسة: يجوز. ولتفصيل هذه الروايات انظر "المبدع في شرح المقنع" 1/ 86.
7 - باب الرُّخصة في ذلك
9 -
حدّثنا محمد بن بَشَّارٍ ومحمد بن المثنَّى، قالا: حدثنا وَهْبُ بن جَريرٍ، قال: حدثنا أَبي، عن محمد بنِ إسحاقَ، عن أبانَ بن صالحٍ، عن مجاهدٍ
عن جابرِ بن عبدِ الله، قال: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَن تُستَقبَلَ القِبْلةُ بِبَولٍ، فرَأَيتُه قبلَ أن يُقبَضَ بِعامٍ يَستَقبِلُها
(1)
.
وفي الباب عن أبي قَتادةَ، وعائشةَ، وعمَّارٍ.
وحديثُ جابرٍ في هذا البابِ حديث حسنٌ غرِيبٌ.
10 -
وقد رَوى هذا الحديثَ ابنُ لَهِيعَةَ، عن أَبي الزُّبَيْرِ، عن جابرٍ
عن أبي قَتَادةَ: أَنَّه رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ
(2)
.
أخبرنا بذلك قُتَيْبةُ، وقال: حدثنا ابنُ لَهيعةَ.
وحديث جابِرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَصَحُّ مِن حدِيث ابن لَهِيعة.
وابنُ لَهيعة ضَعِيفٌ عند أهل الحديثِ، ضَعَّفَه يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ وغيرُه.
11 -
حدثنا هَنَّادٌ قال: حدثنا عَبْدَةُ بن سليمانَ، عن عُبَيْد الله بن
(1)
حديث حسن، وأخرجه أبو داود (13)، وابن ماجه (325). وهو في "المسند"(14872)، و"صحيح ابن حبان"(1420).
(2)
حديث حسن، رواية قتيبة - وهو ابن سعيد - عن ابن لهيعة صالحة، وأخرجه أحمد في "المسند"(22560). وانظر تتمة تخريجه وشواهده هناك.
عمرَ، عن محمد بن يحيى بنِ حَبَّانَ، عن عَمَّه واسِعِ بن حَبَّانَ
عن ابن عُمَرَ قال: رَقِيتُ يومًا على بَيْتِ حَفْصةَ، فرَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم على حَاجَتِه مُسْتَقبِلَ الشَّامِ مُسْتَدبِرَ الكَعْبَةِ
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
8 - باب النَّهْي عن البَوْل قائِمًا
12 -
حدثنا عليُّ بن حُجْرٍ قال: أخبرنا شَريكٌ، عنِ المِقْدامِ بن شُرَيْحٍ، عن أَبيه
عن عائشةَ قالت: مَنْ حَدَّثَكُم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَبُولُ قائمًا، فلا تُصَدَّقُوهُ، ما كان يَبُولُ إلَّا قاعِدًا
(2)
.
وفي البابِ عن عُمرَ، وبُرَيْدةَ.
حديثُ عائشةَ أَحْسَنُ شيءٍ في البابِ وأَصَحُّ.
وحديثُ عمرَ إنَّما رُويَ مِنْ حديثِ عبد الكريم بنِ أبي المُخَارِقِ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، عن عمرَ قال: رآني النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا
(3)
أَبُولُ قائِمًا، فقال:"يا عُمَرُ، لا تَبُلْ قائِمًا". فمَا بُلْتُ قائمًا
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (145)، ومسلم (266)، وأبو داود (12)، وابن ماجه (322)، والنسائي 1/ 23 - 24. وهو في "المسند" (4606)، و"صحيح ابن حبان" (1418).
(2)
حديث صحيح، وأخرجه ابن ماجه (307)، والنسائي 1/ 26. وهو في "المسند" (25045)، و"صحيح" ابن حبان (1430).
(3)
لفظة: "وأنا" ليست في (أ) و (ب).
بَعْدُ
(1)
.
وإنما رَفَعَ هذا الحدِيثَ عبدُ الكريمِ بنُ أَبي المُخَارِقِ، وهو ضَعيفٌ عندَ أهلِ الحديثِ، ضَعَّفَه أَيُّوبُ السَّخْتِيانيُّ وتَكَلَّمَ فيه.
ورَوَى عُبَيدُ الله عن نافعٍ، عن ابنِ عمر قال: قال عمرُ: ما بُلْتُ قائِمًا مُنْذُ أَسلَمْتُ
(2)
.
وهذا أصحُّ مِن حدِيثِ عبدِ الكريم.
وحدِيثُ بُرَيْدةَ في هذا غيرُ مَحْفُوظٍ
(3)
.
(1)
إسناده ضعيف لضعف عبد الكريم بن أبي المخارق. وأخرجه مرفوعًا ابن ماجه (308)، والحاكم 1/ 185، والبيهقي 1/ 102 من طريق ابن جريج، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، بهذا الإسناد.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" ورقة 24: هذا إسناد ضعيف، عبد الكريم مُتَّفق على تضعيفه، وقد تفرَّد بهذا الخبر، وعارضه خبر عُبيد الله بن عمر العُمَري الثقة المأمون المجمع على ثقته. يعني: فوقفه، وسيشير إليه المصنف بَعْدُ.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 124 عن ابن إدريس وابن نمير، والبزار (244 - كشف الأستار) من طريق يحيى، ثلاثتهم عن عُبيد الله بن عمر، بهذا الإسناد. وهذا إسناد صحيح.
وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 206 - ونسبَه إلى البزار -: رجاله ثقات.
(3)
حديث بريدة هذا أخرجه البزَّار قال: حدثنا نصر بن علي، حدثنا عبد الله بن داود، حدثنا سعيد بن عبيد الله، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاث من الجفاء: أن يبولَ الرجل قائمًا، أو يمسحَ جبهته قبل أن يفرُغ من صلاته، أو ينفخَ في سجوده". قال البزار: ولا نعلم رواه عن ابن بريدةَ =
ومعنى النهيِ عن البولِ قائِمًا: على التَّأْدِيبِ لا على التَّحرِيمِ.
وقد رُوِيَ عن عبد الله بنِ مسعودٍ قال: إنَّ مِنَ الجَفَاءِ أَنْ تَبُولَ وأَنتَ قائِمٌ
(1)
.
= إلا سعيد بن عبيد الله.
وأخرجه البخاري في "التاريخ" 3/ 496، والطبراني في "الأوسط"(5995) من طريق أبي عُبيدة عبد الواحد بن واصل، حدثنا سعيد بن عبيد الله، بهذا الإسناد.
قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 83: ورجال البزار رجال الصحيح.
وقال ابن سيد الناس في "شرح الترمذي" ورقة 40 بعد أن أورده من "مسند البزار": إن لم يكن لهذا الحديث عِلَّةٌ، فهو أقوى من حديث عائشة، فإن سعيد بن عبيد الله احتَجَّ به البخاري ووثقه أحمد ويحيى وأبو زُرْعة.
قلنا: بل فيه علة، فقد قال الدارقطني كما في "سؤالات الحاكم" (334) عن سعيد بن عبيد الله هذا: ليس بالقوي، يحدَّث بأحاديث يُسنِدها ويوقفها غيره.
قلنا: وقد رواه قتادة والجُرَيري عن ابن بريدة، عن ابن مسعود موقوفًا كما سيأتي.
ونقل البيهقي في "السنن" 2/ 286 عن البخاري في حديث بريدة هذا قولَه: هذا حديث منكر يضطربون فيه.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 124 عن وكيع، عن سفيان، عن عاصم - وهو ابن أبي النَّجُود -، عن المسيَّب بن رافع قال: قال عبد الله .. فذكره. وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه، المسيب بن رافع لم يسمع من ابن مسعود.
وروى البيهقي في "سننه" 2/ 285 من طريق سعيد، عن قتادة، عن ابن بريدة، عن ابن مسعود أنه كان يقول: أربع من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا، وصلاة الرجل والناس يمرون بين يديه، وليس بين يديه شيءٌ يستره، ومسح الرجلِ الترابَ عن وجهه وهو في صلاته، وأن يسمع المؤذن فلا يجيبه في قوله.
قال البيهقي: وكذلك رواه الجُريري، عن ابن بُرَيدة، عن ابن مسعود.
9 - باب الرُّخْصة في ذلك
13 -
حدّثنا هَنَّادٌ قال: حدثنا وَكيعٌ، عن الأَعمَشِ، عن أَبي وائلٍ عن حُذَيفةَ: أنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُباطَةَ قومٍ، فبالَ عليها قائمًا، فأَتَيْتُه بِوَضُوءٍ، فذَهَبْتُ لأَتأَخَّرَ عنه، فدَعاني حتَّى كنتُ عندَ عَقِبَيْهِ، فتَوضَّأَ ومَسَحَ على خُفَّيْهِ
(1)
.
وسمعتُ الجارودَ يقول: سمعتُ وكِيعًا يُحدَّث بهذا الحديثِ عن الأعمشِ، ثم قال وَكيعٌ: هذا أَصَحُّ حَدِيث رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في المَسْح.
وسمعتُ أبا عَمَّار الحُسينَ بنَ حُرَيثٍ يقول: سمعتُ وكيعًا، فذكر نحوَه
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (224)، ومسلم (273)، وأبو داود (23)، وابن ماجه (305)، والنسائي 1/ 19 و 25. وهو في "المسند" (23241)، و"صحيح ابن حبان" (1424).
والسُّباطة: الموضع الذي يُرمى فيه التراب والأوساخ وما يُكنَس من المنازل، وقيل: هي الكُناسة نفسها.
(2)
من قوله: "وسمعتُ الجارود" إلى هنا لم يرد في (ب) و (د) و (ظ)، ولا في النسخة التي اعتمدها ابنُ سيد الناس في شرحه على الترمذي، وكذا النسخة التي اعتمدها المُبارَكْفُوري في "تحفة الأحوذي"، وهو مثبت على هامش (أ) ونسخة الشيخ عابد السندي، وكتب عليه في هامش (أ): ليس في رواية الشيخ، يعني رواية الكروخي.
وهو مثبت أيضًا في (س) و (ل) و"تحفة الأشراف" دون قوله: وسمعت أبا عمار
…
إلخ.
وهكذا رَوَى منصورٌ وعُبَيْدةُ الضَبَّيُّ، عن أبي وائِلٍ، عن حُذيفةَ مثلَ روايةِ الأعمش.
ورَوَى حَمَّادُ بنُ أبي سُلَيمانَ وعاصِمُ بن بَهْدَلَةَ، عن أبي وائلٍ، عن المغيرةِ بن شُعبةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
. وحديثُ أبي وائِلٍ عن حُذيفة أَصَحُّ.
وقَدْ رَخَّصَ قومٌ من أهل العِلْم في البولِ قائمًا
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد (18150)، وابن خزيمة (63)، والطبراني 20/ (966) من طرق عن عاصم وحماد، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (306)، والطبراني 20/ (969)، والبيهقي 1/ 101 من طريق شعبة، عن عاصم وحده، به.
وقول المصنَّف بعدُ: "وحديث أبي وائل، عن حذيفة أصحُّ"، قال الحافظ في "الفتح" 1/ 329: يعني من حديثه عن المغيرة، وهو كما قال، وإن جنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين، لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصمًا على قوله:"عن المغيرة"، فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما، فيصح القولان معًا، لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواية عاصمٍ وحماد لكونهما في حفظهما مقال.
(2)
قلنا: قد ثبت عن عُمَر وعليّ يزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالُوا قيامًا، وهو دالٌّ على الجواز من غير كراهة إذا أُمِنَ الرَّشَاشُ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن البول قائمًا شيءٌ، والجواب عن حديث عائشة رضي الله عنها سلف برقم (12) - أنه مُستنِد إلى عِلْمِها، فيحمل على ما وقع منه في البُيوت، وأما في غير البيوت فلم تطّلع هي عليه، وقد حفظَهُ حذيفة وهو من كبار الصحابة. انظر "الفتح" 1/ 330.
وعَبِيدة بن عَمرو السَّلْمانِيُّ رَوَى عنه إبراهيمُ النَخَعي، وَعَبِيدة من كبار التابعين، يُرْوَى عن عَبيدة أنه قال: أسلمتُ قَبْلَ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وَعُبَيْدةُ الضَّبِّيُّ صاحبُ إبراهيم: هو عُبيدة بنُ مُعَتَّبٍ الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم
(1)
.
10 - باب في الاستِتارِ عند الحاجَةِ
14 -
حدثنا قُتيبةُ، قال: حدثنا عبدُ السلام بنُ حرْبٍ، عن الأَعمش
عن أَنسٍ قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ الحاجَةَ لم يَرْفَعْ ثوْبَه حتَّى يدْنُوَ من الأرضِ
(2)
.
هكذا رَوَى مُحمَّدُ بن رَبِيعة عن الأعمشِ، عن أنسٍ، هذا الحديثَ.
(1)
من قوله: "وعبيدة بن عمرو" إلى هنا لم يرد في شيءٍ من النسخ، واستدرك في هامش (أ) دون تصحيح أو إشارة إلى نسخة أخرى.
(2)
حسن لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أنه منقطع، الأعمش لم يسمع من أنس.
وأخرجه الدارمي (666)، وأبو الحسن بن العَبْد في زياداته على "سنن أبي داود" كما في "التحفة" 1/ 235 عن عمرو بن عون، والبيهقي 1/ 96 من طريق سَهْل بن نَصْر، كلاهما عن عبد السلام بن حرب، بهذا الإسناد.
وقال أبو داود بعد الحديث رقم (14): رواه عبد السلام بن حرب، عن الأعمش، عن أنس بن مالك، وهو ضعيف. أي: الحديث لانقطاعه.
والحديث حسن بشاهده عن ابن عمر الآتي ذكره قريبًا.
ورَوَى وكيعٌ والحِمَّانيُّ
(1)
، عن الأعمشِ قال: قال ابنُ عمر: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ الحاجَةَ لم يَرْفَعْ ثوبَه حتَّى يَدْنُوَ مِن الأرضِ
(2)
.
وكِلا الحديثينِ مُرسلٌ، ويقال: لم يَسمَع الأعمشُ من أنس ولا مِن أحدِ من أَصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نَظَرَ إلى أَنسِ بن مالك، قال: رَأَيْتُه يُصَلَّي .. فذكر عنه حِكايةً في الصلاة.
والأعمشُ اسمه: سُليمانُ بن مِهْرانَ أبو محمد الكاهِليُّ، وهو مولى لهم. قال الأعمش: كان أَبي حَميلًا
(3)
فوَرَّثَه مَسْروقٌ.
(1)
في (ظ) و (س): "أبو يحيى الحماني".
(2)
حسن، رجاله ثقات، إلا أنه منقطع بين الأعمش وابن عمر، لكن ذكر أبو داود والبيهقي الواسطة بينهما، فقد أخرجه أبو داود (14)، ومن طريقه البيهقي 1/ 96 عن زهير بن حرب، عن وكيع، عن الأعمش، عن رجل، عن ابن عمر.
وقد سُمي الرجل المبهم عند البيهقي من طريق أخرى، فقد أخرجه في "سننه" 1/ 96 عن أبي الحسن علي بن عبد الله الخُسْرَوجِرْدِي، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي، حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم من أصل كتابه، حدثنا أحمد بن محمد بن أبي رجاءٍ المصَّيصي - شيخ جليل - حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر. وهذا إسناد رجاله ثقات، فإن كان الأعمش سمعه من القاسم بن محمد، فهو صحيح، فإن الأعمش قد رمي بالتدليس، ولم يصرَّح بسماعه.
(3)
الحميل: هو الذي يُحمل من بلاده صغيرًا إلى بلاد الإسلام.
وفي توريث الحميل من أمه التي جاءت معه - وقالت: إنه هو ابنها - خلافٌ، فعند مسروق أنه يرثها، فلذلك وَرَّث والدَ الأعمش، أي: جعله وارثًا، وعند الحنفية أنه لا يرث من أمه. =
11 - باب كراهيةِ الاستِنْجاءِ باليَمينِ
15 -
حدثنا محمدُ بن أبي عمر المَكَّيُّ، حدثنا سفيانُ بن عُيَيْنةَ، عن مَعْمَر، عن يحيى بن أبي كَثيرٍ، عن عبد الله بن أبي قَتَادةَ
عن أَبيه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى أَنْ يَمَسَّ الرَّجلُ ذَكَرَه بِيَمينِه
(1)
.
وفي البابِ عن عائشة، وسلمانَ، وأبي هريرةَ، وسَهْلِ بن حُنيف.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وأَبو قَتَادةَ اسمُه: الحارثُ بن رِبْعيّ.
والعملُ على هذا عندَ عامَّةِ
(2)
أهل العِلْم: كَرِهُوا الاستنجاءَ باليمينِ.
= قال الإمام محمد بن الحسن في "الموطأ" ص 257: أخبرنا مالك، أخبرنا بُكير بن عبد الله بن الأشجَّ، عن سعيد بن المسيب قال: أبي عمرُ بنُ الخطاب أن يورث أحدًا من الأعاجم إلَّا ما وَلَدَ من العرب، قال محمد: وبهذا نأخذ، لا يُورث الحميل الذي يُسبى أو تسبى معه امرأة، فتقول: هو ولدي، أو تقول: هو أخي، أو يقول: هي أختي، ولا نسب من الأنساب يُورث إلا ببينة إلا الوالد والولد، فإنه إذا ادعى الوالدُ أنه ابنهُ وصدَّقَه، فهو ابنُه، ولا يحتاج في هذا إلى بيّنة.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (153)، ومسلم (267)، وأبو داود (31)، وابن ماجه (310)، والنسائي 1/ 25 و 43 و 44.
وانظر "المسند"(19419)، و"صحيح" ابن حبان (1434).
(2)
لفظة: "عامة" لم ترد في (أ) و (د)، وهي ثابتة في (ب) و (س).
12 - باب الاسْتِنجاءِ بالحِجَارةِ
16 -
حدثنا هَنَّادٌ، حدّثنا أبو مُعاوِيةَ، عن الأَعمشِ، عن إبراهيمَ
عن عبد الرحمن بن يزيدَ قال: قِيلَ لِسلمانَ: قَدْ عَلَّمَكُم نَبِيُّكُم كلَّ شيءٍ حتَّى الخِرَاءَةَ؟ فقال: سَلمانُ: أَجَلْ، نَهانا أَنْ نَسْتَقبِلَ القِبْلةَ بِغائِطٍ أو ببَوْلٍ
(1)
، أو أَنْ نَسْتَنجِيَ باليَمِينِ، أو يَسْتَنجِيَ أَحَدُنا بأَقَلَّ مِن ثلاثة أَحْجار، أَو نَسْتَنجِيَ بِرَجيعٍ أو بعَظْمٍ
(2)
.
وفي البابِ عن عائشةَ، وخُزَيْمةَ بن ثابتٍ، وجابِرٍ، وخَلَّاد بنِ السَّائِبِ عن أَبيه.
حديث سَلمان حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ.
وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلْم من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم ومَن بَعْدَهم: رَأَوْا أنَّ الاستنجاءَ بالحجارةِ يُجْزئُ، وإن لم يَسْتَنْجِ بالماءِ، إذا أَنْقَى أَثَرَ الغائطِ والبولِ، وبه يقول الثَّورِيُّ وابنُ المبارَك والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ.
13 - باب في الاستِنجاءِ بِالحَجَرين
17 -
حدثنا هَنَّادٌ وقُتَيبةُ، قالا: حدّثنا وَكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن أبي
(1)
المثبت من (أ) و (س)، وفي سائر النسخ:"بول".
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (262)، وأبو داود (7)، وابن ماجه (316)، والنسائي 1/ 38 - 39 و 44. وهو في "المسند" (23703).
والرَّجيع: هو الرَّوث والعَذِرة.
إسحاقَ، عن أبي عُبَيدةَ
عن عبد الله قال: خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِحاجَتِه، فقال:"الْتَمِسْ لي ثَلاثةَ أَحْجارٍ" قال: فأَتَيْتُه بِحَجَرينِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وقال:"إنَّهَا رِكْسٌ"
(1)
.
وهكذا رَوَى قيسُ بن الرَّبِيع هذا الحديث عن أبي إسحاقَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبد الله، نحوَ حدِيثِ إسرائِيلَ.
ورَوَى مَعْمَرٌ وعَمَّارُ بنُ رُزَيْق، عن أَبي إسحاقَ، عن عَلْقمة، عن عبدِ الله
(2)
.
ورَوَى زُهَير، عن أبي إسحاقَ، عن عبد الرحمن بن الأَسْوَدِ، عن أبيه، عن عبد الله
(3)
.
ورَوَى زكريا بن أبي زائِدَةَ، عن أَبي إسحاقَ، عن عبد الرحمن بن يزيدَ، عن الأَسْود بن يزيد
(4)
، عن عبدِ الله.
(1)
صحيح، أبو عُبيدة - وهو ابن عبد الله بن مسعود - وإن لم يسمع عن أبيه، متابع كما سيبيِّنه المصنف، وأخرجه أحمد (3685).
والرِّكْس، قيل: هي لغة في الرِّجس - بالجيم - وهو القَذَرَ، وقيل: الرِّكس: هو الرَّجيعُ.
(2)
أخرجه أحمد (4299). وانظر تمام تخريجه والتعليق عليه هناك.
(3)
أخرجه البخاري (156)، وابن ماجه (314)، والنسائي 1/ 39 - 40، وهو في "المسند"(3966).
(4)
قوله: "عن الأسود بن يزيد" سقط من (ب) و (د)، والصواب إثباته.
وهذا حديثٌ فيه اضطِرابٌ
(1)
.
(1)
قال ابن سيد الناس في "شرح سنن الترمذي" الورقة 53: لكنه اضطرابٌ لا يمنع من القول بصحته، فقد تضمن كلامه أن البخاري أخرج حديث زهير، عن أبي إسحاقَ، والبخاري اشترط الصحيحَ، وأنَّه أخرج حديث إسرائيلَ، عن أبي إسحاق، ورجح إسرائيلَ في أبي إسحاقَ على زهير، فهو عنده أصح مما أخرجه البخاري، فقد تضمن ذلك منه الحكمَ بصحة مخرجه، فهذا تصحيح مع الاضطراب، وكثيرًا ما يعلون بالاضطراب، فتبين أن الاضطراب ليس قادحًا على الإطلاق، بل منه القادح وغيره.
وقال الحافظ في مقدمة "الفتح" 1/ 348 - 349: قال الدارقطني (في "التتبع" ص 330 - 334): أخرج البخاري عن أبي نعيم، عن زهير، عن أبي إسحاق، قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، عن عبد الله قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة .. ، الحديث في الاستجمار، قال: فقال إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، حدثني عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، بهذا. انتهى.
ثم ساق الدارقطني وجوه الاختلاف فيه على أبي إسحاق:
فمنها رواية إسرائيل عنه، عن أبي عبيدة، عن أبيه.
ومنها رواية مالك بن مِغوَل وغيره عنه، عن الأسود، عن عبد الله. من غير ذكر عبد الرحمن.
ومنها رواية زكريا بن أبي زائدة عنه، عن عبد الله بن يزيد، عن الأسود.
ومنها رواية معمر عنه، عن علقمة، عن عبد الله.
ومنها رواية يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي الأحوص، عن عبد الله.
قال الدارقطني: وأحسنها سياقًا الطريق الأولى التي أخرجها البخاري، ولكن في النفس منها شيء لكثرة الاختلاف فيه على أبي إسحاق. انتهى.
وأخرج الترمذي في "جامعه" حديث إسرائيل المذكور، وحكى بعضَ الخلاف =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فيه، ثم قال: هذا حديث فيه اضطراب، وسألتُ عبد الله بن عبد الرحمن - يعني الدارمي - عنه، فلم يقض فيه بشيء، وسألتُ محمدًا - يعني البخاري - عنه فلم يقض فيه بشيء، وكأنه رأى حديث زهير أشبهَ، ووضعه في "الجامع"، قال الترمذي: والأصح عندي حديثُ إسرائيل، وقد تابعه قيس بن الربيع، قال الترمذي: وزهير إنما سمع عن أبي إسحاق بأخَرَة. انتهى.
وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة أنهما رجَّحا روايةَ إسرائيل، وكأن الترمذي تبعهما في ذلك.
والذي يظهر أن الذي رجحه البخاري هو الأرجحُ، وبيانُ ذلك أن مجموعَ كلام الأئمة مشعر بأن الراجح على الروايات كلها: إما طريقُ إسرائيل، وهي: عن أبي عبيدة، عن أبيه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فيكون الإسناد منقطعًا، أو رواية زهير، وهي: عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود، فيكون متصلًا، وهو تصرف صحيح؛ لأن الأسانيدَ فيه إلى زهير وإلى إسرائيل أثبت من بقية الأسانيد.
وإذا تقرر ذلك، كانت دعوى الاضطراب في هذا الحديث منتفيةً، لأن الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطربًا إلا بشرطين:
أحدهما: استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أحد الأقوال، قُدِّم، ولا يُعَلُّ الصحيح بالمرجوح.
ثانيهما: مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذٍ يُحكَم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب، ويُتوقَّف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك، وهنا يظهر عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه، لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسنادٌ منها من مقال غيرَ الطريقين المقدم ذكرهما: عن زهير وعن إسرائيل، مع أنه يمكن رد أكثر الطرق إلى رواية زهير، والذي يظهر بعد ذلك تقديم رواية زهير، لأن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قد تابع زهيرًا، وقد رواه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الطبراني في "المعجم الكبير" من رواية يحيى بن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق، كرواية زهير. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 155) من طريق ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود كرواية زهير، عن أبي إسحاق، وليث وإن كان ضعيفَ الحفظ، فإنه يُعتبر به ويُستشهد، فيعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أصلًا.
ثم إن ظاهر سياق زهير يشعر بأن أبا إسحاقَ كان يرويه أولًا عن أبي عبيدة، عن أبيه، ثم رجع عن ذلك وصيَّره: عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، فهذا صريح في أن أبا إسحاق كان مستحضِرًا للسندين جميعًا عند إرادة التحديث، ثم اختار طريق عبد الرحمن، وأضرَبَ عن طريق أبي عُبيدة، فإما أن يكون تذكر أنه لم يسمعه عن أبي عبيدة، أو كان سمعه منه، وحدث به عنه، ثم عرف أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، فيكون الإسناد منقطعًا، فأعلمهم أن عنده فيه إسنادًا متصلًا، أو كان حدث به عن أبي عبيدة مدلسًا له، ولم يكن سمعه منه.
فإن قيل: إذا كان أبو إسحاق مدلسًا عندكم، فلِمَ تحكمون لطريق عبد الرحمن بن الأسود بالاتصال مع إمكان أن يكون دلسه عنه أيضًا؟ وقد صرح بذلك أبو أيوب سليمان ابن داود الشاذَكوني فيما حكاه الحاكم في "علوم الحديث" عنه قال: في قول أبي إسحاق: ليس أبو عبيدة ذكَره، ولكن عبد الرحمن عن أبيه، ولم يقل: حدثني عبد الرحمن، وأوهم أنه سمعه منه: تدليس، وما سمعت بتدليس أعجب من هذا، انتهى كلامه.
فالجواب أن هذا هو السبب الحامل لسياق البخاري للطريق الثانية عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق التي قال فيها أبو إسحاق: حدثني عبد الرحمن، فانتفت ريبة التدليس عن أبي إسحاق في هذا الحديث، وبيَّن حفيدُه عنه أنه صرح عن عبد الرحمن بالتحديث، ويتأيد ذلك بأن الإسماعيلي لمَّا أخرج هذا الحديث في "مستخرجه على الصحيح" من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن زهير، استدل بذلك على أن هذا مما لم يدلس فيه أبو إسحاق، قال: لأن =
سَأَلْتُ عبدَ الله بنَ عبد الرحمن
(1)
: أَيُّ الرِّوايَاتِ في هذا عن أبي إِسحاق أَصَحُّ؟ فلم يَقْض فيه بشيءٍ.
وسأَلتُ محمدًا
(2)
عن هذا، فلَمْ يَقْضِ فيه بشيءٍ، وكأَنَّه رَأَى حديثَ زهيرٍ، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأَسود، عن أبيه، عن عبد الله أَشبَهَ، ووَضَعَه في كتاب "الجامع"
(3)
.
وأَصَحُّ شيءٍ في هذا عندي حديثُ إسرائيلَ وقيسٍ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبد الله، لأنَّ إسرائيلَ أثبتُ وأحفظُ لحديث أبي إسحاق من هؤلاءِ، وتابَعَه على ذلك قيسُ بن الرَّبيعِ.
= يحيى ابن سعيد لا يرضى أن على أن هذا مما لم يدلس فيه أبو إسحاق، قال: لأن يحيى بن سعيد لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لشيخه، وكأنه عرف هذا بالاستقراء من حال يحيى، والله أعلم.
وإذا تقرر ذلك لم يبق لدعوى التعليل عليه مجال، لأن روايتَي إسرائيلَ وزهير لا تعارض بينهما، إلا أن رواية زهير أرجح، لأنها نفت الاضطراب عن رواية إسرائيل، ولم تنف ذلك رواية إسرائيل، فترجحت رواية زهير، وأمَّا متابعة قيس بن الربيع لرواية إسرائيل، فإن شريكًا القاضي تابع زهيرًا، وشريك أوثق من قيس. على أن الذي حررناه لا يرد شيئًا من الطريقين، إلا أنه يوضح قوة طريق زهير واتصالها وتمكنها من الصحة، وبُعد إعلالها، وبه يظهر نفوذ رأي البخاري وثقوب ذهنه، والله أعلم، وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة ما يشهد لصحة حديث ابن مسعود، فازداد قوة بذلك.
قلنا: كلام الحافظ بطوله مأخوذ من "شرح الترمذي" لابن سيد الناس بتصرف.
(1)
هو الحافظ أبو محمد الدارمي، صاحب "السنن"، المتوفَّى سنة 255 هـ.
(2)
هو الإمام جبل الحفظ، محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفَّى سنة 256 هـ.
(3)
أي: "الجامع الصحيح"، وهو فيه برقم (156).
وسمعتُ أبا موسى محمدَ بنَ المُثنَّى يقول: سمعت عبدَ الرحمنِ بن مَهْدي يقول: ما فاتَنِي الذي فاتني من حديث سفيان الثَّوْريِّ عن أبي إسحاقَ إلَّا لِمَا اتَّكَلْتُ به على إسرائيل، لأنه كان يَأْتي به أَتمَّ.
وزهير في أبي إسحاقَ ليس بذاكَ، لأن سماعه منه بأَخَرَةٍ، سمعتُ أحمدَ بن الحسنِ
(1)
يقول: سمعتُ أحمدَ بنَ حَنبلٍ يقول: إذا سمعتَ الحديث عن زائدةَ وزهير، فلا تُبَالي أَنْ لا تَسمَعَه
(2)
مِن غيرهما، إِلَّا حديثَ أبي إسحاقَ.
وأبو إسحاق اسمه: عَمْرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ الهَمْدانيُّ.
وأبو عُبَيدة بن عبد الله بن مسعودٍ لم يَسمَعْ من أبيه، ولا نَعرفُ اسمَه
(3)
.
حدثنا محمدُ بن بشَّار، قال: حدثنا محمد بن جعفرٍ، عن شعبةَ، عن عَمْرو بن مُرَّة قال: سألتُ أبا عُبيدةَ بن عبد الله: هل تذكرُ مِن عبد الله شيئًا؟ قال: لا.
(1)
هو الحافظ أبو الحسن أحمد بن الحسن بن جُنَيدِب التَّرمذي، توفي قبل الخمسين ومئتين. انظر "السير" 12/ 156.
(2)
المثبت من (أ) و (ظ)، وفي بقية النسخ:"تسمع".
(3)
سماه المزي في "تهذيب الكمال" عامرًا، فقال: عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي أبو عُبيدة الكوفي، ويقال اسمه كنيته.
14 - باب كراهِيَةِ ما يُستَنْجَى به
18 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا حَفْصُ بن غِياثٍ، عن داود بن أَبي هِنْدٍ، عن الشَّعْبيِّ، عن عَلْقمةَ
عن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَستَنجُوا بالرَّوْثِ ولا بِالعِظامِ، فإنَّه زادُ إِخوانِكُم مِن الجِنِّ"
(1)
.
وفي البابِ من أَبي هريرةَ، وسَلْمانَ، وجابرٍ، وابنِ عمرَ.
وقد رَوَى هذا الحديثَ إسماعيل بن إبراهيم وغيره، عن داود بنِ أبي هندٍ، عن الشَّعْبيِّ، عن عَلْقمةَ، عن عبدِ الله: أنَّه كانَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلةَ الجِنِّ .. الحديثَ بطولِه، فقال الشَّعْبيُّ: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَستَنْجُوا بالرَّوْثِ ولا بالعِظامِ، فإنَّه زادُ إخوانِكُم مِن الجِنِّ"
(2)
.
وكأَنَّ رِوايةَ إسماعيلَ أَصَحُّ مِن روايةِ حَفْص بن غِياثٍ
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه من هذه الطريق النسائي في "الكبرى"(39).
(2)
سيرد عند المؤلف من طريق إسماعيل بن إبراهيم - وهو ابنُ عُلَيّة - برقم (3540) في التفسير: باب ومن سورة الأحقاف.
وهو في "المسند"(4149)، وصحيح مسلم (450) باثر رواية عبد الأعلى، و"صحيح ابن حبان"(1432).
(3)
وقد جزم الإمام الدارقطني في "التتبع" ص 341 - 343 و"العلل" 5/ 132، وكذا الخطيب البغدادي في "الفصل للوصل" 2/ 624 بتصحيح رواية ابن علية التي تفصل كلام الشعبي المرسل من حديث عبد الله المسند، وتوهيم حفص بن غياث في وصله، على أنه لم ينفرد إسماعيل بن عُلَيّة بالفصل بين المرسل والموصول، =
والعملُ على هذا الحديث عند أهلِ العِلْم.
وفي الباب عن جابر، وابن عمرَ.
15 - باب الاستِنْجاءِ بالماءِ
19 -
حدثنا قُتَيْبةُ ومحمدُ بن عبد الملك بن أَبي الشَّوارِبِ، قالا: حدثنا أبو عَوانةَ، عن قَتادة، عن مُعاذَةَ
عن عائشةَ قالت: مُرْنَ أزْواجَكُنَّ أَنْ يَستَطِيبُوا بِالماءِ، فإنِّي أَسْتَحْيِيهم، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَفعَلُه
(1)
.
وفي الباب عن جَرِيرِ بن عبد الله البَجَليَّ، وأنس، وأبي هريرةَ.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وعليه العملُ عند أهل العِلْم: يختارونَ الاستنجاءَ بِالماءِ،
= فقد تابعه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عند أحمد (4149)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 229، والخطيب في "الفصل للوصل" 2/ 628 - 629 وإسناده صحيح، وتابعه أيضًا بشر بن المفضل وعبد الأعلى بن عبد الأعلى عند الخطيب 2/ 630 - 631 وفيه: قال عامر - أي الشعبي -: فبلغني أنهم سألوا الزاد
…
، وعبد الوهاب بن عطاء عند أبي عوانة (3787) وإسناده صحيح.
وانظر لزامًا حديث ابن مسعود هذا مطولًا عند المصنف (3540).
(1)
صحيح، وأخرجه النسائي 1/ 42 - 43.
وهو في "المسند"(24639)، و"صحيح ابن حبان"(1443).
قال ابن الأثير في "النهاية" 3/ 149: الاستطابة والإطابةُ: كناية عن الاستنجاء، سُمِّي بها من الطِّيب، لأنه يُطيِّب جسده بإزالة ما عليه من الخبَث بالاستنجاء، أي: يُطهِّره، يقال منه: أطابَ واستطاب.
وإن كان الاستنجاءُ بِالحجارة يُجْزِئُ عندهم، فإِنَّهم استَحبُّوا
(1)
الاستِنْجاء بالماءِ ورَأَوْهُ أَفضلَ. وبه يقول سفيانُ الثَّوْري وابنُ المبارَك والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ.
16 - باب ما جاءَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجَةَ أَبْعَدَ في المَذْهَبِ
20 -
حدثنا محمدُ بن بَشَّار، حدثنا عبدُ الوهَّاب الثَّقَفيُّ، عن محمد بن عمرٍو، عن أبي سَلَمة
عن المُغيرةِ بن شعبة قال: كنتُ معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فأَتَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم حاجَتَه، فأَبْعَدَ في المَذْهَبِ
(2)
.
وفي البابِ عن عبد الرحمن بن أَبي قُرَادٍ، وأَبي قتادةَ، وجابِرٍ، ويحيى بنِ عُبَيدٍ عن أَبيه، وأَبي موسى، وابن عباسٍ، وبلال بن الحارثِ.
(1)
في (د)، وهامش (أ):"يستحبون".
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (1)، وابن ماجه (331)، والنسائي 1/ 18. وهو في "المسند" (18134) و (18171).
قوله: "المذهب" قال في "النهاية": هو الموضع الذي يُتغوَّط فيه، وهو مَفعَل من الذهاب.
قال الخطَّابي: وفيه من الأَدب استحبابُ التباعد عند الحاجَةِ عن حَضْرة الناس إذا كان في بَراحٍ من الأرض، ويدخل في معناه الاستتارُ بالأبنية وضرب الحُجُب وإرخاء الستور
…
في نحو ذلك من الأمور الساترة للعَوْرات.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّه كان يَرْتادُ لِبولِه مَكانًا كما يَرْتادُ منْزِلًا
(1)
.
(1)
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 383 عن مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، والحارثُ بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة" للبوصيري (643)، و"المطالب العالية" لابن حجر (38)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 185 من طريق يحيى بن إسحاق السَّيْلَحِيني، وابن عدي في "الكامل" 3/ 1214 من طريق أبي عاصم النبيل، ثلاثتهم عن سعيد بن زيد بن دِرْهم، عن واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عبيد، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله. وقد تابع هؤلاء الثلاثة عن سعيد بن زيد وكيع فيما حكاه ابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 538 وغيره، ثم قال: ورواه عمرو بن عاصم، عن حماد وسعيد بن زيد، عن واصل، عن يحيى بن عبيد، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال ابن ناصر الدين الدمشقي في "توضيح المشتبه" 4/ 164: وهذا أشبه. قلنا: أخرجه كذلك الطبراني في "الأوسط"(3088) عن بشر بن موسى، عن يحيى بن إسحاق السيلحيني، عن سعيد بن زيد، عن واصل، عن يحيى بن عبيد، عن أبيه، عن أبي هريرة. ويحيى بن عبيد وأبوه قال الولي العراقي: لا يُعرفان، نقله عنه المناوي في "فيض القدير" قلنا: والد يحيى أورده ابن حجر في "الإصابة" 4/ 411 فقال: عُبيد بن رُحَيّ - بمُهملتين مصغّرًا - الجهضمي، ويقال: الجهني، ويقال في أبيه: دُحَيّ، ذكره ابن نافع وغيره في الصحابة معتمدين على حديثه هذا، لكن قال ابن أبي حاتم في "المراسيل": سمعت أبا زرعة يقول: ليس لوالد يحيى بن عبيد صحبة، وقال في "العلل" 1/ 41: قال أبو زرعة: هذا مرسل. وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 538: مختلف في صحبته وفي إسناد حديثه. وقال الذهبي في "التجريد": حديثه مضطرب، وأورده الهيثمي في "المجمع" وعزاه للطبراني في "الأوسط" من رواية يحيى بن عبيد بن رُحي، عن أبيه، وقال: لم أر من ذكرهما.
وأخرج أبو داود في "مراسيله"(1) عن طلحة بن أبي قَنَان: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان =
وأَبو سَلَمَة: اسمه عبدُ الله بن عبد الرحمن بن عَوْف الزُّهْري.
17 - باب ما جاءَ في كَراهيَةِ
(1)
البولِ في المُغْتَسَلِ
21 -
حدثنا عليُّ بن حُجْرٍ وأحمد بنُ محمدِ بنِ موسى، قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن مَعْمَرٍ، عن أَشعَثَ، عن الحسن
عن عبد الله بن مُغَفَّل: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَبولَ الرَّجلُ في مُسْتَحَمِّه، وقال:"إنَّ عامَّةَ الوَسْواسِ منه"
(2)
.
وفي البابِ عن رجلٍ مِن أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(3)
.
= إذا أراد أن يبول فأتى عَزَازًا من الأرض (أي: صلبًا وخشنًا)، أخذ عودًا فنَكَت به حتَّى يُثَرَّى (أي: يصير ترابًا)، ثم يبول. هذا مرسل، وطلحة بن أبي قنان لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجال الإسناد ثقات.
وأخرج أحمد (19537)، وأبو داود في "سننه"(3) بسند فيه مجهول، عن أبي موسى الأشعري قال: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دَمِثًا (أي: سهلًا ليِّنًا) في أصل جدار فبال، ثم قال:"إذا أرادَ أحدُكم أن يبولَ، فليرتَدْ لبوله موضعًا".
وقوله: "يرتاد لبوله" قال في "النهاية": أي: يطلُبُ لبوله مكانًا ليِّنًا، لئلا يرجع عليه رَشاشُ بوله.
(1)
في (ب) و (ظ): باب كراهية.
(2)
رجاله ثقات، إلا أن الحسن - وهو البصري - مدلَّس، ولم يصرَّح بسماعه من عبد الله بن مغفَّل، وشطر حديثه الأول، وهو النهي عن بول الرجل في مستحمِّه، صحيح مرفوعًا من غير هذا الطريق، وأما الشطر الثاني فهو صحيح موقوفًا.
وأما حديث معمر عن أشعث، فقد أخرجه أبو داود (27)، وابن ماجه (304)، والنسائي 1/ 34. وهو في "المسند" (20563)، و"صحيح ابن حبان" (1255).
(3)
أخرجه أبو داود (28)، والنسائي 1/ 130 بسند صحيح، ولفظه: نهى =
هذا حديثٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُه مرفوعًا إلا من حديث أشعثَ بن عبدِ الله، ويقال له: أَشعثُ الأَعمى.
وقد كَرِه قوم من أَهل العلم البولَ في المُغْتَسَلِ
(1)
، وقالوا: عامَّةُ الوسواس منه.
ورَخَّصَ فيه بعضُ أهلِ العِلمِ، منهم: ابنُ سيرينَ، وقيل له: إنه يقال: إن عامَّةَ الوسواس منه؟ فقال: رَبُّنا اللهُ لا شَرِيكَ له!
وقال ابن المبارَك: قد وُسِّعَ في البول في المغتَسَلِ إذا جَرَى فيه الماءُ
(2)
.
= رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدُنا كلَّ يوم، أو يبول في مغتسله.
وفي الباب عن عبد الله بن يزيد، عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يُنقَع بولٌ في طَسْت في البيتِ، فإن الملائكة لا تدخلُ بيتًا فيه بول منتقع، ولا تبولَنَّ في مغتسلك"، أخرجه الطبراني في "الأوسط"(2098)، وحسَّن إسنادَه الهيثمي في "المجمع" 1/ 204، والمنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 136.
(1)
انظر "مصنف عبد الرزاق" 1/ 255 - 256، و"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 111 - 112.
(2)
إسناده إلى ابن المبارك صحيح، وقال ابن ماجه في "سننه" 1/ 111: سمعت علي بن محمد الطَّنافسي يقول: إنما هذا في الحَفِيرة (وهو ما حُفر في الأرض)، فأمَّا اليوم فلا، فمغتسلاتُهم الجصُّ والصاروج والقِيرُ، فإذا بال فأرسَل عليه الماءَ، لا بأس به.
وقال ابن سيد الناس في "شرحه على الترمذي" ورقة 62: قال أهل العلم: وإنما نهي عن ذلك إذا لم يكن له مسلَك يذهب منه البولُ، أو كان المكانُ صلبًا، فيخيل إليه أنه أصابه شيء من رَشاشه، فيحصل منه الوسواس، فإن كان لا يخافُ ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك، فلا كراهة.
حدَّثَنا بذلك أحمدُ بن عَبْدةَ الآمُلِيُّ، عن حِبَّانَ، عن عبد الله بن المبارَك.
18 - باب ما جاءَ في السِّواكِ
22 -
حدثنا أبو كُرَيْبٍ قال: حدثنا عَبْدةُ بن سليمان، عن محمدِ بنِ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَمة عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتي، لأَمَرْتُهم بِالسِّواكِ عندَ كلِّ صلاةٍ"
(1)
.
وقد رَوَى هذا الحدِيثَ محمدُ بن إسحاق، عن محمدِ بن إبراهيم، عن أَبي سلمةَ، عن زيد بن خالدٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديثُ أبي سلمةَ، عن أبي هريرة وزيدِ بن خالد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كِلاهُما عندي صحيحٌ، لأنه قد رُوِيَ مِن غير وَجْهٍ عن أبي هريرة، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديثُ، وحديثُ أَبي هريرة إِنما صَحَّ لأنه قد رُويَ مِن غير وجهٍ.
وأما محمدٌ فزَعَمَ أن حديث أَبي سَلَمة، عن زيد بن خالدٍ أصحُّ
= وقال الحافظ وليُّ الدين العراقي: حمل جماعة من العلماء هذا الحديثَ على ما إذا كان المغتسل لينًا، وليس فيه منفذ، بحيث إذا نزل فيه البول شربته الأرض، وإذا استقرَّ فيها، فإن كان صُلبًا ببلاط ونحوه بحيث يجري عليه البول ولا يستقرُّ، أو كان فيه مَنفَذٌ كالبالوعة ونحوها، فلا نَهْيَ.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (887)، ومسلم (252)، وأبو داود (46) و (47)، وابن ماجه (287)، والنسائي 1/ 12 و 266 - 267. وهو في "المسند" (7853)، و"صحيح ابن حبان" (1068).
وفي البابِ عن أَبي بَكْر الصِّدِّيق، وعليٍّ، وعائِشةَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وحُذَيْفةَ، وزيد بن خالدٍ، وأنسٍ، وعبد الله بن عَمْرو، وَأم حَبِيبَة، وابن عمر، وأَبي أُمامةَ، وأَبي أيوبَ، وتَمَّامِ بن عَبَّاسٍ، وعبدِ الله بن حنْظَلَة، وأم سَلَمةَ، وواثِلةَ، وأَبي موسى.
23 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا عَبْدةُ، عن محمد بن إسحاقَ، عن محمدِ بن إبراهيمَ، عن أَبي سَلَمة
عن زيد بن خالدِ الجُهَني قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتي، لأَمَرْتُهم بِالسِّواكِ عندَ كُلِّ صَلاةٍ، ولأَخَّرْتُ صلاةَ العِشاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيلِ".
قال: فكانَ زيدُ بنُ خالدٍ يَشْهَدُ الصَّلَواتِ في المسجدِ، وسِواكُه على أُذُنِه مَوْضعَ القَلَمِ مِن أُذُنِ الكاتبِ، لا يَقومُ إلى الصَّلاةِ إلا اسْتَنَّ، ثمَّ رَدَّهُ إلى مَوضِعِه
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
صحيح، وهذا إسناد ضعيف، فيه عنعنة محمد بن إسحاق وهو مدلس، وأخرجه أبو داود (47)، والنسائي في "الكبرى"(3041). وهو في "المسند"(17032).
وأخرجه أحمد (17048) من طريق آخر صحيح، وله شاهد بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة عند أحمد برقم (7339).
19 - باب ما جاء إذا اسْتَيقَظَ أَحَدُكم من منامه فلا يَغْمِسْ يَدَه في الإِناءِ حتى يغسِلَها
24 -
حدثنا أبو الوليد أحمد بن بَكَّارٍ الدِّمَشقيُّ - من وَلَدِ بُسْرِ بن أَرْطاةَ صاحبِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: حدثنا الوليدُ بن مسلمٍ، عن الأَوزاعي، عن الزُّهري، عن سعيد بن المُسيّبِ وأبي سَلَمة
عن أَبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا استَيقَظَ أَحَدُكم مِن اللَّيلِ، فلا يُدْخِلْ يَدَه في الإِناءِ حتَّى يُفْرِغَ عليها مَرَّتينِ أَو ثلاثًا، فإِنَّه لا يَدْرِي أَين باتَتْ يَدُه"
(1)
.
وفي البابِ عن ابنِ عمر، وجابرٍ، وعائشةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
قال الشافِعيُّ: وأُحِبُّ لكُلِّ مَنِ استَيقَظَ مِن النوم، قايِلةً كانت أو غيرَها، أن لا يُدخِلَ يدَه في وَضُوئِه حتَّى يَغسِلَها، فإنْ أَدخل يدَه قبل أَنْ يغسِلَها كَرِهْتُ ذلك له، ولم يُفسِدْ ذلكَ الماءَ إذا لم يكن على يدِه نجاسةٌ.
وقال أَحمدُ بن حَنبلٍ: إذا استَيقَظَ
(2)
مِن اللَّيْلِ، فأدخل يدَه في وَضُوئِه قبل أن يغسِلَها، فأَعجَبُ إليَّ أن يُهرِيقَ الماءَ.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (162)، ومسلم (278)، وأبو داود (103 - 105) والنسائي 1/ 6 - 7 و 99 و 215. وهو في "المسند" (7282)، و"صحيح ابن حبان" (1062).
(2)
زاد في (س)، وفي نسخة في هامش (ب):"من النوم".
وقال إسحاق: إذا استيقظ من النومِ بالليلِ أو بالنَّهار، فلا يُدخِلْ يدَه في وَضوئِه حتى يغسلَها.
20 - باب في التَّسميةِ عندَ الوُضوءِ
25 -
حدثنا نَصْرُ بن عليّ وبِشرُ بن معاذٍ العَقَدِيُّ البصري، قالا: حدثنا بشرُ بن المُفَضَّلِ، عن عبد الرحمن بن حَرْمَلةَ، عن أَبي ثِفَالٍ المُرِّيِّ، عن رَبَاحِ بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حُوَيْطِبٍ، عن جَدَّته
عن أبيها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وُضُوءَ لمَنْ لم يَذْكُرِ اسمَ اللهِ عليه"
(1)
.
وفي البابِ عن عائِشةَ، وأبي هريرة، وأَبي سعيدٍ الخُدْريِّ، وسَهْلِ بنِ سعد، وأنسٍ
(2)
.
(1)
إسناده ضعيف، أبو ثِفال - واسمه ثمامة بن وائل بن حصين، ونسبه الترمذي إلى جده - روى عنه جمع، وذكره ابنُ حبان في "الثقات" 8/ 157 - 158، وقال البخاري: في حديثه نظر، قال الحافظ: وهذه عادته فيمن يُضعِّفه، ورباح مجهول، وجدته - واسمها أسماء بنت سعيد - ذُكرت في الصّحابة، ولم يثبت لها صحبة.
وأخرجه ابن ماجه (398)، وهو في "المسند"(16651) و (16652).
(2)
حديث عائشة أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 3، وابن ماجه (1062)، وأبو يعلى (4687)، والبزار (261 - كشف الأستار)، والطبراني في "الدعاء"(383) و (384)، والدارقطني 1/ 72 من طريق حارثة بن محمد، عن عمرة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقوم للوضوء يَكفأُ الإناءَ فيُسَمِّي اللهَ، ثم يُسبغ الوضوء. وحارثة بن أبي الرجال قد اتفقوا على ضعفه.
وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد (9418)، وأبو داود (101)، والترمذي في "العلل الكبير" 1/ 111، وابن ماجه (399)، من طريق يعقوب بن سلمة الليثي، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه:"لا وضوءَ لمن لم يذكر اسمَ الله عليه". ويعقوب بن سلمة الليثي قال الحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 226: شيخ قليل الحديث ما روى عنه من الثقات سوى محمد بن موسى، وأبوه مجهول ما روى عنه سوى ابنه.
وله طريق آخر عند الدارقطني 1/ 71، والبيهقي 1/ 44، وسنده ضعيف. وحديث أبي سعيد الخدري، أخرجه أحمد (11370) و (11371)، وابن ماجه (397) مرفوعًا بلفظ:"لا وضوء لمن لم يذكر اسمَ الله عليه" وسنده ضعيف. وحديث سهل بن سعد أخرجه ابن ماجه (400)، والحاكم 1/ 269، والبيهقي 2/ 379 من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن جده رفعه:"لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسمَ الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على النبي، ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار" وعبد المهيمن اتفقوا على ضعفه، وقد تابعه أخوه أُبيُّ بن العباس عند الطبراني في "الكبير"(5699)، وفي "الدعاء"(382)، وهو ضعيف أيضًا، لكن أحسن حالًا من أخيه عبد المهيمن، قال الذهبي في "الميزان" 1/ 78: وإن لم يكن بالثبت، فهو حسن الحديث، وأخوه عبد المهيمن واه.
وحديث أنس أخرجه النسائي 1/ 61، والبيهقي 1/ 43 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت وقتادة، عن أنس قال: طلبَ بعضُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وَضوءًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل مع أحدٍ منكم ماءٌ؟ " فوضع يدَه في الماء ويقول: "توضَّؤوا باسم الله". وهذا إسناد صحيح، وقال البيهقي: هذا أصحُّ ما في التسمية.
لكن قال ابنُ سيدِ الناس في "شرحه" ورقة 74 عن حديث أنس هذا: وهذا من الصحيح غير أنه ليس صريحًا في الباب، ولولا أن البيهقي والمقدسي ذكراه في ذلك، لانصرف الذِّهن إلى أن الترمذي أراد غيره.
قلنا: ذكر الحافظ في "التلخيص" 1/ 75 حديثًا لأنس غير هذا، فقال: روى عبد الملك بن حبيب الأندلسي، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس مرفوعًا: "لا إيمان لمن لم يؤمن بي، ولا صلاة إلا بوضوء، ولا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وضوء لمن لم يسم الله".
قال الحافظ: وعبد الملك شديد الضعف.
وفي الباب أيضًا عن أبي سبرة رضي الله عنه أخرجه الدولابي في "الكنى" 1/ 36، والطبراني في "الدعاء"(381) و"الأوسط"(1119) و"الكبير" 22/ (755) من طريق عيسى بن سبرة، عن أبيه، عن جده رفعه:"أيها الناس لا صلاة إلا بوضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله من لم يؤمن بي، ولم يؤمن بي من لم يعرف حق الأنصار".
وعيسى بن سبرة قال فيه أبو القاسم البغوي فيما نقله عنه الحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 236: منكر الحديث، وأبوه مجهول الحال.
ومع ذلك كله فقد قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 163 - 164 بعد أن أورد حديث أبي هريرة، وحديث سعيد بن زيد: وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شيء منها عن مقال، وقد ذهب الحسن وإسحاق بن راهويه، وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء، حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء، وهو رواية عن الإمام أحمد، ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها، وإن كان لا يسلم شيء منها عن مقال، فإنها تتعاضد بكثرة طرقها، وتكتسب قوة، والله أعلم.
وقال ابن الصلاح فيما نقله عنه الحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 237: ثبت بمجموعها ما يثبت به الحديث الحسن.
وقال ابن القيم في "المنار"(271): أحاديث التسمية على الوضوء أحاديثُ حسان.
وقال الحافظ ابن كثير في أول تفسيره: وتستحب التسمية في أول الوضوء لما جاء في "مسند الإمام أحمد" والسنن من رواية أبي هريرة وسعيد بن زيد، وأبي سعيد مرفوعًا:"لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" وهو حديث حسن.
وقال الحافظ العراقي في "محجَّة القُرب في فضل العرب" ص 27 - 28: هذا حديث حسن.
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 1/ 75: والظاهر أن مجموع الأحاديث =
قال أحمد
(1)
: لا أعلمُ في هذا الباب حديثًا له إسنادٌ جيِّدٌ
(2)
.
وقال إسحاق: إنْ تَرَكَ التسميةَ عامدًا أعادَ الوُضوءَ، وإن كانَ ناسِيًا أو مُتَأَوِّلًا، أجزأَه.
قال محمد بن إسماعيلَ: أَحسنُ شيءٍ في هذا الباب حديثُ رَبَاحِ بن عبد الرحمن.
ورَبَاحُ بن عبد الرحمن، عن جَدَّته، عن أَبيها، وأَبوها: سعيدُ بن زيدِ بن عَمرِو بن نُفَيْل.
وأبو ثِفَالٍ المُرِّيُّ اسمه: ثُمامَةُ بن حُصَيْنٍ.
= يحدث منها قوة تدل على أن له أصلًا.
(1)
زاد في (ب): "ابن حنبل".
(2)
علق الحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 223 على قول أحمد هذا، فقال: لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت ثبوت الضعف، لاحتمال أن يُراد بالثبوت الصحة، فلا ينتفي الحكم بالحسن، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت عن كل فرد نفيه عن المجموع، وكلام الإمام أحمد جاء عنه من طرق في بعضها زيادة، أخرجه ابن عدي في "الكامل" ص 1034 و 2087 عن أحمد بن حفص السعدي، قال: سئل الإمام أحمد عن التسمية في الوضوء، فقال: لا أعلم فيها حديثًا ثابتًا، أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد، عن ربيح بن عبد الرحمن، وربيح ليس بالمعروف. ونقل الخلال في "العلل" عن أبي بكر المروذي، عن أحمد، قال: ليس فيه شيء يثبت، وأخرج الحاكم في "المستدرك" 1/ 147 من طريق أبي بكر بن الأثرم، قال: قال أحمد: أحسن شيءٍ فيه حديث كثير بن زيد، وقال إسحاق بن راهويه: أصح شيء فيه حديث كثير بن زيد.
ورَبَاحُ بن عبد الرحمن: هو أبو بكر بن حُوَيْطبٍ، منهم مَن رَوَى هذا الحديث، فقال: عن أبي بكر بن حُوَيْطبٍ، فنَسَبَه إلى جَدِّه.
26 -
حدَّثنا الحسنُ بنُ عليًّ الحُلْواني، حدَّثنا يزيدُ بن هارونَ، عن يَزيدَ بن عياضٍ، عن أبي ثِفالٍ المُرِّي، عن رَبَاح بن عبد الرحمن بن أبي سُفيانَ بن حُويطب، عن جدَّته بنت سعيد بن زيدٍ، عن أبيها، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم .. مثله
(1)
.
21 - باب ما جاء في المَضْمَضةِ والاستِنشاقِ
27 -
حدثنا قُتَيْبةُ قال: حدثنا حمادُ بن زيد وجَرِيرٌ، عن منصورٍ، عن هلالِ بنِ يِسَافٍ
عن سَلَمةَ بن قيسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تَوَضَّأْتَ فانْتَثِرْ، وإذا استَجْمَرْتَ فأَوتِرْ"
(2)
.
وفي الباب عن عثمانَ، ولَقِيط بن صَبِرةَ، وابن عباسٍ، والمِقْدامِ بن مَعْدِي كَرِبَ، ووائلِ بن حُجْرٍ، وأبي هريرة.
حديثُ سَلَمةَ بن قيسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(1)
هذا الحديث أثبتناه من هامش (أ)، وهو ثابت كذلك في بعض الأصول الخطبة التي اعتمدها الشيخ أحمد شاكر في طبعته، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية، ولا في النسخة التي اعتمدها المباركفوري في شرحه، ولم يذكره المزي في "تحفة الأشراف" 4/ 14.
(2)
صحيح، وأخرجه ابن ماجه (406)، والنسائي 1/ 41 و 67. وهو في "المسند" (18817)، و"صحيح ابن حبان" (1436).
واختَلَفَ أهل العلم فيمن تَرَكَ المضمضةَ والاستنشاقَ، فقالت طائفةٌ منهم: إذا تركها في الوضوءِ حتى صَلَّى أَعادَ، ورَأَوْا ذلك في الوضوءِ والجَنابةِ سَواءً. وبه يقولُ ابنُ أَبي لَيْلَى، وعبدُ الله بنُ المباركِ، وأحمدُ، وإسحاق.
وقال أحمدُ: الاستنشاقُ أَوْكَدُ من المضمضةِ.
قال: وقالت طائفةٌ مِن أهل العلم: يُعِيدُ في الجنابةِ، ولا يُعيد في الوضوء، وهو قول سفيانَ الثَّوْريِّ وبعضِ أهل الكوفة.
وقالت طائفةٌ: لا يُعيدُ في الوضوءِ ولا في الجنابةِ، لأنهما سُنَّةٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تَجِبُ الإعادةُ على مَن تركهما في الوضوءِ ولا في الجنابةِ. وهو قول مالكٍ والشافِعيِّ.
22 - باب المضمضةِ والاستنشاقِ من كَفٍّ واحدةٍ
28 -
حدثنا يحيى بنُ موسى، قال: حدثنا إبراهيمُ بن موسى، قال: حدثنا خالد، عن عَمْرِو بن يحيى، عن أَبيه
عن عبد الله بن زيدٍ قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ واستَنْشَقَ مِن كَفٍّ واحدةٍ، فَعَلَ ذلكَ ثلاثًا
(1)
.
وفي البابِ عن عبد الله بن عباسٍ.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (191)، ومسلم (235)، وأبو داود (119)، وابن ماجه (405). وهو في "المسند"(16445) و (16472)، و"صحيح ابن حبان"(1077).
حديثُ عبد الله بن زيدٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ
(1)
وقد رَوَى مالكٌ وابن عيينة وغيرُ واحدٍ هذا الحديثَ عن عمرِو بن يحيى، ولم يذكروا هذا الحرفَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ واستَنشَقَ مِن كَفٍّ واحدةٍ، وإنما ذَكَرَه خالدُ بن عبد الله، وخالد ثقةٌ حافظٌ عند أهل الحديث.
وقال بعضُ أهل العِلم: المضْمَضَةُ والاستنشاقُ من كفٍّ واحدةٍ يُجزِئُ.
وقال بعضهم: يفرِّقهُما أحَبُّ إلينا.
وقال الشافعيُّ: إِنْ جَمَعَهما في كفٍّ واحدةٍ، فهو جائزٌ، وإن فَرَّقهما، فهو أَحبُّ إلينا.
(1)
وجه استغرابه ما ذكره لاحقًا من أن خالدًا تفرد بهذا الحرف "مِن كفٍّ واحدة"، وليس كذلك فقد تابعه سليمان بن بلال - وهو ثقة - عند البخاري (199)، ومسلم (235)، ولفظه عند البخاري:"من غرفة واحدة".
قال ابن سيد الناس ورقة 7/ 1: وإطلاق الصحة على هذا هو الظاهر الآن لثبوتِهِ في "صحيحي" البخاري ومسلم، ومتابعة سليمان بن بلال خالدًا على روايته عن عمرو بن يحيى كرواية خالد، ولوجود حديث عن ابن عباس في معناه، وهو أيضًا عند البخاري (140)، ولأن خالدًا لو انفرَدَ لم يكن حديثُه نازلًا عن درجة الصحيح على ما رسَمُوه، ولسنا في هذا وأمثاله نُلزِم الترمذي بصحيح الشيخين، إذ هو مجتهد كواحدٍ منهما، ولعلَّ متابعةَ سليمان لم تَقَعْ له، وإنما كلامُنا بحسب ما انتهى إليه الحالُ مما اقتضاه النظرُ في عصرنا، والله أعلم.
23 - باب في تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ
29 -
حدّثنا ابن أَبي عُمرَ، قال: حدثنا سفيانُ بن عُيَيْنة، عن عبد الكريم بن أبي المُخَارِقِ أَبي أُمَيَّةَ، عن حسان بن بلال، قال:
رأَيتُ عَمَّارَ بن ياسرِ تَوَضَّأَ، فخَلَّلَ لحيتَه، فقيل له، أو قال: فقلتُ له: أَتُخَلَّلُ لحيتَك؟ قال: وما يَمْنَعُني؟ ولقد رأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُخَلِّلُ لحيَتَه
(1)
.
30 -
حدثنا ابن أَبي عمرَ، قال: حدثنا سفيانُ، عن سعيدِ بن أبي عَرُوبةَ، عن قتادةَ، عن حَسَّان بن بلالٍ، عن عمارٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثلَه
(2)
.
(1)
حسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الكريم بن أبي المخارق، ثم هو لم يسمعه مِن حسان بن بلال، فهو منقطع. ابن أبي عمر: هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العَدَني.
وأخرجه ابن ماجه (429)، والحاكم 1/ 149 وصححه! عن ابن أبي عمر، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي (645)، وابن أبي شيبة 1/ 12، والحميدي (146) عن سفيان بن عيينة، به.
وأخرجه أبو يعلى (1604) عن هارون بن معروف وأبي خيثمة زهير بن حرب، عن سفيان بن عيينة، به. وانظر ما بعده.
(2)
حسن بشواهده، رجاله ثقات رجال الصحيح غير حسان بن بلال، فقد روي له أصحاب السنن ما عدا أبا داود، وسماع سفيان - وهو ابن عيينة - من سعيد بن أبي عروبة لم ينصَّ أحد عليه متى كان، قبل الاختلاط أم بعده.
وأخرجه ابن ماجه (429) عن ابن أبي عمر، بهذا الإسناد. =
وفي الباب عن
(1)
عائشةَ، وأُمِّ سَلَمة، وأنس، وابن أبي أَوْفَى، وأبي أَيوب
(2)
.
= وأخرجه الحميدي (147)، والحاكم 1/ 149 عن سفيان، به.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 32 وذكر هذا الحديث من طريق سفيان، عن سعيد: قال أبي: لم بحدث بهذا أحد سوى ابن عيينة عن ابن أبي عروبة. قلت: صحيح؟ قال: لو كان صحيحًا، لكان في مصنفات ابن أبي عروبة، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث [سماعًا] وهذا أيضًا مما يوهنُه.
وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 31: لا يصح حديث سعيد (أي: ابن أبي عروبة).
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 1/ 86: لم يسمعه ابن عيينة من سعيد، ولا قتادة من حسان.
قلنا: قد صرح سفيان بالسماع من سعيد عند الحاكم.
وقال ابن سيد الناس ورقة 8/ 1: طريق سعيد يمكن أن يكونَ من باب الحسن.
(1)
زاد في طبعة الشيخ أحمد شاكر في أحاديث الباب "عن عثمان"، ولم يرد في أصولنا الخطية.
(2)
حديث عائشة أخرجه أحمد (25970)، وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 1/ 86.
وحديث أم سلمة أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 121، والطبراني 23/ (664)، قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 235: فيه خالد بن إلياس، ولم أرَ من ترجمه، قلنا: بل هو مترجم في "التهذيب" وحديثه عند الترمذي وابن ماجه، قال الحافظ في "التقريب": متروك الحديث.
وحديث أنس أخرجه أبو داود (145)، وابن ماجه (431)، والحاكم 1/ 149، والبيهقي 1/ 54. وهو حسن بمجموع طرقه.
وحديث عبد الله بن أبي أَوفى أخرجه أبو عبيد في "الطهور"(82) و (311). وإسناده ضعيف جدًّا.
وحديث أبي أيوب الأنصاري أخرجه أحمد (23541)، وابن ماجه (433). =
سمعتُ إسحاق بن منصورٍ يقول: سمعت أحمد بن حَنبلٍ قال: قال ابنُ عُيَيْنة: لم يَسمَعْ عبدُ الكريم من حسَّان بن بلال حديث التَّخْلِيلِ.
وقال محمد بن إسماعيلَ: أَصَحُّ شيءٍ في هذا الباب حديثُ عامر بن شَقِيقٍ، عن أبي وائِلٍ، عن عثمانَ.
وقال بهذا أكثرُ أهل العِلْم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَن بَعْدَهم: رَأَوْا تخلِيلَ اللحيةِ، وبه يقول الشافعيُّ.
وقال أحمدُ: إنْ سَهَا عن التخليلِ، فهو جائزٌ.
وقال إسحاق: إن تَرَكه ناسيًا أو مُتَأَوِّلًا أَجزأَه، وإن تَرَكه عامدًا أَعادَ.
31 -
حدثنا يحيى بنُ موسى، قال: حدثنا عبدُ الرزاق، عن إسرائيلَ، عن عامر بن شَقِيقٍ، عن أبي وائِلٍ
عن عثمان بن عفَّانَ: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُخَلِّلُ لحيَتَه
(1)
.
= وإسناده ضعيف جدًّا.
وفي الباب أيضًا عن غيرهم، انظر "نصب الراية" 1/ 25 و 26، و"التلخيص الحبير" 1/ 85 - 87، ولا يخلو واحد منها من مقال، وأحسنها حديث ابن عمر عند ابن ماجه (432).
(1)
حسن بشواهده، وأخرجه ابن ماجه (430)، وصححه ابن خزيمة (151)، وابن حبان (1081)، ونقل المصنف في "علله الكبير" 1/ 115 عن البخاري أنه قال. أصح شيءٍ عندي في التخليل حديث عثمان. قلت (القائل الترمذي): إنهم يتكلمون في هذا الحديث، فقال: هو حسن.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
24 - باب ما جاءَ في مَسْحِ الرَّأْسِ
(1)
أنَّه يُبدَأ بمُقَدَّمِ الرأْسِ إلى مُؤَخَّرِه
32 -
حدثنا إسحاق بنُ موسى الأنصاريُّ، قال: حدثنا مَعْنٌ، قال: حدثنا مالكُ بن أنسٍ، عن عَمْرو بن يحيى، عن أبيه
عن عبد الله بن زيدٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رأْسَه بيَدَيهِ، فأَقبَلَ بهما وأَدْبَرَ: بَدَأَ بمُقَدَّمِ رأْسِه، ثمَّ ذَهَبَ بهما إلى قَفَاهُ، ثمَّ رَدَّهُما حتَّى رَجَعَ إلى المكانِ الذي بَدَأَ منه، ثمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ
(2)
.
وفي الباب عن معاويةَ، والمِقْدامِ بن مَعْدِي كَرِبَ، وعائشةَ.
حديثُ عبد الله بن زيدٍ أَصحُّ شيءٍ في هذا البابِ وأَحْسَنُ، وبه يقول الشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ.
25 - باب ما جاءَ أنه يُبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ
33 -
حدثنا قُتَيبة، قال: حدثنا بِشْر بن المُفَضَّلِ، عن عبد الله بن محمد بن عَقيلٍ
(1)
في (ب) و (د) و (ظ): "باب في مسح الرأس".
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (185)، ومسلم (235)، وأبو داود (118)، وابن ماجه (434)، والنسائي 1/ 71، ومالك في "الموطأ" 1/ 18، وهو في "المسند"(16431)، و"صحيح ابن حبان"(1084).
عن الرُّبَيَّع بنت مُعَوِّذِ بنِ عَفْراءَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَح بِرَأْسِه مَرَّتَين: بَدَأَ بمُؤَخَّرِ رأْسِه، ثمَّ بمقَدَّمِه، وبأُذُنَيهِ كِلْتَيْهما: ظُهُورِهما وبُطُونِهما
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ، وحديث عبد الله بن زيدِ أَصَحُّ من هذا وأَجودُ إسنادًا.
وقد ذهب بعضُ أهل الكوفة إلى هذا الحديث، منهم وَكيعُ بن الجَرَّاحِ.
26 - باب ما جاء أنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةٌ
34 -
حدثنا قُتَيبة، قال: حدثنا بَكْرُ بن مُضَرَ، عن ابن عَجْلانَ، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل
عن الرُّبَيَّعِ بنت مُعَوِّذِ ابن عَفْراءَ: أنَّها رَأَتِ النبي صلى الله عليه وسلم يَتَوضَّأُ،
(1)
إسناده ضعيف بهذا السياق، عبد الله بن محمد بن عقيل ليس بالقوي عندهم، وهو إنما يقبل حديثه في المتابعات والشواهد، وقد اضطرب في متنه، وهو هنا قد خالف حديث الثقات في موضعين من حديثه: الأول: قوله: "بدأ بمؤخَّر رأسه" وفي حديث عبد الله بن زيد في الباب السابق، "بدأ بمقدَّم رأسه"، وهو في "الصحيحين".
والثاني: قوله: "مسح برأسه مرتين"، وسيأتي من حديثه هو في الباب التالي أنه مسح مرة، وهو أصحُّ.
وأخرجه أبو داود (126)، وابن ماجه (438) و (440)، وهو في "المسند"(27015) و (27016).
قالت: مَسَحَ رأْسَه
(1)
، ومَسَحَ ما أَقبَلَ منه وما أَدبَرَ، وصُدْغَيْهِ وأُذُنَيهِ مرَّةً واحدةً
(2)
.
وفي البابِ عن عليٍّ، وجَدِّ طَلْحةَ بن مُصَرِّف.
حديثُ الرُّبَيَّعِ حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ
(3)
.
وقد رُويَ مِن غيرِ وَجْهٍ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّه مَسَحَ برَأْسِه مرَّةً.
والعملُ على هذا عندَ أكثر أهل العِلْم من أَصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ بَعدَهم، وبه يقول جعفرُ بن محمدٍ، وسفيانُ، وابنُ المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق: رَأَوْا مَسْحَ الرَّأْسِ مرَّةً واحدةً.
حدثنا محمد بن منصورٍ، قال: سمعتُ سفيان بن عُيَيْنةَ
(1)
في (ب) و (س): "برأسه".
(2)
إسناده ضعيف كسابقه، وأخرجه أبو داود (128) و (129). وهو في "المسند"(27022).
(3)
قال ابن سيد الناس ورقة 9/ 2: صححه الترمذي وهو كالذي قبله من حديث ابنِ عقيل، ولم يصحَّح ذاك لأمورٍ:
أحدها: ما فيه من اضطراب المتن واختلاف الألفاظ.
الثاني: مخالفة لفظه للأحاديث الصحيحة في هيئة المسح.
الثالث: أنه لم يذكر في معناه شيئًا، وذكر في معنى هذا حديث علي وحديث طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده.
قلنا: أما حديث علي، فهو في مسح الرأس مرةً، وهو صحيح، أخرجه أحمد في "المسند"(876) و (1027) و (1133) و (1324) و (1356)، وانظر تمام تخريجه فيه.
وأما حديث جد طلحة، فأخرجه أبو داود (132)، وإسناده ضعيف.
يقول: سأَلتُ جعفرَ بن محمدٍ
(1)
عن مسح الرأسِ: أَيُجْزِئُ مرَّةً؟ فقال: إي واللهِ.
27 - باب ما جاءَ أنه يأخُذُ لرأسِه ماءً جديدًا
35 -
حدثنا عليُّ بن خَشْرَمٍ قال: حدثنا عبدُ الله بن وَهْبٍ، قال: حدثنا عَمرُو بن الحارثِ، عن حَبَّانَ بن واسِعٍ، عن أبيه
عن عبد الله بن زيدٍ: أَنَّه رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، وأَنَّه مَسَحَ رأْسَه بماءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيهِ
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورَوَى ابنُ لَهِيعَة هذا الحديثَ عن حَبَّان بن واسعٍ، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ، وأَنَّه مَسَحَ رأْسَه بماءٍ غَبَر مِن فَضْلِ يديهِ
(3)
.
وروايةُ عَمْرِو بن الحارث عن حَبَّانَ أصحُّ، لأنه قد رُويَ من غير وجهٍ هذا الحديثُ عن عبد الله بن زيد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
هو الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالصادق، فقيه إمام ثقة، احتج به مسلم.
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (236)، وأبو داود (120).
وهو في "المسند"(16467)، و"صحيح ابن حبان"(1085).
(3)
وقوله: "بماء غير من فضل يديه"، هو بالباء الموحدة كما في (أ) و (ب) و (ظ)، وهو الصواب في رواية عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة، وقد جاء في (د) و (س):"غير"، وهو تصحيف. انظر "المسند"(16440) و (16469).
أَخَذَ لرَأْسِه ماءً جديدًا.
والعملُ على هذا عند أكثرِ أهل العِلْم: رَأَوْا أن يأخذَ لرأسِه ماءً جديدًا.
28 - باب في مسحِ الأُذُنين ظاهِرِهما وباطِنِهما
36 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا ابنُ إدرِيسَ، عن ابن عَجْلانَ، عن زيد بن أَسلَمَ، عن عطاءِ بن يَسَارٍ
عن ابن عباسٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مسَحَ برَأْسِه وأُذُنَيهِ: ظاهِرِهما وباطِنِهما
(1)
.
وفي الباب عن الرُّبَيِّع.
حديث ابن عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند أكثرِ أهل العلم: يَرَوْنَ مسحَ الأُذنين: ظُهُورِهما وبُطُونِهما.
29 - باب ما جاءَ أن الأُذُنين من الرأس
37 -
حدثنا قُتَيْبة، قال: حدثنا حماد بن زيدٍ، عن سِنَانِ بن رَبِيعةَ، عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ
(1)
حسن، وأخرجه ابن ماجه (439)، والنسائي 1/ 74، وهو في "صحيح ابن حبان"(1078) و (1086).
وحديث الرُّبيِّع الذي سيشير إليه المصنف سلف عنده برقم (33) و (34).
عن أَبي أُمَامةَ قال: تَوَضَّأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فغَسَلَ وَجْهَه ثلاثًا، ويَديهِ ثلاثًا، ومَسَحَ برَأْسِه، وقال:"الأُذُنانِ مِن الرأْسِ"
(1)
. قال قتيبةُ: قال حمادٌ: لا أَدري، هذا مِن قول النبيَّ صلى الله عليه وسلم أو مِن قولِ أَبي
(1)
صحيح دون قوله: "الأذنان من الرأس"، وهذا إسناد ضعيف لِكَلامٍ في سنان بنِ ربيعة، وشهرِ بن حوشب، وكذا اختُلِفَ في رفعه ووقفه، وجملة:"الأذنان من الرأس" لها شواهد: إما ضعيفة أو معلة بالانقطاع أو بالوقف، وقد بسطنا الكلام عليها في المسند" (22223).
وأخرجه أبو داود (134)، وابن ماجه (444).
وأخرجه الدارقطني 1/ 103 من طريق معلَّى بن منصور، عن حماد بن زيد، به، إلا أنه شك فيه، فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أبي أمامة.
وأخرجه أبو داود (134)، والدارقطني 1/ 104، والبيهقي 1/ 66 من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، به. قال سليمان بن حرب:"الأذنان من الرأس" إنما هو من قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا، فقد بدَّل، أو كلمة قالها سليمان، أي: أخطأ.
تنبيه: أخرج الطبراني في "الكبير"(10784) عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن قارظ بن شيبة، عن أبي غطفان، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"استنشقوا مرتين، والأذنان من الرأس" وهذا وإن كان إسناده صحيحًا، لكن قوله:"والأذنان من الرأس" زيادة أقحمها بعض النساخ في رواية الطبراني هذه، والدليل على عدم وجودها أن الطبراني رحمه الله روى الحديث من طريق الإمام أحمد، وهو في "المسند" في ثلاثة مواضع (2012) و (2887) و (3296) وليست فيه هذه الزيادة، وهو أيضًا عن غير أحمد كما بسطناه في تعليقنا على "المسند"(22223) دون هذه الزيادة، ولم يتفطن الشيخ الألباني رحمه الله إلى ذلك، فصحح الحديث مع هذه الزيادة مخالفًا بذلك من تقدم من الأئمة الحفاظ، انظر "صحيحته" 1/ 87 - 88 رقم (36).
أُمامةَ؟
وفي الباب عن أَنَسٍ.
هذا حديث ليسَ إِسنادُه بِذَاكَ القائمِ.
والعملُ على هذا عندَ أكثر أهلِ العِلْم من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومَن بَعْدَهم: أنَّ الأُذُنَينِ مِن الرَّأْسِ، وبه يقول سفيانُ الثورِيُّ، وابنُ المُبارك
(1)
، وأحمد، وإسحاق.
وقال بعضُ أهل العلم: ما أَقْبَلَ مِن الأُذُنَينِ فمِنَ الوَجْهِ، وما أَدبَرَ فمِنَ الرَّأْسِ.
وقال إسحاق: وأخْتارُ أنْ يمسَح مُقَدَّمَهما مع وجهِه، ومُؤخَّرَهما مع رأْسِه.
وقال الشافعيُّ: هما سُنَّةٌ على حِيالهما، ويمسحُهما بماءٍ جديدٍ. وهو قولُ مالكٍ
(2)
.
30 - باب في تَخْلِيلِ الأصابع
38 -
حدثنا قُتيبة وهَنَّادٌ، قالا: حدثنا وَكِيع، عن سفيانَ، عن أبي هاشمٍ، عن عاصِم بن لَقِيطِ بن صَبِرَةَ
(1)
جاء بعد هذا في (ظ) و (س): "والشافعي"، ولم يرد في باقي الأصول.
(2)
من قوله: "وقال الشافعي" إلى هنا أثبتناه من هامش (س)، ولم يرد في أصولنا الخطية.
عن أَبيه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا تَوَضَّأْتَ، فَخَلَّلِ الأَصابِعَ"
(1)
.
وفي البابِ عن ابن عباسٍ، والمُستَورِدِ
(2)
، وأبي أيوبَ.
هذا حَديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم: أَنَّه يُخَلَّلُ أصابع رجليه في الوضوء، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال إسحاق: يُخَلَّلُ أصابعَ يديه ورجليه.
وأَبو هاشمٍ اسمه: إسماعِيلُ بن كَثيرٍ.
39 -
حدثنا إبراهيمُ بن سعيدٍ، قال: حدثنا سَعْدُ بنُ عبدٍ الحميدِ بن جعفرٍ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزِّنَادِ، عن موسى بن عُقْبةَ، عن صالحٍ مَوْلى التَّوْأَمَةِ
عن ابن عباسٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تَوَضَّأْتَ، فخَلِّلْ
(3)
أصابِعَ يَدَيكَ ورِجْلَيكَ"
(4)
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (142)، وابن ماجه (448)، والنسائي 1/ 79.
وهو في "المسند"(16381)، و"صحيح ابن حبان"(1054).
وسيأتي عند المصنف بأطول مما هنا برقم (798).
(2)
في (س) ونسخة على هامش (أ): "وهو ابن شداد الفهري".
(3)
في (س): "فخلل بين".
(4)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، سعد بن عبد الحميد وصالح مولى التوأمة صدوقان. وأخرجه ابن ماجه (447). وهو في "المسند"(2604).
وانظر ما بعده.
هذا حديث حسنٌ غَرِيبٌ
(1)
40 -
حدّثنا قتُيَبة، قال: حدثنا ابن لَهِيعَة، عن يزيدَ بنِ عَمْرٍو، عن أبي عبد الرحمن الحُبُليِّ
عن المُستَوْرِد بن شَدَّادٍ الفِهْرِيَّ قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا تَوَضَّأَ، دَلَكَ
(2)
أصابِعَ رِجْلَيه بخِنْصرِه
(3)
هذا حديثٌ غريبٌ
(4)
، لا نعرفُه إلا من حديث ابن لَهِيعَةَ
(5)
.
(1)
وقد نقل ابنُ سيد الناس ورقة 12/ 1 عن الترمذي أنه قال في كتاب "العلل": سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وموسى بن عقبة سمع من صالح مولى التوأمة قديمًا.
وهذا النص في كلام متمَّمٍ له سقط من مطبوع "العلل" بتحقيق حمزة ديب مصطفى.
(2)
في (ظ) و (س): "خلل".
(3)
صحيح لغيره، وهذا سند حسن، فإن رواية قتيبة - وهو ابن سعيد - عن ابن لهيعة - وهو عبد الله - قوية عند أهل العلم، وقد تابعه عبدُ الله بن وهب عند الطحاوي 1/ 36، وعبد الرحمن بن يزيد المقرئ عند الطبراني في "الكبير" 20/ (728)، وهما كقتيبة سماعُهما من ابن لهيعة صحيح، وأخرجه أبو داود (148)، وابن ماجه (446)، وهو في "المسند"(18010).
(4)
في نسخة على هامش (1) و (س): "حسن غريب".
(5)
قال ابن سيد الناس ورقة 12/ 1: أما حديث المستورد بن شداد، فقال فيه: حسن غريب، والظاهر أنه يُشير بالغرابة إلى تفرُّد ابن لهيعة به عن يزيد بن عمرو، ومن طريقه رواه الجماعةُ والبزارُ وعبدُ الباقي بن قانع وغيرهم، وبابن لهيعة أيضًا صار حسنًا، فإن يكن ذلك، فليس بغريب، ولا حسن، فقد رواه عن =
31 - باب ما جاء وَيْلٌ للأَعْقابِ مِن النَّارِ
41 -
حدثنا قُتَيبة، قال: حدثنا عبدُ العزيز بن محمدٍ، عن سُهَيلِ بن أبي صالحٍ، عن أبيه
عن أبي هريرة، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"وَيْلٌ لِلأَعْقابِ مِن النَّارِ"
(1)
.
وفي البابِ عن عبد الله بن عمرٍو، وعائشة، وجابرِ بن عبد الله، وعبد الله بن الحارث
(2)
، ومُعَيْقِيبٍ، وخالدِ بن الوَليدِ، وشُرَحْبِيلَ بن حَسَنةَ، وعَمْرو بن العاصِ، ويزيدَ بن أَبي سفيانَ.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُويَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "وَيْلٌ لِلأَعْقابِ وبُطُونِ الأقدامِ مِن النَّارِ"
(3)
.
وفِقْهُ هذا الحديثِ: أَنَّه لا يجوزُ المسحُ على القدمينِ إذا لم
= يزيد كرواية ابنِ لهيعة الليثُ بن سعد، وعمرو بن الحارث، ثم قال: فالحديثُ إذن صحيحٌ مشهور.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (165)، ومسلم (242)، وابن ماجه (453)، والنسائي 1/ 77. وهو في "المسند" (7122) و (7791)، و"صحيح ابن حبان" (1088).
(2)
في (س) وهامش (أ): "هو ابن جَزْء الزُّبَيدي".
وحديثه في "المسند" برقم (17710)، وانظر تتمة تخريجه هناك.
(3)
صحيح، وهو في "المسند"(17710) من حديث عبد الله بن جزء.
يَكُنْ عليهما خُفَّانِ أو جَوْربانِ
(1)
.
32 - باب ما جاءَ في الوضوءِ مرَّةً مرَّةً
42 -
حدثنا أبو كُرَيبٍ وهنَّادٌ وقُتَيبةُ، قالوا: حدثنا وَكِيعٌ، عن سفيانَ (ح)
وحدثنا محمد بن بَشَّارٍ، قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدثنا سفيانُ، عن زيدِ بن أَسلمَ، عن عطاء بنِ يَسَارٍ
عن ابنِ عباس: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مرَّةً مرَّةً
(2)
.
وفي الباب عن عمرَ، وجابرٍ، وبُرَيْدةَ، وأبي رافِعٍ، وابن الفاكِهِ
(3)
.
(1)
كذا في (د): "خفان أو جوربان" بالرفع، وهو الجادة، وفي (أ) و (ب) و (ظ):"خفين أو جوربين" بالنصب، وقد ضبب عليهما، وكتب في هامش (د): الرواية: "خفين أو جوربين"، وصوابه بالرفع، وجاء نحوه في (ب).
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (157)، وأبو داود (138)، وابن ماجه (411)، والنسائي 1/ 62. وهو في "المسند" (2072)، و"صحيح ابن حبان" (1095).
(3)
واسمه عبد الرحمن بن أبي قُراد الأنصاري، وقد أخرج حديثه هذا أبو القاسم البغوي في "مسند ابن الجعد"(3572)، ومن طريق ابن الجعد أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في "الطهور"(100) عن عدي بن الفضل، عن أبي جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي قُراد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة. وعدي بن الفضل - متروك الحديث.
وأخرج الحديث مطولًا أحمد في "مسنده"(15661) عن عفان، عن يحيى القطان، عن أبي جعفر الخطمي، عن الحارث بن فضيل وعمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي قُراد، وفيه:
…
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ، فصبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يده فغسلها، ثم أدخل يده، فكفَّها، فصبّ على يده =
حديثُ ابنِ عباسٍ أحسنُ شيءٍ في هذا الباب وأَصَحُّ.
ورَوَى رِشْدِينُ بنُ سَعْد وغيره هذا الحديثَ عن الضَّحَّاكِ بن شُرَحْبِيلَ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخَطَّابِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوضَّأَ مرَّةً مرَّةً
(1)
.
وليس هذا بشيءٍ، والصحيحُ ما رَوَى ابنُ عَجْلانَ وهشامُ بنُ سَعْدٍ وسفيانُ الثَّوْريُّ وعبدُ العزيز بنُ محمد، عن زيد بن أسلمَ، عن عطاء بن يَسارٍ، عن ابن عباسٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
= واحدة، ثم مسح على رأسه، ثم قبض الماء قبضًا بيده، فضرب به على ظهر قدمه، فمسح بيده على قدمه، ثم جاء، فصلى لنا الظهر. وهذا إسناد صحيح.
(1)
أخرجه أحمد (151)، وابن ماجه (412) من طريقين عن رشدين بن سعد، بهذا الإسناد. قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" ورقة 32/ 1: هذا إسناد ضعيف لضعف رِشدين بن سعد.
وأخرجه عبد بن حميد (12)، وأحمد (149) عن حسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن الضحاك بن شرحبيل، به. وابن لهيعة سيئ الحفظ.
وأخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 36 عن أبيه، عن حرملة، عن عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، به. قال أبو حاتم: هذا خطأ، إنما هو: زيد، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر الدارقطني في "العلل" 2/ 144 - 145 هذين الطريقين، وقال: خالفه (أي: الضحاك) عبدُ الله بنُ سنان (وهو ضعيف) فرواه عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكلاهما وهم، والصواب: عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، كذا رواه الحفَّاظ عن زيد بن أسلم.
33 - باب ما جاء في الوضوء مَرَّتَين مَرَّتَينِ
43 -
حدثنا أبو كُرَيْبٍ ومحمدُ بنُ رافعٍ، قالا: حدثنا زيد بنُ حُبَابٍ، عن عبدٍ الرحمن بنِ ثابتِ بن ثَوْبانَ، قال: حدثني عبدُ الله بنُ الفَضْلِ، عن عبد الرحمن بنِ هُرْمُزَ الأَعرجِ
عن أبي هريرةَ: أن النبي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتينِ مَرَّتينِ
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ، لا نعرفه إلا من حديث ابن ثَوْبَانَ، عن عبد الله بن الفضل، وَهُوَ إسنادٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(2)
(3)
.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وأخرجه أبو داود (136). وهو في "المسند"(7877)، و"صحح ابن حبان"(1094).
وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند البخاري (158)، وهو في "المسند"(16431) و (16443).
(2)
ضبب على قوله: "صحيح" في (أ) و (ظ).
(3)
قال ابن سيد الناس ورقة 15/ 1: عبد الله بن الفضل روى له الجماعة، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان هو المتفرَّد به عن عبد الله بن الفضل، فهي الغرابة التي أشار إليها، روى له أبو داود، والترمذي، وابنُ ماجه، ومن أجله كان حسنًا، ومن عداه، فمخرَّج له في الصحيح
…
ثم ساق أقوالَ أهل العلم فيه بين موثِّقٍ له ومضعَّف.
ثم قال: فالمقتضي لكونه حسنًا ما في حال ابن ثوبان من الاختلاف، مع كونه تفرَّد به، وإن كان الغالب عليه التوثيق، فلذلك قال: وهو إسناد حسن صحيح، لكنه مع التفرد تنحطُّ درجة حديثه عما يُتابع عليه، فالحديثُ حسن لمحلَّ التفرد المشار إليه، والسند صحيح لما نبَّهنا عليه من حال رواته، ولا تنافي في ذلك، فإنهم اشترطوا في الصحيح مع ثقة الرواة السلامة من الشذوذ والعلل، فثقة الرواة =
وفي الباب عن جابر
(1)
.
وقد رُوِي عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثلاثًا ثلاثًا
(2)
.
34 - باب في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا
44 -
حدّثنا محمد بن بَشارٍ، قال: حدثنا عبد الرحمن بنُ مَهْدِيٍّ، عن سفيانَ، عن أَبي إسحاق، عن أبي حَيَّةَ
عن عليّ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا
(3)
.
= هو صحةُ الإسناد، وعدم سلامة الحديث من الشذوذ والتعليل، هو سببُ عدم القول بصحَّتِه.
قلنا: وللحديث شاهد عند أحمد في "المسند"(16464)، والبخاري في "صحيحه"(158) من حديث عبد الله بن زيد المازني.
وأما حديث جابر الذي سيشير إليه المصنف، فسيأتي عنده برقم (45).
(1)
وقع بدل هذا في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ما نصه: "قال أبو عيسى: وقد رَوَى همامٌ، عن عامر الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا"، وما أثبتناه من أصولنا الخطية.
(2)
أخرجه ابن ماجه (415) عن أبي كريب، عن خالد بن حيان، عن سالم أبي المهاجر، عن ميمون بن مِهران، عن عائشة وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضّأ ثلاثًا ثلاثًا. وهذا إسناد قوي.
وأخرجه بنحوه أحمد (8577)، والطحاوي 1/ 36 من طريق همَّام، عن عامر الأَحول، عن عطاء، عن أبي هريرة. وإسناده حسن.
(3)
صحيح، وأخرجه بأتمَّ مما هنا أبو داود (116)، والنسائي 1/ 70 - 71 و 79 و 87. وسيأتي عند المصنف برقم (48) و (49). وهو في "المسند"(928) و (971) و (1025).
وصحح هذا الحديث الحافظان أبو علي بن السَّكَن، وأبو عبد الله محمد بن =
وفي البابِ عن عثمانَ، والرُّبَيِّعِ، وابنِ عُمَرَ، وعائشةَ، وأَبي أمَامَةَ، وأَبي رافعٍ، وعبد الله بن عَمْرو، ومعاوية، وأبي هريرة، وجابرٍ، وعبد الله بن زَيْد، وأُبَيًّ.
حديثُ عليًّ أَحسَنُ شيءٍ في هذا الباب وأَصَحُّ
(1)
.
والعملُ على هذا عند عامَّةِ أهل العلم: أَنَّ الوضوءَ يُجْزِئُ مرَّةً مرةً، ومَرَّتينِ أَفضَلُ، وأَفْضَلُه ثلاثٌ، وليس بَعدَه شيءٌ.
وقال ابن المُبارَكِ: لا آمَنُ إذا زادَ في الوضوء على الثَّلاثِ أَنْ يَأْثَمَ.
وقال أحمدُ وإسحاق: لا يزيدُ على الثلاث إلا رجلٌ مُبْتَلىً.
35 - باب ما جاء في الوضوء مرةً ومرتينِ وثلاثًا
45 -
حدَّثنا إسماعيلُ بنُ موسى الفَزَارِيُّ، قال: حدثنا شَريكٌ، عن ثابتِ بن أبي صَفِيَّةَ، قال: قلتُ لأَبي جعفرٍ:
حَدَّثَكَ جابرٌ: أن النبي صلى الله عليه وسلم توَضَّأَ مرةً مرةً، ومَرَّتينِ مَرَّتينِ، وثلاثًا ثلاثًا؟ قال: نَعَم
(2)
.
= عبد الواحد المقدسي، وذكره أبو محمد عبد الحق الإشبيلي في "أحكامه" فسكت عنه، وهو عنده تصحيح، قاله ابن سيد الناس في "شرحه" ورقة 15/ 1.
(1)
جاء بعد هذا في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر ما نصه: "لأنه قد رُوي من غير وجهٍ عن علي رضوان الله عليه"، ولم ترد في شيء من أصولنا الخطية.
(2)
إسناده ضعيف، شريك - وهو ابنُ عبد الله النخَعي - سيئ الحفظ، لكنه قد توبع في الحديث التالي، وثابت بن أبي صفيَّة متفق على ضعفه. أبو جعفر: هو =
ورَوَى وَكِيعٌ هذا الحديثَ عن ثابت بن أبي صَفِيَّةَ قال: قلتُ لأَبي جعفرٍ:
حَدَّثَكَ جابِرٌ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم توَضَّأَ مرَّةً مرَّةً؟ قال: نعم.
46 -
حدثنا بذلك هَنَّادٌ وقُتَيبةُ، قالا: حدثنا وكيعٌ، عن ثابت
(1)
.
وهذا أصَحُّ من حديث شَريكٍ، لأنه قد رُويَ من غيرِ وَجْهٍ هذا عن ثابت نحوَ رواية وَكِيعٍ، وشريكٌ كثيرُ الغلط.
وثابتُ بنُ أبي صَفِيَّةَ: هو أبو حَمْزةَ الثُّمَاليُّ.
36 - باب فيمن يَتوضَّأُ بعضَ وضوئِه مرتين وبعضه ثلاثًا
47 -
حدثنا ابنُ أبي عُمر، قال: حدثنا سفيانُ بن عُيَيْنةَ، عن عَمْرِو بن يحيى، عن أبيه
عن عبد الله بن زيد: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فغَسَلَ وجهَه ثلاثًا، وغَسَلَ يَدَيهِ مَرَّتينِ، ومَسَحَ برَأْسِه، وغَسَلَ رِجْلَيْهِ
(2)
.
= محمد الباقر بن علي بن الحسين. وهو في "العلل الكبير" للمصنف 1/ 123.
وأخرجه الدارقطني 1/ 81 عن محمد بن القاسم بن زكريا، عن إسماعيل بن موسى الفزاري - وهو ابن بنت السُدِّي -، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 9 - 10، وابن ماجه (410) من طريقين عن شريكٍ، به، ولم يذكر ابن أبي شيبة في حديثه المرتين والثلاث.
ويغني عن حديث جابر هذا الأحاديث في الأبواب الثلاثة السابقة.
(1)
إسناده ضعيف، وانظر ما قبله.
(2)
جاء بعد هذا في المطبوع لفظة: "مرتين"، ولم ترد في شيء من النسخ =
هذا حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ.
وقد ذُكِرَ في غير حديثٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ بعض وُضوئِه مرةً، وبعضَه ثلاثًا.
وقد رَخَّصَ بعضُ أهلِ العلم في ذلك: لَمْ يَرَوْا بأْسًا أن يتوضأَ الرجلُ بعضَ وُضوئِه ثلاثًا، وبعضَه مَرَّتينِ أو مرَّةً.
37 - باب في وُضُوءِ النبي صلى الله عليه وسلم كيفَ كانَ
48 -
حدّثنا قُتَيبة وهنَّاد، قالا: حدثنا أبو الأَحْوَص، عن أبي إسحاق، عن أَبي حَيَّةَ، قال:
رأَيتُ عليًّا تَوَضَّأَ، فغَسَلَ كَفَّيهِ حتَّى أَنْقاهُما، ثمَّ مَضْمَضَ ثلاثًا، واسْتَنْشَقَ ثلاثًا، وغَسَلَ وَجْهَه ثلاثًا، وذِرَاعَيهِ ثلاثًا، ومَسَحَ برَأْسِه مَرَّةً، ثمَّ غَسَلَ قَدَمَيهِ إلى الكَعْبَينِ، ثمَّ قامَ فأَخَذَ فَضْلَ
= التي بين أيدينا، ولا في نسخة ابن سيد الناس، إلا أنه ضبب على موضعها في نسخة (أ)، وكتب بهامشها: سقط: "مرتين"، وذكر المباركفوري في شرحه 1/ 134: أنها نسخة قلمية عتيقة صحيحة.
قلنا: وقد اختلف على سفيان في ذكرها في الحديث، فذكرها بعضهم، ولم يذكرها آخرون. انظر "المسند"(16452).
ورواه غير سفيان، فلم يذكرها: أخرجه البخاري (185) و (186) و (191) و (192) و (197) و (199)، ومسلم (235)، وأبو داود (118)، وابن ماجه (434)، والنسائي 1/ 71 - 72. وانظر "المسند" (16431)، و"صحيح ابن حبان" (1077).
وانظر ما سلف برقم (27).
طَهُورِهِ، فشَرِبَه وهو قائِمٌ، ثمَّ قال: أَحبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُم كيفَ كانَ طُهُورُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وفي الباب عن عثمان، وعبد الله بن زيد، وابن عباس، وعبد الله بن عَمْرٍو، وعائشة، والرُّبَيِّع، وعبد الله بن أُنَيْسٍ.
49 -
حدثنا قُتَيبة وهَنَّاد، قالا: حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خَيْرٍ.
ذكَرَ عن عليّ مِثْلَ حديث أَبي حَيَّةَ، إلَّا أن عبدَ خَيرٍ قال: كان إذا فَرَغَ مِن طُهُورِه، أخَذَ مِن فَضلِ طَهُورِه بكَفَّهِ فشربَه
(2)
.
حديث عليًّ رواه أبو إِسحاق الهَمْدانيُّ، عن أَبي حَيَّةَ وعبدِ خَيْرٍ والحارثِ، عن عليًّ.
وقد رواهُ زائِدةُ بن قُدَامةَ وغيرُ واحدٍ، عن خالد بن عَلْقَمةَ، عن عَبْدِ خيرٍ، عن عليّ، حديثَ الوضوءِ بطوله.
وهذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (116)، وابن ماجه (436)، والنسائي 1/ 70 - 71. وهو في "المسند" (971) و (1046) و (1050).
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (111) وما بعده، وابن ماجه (404)، والنسائي 1/ 68. ورواية ابن ماجه مختصرة. وهو في "المسند"(876)، وصححه ابن حبان (1056).
وانظر ما قبله، وما سلف برقم (44).
ورَوَى شعبةُ هذا الحديثَ عن خالدِ بن عَلْقَمةَ، فأَخْطَأَ في اسمِه وَاسْمِ أبِيهِ، فقال: مالكٌ بن عُرْفُطَةَ
(1)
.
ورُوي عن أَبي عَوَانةَ، عن خالد بن علقمة، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليًّ.
ورُوي عنه
(2)
، عن مالك بن عُرْفُطَةَ، مِثل رواية شعبة، والصحيحُ: خالدُ بن عَلْقَمةَ.
38 - باب في النَّضْح بعد الوضوء
50 -
حدثنا نَصْرُ بن عليّ وأحمد بن أَبي عُبَيدِ الله السَّلِيمِيُّ البصرِيُّ، قالا: حدثنا أبو قتيبة سَلْمُ بن قتيبة، عن الحسن بن عليّ الهاشمي، عن
(1)
وقع في (ب) و (ظ) زيادة: "عن عبد خير، عن علي".
(2)
أي: عن أبي عوانة. قال أبو داود في "السنن" في رواية أبي الحسن بن العبد: قال أبو عَوانة يومًا: حدثنا مالك بن عرفطة، عن عبد خير. فقال له عمرو الأغضف: رحمك اللهُ يا أبا عَوانة، هذا خالد بنُ علقمة، ولكن شعبة مخطئ فيه. فقال أبو عوانة: هو في كتابي: خالد بن علقمة، ولكن قال لي شعبة: هو مالك بن عرفطة.
قال أبو داود: حدثنا عمرو بنُ عون، قال: حدثنا أبو عَوانة، عن مالك بن عرفطة. قال أبو داود: وسماعه قديم.
قال: وحدثنا أبو كامل، قال: حدثنا أبو عوانة، عن خالد بن علقمة، وسماعُه متأخر، كأنه بعد ذلك رجع إلى الصواب. نقله عنه الحافظان: المزي في "تحفة الأشراف" 7/ 417 - 418، وابن حجر في "تهذيب التهذيب" 3/ 108.
وممن وَهَّم شعبة في تسميته حيث قال: مالك بن عرفطة: الإمامُ أحمد في "علله" 1/ 182، والبخاري في "تاريخه" 3/ 163، وأبو حاتم 3/ 343، وأبو زرعة الرازيان، وابن حبان في "ثقاته" 6/ 260.
عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "جاءَني جِبْرِيلُ، فقالَ: يا مُحَمَّدُ، إذا تَوَضَّأْتَ فانْتَضِحْ"
(1)
.
هذا حديثٌ غريبٌ.
وسمعت محمدًا يقول: الحسنُ بن عليًّ الهاشِمِيُّ منكَرُ الحديثِ
(2)
.
وفي البابِ عن أبي الحَكَمِ بن سفيانَ، وابن عباسٍ، وزيد بن حارثةَ، وأبي سعيدٍ.
وقال بعضهم: سفيان بن الحَكَم، أَو الحكم بن سفيان. واضْطَربُوا في هذا الحديث
(3)
.
(1)
إسناده ضعيف، الحسن بن علي الهاشمي مجمع على ضعفه.
وأخرجه ابن ماجه (463)، والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 234، وابن عدي في "الكامل" 2/ 733 من طرق عن أبي قتيبة سَلم بن قتيبة، بهذا الإسناد.
(2)
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/ 6 في ترجمة أبان بن جبلة: ونقل ابنُ القطَّان أن البخاري قال: كلُّ مَن قلت فيه: منكر الحديث، فلا تَحِلُّ الرواية عنه.
(3)
أي: في حديث أبي الحكم بن سفيان، فقد اختلفوا في اسمه وفي حديثه، فبعضهم سمَّاه أبا الحكم بن سفيان، وبعضهم الحكم بن سفيان، وبعضهم سفيان بن الحكم، وقال بعض الرواة: عن ابن الحكم عن أبيه، وقال بعضهم: عن رجل من ثقيف عن أبيه، وقال ابن المديني والبخاري وأبو حاتم: الصحيح: الحكم بن سفيان عن أبيه، وقال أحمد والبخاري: ليست للحكم صحبة، وصحح إبراهيم الحربي وأبو زرعة أن له صحبة.
وحديثه هذا أخرجه أحمد في "المسند"(15384 - 15386)، وأبو داود (166 - 168)، وابن ماجه (461)، والنسائي 1/ 86. ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم =
39 - باب في إسباغِ الوضوءِ
51 -
حدثنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: حدثنا إسماعِيلُ بن جعفر، عن العَلاءِ بن عبد الرحمن، عن أَبيه
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أدُلُّكُم على ما يَمْحُو اللهُ بهِ الخَطَايَا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ " قالوا: بلى يا رسولَ الله. قال: "إسْباغُ الوُضُوءِ على المَكَارِهِ، وكَثْرةُ الخُطَا إلى المَسَاجِدِ، وانْتِظارُ الصلاةِ بعدَ الصَّلاةِ، فذلِكُمُ الرِّبَاطُ"
(1)
.
= إذا بال يتوضأ وينتضح.
وانظر تمام تخريجه والكلام عليه في "المسند".
وأما حديث ابن عباس، فأخرجه الدارمي (711)، والبيهقي 1/ 162، ولفظه: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء وتوضَّأ مرة مرة، ونضح فرجَه. وذكر البيهقي أن النَّضْحَ تفرَّد به قَبِيصة عن سفيان، ورواه جماعة عن سفيان دون هذه الزيادة.
قلنا: انظر تخريجه في "المسند"(2072).
وأما حديث زيد بن حارثة، فأخرجه ابن ماجه (462). ولفظه مرفوعًا:"علَّمني جبرائيل الوضوء، وأمرني أن أنضحَ تحت ثوبي، لما يَخرجُ من البول بعد الوضوء". قال البوصيري: إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة.
وأما حديث أبي سعيد، فلم نقف عليه.
وقال الخطّابي في "معالم السنن" 1/ 63: الانتضاح ها هنا: الاستنجاء بالماء، وكان من عادة أكثرهم أن يَستَنْجُوا بالحجارة لا يَمَسُّونَ الماء، وقد يُتأَوَّل الانتضاحُ أيضًا على رشِّ الفَرْج بالماء بعد الاستنجاء به، ليرفع بذلك وَسْوَسة الشيطان.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (251)، وابن ماجه (428)، والنسائي 1/ 89. وهو في "المسند" (7209)، و"صحيح ابن حبان" (1038).
52 -
وحدثنا قُتَيبة، قال: حدثنا عبدُ العزيز بن محمدٍ، عن العلاءِ، نحوه. وقال قتيبةُ في حديثِه:"فذلِكُمُ الرِّبَاطُ، فذلِكُمُ الرِّبَاطُ، فذلِكُمُ الرِّبَاطُ"
(1)
.
وفي الباب عن عليًّ، وعبد الله بن عَمْرٍو، وابن عباسٍ، وعَبيدةَ - ويُقالُ: عُبَيْدة - بن عَمْرٍو، وعائشةَ، وعبد الرحمن بن عائِشٍ، وأَنسٍ.
حديثُ أبي هريرة حديث حسنٌ صحيحٌ.
والعلاءُ بن عبد الرحمن: هو ابن يعقوبَ الجُهَنيُّ، وهو ثِقَةٌ عند أهل الحديثِ.
40 - باب المِنديل
(2)
بعد الوضوءِ
53 -
حدثنا سُفْيانُ بن وَكيعٍ، قال: حدثنا عبدُ الله بن وَهْب، عن زيد بن حُبَابٍ، عن أبي مُعاذٍ، عن الزُّهْري، عن عُرْوة
عن عائشة قالت: كانت
(3)
لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم خِرْقَةٌ يُنَشَّفُ
(4)
بها بعدَ الوُضوءِ
(5)
.
(1)
صحيح كسابقه، وانظر تخريجه فيه.
(2)
قال في "القاموس": المِنديل بالكسر والفتح وكَمِنبرٍ: الذي يُتمسَّح به، وتَندَّل به وتَمَنْدَل: تمسح.
(3)
في (ب) و (ظ): "كان".
(4)
في نسخة على هامش (1): "يتنشف".
(5)
إسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف أبي معاذ: وهو سليمان بن أرقم. =
وفي الباب عن مُعاذِ بن جَبَلٍ.
54 -
حدَّثنا قُتَيبة، قال: حدثنا رِشْدِينُ بنُ سَعْد، عن عبد الرحمن بنِ زيادِ بن أنْعُمٍ، عن عُتْبةَ بن حُمَيدٍ، عن عُبَادةَ بن نُسَيًّ، عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ
عن مُعاذِ بن جَبَلٍ قال: رأَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَه بطَرَفِ ثوبِه
(1)
.
هذا حديث غريبٌ، وإسناده ضعيفٌ، ورِشْدِينُ بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أَنْعُمٍ الإِفْرِيقيُّ يُضَعَّفانِ في الحديث.
حديث عائشة ليسَ بالقائم، ولا يَصِحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا
= وأخرجه الدارقطني 1/ 110 من طريق يونس بن عبد الأعلى، والحاكم 1/ 154، والبيهقي 1/ 185 من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، كلاهما عن عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد. قال الدارقطني والبيهقي وغيرهما: أبو معاذ: هو سليمان بن أرقم، وهو متروك. وأخطأ أبو عبد الله الحاكم، فقال: هو الفضيل بن ميسرة، وأقره الذهبي ولم يتعقبه، وتابعهما على ذلك العلامة أحمد شاكر، فصحح إسناده!
تنبيه: جاء في نسخة (س) و (ل)، وكذا في المطبوع ونسخة ابن سيد الناس بإثر هذا الحديث قول أبي عيسى في حديث عائشة، وقد أثبتناه بإثر حديث معاذ الآتي بعده كما في نسخة (أ) و (ب) و (د) و (ظ).
(1)
إسناده ضعيف لضعف رِشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد كما قال المؤلف رحمه الله تعالى.
وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(4194)، والبيهقي 1/ 236 من طريق قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد. وقال: إسناده ليس بالقوي.
الباب شيءٌ. وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث.
وقد رَخَّصَ قوم من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ بَعْدَهم في التَّمَنْدُلِ بعدَ الوضوءِ.
ومَن كَرِهَه إنما كرهه مِن قِبَلِ أنَّه قيل: إِنَّ الوُضوءَ يُوزَنُ، ورويَ ذلك عن سعيد بن المسيّب والزهريِّ.
54/ 1 - حدثنا محمد بن حُميْدٍ، قال: حدثنا جَريرٌ، قال: حَدَّثَنِيه عليُّ بن مُجاهدٍ عَنَّي - وهو عِنْدِي ثقةٌ - عن ثَعْلَبةَ
عن الزهريَّ قال: إِنَّما كُرِهَ
(1)
المِنديلُ بعدَ الوضوءِ، لأَنَّ الوضوءَ يُوزَنُ
(2)
.
(1)
المثبت من (ب) و (د)، وفي (أ) و (ظ) و (س):"أكرَه".
(2)
محمد بن حميد وعلي بن مجاهد ضعيفان، وهذا الإسناد - كما قال الشيخ أحمد شاكر - من باب من حدَّث ونَسِيَ، فإن جريرًا روى الأثر عن ثعلبة، ثم حدَّث به، فسمعه منه عليُّ بن مجاهد، ثم نسيه جريرٌ، وسمعه من علي، فحدث عنه، عن نفسه، عن ثعلبة، به.
وقوله: "لأن الوضوء يُوزَن" تعليلٌ غير صحيح، فإن ميزان الأعمال يومَ القيامة ليس كموازين الدنيا، ولا هو مما يدخل تحت الحسَّ في هذه الحياة، وإنما هي أمور من الغيب الذي نُؤمنُ به كما ورد.
وعند البخاري (276) من حديث ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نَفَض يديه بعد الوضوءِ والغُسل، وهذا يدلُّ على أن لا كراهة في التنشيف، لأن كلًّا منهما إزالةٌ، قاله العلَّامة ابن دَقِيق العيد في "الإحكام" 1/ 97.
41 - باب ما يُقالُ بعد الوضوء
55 -
حدَّثنا جعفرُ بن محمد بن عِمْرانَ الثَّعْلَبيُّ الكوفيُّ، قال: حدثنا زيدُ بن حُبَابٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن رَبِيعة بن يزيدَ الدِّمشقيَّ، عن أَبي إدريسَ الخَوْلانيَّ وأبي عثمان
عن عمر بن الخَطَّاب قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن توَضَّأ فأَحسَنَ الوضُوءَ، ثمَّ قال: أَشهَدُ أَنْ لا إِله إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحمَّدًا عَبْدُه ورسولُه، اللهُمَّ اجْعَلْني مِنَ التَوَّابِينَ، واجْعَلْني مِن المُتَطَهَّرِينَ، فتِحَتْ له ثَمانِيةُ أَبوابٍ من الجَنَّةِ، يَدْخُلُ مِن أيَّها شاءَ"
(1)
.
وفي البابِ عن أَنسِ، وعُقْبةَ بن عامِرٍ.
حديث عمر قد خُولِفَ زيدُ بن حُبَابٍ في هذا الحديثِ، رَوَى عبدُ الله بن صالح وغيره، عن معاويةَ بن صالحٍ، عن رَبِيعةَ بن يزيدَ، عن أبي إدرِيسَ، عن عُقْبةَ بنِ عامرٍ، عن عمرَ. وعن رَبِيعة، عن أبي عثمان، عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن عمرَ.
وهذا حديثٌ في إسناده اضطرابٌ، ولا يَصِحُّ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ كَبِيرُ شيءٍ.
(1)
صحيح دون قوله: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين"، وأخرجه مسلم (234)، وأبو داود (169) و (170)، وابن ماجه (470)، والنسائي 1/ 92 - 93 دون قوله:"اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين". وهو في "المسند"(17314)، و"صحيح ابن حبان"(1050).
قال محمد: أبو إدريسَ لم يَسمَعْ مِن عمر شيئًا
(1)
.
(1)
قال الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" ص 240 - 241 بإثر نقله كلام الترمذي من قوله: "وقد خُولِف زيد بن الحباب" إلى هنا: قلت: الاختلاف والخطأ من شيخه جعفر بن محمد، فقد اتفق أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وغيرهما على روايته عن زيد بن الحُباب على الصواب بإثبات عقبة بن عامر وجبير بن نفير. وأما رواية عبد الله بن صالح، فقد سقتها، وأما رواية غيره، فلعله يريد ابن مهدي وابن وهب، أو هما معًا، وقد ذكرت من أخرجه من رواية كلًّ منهما، وسقته أيضًا من رواية الليث، عن معاوية بن صالح.
وقد بسطنا القول في تخريج طرق الحديث، ودفع الاضطراب عنه فيما علقناه على المسند (17314) و (17393)، فارجع إليه لزامًا.
ثم قال الحافظ عن الزيادة التي عند الترمذي، وهي "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين": لم تثبت هذه الزيادة في هذا الحديث، فإن جعفر بن محمد شيخ الترمذي تفرد بها، ولم يضبط الإسناد، فإنه أسقط بين أبي إدريس وبين عمر جبيرَ بن نفير وعقبة، فصار منقطعًا، بل معضلًا، وخالفه كلُّ من رواه عن معاوية بن صالح، ثم عن زيد بن الحباب، وقد رواه عن زيد سوى من تقدم ذِكره: موسى بن عبد الرحمن المسروقي، وحديثه عند النسائي 1/ 95، وأبو بكر الجُعْفي، وعباس بن محمد الدوري، وحديثهما عند أبي عوانة 1/ 224 - 225، وأبو كريب محمد بن العلاء، وحديثه عند أبي نعيم في "المستخرج"، فاتفاق الجميع أولى من انفراد الواحد.
قال الحافظ: وقد وجدت للزيادة شاهدًا من حديث ثوبان. فذكره من طريق أحمد بن الحسن بن هارون (وابن السني (32) عنه) عن الحسين بن علي بن يزيد الصدائي، حدثنا أبي، عن أبي سعد الأعور البقال، عن أبي سلمة - هو ابن عبد الرحمن - عن ثوبان رفعه:"من توضأ فأحسَنَ الوضوءَ، ثم قال عند فراغه: لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهَّرين، فتح اللهُ له ثمانيةَ أبواب الجنة يدخُل من أيَّها شاء". =
42 - باب الوضوءِ بالمُدَّ
56 -
حدَّثنا أحمد بن مَنِيعٍ وعليُّ بن حُجْرٍ، قالا: حدثنا إسماعيلُ بن عُلَيَّةَ، عن أَبي رَيْحانَة
عن سَفِينةَ: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَتَوضَّأُ بِالمُدِّ، ويَغْتَسِلُ بالصَّاعِ
(1)
.
وفي الباب عن عائشة، وجابرٍ، وأنس بن مالكٍ.
حديثُ سَفِينةَ حديث حسنٌ صحيحٌ.
وأَبو رَيْحانةَ: اسمه عبد الله بن مَطَرٍ.
وهكذا رأَى بعضُ أهل العلم الوضوءَ بالمُدِّ، والغُسلَ بالصَّاعِ.
= قلنا: وأبو سعد الأعور البقال - واسمه سعيد بن المَرزُبان - ضعيف جدًّا لا يُفرح به، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة، وقال البخاري فيه: منكر الحديث، وقال عمرو بن علي الفلاس: ضعيف الحديث، متروك الحديث، وقال الدارقطني: متروك.
وله طريق آخر عند الطبراني في "الأوسط"(4892) عن عيسى بن محمد السمسار، حدثنا أحمد بن سُهيل الورَّاق، حدثنا مسور بن مورع العنبري، حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان.
قلنا: وأحمد بن سُهيل الورَّاق، قال أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعضُ المناكير، وذكره ابنُ حبان في "الثقات" وقال: حدثنا عنه حُبَيشُ بنُ عبدِ الله النهشلي بواسط، ومسور بن مورع لم نقف له على ترجمة، فهو في عِداد المجهولين، وسالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان، فحديث ثوبان بهذين الطريقين لا يصلح أن يكون شاهدًا لهذه الزيادة، فتبقى ضعيفة.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (326)، وابن ماجه (267). وهو في "المسند"(21930).
وقال الشافعيُّ وأحمد وإسحاق: ليسَ معنى هذا الحديثِ على التَّوقِيتِ: أنه لا يجوز أكثرُ منه ولا أقلُّ منه، وهو قدْرُ ما يَكْفي
(1)
.
43 - باب كَرَاهيةِ الإسرافِ في الوضوء
57 -
حدَّثنا محمد بن بَشَّار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا خارِجَةُ بن مُصْعَبٍ، عن يونس بن عُبَيدٍ، عن الحسن، عن عُتَيَّ بن ضَمْرةَ السَّعْديَّ
عن أُبَيَّ بن كعبٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ لِلوُضوءِ شيطانًا يُقالُ له: الوَلْهَانُ، فاتَّقُوا وِسْواسَ الماءِ"
(2)
.
وفي الباب عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مُغَفَّلٍ
(3)
.
(1)
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" 4/ 2: أجمع المسلمون على أن الماء الذي يجزئ في الوضوء غير مقدَّر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل، وهو جريان الماء على الأعضاء، قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد يرفق بالقليل فيكفي، ويخرق بالكثير فلا يكفي، قال العلماء: والمستحب أن لا ينقص في الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مد، والصاع: خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، والمد رطل وثلث، وذلك معتبر على التقريب لا على التحديد.
قلنا: والرطل البغدادي يساوي (408) غرامات، فالمد يساوي (544) غرامًا، والصاع يساوي (2176) غرامًا.
(2)
إسناده ضعيف جدًّا، خارجة بن مصعب متروك الحديث، وأخرجه ابن ماجه (421)، وهو في "المسند"(21238).
قوله: "الولهان" بفتح فسكون: صفة من وَلِهَ، مثل غضب فهو غضبان، وبه سمي شيطان الوضوء الوَلْهانَ، وهو الذي يُولِع الناس بكثرة استعمال الماء. قاله صاحب "المصباح المنير".
(3)
أما حديث عبد الله بن عمر، فأخرجه ابن ماجه (424) عنه قال: رأى =
حديث أُبيَّ بن كعب حديث غريبٌ، وليس إسنادُه بالقويِّ عند أهل الحدِيثِ، لأَنَّا لا نعلمُ أحدًا أسنَدَه غيرَ خارِجةَ، وقد رُويَ هذا الحديثُ من غير وَجْهٍ عن الحسن قولَه
(1)
.
ولا يصحُّ في هذا الباب عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ، وخارِجَةُ ليس بالقويِّ عند أصحابِنا، وضَعَّفَه ابنُ المبارَك.
44 - باب الوضوءِ لكلَّ صلاةٍ
58 -
حدثنا محمد بن حُمَيْد الرَّازيُّ، قال: حدثنا سَلَمةُ بن الفَضْلِ، عن محمد بن إسحاق، عن حُمَيدٍ
عن أنسٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَتَوضَّأُ لكُلَّ صلاةٍ طاهرًا أو غيرَ
= رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يتوضأُ، فقال:"لا تُسْرِفْ، لا تُسرِف". وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية العبدي، كذَّبه غير واحد من أهل العلم.
وأما حديث عبد الله بن مُغَفَّل، فأخرجه أبو داود (96)، ولفظه:"إنه سيكون في هذه الأمَّة قوم يَعْتَدُونَ في الطَّهور والدُّعاء" وإسناده صحيح.
وله شاهد ثالث من حديث عمران بن حصين، أخرجه البيهقي 1/ 197 وضعفه، وضعفه أيضًا ابن حجر في "التلخيص" 1/ 101، ولفظه:"اتقوا وسواس الماء، فإن للماء وسواسًا وشيطانًا".
(1)
قال البيهقي في "السنن" 1/ 197 في الحديث المرفوع: هذا الحديث معلول برواية الثوري، عن بيان، عن الحسن بعضَه من قوله غيرَ مرفوع، وباقيه عن يونس بن عبيد من قوله غير مرفوع، والله أعلم. ثم ساقه بإسناده إلى سفيان الثوري، عن بَيَان، عن الحسن قال: شيطان الوضوء يُدعى الولهان، يضحك بالناس في الوضوء. وعن سفيان، عن يونس قال: كان يقال: إن للماء وسواسًا، فاتقوا وسواس الماء.
طاهرٍ. قال: قلت لأَنسٍ: فكيفَ كنتُم تَصْنَعُونَ أَنتُم؟ قال: كُنَّا نَتَوضَّأُ وُضوءًا واحدًا
(1)
.
حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ، والمشهورُ عند أهل الحديثِ حديثُ عَمْرو بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَنَسٍ.
وقد كان بعضُ أهل العلم يَرَى
(2)
الوضوءَ لِكُلَّ صلاةٍ استحبابًا، لا على الوجوب.
59 -
حدَّثنا
(3)
محمد بن بَشَّار، قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ وعبد الرحمن بنُ مهْديًّ، قالا: حدثنا سفيان بن سعيد، عن عَمْرِو بن عامرٍ الأَنصاريَّ قال:
سمعت أنس بن مالكٍ يقول: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوضَّأُ عندَ كُلَّ صلاةٍ. قلتُ: فأَنتُم ما كنتُم تَصْنَعُونَ؟ قال: كُنَّا نُصَلِّي الصلَوات كُلَّها بِوُضوءٍ واحدٍ ما لم نُحْدِثْ
(4)
.
(1)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن حميد الرازي، وسلمة بن الفضل مختلف فيه، ومحمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن، وللحديث طريق آخر صحيح سيذكره المصنف بعده. وسنورد تخريجه عنده.
(2)
في (د) و (س)، وهوامش (أ) و (ب) و (ظ):"يرون".
(3)
جاء قبل هذا في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر: "قال: سمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان"، ولم يرد في أصولنا الخطية.
(4)
صحيح، وأخرجه البخاري (214)، وأبو داود (171)، وابن ماجه (509)، والنسائي 1/ 85. وهو في "المسند" (12346).
تنبيه: هكذا جاء هذا الحديث في أصولنا الخطية (أ) و (ب) و (ظ) و (س) مقدمًا على حديث ابن عمر الآتي، لذا أثبتناه هنا، وجاء في نسخة (د) مؤخرًا في آخر هذا الباب بعد حديث ابن عمر.
هذا حديث حسن صحيح
(1)
.
وقد روي في حديث عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَنْ تَوَضَّأَ على طُهْرٍ، كَتَبَ اللهُ له به عشرَ حَسَناتٍ".
روى هذا الحديث الإفريقيُّ، عن أبي غُطيف، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
60 -
حدثنا بذلك الحسين بن حُرَيثٍ المَرْوَزِيُّ، قال: حدثنا محمد بن يزيدَ الواسطيُّ، عن الإفريقي. وهو إسنادٌ ضعيف
(2)
.
قال علي: قال يحيى بنُ سعيد القطَّان: ذُكِرَ لهشام بنِ عُروة هذا الحديثُ، فقال: هذا إسنادٌ مَشرِقيٌّ
(3)
.
(1)
في نسخة (د): "هذا حديث صحيح"، وجاء بعد هذا في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر:"وحديث حميد عن أنس، حديث جَيِّد غريب حسن"، ولم يرد في أصولنا الخطية.
(2)
هو كما قال المؤلف، ففي سنده الإفريقي - وهو عبد الرحمن بن زياد بن أَنعُم - وهو ضعيف، وانفرد به أبو غُطيف وهو مجهول.
وأخرجه أبو داود (62)، وابن ماجه (512) من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ وعيسى بن يونس، كلاهما عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، بهذا الإسناد. وذكر ابن ماجه فيه قصة.
(3)
قال المباركفوري: أي: رواةُ هذا الحديث أهل المشرق، وهم أهل الكوفة والبصرة، كذا في بعض الحواشي. قال أحمد شاكر: وهو كلام غير مفهوم إلا إن كان يريد أن الحديث معروف عندهم من رواية أبي غطيف، ويبعد أن يُريد رواية الإفريقي، لأنه أولًا مغربي، وثانيًا متأخر الوفاة بعد هشام بنحو خمس عشرة سنة.
45 - باب ما جاء أنه يُصَلِّي الصَّلَواتِ بوُضوءٍ واحدٍ
61 -
حدثنا محمد بن بَشَّار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْديًّ، عن سفيانَ، عن عَلْقَمةَ بن مَرثَدٍ، عن سليمان بن بُرَيْدةَ
عن أَبيه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوضَّأُ لكُلَّ صلاةٍ، فلمَّا كانَ عامُ الفَتْحِ صَلَّى الصَّلواتِ كُلَّها بِوُضوءٍ واحدٍ ومَسَحَ على خُفَّيهِ، فقال عمرُ: إِنَّكَ فَعَلْتَ شيئًا لم تَكُنْ فَعَلْتَه؟ قال: "عَمْدًا فَعَلتُه"
(1)
.
هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
ورَوَى هذا الحديثَ عليُّ بن قادِمٍ، عن سفيان الثَّوْريَّ، وزاد فيه:"تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً".
ورَوَى سفيان الثوريُّ هذا الحديثَ أيضًا عن مُحارِبِ بن دِثَارٍ، عن سليمان بن بُرَيْدةَ: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يَتَوضَّأُ لكُلَّ صلاةٍ.
ورواه وكيع، عن سفيانَ، عن مُحارِبٍ، عن سليمان بن بُرَيْدةَ، عن أبيه.
ورَوَى عبد الرحمن بن مهديًّ وغيرُه، عن سفيان، عن مُحارِبِ بن دِثَارٍ، عن سليمانَ بن بُرَيْدةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مرسلًا
(2)
. وهذا
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (277)، وأبو داود (172)، وابن ماجه (510)، والنسائي 1/ 86. وهو في "المسند" (22966)، و"صحيح ابن حبان" (1706 - 1708).
(2)
في الأصول: "مرسل" بغير ألف، والوجه إثباتها، وما في الأصول يُخرَّج =
أصحُّ من حديثِ وكيعٍ
(1)
.
والعملُ على هذا عند أهل العلم: أنه يُصَلَّي الصَّلَواتِ بُوضوءٍ واحدٍ ما لم يُحْدِثْ، وكان بعضُهم يَتَوضَّأُ لِكل صلاةٍ استحبابًا، وإرادةَ الفَضْلِ.
ويُرْوَى عن الإِفْرِيقيَّ، عن أَبي غُطَيْفٍ، عن ابن عمرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن تَوَضَّأَ على طُهْرٍ، كَتَبَ اللهُ له به عَشرَ حَسَناتٍ". وهذا إسنادٌ ضعيفٌ
(2)
.
وفي الباب عن جابرِ بن عبد الله: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهرَ والعَصْرَ بِوُضوءٍ واحدٍ
(3)
.
= على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: وهذا مرسل، أو أنه منصوب كُتب بدون ألف على لغة ربيعةَ من الوقف على المنصوب بصورة المرفوع والمجرور، ووقع في حديث ابن عباس عند البخاري (1564):"ويجعلون المحرَّمَ صَفَر"، قال الحافظ في "الفتح" 3/ 426: كذا هو في جميع الأصول من "الصحيحين" قال النووي: كان ينبغي أن يكتب بالألف، ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبًا، لأنه مصروف بلا خلاف، يعني والمشهور عن اللغة الربيعية كتابة المنصوب بغير ألف، فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف، فيقرأ بالألف.
(1)
هذا الحديث رواه سفيان الثوري عن شيخين: علقمة بن مرثد، ومحارب بن دثار، واختلاف أصحاب سفيان في روايته مرسلًا ومسندًا إنما هو في روايته عن محارب بن دثار، لا في روايته عن علقمة بن مرثد، فإن أصحابه لا يختلفون عليه في روايته عن علقمة في الإسناد والإرسال، بل كلهم متفقون على روايته مسندًا.
(2)
تقدم تخريجه والكلام عليه عند المصنف برقم (60).
(3)
انظر الحديث الآتي عند المصنف برقم (80).
46 - باب في وُضوء الرَّجلِ والمرأةِ من إناءٍ واحدٍ
62 -
حدثنا ابن أبي عُمرَ، قال: حدثنا سفيانُ بن عُيَيْنةَ، عن عَمْرِو بن دِينارٍ، عن أَبي الشَّعْثاء
عن ابنِ عباسٍ قال: حَدَّثَتْني مَيمونة قالت: كنتُ أَغتَسِلُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن إناءٍ واحدٍ مِن الجَنابَةِ
(1)
.
هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
وهو قول عامَّةِ الفقهاء: أَنْ لا بَأْسَ أن يغتسِلَ الرجل والمرأَةُ من إناء واحد.
وفي الباب عن عليًّ، وعائشةَ، وأنسٍ، وأُمَّ هانئٍ، وأُمِّ صُبَيَّةَ، وأُمَّ سَلَمةَ، وابنِ عمرَ.
وأَبو الشَّعْثاءِ اسمه: جابرُ بن زيدٍ.
47 - باب كراهِيَة فَضْلِ طَهُورِ المرأَةِ
63 -
حدثنا محمود بن غَيْلان، قال: حدثنا وَكِيعٌ، عن سفيانَ، عن سليمان التَّيْميَّ، عن أَبي حاجِبٍ
عن رجل مِن بني غِفَارٍ قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن فَضْلِ
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (322)، وابن ماجه (377)، والنسائي 1/ 129. وهو في "المسند" (26797).
وأخرجه البخاري (253) من حديث ابن عباس، ولم يقل فيه: عن ميمونة. وانظر تعليق الحافظ ابن حجر على هذه الرواية في "فتح الباري" 1/ 366.
طَهُورِ المرأَةِ
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن سَرْجِسَ.
وكَرِهَ بعضُ الفقهاء فضل طَهورِ المرأة، وهو قول أحمد وإسحاق كَرِها فضلَ طَهُورِها، ولم يَرَيَا بفَضْل سُؤْرِها بأْسًا.
64 -
حدَّثنا محمد بن بشار ومحمود بن غَيْلانَ قالا: حدثنا أَبو داود، عن شُعْبةَ، عن عاصمٍ قال: سمعت أبا حاجِبٍ يُحَدِّثُ
عن الحَكَم بن عَمْرٍو الغِفَارِيِّ: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَتَوضَّأَ الرَّجلُ بفَضْلِ طَهُورِ المرأةِ، أو قال: بِسُؤرِها
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ.
وأَبو حاجِبٍ اسمه: سَوَادةُ بن عاصمٍ.
وقال محمد بن بشار في حديثِه: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَتَوضَّأَ الرَّجلُ بفَضْلِ طَهُورِ المرأَةِ، ولم يَشُكَّ فيه محمد بن بَشَّارٍ.
(1)
رجاله ثقات، وقد أُعِلَّ بالوَقْف كما هو مبيَّن في "المسند"(17863). ويأتي تخريجه في الذي بعده. وحديث عبد الله بن سرجس أخرجه ابن ماجه (374).
(2)
رجاله ثقات، وقد أُعِلَّ بالوقف كما سلف آنفًا. وهو في "مسند أبي داود الطيالسي"(1252) لكن لم يصرح فيه باسم الصحابي، وقال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه من طريقه بالتصريح باسم الصحابي كما عند المصنف: أحمد (20657)، وأبو داود سليمان بن الأشعث (82)، وابن ماجه (373)، والنسائي 1/ 179، وابن حبان (1260). وانظر ما قبله.
48 - باب الرُّخْصةِ في ذلك
65 -
حدثنا قُتَيْبةُ، قال: حدثنا أَبو الأَحوَصِ، عن سِماكِ بن حَرْبٍ، عن عِكْرِمةَ
عن ابن عباسٍ قال: اغتَسَلَ بعضُ أزواجِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في جَفْنةٍ، فأَرادَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوضَّأَ منه، فقالت: يا رسولَ الله، إنِّي كنتُ جُنُبًا! فقال: "إنَّ الماءَ لا يُجْنِبُ
(1)
"
(2)
.
هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ سفيانَ الثّوْريَّ ومالكٍ والشافعيَّ.
49 - باب ما جاءَ أَنَّ الماءَ لا يُنَجِّسُه شيءٌ
66 -
حدثنا هَنَّادٌ والحسنُ بن عليّ الخَلَّالُ وغيرُ واحدٍ، قالوا: حدثنا أَبو أُسامةَ، عن الوليدِ بن كَثيرٍ، عن محمد بن كَعْب، عن عُبَيدِ الله بن عبد الله بن رافع بن خَديجٍ
(1)
يجوز فيها ضم الياء مع كسر النون، وفتح الياء مع ضم النون، يقال:"أجنب"، و"جَنُبَ" على وزن "قَرُبَ" والمراد أن الماء لا يصير جنبًا باغتسال الجنب من الإناء الذي فيه الماء.
(2)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، سماك في روايته عن عكرمة اضطراب، وأخرجه أبو داود (68)، وابن ماجه (370)، والنسائي 1/ 173.
وهو في "المسند"(2100 - 2102)، و"صحيح ابن حبان"(1242).
وانظر أيضًا "المسند"(3465).
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، وهو الحديث التالي عند المصنف برقم (66).
عن أَبي سعيدٍ الخُدْريَّ قال: قيلَ: يا رسولَ الله، أَنَتَوضَّأُ
(1)
مِن بِئْرِ بُضَاعةَ، وهي بِئْرٌ يُلْقَى فيها الحِيَضُ ولُحُومُ الكِلابِ والنَّتْنُ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنّ الماءَ طَهُورٌ لا يُنَجَّسُه شيءٌ"
(2)
.
(1)
كذا في الأصول جميعها: "أنتوضأ" بالنون، وضبطه الحافظ في "التلخيص" 1/ 13 بتائين مثنَّاتين من فوق خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم استدل لذلك برواية النسائي (327) عن أبي سعيد الخدري، قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ من بئر بُضَاعَة، فقلت: أتتوضأ منها
…
(2)
صحيح بطرقه وشواهده، عُبيد الله بن عبد الله، قال ابن القطان الفاسي: لا يعرف له حال، وقال الحافظ في "التقريب": مستور، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (66) و (67)، والنسائي 1/ 174، وهو في "المسند"(11119)، (11257).
قال الخطَّابي في "معالم السنن" 1/ 37 - 38: قد يتوهَّمُ كثيرٌ من الناس إذا سَمِعَ هذا الحديث أن هذا كان منهم عادةً، وأنهم كانوا باتون هذا الفعلَ قصدًا وتعمدًا، وهذا ما لا يجوز أن يُظَنَّ بذِمَّي بل بوَثَني، فضلًا عن مسلم، ولم يزل من عادة الناس قديمًا وحديثًا، مسلمِهم وكافرِهم، تنزيهُ المياه وصونها عن النجاسات، فكيف يُظن بأهلِ ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدَّين، وأفضلُ جماعة المسلمين، والماء في بلادهم أعزُّ، والحاجة إليه أمسُّ، أن يكون هذا صنيعَهم بالماء، وامتهانهم له، وقد لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَن تغوَّطَ في موارد الماء ومشارِعه، فكيف مَن اتخذ عيون الماء ومنابعَه رصدًا للأنجاس، ومَطرَحًا للأقذار؟ هذا ما لا يليقُ بحالهم.
وإنما كان هذا من أجل أن هذه البئرَ موضعها في حَدور من الأرض، وأن السيول كانت تَكسَحُ هذه الأقذار من الطرق والأفنيةِ، وتحملها فتُلقيها فيها، وكان الماء لكثرته لا يُؤثَّر فيه وقوعُ هذه الأشياء ولا يُغيَّره، فسألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن =
هذا حديثٌ حسنٌ.
وقد جَوَّدَ أَبو أُسامةَ هذا الحديثَ، فلَمْ يَرْوِ أحدٌ حديثَ أَبي سعيدٍ في بِئر بُضَاعةَ أَحسنَ مِمَّا رَوَى أَبو أُسامةَ.
وقد رُويَ هذا الحديثُ من غير وَجْهٍ عن أبي سعيد.
وفي البابِ عن ابنِ عَبَّاسٍ وعائشةَ.
50 - باب منه آخرُ
67 -
حدثنا هنَّاد، قال: حدثنا عَبْدةُ، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزُّبَيرِ، عن عُبَيدِ الله بن عبد الله بن عمرَ
عن ابنِ عمر، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يُسأَلُ عن الماءِ يَكُونُ في الفَلَاةِ من الأَرضِ، وما يَنُوبُه مِن السَّباعِ والدَّوَابِّ، قال:"إذا كانَ الماءُ قُلَّتَيْنِ، لم يَحْمِلِ الخَبَثَ"
(1)
.
قال محمدُ بن إسحاق: القُلَّةُ: هي الجِرَار، والقُلَّةُ التي يُستَقَى
= شأنها ليعلموا حُكمَها في الطهارة والنجاسة، فكان من جوابه لهم: أن الماء لا يُنجَّسه شيء، يريد الكثير منه الذي صفتُه صفة ماء هذه البئر في غزارته، وكثرة جِمَامه (أي: اجتماعه)، لأن السؤال إنما وقع عنها بعينها، فخرج الجواب عليها. وانظر "شرح معاني الآثار" للإمام الطحاوي 1/ 12 - 14.
والحِيَضُ جمع حِيضة: وهي الخرقة التي تستعمل في دم الحيض.
(1)
صحيح، محمد بن إسحاق صرح بالتحديث عند الدارقطني، وهو متابع، وباقي رجاله ثقات. وأخرجه أبو داود (63 - 65)، وابن ماجه (517)، والنسائي 1/ 175، وهو في "المسند"(4605)، و"صحيح ابن حبان"(1249).
فيها.
وهو قول الشافعيَّ وأحمد وإسحاق، قالوا: إذَا كان الماءُ قُلَّتَيْنِ، لم يُنَجِّسْهُ شيءٌ، ما لم يَتَغَيَّرْ رِيحُه أو طَعْمُه، وقالوا: يكون نحوًا من خَمسِ قِرَبٍ.
51 - باب كراهِيَةِ البَوْلِ في الماءِ الرَّاكِدِ
68 -
حدثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ، قال: حدثنا عبدُ الرَّزاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن هَمَّامِ بن مُنبَّهٍ
عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَبُولَنَّ أحَدُكم في الماءِ الدَّائمِ، ثُمَّ يَتَوضَّأُ منه"
(1)
.
هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
وفي الباب عن جابرٍ.
52 - باب في ماء البحرِ أَنَّه طَهُورٌ
69 -
حدثنا قُتَيبةُ، عن مالكٍ. وحدثنا الأَنصاريُّ إسحاقُ بن موسى،
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (239)، ومسلم (282)، وأبو داود (69) و (70)، والنسائي 1/ 49 و 197. وفي بعض الروايات:"ثم يغتسل منه". وهو في "المسند"(7525) و (8186)، و"صحيح ابن حبان"(1251).
وقوله: "ثم يتوضأ منه" بالرفع، أي: ثم هو يتوضأ، كذا ذكره النووي، وكأنه أثار إلى أنه جملة مستأنفة لبيان أنه كيف يبول فيه مع أنه بعد ذلك يحتاج إلى استعماله في اغتسال أو نحوه، وبعيد من العاقل الجمعُ بين هذين الأمرين، والطبع السليم يستقذره.
قال: حدثنا مَعْنٌ، قال: حدثنا مالكٌ، عن صَفْوانَ بن سُلَيمٍ، عن سعيدِ بن سَلَمَةَ من آلِ ابن
(1)
الأَزرَقِ، أن المُغِيرةَ بن أَبي بُرْدةَ - وهو مِن بني عَبْدِ الدَّارِ - أخبره
أنه سَمِعَ أبا هريرة يقول: سَأَلَ رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، إنَّا نَرْكَبُ البحرَ، ونَحمِلُ معنا القَلِيلَ مِن الماءِ، فإنْ تَوَضَّأْنا به عَطِشْنا، أَفنَتَوضَّأُ مِن البحرِ
(2)
؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطَّهورُ ماؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُه"
(3)
.
وفي الباب عن جابر، والفِرَاسِيَّ.
هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
وهو قول أكثرِ الفقهاءِ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أَبو بكرٍ، وعمرُ، وابنُ عباس: لَمْ يَرَوْا بأْسًا بماءِ البحرِ.
وقد كَرِهَ بعضُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الوضوءَ بماءِ البحر، منهم: ابنُ عمرَ، وعبدُ الله بن عَمْرو.
وقال عبدُ الله بن عَمْرو: هو نارٌ
(4)
.
(1)
في (د) و (ظ) و (س): "بني".
(2)
في (ظ) وحدها: "من ماء البحر".
(3)
صحيح، وهو في "الموطأ" 1/ 22. وأخرجه أبو داود (83)، وابن ماجه (386) و (3246)، والنسائي 1/ 50 و 176. وهو في "المسند"(7233)، و"صحيح ابن حبان"(1243).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 131 عن أبي داود الطيالسي، عن هشام =
53 - باب التَّشديدِ في البولِ
70 -
حدثنا هَنَّادٌ وقُتَيْبةُ وأبو كُرَيبٍ، قالوا: حدثنا وَكيعٌ، عن الأَعمشِ قال: سمعتُ مُجاهدًا يُحَدَّثُ، عن طاووسٍ
عن ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ على قَبْرَينِ، فقال: "إنَّهما يُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كَبيرٍ: أَمَّا هذا فكانَ لا يَستَتِرُ
(1)
مِن بَوْلِه، وأَمَّا هذا، فكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمةِ"
(2)
.
وفي الباب عن زيد بن ثابت، وأبي بَكْرة، وأبي هُريرةَ، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن حَسَنةَ.
هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
ورَوَى منصورٌ هذا الحديثَ عن مُجاهِدٍ، عن ابن عباس، ولم يَذكُرْ فيه:"عن طاووسٍ"
(3)
، وروايةُ الأعمش أَصحُّ.
وسمعتُ أبا بكر محمد بن أَبانَ يقول: سمعتُ وكيعًا يقول:
= الدستوائي، عن قتادة، عن أبي أيوب المراغي، عن عبد الله بن عمرو قال: ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة، إن تحت البحر نارًا ثم ماء ثم نارًا.
(1)
وقع في (س) وحدها: "يستنزه"، وكتب عليها في هامشي (أ) و (ظ): في المسموع هكذا، وصوابه:"لا يستنزه".
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (218)، ومسلم (292)، وأبو داود (20)، وابن ماجه (347)، والنسائي 1/ 28 - 29 و 4/ 106. وهو في "المسند" (1980) و (1981)، و"صحيح ابن حبان" (3128).
(3)
رواية منصور أخرجها البخاري (216) و (6055)، وأبو داود (21)، والنسائي 4/ 106. وهو في "المسند" (1981)، و"صحيح ابن حبان" (3129).
الأعمشُ أحفَظُ لإِسنادِ إبراهيمَ من منصورٍ.
54 - باب ما جاءَ في نَضْحِ بَوْل الغلام قبلَ أن يَطْعَمَ
71 -
حدثنا قُتَيبةُ وأحمد بن مَنِيع، قالا: حدثنا سفيانُ بن عُيَيْنةَ، عن الزُّهْريَّ، عن عُبَيدِ الله بن عبد الله بن عُتْبةَ
عن أُمَّ قَيْسٍ بنت مِحْصَنٍ قالت: دَخَلْتُ بابنٍ لي على النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْكُلِ الطَّعامَ، فبَالَ عليهِ، فدَعَا بماءٍ فَرَشَّه عليه
(1)
.
وفي البابِ عن عليًّ، وعائشةَ، وزينبَ، ولُبَابةَ بنت الحارثِ - وهي أُمُّ الفضل بن عبَّاس بن عبد المُطَّلِبِ - وأبي السَّمْحِ، وعبد الله بن عَمْرِو، وأبي لَيلَى، وابن عباس.
وهو قولُ غيرِ واحد مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتَّابعينَ ومن بَعدَهم، مثلِ أحمد وإسحاق، قالوا: يُنْضَحُ بولُ الغلام، ويُغْسَلُ بولُ الجارية، وهذا ما لم يَطْعَما، فإذا طَعِمَا غُسِلا جميعًا.
55 - باب ما جاءَ في بول ما يُؤْكَلُ لَحْمُه
72 -
حدثنا الحَسَن بن محمد الزَّعْفَرانيُّ، قال: حدثنا عَفَّانُ بن مُسلمٍ، قال: حدثنا حمادُ بن سَلمَةَ، قال: أخبرنا حُميدٌ وقتادةُ وثابتٌ
عن أنس: أنَّ ناسًا من عُرَيْنةَ قَدِمُوا المدينة فاجْتَوَوْها، فبَعَثَهم
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (223) و (5693)، ومسلم (287)، وأبو داود (374)، وابن ماجه (524)، والنسائي 1/ 157. وهو في "المسند" (26996)، و"صحيح ابن حبان" (1373) و (1374).
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في إِبلِ الصَّدَقةِ، وقال:"اشرَبُوا مِن أَلْبانِها وأَبوالِها" فقَتَلُوا راعيَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، واسْتَاقُوا الإِبلَ، وارْتَدُّوا عن الإِسلامِ، فأُتِيَ بهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقَطَعَ أَيدِيَهم وأَرجُلَهم مِن خِلَافٍ، وسَمَرَ
(1)
أعيُنَهم، وأَلْقَاهم بالحَرَّةِ.
قال أَنسٌ: فكنتُ أَرَى أَحدَهم يَكُدُّ الأرضَ بفِيهِ، حتَّى ماتُوا. ورُبَّما قال حمادٌ: يَكْدُمُ الأَرضَ بفِيهِ، حتَّى ماتُوا
(2)
.
هذا حديث حسنٌ صحيحٌ. وقد رُويَ مِن غيرِ وجهٍ عن أَنسٍ.
وهو قولُ أكثر أهل العلم، قالوا: لا بأسَ ببَوْل ما يُؤكَل لحمُه.
(1)
في نسخة على هامش (ب) و (س): "سمل"، وهي رواية صحيحة للحديث، جاءت عند مسلم من رواية عبد العزيز بن صهيب، عن أنس (1671)، قال الخطابي: والمشهور من هذا في أكثر الروايات: "سَمَل" باللام، أي: فقأ أعينهم. "معالم السنن" 3/ 297.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (233)، ومسلم (1671)، وأبو داود (4364 - 4368)، وابن ماجه (2578)، والنسائي 1/ 158 و 160 و 7/ 93. وهو في "المسند" (12042) و (14061)، و"صحيح ابن حبان" (1386).
وسيأتي مختصرًا عند المصنَّف برقم (1951) و (2164).
قوله: "فاجتَوَوْها" أي: أصابهم الجَوَى، وهو المرض وداءُ الجوف إذا تطاول، وذلك إذ لم يوافقهم هواؤها واستوخموها، ويقال: اجتويتُ البلدَ: إذا كرهتَ المقام فيه وإن كنتَ في نعمة. قاله في "النهاية".
و"سَمَر" أي: أحمى لهم مسامير الحديد، ثم كَحَلهم بها.
والكَدْم: العَضُّ، والكدُّ: الحك.
73 -
حدثنا الفَضلُ بن سَهْلٍ الأَعرَجُ، قال: حدثنا يحيى بن غَيْلانَ، قال: حدثنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ، قال: حدثنا سليمانُ التَّيْميُّ
عن أنس بنِ مالك قال: إنَّما سَمَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَعيُنَهم لأَنَّهم سَمَلُوا أعْيُنَ الرُّعَاةِ
(1)
.
هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعلم أحدًا ذَكَرَه غير هذا الشيخ عن يزيد بن زُرَيْعٍ، وهو معنى قوله تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]
(2)
.
وقد رُوي عن محمد بن سِيرِينَ أنه قال: إنَّما فَعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا قبلَ أن تَنْزِلَ الحدودُ
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (1671)(14)، والنسائي 7/ 100، والطحاوي في "شرح المشكل"(1823)، والطبراني في "الأوسط"(1731)، والدارقطني 3/ 136، وابن حبان (4474).
"سَمَلَ أعينهم" أي: فقَأها بحديدةٍ مُحْماةٍ أو غيرها.
(2)
استشهاد المصنف بهذه الآية إشارةٌ إلى قول بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك بالعُرنيين قصاصًا منهم لما فعلوه بالرعاة كما قال أنس في هذا الحديث.
(3)
رواه أحمد في "المسند"(14086) عن بهز وعفّان، عن همام، عن قتادة، عن أنس، ثم قال في آخره:"قال قتادة" عن محمد بن سيرين: إنما كان هذا قبل أن تنزل الحدود. قال الشيخ أحمد شاكر: والذي قاله ابن سيرين هو الحق: أن هذا الحديث منسوخ بالحدود، وهو منسوخ أيضًا بالنهي عن المثلة، قال الحافظ في "الفتح" 1/ 341: قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثلة. وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ. =
56 - باب ما جاء في الوضوءِ من الرِّيح
74 -
حدثنا قُتَيْبةُ وهنَّادٌ، قالا: حدثنا وَكِيعٌ، عن شُعْبةَ، عن سُهَيلِ بن أَبي صالحٍ، عن أَبيه
عن أَبي هريرةَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا وُضُوءَ إلَّا مِن صَوْتٍ أَو رِيحٍ"
(1)
.
هذا حديث حسن صحيح.
75 -
حدَّثنا قُتَيبةُ، قال: حدثنا عبدُ العزيزِ بن محمد، عن سُهَيلِ بن أبي صالحٍ، عن أَبيه
عن أبي هُريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أَحدُكم في المسجدِ، فوَجَدَ رِيحًا بينَ أَلْيَتَيهِ، فلا يَخْرُجْ حتَّى يَسْمَعَ صوتًا، أَو يَجِدَ رِيحًا"
(2)
.
76 -
حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا
= قلت (القائل ابن حجر): يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد (3016) من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه، وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن ثم النهي
…
ولموسى بن عقبة في "المغازي": وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في "النهاية" عن الشافعي.
(1)
صحيح، وأخرجه ابن ماجه (515). وهو في "المسند"(9313) و (10093).
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (362)، وأبو داود (177). وهو في "المسند"(9355).
معمر، عن همَّام بن مُنَبِّه
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله لا يَقبلُ صلاةَ أحدكم إذا أحدث حتى يتوضّأ"
(1)
.
هذا حديث حسن صحيح
(2)
.
وفي الباب عن عبد الله بن زيد، وعلي بن طَلْقٍ، وعائشة، وابن عباس، وأبي سعيدٍ.
وهو قولُ العلماء: أن لا يجِب عليه الوضوءُ إلَّا من حَدَثٍ: يَسمَعُ صوتًا، أو يَجِدُ رِيحًا.
وقال ابن المُبارَكِ: إذا شَكَّ في الحدَثِ، فإنه لا يجِبُ عليه الوضوءُ حتَّى يَستَيقِنَ اسْتِيقانًا يَقْدِرُ أن يَحلِفَ عليه.
وقال: إذا خَرَجَ مِن قُبُلِ المرأَةِ الرِّيحُ وَجَبَ عليها الوضوءُ. وهو قولُ الشَّافعيَّ وإسحاق.
57 - باب الوضوءِ من النَّوْمِ
77 -
حدثنا إسماعيلُ بنُ موسى وهَنَّادٌ ومحمد بنُ عُبَيد المُحَاربيُّ،
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (135) و (6954)، ومسلم (225)، وأبو داود (60). وهو في "المسند"(8078).
(2)
من قوله: "حدثنا محمود بن غيلان" إلى هنا جاء في المطبوع في آخر الباب، وأثبتناه في موضعه هنا من نسخنا الخطية.
المَعْنَى واحدٌ
(1)
، قالوا: حدثنا عبد السَّلامِ بنُ حَرْبٍ، عن أبي خالدٍ الدَّالانيَّ، عن قتادة، عن أبي العالِيَةِ
عن ابن عَبَّاسٍ: أَنَّه رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم نامَ وهو ساجِدٌ، حتَّى غَطَّ - أو نَفَخَ - ثُمَّ قامَ يُصَلَّي، فقلتُ: يا رسولَ الله، إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ! قال:"إنَّ الوُضُوءَ لا يَجِبُ إلَّا على مَن نامَ مُضْطَجِعًا، فإِنَّه إذا اضْطَجَعَ استَرْخَتْ مَفَاصِلُه"
(2)
.
وأبو خالدٍ اسمه: يزيدُ بن عبدِ الرَّحمنِ.
وفي الباب عن عائشةَ، وابن مسعودٍ، وأبي هريرة
(3)
.
(1)
أي: أن معنى حديث شيوخه الثلاث واحد، غير أن في ألفاظه اختلافًا.
(2)
إسناده ضعيف، أبو خالد - واسمه يزيد بن عبد الرحمن - فيه كلام. وأخرجه أبو داود (202). وهو في "المسند"(2315)، و"شرح مشكل الآثار"(3429).
(3)
حديث عائشة أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 132 - 133، وأحمد (25036)، وابن ماجه (474) من طريق وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ. وزاد ابن ماجه: قال الطنافسي: قال وكيع: تعني وهو ساجد. وإسناده صحيح.
وحديث ابنِ مسعود أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 133 وغيره من طريق منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو ساجدٌ، فما يُعرَفُ نومه إلا بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته. وهذا سند صحيح.
وأخرجه أحمد (4051) عن أبي معاوية، عن حجاج، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينام مستلقيًا حتى ينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ. =
78 -
حدثنا محمد بنُ بَشَّارٍ، قال: حدثنا يحيى بنُ سعيد، عن شُعْبةَ، عن قتادة
عن أنس بن مالكٍ قال: كان أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَنامُونَ، ثمَّ يَقُومُونَ فيُصَلُّونَ، ولا يَتَوضَّؤُون
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وسمعتُ صالحَ بنَ عبد الله يقولُ: سألتُ ابنَ المبارك عَمَّنْ نامَ قاعدًا مُعْتَمِدًا، فقال: لا وُضوءَ عليه.
وقد رَوَى حديثَ ابنِ عباس سعيدُ بنُ أَبي عَرُوبةَ، عن قتادةَ، عن ابن عباس قولَه، ولم يَذْكُرْ فيه أَبا العالية، ولم يَرْفَعْه.
واختلَفَ العلماءُ في الوضوءِ من النوم: فرَأَى أكثرُهم أن لا يجِب عليه الوضوء إذا نام قاعدًا أو قائمًا، حتَّى ينامَ مُضْطَجِعًا،
= وأخرجه أحمد (4052)، وابن ماجه (475) من طريق حجاج، عن فضيل بن عمرو، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ، ثم قام فصلى.
وحديث أبي هريرة ذكره الدارقطني في "العلل" 8/ 210 مرفوعًا ولفظه: "وَجَبَ الوضوءُ على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين". وقال: إنما يروى هذا عن ابن عباس من قوله.
قلنا: هو في "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 133، و"مصنف عبد الرزاق"(479)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 145 و"سنن البيهقي" 1/ 119 من قوله.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (376)(125)، وأبو داود (200). وهو في "المسند"(13941).
وبه يقولُ الثَّوْريُّ وابنُ المبارك وأحمدُ.
وقال بعضُهم: إذا نام حتَّى غُلِبَ على عقله، وَجَبَ عليه الوضوءُ، وبه يقولُ إسحاق.
وقال الشافعيُّ: مَن نام قاعدًا فرأَى رُؤْيا، أو زالَتْ مَقْعدَتُه لوَسَنِ النومِ، فعليه الوضوءُ.
58 - باب الوضوءِ ممَّا غَيَّرتِ النارُ
79 -
حدَّثنا ابنُ أَبي عمر قال: حدثنا سفيانُ بن عُيَينةَ، عن محمد بن عَمْرو، عن أَبي سَلَمةَ
عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوُضوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، ولَوْ من ثَوْرِ أقِطٍ".
قال: فقال له ابنُ عبَّاسٍ: أنَتَوضَّأُ مِن الدُّهْنِ؟ أَنَتَوضَّأُ مِن الحَمِيمِ؟ فقال أَبو هريرةَ: يا ابنَ أَخي، إِذا سمعتَ حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تَضرِبْ له مثلًا
(1)
.
وفي البابِ عن أُمِّ حَبِيبةَ، وأُمَّ سَلَمةَ، وزيد بن ثابتٍ، وأبي طَلْحةَ، وأبي أيُّوب، وأَبي موسى.
(1)
صحيح، وأخرجه بنحو هذا اللفظ ابن ماجه (485)، والمرفوع منه بنحوه عند مسلم (352)، والنسائي 1/ 105 و 106. وهو في "المسند" (7605) و (10542)، و"صحيح ابن حبان" (1146).
"ثور أقطٍ" أي: قطعة من أَقِط، وهو لَبنٌ مجفَّف يابس متحجَّر.
و"الحميم": الماء الحار.
وقد رَأَى بعضُ أهل العلم الوضوءَ مما غَيَّرتِ النَّارُ، وأكثرُ أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ ومَن بَعدَهم على تَرْكِ الوضوءِ مما غَيَّرتِ النارُ.
59 - باب في تَرْكِ الوضوء مما غَيَّرتِ النارُ
80 -
حدثنا ابن أَبي عمر، قال: حدثنا سفيانُ بن عُيَينةَ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عَقِيلٍ، سمع جابرًا.
قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنْكَدِرِ، عن جابرٍ قال:
خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فدَخَلَ على امرأةٍ مِن الأَنصار، فذَبَحَتْ له شاةً فأكلَ، وأَتتْه بقِنَاعٍ مِن رُطَبٍ فأَكَلَ منه، ثمَّ تَوَضّأَ للظُّهْرِ وصَلَّى، ثمَّ انصَرَفَ، فأَتَتْه بعُلَالَةٍ مِن عُلَالةِ الشَّاة، فأَكَلَ، ثمَّ صَلَّى العصرَ ولم يَتَوضَّأْ
(1)
.
وفي الباب عن أبي بكر الصَّدَّيق.
ولا يَصِحُّ حديثُ أبي بكر في هذا الباب مِن قِبَلِ إسناده، وإنَّما رواه حُسَامُ بن مِصَكًّ
(2)
، عن ابن سِيرينَ، عن ابن عباس،
(1)
صحيح، وأخرجه بهذا اللفظ المصنف في "الشمائل"(181)، والحميدي (1266). وهو "المسند"(14299)، و"صحيح ابن حبان"(1130).
و"القِناع": الطبق الذي يُؤكل عليه.
و"العُلالة": يريد بقية لحمها.
(2)
وهو ضعيف يكاد أن يترك، وروايته هذه عند أبي يعلى (24)، والبزار (292).
عن أبي بكر الصِّديق، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، والصحِيحُ إنما هو عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
. هكذا رَواه الحُفَّاظُ، ورُوِيَ من غير وجهٍ عن ابن سِيرِين، عن ابن عباس
(2)
، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ورواه عطاءُ بن يَسَارٍ وعكرمةُ ومحمدُ بن عَمْرِو بن عطاءٍ وعليُّ بن عبد الله بن عباس وغيرُ واحدٍ، عن ابن عباس، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يذكُرُوا فيه:"عن أبي بكر"، وهذا أصحُّ.
وفي الباب عن أبي هريرة، وابن مسعودِ، وأبي رافعٍ، وأم الحَكَم، وعَمْرو بن أمَيَّة، وأم عامرٍ، وسُوَيْد بن النُّعمان، وأمَّ سَلَمة.
والعملُ على هذا عندَ أكثر أهل العِلْم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ ومَنْ بَعدَهم، مِثل: سفيانَ الثَّوْريَّ، وابنِ المبارَك، والشافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ: رَأَوْا تَرْكَ الوضوء مما مَسَّتِ النارُ.
وهذا آخرُ الأَمرَينِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأَنَّ هذا الحديثَ ناسِخٌ للحديث الأوَّل حديثِ الوُضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ.
60 - باب الوضوءِ من لحومِ الإِبل
81 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا أبو معاويةَ، عن الأَعمشِ، عن عبد الله بن عبد الله الرَّازيَّ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى
(1)
وحديث ابن عباس متفق عليه، وهو مخرج في "المسند"(1988)، و"صحيح ابن حبان" برقم (1129).
(2)
المثبت من الأصول، وجاء في نسخة على هامش (أ):"جابر" بدل "ابن عباس".
عن البَرَاءِ بن عازِبٍ قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الوُضوءِ مِن لُحُوم الإِبلِ، فقال:"تَوضَّؤُوا منها". وسُئِلَ عن الوُضوءِ من لُحومِ الغَنَمِ، فقال:"لا تَتَوضَّؤُوا منها"
(1)
.
وفي الباب عن جابر بن سَمُرةَ، وأُسَيدِ بن حُضَيْر.
وقد رَوَى الحجَّاجُ بن أَرْطاةَ هذا الحديثَ عن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن أَبي ليلى، عن أُسَيْدِ بن حُضَيْر
(2)
. والصحيحُ حديثُ عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البَرَاءِ بن عازبٍ.
وهو قول أحمدَ وإسحاقَ.
ورَوَى عُبَيدةُ الضَّبِّيُّ، عن عبد الله بن عبد الله الرازِيَّ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلَى، عن ذي الغُرَّةِ
(3)
.
ورَوَى حمادُ بن سَلَمةَ هذا الحديثَ عن الحجَّاجِ بن أَرْطاةَ،
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (184)، وابن ماجه (494). وهو في "المسند"(18538)، و"صحيح ابن حبان"(1128).
(2)
أخرجه من هذا الطريق أحمد (19097)، وابن ماجه (496)، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أَلبان الإبل، قال:"توضَّؤُوا من ألبانها"، وسُئل عن أَلبان الغنم، فقال:"لا تَوضَّؤُوا من ألبانها".
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" ورقة 38/ 1: هذا إسناد ضعيف لضعف حجاج بن أرطاة وتدليسه، لا سيما وقد خالف غيره.
(3)
أخرجه من هذا الطريق عبد الله بن أحمد في زياداته على "المسند"(21080) عن عمرو الناقد، عن عَبِيدة بن حُميد، عن عُبَيدة بن معتَّب الضَّبَّي، بهذا الإسناد. وعُبيدة بن معتب الضبي ضعيف، واختلط بأَخرة.
فأخطأَ فيه، وقال: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أُسَيْدِ بن حُضَيْرٍ
(1)
.
والصحيحُ: عن عبد الله بن عبد الله الرازيَّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البَرَاءِ.
قال إسحاق: صَحَّ في هذا الباب حديثانِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديثُ البرَاءِ، وحديث جابر بن سَمُرةَ
(2)
(3)
.
61 - باب الوضوءِ من مَسَّ الذَّكَرِ
82 -
حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا يحيى بنُ سعيد القَطَّانُ، عن هشام بن عُرْوةَ، قال: أخبرني أَبي
عن بُسْرةَ بنت صَفْوانَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن مَسَّ ذَكَره، فلا يُصَلَّ حتَّى يَتَوضَّأَ"
(4)
.
وفي الباب عن أُمَّ حَبِيبةَ، وأَبي أَيُّوبَ، وأبي هريرةَ، وأَرْوَى
(1)
أخرجه من هذا الطريق أحمد (19096) عن عفان، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
(2)
أخرجه من حديث جابر بن سمرة مسلم (360). وهو في "المسند"(20811)، و"صحيح ابن حبان"(1125).
(3)
جاء بعد هذا في طبعة الشيخ أحمد شاكر: "وهو قول أحمد وإسحاق، وقد رُوي عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم: أنهم لم يَرَوا الوضوء من لحوم الإبل، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة"، ولم يرد في أصولنا الخطية.
(4)
صحيح، وأخرجه النسائي 1/ 216. وهو في "المسند" (27295)، و"صحيح ابن حبان" (1115).
بنت أُنَيْسٍ، وعائشةَ، وجابرٍ، وزيدِ بن خالدٍ، وعبد الله بن عَمْرو.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
هكذا رواه غيرُ واحدٍ مثلَ هذا عن هشام بن عرْوة، عن أَبيه، عن بُسْرةَ.
ورَوَى أبو أُسامةَ وغيرُ واحدٍ هذا الحديثَ عن هشام بن عُرْوة، عن أَبيه، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
83 -
حدثنا بذلك إسحاقُ بن منصورٍ، حدثنا أبو أُسامة، بهذا
(1)
.
ورَوَى هذا الحديثَ أَبُو الزِّنادِ، عن عُرْوة، عن بُسْرةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
84 -
حدثنا بذلكَ عليُّ بن حُجْرٍ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزَّناد، عن أبيه، عن عُرْوة، عن بُسْرةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوَه
(2)
.
وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول الأَوزاعيُّ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاق.
قال محمدٌ: أصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديثُ بُسْرةَ.
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (181)، وابن ماجه (479)، والنسائي 1/ 100 و 216. وهو في "المسند" (27293) و (27295)، و"صحيح ابن حبان" (1112 - 1114) و (1116).
تنبيه: هذا الإسناد لم يذكره الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" 11/ 272! وهو ثابت في أصولنا الخطية.
(2)
صحيح كسابقيه، وانظر تخريجه فيهما.
وقال أبو زُرْعةَ: حديثُ أُمِّ حَبِيبةَ في هذا الباب صحيحٌ، وهو حديثُ العَلَاءِ بنِ الحارثِ، عن مَكْحُولٍ، عن عَنْبَسةَ بن أبي سفيانَ، عن أُمِّ حَبِيبةَ.
وقال محمدٌ: لم يسمع مكحولٌ من عَنْبَسةَ بن أبي سفيانَ، وروى مكحولٌ، عن رجلٍ، عن عَنْبَسةَ غيرَ هذا الحديثِ.
وكأنَّه لم يَرَ هذا الحديثَ صحيحًا.
62 - باب تَرْكِ الوضوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
85 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا مُلازِمُ بن عَمْرٍو، عن عبد الله بن بَدْرٍ، عن قَيْسِ بن طَلْقِ بن عليٍّ الحَنَفيِّ
عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وهَلْ هو إلَّا مُضْغَةٌ منه؟ " أو "بَضْعَةٌ منه"
(1)
.
وفي الباب عن أَبي أُمَامةَ.
وقد رُويَ عن غير واحدٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبعضِ التابعينَ: أنَّهم لم يَرَوُا الوضوءَ من مَسِّ الذَّكر، وهو قول أهل
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (182)، وابن ماجه (483)، والنسائي 1/ 101. وهو في "المسند" (16286)، و"صحيح ابن حبان" (1119)، وصححه عمرو بن علي الفلاس وابن المديني والطحاوي والطبراني وابن حزم.
ولا تعارض بين حديث طلق هذا، وحديث بسرة السالف بأن يحمل الأمر بالوضوء في حديث بُسرة على الندب لوجود الصارف عن الوجوب في حديث طلق.
والبَضْعة - بفتح الباء وقد تُكسر -: القطعة من اللحم.
الكوفة وابنِ المبارَك.
وهذا الحديثُ أحسنُ شيءٍ رُويَ في هذا الباب.
وقد رَوَى هذا الحديثَ أَيوبُ بن عُتْبةَ ومحمدُ بن جابرٍ، عن قيس بن طَلْقٍ، عن أَبيه
(1)
.
وقد تَكلَّمَ بعضُ أهلِ الحديث في محمد بن جابرٍ وأَيُّوبَ بن عُتْبةَ.
وحديثُ ملازِمِ بن عمْرٍو، عن عبدِ الله بن بدْرٍ، أصحُّ وأحسنُ.
63 - باب تَرْكِ الوضوءِ من القُبلة
86 -
حدثنا قتيبةُ وهنَّادٌ وأبو كُرَيْبٍ وأحمدُ بن مَنِيعٍ ومحمودُ بن غَيْلانَ وأبو عَمَّارٍ، قالوا: حدثنا وَكيعٌ، عن الأعمشِ، عن حَبِيب بن أبي ثابت، عن عُرْوةَ
عن عائشةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّل بعضَ نسائِه، ثمَّ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ ولم يَتَوضَّأْ. قال: قلتُ: مَن هي إلَّا أنتِ؟ فضَحِكَتْ
(2)
.
(1)
رواية أيوب بن عتبة في "المسند" برقم (16286)، ورواية محمد بن جابر فيه أيضًا برقم (16292) و (16295).
(2)
إسناده صحيح، وأخرجه أحمد (25766)، وأبو داود (179)، وابن ماجه (502)، والدارقطني 1/ 136، والبيهقي 1/ 125 - 126، والبغوي في "شرح السنة"(168) من طرق عن وكيع، بهذا الإسناد، وعروة: هو ابن الزبير كما جاء مصرحًا به في رواية أحمد وابن ماجه.
قال ابنُ عبد البر فيما نقله عنه الزيلعيُّ في "نصب الراية" 1/ 72، وابنُ سيد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الناس في "شرح الترمذي" ورقة 199/ 1: صحح هذا الحديث الكوفيون وثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له، وحبيب لا يُنكر لقاؤه عروةَ لروايته عمن هو أكبرُ من عروةَ وأقدم موتًا، وهو إمامٌ ثقة من أئمة العلماء الأجِلَّة، قال ابنُ سيد الناس: وقول أبي عمر هذا أفاد إثبات إمكان اللقاء، وهو مزيلٌ للانقطاع عند الأكثرين، وأرفع من هذا قولُ أبي داود فيما رويناه عنه بالسند السالف - هو في "سننه" بإثر الحديث رقم (180) - قال: وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثًا صحيحًا، فهذا يثبت اللقاء، فهو مزيل للانقطاع عندهم.
قلنا: وقد تابعه عليه هشامُ بنُ عروة، فرواه الدارقطني 1/ 136 قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري، حدثنا حاجب بن سليمان، حدثنا وكيع، عن هشام بنِ عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قَبَّلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ، ثم ضحكت. وهذا سند قوي، فأبو بكر النيسابوري - واسمه عبد الله بن محمد بن زياد - حافظ متقن موثَّق في روايته، وشيخه حاجب بن سليمان، هو المَنبِجي، وثقه النسائي، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ومَنْ فوقهما على شرط الشيخين.
وتابع أبو أويس وكيعًا على روايته عن هشام، عن أبيه عند الدارقطني أيضًا 1/ 136 فرواه عن الحسين بن إسماعيل، عن علي بن عبد العزيز الوراق، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا أبو أويس، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنها بلغها قولُ ابن عمر: في القبلة الوضوء، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ثم لا يتوضأ. وهذا إسناد حسن في المتابعات.
ورواه البزار في "مسنده" - كما في "الجوهر النقي" 1/ 125 - من طريقٍ آخر، فقال: حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح، حدثنا محمد بن موسى بن أعين، حدثنا أبي، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة: أنه عليه السلام كان يُقبِّل بعض نسائه، ولا يتوضأ. وقد سقط:"عن عطاء" من مطبوع "الجوهر النقي"، =
وقد رُويَ نحوُ هذا عن غير واحدٍ من أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قولُ سفيانَ الثَّوريِّ وأهل الكوفة، قالوا: ليس في القُبْلة وضوءٌ.
وقال مالك بنُ أنسٍ والأَوْزاعيُّ والشافعي وأحمدُ وإسحاق:
= واستدركناه من "نصب الراية" 1/ 74.
قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" 1/ 125: وعبد الكريم روى عنه مالك في "الموطَّأ"، وأخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم، وموسى بن أعين مشهور، وثقة أبو زرعة وأبو حاتم، وأخرج له مسلم، وابنه مشهور، روى له البخاري، وإسماعيل روى عنه النسائي ووثقه، وأبو عوانة الإسفراييني، وأخرج له ابنُ خزيمة في "صحيحه"، وذكره ابن حبان في "الثقات". قلنا: وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 45 بعد أن أورده عن البزار: ورجاله ثقات.
وقال ابن جرير الطبري في "جامع البيان" 8/ 396: وأولى القولين في ذلك قول من قال: عنى الله بقوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] الجماعَ دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قبل بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ.
وروى النسائي 1/ 101 عن عائشة قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يُوتر مسني برجله. قال الحافظ في "التلخيص" 1/ 133: إسناده صحيح، واستدل به على أن اللمس في الآية الجماع، لأنه لمسها في الصلاة واستمر.
وفي المتفق عليه، عن عائشة قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قِبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتها، قالت: والبيوتُ يومئذ ليس فيها مصابيح.
وانظر لزامًا "بداية المجتهد" 1/ 29 - 30.
في القُبْلة وضوءٌ، وهو قولُ غير واحدٍ من أهل العِلْم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتابعين.
وإِنَّما تَرَكَ أصحابُنا حديثَ عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا، لأنه لا يَصِحُّ عندهم لحالِ الإسنادِ.
قال: وسمعتُ أبا بكرٍ العطَّارَ البصريَّ يَذْكُرُ عن عليِّ بن المدينيِّ قال: ضَعَّفَ يحيى بنُ سعيد القَطَّانُ هذا الحديثَ، وقال: هو شِبْهُ لا شيء.
قال: وسمعتُ محمد بن إِسماعيل يُضَعِّفُ هذا الحديثَ، وقال: حبيبُ بن أبي ثابتٍ لم يَسْمَعْ من عروة.
وقد رُويَ عن إبراهيمَ التَّيْميِّ، عن عائشة: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَها ولم يَتَوضَّأْ
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد (25767)، وأبو داود (178)، والنسائي 1/ 104، والدارقطني 1/ 140 - 141، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 219، والبيهقي 1/ 147 من طريق سفيان الثوري، عن أبي رَوْق الهمداني، عن إبراهيم التيمي، بهذا الإسناد. ورجاله ثقات، لكن أُعلَّ بالانقطاع، قال أبو داود: هو مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة.
وقال ابن التركماني: قال الدارقطني: وقد روى هذا الحديثَ معاويةُ بنُ هشام، عن الثوري، عن أبي رَوق، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة. فوصل إسنادَه، ومعاوية هذا أخرج له مسلم في "صحيحه"، فزال بذلك انقطاعه، وأبو رَوق عطية بنُ الحارث أخرج له الحاكم في "المستدرك"، وقال أحمد: ليس به بأس، وقال ابنُ معين: صالح، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو عمر: قال =
وهذا لا يَصِحُّ أيضًا، ولا نَعْرِفُ لإبراهيمَ التَّيْمِيِّ سماعًا من عائشة، وليس يصحُّ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ شيءٌ.
64 - باب الوضوءِ من القَيْءِ والرُّعافِ
87 -
حدثنا أبو عُبَيدةَ بنُ أَبي السَّفَرِ وإسحاق بنُ منصور، قال أبو عُبَيدةَ: حدثنا، وقال إِسحاق: أخبرنا عبدُ الصمد بنُ عبد الوارث، حدثني أَبي، عن حُسَينٍ المعَلِّم، عن يحيى بنِ أبي كَثير قال: حدثني عبدُ الرحمن بنُ عَمرو الأَوْزاعيُّ، عن يَعِيشَ بن الوليدِ المخْزُوميِّ، عن أبيه، عن مَعْدانَ بن أبي طَلْحةَ
عن أبي الدَّرْداءِ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاءَ فتَوَضَّأَ
(1)
. فلَقِيتُ ثَوْبانَ في مسجدِ دمشقَ، فذَكرتُ ذلك له، فقال: صَدَقَ، أَنا صَبَبْتُ له وَضُوءَهُ
(2)
.
وقال إسحاق بنُ منصورٍ: مَعْدَانُ بنُ طَلْحةَ.
وابنُ أَبي طَلْحةَ أصحُّ.
= الكوفيون: هو ثقة لم يذكره أحد بجرحة. ومراسيل الثقات عندهم حجة. وانظر "نصب الراية" 1/ 71 - 76.
(1)
هكذا في أصولنا الخطية، وفي نسخة عتيقة بخط أندلسي أشار إليها الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:"قاءَ فأفطر"، وعلى حاشيتها بخط آخر ما نصُّه:"في الأصل: قاء فتوضَّأ".
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (2381)، والنسائي في "السنن الكبرى" (3107) وما بعده. ولفظه عندهما:"قاءَ فأفطر". وهو في "المسند"(21701) و (27502)، و"صحيح ابن حبان"(1097).
وقَدْ رَأَى غيرُ واحدٍ من أهل العِلْم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التَّابعين الوضوءَ من القيءِ والرُّعَافِ، وهو قولُ سفيانَ الثَّوْريِّ وابن المبارَكِ وأحمدَ وإسحاق.
وقال بعضُ أهل العلم: ليس في القيءِ والرُّعاف وضوءٌ، وهو قولُ مالك والشافعيِّ.
وقد جَوَّدَ حسينٌ المُعلِّمُ هذا الحديثَ.
وحديثُ حسينٍ أصحُّ شيءٍ في هذا الباب.
وروى مَعْمرٌ هذا الحديثَ عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، فأَخطَأَ فيه، فقال: عن يَعيشَ بن الوليد، عن خالد بن مَعْدانَ، عن أبي الدَّرْداء، ولم يَذكُرْ فيه: الأَوزاعيَّ، وقال: عن خالد بن مَعْدانَ، وإِنَّما هو مَعْدانُ بنُ أبي طَلْحة
(1)
.
65 - باب الوضوء بالنَّبيذ
88 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا شَرِيكٌ، عن أبي فَزَارةَ، عن أبي زيدٍ
عن عبد الله بن مسعودٍ قال: سَأَلَني النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ما في إِدَاوتِكَ؟ " فقلتُ: نَبِيذٌ. فقال: "تَمْرةٌ طَيَّبةٌ، وماءٌ طَهُورٌ". قال: فتَوَضَّأَ منه
(2)
.
(1)
رواية معمر هذه أخرجها عبد الرزاق في "مصنفه"(7548)، وعنه أحمد في "مسنده"(27537).
(2)
إسناده ضعيف لجهالة أبي زيد، وهو مولى عمرو بن حريث. وأخرجه أبو داود (84)، وابن ماجه (384). وانظر "المسند"(3810).
وإنَّما رُويَ هذا الحديثُ عن أبي زيدٍ، عن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وأَبو زيد رجلٌ مَجْهولٌ عند أَهل الحديث، لا تُعْرَفُ له روايةٌ غيرُ هذا الحديث.
وقد رَأَى بعضُ أهلِ العلم الوضوءَ بالنَّبيذِ، منهم: سفيانُ وغيرُه.
وقال بعضُ أهل العلم: لا يُتوضأُ بالنَّبيذِ، وهو قولُ الشافعيِّ وأحمدَ وإسحاق.
وقال إسحاق: إِن ابتُليَ رجلٌ بهذا، فتوضأَ بِالنَّبيذِ يتيمم أَحبُّ إليَّ.
وقولُ مَن يقول: لا يُتَوضَّأُ بالنبيذِ، أقربُ إلى الكتابِ وأَشبَهُ، لأن الله تعالى قال:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43 والمائدة: 6].
66 - باب المَضْمَضَة من اللَّبَنِ
89 -
حدثنا قتيبةُ، قال: حدثنا الليثُ، عن عُقَيلٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُبَيدِ الله بنِ عبدِ الله
عن ابن عباسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا، فدَعَا بماءٍ فمَضْمَضَ، وقال:"إنَّ له دَسَمًا"
(1)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (211) و (5609)، ومسلم (358)، وأبو داود (196)، وابن ماجه (498)، والنسائي 1/ 109. وهو في "المسند" (1951)، =
وفي الباب عن سَهْل بن سَعْد السَّاعِديِّ، وأُمِّ سَلَمةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رأى بعضُ أهل العلم المضمضةَ من اللَّبَنِ، وهذا عندنا على الاستحبابِ، ولم يَرَ بعضُهم المضمضةَ من اللبنِ.
67 - باب في كَرَاهية رَدِّ السَّلامِ غيرَ مُتَوضِّيءٍ
90 -
حدثنا نَصْرُ بن عليٍّ ومحمد بن بَشَّارٍ، قالا: حدثنا أبو أحمدَ، عن سفيانَ، عن الضَّحَّاكِ بن عثمانَ، عن نافعٍ
عن ابن عُمرَ: أن رجلًا سَلَّمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَبُولُ، فلم يَرُدَّ عليه
(1)
.
= و"صحيح ابن حبان"(1158) و (1159).
(1)
صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة 8/ 623، ومسلم (370)، وأبو داود (16)، وابن ماجه (353)، والنسائي في 1/ 35 - 36، وابن الجارود (38)، وابن خزيمة (73)، والبيهقي 1/ 99 من طرق عن سفيان الثوري، به.
وسيأتي برقم (2917).
وأخرج الطيالسي (1851)، وأبو داود السجستاني (330)، والطحاوي 1/ 85، والبيهقي 1/ 206 و 215، والبغوي (311) من طريق محمد بن ثابت العبدي، عن نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجته إلى ابن عباس، فقضى ابن عمر حاجته، فكان من حديثه يومئذ أن قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكةٍ من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على الحائط، ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام، وقال: "إنه لم يمنعني أن أرد =
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وإنَّما يُكْرَه هذا عندنا إذا كان على الغائطِ والبولِ، وقد فَسَّرَ بعضُ أهل العلم ذلك.
وهذا أحسنُ شيءٍ رُوي في هذا الباب.
وفي الباب عن المُهاجِرِ بن قُنْفُذٍ، وعبد الله بن حَنْظَلةَ، وعَلْقمةَ بن الفَغْواءِ، وجابرٍ، والبَرَاءِ.
68 - باب ما جاء في سُؤْرِ الكلبِ
91 -
حدّثنا سَوَّارُ بن عبد الله العَنْبَريُّ، قال: حدثنا المُعتَمِرُ بن
= عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر". قال أبو داود السجستاني بإثره: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثًا منكرًا في التيمم، قال ابن داسة: قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه فعل ابن عمر.
وأخرج أبو داود (331) والبيهقي 1/ 206 من طريق حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، أن نافعًا حدثه عن ابن عمر قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط فلقيه رجل عند بئر جمل، فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل السلام.
وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ عند أبي داود (17)، والنسائي 1/ 37، والبغوي (312)، وهو في "مسند أحمد"(19034)، لكن رواية "المسند":"وهو يتوضأ" بدلًا من "وهو يبول"، وفيه تمام تخريجه وبعض شواهده.
وانظر تتمة أحاديث الباب عند حديث عبد الله بن جابر في "مسند أحمد"(17597).
سليمانَ، قال: سمعتُ أَيُّوبَ، عن محمد بن سِيرينَ
عن أبي هريرةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يُغْسَلُ الإِناءُ إذا وَلَغَ فيه الكلبُ سَبْعَ مرَّاتٍ: أُولاهُنَّ - أَو أُخراهُنَّ - بالتُّرابِ"، وإذا وَلَغَتْ فيه الهِرَّةُ غُسِلَ مرَّةً
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ الشافعيِّ وأحمدَ وإسحاق.
وقد رُويَ هذا الحديثُ من غير وجهٍ عن أبي هريرة، عن النبيِّ
(1)
الغسل من ولوغ الكلب صحيح مرفوعًا، وأما الغسل من ولوغ الهرة فصحيح أيضًا، لكنه موقوف.
وحديث ولوغ الكلب دون الهرة أخرجه البخاري (172)، ومسلم (279)، وأبو داود (71) و (73)، وابن ماجه (363) و (364)، والنسائي في "المجتبى" 1/ 52 و 52 - 53 و 53 و 176 - 177 و 177 و 177 - 178، وفي "الكبرى"(68) و (69) و (9712). وهو في "مسند أحمد"(7346) و (9511)، و"صحيح ابن حبان"(1297).
وأخرجه بزيادة ولوغ الهرة أبو داود (72) من طريق أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة موقوفًا. وهو في "شرح مشكل الآثار"(2650) بهذه الزيادة مرفوعًا.
قال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 2/ 70: حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة:"وإذا ولغ الهر غسل مرة" أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ولوغ الكلب، ووهموا فيه، والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع، وفي ولوغ الهر موقوف. ميزه علي بن نصر الجهضمي، عن قرة بن خالد، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، ووافقه عليه جماعة من الثقات.
صلى الله عليه وسلم نحوَ هذا، ولم يُذكَرْ فيه:"إذا وَلَغَتْ فيه الهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً".
وفي الباب عن عبد الله بن مُغَفَّلٍ.
69 - باب ما جاء في سُؤْرِ الهِرَّةِ
92 -
حدثنا إسحاق بنُ موسى الأنصاريُّ، قال: حدثنا مَعْنٌ، قال: حدثنا مالكُ بنُ أنسٍ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طَلْحةَ، عن حُمَيدةَ ابنة عُبيدِ بنِ رِفاعةَ
عن كَبْشةَ ابنة كَعبِ بن مالكٍ، وكانت عند ابن أبي قَتَادةَ: أنّ أبا قَتادة دخلَ عليها، قالت: فسَكَبْتُ له وَضُوءًا، قالت: فجاءت هرَّةٌ تَشرَبُ، فأَصْغَى لها الإِناءَ حتى شَرِبَتْ، قالت كَبْشةُ: فرَآني أَنظُرُ إليه، فقال: أتَعْجَبينَ يا بنتَ أخي؟ فقلتُ: نعم. فقال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّها ليست بنَجَسٍ، إنَّما هي مِن الطَّوَّافِينَ عليكم أو الطَّوَّافاتِ"
(1)
.
(1)
صحيح، وهو في "موطأ" مالك 1/ 22 - 23، ومن طريقه أخرجه أبو داود (75)، وابن ماجه (367)، والنسائي 1/ 55 و 178. وهو في "مسند أحمد" (22580)، و"صحيح ابن حبان" (1299)، و"شرح مشكل الآثار" (2655) من طريق مالك أيضًا.
"فأصغى" أي: أماله، ليسهل عليها الشرب.
"بنَجَس" بفتح الجيم كما ضبطه غير واحدٍ من أهل العلم، والنجس: النجاسة، وهو وصف بالمصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث.
تنبيه: وقع في طبعة الشيخ شاكر بإثر هذا الحديث: "وقد روى بعضهم عن مالك: وكانت عند أبي قتادة، والصحيح ابن أبي قتادة"، ولم يرد في أصولنا =
وفي الباب عن عائشةَ، وأبي هريرةَ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ أكثرِ العلماءِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَن بعدَهُم، مِثل الشافعيَّ وأحمدَ وإسحاق: لم يَرَوْا بسُؤْرِ الهِرِّ بأسًا.
وهذا أحسنُ شيءٍ في هذا الباب.
وقد جَوَّدَ مالكٌ هذا الحديثَ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طَلْحةَ، ولم يَأْتِ به أحدٌ أَتَمَّ من مالكٍ.
70 - باب في المسح على الخُفَّينِ
93 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا وَكِيعٌ، عن الأعمش، عن إبراهيمَ، عن هَمَّامِ بن الحارث قال:
بالَ جَريرُ بنُ عبد الله، ثُمَّ توضأَ ومسحَ على خُفَّيهِ، فقيلَ له: أتَفعَلُ هذا؟ قال: وما يَمنَعُني، وقد رأَيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُه؟
قال
(1)
: وكان يُعجِبُهم حديثُ جَريرٍ، لأَنَّ إسلامَه كان بعد نُزولِ المائدةِ
(2)
.
= الخطية.
(1)
القائل: هو إبراهيم النخعي، كما جاء مصرحًا به في نسخة بهامش (أ)، وفي روايتي البخاري ومسلم.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (387)، ومسلم (272)، وابن ماجه (543)، والنسائي 1/ 81 و 2/ 73 - 74. وهو في "المسند" (19168)، و"صحيح ابن حبان" (1335)، و"شرح مشكل الآثار" (2491). =
وفي الباب عن عمرَ، وعليّ، وحُذيفةَ، والمغيرةِ، وبلالٍ، وسعدٍ، وأبي أَيُّوبَ، وسلمانَ، وبُريدَةَ، وعمرو بن أُمَيَّةَ، وأَنسٍ، وسَهْلِ بن سعدٍ، ويَعْلى بن مُرَّةَ، وعبادةَ بن الصَّامتِ، وأُسامةَ بن شَريكٍ، وأَبي أُمامةَ، وجابرٍ، وأُسامةَ بن زيد
(1)
.
حديثُ جريرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ويُروَى عن شَهْرِ بن حَوْشَبٍ قال: رَأَيتُ جَريرَ بن عبد اللهِ تَوَضَّأ ومَسَحَ على خُفَّيهِ، فقلتُ له في ذلك، فقال: رأَيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ومَسَحَ على خُفَّيهِ. فقلتُ له: أَقَبْلَ المائدةِ أَمْ بعدَ المائدةِ؟ فقال: ما أَسلَمْتُ إلَّا بعدَ المائِدةِ.
94 -
حدثنا بذلك قُتيبةُ، قال: حدثنا خالدُ بن زيادِ التِّرمِذيُّ، عن مُقاتِلِ بن حيَّانَ، عن شَهْرِ بن حَوْشَبٍ، عن جَريرٍ
(2)
.
= قال الإمام النووي في "شرح مسلم" 3/ 164: معناه: أن الله تعالى قال في سورة المائدة: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} فلو كان إسلام جرير متقدمًا على نزول المائدة، لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخًا بآية المائدة، فلما كان إسلامه متأخرًا، علمنا أن حديثه يعمل به، وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخُفِّ، فتكون السنة مخصصة للآية.
(1)
زاد هنا في نسخة بهامش (أ): "وأبي بن عبادة، ويقال: ابن عمارة"، وفي نسخة بهامش (ب):"وأبي بن عمارة". وفي مطبوعة الشيخ شاكر: "وابن عبادة، ويقال: ابن عمارة، وأُبيُّ بن عمارة".
(2)
حديث حسن، شهر وإن كان مختلفًا فيه، قد تابعه عليه أبو زرعة بن عمرو بن جرير عند ابن أبي شيبة 1/ 179، وأبي داود (154)، وابن خزيمة (187)، =
ورَوى بَقِيَّةُ، عن إبراهيم بن أَدْهَم، عن مُقاتِلِ بن حَيَّانَ، عن شَهرِ بن حَوْشَبٍ، عن جَريرٍ
(1)
.
وهذا حديثٌ مُفَسَّرٌ، لأَنَّ بعضَ مَن أَنكرَ المسحَ على الخُفَّينِ تَأَوَّلَ أَنَّ مسحَ النبيّ صلى الله عليه وسلم على الخُفَّينِ كان قبلَ نُزولِ المائدة، وذَكَرَ جريرٌ في حديثه: أنه رأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ على الخُفَّينِ بعدَ نُزولِ المائدة.
71 - باب المسح على الخُفَّينِ للمسافر والمُقِيم
95 -
حدثنا قُتَيبةُ، قال: حدثنا أبو عَوَانةَ، عن سعيدِ بن مَسْروقٍ، عن إبراهيمَ التَّيْميِّ، عن عَمْرو بن مَيمونٍ، عن أَبي عبدِ الله الجَدَليِّ
عن خُزَيمةَ بن ثابتٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّه سُئِلَ عن المسح على
= والحاكم 1/ 169، والبيهقي 1/ 270. لكن في الطريق إليه بكير بن عامر، وهو ضعيف، وهو في "شرح مشكل الآثار" (2494)، وتابعه عليه أيضًا مجاهد، عن جرير عند أحمد (19221).
(1)
حديث حسن كسابقه.
وأخرجه الطبراني (2511)، والدارقطني 1/ 194، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 45، وابن منده في "مسند إبراهيم بن أدهم"(31 - 33)، والبيهقي 1/ 273 و 274 من طرق عن بقية، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني (2511) من طريق شريح بن يزيد، عن إبراهيم بن أدهم، به.
الخُفَّينِ، فقال: "للمُسافِرِ ثلاثٌ
(1)
، وللمُقيمِ يومٌ
(2)
"
(3)
.
وأبو عبد الله الجَدَليُّ اسمه: عَبْدُ بن عبدٍ، ويقال: عبد الرحمن بن عبد.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي الباب عن عليٍّ، وأَبي بَكْرةَ، وأَبي هريرةَ، وصَفْوانَ بن عَسَّالٍ، وعَوْفِ بن مالكٍ، وابنِ عمرَ، وجَريرٍ.
96 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا أبو الأَحْوَص، عن عاصمِ بن أَبي النَّجُودِ، عن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ
عن صَفوانَ بن عَسَّالٍ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنا إذا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفافَنا ثلاثةَ أَيَّامٍ ولَيالِيَهُنَّ إلَّا مِن جَنابَةٍ، ولكِنْ مِن غائطٍ وبولٍ ونومٍ
(4)
.
(1)
في (أ) و (ظ) و (د): "ثلاثًا"، والمثبت من (ب).
(2)
في (أ): "يوم وليلة".
(3)
صحيح، وأخرجه أبو داود (157)، وفيه:"للمقيم يوم وليلة"، وأخرجه ابن ماجه (553) و (554)، واقتصر على المسح للمسافر. وزاد في الموضع الأول: ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسًا. وهو في "المسند"(21851)، و"صحيح ابن حبان"(1329).
(4)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل عاصم بن أبي النجود، وأخرجه ابن ماجه (478)، والنسائي 1/ 83 و 83 - 84 و 98، ولفظ ابن ماجه دون قوله:"إذا كنا سفرًا"، واقتصر النسائي في موضعه الأول على قوله:"إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن". =
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رَوَى الحكمُ بن عُتَيبةَ وحمَّادٌ، عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ، عن أبي عبد الله الجَدَليِّ، عن خُزَيمةَ بن ثابتٍ، ولا يَصِحُّ
(1)
.
قال عليُّ بن المَدِينيِّ: قال يحيى: قال شعبةُ: لم يَسمَعْ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ من
(2)
أبي عبد الله الجدَليِّ حديثَ المسحِ.
وقال زائدةُ عن منصورٍ: كُنَّا في حُجْرةِ إبراهيمَ التَّيميِّ، ومعنا إبراهيمُ النَّخَعيُّ، فحدثنا إبراهيمُ التَّيْميُّ، عن عمرِو بن ميمونٍ، عن أبي عبد الله الجدَليِّ، عن خُزَيمةَ بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخُفَّينِ
(3)
.
= وهو في "المسند"(18091) و (18095)، و"صحيح ابن حبان"(1100) و (1319).
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 62: قوله: "ولكن من غائط وبول ونوم": كلمة "لكن" موضوعة للاستدراك، وذلك لأنه قد تقدمه نفي واستثناء، وهو قوله:"كان يأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة"، ثم قال:"لكن من بول وغائط ونوم"، فاستدركه بلكن ليعلم أن الرخصة إنما جاءت في هذا النوع من الأحداث دون الجنابة، فإن المسافر الماسح على خفه إذا أجنب كان عليه نزع الخف، وغسل الرجل مع سائر البدن، وهذا كما تقول: ما جاءني زيد، لكن عمرو، وما رأيت زيدًا، لكن خالدًا.
(1)
انظر تخريجه في "المسند"(21868)، و"صحيح ابن حبان"(1332).
(2)
في (أ) و (د) و (ظ): "عن"، وكتب فوقها في (ظ):"من"، والمثبت من (ب).
(3)
قوله: "على الخفين" لم يرد في أصل (ب)، وهو في (أ) و (ظ) و (د) =
قال محمد بنُ إسماعيل: أَحسنُ شيءٍ في هذا الباب حديثُ صَفْوانَ بن عَسَّالٍ.
وهو قولُ العلماءِ من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَن بعدَهُم من الفقهاءِ، مثل: سفيانَ الثَّوريِّ، وابن المبارَكِ، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا: يَمسَحُ المقيمُ يومًا وليلةً، والمسافرُ ثلاثةَ أيامٍ ولياليَهُنَّ.
وقد رُويَ عن بعضِ أهلِ العلمِ أنَّهم لم يُوَقِّتُوا في المسح على الخفَّينِ، وهو قولُ مالك بن أَنسٍ. والتَّوقيتُ أَصحُّ.
وقد رُوي هذا الحديث عن صفوانَ بن عسَّال أيضًا من غير حديث عاصم.
وذُكر عن يحيى بن مَعين أنه قال: حديث خُزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح حديثٌ صحيح.
72 - باب في المسح على الخُفَّين أَعْلاه وأَسْفَلِه
97 -
حدثنا أبو الوليدِ الدِّمَشقيُّ، قال: حدثنا الوليدُ بن مسلمٍ، قال: أخبرني ثَوْرُ بنُ يزيدَ، عن رجاءِ بن حَيْوةَ، عن كاتبِ المغيرةِ
= ونسخة بهامش (ب)، والخبر أورده المصنف في "العلل الكبير" 1/ 172 - 173: حدثنا القاسم بن دينار الكوفي، حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، بهذا الإسناد، ثم قال بإثره: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: لا يصح عندي حديث خزيمة بن ثابت في المسح، لأنه لا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سماع من خزيمة بن ثابت.
عن المغيرةِ بن شُعبةَ: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعلى الخُفِّ وأَسفَلَه
(1)
.
وهذا قول غير واحد من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتابعين
(2)
، وبه يقولُ مالكٌ، والشافعيُّ، وإسحاق، وأحمد. وهذا حديثٌ مَعْلولٌ، لم يُسْنِدْهُ عن ثَوْر بن يزيدَ غيرُ الوليد بنِ مسلمٍ.
وسألتُ أبا زُرْعةَ ومحمدًا عن هذا الحديث، فقالا: ليس بصحيحٍ، لأن ابن المبارَك رَوَى هذا عن ثَوْرٍ عن رجاءٍ قال: حُدِّثتُ عن كاتبِ المغيرة
(3)
، مُرْسَلٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يَذكُر فيه المغيرةَ.
73 - باب في المَسْح على الخُفَّين ظاهرِهما
98 -
حدثنا علي بن حُجْرٍ، قال: حدثنا عبدُ الرحمن بنُ أبي الزِّنادِ، عن أبيه، عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ
عن المغيرة بن شُعْبةَ قال: رأَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ على
(1)
إسناده ضعيف، الوليد بن مسلم يدلس ويسوّي وقد عنعن، ثم هو منقطع بين ثور وبين رجاء. وأخرجه أبو داود (165)، وابن ماجه (550). وهو في "المسند"(18197).
(2)
زاد هنا في مطبوعة الشيخ شاكر: "ومن بعدهم من الفقهاء"، ولم ترد في شيء من أصولنا الخطية.
(3)
صوابه: "عن ثور قال: حُدِّثت عن رجاء، عن كاتب المغيرة"، فقد قال أبو داود بإثر الحديث (165): وبلغني أنه لم يسمع ثورٌ هذا الحديث من رجاءٍ، وقال الدارقطني في "السنن" 1/ 195: رواه ابن المبارك عن ثورٍ قال: حُدِّثت عن رجاءِ بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، ليس فيه المغيرة.
الخُفَّينِ: على ظاهِرِهما
(1)
.
حديثُ المغيرة حديثٌ حسنٌ. وهو حديثُ عبد الرحمن بن أبي الزِّنادِ، عن أبيه، عن عُرْوةَ، عن المغيرة، ولا نَعْلمُ أحدًا يَذْكرُ عن عروةَ عن المغيرة "على ظاهرِهما" غيرَه.
وهو قولُ غير واحد من أهل العلم، وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ، وأحمدُ.
قال محمدٌ: وكان مالكٌ يُشِيرُ بعبد الرحمن بن أبي الزناد
(2)
.
74 - باب في المسح على الجَوْرَبَين والنَّعْلين
99 -
حدثنا هَنَّادٌ ومحمودُ بن غَيْلانَ، قالا: حدثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن أبي قَيْسٍ، عن هُزَيْلِ بن شُرَحبِيلَ
عن المغيرة بن شُعْبةَ قال: تَوَضَّأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومَسَحَ على
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (161)، وليس فيه:"على ظاهرهما"، لكنه قال عقبه: وقال غير محمد - يعني ابن الصباح شيخ أبي داود -: "على ظهر الخفين". والحديث في "مسند الإمام أحمد" برقم (18156).
(2)
أي: يضعفه، وفي "التهذيب": وتكلَّمَ فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة - يعني الفقهاءَ - وقال: أين كنا عن هذا؟
وفيه أيضًا: قال سعيد بن أبي مريم، عن خاله موسى بن سلمة: قدمت المدينة، فأتيت مالك بن أنس، فقلت له: إني قدمت إليك لأسمع العلم، وأسمع ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد.
قلنا: وابن أبي الزناد قد اختلف الناس فيه بين موثِّق له ومضعَّف، وخلاصة القول فيه: أنه حسن الحديث إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
الجَوْرَبَينِ والنَّعْلَينِ
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ غير واحد من أهل العلم، وبه يقولُ سفيان الثَّوْريُّ، وابنُ المبارَك، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق، قالوا: يَمسَحُ على الجوربينِ وإن لم تكن نعلين
(2)
، إذا كانا ثَخِينَينِ.
(1)
حديث صحيح، وهذا إسناد لم ينفرد به أبو قيس الأودي - وهو عبد الرحمن بن ثروان -، بل تابعه فضالة بن عمرو - ويقال: عمير - الزهراني، وعمرو بن وهب الثقفي، وقد صححه الترمذي وابن حبان وابن التركماني، ومال إلى تصحيحه ابن سيد الناس في "شرح الترمذي" ورقة 19.
وأخرجه أبو داود (159)، وابن ماجه (559)، والنسائي في "الكبرى"(129). وهو في "المسند"(18206)، و"صحيح ابن حبان"(1338).
وأخرجه أبو بكر الإسماعيلي في "معجمه" 2/ 703 - 704 من طريق أحمد الدورقي، عن يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية الرياحي، عن فضالة بن عمرو الزهراني، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 4/ 14 من طريق سعيد بن عبد الرحمن - وهو البصري أخو أبي حرة - عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، كلاهما (فضالة وعمرو) عن المغيرة بن شعبة، به.
وللحديث بتمامه شاهد من حديث أبي موسى الأشعري عند ابن ماجه (560)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 97، وإسناده ضعيف.
وللمسح على الجوربين شاهد من حديث ثوبان عند أحمد (22383)، وإسناده صحيح.
(2)
في (س) وشرح ابن سيد الناس: "مُنَعَّلين"، وهو المراد بقوله: "وإن لم =
وفي الباب عن أبي موسى
(1)
.
75 - باب ما جاء في المسح على العِمامَة
(2)
100 -
حدثنا محمد بنُ بَشَّارٍ، قال: حدثنا يحيى بنُ سعيد القَطَّانُ، عن سليمانَ التَّيْميِّ، عن بَكْرِ بن عبد الله المُزَنيِّ، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شُعْبةَ
(3)
عن أَبيه قال: تَوَضَّأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومَسَحَ على الخُفَّيْنِ والعِمامَةِ.
قال بكرٌ: وقد سمعتُه من ابن المغيرة
(4)
.
وذكر محمدُ بن بَشَّارٍ في هذا الحديث في موضع آخرَ: أنه مَسَحَ على ناصِيَتِه وعِمامَتِه.
وقد رُويَ هذا الحديثُ من غير وجهٍ عن المغيرة بن شُعْبة:
= تكن نعلين" أي: منعلين، وهو ما وضع من الجلد على أسفلهما.
(1)
زاد بعد هذا في طبعة الشيخ شاكر: "قال أبو عيسى: سمعت صالح بن محمد الترمذي، قال: سمعت أبا مقاتل السمرقنديَّ يقول: دخلتُ على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه، فدعا بماء فتوضأ، وعليه جَوربان، فمسح عليهما، ثم قال: فعلتُ اليومَ شيئًا لم أكن أفعلُه: مسحتُ على الجوربين وهما غير منعَّلين". ولم يرد في أصولنا الخطية.
(2)
كذا في (ب) و (ظ) و (ل)، وفي (أ) و (د) و (س) ونسخة بهامش (ب):"على الجوربين والعمامة" ولا ذِكرَ للجوربين في هذا الباب، فالصواب إسقاطُها.
(3)
هو حمزة بن المغيرة.
(4)
صحيح، وأخرجه مسلم (274)(82) و (83)، وأبو داود (150)، والنسائي 1/ 76. وهو في "المسند" (18234)، و"صحيح ابن حبان" (1346).
ذَكَرَ بعضهم المسحَ على الناصية والعِمامةِ، ولم يذكر بعضُهم الناصيةَ. وسمعتُ أحمدَ بنَ الحسن يقولُ: سمعتُ أحمدَ بن حنبلٍ يقولُ: ما رأيتُ بعينيَّ مثلَ يحيى بن سعيد القَطَّانِ.
وفي الباب عن عَمْرِو بن أُمَيَّةَ، وسَلمانَ، وثَوْبَانَ، وأبي أُمَامَةَ.
حديثُ المغيرة بن شعبةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أهل العلم من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر، وعمرُ، وأنسٌ. وبه يقولُ الأوزاعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق، قالوا: يمسحُ على العِمامةِ.
وسمعتُ الجارُودَ بن مُعاذٍ يقول: سمعتُ وكيعَ بن الجَرَّاح يقول: إنْ مَسَحَ على العمامة يجزئُه للأَثَرِ.
101 -
حدثنا قُتَيبةُ بنُ سعيدٍ، حدثنا بِشْرُ بن المُفَضَّل، عن عبد الرحمن بن إسحاقَ، عن أبي عُبَيدةَ بن محمد بن عمَّارِ بن ياسرٍ، قال:
سألتُ جابرَ بن عبد الله عن المسح على الخُفَّينِ، فقال: السُّنَّةُ يا ابنَ أخي.
وسألتُه عن المسح على العِمامَةِ، فقال: أَمِسَّ الشَّعرَ
(1)
(2)
.
(1)
في نسخة في هامش (أ): "أمِسَّ الشعرَ الماءَ".
(2)
حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 23 و 181، والبيهقي 1/ 61، وفي "الموطأ" لمالك 1/ 35: أنه بلغه أن جابر بن عبد الله الأنصاري سُئِلَ عن المسح على العِمامة، فقال: لا، حتى يُمسَحَ الشعرُ بالماءِ.
وقال غيرُ واحدٍ من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين: لا يَمسحُ على العِمامةِ إلَّا أن يَمسَحَ برأسه مع العمامةِ، وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس وابن المبارك، والشافعي.
102 -
حدثنا هنَّادٌ، قال: حدثنا عليٌّ بن مُسهِرٍ، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلَى، عن كَعْبِ بن عُجْرة
عن بلالٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ على الخُفَّينِ والخِمار
(1)
.
76 - باب ما جاء في الغُسل من الجَنابةِ
103 -
حدثنا هنَّادٌ، قال: حدثنا وكيعٌ، عن الأَعمش، عن سالم بن أبي الجَعْدِ، عن كُرَيْبٍ، عن ابن عَبَّاسٍ
عن خالته مَيْمونةَ قالت: وَضَعْتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم غُسْلًا
(2)
، فاغتَسَلَ من الجَنَابةِ، فأَكفَأَ الإِناءَ بشِمالِه على يَمينِه، فغَسَلَ كَفَّيْه، ثُمَّ أدخَلَ يَدَه في الإِناءِ، فأفاضَ على فَرْجِه، ثُمَّ دَلَكَ بيدِه الحائطَ - أَو الأَرضَ -، ثُمَّ مَضْمَضَ واستَنشَقَ، وغَسَلَ وَجْهَه وذِراعَيهِ، ثم أَفاضَ
(3)
على رأْسِه ثلاثًا، ثمَّ أفاضَ على سائرِ جَسَدِه، ثمَّ تَنَحَّى
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (275)، وابن ماجه (561)، والنسائي 1/ 75 و 76. وهو في "المسند" (23884).
(2)
الغُسل: بضم الغين وإسكان السين: الماء الذي يغتسل به، كالأُكل لما يؤكل.
(3)
كذا في نسخة بهامشي (أ) و (ب)، وفي سائر الأصول:"فأفاض".
فغَسَلَ رِجلَيهِ
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي الباب عن أُمِّ سَلَمةَ، وجابرٍ، وأبي سعيدٍ، وجُبَيرِ بن مُطْعِمٍ، وأبي هريرةَ.
104 -
حدثنا ابنُ أبي عمرَ، قال: حدثنا سفيانُ بنُ عُيَينةَ، عن هشام بن عُرْوةَ، عن أَبيه
عن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أَرادَ أَنْ يَغتَسِلَ مِن الجَنابةِ، بَدَأَ فغَسَلَ يَدَيهِ قبلَ أَنْ يُدخِلَهما الإناءَ، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَه، ويَتَوضَّأُ وُضوءَه لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يُشَرِّبُ شَعْرَه الماءَ، ثُمَّ يَحْثِي على رَأسِه ثلاثَ حَثَيَاتٍ
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو الذي اختارَهُ أهل العلم في الغُسْلِ من الجنابة: أَنَّه يَتَوضَّأُ
وضوءَه لِلصَّلاةِ، ثم يُفْرِغُ على رأسه ثلاثَ مراتٍ، ثم يُفِيضُ الماءَ
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (249) و (257)، ومسلم (317)، وأبو داود (245)، وابن ماجه (467) و (573)، والنسائي 1/ 137 و 200 و 204 و 208. وهو في "المسند" (26798)، و"صحيح ابن حبان" (1190).
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (248) و (272)، ومسلم (316)، وأبو داود (242)، والنسائي 1/ 132 و 133 و 134 و 135 و 205 و 206. وهو في "المسند" (24257)، و"صحيح ابن حبان" (1196).
و"الحَثْية": الغَرْفة باليد.
على سائر جَسَدِه، ثم يغسِلُ قَدَميهِ.
والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلم، وقالوا: إنِ انغَمَسَ الجنبُ في الماءِ ولم يتوضأْ أَجزَأَهُ. وهو قولُ الشافعيَّ وأحمدَ وإسحاق.
77 - باب هل تَنْقُضُ المرأَة شَعْرَها عندَ الغُسْلِ؟
105 -
حدثنا ابن أبي عمرَ، قال: حدثنا سفيانُ، عن أَيُّوبَ بن موسى، عن المقبُريِّ، عن عبد الله بن رافِعٍ
عن أُمِّ سَلَمةَ قالت: قلتُ: يا رسولَ الله، إنِّي امرأَةٌ أشُدُّ ضَفْرَ
(1)
رأسي، أَفأنْقُضُه لغُسْلِ الجنابَةِ؟ قال: "لا، إنَّما يَكْفِيكِ أن تحثين
(2)
على رأْسِكِ ثلاثَ حَثَيَاتٍ مِن ماءٍ، ثمَّ تُفِيضينَ على سائِرِ جَسَدِكِ فتَطْهُرِينَ"
(3)
أو قال: "فإذا أنتِ قد تَطَهَّرتِ"
(4)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(1)
أي: أُحكِمُ فَتْل شعري.
(2)
كذا جاء في (أ) و (ب) و (د) و (س) بإثبات النون، والجادة حذفها كما في نسخة بهامش (ب)، ونسخة ابن سيد الناس، وما أثبتناه له وجه في العربية، قال السندي في "حاشيته على النسائي": وكأنه على إهمال "أن" تشبيهًا لها بما المصدرية، وقد ورد مثل ذلك في الحديث كثيرًا.
(3)
في (أ) و (ب) و (س): "فتطهري"، والمثبت من (ظ) و (د) ونسخة بهامش (ب).
(4)
صحيح، وأخرجه مسلم (330)، وأبو داود (251) و (252)، وابن ماجه (603)، والنسائي 1/ 131. وهو في "المسند" (26477) و (26677)، و"صحيح ابن حبان" (1198).
والعملُ على هذا عند أهل العِلْم: أنَّ المرأةَ إِذا اغتَسلتْ من الجنابةِ فلم تَنْقُضْ شَعْرَها، أن ذلك يُجْزِئُها بعدَ أَنْ تُفِيضَ الماءَ على رأسها.
78 - باب ما جاء أَنَّ تحتَ كلِّ شَعرةٍ جَنابةً
106 -
حدثنا نَصْرُ بن عليٍّ، قال: حدثنا الحارثُ بن وَجِيهٍ، قال: حدثنا مالكُ بنُ دينارٍ، عن محمد بنِ سِيرينَ
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تحتَ كُلِّ شَعْرةٍ جنابةٌ، فاغْسِلُوا الشَّعرَ، وأَنْقُوا البَشَرَ"
(1)
.
وفي الباب عن عليٍّ، وأَنسٍ
(2)
.
(1)
إسناده ضعيف لضعف الحارث بن وجيه، وأخرجه أبو داود (248)، وابن ماجه (597)، والبيهقي 1/ 175 من طريق نصر بن علي، بهذا الإسناد. وقرن البيهقي بنَصْرٍ في روايته محمد بن أبي بكر. وقال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر، وهو ضعيف. وكذا قال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في "العلل" 1/ 29.
وقال الدارقطني في "العلل" 8/ 103 - 104: وغير الحارث يرويه عن مالك بن دينار، عن الحسن مرسلًا، ورواه أبان العطار، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة، ولا يصح مُسْندًا، والحارث بن وجيه من أهل البصرة ضعيف. قال الحافظ في "تلخيص الحبير" 1/ 142: ورواه سعيد بن منصور، عن هشيم، عن يونس، عن الحسن، قال: نبئتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكره. وقال الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت، وقال البيهقي: أنكره أهل العلم بالحديث: البخاري وأبو داود وغيرهما.
(2)
حديث علي: قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن ترك موضع شعرة من =
قال: حديثُ الحارث بنِ وَجِيهٍ حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلَّا مِن حديثه.
وهو شيخٌ ليسَ بِذاكَ، وقد رَوَى عنه غيرُ واحد من الأئمة، وقد تَفَرَّدَ بهذا الحديث عن مالك بن دينارٍ.
ويقالُ: الحارثُ بنُ وَجيهٍ، ويقالُ: ابن وَجْبةَ.
79 - باب في الوضوءِ بعد الغُسْل
107 -
حدثنا إسماعيل بنُ موسى قال: حدثنا شَريكٌ، عن أَبي
= جنابة لم يغسلها، فُعِلَ به كذا وكذا من النار" قال علي: فمن ثَمَّ عاديتُ رأسي ثلاثًا، وكان يجزُّ شعره.
أخرجه أبو داود (249)، وابن ماجه (599) من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي فذكره، وهو في "المسند"(727)، وإسناده مرفوعًا ضعيف، عطاء بن السائب اختلط بأخرة، وعامة من رفع عنه هذا الحديث فإنما رواه عنه بعد اختلاطه، ومن رواه عنه قبل اختلاطه فإنما وقفه على علي من قوله.
وحديث أنس بن مالك أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(3624)، والطبراني في "الصغير"(856)، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، وهو حديث مطول، وموضع الشاهد منه قوله:"يا أنس بالغ في الغسل من الجنابة، تخرج من مغتسلك وليس عليك ذنب ولا خطيئة" قال: قلت: كيف المبالغة يا رسول الله؟ قال: "تبلُّ أصول شعرك، وتنقي البشرة".
وأخرجه بنحوه الطبري في "تهذيب الآثار"(429 - مسند علي) وفي سنده العلاء بن زيد أبو محمد الثقفي وهو متروك الحديث.
وفي الباب أيضًا عن أبي أيوب عند ابن ماجه (598)، وإسناده ضعيف.
إسحاق، عن الأَسوَدِ
عن عائشةَ: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لا يَتَوضَّأُ بعدَ الغُسْلِ
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
(2)
.
هذا قولُ غير واحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين: أَنْ لا يَتَوضَّأَ بعد الغُسلِ.
80 - باب ما جاء إذا الْتَقَى الخِتَانانِ وَجَبَ الغُسْلُ
108 -
حدثنا أبو موسى محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: حدثنا الوليدُ بن مُسلمٍ، عن الأوزاعيِّ، عن عبد الرحمنِ بن القاسمِ، عن أبيه
عن عائشةَ قالت: إذا جاوَزَ الخِتانُ الخِتانَ، وَجَبَ الغُسْلُ،
(1)
حديث حسن، شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - وإن كان سيئ الحفظ، قد تابعه زهير بن معاوية عند أبي داود، وعمار بن رُزَيق عند ابن راهويه (1555)، والأعمش عند أبي الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان"(600)، وأبي نعيم في "تاريخ أصبهان" 2/ 222. وبهذا يتوجه تصحيح الترمذي له.
وأخرجه أبو داود (250)، وابن ماجه (579)، والنسائي 1/ 137 و 209. وهو في "مسند أحمد" (24389).
(2)
قوله: "هذا حديث حسن صحيح" لم يرد في (أ) و (ب) و (د)، وأثبتناه من (س) وهامش (أ) ومن "تحفة الأشراف".
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي": ليس في النسخ الموجودة عندنا قول الترمذي (يعني: هذا حديث حسن صحيح)، ونَقل عن الشوكاني قوله: قال ابن سيد الناس في "شرح الترمذي": تختلف نسخ الترمذي في تصحيح حديث عائشة.
فَعَلْتُه أَنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاغتَسَلْنا
(1)
.
وفي البابِ عن أبي هريرةَ، وعبدِ الله بن عَمْرٍو، ورافع بن خَدِيجٍ.
109 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن عليَّ بن زيدٍ، عن سعيدِ بن المُسَيّبِ
عن عائشةَ قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاوَزَ الخِتانُ الخِتانَ، وَجَبَ الغُسْلُ"
(2)
.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُويَ هذا الحديثُ عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن غير وَجْهٍ:"إذا جاوَزَ الخِتانُ الخِتانَ، وَجَبَ الغُسْلُ".
وهو قولُ أكثَرِ أهلِ العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، وعائشةُ، والفقهاءِ من التابعين
(1)
صحيح، وقد تابع الوليد غيرُ واحد من الثقات عن الأوزاعي بهذا الإسناد، فأُمن تدليسه، على أن الحديث مروي عن عائشة من وجوه أُخر كما بيناه في "المسند"(25281).
وأخرجه ابن ماجه (608)، والنسائي في "الكبرى"(194)، وهو في "المسند"(25281)، و"صحيح ابن حبان"(1176) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه مرفوعًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم مسلم (349) من طريق أبي موسى، عن عائشة. وهو في "المسند"(24206) و (24655)، و"صحيح ابن حبان"(1177) و (1183) و (1184) وانظر ما بعده.
(2)
صحيح كسابقه، وانظر تخريجه فيه.
ومَن بعدَهم، مثلِ: سفيانَ الثوريِّ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاق، قالوا: إذا التَقَى الخِتانانِ، وَجَبَ الغسلُ.
81 - باب ما جاءَ أَنَّ الماءَ من الماءِ
110 -
حدثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدثنا عبدُ الله بنُ المبارَك، قال: حدثنا يونسُ بن يزيدَ، عن الزُّهْريِّ، عن سَهْلِ بن سَعْدٍ
عن أُبيِّ بن كَعْبٍ قال: إنَّما كان الماءُ مِن الماءِ رُخْصةً في أَوَّل الإسلامِ، ثمَّ نُهِيَ عنها
(1)
.
111 -
حدثنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ، قال: حدثنا ابنُ المبارَكِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْريِّ، بهذا الإسنادِ مِثلَه
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وإنَّما كان الماءُ من الماءِ في أَوَّلِ الإِسلامِ، ثُمَّ نُسِخَ بعدَ ذلك.
وهكذا رَوَى غيرُ واحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم: أُبيُّ بنُ كعبٍ، ورافِعُ بن خَدِيجٍ
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (215)، وابن ماجه (609). وهو في "المسند"(21100)، و"صحيح ابن حبان"(1173) و (1179).
(2)
صحيح كسابقه، وانظر تخريجه فيه.
(3)
حديث رافع بن خديج أخرجه أحمد في "المسند"(17288)، وإسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد فيه، لكنه صحيح بشواهده.
والعملُ على هذا عند أكثر أهل العلم: على أنه إذا جامَعَ الرجلُ امرأتَه في الفَرْج، وَجَبَ عليهما الغسلُ، وإِنْ لم يُنْزِلا.
112 -
حدثنا عليُّ بنُ حُجْر، قال: أخبرنا شَرِيكٌ، عن أبي الجَحَّافِ، عن عِكْرمةَ
عن ابن عبَّاسٍ قال: إنَّما الماءُ من الماءِ في الاحتِلامِ
(1)
.
سمعتُ الجارُودَ يقول: سمعتُ وكيعًا يقول: لم نَجِدْ هذا الحديثَ إلَّا عندَ شَريكٍ.
وفي الباب عن عثمانَ بن عَفَّانَ، وعليِّ بن أبي طالبٍ، والزُّبَيرِ، وطَلْحةَ، وأبي أيُّوبَ، وأبي سعيدٍ: عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الماءُ من الماءِ"
(2)
.
(1)
إسناده ضعيف، شريك سيئ الحفظ، وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 56 من طريق أبي غسان النهدي، والطبراني في "الكبير"(11812) من طريق محمد بن الصباح، وأبو بكر الحازمي في "الاعتبار" ص 31 من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، ثلاثتهم عن شريك، بهذا الإسناد، ولفظه عند الطحاوي. قوله:"الماء من الماء" إنما ذلك في الاحتلام إذا رأى أنه يُجامع، ثم لم ينزل، فلا غسل عليه. ولفظه عند الطبراني: إنما قال: "الماء من الماء" في الاحتلام.
وأخرج عبد الرزاق (967) و (969)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأَوسط" عن ابن جريج، عن عطاء، وابن أبي شيبة 1/ 89 من طريق رجل من أهل الخدرة، وسليم بن عبد الله، ثلاثتهم عن ابن عباس قال: الماء من الماء.
(2)
حديث عثمان وعلي والزبير وطلحة عند البخاري (179) و (292)، ومسلم (347) بنحوه، وهو في "المسند"(448).
وأما حديث أبي أيوب، فهو عند ابن ماجه (607)، والنسائي 1/ 115، وهو =
وأبو الجَحَّافِ اسمه: داود بنُ أَبي عَوْفٍ.
ويُرْوَى عن سفيان الثَّوْريِّ: حدثنا أبو الجحَّافِ وكان مَرْضيًّا.
82 - باب فيمن يستيقظُ، فيَرَى بَلَلًا، ولا يَذْكُرُ احتِلامًا
113 -
حدثنا أحمد بن مَنِيعٍ، قال: حدثنا حَمَّادُ بن خالدٍ الخَيَّاطُ، عن عَبد الله بنِ عمرَ، عن عُبَيدِ الله بن عمرَ، عن القاسم بن محمدٍ
عن عائشة قالت: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الرَّجلِ يَجِدُ البَلَلَ ولا يَذكُرُ احْتِلامًا، قال:"يَغتَسِلُ". وعن الرَّجلِ يَرَى أنَّه قد احتَلَمَ ولم يَجِدْ بَلَلًا، قال:"لا غُسْلَ عليه". قالت أُمُّ سَلَمةَ: يا رسولَ الله، هل على المرأةِ تَرَى ذلك غُسْلٌ؟ قال:"نَعَم، إِنَّ النِّساءَ شَقائِقُ الرِّجالِ"
(1)
.
= في "المسند"(23531).
وأما حديث أبي سعيد، فهو عند مسلم (343)، وهو في "المسند"(11243).
قلنا: وهذا الحكم منسوخ بحديث عائشة وأبي هريرة وغيرهما: "إذا التقى الختان بالختان، فقد وجب الغسل"، انظر الباب السالف عند المصنف وحديث عبد الله بن عمرو في "المسند"(6670)، وأشار إلى نسخه أيضًا أبي بن كعب ورافع بن خديج في حديثهما كما سلف.
(1)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن عمر العمري، وأخرجه أبو داود (236)، وابن ماجه (612). وهو في "مسند أحمد"(26195).
وأخرج مسلم (314)(33) من طريق عروة بن الزبير، عن عائشة، أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تغتسل المرأة إذا احتلمت، وأبصرت الماء؟ فقال:"نعم".
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه لا غسل من الاحتلام إلا برؤية الماء عن أم سلمة عند البخاري (130)، ومسلم (313)، وهو في "المسند"(26503)، =
وإنَّما رَوَى هذا الحديث عبدُ الله بنُ عمرَ، عن عُبَيدِ الله بن عمرَ: حديثَ عائشةَ في الرجلِ يَجِدُ البَلَلَ ولا يَذْكُرُ احتِلامًا. وعبدُ الله ضَعَّفَه يحيى بنُ سعيدٍ من قِبَلِ حِفْظِه في الحديث.
وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أهل العِلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعينَ: إذا استَيقظَ الرجلُ فرَأَى بِلَّةً أنَّه يَغتسِلُ، وهو قولُ سفيانَ وأحمدَ.
وقال بعضُ أهل العِلم من التابعينَ: إنما يجبُ عليه الغسلُ إذا كانت البِلَّةُ بِلَّةَ نُطْفةٍ، وهو قولُ الشافعيِّ وإسحاق.
وإذا رأى احتلامًا ولم يَرَ بِلَّةً، فلا غُسْلَ عليه عندَ عامَّةِ أهل العلمِ.
83 - باب ما جاء في المَنِيِّ والمَذي
114 -
حدثنا محمد بنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ البَلْخيُّ، قال: حدثنا هُشَيمٌ، عن يزيدَ بنِ أبي زِياد
= ولفظه: هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم إذا رأت الماء".
وقد روي قوله: "هن شقائق الرجال" من غير وجه، انظر "صحيح ابن حبان"(1164 - 1167).
وقوله: "النساء شقائق الرجال" قال الخطّابي في "معالم السنن" 1/ 79: أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شُقِقن من الرجال. وكذا قال ابن الأثير في "النهاية" 2/ 492.
وحدثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ قال: حدثنا حسينٌ الجُعْفيُّ، عن زائدةَ، عن يزيدَ بنِ أَبي زيادٍ، عن عبدِ الرَّحمن بن أَبي لَيلَى
عن عليٍّ قال: سأَلتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن المَذْي، فقال:"مِن المَذْي الوُضوءُ، ومِن المَنِيَّ الغُسْلُ"
(1)
.
وفي الباب عن المِقْدادِ بنِ الأَسْودِ، وأُبيَّ بن كَعْبٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُويَ عن عليٍّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم من غيرِ وَجْهٍ:"مِن المَذْي الوُضوءُ، ومِن المَنيِّ الغُسْلُ".
وهو قولُ عامَّة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقولُ سفيان
(2)
، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
(1)
صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وأخرجه من طريقه ابن ماجه (504) وغيره، وهو في "المسند"(662).
وأخرجه بنحوه أبو داود (206)، والنسائي 1/ 111 من طريق حصين بن قبيصة، عن علي. وإسناده صحيح، وهو في "المسند"(868)، و"صحيح ابن حبان"(1102).
وفي البخاري (132)، ومسلم (303) عن علي قال: كنت رجلًا مذَّاءً، فأمرتُ المقدادَ أن يسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال:"فيه الوضوءُ". وهو في "المسند"(606).
(2)
لفظة: "سفيان" أثبتناها من (ل) ونسخة بهامش (أ) وشرح ابن سيد الناس، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية، وهو الثوري، وقد حكى مذهَبه في ذلك أيضًا أبو بكر بن المنذر في "الأوسط" 1/ 134، ثم حكى الإجماع عليه كذلك.
84 - باب في المَذْي يُصيبُ الثَّوبَ
115 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا عَبْدةُ، عن محمد بن إسحاقَ، عن سعيدِ بن عُبَيدٍ - هو ابنُ السَّبَّاق -، عن أبيه
عن سَهْلِ بن حُنَيفٍ قال: كنتُ أَلْقَى مِن المَذْي شِدَّةً وعَناءً، فكنتُ أُكثِرُ منه الغُسْلَ، فذَكَرْتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسَأَلتُه عنه، فقال:"إنَّما يُجْزِئُكَ مِن ذلكَ الوُضوءُ". قلتُ: يا رسولَ الله، كَيف بما يُصِيبُ ثَوْبي منه؟ قال: "يَكْفِيكَ أَنْ تأْخُذَ كَفًّا مِن ماءٍ فتَنْضَحَ به ثَوبَكَ حيثُ تَرَى
(1)
أنَّه أصابَ منه"
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، ولا نعرفُه مثلَ هذا إلَّا مِن حديث محمد بنِ إسحاق في المذْيِ
(3)
.
وقد اختَلَفَ أهلُ العلم في المذي يصيبُ الثوبَ، فقال بعضهم: لا يُجْزئُ إلَّا الغَسْلُ، وهو قولُ الشافعيِّ، وإسحاق. وقال بعضهم: يُجزِئُه النَّضْحُ، وقال أحمدُ: أَرجُو أَنْ يُجزئَه النَّضحُ بالماءِ.
85 - باب في المنيِّ يصيبُ الثوبَ
116 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا أبو معاويةَ، عن الأَعمَشِ، عن إبراهيمَ، عن هَمَّامِ بنِ الحارث، قال:
(1)
هو بضم التاء بمعنى: تظن، وبفتحها بمعنى: تبصر.
(2)
حسن، وأخرجه أبو داود (210)، وابن ماجه (506). وهو في "المسند"(15973)، و"صحيح ابن حبان"(1103).
(3)
كرر هنا في (أ) و (ب) و (د) و (س) قوله: "مثل هذا"، والأولى حذفه.
ضافَ عائشةَ ضَيْفٌ، فأَمَرَتْ له بِمِلْحَفةٍ صَفْراءَ، فنامَ فيها، فاحتَلَمَ، فاسْتَحْيى أَنْ يُرسِلَ بها وبها
(1)
أَثَرُ الاحتِلامِ، فغَمَسَها في الماءِ، ثمَّ أَرسَلَ بها، فقالت عائشةُ: لِمَ أَفسَدَ علينا ثَوْبَنا؟ إنَّما كانَ يَكْفيهِ أن يَفْرُكَه بأَصابِعِه، ورُبّما فَرَكْتُه مِن ثَوْب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بِأصابِعي
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم والتَّابعين ومَن بعدهم من الفقهاءِ، مِثْلِ: سفيانَ وأحمدَ وإسحاق، قالوا في المنيِّ يصيبُ الثوبَ: يُجْزِئُه الفَرْكُ وإِن لم يغسِلْه.
وهكذا رُويَ عن منصور، عن إبراهيمَ، عن هَمَّامِ بن الحارث، عن عائشة، مثل رِوايَةِ الأَعمَشِ
(3)
.
ورَوَى أَبو مَعشَرٍ هذا الحديثَ عن إِبراهيمَ، عن الأَسوَدِ، عن
(1)
في (أ) و (ظ) و (س) وشرح المباركفوري: "أن يرسل إليها وبها"، والمثبت من (ب) و (د) ونسخة بهامش (أ) وشرح ابن سيد الناس.
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (288)، وأبو داود (371)، وابن ماجه (537) و (538)، والنسائي 1/ 156. وهو في "المسند" (24158)، و"صحيح ابن حبان" (1379).
(3)
أخرجها مسلم (288)(107) والنسائي 1/ 156، وأبو عوانة 1/ 205، والبغوي في "شرح السنة"(298) من طرق عن سفيان بن عيينة، عن منصور به.
عائشة
(1)
.
وحديثُ الأَعمشِ أَصَحُّ
(2)
86 - باب غَسْلِ المَنيِّ من الثَّوْب
(3)
117 -
حدثنا أحمد بنُ مَنيعٍ، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عَمْرو بن مَيمونِ بن مِهْرانَ، عن سليمانَ بن يسارٍ
عن عائشةَ: أنها غَسَلَتْ مَنِيًّا مِن ثوبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي الباب عن ابن عبَّاسٍ
(5)
.
وحديثُ عائشةَ: أنَّها غَسَلَت مَنِيًّا من ثوبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ليس بمُخالِفٍ لحديثِ الفَرْكِ، لأنه وإنْ كان الفَركُ يُجزئُ، فقد
(1)
أخرجه مسلم وصححه ابن حبان (1380).
(2)
بل كلا الطريقين صحيح محفوظ، وهما عند مسلم في "صحيحه"(288)، وأبو معشر هذا: هو زياد بن كليب التميمي الحنظلي، وهو ثقة، ثم هو لم ينفرد به، بل تابعه غير واحد عند مسلم وغيره.
(3)
هذا العنوان ليس في شيء من أصولنا الخطية إلا في هامش (أ)، وأشار الشيخ أحمد شاكر في مطبوعته إلى أنه في نسخة الشيخ عابد السندي.
(4)
صحيح، وأخرجه البخاري (229) و (232)، ومسلم (289)، وأبو داود (373)، وابن ماجه (536)، والنسائي 1/ 156. وهو في "المسند" (24207)، و"صحيح ابن حبان" (1381).
(5)
هذه العبارة أثبتناها من (ل) و (س) ونسخة بهامش (ظ)، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية.
يُستَحَبُّ للرجلِ أن لا يُرَى على ثوبه أَثرُه.
قال ابن عباسٍ: المنيُّ بمنزلةِ المُخاطِ، فأَمِطْه عنك ولو بإذْخِرَةٍ
(1)
.
87 - باب في الجُنُبِ ينامُ قبلَ أَنْ يَغتسِلَ
118 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا أبو بكرِ بن عَيَّاشٍ، عن الأَعمشِ، عن أبي إسحاق، عن الأَسودِ
عن عائشةَ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينامُ وهو جُنُبٌ، ولا يَمَسُّ ماءً
(2)
.
(1)
الإذخر: حشيش طيب الريح، والإماطة: الإزالة.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (24161)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 125 من طريق أبي بكر بن عياش، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (1082)، والطيالسي (1397)، وأبو داود (262)، وابن ماجه (583)، والطحاوي 1/ 124، والبغوي (268) والبيهقي 1/ 201 من طريق سفيان الثوري، وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 62، وابن ماجه (583)، والطحاوي 1/ 125 من طريق أبي الأحوص، وأخرجه الطيالسي (1386) عن شعبة، وأخرجه أحمد (24706)، ومسلم في كتاب "التمييز" ص 134، والبيهقي 1/ 201 - 202 من طريق زهير بن معاوية، وأخرجه أحمد (25377)، والطحاوي 1/ 125 من طريق إسماعيل بن أبي خالد، خمستهم عن أبي إسحاق، به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ورواية شعبة وسفيان عن أبي إسحاق قبل أن يتغير، وقد صرح أبو إسحاق بسماعه من الأسود في رواية أحمد والبيهقي، ونقل الحافظ في "التلخيص" 1/ 141 تصحيحه عن الدارقطني في "العلل".
وقال البيهقي في "سننه" بعد أن أخرجه من طريق زهير: أخرجه مسلم في =
119 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا وَكيعٌ، عن سفيانَ، عن أبي إسحاق، نحوَه
(1)
.
= "الصحيح"(739) عن يحيى بن يحيى وأحمد بن يونس دون قوله: "قبل أن يمس ماء" وذلك لأن الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذةً عن غير الأسود، وأن أبا إسحاق، ربما دلَّس، فرأوها من تدليساته، واحتجوا على ذلك برواية إبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الأسود، عن الأسود بخلاف رواية أبي إسحاق، ثم ذكر بإسناده حديث إبراهيم وعبد الرحمن، ثم قال: وحديث أبي إسحاق السبيعي صحيح من جهة الرواية، وذلك أن أبا إسحاق بيَّن سماعه من الأسود في روايته زهير بن معاوية عنه، والمدلس إذا بيَّن سماعه ممن روى عنه وكان ثقة، فلا وجه لرده، ثم نقل عن أبي العباس بن سريج أنه جمع بين هذا الحديث وحديث عمر في إثبات الوضوء للجنب إذا أراد النوم: بأن عائشة إنما أرادت أنه كان لا يمس ماء للغسل، وأن حديث عمر مفسر ذكر فيه الوضوء، وتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بأن هذا الجمع مخالف لمذهب الشافعي، لأن الوضوء عنده مستحب، قال: وكان يمكنه الجمع على وجه لا يخالف مذهب إمامه، وهو أن يحمل الأمر بالوضوء على الاستحباب، وفعله عليه السلام على الجواز، فلا تعارض، ويؤيد ذلك ما في "صحيح ابن حبان"(1216)، وابن خزيمة (211) عن عمر، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم، ويتوضأ إن شاء".
قال الشيخ أحمد شاكر: وهذا الجمع هو الصواب، وإليه ذهب ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" ص 306 قال: إن هذا كله جائز، فمن شاء أن يتوضأ وضوءه للصلاة بعد الجماع ثم ينام، ومن شاء غسل يده وذكره ونام، ومن شاء نام من غير أن يمس ماء غير أن الوضوء أفضل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مرة ليدل على الفضيلة، وهذا مرة ليدل على الرخصة، ويستعمل الناس ذلك، فمن أحب أن يأخذ بالأفضل أخذ، ومن أحب أن يأخذ بالرخصة أخذ.
(1)
إسناده صحيح على شرط مسلم، وانظر ما قبله.
وهذا قولُ سعيدِ بنِ المُسَيّبِ وغيرِه
(1)
.
وقد رَوَى غيرُ واحد عن الأَسْودِ، عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّه كانَ يَتَوضَّأُ قبلَ أَنْ يَنامَ
(2)
.
وهذا أصحُّ من حديث أَبي إسحاق، عن الأسود.
وقد رَوَى عن أبي إسحاق هذا الحديثَ شُعْبةُ والثَّوريُّ وغيرُ واحدٍ، يَرَوْن هذا غَلَطًا من أبي إسحاق
(3)
.
(1)
في "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 61: عن وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ.
(2)
أخرجه مسلم (305)، وأبو داود (224)، والنسائي 1/ 138. وهو في "مسند أحمد" (24949)، وإسناده صحيح.
(3)
قال ابن سيد الناس في "شرحه" الورقة 31، بعد أن أورد كلام الترمذي: أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وسكت عنه الترمذي، فلم يحكم عليه بشيء، ولعله لِشبهة كلامِ العلماء فيه، وقد نبَّه عليه بقوله: يرون هذا غلطًا من أبي إسحاق، وقد قال يزيد بن هارون: هذا الحديث وهم، وقال سفيان الثوري: فذكرتُ الحديث يومًا - يعني حديث أبي إسحاق هذا - فقال لي إسماعيل: يا فتى، فَشُدَّ هذا الحديث بشيء، وذكر الخلال عن مهنّا: سألتُ أحمد عن حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام جنبًا، لا يمسُّ ماء، قال: ليس صحيحًا، قلت: لم؟ قال: لأن شعبةَ روى عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، قلت: من قِبل مَنْ جاء هذا الاختلاف؟ قال: من قِبل أبي إسحاق .. الحديث. ثم قال: وسألتُ أحمد بن صالح عن هذا الحديث، فقال: لا يحل أن يُروى هذا الحديثُ، قال أبو عبد الله: الحكم يرويه مثل قصة أبي إسحاق ليس عن الأسود: "الجنب يأكل" يعني أنه ليس في تلك الرواية كذا عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأسود، وأن فيها:"الجنب يأكل". قال الأثرم: وقد روى أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام قبل أن يمس ماءً، فلو لم يُخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيمُ وحده عن الأسود، كان أثبت وأعلمَ بالأسود، ثم وافق إبراهيم عبدُ الرحمن بن الأسود، ثم وافقهما فيما رويا أبو سلمة وعروةُ عن عائشة رضي الله عنها، ثم وافق ما صحَّ عن عائشة رضي الله عنها من ذلك رواية ابن عمر عن عمر، وما رُوي عن عمار وأبي سعيد، فتبيَّن أن حديثَ أبي إسحاق إنما هو وهم، وروى هشيم عن عبد الملك، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما رواه أَبو إسحاق عن الأسود، ورواية عطاء عن عائشة مما لا يحتج به إلا أن يقولَ: سمعت، ولو قال في هذا: سمعت، كانت تلك الأحاديث أقوى، وأورد الترمذي حديث الباب من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، ثم أتبعه بحديث وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، وكلاهما عنده عن هناد عنهما، وفائدة هذه المتابعة تقويةُ حديث أبي بكر بن عياش لسلامة وكيع مما طعن به على أبي بكر بن عياش. قال الترمذي: وقد روى غير واحد عن الأسود، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتوضأ قبل أن ينام، وهذا أصح من حديث أبي إسحاق، عن الأسود .. إلى آخره، قلت: من الناس من يحمل الوهم في ذلك على أبي إسحاق معتمدًا على أن عبد الرحمن بن الأسود وإبراهيم النخعي روياه عن الأسود، فخالفا أبا إسحاق، فذكرا الوضوء قبل النوم، فعارضاه، وكذلك من ذكرنا معهما في هذا الباب، وستأتي أحاديثهم في الباب بعد هذا.
ومن الناس من جمع بين الروايتين، قال الدارقطني: وقال بعضُ أهل العلم: يشبه أن يكون الخبران صحيحين، وأن عائشة قالت: ربما كان النبي صلى الله عليه وسلم قدَّم الغسل وربما آخره، كما حكى ذلك عنها غضيف بن الحارث وعبدُ الله بن أبي قيس، وغيرهما، وأن الأسود حفظ ذلك عنها، فحفظ عنه أبو إسحاق تأخير الوضوء والغسل، وحفظ عنه عبد الرحمن بن الأسود والنخعي تقديم الوضوء على =
88 - باب في الوضوءِ للجُنُبِ إذا أراد أن ينامَ
120 -
حدثنا محمد بنُ المُثنَّى، قال: حدثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن عُبَيدِ الله بن عمرَ، عن نافع، عن ابنِ عمرَ
عن عمرَ: أنَّه سأَل النبي صلى الله عليه وسلم: أَيَنامُ أَحَدُنا وهو جُنُبٌ؟ قال: "نَعَم، إِذا تَوَضَّأَ"
(1)
.
= الغسل، ويُمكن أن يقال في دفع الوهم عن أبي إسحاق: إن الثقة كأبي إسحاق إذا روى، اعتُمِدَتْ روايته إلا بعلّة بينة، والأحاديث التي ذكرها على قسمين: أحدهما: الأمر بالوضوء قبل النوم، والثاني: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فأما الأمر، فيُمكن أن يحمل على الاستحباب، ويُحمل الفعل على بيان الجواز، ولا تعارض ولا دليل على الوهم، وأما الفعل، فليس يدل على الوجوب بمجرده، ويمكن أن يكون الأمران جميعًا وقعا، فالفعلُ لبيان الاستحباب، والترك لبيان الجواز، وقد اعتضدت رواية أبي إسحاق عن الأسود، عن عائشة برواية عبد الملك عن عطاء عنها، وقد نُقِلَ ذلك عن عائشة من فتياها، قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا الفُضَيل بن دُكَين، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي مَعمَر، عن حذيفة قال: عائشة قالت: نومة قبل الغسل أوعَبُ لخروجه. وعن حُذيفة أيضًا، قال: حدثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرِّف، قال: قال حذيفة: نومة بعد الجنابة أوجبُ للغسل. وقد روت أم سَلَمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُجنِبُ ثم ينام، ثم ينتبه ثم ينام. رواه الإمام أحمد في "مسنده"(26552)، وهذا مما لم يذكره الترمذي في الباب.
(1)
صحيح، وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر عن عمر، على أنه من حديث عمر، وروي عن ابن عمر، أن عمر سأل
…
على أنه من حديث ابن عمر، وهذا مما لا يضرُّ الحديث شيئًا. =
وفي البابِ عن عَمَّارٍ، وعائشةَ، وجابرٍ، وأبي سعيدٍ، وأُمِّ سَلَمةَ.
حديثُ عمرَ أحسنُ شيءٍ في هذا البابِ وأَصَحُّ.
وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ، وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المبارَكِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، قالوا: إذا أراد الجُنُبُ أن ينامَ توضَّأَ قبلَ أن ينامَ.
89 - باب ما جاء في مُصَافَحَةِ الجنب
121 -
حدثنا إسحاق بنُ منصورٍ، قال: حدثنا يحيى بنُ سعيدٍ القَطّانُ، حدثنا حُمَيدٌ الطَّوِيلُ، عن بَكْرٍ، عن أبي رافعٍ
عن أبي هريرةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَه وهو جُنُبٌ، قال: فانْبجَسْتُ
(1)
فَاغتَسَلْتُ، ثمَّ جئتُ، فقال:"أَينَ كنتَ؟ " أَو"أَينَ ذَهَبْتَ؟ "
= وأخرجه البخاري (287) و (289)، ومسلم (306)، وابن ماجه (585)، والنسائي 1/ 139. وهو في "المسند" (94) و (4662)، و"صحيح ابن حبان" (1215).
(1)
كذا في (أ) و (ب) و (ظ) و (د) و (س) وشرح ابن سيد الناس: "فانبجست"، وهي عند البخاري (283) رواية ابن السكن والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، قال ابن العربي في "العارضة": بالنون، ثم الباء المعجمة بواحدة: بمعنى اندفعت منه، من قوله تعالى:{فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الأعراف: 160]، أي: تفجرت واندفعت، وفي هوامش (أ) و (ب) و (ظ) و (س)، وصحح عليها جميعها، وشرح المباركفوري، وهي إحدى روايات البخاري (283):"فانخنست" بنون، ثم خاء معجمة، ثم نون، ثم سين مهملة، والمعنى: مضَيت عنه مستخفيًا، ولذلك وُصِف الشيطان بالخنَّاس، وفي أخرى عند البخاري أيضًا:"انسللت"، أي: ذهبت في خفية.
قلتُ: إنِّي كنتُ جُنُبًا. قال: "إنَّ المُسلِمَ لا يَنْجُسُ"
(1)
.
وفي الباب عن حُذَيْفةَ.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رَخَّصَ غيرُ واحدٍ من أهل العلم في مصافحة الجُنُبِ، ولم يَرَوْا بِعَرَق الجنبِ والحائضِ بأسًا.
ومعنى قوله: فانبجستُ، أي: تنحَّيتُ عنه.
90 - باب ما جاء في المرأة تَرَى في المنام مِثْلَ ما يَرَى الرجلُ
122 -
حدثنا ابن أَبي عمرَ، قال: حدثنا سفيانُ بن عُيَينةَ، عن هشام بنِ عُرْوةَ، عن أَبيه، عن زينب ابنة أبي سَلَمةَ
عن أُمِّ سَلَمةَ قالت: جاءَتْ أُمُّ سُليْمٍ بنتُ مِلْحانَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله، إنَّ الله لا يَسْتَحيِي مِن الحقِّ، فهل على المرأَةِ - تعني غُسْلًا - إذا هي رَأَتْ في المَنامِ مثلَ ما يَرَى الرَّجلُ؟ قال:"نَعَم، إذا هي رَأَتِ الماءَ، فَلْتَغتَسِلْ". قالت أُمُّ سَلَمةَ: قلتُ لها: فَضحْتِ النِّساءَ يا أُمِّ سُلَيمٍ
(2)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (283) و (285)، ومسلم (371)، وأبو داود (231)، وابن ماجه (534)، والنسائي 1/ 145. وهو في "المسند" (7211)، و"صحيح ابن حبان" (1259).
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (130) و (282) و (3328) و (6091) و (6121)، =
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ عامَّة الفقهاء: أن المرأةَ إذا رَأَتْ في المنامِ مِثلَ ما يَرَى الرجلُ فأَنزَلَتْ: أن عليها الغسلَ، وبه يقول سفيانُ الثَّوْريُّ، والشافعيُّ.
وفي الباب عن أُمَّ سُلَيمٍ، وخَوْلةَ، وعائشةَ، وأَنسٍ.
91 - باب في الرجل يَستَدْفئُ بالمرأَةِ بعدَ الغُسلِ
123 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا وكيعٌ، عن حُرَيْثٍ، عن الشَّعْبيِّ، عن مَسْروقٍ
عن عائشةَ قالت: ربَّما اغتَسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن الجَنَابةِ ثمَّ جاءَ، فاسْتَدفَأَ بي، فضَمَمْتُه إِليَّ ولم أَغْتَسِلْ
(1)
.
= ومسلم (313)، وابن ماجه (600)، والنسائي 1/ 114. وهو في "المسند" (26503)، و"صحيح ابن حبان" (1165).
(1)
إسناده ضعيف لضعف حريث: وهو ابن أبي مطر، قال أبو بكر بن العربي في "شرحه" 1/ 191: حديث لم يصح ولم يستقم، فلا يثبت به شيء.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 76 - 77، وابن ماجه (580)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(2376)، ومن طريقه أبو محمد البغوي في "شرح السنة"(262) عن شريك، وأبو يعلى (4846) من طريق زكريا بن أبي زائدة، والحاكم 1/ 154 من طريق شريك وإسماعيل بن زكريا، والدارقطني 1/ 143 من طريق علي بن هاشم، والبيهقي 1/ 187 من طريق عيسى بن يونس، خمستهم عن حريث بن أبي مطر، بهذا الإسناد. وقد تحرف "حريث" في المطبوع من "شرح السنة" إلى:"حصين" فيستدرك من هنا، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، =
هذا حديثٌ ليس بإسناده بأْسٌ
(1)
.
وهو قولُ غير واحدٍ من أهل العِلْم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين: أنَّ الرجلَ إذا اغتسلَ، فلا بأْسَ بأن يَستَدفِئَ بامرأته وينام معها قبل أن تَغتَسِلَ المرأةُ، وبه يقول سفيانُ الثوريُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق
(2)
.
92 - باب التَّيمُّمِ للجُنُبِ إذا لم يَجِدِ الماءَ
124 -
حدثنا محمدُ بن بَشَّارٍ ومحمودُ بن غَيْلانَ، قالا: حدثنا أبو أحمدَ الزُّبَيريُّ، قال: حدثنا سفيانُ، عن خالد الحَذَّاءِ، عن أبي قِلابةَ، عن عَمْرِو بن بُجْدانَ
عن أبي ذَرٍّ، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الصَّعيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ المُسلِمِ، وإنْ لم يَجِدِ الماءَ عشرَ سِنينَ، فإِذا وَجَدَ الماءَ، فَلْيُمِسَّه بَشَرَتَه، فإِنَّ ذلكَ خيرٌ".
وقال محمودٌ في حديثه: "إنَّ الصَّعيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ المسلمِ"
(3)
.
= فوهما!
(1)
قلنا: قد تفرد به حريث بن أبي مطر، وهو مجمع على ضعفه عندهم، بل قال النسائي وغيرُ واحد: هو متروك، قال ابن سيد الناس بعد إيراد كلام الأئمة في حريث: ومن كان بهذه المثابة من الجرح من غير تعديل يُعارضه، ففي ارتفاع البأس عنه نظر.
(2)
انظر الآثار عن الصحابة والتابعين في جواز ذلك في "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 76.
(3)
صحيح، وأخرجه أبو داود (332) و (333)، والنسائي 1/ 171، وهو في =
وفي الباب عن أَبي هريرة، وعبد الله بن عَمْرٍو، وعِمْرانَ بن حُصَينٍ.
وهكذا رَوَى غيرُ واحد عن خالد الحذَّاءِ، عن أبي قِلابةَ، عن عَمْرو بن بُجْدانَ، عن أبي ذرّ.
وقد رَوَى هذا الحديثَ أَيُّوبُ، عن أبي قِلابةَ، عن رجلٍ من بني عامرٍ، عن أبي ذَرٍّ، ولم يُسَمِّه
(1)
.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
(2)
.
وهو قولُ عامَّةِ الفقهاءِ: أنَّ الجُنبَ والحائضَ إذا لم يَجِدَا الماءَ، تَيمَّما وصَلَّيا.
ويُرْوَى عن ابن مسعودٍ: أنه كان لا يَرى التيممَ للجنبِ، وإن لم يَجِد الماءَ.
ويُروَى عنه: أنه رَجَعَ عن قوله، فقال: يتيمَّمُ إذا لم يجدِ
= "المسند"(21371)، و"صحيح ابن حبان"(1311).
(1)
هو في "مسند أحمد"(21304)، والرجل العامري: هو عمرو بن بجدان كما سماه خالد الحذاء في الروايتين (21371) و (21568) في "المسند".
(2)
كلمة: "صحيح" لم ترد في شرحَي ابن سيد الناس والمباركفوري، وهي ثابتة عندنا في (أ) و (ب) و (د) و (ظ) و (س) ونسخة الحافظ المزي التي اعتمدها في "تحفته" 9/ 181. وقال المباركفوري 1/ 117: قد اختلفت نسخ الترمذي ها هنا، فوقع في النسخ الموجودة عندنا:"هذا حديث حسن"، وقال المنذري في "تلخيص السنن": قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال صاحب "المنتقى" بعد ذكر هذا الحديث: رواه أحمد والترمذي وصحَّحه.
الماءَ.
وبه يقولُ سفيانُ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق.
93 - باب في المُسْتحاضَةِ
125 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا وكيعٌ وعَبْدةُ وأبو معاويةَ، عن هشامِ بن عروةَ، عن أبيه
عن عائشةَ قالت: جاءَت فاطمةُ ابنةُ أبي حُبَيشٍ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله، إنَّي امرأَةٌ أُستَحاضُ فلا أَطْهُرُ، أَفأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قال: "لا، إنَّما ذلكِ عِرْقٌ وليست بالحَيضةِ
(1)
، فإذا أقبَلَتِ الحيضةُ، فدَعي الصَّلاةَ، وإِذا أدبَرتْ، فاغسِلي عنكِ الدَّمَ وصلِّي"
(2)
.
قال أبو معاوية في حديثه: "وقال: تَوَضَّئي لكلِّ صلاةٍ حتَّى
(1)
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 409: بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم، وإن كان قد اختار الكسر على إرادة الحالة، لكن الفتح هنا أظهر. وقال النووي: وهو متعين أو قريب من المتعين، لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة، ونفي الحيض، وأما قوله: فإذا أقبلت الحيضة، فيجوز فيه الوجهان معًا جوازًا حسنًا. انتهى كلامه. قال الحافظ: والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين، والله أعلم.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (228) و (306) و (320) و (325) و (331)، ومسلم (333)، وأبو داود (282) و (283) و (298)، وابن ماجه (621) و (624)، والنسائي 1/ 181 و 183 - 186. وهو في "المسند" (24145) و (25622)، و"صحيح ابن حبان" (1350).
يَجِيءَ ذلك الوقتُ"
(1)
.
وفي الباب عن أُمِّ سلمةَ.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ غير واحدٍ من أهل العِلْم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين.
وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ، ومالكٌ، وابنُ المبارَك، والشافعيُّ: أنَّ المستحاضة إذا جاوَزَتْ أيام أَقْرائها، اغتَسلَت، وتَوَضَّأَتْ لكلِّ صلاةٍ.
94 - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضَّأُ لكل صلاةٍ
126 -
حدثنا قُتيبةُ، قال: حدثنا شَريكٌ، عن أَبي اليَقْظانِ، عن عَديِّ بن ثابتٍ، عن أبيه
عن جدِّه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في المستحاضة: "تَدَعُ
(1)
زيادة أبي معاوية هذه أخرجها البخاري (228) عن محمد بن سلام، حدثنا أبو معاوية، بهذا الإسناد، وتابعه عليها حماد بن زيد عند النسائي 1/ 185، وحماد بن سلمة عند الدارمي (779)، وأبو حمزة السكري عند ابن حبان (1354)، وأبو عوانة عنده أيضًا (1355).
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 409: وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض، وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث، فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله:"ثم توضئي لكل صلاة" وبهذا قال الجمهور، وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة، فلها أن تُصلي به الفريضة الحاضرة، وما شاءت من الفوائت، ما لم يخرج وقت الحاضرة.
الصَّلاةَ أَيامَ أَقْرائِها الَّتي كانت تَحِيضُ فيها، ثمَّ تَغْتَسِلُ، وتَتَوضَّأُ عند كُلِّ صلاةٍ، وتَصومُ وتُصلِّي"
(1)
.
127 -
حدثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، قال: أخبرنا شَرِيكٌ، نحوَه بمعناه
(2)
.
هذا حديثٌ قد تَفرَّدَ به شَريكٌ عن أبي اليَقْظانِ.
وسألتُ محمدًا عن هذا الحديث، فقلتُ: عَديُّ بنُ ثابت عن أَبيه، عن جدِّه، جَدُّ عديٍّ ما اسمُه؟ فلم يعرف محمدٌ اسمه، وذكرتُ لمحمدٍ قولَ يحيى بن مَعينٍ: إن اسمه دِينارٌ، فلم يَعْبَأْ به.
وقال أحمدُ وإسحاق في المستحاضةِ: إِن اغتَسلَت لكلِّ صلاة هو أَحْوطُ لها، وَإِنْ تَوَضَّأَتْ لكلِّ صلاة أَجْزأَها، وَإِنْ جَمَعَتْ بين الصَّلاتين بغُسلٍ أَجْزأَها.
95 - باب في المستحاضة أنَّها تَجْمعُ بين الصلاتين بغُسلٍ واحدٍ
128 -
حدثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قال: حدثنا أبو عامر العَقَدِيُّ، قال:
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - سيئ الحفظ، وأبو اليقظان - واسمه عثمان بن عمير - ضعيف، ووالد عدي مجهول الحال. وهو في "العلل الكبير" للمصنف 1/ 185.
وأخرجه الدارمي (793)، وأبو داود (297)، وابن ماجه (625)، والطحاوي 1/ 102، والبيهقي 1/ 116 من طرق عن شريك، بهذا الإسناد.
ويشهد له حديث عائشة السالف.
(2)
صحيح لغيره كسابقه، وانظر تخريجه فيه.
حدثنا زُهيرُ بن محمدٍ، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عن إِبراهيم بن محمد بن طَلْحة، عن عَمَّه عِمرانَ بن طَلْحةَ
عن أُمِّهِ حَمْنةَ ابنة جَحْشٍ
(1)
قالت: كُنْتُ أُسْتحاضُ حَيضةً كثيرةً شديدةً، فأَتَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْتَفْتيه وأُخْبرُه، فوَجَدْتُه في بيت أُختي زينبَ بنتِ جَحْشٍ، فقلت: يا رسولَ الله، إِنِّي أُسْتَحاضُ حَيْضةً كثيرةً شديدةً، فما تَأْمُرُني فِيهَا، قد مَنَعَتْني الصِّيامَ والصَّلاةَ؟ قال:"أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ، فإِنَّه يُذْهِب الدَّمَ". قالت: هو أَكثرُ مِن ذلك. قال: "فتَلَجَّمِي". قالت: هو أكثرُ مِن ذلك، قال:"فاتَّخِذي ثَوبًا". قالت: هو أَكثرُ من ذلك، إِنَّما أَثُجُّ ثَجًّا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"سآمُرُكِ بأَمرَينِ: أيَّهما صَنَعْتِ أجزَأَ عنكِ، فإِنْ قَوِيتِ عليهما فأَنتِ أعلمُ". فقال: "إنَّما هي رَكْضَةٌ من الشَّيطانِ، فتَحَيَّضِي سِتَةَ أَيَّامٍ أو سَبْعةَ أَيَّامِ، في عِلم اللهِ، ثُمَّ اغتَسِلي، فإذا رأَيتِ أنَّكِ قد طَهُرْتِ واستَنْقأْتِ، فصلِّي أَربعًا
(2)
وعشرينَ ليلةً، أو ثلاثًا
(3)
وعشرينَ ليلةً، وأيَّامَها، وصُومي وصلِّي، فإِنَّ ذلك يُجْزِئُكِ، وكذلكِ فَافْعَلي، كما تَحِيضُ النِّساءُ وكما يَطْهُرْنَ، لمِيقاتِ حَيْضهنَّ وطُهْرِهنَّ، فإِنْ قَوِيتِ على أَنْ تُؤخِّري الظُّهرَ وتُعَجِّلي العصرَ، ثمَّ تَغتَسِلينَ حين تَطْهُرِينَ، وتُصَلِّينَ الظُّهرَ
(1)
هي أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي زوجة الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة.
(2)
في الأصول: "أربعة"، والجادة ما أثبتنا.
(3)
في الأصول: "ثلاثة"، والجادة ما أثبتنا.
والعصرَ جميعًا، ثمَّ تُؤَخِّرِينَ المغربَ، وتُعجِّلِينَ العِشاءَ، ثمَّ تَغتَسِلينَ، وتَجمَعِينَ بين الصَّلاتَينِ، فافْعَلي، وتغتَسِلينَ مع الصُّبْحِ وتُصَلِّينَ، وكذلك فَافْعلي، وصُومي إِنْ قَوِيتِ على ذلك". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وهو أعجَبُ الأمرَينِ إليَّ"
(1)
.
(1)
إسناده ضعيف، عبد الله بن محمد بن عقيل، ضعيف يعتبر به في المتابعات، ولم يتابع عليه. وأخرجه أبو داود (287)، وابن ماجه (622) و (627). وهو في "المسند"(27144) و (27474)، و"شرح مشكل الآثار"(2717).
"الكُرسف": هو القطن، كأنه ينعته لها لتحتشي به، فيمنع نزول الدم، ثم يقطعه.
"فتلجَّمي": قال القاضي أبو بكر بن العربي: كلمة غريبة لم يقع لي تفسيرها في كتاب، وإنما أخذتها استقراءً، قال الخليل: اللجام معروف. أخذناه من هذا، كأن معناه: افعلي فعلًا يمنع سيلانه واسترساله، كما يمنع اللجام استرسال الدابة.
وقال ابن الأثير في "النهاية": أي: اجعلي موضع خروج الدم عصابة تمنع الدم تشبيهًا بوضع اللجام في فم الدابة.
وقولها: "أثجُّ ثجًّا" الثجُّ: صب الدم وسيلانه بشدة.
وقوله: "إنما هي ركضة من الشيطان" قال ابن الأثير في "النهاية" 2/ 259: أصل الرَّكْض: الضرب بالرجل والإصابة بها، كما تُركض الدابة وتصاب بالرّجل، أراد الإضرار بها والأذى، والمعنى: أن الشيطان قد وَجد بذلك طريقًا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطُهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتَها.
وقوله: "فتحيَّضي" قال في "النهاية": تحيضت المرأة إذا قعدت أيام حيضها تنتظر انقطاعه، أراد: عُدِّي نفسك حائضًا، وافعلي ما تفعل الحائض، وإنما خصَّ الست والسبع؛ لأنهما الغالب على أيام الحيض.
وقوله: "واستنقأت" قال العلامة القاري في "المرقاة" 1/ 382: قال في "المغرب": الاستنقاء مبالغة في تنقية البدن قياس، ومنه قوله: إذا رأيت أنك طهرت واستنقيت، والهمزة فيه خطأ انتهى قال: وهو في النسخ كلها (يعني نسخ المشكاة) =
ورواه عُبَيدُ الله بنُ عَمرٍو الرَّقِّيُّ، وابنُ جُرَيجٍ، وشَريكٌ، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عن إبراهيمَ بن محمدِ بن طَلْحةَ، عن عَمِّه عِمرانَ، عن أُمِّهِ حَمْنةَ، إلَّا أنَّ ابنَ جُرَيجٍ يقول:"عمرُ بنُ طَلْحةَ"، والصحيح:"عِمران بنُ طَلْحةَ".
وسأَلتُ محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديثٌ حسنٌ
(1)
.
وهكذا قال أَحمدُ بن حنبلٍ: هو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
(2)
.
وقال أحمدُ وإسحاقُ في المستَحاضةِ: إذا كانت تعرفُ حَيْضَها بإقْبالِ الدَّم وإدبارِه، وإقبالُه أَنْ يكونَ أَسْودَ، وإدبارُه أن يَتَغيَّرَ إلى
= بالهمز مضبوط، فيكون جرأة عظيمة من صاحب "المغرب" بالنسبة إلى العدول الضابطين الحافظين مع إمكان حمله على الشذوذ، إذ الياء من حروف الإبدال، وقد جاء "شئمة" مهموز بدل من "شيمة" شاذًا على ما في "الشافية". قال الشيخ أحمد شاكر: والذي قاله العلامة ملا علي القاري في "شرح المشكاة" جيد وصواب إلا في حمل الحرف على الشذوذ، فإنه ليس شاذًا، بل هو استعمال جائز ومسموع إذ إن همز ما ليس بمهموز كثير في كلام العرب
…
(1)
في مطبوع أحمد شاكر: "حسن صحيح".
(2)
نص كلام الترمذي في "علله الكبير" 1/ 187 - 199: قال محمد: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة: هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، ولا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح.
قلنا: شكُّ البخاري في سماع ابن عقيل من إبراهيم بن محمد بن طلحة يمكن أن يُجاب عنه كما قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" 1/ 339: بأن ابن عقيل سمع من ابن عمر وجابر وأنس وغيرهم، وهم نظراء شيوخ إبراهيم، فكيف يُنكر سماعه منه؟!
الصُّفْرة، فالحُكمُ لها
(1)
على حديث فاطمةَ بنتِ أَبي حُبَيْشٍ، وإنْ كانتِ المستحاضةُ لها أيام معروفةٌ قبلَ أَنْ تُسْتَحاضَ، فإنها تَدَعُ الصلاةَ أيامَ أقْرائها، ثم تغتسلُ وتَتوضأُ لِكُلَّ صلاةٍ وتصلِّي، وإذا استَمَرَّ بها الدَّمُ ولم يكن لها أيامٌ معروفةٌ، ولم تَعْرِف الحَيْضَ بإِقْبالِ الدَّمِ وإدْبارِه، فالحُكمُ لها على حديث حَمْنةَ بنتِ جَحْشٍ
(2)
.
وقال الشافعيُّ: المستحاضةُ إذا استَمرَّ بها الدمُ في أوَّلِ ما رأَتْ فدامت على ذلك، فإنها تَدَعُ الصلاةَ ما بينها وبين خمسةَ عشرَ يومًا، فإذا طَهُرَتْ في خمسةَ عشرَ يومًا، أو قبلَ ذلك، فإنها أَيَّامُ حَيْضٍ، فإذا رأت الدَّمَ أكثر من خمسةَ عشرَ يومًا، فإنها تَقْضِي صلاةَ أربعة عشر يومًا، ثم تَدَعُ الصلاة بعد ذلك أقلَّ ما تَحِيضُ النساءُ، وهو يوم وليلة.
واختلف أهلُ العلم في أَقَلِّ الحيضِ وأكثَرِه:
فقال بعضُ أهل العلم: أَقَلُّ الحيضِ ثلاثةٌ، وأكثرُه عشرَةٌ، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ وأهلِ الكوفةِ، وبه يأْخُذُ ابن المباركِ، ورُويَ عنه خلافُ هذا.
وقال بعضُ أهلِ العلم، منهم عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ: أقَلُّ الحيض يومٌ، وأكثره خمسةَ عَشَرَ، وهو قولُ الأوزاعيِّ، ومالك، والشافعيِّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي عُبيد.
(1)
علق عليها في هامش (أ): "الصواب: فيها".
(2)
زاد بعد هذا في مطبوع الشيخ أحمد شاكر: "وكذلك قال أبو عُبيد".
96 - باب ما جاءَ في المستحاضةِ أنَّها تغتَسِلُ عند كُلَّ صلاةٍ
129 -
حدثنا قُتَيبةُ، قال: حدثنا اللَّيثُ، عن ابن شِهابٍ، عن عروةَ
عن عائشة أنها قالت: اسْتَفتَت أُمُّ حَبيبةَ ابنةُ جَحْشٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنَّي أُستَحاضُ فلا أَطْهُرُ، أَفأَدَعُ الصَّلاةَ؟ فقال:"لا، إنَّما ذلك عِرْقٌ، فاغتَسِلي ثُمَّ صَلِّي". فكانت تغْتسِلُ لِكُلِّ صلاةٍ.
قال قتيبةُ: قال الليثُ: لم يَذكرِ ابنُ شهابٍ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَّ حَبِيبةَ أن تغتسِلَ عندَ كُلِّ صلاةٍ، ولكنه
(1)
شيءٌ فَعَلَتْه هِي
(2)
.
ويُروى هذا الحديثُ عن الزُّهرِيِّ، عن عَمْرةَ، عن عائشةَ قالت: استَفْتَتْ أُمُّ حَبيبةَ بنتُ جَحْشٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
(4)
.
وقد قال بعضُ أهل العلم: المستحاضةُ تغتسلُ عند كل صلاةٍ.
(1)
وقع في الأصول الخطية التي بين أيدينا: "ولكنها"، والجادة ما أثبتنا.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (327)، ومسلم (334)، وأبو داود (279) و (285) و (288) و (290 - 292)، وابن ماجه (626)، والنسائي 1/ 117 - 121 و 183. وهو في "المسند" (24523)، و"صحيح ابن حبان" (1353).
قال الإمام الشافعي في "الأم" 1/ 53 - 54: إنما أمرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة .. ولا أشك - إن شاء الله تعالى - أن غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به، وذلك واسع لها.
(3)
قوله: "رسول الله صلى الله عليه وسلم" أثبتناه من (ل)، والنسخة التي شرح عليها ابن سيد الناس، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية.
(4)
أخرجه مسلم (334)، والنسائي 1/ 121 و 183. وهو في "مسند أحمد" (25544)، و"صحيح ابن حبان" (1351)، و"شرح مشكل الآثار" (2738).
ورَوى الأوزاعيُّ عن الزهرِيِّ، عن عُرْوةَ وعَمْرةَ، عن عائشةَ
(1)
.
97 - باب ما جاءَ في الحائض أنَّها لا تَقْضي الصلاةَ
130 -
حدثنا قُتيبةُ، قال: حدثنا حمَّادُ بنُ زيدٍ، عن أيُّوبَ، عن أَبي قِلابةَ، عن مُعاذةَ
أنَّ امرأَةً سأَلتْ عائشةَ، قالت: أتَقْضي إحدانا صلاتَها أَيَّامَ مَحيضِها؟ فقالت: أَحَرُورِيَّةٌ أنتِ
(2)
! قد كانت إحدانا تَحِيضُ، فلا تُؤمَرُ بِقضاءٍ
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد (24538) وابن ماجه (626)، والنسائي 1/ 117 و 118 - 119 من طرق عن الأوزاعي، بهذا الإسناد.
(2)
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 422: الحروري منسوب إلى حَرُوراء، بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضًا: على ميلين من الكوفة، والأشهر أنها بالمد، قال المبرد: النسبة إليها حروراوي، وكذا كل ما كان في آخره ألف تأنيث ممدودة، ولكن قيل: الحروري بحذف الزوائد، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج: حروري، لأن أول فرقة مهم خرجوا على عليًّ بالبلدة المذكورة، فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم: الأخذ بما دلَّ عليه القرآن، ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقًا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار، وزاد مسلم في رواية عاصم، عن معاذة: فقلت: لا، ولكني أسأل. أي: سؤالًا مجردًا لطلب العلم لا للتعنت، وفهمت عائشةُ عنها طلب الدليل، فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل.
(3)
صحيح، وأخرجه البخاري (321)، ومسلم (335)، وأبو داود (262) و (263)، وابن ماجه (631)، والنسائي 1/ 191 - 192 و 4/ 191. وهو في "المسند" (24036)، و"صحيح ابن حبان" (1349).
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُويَ عن عائشةَ مِن غير وَجْهٍ: أنَّ الحائضَ لا تَقْضي الصَّلاةَ.
وهو قولُ عامَّةِ الفقهاءِ، لا اختلافَ بينهم في أن الحائِضَ تَقْضي الصَّومَ، ولا تَقْضي الصَّلاةَ.
98 - باب ما جاءَ في الجُنُب والحائض أنهما لا يَقرآن القُرآنَ
131 -
حدّثنا عليُّ بن حُجْرٍ والحسنُ بنُ عَرَفةَ، قالا: حدثنا إسماعيل بنُ عَيَّاشٍ، عن موسى بنِ عُقْبةَ، عن نافعٍ
عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تَقْرأ الحائضُ ولا الجُنُبُ شيئًا من القُرَآنِ"
(1)
.
(1)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلِّطٌ في غيرها، وهذا الحديث من روايته عن غير أهل بلده، فهو حمصي وموسى بن عقبة مدني.
وأخرجه الدارقطني 1/ 117، والبيهقي 1/ 89 و 309 من طرق عن الحسن بن عَرَفة، بهذا الإسناد. وقال البيهقي: ليس هذا بالقويِّ.
وأخرجه ابن ماجه في "السنن"(595)، وأبو الحسن القطان (راوي سنن ابن ماجه) في زوائده على "السنن"(596)، والطحاوي 1/ 88، والدارقطني 1/ 117 من طرق عن إسماعيل بن عياش، به.
وأخرجه الدارقطني 1/ 118 من طريق محمد بن إسماعيل الحسَّاني، عن رجل، عن أبي معشر، عن موسى بن عقبة، به. وهذا سند ضعيف، وضعفه الحافظ في "التلخيص" 1/ 138. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه الدارقطني 1/ 117 من طريق عبد الملك بن مسلمة، عن مغيرة بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، به. وهذا سند ضعيف أيضًا، عبد الملك بن مسلمة نقل الحافظ في "لسان الميزان" 4/ 68 عن ابن يونس أنه قال فيه: منكر الحديث. وقال ابن حبان في "المجروحين" 2/ 134: شيخ يروي عن أهل المدينة المناكير الكثيرة التي لا تخفى على مَن عُني بعلم السنن. وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 5/ 371 عن أبيه: هو مضطرب الحديث ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي منكر الحديث.
ونقل ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 49 عن أبيه، قال: هذا خطأ، إنما هو عن ابن عمر قوله.
وفي الباب عن علي، وسنده حسن، وسيرد عند المؤلف برقم (146).
وعن عبد الله بن رواحة أخرجه يعقوب بن سفيان في "تاريخه" 1/ 259 عن أبي نعيم، والدارقطني 1/ 120 من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما عن زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، قال: قال عبد الله بن رواحة: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحد منا القرآن وهو جنب. زمعة بن صالح ضعيف، وعكرمة عن ابن رواحة منقطع.
وعن عبد الله بن مالك الغافقي، ويقال: مالك بن عبادة، أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 88 من طريق عمرو بن خالد وابن بكير، والدارقطني 1/ 119 من طريق أبي الأسود وسعيد بن عفير، والبيهقي 1/ 89 من طريق ابن وهب، خمستهم عن عبد الله بن لهيعة، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة بن أبي الكنود، عن عبد الله الغافقي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمر بن الخطاب:"إذا توضأتُ وأنا جنب، أكلتُ وشربتُ، ولا أُصلي ولا أقرأ حتى أغتسلَ". وهذا سند حسن في الشواهد، فإن رواية ابن وهب عن ابن لهيعة قوية، وعبد الله بن سليمان هو البكري، روى عنه اثنان، وأورده ابن أبي حاتم 5/ 75، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وثعلبة بن أبي الكود روى عنه ثلاثة، وذكره ابن حبان في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= "الثقات" 4/ 99.
وأخرج ابن أبي شيبة 1/ 102، وعبد الرزاق (1307) من طرق عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن عَبِيدة السلماني، عن عمر قال: لا يقرأ الجنب القرآن. ولفظ عبد الرزاق: كان عمر بن الخطاب يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب. وإسناده صحيح على شرطهما.
وأخرج ابن أبي شيبة 1/ 102، وعبد الرزاق (1306)، والدارقطني 1/ 118، والبيهقي 1/ 89 من طرق عن عامر بن السِّمْط، حدثنا أبو الغريف الهمداني، قال: كنا مع علي في الرحبة، فخرج إلى أقصى الرحبة، فوالله ما أدري أَبَوْلًا أحدث أو غائطًا، ثم جاء فدعا بكوزٍ من ماء فغسل كفيه، ثم قبضهما إليه، ثم قرأ صدرًا من القرآن، ثم قال: اقرؤوا القرآن ما لم يُصب أحدَكم جنابةٌ، فإن أصابته جنابة، فلا ولا حرفًا واحدًا. لفظ الدارقطني، وعامر بن السمط ثقة، وثقه يحيى بن سعيد والنسائي وابن حبان، وأبو الغريف - واسمه عبيد الله بن خليفة الهمداني - روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات" 5/ 68 - 69 وكان على شرطة علي، وقال الدارقطني بعد أن أخرجه: هو صحيح عن علي.
وأخرج ابن أبي شيبة 1/ 102 عن غندر، عن شعبة، عن حماد، عن إبراهيم: أن ابن مسعود كان يمشي نحو الفرات وهو يقرئ رجلًا، فبال ابن مسعود، فكفَّ الرجل عنه، فقال ابن مسعود: ما لك؟ قال: إنك بلتَ. فقال ابن مسعود: إني لست بجنبٍ. رجاله ثقات رجال الصحيح إلا أن رواية إبراهيم - وهو ابن يزيد النخعي - عن ابن مسعود مرسلة، ولكن قبل العلماء مراسيله عن ابن مسعود، لأنه قال: إنه كان إذا أرسل، فقد حدثه به غير واحد عنه. انظر "شرح علل الترمذي" للحافظ ابن رجب 1/ 294.
وأخرج ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 97 عن ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير أنه سأل جابرًا عن المرأة الحائض والنفساء هل تقرأ شيئًا من القرآن؟ فقال جابر: لا. وهذا سند حسن، وابن لهيعة رواية =
وفي البابِ عن عليٍّ.
حديثُ ابنِ عمرَ حديثٌ لا نعرفُه إلَّا من حديث إسماعيل بن عَيَّاشٍ، عن موسى بنِ عُقْبةَ، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَقْرأ الجنبُ ولا الحائضُ".
وهو قولُ أَكثرِ أهلِ العِلمِ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم والتَّابِعِين ومَن بَعدَهم، مِثلِ: سفيانَ الثوريِّ، وابنِ المباركِ، والشافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاق، قالوا: لا تقرأ الحائضُ ولا الجنبُ من القرآنِ شيئًا، إلَّا طَرَفَ الآية والحَرْفَ ونحوَ ذلك، ورَخَّصوا للجنبِ والحائض في التَّسْبيح والتَّهْليلِ.
= العبادلة عنه ومنهم ابن وهب مقبولة عند أهل العلم.
وأخرج ابن أبي شيبة 1/ 102 عن ابن مهدي، عن سفيان، عن إبراهيم بن المهاجر، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: لا يقرأ الجنب. رجاله ثقات غير إبراهيم بن المهاجر، ففيه لين.
وأخرج أيضًا عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: لا يقرأ الجنب القرآن، وإسناده صحيح.
وفيه، وفي سنن الدارمي (991) عن شريك، عن فراس، عن عامر، قال: الجنب والحائض لا يقرآن القرآن. وسنده حسن.
وفيه عن غندر، عن شعبة، عن سيار، عن أبي وائل، قال: لا يقرأ الجنب والحائض القرآن. واسناده صحيح، وانظر الدارمي (998).
وأخرج عبد الرزاق (1302) عن معمر، قال: سألت الزهري عن الحائض والجنب: أيذكران الله؟ قال: نعم. قلت: أفيقرآن القرآن؟ قال: لا. قال معمر: وكان الحسن وقتادة يقولان: لا يقرآن شيئًا من القرآن.
قال: وسمعتُ محمدَ بن إسماعيل يقولُ: إِنَّ إسماعيلَ بنَ عَيَّاشٍ يَرْوي عن أهل الحجازِ وأهل العراق أحاديثَ مناكِيرَ، كأَنَّه ضَعَّفَ روايته عنهم فيما يتفرَّدُ به، وقال: إنَّما حديثُ إسماعيل بنِ عَيَّاشٍ عن أهلِ الشامِ.
وقال أحمدُ بن حنبلٍ: إسماعيل بنُ عَيَّاشٍ أَصلَحُ من بَقِيَّةَ، ولبَقِيَّةَ أحاديثُ مَناكيرُ عن الثِّقات.
حدثني بذلك أحمدُ بن الحسنِ قال: سمعتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ يقول ذلك
(1)
.
99 - باب ما جاء في مُباشَرةِ الحائضِ
132 -
حدثنا بُنْدارٌ، قال: حدثنا عبدُ الرَّحمن بنُ مَهْديٍّ، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن الأَسودِ
عن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حِضْتُ يَأْمُرُني أَنْ أَتَّزِرَ، ثم يُباشِرُني
(2)
.
وفي الباب عن أُمِّ سَلَمةَ، ومَيْمونَةَ.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(1)
في (أ) و (ظ) و (د) و (س): "سمعت أحمد بن حنبل بذلك"، والمثبت من (ب) وشرح ابن سيد الناس.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (300) و (302)، ومسلم (293)، وأبو داود (268) و (273)، وابن ماجه (635) و (636)، والنسائي 1/ 151 و 189. وهو في "المسند" (24046) و (25563)، و"صحيح ابن حبان" (1364).
وهو قولُ غير واحدٍ من أهل العِلْم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ، وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
100 - باب ما جاء في مُواكَلةِ الحائضِ وسُؤْرِها
133 -
حدثنا عبَّاسٌ العَنْبرِيُّ ومحمدُ بنُ عبد الأَعلى، قالا: حدثنا عبدُ الرحمن بن مَهْديٍّ، قال: حدثنا معاويةُ بن صالحٍ، عن العلاءِ بن الحارثِ، عن حَرَامِ بن معاويةَ
(1)
.
عن عَمِّه عبدِ الله بن سَعْد قال: سَأَلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن مُواكَلَةِ الحائضِ، فقال:"واكِلْها"
(2)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وأَنسٍ
(3)
.
(1)
هكذا وقع في جميع نسخنا الخطية، و"تحفة الأحوذي"، والنسخة التي شرح عليها ابن سيّد الناس، وهو حرام بن حكيم بن خالد بن سعد بن الحكم الأنصاري، وقد اختلف في اسم أبيه على معاوية بن صالح، قال ابن سيد الناس: وحرام هذا ينسب إلى معاوية، وينسب أيضًا إلى حرام بن حكيم بن خالد بن سعد بن حكم الأنصاري، وسبب ذلك: الاختلاف على معاوية بن صالح في حديثه، فيقول عنه ابن وهب وبكر ابن سهل: حرام بن حكيم، ويقول عنه ابن مهدي: حرام بن معاوية كما ذكرناه. وقد جعل هذا ترجمتين البخاريُّ في "تاريخه"، وتبعه ابن أبي حاتم والدارقطني، ونبه على صواب ذلك الخطيب.
وقال الحافظ في "التقريب": وهو حرام بن معاوية، كان معاوية بن صالح يقوله على الوجهين، ووهم من جعلهما اثنين.
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (212)، وابن ماجه (651). وهو في "المسند"(19008) و (22505).
(3)
حديث عائشة عند أحمد (24328)، ومسلم (300) قالت: كنت أشرب =
حديثُ عبد الله بن سعدٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وهو قولُ عامَّةِ أهل العلم: لم يَرَوْا بمُواكلةِ الحائضِ بأسًا
(1)
.
واختلفوا في فَضْلِ وَضُوئها: فرَخَّصَ في ذلك بعضهم، وكَرِهَ بعضهم فَضْلَ طَهورِها.
101 - باب ما جاءَ في الحائض تتناولُ الشيءَ من المسجد
134 -
حدثنا قُتَيبةُ، قال: حدثنا عَبِيدةُ بنُ حُميدٍ، عن الأعمشِ، عن
= وأنا حائض، ثم أُناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ، فيشرب، وأتعرَّق العَرْق (هو العظم الذي عليه بقية من لحم) وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ، وصححه ابن حبان (1293) و (1360) و (1361).
وحديث أنس عند أحمد (12354)، ومسلم أيضًا (302): أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت (يعني لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد) فسأل أصحاب النبي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح"، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(1362).
(1)
وقال ابن سيد الناس في "شرحه" ورقة 46/ 1: وهذا مما أجمع الناس عليه، قال العلماء: لا يكره مضاجعةُ الحائض، ولا قُبْلتُها، ولا الاستمتاع بها فيما فوق السُّرة وتحت الركبة، ولا يكره وضع يدها في شيء من المائعات، ولا يكره غسلُها رأسَ زوجها، أو غيره من محارمها، وترجيله، ولا يكره طبخها ولا عجنها، ولا غير ذلك من الصنائع، وسؤرها وعرقها طاهران، وكلُّ هذا متَّفقٌ عليه، وقد نقل الإمامُ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه في مذاهب العلماء إجماعَ المسلمين على هذا كلِّه.
ثابتِ بن عُبَيدٍ، عن القاسم بن محمدٍ، قال:
قالت عائشةُ: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نَاوِلِيني الخُمْرةَ من المسجد" قالت: قلت: إنِّي حائضٌ. قال: "إنَّ حَيْضَتَكِ ليست في يَدِكِ"
(1)
.
وفي الباب عن ابن عمرَ، وأَبي هريرةَ.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ
(2)
وهو قولُ عامة أهل العِلْم، لا نعلمُ بينهم اختلافًا في ذلك: بأَنْ لا بأَسَ أن تتناول الحائضُ شيئًا من المسجدِ.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (298)، وأبو داود (261)، وابن ماجه (632)، والنسائي 1/ 146 و 192. وهو في "المسند" (24184)، و"صحيح ابن حبان" (1357).
"الخُمْرة": هي السجادة يسجدُ عليها المصلي، يقال: سُميت خمرة، لأنها تُخمر وجه المصلي عن الأرض، أي: تستره.
وقوله: "إن حَيضتك": بفتح الحاء المهملة، قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" 1/ 217: كذا ضبطه الرواة والفقهاء بفتح الحاء، وزعم أبو سليمان الخطابي أن صوابه بكسر الحاء كالقعدة والجلسة، يريد حالة الحيض أو الاسم، قال القاضي رحمه الله: والذي عندي أن الصواب ما عند الجماعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى عن يدها الحيض الذى هو الدم والنجاسة التي يجب تجنبها واستقذارها، فأما حكم الحيض وحالتها التي تتصف بها المرأة، فلازم ليدها وجميعها، وإنما جاءت الفِعلة في هيئات الأفعال كالقعدة والجلسة، لا في الأحكام والأحوال.
(2)
زاد هنا في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر: "صحيح"، وهي في نسخة المباركفوري، وأضيفت في (س) بخط مغاير، وهي ليست في باقي أصولنا الخطية المعتمدة، ولا في نسختي ابن سيد الناس والمزي.
102 - باب ما جاءَ في كراهيةِ إتْيانِ الحائضِ
135 -
حدثنا بُنْدارٌ، قال: حدثنا يحيى بنُ سعيدٍ وعبدُ الرحمن بن مَهْديٍّ وبَهْزُ بن أَسدٍ، قالوا: حدثنا حمادُ بنُ سَلَمةَ، عن حَكِيم الأَثْرمِ، عن أبي تَمِيمةَ الهُجَيْميِّ
عن أبي هريرةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَن أتَى حائضًا، أو امرأةً في دُبُرِها، أو كاهِنًا، فقد كَفَرَ بما أُنزِلَ على مُحمَّدٍ"
(1)
.
(1)
حديث صحيح دون قوله: "حائضًا" وهذا إسناد حسن، حكيم الأثرم وثقه ابن المديني وأبو داود، وقال النسائي: لا بأس به، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (3904)، وابن ماجه (639)، والنسائي في "الكبرى"(8967). وهو في "المسند"(9290) و (9536).
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"، ومن طريقه الحاكم 1/ 8 بلفظ:"من أتى عرافًا، أو كاهنًا، فصدقه فيما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد" وإسناده صحيح، وقال الحافظ العراقي في "أماليه": حديث صحيح، ورواه عن الحاكم البيهقي في "سننه"، فقال الذهبي في "مختصره": إسناده قوي.
وأخرج أحمد (7684)، وأبو داود (2162)، وابن ماجه (1923)، والنسائي في "الكبرى"(8966) من طريق سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلد، عن أبي هريرة بلفظ:"ملعون من أتى امرأته في دُبرها" وإسناده حسن في الشواهد.
ولقوله: "من أتى امرأة
…
فقد كفر بما أنزل على محمد" شاهد من حديث ابن عباس عند الترمذي (1165)، والنسائي في "الكبرى" (8952)، وصححه ابن حبان (4202).
وآخر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد (6706)، والنسائي في "الكبرى"(8947) وإسناده حسن.
ومن حديث خزيمة بن ثابت عند أحمد (21858)، والنسائي في "الكبرى" =
لا نعرفُ هذا الحديثَ إلَّا من حديثِ حَكيمٍ الأثرمِ، عن أبي تَميمةَ الهُجَيْميِّ، عن أبي هريرة.
وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التَّغليظ.
وقد رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أتى حائضًا فَلْيتصَدَّقْ بدينارٍ"
(1)
.
فلو كان إتيانُ الحائض كُفْرًا، لم يُؤمَرْ فيه بالكفَّارةِ
(2)
= (8933) ورجاله ثقات.
ومن حديث جابر بن عبد الله عند الطبراني في "الأوسط"(7718) وإسناده حسن.
ولقوله: "من أتى كاهنًا، فقد كفر بما أنزل على محمد" شاهد من حديث جابر بن عبد الله عند البزار (3045 - كشف الأستار) عن عقبة بن سنان، حدثنا غسان بن مضر، حدثنا سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره. وهذا إسناد صحيح، عقبة بن سنان ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ونقل عن أبيه قوله: صدوق، ووثقه الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار"(1171)، وباقي السند رجاله ثقات.
وآخر من حديث عمران بن حصين عند البزار (3044 - كشف الأستار)، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح خلا أبي حمزة العطار - واسمه إسحاق بن الربيع - وهو ثقة، وقال فيه البزار نفسه بإثر الحديث: لا بأس به.
(1)
سيأتي عند المصنف من حديث ابن عباس برقم (136) و (137)، ويأتي تخريجه هناك.
(2)
قلنا: وليس في هذا تعارض، فإن الكفر يُحمل على ظاهره فيمن يفعل ذلك مستحلًّا له كما قيل في نظائره، ويُؤوَّل في حق غير المستحلِّ بكفران النعمة، فيكون إطلاق الكفر عليه من باب التغليظ والتشديد كما قال المؤلف، وهو ما =
وضَعّفَ محمدٌ هذا الحديثَ من قِبَل إسناده.
وأبو تَميمةَ الهُجَيْمي اسمُه: طَريفُ بنُ مُجالدٍ.
103 - باب ما جاء في الكَفَّارةِ في ذلك
136 -
حدثنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: حدثنا شَريكٌ، عن خُصَيفٍ، عن مِقْسمٍ
عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرَّجلِ يَقَعُ على امرأَتِه وهي حائضٌ، قال:"يَتَصدَّقُ بنِصْف دينارٍ"
(1)
.
137 -
حدثنا الحُسَين بن حُرَيْثٍ، قال: حدثنا الفَضْلُ بن موسى، عن أبي حَمْزةَ السُّكَّرِي، عن عبد الكريمِ، عن مِقْسمٍ
عن ابن عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كانَ دمًا أحمرَ فدِينارٌ، وإذا كانَ دمًا أَصفَرَ فنصفُ دينارٍ"
(2)
.
= يُطلِقُ عليه بعض أهل العلم: الكفر العملي الذي لا يخرج صاحبه عن المِلَّة.
(1)
إسناده ضعيف، شريك - وهو ابن عبد الله القاضي -، وكذا خصيف - وهو ابن عبد الرحمن الجزري -، كلاهما سيء الحفظ، وأخرجه أبو داود (264) و (266) و (2168)، وابن ماجه (640)، والنسائي في "المجتبى" 1/ 153 و 188، وهو في "المسند"(2032) و (2458).
وأخرجه عبد الرزاق (1261)، ومن طريقه النسائي في "الكبرى"(9050) عن معمر، عن خُصيف، بهذا الإسناد موقوفًا على ابن عباس.
(2)
أخرجه النسائي في "الكبرى"(9066)، والصواب وقفه كسابقه. وهو في "المسند"(3473)، وانظر تمام الكلام عليه فيه.
حديثُ الكَفَّارةِ في إِتْيانِ الحائضِ قد رُويَ عن ابنِ عباس موقوفًا ومرفوعًا.
وهو قولُ بعضِ أهلِ العلم. وبه يقول أحمدُ، وإسحاق.
وقال ابنُ المبارَكِ: يستغفرُ ربَّه، ولا كفَّارةَ عليه.
وقد رُوي مثلُ قولِ ابنِ المبارَك عن بعض التابعين، منهم: سعيدُ بن جُبَيرٍ، وإبراهيمُ النَّخَعي
(1)
.
104 - باب ما جاء في غَسْلِ دم الحَيْض من الثوبِ
138 -
حدثنا ابنُ أبي عمرَ، قال: حدثنا سفيانُ، عن هشامِ بن عُرْوةَ، عن فاطمةَ بنتِ المُنذِر
عن أسماءَ ابنةِ أبي بكرٍ: أنَّ امرأةً سأَلتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الثَّوْبِ يُصِيبُه الدَّمُ مِن الحَيْضةِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"حُتِّيهِ، ثمَّ اقْرُصِيهِ بالماءِ، ثم رُشِّيهِ، وصَلِّي فيه"
(2)
.
(1)
وهو قول عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، والشعبي ومكحول والزهري وربيعة وحماد بن أبي سليمان، والقاسم بن محمد وابن سيرين، وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد ومالك وأبي حنيفة، وهو الأصح عن الشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وجماهير من السلف، قالوا: إنه لا كفارة عليه، بل الواجب الاستغفار والتوبة، أفاده ابن سيد الناس في "شرح الترمذي" الورقة 48.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (227) و (307)، ومسلم (291)، وأبو داود (360 - 362)، وابن ماجه (629)، والنسائي 1/ 155. وهو في "المسند" (26920)، و"صحيح ابن حبان" (1396). =
وفي الباب عن أبي هريرةَ، وأمِّ قَيْسٍ بنت مِحْصَنٍ.
حديثُ أسماءَ في غَسْل الدم حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد اختلفَ أهلُ العلم في الدمِ يكون على الثوب فيُصَلِّي فيه قبل أن يَغسِلَه، فقال بعضُ أهل العِلْم من التابعين: إذا كان الدمُ مِقدارَ الدِّرْهمِ، فلم يَغسِلْهُ، وصلَّى فيه، أعاد الصلاةَ.
وقال بعضُهم: إذا كان الدَّمُ أكثرَ من قَدْرِ الدِّرهمِ، أعاد الصلاةَ، وهو قولُ سفيانَ الثوريَّ وابنِ المباركِ.
ولم يُوجِبْ بعضُ أهلِ العلم من التابعين وغيرِهم عليه الإعادةَ، وإن كان أكثرَ من قَدْرِ الدِّرهم، وبه يقول أحمدُ وإسحاقُ.
وقال الشافعي: يجبُ عليه الغَسْلُ وإِنْ كان أقلَّ من قَدْر الدرهمِ، وشَدَّدَ في ذلك.
105 - باب ما جاء في كم تَمكُثُ النُّفَساء
139 -
حدثنا نَصْرُ بن عليٍّ الجَهْضَميُّ، قال: حدثنا شُجَاعُ بن الوليد أبو بَدْرٍ، عن عليَّ بن عبد الأَعلى، عن أبي سَهْلٍ، عن مُسَّةَ الأَزْديَّةِ
عن أُمِّ سَلَمةَ قالت: كانتِ النُّفَساءُ تَجْلسُ على عَهْد رسولِ الله
= والحتُّ: هو فَرْك الشيء اليابس عن الثوب ونحوه.
والقَرْص: الدَّلك بأطراف الأصابع والأظفار، مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره.
صلى الله عليه وسلم أَربعينَ يومًا، وكنَّا نَطْلي وُجُوهَنا بالوَرْس مِن الكَلَفِ
(1)
.
حديثٌ لا نعرفُه إلا من حديثِ أبي سهلٍ، عن مُسَّةَ الأزديَّةِ، عن أم سلمةَ.
واسمُ أبي سَهْلٍ: كثيرُ بنُ زيادٍ.
قال محمد بنُ إسماعيل: عليُّ بنُ عبد الأَعلى ثقةٌ، وأبو سهلٍ ثقةٌ.
ولم يَعْرِف محمدٌ هذا الحديثَ إلَّا من حديث أبي سهلٍ.
وقد أَجمَعَ أهلُ العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَن بعدَهم على أن النُّفَساءَ تَدَعُ الصلاةَ أربعين يومًا، إلَّا أن تَرى الطُّهْرَ قبل ذلك، فإنها تغتسلُ وتصلِّي.
فإذا رأتِ الدمَ بعدَ الأربعين، فإن أكثرَ أهل العلم قالوا: لا تَدَعُ الصلاةَ بعد الأربعين، وهو قولُ أكثرِ الفقهاءِ.
وبه يقول سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المباركِ، والشافعيُّ
(2)
،
(1)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة مُسَّة الأزدية، لكن للحديث شواهد يحسن بها.
وأخرجه أبو داود (311) و (312)، وابن ماجه (648)، وهو في "مسند أحمد"(26561). وانظر فيه الكلام على إسناده مفصلًا، وذكر شواهده.
الوَرْس: نبت أصفر يُصبغ به، والكلف: لون أو حمرة كَدِرَةٌ تعلو الوجه تغير بشرته، أو نَمَش يعلو الوجه كالسِّمْسِم.
(2)
قال الإمام النووي في "المجموع" 2/ 522: وحكى أبو عيسى الترمذي في =
وأحمدُ، وإسحاق.
ويُرْوَى عن الحسنِ البصريَّ أنه قال: إنها تَدَعُ الصلاةَ خمسين يومًا إذا لم تَرَ الطُّهرَ
(1)
.
ويُروَى عن عطاءِ بن أبي رَباحٍ والشَّعْبيِّ: ستين يومًا
(2)
.
106 - باب ما جاءَ في الرجل يَطُوفُ على نسائه بغُسْلٍ واحدٍ
140 -
حدثنا بُنْدارٌ محمد بنُ بشَّارٍ، قال: حدثنا أبو أَحمدَ، قال: حدثنا سفيانُ، عن مَعمَرٍ، عن قَتادةَ
عن أنسٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَطُوفُ على نسائِه في غسْلٍ واحدٍ
(3)
.
وفي البابِ عن أبي رافِعٍ.
= "جامعه" عن الشافعي أنه قال: أكثره أربعون يومًا، وهذا عجيب، والمعروف في المذهب ما سبق. أي: ستون يومًا.
(1)
أخرجه البيهقي 1/ 342 من طريق حماد، عن أشعث، عن الحسن قال: إذا رأت النفساء، أقامت خمسين ليلة. ثم قال: وكذلك رواه يونس بن عبيد، عن الحسن.
(2)
أخرجه عنهما البيهقي 1/ 342.
(3)
صحيح، وأخرجه بألفاظ متقاربة البخاري (268) و (284) و (5068) و (5215)، ومسلم (309)، وأبو داود (218)، وابن ماجه (588) و (589)، والنسائي 1/ 143 و 143 - 144. وهو في "المسند" (11946) و (12640)، و"صحيح ابن حبان" (1206) وما بعده.
حديثٌ أَنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ غير واحدٍ من أهلِ العلمِ، منهم الحسن البصريُّ: أن لا بأَسَ أن يعودَ قبلَ أن يتوضَّأ.
وقد روى محمد بنُ يوسفَ هذا عن سفيانَ، فقال: عن أبي عُرْوة، عن أبي الخَطَّابِ، عن أنسٍ.
وأبو عُرْوةَ: هو مَعمَرُ بنُ راشدٍ، وأبو الخطَّابِ: قتادةُ بنُ دِعامَةَ.
وقد رواه بعضُهم عن محمد بنِ يُوسفَ، عن سفيانَ، عن ابن أبي عرْوة، عن أبي الخطَّاب، وهو خطأ، والصحيح: عن أبي عُرْوةَ، عن أبي الخطَّاب
(1)
.
107 - باب ما جاء إذا أراد أن يعودَ تَوَضَّأَ
141 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا حَفْصُ بنُ غِياثٍ، عن عاصمِ الأَحْولِ، عن أَبي المتوكِّلِ
عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أتَى أَحَدُكم أهلَهُ، ثمَّ أَرادَ أَنْ يَعُودَ، فَلْيَتوضَّأْ بينهما وُضوءًا"
(2)
.
(1)
من قوله: "وقد رواه بعضهم" إلى هنا أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (308)، وأبو داود (220)، وابن ماجه (587)، والنسائي 1/ 142. وهو في "المسند" (11036) و (11161)، و"صحيح ابن حبان" (1210).
وفي الباب عن ابن عمر
(1)
.
حديثُ أبي سعيدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ عمرَ بن الخطابِ، وقال به غيرُ واحدٍ من أهل العلم، قالوا: إذا جامَعَ الرجل امرأتَه، ثم أراد أن يعودَ، فليتوضَّأْ قبلَ أن يعود.
(1)
كذا في (س) و (ل) وشرح ابن سيد الناس، وفي باقي الأصول وشرح المباركفوري:"عن عمر".
قلنا: ولا يمكن الترجيحُ بينهما أيُّهما أصحُّ، فقد ورد عنهما جميعًا في هذا الباب نحوه موقوفًا.
أما حديثُ ابنِ عمر، فأخرجه عبد الرزاق (1063) عن ابن عيينة، عن مسعر، عن رجل سمّاه، عن جعدة بن هبيرة، قال: سألتُ عنه ابنَ عمر، فقال: إذا أراد أن يعودَ أو يأكل أو ينام، فليتوضأ وضوءَه للصلاة. وإسناده ضعيف لجهالة الرجل الراوي عن جعدة.
وأخرجه ابنُ أبي شيبة 1/ 80 عن وكيع، عن مسعر، وعن ابن فضيل، عن حصين، كلاهما عن محارب، قال: سمعتُ ابنَ عمر يقول: إذا أردت أن تعود، توضأ. وإسناده صحيح.
وأما حديث عمر، فأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 79 - 80 عن ابن عُلية، عن سليمان التَّيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمانَ بنِ ربيعة، قال: قال لي عمر: يا سلمان، إذا أتيت أهلَك، ثم أردت أن تعود كيف تصنعُ؟ قال: قلت: كيف أصنَعُ؟ قال: توضأ بينهما وضوءًا.
وأخرجه بنحوه عبد الرزاق (1062) عن ابن عيينة، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النهدي، به. وهو صحيح.
وأبو المتوكَّلِ اسمه: عَليُّ بنُ داودَ
(1)
، وأبو سعيدٍ الخدريُّ اسمه: سعدُ بن مالك بن سِنانٍ.
108 - باب ما جاءَ إذا أُقِيمَت الصلاة ووَجَدَ أحدُكم الخلاءَ، فَلْيَبدأْ بالخلاءِ
142 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا أبو معاويةَ، عن هشام بن عُرْوةَ، عن أَبيه
عن عبد الله بنِ الأَرقَمِ، قال
(2)
: أقِيمتِ الصلاةُ، فأَخذَ بيدِ رجلٍ فقدَّمَهُ، وكان إِمامَ القوم، وقال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقِيمتِ الصَّلاةُ، ووَجَدَ أَحَدُكُم الخَلاءَ، فَلْيَبدأ بالخلاءِ"
(3)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وأبي هريرة، وثَوْبانَ، وأبي أُمامةَ.
(1)
كذا في الأصول وشرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، وضبب عليها في (أ) و (ب)، وكتب بهامشيهما:"صوابه دؤاد"، وكلاهما يروى في اسمه.
(2)
القائل: هو عروة بن الزبير كما هو واضح، لا عبد الله بن الأرقم، إذ هو المحكي عنه، يبين ذلك رواية مالك في "الموطأ" 1/ 159 عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الله بن الأرقم كان يؤم أصحابه، فحضرت الصلاة يومًا، فذهب لحاجته، ثم رجع، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحدكم الغائط، فليبدأ به قبل الصلاة".
(3)
صحيح، وأخرجه أبو داود (88)، وابن ماجه (616)، والنسائي 2/ 110 - 111. وهو في "المسند" (15959)، و"صحيح ابن حبان" (2071).
حديثُ عبد الله بنِ الأَرْقَم حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
هكذا رَوَى مالكُ بن أنسِ ويحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، وغيرُ واحدٍ من الحُفَّاظِ، عن هشام بن عُرْوةَ، عن أبيه، عن عبد الله بنِ الأَرقَمِ.
ورَوَى وُهَيبٌ
(1)
وغيرُه عن هشام بن عُرْوةَ، عن أَبيه، عن رجلٍ، عن عبد الله بن الأَرقَم
(2)
.
وهو قولُ غيرِ واحدِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقولُ أحمدُ وإسحاق، قالا: لا يقومُ إلى الصلاةِ وهو يَجِدُ شيئًا من الغائطِ والبَولِ. وقالا: إن دخلَ في الصلاةِ، فوجد شيئًا من ذلك، فلا يَنصرِفْ ما لم يَشغَلْه.
وقال بعضُ أهل العلم: لا بأسَ أن يُصلِّيَ وبه غائطٌ أو بولٌ، ما لم يَشغَلْه ذلك عن الصلاةِ.
(1)
في نسختين بهامشي (ب) و (ظ): "ورواه وهب بن جرير".
(2)
أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 1997 عن فهد بن سليمان، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل، عن وهيب بن خالد، بهذا الإسناد. والصواب إسقاط الرجل من الإسناد لتصريح عروة بسماعه هذا الحديث من عبد الله بن الأرقم فقد رواه عبد الرزاق (1759) عن معمر، و (1760) عن سفيان الثوري، كلاهما عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال كنا مع عبد الله بن الأرقم الزهري، فأقيمت الصلاة، ثم ذهب إلى الغائط فقيل له: ما هذا؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت
…
109 - باب ما جاء في الوضوءِ من المَوْطِئ
(1)
143 -
حدثنا قُتَيبةُ، قال: حدثنا مالكُ بن أَنس، عن محمدِ بن عُمَارةَ، عن محمد بنِ إبراهيمَ، عن أُمِّ ولدٍ لعبدِ الرحمن بن عوفٍ قالت:
قلت لأُمِّ سَلَمةَ: إنِّي امرأةٌ أُطِيلُ ذَيْلي، وأَمْشي في المكانِ القَذِرِ فقالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُطَهِّرُه ما بَعدَه"
(2)
.
ورَوَى عبد اللهِ بنُ المبارَك هذا الحديث عن مالك بن أنسٍ، عن محمدِ بن عُمَارةَ، عن محمدِ بن إبراهيم، عن أُمِّ ولدٍ لهُودِ بنِ عبدِ الرحمن بن عَوْفٍ، عن أمَّ سلمةَ
(3)
.
(1)
كذا في (أ) و (ب) و (د) و (ظ) وشرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، وفي (س):"المُوطى" بضم الميم، وكتب في هامش (أ):"الصواب المَوطِئ"، وأما (ب) فكتب بهامشها:"الصواب المُوطإ".
قال في "القاموس" مع شرحه للزَّبيدي (وطأ) 1/ 134: والوطأةُ موضع القدم كالمَوْطَأ بالفتح شاذٌّ، والمَوْطِئِ بالكسر على القياس، وهذه عن الليث، يقال: هذا موطِئُ قدمك.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي" 1/ 237: الموطِئ: مَفْعِل - بكسر العين - من وَطِئ، وهو اسم للموضع، فيكون معناه: الوضوء من الموضع القذر، والتقدير: الوضوء من وطء الموضع القذر، ويكون بفتحها، والمعنى واحد.
(2)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام أمِّ ولد عبد الرحمن بن عوف. وهو في "الموطأ" 1/ 24، ومن طريقه أخرجه أبو داود (383)، وابن ماجه (531). وهو في "المسند"(26488)، وفيه شواهده.
(3)
ورواه أيضًا إسحاق بن سليمان الرازي، عن مالك، عن محمد بن عمارة، عن محمد بن إبراهيم، عن أم ولد لهود بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قال =
وهو وَهْمٌ، وإنما هو: عن أم ولدٍ لإبراهيمَ بن عبد الرحمن بن عَوْف، عن أم سلمةَ، وهذا الصحيحُ.
وفي الباب عن عبد الله بن مَسْعود، قال: كنَّا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نتوضَّأ من المَوْطِئِ
(1)
.
وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أهل العلم، قالوا: إذا وَطِئَ الرجلُ على المكان القَذِر، أنه
(2)
لا يجبُ عليه غَسْل القدم، إلا أن يكون رَطْبًا فيغسلُ ما أصابه.
110 - باب ما جاء في التيمُّم
144 -
حدثنا أبو حفصٍ عَمْرو بنُ عليٍّ الفَلَّاسُ، قال: حدثنا يزيدُ بنُ
= ابن عبد البر في "التمهيد" 13/ 104: وهذا خطأ، والصواب ما في "الموطأ" (أي: أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف)، والله أعلم.
(1)
أخرجه أبو داود (204)، وابن ماجه (1041)، وصححه ابن خزيمة (37)، والحاكم 1/ 139 ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا.
وقد فسره الإمام الخطابي في "معالم السنن" 1/ 73 فقال: وإنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم، لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم، ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها. وبنحو هذا قال صاحب "النهاية"، ومن تبعه من أهل اللغة كاللسان والقاموس، ويظهر أن الإمام الترمذي لم يفهمه على هذا النحو، وإنما تأوَّله كما يأتي على أنه لا يغسل قدمه إذا وطئ على قذر يابس، وإنما يغسلها إذا كان القذر رطبًا، وقد نقل ذلك عن غير واحد من أهل العلم.
(2)
كذا في (ل) ونسخة بهامش (ب)، وفي سائر الأصول "أنْ"، وكلاهما صحيح.
زُرَيع، قال: حدثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن عَزْرةَ، عن سعيدِ بن عبد الرحمن بن أبْزَى، عن أَبيه
عن عَمَّارِ بن ياسرٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَه بالتَّيمُّمِ للوَجْهِ والكَفَّينِ
(1)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وابن عباسٍ.
حديثُ عمَّارٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد رُويَ عن عمَّارٍ من غير وجهٍ
(2)
.
وهو قولُ غير واحدٍ من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عليٌّ، وعمَّارٌ، وابنُ عباسٍ، وغيرِ واحد من التابعين، منهم: الشَّعْبيُّ، وعطاءٌ، ومكحولٌ، قالوا: التَّيمُّمُ ضَرْبةٌ للوَجهِ والكفَّيْنِ، وبه يقول أحمدُ، وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم، منهم: ابنُ عمرَ، وجابرٌ، وإبراهيمُ، والحسنُ: التيمم ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين إلى المِرْفَقَين، وبه يقول سفيانُ، ومالكٌ، وابنُ المُباركِ، والشافعيُّ
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (338)، ومسلم (368)، وأبو داود (322 - 327)، وابن ماجه (569)، والنسائي 1/ 168 - 171. وبعضهم يذكر فيه قصةً لعمار مع عمر بن الخطاب. وهو في "المسند"(18319)، و"صحيح ابن حبان"(1267) و (1303).
(2)
أخرجه من غير الوجه السابق عن عمار البخاري (345) و (346)، ومسلم (368)(110) و (111)، وأبو داود (321)، والنسائي 1/ 170، وهو في "المسند"(18328).
(3)
انظر أدلة القائلين بهذا في "نصب الراية" 1/ 150 - 155، و"التلخيص =
وقد رُويَ هذا الحديثُ عن عمارٍ في التيممِ أنه قال: "الوجهِ والكفَّيْنِ" من غير وجهٍ.
وقد رُويَ عن عمَّارٍ أنه قال: تَيمَّمْنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المَناكِبِ والآباطِ
(1)
.
فضَعَّفَ بعضُ أهل العلم حديثَ عمارٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التيممِ للوجهِ والكفينِ لَمَّا رُويَ عنه حديثُ المناكبِ والآباطِ.
قال إسحاق بن إبراهيمَ: حديثُ عمارٍ في التيممِ للوجهِ والكفينِ هو حديثٌ صحيحٌ، وحديثُ عمارٍ: تَيَمَّمْنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المناكبِ والآباطِ، ليس هو بمُخالِفٍ لحديثِ الوجهِ والكفَّيْنِ، لأن عمارًا لم يَذكُر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمرهم بذلك، وإنما قال: فَعَلْنا
= الحبير" 1/ 151 - 153.
(1)
رُوي هذا عن عمار بأسانيد صحيحة، انظر تخريجها في "صحيح ابن حبان" برقم (1310)، وقال ابن حبان في "صحيحه": كان هذا حيث نزل التيمم قبل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم عمارًا كيفية التيمم، ثم علمه ضربة واحدة للوجه والكفين لما سأل عمار النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم.
وقال البغوي في "شرح السنة" 2/ 114: وما رُوي عن عمار أنه قال: تيممنا إلى المناكب، فهو حكاية فعله، ولم ينقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حكى عن نفسه التمعُّكَ في حال الجنابة، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بالوجه والكفين، انتهى إليه، وأعرض عن فعله.
وفي "نصب الراية" للإمام الزيلعي 1/ 156 نقلًا عن الأثرم في هذا الحديث: إنما حكى فيه فعلهم دون النبي صلى الله عليه وسلم، كما حكى في الآخر أنه أجنب، فعلَّمه عليه السلام.
كذا وكذا، فلما سَأَلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمره بالوجهِ والكفَّينِ
(1)
، والدليلُ على ذلك: ما أَفْتَى به عمارٌ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التيمُّم أنه قال: الوجهِ والكفينِ، ففي هذا دَلالةٌ أنه انتَهى إلى ما عَلَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم
(2)
.
145 -
حدثنا يحيى بنُ موسى، قال: حدثنا سعيدُ بن سليمانَ، قال: حدثنا هُشَيمٌ، عن محمدِ بن خالدٍ القُرَشيَّ، عن داودَ بن حُصَينٍ، عن عِكْرمةَ
عن ابن عباسٍ: أنه سُئِلَ عن التيمُّمِ، فقال: إنَّ الله قال في كتابه حينَ ذَكَر الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، وقال في التيممِ:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6]، وقال:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، فكانتِ السُّنَّةُ في القَطْعِ الكَفَّينِ، إنَّما هو الوجهُ والكَفَّانِ
(3)
، يعني التَّيمُّمَ
(4)
.
(1)
وقع بعد هذا في مطبوعة أحمد شاكر: "فانتهى إلى ما علَّمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الوجه والكفين"، ولم يرد في أصولنا الخطية.
(2)
وقع بعد هذا في مطبوع أحمد شاكر: "فعلَّمه: إلى الوجه والكفين. قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أرَ بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي ابن المديني، وابن الشاذكوني، وعمرو بن علي الفلاس. قال أبو زرعة: وروى عفان بن مسلم، عن عمرو بن علي حديثًا"، ولم يرد في أصولنا الخطية.
(3)
وقع في الأصول الخطية: "والكفين"، والجادة ما أثبتنا.
(4)
إسناده ضعيف، هشيم مدلس وقد عنعن، ومحمد بن خالد مجهولٌ تفرد هشيم بالرواية عنه، وداود بن الحصين أحاديثه عن عكرمة منكرة، ولم نجد هذا =
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
111 - باب في الرجل يقرأ القرآن على كلِّ حالٍ ما لم يكن جُنُبًا
(1)
146 -
حدثنا أبو سعيدٍ الأَشَجُّ، قال: حدثنا حفصُ بن غِياثٍ وعُقْبةُ بنُ خالدٍ، قالا: حدثنا الأَعْمشُ وابن أبي ليلى، عن عمرو بن مُرَّةَ، عن عبد الله بن سَلِمةَ
= الحديث عند غير المصنف.
وأخرج الطبري في "جامع البيان" 5/ 110 عن علي بن سهل، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي وعن سعيد وابن جابر، أن مكحولًا كان يقول: التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع، ويتأول مكحول القرآن في ذلك:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وقوله في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} ، ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء {إِلَى الْمَرَافِقِ} ، قال مكحول: قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، فإنما تقطع يد السارق من مَفصِل الكوع.
وقد حكى أبو بكر ابن العربي في "العارضة" 1/ 241 - 242 عمن سماه بعض الجهلة أنه اعترض على هذا الاستنباط (يعني استنباط ابن عباس رضي الله عنه بقوله: كيف نحمل عبادة على عقوبة؟! قال القاضي: فبجهله نظر إلى ظاهر الحال، وخفي عليه في ذلك وجه التبحر في العلم، ثم قال: فهذه إشارة حبر الأمة وترجمان القرآن أن الله حدد الوضوء إلى المرفقين، فوقفنا عند تحديده، وأطلق القول في التيمم، فحملناه على ظاهر مطلق اسم اليد وهو الكفان كما فعنا في السرقة، فهذا أخذ بالظاهر لا قياس للعبادة على العقوبة.
(1)
هذا العنوان من (أ)، ولم يُذكر في باقي الأصول منه سوى كلمة "باب".
عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُنا القُرآنَ على كُلِّ حالٍ، ما لم يكن جُنُبًا
(1)
.
حديثُ عليٍّ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وبه قال غيرُ واحدٍ من أهل العِلْم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، قالوا: يَقْرأُ الرجلُ القرآنَ على غير وُضوءٍ، ولا يقرأُ في المُصْحفِ إلَّا وهو طاهرٌ، وبه يقول سفيانُ الثورِيُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق.
112 - باب ما جاءَ في البول يُصِيبُ الأرضَ
147 -
حدثنا ابنُ أبي عمرَ وسعيدُ بنُ عبدِ الرحمن المَخْزومِيُّ، قالا: حدثنا سفيانُ بنُ عُيَينةَ، عن الزُّهريِّ، عن سعيد بن المُسيّبِ
عن أبي هريرةَ قال: دَخَلَ أعرابيٌّ المسجدَ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم جالسٌ، فصلَّى، فلمَّا فَرَغَ، قال: اللهُمَّ ارْحَمني ومحمَّدًا ولا تَرحَمْ معنا أحدًا، فالْتَفتَ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"لقد تحَجَّرْتَ واسعًا" فلم يَلْبَثْ أَنْ بالَ في المسجدِ، فَأَسْرعَ إليهِ النَّاسُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أَهْرِيقوا عليه سَجْلًا مِن ماءٍ، أَو دَلْوًا مِن ماءٍ" ثمَّ قال: "إنَّمَا بُعِثتُم مُيَسِّرِينَ ولم تُبْعَثوا مُعَسِّرين"
(2)
.
(1)
حسن، وأخرجه بنحوه أبو داود (229)، وابن ماجه (594)، والنسائي 1/ 144. وهو في "المسند" (627) و (1123)، و"صحيح ابن حبان" (799) و (800).
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (380)، والنسائي 3/ 14 من طريق سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وهو في "مسند أحمد"(7255). =
148 -
قال سعيدٌ: قال سفيانُ: وحدثني يحيى بنُ سعيدٍ، عن أنس بن مالكٍ، نحوَ هذا
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن مسعودٍ، وابن عباسِ، وواثِلَةَ بن الأَسقَعِ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند بعض أهل العِلْم. وهو قولُ أحمدَ،
= وأخرجه البخاري (6010)، وأبو داود (882)، وابن ماجه (529)، والنسائي 3/ 14 من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة. وهو في "المسند"(7802)، و"صحيح ابن حبان"(985) و (987) و (1402).
وأخرجه البخاري (220) و (6128)، والنسائي 1/ 48 و 175 من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة. وهو في "المسند" أيضًا (7799)، و"صحيح ابن حبان"(1399) و (1400). وطريق عبيد الله هذه هي التي أشار إليها المصنف في آخر هذا الباب.
وقوله: "أهريقوا": قال ابن الأثير: الهاء في "هراق" بدل من همزة: "أراق"، يقال: أراق الماء يُريقه، وهراقه يهَريقه - بفتح الهاء - هراقةً، ويقال فيه: أهرقت الماء أُهرقه إهراقًا، فيجمع بين البدل والمبدل.
وقوله: "سَجْلًا": هو بفتح السين المهملة وإسكان الجيم: الدلو الملأى ماءً، ويجمع على سِجال بكسر السين قاله في "النهاية"، وقال ابن العربي: الدلو مؤنثة، والسجل يذكر، فإن لم يكن فيها ماء، فليست بسجل، كما أن القدح لا يقال له: كأس إلا إذا كان فيه ماء.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (219) و (221) و (605)، ومسلم (284) و (285)، وابن ماجه (528)، والنسائي 1/ 47 و 47 - 48 و 48 و 175. وهو في "المسند" (12082)، و"صحيح ابن حبان" (1401).
وإسحاق.
وقد رَوَى يونسُ هذا الحديثَ عن الزهريِّ، عن عُبيد اللهِ بن عبد الله، عن أبي هريرةَ
(1)
.
آخر كتاب الوضوء
(2)
(1)
سلف تخريج هذه الطريق عند الحديث رقم (147).
(2)
هذه العبارة أثبتناها من (ل)، ولم ترد في باقي الأصول.
أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
1 - باب ما جاء في مَواقِيتِ الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم
-
149 -
حدثنا هَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، قال: حدثنا عبدُ الرحمن بن أبي الزِّنادِ، عن عبد الرحمن بن الحارثِ بن عَيَّاشِ بن أبي رَبِيعة، عن حَكيمِ بن حَكيمِ بن عَبَّاد، قال: أخبرني نافعُ بنُ جُبَيرِ بن مُطْعِمٍ
قال: أخبرني ابنُ عَبَّاسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَمَّنِي جِبْريلُ عندَ البيتِ مَرَّتَينِ، فصلَّى الظُّهرَ في الأُولَى منهما حين كان الفَيءُ مِثلَ الشِّراكِ، ثم صَلَّى العصرَ حين كان كُلُّ شيءٍ مِثلَ ظِلِّهِ، ثمَّ صلَّى المغربَ حين وَجَبَتِ الشَّمسُ وأَفطرَ الصَّائمُ، ثمَّ صَلَّى العِشاءَ حين غابَ الشَّفَقُ، ثمَّ صلَّى الفجرَ حين بَرَقَ الفجرُ وحَرُمَ الطَّعامُ على الصَّائمِ.
وصلَّى المَرَّةَ الثَّانِيةَ الظُّهْرَ حين كان ظِلُّ كُلِّ شيءٍ مِثلَه، لِوَقْتِ العَصرِ بالأَمْسِ، ثمَّ صلَّى العصرَ حين كان ظِلُّ كُلِّ شيءٍ مِثلَيه، ثمَّ صلَّى المغربَ لِوَقْتِه الأَوّلِ، ثمَّ صلَّى العِشاءَ الآخِرَةَ حين ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبحَ حين أَسْفَرتِ الأَرضُ، ثمَّ الْتَفتَ إليَّ
جبْريلُ فقال: يا محمَّدُ، هذا وَقْتُ الأَنبياءِ مِن قَبْلِكَ، والوَقْتُ فيما بين هذين الوَقْتَينِ"
(1)
.
(1)
إسناده حسن، وأخرجه أبو داود (393). وهو في "المسند"(3081)، وانظر تمام الكلام عليه فيه.
قوله: "حين كان الفَيْء مثل الشِّراك"، الفيء: ظل الشمسِ بعد الزوال، والشِّراك: أحد سيور النَّعْل التي تكون على ظهر القدم.
قال الإمام البغوي في "شرح السنة" 2/ 183: ليس ذلك على معنى التحديد، ولكن الزوال لا يُستبان بأقلَّ منه، وليس هذا المقدارُ مما يتبين به الزوالُ في جميع البلدان والأزمان، إنما يتبيَّن في بعض الأزمنة في بعض البلدان، مثل مكة ونواحيها، فإن الشمس إذا استوت فوق الكعبة في أطول يوم من السنة لم يُرَ لشيءٍ من جوانبها ظلٌّ، فإذا زالت ظهرَ الفيء قَدْر الشراك من جانب الشرق، وهو أول وقت الظهر، وكل بلدٍ هو أقرب إلى وسط الأرض (أي: خط الاستواء) كان الظلُّ فيه أقصرَ.
وقوله: "حين وجَبَت الشمس"، أصل الوجوب: السقوط والوقوع، ومنه: وجبت الشمس وَجْبًا ووجوبًا، أي: غابت، كأنها تسقط مع المغيب.
وقوله: "يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك"، قال القاضىِ أبو بكر ابن العربي في "العارضة" 1/ 257 - 258: يفتقر إلى بيان المراد به، فإن ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبله من الأنبياء، فهل الأمر كذلك أم لا؟ والوجه فيه أن نقول - والله الموفق -: ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل قال له ذلك، والمعنى فيه: هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين: الأول والآخر، وقوله:"ووقت الأنبياء قبلك": يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك، أي: كانت صلاتهم واسعة الوقت، وذات طرفين مثل هذا، وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة، وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها.
وفي الباب عن أبي هريرة، وبُرَيْدةَ، وأبي موسى، وأبي مسعودٍ، وأبي سعيدٍ، وجابرٍ، وعَمْرِو بن حَزْمٍ، والبَراءِ، وأنسٍ.
150 -
حدثنا أحمدُ بن محمدِ بن موسى، قال: حدثنا عبدُ الله بن المبارَكِ، قال: أخبرني حسين بن عليَّ بن حسينٍ، قال: أخبرني وَهْبُ بنُ كَيْسانَ
عن جابرِ بنِ عبدِ الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أَمَّني جِبْريلُ" فذكر نحو حديثِ ابن عباسٍ بمعناهُ، ولم يَذكُرْ فيه "لِوَقْتِ العصرِ بالأَمْسِ"
(1)
.
وحديثُ جابرٍ في المواقيتِ قد رواه عطاءُ بنُ أَبي رَباحٍ وعمرُو بن دينارٍ وأبو الزُّبَيرِ، عن جابر بن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوَ حديثِ وَهْبِ بن كَيْسانَ، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث ابن عباس حديثٌ حسنٌ.
وقال محمد: أصحُّ شيءٍ في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
طريق وهب بن كيسان، عن جابر هذه أخرجها النسائي 1/ 263، وهي في "المسند"(14538)، و"صحيح ابن حبان"(1472).
وأخرجه النسائي 1/ 251 - 252 و 255 - 256 من طريق عطاء بن أبي رباح، عن جابر، وهو في "المسند"(14790).
وأخرجه البخاري (560) و (565)، ومسلم (646) و (233) و (234)، وأبو داود (397)، والنسائي 1/ 264. وهو في "المسند" (14969) و"صحيح ابن حبان" (1528).
وأخرجه النسائي 1/ 261 - 262 من طريق بشير بن سلَّام، عن جابر.
2 - باب منه
151 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا محمدُ بن فُضَيلٍ، عن الأَعمَشِ، عن أبي صالحٍ عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ للصَّلاةِ أوَّلًا وآخِرًا، وإِنَّ أوَّلَ وقتِ صلاةِ الظُّهْرِ حين تَزولُ الشَّمسُ، وآخِرَ وقتِها حين يدخلُ وقتُ العصرِ، وإنَّ أوَّلَ وقتِ العصرِ حين يدخلُ وقتُها، وإِن آخِرَ وقتها حين تَصْفَرُّ الشَّمسُ، وإن أوَّلَ وقتِ المغربِ حين تَغرُبُ الشَّمسُ، وإِنَّ آخِرَ وقتِها حين يَغِيبُ الأُفُقُ، وإِنَّ أَوَّلَ وقتِ العِشاء الآخِرَةِ حين يَغِيبُ الأُفُقُ، وإنَّ آخِرَ وقتِها حين يَنتصِفُ اللَّيلُ، وإنَّ أوَّلَ وقتِ الفَجرِ حين يَطلُعُ الفجرُ، وإنَّ آخِرَ وقتِها حين تَطلُعُ الشَّمسُ"
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن عمرٍو.
سمعتُ محمدًا يقولُ: حديثُ الأَعمشِ عن مجاهدٍ في المواقيتِ، أصحُّ من حديث محمد بنِ فُضَيْلٍ عن الأَعمشِ، وحديثُ محمدِ بنِ فُضَيلٍ خطأٌ، أخطأَ فيه محمد بن فُضَيلٍ
(2)
.
(1)
إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هناد، فمن رجال مسلم، وقد أُعِلَّ بما لا يقدح كما سيأتي.
وأخرجه أحمد (7172)، وابن أبي شيبة 1/ 317 - 318، والطحاوي 1/ 149 و 150 و 156، والدارقطني 1/ 262، والبيهقي 1/ 375 - 376 من طريق محمد بن فضيل، بهذا الإسناد. والحديثُ عند الطحاوي مقطَّع.
(2)
وقال العباس بن محمد الدُّوري كما في "التاريخ" ص 534: سمعتُ يحيى =
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا أبو أُسامةَ، عن أبي إسحاق الفَزَاريِّ، عن الأعمشِ، عن مجاهدٍ قال: كان يقالُ: إنَّ للصلاة أَوَّلًا وآخِرًا: فذَكَرَ نحوَ حديث محمد بن فُضَيْلٍ عن الأعمش، نحوَه بمعناهُ
(1)
.
= يضعَّف حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أحسب يحيى يريد:"إن للصلاة أولًا وآخرًا"، وقال: إنما يُروى عن الأعمش، عن مجاهد.
وقال الدارقطني بعد أن رواه من حديث محمد بن فضيل: هذا لا يصح مسندًا، وهم في إسناده ابنُ فضيل، وغيره يرويه عن الأعمش، عن مجاهد مرسلًا.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 101: سألت أبي عن حديث رواه محمد بن فضيل
…
فذكره، فقال أبي: هذا خطأ، وهم فيه ابن فضيل، يرويه أصحاب الأعمش، عن الأعمش، عن مجاهد قولَه.
وقد ردَّ ابن حزم هذا التعليل، وقال: وما يضر إسنادَ من أسند إيقافُ من أوقف.
ونقل الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 231 عن ابن الجوزي قوله في "التحقيق": وابن فضيل ثقة يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلًا، وسمعه من أبي صالح مسندًا.
ونقل أيضًا عن ابن القطان أنه قال: ولا يَبْعُدُ أن يكونَ عند الأعمش في هذا طريقان: إحداهما: مرسلة، والأخرى: مرفوعة، والذي رفعه صدوق من أهل العلم، وثَّقه ابن معين، وهو محمد بن فضيل.
(1)
رجاله ثقات رجال الشيخين غير هناد، فمن رجال مسلم. أبو إسحاق الفزاري: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، وأبو أسامة: هو حماد بن أسامة.
وأخرجه الدارقطني 1/ 262، والبيهقي 1/ 376 من طريق زائدة، عن الأعمش، بهذا الإسناد. =
152 -
حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ والحسنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ وأحمدُ بن محمدِ بن موسى، المعنى واحدٌ، قالوا: حدثنا إسحاق بنُ يوسفَ الأَزْرَقُ، عن سفيانَ، عن عَلْقَمةَ بن مَرْثَدٍ، عن سليمانَ بن بُرَيْدةَ
عن أبيه قال: أَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فسأله عن مواقِيتِ الصَّلاةِ، فقال:"أقِمْ مَعَنا إنْ شاءَ اللهُ" فأَمَرَ بلالًا فأَقامَ حين طَلَعَ الفَجْرُ، ثمَّ أَمَرَه فأَقامَ حينَ زالَتِ الشَّمسُ، فصَلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أَمَرَه فأَقامَ، فصَلَّى العصرَ والشَّمسُ بَيْضاءُ مُرتَفِعَةٌ، ثمَّ أَمَرَه بالمغربِ حينَ وَقَعَ حاجِبُ الشَّمسِ، ثمَّ أَمَرَه بالعِشاءِ فأَقامَ حينَ غابَ الشَّفَقُ، ثمَّ أَمَرَه مِن الغَدِ فنَوَّرَ بالفَجْرِ، ثمَّ أَمَرَه بِالظُّهرِ فأَبْرَدَ وأَنعَمَ
(1)
أَنْ يُبرِدَ، ثمَّ أَمَرَه بالعصرِ فأَقامَ والشَّمسُ آخرَ وَقْتِها فوقَ ما كانت، ثمَّ أمَرَه فأَخَّرَ المغربَ إلى قُبيْلِ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، ثمَّ أمَرَه بالعِشاءِ فأَقامَ حينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ، ثمَّ قال:"أينَ السَّائِلُ عن مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ " فقالَ الرجلُ: أَنا. فقال: "مَوَاقِيتُ الصَّلاةِ كما بينَ هذَينِ"
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.
= وأخرجه الدارقطني 1/ 262 من طريق عَبْثَر بن القاسم، عن الأعمش، عن مجاهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
(1)
أي: أطال الإيراد وأخر الصلاة، ومنه قولهم: أنعم النظر في الشيء: إذا أطال التفكير فيه.
(2)
إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (613)، وابن ماجه (667)، والنسائي 1/ 258 - 259، وهو في "المسند"(22955)، و"صحيح ابن حبان"(1492).
وقد رواهُ شعبةُ، عن عَلْقَمةَ بن مَرْثَدٍ أيضًا.
3 - باب ما جاء في التَّغلِيسِ بالفجرِ
153 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ، عن مالكِ بنِ أنسٍ (ح)
وحدثنا الأنصاريُّ، قال: حدثنا مَعْنٌ، قال: حدثنا مالكٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن عَمْرَةَ
عن عائشةَ قالت: إنْ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النساءُ. قال الأنصاريُّ: فَيَمُرُّ النِّسَاءُ مُتَلَفِّفَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ. وقال قتيبةُ: مُتَلَفِّعَاتٍ
(1)
.
وفي البابِ عنِ ابنِ عُمَرَ، وأنسٍ، وَقَيْلَةَ ابنة مَخرَمَةَ
(2)
.
(1)
إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (372) و (867)، ومسلم (645)، وأبو داود (423)، وابن ماجه (669)، والنسائي 1/ 271 و 3/ 82، وهو في "مسند أحمد"(24051) و (24096)، و"صحيح ابن حبان"(1498).
وقوله: "من الغَلَس": هو ظُلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصَّباح.
وقوله: "متلفِّفات" أو "متلفَّعات": هما بمعنى، أي: متجلِّلات بأكسيتهن.
وقوله: "بمُرُوطِهن": هي الأَرْدية الواسعة، واحدها مِرْط.
(2)
قيلة ابنة مخرمة صحابية تميمية من بني العنبر، هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حريث بن حسان وافد بني بكر بن وائل، لها ترجمة في "طبقات ابن سعد" 8/ 312، و"التهذيب" 12/ 446 - 407. وحديثها في قصة طويلة عند الطبراني في "الكبير" 25/ 7 - 11، وموضع الشاهد منه قولها في حكاية رحلتها إلى المدينة: حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي بالناس صلاة الغداة، وقد أقيمت حين شقَّ الفجرُ، والنجوم شابكة في السماء، والرجال لا تكاد تَعَارَفُ مع ظلمة الليل، فصففت مع الرجال وأنا امرأة حديثة عهد بالجاهلية، فقال لي الرجل الذي يليني =
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
(1)
.
وهو الذي اختارهُ غيرُ واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكرٍ، وعمرُ، ومَن بعدهم من التابعين.
وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق: يَسْتَحِبُّونَ التَّغْليسَ بصلاة الفجر.
4 - باب ما جاء في الإِسْفَارِ بالفجرِ
154 -
حدّثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا عَبْدَةُ، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بنِ عُمَرَ بنِ قتادة، عن محمودِ بن لَبيدٍ
عن رَافع بنِ خَدِيجٍ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "أَسْفِرُوا بالْفَجْرِ، فَإنَّةُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ"
(2)
.
وفي الباب عن أبي بَرْزَةَ، وجابر، وبلالٍ.
وقد رَوَى شعبةُ والثوريُّ هذا الحديثَ عن محمد بنِ إسحاق،
= من الصف: امرأة أنت، أم رجل؟ فقلت: لا، بل امرأة. فقال: إنك قد كدت تفتنيني، فصلي في النساء، وإذا صف من النساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيته حين دخلت، فكنت فيهن ..
(1)
جاء بعد هذا في طبعة الشيخ أحمد شاكر: "وقد رواه الزُّهري، عن عُروة، عن عائشة، نحوه"، ولم يرد في شيء من أصولنا الخطية.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (424)، وابن ماجه (672)، والنسائي 1/ 272، وهو في "مسند أحمد"(15819)، و"صحيح ابن حبان"(1489 - 1491).
ورواه محمد بنُ عَجْلانَ أيضًا عن عاصم بنِ عُمَرَ بنِ قتَادَةَ.
حديثُ رافع بنِ خَدِيجٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رأَى غيرُ واحد من أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين الإسفارَ بصلاةِ الفجر، وبه يقول سفيانُ الثوريُّ.
وقال الشافعيُّ وأحمدُ وإسحاق: معنى الإسفارِ: أن يَضِحَ
(1)
الفجرُ فلا يُشَكَّ فيه، ولم يرَوْا أنَّ معنى الإسفارِ تأْخيرُ الصلاةِ
(2)
.
5 - باب ما جاء في التعجيل بالظُّهر
155 -
حدّثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا وَكِيعٌ، عن سفيانَ، عن حَكيمِ بنِ
(1)
المثبت من (أ) و (د) و (ظ)، و"تحفة الأحوذي"، وفي (ب):"يتضح"، وفي نسخة بهامش (أ):"يضيء"، و"يَضِح" مضارع وَضَحَ، يقال: وَضَحَ يَضِحُ وضوحًا، أي: انجلى وانكشف، والوَضَح، بالتحريك: بَياضُ الصُّبح.
(2)
نقل المباركفوري هنا بعض أقوال أهل العلم في التأويل للجمع بين الحديثين، ثم قال: أسلم الأجوبة وأولاها ما قال الحافظ ابن القيم في "إعلام الموقعين" بعد ذكر حديث رافع بن خديج ما لفظه: وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الإسفار دوامًا لا ابتداءً، فيدخل فيها مُغَلِّسًا ويخرج مُسْفِرًا كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم، فقولُه موافق لفعله، لا مناقض له، وكيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه. انتهى كلام ابن القيم، وهذا هو الذي اختاره الإمام الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 184 وقد بسط الكلام فيه، وقال في آخره: فالذي ينبغي الدخولُ في الفجر في وقت التغليس، والخروجُ منها في وقت الإسفار على موافقة ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو قولُ أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن.
جُبَيْرٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عن الأَسْوَدِ
عن عائشة قالتْ: مَا رَأيْتُ أَحَدًا كانَ أَشَدَّ تَعْجِيلًا للظُّهْرِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلا مِنْ عُمَرَ
(1)
.
وفي الباب عن جابر بنِ عبد اللهِ، وخَبَّابٍ، وأبي بَرْزَة، وابنِ مسعودٍ، وزيدِ بن ثابتٍ، وأنَسٍ، وجابِرِ بنِ سَمُرَةَ
(2)
.
(1)
حديث حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف حَكيم بن جبير.
وأخرجه أحمد (25038) عن وكيع، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (2054) عن الثوري، به. وفي آخره بدل قولها:"ولا من أبي بكر، ولا من عمر": "ما استثنت أباها، ولا عمر".
وبمثل رواية عبد الرزاق أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 185 من طريق أبي حُذيفة موسى بن مسعود، والبيهقي 1/ 436 من طريق الحسين بن حفص، كلاهما عن سفيان الثوري، به.
قال البيهقيُّ: هكذا رواه الجماعة عن سفيان الثوري، ورواه إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بنُ إسحاق، أخبرنا محمدُ بن الفضل بن جابر، أخبرنا أبو عبد الرحمن الأذرمي، حدثنا إسحاق الأزرق، فذكره بنحوه دونَ قوله:"ما استثنت أباها، ولا عمر"، وهو وهم - يعني قوله فيه: عن منصور، بدل: حكيم بن جبير -، والصوابُ رواية الجماعة، قاله ابنُ حنبل وغيره، وقد رواه إسحاق مرة على الصواب.
قلنا: رواية إسحاق بن يوسف الأزرق التي أشار إليها البيهقي أخرجها أحمد في "المسند"(25809) عنه، عن سفيان الثوري، عن حكيم بن جبير، به. دون قولها:"ولا من أبي بكر، ولا من عمر".
ويشهد له أحاديث الباب، وحديث أم سلمة الآتي عند المصنف برقم (161).
(2)
حديث جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي الظهر بالهاجرة. أخرجه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= البخاري (560) و (565)، ومسلم (646). والهاجرة: اشتداد الحر في نصف النهار عقب الزوال.
وعنه أيضًا قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحرِّ، فيعمد أحدنا إلى قبضة من الحصى، فيجعلها في كفه هذه ثم في كفه هذه، فإذا بردت سجد عليها. وهو مخرَّج في "صحيح ابن حبان"(2276)، وإسناده حسن.
وحديث خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّ الرمضاء، فلم يُشكِنا. مخرج في "صحيح ابن حبان"(1480) وإسناده صحيح.
وقوله: "فلم يُشْكنا" أي: لم يُزِل عنا الشكوى. ونقل ابن سيد الناس في "شرحه" أن ثعلبًا قال في تأويل قوله: "فلم يُشكِنا": أي: لم يُحوجنا إلى الشكوى، ورخَّص لنا في الإبراد.
وحديث أبي بَرزة قال: كان يصلِّي الهَجيرَ التي تدعونها الأُولى حين تَدحضُ الشمسُ. أخرجه الشيخان، وانظر تمام تخريجه في "صحيح ابن حبان"(1503). ودحضت الشمس، أي: زالت عن كبد السماء.
وحديث ابن مسعود قال: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حرَّ الرمضاء، فلم يُشكنا. أخرجه المصنّف في "العلل الكبير" 1/ 205، وابن ماجه (676)، والبزار (370) وإسناده ضعيف، وقال الترمذي في "العلل": سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: الصحيح عن عبد الله بن مسعود موقوف.
وحديث زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يُصلي صلاةً أشدَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها. أخرجه أحمد (21595)، وأبو داود (411)، والطحاوي 1/ 167، والبيهقي 1/ 458. وإسناده صحيح.
وحديث أنس هو الحديث الآتي عند المؤلف برقم (156).
وحديث جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي الظُّهر إذا دَحَضت الشمس.
أخرجه أحمد (21016)، ومسلم (618)، وأبو داود (805)، وابن ماجه (673).
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ.
وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعدهم.
قال عليٌّ: قال يحيى بنُ سعيدٍ: وقد تَكَلَّمَ شعبةُ في حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ من أجلِ حديثه الذي رَوَى عن ابن مسعودٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ"
(1)
.
قال يحيى: ورَوَى له سفيانُ وزائدةُ، ولم يَرَ يحيى بحديثه بأسًا
(2)
.
قال محمد: وقد رُوي عن حكيمِ بنِ جبَيْرٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن عائشةَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تَعْجِيلِ الظُّهْرِ.
156 -
حدّثنا الحسنُ بنُ عليّ الحُلْوانيُّ، قال: حدثنا عبد الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيَّ قال:
أخبرني أنسُ بنُ مالكٍ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ
(1)
سيأتي هذا الحديث عند المصنِّف برقم (656).
(2)
وقال أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة وأبو حاتم: ضعيف الحديث، زاد أبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن معين وأبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الساجي: غير ثبت في الحديث فيه ضعف، وقال ابن حبان في "المجروحين": كثير الوهم فيما يروي، وقال البخاري: كان شعبة يتكلَّم فيه، وقال الدارقطني: متروك، وقال مرةً: ضعيف الحديث. وسئل شعبة أن يحدِّث بحديثه، فقال: أخاف النار. وقال أبو زرعة: محله الصدق إن شاء الله.
زَالَتِ الشَّمْسُ
(1)
.
هذا حديث صحيح
(2)
.
6 - باب ما جاء في تأخير الظُّهْرِ في شدَّةِ الحرِّ
157 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ، قال: حدثنا اللَّيْثُ، عن ابن شِهَابٍ، عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ وأبي سَلمَةَ
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عن الصَّلاةِ، فَإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"
(3)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (12643)، والبخاري (540) و (7294)، ومسلم (2359)(136)، والنسائي 1/ 246 - 247، وابن حبان (106) و (1502)، ورواية بعضهم مطولة.
(2)
جاء في طبعة الشيخ أحمد شاكر هنا زيادة: "وهو أحسن حديث في هذا الباب، وفي الباب عن جابر"، ولم ترد في شيء من نسخنا الخطية.
(3)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (533)، ومسلم (615)، وأبو داود (402)، وابن ماجه (677) و (678)، والنسائي 1/ 248 - 249، وهو في "المسند"(7130)، و"صحيح ابن حبان"(1506) و (1507).
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 128 - 129: معنى الإبراد في هذا الحديث: انكسار شدة حرِّ الظهيرة. وقال محمد بن كعب القرظي: نحن نكون في السفر، فإذا فاءت الأفياء، وهبت الأرواح، قالوا: أبردتُم فالرواح
…
وقوله عليه الصلاة والسلام: "فيح جهنم" معناه: سطوع حرها وانتشاره، وأصله في كلامهم: السعة والانتشار، ومنه قولهم: مكان أفيح، أي: واسع، وأرض فيحاء، أي: واسعة. =
وفي الباب عن أبي سعيدٍ، وأبي ذَرٍّ، وابن عُمَرَ، والمغيرة، والقاسمِ بن صَفْوَانَ عن أبيه، وأبي موسى، وابن عباسٍ، وأنسٍ.
ورُويَ عن عُمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا، ولا يَصِحُّ
(1)
.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد اختار قومٌ من أهل العلم تأخيرَ صلاة الظهر في شدة الحرِّ، وهو قولُ ابنِ المباركِ، وأحمدَ، وإسحاقَ.
قال الشافعيُّ: إنَّمَا الإبرادُ بصلاة الظهر إذا كان مسجدًا يَنْتَابُ
(2)
أهلُه من البُعْدِ، فأمَّا المصلِّي وحدَهُ، والذي يصلِّي في مسجدِ قومه، فالذي أُحِبُّ له أنْ لا يُؤَخِّرَ الصلاةَ في شدَّةِ الحرِّ.
= ومعنى الكلام يحتمل وجهين، أحدهما: أن شدة الحر في الصيف من وهج جهم في الحقيقة، وروي: إن الله تعالى أذِن لجهنم في نفسين: نفس في الصيف، ونفس في الشتاء، فأشد ما تجدونه من الحر في الصيف، فهو من نفسها، وأشد ما ترونه من البرد في الشتاء، فهو منها.
والوجه الآخر: أن هذا الكلام إنما خرج مخرج التشبيه والتقريب، أي: كأنه نار جهنم، فاحذروها واجتنبوا ضررها.
(1)
حديث عمر الذي أشار إليه الترمذي أخرجه البزار (369) من طريق محمد بن الحسن المخزومي، حدثني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أبرِدوا بالصلاة إذا اشتدَّ الحر، فإن شدة الحر من فَيْح جهنم
…
" وأورده الهيثمي في "المجمع" 1/ 306، وزاد نسبته إلى أبي يعلى، ثم قال: وفيه محمد بن الحسن بن زَبالة نُسب إلى وضع الحديث.
(2)
أي: يأتون مرةً بعد أخرى.
وَمَعْنَى مَنْ ذَهَبَ إلى تأخيرِ الظهرِ في شدةِ الحَرِّ هُوَ أَوْلَى وأَشْبَهُ بالاتِّبَاعِ.
وأمَّا ما ذهب إليه الشافعيُّ أنَّ الرخصةَ لِمَنْ يَنْتَابُ من البُعْدِ والمَشَقَّةِ
(1)
على الناس، فإِنَّ في حديث أبي ذَرٍّ ما يَدُلُّ على خلافِ ما قال الشافعيُّ.
قال أبو ذَرٍّ: كُنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فَأَذَّنَ بِلَالٌ بِصَلاةِ الظُّهْرِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يَا بِلَالُ، أَبْرِدْ ثُمَّ أَبْرِدْ".
فلو كان الأمرُ على ما ذهب إليه الشافعيُّ، لم يكن للإِبرادِ في ذلك الوقتِ مَعْنىً، لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجونَ أَنْ يَنْتَابُوا من البُعْدِ.
158 -
حدّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدثنا أبو داودَ قال: أَنبأنا شعبةُ، عن مُهاجِرٍ أبي الحَسَنِ، عن زَيْدِ بن وَهْبٍ
عن أبي ذَرٍّ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان في سَفَرٍ وَمَعَهُ بِلال، فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ، فقال:"أَبْرِدْ" ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَبْرِدْ في الظُّهْرِ" قال: حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ شدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحٍ جَهَنَّمَ، فَأبْرِدُوا عَنِ الصلاة"
(2)
.
(1)
في نسخة بهامش (ب): "وللمشقة".
(2)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (533)، ومسلم (616)، وأبو داود (401)، وهو في "المسند"(21376)، و"صحيح ابن حبان"(1509).
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
7 - باب ما جاء في تَعْجِيل العصرِ
159 -
حدثنا قُتَيْبَةُ، قال: حدثنا اللَّيْثُ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن عُرْوَةَ
عن عائشةَ أنها قالت: صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العَصْرَ والشَّمْسُ في حُجْرَتِها، لَمْ يَظْهَرِ الفَيْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا
(1)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (522)، ومسلم (611)، وأبو داود (407)، وابن ماجه (683)، والنسائي 1/ 252، وهو في "المسند"(24095)، و"صحيح ابن حبان"(1521)، ولفظه عند بعضهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمسُ في حُجْرَتِها قبل أن تَظْهَرَ.
قال ابن سيد الناس في "شرحه": قوله: "لم يَظْهَرِ الفيءُ" أي: لم يعلُ السَّطحَ، وقيل: معنى "يظهر" يزول عنها، والظهور يُستعمل فيهما، فمن الأول قولُه تعالى:{وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33]، ومنه الحديث:"لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ" أي: عالِين عليه، ومنه قول النابغة الجعدي:
بلَغْنا السماءَ مجدُنا وجدودُنا
…
وإنّا لنرجو فوقَ ذلك مَظهَرا
أي: علوًّا.
ومن الزوال، قولُ أبي ذؤيب الهذلي:
وعَيَّرها الواشونَ أني أُحِبُّها
…
وتلك شَكَاةٌ ظاهر عنك عارُها
وكلُّه راجع إلى معنىً واحدٍ.
ومعناه: التبكيرُ بالعصر في أول وقتها، وهو حين يصير ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه، وكانت الحُجْرةُ ضيقةَ العَرَصة، قصيرةَ الجدار، بحيث يكون طول جدارها أقلَّ من مسافة العرصة بشيء يسير، فإذا صار ظلُّ الجدار مثله دخل وقتُ العصر، وتكون الشمس بعدُ في أواخر العرصة لم يرتفع الفيءُ في الجدار الشرقي، وقد روي الحديث بألفاظ كثيرة ترجع كلها إلى هذا المعنى. =
وفي الباب عن أنسٍ، وأبي أَرْوَى، وجابرٍ، ورافع بن خَدِيج.
ويُرْوَى عن رافعٍ أيضًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تأخير العصر، ولا يصحُّ
(1)
.
حديثُ عائشة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو الذي اخْتَارَهُ بعض أهلِ العلمِ مِنْ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم،
= وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 2/ 252 عند تعليقه على رواية: "والشمس في حُجْرتِها قبل أن تَظهَر": أي: ترتفع .. ومُحصِّله أن المراد بظهور الشمس: خروجُها من الحجرة، وبظهور الفَيء: انبساطُه في الحجرة، وليس بين الروايتين اختلاف، لأن انبساط الفيء لا يكون إلا بعد خروج الشمس.
(1)
حديث رافع هذا الذي ضعَّفه الترمذي أخرجه أحمد (15805)، والدارقطني 1/ 251 عن عبد الواحد بن نافع، قال: دخلت مسجد المدينة، فأذَّن مُؤذِّنُ العصر وشيخٌ جالس، فلَامَه، وقال: إن أبي أخبرني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير هذه الصلاة. قال: فسألتُ عنه، فقالوا: هذا عبد الله بن رافع بن خَدِيج. وقال الدارقطني: ابن رافع هذا ليس بقوي، وهذا حديث ضعيف الإسناد من جهة عبد الواحد هذا، لأنه لم يروه عن ابن رافع بن خديج غيرُه، وقد اختلف في اسم ابن رافع هذا، ولا يصح هذا الحديثُ عن رافع، ولا عن غيره من الصحابة.
وأخرجه البخاري في "تاريخه الكبير" 5/ 89 عن عبد الواحد بن نافع، به. وقال: لا يتابع عليه.
وقال ابن حبان في "المجروحين": عبد الواحد بن نافع يروي عن أهل الحجاز المقلوبات، وعن أهل الشام الموضوعات، لا يحل ذِكرُه في الكتب إلا على سبيل القَدْح فيه. / قلنا: والذي صَحَّ عن رافع بن خَدِيج خلافُ هذا، وهو ما أخرجه البخاري (2485)، ومسلم (625)، عنه، قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصرَ، فننحَرُ جَزُورًا، فتُقسَمُ عشرَ قِسَمٍ، ثم تُطبخُ، فنأكلُ لحمًا نضيجًا، قبل أن تَغرُبَ الشمسُ.
منهم: عُمَرُ، وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، وعائشةُ، وأنسٌ، وغيرُ واحدٍ من التابعين: تَعْجِيلُ صلاةِ العصر، وكرهوا تأْخيرَهَا.
وبه يقولُ عبدُ الله بنُ المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق.
160 -
حدّثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، قال: حدثنا إسماعيل بنُ جعفرٍ
عن العَلَاءِ بن عبدِ الرحمن: أنّه دخلَ على أنس بن مالكٍ في داره بالبصرة حين انصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ المَسْجِدِ، فقال: قومُوا فَصَلُّوا العَصْرَ، قال: فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "تلْكَ صَلاةُ المُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حتى إذَا كانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا"
(1)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (622)، وأبو داود (413)، والنسائي 1/ 254، وهو في "مسند أحمد"(11999)، و"صحيح ابن حبان"(259 - 263).
قال ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" ص 154 - 156 في الرد على من أنكر الأحاديث التي فيها النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس لطلوعها بين قرني الشيطان: فكره لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي في الوقت الذي يسجد فيه عبدةُ الشمس للشمس، وأعلمنا أن الشاطينَ حينئذٍ، أو أن إبليسَ في ذلك الوقت في جهة مطلع الشمس، فهم يسجدون له بسجودهم للشمس، ولم يُرِدْ بالقرن ما تَصَوَّروه في أنفسهم من قرون البقر وقرون الشاء، وإنما القرنُ ها هنا حرفُ الرأس، وللرأس قرنان، أي: حرفان وجانبان، ولا أرى القرنَ الذي يطلع في ذلك الموضع سمي قرنًا إلا باسم موضعه، كما تسمي العربُ الشيءَ باسم ما كان له موضعًا أو سببًا، فيقولون: رفع عَقِيرتَه، يريدون صوته، لأن رجلًا قطعت رجله، واستغاث من أجلها، فقيل لمن رفع صوته: رفع عَقِيرتَه. ومثل هذا كثير =
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
8 - باب ما جاء في تأخير العصر
161 -
حدّثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، قال: حدثنا إسماعيل بنُ عُلَيَّةَ، عن أيوبَ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ
= في كلام العرب، وكذلك قوله في المشرق:"مِن ها هنا يطلع قرنُ الشيطان" لا يريد به ما يسبق إلى وهم السامع من قرون البقر، وإنما يريد: من ها هنا يطلع رأسُ الشيطان.
والقرون أيضًا خُصَل الشعر، كل خُصْلة قرن، ولذلك قيل للروم: ذات القرون، يراد: أنهم يطولون الشعر، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا أن الشيطان في وقتِ طلوع الشمس وعندَ سجود عبدتها لها ماثلٌ مع الشمس، فالشمس تَجري مِن قبل رأسه، فأمرنا أن لا نُصلي في هذا الوقت الذي يكفر فيه هؤلاء، ويُصلون للشمس وللشيطان، وهذا أمر مُغيَّبٌ عنا، لا نعلم منه إلا ما عُلِّمْنَا، والذي أخبرتك به شيء يحتمله التأويلُ.
وقال ابنُ سيد الناس تعليقًا على هذا الحرف: اختلف فيه: هل هو على حقيقته وظاهره؟ والمراد أنه يُحاذيها بقرنيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها، لأن الكفار يسجدون لها حينئذٍ، فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له.
وقيل: هو على المجاز، والمراد بقرنه وقرنيه علوُّه وارتفاعه وسلطانُه، وغلبةُ أعوانه، وسجود مطيعيه من الكفار للشمس.
وقال الخطابي: هو تمثيل، ومعناه: أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا" تصريح بذمِّ مَن صلى مسرعًا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار، والمراد بالنَّقر: سرعة الحركات، كنقر الطائر، قال الشاعر:
لا أذوقُ النومَ إلا غِرارًا
…
مثلَ حَسْو الطيرِ ماءَ الثِّمادِ
عن أُمِّ سلمة، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ تَعْجِيلًا للظُّهْرِ مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ أَشَدُّ تَعْجِيلًا لِلعصرِ مِنهُ
(1)
.
وقد رُوي هذا الحديثُ
(2)
عن ابن جُرَيْجٍ، عن ابن أبي مُلَيْكةَ، عن أُمِّ سلمةَ نَحْوَه
(3)
.
9 - باب ما جاء في وقت المغرب
162 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ، قال: حدثنا حَاتِمُ بنُ إسماعيل، عن يزيدَ بن أبي عُبَيْدٍ
عن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي المغربَ
(1)
صحيح، وهذا سند رجاله ثقات، ورواه أحمد (26478) و (26647)، وأبو بكر بن أبي شيبة 1/ 323، وأبو يعلى (6992)، والطبراني في "الكبير" 23/ 604 من طرق عن إسماعيل بن علية، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، بهذا الإسناد. قلنا: وهذه الطريق هي التي أشار إليها المصنف بإثر الحديث.
وله شاهد من حديث أنس عند أحمد (11970) بسند صحيح.
(2)
أضاف الشيخ أحمد شاكر في طبعته هنا: "عن إسماعيل بن علية"، وهو في نسخة بهامشي (أ) و (ظ)، ولم يرد في سائر الأصول، ولا في النسخة التي شرح عليها ابن سيد الناس.
(3)
وقع في طبعة الشيخ أحمد شاكر هنا زيادة ذكر أنها من نسخة عابد السندي، ونصُّها:"ووجدت في كتابي: أخبرنى عليُّ بن حُجْر، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن جُريج. وحدثنا بِشْر بن مُعاذ البصري، قال: حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، عن ابن جُريج، بهذا الإسناد نحوه. وهذا أصحُّ"، وهذان الإسنادان لم نقف عليهما في شيء من أصولنا الخطية، ولا في النسخة التي اعتمدها ابن سيد الناس في شرحه، ولم يذكرهما كذلك المِزِّي في "تحفة الأشراف" 13/ 20 - 21.
إذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وتَوَارَتْ بالحِجَابِ
(1)
.
وفي الباب عن جابر، وزيد بن خالد، وأنس، ورافع بن خَدِيجٍ، وأبي أيوب، وأمِّ حَبِيبَةَ، وعباس بن عبد المطَّلِبِ، وحديثُ العباسِ قد رُويَ عنه موقوفًا، وهو أصحُّ.
حديثُ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَع حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ أَهْلِ العلم من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدَهم مِنَ التابعينَ: اخْتَارُوا تعجيلَ صلاةِ المغرِب، وكرهوا تأخيرَها، حتَّى قال بعضُ أهلِ العلم: ليس لصلاة المغرب إلَّا وَقتٌ واحدٌ،
(1)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (636)، وأبو عوانة (1064)، والبيهقي 1/ 446 من طريق قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو عوانة (1064) من طريق يحيى بن صالح والقعنبي، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، به.
وأخرجه أحمد (16550)، والبخاري (561)، وأبو عوانة (1063)، والطحاوي 1/ 154، والبيهقي 1/ 369 و 446، والبغوي (372) من طريق مَكِّي بن إبراهيم، وابن ماجه (688) من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، كلاهما عن يزيد بن أبي عبيد، به.
وأخرجه بنحوه أحمد (16532)، والدارمي (1209)، وأبو داود (417)، وأبو عوانة (1062) من طريق صفوان بن عيسى، عن يزيد بن أبي عبيد، به. ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي المغربَ ساعةَ تَغرُبُ الشمس إذا غاب حاجِبُها. قال الحافظ في "الفتح" 2/ 43: المراد حاجبها الذي يبقى بعد أن يَغِيبَ أكثرُها.
وقوله: "تَوارَتْ": يعني استترت، هو "تفاعَلَت" من الوَراءِ
وأما قوله: "إذا غَرَبتِ الشمس وتَوارَتْ بالحِجاب": فجملتان إحداهما تفسِّر الأخرى. قاله ابن سيد الناس في "شرحه".
وذَهَبُوا إلى حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ صلى به جبريلُ
(1)
. وهو قولُ ابنِ المباركِ، والشافعيِّ.
10 - باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخِرَة
163 -
حدثنا محمدُ بن عَبْدِ الملكِ بنِ أبي الشَّوَارِبِ، قال: حدثنا أبو عَوَانَةَ، عن أبي بِشْرٍ، عن بَشِيرِ بنِ ثَابِتٍ، عن حَبِيبِ بنِ سالمٍ
عن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ قال: أَنَا أَعْلَمُ الناسِ بِوَقْتِ هذِهِ الصَّلَاةِ، كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا لِسُقُوطِ القَمَرِ لِثَالِثَةٍ
(2)
.
164 -
حدثنا أبو بكر محمدُ بنُ أَبَانَ، قال: حدثنا عبدُ الرحمن بنُ مَهْدِيًّ، عن أبي عَوَانَةَ، بهذا الإسناد نَحْوَهُ
(3)
.
رَوَى هذا الحديثَ هُشَيْمٌ، عن أبي بِشْرٍ، عن حبيبِ بن سالمٍ، عن النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ، ولم يَذْكُرْ فيه هشيمٌ:"عن بَشِيرِ بن ثَابِتٍ".
وحديثُ أبي عوانةَ أصَحُّ، لأَنَّ يزيدَ بن هارونَ رَوَى عن شُعبةَ، عن أبي بِشْرٍ، نحوَ رواية أبي عوانةَ.
(1)
سلف من حديث ابن عباس عند المصنف برقم (149).
(2)
حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (419)، والنسائي 1/ 264 و 264 - 265، وهو في "المسند"(18377)، و"صحيح ابن حبان"(1526).
والمراد بقوله: "لسقوط القمر لثالثةٍ": وقت مَغيب القمر في الليلة الثالثة من كل شهر، وهذا يختلف بين شهر وآخر، لاختلاف وقت ولادة الهلال. وانظر تفصيلَ ذلك فيما علَّقه العلَّامة أحمد شاكر رحمه الله على "سنن الترمذي" 1/ 308 - 310.
(3)
انظر ما قبله.
11 - باب ما جاء في تأخير العشاء الآخِرَةِ
165 -
حدّثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا عَبْدَةُ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن عُمَرَ، عن سعيدٍ المَقبُرِيِّ
عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتي، لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا العِشَاءَ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفِهِ"
(1)
.
وفي الباب عن جابر بن سَمُرَةَ، وجابر بن عبد اللهِ، وأبي بَرْزَةَ، وابنِ عباسٍ، وأبي سعيدٍ، وزيدِ بنِ خالدٍ، وابنِ عُمَرَ.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو الذي اختارهُ أكثرُ أهلِ العلمِ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين: تأْخيرَ صلاةِ العشاءِ الآخرةِ، وبه يقولُ أحمدُ، وإسحاق.
12 - باب ما جاء في كراهِيَةِ النومِ قبل العِشاءِ والسَّمَرِ بَعْدَها
(1)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (7412)، وابن ماجه (691)، وابن حبان (1531) و (1538 - 1540) من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وزاد بعضهم في روايته:"ولأمرتهم بالسواك مع الوضوء".
وأخرجه أحمد (7339)، وأبو داود (46)، وابن ماجه (690)، والنسائي 1/ 266 - 267 من طريق الأعرج، عن أبي هريرة بلفظ:"لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بتأخير العشاء"، وزاد بعضهم في روايته:"وبالسواك عند كل صلاة".
وأخرجه مطولًا أحمد (10618) من طريق عطاء مولى أم صُبَيَّة، عن أبي هريرة، وفيه:"لولا أن أشق على أمتي، لأخرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل".
166 -
حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا عَوْفٌ. قال أحمدُ: وحدثنا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ - هو المُهَلَّبِيُّ - وإسماعيل ابنُ عُلَيَّةَ، جَمِيعًا عن عَوْفٍ، عن سَيَّارِ بن سَلَامةَ - هو أبو المنهال الرِّياحي
(1)
-
عن أبي بَرْزَةَ قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ، والحَدِيثَ بَعْدَهَا
(2)
.
وفي الباب عن عائشة، وعبد الله بن مسعود، وأنس.
حديثُ أبي بَرْزَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد كَرِهَ أكثرُ أهل العلم النومَ قبلَ صلاة العشاء
(3)
ورَخّصَ في ذلك بعضهم.
وقال عبدُ اللهِ بنُ المبارك: أكْثَرُ الأحاديث على الكراهِيَةِ.
ورَخَّصَ بعضهم في النوم قبلَ صلاة العشاء في رمضانَ
(4)
.
(1)
قوله: "هو أبو المِنْهال الرِّياحي" أثبتناها من (ل)، ولم ترد في سائر الأصول.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (568) و (599)، ومسلم (647)، وأبو داود (398) و (4849)، وابن ماجه (701)، والنسائي 1/ 246 و 262 و 265، وهو في "مسند أحمد"(19767)، و"صحيح ابن حبان"(1503). والحديث عند بعضهم مطوّل.
(3)
في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر زيادة: "والحديث بعدها"، ولا أصل لها في النسخ التي بأيدينا.
(4)
وقع في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر هنا أيضًا زيادة: "وسيار بن سلامة: هو أبو المنهال الرياحي"، وليست في شيء من نسخنا الخطية.
13 - باب ما جاء في الرخصة في السَّمَرِ بعدَ العشاء
167 -
حدّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدثنا أبو معاويةَ، عن الأَعْمَشِ، عن إبراهيمَ، عن عَلْقمةَ
عن عمرَ بن الخطاب، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ معَ أَبي بكرٍ في الأَمْرِ من أَمْرِ المُسْلِمِينَ وأَنا معَهما
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وأَوْسِ بن حُذَيْفَةَ، وعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ
(2)
.
(1)
حديث حسن كما قال الترمذي، علقمة - وهو ابن قيس النَّخَعي - لم يسمعه من عمر بن الخطاب، بينهما قَرْثَع الضَّبِّي عن قيس بن أبي قيس مروان الجُعفي، وقرثع الضبي حسن في المتابعات، وقد توبع، تابعه خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سَبْرَة كما سيأتي، وهو ثقة، وقيس بن مروان روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، فهو صدوق حسن الحديث.
وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 280، وأحمد (175) و (178) و (228)، والنسائي في "الكبرى"(8257)، وأبو يعلى (194) و (195)، وابن حبان (2034)، والطبراني في "الكبير"(8422) من طريق الأعمش، عن إبراهيم، بهذا الإسناد. والحديث عند بعضهم مطول، وفيه قصة.
وأخرجه مطولًا أيضًا أحمد (175)، والنسائي في "الكبرى"(8257)، وأبو يعلى (194)، والطبراني (8422) من طريق الأعمش، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سَبْرَةَ، عن قيس بن مروان، عن عمر بن الخطاب.
(2)
حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أحمد (19922)، وأبو داود (3663)، وابن خزيمة (1342)، ولفظه: كان نبيُّ الله رضي الله عنه يُحدِّثُنا عن بني إسرائيل حتى يُصبِحَ، لا يقوم فيها إلا إلى عُظْم صلاة. وإسناده صحيح. =
حديثُ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ.
وقد رَوَى هذا الحديثَ الحسنُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ، عن رَجُلٍ مِنْ جُعْفيٍّ يقال له: قَيْسٌ، أَو ابنُ قَيْسٍ، عن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث في قصَّةٍ طويلَةٍ
(1)
.
وقد اختلف أهلُ العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن
= وأما حديث أوس بن حذيفة، فأخرجه الطيالسي (1108)، وأحمد (16166)، وأبو داود (1393)، وابن ماجه (1345) عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال: فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قُبَّةٍ له، فكان يأتينا كلَّ ليلة بعد العشاء يحدثنا قائمًا على رجليه حتى يُراوح بين رجليه من طول القيام، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش .. وذكر الحديث بطوله. وإسناده ضعيف.
وحديث عمران بن حصين أخرجه أحمد (19921) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامَّة ليله عن بني إسرائيل، لا يقوم إلا إلى عُظْم صلاة. وهو حديث صحيح، لكن من حديث عبد الله بن عمرو، فقد انفرد محمد بن سُليم الراسبي أحدُ رواته، فجعله من حديث عمران، وهو لَيِّن الحديث، وخالفه غيره من الثقات، فجعله من حديث عبد الله بن عمرو، وهو الصواب، وحديث عبد الله بن عمرو ذكرناه قريبًا.
(1)
هذه الطريق أخرجها أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 372، وأحمد (265)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند"(267)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 199، والترمذي في "العلل" 2/ 883، والبيهقي 1/ 453 من طريق عبد الواحد بن زياد، عن الحسن بن عبيد الله، بهذا الإسناد، إلا أنهم زادوا فيه:"عن قَرْثَع الضَّبِّي" بين علقمة وبين الرجل الجُعْفي، ولم يذكروا فيه قصة السَّمَر، وساقوا فيه طرفًا آخر، إلا أبا عبيد، فإنه لم يسق لفظه.
بعدهم في السَّمَرِ بعد العشاء الآخرة: فكره قومٌ منهم السمرَ بعد صلاة العشاء، ورَخَّصَ بعضُهم إذا كان في مَعْنَى العلم وما لا بُدَّ منه من الحوائج، وأكثرُ الحديث على الرُّخْصَةِ.
وقد روِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سمَرَ إلَّا لمُصَلٍّ، أوْ مسافِرٍ"
(1)
.
(1)
حسن، أخرجه عبد الرزاق (2130)، وأحمد (4244)، والبيهقي 1/ 452 من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عمن سمع ابن مسعود، فذكره مرفوعًا، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الراوي عن ابن مسعود.
وأخرجه البيهقي 1/ 452 من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن خيثمة، عن رجل من جعفي، سمع عبد الله بن مسعود.
وأخرجه أحمد (3603)، وأبو يعلى (5378)، وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(109) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن خيثمة، عن رجل من قومه، عن عبد الله.
وأخرجه ابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(110)، وفي "قيام الليل - مختصره" ص 49 من طريق أبي عوانة، عن منصور، عن خيثمة، عن رجل، عن ابن مسعود.
وأخرجه الطيالسي (365)، وأحمد (3917) و (4419) من طريق شعبة، عن منصور، عن خيثمة، عن عبد الله بن مسعود. وفيه انقطاع، خيثمة لم يسمع من ابن مسعود.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(10519) من طريق إبراهيم بن يوسف الحضرمي الصيرفي، عن سفيان بن عيينة، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زياد بن حدير، عن عبد الله بن مسعود. وإسناده حسن، إبراهيم بن يوسف الحضرمي حسن الحديث، روى عنه جمع، ووثقه موسى بن إسحاق، وقال مطين: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال النسائي: ليس بالقوي، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين، غير زياد بن حُدير، فمن رجال أبي داود، وهو ثقة.
وأخرجه البخاري في "الكنى" 9/ 48، وأبو يعلى (4879) من طريق معاوية بن =
14 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل
168 -
حدثنا أبو عَمَّارٍ الحسينُ بنُ حُرَيْثٍ، قال: حدثنا الفضلُ بن موسى، عن عبد الله بن عمر العُمَرِيِّ، عن القاسم بن غَنَّامٍ
عن عَمَّته أمِّ فَرْوةَ - وكانت مِمَّنْ بايعتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالت: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعمالِ أَفْضَلُ؟ قال: "الصلاةُ لأَوَّلِ وقتِها"
(1)
.
169 -
حدثنا أحمد بن مَنِيعٍ، قال: حدثنا يعقوبُ بنُ الوليد المَدَنيُّ،
= صالح، عن أبي عبد الله الأنصاري، عن عائشة موقوفًا. وأبو عبد الله الأنصاري ذكره صاحب "الجرح والتعديل" ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وجهله الذهبي في "الكنى".
وفي الباب عن أبي برزة عند البخاري (547) ومسلم (647) ولفظه: وكان يكره النوم قبلها (أي: قبل صلاة العشاء)، والحديث بعدها.
وعن عائشة عند ابن حبان (5547)، ولفظه: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام قبلها، ولا يتحدث بعدها.
وعن عمر بن الخطاب أنه كان يضرب الناس على السمر بعدها عند عبد الرزاق (2132).
(1)
صحيح لغيره، وفي هذا الإسناد ثلاث علل: الأولى: عبد الله بن عمر العمري، فهو ضعيف، لكنه قد توبع، والثانية: الانقطاع بين القاسم بن غنام وأم فروة، والثالثة: الاضطراب، وقد أشار المؤلف إلى ذلك فيما بعد.
وأخرجه أبو داود (426)، وهو في "المسند"(27103 - 27105).
وأم فروة هذه هي أخت أبي بكر الصديق لأبيه، ومن قال فيها: إنها أم فروة الأنصارية فقد وَهِمَ. قاله ابنُ سيد الناس في "شرحه".
ويشهد له حديث عبد الله بن مسعود الآتي عند المصنف برقم (173)، وهو حديث صحيح.
عن عبد الله بن عمرَ، عن نافع
عن ابن عمرَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوقتُ الأَوَّلُ مِن الصَّلاةِ رِضْوانُ اللهِ، والوقتُ الآخِرُ عَفْوُ اللهِ"
(1)
(2)
.
(1)
إسناده تالف، يعقوب بن الوليد المدني كذَّبه أحمد بن حنبل وغير واحد.
وأخرجه الدارقطني 1/ 249، والبيهقي 1/ 435 من طريق أحمد بن منيع، بهذا الإسناد.
وأخرجه بن عدي في "الكامل" 7/ 2606، ومن طريقه البيهقي 1/ 435 عن محمد بن هارون بن حميد، عن أحمد بن منيع، به. إلا أنه قال فيه:"عبيد الله بن عمر" مكان: "عبد الله بن عمر". قال ابن عدي: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل، إن قيل فيه: عبد الله أو عبيد الله. وقال البيهقي: وقد روي بأسانيد أخر كلها ضعيفة.
وأخرجه الحاكم 1/ 189، والدارقطني 1/ 247 من طريق علي بن معبد، عن يعقوب بن الوليد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، به. ولفظه:"خير الأعمال الصلاة في أول وقتها".
وأخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 2/ 20 من طريق ليث بن خالد البلخي، عن إبراهيم بن رستُم، عن علي الغوّاص، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل الصلاة في أول الوقت على آخره، كفضل الآخرة على الدنيا" وعلي الغوّاص لم نجد له ترجمة.
وفي الباب عن جرير بن عبد الله عند ابن عدي 1/ 255، والدارقطني 1/ 249، وفيه الحسين بن حميد كذّبه مطيّن.
وعن أبي محذورة عند الدارقطني 1/ 250، والبيهقي 1/ 435، وفيه إبراهيم بن زكريا قال أبو حاتم: حديثه منكر، وقال ابن عدي: حدَّث عن الثقات بالبواطيل.
وعن أنس بن مالك عند ابن عدي 2/ 509، وفيه بقية بن الوليد ومجهولان، قال ابن عدي: وهو من الأحاديث التي يحدث بها بقية عن المجهولين، لأن عبد الله مولى عثمان بن عفان وعبد العزيز لا يُعرفان.
(2)
وقع في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر بعد هذا الحديث: "قال أبو عيسى: =
وفي الباب عن عليًّ، وابن عمر، وعائشة، وابن مسعود.
170 -
حدثنا قُتيبة، قال: حدثنا عبد الله بن وَهْب، عن سعيد بن عبد الله الجُهَني، عن محمد بن عمر بن عليَّ بن أبي طالب، عن أبيه
عن عليِّ بن أبي طالب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا علي، ثلاث لا تُؤَخِّرْها: الصلاةُ إذا آنَتْ
(1)
، والجِنازةُ إذا حَضَرَتْ، والأَيِّمُ إذا وجَدَتْ كُفْئًا"
(2)
.
= هذا حديث غريب، وقد روى ابنُ عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه"، ولم يرد في نسخنا الخطية المعتمدة، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولم ينقله الحافظ المزي في "التحفة" 6/ 108.
(1)
كذا في (ظ) و (د) وهامش (ب) و"شرح المباركفوري": "آنَتْ" بالمد والنون، وفي (ب) ونسختي ابن العربي وابن سيد الناس:"أَتَتْ" بالتائين مع القصر، وجاءت في نسخة (أ) مجودة بالوجهين، قال القاضي ابن العربي في "عارضة الأحوذي" 1/ 284: كذا رويتُه بتائين كل واحدة منهما معجمة باثنتين مِن فوقها، ورُوي: إذا آنت - بنون وتاء معجمة باثنتين من فوقها - بمعنى: حانت، تقول: آنَ الشيءُ يَئِين أينًا، أي: حان يَحِين حَيْنًا.
وقال العلامة علي القاري في "مرقاة المفاتيح" 1/ 404: أتت - بالتائَين مع القَصر - أي: جاءت، يعني وقتها المختار، وفي نسخة بالمد والنون، قال التُّورِبِشْتي: في أكثر النسخ المقروءَة "أتت" بالتائين، وكذا عند أكثر المحدثين، وهو تصحيف، والمحفوظ من ذوي الإتقان "آنَتْ" على وزن: حانت، ذكره الطِّيبي. وقال ميرك نقلًا عن "الأزهار": المشهور من الإتيان، قيل: وهو تصحيف، والمحفوظ "آنَت" على وزن: حانَت.
قال العلامة أحمد شاكر: والصحيح أنهما روايتان صحيحتان، ومعناهما متقارب.
(2)
إسناده ضعيف لجهالة سعيد بن عبد الله الجهني. =
حديثُ أُمِّ فَرْوةَ لا يُروَى إلا من حديث عبدِ اللهِ بن عمرَ العُمَريِّ
(1)
، وليس هو بالقويِّ عند أهل الحديث، واضطرَبوا في هذا الحديث، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه
(2)
.
= وأخرجه البيهقي 7/ 132 - 133 من طريق أحمد بن علي وجعفر بن محمد الفريابي، كلاهما عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد وابنه عبد الله في "المسند"(828)، ومن طريق أحمد أخرجه الحاكم 2/ 162 - 163 عن هارون بن معروف، عن عبد الله بن وهب، به. وقد وقع في رواية الحاكم:"سعيد بن عبد الرحمن الجمحي" مكان: "سعيد بن عبد الله الجهني"، قال الحافظ في "التلخيص" 1/ 186: وهو من أغلاطه الفاحشة، وقد ذكره ابن حبان في "الضعفاء" 1/ 323 فقال: سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي!
وأخرج قصة الجنازة منه فقط ابن ماجه (1486) عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، به.
وسيأتي هذا الحديث مكررًا سندًا ومتنًا عند المصنف برقم (1098).
"الأيِّم": التي لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيبًا، مطلَّقةً كانت أو متوفًّى عنها زوجها "النهاية" 1/ 85./ تنبيه: وقع في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر بعد هذا الحديث زيادة: "قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن"، ولم يرد هذا الحرف في شيء من نسخنا الخطية المعتمدة، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولم ينقله عنه الحافظ المزي في "التحفة" 7/ 437، ثم إن تحسينه هنا مخالف لقوله في الموضع الثاني رقم (1098):"حديث غريب، وما أرى إسناده بمتصل"، والله أعلم.
(1)
إطلاق الترمذي بأن الحديث لا يُروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العُمري، فيه نظر، فقد توبع كلما بيناه في "المسند"(27103).
(2)
قوله: "وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه" أثبتناه من (ل) وهامشي (أ) و (ب)، ولم ترد في سائر الأصول.
171 -
حدثنا قتيبةُ، قال: حدثنا مروانُ بنُ معاويةَ الفَزاريُّ، عن أبي يَعْفورٍ، عن الوليدِ بنِ العَيْزارِ، عن أبي عمرٍو الشَّيْبانيِّ
أنَّ رجلًا قال لابن مسعودٍ: أيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قال: سَأَلْتُ عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الصَّلاةُ على مَواقِيتِها" قُلْتُ: وماذا يا رسولَ الله؟ قال: "وبرُّ الوالِدَينِ" قلتُ: وماذا يا رسولَ الله؟ قال: "الجهادُ في سبيل الله"
(1)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه تامًّا ومختصرًا البخاري (527)، ومسلم (85)، والنسائي 1/ 292 و 292 - 293، وهو في "المسند"(3890)، و"صحيح ابن حبان" (1477 - 1479). ووقع في بعض رواياته:"الصلاة في أول وقتها" مكان "الصلاة على مواقيتها"، وفي بعضها الآخر:"الصلاة لوقتها".
وسيأتي الحديث عند المصنف برقم (2007).
قال الحافظ في "الفتح" 2/ 10 تعليقًا على رواية شعبة، عن الوليد بن العيزار: اتفق أصحاب شعبة على اللفظ المذكور في الباب، وهو قوله:"على وقتها"، وخالفهم علي بن حفص، وهو شيخ صدوق من رجال مسلم، فقال:"الصلاة في أول وقتها" أخرجه الحاكم 1/ 188 - 189، والدارقطني 1/ 246، والبيهقي من طريقه. قال الدارقطني: ما أحسبه حفظه، لأنه كَبِر وتغير حفظه. قلت: ورواه الحسن بن علي المعمري في "اليوم والليلة" عن أبي موسى محمد بن المثنى، عن غندر، عن شعبة كذلك، قال الدارقطني: تفرد به المعمري، فقد رواه أصحابُ أبي موسى عنه بلفظ:"على وقتها"، ثم أخرج الدارقطني عن المحاملي، عن أبي موسى كرواية الجماعة، وهكذا رواه أصحاب غندر عنه، والظاهر أن المعمري وهم فيه، لأنه كان يحدث من حفظه. وقد أطلق النووي في "شرح المهذب" أن رواية:"في أول وقتها" ضعيفة اهـ. لكن لها طريق أخرى أخرجها ابن خزيمة في "صحيحه"(327)، والحاكم 1/ 188 وغيرهما من طريق عثمان بن عمر، عن مالك بن مغول، عن الوليد، وتفرد عثمان بذلك، والمعروف عن مالك بن مغول =
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رَوَى المسعوديُّ وشعبةُ والشَّيْبانيُّ وغيرُ واحدٍ عن الوليد بن العَيْزارِ هذا الحديثَ.
172 -
حدثنا قُتَيبةُ، قال: حدثنا اللَّيْثُ، عن خالد بن يزيدَ، عن سعيدِ بنِ أبي هِلالٍ، عن إسحاق بن عمرَ
عن عائشةَ قالت: ما صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاةً لوقتِها الآخِرِ مَرَّتَيْنِ حتَّى قَبَضَه الله
(1)
.
= كرواية الجماعة، كذا أخرجه المصنف - يعني البخاري - وغيره، وكأن من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد، ويمكن أن يكون أخذه من لفظة "على" لأنها تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت، فيتعين أوله. قال القرطبي وغيره: قوله: "لوقتها" اللام للاستقبال، مثل قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي: مستقبلات عدتهن، وقيل: للابتداء، كقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وقيل: بمعنى "في" أي: في وقتها. وقوله: "على وقتها" قيل: بمعنى "اللام"، ففيه ما تقدم، وقيل: لإرادة الاستعلاء على الوقت، وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه.
(1)
إسناده ضعيف، إسحاق بن عمر لم يدرك عائشة فيما أشار إليه المصنف عقب الحديث، والبيهقي في "السنن"، ثم إنه مجهول لا يعرف فيما قال أبو حاتم وابن عساكر وابن القطان، وقال الذهبي في "الميزان": تركه الدارقطني.
وأخرجه أحمد (24614)، والدارقطني 1/ 249، والحاكم 1/ 190، والبيهقي 1/ 435 من طريق قتيبة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الدارقطني 1/ 249 من طريق معلَّى بن عبد الرحمن، عن الليث بن سعد، عن أبي النضر، عن عمرة، عن عائشة. ومعلَّى بن عبد الرحمن اتُّهم بالكذب.
وأخرجه الدارقطني 1/ 249، والحاكم 1/ 190 من طريق محمد بن عمر =
هذا حديثٌ غريبٌ
(1)
، وليس إسنادُه بمُتَّصِلٍ.
قال الشافعيُّ: والوقتُ الأولُ من الصلاةِ أفضلُ، وممَّا يَدُلُّ على فضل أولِ الوقتِ على آخرِه، اختيارُ النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ، فلم يكونوا يَخْتارونَ إلَّا ما هو أفضلُ، ولم يكونوا يَدَعونَ الفضل، وكانوا يُصَلُّونَ في أول الوقت.
حدثنا بذلك أبو الوليدِ المكِّيُّ، عن الشافعيِّ.
= الواقدي، عن ربيعة بن عثمان، عن عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة، عن عائشة.
وأخرجه الدارقطني أيضًا من طريق الواقدي، عن عبد الرحمن بن عثمان بن وثاب، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة. والواقدي متروك.
وأخرجه الحاكم 1/ 190، وعنه البيهقي 1/ 435 من طريق الحسين بن الفضل الجمحي، عن هاشم بن القاسم، عن الليث بن سعد، عن أبي النضر - وهو سالم مولى عمر بن عبيد الله - عن عمرة، عن عائشة.
قلنا: الحسين بن الفضل لم نتبينه، وهذان الطريقان غير محفوظين، والمحفوظ: عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن إسحاق بن عمر، عن عائشة فيما قال الدارقطني في العلل 5/ ورقة 148.
(1)
في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر: "حديث حسن غريب"، ولفظة:"حسن" لم ترد في أصولنا الخطية إلا في (ل) والنسخة التي شرح عليها ابن سيد الناس، ولم ينقلها الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" 11/ 350، ولا في "تهذيب الكمال" 2/ 462، ولم يذكرها كذلك الحافظ الزيلعي فيما نقله عن الترمذي في "نصب الراية" 1/ 244.
15 - باب ما جاء في السَّهْوِ عن وقتِ صلاةِ العصر
173 -
حدثنا قُتَيبةُ، قال: حدثنا اللَّيثُ، عن نافعٍ
عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"الَّذِي تَفوتُه صلاةُ العصرِ، فكأَنَّما وُتِرَ أَهْلَه وَمالَه"
(1)
.
وفي البابِ عن بُريدةَ، ونَوفلِ بن معاويةَ.
حديثُ ابنِ عمر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رواهُ الزهريُّ أيضًا عن سالمٍ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (552)، ومسلم (626)، وأبو داود (414)، وابن ماجه (685)، والنسائي 1/ 237 - 238 و 254 - 255، وهو في "المسند"(4545)، و"صحيح ابن حبان"(1469).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه": قال الحافظ في "الفتح" 2/ 30 - 31: هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لـ "وُتِرَ"، وأُضمِرَ في "وتر" مفعول لم يسم فاعله، وهو عائد على الذي فاتته، فالمعنى: أصيب بأهله وماله، وهو متعد إلى مفعولين
…
وقيل: "وتر" هنا بمعنى "نقص" فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه، لأن من رد النقص إلى الرجل نصب، وأضمر ما يقوم مقام الفاعل، ومن رده إلى الأهل رفعه، وقال القرطبي: يروى بالنصب على أن "وتر" بمعنى "سلب" وهو يتعدى إلى مفعولين، وبالرفع على أن "وتر" بمعنى "أخذ"، فيكون "أهله" هو المفعول الذي لم يسم فاعله.
ثم قال الحافظ: وبوب الترمذي على حديث الباب: ما جاء في السهو عن وقت العصر، فحمله على الساهي، وعلى هذا فالمراد بالحديث: أنه يلحقه من الأسف عن معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب منه أهله وماله
…
ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم.
(2)
انظر الحديث السالف.
16 - باب ما جاء في تعجيلِ الصلاةِ إذا أخَّرهَا الإمام
174 -
حدثنا محمد بن موسى البصريُّ، قال: حدثنا جعفر بن سليمانَ الضُّبَعيُّ، عن أبي عِمْرانَ الجَوْنيِّ، عن عبد الله بنِ الصَّامتِ
عن أبي ذرٍّ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذَرٍّ، أُمَراءُ يكونونَ بَعدِي يُمِيتونَ الصَّلاةَ، فَصَلِّ الصَّلاةَ لِوقتِها، فإنْ صَلَّيْتَ لِوقتِها، كانت لك نافلةً، وإلَّا كنتَ قد أَحْرَزْتَ صَلاتَكَ"
(1)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (648)، وأبو داود (431)، وابن ماجه (1256)، والنسائي 2/ 75 و 113، وهو في "المسند"(21306) و (21324)، و"صحيح ابن حبان"(1718) و (1719) و (2406).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يميتون الصلاة": قال النووي في "شرح مسلم" 5/ 147: معناه: يؤخرونها، فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه، والمراد بتأخيرها عن وقتها، أي: وقتها المختار، لا عن جميع وقتها، فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار، ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها، فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع.
وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 14 تعليقًا على قول أنس عند البخاري (530): "لا أعرف شيئًا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت": قال المهلب: والمراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب، لا أنهم أخرجوها عن الوقت. كذا قال، وتبعه جماعة، وهو مع عدم مطابقته للترجمة (يعني ترجمة البخاري: باب تضييع الصلاة عن وقتها) مخالف للواقع، فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة:
منها ما رواه عبد الرزاق (3795) عن ابن جريج، عن عطاء قال: أخر الوليد الجمعة حتى أمسى، فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب. وإنما فعل ذلك عطاء خوفًا على نفسه من القتل.
ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب "الصلاة" من طريق أبي بكر بن =
وفي الباب عن عبد الله بن مسعودٍ، وعُبادةَ بن الصَّامتِ.
حديثُ أبي ذَرٍّ حديثٌ حسنٌ
(1)
وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أهل العلم: يَسْتحِبُّونَ أن يُصلِّيَ الرجلُ الصلاةَ لميقاتِها إذا أَخَّرَها الإمامُ، ثم يُصلِّيَ مع الإمام، والصلاةُ الأُولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم.
وأبو عِمْرانَ الجَوْنيُّ اسمه: عبدُ الملك بنُ حَبيبٍ.
17 - باب ما جاء في النَّوْمِ عن الصَّلاةِ
175 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ، قال: حدثنا حمادُ بن زيْدٍ، عن ثَابِتٍ البُنَانيِّ، عن عبد الله بن رَبَاحٍ الأنصاريّ
عن أبي قَتَادَةَ، قال: ذَكَرُوا للنبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَوْمَهُمْ عَنِ الصَّلاةِ، فقال:"إنَّهُ لَيْسَ في النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ في اليَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَليُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا"
(2)
.
= عتبة، قال: صليت إلى جنب أبي جحيفة، فمسى الحجاج بالصلاة، فقام أبو جحيفة فصلى.
ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج، فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه.
ومن طريق محمد بن إسماعيل، قال: كنت بمنى وصُحُفٌ تقرأ للوليد، فأخروا الصلاة، فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان.
(1)
كذا قال الترمذي رحمه الله، وحقه أن يقال فيه: حسن صحيح، والله أعلم.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا مسلم (681)، وأبو داود =
وفي الباب عن ابن مسعود، وأبى مَرْيَمَ، وعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ، وجُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، وأبي جُحَيْفَةَ، وأبي سعيد
(1)
، وعَمْرِو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وذي مِخْبَرٍ - ويقال: ذي مِخْمَرٍ
(2)
- يقول الأوزاعي
(3)
: وهو ابنُ أخي النَّجَاشِيِّ.
وحديثُ أبي قتادةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد اختلف أهلُ العلم في الرجل يَنَامُ عن الصلاة أو ينْسَاها، فيستيقظُ أو يَذْكُرُ وهو في غير وقت صَلاةٍ، عند طلوع الشمس أو عند غروبها: فقال بعضهم: يُصليها إذا استيقظ أو ذكر، وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها. وهو قولُ أحمد، وإسحاق
(4)
.
وقال بعضهم: لا يُصَلِّي حتى تطلُعَ الشمسُ أو تغرُبَ.
18 - باب ما جاء في الرجل يَنسَى الصلاةَ
176 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ وبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ، قالا: حدثنا أبو عَوَانَةَ، عن قتادةَ
عن أنس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً، فَلْيُصَلِّهَا
= (441)، وابن ماجه (698)، والنسائي 1/ 294، وهو في "المسند"(22546) و"صحيح ابن حبان"(1460).
(1)
قوله: "وأبي سعيد" أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر الأصول.
(2)
قوله: "ويقال: ذي مخمر" أثبتناه من (د) ونسخة بهامشي (أ) و (ب).
(3)
قوله: "يقول الأوزاعي" أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر الأصول.
(4)
زاد الشيخ أحمد شاكر في مطبوعته: "والشافعي ومالك"، ولم تذكر هذه الزيادة في نسخنا الخطية، وهي ثابتة في "شرح المباركفوري".
إذَا ذَكَرَهَا"
(1)
.
وفي الباب عن سَمُرَةَ، وأبي قَتَادَةَ
حديثُ أنس حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ويُرْوَى عن عليِّ بن أبي طالب أنه قال في الرجل يَنْسَى الصلاة: يُصَلِّيهَا مَتَى مَا ذَكَرَهَا في وَقْتٍ أو في غير وقتٍ
(2)
. وهو قولُ أحمد
(3)
، وإسحاق.
ويُرْوَى عَنْ أَبي بَكْرَةَ: أنه نام عن صلاة العصر، فاستيقظَ عند غروب الشمس، فلم يُصَلِّ حتى غرَبَتِ الشمس
(4)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (597)، ومسلم (684)، وأبو داود (442)، وابن ماجه (695) و (696)، والنسائي 1/ 293، وهو في "المسند"(11972)، و"صحيح ابن حبان"(1555) و (1556).
(2)
أخرج ابن أبي شيبة 2/ 64 عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: إذا نام الرجلُ عن صلاةٍ أو نَسِيَ، فليصلِّ إذا استيقظ أو ذَكَر. والحارث - وهو ابن عبد الله الأعور - ضعيف الحديث.
(3)
وقع في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر: "وهو قول الشافعي وأحمد" وقوله: "الشافعي" لم يذكر في نسخنا، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
(4)
أخرج ابن أبي شيبة 2/ 62 - 63 عن أبي الأحوص، عن أبي حمزة، عن مولى لأبي بكرة، قال: دخل أبو بكرة بستانًا، فطاف فيه ونظر إليه، ونسي صلاة العصر حتى مالت الشمس، فلما ذكرها توضَّأ وجلس، فلما وَجَبتْ، قام فصلَّى العصر، ثم صلى المغرب.
وأخرج أيضًا 2/ 66 عن عبد الوهَّاب الثقفي، وعبد الرزاق (2249) عن معمر والثوري، كلهم عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن بعض بني أبي بكرة: أن أبا =
وقد ذهب قومٌ من أهل الكوفة إلى هذا، وأما أصحابُنا فذهبوا إلى قول عليِّ بن أبي طالب.
19 - باب ما جاء في الرجل تَفُوتُهُ الصلواتُ بِأَيَّتِهِنَّ يبْدَأُ
177 -
حدّثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا هُشَيْمٌ، عن أبي الزُّبير، عن نافع بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، عن أبي عُبَيْدَةَ بنِ عبد الله بنِ مسعودٍ، قال:
قال عبد الله: إنَّ المُشرِكِينَ شَغَلُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أَرْبعِ صَلَوَاتٍ يومَ الخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ من اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلَّى المغربَ، ثم أقام فصلى العشاءَ
(1)
.
= بكرة نام في داليةٍ لهم، فظننَّا أنه قد صلَّى العصرَ، فاستيقظ عند غروب الشمس، قال. فانتظر حتى غابت الشمس، ثم صلَّى. هذا لفظ ابن أبي شيبة، ولم يذكر عبد الرزاق في روايته:"عن بعض بني أبي بكرة".
(1)
حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح إلا أن فيه انقطاعًا بين أبي عبيدة بن عبد الله وبين أبيه، فهو لم يسمع منه، وهشيم - وهو ابن بشير - قد صرح بالسماع عند أحمد وابن أبي شيبة، فانتفت شبهة تدليسه.
وأخرجه النسائي 1/ 17 - 18 عن هنادٍ، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (3555) عن هشيم، قال: أنبأنا أبو الزبير، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 70، ومن طريقه البيهقي 1/ 403 عن هشيم، حدثنا أبو الزبير، به.
وأخرجه أحمد (4013)، والنسائي 1/ 297 - 298 و 2/ 18 من طرق عن هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، به. =
وفي الباب عن أبي سعيدٍ، وجابرٍ.
حديثُ عبدِ اللهِ ليس بإسناده بَأْسٌ، إلَّا أنَّ أبا عبيدةَ لم يسمعْ منْ عبد اللهِ.
وهو الذي اختارهُ بعضُ أهل العلم في الفوائتِ: أن يُقِيمَ الرجلُ لكلِّ صلاة إذا قضاها، وإِن لم يُقِمْ أجزأه، وهو قولُ الشافعيِّ.
178 -
حدثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدثنا مُعَاذُ بنُ هشامٍ، قال: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: حدثنا أبو سَلَمَةَ بنُ عبد الرحمن
عن جابر بن عبد الله: أنَّ عمر بن الخطابِ قال يومَ الخنْدَقِ - وجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْش - قال: يَا رسولَ الله، ما كِدْتُ أُصَلِّي العصرَ حتى تَغْرُبَ الشمسُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"واللهِ إنْ صَلَّيْتُهَا". قال: فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ، فتَوَضأَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضَّأْنا، فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصرَ بعدَما غَرَبَتِ الشمسُ، ثم صلَّى بعدها المغربَ
(1)
.
= وأخرجه بنحوه البيهقي 1/ 407 من طريق الأوزاعي، عن أبي الزبير، به.
وله شاهد عن أبي سعيد بإسنادٍ صحيح، أخرجه أحمد (11198)، والنسائي 2/ 17، وابن حبان في "صحيحه"(2890).
وانظر حديث جابر بن عبد الله التالي.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (596)، ومسلم (631)، والنسائي 3/ 84، وهو في "صحيح ابن حبان"(2889).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن صَلَّيتُها": معناه: ما صَلَّيتُها.
وقوله: "بُطْحان": هو بضم الباء وإسكان الطاء، هكذا ضبطه المُحدِّثون، وقال أهل اللغة: هو بفتح الباء وكسر الطاء، ولم يجيزوا غيره، وهو واد بالمدينة. =
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
20 - باب ما جاء في صلاةِ الوُسْطَى أنَّها العصرُ، وقد قيل: إنها الظهر
(1)
179 -
حدثنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا عَبْدَةُ، عن سعيد، عن قتادةَ، عن الحسن
عن سَمُرةَ بن جندُب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في صلاةِ الوُسْطى:"صلاةُ العَصْرِ"
(2)
.
180 -
حدثنا محمود بن غَيْلَانَ، قال: حدثنا أبو داودَ الطيَالِسِيُّ وأبو النَّضْرِ، عن محمد بن طلحةَ بن مُصَرِّفٍ، عن زُبَيْدٍ، عن مُرَّةَ الهَمْدَانيِّ
عن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةُ الوُسْطَى صَلاةُ العَصْر"
(3)
.
= "شرح مسلم" 5/ 132.
(1)
قوله: "وقد قيل: إنها الظهر" أثبتناه من (ل) و"شرح ابن سيد الناس"، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية.
(2)
حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح، لكن لم يصرح الحسن البصري بسماعه من سمرة.
وأخرجه أحمد (20082)، وانظر تمام تخريجه فيه.
وسيأتي الحديث مكررًا سندًا ومتنًا عند المصنف برقم (3225).
ويشهد له حديث ابن مسعود الآتي بعده.
(3)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (628)، وابن ماجه (686)، وهو في "المسند"(3716) و (3829)، و"صحيح ابن حبان"(1746). ورواياتهم جميعًا مطولة غير ابن حبان. =
هذا حديثٌ صحيحٌ
(1)
.
وفي الباب عن عليٍّ
(2)
، وعائشةَ، وحفصةَ، وأبي هريرةَ، وأبي هاشمِ بن عُتْبَةَ.
قال محمد: قال عليُّ بنُ عبد الله: حديثُ الحسنِ عن سَمُرَة حديثٌ حسن
(3)
، وقد سَمِعَ منه.
حديثُ سَمُرَةَ في صلاة الوسطَى حديثٌ حسنٌ
(4)
.
وهو قولُ أكثر العلماء من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
وقال زيدُ بنُ ثابتٍ وعائشة: صلاةُ الوسطَى صلاةُ الظهرِ.
وقال ابنُ عباسٍ وابنُ عمرَ: صلاةُ الوسطَى صلاةُ الصبحِ.
= وسيأتي الحديث مكررًا سندًا ومتنًا عند المصنف برقم (3227).
(1)
في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر في هذا الموضع: "حديث حسن صحيح"، ولفظة:"حسن" اتفقت نسخنا الخطية كافة، وكذا نسختا ابن سيد الناس والمباركفوري على عدم ذكرها في هذا الموضع، لكن سيأتي الحديث برقم (3227) وقال فيه هناك:"حسن صحيح".
(2)
زاد الشيخ أحمد شاكر في مطبوعته في أحاديث الباب هنا: "وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت"، ولم يرد في شيء من أصولنا الخطية، ولا في النسخة التي اعتمدها ابن سيد الناس والمباركفوري في شرحيهما.
(3)
قوله: "حسن" أثبتناه من (أ) و (ب) و (ظ)، وفي (ل) ونسخة بهامش (ب) و"شرح ابن سيد الناس":"صحيح"، وفي (د):"حسن صحيح".
(4)
كذا قال هنا كما في جميع الأصول الخطية والشروح، وقال في التفسير وقد أخرجه فيه برقم (3225):"حسن صحيح".
حدثنا أبو موسى محمد بن المُثَنَّى، قال: حدثنا قُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ، عن حَبِيبِ بن الشَّهيدِ قال: قال لي محمدُ بنُ سِيرِينَ: سَلِ الحسنَ: مِمَّنْ سَمِعَ حديثَ العَقِيقَةِ؟ فسأَلْتُهُ، فقال: سمعته من سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ.
وأخبرني محمد بن إسماعيل، عن عليِّ بن عبد الله بن المديني، عن قُرَيْشِ بن أَنَسٍ، بهذا الحديث
(1)
.
قال محمد: قال عليٌّ: وسماعُ الحسن من سَمُرة صحيح، واحتجَّ بهذا الحديث.
21 - باب ما جاء في كراهيةِ الصلاةِ بعدَ العصرِ وبعدَ الفجرِ
181 -
حَدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا منصورٌ، - وهو ابنُ زاذَانَ -، عن قَتادةَ، قال: أخبرنا أبو العالِيَةِ، عن ابن عَبَّاس، قال:
سمعتُ غيرَ واحدٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم: منهم عمرُ بنُ الخطَّابِ، وكان من أحَبِّهِم إلَيَّ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى عن الصَّلاةِ
(1)
إسناده صحيح، وقريش بن أنس كان قد اختلط، غير أن سماع علي بن المديني منه قبل اختلاطه.
وأخرجه البخاري (5472) عن عبد الله بن أبي الأسود، والنسائي 7/ 166 عن هارون بن عبد الله، كلاهما عن قريش بن أنس، بهذا الإسناد.
وسيأتي حديث الحسن عن سمرة في العقيقة عند المصنف برقم (1600)، ويأتي تخريجه هناك.
بعدَ الفجر حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وعن الصَّلاةِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ
(1)
.
وفي الباب عن عليٍّ، وابن مسعودٍ، وأبي سعيدٍ، وعُقْبةَ بن عامرٍ، وأبي هريرة، وابن عمَرَ، وَسَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ، وسَلَمةَ بن الأَكْوَع، وزيدِ بن ثابتٍ، وعبد الله بن عَمْرٍو، ومُعَاذِ بن عَفْرَاءَ، وَالصُّنابِحِيِّ - ولم يَسْمَعْ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعائشةَ، وَكَعْبِ بن مُرَّةَ، وأبي أُمَامةَ، وعَمْرو بن عَبَسَةَ، ويَعْلَى بن أُمَيَّةَ، ومعاويةَ.
حديثُ ابن عباسٍ عن عُمَرَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ أكثر الفقهاءِ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن بَعْدَهُم: أنهم كرهوا الصلاةَ بعدَ صلاة الصبح حتى تطلُعَ الشمسُ، وبعدَ العصر حتى تغرُبَ الشمسُ. فأما الصلَوَاتُ الفوائتُ، فلا بَأْسَ أن تُقْضَى بعدَ العصر وبعدَ الصُّبحِ.
قال عليُّ بن المديني: قال يحيى بنُ سعيدٍ: قال شعبة: لم يَسمَعْ قتادةُ من أبي العالِيَةِ إلَّا ثلاثة أشياءَ: حديثَ عُمَرَ: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهَى عن الصلاةِ بعدَ العصر حتى تغرُبَ الشمسُ، وبعد الصُّبح حتى تَطلُعَ الشمسُ"، وحديثَ ابن عباسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (581)، ومسلم (826)، وأبو داود (1276)، وابن ماجه (1250)، والنسائي 1/ 276 - 277، وهو في "مسند أحمد"(266).
يَنْبَغِي لأَحدٍ أنْ يَقُولَ: أنَا خَيْرٌ من يُونُسَ بن مَتَّى"
(1)
، وحديثَ عليٍّ:"القُضَاةُ ثَلاثَةٌ"
(2)
.
22 - باب ما جاءَ في الصلاةِ بعد العَصْرِ
182 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ، عن سعيدِ بن جُبَيْرٍ
عن ابن عباس، قال: إنَّمَا صَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَتَيْنِ بعد العَصْرِ، لأنه أتَاهُ مَالٌ، فَشَغَلَهُ عن الرَّكْعَتَيْنِ بعدَ الظهرِ، فَصَلَّاهُمَا بعدَ العصر، ثُمَّ لم يَعُدْ لَهُمَا
(3)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وأُمِّ سَلمةَ، ومَيْمُونةَ، وأبي موسى.
حديثُ ابن عباسٍ حديثٌ حَسَنٌ.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (2167)، والبخاري (3395)، ومسلم (2377)، وأبو داود (4669).
(2)
حديث صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة 7/ 230، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(1024)، والبيهقي 10/ 117، وأبو محمد البغوي في "شرح السنة"(2497) موقوفًا من حديث علي.
وفي الباب عن بريدة بن الحصيب مرفوعًا سيأتي عند المصنف برقم (1317). وهو حديث صحيح، وانظر "شرح مشكل الآثار"(54) و (55).
(3)
حديث حسن لغيره دون قوله: "ثم لم يَعُدْ لهما"، عطاء بن السائب قد اختلط، والراوي عنه هنا - وهو جرير بن عبد الحميد - سمع منه بعد الاختلاط، وأخرجه ابن حبان (1575) دون هذه الزيادة، وانظر كلامنا عليها هناك.
وله شاهد صحيح من حديث عائشة في "المسند"(24945) دون هذه الزيادة.
وقد رَوَى غيرُ واحدٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ صَلَّى بعدَ العصرِ ركعتينِ.
وهذا خلافُ ما رُوِي عنه: أنَّةُ نَهَى عن الصلاةِ بعدَ العصرِ حتى تغرُبَ الشمسُ
(1)
.
وحديثُ ابن عباسٍ أصَحُّ، حيثُ قال:"لم يَعُدْ لَهُمَا". وقد رُوِي عن زيدِ بن ثابتٍ نحوُ حديث ابن عباسٍ
(2)
.
وقد رُوِي عن عائشةَ في هذا الباب روايات:
رُوِي عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما دَخَلَ عَلَيْهَا بعدَ العصرِ إلَّا صَلَّى ركعتينِ
(3)
.
ورُوِي عنها، عن أمِّ سلمةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه نهى عن الصلاةِ بعدَ العصرِ حتى تغربَ الشمسُ، وبعدَ الصبح حتى تطلُع الشمسُ
(4)
.
(1)
نهيُه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس عقد له المصنف بابًا مستقلًّا هو الباب السالف، وذكر فيه حديث عبد الله بن عباس، عن عمر رقم (181)، وقد روي في النهي عن ذلك عن عدة من الصحابة، منهم أبو سعيد الخدري، وحديثه عند أحمد (11033)، والبخاري (586)، ومسلم (827)، وأبي داود (2417)، والنسائي 1/ 277 - 278 و 278.
(2)
حديث زيد بن ثابت أخرجه أحمد (21612)، وإسناده ضعيف.
(3)
أخرجه أحمد (24235)، والبخاري (590)، ومسلم (835)، وأبو داود (1279)، والنسائي 1/ 280 و 281.
(4)
لم نقف على حديث عائشة عن أم سلمة بهذا اللفظ، والذي وقفنا عليه من حديثها عن أم سلمة قصة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر. انظر "المسند" =
والذي اجتمعَ عليه أكثرُ أهل العلم: على كراهيةِ الصلاة بعدَ العصر حتى تَغرُبَ الشمسُ، وبعدَ الصبح حتى تَطلُعَ الشمسُ، إلَّا ما اسْتُثْنِي من ذلِك، مِثْلُ الصلاة بمكةَ بعد العصر حتى تَغرُبَ الشمسُ، وبعدَ الصبحِ حتى تطلُعَ الشمسُ بعدَ الطَّوَافِ، فقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم رُخْصَةٌ في ذلك
(1)
.
وقد قال به قومٌ من أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعدَهم، وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمد، وإسحاقُ.
وقد كَرِه قومٌ من أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعدهم الصلاةَ بمكة أيضًا بعدَ العصر وبعدَ الصُّبْح، وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ، ومالكُ بن أنس، وبعضُ أهل الكوفة.
23 - باب ما جاء في الصلاة قبلَ المغرب
183 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا وكيعٌ، عن كهْمَسِ بن الحَسَن، عن عبد الله بن بُرَيْدَةَ
عن عبد الله بن مُغَفَّلٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ، لِمنْ شَاءَ"
(2)
.
= (26560) و (26586) و (26633) و (26651).
(1)
يشير المصنف إلى حديث جُبير بن مُطعِم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا بني عبدِ منافٍ، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصَلَّى أيَّةَ ساعةٍ شاءَ من ليلٍ أو نهارٍ" وهو حديث صحيح سيأتي عند المصنف برقم (883).
(2)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (624)، ومسلم (838)، وأبو داود =
وفي الباب عن عبد الله بن الزُّبَيْرِ.
حديثُ عبد الله بن مُغَفَّلٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد اختلفَ أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة قبل المغرب:
فلم يَرَ بعضُهم الصَّلاةَ قبل المغرب.
وقد رُوي عن غير واحدٍ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يُصلُّونَ قبل صلاة المغرب رَكْعتينِ، بين الأذَان والإقامة.
وقال أحمدُ وإسحاقُ: إنْ صَلَّاهما فحَسَنٌ، وهذا عندهما على الاستحباب.
24 - باب ما جاء فيمن أدْرَكَ ركعةً من العَصْرِ قبل أن تغربَ الشمسُ
184 -
حَدَّثَنا الأنصاريُّ، قَالَ: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قَالَ: حدثنا مالكُ بنُ أنسٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ وعن بُسْر بن سعيدٍ وعن الأعرج يُحدِّثونه
عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"من أدْرَكَ من الصُّبْحِ رَكْعَةً قبل أن تطلُعَ الشمسُ، فقد أدرك الصُّبْحَ، ومن أدركَ من العصر ركعةً قبل أن تَغرُبَ الشمسُ، فقد أدركَ العصرَ"
(1)
.
= (1283)، وابن ماجه (1162)، والنسائي 2/ 28، وهو في "المسند"(16790) و"صحيح ابن حبان"(1559 - 1561).
(1)
إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (556)، ومسلم (608) وأبو داود =
وفي الباب عن عائشة.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وبه يقول أصحابنا: الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العُذْرِ، مِثْل الرجلِ ينامُ عن الصلاة، أو ينساها، فيستيقظُ ويَذْكُرُ عند طُلوعِ الشمس وعندَ غُروبِها.
25 - باب ما جاء في الجمع بينَ الصلاتَيْنِ
(1)
185 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن حَبِيبِ بن أبي ثَابتٍ، عن سعيد بن جُبَيْرٍ
عن ابن عباسٍ، قال: جَمَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الظُّهرِ والعَصْرِ، وبين المَغْربِ والعِشاءِ بالمدينة، من غير خوْفٍ ولا مَطَرٍ. قال: فقيلَ لابن عباسٍ: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ
(2)
.
= (412)، وابن ماجه (699) وبإثر الحديث (700)، والنسائي 1/ 257 و 258، وهو في "المسند"(7284) و (7458)، و"صحيح ابن حبان"(1557) و (1583).
(1)
وقع في طبعة الشيخ أحمد شاكر في هذا العنوان زيادة: "في الحضر"، ولا أصل لها في أصولنا الخطية، وشرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
(2)
إسناده صحيح، وأخرجه أحمد (1953) و (3323)، ومسلم (705)(54)، والنسائي 1/ 290، وأبو داود (1211).
وأخرجه أحمد (2557)، ومسلم (705)(49) و (50)، وأبو داود (1210)، والنسائي 1/ 290. وقالوا في حديثهم جميعًا:"من غير خوفٍ ولا سَفَرٍ" مكان: "من غير خوف ولا مطرٍ".
وقوله: "من غير خوف ولا مطر" قد بسطنا القول في هذا الحرف في تعليقنا =
وفي الباب عن أبي هريرة.
حديثُ ابن عباس قد رُويَ عنه من غير وجهٍ: رَوَاهُ جابرُ بن زيدٍ
(1)
، وسعيد بن جُبَيْرٍ
(2)
، وعبد الله بن شَقِيقٍ العُقَيْلِيُّ
(3)
.
وقد رُوي عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ هذا:
186 -
حَدَّثَنا أبو سَلمةَ يحيى بن خَلَفٍ البَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ بنُ سليمانَ، عن أبيه، عن حَنَشٍ، عن عِكْرمةَ
عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصلاتَيْنِ من غيرِ عُذْرٍ، فقد أتَى بَابًا من أبوابِ الكبائر"
(4)
.
وحَنَشٌ هذا هو: أبو عليٍّ الرَّحَبِيُّ، وهو: حُسَيْنُ بن قيسٍ،
= على "المسند" عند الرواية رقم (1953)، فانظره لزامًا.
(1)
حديث جابر بن زيد، عن ابن عباس صحيح، أخرجه أحمد (1918)، والبخاري (543) و (562) و (1174)، ومسلم (705)(55) و (56)، وأبو داود (1214)، والنسائي 1/ 286، وابن حبان (1597).
(2)
هو حديث الباب.
(3)
حديث عبد الله بن شَقِيق العُقَيلي، عن ابن عباس صحيح، أخرجه أحمد (2269)، ومسلم (705)(57).
(4)
إسناده ضعيف جدًّا من أجل حَنَش - وهو حسين بن قَيْس، أبو عليٍّ الرَّحَبي - فهو متروك الحديث، وقد اتفقوا على تضعيفه.
وأخرجه البزار (1356 - كشف الأستار)، وأبو يعلى (2751)، والطبراني في "الكبير"(11540)، وابن حبان في "المجروحين" 1/ 243، والدارقطني 1/ 395، والحاكم 1/ 275، والبيهقي 3/ 169 من طرق عن معتمر بن سليمان، بهذا الإسناد. وفي رواية البزار وأبي يعلى زيادة.
وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث، ضَعَّفَهُ أحمد وغيره.
والعمل على هذا عندَ أهل العلم: أن لا يَجْمَعَ بَيْنَ الصلاتين إلَّا في السَّفَرِ أو بعَرَفةَ.
ورَخَّصَ بعضُ أهلِ العلم من التابعين في الجَمْعِ بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد، وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: يَجْمَعُ بين الصلاتين في المَطَرِ، وبه يقول الشافعيُّ، وأحمد، وإسحاق
(1)
.
ولم يَرَ الشافعيُّ للمريض أن يجمعَ بَيْنَ الصلاتين.
26 - باب ما جاء في بَدْءِ الأذَانِ
187 -
حَدَّثَنا سعيدُ بنُ يحيى بن سعيدٍ الأُمَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا أبي، قَالَ:
(1)
قال صاحب "المغني" 3/ 132: ويجوز الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء، ويُروى ذلك عن ابن عمر، وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة، وهو قول الفقهاء السبعة ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق، ويروى عن مروان وعمر بن عبد العزيز، ولم يجوزه أصحاب الرأي
…
فأما الجمع بين الظهر والعصر، فغير جائز، قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: الجمع بين الظهر والعصر في المطر؟ قال: لا، ما سمعت. وهذا اختيار أبي بكر وابن حامد، وقول مالك.
وقال أبو الحسن التميمي: فيه قولان، أحدهما: أنه لا بأس به، وهو قول أبي الخطاب، ومذهب الشافعي. والمطر المبيح للجمع: هو ما يبل الثياب، وتلحق المشقة بالخروج فيه، أما الطل والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب، فلا يبيح.
وانظر لزامًا "المجموع" 4/ 378 - 383 للإمام النووي.
حَدَّثَنا محمدُ بنُ إسحاقَ، عن محمد بن إبراهيم التَّيْمِيِّ، عن محمد بنِ عبد الله بن زيد
عن أبيه، قال: لَمَّا أصْبَحْنَا، أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخْبَرْتُهُ بالرُّؤْيَا، فقال:"إنَّ هذِهِ لَرُؤْيَا حَقٍّ، فَقُمْ مع بلالٍ، فإنَّهُ أنْدَى - أو أمدُّ - صوتًا منك، فأَلْقِ عليه ما قِيلَ لك، وَلْيُنَادِ بِذلِكَ". قال: فلمَّا سمعَ عمرُ بن الخطاب نِدَاءَ بلالٍ بالصلاة، خَرَج إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يَجُرُّ إزَارَهُ، وهو يقول: يَا رَسُولَ اللهِ، والذي بَعَثَك بالحقِّ، لقد رأيتُ مِثلَ الذي قال، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَلِلَّهِ الحمدُ فذلك أَثْبَتُ"
(1)
.
وفي الباب عن ابن عُمَرَ.
حديثُ عبد الله بن زيدٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رَوَى هذا الحديثَ إبراهيمُ بنُ سعد، عن محمد بن إسحاقَ أتَمَّ من هذا الحديثِ وأطوَلَ، وذَكَرَ فيه قصةَ الأذان مَثنَى مَثنَى والإِقَامَةِ مَرَّةً مَرَّةً
(2)
.
(1)
إسناده حسن، فقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث عند ابن حبان وابن خزيمة. وأخرجه مطولًا ومختصرًا أحمد (16478)، وأبو داود (499)، وابن ماجه (706)، وصححه ابن خزيمة (371) وابن حبان (1679)، وغيرهما من الأئمة كالبخاري والنووي والذهبي.
وقوله: "فإنه أَنْدى صوتًا" أي: أَرفعُ وأعلى، وقيل: أحسنُ وأعذب، وقيل: أَبْعدُ. "النهاية" 5/ 37.
(2)
لفظة: "مرة" الثانية أثبتناها من (ب) و"شرح المباركفوري"، ولم ترد في =
وعبد الله بنُ زيدٍ: هو ابنُ عبد رَبِّه، ويقال: ابن عبد ربٍّ، ولا نَعْرِفُ له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيئًا يَصِحُّ إلَّا هذا الحديثَ الواحدَ في الأذانِ.
وعبدُ الله بن زيد بن عاصمٍ المازنيُّ، له أحاديثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو عَمُّ عَبَّادِ بن تَمِيمٍ.
188 -
حَدَّثَنا أبو بكر بنُ أبي النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بنُ محمد، قال: قال ابنُ جُرَيْجٍ: أخبرنا نافعٌ
عن ابنِ عُمَرَ، قال: كان المسلمون حينَ قَدِمُوا المدينةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحيَّنُونَ الصَّلَواتِ، وَلَيْسَ يُنادِي بِهَا أحَدٌ، فَتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضُهم: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مثلَ ناقوسِ النصارَى. وقال بعضهم: اتَّخِذُوا قَرْنًا مثلَ قَرْنِ اليهودِ. قال: فقال عمر: أوَلا تَبْعَثُونَ
(1)
رجلًا يُنادِي بالصلاة؟! قال: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلَالُ، قُمْ فَنَادِ بالصَّلاةِ"
(2)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ من حديث ابن عُمَر.
= سائر الأصول.
(1)
وقع في نسخنا الخطية و"شرح ابن سيد الناس": "تبعثوا" بحذف النون، وقد جَوَّزَ أهل العلم بالعربية حذفَها تخفيفًا في الشِّعر والنَّثْر لغير ناصب ولا جازم تشبيهًا لها بالضمة، وما أثبتناه من النسخة التي اعتمدها المباركفوري في "شرحه"، وهي رواية "الصحيحين"، وهو الجادة.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (604)، ومسلم (377)، وابن ماجه (707)، والنسائي 2/ 2 - 3، وهو في "المسند"(6357). وحديث ابن ماجه بنحوه، وفيه زيادة.
27 - باب ما جاء في التَّرْجِيعِ في الأذانِ
189 -
حَدَّثَنا بِشْرُ بنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنا إبراهيمُ بنُ عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي مَحْذُورَةَ، قال: أخبرني أبي وجَدِّي جميعًا
عن أبي محذورة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقْعَدَهُ، وألْقَى عليهِ الأذانَ حرفًا حرفًا. قال إبراهيمُ: مِثْلَ أذَانِنَا.
قال بشْرٌ: فقلتُ له: أَعِدْ عَليَّ، فَوصفَ الأذانَ بالتَّرْجِيعِ
(1)
.
حديثُ أبي مَحْذُورَةَ في الأذان حديثٌ صحيحٌ، وقد رُويَ عنه من غير وجهٍ.
وعليه العملُ بمكة، وهو قولُ الشافعيِّ.
190 -
حَدَّثَنا أبو موسى محمد بن المُثنَّى، قَالَ: حَدَّثَنا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنا هَمَّامٌ، عن عَامِرٍ الأحْوَلِ، عن مَكْحولٍ، عن عبد الله بن مُحَيْرِيزٍ
عن أبي مَحْذُورة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَه الأذانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، والإقامةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وقد أخرجه أحمد (15379)، وأبو داود (500) و (504)، والنسائي 2/ 3.
وانظر ما بعده.
وقوله: "فوصفَ الأذانَ بالتَّرجِيع"، التَّرجِيعُ: هو العودُ إلى الشَّهادتين مرَّتين برفعِ الصوت بعدَ قولِهما مرتين بخفض الصوت، "شرح مسلم" للنووي 4/ 81.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه مختصرًا ومطولًا أحمد (15376 - 15378) و (15380) و (15381)، ومسلم (379)، وأبو داود (501 - 503) و (505)، =
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وأبو مَحْذُورَةَ: اسمه سَمُرةُ بنُ مِعْيَرٍ.
وقد ذَهب بعضُ أهل العلم إلى هذا في الأذان.
وقد رُوي عن أبي محذورة: أنه كان يُفْرِدُ الإِقامة
(1)
.
= وابن ماجه (708) و (809)، والنسائي 2/ 4 - 7 و 13 - 14 و 14، وابن حبان (1680) و (1681).
وانظر ما قبله.
(1)
أخرج الدارقطني 1/ 237 من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جدِّه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا محذورة فعلمه الأذان، وأمره أن يؤذن في محاريب مكة: الله أكبر الله أكبر مرتين، وأمره أن يُقِيمَ واحدةً واحدةً.
وأخرج الدارقطني 1/ 236، والبيهقي 1/ 414 من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن أبي محذورة أيضًا، قال: أدركتُ أبي وجدي يؤذنون هذا الأذان الذي أُؤذِّنُ، ويقيمون هذه الإقامة، فيقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَه أبا محذورة، فذكر الأذانَ، قال: والإقامة فرادى: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
وأخرج الدارقطني 1/ 238، والحازمي في "الاعتبار" ص (69) من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة كذلك، عن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه أبي محذورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفَعَ الأذانَ، ويُوتِرَ الإقامةَ.
قلنا: ومدارُها جميعًا على إبراهيم بن عبد العزيز بن أبي محذورة، وهو ضعيف.
وأخرج ابن خزيمة في "صحيحه" كما في "إتحاف المهرة" 14/ 371 من طريق عبد العزيز بن عمران الزهري، عن محمد بن عبد الملك الكِناني، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج، عن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه: أن النبيِّ صلى الله عليه وسلم =
28 - باب ما جاء في إفراد الإقامة
191 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا عبد الوهَّابِ الثَّقفِيُّ ويزيد بن زُرَيْعٍ، عن خالدٍ الحذَّاءِ، عن أبي قِلابَةَ
عن أنس بن مالكٍ، قال: أُمِرَ بِلالٌ أن يَشْفَعَ الأذانَ، ويُوتِرَ
= أمَرَه أن يَشفَعَ الأذانَ، ويُوتِرَ الإقامة. قال الحافظ ابن حجر: وهو وهم، والصواب: عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة. قلنا: فيه عبد العزيز بن عمران، وهو متروك الحديث.
وأخرج ابن أبي شيبة 1/ 205 و 206 و 207 عن جَرِير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رُفيع، عن أبي محذورة: أن أذانه كان مثنى، وأن إقامته كانت واحدةً. وخالف جريرًا أبو الأحوص سَلَّام بن سُليم عند ابن أبي شيبة 1/ 206، فقال: عن عبد العزيز بن رفيع، قال: حدثني قائد أبي محذورة: أن أذانه كان مثنى، وأن إقامته كانت واحدة.
وخالفه كذلك شريكُ بن عبد الله النَّخَعي عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 136، فقال: عن عبد العزيز بن رفيع، قال: سمعت أبا محذورة يُؤذِّنُ مثنى مثنى، ويُقِيمُ مثنى. وشريك سيئ الحفظ.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 207 عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت أبا محذورة يقول في آخر أذانه: إنَّ أذانه كان مثنى، وإن إقامته كانت واحدة. وهذا إسناد رجاله ثقات.
قلنا: إفراد الإقامة في حديث أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم مخالفٌ لما رواه الأكثرون في حديثه: أن الإقامة مثنى مثنى كما جاء في الحديث السالف وتخريجه، وروايتهم أقوى وأرجح، والله أعلم.
قلنا: وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إفراد الإقامة من غير حديث أبي محذورة، جاء ذلك من حديث أنس وابن عمر، وسيأتي حديث أنس في الباب التالي، وهو في "الصحيحين".
الإِقامة
(1)
.
وفي الباب عن ابن عمرَ.
حديثُ أنسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ بعضِ أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
29 - باب ما جاء في أن الإِقامة مَثْنى مَثْنى
192 -
حَدَّثَنا أبو سعيدٍ الأشَجُّ، قَالَ: حَدَّثَنا عُقْبةُ بن خالد، عن ابن أبي ليلَى، عن عَمْرو بن مُرَّةَ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن عبد الله بن زيدٍ، قال: كان أذانُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شَفْعًا شَفْعًا في الأذانِ، والإِقامةِ
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (603)، ومسلم (378)، وأبو داود (508) و (509)، وابن ماجه (729) و (730)، والنسائي 2/ 3، وهو في "المسند"(12001)، و"صحيح ابن حبان"(1675) و (1676) و (1678).
(2)
رجاله ثقات غير محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فهو سيئ الحفظ، لكنه قد توبع، وقد اختلف فيه على عبد الرحمن بن أبي ليلى اختلافًا كثيرًا كما بَيَّنَّاه في "مسند أحمد" عند حديث معاذ بن جبل رقم (22027) و (22124)، وأشار المصنف إلى بعض هذا الاختلاف بإثر الحديث، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع عن عبد الله بن زيد كما قال المصنِّف وغيرُه.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 206، وابن خزيمة (380)، والدارقطني 1/ 241 من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمرو بن مرة، بهذا الإسناد.
وله طرق أخرى انظرها في "المسند"(22027) و (22124)، وانظر الطريقين =
حديثُ عبد الله بن زيد رواه وكيعٌ، عن الأعمشِ، عن عَمْرو بن مُرَّةَ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عبد الله بن زيدٍ
(1)
رأى الأذانَ في المنامِ.
وقال شُعْبة: عن عَمْرو بن مُرَّة، عن عَبد الرَّحمنِ بن أبي لَيْلى، قال: حدثنا أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم
(2)
: أنَّ عَبد اللهِ بن زَيد رأى
= التاليين.
وأخرجه أحمد مطولًا (16478) من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد رَبِّه، عن عبد الله بن زيد. لكن فيه إفراد الإقامة، وإسناده حسن، وقد سلف عند المصنف مختصرًا برقم (187).
(1)
هكذا وقع في نسخنا الخطية جميعها، وشرحي ابن سيد الناس والمباركفوري:"عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عبد الله بن زيد" وهو الذي نقله الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" 4/ 344، وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 203، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 28، وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 131 - 132 و 143 من طريق يحيى بن يحيى النيسابوري، وابن خزيمة (380) من طريق سَلْم بن جُنادة، والبيهقي 1/ 420 من طريق عبد الله بن هاشم، أربعتهم (ابن أبي شيبة ويحيى وعبد الله وسَلْم) عن وكيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: حدثني أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم: أن عبد الله بن زيد
…
فذكر الحديث. كذا قالوا في حديثهم جميعًا، زادوا فيه:"أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" بين ابن أبي ليلى وعبد الله بن زيد.
(2)
قوله: "قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" حذفه الشيخ أحمد شاكر من طبعته، وتبعه في ذلك الدكتور بشار عواد، وزعم الشيخ أحمد شاكر أن إثباته خطأ صرف، مع أنه ثابت في النسخ الخطية جميعًا، وفي النسختين اللتين اعتمدهما ابن سيد الناس والمباركفوري في شرحيهما، ونقله الحافظ المزي في "تحفة =
الأذان في المنامِ
(1)
.
وهذا أصحُّ من حديث ابن أبي ليلى، وعبدُ الرحمنِ بنُ أبي ليلى لم يسمعْ من عبد الله بن زيد.
قال بعضُ أهلِ العلمِ: الأذانُ مَثنَى مَثنَى، والإِقامةُ مَثنَى مَثنَى، وبه يقول سفيان الثوريُّ، وابنُ المبارك، وأهلُ الكوفةِ.
ابنُ أبي ليلى: هو محمد بن عبدِ الرحمنِ بن أبي ليلى، كان قاضيَ الكوفةِ، ولم يسمعْ من أبيه شيئًا، إلَّا أنه يَروي عن رجل، عن أبيه
(2)
.
30 - باب ما جاء في التَّرَسُّلِ في الأذان
193 -
حَدَّثَنا أحمد بن الحسن، قَالَ: حَدَّثَنا المُعَلَّى بن أَسَدٍ، قَالَ: حَدّثَنا عبد المنعم - وهو صاحبُ السِّقَاءِ -، قَال: حَدَّثَنا يحيى بن مُسْلِمٍ، عن الحسن وعطاءٍ
= الأشراف" 4/ 344، وهو ثابت كذلك في رواية شعبة هذه عند غير المصنف كما سيأتي تخريجها، لكن وقع فيها: "حدثنا أصحابنا" بدل: "حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم".
(1)
رواية شعبة هذه أخرجها ابن أبي شيبة 1/ 204، وأبو داود (506)، وابن خزيمة (383) من طرق عنه، عن عمرو بن مرة، بهذا الإسناد إلا أنهم قالوا:"حدثنا أصحابنا" مكان: "حدثنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم". وسنده صحيح.
(2)
من قوله: "ابن أبي ليلى" إلى هنا لم يرد في (أ) و (ب) و (د) و (ظ) و (س)، وهو ثابت في (ل) ونسخ بهوامش (أ) و (ب) و (س) وشرح ابن سيد الناس.
عن جابر، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلالٍ:"يا بلالُ، إذا أذَّنْتَ فتَرَسَّلْ، وإذا أقَمْتَ فاحْدُرْ، واجعلْ بين أذانِكَ وإقامتِكَ قَدْرَ ما يَفْرُغُ الآكِلُ من أَكَلِهِ، والشَّارِبُ من شُرْبِهِ، والمُعْتَصِرُ إذا دَخَلَ لِقضاءِ حاجتِهِ، ولا تقوموا حتى تَرَوْنِي"
(1)
.
(1)
إسناده ضعيف جدًّا، عبد المنعم بن نُعيم البصري صاحب السِّقاء متروك الحديث، وشيخه يحيى بن مسلم البصري مجهول كما أشار إلى ذلك المصنف عقب الحديث.
وأخرجه عبد بن حُميد (1008) من طريق يونس بن محمد، وابن عدي في "الكامل" 7/ 2649، والبيهقي 1/ 428 من طريق مُعَلَّى بن مهدي، كلاهما عن عبد المنعم بن نعيم، عن يحيى بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم 1/ 204 من طريق علي بن حماد بن أبي طالب، عن عبد المنعم بن نعيم الرياحي، عن عمرو بن فائد الأُسواري، عن يحيى بن مسلم، به. فأدخل بين عبد المنعم وبين يحيى عمرَو بن فائد، وهو متفق على ضعفه أيضًا.
وأخرجه البيهقي 1/ 428 من طريق صبيح بن عمر السيرافي، عن الحسن بن عبيد الله، عن الحسن وعطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال، فذكر مثله إلى قوله:"لقضاء حاجته". قال البيهقي: إسناده ليس بالمعروف، والإسناد الأول أشهر من هذا. قلنا: وصبيح بن عمر هذا لا يعرف.
وأخرج الدارقطني 1/ 238 من طريق عمرو بن شمر، عن عمران بن مسلم، عن سُويد بن غَفَلَة، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُنا أن نُرتِّلَ الأذانَ ونَحذِفَ الإقامةَ. وعمرو بن شمر الجُعْفي متروك الحديث.
وأخرج الطبراني في "الأوسط"(5026)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان" 2/ 270 من طريق وَضَّاح بن يحيى، عن أبي معاوية، عن عمر بن بشير، عن عمران بن مسلم، عن سعيد بن عَلْقَمة، عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُ بلالًا أن يُرتِّل في الأذان، ويَحدُرَ في الإقامة. وهذا إسناد ضعيف جدًا، وضاح بن =
194 -
حَدَّثنا عَبْدُ بن حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنا يونسُ بن محمدٍ، عن عبد المنعمِ، نحوَه
(1)
.
حديثُ جابرٍ هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم، وهو إسنادٌ مجهولٌ.
31 - باب ما جاء في إدخالِ الإصْبَعِ الأُذُنَ عند الأذانِ
195 -
حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنا عبد الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا سفيانُ الثَّوْريُّ، عن عَوْنِ بن أبي جُحَيْفَةَ
عن أبيه، قال: رأيتُ بلالًا يُؤَذِّنُ ويَدُورُ، ويُتْبِعُ فاهُ ها هنا وها هنا، وإصْبَعَاهُ في أُذُنَيْهِ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ - أُرَاهُ قال: من أدَمٍ - فخرجَ بلالٌ بين يديْهِ بالعَنَزَةِ، فَرَكَزَهَا
= يحيى - وهو النَّهْشلي الكوفي - ضعيف، وعمر بن بشير - وهو أبو هانئ الهَمْداني - ضعيف أيضًا، وسعيد بن علقمة، يغلب على الظن أنه حُرّف عن: سويد بن غَفَلة، ويؤيده إخراج الدارقطني له من هذا الوجه كما سلف آنفًا، وإن لم يكن كذلك، فلم نقف له على ترجمة.
وقوله: "لا تقوموا حتى تروني" له شاهد من حديث أبي قتادة، سيأتي عند المصنف برقم (598)، وهو في "الصحيحين".
وقوله: "فتَرسَّلْ" أي: تَأَنَّ، ولا تَعْجَل.
وقوله: "فاحْدُر" أي: أَسرِع وعَجِّلْ في التلفُّظ بكلمات الإقامة.
وقوله: "والمُعتصِر": هو من يُؤذِيه بَوْل أو غائط، أي: يَفرُغُ الذي يحتاج إلى الغائط، ويعصِرُ بَطْنَه وفَرْجَه. انظر "تحفة الأحوذي" 1/ 500 - 501.
(1)
ضعيف كسابقه.
بالبطْحاءِ، فَصَلَّى إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، يَمُرُّ بين يديهِ الكَلْبُ والحمارُ، وعليه حُلَّةٌ حَمراءُ، كَأنِّي أنظرُ إلى بَرِيقِ سَاقَيْهِ. قال سفيانُ: نُرَاهُ: حِبَرَةً
(1)
.
حديثُ أبي جُحَيْفَةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وعليه العملُ عند أهل العلم: يَسْتَحِبُّونَ أن يُدْخِلَ المؤذنُ إصْبَعيه في أذنيه في الأذان.
(1)
حديث صحيح، إلا أن في قوله:"ويدور" اختلافًا بسطنا الكلام عليه في "المسند".
وأخرجه أحمد (18759)، والبخاري (634)، ومسلم (503)، وأبو داود (520) و (688)، وابن ماجه (711)، والنسائي 1/ 87 و 235 و 2/ 12 و 73 و 8/ 220، وبعضهم يزيد فيه على بعض.
وقوله: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قُبَّة، القُبَّة من الخيام: بيتٌ صغير مستدير، وهو من بيوت العرب.
وقوله: من أَدَم، بفتحتين: جمع أَدِيم، أي: جِلْد.
وقوله: بالعَنَزَة، بفتح العين والنون والزاي: عصًا أقصرُ من الرُّمح لها سِنان، وقيل: هي الحَرْبَة القصيرة.
وقوله: بالبَطْحَاء: يعني بطحاء مكة، وهو موضعٌ خارج مكة، وهو الذي يقال له: الأَبْطح.
وقوله: الحُلَّة: واحدة الحُلَل، وهي بُرُود اليَمَن، ولا تُسمَّى حُلَّةً إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد.
وقوله: نُراه حِبَرَة، بكسر المهملة وفتح الموحدة، أي: نظن أن الحُلَّة الحمراء التي كانت عليه صلى الله عليه وسلم لم تكن حمراء بَحْتًا، بل كانت حِبَرة، يعني كانت فيها خطوطٌ، فإن الحِبَرَة: هي ضَرْب من بُرود اليَمَن مَوْشيٌّ مخطَّط، "شرح المباركفوري" 1/ 503.
وقال بعضُ أهل العلم: وفي الإِقامة أيضًا يُدخِلُ إصْبَعيه في أذنيه. وهو قول الأوزاعيِّ.
وأبو جُحَيْفَةَ اسمه: وَهْبُ بن عبد الله السُّوَائيُّ.
32 - باب ما جاء في التَّثْوِيبِ في الفجرِ
196 -
حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو أحمد الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو إسرائيلَ، عن الحَكَمِ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن بلالٍ قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُثَوِّبَنَّ في شيءٍ مِن الصَّلَواتِ إلَّا في صلاةِ الفجرِ"
(1)
.
وفي الباب عن أبي مَحْذُورَةَ
(2)
.
حديثُ بلالٍ لا نعرفه إلَّا مِن حديث أبي إسرائيلَ المُلائِيِّ، وأبو إسرائيلَ لم يسمعْ هذا الحديثَ مِن الحكم بن عُتَيْبةَ، إنما رواه عن الحسن بن عُمَارة، عن الحكم بن عُتَيْبةَ، وأبو إسرائيلَ: اسمه إسماعيلُ بن أبي إسحاقَ، وليس هو بذاك القويِّ عند أهل الحديثِ.
(1)
حديث صحيح بطرقه وشواهده، أبو إسرائيل - وهو إسماعيل بن خليفة - فيه ضعف، لكن يعتبر به في المتابعات والشواهد، وأخرجه أحمد (23912)، وابن ماجه (715).
ويشهد له حديث أبي محذورة الذي سيشير إليه المصنف في أحاديث الباب.
(2)
حديث أبي محذورة سلف عند المصنف برقم (189) و (190)، لكنه لم يسق لفظه بتمامه، وهو في "مسند أحمد" برقم (15376) و (15379)، وفيه:"وإذا أذَّنْتَ بالأول من الصُّبح، فقل: الصلاةُ خيرٌ من النَّوم، الصلاة خيرٌ من النَّوم"، وهو حديث صحيح.
وقد اختَلَفَ أهلُ العلم في تفسير التَّثْوِيب:
فقال بعضهم: التَّثْوِيبُ أن يقولَ في أذان الفجرِ: "الصلاةُ خيرٌ من النوم"، وهو قولُ ابنِ المبارك، وأحمد.
وقال إسحاق في التثويب غيرَ هذا، قال: هو شيءٌ أَحدَثَه الناسُ بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إذا أذَّنَ المؤذنُ، فاستبطأَ القومَ، قال بين الأذان والإقامة: قد قامتِ الصلاةُ، حَيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاحِ.
وهذا الذي قال إسحاقُ: هو التثويبُ الذي كَرِهَه أهلُ العلم، والذي أحْدَثُوهُ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
والذي فَسَّرَ ابنُ المبارك وأحمدُ: أنَّ التثويب أن يقولَ المؤذنُ في أذانِ الفجر: "الصلاةُ خيرٌ من النوم"، فهو قولٌ صحيحٌ، ويقال له: التثويب أيضًا، وهو الذي اختارَهُ أَهلُ العلم ورَأَوْهُ.
ورُويَ عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في صلاةِ الفجر: الصلاةُ خيرٌ من النومِ
(1)
.
وَرُويَ عن مُجَاهِدٍ، قال: دخلتُ مع عبد الله بن عُمَرَ مسجدًا وقد أُذِّنَ فيه، ونحن نريدُ أن نصليَ فيه، فَثَوَّبَ المؤذنُ، فخرج
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 208، ولفظه: أن ابن عمر كان يقول في أذانه: الصلاةُ خيرٌ من النوم. وإسناده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق (1822)، والبيهقي 1/ 423، ولفظه: أن ابن عمر كان يقول في الأذان الأَول بعد الفلاح: الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم. وإسناده حسن.
عبد الله بن عمر من المسجد، وقال: اخْرُجْ بنا من عند هذا المُبْتَدِعِ! ولم يُصَلَّ فيه
(1)
.
وإنما كَرِهَ عبد الله بن عمر التثويبَ الذي أحدَثَهُ الناسُ بَعْدُ.
33 - باب ما جاء من أَذَّنَ، فهو يُقيمُ
197 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا عَبْدَةُ ويَعْلَى، عن عبد الرحمن بن زِيَاد بن أَنْعُمٍ، عن زياد بن نُعَيْم الحَضْرَمِيَّ
عن زياد بن الحارِث الصُّدَائِيَّ، قال: أَمَرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أُؤَذَّنَ في صلاة الفجر، فأَذَّنْتُ، فأرادَ بلالٌ أن يُقيمَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إن أخا صُدَاءٍ قد أَذَّنَ، ومَنْ أذَّنَ، فهو يُقِيمُ"
(2)
.
وفي الباب عن ابن عُمَرَ.
وحديثُ زيادٍ إنَّمَا نعرفه مِن حديث الإفْرِيقيَّ، والإفريقيُّ هو
(1)
أخرجه عبد الرزاق (1832) من طريق ليث بن أبي سُليم، عن مجاهد، قال: كنت مع ابن عمر، فسمع رجلًا يُثوَّبُ في المسجد، ففال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع. وليث بن أبي سُليم ضعيف، وله طريق أخرى سندها ليَّن أيضًا، أخرجها أبو داود (538)، والبيهقي 1/ 424 من طريق أبي يحيى القَتَّات، عن مجاهد، قال: كنت مع ابن عمر، فثَوَّبَ رجلٌ في الظُّهر أو العصر، ففال: اخرج بنا، فإن هذه بِدْعَةٌ. وأبو يحيى القَتَّات لَيَّن الحديث.
(2)
إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زياد بن أَنْعُم الإفريقي، وأخرجه أحمد (17537)، وأبو داود (514)، وابن ماجه (717).
وله شواهد ضعيفة انظرها في "المسند".
ضعيف عندَ أهلِ الحديث، ضَعَّفَهُ يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ وغيرُهُ، قال أحمد: لا أكتبُ حديثَ الإفريقيَّ. قال: ورَأَيتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ يُقَوِّي أمْرَهُ، ويقول: هو مُقَارِبُ الحديثِ.
والعملُ على هذا عند أكثر أهل العلم: أنَّ مَن أَذَّن، فهو يقيم.
34 - باب ما جاء في كراهيةِ الأذان بغيرِ وُضُوء
198 -
حَدَّثَنا عليُّ بنُ حُجْر، قال: أَخبرنا الوليدُ بنُ مُسْلِمٍ، عن معاوية بن يحيى، عن الزُّهْرِيَّ
عن أبي هريرةَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يؤَذَّنُ إلَّا متَوَضَّئٌ
(1)
"
(2)
.
(1)
كذا في (ل) ونسخة بهامش (ب) وشرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، وفىِ بقية النسخ:"متوضئًا".
(2)
إسناده ضعيف لضعف معاوية بن يحى الصَّدَفي، ولانقطاعه، فإن الزُّهري لم يسمع من أبي هريرة كما ذكر المصنف عقب الحديث، ثم إن معاوية على ضعفه قد خُولِفَ في رفعه كما نَبَّهَ على ذلك المصنف بعد، فرواه غيرُه من الثقات عن الزهري، عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أصح.
وأخرجه البيهقي 1/ 397 من طريق هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن معاوية بن يحيى، عن الزُّهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. فأدخل سعيدَ بن المسيب بين الزهري وبين أبي هريرة، ومعاوية ضعيف كما ذكرنا، وهذا خطأ آخر منه.
وأخرجه البيهقي 1/ 397 من طريق عبد الجبار بن وائل بن حُجْر، عن أبيه قال: حقٌّ وسُنَّةٌ مسنونة أن لا يُؤَذَّنَ إلا وهو طاهرٌ، ولا يُؤذَّنَ إلا وهو قائم. قلنا: وهذا منقطع، عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه فيما قاله غير واحد من أهل العلم. =
199 -
حَدَّثَنَا يحيى بنُ موسى، قَالَ: حَدَّثَنا عبدُ الله بنُ وَهْبٍ، عن يونسَ، عن ابنِ شهابٍ، قال:
قال أبو هريرة: لا يُنَادِي بالصَّلاة إلَّا مُتوضَّئٌ
(1)
.
وهذا أصحُّ مِن الحديثِ الأولِ.
وحديثُ أبي هريرة لم يَرْفَعْهُ ابنُ وهب، وهو أصحُّ من حديث الوليد بنِ مسلم، والزهريُّ لم يَسمَعْ من أبي هريرة.
واختلَفَ أهلُ العلم في الأذان على غير وضوءٍ:
فكَرِهَه بعضُ أهل العلم، وبه يقولُ الشافعيُّ، وإسحاقُ.
ورَخَّصَ في ذلك بعضُ أهل العلم، وبه يقول سفيان، وابنُ المبارك، وأحمدُ.
35 - باب ما جاء أنَّ الإِمام أحقُّ بالإِقامة
200 -
حَدَّثَنا يحيى بنُ موسى، قَالَ: حَدَّثَنا عبدُ الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيلُ، قال: أخبرني سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ
سمع جابِرَ بن سمُرَةَ يقول: كان مُؤَذَّنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمْهِلُ
= وانظر ما بعده.
(1)
إسناده ضعيف لانقطاعه، ابن شهاب الزهري لم يسمع من أبي هريرة كما قال المصنف.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 211 من طريق الأوزاعي، عن الزهري، بهذا الإسناد. وانظر ما قبله.
فلا يُقِيمُ، حتى إذا رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد خرج، أقامَ الصلاةَ حين يَرَاهُ
(1)
.
حديثُ جابرِ بنِ سَمُرَةَ حديثٌ حَسَنٌ
(2)
، وحديثُ سِمَاكٍ لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه.
وهكذا قال بعضُ أهل العلم: إنَّ المؤذَّنَ أمْلَكُ بالأَذانِ، والإِمام أملكُ بالإِقامةِ.
36 - باب ما جاء في الأذان بالليل
201 -
حَدَّثنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا الليثُ، عن ابنِ شِهابٍ، عن سالم
عن أبيه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ بلَالًا يُؤَذَّنُ بلَيْلٍ، فكُلوا واشربُوا حتى تَسْمعُوا تَأْذِينَ ابنِ أُمَّ مَكْتُومٍ"
(3)
.
(1)
إسناده حسن من أجل سماك بن حرب، فإنه صدوقٌ حسن الحديث، وأخرجه مسلم (606)، وأبو داود (537)، وهو في "مسند أحمد"(20804).
(2)
وقع في طبعة الشيخ أحمد شاكر: "حسن صحيح"، ولفظةُ:"صحيح" لم ترد في شيء من نسخنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولا نقلها الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" 2/ 149.
(3)
إسناده صحيح، وأخرجه أحمد (4551) و (5285)، والبخاري (617) و (620)، ومسلم (1092)(36) و (37)، والنسائي 2/ 10، وابن حبان (3469) و (3470).
وسيذكر المصنف قريبًا رواية عُبيد الله بن عمر له، عن نافع، عن ابن عمر، ويأتي تخريجها هناك.
وفي الباب عن ابنِ مسعودٍ، وعائشةَ، وأُنَيْسَةَ، وأنَسٍ، وأبي ذَرًّ، وسَمُرَةَ.
حديثُ ابن عمر حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد اختلف أهلُ العلم في الأذان بالليل:
فقال بعضُ أهلِ العلم: إذا أذَّنَ المؤذنُ بالليل، أجزأه ولا يُعيدُ، وهو قولُ مالكٍ، وابن المبارك، والشافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.
وقال بعضُ أهل العلم: إذا أذَّنَ باللَّيلِ، أعادَ، وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ.
ورَوَى حَمَّادُ بنُ سَلمةَ، عن أيوبَ، عن نافع، عن ابنِ عمرَ: أنَّ بلالًا أذَّنَ بِلَيْلٍ، فَأمَرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُنَادِيَ: إنَّ العبدَ نَامَ
(1)
.
(1)
رجاله ثقات رجال الصحيح، إلا أن حماد بن سلمة أخطأ في رفعه باتفاق أئمة الحديث، وتابعه عليه سعيد بن زَرْبي كما ذكر البيهقي والدارقطني، وهو منكر الحديث، والصواب إرساله كما سيأتي.
وأخرجه عبد بن حميد (782)، وأبو داود (532)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 139، والدارقطني 1/ 244، والبيهقي 1/ 383 من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرجه بأطول مما هنا البيهقي 1/ 383 - 384 من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن أبي محذورة، والدارقطني 1/ 244 من طريق عامر بن مُدرِك، كلاهما عن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن ابن عمر: أن بلالًا، فذكراه. وإبراهيم بن عبد العزيز ضعيف، وعامر بن مُدرِك لَيَّن الحديث، وكلاهما قد وهم فيه، والصواب رواية من رواه عن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع: أن مؤذنًا لعمر أذَّنَ بليل، =
هذا حديثٌ غيرُ مَحْفُوظٍ.
والصحيحُ ما رَوَى عُبَيْدُ اللهِ بنُ عمر وغيرُه، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ بلالًا يُؤَذَّنُ بليلٍ، فَكُلُوا واشربوا حتى يُؤَذَّنَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"
(1)
.
= فأمره عمر أن يُعِيدَ الأذان، وستأتي هذه الرواية بعد حديث، ويأتي تخريجها هناك.
وأخرجه بأطول مما هنا أيضًا عبد الرزاق (1888)، ومن طريقه الدارقطني 1/ 244 عن مَعْمَر بن راشد، عن أيوب مرسلًا قال: أذن بلال مرَّة بليل، فذكره.
وأخرجه بأطول مما هنا كذلك الدارقطني 1/ 244، والبيهقي 1/ 384 - 385 من طريقين عن حُميد بن هلال مرسلًا: أن بلالًا أذن بليل، فذكره.
وأخرجه بنحوه الدارقطني 1/ 245 من طريق محمد بن القاسم الأَسَدي، عن الرَّبيع بن صَبِيح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: أذَّنَ بلال، فذكره. وقال الدارقطني عقبه: محمد بن القاسم الأسدي ضعيف جدًّا. قلنا: وفيه الربيع بن صَبِيح، وهو ضعيف أيضًا.
وأخرجه بنحوه أيضًا الدارقطني 1/ 245 من طريق محمد بن سعد بن محمد العَوْفي، عن أبيه، عن أبي يوسف القاضي، عن سعيد بن أبي عَرُوبَةَ، عن قتادة، عن أنس: أن بلالًا أذَّنَ قبل الفجر، فذكره.
وقال الدارقطني بإثره: تفرد به أبو يوسف عن سعيد، وغيرُه يُرسِلُه عن سعيد، عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلنا: في الطريق إليه محمد بن سعد العَوْفي وأبوه، وهما لَيَّنا الحديث.
ثم أخرجه مرسلًا 1/ 245 من طريق عبد الوهَّاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة: أن بلالًا أذن، فذكره. وقال عقبه: والمرسل أصح، والله أعلم.
(1)
رواية عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أخرجها أحمد (5195)، =
ورَوَى عبد العزيز بن أبي رَوَّادٍ، عن نافع: أن مؤذنًا لعُمَرَ أذَّنَ بليل، فأمرهُ عمرُ أن يُعِيدَ الأذان
(1)
.
وهذا لا يصحُّ، لأنه عن نافع، عن عمر مُنْقَطِعٌ، ولعلَّ حمادَ بن سلمةَ أراد هذا الحديثَ.
والصحيحُ رواية عُبَيْدِ الله بن عمر وغيرِ واحدٍ، عن نافع، عن ابن عمر. والزُّهريَّ، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
= والبخاري (623)، ومسلم (1092)(38). وانظر الحديث رقم (201).
(1)
هذا الأثر لا يصح لانقطاعه كما قال المصنف، فإن نافعًا مولى ابن عمر لم يدرِك عمر بن الخطاب.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 222 عن وكيع، عن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، بهذا الإسناد.
ووصله أبو داود (533)، ومن طريقه الدارقطني 1/ 244 من طريق شُعيب بن حَرْب، عن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن مؤذن لعمر - يقال له: مسروح - أذَّنَ قبل الصُّبح، فأمره عمر أن يُعِيدَ. ومؤذن عمر هذا مجهول لا يعرف.
قلنا: هذا هو المحفوظ في حديث عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، ورواه بعضُ الضعفاء عنه، عن نافع، عن ابن عمر: أن بلالًا أذَّنَ قبل الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي: إن العبد نام. وقد خرجنا هذه الرواية وتكلَّمنا عليها قبل حديث.
وقال أبو داود عقب روايته الحديث (533): وقد رواه حماد بن زيد، عن عُبيد الله بن عمر، عن نافع أو غيره: أن مؤذنًا لعمر يقال له: مسروح، أو غيره. قال: ورواه الدَّراوَرْدي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان لعمر مؤذن يقال له: مسعود، وذكر نحوه. قلنا: كذا رواه الدَّراوَرْدي، أدخل ابنَ عمر بين نافعٍ وبين عمر، فوصله، وهو خطأ منه، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العُمري منكر.
"إنَّ بلالًا يُؤذَّنُ بليلٍ".
ولو كان حديثُ حمَّادٍ صحيحًا، لم يكُنْ لهذا الحديث مَعْنىً، إذْ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ بلالًا يُؤَذَّنُ بليلٍ"، فإنَّمَا أمَرَهُمْ فيما يُسْتَقْبَلُ، فقال:"إن بلالًا يُؤذَّنُ بليلٍ"، ولو أنَّهُ أمره بإعادة الأذان حين أذَّنَ قبلَ طُلوعِ الفجر: لم يَقُلْ: "إن بلالًا يُؤَذَّنُ بليلٍ".
قال علي بنُ المَدِينِي: حديثُ حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابنِ عمر، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، هو غيرُ مَحْفُوظٍ، وأخطأَ فيه حمادُ بنُ سلمةَ.
37 - باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان
202 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن سُفيان، عن إبراهيمَ بن مُهَاجر، عن أبي الشَّعْثَاءِ، قال:
خرجَ رجلٌ من المسجد بعدَما أُذَّنَ فيه بالعصر، فقال أبو هريرة: أمَّا هذا فقد عَصَى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وفي الباب عن عثمانَ.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
حديث صحيح، إبراهيم بن مهاجر متابع، وأخرجه مسلم (655)، وأبو داود (536)، وابن ماجه (733)، والنسائي 2/ 29، وهو في "المسند"(9315)، و"صحيح ابن حبان"(2062).
وعلى هذا العملُ عند أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدَهم: أنْ لا يَخْرُجَ أحدٌ من المسجد بعدَ الأذان إلَّا من عذرٍ: أن يكونَ على غير وضوءٍ، أو أمْرٌ لا بُدَّ منه.
ويُرْوَى عن إبراهيم النَّخَعِيَّ أنه قال: يَخْرُجُ ما لم يأخُذِ المؤذنُ في الإِقامة.
هذا عندنا لمَنْ له عذرٌ في الخروج منه.
وأبو الشَّعْثَاءِ اسمه: سُلَيْمُ بن الأسْوَد، وهو والدُ أشْعَثَ بن أبي الشَّعْثَاءِ. وقد رَوَى أشعثُ بن أبي الشَّعْثَاءِ هذا الحديثَ عن أبيه
(1)
.
38 - باب ما جاء في الأذانِ في السفر
203 -
حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن خالدٍ الحَذَّاءِ، عن أبي قِلَابَة
عن مالك بن الحُوَيْرِثِ، قال: قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنا وابنُ عمًّ لي، فقال لنا:"إذا سَافَرْتُما، فأَذَّنا وأقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أكْبَرُكُمَا"
(2)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
هذه الرواية عد مسلم (655)(259).
(2)
إسناده صحيح، وأخرجه أحمد (15598)، والبخاري (628)، ومسلم (674)، وأبو داود (589)، وابن ماجه (979)، والنسائي 2/ 8 - 9 و 21 و 77، وابن حبان (1658) و (2128 - 2131)، وبعضهم يزيد فيه على بعض.
والعملُ عليه عندَ أكثر أهل العلم: اختارُوا الأذان في السَّفرِ.
وقال بعضهم: تُجْزِئُ الإِقامةُ، إنما الأذانُ على من يريدُ أن يجمعَ الناسَ، والقولُ الأوّلُ أصحُّ، وبه يقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.
39 - باب ما جاء في فضل الأذانِ
204 -
حَدَّثَنا محمد بن حُمَيْدٍ الرازيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو تُمَيْلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو حَمْزَةَ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ
عن ابن عباسٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن أذَّنَ سبعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا، كُتِبَتْ له براءةٌ مِن النارِ"
(1)
.
وفي الباب عن ابنِ مسعودٍ، وثَوْبَانَ، ومعاويةَ، وأنسٍ، وأبي هريرة، وأبي سعيدٍ.
(1)
إسناده ضعيف جدًّا، محمد بن حميد الرازي ضعيف، لكنه قد توبع، وجابر - وهو ابن يزيد الجُعْفي - متروك الحديث.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(11098)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" 2/ 73 من طريقين عن أبي تُمَيلة يحيى بن واضح، بهذا الإسناد.
وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" 1/ 247 من طريق علي بن الحسن بن شقيق، عن أبي حمزة السُّكَّري، به.
وأخرجه ابن ماجه (727) من طريقين عن جابر بن يزيد الجُعْفي، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" 2/ 786 من طريق محمد بن الفضل، عن مقاتل بن حَيَّان وحمزة الجَزَري، عن نافع، عن ابن عمر. ومحمد بن الفضل - وهو ابن عطيَّة الكوفي - كذَّبه غيرُ واحد من الأئمة.
حديثُ ابن عباس حديثٌ غريبٌ.
وأبو تُمَيْلَةَ: اسمه يحيى بن وَاضِحٍ، وأبو حمزةَ السُّكَّريُّ: اسمه مُحمد بن ميمونٍ.
وجابرُ بن يزيد الجُعْفيُّ ضَعَّفُوه، تركهُ يحيى بن سعيدِ وعبدُ الرحمن بن مهديًّ.
سمعتُ الجارودَ يقولُ: سمعتُ وكيعًا يقول: لولا جابرٌ الجعفيُّ، لكانَ أهلُ الكوفة بغيرِ حديثٍ، ولولا حمادٌ، لكان أهلُ الكوفة بغيرِ فقهٍ.
40 - باب ما جاء أن الإِمامَ ضامنٌ والمؤذَّنَ مُؤْتَمَنٌ
205 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو الأَحْوَصِ وأبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإِمامُ ضامِنٌ، والمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أرشِدِ الأَئِمَّةَ، واغْفِرْ للمُؤَذَّنِينَ"
(1)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وسهل بن سعدٍ، وعُقْبةَ بن عامِرٍ.
حديثُ أبي هريرة رواه سفيانُ الثوريُّ وحفص بن غِيَاثٍ وغيرُ واحد، عن الأعمش، عن أَبي صالح، عن أَبي هريرة، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
حديث صحيح، وهو في "مسند أحمد"(7818). وانظر تعليقنا على الرواية التالية.
ورَوَى أسْباطُ بن محمدٍ، عن الأعمش، قال: حُدَّثْتُ عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ورَوَى نافعُ بنُ سُلَيْمانَ، عن محمد بن أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديث
(2)
.
وسمعتُ أبا زُرْعَةَ يقولُ: حديثُ أبي صالح، عن أبي هريرة
(1)
رواية أسباط بن محمد عن الأعمش لم نقف عليها فيما بين أيدينا من مصادر السنة، لكن مِثلُها ما رواه أبو بَدْر شجاع بن الوليد عند المصنف في "العلل الكبير" 1/ 207 - 208، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(2193)، وابن نمير عند ابن خزيمة (1529)، قالا: عن الأعمش، قال: حُدَّثتُ عن أبي صالح، عن أبي هريرة. لكن جاء في رواية ابن نمير: حدثت عن أبي صالح، ولا أراني إلا قد سمعته.
ومثلها كذلك ما رواه محمد بن فُضيل عند أحمد (7169)، وأبي داود (517)، والبيهقي 1/ 430 قال: عن الأعمش، عن رجل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
وأراد المصنف رحمه الله بإيراده هذه الطريق أن يُنبِّهَ على الانقطاع في هذا الحديث بين الأعمش وبين أبي صالح، وأنه لم يسمعه منه، وإنما سمعه عن رجل مجهول، عنه.
قلنا: وهذا التعليل غير مُسلَّمٍ، بل هو مدفوع بما ذكرناه مبسوطًا في "المسند" عند الرواية (7169).
(2)
حديث صحيح من حديث أبي هريرة، وهذا إسناد ضعيف، محمد بن أبي صالح اختلف في تعيينه، وقد ذكرنا هذا الاختلاف مبسوطًا في "مسند أحمد"(24363)، وهو على كل حال إما ضعيف أو مجهول.
وأخرجه أحمد (24363)، وابن حبان (1671)، وانظر الحديث رقم (205).
أصحُّ من حديث أبي صالح، عن عائشةَ.
وسمعتُ محمدًا يقولُ: حديثُ أبي صالح، عن عائشة أصَحُّ، وَذَكَرَ عن عليَّ بن المَدِيني أنه لم يُثْبتْ حديثَ أبي صالح عن أبي هريرة، ولا حديث أبي صالح عن عاَئشةَ في هذا
(1)
.
41 - باب ما يقول إذا أذَّنَ المؤذنُ
206 -
حَدَّثَنا إسحاق بن موسى الأنصارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنا مالكٌ (ح)
وَحَدَّثَنا قُتيبةُ، عن مالك، عن الزُّهْرِيَّ، عن عطاء بن يزيد اللَّيْثِيَّ
عن أبي سَعيدٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سَمعتُم النَّدَاءَ، فقولُوا مِثْلَ ما يقولُ المُؤذَّنُ"
(2)
.
وفي الباب عن أبي رافعِ، وأبي هريرة، وأُمِّ حَبِيبةَ، وعبد الله بن عَمْرٍو، وعبد الله بن ربيعةَ، وعائشةَ، ومعاذ بن أنسٍ، ومعاويةَ.
حديثُ أبي سعيدٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
الاختلاف على أبي صالح السَّمَّان في هذا الحديث، وترجيح أئمة الحديث لأحد وجوه هذا الاختلاف قد ذكرناه مستوفى بما لا مزيد عليه إن شاء الله في التعليق على "المسند"(24363)، والذي يترجح لدينا رواية من رواه عن أبي صالح عن أبي هريرة، والله أعلم.
(2)
إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (611)، ومسلم (383)، وأبو داود (522)، وابن ماجه (720)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 23، وفي "عمل اليوم والليلة"(34)، وهو في "مسند أحمد"(11020/ 1)، و"صحيح ابن حبان"(1686).
وهكذا رَوَى مَعْمَرٌ وغيرُ واحد، عن الزُّهريَّ مثلَ حديث مالكٍ.
ورَوَى عبدُ الرحمن بنُ إسحاقَ، عن الزهريَّ هذا الحديثَ، عن سعيد بن المسيّبِ، عن أبي هريرة، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وروايةُ مالكٍ أصحُّ.
42 - باب ما جاء في كراهية أن يَأْخُذَ المؤذَّنُ على الأذان أجرًا
207 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو زُبَيْدٍ - وهو عَبْثَرُ بن القاسم
(2)
-، عن أشْعَثَ، عن الحسن
عن عثمان بن أبي العاصِ، قال: إنَّ من آخِرِ ما عَهِدَ إلَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنِ اتخِذْ مُؤَذَّنًا لا يَأْخُذُ على أَذانِه أَجْرًا
(3)
.
(1)
حديث صحيح من حديث أبي سعيد الخدري، وهذا الطريق أخطأ فيه عبد الرحمن بن إسحاق المدني - وهو حسن الحديث - على الزهري، والمحفوظ فيه كما أشار المصنف وغيره: عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري، هكذا رواه مالك وغيره عن الزهري. انظر الحديث السالف.
ورواية عبد الرحمن بن إسحاق المدني هذه أخرجها ابن ماجه (718)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(33).
(2)
قوله: "وهو عبثر بن القاسم" أثبتناه من (ل) وهامش (أ) والنسخة التي اعتمدها ابن سيد الناس في شرحه، ولم يرد في سائر النسخ.
(3)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، فيه أشعث - وهو ابن سَوَّار الكِنْدي - وهو ضعيف، وأخطأ الشيخ أحمد شاكر والشيخ ناصر الدين الألباني، رحمهما =
حديثُ عثمانَ حديثٌ حَسَنٌ
(1)
والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلم: كَرِهوا أن يأخذَ المؤذنُ
(2)
على الأذانِ أجرًا، واستحَبُّوا للمؤذنِ أن يَحْتَسِبَ في أذانه.
43 - باب ما يقولُ إذا أذن المؤذنُ من الدُّعاء
208 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا الليثُ، عن الحُكَيْم بنِ عبد الله بن قيس، عن عامر بن سعدٍ
عن سعد بن أبي وَقَّاصٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من قال حينَ يَسمَعُ المؤذنَ: وأنا أشْهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، وأن محمدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ، رَضِيتُ بالله ربًّا، وبالإسلامِ دينًا،
= الله، فظَنَّاه أشعثَ بن عبد الملك الحُمْراني الثقة، تَبِعا في ذلك ما وقع لابن حزم في إسناده في "المحلى" 3/ 145 من تعيينه بذلك، وهو غلط منه، أو من غيره من الرُّواة، لكن للحديث طريقان آخران صحيحان عند أحمد (16271)، وأبي داود (531)، والنسائي 2/ 23، وأبي عوانة (1557).
وأخرجه الحميدي (906)، وابن أبي شيبة 1/ 228، وابن ماجه (714)، والطبراني (8376) و (8378)، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 134، وابن حزم في "المحلى" 3/ 145.
(1)
وقع في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر: "حسن صحيح" بزيادة: "صحيح"، ولم ترد في شيء من نسخنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولا نقله عنه المزي في "تحفة الأشراف" 8/ 238.
(2)
لفظة: "المؤذن" أثبتناها من (ل) ونسخة ابن سيد الناس، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية.
وبمحمدٍ رسولًا، غَفَرَ اللهُ له ذُنوبَه
(1)
"
(2)
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ، لا نَعْرِفُهُ إلَّا مِن حديث الليث بن سعدٍ، عن حُكَيْم بن عبد الله بن قيسٍ.
44 - باب مِنْهُ أيضًا
209 -
حَدَّثَنا محمد بن سَهْل بن عَسْكَرٍ البغداديُّ وإبراهيم بن يعقوب، قَالا: حَدَّثَنَا عليُّ بن عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنا شُعَيبُ بن أبي حمزةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن المُنْكَدِرِ
عن جابر بنِ عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قال حينَ يَسمَعُ النَّداءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذه
(3)
الدَّعوةِ التامَّةِ، والصلاةِ القائمةِ، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلةَ، وابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَه. إلَّا حَلَّتْ له الشفاعةُ يومَ القيامةِ"
(4)
.
(1)
وقع في (ل) ونسخة بهامش (ب) وشرح ابن سيد الناس: "غُفر له ذنبه"، والمثبت من سائر نسخنا الخطية.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (386)، وأبو داود (525)، وابن ماجه (721)، والنسائي 2/ 26، وهو في "مسند أحمد"(1565)، و"صحيح ابن حبان"(1693).
(3)
لفظة: "هذه" أثبتناها من (ل) وشرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية.
(4)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (614)، وأبو داود (529)، وابن ماجه (722)، والنسائي 2/ 26 - 27، وهو في "مسند أحمد"(14817)، و"صحيح ابن حبان"(1689).
حديثُ جابرٍ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ
(1)
مِن حديثِ محمد بن المنكَدِرِ، لا نعلم أحدًا رواه غيرَ شُعيبِ بن أبي حمزةَ.
45 - باب ما جاء في أن الدعاءَ لا يُرَدُّ بينَ الأذان والإِقامةِ
210 -
حَدَّثَنا محمودٌ، قَالَ: حَدَّثَنا وكيعٌ وعبد الرزَّاقِ وأبو أحمدَ وأبو نُعَيْمٍ، قَالوا: حَدَّثَنا سفيانُ، عن زيدٍ العَمَّيَّ، عن أبي إياسٍ معاويةَ بن قُرَّة
عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدُّعاءُ لا يُرَدُّ بين الأَذان والإِقامةِ"
(2)
.
حديثُ أنسٍ حديثٌ حَسَنٌ
(3)
وقد رواه أبو إسحاق الهَمْدانِيُّ، عن بُرَيد بن أبي مريم، عن
(1)
وقع في المطبوع: "صحيح حسن غريب"، ولفظة:"صحيح" لم تذكر في نسخنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
(2)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف من أجل زيد العَمَّي، وهو ابن الحَواري، لكن رُوي الحديث من وجه آخر صحيح عن أنس سيذكره المصنف بإثر الحديث، ويأتي تخريجه.
وأخرجه أحمد (12200)، وأبو داود (521)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(68) و (69).
وسيأتي عند المصنف مكررًا برقمي (3911) و (3912).
(3)
وقع في المطبوع: "حسن صحيح"، وقوله:"صحيح" لا وجود له في نسخنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولا نقله الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" 1/ 408.
أنسٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، مثلَ هذا
(1)
.
46 - باب ما جاء كَمْ فَرَضَ اللهُ على عباده من الصلوات
211 -
حَدَّثَنا محمدُ بنُ يحيى، قَالَ: حَدَّثَنا عبد الرزَّاق، قَالَ: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزهريَّ
عن أنس بن مالك، قال: فُرِضَتْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ أُسْرِيَ بهِ الصَّلاةُ خَمْسِينَ، ثم نُقِصَتْ حتى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُودِيَ: يا محمدُ، إنه لا يُبَدَّلُ القولُ لَدَيَّ، وَإنَّ لك بهذه
(2)
الخَمْسِ خَمْسينَ
(3)
.
وفي الباب عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ، وطلحةَ بن عُبيد الله، وأبي قتادة، وأبي ذَرًّ، ومالك بن صَعْصَعَةَ، وأبي سعيد الخدريِّ.
حديثُ أنسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ.
(1)
أخرجه من هذا الطريق أحمد (12584)، وابن حبان (1696)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(67).
وهو صحيح، وانظر ما قبله.
(2)
هكذا في (ب) و (ل)، ووقع في سائر الأصول وشرحي ابن سيد الناس والمباركفوري:"بهذا".
(3)
حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا أحمد (12505) و (12641)، ومسلم (162)(259)، والنسائي 1/ 221 - 222.
وأخرجه بأطول مما هنا ضمن حديث الإسراء الطويل الذي رواه أبو ذر: البخاري (349) و (3342)، ومسلم (163)، والنسائي 1/ 221، وابن حبان (7406).
47 - باب في فضل الصلوات الخمس
212 -
حَدَّثَنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا إسماعيلُ بن جعفرٍ، عن العلاءِ بن عبد الرحمن، عن أبيه
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"الصَّلواتُ الخمسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ كَفَّارَاتٌ لما بينَهُنَّ، ما لم تُغْشَ الكَبَائرُ"
(1)
.
وفي الباب عن جابر، وأنس، وحَنْظَلَةَ الأُسَيَّدِيَّ
(2)
.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
48 - باب ما جاء في فضل الجماعة
213 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عن عُبَيْدِ الله بن عمرَ، عن نافع
عن ابن عمر، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةُ الجَماعةِ تَفْضُلُ على صلاةِ الرجلِ وحدَهُ بسَبْعٍ وعشرينَ درجةً"
(3)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (8715)، ومسلم (233)، وابن ماجه (1086)، وابن حبان في "صحيحه"(1733) و (2418).
(2)
هو حنظلة بن الربيع بن صيفي، والأُسَيِّدي - بضم الهمزة وفتح السين المهملة وكسر الياء المشددة المنقوطة بنقطتين من تحتها والدال المهملة بعدها - كذا ضبطه السمعاني وابن دريد في "الاشتقاق" وابن الأثير في "اللباب" و"أسد الغابة" وغيرُهم، نسبة إلى أُسَيَّد بطن من تميم، قال ابن دريد: أُسيَّد: تصغير أسود لغة بني تميم، وسائر العرب يقول: أُسَيْود، فإذا نسبوا إليه، قالوا: أُسَيْديّ، كرهوا كثرة الكَسَرات، واستثقلوا أن يقولوا: أُسَيَّدي، قلنا: حكى ابن الأثير أن المحدثين ينسبون بتشديد الياء، وأهل العربية يخففون.
(3)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (645) و (649)، ومسلم (650)، =
وفي الباب عن عبد الله بنِ مسعودٍ، وأُبَيَّ بنِ كعب، ومعاذِ بن جَبَلٍ، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وأنس بن مالكٍ.
حديثُ ابنِ عمر حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهكذا رَوَى نافعٌ، عن ابنِ عمر، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"تَفْضُلُ صلاةُ الجميع على صلاة الرجل وحدَهُ بسَبْعٍ وعشرين درجة"، وعامةُ من رَوَى عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما قالوا:"خَمْسٍ وعشرين" إلا ابنَ عمرَ، فإنه قال:"بِسبع وعشرينَ".
214 -
حَدَّثَنا إسحاقُ بنُ موسى الأنصاريُّ، قَالَ: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنا مالكٌ، عن ابنِ شهابٍ، عن سعيد بن المُسيّبِ
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ صلاةَ الرَّجل في الجماعة تزيدُ على صلاته وحدَهُ بخمسةٍ وعشرين جُزْءًا"
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
49 - باب ما جاء فيمن يَسمَعُ النداءَ، فلا يُجِيبُ
215 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا وكيعٌ، عن جعفر بن بُرْقَانَ، عن يزيدَ بن الأَصَمَّ
= وابن ماجه (789)، والنسائي 2/ 103، وهو في "مسند أحمد"(4670)، و"صحيح ابن حبان"(2052) و (2054).
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (477)، ومسلم (649)، وابن ماجه (787)، والنسائي 1/ 241 و 2/ 103، وهو في "مسند أحمد"(7185).
عن أبي هريرة، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لَقد هَمَمْتُ أن آمُرَ فِتْيَتي أن يَجمَعُوا حُزَمَ الحَطَبِ، ثم آمُرَ بالصلاةِ فتُقامَ، ثم أُحَرِّقَ عَلى أقوامٍ لا يَشْهَدُونَ الصلاةَ"
(1)
.
وفي الباب عن ابن مسعودٍ، وأبي الدَّرْدَاءِ، وابن عباسٍ، ومعاذ بن أنسٍ، وجابرٍ.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رُويَ عن غيرِ واحدٍ من أصْحَاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: من سَمِعَ النداءَ، فلم يُجِبْ، فلا صلاةَ له.
وقال بعضُ أهلِ العلم: هذا على التَّغليظِ والتَّشديدِ، ولا رخصةَ لأحدٍ في تركِ الجماعة إلَّا من عذرٍ.
قال مجاهدٌ: وسُئِلَ ابنُ عباسٍ عن رجلٍ يصومُ النهارَ، ويقومُ الليل، لا يَشْهَدُ جُمُعةً ولا جَماعَةً، فقال: هو في النارِ.
216 -
حدثنا بذلك هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا المُحَارِبِيُّ، عن لَيْثٍ، عن مجاهِدٍ
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (644)، ومسلم (651)، وأبو داود (548) و (549)، وابن ماجه (791)، والنسائي 2/ 107، وهو في "مسند أحمد"(7328)، و"صحح ابن حبان"(2096) و (2097) و (2098).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (1989) و (1990)، وابن أبي شيبة 2/ 155 من طرق عن ليث بن أبي سُليم، عن مجاهد، عن ابن عباس، وهذا إسناد ضعيف لضعف ليث بن أبي سُليم.
ومعنى الحديثِ: أن لا يشهدَ الجماعةَ والجُمُعةَ رَغْبةً عنها، واستخفافًا بحقَّها
(1)
، وتهاونًا بها.
50 - باب ما جاء في الرجل يُصلِّي وحدَهُ ثم يُدرِكُ الجماعةَ
217 -
حَدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، قال: حدثنا يَعْلَى بنُ عطاءٍ، قالَ: حَدَّثَنا جابر بنُ يَزِيدَ بن الأسودِ
عن أبيه، قال: شَهِدْتُ معَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَجَّتَهُ، فصَلَّيتُ معه صلاةَ الصُّبح في مسجدِ الخَيْفِ، فلما قَضَى صلاتَهُ، انحرف، فإذا هو برجلين في أُخرَى القوم لم يُصَلَّيَا معه، فقال:"علَيَّ بهما"، فجيء بهما تُرْعَدُ فَرَائِصُهما، فقال:"ما مَنَعَكُما أن تُصَلَّيَا معنا؟ " فقالا: يا رسول الله، إنَّا كُنَّا قد صلينا في رِحالِنا، قال:"فلا تَفْعَلا، إذا صَلَّيْتُما في رِحالكما، ثم أَتَيْتُما مسجدَ جماعةٍ، فَصَلَّيَا مَعَهُمْ، فإنها لكما نَافِلَةٌ"
(2)
.
(1)
قوله: "بحقها" أثبتناه من (س) و (ل)، والنسخة التي اعتمدها ابن سيد الناس في شرحه، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (575) و (576) و (614)، والنسائي 2/ 112 - 113 و 3/ 67، وهو في "مسند أحمد"(17474)، و"صحيح ابن حبان"(1564) و (1565) و (2395).
وقوله: تُرعَدُ، أي: تضطرب وتَرجُف، وهو على بناء المفعول من الإِرْعاد.
وفرائصهما: جمع فَرِيصة، وهي اللّحْمة التي بين الجَنْب والكَتِف، تَرتَعِد عند الفَزَع.
وفي الباب عن مِحْجَنٍ، ويزيدَ بن عامِرٍ.
حديثُ يزيدَ بن الأسْوَدِ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ غيرِ واحد من أهل العلم. وبه يقولُ سفيانُ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، قالوا: إذا صلَّى الرجلُ وحدَه، ثم أدركَ الجماعةَ، فإنه يُعِيدُ الصَّلواتِ كلَّها في الجماعة، وإذا صلَّى الرجلُ المغربَ وحدَه، ثم أدركَ الجماعةَ، قالوا: فإنه يُصَلَّيها معهم، ويَشْفَعُ بركعةٍ، والتي صَلَّى وحدَه هي المكتوبةُ عندَهم.
51 - باب ما جاء في الجماعة في مسجدٍ قد صُلَّيَ فيه مَرَّةً
218 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عن سعيدِ بن أبي عَرُوبَةَ، عن سليمانَ النَّاجِيَّ، عن أبي المُتَوَكَّلِ
عن أبي سعيدٍ، قال: جاء رجلٌ وقد صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أيُّكُمْ يَتَّجِرُ على هذا؟ " فقام رجلٌ، فَصَلَّى معه
(1)
.
وفي الباب عن أبي أُمَامَةَ، وأبي موسى، والحكَمِ بن عُمَيْرٍ.
وحديثُ أبي سعيدٍ حديثٌ حَسَنٌ.
وهو قولُ غير واحدٍ من أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، قالوا: لا بأسَ أن يُصلَّيَ القومُ جماعةً في
(1)
إسناده صحيح، عبدة - وهو ابن سليمان - قد روى عن سعيد بن أبي عروبة قبل الاختلاط. وأخرجه أحمد (11019)، وأبو داود (574)، وابن حبان (2399).
مسجدٍ قد صُلَّيَ فيه جماعة، وبه يقول أحمد، وإسحاقُ.
وقال آخرون من أهل العلم: يُصَلُّونَ فُرَادَى، وبه يقول سفيانُ، وابنُ المبارك، ومالكٌ، والشافعيُّ: يَخْتَارُونَ الصلاة فُرَادَى
(1)
.
52 - باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة
219 -
حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنا بِشرُ بنُ السَّرِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنا سفيانُ، عن عثمانَ بن حَكِيمٍ، عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرَةَ
عن عثمانَ بن عفانَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شَهِدَ العِشاءَ في جماعةٍ، كان له قِيَامُ نصفِ ليلةٍ، ومن صلَّى العِشاءَ والفجرَ في جماعةٍ، كان له كقيامِ ليلةٍ"
(2)
.
وفي الباب عن ابن عُمر، وأبي هريرة، وأنسٍ، وعُمَارَةَ بن رُوَيْبَةَ، وجُنْدُب، وأُبَيَّ بن كعبٍ، وأبي موسى، وبُرَيْدَةَ.
220 -
حَدَّثَنا محمد بن بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنا يزيد بن هارونَ، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن الحسنِ
عن جُنْدُبِ بن سفيانَ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من صلَّى الصُّبحَ،
(1)
وقع في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر زيادة: "وسليمان الناجي بصري، ويقال: سليمان بن الأسود، وأبو المتوكل: اسمه علي بن داود"، ولم ترد في شيء من أصولنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (656)، وأبو داود (555)، وهو في "مسند أحمد"(408)، و"صحيح ابن حبان"(2058 - 2060).
فهو في ذِمَّةِ الله، فلا تُخْفِرُوا اللهَ في ذِمَّتِه
(1)
"
(2)
حديثُ عثمان حديث حسن صحيح.
وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرَة، عن عثمان موقوفًا
(3)
، وروي من غير وجه عن عثمان مرفوعًا.
221 -
حَدَّثَنا عباسٌ العَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا يحيى بن كثير أبو غَسَّانَ العنبريُّ، عن إسماعيلَ الكَحَّالِ، عن عبد الله بن أوْسٍ الخُزَاعِيَّ
عن بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيَّ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"بَشِّرِ المشَّائِينَ في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنُّورِ التَّامَّ يومَ القيامة"
(4)
.
(1)
حديث صحيح، وقد أخرجه أحمد (18803)، ومسلم (657)، وابن حبان (1743)، وجندب: هو ابن عبد الله بن سفيان البَجَلي، نُسِبَ إلى جدَّه.
وقوله: "في ذِمَّة الله" أي: في عَهْدِه وأمانه الذي أعطاه لأهل الإيمان.
وقوله: "فلا تُخفِروا" أي: لا تَنقُضوا عهدَه وذِمامَه.
(2)
وقع في طبعة الشيخ أحمد شاكر عقب حديث جندب هذا: "هذا حديث حسن صحيح" ولا أصل له في نسخنا الخطية جميعًا، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولم ينقله المزي في "تحفة الأشراف" 2/ 441.
(3)
أخرجه من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن عثمان موقوفًا: مالك في "الموطأ" 1/ 132، وعبد الرزاق (2009)، وقد اختلف في رفع حديث عثمان هذا ووقفه كما بَيَّنَ ذلك الدارقطني في "العلل" 3/ 48 - 49، ورجَّح رفعه.
(4)
حديث حسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن أَوْس الخُزاعي تفرَّد بالرواية عنه إسماعيل بن سليمان الكَحَّال، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وقال ابن القطَّان: مجهول. وباقي رجاله ثقات غير إسماعيل الكحَّال، فهو حسن الحديث. =
هذا حديثٌ غريبٌ
(1)
.
53 - باب ما جاء في فضل الصَّفَّ الأول
222 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا عبد العزيز بن محمد، عن سُهَيْلِ بن أبي صالح، عن أبيه
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ صُفُوفِ
= وأخرجه أبو داود (561)، والطبراني في "الأوسط"(4219)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(755)، والبيهقي 3/ 63 - 64، والبغوي (473) من طريق إسماعيل بن سليمان الكحَّال، بهذا الإسناد.
وللحديث شواهد عن عدة من الصحابة، أجودها إسنادًا:
حديثُ سهل بن سعد الذي أخرجه ابن ماجه (780)، وابن خزيمة (1498) و (1499)، والطبراني في "الكبير"(5800)، والحاكم 1/ 212، والمزي في "تهذيب الكمال" 31/ 260. وإسناده حسن في الشواهد.
وحديث أنس بن مالك الذي أخرجه ابن ماجه (781)، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 140، والطبراني في "الأوسط"(5953)، والقضاعي (751)، والحاكم 1/ 212، والبيهقي 3/ 63. وفي إسناده سليمان بن داود بن مسلم الصائغ، وهو مجهول.
وحديث أبي الدرداء الذي أخرجه ابن حبان (2046)، وفي إسناده من لا يُعرف.
وفي الباب عن غيرهم من الصحابة، أضربنا عن ذكر أحاديثهم لشدة ضعفها.
(1)
وقع في طبعة الشيخ أحمد شاكر بعد هذا زيادة: "من هذا الوجه مرفوع، هو صحيح مسند وموقوف إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم"، ولم ترد في شيء من أصولنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
الرجال أوَّلُها، وشَرُّهَا آخرُهَا، وخيرُ صُفُوفِ النساء آخرُها، وشرُّها أوَّلُها"
(1)
.
وفي الباب عن جابرٍ، وابن عباسٍ
(2)
، وأبي سعيدٍ، وأُبَيًّ، وعائشةَ، والعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ، وأنسٍ.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رُوي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يَسْتَغْفِرُ للصَّفَّ الأولِ ثلاثًا، وللثَّانِي مَرَّةً
(3)
.
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو أنَّ الناس يعلمونَ ما في النِّدَاء والصَّفَّ الأول، ثُم لَم يَجِدُوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه، لاسْتَهَمُوا عليهِ".
223 -
حدثنا بذلك إسحاقُ بن مُوسى الأنصاريُّ، قَالَ: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنا مالكٌ، عن سُمَيًّ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النبيَّ
(1)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (440)، وأبو داود (678)، وابن ماجه (1000)، والنسائي 2/ 93 - 94، وهو في "مسند أحمد"(7362)، و"صحيح ابن حبان"(2179).
(2)
في طبعة الشيخ أحمد شاكر هنا زيادة: "وابن عمر"، وليست في شيء من أصولنا الخطية، ولا في شرح ابن سيد الناس.
(3)
رُوي هذا من حديث العِرْباض بن سارِيَة، وهو حديث صحيح، أخرجه أحمد (17141)، وابن ماجه (996)، والنسائي 2/ 92 - 93، وابن حبان (2158).
صلى الله عليه وسلم، بمِثْلِه
(1)
(2)
.
54 - باب ما جاء في إقامة الصفوف
224 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو عَوانةَ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ
عن النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنا، فخرجَ يومًا، فرأى رجلًا خارجًا صَدْرُهُ عن القومِ، فقال:"لتُسَوُّنَّ صُفُوفَكم أو لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بينَ وُجُوهِكم"
(3)
.
وفي الباب عن جابر بن سَمُرَةَ، والبَرَاءِ، وجابر بن عبد الله، وأنسٍ، وأبي هريرةَ، وعائشةَ.
حديثُ النعمان بن بَشيرٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (7226)، والبخاري (615)، ومسلم (437) و (439)، وابن ماجه (998)، والنسائي 1/ 269 و 2/ 23، وابن حبان (1659)، وفي الحديث عند بعضهم زيادة، ولفظه عند مسلم في الموضع الثاني وابن ماجه:"لو يعلمون ما في الصفَّ المقدَّم، لكانت قرعةً".
وقوله: "أن يَسْتهِمُوا" أي: يَقْترِعُوا.
(2)
أضاف الشيخ أحمد شاكر في طبعته بعد هذا: "وحدثنا قتيبة عن مالك، نحوه"، وهذا الإسناد لا وجود له في أصولنا الخطية جميعًا، ولا في النسخة التي اعتمدها ابن سيد الناس في شرحه، ولم يذكره الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" 9/ 389، ولا استدركه عليه أحد ممن صَنَّف في ذلك.
(3)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (18376) و (18389)، والبخاري (717)، ومسلم (436)، وأبو داود (662) و (663) و (665)، وابن ماجه (994)، والنسائي 2/ 89، وابن حبان (2165) و (2175) و (2176)، وبعضهم يزيد فيه على بعض.
وقد رُوي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تَمامِ الصلاةِ إقَامَةُ الصَّفَّ"
(1)
.
ورُوِي عن عُمرَ: أنه كان يُوَكَّلُ رجلًا بإقامَةِ الصُّفُوفِ، ولا يُكَبَّرُ حتى يُخْبَرَ أن الصفوفَ قد اسْتَوَتْ
(2)
.
ورُوي عن عليًّ وعثمانَ: أنهما كانا يتعاهدانِ ذلك، ويقولانِ: اسْتَوُوا
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد (14454) من حديث جابر بن عبد الله.
وأخرجه أحمد (12813)، والبخاري (723)، ومسلم (433)، وأبو داود (668)، وابن ماجه (993)، وابن حبان (2171) و (2174) من حديث أنس بن مالك بلفظ:"سَوُّوا صُفُوفَكم، فإن تَسويةَ الصُّفوف من تمام الصلاة".
(2)
أثر عمر هذا صحيح، أخرجه منقطعًا وموصولًا مالك في "الموطأ" 1/ 158، وعبد الرزاق (2437 - 2439)، والبيهقي 2/ 21.
وأخرج ابن أبي شيبة 1/ 352 عن أبي عثمان النَّهْدي، قال: كنتُ فيمن يُقِيمُ عمرُ بن الخطاب قُدَّامَه لإقامة الصُّفوف. وإسناده صحيح.
وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا 1/ 352 عن أبي عثمان النَّهْدي، قال: ما رأيت أحدًا كان أشَدَّ تعاهدًا للصف من عمر، إن كان يَستقبِلُ القِبْلَةَ حتى إذا قلنا: قد كَبَّرَ، التفت، فنظر إلى المَناكِبِ والأقدام، وإن كان يَبعَثُ رجالًا يَطرُدون الناسَ حتى يُلحِقُوهم بالصفوف. وإسناده صحيح أيضًا.
(3)
أثر عثمان في تعاهده الصفوف وأمره بتسويتها صحيح، أخرجه مالك 1/ 158، وعبد الرزاق (2442)، وابن أبي شيبة 1/ 352، والبيهقي 2/ 21 - 22 وفيه: أن عثمان كان يأمر بتعديل الصفوف، ثم لا يُكَبَّرُ حتى يأتِيَه رجالٌ قد كان وَكَّلَهم بتسوية الصفوف، يُخبِرُونَه أنها قد استوت، فيُكَبَّرُ.
وأما أثر عليًّ، فأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 352، وفي إسناده مجالد بن سعيد، =
وكان عليٌّ يقولُ: تَقَدَّمْ يا فلانُ، تَأخَّرْ يا فلانُ.
55 - باب ما جاء لِيَلنِي
(1)
مِنكم أُولُو الأحلامِ والنُّهى
225 -
حَدَّثَنا نَصْرُ بنُ عليًّ الجَهْضَمِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنا خالدٌ الحَذَّاءُ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن إبراهيمَ، عن عَلْقمةَ
عن عبد الله، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "ليَلِني
(2)
مِنكم أُولو الأحلامِ والنُّهى، ثم الذين يَلُونَهُمْ، ثم الذين يلونهم، ولا تَختلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قلوبُكم، وإياكم وهَيْشَاتِ الأسواقِ"
(3)
.
وفي الباب عن أُبَيَّ بن كعبٍ، وأبي مسعودٍ، وأبي سعيد، والبرَاء، وأنسٍ.
= وهو لَيَّن.
(1)
هكذا وقع في بعض النسخ بغير ياء قبل النون، وفي بعضها الآخر بإثباتها، قال النووي في "شرح مسلم": هو بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد.
(2)
انظر التعليق السابق.
(3)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (432)(123)، وأبو داود (675)، والنسائي في "السنن الكبرى"(11660)، وهو في "مسند أحمد"(4373)، و"صحيح ابن حبان"(2180).
وقوله: "أولو الأحلام": هم العقلاء، وقيل: البالغون.
"والنُّهى" بضم النون: العقول، جمع نُهْية بضم النون، وهي العقل.
وقوله: "وهَيْشاتِ الأسواق" أي: اختلاطُها، والمنازعة والخُصومات، وارتفاع الأصوات، واللَّغَط والفِتَنُ التي فيها. قاله النووي.
حديثُ ابن مسعودٍ حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ.
ورُوِي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يُعْجِبُهُ أن يَلِيَهُ المهاجرون والأنصارُ، لِيَحْفَظُوا عنه
(1)
.
وخالدٌ الحَذَّاءُ: هو خالدُ بن مِهْرَانَ، يُكْنَى أبا المُنَازِلِ، سمعتُ محمدَ بن إسماعيلَ يقول: إنَّ خالدًا الحذاءَ ما حَذَا نعلًا قطُّ، إنما كان يجلسُ إلى حذَّاءٍ، فنُسِبَ إليه.
وأبو مَعْشَرٍ: اسمه زيَادُ بن كُلَيْبٍ.
56 - باب ما جاء في كراهية الصَّفِّ بين السَّوارِي
226 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن يحيى بن هَانِئِ بن عرْوَةَ المُرَادِيَّ، عن عبد الحميد بن محمودٍ، قال:
صَلَّيْنَا خلفَ أميرٍ من الأُمراءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ، فصلينا بين السَّارِيَتَيْنِ، فلما صَلَّينا، قال أنسُ بن مالك: كنَّا نَتَقِي هذا على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (11963)، وابن ماجه (977)، والنسائي في "الكبرى"(8311)، وابن حبان (7258).
(2)
إسناده صحيح، عبد الحميد بن محمود - وهو المِعْوَلي - روى عنه جمع، وقال أبو حاتم: شيخ، ووثقه النسائي والذهبي وابن حجر، وقال الدارقطني: كوفي يحتج به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وحسن المصنف حديثه هذا، وباقي رجاله ثقات، وصحح هذا الإسناد الحافظ في "الفتح" 1/ 578.
وأخرجه أبو داود (673)، والنسائي 2/ 94، وهو في "مسند أحمد"(12339)، =
وفي الباب عن قُرَّةَ بن إياسٍ المُزَنِيَّ.
حديثُ أنسٍ حديثٌ حَسَنٌ.
وقد كَره قوم من أهل العلم أن يُصَفَّ بينَ السَّوارِي، وبه يقولُ أحمد، وإسحاقُ.
وقد رَخَّصَ قومٌ من أهل العلم في ذلك.
57 - باب ما جاء في الصلاة خَلْفَ الصَّفِّ وحْدَهُ
227 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو الأَحْوَصِ، عن حُصَيْنٍ، عن هِلالِ بن يِسَافٍ، قال:
أخَذَ زِيَادُ بن أبي الجَعْدِ بيدي ونحنُ بالرَّقَّةِ، فقام بي على شيخٍ يقالُ له: وابِصَةُ بنُ مَعْبَدٍ من بني أسَدٍ، فقال زيادٌ: حدثني هذا الشيخُ: أن رجلًا صلَّى خلفَ الصفَّ وحدَهُ - والشيخُ يسمعُ -، فأَمرَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُعِيدَ الصلاةَ
(1)
.
= و"صحيح ابن حبان"(2218).
وله شاهد من حديث قرة بن إياس المزني عند الطيالسي (1073)، وابن ماجه (1002)، وصححه ابن خزيمة (1567)، وابن حبان (2219)، وسنده حسن في الشواهد.
وتعليل النهي انقطاع الصف، وهو المراد من التبويب، ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة، فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد، فلا بأس به، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين سواريها. أفاده أبو بكر بن العربي في "العارضة" 2/ 27 - 28.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (18002)، وابن ماجه (1004)، وصححه =
وفي الباب عن عليَّ بن شَيْبَانَ، وابن عباسٍ.
حديثُ وابصةَ حديثٌ حَسَنٌ.
وقد كَرِه قومٌ من أهل العلم أن يُصلَّيَ الرجلُ خلفَ الصفَّ وحدَهُ، وقالوا: يعيدُ إذا صَلَّى خلفَ الصفَّ وحدَه، وبه يقول أحمدُ
(1)
، وإسحاقُ.
وقد قال قوم من أهل العلم: يُجزِئُه إذا صلى خلف الصفَّ وحده، وهو قولُ سفيانَ الثَّوريَّ، وابن المباركِ، والشافعيِّ.
وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى حديثِ وابصةَ بن مَعْبَدٍ أيضًا، قالوا: من صلَّى خلفَ الصف وحده يعيدُ، منهم: حَمَّادُ بن أبي سليمانَ، وابنُ أبي ليلى، ووكيعٌ
(2)
.
ورَوَى حديثَ حُصينٍ، عن هلال بن يِسَافٍ غيرُ واحد - مثلَ رواية أبي الأحوص -، عن زياد بن أبي الجَعْد، عن وابِصَة.
وفي حديث حُصين ما يدلُّ على أن هلالًا قد أدرك وابصةَ، فاختلفَ أهلُ الحديث في هذا:
فقال بعضهم: حديثُ عَمرو بن مُرَّةَ، عن هلال بن يِسافٍ،
= ابن حبان (2200).
(1)
انظر "المغني" 4/ 49 - 50.
(2)
واستظهر شيخ الإسلام ابن تيمية صحة صلاة المنفرد خلف الصف إذا تعذر انضمامه إلى الصف، وحجته أن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز. انظر "مجموع الفتاوى" 23/ 396.
عن عمرو بن راشدٍ، عن وابصةَ بن معبد، أصَحُّ
(1)
.
وقال بعضهم: حديثُ حُصينٍ، عن هلال بن يِسافٍ، عن زياد بن أبي الجعدِ، عن وابصة بن معبدِ، أصَحُّ.
وهذا عندي أصح من حديث عَمرو بن مُرَّة، لأنه قد رُوي من غير حديث هلال بن يِسافٍ، عن زيادِ بن أبي الجعد، عن وابصةَ بن معبد
(2)
(3)
.
228 -
حَدَّثَنا محمد بن بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر، قَالَ: حَدَّثَنا شعبة، عن عمرو بن مُرَّةَ، عن هلال بن يِسَافٍ، عن عمرو بن راشدٍ
عن وابصة بن مَعْبَدٍ: أن رجلًا صَلَّى خلفَ الصفَّ وحدَه، فأَمرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُعِيدَ الصلاةَ
(4)
.
(1)
هو الحديث الآتي برقم (228)، وسنذكر تخريجه هناك.
(2)
أخرجه أحمد (18003)، وابن حبان (2201).
(3)
قلنا: وترجيح إحدى روايتي هلال بن يساف على الأخرى قد بسطنا القول فيه عند تعليقنا على الرواية رقم (18000) من "مسند الإمام أحمد"، والذي يترجح لدينا - وهو ما اختاره بعض أهل العلم -: أن كلا الروايتين محفوظتان، وهلال بن يساف سمع الحديث على الوجهين: مرة من عمرو بن راشد، ومرة من زياد بن أبي الجعد بقراءته على وابصة، والله أعلم.
(4)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن راشد، لكن رواه هلال بن يساف عن وابصة دون واسطته بإسناد صحيح، وقد ثبت سماعه للحديث منه، انظر الحديث (18000) من "مسند أحمد"، وأخرجه أبو داود (682)، وابن حبان (2198) و (2199) من طريق عمرو بن مرة، بهذا الإسناد.
سمعتُ الجارودَ يقولُ: سمعت وكيعًا يقول: إذا صلَّى الرجلُ خلفَ الصفَّ وحدَه، فإنه يُعِيدُ.
58 - باب ما جاء في الرجل يصلِّي ومعه رجلٌ
229 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا داودُ بن عبد الرحمن العَطَّارُ، عن عمرو بن دينارٍ، عن كُرَيْبٍ مولى ابن عباسٍ
عن ابن عباسٍ، قال: صَلَّيتُ مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ، فقمتُ عن يساره، فأخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم برأسي مِن ورائي، فجعلَني عن يَمِينهِ
(1)
.
وفي الباب عن أنسٍ.
حديثُ ابن عباسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعدَهم، قالوا: إذا كان الرجلُ مع الإمام يقومُ عن يمين الإِمام.
59 - باب ما جاء في الرجل يصلَّي مع الرجلين
230 -
حَدَّثَنا بُنْدارٌ محمد بن بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنا محمد بنُ أبي عديًّ،
(1)
حديث صحيح، وأخرجه ضمن حديث طويل أحمد (1843)، والبخاري (117)، ومسلم (763)، وأبو داود (610) و (611) و (1357) و (1364) و (1367)، وابن ماجه (973) و (1363)، والنسائي 1/ 215 و 2/ 87 و 3/ 210 - 211، وابن حبان (2592) و (2626).
قال: أنبأنا إسماعيلُ بن مُسلمٍ، عن الحسن
عن سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ، قال: أَمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا كنَّا ثلاثةً أن يتقدَّمَنا أحدُنا
(1)
.
وفي الباب عن ابن مسعود
(2)
، وجابر
(3)
، وأنس بن مالك
(4)
.
وحديثُ سَمُرَةَ حديثٌ غريبٌ
(5)
(1)
إسناده ضعيف، إسماعيل بن مسلم - وهو المكي - ضعيف الحديث، وفي سماع الحسن - وهو البصري - من سمرة خلاف مشهور، وهو مدلَّس وقد عنعنه.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(6951) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني أيضًا (7015)(7016) من طريقين عن جعفر بن سعد بن سمرة، عن خُبَيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه سليمان، عن سمرة. وهذا إسناد ضعيف أيضًا، جعفر بن سعد ضعيف الحديث، وخبيب بن سليمان وأبوه مجهولان.
قلنا: وفي معناه حديث جابر بن عبد الله وحديث أنس بن مالك، وسيذكرهما المصنف في أحاديث الباب، ويأتي تخريجهما.
(2)
حديث ابن مسعود سيذكره المصنف قريبًا في آخر الباب، ويأتي تخريجه هناك.
(3)
حديث جابر حديث صحيح، أخرجه أحمد (14496).
وأخرجه ضمن حديث طويل مسلم (3010)، وأبو داود (634)، وابن حبان (2197).
(4)
قوله: "وأنس بن مالك" أثبتناه من (س) و (ل)، ونسخة بهامش (أ)، ومن النسخة التي شرح عليها ابن سيد الناس، ولم يرد في سائر نسخنا الخطية، ولا في شرح المباركفوري. وسيأتي حديثه عند المصنف برقم (231)، ويخرج هناك.
(5)
هكذا وقع في أصولنا الخطية: "حديث غريب"، وهو كذلك في شرحي =
والعملُ على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا كانوا ثلاثةً، قام رجلانِ خلفَ الإِمامِ.
ورُويَ عن ابن مسعودٍ: أنه صلَّى بِعَلْقَمَةَ والأسودِ، فأقام أحدَهما عن يمينه، والآخرَ عن يساره، ورواهُ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وقد تكلَّمَ بعضُ الناس في إسماعيل بن مُسْلمٍ من قِبَلِ حفظه.
60 - باب ما جاء في الرجل يصلِّي ومعه رجالٌ ونساءٌ
231 -
حَدَّثَنا إسحاقُ الأنصاريُّ، قال: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنا مالكٌ، عن إسحاقَ بن عبد الله بن أبي طَلْحَة
عن أنس بن مالك: أن جدَّته مُلَيْكَةَ دَعَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صَنَعَتْهُ، فأكل منه، ثم قال:"قُومُوا فَلْنُصَلَّ بكم". قال أنس: فقمتُ إلى حصيرٍ لنا قد اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ، فنَضَحْتُهُ بالماءِ، فقام عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصَفَفْتُ عليه أنا واليتيمُ وراءَهُ، والعَجُوزُ من ورائِنا، فصلَّى بنا ركعتين، ثم انصرفَ
(2)
.
= ابن سيد الناس والمباركفوري، وذكر ابن سيد الناس في "شرحه" ورقة 89: أن ابن عساكر نقل في "الأطراف" عن الترمذي: أنه قال فيه: "حسن غريب"، وكذا نقل المزي في "تحفة الأشراف" 4/ 62.
(1)
حديث ابن مسعود هذا حديث صحيح، أخرجه مطولًا أحمد (3927) و (4386)، ومسلم (534)، وأبو داود (613)، والنسائي 2/ 49 - 50 و 50 و 183 - 184، وابن حبان (1874) و (1875).
(2)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (380)، ومسلم (658)، وأبو داود (612)، والنسائي 2/ 85 - 86، وهو في "مسند أحمد"(12340)، و"صحيح ابن =
حديثُ أنسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عندَ أهل العلم، قالوا: إذا كان مع الإمام رجل وامرأةٌ، قام الرجل عن يمين الإِمامِ، والمرأةُ خلفَهما.
وقد احتَجَّ بعضُ الناس بهذا الحديثِ في إجازةِ الصَّلاةِ إذا كانَ الرجلُ خلفَ الصفَّ وحدَهُ، وقالوا: إن الصبيَّ لم تكن له صلاةٌ، وكأنَّ أنسًا كان خلفَ النبيَّ
(1)
صلى الله عليه وسلم وحدَه في الصفَّ. وليس الأمرُ على ما ذهبوا إليه، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقامَهُ مع اليتيم خَلْفَهُ، فلولا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جعلَ لليتيمِ صلاةً لما أقامَ اليتيمَ معه، ولأقامه عن يمينه.
وقد رُوي عن مُوسى بن أنسٍ، عن أنسٍ: أنه صَلَّى مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأقامَه عن يمينه
(2)
.
وفي هذا الحديثِ دلالةٌ أنه إنما صَلَّى تطوُّعًا، أراد إدخالَ البَرَكةِ عليهم.
= حبان" (2205).
(1)
قوله: "وكأن أنسًا كان خلف النبي صلى الله عليه وسلم" أثبتناه من (س) و (ل)، ونسخة بهامشي (أ) و (ب)، والنسخة التي اعتمدها ابن سيد الناس في شرحه، وجاء في سائر النسخ:"وكان أنس خلف النبي صلى الله عليه وسلم"، وما أثبتناه أحسن وأنسب للسياق.
(2)
حديث صحيح، أخرجه أحمد (13019)، ومسلم (660)، وأبو داود (609)، وابن ماجه (975)، والنسائي 2/ 86، وابن حبان (2206) من طريق موسى بن أنس، عن أنس: أنه كان هو ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأُمُّه وخالتُه، فصَلَّى بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فجعل أنسًا عن يمينه، وأُمَّه وخالتَه خَلْفَهما.
61 - باب من أحقُّ بالإِمامة
232 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو معاوية، عن الأعمش (ح)
وحَدَّثَنا محمود بن غَيْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو معاوية وابن نُمَيْرٍ، عن الأعمش، عن إسماعيلَ بن رَجَاءٍ الزُّبَيْدِيَّ، عن أوسِ بن ضَمْعَجٍ، قال:
سمعتُ أبا مسعودٍ الأنصاريَّ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَؤُمُّ القَومَ أَقْرَؤُهُمْ لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعْلَمُهُم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السنة سواءً، فأقْدَمُهُم هِجْرَةً، فإن كانوا في الهِجرة سواءً، فأكبرُهم سِنًّا، ولا يُؤَمُّ الرجلُ في سُلْطَانِهِ، ولا يُجْلَسُ على تَكْرِمَتِهِ في بيته
(1)
إلَّا بإذنه". قال محمود: قال ابن نُمَيْرٍ في حديثه: "أقْدَمُهُمْ سِنًّا"
(2)
.
وفي الباب عن أبي سعيدٍ، وأنس بن مالك، ومالك بن الحُوَيْرِثِ، وعَمْرو بن سَلِمةَ.
وحديثُ أبي مَسْعُودٍ حديثٌ حَسَنٌ.
(1)
قوله: "في بيته" أثبتناه من (س) و (ل)، والنسخة التي اعتمدها ابن سيد الناس في "شرحه"، ومن مصادر تخريج الحديث، ولم يرد في سائر النسخ.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه مسلم (673)، وأبو داود (582 - 584)، وابن ماجه (980)، والنسائي 2/ 76 و 77، وهو في "مسند أحمد"(17063)، و"صحيح ابن حبان"(2127) و (2133) و (2144).
وسيأتي الحديث عد المصنف مختصرًا برقم (2977).
وقوله: "تكرِمَتِه": هي الموضعِ الخاصُّ لجلوس الرَّجُلِ من فِراشٍ أو سرير، مما يُعَدُّ في بيته لإكرامه، وهي تَفعِلَة من الكرامة.
والعملُ عليه عند أهل العلم، قالوا: أحَقُّ الناس بالإِمامة أقرَؤُهم لكتاب اللهِ، وأعلمُهم بالسُّنَّة، وقالوا: صاحبُ المنزل أحقُّ بالإِمامة.
وقال بعضهم: إذا أَذِنَ صاحبُ المنزل لغيره، فلا بأس أن يُصلَّيَ به، وكَرِهَه بعضُهم، وقالوا: السُّنَّةُ أن يُصَلَّيَ صاحبُ البيت.
قال أحمدُ بن حنبلٍ: وقولُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤَمُّ الرجلُ في سلطانه، ولا يُجلَسُ على تَكرِمَتِه في بيته إلَّا بإذنه"، فإذا أذِنَ فأرجُو أنَّ الإذنَ في الكلَّ، ولم يَرَ به بأسًا إذا أذِنَ له أن يصلَّيَ به.
62 - باب ما جاء إذا أمَّ أحدُكم الناسَ، فَلْيُخَفَّفْ
233 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا المُغِيرَةُ بن عبد الرحمن، عن أبي الزَّناد، عن الأعرجِ
عن أبي هريرة، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أمَّ أحدُكم الناسَ، فَلْيُخَفَّفْ، فإنَّ فيهمُ الصغيرَ والكبيرَ والضعيفَ والمريضَ، فإذا صلَّى وحدَه، فَلْيُصَلَّ كيفَ شاء"
(1)
.
وفي الباب عن عَدِيَّ بن حاتم، وأنسٍ، وجابر بن سَمُرَةَ،
(1)
حديث صحيح، وأخرجه تامًّا ومختصرًا أحمد (7474) و (8218)، والبخاري (703)، ومسلم (467)، وأبو داود (794) و (795)، والنسائي 2/ 94، وابن حبان (1760) و (2136).
ومالك بن عبد الله، وأبي واقدٍ، وعثمان بن أبي العاصِ، وأبي مسعودٍ، وجابر بن عبد الله، وابن عباسٍ.
حديثُ أبي هريرة حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ أكثر أهل العلم: اختاروا أن لا يُطِيلَ الإمامُ الصلاةَ مخافةَ المشقَّةِ على الضعيف والكبير والمريضِ.
وأبو الزناد: اسمه عبدُ الله بن ذَكْوَانَ.
والأعرجُ: هو عبد الرحمن بن هُرْمُزَ المدينِيُّ، يُكْنَى: أبا داود.
234 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو عَوانة، عن قتادةَ
عن أنس قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من أخَفَّ الناسِ صلاةً في تمَامٍ
(1)
.
وهذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
63 - باب ما جاء في تَحْرِيمِ الصلاةِ وتحليلها
235 -
حَدَّثَنا سفيانُ بن وكيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنا محمد بن فُضَيْل، عن أبي سفيانَ طَرِيفٍ السَّعْدِيَّ، عن أبي نَضْرَةَ
عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِفْتَاحُ الصلاة الطُّهُورُ، وتحريمُها التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ، ولا صلاةَ لمن لم
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (706) و (708)، ومسلم (469)، وأبو داود (853)، وابن ماجه (985)، والنسائي 2/ 94 - 95، وهو في "مسند أحمد"(11967)، و"صحيح ابن حبان"(1759) و (1856) و (1886) و (2138).
يَقْرَأ بالحمد وسُورةٍ، في فريضةٍ أو غيرِها"
(1)
(2)
.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي سفيان طَرِيف بن شِهاب السَّعْدي.
وأخرجه مطولًا ومختصرًا ابن أبي شيبة 1/ 229، وابن ماجه (276) و (839)، والدارقطني 1/ 359 و 365 - 366، والبيهقي 2/ 85 و 380 من طرق عن أبي سفيان السَّعدي، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن عدي 2/ 783 و 784، والحاكم 1/ 132، والبيهقي 2/ 379 - 380 من طريق حسان بن إبراهيم الكِرْماني، عن أبي سفيان سعيد بن مسروق الثوري، عن أبي نَضْرَة، عن أبي سعيد. لكن قوله فيه:"عن أبي سفيان الثوري" وهمٌ من حسان بن إبراهيم فيما قال ابن عدي وابن حبان في كتاب "الصلاة" كما في "إتحاف المهرة" 5/ 412، فقد سمعه من أبي سفيان، فظن أنه والد سفيان الثوري، ولم يعلم أن أبا سفيان هذا هو طريف السعدي. قلنا: حسان بن إبراهيم هذا صدوق الحديث إلا أن له أوهامًا وأفرادًا.
ويشهد لشطره الأول، وهو قوله:"مِفتاح الصلاة الطُّهُور، وتحريمُها التكبير، وتحليلُها التسليم" حديثُ علي بن أبي طالب الذي أشار إليه المصنف بعدُ، وقد سلف عنده برقم (3)، وإسناده حسن في الشواهد، وحديثُ جابر بن عبد الله، وقد سلف أيضًا برقم (4)، وإسناده ضعيف.
وقوله: "ولا صلاة لمن لم يقرأ
…
إلخ" جاء معناه من طريق آخر صحيح عن أبي نضرة، عن أبي سعيد عند أحمد (10998)، ولفظه: أمرنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسَّرَ.
ويشهد له حديث عبادة بن الصامت عند أحمد (22749)، ولفظه:"لا صلاة لمن لم يَقرَأ بأمَّ القرآن، فصاعدًا"، وهو في "صحيح مسلم"(394)(37).
وحديث أبي هريرة، عند أحمد (9529)، ولفظه:"لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، فما زاد" وإسناده ضعيف.
(2)
وقع في طبعة الشيخ أحمد شاكر زيادة: "هذا حديث حسن"، ولم ترد في =
وفي الباب عن عليًّ، وعائشةَ.
وحديثُ عليَّ بن أبي طالبٍ أجودُ إسنادًا وأصحُّ من حديث أبي سعيد، وقد كتبناهُ في كتابِ الوضوءِ.
والعملُ عليه عند أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدَهم، وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ: أنَّ تحريمَ الصلاةِ التكبيرُ، ولا يكونُ الرجلُ داخلًا في الصلاة إلَّا بالتكبير.
سمعتُ أبا بكرٍ محمدَ بن أبَانَ يقولُ: سمعتُ عبد الرحمن بن مهديًّ يقول: لو افتتح رجلٌ الصلاةَ بسَبْعينَ اسْمًا من أسماء الله تعالى ولم يُكَبَّرْ، لم يَجْزِهِ، وإن أحْدَثَ قبل أن يُسلَّمَ، أمَرْتُهُ أن يَتَوضَّأَ، ثم يرجعَ إلى مكانه فيُسَلِّمَ، إنَّمَا الأمرُ على وَجْهِهِ.
وأبو نَضْرَةَ: اسمه المُنْذِرُ بن مالك بن قِطْعَةَ.
64 - باب في نَشْرِ الأصابع عندَ التكبير
236 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ وأبو سعيدٍ الأشجُّ، قالا: حَدَّثَنا يحيى بنُ يَمانٍ، عن ابن أبي ذِئْبٍ، عن سعيد بن سِمْعَانَ
عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كَبَّرَ للصلاةِ، نَشَرَ
= شيءٍ من نسخنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولا نقلها عنه المزي في "تحفة الأشراف" 3/ 465.
أصابِعَهُ
(1)
.
حديثُ أبي هريرة قد رواه غيرُ واحد عن ابن أبي ذئْبٍ، عن سعيد بن سِمْعَانَ، عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلَ في الصلاةِ، رفعَ يديه مَدًّا.
وهو أصحُّ من رواية يحيى بن اليَمانِ، وأخطأ ابنُ يمان في هذا الحديث.
237 -
وحدثنا عبدُ الله بنُ عبد الرحمن، قال: أخبرنا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عبد المجيد الحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا ابنُ أبي ذئبٍ، عن سعيد بن سِمْعَانَ قال:
سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى
(1)
رجاله ثقات غير يحيى بن يمان الكوفي، فهو حسن الحديث إلا عند المخالفة، وقد أخطأ في هذا الحديث، وخالف عامة أصحاب ابن أبي ذئب فيه كما نبه على ذلك المصنف، وأبو حاتم كما في "العلل" لابنه 1/ 161 - 162، وعبدُ الله بن عبد الرحمن الدارمي فيما نقله عنه المصنف بعد، والمحفوظ في حديث ابن أبي ذئب كما سيسوقه المصنف: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة، رفع يديه مَدًّا.
قلنا: ويحتمل أن يكون المراد بنشر الأصابع في حديث يحيى بن اليمان ما كان ضدَّ الطَّيَّ، لا بمعنى التفريق، وهو بمعنى المَدَّ في هذا المقام، فترتفع المخالفة في روايته، إذ هي من حيث المعنى لا تختلف عن رواية غيره، والله أعلم.
وأخرجه ابن حبان (1769).
الصلاةِ، رفع يديه مَدًّا
(1)
.
قال عبد الله: وهذا أصحُّ من حديث يحيى بن يَمانٍ، وحديثُ يحيى بن يَمانٍ خَطَأٌ.
65 - باب في فضل التكبيرة الأُولى
238 -
حَدَّثَنا عُقْبةُ بنُ مُكْرَمٍ ونَصْرُ بنُ عليّ، قَالَا: حَدَّثَنا سَلْمُ بنُ قُتيبة، عن طُعمَةَ بن عمرو، عن حَبِيبِ بن أبي ثابتٍ
عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى لله أربعين يومًا في جماعةٍ يُدْرِكُ التكبيرةَ الأُولى، كُتِبَ له بَرَاءَتانِ: براءَةٌ من النَّارِ، وبراءةٌ من النَّفَاقِ"
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه ضمن حديث أحمد (9608)، وأبو داود (753)، والنسائي 2/ 124، وابن حبان (1777).
(2)
حديث ضعيف، وهذا إسناد رجاله موثقون، إلا أن قوله فيه:"حبيب بن أبي ثابت" وهم من بعض رواته، وإنما هو حبيب بن أبي حبيب البجلي أبو عميرة الكوفي الحذاء كما نبه على ذلك البيهقي في "شعب الإيمان"، ويغلب على ظننا أن الوهم فيه من عقبة بن مكرم شيخ المصنف، فقد رواه بحشل في "تاريخ واسط" ص 66، والمزي في "تهذيب الكمال" 13/ 385 من طريق نصر بن علي، فقال فيه:"عن حبيب" غير منسوب، فكأن المصنف رحمه الله حمل حديث أحدهما على الآخر، فقال فيه:"عن حبيب بن أبي ثابت"، ويؤيد ما ذكرناه أن ابن عدي أخرجه في "الكامل" 2/ 810 و 3/ 891، ومن طريقه البيهقي في "الشعب"(2874) من طريق أبي حفص عمرو بن علي الفلَّاس، عن طعمة بن عمرو، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فقال: "عن حبيب - قال أبو حفص: يعني الحذاء -، عن أنس"، ورواه كذلك خالد بن طَهْمَان، فقال:"عن حبيب بن أبي حبيب البجلي، عن أنس"، وهو الحديث الآتي. قلنا: وحبيب بن أبي حبيب هذا لم يوثقه غير ابن حبان، وسأل ابن أبي حاتم عنه أباه، فلم يعرفه كما في "العلل" 1/ 139 - 140، ثم قد اختلف عليه في متنه، وفي وقفه ورفعه كما سيأتي، وقد ضعف هذا الحديث الدارقطني في "العلل"، واستغربه البزار فيما نقله عنهما الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/ 27.
وأخرجه ابن الأعرابي في "معجمه"(1206)، والبيهقي في "الشعب"(2872) من طريق عقبة بن مكرم وحده، بهذا الإسناد.
وأخرجه بحشل في "تاريخ واسط" ص 66، والمزي في "تهذيب الكمال" 13/ 385 من طريق نصر بن علي وحده، به. ولم يقل المزي في روايته:"يدرك التكبيرة الأولى"، ولم يسق بحشل لفظه.
وأخرجه ابن عدي 2/ 810 و 3/ 891، ومن طريقه البيهقي (2874) من طريق أبي حفص عمرو بن علي الفلَّاس عن حبيب - قال أبو حفص: وهو الحذاء -، عن أنس. ولم يقل في حديثه:"يدرك التكبيرة الأولى".
وأخرجه بحشل في "تاريخ واسط" ص 62: حدثنا أحمد بن إسماعيل بن مرزوق (وقد تَحرَّف في المطبوع الى: حدثنا أحمد بن إسماعيل، قال: حدثنا إسماعيل بن مرزوق) قال: حدثنا منصور بن مهاجر، حدثنا أبو الحسن (وقد تَحرَّف في المطبوع، إلى: منصور بن مهاجر أبو الحسن)، حدثنا أبو حمزة الواسطي، عن أنس، وقال في أخره: أبو الحسن هذا: اسمه شعيب بن ميمون (وتحرَّف في المطبوع إلى جبير بن ميمون) وشعيب بن ميمون هذا قال عنه البخاري: فيه نظر، وقال أبو حاتم: مجهول، وقال ابن حبان: له مناكير، لا يحتج به إذا انفرد، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وأبو حمزة الواسطي - وهو عمران بن أبي عطاء القصاب - مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب. قلنا: ولم يتفطن الألباني رحمه الله إلى هذه التحريفات التي وقعت في مطبوعة "تاريخ =
قد رُوي هذا الحديثُ عن أنسٍ موقوفًا، ولا أعلمُ أحدًا رَفَعَهُ إلا ما رَوَى سَلْمُ بن قُتيبةَ عن طُعْمَةَ بن عمرٍو.
وإنما يُرْوَى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البَجَلِيَّ، عن أنس بن مالك قوله.
239 -
حَدَّثَنا بذلك هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثنا وكيع، عن خالد بن طَهْمَانَ، عن حبيب بن أبي حبيب البَجَلِيَّ، عن أنس قَولَه. ولم يَرْفَعْهُ
(1)
.
= واسط" في "صحيحته" (1979) فوقعت له جملة أوهام وأغاليط أفضت به إلى تحسين طريق الترمذي بها، وإدراجه الحديث في "الصحيحة" و"صحيح الترغيب والترهيب".
وأخرجه الخطيب فى "تاريخ بغداد" 14/ 288 و 7/ 96 من طريق يعقوب بن إسحاق بن تحية أبي يوسف الواسطي، عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من صَلَّى أربعين يومًا في جماعةٍ صلاةَ الفجرِ وعِشاء الآخرة، أُعطِيَ براءةَ من النار، وبراءةً من النفاق". ويعقوب بن إسحاق، قال الذهبي في "الميزان": ليس بثقة قد اتُّهِمَ. وذكر له حديثًا آخرَ، ثم قال: هو المتهم بوضع هذا.
وأخرجه أحمد (12583)، والطبراني في "الأوسط"(5440) من طريق نُبيط بن عمر، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى في مسجدي أربعين صلاةً لا يفوته صلاةٌ، كُتِبَت له براءةٌ من النار، ونجاةٌ من العذاب، وبَرِئَ من النفاق". ونبيط بن عمر هذا مجهول لا يعرف.
وانظر الطريقين التاليين.
(1)
إسناده ضعيف، حبيب بن أبي حبيب البجلي تكلمنا عليه في الحديث السالف، وخالد بن طَهْمَان - وهو أبو العلاء الخَفَّاف الكوفي - مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب، لكنه قد توبع.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" 2/ 810 و 3/ 891 من طريق سفيان بن وكيع، =
ورَوَى إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ هذا الحديث، عن عُمَارَةَ بن غَزِيَّةَ، عن أنس بن مالك، عن عمر بن الخطاب، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، نحوَ هذا
(1)
.
وهذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ، وهو حديثٌ مرسلٌ، عُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ لم يُدْرِكْ أنسَ بن مالكٍ
(2)
.
= عن أبيه، بهذا الإسناد.
وأخرجه بحشل في "تاريخ واسط" ص 65 و 66، والدولابي 2/ 50، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2874) من طرق عن خالد بن طهمان، به. وقال بحشل في روايته:"من صلَّى مع الإمام صلاةَ الغَدَاةَ أربعين صباحًا".
وأخرجه البيهقي (2875) عن أبي عبد الله الحافظ بإسناده إلى خالد بن طهمان، عن حبيب، عن أنس - قال أبو عبد الله: أظنه قد رفعه - قال: "من صلى الغَدَاةَ والعِشاءَ الآخرة في جماعة لا تفوته ركعة، كتب له
…
إلخ".
وأخرجه بنحوه مرفوعًا ابن عدي 2/ 810 و 3/ 891 من طريق عبد العزيز بن أبان، عن خالد بن طهمان، عن شيخ، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبد العزيز بن أبان متروك الحديث.
وانظر ما قبله.
(1)
إسناده ضعيف، إسماعيل بن عياش الحمصي ضعيف في روايته عن غير الشاميين، وهذا منها، فإنه من روايته عن مدني، ثم هو منقطع أيضًا، فإن عُمارة بن غَزِيَّة لم يسمع من أنس فيما ذكر المصنف والدارقطني.
وأخرجه ابن ماجه (798)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2876) من طرق عن إسماعيل بن عياش، بهذا الإسناد. ولفظه:"من صَلَّى في مسجد جماعةٍ أربعين ليلةً، لا تفوتُه الركعةُ الأُولى من صلاة العِشاءِ، كتبَ اللهُ له بها عِتْقًا من النار" هذا لفظ ابن ماجه، ووقع في رواية البيهقي:"صلاة الظُّهر" بدل "العشاء".
وانظر الروايتين السالفتين.
(2)
وقع في طبعة الشيخ أحمد شاكر بعد هذا زيادة: "قال محمد بن =
66 - باب ما يقولُ عندَ افتتاحِ الصلاةِ
240 -
حَدَّثَنا محمد بن موسى البَصرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا جعفرُ بن سُليمانَ الضُّبَعِيُّ، عن عَلِيَّ بن عَلِيًّ الرَّفاعِيَّ، عن أبي المتَوَكَّلِ
عن أبي سعيد الخُدْرِيَّ، قال: كان رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كَبَّرَ، ثم يقولُ:"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمدِكَ، وتباركَ اسمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، ولا إله غَيْرُكَ" ثُمَّ يقول: "اللهُ أكْبَرُ كَبِيرًا" ثُمَّ يَقولُ: "أعوذُ بالله السَّميعِ العليم من الشيطان الرَّجيم، من هَمْزِه وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ"
(1)
.
= إسماعيل: حبيب بن أبي حبيب، يُكْنى أبا الكَشُوثَا، ويقال: أبو عُمَيرة"، ولم ترد في شيء من أصولنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، وأخرجه مطوَّلًا ومختصرًا أحمد (11473)، وأبو داود (775)، وابن ماجه (804)، والنسائي 2/ 132.
وله شاهد من حديث عائشة سيذكره المصنف بعد، وآخر من حديث أنس بسند حسن عند الدارقطني 1/ 300، والطبراني في الدعاء (506).
وفي الباب عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتعوذ من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه. أخرجه أحمد (3828)، وأبو يعلى (5380)، والبيهقي 2/ 36.
وأخرجه موقوفًا من قول ابن مسعود الطيالسي (371)، والطبراني في "الكبير"(9302)، والبيهقي 2/ 36، وإسناده حسن.
وعن جبير بن مطعم عند أحمد (16739)، وابن حبان (1779).
وعن أبي أمامة الباهلي عند أحمد (22177).
وعن ابن عباس عند البزار (3210) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان: من همزه ونفخه - أحسبه قال: ونفثه -، ومن عذاب =
في الباب عن عليًّ، وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وجابر، وجُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، وابن عمر.
وحديثُ أبي سعيد أشْهَرُ حديثٍ في هذا الباب.
وقد أخذ قومٌ من أهل العلم بهذا الحديث.
وأما أكثرُ أهل العلم، فقالوا: إنَّما رُوِيَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقولُ: "سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدكَ، وتباركَ اسمك، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلا إلهَ غَيْرُك"
(1)
. وهكذا رُويَ عن عمر بن الخطاب
(2)
، وعبد الله بن مسعودٍ
(3)
.
= القبر"، فقيل: يا رسول الله ما هذا الذي تتعوذ منه؟ قال: "أما همزه فالذي يوسوسه، وأما نفثه فالشعر، وأما نفخه فما يلقي من الشبهة - يعني في الصلاة - ليقطع عليه صلاته، أو على الإنسان صلاته، وأما عذاب القبر، فكان يقول:"أكثر عذاب القبر في البول".
وعن الحسن البصري مرسلًا عند عبد الرزاق (2572) و (2580) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قامَ من الليل يريد أن يتهجد، قال قبل أن يكبّر: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرًا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه
…
".
(1)
أي: أنهم اختاروا هذا الدعاء دون ما في حديث أبي سعيد المذكور من الزيادة.
(2)
أثر عمر بن الخطاب صحيح، أخرجه موقوفًا من قوله عبد الرزاق (2555 - 2557)، وابن أبي شيبة 1/ 230 و 230 - 231 و 232، ومسلم (399)(52)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 198، والدارقطني 1/ 299 و 300 و 301، والحاكم 1/ 235، والبيهقي 2/ 34 - 35.
(3)
أثر ابن مسعود أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 230، ومن طريقه ابن المنذر =
والعملُ على هذا عندَ أكثر
(1)
أهل العلمِ من التابعين وغيرهم.
وقد تُكلِّمَ في إسناد حديث أبي سعيدٍ، كان يحيى بنُ سعيدٍ يَتكلَّمُ في عليِّ بن عليٍّ
(2)
، وقال أحمدُ: لا يصحُّ هذا الحديثُ
(3)
.
241 -
حَدَّثَنا الحسَنُ بن عَرَفَةَ ويحيى بن موسى، قَالَا: حَدَّثَنا أبو معاوية، عن حارثة بن أبي الرِّجالِ، عن عَمْرَةَ
عن عائشةَ، قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا افْتَتَحَ الصلاةَ قال:
= في "الأوسط" 3/ 82. ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا.
وأخرجه عبد الرزاق (2558) عن ابن جُريج، قال: حدثني من أُصَدَّقُ، عن أبي بكر وعن عمر وعن عثمان وعن ابن مسعود: أنهم كانوا إذا استفتحوا، قالوا: سبحانك اللهم وبحمدك
…
وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود، قال: مِن أَحَبِّ الكلام إلى الله أن يقولَ الرجلُ: سبحانَك اللهم وبحَمْدِك، وتباركَ اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرُك، ربِّ إني ظلمتُ نفسي، فاغْفِرْ لي، إنه لا يغفرُ الذُّنوبَ إلا أنت. وإسناده صحيح.
(1)
لفظة: "أكثر" أثبتناها من (ل) وشرحي ابن سيد الناس والمباركفوري، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية.
(2)
المنقول عن يحيى بن سعيد كما في "تهذيب الكمال" أنه كان يقول في علي بن علي هذا: إنه كان يرى القدر. وهذا ليس بجرح كما هو مبين في مقدمة "التحرير"، وقد وثقه يحيى بنُ معين وأبو زرعة ومحمد بن عبد الله بن عمار ووكيع، وقال أحمد بن حنبل والنسائي وأبو حاتم: ليس به بأس.
(3)
جاء في "مسائل الإمام أحمد" برواية ابنه عبد الله 1/ 247: وقال أحمد: أختار افتتاح الصلاة بسبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم. هدا أعجبُ إلي، وحديث أبي المتوكل، عن أبي سعيد كأنه لم يحمد إسناده.
"سبحانَك اللَّهمَّ وبحمدكَ، وتبارك اسمُكَ، وتعالى جَدُّكَ، ولا إله غيرُك"
(1)
.
هذا حديثٌ لا نعرفهُ إلا من هذا الوجه، وحارثةُ قد تُكُلِّمَ فيه من قِبَلِ حفظه.
وأبو الرِّجال: اسمه محمد بن عبد الرحمن المَدِينيُّ
(2)
.
67 - باب ما جاء في تَرْكِ الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
242 -
حَدَّثَنا أحمد بن مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، قَالَ: حَدَّثَنا سعيدٌ الجُرَيْرِيُّ، عن قَيْس بن عَبَايَةَ، عن ابن عبد الله بن مغَفَّلٍ، قال:
(1)
حديث حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف حارثة بن أبي الرَّجال.
وأخرجه ابن ماجه (806) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 198، وابن خزيمة (470)، وابن المنذر في "الأوسط" 3/ 81 - 82، والدارقطني 1/ 301، والحاكم في "المستدرك" كما في "تلخيصه" للذهبي 1/ 235، والبيهقي 2/ 34 من طريق أبي معاوية محمد بن خازم، بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود (776)، والدارقطني 1/ 299، والحاكم 1/ 235، والبيهقي 2/ 33 - 34 من طريقَ طَلْقِ بن غَنَّام، عن عبد السلام بن حرب، عن بُديل بن مَيْسَرة، عن أبي الجَوْزَاء، عن عائشة. وقال أبو داود: وهذا الحديث ليس بمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلقُ بن غنَّام، وقد رَوَى قصةَ الصلاة عن بُدَيلٍ جماعةٌ، لم يذكروا فيه شيئًا من هذا.
وانظر ما قبله.
(2)
قوله: "وأبو الرِّجال: اسمه محمد بن عبد الرحمن المديني" أثبتناه من بعض أصولنا الخطية، ولم يرد في بعضها الآخر.
سمعني أبي وأنا في الصلاةِ أقولُ: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال لي: أيْ بُنَيَّ! مُحْدَثٌ! إيَّاكَ وَالحَدَثَ - قال: ولم أرَ أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبْغَضَ إليه الحَدَثُ في الإِسلام، يعني: منْهُ - قال: وقد صَلَّيتُ مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكرٍ ومع عُمَرَ ومع عثمانَ، فلم أسمعْ أحدًا منهم يقولُهَا، فلا تَقُلْهَا، إذا أنْتَ صَلَّيتَ، فقل:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(1)
.
حديثُ عبد الله بن مُغَفَّلٍ حديثٌ حَسَنٌ.
والعملُ عليه عندَ أكثر أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ وغيرُهم، ومَنْ بعدَهم من التابعين، وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المبارك، وأحمدُ، وإسحاقُ: لا يَرَوْنَ أن يَجْهَرَ ببسم الله الرحمنِ الرحيم، قالوا: ويقولها في نفسه.
68 - باب من رَأى الجهْرَ ببسم الله الرحمن الرحيم
243 -
حَدَّثَنا أحمدُ بن عَبْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ بن سليمانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إسماعيلُ بن حَمَّادٍ، عن أبي خالد
(1)
المرفوع منه صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن عبد الله بن مُغَفَّل، وقد سُمَّيَ في رواية أحمد: يزيد، ويزيد هذا قد روى عنه ثلاثة، ولم يؤثر توثيقه عن أحد.
وأخرجه أحمد (16787)، وابن ماجه (815)، والنسائي 2/ 135.
ويشهد له حديث أنس بن مالك عند مسلم (399)، وانظر حديث أنس الآتي عند المصنف برقم (244).
عن ابن عباس، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتحُ صلاتَه ببسم الله الرحمن الرحيم
(1)
.
(1)
إسناده ضعيف، أبو خالد قال المصنف: هو أبو خالد الوَالِبي، واسمه: هُرْمُز، وهو كوفي. وتبعه على ذلك الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" 5/ 265، فجعل هذا الحديث في ترجمته عن ابن عباس، وكذا في "تهذيب الكمال" 33/ 275، فقد أفرده بترجمة، ورمز له عن ابن عباس برمز الترمذي وأبي داود، ووافقهما الحافظ ابن حجر، وليس الأمر كما قالوا، فقد فرَّقَ ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 9/ 120 - 121 و 365، وابن حبان في "الثقات" 5/ 514 و 563 - 564، وأبو أحمد الحاكم في "الأسامي والكنى" 4/ 244 - 245 و 284 بين أبي خالد راوي هذا الحديث عن ابن عباس وبين أبي خالد الوالبي، وأفردوا كلَّ واحد منهما بترجمة مستقلة، وكذا عقد البخاري في "الكنى" ص 27 للأول ترجمة مفردة، ولم يذكر الوالبي.
قلنا: وأبو خالد هذا قال أبو زرعة الرازي: لا أدري من هو، لا أعرفه. وقال العقيلي 1/ 80 - 81 بعد أن ساق حديثه هذا في ترجمة إسماعيل بن حماد: حديثه - يعني إسماعيل بن حماد - غير محفوظ، ويحكيه عن مجهول. وقال ابن عدي بعد أن ساق حديثه في ترجمة إسماعيل أيضًا: وهذا الحديث لا يرويه غير معتمر، وهو غير محفوظ، سواء قال: عن أبي خالد، أو عن عمران بن خالد، جميعًا مجهولين. وقال الذهبي في "الميزان": لا يعرف. وباقي رجاله ثقات غير إسماعيل بن حماد، فهو حسن الحديث.
وأخرجه أبو داود في رواية أبي الطَّيِّب بن الأُشناني كما في "تحفة الأشراف" 5/ 265، والعقيلي 1/ 80 - 81، وابن حبان في "الثقات" 5/ 563 - 564، وابن عدي 1/ 305، والدارقطني 1/ 304، والبيهقي 2/ 46 من طرق عن معتمر بن سليمان، بهذا الإسناد. وقال أبو داود: ضعيف.
وليس إسنادُهُ بذاك.
وقد قال بهذا عِدَّةٌ من أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو هريرة، وابن عُمَرَ
(1)
، وابنُ الزُّبيرِ، ومن بعدهم من التابعين: رأوُا الجهر ببسمِ الله الرحمن الرحيم، وبه يقولُ الشافعيُّ.
وإسماعيلُ بنُ حَمَّادٍ: هو ابن أبي سليمانَ.
وأبو خالد: هو أبو خالد الوَالبِيُّ، واسمه: هُرْمُزُ، وهو كوفيٌّ.
69 - باب في افْتِتَاحِ القراءَة بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
244 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو عَوانَةَ، عن قَتادةَ
عن أنسٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمرُ وعثمانُ يَفْتَتِحُون القراءةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(2)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عندَ أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
جاء في طبعة الشيخ أحمد شاكر هنا زيادة: "وابن عباس"، ولم ترد في شيءٍ من أصولنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
(2)
حديث صحيح، وأخرجه بألفاظ متقاربة أحمد (11991)، والبخاري (743)، ومسلم (399)، وأبو داود (782)، وابن ماجه (813)، والنسائي 2/ 133 و 134 - 135، وابن حبان (1798) و (1799) و (1800) و (1802) و (1803).
والتابعين ومَن بعدهم: كانوا يستفتحون القراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
قال الشافعيُّ: إنما معنى هذا الحديث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمرَ وعثمان كانوا يفتتحون القراءةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} معناه: أنهم كانوا يبدؤونَ بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه أنهم كانوا لا يقرؤونَ بِسْم الله الرحمن الرحيم.
وكان الشافعيُّ يرى أن يبْدَأَ بِبِسْمِ الله الرحمن الرحيم يَجْهَرُ بها.
70 - باب ما جاء أنه لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب
245 -
حَدَّثَنا ابن أبي عُمَرَ وعليُّ بن حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنا سفيانُ، عن الزُّهْرِيِّ، عن محمود بن الرَّبِيعِ
عن عُبَادةَ بن الصَّامِتِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بفاتحة الكِتاب"
(1)
.
وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشةَ، وأنسٍ، وأبي قَتادةَ، وعبدِ الله بن عمرٍو.
حديثُ عُبَادةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (756)، ومسلم (394)، وأبو داود (822)، وابن ماجه (837)، والنسائي 2/ 137 و 137 - 138، وهو في "مسند أحمد"(22677)، و"صحيح ابن حبان"(1782) و (1786) و (1793).
وسيأتي عند المصنف مطوَّلًا بقصة القراءة خلف الإمام برقم (311)، ويأتي تخريجه هناك.
والعملُ عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، منهم: عمرُ بن الخطَّاب
(1)
، وجابر بن عبد الله، وعِمْرَانُ بن حُصَيْنٍ، وغيرهم، قالوا: لا تُجْزِئُ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب
(2)
، وبه يقول ابنُ المبارك، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
سمعتُ ابن أبي عمر يقول: اختلفتُ إلى ابن عُيَينة ثمانيةَ عَشَرَ
(3)
سنةً، وكان الحُميديُّ أكبرَ مني بسنةٍ.
وسمعت ابن أبي عمر يقول: حججت سبعين حَجَّةً ماشيًا على قَدَميَّ
(4)
.
71 - باب ما جاء في التَّأمِين
246 -
حَدَّثَنا بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنا يحيى بنُ سعيدٍ وعبد الرحمن بن مَهْدِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنا سفيانُ، عن سَلمةَ بن كُهَيْلٍ، عن حُجْرِ بن عَنْبسٍ
(1)
وقع في طبعة الشيخ أحمد شاكر هنا زيادة: "وعلي بن أبي طالب"، ولم تذكر في نسخنا الخطية جميعًا، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
(2)
جاء في طبعة الشيخ أحمد شاكر بعد هذا: "وقال علي بن أبي طالب: كل صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج غير تمام"، ولم يرد في نسخنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
(3)
وقع في الأصول التي بأيدينا: "ثمانية عشر"، والجادة ما أثبتناه.
(4)
من قوله: "سمعت ابن أبي عمر يقول: اختلفت
…
" إلى هنا، أثبتناه من (ل)، وهو ثابت كذلك في النسخة التي اعتمدها ابن سيد الناس في "شرحه"، ولم يذكر في سائر النسخ، وقوله: "على قدميَّ" لم يذكر في (ل).
عن وَائِلِ بن حُجْرٍ، قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فقال:"آمِين"، وَمَدَّ بها صَوْتَهُ
(1)
.
وفي الباب عن عليٍّ، وأبي هريرة.
حديثُ وائِلِ بن حُجْرٍ حديثٌ حَسَنٌ.
وبه يقولُ غيرُ واحدٍ من أهل العلم من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَن بعدَهم: يَرَوْنَ أن يرفع الرجلُ صوتَهُ بالتأْمين، ولا يُخْفِيهَا، وبه يقول الشافعيُّ، وأحمدُ، وَإسحاقُ.
ورَوَى شعبةُ هذا الحديثَ عن سَلمةَ بن كُهَيْلٍ، عن حُجْرٍ أبي العنْبَسِ، عن علقمةَ بن وائلٍ، عن أبيه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: "آمِينَ"، وخَفَضَ به صوتهُ
(2)
.
سمعت محمدًا يقولُ: حديثُ سفيانَ أصحُّ من حديثِ شعبةَ في هذا، وأخطا شعبةُ في مواضعَ من هذا الحديث، فقال: عن حُجْر أبي العَنْبَسِ، وإنما هو حُجْرُ بنُ عَنْبَسٍ، ويُكْنَى أبا السَّكَنِ، وزادَ فيهِ: عن علقمةَ بن وائلٍ، وليس فِيهِ: علقمةُ، إنما هو حُجْر بن عَنْبَس، عن وائل بن حُجْر، وقال:"وخَفَضَ بها صوتَهُ"،
(1)
حديث صحيح، وأخرجه أحمد (18842)، وأبو داود (932) من طريق سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، بهذا الإسناد.
وانظر الحديث الآتي بعده.
(2)
رواية شعبة هذه أخرجها أحمد في "المسند"(18854)، وانظر تمام تخريجها والكلام عليها فيه.
وإنما هُو: "ومَدَّ بِهَا صَوْتَهُ".
وسألتُ أبا زُرْعَةَ عن هذا الحديث، فقال: حديثُ سفيانَ في هذا أصحُّ من حديث شعبة، قال: وروى العلاءُ بنُ صالحٍ الأسَدِيُّ، عن سَلمةَ بن كُهَيل نحوَ روايَةِ سفيان.
247 -
حدثنا أبو بكر محمدُ بن أبَان، قَالَ: حَدَّثَنا عبدُ الله بن نُمَيْرٍ، عن العلاءِ بن صالحٍ الأسدي، عن سلمة بن كُهَيْلٍ، عن حُجْر بن عَنْبَسٍ، عن وائِلِ بن حُجْرٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، نحوَ حديث سفيان، عن سلمةَ بن كُهَيْل
(1)
.
72 - باب ما جاء في فضلِ التَّأمينِ
248 -
حدثنا أبو كُرَيبٍ محمدُ بن العلاءِ، قال: حدثنا زيدُ بن حُبَابٍ، قَالَ: حَدَّثَني مالك بن أنس، قَال: حَدَّثَنا الزُّهْريُّ، عن سعيدِ بن المُسيّبِ وأبي سلمةَ
عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا أمَّنَ الإِمَامُ فأَمِّنُوا، فإنَّهُ من وَافَقَ تأمينُهُ تأمينَ الملائكة، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنْبهِ"
(2)
.
(1)
حديث صحيح كما سلف، وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 299، وأبو داود (933)، والطبراني في "الكبير" 22/ (144)، إلا أن أبا داود قال:"عن علي بن صالح" بدل: "العلاء بن صالح"، وهو وهمٌ منه كما نَبَّهَ عليه الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" 22/ 513.
وانظر الحديث السالف رقم (246).
(2)
حديث صحيح، وأخرجه بألفاظ متقاربة البخاري (780)، ومسلم (410)، وأبو داود (935) و (936)، وابن ماجه (851) و (852)، والنسائي =
حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
73 - باب ما جاء في السَّكْتَتَيْنِ
249 -
حدثنا محمدُ بن المُثَنَّى، قال: حدثنا عبدُ الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن سَمُرَةَ، قال: سكْتَتانِ حَفِظتُهما عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فأنْكَرَ ذلك عِمْرانُ بن حُصَينٍ، قال: حَفِظْنا سكتةً. فكتبنا إلى أُبَيّ بن كَعْبٍ بالمدينةِ، فكَتَبَ أُبَيٌّ: أن حَفِظَ سَمُرَةُ. قال: سعيدٌ: فقلنا لقتادةَ: ما هاتَانِ السَّكْتَتانِ؟ قال: إذا دَخَلَ فِي صَلاتهِ، وإذا فَرَغَ من القِرَاءَةِ، ثمَّ قال بعدَ ذلك: وإذا قَرَأ {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: وكان يُعْجِبُه إذا فَرَغ من القراءة أن يَسكُتَ حتى يَتَرَادَّ إليه نَفَسُه
(2)
.
= 2/ 143 و 143 - 144 و 144، وهو في "مسند أحمد"(7187)، و"صحيح ابن حبان"(1804).
(2)
إسناده ضعيف، الحسن البصري مدلس، وقد عنعن، وأما ما ذكره ابن حبان بإثر هذا الحديث: أن الحسن سمعه من عمران بن حصين استنادًا على ألفاظ موهمة وقعت في هذا الخبر عنده، فهو شيء انفرد به، ولم يتابعه عليه أحد، وهو منازع فيه.
وأخرجه أبو داود (777 - 780)، وابن ماجه (844) و (845)، وهو في "المسند"(20081)، وابن حبان (1807).
وقد اختلفت الرواية عن الحسن، عن سمرة في موضع السكتة الثانية، ففي بعضها: أنها بعد الفراغ من قراءة الفاتحة وسورة حين الركوع كما عند أبي داود =
وفي الباب عن أبي هريرة.
حديثُ سَمُرَةَ حديثٌ حَسَنٌ.
وهو قولُ غير واحد من أهل العلم: يَستَحِبُّونَ للإِمام أن يسكتَ بعدَما يَفْتَتِحُ الصلاةَ، وبعدَ الفراغ من القراءةِ، وبه يقول أحمدُ، وإسحاقُ، وأصحابُنَا.
74 - باب ما جاء في وضعِ اليمينِ على الشِّمالِ في الصلاة
250 -
حَدَّثنا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، عن قَبِيصةَ بن هُلْب
عن أبيهِ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بيمِينِهِ
(1)
.
= (777) و (778)، وابن ماجه (845)، وفي وبعضها: بعد الفراغ من الفاتحة كما عند أحمد (20127).
قلنا: وعلى فرض صحة ثبوت هذه السكتة الثانية، فليس فيها حجة لمن يقول: إنها من أجل قراءة المؤتمّين خلف الإمام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِدْ ذلك، وإنما كان يسكت ليتراد إليه نَفَسُهُ كما هو مصرح به في هذه الرواية.
وأما السكتة الأولى بين التكبير والقراءة، فيشهد لها حديث أبي هريرة عند البخاري (744)، ومسلم (598)، وهو في "المسند"(7164).
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة قبيصة، وأخرجه ابن ماجه (809)، وهو في "المسند"(21967) و (21974). =
وفي الباب عن وَائِلِ بن حُجْرٍ، وغُضَيْفِ بن الحارِثِ، وابن عباسٍ، وابن مسعودٍ، وسهلِ بن سعدٍ.
حديثُ هُلْبٍ حديثٌ حَسَنٌ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدَهم: يَرَوْنَ أنْ يَضَعَ الرجل يمينَهُ على شِماله في الصلاة.
ورأى بعضُهم أن يَضَعَهُمَا فوقَ السُّرَّةِ، ورَأى بعضُهم أن يَضَعَهُمَا تحتَ السُّرَّةِ، وكلُّ ذلك واسعٌ عندهم
(1)
.
= ويشهد له حديث سهل بن سعد عند البخاري (740)، وحديث وائل بن حجر عند مسلم (401). وانظر تتمة شواهده في "المسند" عند حديث جابر (15090). و"العواصم والقواصم" 3/ 9 - 14.
(1)
قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" 3/ 91: واختلف في موضع الوضع، فعنه (أي: عن الإمام أحمد): فوق السرة، وعنه: تحتها، وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل: أين يضع يده إذا كان يصلي؟ قال: على السرة أو أسفل. وكل ذلك واسع عنده إن وضع فوق السرة، أو عليها، أو تحتها.
قلنا: وهذا هو الصواب الذي لا معدل عنه، لأن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وأما مكان الوضع، فلم يرد فيه حديث صحيح، وقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في "صفة الصلاة": وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة، خطأ مبين، فإن حديث وائل بن حجر الذي احتج به لذلك لا يصح، فقد رواه ابن خزيمة (479) من طريق مؤمَّل بن إسماعيل، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده اليُمنى على يده اليسرى على صدره. فقوله: على صدره، زيادة انفرد بها مؤمل بن إسماعيل من بين أصحاب الثوري، وهو سيئ =
واسمُ هُلْبٍ: يَزِيدُ بنُ قُنَافَةَ.
75 - باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجودِ
251 -
حَدَّثَنَا قُتيبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ، عن عبد الرّحمن بن الأسْوَدِ، عن عَلْقمةَ والأسْوَدِ
عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ في كُلِّ خَفْضٍ ورَفْعٍ، وقيَامٍ وقُعُودٍ، وأبو بكر وعُمَرُ
(1)
.
وفي الباب عن أبي هريرةَ، وأنسٍ، وابن عمرَ، وأبي مالكٍ الأشْعَرِيِّ، وأبي موسى، وعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ، ووَائِلِ بن حُجْرٍ، وابن عباسٍ.
حديثُ عبد الله بن مسعودٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عندَ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، وغيرُهم، ومن بعدَهم من التابعين، وعليه عامَّةُ الفقهاءِ والعلماءِ.
= الحفظ، وأيضًا فإن أصحاب عاصم شيخ الثوري فيه الذين رووا هذا الحديث عنه لم يذكروا هذه اللفظة، فهي شاذة.
(1)
صحيح، وأخرجه النسائي 2/ 205 و 230 و 233، وهو في "المسند"(3660).
76 - باب منه
252 -
حَدَّثَنَا عبدُ الله بنُ مُنِيرٍ، قال: سمعتُ عليّ بن الحَسَنِ، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي بكر بن عبد الرّحمن
عن أبي هريرة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُكَبِّرُ وهو يَهْوِي
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، قالوا: يكبِّرُ الرجل وهو يَهْوِي للركوعِ والسجودِ.
77 - باب رَفْعِ اليَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكوعِ
(2)
253 -
حَدَّثَنَا قُتيبةُ وابنُ أبي عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنا سفيانُ بن عيينةَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سالمٍ
عن أبيه، قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا افْتَتَحَ الصلاةَ يرفعُ يديه حتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وإذا ركعَ، وإذا رفع رأسَه من الركوع. وزَاد ابنُ أبي عمر في حديثه: وكان لا يرفعُ بَيْنَ السجدتين
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (785) و (789)، ومسلم (293)، وأبو داود (392)، والنسائي 2/ 181 - 182 و 233 و 235. وهو في "المسند" (7657) و (7220).
(2)
في (ب)"للركوع"، بدل قوله:"عند الركوع".
(3)
إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (735)، ومسلم (390)، وأبو داود (721) و (722) و (741) و (743)، وابن ماجه (858)، والنسائي 2/ 121 و 122 =
254 -
حَدَّثَنا الفضلُ بنُ الصَّبَّاح البغداديُّ، قَالَ: حَدَّثَنا سفيانُ بن عيينة، قَالَ: حَدَّثَنا الزهريُّ، بهذا الإسناد، نحوَ حديثِ ابن أبي عمرَ
(1)
.
وفي الباب عن عمرَ، وعليٍّ، ووائلِ بن حُجْرٍ، ومالكِ بن الحُوَيْرِثِ، وأنَسٍ، وأبي هريرةَ، وأبي حُمَيْدٍ، وأبي أُسَيْدٍ، وسَهْلِ بن سعدٍ، ومحمدِ بن مَسْلَمةَ، وأبي قَتادةَ، وأبي موسى الأشْعَرِيِّ، وجابرٍ، وعُمَيْرٍ اللَّيْثيِّ.
حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وبهذا يقول بعضُ أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم: ابنُ عمرَ، وجابِرُ بن عبد الله، وأبو هريرة، وأنس، وابنُ عباسٍ، وعبدُ الله بنُ الزبير، وغيرُهم. ومن التابعينَ: الحسنُ البصريُّ، وعطاءٌ، وطاووسٌ، ومجاهِدٌ، ونافعٌ، وسالمُ بن عبد اللهِ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وغيرُهم، وبه يقولُ عبدُ الله بنُ المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
وقال ابن المبارك: قد ثَبَتَ حديثُ من يَرْفَعُ، وذَكَرَ حديثَ الزهريِّ، عن سالمٍ، عن أبيه، ولم يَثْبُتْ حديثُ ابن مسعودٍ: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يرفعْ إلا في أول مرَّةٍ
(2)
.
= و 182 و 194 و 195 و 206 و 231 و 3/ 3. وهو في "المسند" (4540).
(1)
إسناده صحيح وانظر ما قبله.
(2)
انظر لزامًا التعليق على قول ابن المبارك هذا في هامش "نصب الراية" 1/ 394.
255 -
حَدَّثَنا بذلك أحمدُ بن عَبْدَةَ الآمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا وَهْبُ بن زَمْعَةَ، عن سفيانَ بن عبد الملكِ، عن عبد الله بن المباركِ
(1)
.
256 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن عاصمِ بن كُلَيْبٍ، عن عبد الرّحمن بن الأسْوَدِ، عن عَلْقمةَ، قال:
قال عبد الله بن مسعودٍ: ألَا أُصَلِّي بِكُمْ صلاةَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَصَلَّى، فلم يرفعْ يديه إلَّا في أوَّلِ مَرَّةٍ
(2)
.
وفي الباب عن البَرَاءِ بن عَازِبٍ
(3)
.
(1)
جاء هنا بعد هذا زيادة في مطبوعة الشيخ أحمد شاكر، نصها:"وحدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا إسماعيلُ بن أبي أُوَيْس قال: كان مالكُ بن أنسٍ يرى رفع اليدين في الصلاة. وقال يحيى: وحدثنا عبد الرزاق، قال: كان معمرٌ يرى رفع اليدين في الصلاة. وسمعت الجارود بن معاذ يقول: كان سفيان بن عيينة وعمر بن هارون والنضر بن شميل يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاةَ، وإذا ركعوا، لماذا رفعوا رؤوسهم".
وليست هي في شيء من أصولنا الخطية، ولا في النسخة التي شرح عليها ابن العربي في "عارضة الأحوذي"، وكذا نسختي ابن سيد الناس والمباركفوري. وقد أثبتها الشيخ أحمد شاكر من نسخته المصرية ومن نسخة السندي.
(2)
رجاله ثقات رجال الشيخين غير هناد وعاصم بن كليب، فمن رجال مسلم.
قال الشيخ تقي الدين في "الإمام" فيما نقله عنه الزيلعي 1/ 394: وعاصم بن كليب أخرج له مسلم، وعبد الرحمن بن الأسود أيضًا أخرج له مسلم، وهو تابعي وثقه ابن معين، وعلقمة فلا يسأل عنه للاتفاق عن الاحتجاج به، قال الزيلعي: واعترض على هذا الحديث بأُمور، ثم ذكرها، فانظرها فيه.
وأخرجه أبو داود (748)، والنسائي 2/ 182 و 195. وهو في "المسند" (3681).
(3)
أخرجه أبو داود (748)، وفي سنده يزيد بن أبي زياد الهاشمي الكوفي، =
حديثُ ابن مسعودٍ حديثٌ حَسَنٌ.
وبه يقولُ غيرُ واحدٍ من أهل العلم من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ، وهو قولُ سفيانَ الثَّوريِّ، وأهلِ الكوفةِ
(1)
.
= وهو ضعيف.
(1)
وقال مالك في المدونة 1/ 68: لا أعرف رفع الدين في شيء من تكبير الصلاة: لا في خفض، ولا في رفع، إلا في افتتاح الصلاة، يرفعُ يديه شيئًا خفيفًا، والمرأة بمنزلة الرجل في ذلك.
قال ابن القاسم: كان رفع اليدين عند مالك ضعيفًا إلا في تكبيرة الإحرام.
قلنا: قد روى مالك في "الموطأ" حديث ابن عمر، وهو في "الصحيحين"، وقد سلف برقم (253) عند المصنف - قال الزرقاني في "شرح الموطأ" 1/ 157: واختلف في مشروعيته - (أي مشروعية الرفع عند الركوع والرفع منه) فروى ابن القاسم عن مالك: لا يرفع في غير تكبيرة الإحرام، وبه قال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين، وروى أبو مصعب وابن وهب وأشهب عن مالك أنه كان يرفع إذا ركع وإذا رفع منه على حديث ابن عمر، وبه قال الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق والطبري وجماعة أهل الحديث، وكل من روي عنه من الصحابة ترك الرفع فيهما رُوي عنه فعله إلا ابن مسعود، وقال محمد بن عبد الحكم: لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم، والذي نأخذ به الرفع لحديث ابن عمر، انتهى كلام ابن عبد البر، وقال الأصيلي: لم يأخذ به مالك، لأن نافعًا وقفه على ابن عمر، وهو أحد الأربع التي اختلف فيها سالم ونافع، ثانيهما من باع عبدًا وله مال فماله للبائع، والثالث: الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة، والرابع: فيما سقت السماء والعيون العشر، فرفع الأربعة سالم ووقفها نافع. انتهى.
78 - باب ما جاء في وَضْعِ اليَدَيْنِ على الرُّكبتين في الركوعِ
257 -
حَدَّثَنا أحمد بن مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو بكرِ بن عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو حَصِينٍ، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ، قال:
قال لنا عمر بن الخطاب: إنَّ الرُّكَبَ سُنَّتْ
(1)
لكم، فَخُذُوا بالرُّكَبِ
(2)
.
وفي الباب عن سعدٍ، وأنسٍ، وأبي حُمَيْدٍ، وأبي أُسَيْدٍ، وسَهْلِ بن سعدٍ، ومحمدِ بن مَسْلمةَ، وأبي مسعودٍ.
حديثُ عمرَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابِعِين ومَن بعدَهم، لا اختلافَ بينهم في ذلك، إلَّا ما رُوي عن ابن مسعودٍ وبعضِ أصحابه: أنهم كانوا يُطَبِّقُونَ
(3)
.
والتطبيقُ منسوخٌ عند أهل العلم.
قال سعدُ بن أبي وَقَّاصٍ: كُنَّا نفعلُ ذلك، فَنُهِينَا عنه، وأُمرْنَا أن نَضَعَ الأكُفَّ على الرُّكَبِ.
(1)
في (ب) و (س) و (ل): "سنةٌ".
(2)
حديث صحيح. وأخرجه النسائي 2/ 185.
(3)
التطبيق: قال في "النهاية" 3/ 114: هو أن يجمع بين أصابع يديه، ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع والتشهد، وانظر خبر ابن مسعود في "صحيح مسلم"(534).
258 -
حدثنا قُتيبةُ، حَدَّثَنا أبو عَوانةَ، عن أبي يَعْفُورٍ، عن مُصْعَب بن سعد، عن أبيه سَعْد بِهذا
(1)
.
أبو حُميدٍ السَّاعديُّ: اسمُه عبد الرحمن بن سَعْد بن المُنذر، وأبو أُسيدٍ السَّاعديُّ: اسمه مالكُ بن ربيعةَ، وأبو حَصين: اسمُه عثمانُ بن عاصمٍ الأسَدي، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي: اسمُه عبدُ الله بن حَبيب، وأبو يَعفُور: عبدُ الرحمن بن عُبَيد بن نِسْطاس، وأبو يَعفور العَبْديُّ: اسمه واقِد، ويُقال: وَقْدان، وهو الذي روى عن عبد الله بن أبي أَوفى، وكلاهما من أهل الكوفة
(2)
.
79 - باب ما جاء أنه يُجَافِي يديهِ عن جنبيهِ في الركوع
259 -
حَدَّثَنا بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو عامرٍ العَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا فُلَيْح بن سليمانَ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبَّاسُ بن سهل، قال:
اجتمَعَ أبو حُمَيْدٍ وأبو أُسَيْدٍ وسهلُ بن سعدٍ ومحمدُ بن مَسْلمةَ، فذكَروا صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حُمَيْدٍ: أنا أعْلَمُكُمْ بصلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ركَعَ فوضَعَ يديه على ركبتيهِ،
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (790)، ومسلم (535)، وأبو داود (867)، وابن ماجه (873)، والنسائي 2/ 185، وهو في "المسند"(1570)، و"صحيح ابن حبان"(1882).
(2)
من قوله: "أبو حميد الساعدي" إلى هنا، أثبتناه من (ل)، وهو ثابت في "عارضة الأحوذي" لابن العربي، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية، ولا في شرحي ابن سيد الناس والمباركفوري.
كأنَّهُ قابضٌ عليهما، ووَتَّرَ يديه فَنَحَّاهُمَا عن جَنْبَيْهِ
(1)
.
وفي الباب عن أنسٍ.
حديثُ أبي حُمَيْدٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهو الذي اخْتارهُ أهلُ العلم: أن يُجافيَ الرجلُ يديه عن جنبيهِ في الركوعِ والسجودِ.
80 - باب ما جاء في التَّسْبِيحِ في الركوعِ والسجودِ
260 -
حَدَّثَنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا عيسى بن يونسَ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن إسحاقَ بن يزيدَ الهُذَليِّ، عن عَوْنِ بن عبد الله بن عُتْبةَ
عن ابن مسعودٍ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ركع أحدُكم فقال في
(1)
صحيح دون قوله: "ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه" فهو حسن لغيره.
وأخرجه ضمن حديث مطول أبو داود (734). وهو في "صحيح ابن حبان"(1871). وانظر ما سيأتي برقم (304).
ويشهد لقصة التجافي حديث أبي مسعود الأنصاري عند أبي داود (863)، والنسائي 2/ 186 و 187. وهو في "المسند" (17076). وإسناده حسن.
وأما حديث أنس الذي ذكره المصنف فقد أخرجه ابن أبي عمر العدني في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة"(1908) وفي سنده رجل مبهم، وأخرجه ضمن حديث مطوَّلٍ أبو يعلى (3624)، والطبراني في "الصغير"(856)، وفي سنده علي بن زيد بن جُدعان وهو ضعيف، وأخرجه أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "المطالب العالية"(104) وفي سنده العلاء بن زيد أبو محمد الثقفي وهو متروك.
قوله: "ووتر يديه" قال ابن سيد الناس ورقة 109: رويناه بتشديد التاء المثناة، ومعناه: شدهما.
ركوعه: سبحانَ ربِّيَ العَظيم، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فقد تَمَّ ركوعُه، وذلك أدْناهُ. وإذا سَجَدَ فقال في سجوده: سُبْحَانَ ربَّيَ الأعْلَى، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فقد تَمَّ سجودُه، وذلك أدْناهُ"
(1)
.
وفي الباب عن حُذَيْفةَ، وعن عُقْبةَ بن عامرٍ.
حديثُ ابن مسعودٍ ليس إسنادُه بِمُتَّصِلٍ، عَوْنُ بن عبد الله بن عُتْبةَ لم يَلْقَ ابن مسعودٍ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم: يَسْتَحِبُّونَ أن لا يَنْقُصَ الرجلُ في الركوعِ والسجودِ من ثلاث تسبيحاتٍ.
ورُوي عن ابن المُبَارَكِ أنه قال: أسْتَحِبُّ للإِمامِ أن يُسَبِّحَ
(1)
صحيح لغيره دون قوله: "وذلك أدناه"، وهذا إسناد فيه انقطاع كما قال المصنف.
وأخرجه أبو داود (886)، وابن ماجه (890).
وله شواهد يتقوى بها من حديث عقبة بن عامر، وجبير بن مطعم، وأبي مالك الأشعري، وأقرم بن زيد الخزاعي، وأبي بكرة. انظر تخريجها عند حديث عقبة بن عامر في "المسند"(17414).
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 213 في تعليقه على حديث عقبة بن عامر عند أبي داود: في هذا دلالة على وجوب التسبيح في الركوع والسجود، لأنه قد اجتمع في ذلك أمر الله وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم وترتيبه في موضعه من الصلاة، فتركُه غير جائز وإلى إيجابه ذهب إسحاق، ومذهب أحمد قريب منه، وروي عن الحسن البصري نحوًا منه، فأما عامة الفقهاء مالك وأصحاب الرأي والشافعي فإنهم لم يروا تركه مفسدًا للصلاة.
خَمْسَ تسبيحاتٍ، لِكَيْ يُدْرِكَ مَن خَلْفَهُ ثلاثَ تسبيحاتٍ.
وهكذا قال إسحاقُ بن إبراهيمَ.
261 -
حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبةُ، عن الأعمش، قال: سمعتُ سَعْدَ بن عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عن المُسْتَوْرِدِ، عن صِلَةَ بن زُفَرَ
عن حُذَيْفَةَ أنه صَلَّى مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكان يقولُ في ركوعه:"سُبْحَانَ رَبِّيَ العظِيمِ"، وفي سجوده:"سُبْحَانَ رَبَّيَ الأَعْلَى"، وما أتَى على آيةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ وسَألَ، وما أتَى على آيَةِ عَذَابٍ إلّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ
(1)
.
وهذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
262 -
وَحَدَّثَنا محمد بن بشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنا عبد الرّحمنِ بنِ مَهْدِيٍّ، عن شعبة، نَحْوَهُ
(2)
.
وقد رُوي عن حُذيفةَ هذا الحديث من غير هذا الوجه أنَّه صَلَّى مع النَّبيِّ، فذكر هذا الحديث
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (772)، وأبو داود (871)(874)، وابن ماجه (1351)، والنسائي 2/ 176 - 177 و 177 و 190 و 199 - 200 و 224 و 231 و 3/ 225 و 226، وهو في "المسند"(23240)، و"صحيح ابن حبان"(1898).
(2)
انظر ما قبله.
(3)
من قوله: "وقد روي" إلى هنا، أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر الأصول.
81 - باب ما جاء في النَّهْي عن القراءة في الركوع والسجودِ
263 -
حَدَّثَنا إسحاقُ بن موسى الأنصاريُّ، قَالَ: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنا مالكٌ (ح)
وحَدَّثَنا قُتيبةُ، عن مالك، عن نافعٍ، عن إبراهيمَ بن عبد الله بن حُنيْنٍ، عن أبيه
عن عليَّ بن أبي طالبٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن لُبْسِ القَسِّيِّ والمُعَصْفَرِ، وعن تخَتُّمِ الذَّهَبِ، وعن قراءةِ القرآنِ في الركوعِ
(1)
.
وفي الباب عن ابن عباسٍ.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (480) و (2078)، وأبو داود (4044)، (4045) و (4046)، والنسائي 2/ 189 و 217 و 8/ 168 و 169، وابن ماجه (3602) و (3642)، وهو في "المسند"(1043)، و"صحيح ابن حبان"(5440). وفي بعض الروايات عند مسلم وغيره زيادة النهي عن القراءة في السجود. وروايتا ابن ماجه مختصرتان ليس فيهما النهي عن القراءة في الركوع أو السجود.
والقَسِّي: قال في "النهاية": هي ثيابٌ من كَتَّان مخلوطٍ بحرير يؤتى بها من مصر، نسبت إلى قرية على شاطئ البحر قريبًا من تِنِّيس، يقال لها: القَسُّ بفتح القاف، وبعض أهل الحديث يكسرها.
قلنا: والنهي عن القسي والمعصفر وعن تختم الذهب إنما هو خاص بالرجال، فأما النساء، فمباح لهن هذه الأشياء، انظر "مصنف عبد الرزاق"(19956) و (19970) و"مسند أحمد"(6852).
وسيأتى برقم (1822) و (1834).
حديثُ عليٍّ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدَهم: كرهوا القراءةَ في الركوعِ والسجودِ.
82 - باب ما جاء فيمن لا يُقيمُ صُلْبَهُ في الركوعِ والسجودِ
264 -
حَدَّثَنا أحمد بن مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن عُمَارةَ بن عُمَيْرٍ، عن أبي مَعْمَرٍ
عن أبي مسعودٍ الأنْصَاريِّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُجْزِئُ صلاةٌ لا يُقيمُ فيها الرجلُ - يَعْنِي - صُلْبَهُ في الركوع والسجودِ"
(1)
.
وفي الباب عن عليِّ بن شَيْبانَ، وأنسٍ، وأبي هريرةَ، ورِفَاعةَ الزُّرَقِيِّ.
حديثُ أبي مسعودٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدَهم: يَرَوْنَ أن يُقِيمَ الرجلُ صُلْبَهُ في الركوع والسجودِ.
قال الشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ: من لا يُقيمُ صُلْبَهُ في الركوع والسجودِ، فصلاته فاسدةٌ، لحديثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم:"لا تُجْزِئُ صَلاةٌ لا يُقِيمُ الرجلُ فيها صُلْبَهُ في الركوع والسجودِ".
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (855)، وابن ماجه (870)، والنسائي 2/ 183 و 214. وهو في "المسند" (17073)، و"صحيح ابن حبان" (1892) و (1893).
وأبو معمرٍ اسمه: عبدُ الله بن سَخْبَرَةَ.
وأبو مسعودٍ الأنصاريُّ البَدْرِيُّ اسمه: عُقْبةُ بن عَمْرٍو.
83 - باب ما يقول الرجلُ إذا رفع رأسَهُ من الركوع
265 -
حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو داود الطَّيالسيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلمةَ المَاجِشُونُ، قالَ: حدثنا عَمِّي، عن عبد الرّحمن الأعْرَجِ، عن عُبيد الله بن أبي رافعٍ
عن عليِّ بن أبي طالبٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا ولك الحمدُ، مِلْءَ السَّماواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما بينهما، ومِلْءَ ما شِئْتَ من شيءٍ بَعْدُ"
(1)
.
وفي الباب عن ابن عمرَ، وابن عباسٍ، وابن أبي أوْفى، وأبي جُحَيْفَةَ، وأبي سعيدٍ.
قال: حديثُ عليٍّ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عندَ بَعْضِ أهل العلم. وبه يقولُ الشافعيُّ، قال: يقولُ هذا في المكتوبةِ والتطوُّعِ.
وقال بعضُ أهل الكوفة: يقولُ هذا في صلاة التطوعِ، ولا
(1)
صحيح، وأخرجه ضمن حديث مطول مسلم (771)، وأبو داود (760). وهو في "المسند"(729).
يقوله في صلاة المكتوبةِ
(1)
.
84 - باب منْهُ آخَرُ
266 -
حَدَّثَنا الأنصاريُّ، قال: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قال: حَدَّثَنا مالكٌ، عن سُمَيٍّ، عن أبي صالحٍ
عن أبي هريرةَ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قال الإمامُ: سمعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ، فقولُوا: رَبَّنَا ولك الحمدُ، فإنه من وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنْبِهِ"
(2)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: أنْ يقولَ الإمامُ: "سمعَ اللهُ لِمَنْ حمدهُ"، ويقول من خَلْفَ الإمام:"رَبَّنا ولك الحمدُ". وبه يقول أحمدُ.
وقال ابن سِيرِينَ وغيرُه: يقولُ مَن خَلْفَ الإمام: "سمع الله لمن حَمِدَهُ، رَبَّنا ولك الحمدُ" مِثْلَ ما يقولُ الإمامُ، وبه يقولُ الشافعيُّ، وإسحاقُ.
(1)
جاء بعد هذا في مطبوعة الشيخ شاكر: قال أبو عيسى: وإنما يقال: "الماجشوني" لأنه من ولد الماجشون، وهو ليس في شيء من أصولنا الخطية.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (796)، ومسلم (409)، وأبو داود (848)، والنسائي 2/ 196. وهو في "المسند" (9923).
85 - باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجودِ
267 -
حدَّثنا سَلمةُ بن شَبِيبٍ وعبد الله بن منير وأحمدُ بن إبراهيمَ الدَّوْرَقِيُّ والحسنُ بن عليًّ الحُلْوَانِيُّ وغيرُ واحدٍ، قالوا: حَدَّثَنا يزيدُ بن هارونَ، قال: أخبرنا شَرِيكٌ، عن عاصمِ بن كُلَيْبٍ، عن أبيه
عن وائِلِ بن حُجْرٍ، قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا سَجَدَ يَضَعُ ركبتيهِ قبلَ يديهِ، وإذا نَهَضَ رَفع يديه قبلَ ركبتيه
(1)
.
وزادَ الحسنُ بن عليٍّ في حديثه: قال يزيدُ بن هارونَ: ولم يَرْوِ شريكٌ عن عاصم بن كُلَيْبٍ إلّا هذا الحديثَ.
هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ، لا نعرفُ أحدًا رواهُ غير شَرِيكٍ.
والعملُ عليه عندَ أكثر أهل العلم
(2)
: يَرَوْنَ أن يضعَ الرجل
(1)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف شريك - وهو ابن عبد الله - سيء الحفظ وأخرجه أبو داود (838)، وابن ماجه (882)، والنسائي 2/ 206 و 234. وهو في "صحيح ابن حبان" (1912)، وانظر تمام الكلام عليه فيه.
(2)
وقد اختلف أهل العلم في هذا الوضع، فمال الأوزاعي ومالك إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين، وهو رواية عن أحمد كما في "المغني" 1/ 193 لابن قدامة، وهو قول كثير من المحدثين، وقد ثبت من فعل ابن عمر، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، فقد قال البخاري في "صحيحه" بين يدي الحديث رقم (803): وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه، وقد وصله ابن خزيمة (627)، والحاكم 1/ 226، والبيهقي 2/ 100 وغيرهم من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عنه، وإسناده صحيح (وانظر =
ركبتيهِ قبل يديهِ، وإذا نهضَ رَفَعَ يديهِ قبلَ ركبتيه.
ورَوَى هَمَّامٌ، عن عاصمٍ هذا مُرْسَلًا، ولم يَذْكُرْ فيه وائلَ بن حُجْرٍ.
86 - باب آخَرُ
268 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ نافعٍ، عن محمد بن عبد الله
(1)
بن الحسنِ، عن أبي الزِّنَادِ، عن الأعرجِ
عن أبي هريرةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَعْمِدُ أحدُكم، فيَبْرُكُ في صلاته بَرْكَ الجَمَلِ! "
(2)
.
= الحديث الآتي برقم (268). ومذهبُ الشافعي: أنه يستحب أن يقدم في السجود الركبتين، ثم اليدين. قال الخطابي: وبهذا قال أكثر العلماء، وحكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء، وحكاه ابن المنذر عن عمر، والنخعي، ومسلم بن يسار، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، قال: وبه أقول. وانظر لزامًا "زاد المعاد" 1/ 223 - 231 بتحقيقنا.
(1)
في (ب)"عبيد الله"، وهو خطأ.
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (840) و (841)، والنسائي 2/ 207، وهو في "المسند" (8955). وهو عندهم - غير الرواية الثانية عند أبي داود والأولى عند النسائي - بلفظ:"إذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه".
قال السندي في شرحه على "المسند" و"المجتبى": والأقرب أن النهي للتنزيه، وما جاء من خلافه - يعني حديث وائل بن حجر - فهو بيان الجواز. فإن قيل: كيف شبَّه وضع الركبتين قبل اليدين ببروك الجمل، مع أن الجمل يضع يديه قبل رجليه؟ قلنا: لأن رُكبة الإنسان في الرِّجل، وركبةَ الدوابِّ في اليد، فإذا وَضَعَ رُكبتيه أولًا، فقد شابه الجمل في البروك.
حديث أبي هريرة حديثٌ غريبٌ، لا نعرفهُ من حديثِ أبي الزنادِ إلّا من هذا الوجه.
وقد رُوِي هذا الحديثُ عن عبد الله بن سعيدِ المَقْبُرِيِّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وعبدُ الله بن سعيدٍ المقبريُّ ضَعَّفَهُ يحيى بن سعيدٍ القَطَّانُ وغيرُه.
87 - باب ما جاء في السجودِ على الجبهةِ والأنفِ
269 -
حَدَّثَنا بُنْدَارٌ، قال: حَدَّثَنا أبو عامرٍ، قال: حَدَّثَنا فُلَيْحُ بن سليمانَ، قال: حدثني عَبَّاسُ بنُ سَهْلٍ
عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجدَ أمْكَنَ أنْفَه وجبهتَه الأرض، ونَحّى يديه عن جَنْبيْه، ووضع كفيه حَذْوَ مَنْكِبَيْه
(1)
.
(1)
صحيح لغيره، وهذا سند حسن.
وأخرجه ضمن حديث مطول أبو داود (734). وهو في "صحيح ابن حبان"(1871).
وأخرج قصة التجافي مطولة ومختصرة النسائي 2/ 211، وابن ماجه (1061)، وستأتي ضمن حديث مطول برقم (304).
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (273).
ويشهد لتمكين الأنف والجبهة من الأرض حديث ابن عباس عند البخاري (212)، ومسلم (490)(230)، وحديث وائل بن حجر عند أحمد (18839)، وحديث أبي سعيد الخدري عند أحمد (11704).
ويشهد لتجافي اليدين في السجود حديث أنس والبراء وعبد الله بن مالك بن =
وفي الباب عن ابن عباسٍ، ووائِلِ بن حُجْرٍ، وأبي سعيدٍ.
حديثُ أبي حُمَيدٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عند أهل العلم: أن يسجدَ الرجلُ على جبهته وأنفه. فإن سجد على جبهته دونَ أنفه، فقد قال قومٌ من أهل العلم: يُجْزِئُه، وقال غيرهم: لا يُجْزِئُه حتى
(1)
يسجدَ على الجبهةِ والأنفِ.
88 - باب ما جاء أيْنَ يَضَعُ الرجلُ وجههُ إذا سجَدَ؟
270 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قال: حَدَّثَنا حَفْصُ بن غِيَاثٍ، عن الحجَّاجِ، عن أبي إسحاقَ، قال:
قلتُ للْبَرَاءِ بن عَازِبٍ: أين كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ وجهه إذا سجد؟ فقال: بَيْنَ كَفَّيْهِ
(2)
.
وفي الباب عن وائل بن حُجْرٍ، وأبي حُمَيْدٍ.
حديثُ البَرَاءِ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ
(3)
.
= بحينة وميمونة، كلها عند مسلم (493 - 494)، وحديث عبد الله بن مالك عند البخاري أيضًا (807). ويشهد له حديث ابن عباس وأبي سعيد وجابر في "المسند"(2405) و (11113) و (14139).
(1)
في (ب): إلا أن.
(2)
حسن لغيره، وهذا سند ضعيف لتدليس الحجاج - وهو ابن أرطاة -. ويشهد له حديث وائل بن حجر عند مسلم (401). وانظر ما قبله.
(3)
في (ب) و (س): حسن غريب.
وهو الذي اخْتَارهُ بعضُ أهل العلم: أنْ تكونَ يداه قريبًا من أذنيه.
89 - باب ما جاء في السجود على سبعةِ أعضاءٍ
271 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قال: حَدَّثَنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ، عن ابنِ الهَادِ، عن محمدِ بن إبراهيمَ، عن عامر بن سعدِ بن أبي وَقَّاصٍ
عن العبَّاس بن عبد المُطَّلِبِ أنه سَمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سَجَدَ العبدُ، سَجَدَ معه سَبْعَةُ آرابٍ: وجهُه وكفَّاه وركبتاه وقدماه"
(1)
.
وفي الباب عن ابن عباسٍ، وأبي هريرةَ، وجَابرٍ، وأبي سعيدٍ.
حديثُ العباسِ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وعليه العملُ عند أهل العلم.
272 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زيدٍ، عن عَمْرِو بن دينار، عن طاووسٍ
عن ابن عباسٍ، قال: أُمِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يسجدَ على سبعة أعضاء، ولا يَكُفَّ شَعْرَهُ ولا ثيابَهُ
(2)
.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (491)، وأبو داود (891)، والنسائي 2/ 208 و 210، وهو في "المسند"(1764)، و"صحيح ابن حبان"(1921) و (1922).
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (809)، ومسلم (490)، وأبو داود (889) و (890)، والنسائي 2/ 208 و 209 - 210 و 215 و 216، وهو في "المسند" =
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
90 - باب ما جاء في التَّجافي في السجود
273 -
حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ، قال. حَدَّثَنا أبو خالدٍ الأحمَرُ، عن داود بن قيسٍ، عن عُبَيْدِ الله بن عبد الله بن أقْرَم الخُزاعِيِّ
عن أبيه، قال: كُنْتُ مع أبي بالقاعِ من نَمِرةَ، فمَرَّت رَكَبَةٌ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائِمٌ يصلّي، قال: فكنتُ أنظر إلى عُفرَتَي إبْطَيهِ إذا سَجَدَ، وأرى بيَاضَه
(1)
.
وفي الباب عن ابن عباسٍ، وابن بُحَيْنةَ، وجابرٍ، وأحْمَرَ بن جَزْءٍ، وميمونةَ، وأبي حُميدٍ، وأبي أُسيدٍ، وأبي مسعودٍ، وسهل بن سعدٍ، ومحمد بن مَسْلمةَ، والبَراء بن عازبٍ، وعَديِّ بن عَمِيرَة، وعائشةَ.
حديثُ عبدِ الله بن أقْرَمَ حديثٌ حَسَنٌ، لا نَعْرفُه إلا من حديث داود بن قيس، ولا نعرف لعبد الله بن أقْرَمَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث.
= (1927)، و"صحيح ابن حبان"(1923 - 1925).
(1)
صحيح، وأخرجه ابن ماجه (881)، وهو في "المسند"(16401). وانظر ما سلف برقم (269).
قوله: رَكَبَة: هم الجماعة أقل من عشرة.
وقوله: عفرتي إبطيه: قال في "النهاية" 3/ 261: العفرة: بياض ليس بالناصع، ولكن كلون عَفَر الأرض، وهو وجهها.
والعملُ عليه عند أهل العلم.
وأحمر بن جَزْء هذا رجلٌ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له حديث واحد، وعبد الله بن أرقم الزُّهري كاتب أبي بكر الصَّدِّيق، وعبدُ اللهِ بنُ أقْرَم الخزاعيّ إنما نعرف له هذا الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
91 - باب ما جاء في الاعتدال في السجود
274 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي سُفيانَ
عن جابرٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سجدَ أحدكم فليَعْتَدِل، ولا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيهِ افْتِرَاشَ الكلْبِ"
(1)
.
وفي الباب عن عَبد الرّحمنِ بن شِبْلٍ، وأنسٍ، والبَرَاءِ، وأبي حُمَيْدٍ، وَعَائشةَ.
حديثُ جابرٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عند أهل العلم: يَخْتَارُونَ الاعتدالَ في السجودِ، ويكرهونَ الافتراشَ كافتراشِ السَّبُعِ.
275 -
حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال: حدَّثنا شعبةُ، عن قتادةَ، قال:
سمعتُ أنَسًا يقول: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "اعْتَدِلُوا في
(1)
صحيح، وأخرجه ابن ماجه (891). وهو في "المسند"(14276).
السجودِ، ولا يَبْسُطَنَّ أحدُكم ذراعيه في الصلاة بَسْطَ الكلبِ"
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
92 - باب ما جاء في وضعِ اليدين ونَصْبِ القدمين في السجودِ
276 -
حدَّثنا عبدُ الله بن عبد الرحمنِ، قال: أخبرنا المُعَلّى بن أسَدٍ، قال: حدَّثنا وُهَيْبٌ، عن محمدِ بن عَجْلانَ، عن محمد بن إبراهيمَ، عن عامر بن سعدٍ
عن أبيه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بوضعِ اليدين ونَصْبِ القدمين
(2)
.
277 -
قال عبد الله: وقال المُعَلَّى: حدَّثنا حَمَّادُ بن مَسْعَدَةَ، عن محمد بن عَجْلانَ، عن محمد بن إبراهيمَ
عن عامر بن سعدٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بوضع اليدين، فذَكر نحوَه، ولم يذكر فيه "عن أبيه"
(3)
.
وروى يحيى بن سعيدٍ القَطَّانُ وغيرُ واحدٍ عن محمد بن عَجْلانَ، عن محمد بن إبراهيمَ، عن عامرِ بن سعدٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (532) و (822)، ومسلم (493)، وأبو داود (897)، وابن ماجه (892)، والنسائي 2/ 183 و 211 - 212 و 213 - 214، وهو في "المسند"(12066)، و"صحيح ابن حبان"(1926) و (1927).
(2)
صحيح لغيره، وهذا سند رجاله ثقات إلا أن المصنِّف رجح إرساله، ويشهد لمعناه حديث أبي حميد الساعدي عند البخاري (828).
(3)
صحيح لغيره، وهذا مرسل وانظر ما قبله.
أمر بوضع اليدين ونصبِ القدمين. مُرْسَلٌ.
وهذا أصحُّ من حديث وُهَيْبٍ.
وهو الذي أجْمَعَ عليه أهلُ العلم واختاروه.
93 - باب ما جاء في إقامة الصُّلْبِ إذا رفع رأسَه من السجودِ والركوعِ
278 -
حدَّثنا أحمدُ بن محمد بن موسى، قال: أخبرنا ابن المُبارَكِ، قال: أخبرنا شُعْبةُ، عن الحَكَمِ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلى
عن البَراءِ بن عازبٍ، قال: كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع، وإذا رفع رأسَه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسَه من السجود، قَرِيبًا من السَّوَاءِ
(1)
.
وفي الباب عن أنسٍ.
279 -
حدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا محمد بن جعفرٍ، قال: حدَّثنا شعبةُ، عن الحكم، نحوَه
(2)
.
حديثُ البَرَاءِ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعمل عليه عند أهل العلم
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (792)، ومسلم (471)، وأبو داود (852) و (854)، وهو في "المسند"(18469)، و"صحيح ابن حبان"(1884).
(2)
صحيح. وانظر ما قبله.
(3)
هذه العبارة أثبتناها من نسخة بهامش (أ)، ولم ترد في سائر أصولنا =
94 - باب ما جاء في كراهية أن يُبَادَرَ الإمَامُ في الركوعِ والسجودِ
280 -
حدَّثنا بُنْدَارٌ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بن مَهْدِيٍّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن عبد الله بن يَزِيدَ، قال:
حدَّثنا البَراءُ - وهو غيرُ كَذُوب - قال: كُنَّا إذا صلَّينا خلفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسَه من الركوعِ، لم يَحْنِ رجلٌ مِنَّا ظهرَه حتَّى يسجدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فنَسْجُدَ
(1)
.
وفي الباب عن أنسٍ، ومعاويةَ، وابن مَسْعَدَةَ صاحبِ الجيُوشِ، وأبي هريرةَ.
حديثُ البَراءِ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وبه يقولُ أهلُ العلم: إنَّ مَنْ خَلف الإِمام يَتْبَعُونَ الإمامَ فيما يصنعُ ولا يركعونَ إلَّا بعدَ ركوعِه، ولا يرفعونَ إلّا بعدَ رفعِه، لا نعلمُ بينهم في ذلك اختلافًا.
95 - باب ما جاء في كراهيةِ الإقْعَاءِ بين السجدتينِ
281 -
حدَّثنا عبدُ اللهِ بن عبد الرحمنِ، قال: أخْبرَنا عُبيدُ اللهِ بن موسى، قال: أخْبَرنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارِثِ
= الخطية.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (690)، ومسلم (474)، وأبو داود (620) والنسائي 2/ 96. وهو في "المسند" (18511)، و"صحيح ابن حبان" (2226).
عن عليٍّ، قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا عليُّ، أُحِبُّ لك ما أُحِبُّ لنفسي، وأكرَه لك ما أكْرَهُ لنفسي، لا تُقْعِ بين السجدتينِ"
(1)
.
هذا حديثٌ لا نعرفهُ من حديثِ عليٍّ إلَّا من حديثِ أبي إسحاقَ، عن الحارِثِ، عن عليٍّ. وقد ضَعَّفَ بعضُ أهل العلم الحارِثَ الأعْوَرَ.
والعملُ على هذا الحديثِ عند أكثر أهل العلم: يَكرهونَ الإقعاءَ.
وفي الباب عن عائشةَ، وأنسٍ، وأبي هريرةَ.
96 - باب في الرُّخْصَة في الإِقعاء
282 -
حدَّثنا يحيى بن موسى، قال: حدَّثنا عبدُ الرَّزَّاق، قال: أخْبرنا ابن جُرَيْجٍ، قال: أخْبرني أبو الزُّبَيْرِ أنه سمعَ طاووسًا يقولُ:
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف الحارث الأعور، ثم هو منقطع أبو إسحاق لم يسمع هذا الحديث من الحارث. وأخرجه ابن ماجه (894) و (895). وهو في "المسند" مطولًا برقم (1244).
ويشهد له حديث عائشة عند مسلم (498) ولفظه: كان ينهى عن عُقبة الشيطان. وفسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة بالإقعاء، وهو أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض، وهذا هو النوع المكروه الذي ورد فيه النهي في هذا الحديث. وهناك نوع آخر من الإقعاء: وهو أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين، فهذا من السنة كما ورد في حديث ابن عباس الثاني.
انظر "شرح مسلم" للإمام النووي 5/ 19.
قُلْنا لابن عباسٍ في الإِقْعَاءِ على القدمينِ، قال: هي السُّنَّةُ، فقلنا: إنَّا لَنَراه جَفَاءً بِالرَّجُلِ، قال: بل هي سُنَّةُ نبيِّكم صلى الله عليه وسلم
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ.
وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى هذا الحديث، من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لا يَرَوْنَ بالإقْعاءِ بأْسًا.
وهو قولُ بعضِ أهلِ مكةَ من أهل الفقهِ والعلمِ.
وأكثرُ أهل العلمِ يَكْرَهونَ الإقعاءَ بين السجدتين.
97 - باب ما يقول بين السجدتين
283 -
حدَّثنا سَلمةُ بن شَبِيبٍ، قال: حدَّثنا زيدُ بن حُبَابٍ، عن كاملٍ أبي العَلاءِ، عن حَبيبِ بن أبي ثابِتٍ، عن سعيد بن جُبَيْرٍ
عن ابن عباسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ بين السجدتينِ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمنِي واجبُرْنِي واهْدِنِي وارزقْنِي"
(2)
.
284 -
حدَّثنا الحسنُ بن عليًّ الخَلَّالُ قال: حدَّثنا يزيدُ بن هارونَ، عن
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (536)، وأبو داود (842). وهو في "المسند"(2853).
(2)
حسن، وأخرجه أبو داود (850)، وابن ماجه (898)، وهو في "المسند"(2895).
وفي الباب عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" عند أبي داود (874)، وابن ماجه (897)، والنسائي 2/ 231. وصححه الحاكم 1/ 271 ووافقه الذهبي. وهو في "المسند"(23375).
زَيد بن حُبَاب، عن كاملٍ أبي العَلاءِ، نحوه
(1)
.
هذا حديثٌ غريبٌ.
وهكذا رُوِي عن عليٍّ.
وبه يقولُ الشَّافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ: يَرَوْن هذا جائزًا في المكتوبَةِ والتطوُّعِ.
وروى بعضهم هذا الحديث عن كاملٍ أبي العلاءِ مُرْسَلًا.
98 - باب ما جاء في الاعتماد
285 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن ابن عَجْلان، عن سُمَيٍّ، عن أبي صالح
عن أبي هريرةَ، قال: اشْتكَى أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم مَشَقَّةَ السجود عليهم إذا تَفَرَّجُوا، فقال:"اسْتَعِينُوا بالرُّكَبِ"
(2)
.
هذا حديثٌ لا نعرِفه إلا من حديثِ أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلّا من هذا الوجهِ من حديثِ اللَّيْثِ، عن ابن عجلانَ.
وقد رَوَى هذا الحديثَ سفيانُ بن عُييْنَةَ وغيرُ واحدٍ عن سُمَيٍّ، عن النُّعْمَانِ بن أبي عَيَّاشٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوَ هذا.
(1)
انظر ما قبله.
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (902). وهو في "المسند"(8477)، و"صحيح ابن حبان"(1918).
وكَأَنَّ روايةَ هؤلاءِ أصحُّ من رواية اللَّيْثِ
(1)
.
99 - باب كيف النُّهُوضُ مِن السجودِ
286 -
حدَّثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، قال: أخْبَرنا هُشَيْمٌ، عن خالدٍ الحَذَّاءِ، عن أبي قِلابَةَ
عن مالكِ بن الحُوَيْرِثِ اللَّيْثيَّ: أنَّهُ رَأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي، فكانَ إذا كانَ في وِتْرٍ مِن صلاتِهِ، لم يَنْهَضْ حتَّى يسْتَويَ جالسًا
(2)
.
(1)
كذا أعلَّ الترمذي الرواية المتصلة بالرواية المرسلة متابعًا في ذلك البخاري في "تاريخه الكبير" 4/ 203. أما الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فقد رجح اتصاله فقال: هؤلاء رووا الحديث عن سُمي، عن النعمان مرسلًا، والليث بن سعد رواه عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة موصولًا، فهما طريقان مختلفان، يؤيد أحدهما الآخر ويعضده، والليث بن سعد ثقة حافظ حجة، لا نتردد في قبول زيادته وما انفرد به، فالحديث صحيح.
قلنا: ومع هذا لم يتفرد الليث بوصله، بل تابعه على ذلك حيوة بن شريح عند الطحاوي 1/ 230، ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني عند أحمد (9403)، وكلاهما ثقة.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (823)، وأبو داود (844)، والنسائي 2/ 234، وهو فى "صحيح ابن حبان"(1934).
قال ابن عبد البر في "التمهيد"، ونقله عنه العيني فى "عمدة القاري" 6/ 99: اختلف الفقهاء في النهوض من السجود إلى القيام، ففال مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: ينهض على صدور قدميه، ولا يجلس، وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس، وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. وقال أبو الزناد: ذلك السنة، وبه قال أحمد وابن راهويه، وقال أحمد: وأكثر الأحاديث على هذا، قال الأثرم: رأيت أحمد ينهض =
حديثُ مالكِ بن الحُوَيْرِثِ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عندَ بعضِ أهلِ العلم، وبه يقولُ أصحابنا.
100 - باب منه أيضًا
287 -
حدَّثنا يحيى بنُ موسى، قال: حدَّثنا أبو معاويةَ، قال: حدَّثنا خالد بن إياس - ويقال: خالد بن إلياس -، عن صالحٍ مولى التَّوْأَمَةِ
عن أبي هريرة، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَضُ في الصلاة على صُدُورِ قَدَمَيْهِ
(1)
.
حديثُ أبي هريرةَ عليه العملُ عند أهل العلم: يَختَارون أن ينهضَ الرجلُ في الصلاة على صدور قدميه.
وخالدُ بن إياس ضعيفٌ عند أهل الحديثِ، ويقال: خالدُ بن إلياس.
وصالحٌ مولَى التَّوْأَمَة هو: صالحُ بن أبي صالحٍ.
وأبو صالحٍ اسمُه: نَبْهَانُ، مدنِيٌّ.
101 - باب ما جاء في التشهد
288 -
حدَّثنا يعقوبُ بن إبراهيم الدَّوْرَقِيُّ، قال: حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِيُّ، عن سفيانَ الثَّوْرِيِّ، عن أبي إسحاقَ، عن الأَسْوَدِ بن يزيدَ
= بعد السجود على صدور قدميه، ولا يجلس قبل أن ينهض.
(1)
إسناده ضعيف، خالد بن إياس متروك الحديث، وانظر ما قبله.
عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: عَلَّمنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قَعَدْنَا في الركعتينِ أن نقولَ: التَّحِيَّاتُ للهِ، والصَّلَواتُ والطَّيِّباتُ، السَّلامُ عليك أيُّها النَّبِيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السلام علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إله إلّا الله، وأشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسولُه
(1)
.
في الباب عن عُمَرَ، وجابرٍ، وأبي موسى، وعائشةَ.
حديثُ ابن مسعودٍ قد رُوي عنه من غَيْرِ وَجْهٍ.
وهو أصحُّ حديثٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التشهدِ، والعملُ عليه عندَ أكثر أهلِ العلم مِن أصحاب النبيِّ ومَن بعدَهم مِن التابعين، وهو قولُ سفيانَ الثَّوْرِيِّ، وابن المباركِ، وأحمدَ، وإسحاقَ.
289 -
حدَّثنا أحمدُ بن محمد بن موسى، أخبرنا عبدُ الله بن المبارك، عن معمر
عن خُصَيفٍ قال: رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنامِ، فقلتُ: يا رسولَ الله، إنَّ الناسَ قد اختَلفوا في التشهد، فقال:"عليكَ بتشهُّد ابنِ مسعودٍ"
(2)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (831)، ومسلم (402)، وأبو داود (968) و (969) و (970)، وابن ماجه (899)، والنسائي 2/ 237 - 238 و 238 و 239 و 240 و 241 و 3/ 40 - 41 و 41 و 50. وهو في "المسند" (3622)، و"صحيح ابن حبان" (1948).
(2)
من قوله: "حدثنا أحمد بن محمد" إلى هنا أثبتناه من (ل) وهامش (ظ) =
102 - باب مِنْهُ أيضًا
290 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن سعيد بن جُبَيْرٍ وطاووس
عن ابنِ عباسٍ، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التشهدَ، كما يُعَلِّمُنَا القرآنَ، فكان يقولُ:"التَّحيَّاتُ المُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيَّباتُ للهِ، سَلامٌ عليك أيُّهَا النَّبِيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، سَلَامٌ علينا وعلى عبادِ الله الصَّالِحينَ، أشْهَدُ أنْ لا إله إلّا الله، وأشْهَدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله"
(1)
.
حديث ابن عباسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ.
وقد رَوى عبدُ الرحمن بنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ هذا الحديثَ عن أبي الزُّبَيْرِ، نَحْوَ حديثِ اللَّيْثِ بن سعدٍ.
ورَوَى أيْمَنُ بنُ نَابِلٍ المَكَّيُّ هذا الحديثَ عن أبي الزُّبَيرِ، عن جابرٍ، وهو غيرُ مَحْفُوظٍ
(2)
.
= والنسخة التي شرح عليها ابن سيد الناس 1/ ورقة 121، ونقله عن المصنف الزيلعيُّ في "نصب الراية" 1/ 419، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.
ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق، ولكن لا تثبت بها الأحكام.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (403)، وأبو داود (974)، وابن ماجه (900)، والنسائي 2/ 242، وهو في "المسند"(2665)، و"صحيح ابن حبان"(1952).
(2)
أخرجه مسلم في "التمييز"(58)، وابن ماجه (902)، والنسائي 2/ 243 و 3/ 43، وقال مسلم: هذه الرواية من التشهد غير ثابتة الإسناد والمتن جميعًا، والثابت ما رواه الليث وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، ثم قال: فلما بان الوهم =
وذَهَبَ الشافعيُّ إلى حديثِ ابن عباسٍ في التشهدِ.
103 - باب ما جاء أنه يُخفِي التشهدَ
291 -
حدَّثنا أبو سعيدٍ الأشَجُّ، قال: حدَّثنا يونسُ بنُ بُكَيْرٍ، عن محمد بنِ إسحاقَ، عن عبد الرحمنِ بن الأسْوَدِ، عن أبيه
عن ابن مسعود قال: من السُّنَّةِ أن يُخْفِيَ التَّشَهُّدَ
(1)
.
= في حفظ أيمن لإسناد الحديث بخلاف الليث وعبد الرحمن إياه، دخل الوهم أيضًا في زيادته في المتن، فلا يثبت ما زاد فيه، وقد روي التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه صحاح فلم يذكر في شيء منه ما روى أيمن في روايته قوله:"بسم الله وبالله" ولا ما زاد في آخره من قوله: "أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار" والزيادة في الأخبار لا يلزم قبولها إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم، وقال النسائي: لا نعلم أحدًا تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ، وبالله التوفيق.
ونقل المصنف في كتابه "العلل" 1/ 226 عن البخاري قوله: هو حديث غير محفوظ هكذا يقول أيمن بن نابل، عن أبي الزبير، عن جابر وهو خطأ، والصحيح ما رواه الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير وطاووس، عن ابن عباس، وهكذا رواه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبي الزبير مثل رواية الليث بن سعد.
وقال الحافظ في "هدي الساري" ص 392: وأنكر عليه النسائي والدارقطني وغيرهما زيادته في أول التشهد: "بسم الله وبالله" وقد رواه الليث وعمرو بن الحارث وغيرهما عن أبي الزبير بدونها وكذلك هو بدونها في صحاح الأحاديث المروية في التشهد.
(1)
صحيح، محمد بن إسحاق وإن عنعنه، فله طريق أخرى يصح بها عند الحاكم 1/ 230. =
حديثُ ابن مسعودٍ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.
والعملُ عليه عند أهل العلم.
104 - باب كيفَ الجلوسُ في التشهدِ
292 -
حدثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عبدُ اللهِ بن إدريسَ، عن عاصمِ بنِ كُلَيْبٍ، عن أبيه
عن وائلِ بن حُجْرٍ، قال: قَدِمْتُ المدِينةَ، قُلْتُ: لأنْظُرَنَّ إلى صلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا جلسَ - يَعْنِي: للتشهدِ - افْتَرَشَ رجلَه اليُسرَى، ووضع يدهُ اليُسرَى - يَعْنِي - على فَخِذِه اليُسرَى، ونصَبَ رجلَه اليُمنَى
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عندَ أكثرِ أهل العلم، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ،
= وأخرجه أبو داود (986).
ويشهد له حديث عائشة عند ابن خزيمة (707)، والحاكم 1/ 230 قالت: نزلت هذه الآية في التشهد: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]، وإسناده صحيح، وهو في البخاري (4723)، ومسلم (447) بلفظ "الدعاء" بدل "التشهد". فال الحافظ في "الفتح" 8/ 406: يحتمل الجمعُ بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة.
(1)
صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا أبو داود (726) و (957)، وابن ماجه (912)، والنسائي 2/ 126 و 236 و 3/ 34 - 35 و 35 و 35 - 36 و 37. وهو في "المسند" (18850). وفي بعض الروايات زيادة: وأشار بالسبابة.
وأهلِ الكوفة، وابنِ المباركِ.
105 - باب منه أيضًا
293 -
حدَّثنا بندارٌ، قال: حدَّثنا أبو عامرٍ العَقَدِيُّ، قال: حدَّثنا فُلَيْحُ بن سليمانَ المدنيُّ، قال حدَّثنا عباسُ بن سهلٍ السَّاعِدِيُّ، قال:
اجتَمعَ أبو حُمَيْدٍ وأبو أُسَيْدٍ وسهلُ بن سعدٍ ومحمد بن مَسْلمةَ، فذَكَروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حُمَيدٍ: أنا أعلمُكم بصلاةِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسَ - يَعْنِي للتشهد - فافْتَرَشَ رجلَه اليسرَى، وأقْبَلَ بصَدْرِ اليمنى على قِبْلَتِه، ووضَعَ كفَّه اليمنَى على ركبتهِ اليمنَى، وكفَّه اليسرَى على ركبَتِه اليسرَى، وأشار بِأُصْبَعِه، يعنِي السَّبَّابَة
(1)
.
وهذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وبه يقولُ بعضُ أهلِ العلمِ، وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، قالوا: يَقْعُدُ في التشهدِ الآخِرِ على وَرِكِه، واحتَجُّوا بحديثِ أبي حُمَيْدٍ، وقالوا: يقعدُ في التشهدِ الأولِ على رجله اليُسرَى وينصِبُ اليمنَى.
(1)
صحيح لغيره، وأخرجه أبو داود (734) و (967). وهو في "صحيح ابن حبان"(1871).
وسيأتي بعضه ضمن حديث مطول برقم (304).
ويشهد له ما قبله. وانظر ما بعده.
106 - باب ما جاء في الإشارَةِ
294 -
حدَّثنا محمودُ بنُ غَيْلَانَ ويحيى بن موسى، قالا: حدَّثنا عبدُ الرَّزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن عمرَ، عن نافع
عن ابنِ عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا جلسَ في الصلاةِ وضعَ يَدَه اليُمنى على ركبتِه، ورفعَ إصْبَعَه التي تلِي الإبهام يَدْعُو بها، ويدُه اليسرَى على ركبته باسِطَها عليه
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن الزُّبَيْرِ، ونُمَيْرٍ الخُزَاعيِّ، وأبي هريرة، وأبي حمَيْدٍ، ووَائِلِ بن حُجْرٍ.
حديثُ ابن عُمَرَ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ، لا نَعْرِفهُ من حديثِ عُبَيْدِ الله بن عمرَ إلّا من هذا الوجهِ.
والعملُ عَليْهِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتابعين: يَخْتَارُونَ الإشارة في التشهدِ. وهو قولُ أصحابِنا.
107 - باب ما جاء في التَّسْليم في الصلاةِ
295 -
حدَّثنا بُنْدارٌ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بن مَهْدِيٍّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحْوَصِ
عن عبد اللهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يُسَلِّمُ عن يمينه وعن
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (580)، وأبو داود (987)، وابن ماجه (913)، والنسائي 2/ 236 و 3/ 36 و 37، وهو في "المسند"(6153)، و"صحيح ابن حبان"(1942) و (1947).
يساره: "السلامُ عليكم ورحمةُ الله
(1)
، السلام عليكم ورحمة الله"
(2)
.
وفي الباب عن سعد بن أبي وَقَّاصٍ، وابن عمرَ، وجابر بن سمُرَةَ، والبَرَاءِ، وعَمَّارٍ، ووائِلِ بن حُجْرٍ، وعَديِّ بن عَمِيرَةَ، وجابرِ بن عبد اللهِ.
حديثُ ابن مسعودٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عند أكثر أهلِ العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، وهو قولُ سفيانَ الثَّوريِّ، وابن المباركِ، وأحمدَ، وإسحاقَ.
(1)
زاد هنا في (ب): وبركاته. وهو خطأ من الناسخ لأن الترمذي رحمه الله لم يخرج الحديث بهذه الزيادة. وإنما هي عند أبي داود (997) من طريق علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وعن شماله:"السلام عليكم ورحمة الله". وإسناده قوي.
وقد رويت هذه الزيادة من حديث ابن مسعود عند ابن حبان (1993) من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عنه، وجاء عند غير ابن حبان من طرق عن سفيان، دونها.
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (996)، وابن ماجه (914)، والنسائي 2/ 205 و 230، 3/ 62 و 63، وهو في "المسند"(3660) و (3669)، و"صحيح ابن حبان"(1990) و (1991).
108 - باب منه أيضًا
296 -
حدَّثنا محمد بن يحيى النَّيْسابُورِيُّ، قال: حدَّثنا عَمْرُو بن أبي سَلمةَ، عن زُهَيْر بنِ محمدٍ، عن هشامِ بن عُرْوةَ، عن أبيه
عن عائشةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُسَلِّمُ في الصلاة تَسْلِيمةً واحدةً تِلْقَاءَ وجهه، ثم يَمِيلُ إلى الشِّقِّ الأيْمَنِ شَيْئًا
(1)
.
(1)
تَسْليمُهُ صلى الله عليه وسلم تسليمةً واحدةً في الصَّلاة صحيح، وهذا إسناد ضعيف، زهير بن محمد التميمي رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، وهذا منها، فإن عمرو بن أبي سلمة التِّنِّيسي شامي، ثم هو لَيِّن الحديث، وتابعه عبد الملك بن محمد الصَّنْعاني الدمشقي، وهو ليِّن الحديث أيضًا، وقد رُوي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة في الصلاة من وجه آخر عن عائشة عند أحمد (25987) و (25988)، وهو صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (919). وهو عند ابن حبان (1995).
وفي باب تسليمه صلى الله عليه وسلم تسليمة واحدة في الصلاة عن ابن عمر عند أحمد (5461)، وإسناده قوي.
وعن أنس عند البيهقي 2/ 179، ورجاله ثقات.
وعن سهل بن سعد عند ابن ماجه (918)، وإسناده ضعيف.
وعن سلمة بن الأكوع عند ابن ماجه (920)، وإسناده ضعيف.
قال ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 220 - 223: واختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في عدد التسليم، فقالت طائفة: يسلم تسليمتين عن يمينه وعن شماله، روي هذا القول عن أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، ونافع بن الحارث، وعطاء بن أبي رباح، وعلقمة، والشعبي، وأبي عبد الرحمن السلمي، وبه قال سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. =
وفي الباب عن سهل بن سعدٍ.
وحديثُ عائشةَ لا نعرفهُ مرفوعًا إلّا من هذا الوجهِ.
قال محمد بن إسماعيل: زُهَيْرُ بن محمدٍ أهْلُ الشَّامِ يَرْوُونَ عنه مَنَاكِيرَ، ورِوايةُ أهل العراقِ عنه أشْبَهُ.
قال محمدٌ: وقال أحمد بن حنبلٍ: كَأنَّ زهيرَ بن محمدٍ الذي كان وقع عندَهم ليس هو هذا الذي يُرْوَى عنه بالعراقِ، كأنَّه رجلٌ آخَرُ، قَلَبُوا اسْمَهُ.
وقد قال به بعضُ أهل العلم في التَّسْليم في الصلاةِ.
وأصَحُّ الرواياتِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمَتانِ، وعليه أكثرُ أهل العلم من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَنْ بعدَهم.
ورَأى قومٌ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرِهم تسليمةً واحدةً في المكتوبةِ.
قال الشافعيُّ: إن شاءَ سَلَّمَ تسليمةً واحدةً، وإن شاءَ سَلَّمَ
= وقالت طائفة: يسلم تسليمة واحدة، كذلك قال ابن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، وسلمة بن الأكوع، والحسن، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك والأوزاعي.
وفيه قول ثالث: وهو أن هذا من الاختلاف المباح، فالمصلي مخير، إن شاء سلم تسليمة، وإن شاء سلم تسليمتين، قال بهذا القول بعض أصحابنا.
وكل من أحفظ عنه من أهل العلم يجيز صلاة من اقتصر على تسليمة، وأحب أن يسلم تسليمتين، للأخبار الدالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجزيه أن يسلم تسليمة.
تسليمتينِ.
109 - باب ما جاء أنَّ حَذْفَ السلامِ سُنَّةٌ
297 -
حدَّثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، قال: أخبرنا عبدُ الله بنُ المباركِ والهِقْلُ بنُ زيَادٍ، عن الأوزاعِيِّ، عن قُرَّةَ بنُ عبدِ الرَّحْمنِ، عن الزُّهْريِّ، عن أبي سَلمةَ
عن أبي هريرةَ، قال: حَذْفُ السلامِ سُنَّةٌ
(1)
قال عليُّ بنُ حُجْر: وقال ابنُ المباركِ: يَعْنِي أن لا تَمُدَّهُ مَدًّا
(2)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهو الذي يَسْتَحِبَّهُ أهلُ العلم.
ورُوِي عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ أنَّه قال: التكبِيرُ جَزْمٌ، والسلامُ جَزْمٌ.
وهِقْلٌ يُقَالُ: كان كاتبَ الأوزاعيِّ.
(1)
ضعيف، لضعف قرة بن عبد الرحمن، وأخرجه أبو داود (1004)، وهو في "المسند"(10885).
(2)
قال في "النهاية": هو تخفيفه وترك الإطالة فيه، ويدل عليه حديث النخعي: التكبير جزم والسلام جزم، فإنه إذا جزم السلامَ وقَطَعَه، فقد خففه وحذفه.
110 - باب ما يقال إذا سَلَّمَ
298 -
حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا أَبو معاويةَ، عن عاصمٍ الأحْوَلِ، عن عبدِ الله بن الحارث
عن عائشةَ، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمَ لا يَقْعُدُ إلَّا مقدارَ ما يقول: "اللَّهُمَّ أنتَ السلامُ، ومِنك السلام، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ"
(1)
.
299 -
حَدَّثَنا هَنَادٌ، قَالَ: حَدَّثَنا مروانُ بنُ معاويةَ وأَبو معاويةَ، عن عاصمٍ الأحول، بهذا الإسنادِ نحوَهُ، وقال:"تَبَارَكْتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ"
(2)
.
وفي الباب عن ثَوْبَانَ، وابن عُمَرَ، وابن عباسٍ، وأبي سعيدٍ، وأبي هريرة، والمغيرة بن شعبةَ.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رَوى خالدٌ الحذَّاء هذا الحديثَ من حديث عائشةَ عن عبد الله بن الحارث، نحو حديث عاصم
(3)
.
(1)
إسناده صحيح وأخرجه مسلم (592)، وأبو داود (1512)، وابن ماجه (924)، والنسائي 3/ 69، وهو في "المسند"(24338)، و"صحيح ابن حبان"(2000) و (2001).
(2)
إسناده صحيح. وانظر ما قبله.
(3)
من قوله: "وقد روى خالد" إلى هنا أثبتناه من (ل) وهامش (س)، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.
وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعدَ التسليم: "لا إله إلَّا اللهُ وحدَه، لا شريكَ لَهُ، له المُلْكُ وله الحمدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، اللَّهُمَّ لا مانعَ لِمَا أعْطَيْتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ"
(1)
.
ورُوي أنه كان يقول: "سبحانَ ربَّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يَصِفُونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ لله ربِّ العالَمينَ"
(2)
.
300 -
حَدَّثَنا أحمد بن محمد بن موسى، قَالَ: أخبرني ابن المباركِ، قال: أخبرنا الأوزاعيُّ، قال: حدثنا شَدَّادٌ أَبو عَمَّارٍ، قال: حدثني أبو أسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، قال:
حَدَّثني ثَوْبَانُ مَوْلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أنْ يَنْصَرِفَ من صلاتِه، اسْتَغْفَرَ ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم قال:"أنت السلامُ، ومنكَ السَّلامُ، تَبَارَكتَ يا ذا الجلَالِ والإكرامِ"
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (844)، ومسلم (593)، وأبو داود (1505)، والنسائي 3/ 70 - 71 و 71. وهو في "المسند" (1892)، وليس عند أحد منهم قوله: "يحيي ويميت". وقد جاءت هذه الزيادة عند الطبراني في "الكبير" 20/ (926)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/ 103: ورجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 332: ورجاله موثقون.
(2)
أخرجه الطيالسي (2198)، وعبد بن حميد (954) و (956)، وأبو يعلى (1118) من حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه الطبراني (5124) من حديث زيد بن أرقم، و (11221) من حديث ابن عباس. وأسانيدها كُلُّها ضعيفة، لكن له شاهد أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 7/ 42 من مرسل الشعبي بسند صحيح إليه كما قال الحافظ في "نتائج الأفكار" 2/ 191.
(3)
إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (591)، وأبو داود (1513)، وابن ماجه =
هذا حديثٌ صحيحٌ.
وأبو عَمَّارٍ اسمُه: شَدَّادُ بن عبد اللهِ.
111 - باب ما جاء في الانصرافِ عن يَمينهِ وعن يساره
(1)
301 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا أبو الأحْوَصِ، عن سِماكِ بنِ حَرْبٍ، عن قَبِيصةَ بنُ هُلْبٍ
عن أبيه، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّنَا، فَيَنْصَرِفُ على جانِبَيْهِ جميعًا: على يمينه، وعلى شماله
(2)
.
وفي البابِ عن عبدِ الله بنُ مسعودٍ، وأنسٍ، وعبد الله بن عَمْرٍو، وأبي هريرةَ.
حديثُ هُلْبٍ حديثٌ حَسَنٌ.
وعليه العملُ عندَ أهل العلمِ: أنَّه يَنْصَرِفُ على أيِّ جانبيه شاءَ، إنْ شاءَ عن يمينِه، وإن شاءَ عن يسارِه. وقد صحَّ الأمْرَانِ
= (928)، والنسائي 3/ 68 - 69، وهو في "المسند"(22365)، و"صحيح ابن حبان"(2003).
(1)
في (أ) و (ل): شماله، والمثبت من سائر أصولنا الخطية.
(2)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة قبيصة بن هلب، وأخرجه أبو داود (1041)، وابن ماجه (929)، وهو في "المسند"(21967).
ويشهد له حديث ابن مسعود عد أحمد (4383)، والبخاري (852)، ومسلم (707).
وحديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه (931)، وهو في "المسند"(6627). وانظر تتمة شواهده فيه.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ويُرْوَى عن عليِّ بن أبي طالبٍ أنه قال: إن كانت حاجتُه عن يمينهِ، أخَذَ عن يمينهِ، وإن كانتْ حاجتُه عن يسارِه، أخذ عن يساره
(1)
.
112 - باب ما جاء في وصْفِ الصَّلاةِ
302 -
حدَّثنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا إسماعيلُ بن جعفَرٍ، عن يحيى بن عليَّ بن يحيى بن خَلَّادِ بن رَافعٍ الزُّرَقِيَّ، عن جَدِّهِ
عن رِفاعَةَ بن رَافعٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالسٌ في المسجدِ يومًا - قال رفاعةُ: ونحنُ معه - إذْ جاءَه رجلٌ كالبَدَوِيِّ، فصلَّى، فأخَفَّ صلاته، ثم انصرفَ فسَلَّمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"وعليك، فارْجِعْ فصَلِّ، فإنَّكَ لم تُصَلِّ"، فرجَع فصلَّى، ثم جاءَ فسلَّم عليه، فقال:"وعليك، ارجعْ فصلِّ، فإنك لم تُصلِّ"، ففعل ذلك مرتينِ أو ثلاثًا، كُلُّ ذلك يأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيُسَلَّمُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"وعليك، فارجعْ فصلِّ، فإنك لم تصلِّ".
فعافَ
(2)
الناسُ، وكَبُرَ عليهم أنْ يكون من أخَفَّ صلاتَه لم
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 305 عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي، قال: إذا قضيتَ الصلاة وأنت تريد حاجة، فكانت حاجتك عن يمينك أو عن يسارك، فخذ نحو حاجتك.
(2)
في نسخة على هامش (أ): فخاف.
يُصَلِّ، فقال الرجلُ في آخِر ذلك: فأرِني وعَلِّمني، فإنَّما أنا بَشَرٌ أُصيبُ وأُخْطِئُ، فقال: "أجَلْ.
إذا قُمْتَ إلى الصلاةِ فتوضَّأْ كما أمَرَكَ اللهُ، ثم تَشَهَّدْ، فأقِمْ أيضًا، فإنْ كان معكَ قُرْآنٌ، فاقْرَأْ، وإلَّا فاحْمَدِ اللهَ وكَبِّرْه وهَلِّلْه، ثُمَّ ارْكَعْ، فاطْمَئِنَّ راكعًا، ثم اعتَدِلْ قائِمًا، ثم اسجدْ فاعْتَدِلْ ساجدًا، ثم اجلِسْ، فاطْمَئِنَّ جالسًا، ثم قُمْ، فإذا فَعَلْتَ ذلك فقد تَمَّتْ صلاتُكَ، وإن انْتَقَصْتَ مِنهُ شَيئًا، انْتَقَصْتَ من صلاتِكَ".
قال: وكان هذا أهْوَنَ عليهم من الأولى: أنَّهُ من انتقَصَ من ذلك شيئًا، انْتَقَصَ من صلاتهِ، ولم تَذْهَبْ كلُّها
(1)
.
وفي الباب عن أبي هريرةَ، وعَمَّارِ بن يَاسِرٍ.
حديثُ رِفَاعَةَ بن رافعٍ حديثٌ حَسَنٌ.
وقد رُوِي عن رفاعةَ هذا الحديثُ من غير وجهٍ.
303 -
حدَّثنا محمد بن بشارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن سعيدٍ القَطَّانُ، قال: حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بن عُمَرَ، قال: أخبرني سعيدُ بن أبي سعيدٍ، عن أبيه
عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَل المسجدَ، فدخلَ رجلٌ فصَلَّى، ثم جاء، فسَلَّمَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فرَدَّ عليه السلامَ، فقال:
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (857 - 861)، والنسائي 2/ 20 و 193 و 225 - 226 و 3/ 59 - 60 و 60، وهو في "المسند"(18995)، و"صحيح ابن حبان"(1787)، وانظر الكلام على إسناده في "المسند".
"ارْجِعْ فصَلِّ فَإنَّكَ لم تُصَلِّ"، فرجَعَ الرجل، فصلَّى كما صَلّى، ثم جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسلَّمَ عليه فَرَدَّ عليه، فقال له:"ارجِعْ فصلِّ فإنك لم تصلِّ"، حتى فعلَ ذلك ثلاثَ مَرَّاتٍ، فقال الرجلُ: والذي بَعَثَكَ بالحقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَ هذا، فعَلِّمْنِي.
فقال: "إذا قُمْتَ إلى الصلاةِ فكَبِّرْ، ثم اقْرَأْ بما تَيَسَّرَ معك من القرآنِ، ثم ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ راكعًا، ثم ارْفَعْ حتَّى تَعْتَدِلَ قائمًا، ثم اسجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجدًا، ثم ارفعْ حتَّى تَطمَئِنَّ جالسًا، وافْعَلْ ذلك في صلاتك كُلِّها"
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ورَوى ابنُ نُمَيْرٍ هذا الحديثَ، عن عُبَيْدِ الله بن عُمرَ، عن سعيدٍ المقبُرِيِّ، عن أبي هريرةَ، ولم يَذْكُرْ فيه: عن أبيه، عن أبي هريرة.
وروايةُ يحيى بن سعيدٍ، عن عُبَيْد الله بن عُمَرَ، أصَحُّ.
وسعيد المقبُرِيُّ قد سمعَ من أبي هريرةَ، ورَوَى عن أبيه، عن أبي هريرةَ.
وأبو سعيدٍ المقبُرِيُّ اسمُه: كَيْسَانُ، وسعيد المقبُرِيُّ يُكْنَى: أبا
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (757)، ومسلم (397)، وأبو داود (856)، وابن ماجه (1060) و (3695)، والنسائي 2/ 124، وهو في "المسند"(9635)، و"صحيح ابن حبان"(1890). وسيأتي برقم (2887).
سَعْد.
304 -
حدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ ومحمدُ بن المُثنَّى قالا: حدَّثنا يحيى بن سعيدٍ القَطَّانُ، قال: حدَّثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، قال: حدَّثنا محمد بن عَمْرو بن عطاءٍ
عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قال: سَمِعْتُهُ وهو في عَشَرَةٍ من أصْحَاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أحدُهم أبو قَتادةَ بنُ رِبْعِيٍّ، يقولُ
(1)
: أنا أعْلَمُكُمْ بصلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما كُنْتَ أقْدَمَنا له صُحْبَةً، ولا أكْثَرَنَا له إتْيَانًا! قال: بَلَى، قالوا: فاعْرِضْ.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامَ إلى الصلاةِ، اعْتَدَلَ قائمًا، ورَفَعَ يديهِ حتى يُحَاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، فإذا أراد أن يركعَ رفعَ يديه حتى يُحَاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم قال:"اللهُ أكبرُ"، وركع، ثم اعْتَدَلَ، فلم يُصَوِّبْ رأسَهُ ولم يُقْنِعْ، ووضع يديهِ على ركبتيهِ، ثم قال:"سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ"، ورفع يديه واعتدلَ، حتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ في موضِعه مُعْتَدِلًا، ثم هَوَى إلى الأرض ساجدًا، ثم قال:"الله أكبرُ"، ثم جافَى عَضُدَيْه عن إبْطَيْه، وفَتَخَ أصابعَ رجليهِ، ثم ثَنَى رجلَه اليسرَى وقعدَ عليها، ثم اعتدلَ، حتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عظمٍ
(2)
في موضعه مُعْتَدِلًا، ثم هَوى ساجدًا، ثم قال:"اللهُ أكبرُ"، ثم ثَنَى رِجْلَه وقعدَ، واعتدَلَ حتى يَرْجِعَ كُلُّ عظمٍ في موضِعه، ثم نهَضَ،
(1)
القائل هو أبو حميد الساعدي.
(2)
في (ب): عضو.
ثم صَنَعَ في الركعة الثانِيةِ مِثلَ ذلك، حتَّى إذا قام من السجدتينِ كَبَّرَ ورفعَ يديهِ حتى يُحَاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، كما صنع حين افتتحَ الصلاةَ، ثم صَنَعَ كذلكَ، حتى كانتِ الركعةُ التي تَنْقَضِي فيها صلاتُه، أخَّرَ رِجْلَهُ اليسرَى وقعدَ على شِقَّهِ مُتَوَرِّكًا، ثم سلَّمَ
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ومعنى قوله: "إذا قام من السجدتين رفع يَدَيهِ": يعني إذا قام من الركعتينِ.
305 -
حدَّثنا محمد بن بَشَّارٍ والحسنُ بن عليّ الحُلْوَانِيُّ وسَلَمةُ بن شَبِيب
(2)
وغيرُ واحدٍ، قالوا: حدَّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الحميد بنُ جعفرٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن عَمْرو بن عطاءٍ، قال: سمعتُ أبا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ في عشرةٍ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيهم أبو قتادةَ بن رِبْعِيٍّ، فذكر
(1)
إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (828)، وأبو داود (730 - 735) و (963 - 967)، وابن ماجه (803) و (862) و (863) و (1061)، والنسائي 2/ 187 و 211 و 3/ 2 و 34، وهو في "المسند"(23599)، و"صحيح ابن حبان"(1865).
وانظر ما سلف برقم (259) و (269) و (293).
قوله: "فلم يصوب رأسه ولم يُقنع": أي: لم يُنَكَّسه، ولم يرفعه أعلى من ظهره.
وقوله: "فتخ أصابع رجليه"، قال ابن الأثير في "النهاية" 3/ 408: أي: نصبها وغمز موضع المفاصل منها، وثناها إلى باطن الرجل، وأصل الفتخ: اللين.
وقوله: "وقعد على شقه متوركًا". التَّورُّكُ: أنَّ يُنَحِّيَ رجليه فى التشهدِ الأخير، ويُلصقَ مقعدَته بالأرض، وهو من وضع الوَرِك عليها، والوَرِكُ: ما فوقَ الفخذ، وهي مؤنثة.
(2)
قوله: "وسلمة بن شبيب" أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر الأصول.
نحوَ حديثِ يحيى بن سعيد بمعناه، وزاد فيه أبو عاصمٍ، عن عبد الحميد بن جعفرٍ هذا الحرف: قالوا: صدقتَ، هكذا صلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
113 - باب ما جاء في القراءةِ في الصبحِ
306 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن مِسْعَرٍ وسفيانَ، عن زياد بن عِلاقَةَ.
عن عَمِّهِ قُطْبَةَ بن مالكٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الفجرِ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] في الركعة الأُولى
(2)
.
وفي الباب عن عَمْرِو بن حُرَيْثٍ، وجابرِ بن سَمُرَةَ، وعبد الله بن السَّائِبِ، وأبي بَرْزَةَ، وأُمِّ سَلمةَ.
حديثُ قُطْبَةَ بن مالك حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ورُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ في الصبحِ بالوَاقعَةِ
(3)
.
ورُوِي عنه: أنه كان يقرأُ في الفجرِ من سِتِّينَ آيَةً إلى مِئةٍ
(4)
.
(1)
صحيح، وانظر ما قبله.
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (457)، وابن ماجه (816)، والنسائي 2/ 157. وهو في "المسند" (18903)، و"صحيح ابن حبان" (1814).
(3)
صحيح، وأخرجه أحمد (20995)، وابن خزيمة (531)، وابن حبان (1823)، والحاكم 1/ 240 من حديث جابر بن سمرة.
(4)
صحيح، وأخرجه أحمد (19768)، والبخاري (541)، ومسلم (461)، وأبو داود (398)، وابن ماجه (818)، والنسائي 1/ 262 و 265 و 2/ 157 من حديث أبي برزة الأسلمي.
ورُوِي عنه: أنه قرأ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]
(1)
.
ورُوِي عن عمرَ: أنَّه كَتَبَ إلى أبي موسى: أنِ اقْرَأْ في الصبحِ بِطِوَالِ المُفَصَّلِ
(2)
.
وعلى هذا العملُ عِنْدَ أهلِ العلمِ، وبه يقولُ سفيانُ الثَّوْرِيُّ، وابنُ المباركِ، والشافعيُّ.
114 - باب ما جاء في القراءةِ في الظهرِ والعصرِ
307 -
حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنَا يزيدُ بن هارونَ، قال: أخبرنا حَمَّادُ بنُ سَلمةَ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ
عن جابر بن سَمُرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأُ في الظهرِ والعصرِ بِالسَّمَاءِ ذاتِ البُرُوجِ، والسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وشِبْهِهِمَا
(3)
.
وفي الباب عن خَبَّابٍ، وأبي سعيدٍ، وأبي قَتَادةَ، وزيدِ بن
(1)
صحيح، وأخرجه أحمد (18733)، ومسلم (456)، وأبو داود (817)، وابن ماجه (817)، والنسائي 2/ 157.
(2)
هو في "مصنف" عبدِ الرزاق (2672) ونسبه الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 5 إلى البيهقي في "المعرفة"، وانظر حديث أبي هريرة في "السنن الكبرى"(1056) للنسائي.
والمفصل: هو السُّبْعُ الأخير من القرآن، أوله سورة الحجرات، سمي مفصلًا، لأن سوره قصار، كل سورة كفصل من الكلام. قيل: طواله إلى سورة (عمّ) وأوساطه إلى (الضحى) وقيل: غير ذلك. قاله السندي في حاشية النسائي.
(3)
صحيح، وأخرجه مسلم (460)، وأبو داود (805)، والنسائي 2/ 166. وهو في "المسند" (20808) و (20982)، و"صحيح ابن حبان" (1827).
ثابتٍ، والبَرَاءِ.
حديثُ جابرِ بن سَمُرَةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ
(1)
.
وقد رُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه قرأ في الظهر قَدْرَ تَنْزِيل السَّجْدَةَ
(2)
.
ورُوِي عنه: أنّه كان يقرأُ في الركعة الأُولَى من الظهرِ قَدْرَ ثلاثين آيَةَ، وفي الركعةِ الثانيةِ قدر خمْسَ عَشْرَةَ آيَةً
(3)
.
ورُوِيَ عن عمرَ: أنَّه كَتب إلى أبي موسى: أنِ اقرَأْ في الظهرِ بِأَوْسَاطِ المُفَصَّلِ
(4)
.
ورَأى بعضُ أهل العلمِ أنَّ قراءةَ صلاةِ العصرِ كنَحْوِ القراءَةِ في صلاةِ المغربِ: يَقْرأُ بقِصارِ المُفَصَّلِ.
(1)
وقع في (ب) و"تحفة الأشراف" 2/ 151: "حديث حسن" دون قوله: "صحيح"، والمثبت من سائر أصولنا الخطية، والنسخة التي اعتمدها المباركفوري في شرحه.
(2)
صحيح، وأخرجه أحمد (10986)، ومسلم (452)، وأبو داود (804)، والنسائي 1/ 237، وابن حبان (1828) من حديث أبي سعيد الخدري قال: كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية قدر الم تنزيل السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك.
(3)
صحيح، انظر تخريجه في الحديث السالف.
(4)
سلف تخريجه، انظر الحديث (306).
ورُوِي عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ أنَّه قال: تُعْدَلُ صلاة العصرِ بصلاةِ المغربِ في القراءةِ.
وقال إبراهيمُ: تُضاعف صلاةُ الظهرِ على صلاةِ العصرِ في القراءةِ أرْبَعَ مِرَارٍ
(1)
.
115 - باب ما جاء في القراءةِ في المغربِ
308 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا عَبْدَةُ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن الزُّهريِّ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن عبد الله، عن ابن عباسٍ
عن أُمِّهِ أُمِّ الفضْلِ، قالت: خَرَجَ إلينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصبٌ رأسَه في مرضِه، فصلى المغربَ، فقَرَأ بالمُرْسَلاتِ، فما صلَّاها بَعْدُ حتى لَقِيَ الله عز وجل
(2)
.
وفي الباب عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، وابن عمرَ، وأبي أيُّوبَ، وزيد بن ثابتٍ.
حديثُ أُمِّ الفضلِ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ورُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قرأ في المغربِ بالأعْرافِ، في
(1)
في (ب) و (ل): مرات.
(2)
صحيح، وأخرجه من طرق عن الزهري بهذا الإسناد: البخاري (763)، ومسلم (462)، وأبو داود (810)، وابن ماجه (831)، والنسائي 2/ 168، وهو في "المسند"(26868)، و"صحيح ابن حبان"(1832).
الركعتين كِلْتَيْهِمَا
(1)
.
ورُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه قرأ في المغربِ بالطُّورِ
(2)
.
ورُوي عن عمر: أنه كتب إلى أبي موسى: أن اقْرَأْ في المغربِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ
(3)
.
ورُوي عن أبي بَكْرٍ: أنَّه قرأ في المغربِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ.
وعلى هذا العملُ عندَ أهل العلمِ، وبه يقولُ ابن المباركِ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
وقال الشافعيُّ: وذُكِرَ عن مالكٍ أنَّه كَرِهَ أن يُقْرَأَ في صلاة المغرب بالسُّوَرِ الطِّوَالِ، نحو الطُّورِ، والمُرْسَلات، قال الشافعيُّ: لا أكْرَهُ ذلك، بل أسْتَحِبُّ أن يُقْرَأ بهذه السُّوَر في صلاة المغربِ.
116 - باب ما جاء في القراءة في صلاة العشاءِ
309 -
حدَّثنا عَبْدَةُ بن عبدِ الله الخُزَاعِيُّ، قال: حدَّثنا زيد بن الحُباب، قال: حدَّثنا ابن واقِدٍ، عن عبدِ الله بن بُرَيْدَةَ.
(1)
صحيح، وأخرجه النسائي 2/ 170 من حديث عائشة.
وأخرجه أحمد (21609)، والبخاري (764)، وأبو داود (812)، والنسائي 2/ 170، وابن حبان (1836) من حديث زيد بن ثابت.
(2)
صحيح، وأخرجه أحمد (16735)، والبخاري (765)، ومسلم (463)، وأبو داود (811)، وابن ماجه (832)، والنسائي 2/ 169، وابن حبان (1833) من حديث جبير بن مطعم.
(3)
سلف تخريجه. انظر الحديث (306).
عن أبيه، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في العِشاءِ بالشَّمْسِ وضُحاها ونحوها من السُّوَرِ
(1)
.
وفي الباب عن البراءِ بن عَازبٍ.
حديثُ بُرَيْدَةَ حديثٌ حَسَنٌ.
وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه قرأ في العِشاءِ الآخِرَةِ بالتِّينِ والزَّيْتُون
(2)
.
ورُوي عن عثمانَ بن عَفَّان: أنه كان يَقْرَأُ في العشاءِ بِسُوَرٍ من أوْسَاطِ المُفَصَّلِ، نحو سُورَةِ المُنَافِقِينَ وَأشبَاهِهَا.
ورُوي عن أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ: أنّهم قرؤوا بأكثرَ من هذا وأقَلَّ، كأنَّ الأمْرَ عندَهم واسعٌ في هذا.
وأحسنُ شيءٍ في ذلك ما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ بِالشَّمْسِ وضُحَاها، والتِّين والزَّيْتونِ.
310 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ، عن عَدِيِّ بن ثابتٍ
عن البَرَاءِ بن عازبٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاءِ الآخِرَةِ
(1)
صحيح، ابن واقد: هو حسين بن واقد المروزي، وأخرجه النسائي 2/ 173، وهو في "المسند"(22994).
(2)
هو حديث البراء بن عازب الآتي.
بالتِّينِ والزَّيْتونِ
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
117 - باب ما جاء في القراءة خَلْفَ الإمامِ
311 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا عَبْدَةُ بن سليمانَ، عن محمد بن إسحاقَ، عن مَكْحُولٍ، عن محمود بن الرَّبِيعِ
عن عُبَادةَ بن الصَّامِتِ، قال: صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصبحَ، فثَقُلَتْ عليه القراءةُ، فلمَّا انصرفَ قال:"إنِّي أراكم تقرؤونَ وراءَ إمامِكم" قال: قلنا: يا رسولَ اللهِ، إي وَاللهِ. قال:"فلا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ القرآنِ، فإنَّهُ لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بها"
(2)
.
(1)
إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (767)، ومسلم (464)، وأبو داود (1221)، وابن ماجه (834) و (835)، والنسائي 2/ 173، وهو في "المسند"(18503).
(2)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق وقد صرَّح بسماعة عند أحمد (22745) وغيره، وأخرجه أبو داود (823) و (824) و (825)، والنسائي 2/ 141، وهو في "المسند"(22671)، و"صحيح ابن حبان"(1785) و (1786) و (1792) و (1848).
ويشهد له حديثُ رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في "المسند"(18070)، وإسناده صحيح.
وحديث أبي قتادة عند أحمد (22625)، وفي إسناده انقطاع.
قال البغوي في "شرح السنة" 3/ 84 - 86: قد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم في القراءة خلف الإمام، فذهب جماعة إلى إيجابها، سواءٌ جهر الإمام أو أسرَّ، يُروى ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، ومعاذ، =
وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشةَ، وأنسٍ، وأبي قتادةَ، وعبد الله بن عَمْرٍو.
= وأبي بن كعب، وبه قال مكحول، وهو قول الأوزاعي، والشافعي، وأبي ثور، فإن أمكن أن يقرأ في سكتة الإمام، وإلا قرأ معه.
وذهب قوم إلى أنه يقرأ فيما أسرَّ الإمام فيه القراءة، ولا يقرأ فيما جهر، يقال: هو قول عبد الله بن عمر، يروى ذلك عن عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، ونافع بن جبير، وبه قال الزهري، ومالك، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وهو قولٌ للشافعي.
وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ أحد خلف الإمام سواءٌ أسر الإمام أم جهر، يروى ذلك عن زيد بن ثابت وجابر، ويروى عن ابن عمر: إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام ("الموطأ" 1/ 86، وإسناده صحيح)، وبه قال سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، واحتجوا بحديث أبي هريرة:"ما لي أنازَع القرآن"(وهو الحديث التالي)، قلت: وذلك محمول عند الأكثرين على أن يجهر على الإمام بحيث ينازعه القراءة، والدليل عليه ما روي عن عمران بن حصين: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلَّى بهم الظهر، فلما انفتل قال:"أيكم قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّك الأَعْلَى}؟ " قال رجل: أنا، فقال:"علمت أن بعضكم خالَجَنيها"(مسلم: 398).
قلنا: وجاء في حديث أبي هريرة: انتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر فيه، وقيل: إنها من كلام الزهري، فهي مرسلة. وعلى كلا الحالين فهي زيادة صحيحة يعضدها قول الله تبارك وتعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]، فقد اتفق أهل العلم على أن المراد من قوله:{فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} : وجوب الإنصات على المأموم في الصلوات التي يجهر فيها الإمام، كما في "جامع البيان" 9/ 162 - 163، و"التمهيد" 11/ 30 - 31.
ويعضدها أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا قرأ - يعني الإمام - فأنصِتُوا" أخرجه مسلم (404) وغيره من حديث أبي موسى الأشعري، وهذا الإنصات إنما يكون في الصلاة الجهرية، وليس في السِّرِّية.
حديثُ عُبَادةَ حديثٌ حَسَنٌ.
ورَوَى هذا الحديثَ الزُّهْرِيُّ عن محمود بن الرَّبيعِ، عن عُبَادةَ بن الصَّامتِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لا صلاةَ لِمَنْ لم يقرأْ بفاتحةِ الكتابِ"
(1)
.
وهذا أصحُّ.
والعملُ على هذا الحديث في القراءةِ خلفَ الإِمامِ عِنْدَ أكْثرِ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قولُ مَالك بن أنَسٍ، وابن المباركِ، والشَّافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ: يَرَوْنَ القراءةَ خلف الإِمام
(2)
.
(1)
صحيح، وقد سلف برقم (245).
(2)
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 2/ 196: اعلم أن قول مالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق: يرون القراءة خلف الإمام فيه إجمال، ومقصوده أن هؤلاء الأئمة كلهم يرون القراءة خلف الإمام إما في جميع الصلوات أو في الصلاة السرية فقط، وإما على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب والاستحسان.
قلنا: وقد سلف في التعليق عن البغوي أنه أدرج مالكًا وابن المبارك وأحمد وإسحاق فيمن يقول بقراءة المؤتم فيما أسرَّ الإمام فيه في القراءة، ولا يقرأ فيما جَهَرَ، وقال: وهو قول للشافعي. قلنا: ونقل العيني في "البناية" 2/ 314 عن أبي حامد في تعليقته أن الشافعي في مذهبه القديم يرى عدم وجوب قراءةِ الفاتحة في الجهرية، وانظر "المجموع" 3/ 363.
وذكر العيني في "عمدة القاري" أن بعض الحنفية يستحسنون ذلك على سبيل الاحتياط في جميع الصلوات، السرّية والجهرية، وبعضهم في السرّية فقط، وعليه =
118 - باب ما جاء في تركِ القراءَةِ خلفَ الإمام إذا جَهَرَ الإمامُ بالقراءةِ
312 -
حدَّثنا الأنصاريُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكٌ، عن ابنِ شهاب، عن ابنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ
عن أبي هُريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ من صلاةٍ جَهَرَ فيها بالقراءةِ، فقال:"هل قَرَأ معِي أحدٌ منكم آنِفًا؟ "، فقال رجلٌ: نعم يا رسولَ الله، قال:"إنِّي أقولُ مَالي أُنَازَعُ القرَآنَ؟! " قال: فانْتَهَى الناسُ عن القراءةِ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيما يَجهَرُ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن الصلواتِ بالقراءةِ، حين سَمِعُوا ذلك من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وفي الباب عن ابن مسعودٍ، وعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ، وجابر بن عبد الله.
هذا حديثٌ حَسَنٌ.
وابنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ اسمه: عُمَارةُ، ويقال: عَمْرُو بن أُكَيْمَةَ.
= فقهاء الحجاز والشام.
ونقل صاحب "عمدة الرعاية" عن الإمام محمد بن الحسن أنه استحسن قراءة الفاتحة للمؤتم في السرّية وروي مثله عن أبي حنيفة صرح به في "الهداية" و"المجتبى شرح مختصر القُدوري" وغيرهما، وهذا هو مختار كثير من مشايخنا.
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (826) و (827)، وابن ماجه (848) و (849) والنسائي 2/ 140 - 141، وهو في "المسند"(7270)، و"صحيح ابن حبان"(1843) و (1849) و (1850) و (1851).
ورَوَى بعضُ أصحاب الزهريِّ هذا الحديثَ، وذَكَروا هذا الحرفَ: قال: قال الزهريُّ: فَانْتَهَى الناسُ عن القراءةِ حينَ سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وليس في هذا الحدِيثِ ما يَدْخُلُ على من رَأى القراءَةَ خلفَ الإمامِ، لأنَّ أبا هريرةَ هو الذي رَوَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديثَ، ورَوَى أبو هريرةَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من صلَّى صلاةً لم يقْرَأْ فيها بِأُمَّ القُرْآنِ، فهيَ خِدَاجٌ فهي خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ"، فقال لهُ حاملُ الحديثِ: إنِّي أكونُ أحيانًا وراءَ الإمامِ؟ قال: اقْرَأْ بها في نفسكَ
(1)
.
ورَوَى أبو عثمانَ النَّهْدِيُّ، عن أبي هريرةَ، قال: أَمَرَني النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أَنادِيَ: أن لا صلاةَ إلَّا بقراءةِ فاتحةِ الكتابِ
(2)
.
واخْتَارَ أكثرُ أصحاب الحديثِ أن لا يقرأ إذا جهر الإمامُ بالقراءةِ، وقالُوا: يَتَتبَّعُ سَكتاتِ الإمامِ.
وقد اختلف أهلُ العلم في القراءةِ خلف الإمامِ:
فرأى أكثرُ أهل العلم من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابِعين ومن بعدهم القِراءةَ خلفَ الإمامِ، وبه يقولُ مالكٌ، وابن المبارك، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (3184).
(2)
صحيح لغيره، أخرجه أحمد (9529)، وأبو داود (819) و (820)، وابن حبان (1791). وانظر شواهده في "المسند".
(3)
انظر لزامًا التعليق رقم (2) في الصفحة 371.
ورُوِي عن عبدِ الله بن المبارك أنه قال: أنا أقرأ خلف الإمام، والنَّاسُ يقرؤون، إلَّا قومًا من الكوفيينَ، وأرَى أنَّ مَن لم يقرأْ صلاتُهُ جائزة.
وشدَّد قومٌ من أهل العلم في تَرْك قراءة فاتحة الكتاب، وإن كان خلفَ الإمامِ، فقالوا: لا تُجْزِئُ صلاةٌ إلَّا بقراءة فاتحة الكتاب، وحْدَهُ كَانَ أو خلفَ الإمامِ، وَذَهَبُوا إلى ما رَوَى عبادةُ بن الصامت، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقَرَأ عبادةُ بن الصامت بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم خلفَ الإمامِ، وتأوَّل قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"لا صلاةَ إلَّا بقراءةِ فاتحة الكتابِ" وبه يقولُ الشافعيُّ، وإسحاقُ، وغيرُهما.
وأما أحمدُ بن حنبلٍ فقال: معنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم
(1)
يقرَأْ بفاتحة الكتاب": إذا كان وحدَه، واحتَجَّ بحديث جابر بن عبد الله حيثُ قال: من صلَّى رَكعةً لم يَقرأْ فيها بِأُمَّ القرآنِ فلم يُصَلِّ، إلَّا أنْ يكون وراءَ الإمامِ
(2)
.
قال أحمدُ: فهذا رجلٌ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم تأوَّلَ قولَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بفاتحة الكتاب": أنَّ هذا إذا كان وحدَه. واخْتَارَ أحمدُ مع هذا القراءةَ خلفَ الإمامِ، وأن لا يَترُكَ الرجلُ فاتحةَ الكتاب، وإن كان خلفَ الإمامِ.
(1)
في (ب): لِمَنْ لا، وفي (ل):"لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب".
(2)
هو الحديث التالي عند المصنف.
313 -
حدَّثنا إسحاقُ بن موسى الأنصاريُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكٌ، عن أبي نُعَيْمٍ وَهْبِ بن كَيْسَانَ:
أنَّهُ سمع جابرَ بن عبدِ الله يقولُ: من صلَّى ركعةً لم يقرأْ فيها بأُمَّ القرآنِ فلم يُصَلَّ، إلَّا أنَّ يكونَ وراءَ الإمامِ
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
119 - باب ما جاء ما يقولُ عند دخول المسجد
314 -
حدَّثنا علي بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن ليثٍ، عن عبدِ الله بن الحسن، عن أُمِّه فاطمةَ بنتِ الحسينِ
عن جَدَّتِها فاطمةَ الكُبْرَى، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ المسجدَ صَلَّى على محمدٍ وسلَّمَ، وقال:"رَبِّ اغْفِر لي ذنوبِي، وافتحْ لي أبوابَ رحمتك"، وإذا خرجَ صلَّى على محمدٍ وسلَّم، وقال:"رَبِّ اغفر لي ذنوبي، وافتحْ لي أبوابَ فضلك"
(2)
.
315 -
وقال علي بن حُجْرٍ: قال إسماعيلُ بن إبراهيمَ: فلقِيتُ عبدَ الله بن الحسن بمكة، فسألتهُ عن هذا الحديث فحدَّثني به، قال:
كان إذا دخل قال: "رَبِّ افتح لي بابَ رحمتك". وإذا خرج،
(1)
صحيح، وهو في "الموطأ"1/ 84.
(2)
صحيح لغيره، وهذا إسناد فيه انقطاع، وأخرجه ابن ماجه (771)، وهو في "المسند"(26416).
ويشهد له حديث أبي حميد أو أبي أسيد، وفي رواية بالعطف، عند مسلم (713).
قال: "رَبِّ افتح لي بابَ فضلك"
(1)
.
وفي الباب عن أبي حُمَيْدٍ، وأبي أُسَيْدٍ، وأبي هريرةَ.
حديثُ فاطمةَ حديثٌ حَسَنٌ، وليس إسنادُه بمُتَّصِلٍ، وفاطِمةُ بنت الحسينِ لم تدركْ فاطمةَ الكبرَى، إنما عاشت فاطمةُ بعدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشْهرًا.
120 - باب ما جاء إذا دخل أحدُكم المسجدَ أن يركعَ ركعتينِ
316 -
حدَّثنا قُتيبةُ بن سعيدٍ، قال: حدَّثنا مالك بن أنَسٍ، عن عامر بن عبدِ الله بن الزُّبَيرِ، عن عَمْرٍو بن سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ
عن أبي قتادةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدُكم المسجدَ، فليركعْ رَكْعتينِ قبلَ أنَّ يجلسَ"
(2)
.
وفي الباب عن جابرٍ، وأبي أُمامةَ، وأبي هُريرةَ، وأبي ذَرٍّ، وكعبِ بن مالكٍ.
وحديثُ أبي قَتَادةَ حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رَوَى هذا الحديثَ محمدُ بن عَجْلانَ وغيرُ واحدٍ، عن
(1)
صحيح لغيره، وانظر ما قبله.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (444)، ومسلم (714)، وأبو داود (467) و (468)، وابن ماجه (1013)، والنسائي 2/ 53، وهو في "المسند"(22523)، و""صحيح ابن حبان" (2495) و (2497 - 2499).
عامرِ بن عبدِ الله بن الزُّبَيْرِ، نحوَ رواية مالك بن أنسٍ.
وَرَوَى سُهيلُ بن أبي صالحٍ هذا الحدِيثَ، عن عامر بن عبد الله بن الزُّبَيْرِ، عن عَمْرِو بن سُلَيْمٍ، عن جابر بن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وهذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ، والصحيحُ حديثُ أبي قتادة.
والعملُ على هذا الحديث عندَ أصحابنا: اسْتَحَبُّوا إذا دخلَ الرجلُ المسجدَ أن لا يجلسَ حتَّى يُصليَ ركعتين، إلَّا أن يكونَ له عذر.
قال عليُّ بن المَدِينِي: وحديثُ سهيلِ بنِ أبي صالحٍ خَطَأٌ، أخبرني بذلك إسحاقُ بن إبراهيمَ، عن علي بن المدينيَّ.
121 - باب ما جاء أن الأرضَ كُلَّها مسجدٌ إلَّا المَقْبَرةَ والحَمَّامَ
317 -
حدَّثنا ابنُ أبي عُمر وأبو عمارٍ الحسين بن حُرَيث، قالا: حدَّثنا عبدُ العزيزِ بن محمد، عن عَمْرو بن يحيى، عن أبيه
(1)
أخرجه من هذا الطريق أبو يعلى (2117)، والطحاوي في "شرح المشكل"(5717)، والخطيب في "تاريخه" 3/ 47.
ولجابر بن عبد الله حديث في ركعتي تحية المسجد من غير هذا الطريق وبغير هذه السياقة عند البخاري (930) و (931)، ومسلم (875) قال: دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة. فقال: "أصليت؟ " قال: لا، قال:"قم فصل ركعتين".
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الأرضُ كُلُّها مسجدٌ إلَّا المقْبَرةَ والحَمَّامَ"
(1)
.
وفي الباب عن عليٍّ، وعبد الله بن عَمْرٍو، وأبي هريرة، وجابرٍ، وابن عباسٍ، وحُذَيْفَةَ، وأنس، وأبي أُمامة، وأبي ذَرٍّ، قالوا: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "جُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا"
(2)
.
حديثُ أبي سعيدٍ قد رُوي عن عبدِ العزيز بن محمدٍ روايتينِ: منهم من ذَكَرَهُ عن أبي سعيدٍ، ومِنهم من لم يذكره.
وهذا حديثٌ فيه اضطرابٌ.
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (492)، وابن ماجه (745)، وهو في "المسند"(11784)، و"صحيح ابن حبان"(1699).
قال الإمام البغوي في "شرح السنة": اختلف أهل العلم في الصلاة في المقبرة والحمام، فرويت الكراهة فيهما عن جماعة من السلف، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور لظاهر الحديث، وان كانت التربة طاهرة والمكان نظيفًا، وقالوا: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا"[سيأتي برقم 454] فدل على أن محل القبر ليس محلًا للصلاة.
(2)
حديث علي أخرجه الآجري في "الشريعة" ص 498، والبيهقي 1/ 213 - 214.
وحديث أنس أخرجه ابن الجارود في "المنتقى"(124).
وحديث أبي أمامة أخرجه أحمد في "المسند"(22137).
وحديث جابر أخرجه البخاري (335)، ومسلم (521)، وهو في "مسند أحمد"(14264).
وانظر بقية الأحاديث عند حديث عبد الله بن عمرو في "المسند"(7068).
رَوَى سفيانُ الثَّوْرِيُّ، عن عَمْرِو بن يحيى، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلٌ.
ورواهُ حَمَّادُ بن سلمةَ، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ورواهُ محمد بن إسحاقَ، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، قال: وكان عَامَّة روايته عن أبي سعيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولم يَذْكُرْ فيه: عن أبي سعيد.
وكأنَّ رِوايةَ الثورِيِّ، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أثْبَتُ وأصحُّ
(1)
.
122 - باب ما جاء في فضل بنيان المسجدِ
318 -
حدَّثنا بُنْدَارٌ، قال: أخبرنا أبو بكرٍ الحَنفيُّ، قال: حدَّثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، عن أبيه، عن محمود بن لَبِيدٍ
عن عثمانَ بنِ عفانَ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "من بَنَى لله مسجدًا، بَنَى اللهُ له مِثلَه في الجنةِ"
(2)
.
وفي الباب عن أبي بكرٍ، وعمرَ، وعليٍّ، وعبد الله بن عَمْرٍو،
(1)
لقد خالفنا المصنف رحمه الله في تعليقنا على "المسند"(11784) و (11788)، فرجحنا وصله على إرساله.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (450)، ومسلم (533)، وابن ماجه (736). وهو في "المسند"(434)، و"صحيح ابن حبان"(1609).
وأنسٍ، وابن عباسٍ، وعائشةَ، وأُمِّ حَبِيبةَ، وأبي ذَرٍّ، وعَمْرو بنِ عَبَسةَ، وواثِلَةَ بن الأسْقَعِ، وأبي هريرةَ، وجابر بن عبد الله.
حديثُ عثمانَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"من بَنَى للهِ مسجدًا، صغيرًا كان أو كبيرًا، بَنَى الله لهُ بيتًا في الجنةِ".
319 -
حدَّثَنا بذلك قتيبةُ بن سعيد، قال: حَدَّثَنا نوحُ بن قيسٍ، عن عبد الرحمنِ مولَى قيسٍ، عن زيادٍ النُّمَيْرِيِّ، عن أنسِ بن مالك، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا
(1)
.
ومحمود بن لَبِيدٍ قد أدْرَكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ومحمود بن الرَّبِيع قد رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهما غلامانِ صغيرانِ مَدَنِيَّانِ.
123 - باب ما جاء في كراهية أنَّ يَتَّخِذَ على القبرِ مسجدًا
320 -
حدَّثنا قتيبةُ، قال: حدَّثنا عبدِ الوارث بن سعيدٍ، عن محمد بن جُحَادةَ، عن أبي صالحِ
عن ابنِ عباسٍ، قال: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زَائِرَات القُبُورِ،
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف زياد بن عبد الله النُّمَيري، وجهالة عبد الرحمن مولى قيس، وشهد له ما قبله، وانظر تتمة شواهده عند حديث ابن عمرو في "المسند"(7056).
وفي رواية أبي ذر عند ابن حبان (1610): "من بنى لله مسجدًا، ولو كمَفْحَصِ قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة". وإسنادها صحيح.
والمُتَّخِذِينَ عليها المساجِدَ والسُّرُجَ
(1)
.
وفي الباب عن أبي هريرةَ، وعائشةَ.
حديثُ ابن عباسٍ حديثٌ حَسَنٌ.
124 - باب ما جاء في النَّوْمِ في المسجدِ
321 -
حدَّثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ، قال: حدَّثنا عبدُ الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سالمٍ
عن ابن عُمَرَ، قال: كُنَّا نَنَامُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحنُ شَبَابٌ
(2)
.
(1)
حسن لغيره دون ذكر السُرج، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي صالح، واسمه باذام مولى أم هانئ.
وأخرجه أبو داود (3236)، وابن ماجه (1575)، والنسائي 4/ 94، وهو في "المسند"(2030) و (2603)، و"صحيح ابن حبان"(3179) و (3180).
ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي برقم (1077)، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور. وإسناده حسن.
وحديث حسان بن ثابت عند أحمد (15657)، وابن ماجه (1574)، ولفظه كلفظ حديث أبي هريرة. وإسناده ضعيف.
وحديث ابن عباس وعائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وهو في "الصحيحين". وانظر تخريجه في "المسند"(1884).
(2)
صحيح، وأخرجه ضمن حديث مطول فيه قصة منام ابن عمر في المسجد البخاري (1121)، ومسلم (2479)، وابن ماجه (3919)، وهو في "المسند"(6330)، و"صحيح ابن حبان" (7070) ولفظه:
…
وكنت غلامًا شابًا عزبًا، =
حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رَخَّصَ قومٌ من أهل العلم في النومِ في المسجدِ.
قال ابنُ عباسٍ: لا يَتَّخِذُهُ مَبِيتًا ومَقِيلًا.
وذهب قومٌ من أهل العلمِ إلى قول ابن عباسٍ.
125 - باب ما جاء في كراهيةِ البيع والشراء وإنْشَادِ الضَّالَّة والشِّعرِ في المسجد
322 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن ابن عجْلانَ، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه
عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نَهَى عن تَنَاشُدِ الأشْعَارِ في المسجدِ، وعن البيعِ والاشْتِراءِ فيه، وأنْ يَتَحَلَّقَ الناسُ يومَ الجمعةِ قبلَ الصلاة
(1)
.
وفي الباب عن بُرَيْدَةَ، وجابرٍ، وأنسٍ.
حديثُ عبد الله بن عَمْرِو بن العَاصِ حديثٌ حَسَنٌ.
وعمرُو بن شُعَيْبٍ هو: ابن محمد بن عبد الله بن عَمرِو بن العاصِ.
= فكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إلخ.
(1)
إسناده حسن، وأخرجه تامًا ومقطعًا أبو داود (1079)، وابن ماجه (749) و (1133)، والنسائي 2/ 47 - 48 و 48، وهو في "المسند"(6676)، وانظر شواهده فيه.
قال محمد بن إسماعيلَ: رَأيْتُ أحمدَ وإسحاق، وذَكَرَ غَيْرَهُمَا، يَحْتَجُّون بحديثِ عمرو بن شعيبٍ. قال محمدٌ: وقد سمعَ شعيبُ بن محمدٍ من عبدِ الله بن عمرٍو.
ومن تكلَّم في حديث عمرو بن شعيبٍ إنَّمَا ضعَّفَهُ، لأنه يُحَدِّثُ عن صحيفَةِ جدِّه، كأنهم رَأوْا أنه لم يَسمعْ هذه الأحاديثَ من جَدِّهِ.
قال عليُّ بن عبدِ الله: وذُكِرَ عن يحيى بن سعيدٍ أنه قال: حديثُ عمرو بن شعيبٍ عندنا واهٍ.
وقد كَرِهَ قومٌ من أهل العلمِ البيعَ والشراءَ في المسجدِ، وبه يقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.
وقد رُوي عن بعض أهل العلمِ من التابعين رُخْصَةٌ في البيع والشراء في المسجدِ.
وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غير حديثٍ رخصةٌ في إنشادِ الشِّعرِ في المسجدِ
(1)
.
(1)
منها: ما أخرجه البخاري (453)، ومسلم (2485)، وأبو داود (5013) و (5014)، والنسائي 2/ 48، وهو في "المسند"(21936)، و"صحيح ابن حبان"(1653) من حديث أبي هريرة، أن عمر مر بحسان بن ثابت في المسجد، وهو ينشد في المسجد شعرًا، فلحظ إليه، فقال: لقد كنت أُنشِدُ فيه، وفيه مَن هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال نشدتك بالله، أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أَجِب عني، اللهم أَيِّده بروح القدس"؟ قال: نعم. =
126 - باب ما جاء في المسجدِ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى
323 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا حاتِمُ بن إسماعيلَ، عن أُنَيْسِ بن أبي يَحيى، عن أبيه
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيَّ، قال: امْتَرَى رجلٌ من بَني خُدْرَةَ، ورجلٌ من بَني عَمْرِو بن عَوْفٍ فى المسجدِ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى، فقال الخُدْرِيُّ: هو مسجدُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخَرُ: هو مسجدُ قُباءٍ، فأتَيَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال:"هو هذا"، يعني مسجدَه، "وفي ذلك خَيرٌ كَثيرٌ"
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
حدَّثنا أبو بكرٍ، عن عليَّ بن عبدِ الله، قال: سألتُ يحيى بن سعيد عن محمد بن أبي يحيى الأسْلَميَّ، فقال: لم يكنْ بهِ بأسٌ، وأخوهُ أُنَيْسُ بن أبي يحيى أثْبَتُ منه.
127 - باب ما جاء في الصلاة في مسجد قُبَاءٍ
324 -
حدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ محمدُ بن العَلَاءِ وسفيانُ بن وَكيعٍ، قالا: حدَّثنا أبو أُسامةَ، عن عبدِ الحميد بن جعفرٍ، قال: حدَّثنا أبو الأبْرَدِ مَوْلى بني خَطْمَةَ
= ومنها: حديث عائشة الآتي برقم (3059).
(1)
إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1398)، والنسائي 2/ 36، وهو في "المسند"(11046)، و"صحيح ابن حبان"(1606). وسيأتي برقم (3356).
أنه سمع أُسَيْدَ بنَ ظُهَيْرٍ الأنصاريِّ، وكان من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، يحَدِّثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"الصلاةُ في مسجد قباءٍ كعُمْرَةٍ"
(1)
.
وفي الباب عن سَهْل بن حُنَيْفٍ.
حديثُ أُسَيْدٍ حديثٌ غريبٌ
(2)
.
ولا نَعْرِفُ لأُسَيْدِ بن ظُهيرٍ شيئًا يَصِحُّ غيرَ هذا الحديث، ولا نعرفه إلَّا من حديث أبي أُسامةَ عن عبدِ الحميد بن جعفرٍ.
وأبو الأبْرَدِ اسمه: زِيادٌ، مدينيٌّ
(3)
.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي الأبْرد مولى بني خَطْمَة، وأخرجه ابن ماجه (1411).
ويشهد له حديث سهل بن حنيف عند أحمد في "المسند"(15981)، وانظر تتمة شواهده هناك.
(2)
كذا هو في الأصول الخطية التي بين أيدينا عدا (ل)، إلا أنه كتب فوقها في (س): حسن. وفي (ل) والنسخة التي شرح عليها الماركفوري: حسن غريب، وفي "تحفة الأشراف" 1/ 75: حسن صحيح.
(3)
كذا قال الترمذي، وتبعه على ذلك الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" 9/ 528، وتعقبه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" فقال: تبع المصنِّفُ (يعني: المزي) في ذلك كلام الترمذي، وهو وهم، وكأنه اشتبه عليه بأبي الأدبر الحارثي، فإن اسمه زياد، كما قال ابن معين وأبو أحمد الحاكم وأبو بشر الدولابي وغيرهم، والمعروف أن أبا الأبْرَدِ لا يُعرف اسمه، وقد ذكره فيمن لا يُعرف اسمه: أبو أحمد الحاكم في "الكنى"، وابن أبي حاتم وابن حبان، وأما الحاكم أبو عبد الله، فقال في "المستدرك": اسمه موسى بن سليم.
128 - باب ما جاء في أيِّ المسَاجدِ
(1)
أفضلُ
325 -
حدَّثنا الأنصاريُّ، قَال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكٌ (ح)
وحدَّثنا قُتيبةُ، عن مالكٍ، عن زيدِ بن رَباحٍ وعُبيد الله بن أبي عَبد الله الأغَرِّ، عن أبي عبدِ الله الأغَرِّ
عن أبي هريرةَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاةٌ في مسجدي هذا خَيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواهُ إلَّا المسجِدَ الحرامَ"
(2)
.
ولم يذكرْ قتيبةُ في حديثه: عن عُبَيْدِ الله، إنَّما ذَكر: عن زيد بن رباحٍ، عن أبي عَبد الله الأغَرِّ.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وأبو عبدِ الله الأغَرُّ: اسمه سَلْمانُ.
وقد رُويَ عن أبي هريرة من غير وَجْهٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وفي الباب عن عليٍّ، ومَيْمُونَةَ، وأبي سعيدٍ، وجُبَيرِ بن مُطْعِمٍ، وعبد الله بن الزُّبيرِ، وابن عُمَرَ، وأبي ذَرٍّ.
(1)
كذا في (س) و (ل)، وفي باقي النسخ:"المسجد"، وكتب فوقها في (ب): المساجد دون تصحيح أو إشارة إلى نسخة أخرى.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394)، وابن ماجه (1403) و (1404)، والنسائي 2/ 35 و 5/ 214، وهو في "المسند"(7482)، و"صحيح ابن حبان"(1621) و (1625).
وسيأتي برقم (4258).
326 -
حدَّثنا ابنُ أبي عمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن عبد الملك بن عُمَيْرٍ، عن قَزَعَةَ
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ الحَرَامِ، ومسجدِي هذا، ومسجدِ الأقْصَى"
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
129 - باب ما جاء في المشي إلى المسجدِ
327 -
حَدَّثَنا محمدُ بن عبدِ الملك بن أبي الشَّوَارِبِ، قَال: حَدَّثَنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، قَال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سلمةَ
عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أُقيمَتِ الصلاةُ، فلا تَأْتُوهَا وأنتم تَسْعَوْنَ، ولكنِ ائْتُوهَا وأنتم تَمشُونَ، وعَليكُم السَّكينةَ، فَما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا"
(2)
.
وفي الباب عن أبي قَتَادةَ، وأُبَيِّ بن كعبٍ، وأبي سعيدٍ، وزيد بن ثابتٍ، وجابرٍ، وأنس.
اختلف أهلُ العلم في المشي إلى المسجدِ:
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (1189)، ومسلم 2/ 975 (827). وهو في "المسند"(11040)، و"صحيح ابن حبان"(1617).
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (636) و (908)، ومسلم (602)، وأبو داود (572) و (573)، وابن ماجه (775)، والنسائي 2/ 114 - 115، وهو في "المسند"(7230)، و"صحيح ابن حبان"(2145) و (2146).
فمنهم من رأى الإسراعَ إذا خافَ فوتَ تكبيرةِ الأولَى، حتى ذُكِرَ عن بعضهم: أنه كان يُهَرْوِلُ إلى الصلاةِ.
ومنهم من كرهَ الإسراعَ، واخْتارَ أن يمشيَ على تُؤَدَةٍ ووقارٍ، وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ، وقالا: العملُ على حديث أبي هريرة.
وقال إسحاقُ: إنْ خَافَ فوتَ تكبيرَةِ الأولَى، فلا بأسَ أن يُسرعَ في المشْي.
328 -
حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ الخلَّالُ، قال: حدَّثنا عبدُ الرزَّاق، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهريِّ، عن سعيدِ بن المُسَيّبِ
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بحديثِ أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ بمعناهُ
(1)
.
هكذا قال عبدِ الرزَّاق، عن سعيدِ بن المسيِّبِ، عن أبي هريرةَ.
وهذا أصَحُّ من حديث يزيدَ بن زُرَيْعٍ.
329 -
حَدَّثَنا ابنُ أبي عمرَ، قَال: حَدَّثَنا سفيانُ، عن الزُّهري، عن سعيد بنِ المسيّبِ، عن أبي هُريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوَه
(2)
.
(1)
صحيح، وانظر ما قبله.
(2)
صحيح، وانظر (327).
130 - باب ما جاء في القعود في المسجِدِ وانتظارِ الصلاة من الفضلِ
330 -
حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا عبدُ الرزَّاق، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن هَمَّامِ بن مُنَبِّهٍ
عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزالُ أَحَدُكم في صلاة ما دامَ يَنْتَظِرُهَا، ولا تزالُ الملائكةُ تُصَلِّي على أحدِكم ما دام في المسجدِ: اللَّهُم اغْفِرْ له، اللهمَّ ارحمه، ما لم يُحْدِثْ". فقال رجلٌ من حَضْرَمَوْتَ: وما الحَدَثُ يا أبا هريرةَ؟ قال: فُسَاءٌ أو ضُرَاطٌ
(1)
.
وفي الباب عن عليٍّ، وأبي سعيدٍ، وأنسٍ، وعبد الله بن مسعود، وسَهْلِ بن سعْدٍ.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
131 - باب ما جاء في الصلاة على الخُمْرَةِ
331 -
حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، عن عِكرمةَ
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (176) و (477)، ومسلم ص 459 (272)، وأبو داود (469) و (470) و (471) و (559)، وابن ماجه (281) و (774) و (799)، والنسائي 2/ 55، وهو في "المسند"(7430) و (7892)، و"صحيح ابن حبان"(1753) و (2043).
عن ابنِ عباسٍ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي على الخُمْرَةِ
(1)
.
وفي الباب عن أُمِّ حَبِيبَةَ، وابنِ عمرَ، وأُمَّ سَلمةَ، وعائِشةَ، ومَيْمُونَةَ، وأُمِّ كُلْثُومٍ بنتِ أَبي سَلمةَ بن عبدِ الأَسَدِ، ولم تَسْمَعْ مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
حديثُ ابن عباسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وبه يقولُ بعضُ أهل العلمِ.
وقال أحمدُ وإسحاقُ: قد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصلاةُ على الخُمْرَةِ.
والخمرةُ: هو حصيرٌ صغيرٌ
(2)
.
132 - باب ما جاء في الصلاة على الحصيرِ
332 -
حدَّثنا نَصْرُ بن عليًّ، قال: حدَّثنا عيسى بن يونسَ، عن الأعْمَشِ، عن أبي سُفيانَ، عن جابرٍ
(1)
صحيح لغيره، سماك في روايته عن عكرمة اضطراب، وأخرجه ابن ماجه (1030). وهو في المسند (2061) و (2426)، و"صحيح ابن حبان"(2310) و (2311).
وله شاهد من حديث ميمونة في "الصحيحين"، وهو في "المسند"(26806)، وانظر تتمة شواهده فيه.
وانظر ما بعده.
(2)
قال في "النهاية": هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير، أو نسيجة خوص ونحوه من النبات.
عن أبي سَعيدٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى على حصيرٍ
(1)
.
وفي الباب عن أنسٍ، والمغيرةِ بن شُعْبَةَ.
وحديثُ أبي سعيدٍ حديثٌ حَسَنٌ.
والعملُ على هذا عند أكثر أهل العلم، إلَّا أنَّ قومًا من أهل العلم اختاروا الصلاةَ على الأرضِ استحبابًا.
وأبو سفيانَ اسمه: طَلْحَةُ بن نافعٍ.
133 - باب ما جاء في الصلاة على البُسُطِ
333 -
حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا وَكيعٌ، عن شُعْبةَ، عن أبي التَّيَّاح الضُّبَعِيَّ، قال:
سمعتُ أَنس بن مالكٍ يقولُ: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُخالِطُنَا، حتى كان يقولُ لأخٍ لِي صغيرٍ:"يا أبا عُمَيْرٍ! مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " قال: ونُضِحَ بِسَاطٌ لنا، فصلَّى عليه
(2)
.
وفي الباب عن ابن عباس.
حديثُ أنسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (519) و (661)، وابن ماجه (1029)، وهو في "المسند"(11071)، و"صحيح ابن حبان"(2307).
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (6129) و (6203)، ومسلم (659) و (2150)، وأبو داود (9469)، وابن ماجه (3720) و (3740)، وهو في "المسند"(12199)، و"صحيح ابن حبان"(109).
وسيأتي برقم (2106).
والعملُ على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعدهم: لم يَرَوْا بالصلاةِ على البِساطِ والطنْفسَةِ بأسًا، وبه يقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.
واسمُ أبي التَّيَّاح: يزيدُ بن حُمَيْد.
134 - باب ما جاء في الصلاة في الحِيطانِ
334 -
حدَّثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال: حدَّثنا الحسنُ بن أبي جعفر، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن أبي الطُّفَيْلِ
عن مُعَاذ بن جَبَلٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَحِبُّ الصلاةَ في الحيطانِ
(1)
.
قال أبو داود: يعني البَسَاتِينَ.
حديث معاذٍ حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من حديثِ الحسن بن أبي جعفر، والحسن بن أبي جعفرٍ قد ضعَّفه يحيى بن سعيدٍ وغيرُه.
وأبو الزُّبَيْرِ اسمه: محمد بن مُسْلم بن تَدْرُسَ.
وأبو الطُّفَيْلِ اسمه: عامرُ بن وَاثلَةَ.
135 - باب ما جاء في سُتْرَةِ المُصَلِّي
335 -
حدَّثنا قُتيبةُ وهنَّادٌ، قالا: حدَّثنا أبو الأحْوَصِ، عن سِمَاك بن حَرْبٍ، عن موسى بن طَلْحةَ
(1)
إسناده ضعيف لضعف الحسن بن أبي جعفر.
عن أبيه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وَضَعَ أحدُكم بين يديهِ مثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلٍ، فَلْيُصَلَّ، ولا يُبَالِي من مَرَّ وراء ذلك"
(1)
.
حديثُ طلحةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند أهل العلمِ، وقالوا: سُتْرَةُ الإمامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَه.
136 - باب ما جاء في كراهية المَمَرِّ بين يَدَيِ المصلِّي
336 -
حدَّثنا الأنصاريُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكُ بن أنَس، عن أبي النَّضْرِ، عن بُسْر بن سعيدٍ
أنَّ زيدَ بن خالد الجُهَنِيَّ أرسل إلى أبي جُهَيْمٍ يسألُه ماذا سَمِعَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المَارِّ بين يدَي المصلِّي؟ فقال أبو جُهَيْمٍ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لو يَعْلَمُ المارُّ بين يدَي المصَلِّي ماذا عليه، لكانَ أنْ يَقِفَ أربعينَ خَيْرٌ له من أن يَمُرَّ بين يَدَيْهِ". قال أبو
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل سماك بن حرب، وأخرجه مسلم (499)، وأبو داود (685)، وابن ماجه (940)، وهو في "مسند" أحمد (1388) و"صحيح ابن حبان"(2380).
ويشهد له حديث ابن عمر في "الصحيحين"، وهو في "المسند"(4614).
وحديث عائشة عند مسلم (500).
وانظر تتمة شواهده عند حديث ابن عمر في "المسند".
ومؤخرة الرحل: هي الخشبة التي يستند إليها الراكب.
النَّضْرِ: لا أدْرِي قال: "أربعين يومًا" أو "أربعين شهرًا" أو "سَنَةً"؟
(1)
.
وفي الباب عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، وأبي هريرةَ، وابن عمرَ، وعبد الله بن عَمْرٍو.
حديثُ أبي جُهَيْم حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "لأَنْ يَقِفَ أحَدُكم مِئَةَ عامٍ خَيْرٌ له من أنَّ يَمُرَّ بين يَدَيْ أخيهِ وهو يصلِّي"
(2)
.
والعملُ عليه عند أهل العلمِ: كَرِهُوا المُرورَ بين يَدَي المصلِّي، ولم يَرَوْا أنَّ ذلك يَقْطَع صلاةَ الرجلِ.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (510)، ومسلم (507)، وأبو داود (701)، والنسائي 2/ 66، وهو في "المسند"(17540)، و"صحيح ابن حبان"(2366).
وأخرجه من حديث زيد بن خالد ابن ماجه (944)، وأحمد (17051). والأول هو الصواب، وانظر تمام تخريجه والكلام عليه في "المسند".
قوله: "خيرٌ له": كذا وقع في الأصول بالرفع، ورواية "الموطأ" بالنصب، وكذا في إحدى روايات البخاري، قال الحافظ في "الفتح" 1/ 856: كذا في روايتنا بالنصب على أنه خبر كان، ولبعضهم:"خيرٌ" بالرفع، وهي رواية الترمذي، وأعربها ابن العربي على أنها اسم كان، وأشار إلى تسويغ الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة، ويحتمل أن يقال: اسمها ضمير الشأن، والجملة خبرها.
(2)
أخرجه أحمد (8837)، وابن ماجه (946)، وابن حبان (2365) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم أحدكم ما له في أن يمشي بين يدي أخيه معترضًا وهو يناجي ربه، كان لأن يقف في ذلك المكان مئة عام، أحبَّ إليه من أن يخطو". وإسناده ضعيف.
137 - باب ما جاء لا يَقْطَعُ الصلاة شيءٌ
337 -
حدَّثنا محمدُ بن عبدِ الملك بن أبي الشَّوارِبِ، قال: حدَّثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، قال: حدَّثنا مَعْمَرٌ، عن الزهرِيِّ، عن عُبَيْد الله بن عَبد الله بن عتبَةَ
عن ابن عباسٍ، قال: كنتُ رَدِيفَ الفضلِ على أتَانٍ، فجِئْنَا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي بأصحابه بمنًى، قال: فنزلنا عنها فوَصَلْنَا الصَّفَّ، فمَرَّت بين أيديهم، فلم تَقْطَعْ صلاتَهم
(1)
.
وفي الباب عن عائشةَ، والفضل بن عباسٍ، وابن عمر.
حديثُ ابن عباسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عندَ أكثر أهل العلم مِن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعدهم من التابعين، قالوا: لا يقطَعُ الصلاةَ شيءٌ، وبه يقولُ سفيانُ، والشافعيُّ.
138 - باب ما جاء أنهُ لا يقطعُ الصلاةَ إلَّا الكَلبُ والحمارُ والمرأةُ
338 -
حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا يونسُ ومنصورُ بن زاذَانَ، عن حُمَيْد بن هِلالٍ، عن عبد الله بن الصَّامِتِ،
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (76)، ومسلم (504)، وأبو داود (715) و (716)، وابن ماجه (947)، والنسائي 2/ 64 - 65. وهو في "المسند" (1891)، و"صحيح ابن حبان" (2151).
قال:
سمعتُ أبا ذَرٍّ يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى الرجلُ وليس بين يديه كآخِرَة الرَّحْلِ - أو كوَاسِطَةِ الرَّحْلِ -، قَطَعَ صلاتَه الكلبُ الأسودُ، والمرأةُ، والحمارُ". فقلتُ لأبي ذَرٍّ: ما بالُ الأسودِ من الأحمرِ ومن الأبيض؟ فقال: يا ابن أخِي سألْتَنِي كما سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"الكلب الأسودُ شيطانٌ"
(1)
.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (510)، وأبو داود (702)، وابن ماجه (952) و (3210)، والنسائي 2/ 63 - 64. وهو في "المسند" (21323)، و"صحيح ابن حبان" (2385).
قال الإمام البغوي في "شرح السنة" 2/ 461 - 463 بعد أن أورد حديث ابن عباس، وحديث عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة بين يديه - وهو في البخاري (514)، ومسلم (512) - قال: في هذه الأحاديث دليل على أن المرأة إذا مرت بين يدي المصلي لا تقطع صلاته، وعليه أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم أنه لا يقطع صلاة المصلي شيء مر بين يديه، ثم ذكر حديث أبي سعيد مرفوعًا:"لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان" فقال: وهذا قول علي وعثمان وابن عمر، وبه قال ابن المسيب والشعبي وعروة، وإليه ذهب مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي.
وذهب قوم إلى أنه يقطع صلاته المرأةُ والحمار والكلب، يروى ذلك عن أَنس، وبه قال الحسن، وذكر حديث أبي ذر.
ثم قال: وقالت طائفة: يقطعها المرأةُ الحائضُ والكلبُ الأسود، روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال عطاء بن أبي رباح، وقالت طائفة: لا يقطعها إلا الكلب الأسود، روي ذلك عن عائشة، وهو قول أحمد وإسحاق.
وانظر "معرفة السنن والآثار" للبيهقي 3/ 200 - 201، و"الاعتبار في الناسخ =
وفي الباب عن أبي سعيدٍ، والحَكَمِ الغِفَارِيَّ، وأبي هريرةَ، وأنسٍ.
حديثُ أبي ذَرٍّ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد ذهب بعضُ أهل العلم إليه، قالوا: يَقْطَعُ الصَّلاةَ الحمارُ والمرأةُ والكلبُ الأسودُ.
قال أحمدُ: الذِي لا أشُكُّ فيه: أنَّ الكلبَ الأسوَدَ يقطعُ الصلاةَ، وفي نفسي من الحمارِ والمرأةِ شيءٌ.
قال إسحاقُ: لا يقطعها شيءٌ إلَّا الكلبُ الأسودُ.
139 - باب ما جاء في الصلاة في الثوب الواحدِ
339 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن هشامٍ - هو ابن عروةَ -، عن أبيه
عن عُمرَ بن أبي سَلمةَ: أنه رأَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في بَيْت أم سلمةَ مُشْتَملًا في ثوبٍ واحد
(1)
.
وفي الباب عن أبي هريرةَ، وجابرٍ، وسَلمةَ بن الأكْوَعِ،
= والمنسوخ من الآثار" للحازمي ص 75 - 76، و"المغني" لابن قدامة 3/ 94 و 97 - 103.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (356)، ومسلم (517)، وأبو داود (628)، وابن ماجه (1049)، والنسائي 2/ 70، وهو في "المسند"(16333)، و"صحيح ابن حبان"(2291) و (2292).
وأنسٍ، وعَمْرو بن أبي أسد
(1)
، وأبي سعيدٍ، وكَيْسَانَ، وابن عباسٍ، وعائشةَ، وأمِّ هانئٍ، وعَمَّار بن ياسرٍ، وطَلْق بن عليٍّ، وعُبَادةَ بن الصَّامتِ الأنصاريِّ.
حديثُ عمرَ بن أبي سلمةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عندَ أكثر أهل العلم مِن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعدهم مِن التابعين وغيرِهم، قالوا: لا بأسَ بالصلاةِ في الثوبِ الواحدِ.
وقد قال بعضُ أهل العلم: يُصَلِّي الرجل في ثَوْبَيْنِ.
140 - باب ما جاء في ابتداءِ القِبلة
340 -
حدَّثنا هنَّادٌ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن إسرائِيلَ، عن أبي إسحاقَ
عن البَراءِ بنِ عازِبٍ، قال: لَمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، صلَّى نحوَ بيتِ المقدِسِ سِتَّةَ أو سبعةَ عَشَرَ شهرًا، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أن يُوَجَّهَ إلى الكعبةِ، فأنزلَ اللهُ تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فوُجَّهَ نحوَ الكعبةِ، وكان يُحِبُّ ذلك، فصلَّى رجلٌ معه العصرَ، ثم مَرَّ على قومٍ من الأنصارِ وهم ركوعٌ
(1)
وقع في (ل): "عمرو بن أسد"، وفي (س) ونسخة المباركفوري:"عمرو بن أبي أسيد"، والمثبت من سائر أصولنا الخطية، وهو الصواب على وهم فيه من بعض رواته، انظر "الإصابة" 5/ 288 - 289.
في صلاةِ العصرِ نحوَ بيتِ المقدِسِ، فقال: هو يَشْهَدُ أنه صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد وُجَّهَ إلى الكعبةِ، قال: فانْحَرَفوا وهم ركوعٌ
(1)
.
وفي الباب عن ابن عمرَ، وابن عباسٍ، وعُمَارةَ بن أوْسٍ، وعَمْرِو بن عَوْفٍ المُزَنِيَّ، وأنسٍ.
حديثُ البَرَاءِ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد روى سفيانُ الثوريُّ، عن أبي إسحاقَ.
341 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن عبد الله بن دينارٍ
عن ابن عمرَ، قال: كانوا ركوعًا في صلاةِ الصبحِ
(2)
هذا حديثٌ صحيحٌ.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (40)، ومسلم (525)، وابن ماجه (1010)، والنسائي 1/ 242 - 243 و 243 و 2/ 60 - 61. وهو في "المسند" (18496)، و"صحيح ابن حبان" (1716)، ورواية ابن ماجه فيها اضطراب.
وسيأتي برقم (3200).
ولقوله: "ستة أو سبعة عشر شهرًا" انظر "الفتح" 1/ 96 - 97.
(2)
صحيح، وهو قطعة من حديث مطول أخرجه البخاري (403)، ومسلم (526)، والنسائي 1/ 244 - 245 و 2/ 61، وهو في "المسند"(4642)، و"صحيح ابن حبان"(1715).
وسيأتي برقم (3201).
141 - باب ما جاء أن ما بين المَشْرِقِ والمغْربِ قِبلةٌ
342 -
حدَّثنا محمد بن أبي مَعْشَرٍ، قَال: حدَّثنا أبي، عن محمد بن عَمْرٍو، عن أبي سَلمةَ
عن أبي هريرةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا بَيْنَ المشرقِ والمغربِ قِبْلَةٌ"
(1)
.
343 -
حَدَّثَنا يحيى بن موسى، قَال: حَدَّثَنا محمد بن أبي مَعْشَرٍ، مثلَه
(2)
.
حديثُ أبي هريرةَ قد رُوي عنه من غير وَجْهٍ، وقد تكلم بعضُ أهل العلم في أبي معشرٍ من قِبَلِ حفظه، واسمه: نَجِيحٌ، مولَى بَني هاشمٍ، قال محمدٌ: لا أرْوِي عنه شيئًا، وقد رَوَى عنه الناسُ.
قال محمدٌ: وحديثُ عبدِ الله بن جعفر المَخْرَمِيِّ، عن عثمانَ بن محمدٍ الأخْنَسِيِّ، عن سعيدٍ المَقْبُرِي، عن أبي هريرةَ أقْوَى وأصحُّ من حديث أبي معشرٍ.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي معشر، وقد أورده المصنف بعدُ برقم (344) من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وإسناده حسن.
وأخرجه ابن ماجه (1011).
وفي الباب عن ابن عمر مرفوعًا عند الحاكم 1/ 205، والدارقطني 1/ 270 و 271، والبيهقي 2/ 9، وقد روي موقوفًا، وهو أصح.
(2)
انظر ما قبله.
344 -
حدَّثنا الحسنُ بنُ بكرٍ المَرْوَزِيُّ، قال: حدَّثنا المُعَلَّى بن منصورٍ، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفرٍ المَخْرَمِيُّ، عن عثمانَ بن محمدٍ الأخْنَسِيِّ، عن سَعيدٍ المَقبُرِيِّ
عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَا بَيْنَ المشرقِ والمغربِ قِبْلَةٌ"
(1)
.
وإنَّما قيل: عبد الله بن جعفر المَخْرَمِيّ، لأنه من ولد المِسْوَرِ بن مَخْرَمةَ.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِي عن غير واحدٍ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما بين المشرقِ والمغربِ قِبْلَةٌ، مِنهم عمرُ بن الخطابٍ، وعليُّ بن أبي طالبٍ، وابنُ عباسٍ.
وقال ابنُ عمرَ: إذا جَعَلْتَ المغربَ عن يمينِكَ، والمشرقَ عن يسارِكَ
(2)
، فَمَا بينهما قِبْلَةٌ، إذا استقْبَلْتَ القبلة
(3)
.
وقال ابنُ المباركِ: ما بين المشرقِ والمغربِ قِبْلَةٌ، هذا لأهْلِ
(1)
إسناده حسن. وانظر ما قبله.
(2)
في (ب): شمالك.
(3)
قال الحافظ العراقي في "شرح الترمذي" 1/ ورقة 37: استُدِل بهذا الحديث على أن الفرض في استقبال القبلة لمن بَعُدَ عن الكعبة الجهة لا العين، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد، وهو ظاهر ما نقله المُزَني عن الشافعي.
المشرقِ، واختارَ عبدُ اللهِ بن المباركِ التَّيَاسُرَ لأهلِ مَرو.
142 - باب ما جاء في الرجل يصلِّي لغيرِ القبلةِ في الغَيْمِ
345 -
حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، قال: حدَّثنا أشْعَثُ بن سعيدٍ السَّمَّانُ، عن عاصم بن عُبَيْد الله، عن عَبد الله بن عامرِ بن ربيعةَ
عن أبيهِ، قال: كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ في ليلةٍ مُظْلِمَةٍ، فلم نَدْرِ أينَ القِبلةُ، فصلَّى كُلُّ رجلٍ مِنَّا على حِيالهِ، فلمَّا أَصْبَحْنا ذكرنا ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزلَ:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
(1)
[البقرة: 115].
هذا حديثٌ ليس إسنادُهُ بذاكَ، لا نعرفه إلَّا من حديث أشْعَثَ السَّمَّانِ، وأشْعَثُ بن سعيدٍ أبو الرَّبيعِ السَّمَّانُ يُضَعَّفُ في الحديث.
وقد ذهب أكثرُ أهل العلم إلى هذا، قالوا: إذا صلَّى في الغيم لغيرِ القِبلةِ، ثم استبان له بعدَما صلَّى أنه صلَّى لغير القبلة، فإن
(1)
إسناده ضعيف، أشعث السمَّان - وهو أبو الربيع - متروك، وعاصم بن عبيد الله ضعيف، وقد تابع أشعث السمَّان عمر بن قيس المكي المعروف بسَنْدل عند الطيالسي (1145)، ومن طريقه البيهقي 2/ 11، وهو متروك أيضًا، وقد تحرف عمر بن قيس عند الطيالسي إلى عمرو بن قيس، فأخطأ الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" 1/ 323، فظنه عَمرو بن قيس المُلَائي الثقة.
وأخرجه ابن ماجه (1020)، ويأتي عند المصنف (3191).
وله شاهد من حديث جابر عند الدارقطني 1/ 271، والبيهقي 2/ 10 و 11 و 12، وله ثلاثة طرق كلها ضعيفة مُعَلَّة، وآخر من حديث معاذ بن جبل عند الطبراني في "الأوسط"(248) انظر بسط ذلك في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 357 - 361، و"نصب الراية" 1/ 304 - 305، و"تفسير ابن كثير" 1/ 228 - 229.
صلاتَه جائزةٌ، وبه يقولُ سفيانُ، وابنُ المباركِ، وأحمدُ، وإسحاقُ
(1)
143 - باب ما جاء في كراهيةِ ما يُصَلَّى إليه وفيه
346 -
حَدَّثنا محمودُ بن غَيْلَانَ، قَال: حدَّثَنا المُقْرِئُ، قَال: حَدَّثنا يحيى بن أيوب، عن زيد بن جَبِيرَةَ، عن داودَ بن الحُصَيْنِ، عن نافعٍ
عن ابن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى أنْ يُصلَّى في سبعةِ مَوَاطِنَ: في المَزْبَلَةِ، والمَجْزِرَةِ، والمَقْبرَةِ، وقارِعَة الطَّرِيقِ، وفي الحمَّامِ، ومَعَاطِنِ الإبِلِ، وفوقَ ظَهْرِ بيتِ الله
(2)
.
347 -
حَدَّثنا عليُّ بن حُجْرٍ، قَال: حَدَّثنا سُوَيْدُ بن عبد العزيزِ، عن زيد بن جَبِيرَةَ، عن داودَ بن حُصَيْنٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن رسول الله
(1)
وهو قول الحنفية، فقد قالوا: ومن اشتبهت عليه القبلة تحرى، وإن أخطأ لم يُعِدْ، لأنه أتى بالواجب في حقه، وهو الصلاة إلى جهة تَحَرِّيه.
(2)
إسناده ضعيف جدًا، زيد بن جَبيرة متروك الحديث.
وأخرجه ابن ماجه (746).
وفي باب نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة والحمام عن أبي سعيد الخدري، سلف برقم (317)، وهو صحيح.
وفي باب النهي عن الصلاة في معاطن الإبل عن أبي هريرة، سيأتي عند المصنف برقم (348)، وإسناده صحيح، وله شواهد كثيرة انظرها في "المسند"(9825) و (6658).
وفي باب النهي عن الصلاة في قارعة الطريق عن ابن عمر عند ابن ماجه (330)، وفيه ابن لَهيعة وقُرَّة بن عبد الرحمن، وهما ضعيفان.
صلى الله عليه وسلم، بمعناه ونحوه
(1)
.
وفي الباب عن أبي مَرْثَدٍ، وجابرٍ، وأنسٍ
(2)
.
حديثُ ابن عمرَ إسنادهُ ليس بذاك القَويِّ، وقد تُكلِّمَ في زيد بن جبيرة من قبل حفظه
(3)
.
وقد رَوَى اللَّيْثُ بن سعدٍ هذا الحَديثَ عن عَبد الله بن عمرَ العُمَرِيِّ، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مثلَه
(4)
.
وحديثُ ابن عمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أشبهُ وأصحُّ من حديثِ الليثِ بن سعدٍ.
وعبدُ الله بن عمرَ العُمَرِيُّ ضعَّفه بعضُ أهْل الحديث من قِبَل
(1)
ضعيف كسابقه.
(2)
زاد الشيخ أحمد شاكر في مطبوعته بعد هذا: "أبو مرثد اسمه كناز بن حصين". وليس هو في شيء من أصولنا الخطية.
(3)
زاد الشيخ أحمد شاكر أيضًا بعد هذا: "وزيد بن جُبير الكوفي أثبت من هذا وأقدم، وقد سمع من ابن عمر" وليس هو في شيء من أصولنا الخطية.
(4)
رواية الليث أخرجها ابن ماجه (747) من طريق أبي صالح كاتب الليث، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب. كذا وقع في النسخة المطبوعة من ابن ماجه و"تحفة الأشراف" 8/ 73 - 74 بسقوط عبد الله بن عمر العمري بين الليث ونافع، وهو ساقط كذلك من بعض النسخ القديمة لابن ماجه، ومذكورٌ في بعضها الآخر كما نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"، وعلى كل حال، ففي إسناده أيضًا أبو صالح كاتب الليث، وهو ضعيف سيئ الحفظ.
حفظه، منهم يحيى بن سعيدٍ القَطَّانُ.
144 - باب ما جاء في الصلاةِ في مرَابِضِ الغَنَمِ وَأعْطَانِ الإبِلِ
348 -
حَدَّثَنا أبو كُريْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنا يحيى بنُ آدمَ، عن أبي بكر بن عَيَّاشِ، عن هشامٍ، عن ابن سِيرِينَ
عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا في مَرَابِضِ الغَنَمِ، ولا تُصَلُّوا في أعْطَانِ الإبِلِ"
(1)
.
349 -
حَدَّثَنا أبو كُريْبٍ، قَال: حَدَّثَنا يحيى بنُ آدَم، عن أبي بكرِ بن عَيَّاشٍ، عن أبي حَصِينٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بمثله وبنحوه
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه ابن ماجه (768)، وهو في "المسند"(9825)، و"صحيح ابن حبان"(1384).
قلنا: وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم سبب النهي عن الصلاة في أعطان الإبل في حديث عبد الله بن مغفّل عند أحمد (16788)، وابن ماجه (769)، وحديث البراء بن عازب عند أحمد (18538)، وأبي داود (184) و (493) بأنها خُلِقت من الشياطين، أو أنها من الشياطين. ومعنى ذلك كما قال الخطابي في "معالم السنن": 1/ 149 يريد أنها لما فيها من النفور والشرود ربما أفسدت على المصلي صلاته، والعرب تسمي كُلَّ مَارِدٍ شيطانًا، كأنه يقولُ: إنَّ المصلي إذا صلَّى بحضرتها كان مُغَررًا بصلاته، لما لا يؤمَن مِن نفارها وخبطها المُصلي، وهذا المعنى مأمون في الغنم، لسكونها وضعف الحركة إذا هيّجت.
(2)
حديث صحيح، وانظر ما قبله.
وفي الباب عن جابر بن سَمُرَةَ، والبَرَاءِ، وسَبْرَةَ بن مَعْبَدٍ الجُهَنيِّ، وعبد الله بن مُغَفَّلٍ، وابن عمرَ، وأنسٍ.
وحديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وعليه العملُ عند أصحابنا، وبه يقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.
وحديثُ أبي حَصِينٍ، عن أبي صالحِ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثٌ غريبٌ.
ورواه إسرائِيلُ، عن أبي حَصِينٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ موقُوفًا، ولم يَرْفعْهُ.
واسمُ أبي حَصينٍ: عثمانُ بن عاصمٍ الأسَدِيُّ.
350 -
حَدَّثَنا محمدُ بن بشَّارٍ، قَال: حَدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن شُعْبةَ، عن أبي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ
عن أنس بن مالكٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي في مَرَابِضِ الغَنَمِ
(1)
.
هذا حديثٌ صحيحٌ.
وأبو التَّيَّاحِ اسمه: يزيدُ بن حُمَيْدٍ.
(1)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (234)، ومسلم (524)، وهو في "المسند"(12335)، و"صحيح ابن حبان"(1385).
وقوله: في مرابض الغنم، أي: أماكنها، وهو بالموحدة والضاد المعجمة جمع مِرْبض بكسر الميم.
145 - باب ما جاء في الصلاةِ على الدَّابَّةِ حيثُ ما تَوَجَّهَتْ به
351 -
حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا وَكِيعٌ ويحيى بن آدمَ، قالا: حدَّثنا سفيانُ، عن أبي الزُّبَيْرِ
عن جابرٍ، قال: بَعَثَني النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ، فجئت وهو يصلِّي على راحِلته نَحْو المشرقِ، والسجودُ أخْفَضُ من الركوعِ
(1)
.
وفي الباب عن أنسٍ، وابن عمرَ، وأبي سعيدٍ، وعامر بن رَبيعَةَ.
حديثُ جابرٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
ورُوي من غير وجهٍ عن جابرٍ.
والعملُ عليه عندَ عامَّة أهل العلم، لا نعلمُ بينهم اختلافًا: لا يَرَوْنَ بأسًا أن يصلِّيَ الرجلُ على راحلته تَطَوُّعًا حيثُ ما كان وجههُ، إلى القبلة أو غيرِها.
146 - باب ما جاء في الصَّلاةِ إلى الرَّاحِلَةِ
352 -
حدَّثنا سفيانُ بن وَكِيعٍ، قال: حدَّثنا أبو خالدٍ الأحْمَرُ، عن عُبَيْدِ الله بن عمرَ، عن نافعٍ
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (400) و (1217) و (4140)، ومسلم (540)، وأبو داود (926) و (1227)، وابن ماجه (1018)، والنسائي 3/ 6، وهو في "مسند أحمد"(14156)، و"صحيح ابن حبان"(2516) و (2519).
عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى بعيره - أو راحلتهِ - وكان يصلِّي على راحلتهِ حيثُ ما تَوَجَّهَتْ به
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وهو قولُ بعضِ أهلِ العلم، لا يَرَوْنَ بالصلاةِ إلى البعيرِ بأسًا أن يَسْتَتِرَ بهِ
(2)
.
147 - باب ما جاء إذا حَضَرَ العَشَاءُ، وأُقِيمَتِ الصلاةُ فابدؤوا بالعَشَاءِ
353 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن الزُّهْرِيِّ
عن أنسٍ يَبلُغُ به النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا حَضَرَ العَشَاءُ، وأُقيمَتِ الصلاةُ، فابدؤوا بِالعَشاءِ"
(3)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وابن عمرَ، وسَلمةَ بن الأكْوَعِ، وأُمَّ سَلمةَ.
حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (430) و (507)، ومسلم (502)، وأبو داود (692)، وهو في "مسند أحمد"(4468).
(2)
كذا حكاه المصنّف عن بعض أهل العلم، وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" 6/ 182: أما الاستتار بالراحلة، فلا أعلم فيه خلافًا.
(3)
صحيح، وأخرجه البخاري (671) و (672) و (5463)، ومسلم (557)، وابن ماجه (933)، والنسائي 2/ 111، وهو في "مسند أحمد"(11971) و (12076)، و"صحيح ابن حبان"(2066).
وعليه العملُ عندَ بعضِ أهل العلم من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم أبو بكرٍ، وعمرُ، وابنُ عمرَ، وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ، يقولانِ: يَبْدَأُ بِالعَشاءِ، وإن فاتَتْهُ الصلاةُ في الجماعةِ.
سمعتُ الجارودَ يقول: سمعتُ وَكِيعًا يقول فى هذا الحديث: يَبْدَأُ بِالعَشاءِ إذا كان الطعامُ يُخافُ فَسادُهُ.
والذي ذَهَبَ إليه بعضُ أهلِ العلم من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم أشْبَهُ بالاتِّباعِ.
وإنما أرادوا أن لا يقومَ الرجلُ إلى الصلاةِ وقلبُه مشغولٌ بسبب شيءٍ، وقد رُوِي عن ابن عباسٍ أنه قال: لا نقومُ إلى الصلاةِ وفي أنفسنا شيءٌ.
ورُوي عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا وُضِعَ العَشَاءُ وأُقيمَتِ الصلاةُ، فابدؤوا بِالعَشاءِ". قال: وتَعَشَّى ابنُ عمرَ وهو يَسْمَعُ قراءةَ الإمامِ.
354 -
حدَّثنا بذلك هَنَّادٌ، حدَّثنا عَبْدَةُ، عن عُبَيْدِ الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر
(1)
.
148 - باب ما جاء في الصلاة عند النُّعَاسِ
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (673)، ومسلم (559)، وأبو داود (3757)، وابن ماجه (934)، وهو في "مسند أحمد"(4709)، و"صحيح ابن حبان"(2067).
355 -
حدَّثنا هارونُ بن إسحاقَ الهَمْدَانِيُّ، قال: حدَّثنا عَبْدَةُ بن سليمانَ الكِلابِيُّ، عن هشام بن عُرْوَةَ، عن أبيه
عن عائشةَ، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نَعَسَ أحَدُكُمْ وهو يصلِّي، فَلْيَرْقُدْ حتَّى يَذهبَ عنه النومُ، فإنَّ أحَدَكُمْ إذا صلَّى وهو يَنْعُسُ، فَلَعَلَّهُ يَذْهَبُ ليَسْتَغْفِرَ، فَيَسُبَّ نَفْسَهُ"
(1)
.
وفي الباب عن أنسٍ، وأبي هريرةَ.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
149 - باب ما جاء مَنْ زار قومًا، فلا يُصَلِّ بهم
356 -
حدَّثنا هنَّادٌ، ومحمود بن غَيْلان، قالا: حدَّثنا وكيعٌ، عن أبَانَ بن يزيدَ العطَّارِ، عنُ بُدَيْلِ بن مَيْسَرَةَ العُقَيلِيِّ، عن أبي عَطِيَّةَ رجلٍ منهم، قال:
كان مالكُ بنُ الحُوَيْرِثِ يَأْتِينا في مُصَلَّانا يتحدَّثُ، فحضَرَتِ الصلاةُ يومًا، فقلنا له: تَقَدَّمْ، فقال: لِيَتَقَدَّمْ بعضُكم حتَّى أُحَدِّثَكُمْ لم لا أتَقَدَّمُ، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من زارَ قومًا، فلا يَؤُمَّهُمْ، ولْيَؤُمَّهُمْ رجلٌ منهم"
(2)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (212)، ومسلم (786)، وأبو داود (1310)، وابن ماجه (1370)، والنسائي 1/ 99، وهو في "مسند أحمد"(24287)، و"صحيح ابن حبان"(2583).
(2)
المرفوع منه حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي عطية، وهو مولى بني عُقيل. وأخرجه أبو داود (596)، والنسائي 2/ 80، وهو في "مسند =
هذا حديثٌ حَسَنٌ.
والعملُ على هذا عند أكثرِ أهلِ العلم مِن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم، قالوا: صاحبُ المنزِلِ أحقُّ بالإمامةِ من الزَّائِرِ.
وقال بعضُ أهلِ العلم: إذا أذِنَ له، فلا بأسَ أن يُصَلِّيَ به.
وقال إسحاقُ بحديثِ مالك بنِ الحُوَيْرِثِ، وشدَّدَ في أن يُصَلِّيَ أحدٌ بصاحب المنزلِ، وإنْ أذِنَ له صاحبُ المنزِلِ، قال: وكذلك في المسجدِ، لا يُصَلِّي بهم في المسجد إذا زارَهُمْ، يقول: يُصَلِّي بهم رجلٌ منهم.
150 - باب ما جاء في كراهِيَةِ أن يخصَّ الإمامُ نفسَه بالدعاء
357 -
حدَّثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، قَال: أخبرنا إسماعيلُ بن عَيَّاشٍ، قال: حدثني حَبِيبُ بن صالحٍ، عن يزيدَ بن شُرَيْحٍ، عن أبي حَيٍّ المُؤَذِّنِ الحِمْصِيِّ
عن ثَوْبانَ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يَحِلُّ لامْرِئٍ أن يَنْظُرَ في جَوْفِ بَيْتِ امْرِئٍ حتَّى يَسْتَأْذِنَ، فإنْ نَظَرَ، فقد دَخَلَ،
= أحمد" (15602) و (20532).
ويشهد له حديث أبي مسعود البدري، وهو عند مسلم (673)، وأحمد في "مسنده"(17063)، ولفظه:"لا يَؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه".
ولا يَؤُمَّ قَومًا، فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوةٍ دُونَهُمْ، فإن فَعَلَ، فقد خانَهُمْ، ولا يقومُ إلى الصلاةِ وهو حَقِنٌ"
(1)
.
وفي الباب عن أبي هريرةَ، وأبي أُمَامَةَ.
وحديثُ ثَوْبَانَ حديثٌ حَسَنٌ.
وقد رُوي هذا الحديثُ عن معاوِيةَ بن صالحٍ، عن السَّفْرِ بن نُسَيْرٍ، عن يزيد بن شُرَيْحٍ، عن أبي أُمامةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم
(2)
.
ورُوي هذا الحديثُ عن يزيدَ بن شُرَيْحٍ، عن أبي هُريرةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وكأنَّ حديثَ يَزيدَ بن شُرَيْحٍ، عن أبي حَيٍّ المُؤَذَّنِ، عن ثَوْبَانَ في هذا أجْوَدُ إسنادًا وأشْهَرُ.
(1)
صحيح لغيره دون قصة دعاء الإمام لنفسه، يزيد بن شريح لم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وقال الدارقطني: يعتبر به. قلنا: يعني في المتابعات والشواهد وقد تفرد بقصة دعاء الإمام المذكورة. وأخرجه أبو داود (90)، وابن ماجه (619) و (923)، وهو في "مسند أحمد"(22415).
ويشهد له ما بعده.
(2)
صحيح لغيره دون قصة دعاء الإمام لنفسه، السفر بن نسير ضعيف. وأخرجه ابن ماجه (617)، وهو في "مسند أحمد"(22152) ورواية ابن ماجه مختصرة.
وانظر تتمة تخريجه والتعليق عليه وشواهده في "المسند".
(3)
أخرجه أبو داود (91) من طريق ثور، عن يزيد بن شريح، عن أبي حي المؤذن، عن أبي هريرة.
151 - باب ما جاء من أمَّ قومًا وهم له كارهونَ
358 -
حدَّثنا عبد الأعلى بن واصِلٍ الكوفيُّ، قال: حدَّثنا محمد بن القاسم الأسَدِيُّ، عن الفَضْلِ بن دَلْهَم، عن الحسن، قال:
سمعتُ أنسَ بن مالك، قال: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاثةً: رجلٌ أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ، ورجلٌ سمع حَيَّ على الفلاح، ثُمَّ لم يُجِبْ
(1)
.
وفي الباب عن ابن عبَّاسٍ، وطَلْحةَ، وعبد الله بن عَمْرٍو، وأبي أُمامةَ.
حديثُ أنسٍ لا يَصِحُّ، لأنه قد رُوي هذا عن الحَسَنِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
ومحمد بن القاسم تكلَّم فيه أحمدُ بن حنبلٍ وضعَّفه، وليس
(1)
إسناده ضعيف جدًا، محمد بن القاسم الأسدي كذَّبُوه، والفضل بن دَلْهَم ليِّن الحديث.
وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 99، وفي "العلل المتناهية"(744) من طريق الترمذي، عن عبد الأعلى بن واصل، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن خزيمة (1519) من طريق عمرو بن الوليد، عن أنس مرفوعًا بلفظ:"ثلاثةٌ لا تُقبَلُ منهم صلاةٌ، ولا تصعَدُ إلى السماء، ولا تجاوزُ رؤوسَهم: رجلٌ أمَّ قومًا وهم له كارهون، ورجلٌ صَلَّى على جنازة ولم يؤمر، وامرأةٌ دعاها زوجُها من الليل، فأبَتْ عليه". وإسناده حسن.
وانظر الحديثين بعده.
بالحافظِ
(1)
.
وقد كَرِهَ قومٌ من أهل العلم أن يَؤُمَّ الرجلُ قومًا وهم له كارِهُونَ، فإذا كان الإمامُ غيرَ ظالمٍ، فإنما الإِثمُ على من كرِههُ.
وقال أحمد وإسحاقُ في هذا: إذا كَرِهَ واحدٌ، أو اثنانِ، أو ثلاثةٌ، فلا بَأْسَ أن يُصَلِّيَ بهم، حتَّى يكرههُ أكثرُ القومِ.
359 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا جَرِيرٌ، عن منصورٍ، عن هِلالِ بن يِسَافٍ، عن زِيَادِ بن أبي الجَعْدِ
عن عَمْرو بن الحارث بن المُصْطَلِقِ، قال: كان يقالُ: أشَدُّ الناسِ عذابًا اثنانِ: امرأةٌ عَصَتْ زوجَها، وإمامُ قومٍ وهم له كارهونَ
(2)
.
قال جريرٌ: قال منصورٌ: فسألنا عن أمْر الإِمامِ؟ فقيلَ لنا: إنَّما عَنَى بهذا الأئِمةَ الظَّلَمَةَ، فأمَّا من أقامَ السُّنَّةَ، فإنما الإِثمُ على من كَرِهَهُ.
360 -
حدَّثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ، قال: حدَّثنا عليُّ بن الحسنِ، قال:
(1)
قوله: "ومحمد بن القاسم" إلى قوله: "بالحافظ"، كذا جاء موضعه هنا في بعض النسخ، وجاء في بعضها الآخر مؤخرًا قبل الحديث رقم (359)، والأنسب للسياق إثباته في هذا الموضع.
(2)
إسناده ضعيف، زياد بن أبي الجعد لم يرو عنه غير اثنين، ولم يوثقه سوى ابن حبان.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 407 عن جرير، بهذا الإسناد.
وانظر ما بعده.
حدَّثنا الحُسينُ بن واقِدٍ، قال: حدَّثنا أبو غالبٍ، قال:
سمعتُ أبا أُمَامةَ يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تُجَاوزُ صلاتُهم آذانَهم: العبدُ الآبِقُ حتَّى يَرْجِعَ، وامرأةٌ باتَتْ وزوجُها عليها ساخطٌ، وإمامُ قومٍ وهم له كارهونَ"
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وأبو غالبٍ اسمه: حَزَوَّرٌ.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي غالب.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 408 و 4/ 307، والطبراني في "المعجم الكبير"(8090) و (8098)، والبغوي في "شرح السنة"(838) من طريق علي بن حسن بن شقيق، عن الحسين بن واقد، عن أبي غالب، عن أبي أمامة.
ويشهد له حديث ابن عباس عند ابن ماجه (971)، وابن حبان (1757). وإسناده حسن.
وحديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود (593)، وابن ماجه (970). وإسناده ضعيف.
وحديث جابر بن عبد الله عند ابن حبان (5355). وإسناده ضعيف.
ولقوله: "العبد الآبق حتى يرجع" يشهد له حديث جرير بن عبد الله عند مسلم (70)(124).
ولقوله: "وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط" يشهد له حديث أبي هريرة عند البخاري (3237)، ومسلم (1436)(122)، وأحمد في "مسنده" (9671). ولفظه:"والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها، حتى يرضى عنها".
152 - باب ما جاء إذا صلَّى الإمامُ قاعدًا، فصلُّوا قُعُودًا
361 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن ابنِ شِهابٍ
عن أنسِ بن مالكٍ، أنه قال: خَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن فَرَسٍ، فجُحِشَ، فصلَّى بِنا قاعدًا، فصَلَّيْنا معه قُعُودًا، ثمَّ انصرفَ، فقال:"إنَّما الإمامُ - أو قال: إنَّما جُعِلَ الإمامُ - لِيُؤْتَمَّ به، فإذا كَبَّر فكَبِّرُوا، وإذا رَكَعَ فارْكَعُوا، وإذا رَفَعَ فارْفَعُوا، وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حمدهُ، فقولُوا: ربَّنا ولك الحمدُ، وإذا سجد فاسجُدوا، وإذا صلَّى قاعدًا، فَصَلُّوا قعُودًا أجْمَعُونَ"
(1)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وأبي هُريرةَ، وجابرٍ، وابن عمرَ، ومعاويةَ.
حديثُ أنسٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرَّ عن فرسٍ فَجُحِشَ، حديثٌ صحيحٌ.
وقد ذَهَبَ بعضُ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديثِ، منهم جابرُ بن عبدِ اللهِ، وأُسَيْدُ بن حُضَيْرٍ، وأبو هريرةَ، وغيرُهم، وبهذا
(1)
صحيح، وأخرجه بتمامه ومختصرًا البخاري (378) و (689)، ومسلم (411)، وأبو داود (601)، وابن ماجه (876) و (1238)، والنسائي 2/ 83 و 98 - 99 و 2/ 195 - 196، وهو في "مسند أحمد"(12074)، و"صحيح ابن حبان"(2102).
قوله: فجُحش، أي: انخدش، وقال الكسائي في جحش: هو أن يُصيبَه شيء فَيَنْسَحِجَ منه جلدُه، وهو كالخدش أو أكبر من ذلك.
الحديثِ يقولُ أحمدُ وإسحاقُ.
وقال بعضُ أهل العلم: إذا صلَّى الإمامُ جالسًا لم يُصَلِّ من خَلْفَهُ إلّا قيامًا، فإن صَلَّوْا قعودًا لم تُجْزِهِمْ. وهو قولُ سفيانَ الثَّوْرِيِّ، ومالكِ بن أنسٍ، وابن المباركِ، والشافعيِّ
(1)
.
(1)
قال الإمام البخاري بعد أن أورد حديث أنس (689): قال الحُميدي: قوله: "وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسًا" هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا والناس خلفه قيامًا، لم يأمرهم بالقعود، وانما يؤخذ بالآخِر فالآخِر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ: واستُدلَّ به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعدًا إذا صلى الإمام قاعدًا، لكونه صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على القيام خلفه وهو قاعد، هكذا قرره الشافعي، وكذا نقله المصنف في آخر الباب عن شيخه الحُميدي، وهو تلميذُ الشافعي، وبذلك يقول أبو حنيفة وأبو يوسف والأوزاعي، وحكاه الوليدُ بنُ مسلم، عن مالك، وأنكر أحمدُ نسخَ الأمر المذكور بذلك، وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين: إحداهما إذا ابتدأ الإمامُ الراتبُ الصلاة قاعدًا لمرض يُرجى برؤُه فحينئذٍ يُصلون خلفه قعودًا. ثانيهما: إذا ابتدأ الإمامُ الراتب قائمًا لَزِم المأمومين أن يصلوا خلفه قيامًا سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدًا أم لا، كما في الأحاديثِ التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دلَّ على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة، لأن أبا بكر ابتدأ الصلاةَ بهم قائمًا وصَلَّوا معه قيامًا، بخلاف الحالة الأولى، فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسًا، فلما صلوا خلفه قيامًا أنكر عليهم، ويقوّي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ، لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين، لأن الأصل في حُكم القادر على القيام أن لا يُصلي قاعدًا، وقد نسخ إلى القعود في حقَّ من صلى إمامُه قاعدًا، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك يقتضي وقوع النسخ مرتين، وهو بعيد.
وقد قال بقول أحمد جماعةٌ مِن محدثي الشافعية كابن خزيمة وابن المنذر وابن =
153 - باب منه
362 -
حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حَدَّثنا شَبَابَةُ، عن شُعبةَ، عن نُعَيْمِ بن أبي هنْدٍ، عن أبي وائلٍ، عن مَسْرُوقٍ
عن عائشةَ، قالت: صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم خَلْفَ أبي بكرٍ في مَرَضِهِ الذي ماتَ فيه قاعدًا
(1)
.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
وقد رُوي عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا صلَّى الإمامُ جالسًا، فصلُّوا جلوسًا"
(2)
.
ورُوِي عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ في مَرَضِهِ وأبو بكرٍ يُصلِّي بالناسِ، فصلَّى إلى جَنْبِ أبي بكر، والناسُ يَأتَمُّونَ بأبي بكرٍ، وأبو بكرٍ يَأتَمُّ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ورُوي عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى خَلْفَ أبي بكرٍ قاعدًا (3).
= حبان.
(1)
صحيح، وأخرجه بتمامه ومختصرًا البخاري (198) و (664)، ومسلم (418)، وابن ماجه (1232) و (1233)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 79 و 83 - 84 و 99 - 100 و 101، وفي "الكبرى"(909) و (910)، وهو في "مسند أحمد"(25257)، و"صحيح ابن حبان"(2119).
(2)
صحيح، وأخرجه بتمامه البخاري (688)، ومسلم (412)، وأبو داود (605)، وابن ماجه (1237)، والنسائي في "الكبرى"(7472)، وهو في "مسند أحمد"(24250)، و"صحيح ابن حبان"(2104).
(3)
انظر تخريج الحديث رقم (362).
ورُوي عن أنس بن مالكٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى خَلْفَ أبي بكر وهو قاعدٌ.
363 -
حدَّثنا بذلك عبدُ اللهِ بن أبي زيادٍ، قَال: حدَّثنا شَبَابَةُ بن سَوَّارٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن طَلْحةَ، عن حُمَيْدٍ، عن ثابتٍ
عن أنسٍ، قال: صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مرضِه خَلْف أبي بكر قاعدًا في ثَوْبٍ مُتَوَشَّحًا به
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وهكذا رواه يحيى بن أيُّوبَ، عن حُمَيْدٍ، عن ثابتٍ، عن أنس.
وقد رواه غيرُ واحدٍ عن حُمَيدٍ، عن أنسٍ، ولم يذكروا فيه: عن ثابتٍ، ومن ذَكَرَ فيه: عن ثابتٍ، فهو أصَحُّ.
154 - باب ما جاء في الإمام يَنْهَضُ في الرَّكعتينِ ناسيًا
364 -
حدَّثنا أحمد بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا ابن أبي ليلى، عن الشَّعْبِيِّ، قال:
صَلَّى بنا المغيرةُ بن شُعْبةَ، فنهض في الركعتين، فَسَبَّحَ به القومُ وسَبَّحَ بهم، فلما صلى بقية صلاته سَلَّمَ، ثم سجد سجدتي السَّهْوِ وهو جالسٌ، ثم حَدَّثهم: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعل بهم مثلَ
(1)
صحيح، وأخرجه النسائي 2/ 79، وهو في "مسند أحمد"(12617)، و"شرح مشكل الآثار" للطحاوي برقم (5649).
الذي فعلَ
(1)
.
وفي الباب عن عُقْبةَ بن عامرٍ، وسَعْدٍ، وعبد الله بن بُحَيْنةَ.
حديثُ المغيرة بن شعبةَ قد رُوِي من غير وجهٍ عن المغيرة بن شعبةَ.
وقد تكلَّم بعضُ أهل العلم في ابن أبي ليلى من قِبَلِ حِفْظِه.
قال أحمدُ: لا يُحْتَجُّ بحديثِ ابن أبي ليلى.
وقال محمد بن إسماعيل: ابنُ أبي ليلى هو صدوقٌ، ولا أرْوِي عنه، لأنه لا يَدْرِي صحيحَ حديثهِ من سَقيمِه، وكلُّ من كان مثلَ هذا، فلا أروي عنه شيئًا.
وقد رُوي هذا الحديثُ مِن غير وجهٍ عن المغيرة بن شعبةَ.
وروى سفيانُ، عن جابرٍ، عن المغيرة بن شُبَيْلٍ، عن قيس بنِ أبي حازمٍ، عن المغيرة بنِ شعبةَ.
وجابرٌ الجُعفِيُّ قد ضعَّفه بعضُ أهلِ الحديث، تَركه يحيى بنُ سعيدٍ وعبد الرحمن بن مهديٍّ وغيرُهما.
والعملُ على هذا عند أهلِ العلم: على أنَّ الرجلَ إذا قام في
(1)
حديث صحيح بطرقه، ابن أبي ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن - وإن يكن ضعيفًا، قد توبع، وهو في "مسند أحمد"(18173).
وانظر الحديث التالي.
الركعتين، مَضَى في صلاته وسجد سجدتين: منهم من رَأى قبل التسليمِ، ومنهم من رأى بعد التسليم.
ومن رَأى قبلَ التسليمِ، فحديثُه أصحُّ، لِمَا رَوَى الزهريُّ ويحيى بن سَعيدٍ الأنصاريُّ، عن عبد الرحمن الأعْرَجِ، عن عبد الله بن بُحَيْنَةَ
(1)
.
365 -
حدَّثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا يزيدُ بن هارونَ، عن المَسْعُودِيِّ، عن زياد بن عِلاقَةَ، قال:
صلَّى بنا المغيرةُ بن شعبةَ، فلمَّا صلَّى ركْعتين، قامَ ولم يجلسْ، فَسَبَّحَ به من خَلْفَهُ، فأشار إليهم أنْ قُومُوا، فلمَّا فرغ من صلاتِهِ، سَلَّم وسجد سجدتي السَّهْوِ وسلَّم، وقال: هكذا صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رُوي هذا الحديثُ من غيرِ وجهٍ عن المغيرة بن شعبةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
حديث صحيح، سيأتي برقم (392) وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم سجد سجدتين قبل أن يُسلم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس.
(2)
حديث صحيح بطرقه، والمسعودي - واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة - وإن رمي بالاختلاط، ويزيد بن هارون روى عنه بعد الاختلاط قد توبع.
وأخرجه أبو داود (1036) و (1037)، وابن ماجه (1208)، وهو في "مسند أحمد"(18163) وانظر تمام الكلام عليه فيه.
155 - باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأُولَيَيْنِ
366 -
حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا أبو داودَ هو الطَّيالِسِيُّ، قال: حدَّثنا شعبةُ، قال: أخبرنا سَعْدُ بن إبراهيمَ، قال: سمعتُ أبا عُبَيْدَةَ بن عبد الله بن مسعود يحدِّث
عن أبيه، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الركعتين الأُولَيَيْنِ كَأنَّهُ على الرَّضْفِ.
قال شعبةُ: ثم حَرَّكَ سعدٌ شَفَتَيْه بشيءٍ، فأقولُ: حتَّى يقومَ؟ فيقولُ: حتَّى يقومَ
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ، إلَّا أنَّ أبا عُبَيْدَةَ لم يَسمعْ من أبيه.
والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلم: يختارونَ أن لا يُطِيلَ الرجلُ القعودَ في الركعتين الأُولَيَيْنِ، ولا يزيدَ على التشهد شيئًا في الركعتين الأُولَيَيْنِ
(2)
، وقالوا: إنْ زادَ على التشهد، فعليه سَجْدَتَا السهوِ، هكذا روي عن الشَّعْبِيِّ وغيرِه.
(1)
إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو عبيدة - وهو ابن عبد الله بن مسعود - لم يسمع من أبيه.
وأخرجه أبو داود (995)، والنسائي 2/ 243، وهو في "مسند أحمد"(3656)، والبغوي في "شرح السنة"(670).
قوله: "على الرَّضْف" بفتح فسكون: هي الحجارة المحماة على النار، واحدتها رَضْفَة، وهو كناية عن التخفيف في الجلوس.
(2)
قوله: "في الركعتين الأوليين"، لم يرد في (أ) و (ل)، وأثبتناه من سائر أصولنا الخطية.
156 - باب ما جاء في الإِشارةِ في الصلاةِ
367 -
حدَّثنا قتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ، عن بُكَيْرِ بن عبد الله بن الأشَجِّ، عن نَابِلٍ صاحبِ العَبَاءِ، عن ابن عمرَ
عن صُهَيْبٍ، قال: مَرَرْتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ إليَّ إشَارَةً، وقال: لا أعْلَمُ إلَّا أنه قال: إشارةً بإصْبَعه
(1)
.
وفي الباب عن بلالٍ، وأبي هريرةَ، وأنسٍ، وعائشةَ.
368 -
حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، قال: حدَّثنا هشامُ بنُ سَعْدٍ، عن نافعٍ
عن ابن عمرَ، قال: قلتُ لبلالٍ: كيف كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عليهم حين كانوا يُسَلِّمُونَ عليه وهو في الصلاة؟ قال: كان يُشِيرُ بِيَدِهِ
(2)
.
(1)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، نابل صاحب العَباء وثقه النسائي والذهبي في "الكاشف"، وقال النسائي في رواية: ليس بالمشهور، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقد توبع.
وأخرجه أبو داود (925)، وابن ماجه (1017)، والنسائي 3/ 5، وهو في "مسند أحمد"(18931)، و"صحيح ابن حبان"(2258) و (2259)، وانظر "مسند أحمد" الحديث رقم (4568). وانظر تتمة الشواهد فيه.
(2)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد لأجل هشام بن سعد، فإنه ضعيف يعتبر به. وانظر ما قبله.
وأخرجه أبو داود (927)، وهو في "مسند أحمد"(23886).
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وحديثُ صُهَيْبٍ حسنٌ، لا نعرفه إلّا من حديث الليث، عن بكير.
وقد روي عن زيدِ بن أسْلَمَ، عن ابن عمر، قال: قلتُ لبلالٍ: كيف كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَليهم حين
(1)
كانوا يسلِّمون عليه في مسجد بني عمرِو بن عَوْفٍ؟ قال: كان يَرُدُّ إشارةً
(2)
.
وكلا الحديثين عندي صحيح، لأنَّ قصَّةَ حديث صُهَيْبٍ غيرُ قصةِ حديث بلالٍ، وإن كان ابنُ عمرَ رَوَى عنهما، فَاحْتَمَلَ أن يكونَ سمعَ منهما جميعًا.
157 - باب ما جاء أنَّ التَّسْبيحَ للرجالِ والتصفيق للنساءِ
369 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعْمشِ، عن أبي صالحٍ
عن أبي هريرةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّسْبيحُ للرجالِ، والتصفيقُ للنساءِ"
(3)
.
(1)
في (أ) و (س) و (ل): حيث.
(2)
أخرجه البزار في "مسنده"(1355) من طريق روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، به.
(3)
صحيح، وأخرجه البخاري (1203)، ومسلم (422)، وأبو داود (939) و (944)، وابن ماجه (1034)، والنسائي 3/ 11 و 11 - 12 و 12، وهو في "مسند أحمد"(7285) و (7550)، و"صحيح ابن حبان"(2262) و (2263).
وفي الباب عن عليٍّ، وسهل بن سعدٍ، وجابرٍ، وأبي سعيدٍ، وابن عمرَ. قال عليٌّ: كنتُ إذا استأذنتُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، سَبَّحَ
(1)
.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عندَ أهلِ العلم، وبه يقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.
158 - باب ما جاء في كراهية التَّثَاؤبِ في الصلاةِ
370 -
حدَّثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، قال: أخبرنا إسماعيلُ بن جعفرٍ، عن العلاءِ بن عبد الرحمنِ، عن أبيه
عن أبي هريرةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"التَّثَاؤُبُ في الصلاةِ مِن الشيطانِ، فإذا تَثَاءَبَ أحدُكم، فلْيَكْظِمْ ما استطاعَ"
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد في "مسنده"(598) و (767) و (809) و (899) من طريق عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن علي. وهذا إسناد ضعيف جدًا، علي بن يزيد - وهو الألْهاني - واهي الحديث، وعُبيد الله بن زَحْر ضعيف أيضًا.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (3289)، ومسلم (2994)، وأبو داود (5028)، وابن ماجه (1968)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(215) و (216) و (217)، وهو في "مسند أحمد"(7294) و (7599)، و"صحيح ابن حبان"(2357) و (2358) و (2359). وجاء الحديث في رواية الترمذي هنا وابن حبان في أحد مواضعه تقييد كظم التثاؤب في الصلاة، وأما رواية الباقين فهي مطلقة.
قال الحافظ العراقي في "شرح الترمذي": أكثر رواية "الصحيحين" فيها إطلاق =
وفي الباب عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، وجَدِّ عَدِيِّ بن ثابتٍ.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد كرِهَ قومٌ مِن أهل العلم التَّثَاؤُبَ في الصلاةِ، قال إبراهيمُ: إنِّي لأرُدُّ التَّثَاؤُبَ بِالتَّنَحْنُحِ.
159 - باب ما جاء أنَّ صلاةَ القاعدِ على النِّصْفِ من صلاة القائم
371 -
حدَّثنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: حدَّثنا عيسى بنُ يونسَ، قال: حدَّثنا حسينٌ المُعَلَّمُ، عن عبد الله بنِ بُرَيْدَةَ
عن عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ، قال: سَألْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صلاةِ الرجلِ وهو قاعدٌ، فقال:"من صلَّى قائمًا فهو أفضلُ، ومن صلى قاعدًا، فَلَهُ نصفُ أجْرِ القائم، ومن صلى نائمًا، فَلَهُ نصفُ أجرِ القاعدِ"
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن عَمْرٍو، وأنسٍ، والسَّائِبِ.
= التثاؤب، ووقع في الروايات الأخرى تقييدها بحالة الصلاة، فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد، وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته، ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد، ولا يلزم من ذلك أنه لا يكره في غير حالة الصلاة.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (1115)، وأبو داود (951)، وابن ماجه (1231)، والنسائي 3/ 223 - 224، وهو في "مسند أحمد"(19887)، و"صحيح ابن حبان"(2513).
حديثُ عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رُوي هذا الحديثُ عن إبراهيمَ بن طَهْمَانَ بهذا الإسنادِ، إلَّا أنه يقولُ:
عن عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ، قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صلاةِ المريضِ فقال: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطعْ فقاعدًا، فإن لم تستطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ".
372 -
حدَّثنا بذلك هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن إبراهيمَ بن طَهْمَانَ، عن حُسينٍ المُعَلِّمِ، بهذا الحديث
(1)
.
لا نعلم أحدًا رَوَى عن حسينٍ المُعَلِّمِ نحوَ رواية إبراهيمَ بن طَهْمَانَ، وقد رَوَى أبو أُسامةَ وغيرُ واحدٍ، عن حسينٍ المُعَلِّمِ نحوَ روايةِ عيسى بن يونسَ.
ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التَّطَوُّعِ.
373 -
حدثنا محمد بن بَشَّار، قال: حدثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن أشْعثَ بن عبد الملك
عن الحسن، قال: إن شاء الرجلُ صَلَّى صلاةَ التَّطوُّعِ قائمًا وجالسًا ومُضْطَجِعًا.
واختلفَ أهلُ العلم في صلاة المريضِ إذا لم يستطعْ أن يصلِّيَ
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (116) و (117)، وأبو داود (952)، وابن ماجه (1223)، وهو في "مسند أحمد"(19819)، و"شرح مشكل الآثار"(1693).
جالسًا:
فقال بعض أهل العلم: أن يصلِّي على جَنْبِهِ الأيمنِ.
وقال بعضهم: يصلِّي مستلقِيًا على قفاه، ورجلاه إلى القبلةِ.
وقال سفيان الثَّوْرِيُّ في هذا الحديثِ: "من صلَّى جالسًا، فله نصفُ أجر القائمِ"، قال: هذا للصَّحيحِ ولِمَنْ ليسَ له عذرٌ، فأما من كان له عذرٌ من مرضٍ أو غيرِه، فصلَّى جالسًا، فله مثلُ أجر القائمِ.
وقد رُوي في بعض الحديثِ مثلُ قول سفيانَ الثَّوْرِيِّ.
160 - باب فيمن يَتطوَّعُ جالسًا
374 -
حَدَّثنا الأنصاريُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكُ بن أنسٍ، عن ابن شهابٍ، عن السَّائِب بن يزيدَ، عن المُطَّلِبِ بن أبي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ
عن حَفْصةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها قالتْ: ما رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في سُبْحَتِهِ قاعدًا، حتَّى كان قَبْلَ وفاتِهِ صلى الله عليه وسلم بعامٍ، فإنه كان يصلِّي في سُبْحَتِهِ قاعدًا، ويَقْرَأُ بالسُّورةِ ويُرَتِّلُها حتَّى تكونَ أطْوَلَ من أطْوَلَ منها
(1)
.
وفي الباب عن أُمِّ سلمةَ، وأنس بن مالكٍ.
حديثُ حفصةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (733)، والنسائي 3/ 223، وهو في "مسند أحمد"(26441)، و"صحيح ابن حبان"(2508).
وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يصلِّي من اللَّيْلِ جالسًا، فإذا بَقِيَ من قراءته قَدْرُ ثلاثينَ أو أربعينَ آيةً، قام فقرأ، ثم ركع، ثم صَنَعَ في الركعة الثانية مثلَ ذلك
(1)
.
ورُوي عنه: أنه كان يصلِّي قاعدًا، فإذا قرأ وهو قائمٌ، ركعَ وسجد وهو قائمٌ، وإذا قَرأ وهو قاعدٌ ركعَ وسجدَ وهو قاعدٌ
(2)
.
قال أحمدُ وإسحاقُ: والعملُ على كلا الحديثين، كأنهما رَأيَا كلا الحديثين صحيحًا معمولًا بِهِما.
375 -
حدَّثنا الأنصاريُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكٌ، عن أبي النَّضْرِ، عن أبي سلمة
عن عائشةَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي جالسًا، فيقرأُ وهو جالسٌ، فإذا بَقيَ مِن قراءته قَدْرُ ما يكونُ ثلاثينَ أو أربعين آية، قام فقرأ وهو قائم، ثم ركع وسجدَ، ثم صَنع في الركعةِ الثانية مثلَ ذلك
(3)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
376 -
حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا خالدٌ -
(1)
انظر الحديث الآتي برقم (375).
(2)
سيأتي برقم (376).
(3)
صحيح، وأخرجه البخاري (1118) و (1119)، ومسلم (731)، وأبو داود (953) و (954)، وابن ماجه (1226) و (1227)، والنسائي 3/ 220، وهو في "مسند أحمد"(24191) و (25449)، و"صحيح ابن حبان"(2509).
وهو الحَذَّاءُ - عن عبد الله بن شَقيقٍ
عن عائشةَ، قال: سألتُها عن صلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: عن تَطَوُّعِهِ، قالت: كان يصلِّي ليلًا طويلًا قائمًا، وليلًا طويلًا قاعدًا، فإذا قرأ وهو قائمٌ، ركعَ وسجدَ وهو قائمٌ، وإذا قرأ وهو جالسٌ، ركعَ وسجدَ وهو جالسٌ
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
161 - باب ما جاء أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنِّي لأسْمَعُ بكاءَ الصبيِّ في الصلاةِ، فَأُخَفِّفُ"
377 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا مروانُ بن مُعاوية الفَزَارِيُّ، عن حُمَيْدٍ
عن أنس بن مالكٍ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال:"والله إنِّي لأسْمَعُ بكاءَ الصَّبِيِّ وأنا في الصلاةِ، فَأُخَفِّفُ مَخَافَةَ أنْ تُفْتَتَنَ أُمُّهُ"
(2)
.
وفي الباب عن أبي قتادةَ، وأبي سعيدٍ، وأبي هُريرةَ.
حديثُ أنس حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (730)، وأبو داود (955) و (1251)، وابن ماجه (1228)، والنسائي 3/ 219 و 220، وهو في "مسند أحمد"(24019)، و"صحيح ابن حبان"(2474) و (2475) و (2510).
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (708)، ومسلم (470)، وابن ماجه (989)، وهو في "مسند أحمد"(12067)، و"صحيح ابن حبان"(2139).
162 - باب ما جاء لا تُقْبلُ صلاةُ الحائض إلا بِخِمَارٍ
378 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا قَبِيصَةُ، عن حماد بن سلمةَ، عن قتادةَ، عن ابن سِيرِينَ، عن صفيَّةَ ابنة الحارِثِ
عن عائشةَ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقْبَلُ صلاةُ الحائِض إلَّا بِخِمَارٍ"
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن عَمْرٍو.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ.
والعملُ عليه عند أهل العلم: أنَّ المرأةَ إذا أدركتْ، فصلَّت وشيءٌ من شعرِها مكشوفٌ، لا تجوزُ صلاتها، وهو قولُ الشافعيِّ، قال: لا تجوز صلاةُ المرأة وشيءٌ من جسدها مكشوفٌ. قال الشافعيُّ: وقد قيلَ: إن كان ظهرُ قدميها مكشوفًا، فصلاتُها جائزةٌ
(2)
.
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (641)، وابن ماجه (655)، وهو في "مسند أحمد"(24646) و (25167)، و"صحيح ابن حبان"(1711) و (1712).
(2)
قال الحافظ العراقي في "شرح الترمذي" 1/ الورقة 68: هو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة، بل قالا: إن قدم المرأة ليس بعورة، وقال مالك والليث: تستر قدميها في الصلاة، قال مالك: فإن لم تفعل، أعادت ما دامت في الوقت، وعنَد الليث: تعيد أَبدًا، وكذا عند الشافعي. وفي "الإنصاف" للمرداوي 3/ 209: واختار الشيخ تقي الدين ابن تيمية: أن القدمين ليسا بعورة أيضًا، قال المرداوي: وهو الصواب. وانظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية 22/ 113 - 120.
163 - باب ما جاء في كراهيَةِ السَّدْلِ في الصلاةِ
379 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا قَبِيصةُ، عن حمَّاد بن سلمةَ، عن عِسْلِ بن سُفيانَ، عن عطاء
عن أبي هريرةَ، قال: نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن السَّدْلِ في الصلاةِ
(1)
.
وفي الباب عن أبي جُحَيْفَةَ.
حديثُ أبي هريرةَ لا نعرفهُ من حديث عطاءٍ، عن أبي هريرةَ مرفوعًا إلَّا من حديث عِسْلِ بن سفيانَ.
وقد اختلف أهل العلم في السَّدْلِ في الصلاةِ:
فكَرِهَ بعضُهم السدلَ في الصلاةِ، وقالوا: هكذا تصنعُ اليهودُ.
وقال بعضُهم: إنما كُرِهَ السدلُ في الصلاة إذا لم يكن عليه إلَّا ثوبٌ واحدٌ، فأمَّا إذا سدَل على القميص، فلا بَأْسَ. وهو قولُ
(1)
حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف عسل بن سفيان، لكنه قد توبع، وأخرجه أبو داود (643)، وهو في "مسند أحمد"(7934)، و"صحيح ابن حبان"(2289) و (2353).
وقوله: "عن السدل": قال ابن الأثير في "النهاية": هو أن يلتحف بثوبه ويُدخل يديه من داخل، فيركع ويسجد وهو كذلك، وكانت اليهود تفعله، فنُهوا عنه، وهذا مُطَّرد في القميص، وغيره من الثياب. وقيل: هو أن يضع وسط الإزار على رأسه، ويُرْسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه.
أحمدَ.
وكره ابن المباركِ السدلَ في الصلاة.
164 - باب ما جاء في كراهية مسح الحَصى في الصلاةِ
380 -
حدَّثنا سعيدُ بن عبد الرحمنِ المَخْزُوميُّ، قال: حدَّثنا سفيان بن عُييْنةَ، عن الزهريِّ، عن أبي الأحْوَصِ
عن أبي ذَرِّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا قام أحدُكم إلى الصلاةِ، فلا يَمْسَحِ الحصَى، فإنَّ الرحمةَ تُوَاجِهُهُ"
(1)
.
وفي الباب عن عليِّ بن أبي طالبٍ، وحُذَيْفَةَ، وجابرِ بن عبد الله، ومُعَيقيبٍ.
حديثُ أبي ذَرٍّ حديثٌ حسنٌ.
وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ كَرِهَ المسحَ في الصلاةِ، وقال:"إنْ كنتَ لا بُدَّ فاعلًا فمرَّةً واحدةً".
(1)
حديث حسن، أبو الأحوص - وهو مولى بني ليث أو بني غفار - لم يرو عنه غير الزهري، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وصحح له هذا الحديث هو وابن خزيمة، وحسّنه الترمذي وتبعه البغوي، وصححه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" ص 56 - 57.
وأخرجه أبو داود (945)، وابن ماجه (1027)، والنسائي 3/ 6، وابن خزيمة (913)، والبغوي (662) و (663)، وهو في "مسند أحمد"(21330)، و"صحيح ابن حبان"(2273) و (2274). والنهي في الحديث للتنزيه، وانظر الحديث الآتي بعده.
كأنَّه رُوي عنهُ رخصةٌ في المرَّةِ الواحدةِ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم.
381 -
حدَّثنا الحسينُ بن حُرَيثٍ، قال: حدَّثنا الوليدُ بن مسلمٍ، عن الأوزاعيِّ، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمةَ بن عبد الرحمن
عن مُعيقيبٍ، قال: سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة؟ فقال: "إنْ كنتَ لا بُدَّ فاعلًا فمَرَّةً واحدةً"
(1)
.
هذا حديث صحيح
(2)
.
165 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ النَّفْخِ في الصَّلاةِ
382 -
حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا عَبَّادُ بن العوَّامِ، قال: أخبرنا مَيْمُون أبو حَمْزَةَ، عن أبي صالحٍ
عن أُمِّ سلمةَ، قالت: رَأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم غلامًا لنا يقالُ له: أفْلَحُ، إذا سجدَ، نَفَخَ، فقال:"يا أفْلَحُ تَرِّبْ وجهَكَ"
(3)
.
قال أحمدُ بن مَنِيعٍ: كَرِهَ عَبَّادٌ النَّفْخَ في الصلاةِ، وقال: إنْ نَفَخَ، لم يَقْطَعْ صلاتَه.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (1207)، ومسلم (546)، وأبو داود (946)، وابن ماجه (1026)، والنسائي 3/ 7، وهو في "مسند أحمد"(15509)، و"صحيح ابن حبان"(2275).
(2)
وقع في المطبوع و (ل) و"التحفة" 8/ 468: "حسن صحيح"، والمثبت من سائر أصولنا الخطية والنسخة التي اعتمدها المباركفوري.
(3)
إسناده ضعيف لضعف ميمون الأعور، وهو في "مسند أحمد"(26572) و (26744)، و"صحيح ابن حبان"(1913). وانظر تتمة الكلام عليه في "المسند".
قال أحمدُ بن مَنيعٍ: وبه نأخذُ.
ورَوَى بعضُهم عن أبي حمزةَ هذا الحديثَ، وقال: مولىً لنا يقالُ له: رَبَاحٌ.
383 -
حدَّثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قال: حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زيدٍ، عن ميمونٍ أبي حمزةَ، بهذا الإسنادِ نحوَه، وقال: غلامٌ لنا يقال له: رَبَاحٌ
(1)
.
وحديثُ أمِّ سلمةَ إسنادُه ليس بذاكَ، ومَيْمُونٌ أبو حمزةَ قد ضَعَّفَهُ بعضُ أهلِ العلمِ.
واختلف أهلُ العلم في النفخ في الصلاةِ:
فقال بعضُهم: إنْ نَفَخَ في الصلاةِ، استَقْبَلَ الصلاةَ: وهو قولُ سفيانَ الثَّوْرِيِّ، وأهلِ الكوفةِ.
وقال بعضُهم: يُكره النفخُ في الصلاة، وإن نفخَ في صلاته، لم تفسُد صلاتُه، وهو قولُ أحمد، وإسحاق
166 - باب ما جاء في النَّهْي عن الاخْتِصَارِ في الصلاة
384 -
حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا أبو أُسامةَ، عن هشامِ بن حسَّانَ، عن محمد بن سِيرِينَ
عن أبي هريرةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أن يصلِّيَ الرجلُ مخْتَصِرًا
(2)
.
(1)
ضعيف، وانظر ما قبله.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (1219) و (1220)، ومسلم (545)، وأبو =
وفي الباب عن ابن عمرَ.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حَسَنٌ.
وقد كره قوم من أهل العلم الاختصارَ في الصَّلاةِ.
والاختصارُ: هو أن يَضَعَ الرجلُ يده على خاصِرتِهِ في الصلاةِ.
وكره بعضُهم أن يمشيَ الرجلُ مخْتَصِرًا، ويُرْوَى: أنَّ إبْليسَ إذا مشَى مَشَى مُخْتَصِرًا.
167 - باب ما جاء في كراهية كَفِّ الشَّعر في الصلاةِ
385 -
حدَّثنا يحيى بنُ موسى، قال: حدَّثنا عبدُ الرّزاقِ، قال: أخبرنا ابنُ جُرَيْجٍ، عن عِمرانَ بنِ موسى، عن سعيد بنِ أبي سعيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن أبيه
عن أبي رافعٍ: أنَّهُ مَرَّ بالحسنِ بنِ عليّ وهو يصلِّي، وقد عَقَصَ ضَفْرَتَهُ
(1)
في قفاهُ، فحَلَّهَا، فالتَفَتَ إليه الحسنُ مُغْضَبًا، فقال: أقْبِلْ على صلاتك ولا تغْضَبْ، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"ذَلك كِفْلُ الشيطانِ"
(2)
.
= داود (947)، والنسائي 2/ 127، وهو في "مسند أحمد"(7175)، و"صحيح ابن حبان"(2285).
(1)
في (أ) و (د) و (ظ): ضفريه، وكلذلك عند ابن خزيمة (911)، والمثبت من (ب) و (س) و"مصنف عبد الرزاق"(2991) ورواية للبيهقي 2/ 109.
(2)
صحيح لغيره، وأخرجه أبو داود (646)، وهو في "مسند أحمد"(23856) و (23878)، و"صحيح ابن حبان"(2279)، وانظر تمام التعليق عليه =
وفي الباب عن أُمِّ سلمةَ، وعبد الله بن عباسٍ.
وقوله: حديث أبي رافعٍ حديثٌ حَسَنٌ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم: كرِهُوا أن يصلِّيَ الرجلُ وهو مَعْقُوصٌ شَعْرُهُ.
وعِمْرَانُ بنُ موسى: هو القُرَشِيُّ المَكيُّ، وهو أخو أيوبَ بن موسى.
168 - باب ما جاء في التَّخَشُّعِ في الصلاةِ
386 -
حدَّثنا سُوَيْدُ بن نَصْرٍ، قال: حدَّثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا ليث بن سعدٍ، قال: أخبرنا عَبْدُ رَبِّهِ بن سعيدٍ، عن عِمْرَانَ بن أبي أنَسٍ، عن عبد الله بن نافعِ بن العَمْيَاءِ، عن ربيعةَ بن الحارِثِ
= في "المسند"
ورواه ابن ماجه (1042)، وفي سنده أبو سعد رجل من أهل المدينة، فقال المزي في "التحفة": هو شرحبيل بن سعد، وقال الحافظ في "النكت الظراف": في جزمه بأنه شرحبيل بن سعد نظر، وشرحبيل بن سعد ضعيف.
وفي باب النهي عن الصلاة وهو عاقص شعره: عن علي أخرجه أحمد (1244)، وإسناده ضعيف.
وعن ابن عباس، أخرجه مسلم (492)، وهو عند أحمد (2767).
وقوله: "عقص" أي: لوى شعره، وأدخل أطرافه في أصوله.
وقوله: "ضفرته" أي: المضفور من الشعر، وأصل الضفر: الفتل، والضفير والضفائر هي العقائص المضفورة، قاله الخطابي.
عن الفضلِ بن عباسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاةُ مَثْنى مَثْنى، تَشَهَّدُ في كلَّ ركعتينِ، وتَخَشَّعُ، وتَضَرَّعُ، وتَمَسْكَنُ، وتُقْنِعُ يَدَيْكَ، يقول: تَرْفَعُهُمَا إلى رَبِّكَ، مُسْتَقْبلًا ببُطُونِهما وجهَك، وتقولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ. ومن
(1)
لم يفعل ذلك، فهو كذا وكذا"
(2)
.
وقال غيرُ ابن المباركِ في هذا الحديثِ: "من لم يفعلْ ذلك فهو خِدَاجٌ".
سمعتُ محمد بن إسماعيلَ يقول: رَوى شعبةُ هذا الحديثَ عن عَبْدِ ربِّه بن سعيدٍ
(3)
، فأخطأ في مواضعَ، فقال: عن أنس بن أبي أنسٍ، وهو عِمرانُ بن أبي أنَسٍ، وقال: عن عبد الله بن الحارثِ، وإنما هو عبد الله بن نافعِ بن العَمْياءِ، عن ربيعةَ بن الحارثِ. وقال شعبةُ: عن عبد الله بن الحارثِ، عن المُطَّلبِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنما هو عن ربيعةَ بن الحارثِ بن عبد المُطَّلبِ، عن الفضلِ بن عباسٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
في (أ) و (ظ): فإن، والمثبت من بقية النسخ وهامش (أ).
(2)
إسناده ضعيف لجهالة عبد الله بن نافع بن العَمْيَاء، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(615) و (1440)، وهو في "مسند أحمد"(1799) و (17525)، و"شرح مشكل الآثار" للطحاوي (1094) و (1095) و (1096). وانظر ما بعده.
(3)
حديث شعبة أخرجه أبو داود (1296)، وابن ماجه (1325)، والنسائي في "الكبرى"(616) و (1441)، وهو في "مسند أحمد"(17523)، و"شرح المشكل"(1093) للطحاوي. وانظر تتمة التعليق عليه في "المسند".
قال محمدٌ: وحديثُ اللَّيْثِ بن سعدٍ أصحُّ من حديث شعبةَ.
169 - باب ما جاء في كراهية التَّشْبِيكِ بين الأصابع في الصلاةِ
387 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا الليثُ بن سَعْدٍ، عن ابن عَجْلانَ، عن سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن رجلٍ
عن كَعْبِ بن عُجْرَةَ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا توضَّأ أحدُكم، فَأحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثم خرجَ عامدًا إلى المسجدِ، فلا يُشَبِّكَنَّ أصابِعَه، فإنَّهُ في صلاة"
(1)
.
(1)
حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الراوي عن كعبِ بن عُجْرة، لكن تابعه عبد الرحمن بن أبي ليلى عند الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(5570)، وابن حبان (2150)، والبيهقي 3/ 230 - 231 بإسناد حسن، وأخرجه أبو داود (562)، وابن ماجه (967)، وهو في "مسند أحمد"(18103)، و"صحيح ابن حبان" (2036). ولفظ ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا قد شبَّك أصابعه في الصلاة، ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه.
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، عند أحمد (11385)، وإسناده ضعيف.
وقد وردت أحاديث صحيحة دالة على جواز التشبيك مطلقًا، كحديث أبي موسى أخرجه البخاري (481)، وحديث أبي هريرة عنده أيضًا (482)، وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أحمد (6508). ولا تعارض بين أحاديث الجواز وأحاديث النهي، فحيث كان التشبيك على وجه العبث، فهو منهيٌّ عنه، وإلا فهو جائز. وانظر "فتح الباري" 1/ 565 - 567.
حديثُ كعبِ بن عُجْرَةَ رواه غيرُ واحدٍ عن ابن عَجْلانَ، مثلَ حديثِ الليثِ.
ورَوى شَرِيكٌ، عن محمد بن عَجْلانَ، عن أبيه، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَ هذا الحديث
(1)
.
وحديثُ شريكٍ غيرُ محفوظٍ.
170 - باب ما جاء في طُول القيامِ في الصلاةِ
388 -
حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن أبي الزُّبَيْرِ
عن جابرٍ، قال: قِيلَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصلاةِ أفْضَلُ؟ قال: "طُولُ القُنُوتِ"
(2)
(1)
رواية شريك هذه، أخرجها الحاكم في "المستدرك" 1/ 207 من طريق أبي غسان، عنه، بهذا الإسناد. وقال: وهم شريك في إسناده.
وأخرجه ابن حبان (2149) من غير طريق شريك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، قال: حدثنا سعيد، عن أبي هريرة.
وانظر تمام تخريج حديث أبي هريرة في التعليق على الحديث رقم (2036) من "صحيح ابن حبان".
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (756)، وابن ماجه (1421)، وهو في "مسند أحمد"(14233) و (14368) و (15210)، و"صحيح ابن حبان"(1758).
القنوت هنا، المراد به: القيام، ويدل على ذلك تصريح أبي داود في حديث عبد الله بن حُبْشي (1325) و (1449): أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام.
وفي الباب عن عبد الله بن حُبْشِيٍّ، وأنس بن مالكٍ.
حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوي من غير وجهٍ عن جابر بن عبد الله.
171 - باب ما جاء في كثرةِ الركوع والسجودِ
389 -
حدَّثنا أبو عمَّارٍ، قال: حدَّثنا الوليدُ بنُ مُسْلِمٍ، عن الأوْزَاعِيِّ، قال: حدَّثني الوليدُ بن هِشامٍ المُعَيْطِيُّ، قال: حدَّثني مَعْدَانُ بن طَلْحةَ اليَعْمَرِيُّ
قال: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مولَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ له: دُلَّنِي على عملٍ يَنْفَعُنِي اللهُ به، ويُدْخِلُنِي الله الجنَّةَ. فسكتَ عَنِّي مَلِيًّا
(1)
، ثمَّ التَفَتَ إليَّ، فقال: عليكَ بالسجودِ، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"ما من عبدٍ يَسْجُدُ للهِ سَجدَةً إلَّا رَفَعَهُ اللهُ بها دَرَجَةً، وحَطَّ عنه بها خَطِيئَةً"
(2)
.
390 -
قال مَعْدَانُ: فَلَقِيتُ أبا الدَّرْدَاءِ، فسألتُه عمَّا سألتُ عنه ثَوْبَانَ؟ فقال: عليكَ بالسجودِ، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَا من عبدٍ يَسْجُدُ لله سجدةً إلَّا رفعهُ اللهُ بها درجةً، وحطَّ عنه بها
(1)
في (أ) و (ب) و (ظ) و (س) و (ل): "ثلاثًا"، وما أثبتناه من (د) ونسخة المباركفوري، وهو الصواب.
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (488)، وابن ماجه (1423)، والنسائي 2/ 228، وهو في "مسند أحمد"(22371) و (22377)، و"صحيح ابن حبان"(1735).
خطيئةً"
(1)
.
وفي الباب عن أبي هريرةَ، وأبي فاطمةَ.
حديثُ ثَوْبَانَ وأبي الدَّرْدَاءِ في كثرةِ الركوع والسجود، حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد اختلف أهلُ العلم في هذا:
فقال بعضُهم: طولُ القيامِ في الصلاة أفضلُ من كثرة الركوع والسجود.
وقال بعضهم: كثرةُ الركوع والسجود أفضلُ من طول القيام.
وقال أحمدُ بن حنبلٍ: قد رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا حديثانِ، ولم يَقْضِ فيه بشيءٍ.
وقال إسحاقُ: أمَّا بالنهار، فكثرةُ الركوع والسجود، وأمَّا بالليل فطولُ القيامِ، إلَّا أن يكونَ رجلٌ له جُزْءٌ بالليلِ يأتِي عليه، فكثرةُ الركوع والسجود في هذا أحَبُّ إليَّ، لأنَّهُ يأْتِي على جُزئِه وقد رَبِحَ كثرةَ الركوع والسجود.
وإنَّما قال إسحاقُ هذا، لأنَّه كذا وُصِفَ صلاةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم باللَّيلِ، وَوُصِفَ طولُ القيامِ، وأما بالنَّهارِ فلم يُوصَفْ من صلاتهِ من طول القيامِ ما وُصِفَ بالليلِ.
(1)
سلف تخريجه في الذي قبله.
172 - باب ما جاء في قتلِ الأسْوَدَيْنِ في الصلاةِ
391 -
حدَّثنا علي بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا إسماعيلُ ابن عُلَيَّةَ، عن عليِّ بن المُبَارَكِ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن ضَمْضَمِ بن جَوْسٍ
عن أبي هريرةَ، قال: أمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتلِ الأسْوَدَيْنِ في الصلاة: الحَيَّةِ والعقربِ
(1)
.
وفي الباب عن ابن عبَّاسٍ، وأبي رافعٍ.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم، وبه يقول أحمدُ، وإسحاقُ.
وكره بعضُ أهل العلم قتلَ الحية والعَقْربِ في الصلاةِ، قال إبراهيمُ: إنَّ في الصلاةِ لَشُغْلًا.
والقولُ الأولُ أصحُّ.
173 - باب ما جاء في سجدتَي السَّهْوِ قبل السلام
392 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن ابن شهابٍ، عن عبد الرحمن الأعرجِ
عن عبد الله بن بُحَيْنةَ الأسدِيِّ حَلِيفِ بَني عبدِ المطَّلِبِ: أن
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (921)، وابن ماجه (1245)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 10، وهو في "مسند أحمد"(7178)، و"صحيح ابن حبان"(2351).
النبيَّ صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوسٌ، فلمَّا أتَمَّ صلاتَه سجدَ سجدتينِ، يُكَبِّرُ في كُلَّ سجدةٍ وهو جالسٌ، قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، وسجدهما الناسُ معه، مكانَ ما نَسِيَ من الجلوسِ
(1)
.
وفي الباب عن عبد الرحمنِ بن عوفٍ.
393 -
حدَّثنا محمد بن بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الأعلَى وأبو داودَ، قالا: حدَّثنا هشامٌ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن محمد بن إبراهيمَ
أنَّ أبا هريرةَ والسَّائِبَ القارئَ كانا يسجدانِ سجدتي السهوِ قبل التسليم.
حديثُ ابن بُحَيْنَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قولُ الشافعي، يَرَى سجودَ السهو كلَّه قبل السلام، ويقول: هذا الناسخُ لغيره من الأحاديث، ويذكُر أنَّ آخِرَ فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على هذا.
وقال أحمدُ وإسحاقُ: إذا قام الرجلُ في الركعتين، فإنه يسجدُ سجدتي السهو قبل السلام على حديث ابن بُحَيْنةَ.
وعبد الله بن بُحَيْنةَ: هو عبد الله بن مالكٍ بن بُحينةَ، مالكٌ أبوه، وبُحينةُ أُمُّه، هكذا أخبرني إسحاقُ بن منصورٍ، عن علي ابن
(1)
إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (829) و (1230)، ومسلم (570)، وأبو داود (1034) و (1035)، وابن ماجه (1206) و (1207)، والنسائي 2/ 244 و 3/ 19 - 20 و 20 و 34، وهو في "مسند أحمد"(22919) و (22920)، و"صحيح ابن حبان"(1938) و (1939) و (1941).
المَدِينيِّ.
واختلف أهل العلم في سجدتَي السهو، متى يسْجدُهُما الرجلُ: قبل السلام أو بعد؟
فرأى بعضهم أنْ يسجدَهما بعد السلام، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ، وأهلِ الكوفة.
وقال بعضهم: يسجدُهما قبل السلام، وهو قول أكثر الفقهاء من أهل المدينة، مِثلِ يحيى بن سعيدٍ، ورَبيعةَ، وغيرِهما، وبه يقول الشافعيُّ.
وقال بعضهم: إذا كانت زيادةً في الصلاة فبعد السلامِ، وإذا كان نقصانًا فقبل السلام، وهو قول مالك بن أنسٍ.
وقال أحمدُ: ما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سجدتَي السهو، فيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ على جِهَتِهِ. يرَى إذا قام في الرَّكعتين على حديث ابن بُحَيْنةَ، فإنه يسجدهما قبل السلام، وإذا صلَّى الظهر خمسًا، فإنه يسجدهما بعد السلام، وإذا سلَّم في الركعتين من الظهر والعصر، فإنه يسجدهما بعد السلام، وكُلٌّ يُستعملُ على جهته، وكُلُّ سهوٍ ليس فيه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذِكْرٌ، فإنَّ سجدتَي السهوِ قبل السلام.
وقال إسحاقُ نحوَ قولِ أحمدَ في هذا كلَّه، إلَّا أنّه قال: كلُّ سهوٍ ليس فيه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذكْرٌ، فإن كانت زيادةً في الصلاة، يسجدهما بعد السلامِ، وإن كان نقصانًا، يسجدهما قبل السلام.
174 - باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام
394 -
حدَّثنا إسحاق بن منصورٍ، قال: حدثنا عبد الرحمنِ بن مَهْدِيٍّ، قال: حدَّثنا شعبةُ، عن الحَكَمِ، عن إبراهيمَ، عن عَلْقمةَ
عن عبد الله بن مسعودٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهرَ خَمْسًا، فقيل له: أزِيدَ في الصلاةِ؟ فسجدَ سجدتينِ بعدما سَلَّمَ
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
395 -
حدَّثنا هَنَّادٌ ومحمودُ بن غَيْلانَ، قالا: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمش، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ
عن عبد الله: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سجَدَ سجدتي السهو بعد الكلامِ
(2)
.
وفي الباب عن معاويةَ، وعبد الله بن جعفرٍ، وأبي هريرةَ.
396 -
حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، عن هِشامِ بن حسَّان، عن محمد بن سِيرينَ
(1)
صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (401) و (404) و (1226)، ومسلم (572)، وأبو داود (1019 - 1022)، وابن ماجه (1203) و (1205) و (1211) و (1212)، والنسائي 3/ 28 و 29 و 31 - 32 و 32 و 33، وهو في "مسند أحمد"(3566)، و"صحيح ابن حبان"(2658) و (2659). وانظر تخريج الحديث الآتي.
(2)
صحيح، وأخرجه بهذا اللفظ مسلم (572)(95)، وابن ماجه (1218)، والنسائي 3/ 66، وهو في "مسند أحمد"(3570). وانظر تخريج الحديث الذي قبله.
عن أبي هريرةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سجدهما بعد السلامِ
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رواهُ أيُّوبُ وغيرُ واحدٍ عن ابن سيرينَ.
وحديثُ ابن مسعودِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم، قالوا: إذا صلَّى الرجلُ الظهرَ خمسًا، فصلاتُه جائزةٌ، وسجد سجدتي السهو، وإنْ لم يجلسْ في الرابعةِ، وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.
وقال بعضهم: إذا صلَّى الظهرَ خمسًا ولم يقعدْ في الرابعةِ مقدارَ التشهُّدِ، فسدتْ صلاتُه. وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ، وبعض أهل الكوفةِ
(2)
.
(1)
صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (482)، ومسلم (573)، وأبو داود (1008 - 1014)، وابن ماجه (1214)، والنسائي 3/ 20 - 26، وهو في "مسند أحمد"(7201) و (7374)، و"صحيح ابن حبان"(2256).
وسيأتي (401).
(2)
قال البغوي رحمه الله في "شرح السنة" 3/ 288: وأكثر أهل العلم على هذا، أنه إذا صلى خمسًا ساهيًا، فصلاته صحيحة، ويسجد للسهو، وهو قول علفمة والحسن البصري وعطاء والنخعي، وبه قال الزهري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال سفيان الثوري: إن لم يكن قعد في الرابعة يعيد الصلاة. وقال أبو حنيفة: إن لم يكن قعد في الرابعة، فصلاته فاسدةٌ، ويجب اعادتها، وإن قعد في الرابعة، تَمَّ ظُهرُه، والخامسة تطوّع يضيف إليها ركعة =
175 - باب ما جاء في التشهد في سجدتَي السهوِ
397 -
حدَّثنا محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله الأنصاريُّ، قال: أخبرني أشعَثُ، عن ابن سِيرِينَ، عن خالد الحَذَّاءِ عن أبي قِلابَةَ، عن أبي المُهَلَّبِ
عن عِمرانَ بن حُصَيْنٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بهم فسهَا، فسجدَ سجدتيْنِ، ثم تشهَّدَ، ثم سلَّمَ
(1)
.
= أخرى، ثم يتشهد ويسلم، ويسجد للسهو، وحديث ابن مسعود حجة عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن قعد في الرابعة، فلم يستأنف الصلاة، وإن كان قد قعد فيها، فلم يضف إليها ركعةً أخرى.
(1)
أخرجه أبو داود (1039)، والنسائي 3/ 26، وهو في "صحيح ابن حبان"(2670) و (2672).
قال البيهقي في "السنن" 2/ 355: تفرد به أشعث الحُمْراني، وقد رواه شعبة وابن عُلية ووهيب والثقفي وهشيم وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وغيرهم عن خالد الحذاء، لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث، عن محمد، عنه، ورواه أيوب، عن محمد قال: أخبرت عن عمران، فذكر السلام دون التشهد، وفي رواية هشيم - التي أوردها البيهقي عقب كلامه هذا - ذكر التشهد قبل السجدتين، وذلك يدل على خطأ أشعث فيما رواه.
وحديث أيوب، عن محمد، أخرجه عقب حديث أبي هريرة الحميدي (983)، والبيهقي 2/ 354.
وقد حقق الحافظ في "الفتح" 3/ 99 أن ذكر التشهد في هذا الحديث شاذٌّ، ثم قال: لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود (1028)، والنسائي في "الكبرى"(608)، وعن المغيرة عند البيهقي 2/ 355، وفي إسنادهما ضعف، فقد يقال: إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي =
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
ورَوَى ابن سِيرِينَ، عن أبي المُهَلَّبِ - وهو عَمُّ أبي قِلابَةَ - غيرَ هذا الحديثِ.
ورَوَى محمدٌ هذا الحديث، عن خالدٍ الحذَّاءِ، عن أبي قِلابَةَ، عن أبي المُهَلَّبِ.
وأبو المُهَلَّبِ اسمُه: عبد الرحمن بن عَمْرٍو، ويقالُ أيضًا: معاويةُ بن عَمْرٍو.
وقد رَوَى عبدُ الوهابِ الثقَفيُّ وهُشَيْمٌ وغيرُ واحدٍ هذا الحديثَ، عن خالدٍ الحذَّاءِ، عن أبي قِلَابَةَ بِطُوله، وهو حديثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَلَّمَ في ثَلاثِ ركعاتٍ من العصرِ، فقام رجل يقال له: الخِرْبَاقُ
(1)
.
= إلى درجة الحسن، قال العلائي: وليس دلك ببعيد، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله، أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 31.
قلنا: وروى الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 434 عن ربيع المؤذن، عن يحيى بن حسان، حدثنا وهيب، حدثنا منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فلم يَدْرِ، أثلاثًا صلى أم أربعًا، فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب، فليتمه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم". وإسناده قوي.
(1)
صحيح وأخرجه مسلم (574)، وأبو داود (1018)، وابن ماجه (1215)، والنسائي 3/ 26 و 66، وهو في "مسند أحمد"(19828)، و"صحيح ابن حبان"(2654) و (2671). وانظر تمام تخريجه في "المسند". =
واختلف أهل العلم في التشهدِ في سجدتي السهوِ:
فقال بعضهم: يَتَشَهَّدُ فيهما ويسلِّمُ.
وقال بعضُهم: ليس فيهما تشهُّدٌ وتسليمٌ، وإذا سجدهما قبل السلام لم يَتشهدْ. وهو قولُ أحمدَ، وإسحاقَ، قالا: إذا سجد سجدتَي السهوِ قبل السلامِ لم يَتشهدْ.
176 - باب فيمن يَشُكُّ في الزيادةِ والنقصانِ
398 -
حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، قال: حدَّثَنا هشامٌ الدَّسْتوائِيُّ، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عن عِيَاضِ بن هلالٍ، قال:
قلتُ لأبي سعيدٍ: أحَدُنَا يصلِّي فلا يَدْري كيف صلّى؟ فقال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى أحدُكم، فلم يَدْرِ كيف صلَّى، فَلْيَسْجُدْ سجدتينِ وهو جالسٌ"
(1)
.
وفي الباب عن عثمان، وابن مسعودٍ، وعائشة، وأبي هريرةَ.
حديثُ أبي سعيدٍ حديثٌ حسنٌ.
= وتمامه: وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس، فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم.
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عياض بن هلال الأنصاري، وأخرجه أبو داود (1029)، وابن ماجه (1204)، والنسائي في "الكبرى"(590 - 594)، وهو في "مسند أحمد"(11082)، و"صحيح ابن حبان"(2665).
وقد رُوي هذا الحديثُ عن أبي سعيدٍ من غير هذا الوجه
(1)
.
وَرُوي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا شكَّ أحدُكم في الواحدة
(2)
والثِّنتَيْنِ، فليجعلها
(3)
واحدةً، وإذا شكَّ في الاثنتين
(4)
والثلاث، فليجعلهما اثْنتَيْنِ، ويسجد في ذلك سجدتينِ قبلَ أن يسلِّم"
(5)
.
والعملُ على هذا عند أصحابنا.
وقال بعض أهل العلم: إذا شَكَّ في صلاته فلم يَدْرِ كم صلَّى، فليُعِد.
399 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا الليثُ، عن ابن شهابٍ، عن أبي سلمةَ
عن أبي هريرةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشيطانَ يَأْتِي أحدَكم في صلاته فَيَلْبِسُ عليه، حتى لا يَدْرِي كم صلَّى، فإذا وَجَدَ ذلك أحدُكم، فليسجدْ سجدتين وهو جالسٌ"
(6)
.
(1)
بلفظ: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يَدْرِ كَمْ صلى ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلّى خمسًا، شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان" أخرجه مسلم (571)، وأبو داود (1024)، وابن ماجه (1210)، والنسائي 3/ 27، وهو في "مسند أحمد"(11686)، و"صحيح ابن حبان"(2663) و (2664). وهو حديث صحيح.
(2)
هكذا في (ب) و (س) و (ل)، وفي (أ) و (د):"واحدة".
(3)
المثبت من (أ) و (د) و (ل)، وفي (ب) و (س):"فليجعلهما".
(4)
في (أ) و (ل): "الثنتين"، وفي (س):"ثنتين".
(5)
حسن لغيره، وانظر تخريجه فيما سيأتي برقم (400).
(6)
صحيح، وأخرجه البخاري (1222) و (1231) و (1232) و (3285)، =
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
400 -
حدَّثنا محمد بن بشَّارٍ، قال: حدَّثنا محمد بن خالدٍ ابنُ عَثْمَةَ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بن سعدٍ، قال: حدثني محمد بن إسحاقَ، عن مكحولٍ، عن كُرَيْبٍ، عن ابن عباسٍ
عن عبد الرحمن بن عوفٍ، قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إذا سَهَا أحدُكم في صلاته فلم يَدْرِ واحدةً صلَّى أو ثِنْتَيْنِ، فَلْيَبْن على واحدةٍ، فإن لم يَدْرِ ثنتينِ صلَّى أو ثلاثًا، فَلْيَبنِ على ثِنْتَيْنِ، فإن لم يَدْرِ ثلاثًا صلَّى أو أربعًا، فليبنِ على ثلاثٍ، ولْيَسْجُدْ سجدتين قبل أن يُسَلِّمَ"
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوي هذا الحديثُ عن عبد الرحمن بن عوفٍ من غير هذا الوجهِ: ورواه الزهريُّ
(2)
، عن عُبَيْد الله بن عبد الله بن عُتْبةَ، عن
= ومسلم ص 398 (82)، وأبو داود (1030) و (1031) و (1032)، وابن ماجه (1216) و (1217)، والنسائي 3/ 30 - 31 و 31، وهو في "مسند أحمد"(7286)، و"صحيح ابن حبان"(2683).
(1)
حسن لغيره، وأخرجه ابن ماجه (1209). وهو في "المسند"(1656)، وانظر تمام الكلام عليه وتخريجه فيه.
وأخرجه أحمد (1677) مرسلًا.
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، سلف تخريجه بإثر الحديث رقم (398). وهو صحيح.
(2)
أخرجه من هذا الطربق أحمد في "مسنده"(1689) بلفظ: "من صَلَّى صلاةً يَشُكُّ في النُّقصان، فليُصَلِّ حتى يشكَّ في الزِّيادة". وإسناده ضعيف، وانظر =
ابن عباسٍ، عن عبد الرحمنِ بن عوفٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
177 - باب ما جاء في الرجل يُسلِّمُ في الركعتين من الظهر والعَصر
401 -
حدَّثنا الأنْصَارِيُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالِكٌ، عن أيوبَ بن أبي تَمِيمةَ - وهو السَّخْتِيَانِيُّ - عن محمد بن سِيرينَ
عن أبي هريرةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ من اثْنتَيْنِ، فقال له ذُو اليَدَيْنِ: أقُصِرَتِ الصلاةُ أمْ نَسِيتَ يا رسولَ الله؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ " فقال الناسُ: نَعَمْ. فقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثم سَلَّم، ثم كَبَّرَ فَسَجَدَ مثْلَ سجودهِ أو أطْوَلَ، ثم كَبَّرَ فَرَفَعَ، ثم سَجَدَ مثل سجودهِ أو أطْوَلَ
(1)
.
وفي الباب عن عمْرانَ بن حُصَيْنٍ، وابن عمر، وذي اليَدَيْنِ.
وحديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
واختلف أهلُ العلم في هذا الحديث:
فقال بعض أهل الكوفة: إذا تَكلَّمَ في الصلاة ناسيًا أو جاهلًا أو ما كانَ، فإنَّهُ يُعيدُ الصلاةَ، واعْتَلُّوا بأنَّ هذا الحديثَ كان قبلَ تحريمِ الكلامِ في الصلاةِ.
وأمَّا الشافعيُّ فرأى هذا حديثًا صحيحًا، فقال بهِ، وقال: هذا
= تمام تخريجه فيه.
(1)
صحيح، وقد سلف تخريجه برقم (396)، فانظره هناك.
أصَحُّ من الحديثِ الذي رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصَّائم إذا أكل ناسيًا، فإنه لا يَقضي، وإنَّما هو رِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ.
قال الشافعيُّ: وفَرَّقُوا
(1)
هؤلاءِ بين العَمْدِ والنسيانِ في أكلِ الصائمِ لحديثِ أبي هريرةَ.
وقال أحمدُ في حديث أبي هريرة: إنْ تكلَّمَ الإِمامُ في شيءٍ من صلاته، وهو يَرَى أنه قد أكْمَلَها، ثم عَلم أنه لم يُكْمِلْها، يُتِمُّ صلاتَهُ، ومن تكلَّم خلْفَ الإمامِ وهو يعلمُ أنَّ عليه بَقِيَّةً من الصلاةِ، فعليه أن يَسْتَقْبلَهَا. وَاحْتَجَّ بأنَّ الفرائِضَ كانت تُزَادُ وتُنْقَصُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّما تَكلَّمَ ذُو اليدينِ وهو على يقينٍ من صلاته أنَّهَا تَمَّتْ، وليس هكذا اليومَ، ليس لأحدٍ أن يتكلَّمَ على معنى ما تكلَّمَ ذُو اليدينِ، لأنَّ الفرائِضَ اليومَ لا يُزَادُ فيها ولا يُنْقَصُ، قال أحمدُ نحوًا من هذا الكلام.
(1)
الوجه الشائع استعماله عند جمهور العرب أن الفعل إذا أسند إلى ظاهرٍ - مثنى أو مجموع - وجب تجريده من علامة تدل على التثنية أو الجمع، فيكون كحاله إذا أسند إلى مفرد، بأن يقال: وفرّق هؤلاء، وما قاله الشافعي جائز على لغة بني الحارث بن كعب التي يسميها النحاة: لغة أكلوني البراغيث، وقد وردت في حديث أبي هريرة مرفوعًا:"يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار" عند البخاري (555)، ومسلم (632)، وغيرهما. وتكون الواو في "أكلوني" و"يتعاقبون" حرف دالُّ على الجمع، و"ملائكة" فاعل يتعاقبون، و"البراغيث" فاعل أكلوني. انظر "شرح ابن عقيل" 2/ 79 - 80.
وقال إسحاقُ نحوَ قول أحمدَ في هذا الباب.
178 - باب ما جاء في الصلاةِ في النِّعَالِ
402 -
حدَّثنا علي بن حُجْرٍ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن سعيد بن يَزيدَ أبي مَسْلمةَ، قال:
قلتُ لأنسِ بن مالكٍ: أكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في نَعْلَيْهِ؟ قال: نَعَمْ
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن مسعودٍ، وعبد الله بن أبي حَبِيبةَ، وعبد الله بن عَمْرٍو، وعَمْرو بن حُرَيْثٍ، وشَدَّادِ بن أوْسٍ، وأَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، وأبي هريرةَ، وعَطَاءٍ رجلٍ من بني شَيْبةَ.
حديثُ أنسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
والعملُ على هذا عند أهل العلمِ.
179 - باب ما جاء في القُنُوت في صلاةِ الفجرِ
403 -
حدَّثنا قُتيبة ومحمد بن المُثنَّى، قالا: حدَّثنا محمد بن جعفرٍ، عن شُعبةَ، عن عَمْرِو بن مُرَّةَ، عن ابن أبي لَيْلَى
عن البَرَاءِ بن عازبٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقْنُتُ في صلاةِ الصُّبْحِ والمغربِ
(2)
.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (386)، ومسلم (555)، والنسائي 2/ 74، وهو في "مسند أحمد"(11976).
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (678)، وأبو داود (1441)، والنسائي 2/ 202، =
وفي الباب عن عليٍّ، وأنس، وأبي هريرةَ، وابن عَبَّاسٍ، وخُفَافِ بن أَيماءَ بن رَحَضةَ الغِفَارِيِّ
(1)
.
حديثُ البَرَاءِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
واختلف أهل العلم في القُنُوت في صلاة الفجرِ:
فَرَأى بعضُ أهل العلم من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم القُنُوتَ في صلاة الفجرِ، وهو قولُ الشافعيِّ.
وقال أحمدُ وإسحاقُ: لا يُقْنَتُ في الفجرِ إلَّا عندَ نازلَةٍ تَنزِلُ بالمسلمينَ، فإذا نزلتْ نازلَةٌ، فللإِمامِ أن يدعُوَ لجيوشِ المسلمين.
180 - باب في ترك القُنُوت
404 -
حدَّثنا أحمد بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا يزيد بن هارونَ، عن أبي مالكٍ الأشْجَعِيِّ، قال:
قلتُ لأبي: يا أبَتِ إنَّكَ قد صلَّيتَ خلْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمانَ وعليِّ بن أبي طالبٍ ها هنا بالكوفةِ نحوًا من
= وهو في "مسند أحمد"(18470)، و"صحيح ابن حبان"(1980).
(1)
ترجمه ابن الأثير في "جامع الأصول - القسم الخاص بالتراجم" 1/ 346، فقال: هو خُفاف بن أيماء بن رَحَضة من بني حارثة بن غِفار العِذاري، له ولأبيه ولجده صحبة، وكان إمام بني غفار وخطيبهم، شهد الحديبية، ومات في خلافة عمر بالمدينة، يُعد في المدنيين، وخُفاف: بضم الخاء، وتخفيف الفاء الأولى، وأيماء: بفتح الهمزة وكسرها وسكون الياء وبالمد، ورَحَضَة: بفتح الراء وفتح الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة.
خَمْسِ سِنِينَ، أكانُوا يَقْنُتُونَ؟ قال: أيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ
(1)
405 -
حدَّثنا صالح بن عبد الله، قال: حدَّثنا أبو عَوانةَ، عن أبي مالك الأشْجَعِيِّ، بهذا الإسنادِ نحوَه بِمعناه
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
وقال سفيانُ الثَّوْرِيُّ: إن قَنَتَ في الفجرِ، فَحَسَنٌ، وإن لم يَقْنُتْ، فحسنٌ، واخْتَارَ أن لا يَقْنُتَ.
ولم يَرَ ابنُ المبارك القنوتَ في الفجرِ.
وأبو مالك الأشجعيُّ اسمه: سَعْدُ بن طَارِقِ بن أشْيَمَ.
181 - باب ما جاء في الرجل يَعْطُسُ في الصلاة
406 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا رِفَاعةُ بن يحيى بن عبد الله بن رفاعةَ بن رافعٍ الزُّرَقِيُّ، عن عَمِّ أبيه مُعَاذِ بن رِفَاعةَ
عن أبيه، قال: صليتُ خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَطَسْتُ، فقلتُ: الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طَيِّبًا مبارَكًا فيهِ مباركًا عليه كما يُحبُّ ربُّنا ويَرْضَى.
(1)
صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1241)، والنسائي 2/ 204، وهو في "مسند أحمد"(15879)، و"صحيح ابن حبان"(1989).
(2)
صحيح، وقد سلف قبله.
فلما صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، انْصَرَفَ، فقال:"من المتكلِّمُ في الصلاةِ؟ "، فلم يتكلَّمْ أحَدٌ، ثم قالها الثانيةَ:"من المتكلِّمُ في الصلاةِ؟ "، فلم يتكلَّمْ أحدٌ، ثم قالها الثالثةَ:"من المتكلِّمُ في الصلاةِ؟ ".
فقال رفاعةُ بن رَافع بنِ عَفْرَاءَ: أنا يا رسولَ الله، قال:"كَيْفَ قلتَ؟ ". قال: قلتُ: الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه، كما يُحبُّ ربُّنا ويَرْضَى، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده، لقد ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وثلاثونَ مَلَكًا، أيُّهُمْ يَصْعَدُ بها"
(1)
.
وفي الباب عن أنسٍ، ووَائِلِ بن حُجْرٍ، وعامر بن رَبِيعةَ.
حديثُ رفاعةَ حديثٌ حسنٌ.
وكأنَّ هذا الحديثَ عندَ بعض أهل العلم أنَّهُ في التَّطَوُّعِ، لأنَّ غيرَ واحدٍ من التابعين قالوا: إذا عَطَسَ الرجلُ في الصلاة المكتوبَةِ إنَّما يَحْمَدُ اللهَ في نفسه، ولم يُوَسِّعُوا بأكثر من ذلك.
182 - باب في نَسْخ الكلام في الصلاةِ
407 -
حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا إسماعيلُ بن أبي خالدٍ، عن الحارث بن شُبَيْلٍ، عن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانيِّ
عن زيد بن أرْقَمَ، قال: كنا نتكلَّمُ خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (799)، وأبو داود (770) و (773)، والنسائي 2/ 145 و 196، وهو في "مسند أحمد"(18996)، و"صحيح ابن حبان"(1910).
الصلاةِ، يكلِّمُ الرجل مِنَّا صاحبَه إلى جَنْبِهِ، حتى نَزَلَتْ:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. قال: فأُمِرْنَا بالسكوتِ، ونُهِينَا عن الكلامِ
(1)
.
وفي الباب عن ابن مسعودٍ، ومعاويةَ بن الحكَمِ.
حديثُ زيد بن أرْقَمَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والعملُ عليه عند أكثر أهل العلم، قالُوا: إذا تكلَّمَ الرجلُ عامدًا في الصلاة أو ناسيًا، أعادَ الصلاةَ، وهو قولُ الثَّوْرِيِّ وابن المباركِ وأهل الكوفة
(2)
.
وقال بعضُهم: إذا تكلَّم عامدًا في الصلاة، أعادَ الصلاةَ، وإن كان ناسيًا أو جاهلًا، أجزأه، وبه يقولُ الشافعيُّ.
183 - باب ما جاء في الصلاةِ عندَ التوبةِ
408 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا أبو عَوانةَ، عن عثمان بن المغيرةِ، عن عليِّ بن رَبيعَةَ، عن أسْمَاءِ بن الحَكَمِ الفَزَاريَّ، قال:
سمعتُ عليًّا يقولُ: إنِّي كنت رجلًا إذا سمعتُ من رسول الله
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (1200) و (4534)، ومسلم (539)، وأبو داود (949)، والنسائي 3/ 18، وهو في "مسند أحمد"(19278)، و"صحيح ابن حبان"(2245).
وسيأتي (3228).
(2)
قوله: "وأهل الكوفة"، زيادة من (د) وهامش (أ).
صلى الله عليه وسلم حديثًا نَفَعَنِي اللهُ منه بما شاء أنْ يَنْفَعَنِي به، وإذا حدَّثني رجلٌ من أصحابه اسْتَحْلَفْتُه، فإذا حلَفَ لي صَدَّقْتُه، وإنه حدثني أبو بكرٍ، وصدَقَ أبو بكرٍ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجلٍ يُذْنِبُ ذنبًا، ثم يقومُ فيتطهَّرُ، ثم يصلِّي، ثم يستغفرُ الله، إلَّا غَفر اللهُ له. ثُمَ قرأ هذه الآيةَ:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} إلى آخر الآية [آل عمران: 135]
(1)
.
وفي الباب عن ابن مسعودٍ، وأبي الدَّرْدَاءِ، وأنسٍ، وأبي أُمَامةَ، ومُعَاذٍ، ووَاثِلَةَ، وأبي اليَسَرِ، واسمه: كَعْبُ بن عَمْرٍو
(2)
.
(1)
إسناده حسن، أسماء بن الحكم روى عنه علي بن ربيعة الوالِبي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ووثقه العجلي، وحسن الترمذي حديثه هذا وابن عدي، وجوَّد إسناده الحافظ ابن حجر في "التَّهذيب"، وصححه ابن حبان.
وأخرجه أبو داود (1521)، وابن ماجه (1395)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(414) و (417)، وفي "الكبرى"(11078)، وهو في "مسند أحمد"(2)، و"صحيح ابن حبان"(623).
(2)
حديث ابن مسعود أخرجه البخاري (4687)، ومسلم (2763) أن رجلًا أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، قال الرجل: ألي هذه؟ قال: "لمن عمل بها من أمتي".
وحديث أبي الدرداء رواه الطبراني في "الأوسط"(5022) بلفظ: "ما من مسلم يذنب ذنبًا فيتوضأ، ثم يصلي ركعتين أو أربعًا مفروضة أو غير مفروضة، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له" وإسناده حسن.
وحديث أنس بن مالك أخرجه البخاري (6823)، ومسلم (2765)، قال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ حدًّا فأقمه عليّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ حدًا، فأقم فيَّ كتاب الله، قال:"أليس قد صليتَ معنا؟ " قال: نعم، قال:"فإن الله قد غفر لك ذنبك - أو قال -: حدَّك".
وحديث أبي أمامة عند مسلم (2775)، وهو بمعنى حديث أنس، وقال النووي في تفسير قوله: إني أصبت حدًا فأقمه عليَّ: هذا الحدُّ معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير، وهي هنا من الصغائر، لأنها كفّرتها الصلاة، ولو كانت كبيرة موجبة لحدٍّ أو غير موجبة له لم تسقط بالصلاة.
وحديث معاذ بن جبل هو عند المصنف، سيأتي برقم (3113).
وحديث واثلة بن الأسقع عند أحمد (16014)، والنسائي في "الكبرى"(7271)، وصححه ابن حبان (1727).
وحديث أبي اليسر عند المصنف في التفسير، سيأتي برقم (3115).
وقد زاد الحافظ العراقي في أحاديث الباب حديث سلمان الفارسي عند أحمد (23707)، وهو حسن لغيره.
وحديث ابن عباس عند البزار (2219 - كشف الأستار)، والبيهقي في "الشعب"(7085)، وجوّد الحافظ العراقي إسناده، وصححه الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار"(1472)، ولفظه: أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب امرأة، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأذن له، فانطلق في يوم مطير، فإذا هو بالمرأة على غدير ماءٍ تغتسل، فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة، ذهب يحركُ ذكره، فإذا هو بهِ هُدْبةٌ، فقام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"صلَّ أربع ركعات" فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} الآية.
وحديث علي بن أبي طالب، وهو عند الطبراني في "الصغير"(915)، =
حديثُ عليٍّ حديثٌ حسنٌ، لا نعرفُه إلَّا من هذا الوجه من حديثِ عثمانَ بن المغيرةِ.
ورَوَى عنه شعبةُ وغيرُ واحدٍ، فرفعوه مثل حديث أبي عَوانةَ.
ورواه سفيانُ الثوريُّ ومِسْعَرٌ فأوقَفَاهُ، ولم يرفعاهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقد رُوي عن مِسْعَرٍ هذا الحديثُ مرفوعًا أيضًا
(1)
.
184 - باب ما جاء متى يُؤْمَرُ الصبيُّ بالصلاة؟
409 -
حدَّثنا علي بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا حَرْمَلةُ بن عبد العزيز بن الرَّبِيعِ بن سَبْرَةَ الجُهَنِيُّ، عن عَمِّهِ عبد الملك بن الرَّبِيعِ بن سَبْرَةَ، عن أبيه
عن جدِّه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلِّمُوا الصبيَّ الصلاةَ ابنَ سَبعٍ، واضربوه عليها ابنَ عَشْرٍ"
(2)
.
= و"الأوسط"(7556) وسنده حسن في الشواهد.
(1)
أخرجه موقوفًا النسائي في "عمل اليوم والليلة"(415) و (416) من طريق مسعر وسفيان، كلاهما عن عثمان بن المغيرة، به.
وأخرجه مرفوعًا الطبري في "تفسيره"(7854) من طريق مِسَعر وسفيان، كلاهما عن عثمان بن المغيرة، به.
(2)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الملك بن الربيع، وأخرجه أبو داود (494)، وهو في "مسند أحمد"(15339)، و"شرح مشكل الآثار"(2565) و (2566).
ويشهد له حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرجه أبو داود (495) و (496)، وهو عند أحمد في "مسنده"(6756)، وإسناده حسن.
وفي الباب عن عبدِ الله بن عَمْرو.
حديثُ سَبْرَةَ بن مَعْبَدٍ الجُهنِيِّ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وعليه العملُ عند بعض أهل العلم، وبه يقول أحمدُ، وإسحاقُ، وقالا: ما ترَكَ الغلامُ بعدَ العَشْرِ من الصلاةِ، فإنَّهُ يُعيدُ
(1)
.
وسَبْرَةُ: هو ابنُ مَعْبَدٍ الجُهنِيُّ، ويقال: هو ابن عَوْسَجَةَ.
185 - باب ما جاء في الرجل يُحْدِثُ بعد التَّشَهُّدِ
410 -
حدَّثنا أحمدُ بن محمد، قال: أخبرنا ابن المباركِ، قال: أخبرنا عبد الرحمنِ بن زِيَادِ بن أنْعُمٍ، أن عبد الرحمن بن رافعٍ وبكرَ بن سَوادَةَ أخبراه
عن عبد الله بن عَمْرٍو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحْدَثَ - يعني الرجلَ - وقد جلَسَ في آخرِ صَلاتِه قبل أن يُسَلِّمَ، فقد
(1)
نقل صاحب "المغني" 2/ 350 قول القاضي: يجب على ولي الصبي أن يُعلِّمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويأمره بها، ويؤدَّبه عليها إذا بلغ عشر سنين، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر حديث الباب، ثم قال: وهذا الأمر والتأديب في حق الصبي لتمرينه على الصلاة كي يألفها ويعتادَها، ولا يتركها عند البلوغ، وليست واجبة عليه في ظاهر المذهب، ومن أصحابنا من قال: تَجِبُ على من بلغ عشرًا، لأنه يُعاقب على تركها، ولا تشرع العقوبة إلا لترك واجب، ولأن حد الواجب ما عوقب على تركه، ولأن أحمد قد نُقِلَ عنه في ابن أربع عشرة إذا ترك الصلاة يعيد، ولعل أحمد رحمه الله أمر بذلك على طريق الاحتياط، فإن الحديث قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُفع القلم عن ثلاث، عن الصبي حتى يحتلم
…
".
جازتْ صلاتُه"
(1)
.
هذا حديثٌ ليسَ إسنادُه بالقويِّ، وقد اضطرَبوا في إسناده.
وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى هذا، قالوا: إذا جلس مقدارَ التشهد وأحدثَ قبل أن يسلَّمَ، فقد تَمَّتْ صلاتُه.
وقال بعض أهل العلم: إذا أحدثَ قبل أن يتشهَّدَ وقبل أن يسَلِّمَ، أعادَ الصلاةَ. وهو قولُ الشافعيِّ.
وقال أحمدُ: إذا لم يَتَشهَّدْ وسَلَّمَ أجزأهُ، لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: و"تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"
(2)
، والتشهدُ أهْوَنُ، قام النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في اثنَتَيْنِ فَمَضَى في صلاته ولم يتشهدْ.
وقال إسحاقُ بن إبراهيمَ: إذا تشهد ولم يُسَلِّمْ أجزأهُ، واحتجَّ بحديث ابن مسعودٍ حين عَلَّمَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم التشهدَ، فقال:"إذا فَرَغْتَ من هذا، فقد قَضَيْتَ ما عليك"
(3)
.
(1)
إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وأخرجه أبو داود (617).
(2)
سلف تخريجه برقم (3).
(3)
حديث صحيح إلا أن قوله في آخره: "إذا فرغت من هذا، فقد قضيت ما عليك" هو عند غير واحد من أئمة الحديث من كلام ابن مسعود، وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم. وانظر بسط ذلك في "المسند".
وأخرجه مطولًا أحمد (4006)، وأبو داود (970)، وابن حبان (1961) و (1962). وقال ابن العربي في "شرح الترمذي": وإنما يعني به: فقد قضيت صلاتك، فاخْرُجْ عنها بتحليلٍ كما دخلتها بإحرام.
وعبد الرحمن بن زياد: هو الإفْريقيُّ، وقد ضعَّفه بعضُ أهل الحَديث، منهم يحيى بن سعيد القَطَّانُ، وأحمد بن حنبلٍ.
186 - باب ما جاء إذا كان المطرُ، فالصلاةُ في الرِّحَالِ
411 -
حدَّثنا أبو حفصٍ عمرُو بن عليٍّ، قال: حدَّثنا أبو داود الطَّيالسيُّ، قال: حدَّثنا زُهَيْرُ بن معاويةَ، عن أبي الزُّبيرِ
عن جابرٍ، قال: كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فأصابنا مطرٌ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"من شاء فَلْيُصَلِّ في رَحْلِهِ"
(1)
.
وفي الباب عن ابن عمرَ، وسَمُرَةَ، وأبي المَليح عن أبيه، وعبد الرحمن بن سَمُرَةَ.
حديثُ جابرٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ.
وقد رَخَّصَ أهلُ العلم في القعود عن الجماعة والجمعة في المطر والطِّينِ، وبهِ يقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.
سمعتُ أبا زُرْعَةَ يقول: رَوَى عَفَّانُ بن مسلمٍ، عن عمرِو بن عليٍّ حديثًا.
وقال أبو زُرعة: لم أر بالبصرةِ أحفظَ من هؤُلاءِ الثلاثة: عَليِّ
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (698)، وأبو داود (1065)، وهو في "مسند أحمد"(14347)، و"صحيح ابن حبان"(2082).
وفي الباب عن عبد الله بن عمر، أخرجه أحمد في "مسنده"(4478). وانظر تتمة شواهده فيه.
ابن المدِيني، وابن الشَّاذَكُونِي، وعمرو بن عليٍّ.
وأبو المَلِيح بن أسامة: اسمه عامرٌ، ويقال: زيدُ بن أُسامةَ بن عُمَيْرٍ الهُذَلِيُّ.
187 - باب ما جاء في التَّسْبِيحِ في أدْبارِ الصلوات
412 -
حدَّثنا إسحاق بن إبراهيمَ بن حَبِيبِ بن الشَّهيدِ وعليُّ بنُ حُجْرٍ، قالا: حدَّثنا عَتَّابُ بن بَشِيرٍ، عن خُصَيْفٍ، عن مجاهدٍ وعِكْرمةَ
عن ابن عباسٍ، قال: جاء الفقراءُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّ الأغنياءَ يصلون كما نصلِّي، ويصومون كما نصومُ، ولهم أموالٌ يُعتِقُونَ ويتصدَّقونَ، قال:"فإذا صليتم فقولوا: سبحانَ اللهِ، ثلاثًا وثلاثينَ مَرَّةً، والحمدُ للهِ، ثلاثًا وثَلاثينَ مَرّةً، والله أكبرُ، أربعًا وثلاثينَ مَرّةً، ولا إله إلَّا اللهُ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإنَّكم تُدْرِكُونَ بهِ من سَبَقَكُمْ، ولا يَسْبِقُكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ"
(1)
.
وفي الباب عن كَعْبِ بن عُجْرَةَ، وأنسٍ، وعبد الله بن عَمْرو،
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ خصيف، وعتاب بن بشير يضعف في روايته عن خصيف.
وأخرجه النسائي 3/ 78.
وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد (8243) وإسناده صحيح.
وآخر من حديث كعب بن عجرة عند مسلم (596).
وثالث من حديث أبي ذر الغفاري عند أحمد (21411).
ورابع من حديث أبي الدرداء عند أحمد (21709).
وزيد بن ثابت، وأبي الدَّرْدَاءِ، وابن عمرَ، وأبي ذَرٍّ.
حديث ابن عباسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقد رُوي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خَصلتانِ لا يُحصِيهِما رجلٌ مسلِمٌ إلَّا دَخَلَ الجنةَ: يُسَبِّحُ اللهَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، ويَحْمَدُهُ ثلاثًا وثلاثين، ويُكَبِّرُهُ أربعًا وثلاثين، ويسبِّحُ اللهَ عند منامه عشرًا، ويَحمَدُه عشرًا، ويكبِّرُه عشرًا"
(1)
.
188 - باب ما جاء في الصلاةِ على الدَّابَّةِ في الطِّينِ والمطرِ
413 -
حدَّثنا يحيى بن موسى، قال: حدَّثنا شَبَابةُ بن سَوَّارٍ، قال: حدَّثنا عُمَرُ بن الرَّمَّاحِ، عن كَثِيرِ بن زيادٍ، عن عَمرو بن عثمانَ بن يَعْلَى بن مُرَّةَ، عن أبيه
عن جدِّه: أنهم كانوا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مسيره، فانتَهَوْا إلى مَضِيقٍ، فحضَرتِ الصلاةُ، فَمُطِرُوا، السَّماء من فَوْقِهِمْ، والبِلَّةُ من أسْفَلَ منهم، فأذَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، وأقامَ، فتَقَدَّمَ على راحلته فصلّى بهم، يُومِئُ إيماءً: يَجْعَلُ السجودَ أخْفَضَ من
(1)
حسن لغيره، وسيرد عند المصنف برقم (3709).
وهو في "المسند"(6498) عن جرير بن عبد الحميد، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو. جرير وإن سمع من عطاء بعد الاختلاط قد توبع. وله شاهد من حديث علي عند أحمد (604)، وإسناده صحيح.
الركوعِ
(1)
.
هذا حديثٌ غريبٌ، تَفَرَّدَ بهِ عُمَرُ بنُ الرَّمَّاحِ البلْخيُّ، لا يُعْرَفُ إلا من حديثه، وقد رَوَى عنه غيرُ واحدٍ من أهل العلم.
وكذلك رُويَ عن أنس بن مالكٍ: أنَّه صلَّى في ماءٍ وطينٍ على دابَّتِهِ.
والعملُ على هذا عند أهل العلم، وبه يقول أحمد، وإسحاق
(2)
.
189 - باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاةِ
414 -
حدَّثنا قُتيبةُ وبِشْرُ بن مُعاذٍ، قالا: حدَّثنا أبو عَوانةَ، عن زيادِ بن عِلاقَةَ
عن المغيرَةِ بن شُعْبةَ، قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انْتَفَخَتْ قَدَماهُ، فقيل له: أتَتكلَّفُ هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدَّم من ذنْبِكَ وما تأخَّرَ؟ قال: "أفلا أكُونُ عَبْدًا شكُورًا"
(3)
.
(1)
حديث ضعيف، قال ابن القطان: عمرو بن عثمان لا يعرف كوالده، وهو في "مسند أحمد"(17573).
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صَلَّى على راحلته في النافلة وليس في الفريضة. انظر "المسند"(4470) و (4518).
(2)
وقال أبو بكر بن العربي: حديثُ يعلى ضعيف السند صحيح المعنى، فالصلاة بالإيماء على الدابة صحيحة إذا خاف من خروج الوقت، ولم يقدر على النزول لضيق الموضع، أو لأنه غلبه الطين والماء.
(3)
صحيح، وأخرجه البخاري (1130)، ومسلم (2819)، وابن ماجه =
وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشةَ.
حديثُ المغيرةِ بن شعبةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
190 - باب ما جاء أنَّ أوَّلَ ما يحاسَبُ به العبدُ يوم القيامة الصلاةُ
415 -
حدَّثنا عليُّ بن نَصْرِ بن عليٍّ الجَهْضَمِيُّ، قال: حدَّثنا سَهْلُ بنُ حَمَّادٍ، قال: حدَّثنا هَمَّامٌ، قال: حدَّثني قتادةُ، عن الحسن
عن حُرَيْثِ بن قَبِيصةَ قال: قدمتُ المدينةَ، فقلتُ: اللهمَّ يَسِّرْ لي جليسًا صالحًا، قال: فجلستُ إلى أبي هريرةَ، فقلتُ: إنِّي سألت اللهَ أن يَرْزُقَنِي جليسًا صالحًا، فَحَدِّثْني بحديثٍ سمعْتَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلَّ الله أن ينفعَني به، فقال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ أوَّلَ ما يُحَاسَبُ به العبدُ يومَ القيامة مِن عملِه صلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفْلَحَ وَأنْجَحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خَابَ وخَسِرَ، فَإنِ انْتَقَصَ من فَرِيضَته شيئًا، قال الرَّبُّ تبارك وتعالى: انْظُرُوا: هل لِعَبْدِي من تَطَوُّعٍ، فَيُكَمَّلُ بها ما انْتَقَصَ من الفريضَةِ؟ ثم يكونُ سائرُ عمله على ذلك"
(1)
.
= (1419)، والنسائي 3/ 219، وهو في "المسند"(18198)، و"صحيح ابن حبان"(311).
(1)
صحيح لغيره، وهذا سند ضعيف لضَعف حريث بن قبيصة، ويقال: قبيصة بن حريث، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه ابن ماجه (1425) و (1426)، والنسائي 1/ 232 و 233 و 233 =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= - 234، وهو في "مسند أحمد"(7902).
وأخرجه أبو داود (864). لكن قال يونس أحد رواة الحديث فيه: وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أحمد (7902) من طريق آخر وإسناده ضعيف، وانظر تمام الكلام عليه فيه.
وأخرجه موقوفًا أحمد (9494)، وسنده ضعيف.
ويشهد له حديث تميم الداري الذي أشار إليه المصنف، فقد أخرجه أحمد (16951) من طريق حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن زُرارة بن أوفى، عن تميم الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته
…
"، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وهو عند أبي داود (866)، وابن ماجه (1426)، والدارمي (1355)، والحاكم 1/ 262 و 263، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2552)، والطبراني في "الكبير" (1255) من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وله شاهد آخر من حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى (3976) ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(193)، وهو حسن في الشواهد.
قال الحافظ العراقي في "شرح الترمذي": يحتمل أن يُراد ما أسقطه من السنن والهيئات المشروعة المرغب فيه من الخشوع والأذكار والأدعية، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله فيها، وإنما فعله في التطوع، ويحتمل أن يراد به أيضًا من فروضها وشروطها، ويحتمل ما ترك من الفرائض رأسًا لم يصلِّه، فيُعوَّضُ عنه من التطوع، وإن الله سبحانه وتعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضًا عن الصلوات المفروضة.
وقال أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي": يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بفضل التطوع، ويحتمل ما نقصه من الخشوع، والأول عندي أظهر، لقوله:"ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال"، وليس في الزكاة =
وفي الباب عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ.
حديثُ أبي هُريرةَ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ.
وقد رُوي هذا الحديثُ من غير هذا الوجْه عن أبي هريرةَ.
وقد رَوَى بعضُ أصحاب الحسن، عن الحسن، عن قبيصَةَ بن حُرَيْثٍ غيرَ هذا الحديثِ، والمشهور: هو قَبِيصةُ بن حُرَيْثٍ.
ورُوِي عن أنَسِ بن حَكِيمٍ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوُ هذَا
(1)
.
191 - باب ما جاء فيمن صلَّى في يومٍ وليلةٍ ثنْتَيْ عَشْرَةَ ركعةً من السُّنَّةِ ما لَهُ من الفَضلِ
416 -
حدَّثنا محمَّد بن رافعٍ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بن سليمانَ الرازيُّ، قال: حدَّثنا المغيرةُ بن زيادٍ، عن عطاءٍ
عن عائشةَ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ثابَرَ على ثِنْتَيْ عَشْرَةَ ركعةً من السُّنَّةِ، بَنَى اللهُ له بيتًا في الجنة: أرْبَعِ ركعاتٍ قبل الظهرِ، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغربِ، وركعتين بعد العشاءِ، وركعتين قبل الفجر"
(2)
.
= إلا فرض، أو فضل، فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها كذلك الصلاة، وفضل الله أوسع، ووعده أنفذ وعَزْمه أعم وأتم.
(1)
انظر تخريج ما قبله.
(2)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل المغيرة بن زياد البجلي. =
وفي الباب عن أُمِّ حَبِيبةَ، وأبي هريرةَ، وأبي موسى، وابن عمرَ.
حديثُ عائشةَ حديثٌ غريبٌ من هذا الوجهِ.
ومغيرةُ بن زيادٍ قد تكلَّمَ فيه بعضُ أهل العلم من قِبَلِ حفظه.
417 -
حَدَّثَنا محمود بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا مُؤَمَّلٌ، قَال: حَدَّثَنا سفيانُ الثَّورِيُّ، عن أبي إسحاقَ، عن المُسَيَّبِ بن رافعٍ، عن عَنْبسةَ بن أبي سفيانَ
عن أم حَبِيبةَ، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى في يومٍ وليلةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ ركعةً، بُنيَ له بيتٌ في الجنةِ: أربعًا قبلَ الظهرِ، وركعتين بعدها، وركعتين بعدَ المغربِ، وركعتين بعدَ العشاء، وركعتين قبلَ صلاة الغداة"
(1)
.
وحديثُ عَنْبسةَ عن أُمِّ حَبِيبةَ في هذا الباب حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد رُوي عن عنبسةَ من غير وجهٍ.
= وأخرجه ابن ماجه (1140)، والنسائي 3/ 260 - 261 و 261. ويشهد له ما بعده.
(1)
صحيح، مؤمل - وهو ابن إسماعيل القرشي العدوي - وإن كان سيئ الحفظ قد توبع.
وأخرجه مسلم (728)، وأبو داود (1250)، وابن ماجه (1141)، والنسائي 3/ 261 و 261 - 262 و 262 - 263 و 263 و 263 - 264 و 264، وهو في "المسند"(26768) و (26769)، و"صحيح ابن حبان"(2451) و (2452).
192 - باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضلِ
418 -
حدَّثنا صالحُ بنُ عبد الله، قال: حدَّثنا أبو عوانةَ، عن قتادةَ، عن زُرارةَ بن أوْفَى، عن سعد بنِ هشام
عن عائشةَ، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجرِ خيرٌ مِن الدنيا وما فيها"
(1)
.
وفي الباب عن عليٍّ، وابن عمرَ، وابن عباسٍ.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رَوَى أحمدُ بن حنبلٍ، عن صالح بن عبد الله التِّرْمِذيِّ حديثًا.
193 - باب ما جاء في تخفيفِ ركعتي الفجرِ والقراءة فيها
419 -
حدَّثنا محمود بن غَيْلانَ وأبو عَمَّارٍ، قالا: حدَّثنا أبو أحمدَ الزُّبَيْرِيُّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن مُجاهِدٍ
عن ابن عمرَ قال: رَمَقْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شهرًا، فكان يقرأُ في الركعتين قبلَ الفجرِ بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
(2)
.
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (725)، والنسائي 3/ 252، وهو في "المسند"(24241)، و"صحيح ابن حبان"(2458).
(2)
إسناده صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1149)، والنسائي 2/ 170، وهو في "مسند أحمد"(4763) و (4909) و (5691)، و"صحيح ابن حبان"(2459)، =
وفي الباب عن ابن مسعود، وأنسٍ، وأبي هريرةَ، وابن عباسٍ، وحفصةَ، وعائشةَ.
حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ، ولا نعرفه من حديثِ الثَّوْرِيِّ عن أبي إسحاقَ إلا من حديث أبي أحمدَ، والمعروفُ عند الناسِ حديثُ إسرائيلَ عن أبي إسحاقَ
(1)
.
وقد رُوي عن أبي أحمدَ، عن إسرائيلَ هذا الحديثُ أيضًا
(2)
.
وأبو أحمد الزُّبَيْرِيُّ ثقةٌ حافظٌ، سمعتُ بُنْدارًا يقولُ: ما رأيتُ أحدًا أحسنَ حفظًا من أبي أحمد الزُّبَيْرِيِّ، واسمه: محمدُ بن عبد الله بن الزُّبَيْرِ الأسَدِيُّ الكُوفيُّ.
194 - باب ما جاء في الكلام بعد ركعتَي الفجرِ
420 -
حدَّثنا يوسف بن عيسى، قال: حدَّثنا عبدُ اللهِ بن إدريسَ، قال: سمعتُ مالكَ بن أنسٍ، عن أبي النَّضْرِ، عن أبي سَلمةَ
عن عائشةَ، قالت: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى ركعتَي الفجرِ،
= وانظر تمام الكلام عليه في "المسند".
(1)
حديث إسرائيل عن أبي إسحاق أخرجه أحمد (4763) من طريق وكيع، وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 298 من طريق عبد الله بن رجاء وأبي نعيم، ثلاثتهم عن إسرائيل، بهذا الإسناد.
وقول الترمذي: ولا نعرفه من حديث الثوري عن أبي إسحاق إلا من حديث أبي أحمد فيه نظر فقد تابعه عبد الرزاق عند أحمد. (4909).
(2)
أخرجه أحمد (5742).
فإنْ كانت له إليَّ حاجةٌ كلَّمنِي، وإلَّا خرجَ إلى الصلاةِ
(1)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
وقد كرهَ بعضُ أهل العلم مِن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم الكلامَ بعد طلوعِ الفجرِ حتى يُصلِّيَ صلاةَ الفجر، إلَّا ما كان من ذِكر الله أو مِمَّا لا بُدَّ منه، وهو قولُ أحمد، وإسحاقَ
(2)
.
195 - باب ما جاء لا صلاةَ بعدَ طلوع الفجر إلا ركعتينِ
421 -
حَدَّثَنا أحمد بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَال: حَدَّثَنا عبد العزيز بن محمدٍ، عن قُدَامةَ بن موسى، عن محمد بن الحُصَيْنِ، عن أبي عَلْقمةَ، عن يَسَارٍ مولى ابن عمر
عن ابن عمرَ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاةَ بعدَ الفجرِ
(3)
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (1168)، ومسلم (743)، وأبو داود (1262) و (1263).
(2)
قال الحافظ في "الفتح" 3/ 45: واستُدِل بهذا الحديث على جواز الكلام بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح خلافًا لمن كره ذلك، وقد نقله ابن أبي شيبة 2/ 249 - 250 عن ابن مسعود، ولا يثبت عنه، وأخرجه صحيحًا 2/ 250 عن إبراهيم النخعي وأبي الشعثاء وغيرهما.
وقال النووي في "شرح مسلم": فيه دليل على إباحة الكلام بعد سنة الفجر، وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور، وقال القاضي: وكرهه الكوفيون، وروي عن ابن مسعود وبعض السلف أنه وقت الاستغفار ولا يمنع من الكلام.
(3)
في (ب) و (س): "طلوع الفجر".
إلَّا سجدتينِ"
(1)
.
وفي الباب عن عبد الله بن عَمْرٍو، وحفصةَ.
حديثُ ابنِ عمرَ غريبٌ لا نعرفُه إلَّا من حديثِ قُدَامةَ بنِ موسى، وَرَوَى عنه غيرُ واحدٍ.
وهو مَا أجمع عليه أهلُ العلم: كرهوا أن يصلِّيَ الرجلُ بعدَ طلوعِ الفجرِ إلا ركعتي الفجرِ.
ومعنى هذا الحديثِ: إنما يقولُ: لا صلاةَ بعدَ طلوعِ الفجرِ إلَّا ركعتي الفَجْرِ.
196 - باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
422 -
حدَّثنا بِشْرُ بن مُعاذٍ العَقدِيُّ، قال: حدَّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدَّثنا الأعمشُ، عن أبي صالحٍ
عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى أحدُكم ركعتَي الفجرِ، فَلْيَضْطَجِعْ على يمينهِ"
(2)
.
وفي الباب عن عائشة.
(1)
صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف لجهالة محمد بن الحصين. وأخرجه أبو داود (1278)، وابن ماجه (235)، وهو في "المسند"(4756) و (5811). وانظر تتمة كلامنا عليه وشواهده عند أحمد في موضعه الثاني.
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (1261)، وابن ماجه (1199)، وهو في "مسند أحمد"(9368)، و"صحيح ابن حبان"(2468)، والحديث عند ابن ماجه من فعله صلى الله عليه وسلم.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقد رُوي عن عائشةَ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صَلَّى ركعتَي الفجرِ في بيته، اضْطَجَعَ على يمينه
(1)
.
وقد رأى بعضُ أهلِ العلم أن يُفْعَلَ هذا استحبابًا.
197 - باب ما جاء إذا أُقِيمَتِ الصلاةُ، فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةُ
423 -
حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا رَوْحُ بن عُبَادةَ، قال: حدَّثنا زكريَّا بن إسحاق، قال: حدَّثنا عمرُو بن دينارٍ، قال: سمعتُ عطاءَ بن يَسَارٍ
عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا أُقِيمَتِ الصلاةُ، فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةُ"
(2)
.
وفي الباب عن ابنِ بُحَينةَ، وعبدِ الله بن عمرٍو، وَعَبدِ الله بن سَرْجِسَ، وابن عباسٍ، وأنسٍ.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (626)، ومسلم (743)، وأبو داود (1262) و (1263)، وابن ماجه (1198)، وهو في "مسند أحمد"(24057) و (24217).
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (710)، وأبو داود (1266)، وابن ماجه (1151)، والنسائي 2/ 116 و 116 - 117، وهو في "المسند"(8379)، و"صحيح ابن حبان"(2190) و (2193).
وانظر تتمة تخريج الحديث في "المسند".
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ.
وهكذا رَوَى أيوبُ، ووَرْقَاءُ بن عُمرَ، وزيادُ بنُ سعدٍ وإسماعيلُ بن مُسْلمٍ، ومحمد بن جُحَادةَ، عن عمرو بنِ دينارٍ، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ورَوَى حمادُ بن زيدٍ وسفيانُ بن عُيينةَ، عن عمرو بنِ دينارٍ، ولم يَرْفَعَاهُ.
والحديثُ المرفوعُ أصحُّ عندنا.
وقد رُوي هذا الحديثُ، عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن غير هذا الوجهِ، رواه عَيَّاشُ بنُ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيُّ المصريُّ، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهل العلم مِن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم: إذا أقيمتِ الصلاةُ أن لا يصلِّيَ الرجلُ إلا المكتوبةَ، وبه يقول سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
198 - باب ما جاء فيمن تَفُوتُهُ الركعتانِ قبلَ الفجر يُصلِّيهما بَعدَ صَلاةِ الصُّبحِ
424 -
حدَّثنا محمَّد بنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ، قال: حدَّثنا عبد العزيز بن محمَّد، عن سَعْد بن سَعيدٍ، عن محمَّد بن إبراهيمَ
(1)
انظر تخريج الحديث السالف.
عن جَدِّه قَيْسٍ، قال: خَرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأُقِيمَتِ الصلاةُ، فصلَّيتُ معه الصبحَ، ثم انصرفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فوجدنِي أُصَلِّي، فقال:"مَهْلًا يا قيسُ! أصلاتانِ معًا؟ " قلت: يا رسولَ اللهِ، إنَّي لم أكُنْ رَكَعْتُ ركعتي الفجرِ، قال:"فلا إذن"
(1)
.
حديثُ محمد بن إبراهيمَ لا نعرفه مثلَ هذا إلَّا من حديث سعد بن سعيدٍ.
وقال سفيانُ بن عُيينةَ: سمع عطاءُ بن أبي رَبَاحٍ من سعد بن سعيدٍ هذا الحديثَ.
وإنما يُرْوَى هذا الحدِيثُ مرسَلًا.
قال قومٌ مِن أهل مكة بهذا الحديثِ: لم يَرَوْا بأسًا أن يصلِّيَ الرجلُ الركعتين بعدَ المكتوبةِ، قبل أن تطلُعَ الشمسُ.
وسعد بن سعيدٍ: هو أخو يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ، وقيسٌ: هو جدُّ يحيى بن سعيدٍ، ويقال: هو قيسُ بن عَمْرٍو، ويقال: ابنُ قَهْدٍ.
وإسنادُ هذا الحديثِ ليس بِمُتَّصِلٍ، محمَّد بن إبراهيم التيميُّ لم يَسْمَعْ من قيسٍ.
(1)
إسناده ضعيف، محمَّد بن إبراهيم التَّيمي لم يسمع من قيس - وهو ابن عمرو الأنصاري - فيما قاله المصنف وغيره، وأخرجه أبو داود (1267) و (1268)، وابن ماجه (1154)، وهو في "المسند"(23760)، و"صحيح ابن حبان"(2471). وانظر تمام تخريجه في "المسند".
وَرَوَى بعضُهم هذا الحديثَ عن سعد بن سعيدٍ، عن محمد بن إبراهيمَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ، فَرَأى قيسًا
(1)
.
199 - باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس
425 -
حدَّثنا عُقْبةُ بن مُكْرَمٍ العَمِّيُّ البصريُّ، قال: حدَّثنا عمرو بن عاصمٍ، قال: حدَّثنا همَّامٌ، عن قتادةَ، عن النَّضْرِ بن أنسٍ، عن بَشِيرِ بن نَهِيكٍ
عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يُصَلِّ ركعتَي الفجرِ، فلْيُصَلِّهِمَا بعدَما تَطْلُعُ الشمسُ"
(2)
.
هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفهُ إلَّا من هذا الوجهِ.
وقد رُوي عن ابن عمرَ أنه فَعَلهُ
(3)
.
والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق، وابن المباركِ.
ولا نعلمُ أحدًا رَوَى هذا الحديث عن همَّامٍ بهذا الإسنادِ نحوَ هذا إلَّا عَمْرَو بن عاصمٍ الكِلابِيَّ.
والمعروفُ مِن حديث قتادةَ، عن النضر بن أنسٍ، عن بَشِيرِ
(1)
انظر تخريج الحديث السالف.
(2)
صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1155)، وهو عند ابن حبان (2472) و (2652)، والطحاوي في "شرح المشكل"(4142).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 255 بإسناد صحيح.
ابن نَهِيكٍ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"من أدْركَ ركعةً مِن صلاةِ الصبحِ قبل أَن تطلُعَ الشمسُ، فقد أدركَ الصبحَ"
(1)
.
200 - باب ما جاء في الأرْبَعِ قبلَ الظهرِ
426 -
حدَّثنا بُنْدَارٌ، قال: حدَّثنا أبو عامرٍ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن عاصمِ بنِ ضَمْرَةَ
عن عليٍّ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبلَ الظهرِ أربعًا، وبعدَها ركعتين
(2)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وأُمِّ حَبِيبةَ.
حديثُ عليٍّ حديثٌ حَسَنٌ.
حدَّثنا أبو بكرِ العطَّارُ
(3)
، قال: قال عليُّ بن عبد الله: عن يحيى بن سعيدٍ، عن سفيانَ، قال: كنا نَعْرِفُ فَضْلَ حديث عاصمِ بن ضَمْرَةَ على حديثِ الحارِثِ.
والعملُ على هذا عندَ أكثر أهلِ العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
صحيح، وأخرجه ابن خزيمة (986)، وهو في "المسند"(8570)، و"صحيح ابن حبان"(1581).
(2)
صحيح، وأخرجه مطولًا ابن ماجه (1161)، والنسائي 2/ 119 - 120، وهو في "المسند"(650).
(3)
هو عبد القدوس بن محمَّد بن عبد الكبير البصري، روى عنه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأخطأ في تعيينه المباركفوري وأحمد شاكر رحمهما الله تعالى.
ومَنْ بعدهم: يختارون أن يصليَ الرجلُ قبل الظهرِ أربعَ ركعاتٍ، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ، وابن المباركِ، وإسحاق.
وقال بعضُ أهل العلم: صلاةُ الليل والنهارِ مَثْنى مَثْنى، يَرَوْنَ الفصلَ بينَ كل ركعتين، وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمدُ.
201 - باب ما جاء في الركعتين بعد الظهرِ
427 -
حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن أيوبَ، عن نافعٍ
عن ابن عمرَ، قال: صليتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتينِ بعدها
(1)
.
وفي الباب عن عليٍّ، وعائشةَ.
حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
202 - باب آخَرُ
428 -
حدَّثنا عبدُ الوارثِ بن عُبيدِ الله العَتكيُّ المَرْوزِيُّ، قال: أخبرنا عبد الله بن المباركِ، عن خالدٍ الحَذَّاءِ، عن عبد الله بن شَقِيقٍ
عن عائشةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يُصَلِّ أربعًا قبل الظهرِ،
(1)
صحيح، وأخرجه مطولًا البخاري (937)، ومسلم (729)، وأبو داود (1252)، والنسائي 2/ 119، وهو في "المسند"(4506)، و"صحيح ابن حبان"(2454) و (2473).
صَلَّاهُنَّ بعدها
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، إنما نعرفُه من حديث ابن المباركِ من هذا الوجه.
وقد رواه قيسُ بن الربيع، عن شُعْبةَ، عن خالدٍ الحذَّاء نحوَ هذا، ولا نعلمُ أحدًا رواه عن شعبةَ غيرَ قيس بنِ الربيع.
وقد رُوي عن عبدِ الرحمن بن أبي ليلى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوُ هذا.
429 -
حدَّثنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، عن محمد بن عبد اللهِ الشُّعَيْثِيِّ، عن أبيه، عن عَنْبسةَ بنِ أبي سفيانَ
عن أُمِّ حَبِيبةَ، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى قبلَ الظهرِ أربعًا وبعدَها أربعًا، حَرَّمَهُ الله على النَّارِ"
(2)
.
هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.
وقد رُوي من غير هذا الوجهِ.
430 -
حدَّثنا أبو بكرٍ محمدُ بنُ إسحاقَ البغداديُّ، قال: حدَّثَنا عبدُ الله بن يُوسفَ التِّنِّيسِيُّ الشَّاميُّ، قال: حدَّثنا الهَيْثمُ بن حُمَيدٍ، قال: أخبرني
(1)
إسناده صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1158).
(2)
صحيح، عبد الله الشعيثي وإن كان في حَيِّز المجهولين متابع، وأخرجه أبو داود (1269)، وابن ماجه (1160)، والنسائي 3/ 265 و 266، وهو في "المسند"(26764) و (26772).
العَلاءُ بن الحارثِ، عن القاسم أبي عبد الرحمنِ، عن عَنْبسةَ بن أبي سفيانَ قال:
سمعتُ أختي أُمَّ حَبِيبةَ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تقولُ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن حافظَ على أربعِ ركعاتٍ قبلَ الظهرِ وأربعٍ بعدها، حَرَّمَهُ الله على النَّارِ"
(1)
.
هذا حديثٌ صحيحٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.
والقاسمُ: هو ابن عبد الرحمنِ، يكنى: أبا عبد الرحمنِ، وهو مولَى عبد الرحمن بن خالد بن يزيدَ بن معاويةَ، وهو ثقَةٌ شامِيٌّ، وهو صاحبُ أبي أُمَامَةَ.
203 - باب ما جاء في الأربع قبلَ العصرِ
431 -
حدَّثنا بُندَارٌ، قال: حدَّثنا أبو عامرٍ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن عاصم بنِ ضَمْرَةَ
عن عليٍّ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبلَ العصرِ أربعَ ركعاتٍ، يَفْصِلُ بينهنَّ بالتسليمِ على الملائكةِ المُقَرَّبينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ مِن المسلمينَ والمؤمنينَ
(2)
.
وفي الباب عن ابنِ عُمرَ، وعبد الله بن عَمْرٍو.
(1)
صحيح، وقد سلف تخريجه في الذي قبله.
(2)
صحيح، وأخرجه مطولًا ابن ماجه (1161)، والنسائي 2/ 119 - 120، وهو في "المسند"(650).
حديثُ عليٍّ حديثٌ حَسَنٌ.
واختارَ إسحاقُ بنُ إبراهيم أن لا يُفَصَلَ في الأربع قبلَ العصر، واحْتَجَّ بهذا الحديث، وقال: معنى قوله: أنه يَفْصِلُ بينهنَّ بالتسليم يعني التشهُّدَ.
ورأى الشافعيُّ وأحمدُ صلاةَ الليل والنهارِ مَثنَى مَثنَى، يَخْتارَان الفَصْلَ.
432 -
حدَّثنا يحيى بن موسى وأحمد بن إبراهيم ومحمودُ بن غَيلانَ وغيرُ واحدٍ، قالوا: حدَّثنا أبو داود الطَّيالِسِيُّ، قال: حدَّثنا محمد بن مسلم بن مِهْرَانَ، سمع جده
عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"رحِمَ اللهُ امرأً صلَّى قبلَ العصرِ أربعًا"
(1)
.
هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ.
204 - باب ما جاء في الركعتين بعد المَغْرب والقراءة فيهما
433 -
حدَّثنا محمَّد بن المُثنَّى، قال: حدَّثنا بَدَلُ بن المُحَبَّرِ، قال: حدَّثنا عبد الملك بن مَعْدَانَ، عن عاصم بن بَهْدَلَةَ، عن أبي وائلٍ
عن عبد الله بن مسعودٍ أنه قال: ما أُحصِي ما سمعتُ رسول الله
(1)
إسناده حسن، وأخرجه أبو داود (1271)، وهو في "المسند"(5980)، و"صحيح ابن حبان"(2453).
وفي الباب عن علي عند أحمد (650)، وهو حديث حسن.
صلى الله عليه وسلم يقرأُ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
(1)
.
وفي الباب عن ابن عمرَ.
حديث ابن مسعودٍ حديثٌ غريبٌ لا نعرفُه إلَّا من حديث عبد الملك بن مَعْدَانَ عن عاصم.
205 - باب ما جاء أنَّه يُصلِّيها في البيت
434 -
حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن أيُّوبَ، عن نافع
عن ابن عمرَ، قال: صليتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم رَكْعتينِ بعد المغرب في بيته
(2)
.
وفي الباب عن رافع بن خَديجٍ، وكعبِ بن عُجْرَةَ.
حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
435 -
حدّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ الحُلْوَانِيُّ، قال: حدَّثنا عبدُ الرزَّاق، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن أيوبَ، عن نافعٍ
عن ابنِ عمرَ، قال: حفظتُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكَعاتٍ
(1)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الملك، وأخرجه ابن ماجه (1166).
ويشهد له حديث ابن عمر عند أحمد في "مسنده"(4763)، وهو حديث صحيح، وقد سلف عند المصنف (419).
(2)
إسناده صحيح، وقد سلف تخريج هذه القطعة عند الحديث رقم (427).
كان يُصلِّيها بالليل والنهارِ: ركعتين قبلَ الظهرِ، وركعتينِ بعدها، وركعتين بعدَ المغرِبِ، وركعتين بعدَ العشاءِ الآخرَةِ. قَال: وحدثتْني حفصةُ أنه كان يُصلِّي قبل الفجر ركعتين
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
436 -
حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، قال: حدَّثنا عبد الرزَّاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهرِيِّ، عن سالمٍ، عن ابنِ عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
206 - باب ما جاء في فضل التَّطَوُّع وسِتِّ ركعات بعد المغرب
437 -
حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ - يعني محمَّد بن العلاء الهَمْداني الكوفي -، قال: حدَّثنا زيد بن الحُباب، قال: حدَّثنا عُمَرُ بن أبي خَثْعَمٍ، عن يحيى بن أبي كَثيرٍ، عن أبي سَلمةَ
عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى بعد المغربِ سِتَّ ركعاتٍ لم يَتكلَّمْ فيما بينهنَّ بِسُوءٍ، عُدِلْنَ له بعبادةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سنةً"
(3)
.
(1)
صحيح، وقد سلف تخريجه برقم (427).
(2)
صحيح، وقد سلف تخريجه برقم (427).
(3)
ضعيف جدًا، عمر بن عبد الله بن أبي خثعم واهي الحديث. وأخرجه ابن ماجه (1167) و (1374). وهو عند البغوي في "شرح السنة"(896).
وقد رُوي عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"من صلَّى بعدَ المغرب عشرين ركعةً، بنَى اللهُ لهُ بيتًا في الجنَّة"
(1)
.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ غريبٌ لا نعرفُه إلَّا مِن حديث زيدِ بن الحُبابِ، عن عُمَرَ بن أبي خَثْعَمٍ.
وسمعتُ محمدَ بن إسماعيلَ يقولُ: عمر بن عبد الله بن أبي خَثْعَمٍ منكرُ الحديث. وضَعَّفَهُ جِدًّا.
207 - باب ما جاء في الركعتين بعد العِشَاءِ
438 -
حدَّثنا أبو سَلمةَ يحيى بنُ خَلَفٍ، قال: حدَّثنا بِشْرُ بن المُفَضَّل، عن خالدٍ الحذَّاءِ، عن عبد الله بنِ شَقِيقٍ، قال:
سألت عائشة عن صلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يصلِّي قبل الظهرِ ركعتينِ، وبعدها ركعتينِ، وبعدَ المغربِ ثِنْتَيْنِ، وبعدَ العشاءِ ركعتينِ، وقبل الفجرِ ثِنْتَيْنِ
(2)
.
(1)
حديث تالف، في سنده يعقوب بن الوليد المدني، كذبه أحمد وغيره، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات لا يحل كتابة حديثه إلَّا على جهة التعجب.
وأخرجه ابن ماجه (1373).
وقد صح عن حذيفة بن اليمان أنه ذكر قصته مع أمه لما سألتُه: منذ متى عهدُك بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفيها: فصليتُ معه المغرَب، فصلَّى حتى صلى العشاء
…
لكن دون ذكر عدد معيَّن، وسيأتي عند المصنف برقم (4115).
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (730)، وأبو داود (1251)، وابن ماجه (1164)، =
وفي الباب عن عليٍّ، وابن عمرَ.
حديثُ عبد الله بن شَقِيقٍ، عن عائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.
208 - باب ما جاء أن صلاة الليل مَثْنَى مَثْنَى
439 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا الليثُ، عن نافعٍ
عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"صلاةُ الليلِ مَثنَى مَثنَى، فإذا خِفْتَ الصبحَ، فأوْتِرْ بواحدةٍ، واجعلْ آخِرَ صلاتِكَ وِتْرًا"
(1)
.
وفي الباب عن عَمْرِو بن عَبَسَةَ.
حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حَسَنٌ.
والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلم: أن صلاةَ الليل مَثنَى مَثنَى، وهو قول سفيانَ الثوريِّ، وابن المباركِ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.
209 - باب ما جاء في فضل صلاةِ الليلِ
440 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا أبو عَوانةَ، عن أبي بِشرٍ، عن حُمَيدِ
= وهو في "المسند"(24019)، و"صحيح ابن حبان"(2474) و (2475).
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (472)، ومسلم (749)، وأبو داود (1326)، وابن ماجه (1319) و (1320)، والنسائي 3/ 227 و 227 - 228 و 228 و 233 و 233 - 234، وهو في "المسند"(4492) و (6008)، و"صحيح ابن حبان"(2426).
وانظر ما سيأتي عند المصنف (465).
ابن عبد الرحمنِ الحِمْيَرِيِّ
عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفْضَلُ الصيامِ بعدَ شهر رمضانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأفضلُ الصلاةِ بعد الفريضة صلاةُ الليلِ"
(1)
.
وفي الباب عن جابرٍ، وبِلالٍ، وأبي أُمَامةَ.
حديث أبي هريرة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وأبو بِشْرٍ: اسمه جعفرُ بن إياس، وهو جعفر بن أبي وحشيَّة.
210 - باب ما جاء في وصف صلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالليلِ
441 -
حدَّثنا إسحاقُ بن موسى الأنصاريُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكٌ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبُرِيِّ، عن أبي سَلمةَ أنه أخبره
أنه سألَ عائشةَ: كيف كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضانَ؟ فَقالتْ: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدُ في رمضانَ ولا في غيره على إحدَى عَشْرَةَ ركعةً: يصلِّي أربعًا، فلا تَسْئَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثم يصلِّي أربعًا، فلا تَسْأَلْ عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلِّي ثلاثًا. فقالت عائشةُ: فقلت: يا رسولَ اللهِ، أتَنامُ قبلَ أن تُوتِر؟ فقال: "يا
(1)
صحيح، وأخرجه مسلم (1163)، وأبو داود (2429)، وابن ماجه (1742)، والنسائي 3/ 206 - 207، وهو في "المسند"(8026)، و"صحيح ابن حبان"(2563).
وأخرجه مرسلًا النسائي 3/ 207.
عائشةُ، إنَّ عَيْنَيَّ تَنامانِ، ولا ينامُ قلبِي"
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
442 -
حدَّثنا إسحاقُ بن موسى الأنصارِيُّ، قال: حدَّثنا مَعْنُ بن عيسى، قال: حدَّثنا مالكٌ، عن ابن شهَابٍ، عن عروةَ
عن عائشةَ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي من الليل إحدَى عشرة ركعةً، يُوتِرُ منها بواحدةٍ، فإذا فَرَغَ منها، اضطْجَعَ على شِقِّهِ الأيمنِ
(2)
.
443 -
حدَّثنا قُتيبةُ، عن مالكٍ، عن ابن شهابٍ، نحوَه
(3)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
211 - باب منه
444 -
حدَّثنا أبو كُريْبٍ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن شعبةَ، عن أبي جَمْرَةَ
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (1147)، ومسلم (738)(125)، وأبو داود (1341)، والنسائي 3/ 234، وهو في "المسند"(24073)، و"صحيح ابن حبان"(2430).
وانظر ما بعده.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (994) و (1123)، ومسلم (736)، وأبو داود (1335) و (1336) و (1337)، وابن ماجه (1177) و (1358)، والنسائي 2/ 30 و 3/ 234 و 249، وهو في "المسند"(24057)، و"صحيح ابن حبان"(2431) و (2612)، وبعضهم يزيد فيه على بعض.
وانظر ما قبله.
(3)
صحيح، وانظر تخريجه فيما قبله.
عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي من الليلِ ثلاثَ عَشْرَةَ ركعةً
(1)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
212 - باب منه آخر
445 -
حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن الأعْمَشِ، عن إبراهيمَ، عن الأسْوَدِ
عن عائشةَ، قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي مِن الليل تِسْعَ ركعاتٍ
(2)
.
وفي الباب عن أبي هريرةَ، وزيدِ بن خالدٍ، والفضلِ بنِ عباسٍ.
حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ من هذا الوجهِ.
ورواه سفيانُ الثوريُّ، عن الأعمَشِ، نحوَ هذا.
446 -
حدَّثنا بذلك محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ آدمَ، عن سفيانَ، عن الأعمشِ
(3)
.
وأكثرُ ما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الليلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ ركعةً مع الوترِ، وأقلُّ ما وُصِفَ من صلاته من الليل تِسْعُ ركعاتٍ.
(1)
صحيح، وأخرجه البخاري (1138)، ومسلم (764)، والنسائي في "الكبرى"(400)، وهو في "المسند"(2019)، و"صحيح ابن حبان"(2611).
(2)
صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1360)، والنسائي 3/ 238 و 242 و 242 - 243، وهو في "المسند"(24042) و (24689)، و"صحيح ابن حبان"(2615)، وعند بعضهم زيادة.
(3)
صحيح، وانظر ما قبله.
447 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا أبو عَوانةَ، عن قتادةَ، عن زُرَارَةَ بن أوْفَى، عن سعد بن هشامٍ
عن عائشةَ، قالتْ: كان النبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا لم يُصَلِّ من الليْلِ، مَنَعَهُ من ذلك مَرَضٌ
(1)
أو غَلَبتْهُ عَيْناهُ، صلَّى من النهار ثِنْتَيْ عَشْرَةَ ركعةً
(2)
.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
448 -
حدَّثنا عباسٌ - هو ابن عبد العظيم العَنْبَرِيُّ -، قال: حدَّثنا عَتَّابُ بن المُثنَّى
عن بَهْز بن حَكِيمٍ قال: كانَ زُرَارَةُ بن أوْفَى قاضِيَ البصرة، فكان يَؤُمُّ في بَنِي قُشَيْرٍ، فقرأ يومًا في صلاة الصبحِ:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: 8، 9] خَرَّ مَيِّتًا، وكنت فيمن احتملَه إلى داره
(3)
.
وسعد بن هشام: هو ابن عامر الأنصاري، وهشامُ بن عامرٍ: هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
المثبت من (ب)، ومصادر تخريج الحديث، وفي سائر الأصول:"النوم".
(2)
صحيح، وأخرجه مسلم (746)، وأبو داود (1342)، والنسائي 3/ 199 - 201 و 259، وهو في "المسند"(24269) و (24775)، و"صحيح ابن حبان"(2420). والرواية عند بعضهم مطولة.
(3)
عتاب بن المثنى: روى عنه جمع من الثقات، وباقي رجاله ثقات، وزرارة بن أوفى روى عن غير واحدٍ من الصحابة وحديثه عن الشيخين مات سنة 93 هـ. وهذا الأثر رواه ابن سعد في "الطبقات" 7/ 150، والحاكم 2/ 506.
213 - باب في نُزُولِ الرَّبِّ تبارك وتعالى إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كلَّ ليلةٍ
449 -
حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا يعقوبُ بنُ عبد الرحمنِ الإسْكنْدَرانِيُّ، عن سُهَيْلِ بنِ أبي صالحٍ، عن أبيه
عن أبي هريرةَ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"يَنْزِلُ الله إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ ليلةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ الليل الأوَّلُ، فيقولُ: أنا المَلِكُ، من ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لهُ، من ذا الَّذِي يَسْألُنِي فَأُعْطِيَهُ، من ذا الَّذِي يَسْتَغفرُنِي فَأغْفِرَ له، فلا يزالُ كذلك حتَّى يُضِيءَ الفجْرُ"
(1)
.
وفي الباب عن عليِّ بن أبي طالبٍ، وأبي سعيدٍ، ورِفاعةَ الجُهَنِيِّ، وجُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، وابن مسعودٍ، وأبي الدَّرْدَاءِ، وعثمانَ بن أبي العاصِ.
حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوي هذا الحديثُ من أوجهٍ كثيرةٍ عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يَنْزِلُ اللهُ حينَ يَبْقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ"
(2)
.
(1)
صحيح، أخرجه مسلم (758)(169) و (172)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(481) و (485). وهو في "المسند"(7792).
وانظر ما بعده.
(2)
صحيح، وأخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) و (168) و (170) و (171)، وأبو داود (1315) و (4733)، وابن ماجه (1366)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(476) و (477) و (478) و (479) و (480)، وهو في =
وهذا أصحُّ الرواياتِ.
214 - باب ما جاء في القراءة بالليلِ
450 -
حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ إسحاقَ، قال: حدَّثنا حمَّادُ بنُ سَلمةَ، عن ثابتٍ البُنَانِيِّ، عن عبدِ الله بن رَباحٍ الأنصاريِّ
عن أبي قتادةَ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرٍ:"مررتُ بِكَ وأنْت تقرأُ وأنت تَخْفِضُ من صوتِك". فقال: إنَّي أسْمَعْتُ مَن نَاجَيْتُ، قال:"ارْفَعْ قليلًا". وقال لِعُمَرَ: "مررتُ بكَ وأنت تقرأُ وأنت ترفع صوتَك". قال: إنِّي أُوقِظُ الوَسْنَانَ، وأطْرُدُ الشيطانَ. قال:"اخْفضْ قليلًا"
(1)
.
وفي الباب عن عائشةَ، وأُمِّ هانئٍ، وأنسٍ، وأُمِّ سلمةَ، وابن عباسٍ.
حديث أبي قتادة حديثٌ غريبٌ
(2)
.
وإنَّما أسْنَدَهُ يحيى بنُ إسحاقَ عن حماد بن سلمةَ، وأكثرُ الناسِ إنما روَوْا هذا الحدِيثَ عن ثابتٍ، عن عبد الله بن رَبَاحٍ مُرْسَلًا.
= "المسند"(7509) و (7592)، و"صحيح ابن حبان"(920).
(1)
صحيح، وأخرجه أبو داود (1329)، وهو عند ابن حبان (733).
(2)
في (أ) و (د): "غريب صحيح".
451 -
حدَّثنا قُتيبة، قال: حدَّثنا الليثُ، عن معاويةَ بنِ صالحٍ، عن عبد الله بن أبي قيسٍ، قال:
سألتُ عائشةَ: كيف كانت قِراءةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالليلِ؟ أكان يُسِرُّ بالقراءة أم يَجهر
(1)
؟ فقالت: كُلُّ ذلك قد كان يَفعلُ، رُبَّمَا أسَرَّ بالقِراءَةِ وربَّمَا جَهَرَ، فقلتُ: الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ في الأمرِ سَعَةً
(2)
.
هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ.
452 -
حدَّثنا أبو بكرٍ محمدُ بنُ نافعٍ البَصْريُّ، قال: حدَّثنا عبدُ الصمد بنُ عبد الوارث، عن إسماعيلَ بن مسلمٍ العبديِّ، عن أبي المتوكِّلِ النَّاجِيِّ
عن عائشةَ، قالت: قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم بآيةٍ مِن القرآنِ ليلةً
(3)
.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجهِ.
215 - باب ما جاء في فضلِ صلاةِ التطوُّع في البيتِ
453 -
حدَّثنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حدَّثنا محمَّد بن جعفرٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بن سعيد بن أبي هِنْدٍ، عن سالمٍ أبي النَّضْرِ، عن بُسْر بن سعيدٍ
(1)
قوله: "أكان يُسِرُّ بالقراءة أم يجهر؟ "، هذه العبارة أثبتناها من هامش (أ)، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية.
(2)
صحيح، وأخرجه أبو داود (226) و (1437)، وابن ماجه (1354)، والنسائي 3/ 224، وهو في "المسند"(24202)، وسيأتي (3151).
(3)
صحيح، وأخرجه الترمذي في "الشمائل"(271).
عن زيد بن ثابتٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"أفْضَلُ صلاتكم في بيوتكم إلَّا المكتوبةَ"
(1)
.
وفي الباب عن عمرَ بن الخطاب، وجابرِ بن عبد الله، وأبي سعيدٍ، وأبي هريرةَ، وابن عمرَ، وعائشةَ، وعبد الله بن سعدٍ، وزيد بن خالدٍ الجُهَنِيّ.
حديثُ زيد بن ثابتٍ حديثٌ حسنٌ.
وقد اختلفوا في رواية هذا الحديث:
فرواه موسى بن عُقْبةَ وإبراهيمُ بن أبي النَّضْرِ، عن أبي النَّضْر
(2)
، مرفوعًا، وأوقفه بعضهم.
ورواه مالكٌ عن أبي النَّضْرِ، ولم يرفعْه.
والحديثُ المرفوعُ أصحُّ.
454 -
حَدَّثَنا إسحاقُ بن منصورٍ، قال: أخبرنا عبدُ الله بن نُمَيْرٍ، عن عُبيد الله بن عمرَ، عن نافعٍ
عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"صلُّوا في بيوتكم، ولا تَتَّخِذُوهَا قبورًا"
(3)
.
(1)
صحيح، وأخرجه مطولًا البخاري (731)، ومسلم (781)، وأبو داود (1044) و (1447)، والنسائي 3/ 197 - 198، وهو في "المسند"(21582)، و"صحيح ابن حبان"(2491).
(2)
قوله: "عن أبي النضر" أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.
(3)
حديث صحيح، وأخرجه البخاري (432) و (1187)، ومسلم (777)، =