المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌أبواب الوتر (1) ‌ ‌1 - باب ما جاء - سنن الترمذي - ط الرسالة - جـ ٢

[أبو عيسى الترمذي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب الوتر

(1)

‌1 - باب ما جاء في فضل الوِتْرِ

455 -

حَدَّثَنا قُتَيْبةُ، قال: حَدَّثنا اللَّيثُ بن سَعْدٍ، عن يزيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن عبد الله بنْ راشدٍ الزَّوْفيِّ، عن عبد الله بن أبي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ

عن خارِجةَ بن حُذَافَةَ أنه قال: خَرج علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ الله أمدَّكُمْ بصلاةٍ هيَ خيرٌ لكم مِن حُمْر النَّعَمِ، الوِتْرُ، جَعَلَهُ الله لكم فيما بين صلاةِ العِشاءِ إلى أن يَطْلُعَ الفجرُ"

(2)

.

وفي الباب عن أبي هُرَيرةَ، وعَبد الله بن عَمْرو، وبُرَيْدَةَ، وأبي بَصْرَةَ الغِفَاريِّ

(3)

صاحبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

حديثُ خارجَةَ بن حُذَافَةَ حَديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من حَديثِ يَزيدَ بن أبي حَبيْبٍ.

(1)

في (د) و (س): "أبواب في الوتر".

(2)

صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن راشد الزوفي، وعبد الله بن أبي مرة الزوفي، وأخرجه أبو داود (1418)، وابن ماجه (1168). وهو في "المسند"(24009/ 8).

وله شاهد من حديث أبي بصرة الغفاري عند أحمد (23851) بإسناد صحيح، وانظر للحديث شواهد أخرى عند حديث عبد الله بن عَمرو في "المسند"(6693).

(3)

لفظة "الغفاري" لم ترد في (أ) و (س).

ص: 5

وقد وَهَمَ بَعْضُ المُحَدِّثين في هذا الحَديثِ، فقالَ: عبد الله بن راشِدٍ الزُّرَقيِّ وهو وَهمٌ

(1)

.

وأبو بصرة الغفاري رجلٌ آخر يروي عن أبي ذرٍّ، وهو ابن أخي [أبي] ذرٍّ

(2)

.

‌2 - باب ما جاء أنَّ الوترَ ليس بِحَتْمٍ

456 -

حَدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حَدَّثنا أبو بكر بنُ عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثنا أبو إسحاقَ، عن عاصم بن ضَمْرَةَ

عن علي، قال: الوترُ ليس بِحَتْمٍ كصلاتِكم

(3)

المكتوبةِ، ولكِنْ سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إنَّ الله وِتْرٌ يحبُّ الوِتْرَ، فَأوْتِرُوا يا أهلَ القرآنِ"

(4)

.

وفي الباب عن ابنِ عُمرَ، وابنِ مسعودٍ، وابن عَبَّاسٍ.

(1)

جاء في طبعة الشيخ أحمد شاكر بعد هذا: "وأبو بصرة الغفاري: اسمه حُميل بن بَصْرة، وقال بعضهم: جَميل بن بصرة، ولا يصحُّ". ولم ترد في أُصولنا الخطية ولا في النسخة التي شرح عليها العراقي.

(2)

من قوله: "وأبو بصرة الغفاري" إلى هنا أثبتناه من (ل) وهامش (أ)، ولم يرد في سائر الأصول.

(3)

في (ب): كصلاة.

(4)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (1416)، وابن ماجه (1169)، والنسائي 3/ 228 - 229 و 229، وهو في "المسند"(652).

وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود عند أبي داود (1417)، وابن ماجه (1170).

ص: 6

حَديثُ عليٍّ حَديثٌ حَسَنٌ.

ورَوَى سفيانُ الثَّوريُّ وغيرُه، عن أبي إسْحاقَ، عن عاصِم بن ضَمْرَةَ

عن عليًّ، قال: الوِتْرُ ليسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الصلاةِ المكتوبةِ، ولكِنْ سُنَّةٌ سَنَّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

457 -

حدَّثَنا بذلك بُندارٌ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الرحمن بن مهديٍّ، عن سُفيانَ

(1)

.

وهذا أصحُّ مِن حَديثِ أبي بَكْر بن عَيَّاشٍ.

وقد رَوَى مَنْصور بنُ المُعْتَمِر، عن أبي إسْحاقَ، نحوَ رواية أبي بَكر بن عَيَّاشٍ.

‌3 - باب مَا جاءَ في كَراهِية النومِ قَبْلَ الوِتْرِ

458 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حَدَّثنا يَحْيَى بنُ زكريَّا بن أبي زائدةَ

(2)

، عن إسرائيلَ، عن عيسى بن أبي عَزَّةَ، عن الشَّعْبي، عن أبي ثَوْرٍ الأزْديِّ

عن أبي هريرة، قال: أَمَرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أُوتِر قبلَ أن أنامَ

(3)

.

(1)

في طبعة الشيخ أحمد شاكر هنا زيادة: "عن أبي إسحاق"، ولم ترد في أصولنا الخطة ولا في النسخة التي شرح عليها العراقي. وانظر الحديث السالف.

(2)

المثبت من نسختي (ب) و (ل)، وفي (أ) و (د) و (س): زكريا بن أبي زائدة وهو خطأ.

(3)

حديث حسن كما قال المصنف، أبو ثور الأزدي الحُدَّاني، روى عنه =

ص: 7

قال عيسى بن أبي عزَّةَ

(1)

: وكان الشَّعْبِيُّ يوترُ أوَّلَ الليلِ ثم ينامُ.

وفي البابِ عن أبي ذَرٍّ

(2)

.

حَديثُ أبي هُرَيرةَ حَديثٌ حسنٌ غريبٌ

(3)

مِن هذا الوجه.

وأبو ثَوْرٍ الأَزْدِيُّ اسمه: حَبيبُ بن أبي مُلَيْكَةَ.

وقد اختارَ قوم مِن أهْلِ العِلْمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن بَعْدهم أن لا ينامَ الرجلُ حتى يوترَ.

ورُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ خَشِيَ منكم أن لا يستيقظَ من آخرِ الليلِ، فَلْيُوتِرْ مِن أوَّلِهِ، ومَن طَمِعَ منكم أن يقومَ من آخر

= اثنان، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو عُبيد الآجُرَّي: سألت أبا داود عن أبي ثور الحداني، فقال: كوفي جليل، أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباقي رجاله ثقات.

وأخرج البخاري (1178)، ومسلم (721) من طريق أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر. وعند مسلم: أن أوتر قبل أن أرقد.

(1)

قوله: "ابن أبي عزة"، أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر الأصول الخطية، ولا في النسخة التي شرح عليها العراقي.

(2)

أخرجه النسائي في "الكبرى"(2725) عنه، ولفظه: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعُهُنَّ إن شاء الله أبدًا: أوصاني بصلاة الضحى، وبالوتر قبل النوم، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر" وإسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة (1083).

(3)

في (ل): "غريب" فقط.

ص: 8

الليل، فلْيوتِرْ من آخر اللَّيلِ، فإن قراءة القرآنِ في

(1)

آخرِ الليلِ مَحْضُورَةٌ، وهي

(2)

أفضلُ"

(3)

.

459 -

حَدَّثَنا بذلك هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا أبو معاوية، عن الأعْمَشِ، عن أبي سُفْيانَ، عن جابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

‌4 - باب ما جاء في الوِتْرِ مِن أولِ الليلِ وآخِرِه

460 -

حَدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثَنا أبو بكرِ بن عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثنا أبو حَصِينٍ، عن يحيى بن وَثَّابٍ، عن مَسْروقٍ

أنه سألَ عائشةَ عن وِترِ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: مِنْ كُلِّ الليلِ قد أَوْتَرَ، أوَّلَهُ وأوْسَطَهُ وآخِرَهُ، فانْتهى وتْرُه حين ماتَ في

(4)

السحر

(5)

.

أبو حَصِينٍ: اسْمُهُ عثمانُ بن عاصمٍ الأَسَدِيُّ.

وفي البابِ عن عَليٍّ، وجابرٍ، وأبي مَسْعودٍ الأنْصاريِّ، وأبي

(1)

في (ب) و (د): من.

(2)

في (ب): وهو.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (755)، وابن ماجه (1187)، وهو في "المسند"(14381)، و"صحيح ابن حبان"(2565).

وقوله: محضورة. أي: تحضرها ملائكة الرحمة.

(4)

في (ل) ونسختين في (أ) و (ب): إلى.

(5)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (996)، ومسلم (745)، وأبو داود (1435)، وابن ماجه (1185)، والنسائي 3/ 230. وهو في "المسند" (24188)، و"صحيح ابن حبان" (2443) و (2444).

ص: 9

قَتَادةَ.

حَديثُ عَائشةَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

وهو الذي اخْتارَهُ بَعضُ أهْلِ العِلْمِ: الوِتْرُ مِن آخر اللَّيْلِ.

‌5 - باب مَا جَاءَ في الوِتْرِ بسَبْعٍ

461 -

حَدَّثَنا هَنَّاد، قال: حَدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعْمشِ، عن عَمْرو بن مُرَّةَ، عن يحيى بن الجَزَّارِ

عن أُمِّ سَلَمَةَ، قالَتْ: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِثلاثَ عَشْرَةَ، فلما كَبِرَ وضعُفَ، أَوْتَرَ بسبعٍ

(1)

.

وفي البَابِ عن عَائِشةَ.

حَديثُ أُمِّ سَلمةَ حَديثٌ حَسَنٌ.

وقد رُويَ عن النَبيِّ صلى الله عليه وسلم الوِترُ بثَلاثَ عَشْرَةَ، وإحدى عشْرَةَ، وتِسْعٍ، وسَبْعٍ، وخَمْسٍ، وثَلاثٍ، وواحِدَةٍ.

قال إسْحاقُ بن إبْراهيمَ: مَعْنى ما رُوِيَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يوترُ بثلاثَ عَشْرَةَ، قالَ: إنَّما مَعْناهُ أنَّه كانَ يُصلِّي من اللَّيلِ ثلاثَ عَشْرَةَ رَكْعةً مع الوِترِ، فنُسِبَتْ صَلاةُ الليلِ إلى الوِتْرِ، ورَوَى في

(1)

حديث صحيح لكن من حديث عائشة، فقد رواه جمهور أصحاب الأعمش عنه، عن عمارة بن عمير، عن يحيى الجزار، عن عائشة كما بيناه في التعليق على "مسند أحمد" برقم (24042).

وحديث أُمِّ سلمة أخرجه النسائي 3/ 237 و 243، والحاكم 1/ 306، وهو في "المسند"(26738).

ص: 10

ذلك حَديثًا عن عائشةَ، واحْتَجَّ بما رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أوْتِرُوا يا أَهْلَ القُرْآن"

(1)

. قال: إنما عَنَى به قيامَ الليل يقولُ: إنما قيامُ الليلِ على أصحاب القرآن.

‌6 - باب ما جاء في الوتر بخمْسٍ

462 -

حَدَّثَنا إسْحاقُ بن مَنْصورٍ الكَوْسَج، قال: أخبرنا عبدُ الله بن نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنا هشامُ بن عُرْوةَ، عن أبيهِ

عن عائشةَ، قالَت: كانَتْ صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من الليلِ ثلاثَ عَشْرَةَ ركعةً: يُوتِرُ من ذلك بِخمسٍ، لا يجلسُ في شيءٍ منهنَّ إلَّا في آخرهنَّ، فإذا أذَّنَ المؤذِّنُ، قام فصلَّى ركعتينِ خَفيفَتَيْن

(2)

.

وفي البابِ عن أبي أيُّوبَ.

حَديثُ عائِشةَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

وقد رَأَى بعضُ أَصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرُهم الوترَ بخَمْسٍ، وقالوا: لا يجلسُ في شَيءٍ مِنْهنَّ إلَّا في آخرهنَّ

(3)

.

(1)

سلف برقم (456).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (737)، وأبو داود (1338)، وابن ماجه (1359)، والنسائي 3/ 240، وهو في "المسند"(24239)، و"صحيح ابن حبان"(2437).

(3)

زاد الشيخ أحمد شاكر في طبعته هنا: قال أبو عيسى: "وسألت أبا مصعب المديني عن هذا الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بالتسع والسبع، قلت: كيف يوتر بالتسع والسبع؟ قال: يُصلِّي مثنى مثنى ويسلم ويوتر بواحدة. ولم ترد في الأصول =

ص: 11

‌7 - باب مَا جاءَ في الوِتْرِ بثلاثٍ

463 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثنا أبو بكر بنُ عَيَّاشٍ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارِث

عن عليٍّ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوترُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ بتِسْع سُوَر من المُفَصَّل

(1)

، يقرأُ في كل رَكْعةٍ بثلاثِ سُوَرٍ، آخرُهنَّ. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

(2)

.

وفي البَابِ عن عِمْران بن حُصَيْن، وعائشةَ، وابن عَباس، وأبي أيوبَ، وعبد الرحمن بن أَبْزَى، عن أُبَيّ بن كَعْبٍ، ويُرْوَى أيضًا عن عبد الرحمنِ بن أَبْزَى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. هَكذا رَوَى بعضهم فلم يذكر

(3)

فيه: عن أُبَيٍّ، وذكر بعضُهم عن عبد الرَّحْمن بن أبْزَى، عن أُبَيٍّ.

= الخطية، ولا في النسخة التي شرح عليها العراقي.

(1)

المفصَّل: هو من سورة الحجرات الى سورة الناس.

(2)

إسناده ضعيف لضعف الحارث الأعور، وأخرجه أحمد في "المسند"(678)، وانظر تتمة التخريج فيه.

وإيتاره صلى الله عليه وسلم بثلاث ركعات صحيح ثابت عن عدة من الصحابة، منهم ابن عباس، وسيأتي حديثه عند المصنف برقم (466)، وأبي بن كعب، وحديثه عند أبي داود (1420) و (1423)، وابن ماجه (1171)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 235 و 235 - 236 و 244، وفي "عمل اليوم والليلة"(706) و (729) و (734) و (740)، وهو في زوائد عبد الله بن أحمد على "مسند أبيه"(21141 - 21143).

(3)

في (س) و (ل): فلم يذكروا، والمثبت من سائر الأصول.

ص: 12

وقد ذهب قومٌ من أهْلِ العِلْمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا، وَرَأَوْا أن يُوترَ الرجلُ بثلاثٍ.

قال سفيانُ: إنْ شئتَ أوترتَ بخمسٍ، وإن شئتَ أوترتَ بثلاثٍ، وإن شئتَ أوترتَ برَكْعةٍ. قال سُفيانُ: والذي أَسْتَحِبُّ أن يُوتَرَ بثلاث ركعاتٍ، وهو قولُ ابن المبارك، وأهْل الكوفةِ.

464 -

حَدَّثنا سعيد بن يعقوبَ الطَّالْقَانيُّ، حَدَّثَنا حمَّاد بن زيد، عن هشامٍ

عن محمد بن سِيرينَ، قال: كانوا يُوتِرُونَ بخَمْسٍ، وبثلاثٍ، وبركعةٍ، ويَرَوْنَ كُلَّ ذلك حَسَنًا

(1)

.

‌8 - باب مَا جاءَ في الوِتْرِ برَكْعةٍ

465 -

حَدَّثنا قُتَيْبَةُ، قالَ: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زيد، عن أنس بن سِيرينَ، قال:

سألتُ ابنَ عُمَرَ، فقلتُ: أُطيلُ في رَكعتَيِ الفجرِ؟ فقال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي من الليل مَثْنَى مَثْنَى، ويُوتر بركعةٍ، وكان يصلِّي الرَّكعتَينِ والأذَانُ في أُذُنِهِ

(2)

.

وفي البابِ عن عائِشةَ، وجابرٍ، والفضلِ بن عَبَّاسٍ، وأبي

(1)

الأثر رجاله ثقات.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (995)، ومسلم ص 518 (158)، وابن ماجه (1144) و (1174) و (1318)، وهو في "المسند"(5609).

وانظر ما سلف (439).

ص: 13

أيوبَ، وابن عباسٍ.

حَديثُ ابن عُمَرَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

والعَملُ على هذا عند بعضِ أهْلِ العِلْمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين: رَأَوْا أن يَفْصِلَ الرجلُ بين الرَّكعتينِ والثالثةِ، يُوتِرُ بركعةٍ، وبه يقول مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

‌9 - باب ما جاء ما يُقْرَأُ في الوتر

466 -

حَدَّثَنا عليُّ بنُ حُجْر، قال: أخبرنا شَرِيكٌ، عن أبي إسحاقَ، عن سعيد بن جُبَيْر

عن ابن عباسٍ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الوِتر بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ

(1)

.

وفي البابِ عن عليٍّ، وعائشةَ، وعبد الرحمن بن أَبْزَى عن أُبَيِّ بن كَعْبٍ، ويُرْوَى عن عبد الرحمن بن أَبْزى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقد رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَرأ في الوِتْرِ في الركعة الثالثة بالمعوِّذتين و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

والذي اخْتارَه أكْثرُ أهلِ العِلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعدهم: أن يقرأ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}

(1)

حديث صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1172)، والنسائي 3/ 236. وهو في "المسند" (2720). وانظر شواهده فيه.

ص: 14

و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، يقرأ في كلِّ ركعةٍ من ذلك بسُورَةٍ.

467 -

حَدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْراهيمَ بن حَبيب بن الشَّهيدِ البصرِيُّ، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن سَلَمَة الحَرَّانِيُّ، عن خُصَيْفٍ، عن عبد العزيز بن جُرَيْجٍ، قال:

سألْنا عائِشَةَ: بأَيِّ شيءِ كانَ يُوترُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كانَ يقرأُ في الأُولى بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثالثة بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتينِ

(1)

.

وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وعبد العزيزِ هذا: والِدُ ابْنِ جُرَيْجٍ صاحبِ عطاءٍ، وابنُ جُرَيْجٍ: اسمه عبدُ الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْجٍ.

وقد رَوَى هذا الحديث يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، عن عَمْرةَ، عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

صحيح لغيره دون قوله: "والمعوذتين"، وهذا إسناد ضعيف، لضعف خصيف - وهو ابن عبد الرحمن الجزري - وضعف عبد العزيز بن جريج، وهو لم يسمع من عائشة فيما قاله أحمد والدارقطني وابن حبان، وتصريحه بالسماع هنا من أخطاء خصيف.

وأخرجه أبو داود (1424)، وابن ماجه (1173). وهو في "المسند"(25906). وانظر ما قبله.

(2)

هذه الطريق أخرجها الطحاوي 1/ 285، والعقيلي 4/ 392، وابن حبان (2432) و (3448)، وابن عدي 7/ 2671، والدارقطني 2/ 24، والحاكم 1/ 305، والبغوي (973) من طريق يحيى بن أيوب الغافقي، عن يحيى بن سعيد =

ص: 15

‌10 - باب ما جاءَ في القُنوتِ في الوِترِ

468 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا أبو الأحْوَص، عن أبي إسحاقَ، عن بُرَيْد بن أبي مَريم، عن أبي الحَوْرَاءِ، قال:

قال الحسنُ بن عليّ: عَلَّمَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أقُولُهن في الوِتر: "اللَّهُم اهْدِنِي فيمَنْ هدَيْت، وعافِني فيمن عَافَيْتَ، وتَوَلَّنِي فيمن تَولَّيْتَ، وبَارِكْ لي فيما أعْطَيْتَ، وقِنِي شَرَّ ما قضيتَ، فإنَّك تقضِي ولا يُقْضَى عليكَ، وإنَّهُ لا يذِلُّ مَن والَيْتَ، تباركتَ رَبَّنا وتَعَالَيْتَ"

(1)

.

وفي الباب عن عليٍّ.

هذا حديثٌ حسنٌ، لا نعرفه إلَّا مِنْ هذا الوجه، من حديث أبي الحَوْرَاء السَّعْدِيِّ، واسمه رَبِيعَةُ بن شَيْبَانَ.

ولا نعرِف عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في القنوتِ شَيئًا أحْسنَ من هذا.

واخْتَلَفَ أهْلُ العلمِ في القنوتِ في الوِتْرِ:

فرأى عبدُ الله بن مسعودٍ القُنوتَ في الوِتر في السَّنَة كلِّها،

= الأنصاري، بهذا الإسناد. وهذا الإسناد تفرد به يحيى بن أيوب، عن يحيى الأنصاري، وقد نقل العُقيلي وابن عدي بإسنادهما عن عثمان بن الحكم الجذامي، أنه سأل يحيى بن سعيد عن هذا الحديث فلم يرفعه، وأنكر يحيى أن يكون مرفوعًا، وقال العقيلي: أما المعوذتين، فلا يصح. وقال ابن الجوزي كما في "تنقيح التحقيق" 1/ 516: أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (1425)، و (1426)، وابن ماجه (1178)، والنسائي 3/ 248. وهو في "المسند" (1718)، و"صحيح ابن حبان" (945).

ص: 16

واخْتارَ القُنوتَ قبلَ الركوعِ، وهو قولُ بعضِ أهل العلم، وبه يقول سُفيان الثوريُّ، وابن المباركِ، وإسحاقُ

(1)

.

وقد رُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ: أنه كان لا يقنُتُ إلَّا في النصف الآخِر مِن رمضانَ، وكان يقنُتُ بعدَ الركوعِ، وقد ذهبَ بعضُ أهل العلم إلى هذا، وبه يقول الشافعيُّ، وأحمدُ.

‌11 - باب ما جاء في الرَّجل ينامُ عن الوِتر أو ينساه

469 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حَدَّثَنا وكيعٌ، قال: حَدَّثَنا عبد الرحمن بن زيد بن أسْلَمَ، عن أبيه، عن عطاء بن يَسَارٍ

عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن نامَ عن الوِترِ، أو نَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّ إذا ذَكَر، وإذا استيقَظَ"

(2)

.

470 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن زيد بن أسْلَمَ

عن أبيه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن نامَ عن وتره، فَلْيُصَلِّ إذا أصبح".

وهذا أصَحُّ مِن الحديثِ الأوَّلِ.

سمعتُ أبا داود السِّجْزِيَّ يعني سُلَيْمانَ بن الأَشْعَثِ يقول:

(1)

في طبعة الشيخ أحمد شاكر و"تحفة الأحوذي" زيادة: وأهل الكوفة، ولم ترد في أصولنا الخطية ولا في النسخة التي شرح عليها العراقي.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (1431)، وابن ماجه (1188). وهو في "المسند"(11264)، وصححه الحاكم 1/ 302.

ص: 17

سَألتُ أحمدَ بن حنبلٍ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسْلَمَ، فقال: أخوه عبدُ الله لا بأسَ به.

وسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَذْكُرُ عن عليٍّ بن عبدِ الله أنَّه ضعَّف عَبد الرحمن بن زَيْد بن أسْلَمَ، وقالَ: عبدُ الله بن زَيْد بن أسْلَمَ ثقةٌ.

وقد ذَهَبَ بَعضُ أهْلِ الكُوفةِ إلى هذا الحَديثِ، وقالوا: يُوتِر الرَّجلُ إذا ذَكر، وإن كانَ بعدَ ما طلعتِ الشمسُ، وبه يقولُ سُفيانُ الثَّوريُّ.

‌12 - باب ما جاء في مُبادَرَةِ الصبحِ بالوترِ

471 -

حَدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حَدَّثَنا يَحْيى بنُ زكريَّا بن أبي زائدةَ، قال: حَدَّثَنا عُبيدُ الله، عن نافعٍ

عن ابنِ عُمرَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"بَادِرُوا الصُّبْحَ بالوترِ"

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

472 -

حَدَّثَنا الحَسنُ بنُ عليٍّ الخلَّالُ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الرزَّاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن يَحْيى بنِ أبي كَثِير، عن أَبي نَضْرَةَ

عن أبي سَعيد الخُدْريِّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أوْتِرُوا قبلَ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (750)، وأبو داود (1436)، وهو في "المسند"(4952) و"صحيح ابن حبان"(2445).

ص: 18

أن تُصْبحُوا"

(1)

.

473 -

حَدَّثنا محمودُ بن غَيلانَ، قالَ: حَدَّثَنا عبد الرزَّاق، قالَ: أخبرَنا ابنُ جُرَيْج، عن سُليمانَ بن موسى، عن نافع

عن ابن عمرَ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا طلعَ الفَجرُ، فقد ذَهبَ كلُّ صلاةِ الليلِ والوترُ، فأوْتروا قبلَ طلوعِ الفَجرِ"

(2)

.

وسُليمان بن موسى قد تَفَرَّدَ به على هذا اللفظ

(3)

.

ورُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وتْرَ بعدَ صلاةِ الصبح"

(4)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (754)، وابن ماجه (1189)، والنسائي 3/ 231، وهو في "المسند"(11097).

(2)

المرفوع منه وهو قوله: "أوتروا قبل طلوع الفجر" صحيح، وباقي الحديث موقوف على ابن عمر، فقد رواه محمد بن بكر البرساني عند أحمد (6372)، وابن خزيمة (1091)، وحجاج بن محمد الأعور عند ابن خزيمة (1091)، وأبي عوانة (2269)، والحاكم 1/ 302، والبيهقي 2/ 478، كلاهما عن ابن جريج، بهذا الإسناد بلفظ: أن ابن عمر كان يقول: من صلى بالليل، فليجعل آخر صلاته وترًا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، فإذا كان الفجر، فقد ذهبت كل صلاة الليل والوتر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أوتروا قبل الفجر"، ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج، واختلف عليه فيه: فرواه مرة كرواية محمد بن بكر وحجاج بن محمد عند أحمد (6372)، وابن خزيمة (1091). ورواه مرة أخرى في "مصنفه"(4613) كرواية الترمذي.

(3)

الذي انفرد به هو عبد الرزاق، وغيره رواه على الجادة فلم يرفع من الحديث إلا قصة الأمر بالوتر قبل الفجر كما بيناه آنفًا، وهو بمعنى الحديث السالف برقم (471).

(4)

أخرجه ابن خزيمة (1092)، وابن حبان (2408)، والحاكم =

ص: 19

وهو قَولُ غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسْحاقُ: لا يَرَوْنَ الوترَ بعدَ صلاة الصبح.

‌13 - باب ما جاء لا وِتْران في ليلةٍ

474 -

حَدَّثنا هنَّادٌ، قالَ: حَدَّثَنا مُلازمُ بن عمْرو، قالَ: حَدَّثَني عبد الله بن بَدْرٍ، عن قَيْسِ بن طَلْقِ بن علي

عن أبيهِ، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا وِتْرانِ في لَيلةٍ"

(1)

.

هذا حديث حسن غريب.

واختلفَ أهْلُ العلمِ في الذي يُوتِرُ من أولِ اللَّيلِ، ثم يقومُ من آخرهِ:

فرأَى بعضُ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدَهم نَقْضَ الوِتْرِ، وقالوا: يُضِيفُ إليها رَكعةً، ويصتَي ما بدا له، ثم يُوْتِر في آخرِ صلاتِهِ، لأنَّهُ "لا وِتْرانِ في لَيْلةٍ". وهو

(2)

الذي ذَهَبَ إليه إسْحاقُ.

= 1/ 301 - 302 من طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا بلفظ:"من أدركه الصبح ولم يوتر، فلا وتر له" وإسناده صحيح.

(1)

حديث حسن، وأخرجه أبو داود (1439)، والنسائي 3/ 229 - 230. وهو في "المسند" (16289)، و"صحيح ابن حبان" (2449).

(2)

في (ب): وهذا.

ص: 20

وقالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوْتَرَ من أولِ اللَّيلِ ثم نامَ، ثم قامَ من آخرِ اللَّيْلِ فإنه يُصلِّي ما بَدا لَهُ، ولا ينْقُضُ وِترَه، ويَدَعُ وِتْرَه على ما كانَ، وهو قولُ سفيان الثوريَّ، ومالك بن أنسٍ، وابن المُباركِ

(1)

، وأحمد.

وهذا أصحُّ، لأنه قد رُوِيَ من غَيرِ وَجْهٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد صَلَّى بعد الوِترِ.

475 -

حَدَّثَنا محمد بن بشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا حمَّاد بن مَسْعَدَة، عن مَيمون بن موسى المَرَئيِّ، عن الحَسَنِ، عن أُمِّهِ

عن أُمِّ سلمَة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي بعد الوتر ركعتين

(2)

.

وقد رُوِيَ نحوُ هذا عن أبي أُمامةَ وعائشةَ وغيرِ واحدٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

‌14 - باب مَا جاءَ في الوِتْرِ على الرَّاحِلةِ

476 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا مالكُ بن أنس، عن أبي بكرِ بن عمرَ بن عبدِ الرّحمنِ

(3)

(1)

زاد في نسخة بهامش (أ): وأهل الكوفة.

(2)

صحيح لكن من حديث عائشة كما بيناه في "المسند"(26553).

وأخرجه من حديث أم سلمة ابن ماجه (1195)، والعقيلي 4/ 186، وابن عدي 6/ 2410.

وحديث عائشة انظر تخريجه في "المسند"(25986).

(3)

في (أ) و (ب): عن أبي بكر بن عبد الرحمن، والمثبت من (د) و (س) =

ص: 21

عن سعيدِ بن يَسَار قال: كُنْتُ أمشي

(1)

معَ ابن عمرَ في سَفَرٍ، فتَخَلَّفتُ عنه، فقال: أين كُنْتَ؟ فقلتُ: أوْتَرْتُ. فقال: أليسَ لكَ في رسول الله أُسْوَةٌ؟ رَأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُوترُ على راحلَتِهِ

(2)

.

وفي البابِ عن ابنِ عَبَّاسٍ.

حَديثُ ابن عُمرَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

وقد ذَهَبَ بَعضُ أهلِ العِلْمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم إلى هذا، ورَأوْا أن يُوتِرَ الرجلُ على راحلته، وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: لا يُوْتِرُ الرجلُ على الراحلةِ، فإذا أَرادَ أن يُوترَ، نَزَلَ فأوتَرَ على الأرضِ، وهو قولُ بعض أهلِ الكوفةِ.

‌15 - باب ما جاءَ في صَلاةِ الضُّحَى

477 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ محمد بن العلاءِ قال: حَدَّثَنا يونسُ بن بُكَيْر، عن مُحَمَّدِ بن إسحاقَ، قال: حَدَّثَني موسى بن فُلانِ بن أنسٍ

(3)

، عن عَمِّه

= و (ل) ونسخة بهامش (أ)، ومن النسخة التي شرح عليها العراقي وهو الصواب.

(1)

لفظة "أمشي" أثبتناها من (ل)، ولم ترد في سائر الأصول.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (999)، ومسلم (700)، وأبو داود (1224)، وابن ماجه (1200)، والنسائي 1/ 243 و 2/ 61 و 3/ 232، وهو في "المسند"(4519)، و"صحيح ابن حبان"(2413).

(3)

قوله: "بن أنس" لم يرد في (أ) و (ب) و (س)، وأثبتناه من (د) ونسخة العراقي و"تحفة الأشراف" 1/ 159.

ص: 22

ثُمامةَ بن أنس بن مالكٍ

عن أنس بن مالكٍ، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عشْرَةَ ركعةً، بَنَى الله له قَصْرًا من ذَهَبٍ في الجَنَّةِ"

(1)

.

وفي البابِ عن أُمِّ هانئٍ، وأبي هُرَيرةَ، ونُعَيْمِ بن هَمَّارٍ، وأبي ذَرٍّ، وعائشةَ، وأبي أُمامَةَ، وعُتْبةَ بن عبدٍ السُّلَميِّ، وابن أبي أوْفَى، وأبي سعيدٍ، وزيد بن أرْقَمَ، وابن عَباسٍ.

حَديثُ أنسٍ حَديثٌ غَريبٌ

(2)

، لا نعرفُه إلَّا من هذا الوجهِ.

478 -

حَدَّثَنا أبو موسى مُحَمَّد بن المُثنَّى، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن جعفرٍ، قال: أخبرنا شُعْبةُ، عن عَمْرو بن مُرَّةَ، عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلَى، قال:

ما أخْبَرَني أحدٌ أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي الضُّحى إلَّا أُمَّ هانئٍ، فإنها حَدَّثَتْ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بيتَها يومَ فتح مكةَ، فاغْتَسَلَ، فَسَبَّحَ ثَمَانَ ركعاتٍ، ما رأيتُه صَلَّى صلاةً قطُّ أخفَّ منها، غير أنه كان يُتِمُّ الرُّكوعَ والسُّجودَ

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف، موسى بن فلان - ويقال: ابن حمزة - مجهول.

وأخرجه ابن ماجه (1380)، والطبراني في "الأوسط"(3967)، وفي "الصغير"(506)، والبغوي في "شرح السنة"(560).

(2)

في (ب) وحدها: حسن غريب.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1103) و (1176) و (4292)، ومسلم ص 497 (80)، وأبو داود (1290) و (1291)، وابن ماجه (1323). وهو في "المسند"(26900)، و"صحيح ابن حبان"(1188).

ص: 23

هذا حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وكأَنَّ أحمدَ رأى أصحَّ شيءٍ في هذا البابِ حَديثَ أُمِّ هانئٍ.

واخْتَلَفوا في نُعَيْمٍ: فقالَ بَعضُهم: نُعَيْم بن خَمَّارٍ

(1)

، وقالَ بعضُهُم: ابنُ هَمَّارِ، ويقال: ابن هَبَّارٍ، ويقال: ابنُ هَمَّامٍ، والصَّحيحُ: ابنُ هَمَّارٍ.

وأبو نُعَيْمٍ وَهِمَ فيه، فقالَ: ابنُ حِمَازٍ

(2)

، وأخطأَ فيهِ، ثم تَرَك فقالَ: نُعَيْمٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أخبَرَني بذلك عبدُ بن حُمَيْدٍ، عن أبي نُعَيْمٍ.

479 -

حَدَّثَنا أبو جعفر السِّمْنَانِي - يعني محمد بن أبي الحسين

(3)

-، قال: حَدَّثَنا أبو مُسْهِرٍ، قال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عن بَحِيرِ بن سعدٍ، عن خالد بن مَعْدَانَ، عن جُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ

عن أبي الدَّرْدَاءِ وأبي ذَرّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ابنَ آدمَ، اركعْ لي أربعَ رَكَعاتٍ من أوَّلِ النهارِ، أَكْفِكَ آخِرَهُ"

(4)

.

(1)

كذا في (ب) ونسخة بهامش (أ)، وفي (أ) و (د) و (س): حمَّار، إلا أنها في (س) تشدد، وفي (ل): جمّاز.

(2)

في (ل): حِمار.

(3)

قوله: "يعني محمد بن أبي الحسين" لم يرد في (ب) و (ل)، وأثبتناه من سائر أصولنا الخطية، ولم يتبيَّن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله أن محمد بن أبي الحسين هو محمد بن جعفر السمناني نفسه، وعدَّه رجلًا آخر.

(4)

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.

وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(1009) من طريق الترمذي. =

ص: 24

هذا حَديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ.

480 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن عبدِ الأعْلى البصريُّ، قال: حَدَّثَنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ، عن نَهَّاسِ بن قَهْم، عن شَدَّادٍ أبي عَمَّارٍ

عن أبي هُرَيرةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حافَظَ عَلى شُفْعَةِ الضُّحَى، غُفِر له ذنوبُه، وإن كانتْ مثلَ زَبَدِ البَحْرِ"

(1)

.

ورَوَى وَكيعٌ والنَّضْرُ بن شُمَيْل وغيرُ واحدٍ من الأئمة هذا الحديثَ، عن نَهَّاسِ بن قَهْمٍ، ولا نعرفه إلا من حديثه.

481 -

حَدَّثَنا زيَادُ بن أيوبَ البغداديُّ، قال: حَدَّثَنا محمد بن رَبيعة، عن فُضَيْل بن مرزوقٍ، عن عطيَّة العَوْفيِّ

عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي الضُّحى حتى نقولَ: لا يَدَعُها، ويَدَعُها حتى نقولَ: لا يُصَلِّيها

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

= وأخرجه أحمد (27480) و (27550) من طريقين عن صفوان بن عمرو السكسكي، عن شريح بن عبيد الحضرمي، عن أبي الدرداء وحده، ورجاله ثقات إلا أن شريحًا لم يسمع من أبي الدرداء.

وله شاهد من حديث عقبة بن عامر، انظره في "المسند"(17390).

(1)

إسناده ضعيف لضعف النهاس بن قَهم، وشداد لم يسمع من أبي هريرة، وأخرجه ابن ماجه (1382)، وابن عدي 7/ 2523. وهو في "المسند" (9716).

تنبيه: أثبتنا هذا الحديث هنا كما في نسخة (ب) وشرحي العراقي والمباركفوري، وجاء في بقية النسخ الخطية في آخرِ الباب بإثر الحديث (481).

(2)

إسناده ضعيف لضعف عطية العَوْفي. وأخرجه أحمد (11155).

ص: 25

‌16 - باب ما جاء في الصلاة عند الزوالِ

482 -

حَدَّثَنا أبو موسى مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنا أبو داود، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن مُسْلمِ بن أبي الوَضَّاحِ - هو أبو سَعيدٍ المُؤدِّبُ -، عن عبد الكريم الجَزَري، عن مُجاهدٍ

عن عَبدِ الله بن السَّائبِ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي أربعًا بعدَ أن تزولَ الشمس قبلَ الظهرِ، وقال:"إنها ساعةٌ تُفْتَحُ فيها أبوابُ السماءِ، وأُحِبُّ أن يَصْعَدَ لي فيها عملٌ صالحٌ"

(1)

.

وفي البابِ عن عليٍّ، وأبي أيوبَ.

حَديثُ عبد الله بن السَّائِبِ حَديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ.

ورُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه كانَ يُصلِّي أربعَ رَكَعاتٍ بعدَ الزَّوالِ لا يُسلِّمُ إلَّا في آخِرهنَّ

(2)

.

‌17 - باب ما جاءَ في صَلاةِ الحاجَةِ

483 -

حَدَّثَنا عليُّ بن عيسى بن يزيدَ البَغْداديُّ، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن بكرٍ السَهْميُّ (ح)

(1)

حديث صحيح، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(331). وهو في "المسند"(15396).

(2)

أخرجه أحمد (23532)، وابن ماجه (1157) من حديث أبي أيوب الأنصاري.

ص: 26

وحَدَّثَنا عبد الله بن مُنِير، عن عبد الله بن بكرٍ، عن فائِد بن عبد الرحمن

عن عبد الله بن أبي أوْفَى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانَتْ لَهُ إلى اللهِ حَاجةٌ، أو إلى أحَدٍ من بَني آدمَ، فليتوضَّأْ وليُحسن الوضوءَ، ثم ليُصَلِّ رَكْعَتَيْن، ثم ليُثْنِ على الله، وليُصَلِّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ليَقُلْ: لا إله إلَّا الله الحَليمُ الكَريمُ، سُبحانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظيمِ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَميْن، أسأَلُك موجِباتِ رحْمَتِك، وعَزَائمَ مَغْفرتِك، والغَنيْمةَ من كلِّ بِرٍّ، والسلامة من كلِّ إثْمٍ، لا تَدَعْ لي ذنبًا إلَّا غفرتَه، ولا هَمًّا إلَّا فَرَّجْتَه، ولا حاجةً هي لك رِضًا إلَّا قَضَيْتَها، يا أرْحمَ الرَّاحِمينَ"

(1)

.

هذا حَديثٌ غريبٌ، وفي إسْنادِهِ مَقالٌ، فَائِدُ بن عبدِ الرَّحْمنِ يُضَعَّفُ في الحَديثِ، وفَائدٌ هو أبو الوَرْقَاءِ.

(1)

إسناده ضعيف جدًا، فائد بن عبد الرحمن متروك.

وأخرجه ابن ماجه (1384)، والحاكم 1/ 320 من طريق فائد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى.

قال المباركفوري: قوله: "موجبات رحمتك" بكسر الجيم، أي: أسبابها. قال الطيبي: جمع موجبة، وهي الكلمة الموجبة لقائها الجنة، وقال ابن الملك: يعني الأفعال والأقوال والصفات التي تحصل رحمتك بسببها.

و"عزائم مغفرتك" قال السيوطي: أي: موجباتها، جمع عزيمة. وقال الطيبي: أي: أعمالًا تتعزم وتتأكد بها مغفرتك.

ص: 27

‌18 - باب مَا جاءَ في صَلاةِ الاسْتِخارةِ

484 -

حَدَّثَنا قُتَيْبةُ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الرَّحْمنِ بن أبي المَوَالِ، عن مُحَمَّد بن المُنْكَدِرِ

عن جابر بن عبد الله، قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا الاسْتِخَارةَ في الأمورِ

(1)

، كما يُعَلِّمنا السورة من القرآن، يقولُ: "إذا هَمَّ أحدُكم بالأمرِ، فليركعْ رَكعتين من غيرِ الفريضةِ، ثم ليَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخيرُكَ بعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرتِكَ، وأسْألُك من فضْلِكَ العَظيمِ، فإنّك تَقْدِرُ ولا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولا أعْلَمُ، وأنتَ عَلَّامُ الغيوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كنتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمرَ خيرٌ لي في دِينِي ومَعِيشَتي وعاقبةِ أمري - أو قال: في عاجلِ أمري وآجِلِه - فَيَسِّرهُ لي، ثم بارِكْ لي فيه، وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّ هذا الأمر شَرٌ لي في دِينِي ومعيشتِي وعاقِبة أمري - أو قال: في عاجلِ أمْرِي وآجله - فَاصْرِفْهُ عَنِّي، واصْرِفْني عنه، واقْدُرْ لي الخيرَ حيثُ كان، ثُمَّ أرْضِنِي به. قال: وليُسَمِّ

(2)

حاجَتَهُ"

(3)

.

(1)

في طبعة الشيخ أحمد شاكر زيادة: "كلها" ولم ترد في أصولنا الخطية ولا في شرحي العراقي والمباركفوري، وهي موجودة في روايتي البخاري الثانية والثالثة، ورواية النسائي.

(2)

في (س) و (ل) وشرحي العراقي والمباركفوري: ويسمِّي.

(3)

حديث صحيح، أخرجه البخاري (1162) و (6382) و (7390)، وأبو داود (1538)، وابن ماجه (1383)، والنسائي 6/ 80. وهو في "المسند" (14707)، و"صحيح ابن حبان" (887).

ص: 28

وفي الباب عن عبد الله بن مَسعود، وأبي أيُّوب.

حَديثُ جابر حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ غَريبٌ، لا نَعرفُه إلَّا من حَديثِ عبد الرَّحمنِ بنِ أبي المَوَالِ، وهو شَيخٌ مَدينيٌّ ثقةٌ، رَوَى عنه سُفيانُ حَديثًا، وقد روَى عن عبد الرحمن غيرُ واحدٍ من الأئمةِ.

‌19 - باب ما جاءَ في صلاة التَّسبيح

485 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بن العَلاءِ، قالَ: حَدَّثَنا زيد بن حُبَابٍ العُكْليُّ، قال: حَدَّثَنا موسى بنُ عُبَيْدَةَ، قال: حَدَّثَني سعيدُ بن أبي سعيدٍ مولى أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْمٍ

عن أبي رافع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباسِ: "يا عَمِّ، ألا أصِلُكَ، أَلا أَحْبُوكَ، أَلا أنْفَعُكَ؟ ". قال: بَلَى يا رسولَ الله، قال: "يا عمِّ، صلِّ أربعَ ركعاتٍ تقرأُ في كلِّ ركعةٍ بفاتحة الكتاب وسورةٍ، فإذا انْقَضَتِ القراءةُ، فقل: الله أكبرُ، والحمدُ لله، وسبحانَ الله، ولا إله إلَّا الله

(1)

، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً قبل أن تركعَ، ثم ارْكَعْ فقلها عشرًا، ثم ارفع رأسَك فقلها عشرًا، ثم اسجد فقلها عشرًا، ثم ارفع رأسك فقلها عشرًا، ثم اسْجد فقُلْها عَشْرًا، ثُمَّ ارْفعْ رأسَكَ فقُلْها عَشْرًا قبلَ أن تقومَ، فذلك خمْسٌ

(2)

وسَبعونَ في

(1)

المثبت من (أ) و (ل)، وفي (ب): قدَّم قوله: "لا إله الا الله" على قوله: "سبحان الله"، وقوله:"لا إله إلا الله" لم يرد في (د) و (س)، ولا في شرحي العراقي والمباركفوري.

(2)

المثبت من (ب) و (س) وشرح العراقي، وفي (أ) و (د) و (ل): خمسة.

ص: 29

كلِّ رَكعةٍ، وهي ثلاث مئة في أربع رَكعاتٍ، ولو كانت ذنوبُك مِثلَ رَمْلِ عالِجٍ غَفَرَها الله لك".

قال: يا رسولَ اللهِ ومن يَستطيعُ أن يقولَها في يومٍ؟ قالَ: "إن لمْ تستطع أن تقولَها في يومٍ، فقُلْهَا في جُمعةٍ، فإن لم تَسْتطِع أن تقولَها في جمعةٍ، فقُلْها في شهرٍ، فلم يَزَلْ يقولُ له حَتَّى قالَ: فقُلْها في سَنَة"

(1)

.

(1)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، موسى بن عبيدة - وهو الرَّبَذي - ضعيف، وسعيد بن أبي سعيد مولى أبي بكر بن حزم مجهول.

وأخرجه ابن ماجه (1386) من طريق زيد بن حُباب، بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو داود (1297)، وابن ماجه (1387)، وابن خزيمة (1216)، والحاكم 1/ 318، والبيهقي 3/ 51 - 52 من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، عن موسى بن عبد العزيز القِنْباري، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: .... الحديث، قال الحافظ ابن حجر في "الخصال المكفرة" ص 45: ورجال هذا الإسناد الموصول لا بأس بهم، عكرمة احتج به البخاري، والحكم بن أبان صدوق، وموسى بن عبد العزيز قال يحيى بن معين: لا أرى به بأسًا، وقال النسائي نحو ذلك، وقال ابن المديني: ضعيف، فإن هذا الإسناد من شرط الحسن، فإن له شواهد تقويه.

وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 468: وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة، وأمثلها حديث عكرمة هذا، وقد صححه جماعة، منهم الحافظ أبو بكر الآجري، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى.

وقال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا. =

ص: 30

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى: لا يُروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا، يعني إسناد حديث عكرمة، عن ابن عباس.

ورواه ابن خزيمة بإثر الحديث رقم (1216)، والحاكم 1/ 319، والبيهقي 3/ 52 عن عكرمة مرسلًا.

وعن أبي الجوزاء، عن رجل له صحبة - يرون أنه عبد الله بن عمرو - مرفوعًا عند أبي داود (1298)، ومن طريقه البيهقي 3/ 52، وأشار بإثره إلى أنه روي عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفًا، وعن أبي الجوزاء عن ابن عباس قوله.

وعن عروة بن رويم، قال: حدثني الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجعفر بن أبي طالب الحديث، قال الحافظ: في "مجالس أمالي الأذكار في صلاة التسبيح" ص 74: وسند هذا الحديث لا ينحط عن رتبة الحسن - عند أبي داود (1299)، ومن طريقه البيهقي 3/ 52.

قلنا: وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى تضعيف أحاديث صلاة التسابيح، وأنه لم يثبت فيها شيء، وأنكروا ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

واختار آخرون تصحيحها بمجموع طرقها وشواهدها، ورأوا أن لها أصلًا، فأخذوا بها. وانظر أجوبة الحافظ ابن حجر عن أحاديث المصابيح المطبوعة بآخر كتاب "مشكاة المصابيح"، ورسالة الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي المسماة:"الترجيح لحديث صلاة التسبيح"، و"النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح" للحافظ العلائي.

وقال الحافظ العراقي في "شرح الترمذي" 1/ الورقة 337: وممن قال باستحبابها من أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو عبد الله الحاكم، ومن الفقهاء القاضي الحسين، والمحاملي والبغوي والمتولي والرُّوياني والغزالي، وقال ابن الصلاح عنها: سنة وإن حديثها حسن، وله طرق يعضد بعضُها بعضًا فيعمل به، لا سيما في =

ص: 31

هذا حديثٌ غريبٌ من حديث أبي رافع.

486 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مُحَمَّد بن موسَى، قالَ: أخبرَنا عبدُ الله بن المباركِ، قال: أخْبَرَنا عِكْرِمةُ بنُ عَمَّارٍ، قالَ: حَدَّثَني إسْحاقُ بن عبد الله بن أبي طَلْحَةَ

عن أنسِ بنِ مالك: أنَّ أُمِّ سُلَيْمٍ غَدَتْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَتْ: عَلَّمني كلماتٍ أقولُهُنَّ في صلاتي، فقال:"كبِّري الله عَشْرًا، وسَبِّحِي الله عَشْرًا، واحْمَدِيه عَشْرًا، ثُمَّ سَلِي ما شِئْتِ، يقول: نَعَمْ نَعَمْ"

(1)

.

= العبادات، وقال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات": جاء فيها حديث حسن، قال: وهي سنة حسنة.

وقال الحافظ ابن حجر في رسالته التي في الأجوبة عن أحاديث المصابيح المطبوعة بآخر "المشكاة" 3/ 1779 - 1782 بعد كلام مطول: والحق أنه في درجة الحسن لكثرة طرقه.

وقد بسط القول في بيان طرقها وشواهدها والرد على من ضعفها وأنكرها، في رسالته "مجالس أمالي الأذكار في صلاة التسبيح" فانظرها فإنها غاية في النفاسة.

وقال الزبيدي في "شرح الإحياء" 3/ 481: وقد نص على استحبابها غير واحد من أصحابنا، (يعني الحنفية) آخرهم صاحب "البحر" والبرهان الحلبي، وذكرها فخر الإسلام البزدوي في "شرح الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن.

(1)

حديث حسن، وأخرجه النسائي 3/ 51، وهو في "المسند"(12207)، و"صحيح ابن حبان"(2011).

قال العراقي في شرحه: حديث أنس وإن كان المصنف حسنه، ورجاله محتج بهم في الصحيح، فإن في إيراد المصنف له في باب صلاة التسبيح نظرًا، فإن المعروف أنه ورد في التسبيح عقب الصلوات لا في صلاة التسبيح، وذلك مبين =

ص: 32

وفي البابِ عن ابن عَباسٍ، وعبدِ الله بن عَمْرو، والفضل بن عباسٍ، وأبي رافعٍ.

حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وقد رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ حَديثٍ في صَلاةِ التَّسْبِيحِ، ولا يَصحُّ منه كبيرُ شيءٍ.

وقد رَأى ابنُ المُباركِ وغيرُ واحدٍ من أهْلِ العلمِ صلاةَ التَّسبِيحِ، وذكروا الفضلَ فيه.

487 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن عَبْدَةَ الآمُليُّ

(1)

، قال: حَدَّثَنا أبو وَهْب

(2)

، قال:

سألْتُ عبد الله بن المُباركِ عن الصلاةِ التي يُسَبَّح فيها، فقال: يُكَبِّرُ ثم يقولُ: سُبْحانكَ اللهمَّ وبحَمدكَ، وتَبارَك اسْمُك، وتعالَى

= في عدة طرق، منها ما رواه الطبراني في "كتاب الدعاء"(725) من رواية عبد الرحمن بن إسحاق، عن حسين بن أبي سفيان، عن أنس بن مالك قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا فصلى تطوعًا، فقال:"يا أم سيم إذا صليت المكتوبة، فقولي: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر عشرًا، ثم سلي ما شئت، فإنه يقول لكِ: نعم". ورواه أبو يعلى في "مسنده"(4292) من هذا الوجه، وليس إسناده بجيد. قلنا: وهو كما قال، فعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف، وشيخه مجهول.

(1)

في الأصول عدا نسخة (ل): الضبي: وهو خطأ، فقد نص الإمام الترمذي في "العلل": أن ما كان في "الجامع" عن ابن المبارك، فهو ما حدثه به أحمد بن عبدة الآمُليُّ، عن أصحاب ابن المبارك، وكذلك قيده المزي في "تحفة الأشراف" 13/ 263، فقال: الآمُلي.

(2)

في (ب): ابن وهب، وهو خطأ، وأبو وهب: هو محمد بن مزاحم العامري مولاهم.

ص: 33

جَدُّكَ، ولا إله غيرُك، ثم يقولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً: سبحان الله، والحَمدُ لله، ولا إلهَ إلا الله، والله أكبرُ. ثم يَتَعَوَّذ ويقرأُ {بسم الله الرحمن الرحيم} وفاتحة الكتابِ وسورةً، ثم يقولُ عَشْرَ مرَّاتٍ: سُبْحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا اللهُ، والله أكبر. ثم يَركعُ فيقولُها عَشْرًا، ثم يَرفعُ رأسَه، فيقولُها عشرًا، ثم يَسْجدُ فيقولها عشرًا، ثم يرفع رأسَه فيقولها عشرًا، ثم يَسْجدُ الثانية فيقولها عشرًا، يصلِّي أربعَ رَكَعاتٍ على هذا، فذلك خمسٌ وسبعونَ تسبيحةً في كلَّ ركعةٍ، يَبْدأُ في كلَّ رَكْعَةٍ بخمس عشرةَ تسبيحةً، ثم يقرأُ ثم يسبحُ عشرًا. فإن صلَّى لَيْلًا فَأحَبُّ إليَّ أن يسلِّم في كلِّ رَكعتين

(1)

، وإن صلَّى نهارًا، فإن شاء سَلَّمَ وإن شاءَ لم يسلِّمْ

(2)

.

قال أبو وَهْبٍ: وأخْبَرَني عبدُ العَزيز - هو ابن أبي رِزْمَةَ - عن عبدِ الله أنَّهُ قال: يَبْدأُ في الرُّكوعِ بسبحانَ ربيَ العَظيمِ، وفي السجود بسُبْحانَ رَبيَ الأعْلَى: ثلاثًا، ثم يُسبِّح التَّسْبيْحاتِ.

488 -

قال أحمدُ بن عَبْدَةَ، وحَدَّثَنا وَهْبُ بن زَمْعَةَ، قال: أخْبَرَني عبد العزيز - وهو ابن أبي رِزْمَةَ -، قال:

قلت لعبد الله بن المبارك: إن سَهَا فيها، أيُسَبِّحُ في سجدتي

(1)

في (ب) و (ل): يسلِّم في الركعتين.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه الحاكم 1/ 319 - 320 من طريق عبد الكريم بن عبد الله السكري، عن أبي وهب محمد بن مزاحم، عن ابن المبارك.

ص: 34

السهوِ عشرًا عشرًا؟ قال: لا، إنما هي ثلاثُ مئة تسبيحة

(1)

.

‌20 - باب ما جاء في صِفة الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم

-

489 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حَدَّثَنا أبو أسامَةَ، عن مِسْعَرٍ والأجْلَحِ ومالكِ بن مِغْوَلٍ، عن الحَكَمِ بن عُتَيْبَةَ، عن عبد الرَّحْمنِ بن أبي ليلى

عن كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قال: قلنا: يا رسولَ الله، هذا السَّلامُ عليكَ قد عَلِمْنا، فكيفَ الصلاةُ عليكَ؟ قال:"قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وعلى آل مُحَمَّد، كَما صَلَّيْتَ على إبراهِيمَ، إنك حَميدٌ مَجيدٌ، وبارِكْ على مُحَمَّدٍ وعلى آل مُحَمَّدٍ، كما بَاركْتَ على إبْراهيمَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ".

قال مَحْمودٌ: قال أبو أسامةَ: وزادنِي زائدةُ، عن الأعْمَشِ، عن الحَكَمِ، عن عبدِ الرَّحْمنِ بن أبي ليلَى، قال: ونحنُ نقولُ: وعَلَينا مَعَهُم

(2)

.

(1)

رجاله ثقات.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه دون قول عبد الرحمن: ونحن نقول: وعلينا معهم البخاري (3370) و (4797) و (6357)، ومسلم (406)، وأبو داود (976) و (977) و (978)، وابن ماجه (904)، والنسائي 3/ 47 و 48. وهو في "المسند" (18104)، و"صحيح ابن حبان" (912).

قال الحافظ العراقي في "شرح الترمذي" 1/ ورقة 341 تعليقًا على قول عبد الرحمن بن أبي ليلى: ونحن نقول: وعلينا معهم: لا نعرف عن أحدٍ من أهل العلم أنه استحب ذلك عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وآله غير ابن أبي ليلى، ولا ينبغي أن يزاد على ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. =

ص: 35

وفي الباب عن عليٍّ، وأبي حُمَيْدٍ، وأبي مَسعودٍ، وطَلْحةَ، وأبي سَعيدٍ، وَبُرَيْدَةَ، وزَيدِ بن خَارِجةَ، ويقال: ابن جاريةَ

(1)

، وأبي هُريرةَ.

حَديثُ كَعْبِ بن عُجْرَةَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

وعبدُ الرَّحمنِ بن أبي لَيلَى: كُنْيته أبو عيسَى، وأبو لَيْلَى: اسْمُهُ يَسَارٌ.

‌21 - باب مَا جاء في فضلِ الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم

-

490 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن بشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن خالدِ بن عَثْمَةَ، قال: حَدَّثَنا موسى بن يعقوبَ الزَّمْعِيُّ، قال: حَدَّثَنِي عبد الله بن كَيْسَانَ، أن عبد الله بن شدَّاد أخبَرَهُ

عن عبدِ الله بن مَسْعودٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَوْلَى النَّاسِ بي يومَ القِيامةِ اكثَرُهم عليَّ صلاةً"

(2)

.

= وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: وهذه الزيادة من باب الدعاء، ولكنا نراها غير جائزة في صيغة الصلاة المروية، لأنها صيغة جاءت بالنص على سبيل التعَبُّد، فلا يجوز الزيادة فيها، وليدعُ المصلي لنفسه بعد أدائها بما يشاء.

(1)

والصواب زيد بن خارجة، وحديثه في "المسند"(1714) و"سنن النسائي" 3/ 48 - 49، وإسناده صحيح.

(2)

إسناده ضعيف لضعف موسى بن يعقوب الزمعي، وشيخه عبد الله بن كيسان - وهو الزهري مولاهم - مجهول. وانظر تمام تخريجه في "صحيح ابن حبان"(911).

وله شاهد من حديث أبي أمامة عند البيهقي 3/ 249، ولفظه: "صلاة أمتي تعرض =

ص: 36

هذا حَديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ.

ورُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: "مَن صَلَّى عليَّ صَلاةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِها عَشْرًا، وكَتَبَ له عَشْرَ حَسَناتٍ"

(1)

.

491 -

حَدَّثَنا عليُّ بن حُجْرٍ، قالَ: أخْبَرَنا إسْماعيلُ بن جَعْفَر، عن العَلاء بن عبدِ الرَّحْمن بن يعقوب، عن أبيهِ

عن أبي هُرَيرةَ، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صَلَّى عليَّ صَلاةً، صلَّى اللهُ عليه عَشْرًا"

(2)

.

وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوفٍ، وعامر بن رَبيعة، وعَمَّار، وأبي طلحةَ، وأنسٍ، وأُبَيِّ بن كعبٍ.

حَديث أبي هُرَيرةَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

ورُويَ عن سُفيانَ الثوريِّ وغير واحدٍ من أهْلِ العِلمِ، قالوا:

= عليَّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة، كان أقربهم مني منزلة" وفي سنده من لا يعرف، ومع ذلك فقد قال الحافظ في "الفتح" 11/ 167: لا بأس بسنده.

(1)

حديث صحيح، أخرجه أحمد (7561)، وأبو يعلى (6527)، وصححه ابن حبان (905) من حديث أبي هريرة، ولفظه:"من صلى علي مرة واحدة، كتب الله له بها عشر حسنات".

وانظر الحديث التالي.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (408)، وأبو داود (1530)، والنسائي 3/ 50، وهو في "المسند"(8854)، و"صحيح ابن حبان"(906).

ص: 37

صلاةُ الرَّبِّ: الرحمةُ، وصَلاةُ المَلائِكةِ: الاسْتِغْفارُ

(1)

.

492 -

حَدَّثَنا أبو داودَ سليمانُ بن سَلْمٍ البَلْخيُّ، قالَ: أخْبَرَنا النَّضْرُ بن شُمَيْلٍ، عن أبي قُرَّةَ الأسَدِيِّ، عن سَعيدِ بن المُسيّبِ

عن عُمَرَ بن الخَطّابِ، قال: إنَّ الدُّعاءَ مَوْقوفٌ بَيْنَ السَماءِ والأرضِ، لا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيء حَتَّى تُصلِّيَ على نَبيِّك صلى الله عليه وسلم

(2)

.

والعَلاءُ بن عبدِ الرَّحْمنِ: هو ابن يَعْقوب، هو مَوْلَى الحُرَقَةِ، والعلاء هوَ من التابِعينَ، سَمعَ من أنسَ بن مَالكٍ وغَيره.

(1)

انظر فضل الصلاة على النبي ص 80 - 81 لإسماعيل القاضي.

(2)

إسناده ضعيف، أبو قرة الأسدي مجهول.

وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة" للبوصيري (8297) عن النضر بن شميل، به.

وأخرجه إسماعيل القاضي في "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"(74) من طريق عمرو بن مسافر، عن شيخ من أهل عمرو، عن سعيد بن المسيب قال: ما من دعوة لا يُصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم قبلها إلا كانت مُعلَّقة بين الماء والأرض. وإسناده ضعيف، عمرو بن مسافر - ويقال: عمر بن مساور - ضعيف، وشيخه مبهم.

وفي الباب عن معاذ بن جبل مرفوعًا عند ابن حبان في "المجروحين" 1/ 113، وإسناده ضعيف.

وعن علي مرفوعًا عند البيهقي في "شعب الإيمان"(1576) وإسناده ضعيف، وعنه موقوفًا عند الطبراني في "الأوسط"(725)، والبيهقي في "الشعب"(1575) وجوَّد إسناده الحافظ العراقي في "شرحه على الترمذي" 1/ الورقة 345، ومثل هذا لا يقال من قِبَل الرأي ولا يُدرَك بالنظر كما قال الإمام ابن العربي في "عارضة الأحوذي" 2/ 273.

وانظر ما سيأتي برقم (3784).

ص: 38

وعبدُ الرَّحْمنِ بن يَعقوبَ والد العَلاءِ هو من التابِعينَ، سَمِعَ مِن أبي هُرَيرةَ وأبي سَعيدٍ الخُدريِّ.

ويعقوبُ هو من كِبار التَّابِعينَ، قد أدْرَكَ عُمرَ بن الخَطّاب، ورَوَى عَنْهُ.

493 -

حَدَّثَنا عَبَّاسُ بن عَبدِ العَظيمِ العَنْبَرِيُّ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الرّحْمنِ بن مَهْدي، عن مَالكِ بن أنَسٍ، عن العَلاءِ بن عَبد الرَّحمنِ بن يَعْقوبَ، عن أبيه، عن جَدِّهِ قال:

قال عُمَرُ بنُ الخَطَّاب: لا يَبِعْ في سُوقِنا إلَّا مَن قَد تَفَقَّهَ في الدِّينِ

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسَنٌ غَريب.

(1)

رجاله ثقات، يعقوب مولى الحرقة روى عنه ثقتان، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وباقي رجاله ثقات.

وأخرجه ابن أبي شيبة 7/ 323 عن جرير بن عبد الحميد، عن ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن عمر. وهذا سند ضعيف ومنقطع.

وقد استدل به الترمذي على ما ادعَى من أن يعقوب قد أدرك عُمر وروى عنه، ولأجل ذلك أدخل هذا الأثر في هذا الباب.

ص: 39

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب الجمعة

‌1 - باب فَضْل يومِ الجُمعة

494 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا المغيرةُ بن عبدِ الرَّحْمنِ، عن أبي الزِّنَادِ، عن الأعْرَجِ

عن أبي هُرَيرةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ يومٍ طَلَعَتْ فيه الشمسُ يومُ الجمعة: فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه أُدْخِلَ الجنة، وفيه أُخْرِجَ منها، ولا تقُومُ الساعةُ إلَّا في يوم الجمعةِ"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي لُبَابَةَ، وسَلْمَانَ، وأبي ذَرٍّ، وسَعْد بن عُبَادَةَ، وأوْس بن أوسٍ.

حَديثُ أبي هُريرةَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

‌2 - باب ما جاء في الساعَةِ التي تُرْجَى في يَوْمِ الجُمعة

495 -

حَدَّثَنا عبد الله بن الصَّبَّاح الهاشميُّ البصريُّ، قال: حَدَّثَنا

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (854)، والنسائي 3/ 89 - 90، وهو في "المسند"(9207)

وسيأتي عند المصنف برقم (497) ضمن حديث طويل من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة.

ص: 41

عُبَيدُ الله بن عبد المَجيد الحَنَفيُّ، قال: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن أبي حُمَيْد، قال: حَدَّثنا موسَى بن وَرْدَانَ

عن أنسِ بن مالِكٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"التَمِسُوا السَّاعةَ التي تُرْجَى في يَوْمِ الجُمعةِ بَعدَ العَصْرِ إلى غَيْبُوبةِ الشَّمْسِ"

(1)

.

هذا حَديثٌ غَريبٌ من هذا الوَجْهِ.

وقد رُوِيَ هذا الحَديثُ عن أنسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من غيرِ هذا الوَجْهِ.

ومُحَمَّدُ بن أبي حُمَيْد يُضَعَّفُ، ضَعَّفَه بعضُ أهْلِ العِلْمِ مِن قِبلِ حِفْظه، ويقالُ له: حَمَّاد بن أبي حُمَيْد، ويقالُ: هو أبو إبْراهيم الأنصاريُّ، وهو مُنْكَر الحَديثِ.

(1)

حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف، لضعف محمد بن أبي حميد.

وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(136)، وابن عدي في "الكامل" 6/ 2346، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" 1/ 176 - 177، والبغوي في "شرح السنة"(1051).

ويشهد له حديث جابر بن عبد الله عند أبي داود (1048)، والنسائي 3/ 99 - 100 ولفظه:"يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخرَ ساعة بعد العصر" وسنده جيد، وصححه الحاكم 1/ 279.

وحديث أبي سعيد وأبي هريرة عند أحمد (7688) بلفظ: "إن في الجمعة ساعة

وهي بعد العصر".

وانظر ما سيأتي برقم (497).

ص: 42

ورأى بعضُ أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم: أنَّ الساعة التي تُرْجَى بعدَ العَصْرِ إلى أن تغرُبَ الشَّمْس، وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ.

وقال أحمدُ: أكثر الحديث في الساعةِ التي تُرْجَى فيها إجابةُ الدعوة أنها بعد صلاة العصر، وتُرجَى بعدَ زوال الشمس.

496 -

حَدَّثَنا زيَادُ بن أيوبَ البغداديُّ، قال: حَدَّثنا أبو عامرٍ العَقَدِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا كَثِيرُ بن عبدِ الله بن عَمْرو بن عَوفٍ المُزنِيُّ، عن أبيه

عَنْ جَدِّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إنَّ في الجُمعةِ ساعةً لا يسألُ اللهَ العبدُ فيها شيئًا إلَّا آتاهُ الله إيَّاهُ"، قالوا: يا رسولَ الله، أيَّةُ ساعةٍ هي؟ قال:"حينَ تُقامُ الصلاةُ إلى انصرافٍ منها"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي موسَى، وأبي ذَرٍّ، وسَلْمانَ، وعبدِ الله بن سَلامٍ، وأبي لُبابَةَ، وسَعْد بن عُبادَةَ، وأبي أمامة

(2)

.

حديثُ عَمْرو بن عوفٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

497 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بن موسَى الأنصاريُّ، قال: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قال:

(1)

صحيح لغيره دون تعيين ساعة الاستجابة، لأن الصحيح كما سبق أنها بعد العصر، وهذا إسناد ضعيف، كثير بن عبد الله بن عمرو ضعيف، ووالدُه عبد الله بن عمرو مجهول تفرد بالرواية عنه ابنه كثير، ولم يوثقه سوى ابن حبان.

وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 150، وعبد بن حميد (291)، وابن ماجه (1138). وشطره الأول سيأتي في الحديث التالي بسند صحيح.

(2)

قوله: "وأبي أمامة" أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.

ص: 43

حَدَّثَنا مالكُ بن أَنسٍ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادِ، عن محمد بن إبراهيمَ، عن أبي سَلَمَة

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ يومٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمسُ يومُ الجمعةِ: فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيه أُهْبطَ مِنْها، وفيه ساعةٌ لا يُوافِقها عَبْدٌ مُسلمٌ يُصلِّي، فَيَسألُ الله فيهَا شَيئًا إلَّا أعْطَاهُ إيَّاهُ".

قال أبو هُريرة: فَلَقِيتُ عبدَ الله بن سَلَامٍ، فذكرتُ له هذا الحَديثَ، فقال: أنا أعْلَمُ تلك الساعة، فقلتُ: أخْبِرني بها، ولا تَضْنَنْ بها عَلَيَّ؟ قال: هي بعدَ العصرِ إلى أن تغربَ الشمسُ، قلتُ: فكيفَ تكون بعدَ العصرِ وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُوافِقُهَا عبدٌ مُسْلمٌ وهو يُصلِّي"، وتلك الساعةُ لا يُصلَّى فيها؟ فقالَ عبدُ الله بن سَلام: أَلَيْسَ قَدْ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظرُ الصَّلاةَ فهوَ في صَلاةٍ

(1)

"؟ قلت: بَلَى، قالَ: فهوَ ذاكَ. وفي الحَديثِ قِصةٌ طَويلةٌ

(2)

.

وهذا حَديثٌ صَحيحٌ

(3)

.

(1)

المثبت من (ب) وشرح العراقي، وفي (أ) و (ب) و (س) و (ل): الصلاة.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 108، وأبو داود (1046)، والنسائي 3/ 113 - 115، وهو في "المسند"(10303)، و"صحيح ابن حبان"(2772).

(3)

في طبعة الشيخ أحمد شاكر وشرح العراقي: حسن صحيح، والمثبت من الأصول الخطية وشرح المباركفوري، ولم يذكر المزي في "التحفة" 10/ 474 =

ص: 44

قال: ومَعْنى قوله: "أخْبِرْني بِها، ولا تَضْنَنْ بها عليَّ": يقول: لا تَبْخَلْ بها عليَّ، والضَّنينُ: البَخيلُ، والطَّنينُ: المتَّهَمُ.

‌3 - باب مَا جاءَ في الاغْتِسالِ يومَ الجمعةِ

498 -

حَدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قالَ: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سالمٍ

عن أبيهِ، أنه سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن أتَى الجمعةَ

(1)

، فليغتسِلْ"

(2)

.

وفي البابِ عن عُمَرَ، وأبي سَعيدٍ، وجابرٍ، والبَرَاء، وعائشةَ، وأبي الدَّرْدَاءِ.

حَديثُ ابن عُمَرَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

ورُوِيَ عن الزُّهْريِّ، عن عبدِ الله بن عبد الله بن عُمرَ، عن أبيهِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا الحَديثُ أيضًا.

499 -

حَدَّثَنا بذلك قُتَيْبَةُ، قالَ: حَدَّثَنا اللَّيثُ بن سَعْدٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن عبدِ الله بن عبدِ الله بن عُمَرَ، عن عبد الله بن عمر، عن النبيِّ

= درجته.

(1)

في (ب): من أتى إلى الجمعة.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (877) و (894) و (919)، ومسلم (844)، وابن ماجه (1088)، والنسائي 3/ 93 و 105 و 106، وهو في "المسند"(4466)، و"صحيح ابن حبان"(1223).

ص: 45

صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ

(1)

.

وقالَ مُحَمَّدٌ: وحَديثُ الزُّهري، عن سالمٍ، عن أبيهِ، وحَديثُ عبد الله بن عبد الله، عن أبيهِ، كِلا الحَديثَينِ صَحيح.

وقالَ بعضُ أصحاب الزُّهريِّ، عن الزُّهريِّ، قالَ: حَدَّثَني آلُ عبد الله بن عُمَرَ، عن ابن عُمَرَ.

وقد رُوِيَ عن ابن عُمرَ، عن عُمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الغُسْل في يوم الجمعةِ أيضًا، وهو حَديثٌ صَحيحٌ.

رواه يونسُ ومَعْمَرٌ، عن الزهريِّ، عن سالمٍ، عن أبيه

(2)

:

بَيْنَما عُمر بن الخَطّاب يَخطبُ يومَ الجمعةِ إذ دَخَلَ رَجلٌ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: أيَّةُ ساعةٍ هذه؟! فقالَ: مَا هُوَ إلَّا أنْ سَمعتُ النِّداءَ وَمَا زِدْتُ على أن تَوضَّأتُ. قالَ: والوضوءُ أيضًا وقد عَلمتَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بالغُسْلِ!

500 -

حدَّثَنا بذلك محمد بن أبَانَ، قالَ: حَدَّثَنا عبد الرزَّاق، عن مَعْمَرٍ، عن الزهريِّ

(3)

.

(1)

إسناده صحيح، وانظر ما قبله.

(2)

من قوله: "وقد روي عن ابن عمر" إلى هنا، أثبتناه من (ل) ونسخة بهامش (أ)، ومن "عارضة الأحوذي"، ولم يرد في سائر الأصول، ولا في "تحفة الأشراف" 8/ 77.

(3)

إسناده صحيح، وهو في "مصنف عد الرزاق"(5292)، ومن طريقه أخرجه أحمد (202)، وعبد بن حميد (8)، والبزار في "مسنده"(108)، والطحاوي 1/ 118. =

ص: 46

501 -

وحَدَّثَنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا عبدُ الله بن صالحٍ، قالَ: حَدَّثَنا اللَّيْث، عن يونسَ، عن الزهريَّ، بهذا الحديث

(1)

.

ورَوَى مالكٌ هذا الحَديثَ عن الزهريِّ، عن سالمٍ، قالَ: بَيْنَما عمرُ يَخطبُ يومَ الجمعةِ، فذَكَرَ الحَديث

(2)

.

سألت مُحَمَّدًا عن هذا، فقالَ: الصَحيحُ حَديثُ الزهريِّ، عن سالم، عن أبيه.

قال محمد: وقد رُويَ عن مالكٍ أيضًا، عن الزُّهْريِّ، عن سالم، عن أبيه، نَحْوُ هذا الحديثِ

(3)

.

‌4 - باب في فَضْلِ الغسلِ يوم الجُمعةِ

502 -

حَدَّثَنا مَحمودُ بن غَيْلانَ، قالَ: حَدَّثَنا وكيعٌ، حدثنا سُفيان وأبو جَنَابٍ يَحْيَى بن أبي حَيَّةَ، عن عبدِ الله بنِ عيسَى، عن يَحْيَى بن الحارثِ، عن أبي الأشعَثِ الصَّنْعانِي

عن أوْسِ بن أوْسٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن اغتسلَ يومَ الجُمعةِ وغَسَّلَ، وبكَّرَ وابْتكَرَ، ودَنَا واستمعَ وأنْصَتَ، كان له

= وأخرجه الشافعي 1/ 135، كلاهما (عبد الرزاق والشافعي) عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.

(1)

أخرجه مسلم (845)(3) من طريق ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.

(2)

هو في "الموطأ" 1/ 101 - 102 برواية يحيى بن يحيى الليثي.

(3)

هو في "الموطأ" برواية محمد بن الحسن (62)، ومن طريق مالك أخرجه البخاري (878). وهو في "المسند"(199).

ص: 47

بكلِّ خَطوةٍ يخطوها أجْرُ سَنَةٍ، صيامِها وقيامِها". قالَ محمودٌ في هذا الحديث: قال وكيعٌ: اغتسلَ هو، وغَسَّل امرأتَه

(1)

.

ويُروى عن ابنِ المُباركِ أنه قالَ في هذا الحَديثِ: مَنْ غَسَّلَ واغتَسَلَ: يعني غَسَلَ رأسهُ واغْتَسَلَ.

وفي البابِ عن أبي بَكْرٍ، وعِمْران بن حُصَيْن، وسَلْمان، وأبي ذَرٍّ، وأبي سعيدٍ، وابن عمرَ

(2)

، وأبي أيُّوبَ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (345) و (346)، وابن ماجه (1087)، والنسائي 3/ 95 - 96 و 97 و 102 - 103، وابن خزيمة (1767)، وهو في "المسند"(16161) و (16178)، و"صحيح ابن حبان"(2781).

قوله: "من اغتسل يوم الجمعة وغسل": قال ابن الأثير في "النهاية" 3/ 367: ذهب كثير من الناس أن "غسَّل" أراد به المجامعة قبل الخروج إلى الصلاة، لأن ذلك يجمع غضَّ البصر في الطريق، يقال: غسَّل الرجل امرأته - بالتشديد والتخفيف - إذا جامعها، وقد روي مخفّفًا.

وقيل: أراد غسَّل غيره واغتسل هو، لأنه إذا جامع زوجته أحوجها إلى الغسل. وقيل: أراد بـ "غسَّل" غَسْل أعضائه للوضوء، ثم يغتسل للجمعة. وقيل: هما بمعنى واحد، وكرَّره للتأكيد.

قوله: "وبكَّر وابتكر" بكَّر أتى الصلاة في أول وقتها. وكل من أسرع الى شيء فقد بكّر إليه.

وأما ابتكر، فمعناه أدرك أول الخطبة، وأول كل شيء باكورته. وابتكر الرجل: إذا أكل باكورة الفواكه.

وقيل: معنى اللفظتين واحد، وإنما كرر للمبالغة والتوكيد، كما قالوا: جادٌّ مجدٌّ.

(2)

قوله: ابن عمر، أثبتناه من (ل) وشرحي العراقي والمباركفوري، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.

ص: 48

حديثُ أوس بن أوْسٍ حَديثٌ حَسَنٌ.

وأبو الأشْعَثِ الصَّنْعانيُّ اسْمُهُ: شَرَاحِيلُ بن آدَة

(1)

.

‌5 - باب في الوضوءِ يومَ الجمعةِ

503 -

حَدَّثَنا أبو موسَى مُحَمَّد بن المُثنَّى، قالَ: حَدَّثَنا سعيدُ بن سفيانَ الجَحْدَريُّ، قال: حَدَّثَنا شعبةُ، عن قتادَةَ، عن الحَسَنِ

عن سَمُرَة بن جُنْدُبٍ، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضأَ يومَ الجمعةِ، فَبِها ونِعْمَتْ، ومَنِ اغْتَسَلَ، فالغُسْلُ أفضلُ"

(2)

.

وفي البابِ عن أبي هُرَيرة، وأنَسٍ، وعائشةَ.

حَديثُ سَمُرَةَ حَديثٌ حَسَنٌ

(3)

.

وقد رَوَى بعضُ أصْحابِ قَتادةَ هذا الحَديث، عن قتادَةَ، عن الحَسَن، عن سَمُرة.

(1)

المثبت من (ل) ونسخة بهامش (أ) ومن النسخة التي شرح عليها العراقي، وكذا سماه الدولابي 1/ 109، وأبو أحمد الحاكم 1/ 427 في كتابيهما "الكنى"، ورجحه المزي في "التهذيب" 12/ 408، وفي سائر أصولنا الخطية: شُرحبيل، وكلا الاسمين قد قيل فيه.

(2)

حسن لغيره، الحسن لم يصرح بسماعه من سمرة وأخرجه أبو داود (354)، والنسائي 3/ 94، وهو في "المسند"(20089).

وفي الباب عن غير واحد من الصحابة، انظر أحاديثهم في "المسند" تحت الحديث (20089).

(3)

المثبت من (ب)، و"تحفة الأشراف" 4/ 69، ومن النسخة التي شرح عليها العراقي، وفي بقية الأصول الخطية: حسن صحيح.

ص: 49

ورَواه بعضُهم عن قتادَةَ، عن الحَسَن، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

والعَمَلُ على هذا عِند أهْل العِلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، اخْتَارُوا الغُسلَ يومَ الجمعةِ، ورَأَوْا أن يُجزئ الوضوءُ من الغسْلِ يوم الجمعةِ.

قال الشافعيُّ: وممَّا يدلُّ على أن أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالغسل يومَ الجمعة أنه على الاختيار لا على الوجوبِ حديثُ عمرَ

(1)

، حيث قال لعثمانَ: والوضوءُ أيضًا وقد علمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل يوم الجمعة! فلو عَلِمَا أن أمرَهُ على الوجوبِ لا على الاختيارِ لم يَتْرُكْ عمرُ عثمانَ حتى يَرُدَّهُ ويقولَ له: ارْجِعْ فاغْتَسلْ، ولَمَا خَفِيَ على عُثمانَ ذلك مع عِلْمِهِ، ولكِنْ دلَّ في هذا الحَديثِ أنَّ الغُسل يوم الجمعةِ فيه فَضْلٌ من غير وجوبٍ يَجِبُ على المرءِ في ذلك.

504 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا أبو معاويةَ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ

عن أبي هريرةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن توضأَ فَأحْسَنَ الوضوءَ، ثُمَّ أتَى الجُمعةَ، فَدَنَا واستمعَ وأنْصَتَ، غُفِرَ له ما بَيْنَهُ وبَيْنَ الجُمعةِ وزيادةُ ثلاثة أيامٍ، ومَنْ مَسَّ الحصَى، فقد لَغَا"

(2)

.

(1)

السالف برقم (500).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (857)، وأبو داود (1050)، وابن ماجه (1025) و (1090). وهو في "المسند"(9484)، و"صحيح ابن حبان"(1231). =

ص: 50

هذا حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

‌6 - باب ما جاءَ في التَّبكيرِ إلى الجُمعةِ

505 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بن موسَى الأنصاريُّ، قالَ: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قال: حَدَّثَنا مالكٌ، عن سُمَيٍّ، عن أبي صالح

عن أبي هُريرةَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ اغْتَسلَ يومَ الجمعةِ غُسْلَ الجَنابة ثُمَّ راحَ، فكأنَّما قرَّبَ بدَنَةً، ومن راحَ في الساعةِ الثانيةِ، فكأنَّما قَرَّبَ بقرةً، ومن راحَ في الساعةِ الثالثةِ، فكأنَّما قرَّب كَبْشًا أقْرَنَ، ومن راحَ في الساعةِ الرابعةِ، فكأنَّما قرَّب دَجَاجَةً، ومن راحَ في الساعةِ الخامسةِ، فكأنَّما قرَّب بَيْضَةً، فإذا خرجَ الإمامُ، حَضرَتِ الملائكةُ يستمعونَ الذِّكْرَ"

(1)

.

وفي البابِ عن عبدِ الله بن عَمْرٍو، وسَمُرَةَ.

حَديثُ أبي هُرَيرةَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

‌7 - باب مَا جاءَ في تَرْكِ الجُمعةِ من غيرِ عُذْرٍ

506 -

حَدَّثَنا عليُّ بن خَشْرمٍ، قالَ: أخبَرَنا عيسَى بنُ يونسَ، عن

= قوله: "ومن مس الحصى، فقد لغا" قال النووي: فيه النهي عن مس الحصى وغيره من أنواع العبث في حال الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد باللغو ها هنا: الباطل المذموم المردود.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (881) و (929)، ومسلم (850)، وأبو داود (351)، وابن ماجه (1092)، والنسائي 2/ 116 و 3/ 97 - 99، وهو في "المسند"(9926)، و"صحيح ابن حبان"(2775).

ص: 51

مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو، عن عَبِيدَةَ بن سفيانَ

عن أبي الجَعْدِ - يعني الضَّمْرِيَّ، وَكانت له صُحْبَةٌ فيما زَعَم محمد بن عَمْرٍو -، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ الجُمعةَ ثلاثَ مراتٍ تَهاونًا بها، طَبَعَ اللهُ على قلْبِهِ"

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وسَمُرَةَ.

حَديثُ أبي الجَعد حَديثٌ حَسَنٌ.

قال: وسَألْتُ مُحَمَّدًا عن اسْمِ أَبي الجعدِ الضَّمرِيِّ، فلم يَعْرِفِ اسمَه، وقال: لا أعرفُ له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديثَ.

ولا نعرفُ هذا الحَديثَ إلَّا من حَديثِ مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو.

‌8 - باب ما جاء مِنْ كَمْ تُؤْتَى الجُمعةُ

507 -

حَدَّثَنا عَبْدُ بن حُمَيْدٍ ومحمد بن مَدُّوْيَه، قالا: حَدَّثَنا الفضلُ بن دُكَيْنٍ، قال: حَدَّثَنا إسْرائيلُ، عن ثُوَيْرٍ، عن رجلٍ من أهْلِ قُبَاءَ

عن أبيه - وكانَ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: أَمَرَنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ نَشْهَدَ الجمعةَ مِنْ قُبَاءَ

(2)

.

(1)

إسناده حسن، وأخرجه أبو داود (1052)، وابن ماجه (1125)، والنسائي 3/ 88، وابن خزيمة (1857) و (1858)، وهو في "المسند"(15498)، و"صحيح ابن حبان"(2786).

(2)

إسناده ضعيف جدًا، ثوير - وهو ابن أبي فاختة - ضعيف متهم، وشيخه مبهم.

وأخرج ابن ماجه (1124) من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن =

ص: 52

هذا حَديثٌ لا نعرفُه إلَّا من هذا الوجه، ولا يصحُّ في هذا الباب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ.

وقد رُويَ عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"الجُمعةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ الليلُ إلى أهله"

(1)

.

وهذا حَديثٌ إسنادُه ضَعيفٌ، إنَّما يُرْوَى مِن حَديثِ مُعَارِكِ بن عَبَّادٍ، عن عبد الله بن سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ. وضَعَّفَ يَحْيَى بنُ سَعيدٍ القَطَّانُ عبدَ الله بن سَعيدٍ المَقبريَّ في الحَديث.

واختلَف أهلُ العلم على مَن تجبُ الجمعةُ:

فقال بعضُهم: تجب الجمعةُ على مَن آواهُ الليل إلى منزله.

وقال بعضُهم: لا تجب الجمعةُ إلَّا على مَن سمع النداءَ. وهو قولُ الشافعي، وأحمد، وإسحاق.

508 -

سمعتُ أحمدَ بن الحسن يقول: كنَّا عند أحمد بن حنبلٍ فذكروا على مَن تَجبُ الجمعةُ، فلم يَذكرْ أحمدُ فيه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيئًا، قال أحمدُ

= ابن عمر، قال: إن أهل قباء كانوا يُجمِّعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة. قلنا: عبد الله بن عمر العمري ضعيف.

ويخالف ذلك حديث عائشة عند البخاري (902)، ومسلم (847)، ولفظه: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم والعوالي. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 2/ 386: أي يحضرونها نُوَبًا، والانتياب افتعال من النَّوْبة، وفي رواية "يتناوبون". ثم قال: لو كان واجبًا على أهل العوالي (وهي على أربعة أميال فصاعدًا من المدينة) ما تناوبوا، ولكانوا يحضرون جميعًا.

(1)

سيسنده المصنف في الحديث الآتي.

ص: 53

ابن الحسن: فقلتُ لأحمد بن حنبلٍ: فيه عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أحمد: عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟! قلت: نعم، حَدَّثَنا حَجَّاجُ بن نُصَيْرٍ، قال: حَدَّثَنا مُعارِكُ بن عَبَّادٍ، عن عبد الله بن سعيدٍ المَقْبُريِّ، عن أبيهِ

عن أبي هُرَيرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:"الجُمعةُ على من آواه اللَّيلُ إلى أهْلِهِ"

(1)

قال: فغضبَ عليَّ أحمدُ، وقال: استغفِرْ ربَّكَ، استغفِرْ ربَّك.

وإنَّما فعل به أحمدُ بن حَنْبلٍ هذا، لأنَّه لم يَعُدَّ هذا الحديثَ شيئًا، وضعَّفه لحالِ إسنادِه.

‌9 - باب ما جاء في وقتِ الجمعة

509 -

حَدَّثَنا أحمد بن مَنِيعٍ، قال: حَدَّثَنا سُرَيْجُ بن النُّعْمَانِ، قال: حَدَّثَنا فُلَيْحُ بن سليمانَ، عن عثمانَ بن عبد الرحمن التَّيْمِيِّ

عن أنس بن مالكٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي الجُمعة حينَ تَمِيلُ الشمسُ

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف جدًا مسلسل بالضعفاء، حجاج ومعارك وعبد الله ضعفاء.

وأخرجه من طريق الترمذي ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(782).

وأخرج أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" 2/ 140 من طريق أبي عامر العقدي، عن عبد الواحد بن ميمون، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا:"من لزمته الجمعة فليغتسل، والجمعة على من آواه الليل" وإسناده ضعيف بمرة، عبد الواحد بن ميمون قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك.

(2)

إسناده حسن من أجل فليح بن سليمان، وأخرجه البخاري (904)، وأبو =

ص: 54

510 -

حَدَّثَنا يحيى بن موسَى، قال: حَدَّثَنا أبو داودَ الطيالسيُّ، قال: حَدَّثَنا فُلَيْحُ بن سليمانَ، عن عثمانَ بن عبد الرحمن التيميِّ، عن أنسٍ، نحوه

(1)

.

وفي الباب عن سَلَمَةَ بن الأكْوَعِ، وجابرٍ، والزُّبَيْرِ بن العوّام.

حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وهو الذي أجْمَعَ عَليهِ أكثر أهل العلمِ: أنّ وقتَ الجُمعةِ إذا زالت الشمسُ، كَوقتِ الظُّهر، وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

ورَأَى بعضُهم أن صلاةَ الجمعةِ إذا صُلّيَتْ قبلَ الزَّوَال أنهَا تجوزُ أيضًا.

وقال أحمد: ومَنْ صَلَّاها قبلَ الزوال، كأنَّهُ لَمْ يَرَ عليه إعادةً.

= داود (1084)، وهو في "المسند"(12299).

(1)

إسناده حسن كسابقه.

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" 6/ 148 قال مالك وأبو حنيفة وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق، فجوزاها قبل الزوال، وروي في هذا أشياءُ عن الصحابة لا يصحُّ منها شيء إلا ما عليه الجمهور، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة، لأنهم نُدبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا لشيء من ذلك قبلها، خافوا فوتَها أو فوتَ التبكير إليها.

ص: 55

‌10 - باب ما جاء في الخُطبة على المِنْبر

511 -

حَدَّثَنا أبو حَفْصٍ عَمْرُو بن عليٍّ الفلَّاسُ، قال: حَدَّثَنا عثمانُ بن عُمَرَ ويَحيى بن كَثِيرٍ أبو غَسَّانَ العَنْبَرِيُّ، قال: حَدَّثَنا مُعَاذُ بن العَلاء، عن نافعٍ

عن ابن عُمَرَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَخْطُب إلى جذْعٍ، فلمَّا اتَّخَذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المِنبَر، حَنَّ الجذْعُ، حتى أتَاهُ فالْتزَمَهُ، فسَكَنَ

(1)

.

وفي الباب عن أنسٍ، وجابرٍ، وَسَهْلِ بن سعدٍ، وأُبَيِّ بن كعْبٍ، وابن عبَّاسٍ، وأمِّ سَلَمَةَ.

حديث ابن عُمَرَ حَديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ صَحيحٌ.

ومُعَاذُ بن العلاءِ: هو بصريٌّ، وهو أخو أبي عَمْرو بن العَلاءِ.

‌11 - باب ما جاء في الجلوس بين الخُطبتين

512 -

حَدَّثنا حُمَيْدُ بن مَسْعَدَةَ البَصْرِيُّ، قال: حَدَّثَنا خالدُ بن الحارِثِ، قال: حَدَّثَنا عُبيدُ الله بن عمرَ، عن نافعٍ

عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ يومَ الجُمعةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثم يقومُ فيخطُبُ، قال: مِثلَ مَا تَفعلونَ اليومَ

(2)

.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (3583). وهو في "المسند"(5886)، و"صحيح ابن حبان"(6506).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (920) و (928)، ومسلم (861)، وأبو داود (1092) وابن ماجه (1103)، والنسائي 3/ 109. وهو في "المسند" (4919).

ص: 56

وفي الباب عن ابن عباسٍ، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سَمُرَةَ.

حديثُ ابنِ عمرَ حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ.

وهو الَّذِي رآهُ أهلُ العلم: أن يَفْصِلَ بين الخُطبتين بجلوس.

‌12 - باب ماجاء في قَصْد

(1)

الخُطبة

513 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ وهَنَّادٌ قالا: حَدَّثَنا أبو الأحْوصِ، عن سِمَاكِ بن حربٍ

عن جابر بن سَمُرَةَ، قال: كنتُ أُصلَّي مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكانتْ صلاتُه قَصْدًا، وخُطبته قَصْدًا

(2)

.

وفي الباب عن عَمَّارِ بن يَاسِرٍ، وابن أبي أوْفَى.

حديثُ جابر بن سَمُرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌13 - باب ما جاء في القراءة على المِنْبَرِ

514 -

حَدَّثنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن عَمرِو بن دينارٍ، عن عَطَاءٍ، عن صَفْوَانَ بن يَعْلَى بن أُمَيَّةَ

(1)

المثبت من (ب) و (ل) ونسخة بهامش (أ) وفي سائر الأصول: "قصر".

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (866)، وأبو داود (1101) و (1107)، وابن ماجه (1106)، والنسائي 3/ 191 و 192، وهو في "المسند"(20846) و (21026)، و"صحيح ابن حبان"(2802).

قوله: "قصدًا": يعني معتدلًا.

ص: 57

عن أبيه، قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ على المِنبرِ {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77]

(1)

.

وفي الباب عن أبي هريرةَ، وجابر بن سَمُرَة.

حديثُ يَعْلَى بن أُميَّةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، وهو حديث ابن عُيَيْنَةَ.

وقد اختار قومٌ مِن أهل العلم أن يقرأَ الإمامُ في الخُطبةِ آيًا من القرآنِ.

قال الشافعيُّ: وإذا خطب الإمامُ، فلم يقرأْ في خطبته شيئًا مِن القرآنِ، أعاد الخطبةَ.

‌14 - باب في استقبال الإمام إذا خطب

515 -

حَدَّثَنا عَبَّادُ بن يعقوبَ الكوفيُّ، قال: حَدَّثَنا محمد بن الفَضْلِ بن عَطِيَّةَ، عن منصور، عن إبراهيم، عن عَلْقَمَةَ

عن عبد الله بن مسعود، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اسْتَوَى على المنبرِ، استقبلناه بوجوهنا

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (3230) و (3266) و (4819)، ومسلم (871)، وأبو داود (3992)، والنسائي في "الكبرى"(11479).

(2)

إسناده تالف، محمد بن الفضل بن عطية متهم بالكذب.

وأخرجه أبو يعلى (5410)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 45 من طريق محمد بن الفضل، بهذا الإسناد.

ويغني عنه حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري (921) أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس =

ص: 58

وفي الباب عن ابن عمرَ.

وحديثُ منصورٍ لا نعرفُه إلَّا مِن حديث محمد بن الفضل بن عطيَّةَ ومحمد بن الفضل بن عطيَّة ضعيفٌ ذَاهِبُ الحديثِ عند أصحابنا.

والعملُ على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يَسْتَحِبُّونَ استقبالَ الإمام إذَا خَطب، وهو قولُ سفيانَ الثوريَّ، والشافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

ولا يصحُّ في هذا الباب عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ.

‌15 - باب ما جاء في الرَّكعتين إذا جاء الرجلُ والإمامُ يخطبُ

516 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زيد، عن عَمرِو بن دينارٍ

عن جابر بن عبد الله، قال: بينما النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ يومَ الجُمعةِ إذ جاء رجل، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أصَلَّيْتَ؟ ". قال: لا.

= ذات يوم على المنبر، وجلسنا حوله. وقد بَوَّب البخاري على هذا الحديث بقوله: باب يستقبل الإمامُ القومَ، واستقبال الناس الإمام إذا خطب، وكذا بَوَّبَ ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 74 وذكر هذا الحديث. وفي لفظ لأبي سعيد عند مسلم (889) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر، فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم، قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم، وهذا بوّب له ابن خزيمة 2/ 347: باب استقبال الإمام الناس للخطبة.

ص: 59

قال: "فقُمْ فاركعْ"

(1)

.

وهذا حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

517 -

حَدَّثَنا مُحمَّدُ بن أبي عمرَ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن محمد بن عجْلانَ، عن عِيَاضِ بنِ عبد الله بن أبي سَرْحٍ

أنَّ أبَا سعيدٍ الخُدريَّ دخل يومَ الجمعة ومروانُ يخطُبُ، فقام يُصلَّي، فجاء الحَرسُ لِيُجْلِسُوهُ، فأَبَى حتى صلَّى، فلمَّا انصرفَ أتَيْنَاهُ، فقلنا: رَحِمك الله، إنْ كادوا لَيَقَعُوا

(2)

بك! فقال: مَا كنتُ لأَتْرُكَهُمَا بعدَ شيءٍ رأيتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذَكَرَ أنَّ رجلًا جاء يومَ الجمعةِ في هَيْئَةٍ بَذَّةٍ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطُبُ يومَ الجمعةِ، فأَمَره فَصلَّى ركعتين، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطُبُ

(3)

.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (931)، ومسلم (875)، وأبو داود (1115 - 1117)، وابن ماجه (1112)، والنسائي 3/ 103 و 107. وهو في "المسند" (14309).

(2)

كذا في الأصول بحذف النون، والوجه إثباتها، إلا أن أهل العلم بالعربية جوَّزوا حذفها تخفيفًا في الشعر والنثر لغير ناصب ولا جازم، تشبيهًا لها بالضمة، قال الإمام النووي في "شرح مسلم" 17/ 207 تعليقًا على قول عمر في حديث مسلم (2874) في قتلى المشركين في بدر: يا رسول الله كيف يسمعوا وأنَّى يجيبوا: هي لغة صحيحة وإن كانت قليلة الاستعمال.

وانظر "خِزانة الأدب" 8/ 339 - 341 للبغدادي.

(3)

إسناده قوي، وأخرجه أبو داود (1675)، وابن ماجه (1113)، والنسائي 3/ 106 - 107 و 5/ 63. وهو في "المسند" (11197). وبعضهم يزيد فيه على بعض.

ص: 60

قال ابنُ أبي عمرَ: كان ابن عُيَيْنَةَ يُصلِّي ركعتين إذا جاء والإمامُ يخطبُ، ويأمُرُ به، وكان أبو عبد الرحمنِ المُقْرِئُ يَرَاهُ.

وسمعتُ ابنَ أبي عمرَ يقول: قال ابن عيينةَ: كان محمدُ بن عَجْلانَ ثقةً مأمونًا في الحديثِ.

وفي الباب عن جابرٍ، وأبي هريرةَ، وسَهْلِ بن سعدٍ.

حديثُ أبي سعيد الخُدريِّ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

وقال بعضُهم: إذا دخل والإمامُ يخطُب، فإنَّه يجلسُ ولا يصلَّي، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ، وأهل الكوفة.

والقولُ الأولُ أصحُّ.

518 -

حَدَّثَنا قتيبةُ، قال: حَدَّثنا العَلاءُ بن خالدٍ القُرَشِي، قال:

رأيتُ الحسنَ البصريَّ دخلَ المسجدَ يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطُب، فصلَّى ركعتين، ثم جلس.

إنما فعلَ الحسنُ اتّباعًا للحديث، وهو رَوى عن جابر، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديثَ

(1)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه (1115)، والحسن لم يسمع من جابر، وقد سلف الحديث بإسناد صحيح عن جابر برقم (516).

ص: 61

‌16 - باب ما جاء في كراهية الكلامِ والإمامُ يخطبُ

519 -

حَدَّثَنا قتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ، عن عُقَيْلٍ، عن الزُّهْريَّ، عن سعيد بن المُسَيّبِ

عن أبي هريرةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ قال يومَ الجُمعةِ والإمامُ يخطُبُ: أنْصِتْ، فقد لغَا"

(1)

.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (934)، ومسلم (851)، وأبو داود (1112)، وابن ماجه (1110)، والنسائي 3/ 103 - 104 و 104 و 188. وهو في "المسند (7686).

وقوله: فقد لغا. قال صاحب النهاية: يقال: لغا الإنسان يلغو، ولَغى يَلْغَى، ولَغِيَ يَلْغَى: إذا تكلم بالمُطَّرح من القول وما لا يعني.

وجاء في "الفتح" 2/ 414: قال الأخفش: اللغو: الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه، وقال ابن عرفة: اللغو: السَّقَط من القول، وقيل: الميل عن الصواب، وقيل: اللغو: الإثم، كقوله تعالى {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} ، وقال ابن المُنَيَّر: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو: ما لا يحسن من الكلام، وقال النضر بن شميل: معنى لغوت: خِبْتَ من الأجر، وقيل: بطلت فضيلة جمعتك، وقيل: صارت جمعتك ظهرًا.

قال الحافظ: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، ويشهد للقول الأخير ما أخرجه أبو داود (347)، وابن خزيمة (1810) (بسند حسن) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا:"ومَنْ لغا وتخطَّى رقابَ الناسِ كانت له ظهرًا" قال ابن وهب أحد رواته: معناه: أجزأت عنه الصلاة، وحُرِمَ فضيلة الجمعة.

ولأحمد (719) من حديث علي مرفوعًا: "من قال: صَه، فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له".

وله أيضًا (2033)، والبزار (644) من حديث ابن عباس مرفوعًا:"من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة" وله شاهد قوي في "جامع حماد بن سلمة" عن ابن عمر موقوفًا. =

ص: 62

وفي الباب عن ابْن أبي أوْفَى، وجابر بن عبد الله.

حَديثُ أبي هريرةَ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

والعملُ عليه عند أهل العلم، كَرِهُوا للرجل أن يتكلمَ والإمامُ يخطبُ، فقالوا: إن تكلَّم غيرهُ، فلا يُنْكِرْ عليه إلَّا بالإشارةِ.

واختلفوا

(1)

في ردَّ السلام، وتشميت العاطس: فرخَّصَ بعض أهلِ العلمِ في رَدَّ السلام، وتشميت العاطِسِ والإمامُ يخطبُ، وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ.

وكره بعضُ أهلِ العلم مِن التابعينَ وغيرِهم ذلك، وهو قولُ الشافعيِّ.

‌17 - باب في كراهية التَّخَطَّي يومَ الجمعةِ

520 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حَدَّثَنا رِشْدِينُ بن سَعْدٍ، عن زَبَّانَ بن فائِدٍ، عن سَهْل بن مُعَاذِ بن أنسٍ الجُهَنِيَّ

عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن تَخَطَّى رِقَابَ النَّاس يومَ الجمعةِ، اتُّخِذَ جِسْرًا إلى جهنَّم"

(2)

.

= قال العلماء: معناه: لا جمعة له كاملة، للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.

(1)

في (ب): واختُلِفَ.

(2)

إسناده مسلسل بالضعفاء، رشدين بن سعد، وزبان بن فائد، وسهل بن معاذ، وأخرجه ابن ماجه (1116)، وهو في "المسند"(15609).

وفي الباب عن الأرقم بن أبي الأرقم عند أحمد في "المسند"(15447). وإسناده ضعيف جدًا. =

ص: 63

وفي الباب عن جابر.

حَديثُ سهل بن مُعَاذ بن أنسٍ الجُهَنِيَّ حديثٌ غريبٌ، لا نعرفهُ إلَّا من حديث رِشْدِينَ بن سعدٍ.

والعَمَلُ عليه عندَ أهلِ العلم: كرهوا أن يتخطَّى الرجلُ يومَ الجمعةِ رقابَ الناس، وشدَّدوا في ذلك.

وقد تكلَّم بعضُ أهلِ العلم في رِشْدِينَ بنِ سعدٍ، وضَعَّفَهُ مِن قِبَلِ حفظه.

‌18 - باب ما جاء في كراهية الاحْتِباءِ والإِمامُ يخطبُ

521 -

حَدَّثَنا مُحمَّدُ بن حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ والعباسُ بن محمدٍ الدُّورِيُّ، قالا: حَدَّثَنا أبو عبد الرحمن المُقْرِئُ، عن سعيد بن أبي أيوبَ، قال:

= وكراهية تخطي رقاب الناس يوم الجمعة والتشديد في ذلك صحيح ثابت عنه صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أحمد (17697)، وأبو داود (1118)، والنسائي 3/ 103 عن عبد الله بن بُسْر، قال: جاء رجلٌ يتخطَّى رِقاب الناس يومَ الجمعة والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطُبُ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"اجلِسْ، فقد آذَيْتَ وَآنَيْتَ". وإسناده صحيح.

وقوله: "اتخذ"، قال المُنَاوي في "فيض القدير" 6/ 99 - 100: ببنائه للفاعل، أي اتخذ لنفسه جسرًا يمر عليه إلى جهنم بسبب ذلك، أو للمفعول، أي يُجعل جسرًا يمر عليه من يُساق لجهنم جزاء لكلًّ بمثل عمله، وضعفه التُّورِبِشْتي، قال الزين العراقي: والمشهور في رواية هذا الحديث: اتُّخِذَ، ببنائه للمفعول، بضم التاء وكسر الخاء، بمعنى أنه يُجعل جسرًا على طريق جهنم ليُوطأ ويُتَخطى كما يتخطى رقاب الناس، قال: ويجوز بناؤه للفاعل، والأول أظهر وأوفق للرواية.

ص: 64

حَدَّثَني أبو مَرْحُومٍ، عن سهل بن مُعَاذٍ

عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الحَبْوَةِ يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطبُ

(1)

.

وهذا حديثٌ حسنٌ.

وأبو مَرْحُومٍ اسمه: عبد الرَّحيم بنُ مَيْمُونٍ.

وقد كره قومٌ مِن أهل العلم الحَبْوَةَ يومَ الجمعة والإمامُ يخطبُ، ورخَّصَ في ذلك بعضهم، منهم عبدُ الله بن عُمَرَ وغيرُه، وبه يقول أحمدُ، وإسحاقُ: لا يَرَيانِ بالحَبْوَةِ والإمامُ يخطبُ بأسًا.

‌19 - باب ما جاء في كراهية رَفْعِ الأيدي على المِنبرِ

522 -

حَدَّثَنا أحمد بن مَنِيع، قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا حُصَيْنٌ، قال:

سمِعْتُ عُمَارةَ بن رُوَيْبَةَ وبِشْرُ بن مَرْوانَ يخطبُ، فَرَفَعَ يديه في الدعاءِ، فقال عُمَارَةُ: قَبَّحَ اللهُ هاتينِ اليُدَيَّتَيْن القُصَيِّرَتَيْنِ! لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وما يزيدُ على أن يقولَ هكذا: وأشار هُشَيْمٌ بالسَّبَّابةِ

(2)

.

(1)

حديث حسن، وأخرجه أبو داود (1110)، وهو في "المسند"(15630).

قوله: "الحبوة": قال صاحب القاموس: احتبى بالثوب: اشتمل، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها، والاسم الحَبوة، ويُضم.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (874)، وأبو داود (1104)، والنسائي =

ص: 65

هذا حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

‌20 - باب ما جاء في أذان الجُمعة

523 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن خالدٍ الخيَّاط، عن ابن أبي ذِئبٍ، عن الزُّهْرِيِّ

عن السائِب بن يزيد، قال: كان الأذانُ على عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ: إذا خَرَجَ الإمامُ، وإذا

(1)

أُقيمَت الصلاةُ، فلمَّا كان عثمانُ، زاد النَّداءَ الثَّالثَ على الزَّوْراءِ

(2)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

‌21 - باب ما جاء في الكلام بعدَ نزولِ الإمامِ من المنبرِ

524 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن بشارٍ، قال: حَدَّثَنا أبو داود الطَّيالِسِيُّ، قال:

= 3/ 108، وهو في "المسند"(17219)، و"صحيح ابن حبان"(882).

(1)

لفظة: "وإذا" لم ترد في الأصول الخطية، والصواب إثباتها كما في رواية أحمد وابن خزيمة والبيهقي. وانظر "فتح الباري" 2/ 393.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (912) و (913) و (915) و (916)، وأبو داود (1087 - 1090)، وابن ماجه (1135)، والنسائي 3/ 100 - 101 و 101، وابن خزيمة (1773)، والبيهقي 3/ 192، وهو في "المسند"(15716)، و"صحيح ابن حبان"(1673).

والزوراء، بفتح الزاي وسكون الواو، قال البخاري في "صحيحه": موضع السوق بالمدينة، قال الحافظ: وهو المعتمد، وقواه بما نقله عن "صحيح مسلم" (2279) (6) من حديث أنس: أن نبي الله وأصحابه كانوا بالزوراء، والزوراء بالمدينة عند السوق.

ص: 66

حَدَّثَنا جَرِيرُ بن حازم، عن ثابت

عن أنس بن مالكٍ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكَلَّم بالحاجةِ إذا نَزَلَ عن المِنبر

(1)

.

هذا حَديثٌ لا نعرفه إلَّا من حديثِ جرير بن حازمٍ.

سَمعتُ مُحَمَّدًا يقولُ: وَهِمَ جريرُ بن حازمٍ في هذا الحديثِ، والصحيحُ ما رُويَ عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: أُقيمَتِ الصلاةُ، فأخذَ رجلٌ بِيَدِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فما زالَ يُكَلَّمُهُ حتَّى نَعَسَ بعضُ القومِ

(2)

. قال محمد: الحديثُ هو هذا، وجريرُ بن حازمٍ رُبَّمَا يَهِمُ في الشيءِ، وهو صدوق.

قال محمدٌ: وَهِمَ جريرُ بن حازم في حديث ثابت، عن أنسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا أُقِيمَتِ الصلاةُ، فلا تَقُومُوا حتى تَرَوْنِي"

(3)

.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه أبو داود (1120)، وابن ماجه (1117)، والنسائي 3/ 110 وهو في "المسند"(12201)، و"صحيح ابن حبان"(2805).

(2)

يأتي برقم (525).

(3)

أخرجه عبد بن حميد (1259) عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، بهذا الإسناد.

وقال الحافظ العراقي فيما أعل به البخاري وأبو داود الحديث من أن الصحيح كلامُ الرجل له بعد ما أقيمت الصلاة: لا يقدح ذلك في صحة حديث جرير بن حازم، بل الجمع بينهما ممكن بأن يكون المراد بعد إقامة صلاة الجمعة وبعد نزوله من المنبر، فليس الجمع بينهما متعذرًا كيف وجرير بن حازم أحد الثقات المخرج لهم في الصحيح؟! فلا تضر زيادته في كلام الرجل له أنه كان بعد نزوله =

ص: 67

قال محمدٌ: ويُروى عن حمَّاد بن زيدٍ، قال: كُنَّا عندَ ثابتٍ البُنانيِّ فحدَّث حجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عن يحيى بن أبي كَثيرٍ، عن عبد الله بن أبي قَتَادَةَ، عن أبيه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فلا تقوموا حتى تَرَوْنِي" فَوَهِم جريرٌ، فظنَّ أن ثابتًا حدَّثهم عن أنسٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

525 -

حَدَّثَنا الحسنُ بنُ عليًّ الخَلَّالُ، قال: حَدَّثَنا عبد الرزاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن ثابتٍ

عن أنسٍ، قال: لَقد رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ما تُقامُ الصلاةُ يُكَلِّمُهُ الرجلُ يقومُ بينَه وبينَ القِبلةِ، فما يزالُ يكلَّمهُ، ولقد رأيتُ بَعضَهُم يَنْعُسُ من طولِ قيامِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم له

(2)

.

وهذا حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

‌22 - باب ما جاء في القراءة في صلاة الجمعة

526 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا حاتمُ بن إسماعيلَ، عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه

= عن المنبر.

(1)

حديث أبي قتادة صحيح، أخرجه البخاري (637) و (638)، ومسلم (604)، وسيأتي عند المصنف برقم (598)، وانظر تتمة تخريجه هناك.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (642) و (643) و (6292)، ومسلم (376)، وأبو داود (201) و (542) و (544)، والنسائي 2/ 81 بتمامه ومختصرًا. وهو في "المسند"(12642).

ص: 68

عن عُبيد الله بن أبي رافعٍ مولَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: اسْتَخْلَفَ مَرْوانُ أبا هريرةَ على المدينةِ، وخَرج إلى مكَّة، فصلَّى بنا أبو هريرة يومَ الجمعةِ، فقرأ سُورةَ الجُمعةِ، وفي السَّجدةِ الثانية:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} .

قال عُبيد الله: فأدركت أبا هريرةَ، فقلتُ له: تَقرَأُ بسورتين كان عليٌّ يَقْرَؤهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هريرة: إنَّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بهما

(1)

.

وفي الباب عن ابن عباسٍ، والنُّعمان بن بَشِيرٍ، وأبي عِنَبَةَ الخَولانِيَّ.

حَديثُ أبي هريرةَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

ورُوِيَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}

(2)

.

عُبَيد الله بن أبي رافع: كاتبُ علي بن أبي طالب

(3)

.

‌23 - باب ما جاء ما يَقْرَأُ في صلاةِ الصبحِ يومَ الجمعةِ

527 -

حَدَّثَنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا شَريكٌ، عن مُخَوَّلِ بن

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (877)، وأبو داود (1124)، وابن ماجه (1118)، والنسائي في "الكبرى"(1747). وهو في "المسند"(9550)، و"صحيح ابن حبان"(2806).

(2)

سيأتي مسندًا برقم (541).

(3)

هذه العبارة أثبتناها من (ل)، ولم ترد في سائر الأصول.

ص: 69

راشدٍ، عن مُسْلِم البَطِينِ، عن سعيد بن جُبَيْر

عن ابن عباسٍ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ يوم الجمعةِ في صلاةِ الفَجْرِ: تَنْزيلُ السَّجْدَةَ، وهَلْ أتَى عَلَى الإنسانِ

(1)

.

وفي الباب عن سَعدٍ، وابن مسعودٍ، وأبي هريرةَ.

حَديثُ ابن عباس حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

وقد روى سفيانُ الثوري وغيرُ واحدٍ، عن مخوَّلٍ.

‌24 - باب ما جاء في الصلاة قبلَ الجمعة وبعدها

528 -

حَدَّثَنا ابنُ أبي عمرَ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن عَمْرو بن دينارٍ، عن الزُّهْريِّ، عن سالمٍ

عن أبيه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يُصلِّي بعدَ الجُمعة ركعتين

(2)

.

وفي الباب عن جابرٍ.

حَديثُ ابن عمرَ حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وقد رُويَ عن نافعٍ،

(1)

حديث صحيح، شريك - وهو ابن عبد الله - متابع، وباقي رجاله ثقات. وأخرجه مسلم (879)، وأبو داود (1074) و (1075)، وابن ماجه (821)، والنسائي 2/ 159 و 3/ 111، وهو في "المسند"(1993)، و"صحيح ابن حبان"(1821).

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (937) و (1165) و (1172)، ومسلم (882)(72)، وأبو داود (1128) و (1132)، وابن ماجه (131)، والنسائي 3/ 113، وهو في "المسند"(4591).

ص: 70

عن ابن عمرَ أيضًا.

والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعيُّ، وأحمدُ.

529 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عن نافعٍ

عن ابنِ عمرَ: أنه كان إذا صلَّى الجمعةَ، انصرفَ، فصلَّى سجدتينِ في بيته، ثُمَّ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذلك

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

530 -

حَدَّثَنا ابنُ أبي عمرَ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ، عن سُهَيْل بن أبي صالحٍ، عن أبيه

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ مِنكم مُصَلَّيًا بعدَ الجمعةِ، فَلْيُصَلَّ أربعًا"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

حَدَّثَنا الحسنُ بن عليًّ، قال: حَدَّثَنا عليُّ بنُ المَديني، عن سفيانَ بن عُيَيْنَةَ، قال: كُنَا نَعُدُّ سُهَيْلَ بنَ أبي صالح ثَبْتًا في الحديثِ.

(1)

إسناده صحيح، وانظر ما قبله.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (881)، وأبو داود (131)، وابن ماجه (1132)، والنسائي 3/ 113، وهو في "المسند"(7400)، و"صحيح ابن حبان"(2485).

ص: 71

والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم.

ورُويَ عن عبد الله بن مسعودٍ: أنه كان يُصلَّي قبلَ الجمعةِ أربعًا، وبعدها أربعًا

(1)

.

ورُويَ عن عليَّ بن أبي طالبٍ: أنه أمَرَ أن يُصَلَّى بعدَ الجمعةِ ركعتين، ثم أربعًا

(2)

.

وذَهب سفيانُ الثوريُّ وابن المبارك إلى قول ابن مسعودٍ.

وقال إسحاقُ: إنْ صلَّى في المسجد يوم الجمعةِ صلَّى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيته صلَّى ركعتينِ، واحتَجَّ بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلَّي بعد الجمعةِ ركعتين في بيته، ولحَديثِ

(3)

النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم مُصَلَّيًا بعدَ الجمعة، فَلْيُصَلَّ أربعًا".

(1)

أخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(5525) عن سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: كان عبد الله يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا، حتى جاءنا عليٌّ، فأمرنا أن نصلي بعدها ركعتين ثم أربعًا. وإسناده جيد، فرواية سفيان عن عطاء قبل اختلاطه.

وأخرج أيضًا (5524) عن معمر، عن قتادة: أن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات، وبعدها أربع ركعات. وقتادة لم يدرك ابن مسعود.

وأخرج ابن أبي شيبة 2/ 131 عن ابن فضيل، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: كان يصلي قبل الجمعة أربعًا. وسنده ضعيف.

(2)

انظر تخريجه في التعليق السالف.

(3)

في (ب): وبحديث، وفي (ل): وحديث.

ص: 72

وابنُ عمر هو الذي رَوَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يُصلَّي بعدَ الجمعة ركعتين في بيته، وابنُ عمرَ بعدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في المسجدِ بعد الجمعةِ ركعتين، وصلَّى بعدَ الركعتين أربعًا.

531 -

حَدَّثَنا بذلك ابنُ أبي عمر، قال: حَدَّثَنا سفيانُ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاء، قال:

رأيتُ ابنَ عمرَ صلَّى بعدَ الجمعةِ ركعتين، ثُمَّ صلَّى بعدَ ذلك أربعًا

(1)

.

حَدَّثَنا سعيدُ بن عبد الرحمن المخزوميُّ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن عَمرو بن دينار، قال: ما رأيتُ أحدًا أنَصَّ للحديث من الزُّهريَّ، وما رأيتُ أحدًا الدَّراهمُ أهونُ عليه منه، إن كانت الدَّراهمُ

(2)

عنده بمنزلةِ البَعْرِ

(3)

.

سمعتُ ابن أبي عمرَ، قال: سمعتُ سفيانَ بن عُيَيْنَة يقول: كان عمرو بن دينارٍ أسنَّ من الزُّهريَّ.

(1)

رجاله ثقات، وأخرجه عبد الرزاق (5522) و (5523)، وابن أبي شيبة 2/ 132 و 139، وأبو داود (1133).

(2)

كذا في الأصول الخطية عدا (ل)، وكتب في (ب) فوق الدراهم: الدنانير، وفي (ل): الدنانير والدراهم.

(3)

المثبت من (ب) و (ل)، وفي بقية الأصول: البعرة.

ص: 73

‌25 - باب فيمن يُدرك مِن الجمعة ركعةً

532 -

حَدَّثَنا نصرُ بنُ عليًّ وسعيدُ بن عبد الرحمن وغيرُ واحدٍ، قالوا: حَدَّثَنا سفيانُ بن عُيَيْنَة، عن الزُّهريَّ، عن أبي سلمةَ

عن أبي هريرةَ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَن أدْرَكَ مِن الصلاةِ ركعةً، فقد أدركَ الصلاةَ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عندَ أكثر أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم، قالوا: من أدركَ ركعةً من الجمعةِ، صلَّى إليها أُخْرى، ومن أدركهم جلوسًا، صلَّى أربعًا، وبه يقول سفيانُ الثوريُّ، وابن المبارك، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

‌26 - باب في القائلة يومَ الجمعة

533 -

حَدَّثَنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: حَدَّثَنا عبد العزيز بن أبي حازمٍ وعبد الله بن جعفرٍ، عن أبي حازمٍ

عن سَهْلِ بن سعدٍ، قال: ما كُنَّا نَتَغَدَّى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نَقيلُ إلَّا بعدَ الجمعة

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (850)، ومسلم (607)، وأبو داود (1121)، وابن ماجه (1122)، والنسائي 1/ 274. وهو في "المسند" (7284)، و"صحيح ابن حبان" (1483).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (938) و (939)، ومسلم (859)، وأبو داود (1086)، وابن ماجه (1099).

قوله: "نقيل": من القيلولة، وهي الاستراحة عند الزوال.

ص: 74

وفي الباب عن أنس بن مالكٍ.

حديثُ سهل بن سعدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌27 - باب فيمن يَنْعُسُ يومَ الجمعة أنه يَتَحَوَّلُ من مجلِسه

534 -

حَدَّثَنا أبو سعيد الأشَجُّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدَةُ بن سليمانَ وأبو خالد الأحْمَرُ، عن محمد بن إسحاقَ، عن نافعٍ

عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا نَعَسَ أحدُكم يومَ الجمعةِ، فَلْيَتَحَوَّلْ من مجلِسه ذلك"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌28 - باب ما جاء في السَّفَرِ يوم الجمعة

535 -

حَدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حَدَّثَنا أبو معاوية، عن الحَجَّاج، عن الحَكَمِ، عن مِقْسَمٍ

عن ابنِ عباسٍ، قال: بَعَثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن رَوَاحَةَ في سَرِيَّةٍ، فوافقَ ذلك يومَ الجمعة، فَغَدا أصحابُه فقال: أتخَلَّفُ، فأصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحَقُهُمْ، فلما صلى معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رآهُ، فقال:"ما مَنَعَكَ أنْ تَغْدُوَ مع أصحابك؟ " فقال: أردتُ أن

(1)

إسناده حسن، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد (6187).

وأخرجه أبو داود (1119)، وصححه ابن حبان (2792).

وله طريق آخر يتقوى به عند البيهقي 3/ 137، وشاهد من حديث سمرة بن جندب عند البزار (636)، والطبراني في "الكبير"(6956) وفي سنده ضعف. وانظر "الجوهر النقي" 3/ 237 - 238.

ص: 75

أُصلَّيَ معك ثم ألْحَقَهُم، فقال:"لو أنْفَقْتَ ما في الأرض ما أدركْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِم"

(1)

.

هذا حديثٌ

(2)

لا نَعرِفُهُ إلَّا من هذا الوجه.

قال عليُّ بن المَديني: قال يحيى بنُ سعِيدٍ: قال شعبةُ: لم يسمعِ الحكمُ من مِقْسَمٍ إلَّا خمسةَ أحاديثَ، وعَدَّها شعبةُ، وَلَيْسَ هذَا الحَدِيثُ فيما عَدَّه شُعْبَةُ.

وكأنَّ هذا الحديثَ لم يسمعه الحكمُ مِن مِقْسَمٍ.

وقد اختلفَ أهلُ العلم في السفر يوم الجمعةِ، فلم يَرَ بعضُهم بأسًا بأن يَخْرُجَ يومَ الجمعةِ في السَّفرِ، ما لم تَحْضُرِ الصلاةُ، وقال بعضُهم: إذا أصْبَحَ، فلا يَخرجْ حتى يصلَّيَ الجمعةَ.

‌29 - باب في السَّوَاك والطيبِ يوم الجمعة

536 -

حَدَّثَنا عليُّ بن الحسَنِ الكوفيُّ، قال: حَدَّثَنا أبو يحيى إسماعيلُ بن إبراهِيمَ التَّيْميُّ، عن يزيدَ بن أبي زِيَادٍ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى

عن البراء بن عازبٍ، قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حَقًّا على المسلمين أن يغتسلوا يومَ الجمعة، وَلْيَمَسَّ أحدُهم مِن طِيبِ أَهلهِ،

(1)

حديث ضعيف، الحجاج بن أرطاة: مدلس وقد عنعن، ثم إن الحكم لم يسمعه من مقسم، وأخرجه أحمد (1966).

(2)

في طبعة الشيخ أحمد شاكر، والنسخة التي شرح عليها العراقي: حديث غريب، ولفظة "غريب" لم ترد في أصولنا الخطية.

ص: 76

فإن لم يَجِدْ، فالماءُ له طِيبٌ"

(1)

.

وفي الباب عن أبي سعيدٍ، وشيخٍ من الأنصار.

537 -

حَدَّثَنا أحمد بن مَنِيعٍ، قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عن يزيدَ بن أبي زيادٍ، نحوَه بمعناه

(2)

.

حديثُ البَرَاءِ حديثٌ حسنٌ.

ورواية هُشَيْمٍ أحسنُ من رواية إسماعيلَ بن إبراهيمَ التَّيْمِيَّ، وإسماعيلُ بن إبراهيمَ التَّيْميُّ يُضَعَّفُ في الحديث.

(1)

صحيح لغيره دون قوله: "فإن لم يجد، فالماء له طيب"، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وأخرجه أحمد (18488).

وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد (11250)، والبخاري (880)، ومسلم (846)، وانظر تمام الكلام عليه في "المسند"، ومعنى قوله:"حقًا" أي: ثابت ثبوتًا مؤكدًا، وليس المراد الوجوب، فإن الغسل وإن جاء فيه الوجوب إلا أن الطيب غير واجب.

(2)

انظر ما قبله.

ص: 77

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب العيدين

‌1 - باب في المشي يوم

(1)

العيد

538 -

حَدَّثنا إسماعيلُ بن موسى - يعني الفزاريَّ -، قال: حَدَّثَنا شَريكٌ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارِثِ

عن عليًّ، قال: مِنَ السُّنَّةِ أن تَخْرُجَ إلى العيدِ ماشيًا، وأن تأكل شيئًا قبلَ أن تخرجَ

(2)

.

(1)

في (ب) و (ل): إلى العيد.

(2)

الأكل قبل الخروج إلى صلاة العيد، حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - سيئ الحفظ، والحارث - وهو ابن عبد الله الأعور - ضعيف.

وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 163، وابن ماجه (1296)، والبيهقي 3/ 281 من طريق أبي إسحاق السبيعي، بهذا الإسناد.

وفي الباب عن سعد القَرَظ وابن عمر وأبي رافع عند ابن ماجه (1294 - 1297) وأسانيدها جميعًا ضعيفة واهية.

وقصة الأكل قبل الخروج إلى صلاة العيد لها شاهد من حديث بُريدة بن الحُصَيب، سيأتي عند المصنف برقم (550)، وهو حديث حسن.

وآخر من حديث أنس بن مالك، سيأتي عند المصنف برقم (551)، وهو في "صحيح البخاري"(953).

ص: 79

هذا حديثٌ حسنٌ.

والعمل على هذا الحديث عندَ أكثر أهل العلم، يَسْتَحِبُّونَ أن يخرجَ الرجلُ إلى العيد ماشيًا، وأن لا يَركبَ إلَّا مِن عُذْرٍ.

‌2 - باب في صلاة العِيد قبل الخُطبة

539 -

حَدَّثَنا محمد بن المُثنَّى، قال: حَدَّثَنا أبو أُسَامَةَ، عن عُبيد الله، عن نافعٍ

عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمرُ يُصَلُّونَ في العيدَيْنِ قبلَ الخطبةِ، ثُمَّ يخْطُبُونَ

(1)

.

وفي الباب عن جابرٍ، وابن عباسٍ.

حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعمل على هذا عندَ أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أنَّ صلاةَ العيدين قبل الخطبة.

ويقال: إنَّ أوَّل مَن خَطب قبل الصلاةِ مَرْوَانُ بن الحَكَمِ

(2)

.

‌3 - باب أن صلاة العيدين بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ

540 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا أبو الأحوصِ، عن سِمَاكِ بن حربٍ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (957) و (963)، ومسلم (888)، وابن ماجه (1276)، والنسائي 3/ 183، وهو في "المسند"(4602)، و"صحيح ابن حبان"(2826).

(2)

هو في "صحيح مسلم"(889).

ص: 80

عن جابر بن سَمُرَةَ، قال: صَلَّيْتُ مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم العيدينِ غيرَ مَرَّةٍ ولا مَرَّتَيْنِ، بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ

(1)

.

وفي الباب عن جابر بن عبد الله، وابن عباسٍ.

وحديثُ جابر بن سَمُرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ عليه عند أهل العلم مِن أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أنَّهُ لا يُؤَذَّنُ لِصلاة العيدين، ولا لشيءٍ من النوافلِ.

‌4 - باب القراءة في العيدين

541 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا أبو عَوَانَةَ، عن إبراهيمَ بنِ محمد بن المُنْتَشِرِ، عن أبيه، عن حَبِيبِ بن سالمٍ

عن النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في العيدينِ وفي الجمعةِ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، ورُبَّما اجتمعا في يوم واحدٍ، فَيَقْرأُ بهما

(2)

.

وفي الباب عن أبي واقدٍ، وسَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ، وابن عباسٍ.

حديثُ النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل سماك بن حرب، فهو حسن الحديث، وأخرجه مسلم (887)، وأبو داود (1148)، وهو في "المسند"(20847)، و"صحيح ابن حبان"(2819).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (878)، وأبو داود (1122)، وابن ماجه (1281)، والنسائي 3/ 112 و 184 و 194، وهو في "المسند"(18409)، و"صحيح ابن حبان"(2821).

ص: 81

وهكذا رَوَى سفيانُ الثوريُّ ومِسْعَرٌ، عن إبراهيمَ بن محمد بن المُنْتَشِر مثلَ حديث أبي عَوَانَةَ.

وأمَّا سفيان بن عُيَيْنَةَ، فَيُخْتَلَفُ عليه في الرواية: يُرْوَى عنه عن إبراهيمَ بن محمد بن المُنْتَشِرِ، عن أبيه، عن حبيب بن سالمٍ، عن أبيه، عن النعمان بن بَشيرٍ، ولا يُعرف لحبيب بن سالمٍ رواية عن أبيه.

وحبيبُ بن سالمٍ: هو مولى النعمان بن بشيرٍ، ورَوَى عن النعمان بن بشيرٍ أَحاديثَ.

وقد رُويَ عن ابن عُيَيْنَةَ، عن إبراهيمَ بن محمد بن المُنْتَشِرِ، نحوُ رواية هؤلاءِ.

ورُويَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقرأُ في صلاة العيدينِ بقاف، واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، وبه يقول الشافعيُّ.

542 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بن موسى الأنصاريُّ، قال: حَدَّثَنا مَعْنُ بن عيسى، قال: حَدَّثَنَا مالكٌ، عن ضَمْرَةَ بن سعيدٍ المازِنِيَّ

عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ: أنَّ عمرَ بن الخطابِ سأل أبا واقد اللَّيْثِيَّ: ما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقرأُ به في الفِطْرِ والأَضْحَى؟ قال: كان يقرأ بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}

(1)

.

(1)

حديث صحيح، وهذه الرواية وإن كانت مرسلة، لكون عبيد الله لم يدرك =

ص: 82

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

543 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن ضَمْرَةَ بن سعيدٍ بهذا الإسناد، نَحْوَهُ

(1)

.

وأبو واقدٍ اللَّيْثِيُّ: اسمه الحارِثُ بن عَوْفٍ.

‌5 - باب في التكبير في العيدين

544 -

حَدَّثَنا مُسْلِمُ بن عَمْرٍو أبو عَمْرٍو الحذَّاءُ المديني، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن نافعٍ، عن كثِيرِ بن عبد الله، عن أبيه

عن جده: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ في العيدين: في الأُولَى سَبْعًا قبلَ القراءةِ، وفي الآخرةِ خَمْسًا قبلَ القراءةِ

(2)

.

= عمر، لكن عبيد الله أدرك أبا واقد الليثي باتفاق، فيكون سماعه للحديث والقصة منه، ويؤيده رواية مسلم الثانية من طريق فلح بن سليمان، عن ضمرة، عن عبيد الله، عن أبي واقد الليثي.

وأخرجه مسلم (891)، وأبو داود (1154)، وابن ماجه (1282)، والنسائي 3/ 183 - 184، وهو في "المسند"(21896)، و"صحيح ابن حبان"(2820).

(1)

انظر ما قبله.

(2)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، كثير بن عبد الله بن عمرو ضعيف، وأبوه عبد الله مجهول، فقد تفرد بالرواية عنه ابنه كثير ولم يوثقه سوى ابن حبان. وقول المصنف: إنه أحسن شيء روي في هذا الباب، تابع فيه شيخَه البخاري، فقد نقل عنه في "العلل" 1/ 287 - 288 أنه قال: ليس في الباب شيء أصح من هذا، وبه أقول.

ويشهد له حديث عبد الله بن عمرو، وإسناده حسن، وهو عند ابن ماجه (1278)، وانظر تتمة تخريجه وشواهده في "المسند"(6688).

ص: 83

وفي الباب عن عائشةَ، وابن عمرَ، وعبد الله بن عَمْرٍو.

حديثُ جَدِّ كَثيرٍ حديثٌ حسنٌ، وهو أحسنُ شيءٍ رُويَ في هذا الباب عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، واسمه: عَمْرُو بن عَوْفٍ المُزَنِيُّ.

والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

وهكذا رُويَ عن أبي هريرةَ: أنه صلَّى بالمدينة نحوَ هذه الصلاة، وهو قولُ أهل المدينة، وبه يقولُ مالكُ بن أنَس، والشافعيُّ، وأحمد، وإسحاق.

ورُويَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قال في التكبير في العيدين: تِسْع تكبيراتٍ: في الركعة الأُولَى خَمْسًا قبلَ القراءة، وفي الركعة الثانية يَبْدَأُ بالقراءةِ، ثُمَّ يُكَبَّرُ أربعًا مع تكبيرة الرُّكوعِ

(1)

.

وقد رُويَ عن غير واحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحوُ هذا، وهو قول أهل الكوفة، وبه يقولُ سفيانُ الثوريُّ.

‌6 - باب لا صلاةَ قبل العيدين ولا بعدها

545 -

حَدَّثَنا محمود بن غَيْلانَ، قال: حَدَّثنَا أبو داودَ الطَّيَالِسيُّ، قال:

(1)

أخرجه عبد الرزاق (5686) عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن علقمة والأسود بن يزيد: أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعًا تسعًا: أربعًا قبل القراءة ثم كبر، فركع، وفي الثانية يقرأ، فإذا فرغ، كبر أربعًا ثم ركع. وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في "الدراية" 1/ 220.

ص: 84

أنْبأنا شُعْبَةُ، عن عَدِيِّ بن ثابتٍ، قال: سمعت سعيد بن جُبَيْرٍ يحدِّث

عن ابن عباسٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ يومَ الفطر، فصلَّى ركعتين، ثم لم يُصَلَّ قبلَها ولا بعدها

(1)

.

وفي الباب عن عبد الله بن عَمْرٍو، وأبي سعيدٍ

(2)

.

حديثُ ابن عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وبه يقول الشافعيُّ، وأحمد، وإسحاق.

وقد رَأَى طائفةٌ من أهل العلمِ الصلاةَ بعد صلاة العيدين وقبلها، من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

والقولُ الأولُ أصحُّ.

546 -

حَدَّثَنا أبو عَمَّارٍ الحسينُ بنُ حُرَيْثٍ، قال: حَدَّثَنا وكيعٌ

(3)

، عن

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (962) و (989)، ومسلم ص 606 (13)، وأبو داود (1159)، وابن ماجه (1291)، والنسائي 3/ 193، وهو في "المسند"(2533)، و"صحيح ابن حبان"(2818).

(2)

حديث عبد الله بن عمرو أخرجه ابن ماجه (1292) وهو حسن في الشواهد، وحديث أبي سعيد هو في "المسند"(11226) وصححه ابن خزيمة (1469)، وفي طبعة الشيخ أحمد شاكر زيادة عبد الله بن عمر، وهي ليست في أصولنا الخطية.

(3)

المثبت من (ل) والنسخة التي شرح عليها العراقي ومن "تحفة الأشراف" 6/ 267، ووقع في بقية أصولنا الخطية: ووكيع، بالعطف على الحسين بن حريث، وضبب عليها في (د)، وكتب بهامشها: صوابه حدثنا وكيع.

ص: 85

أبانَ بن عبد الله البَجَلِيِّ، عن أبي بكر بن حفصٍ - وهو ابن عمرَ بن سعد بن أبي وقَّاص -

عن ابن عمر: أنَّهُ خرجَ يوم عيدٍ، ولم يُصَلَّ قبلها ولا بعدهَا، وذكر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَله

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌7 - باب في خُرُوج النساء في العيدين

547 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا منصورٌ - وهو ابن زَاذَانَ - عن ابن سِيرِينَ

عن أُمَّ عَطِيَّةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُخْرِجُ الأَبْكَارَ والعَواتِقَ وذَوَاتِ الخُدُورِ والحُيَّضَ في العيدين، فأمَّا الحُيَّضُ، فيَعْتَزِلْنَ المصَلَّى، ويَشْهَدْنَ دَعْوَةَ المسلمينَ، قالت إحداهُنَّ: يا رسولَ اللهِ، إنْ لم يَكُن لها جِلْبَاب؟ قال:"فَلْتُعِرْها أُخْتُها من جَلابيبها"

(2)

.

548 -

حَدَّثَنا أحمد بن مَنِيْعٍ، قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عن هشام بن حَسَّان، عن حَفْصَةَ ابنة سِيرِينَ، عن أُمَّ عَطِيَّةَ، بنحوِه

(3)

.

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، من أجل أبان، وأخرجه أحمد في "المسند"(5212)، وانظر تتمة تخريجه فيه.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (324) و (351)، ومسلم (890)، وأبو داود (1136) و (1137) و (1138)، وابن ماجه (1307) و (1308)، والنسائي 1/ 193 - 194 و 3/ 180، وهو في "المسند"(20793)، و"صحيح ابن حبان"(2816).

(3)

صحيح، وانظر ما قبله.

ص: 86

وفي الباب عن ابن عباس، وجابر.

حديثُ أُمَّ عَطِيَّةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد ذهبَ بعضُ أهل العلم إلى هذا الحديث، ورَخَّصَ للنساء في الخروج إلى العيدين.

وكرهه بعضهم، ورُوي عن ابن المبارك أنه قال: أَكْرَهُ اليومَ الخروجَ للنساء في العيدين، فإِنْ أبَتِ المرأةُ إلَّا أن تخرجَ، فليأذن لها زوجُها أن تخرجَ في أطْمَارِهَا، ولا تَتَزَيَّنْ، فإن أَبَتْ أن تخرج كذلك، فللزوجِ أن يمنعَها عن الخروج.

ويُرْوَى عن عائشة، قالت: لَوْ رَأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما أَحْدَثَ النساءُ لمَنَعَهُنَّ المسجدَ، كما مُنِعَتْ نساءُ بني إسرائيلَ

(1)

.

ويُروى عن سفيانَ الثوريَّ أنه كَرِهَ اليوم الخروجَ للنساء إلى العيد.

‌8 - باب ما جاء في خروج النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى العيد في طريقٍ، ورجوعه من طريق آخر

549 -

حَدَّثَنا عبدُ الأَعْلَى بن وَاصِلِ بن عبد الأعلى الكوفي وأبو زُرْعَةَ، قالا: حَدَّثَنا محمد بن الصَّلْتِ، عن فُلَيْح بنِ سليمانَ، عن سعيد بن الحارث

عن أبي هريرة، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خرج يومَ العيد في

(1)

أخرجه البخاري (869)، ومسلم (445).

ص: 87

طريق رجَع في غيره

(1)

.

وفي الباب عن عبد الله بن عمرَ، وأبي رافعٍ.

حديثُ أبي هريرة حديثٌ حسنٌ

(2)

غريبٌ.

ورَوَى أبو تُمَيلَةَ ويونس بن محمد هذا الحديث عن فُلَيْحِ بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر بن عبد الله

(3)

.

وقد استحبَّ بعضُ أهل العلم للإمام إذا خرج في طريقٍ أن يرجع في غيره، اتَّبَاعًا لهذا الحديث، وهو قولُ الشافعيَّ.

وحديث جابرٍ كأنَّه أصحُّ

(4)

.

‌9 - باب في الأكل يوم الفطر قبل الخروج

550 -

حَدَّثَنا الحسنُ بن الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الصَّمدِ بن عبد الوارث، عن ثَوَّابِ بن عُتْبَةَ، عن عبد الله بن بُرَيْدَةَ

عن أبيه، قال: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَخْرُجُ يومَ الفطرِ حتَّى يَطْعَمَ،

(1)

حسن لغيره، وإسناد هذا الحديث قد وقع فيه اضطراب، فانظر بسط الكلام عليه في "المسند"(8454)، وأخرجه ابن ماجه (1301)، وهو في "صحيح ابن حبان"(2815).

(2)

لفظة "حسن" لم ترد في (ب) و (ظ) و (ل).

(3)

رواية أبي تميلة أخرجها البخاري (986)، ورواية يونس بن محمد أخرجها البيهقي 3/ 308.

(4)

قوله: "وحديث جابر كأنه أصح" أثبتناه من (ل) وشرح المباركفوري، ولم يرد في سائر الأصول.

ص: 88

ولا يَطْعَمُ يومَ الأَضْحَى حتى يُصلَّيَ

(1)

.

وفي الباب عن عليًّ، وأنسٍ.

حديثُ بُرَيْدَة بن حُصَيْبٍ الأسْلَميَّ حديثٌ غريبٌ.

وقال محمدٌ: لا أعرفُ لثَوَّابِ بن عُتْبَةَ غيرَ هذا الحديث.

وقد استَحَبَّ قومٌ من أهل العلم أن لا يخرجَ يوم الفطرِ حتَّى يَطْعَمَ شيئًا، ويُسْتَحَبُّ له أن يُفطرَ على تَمْرٍ، وَلا يَطْعَمَ يومَ الأضحى حتَّى يرجعَ.

551 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عن محمد بن إسحاقَ، عن حَفْصِ بن عُبَيْدِ الله بن أنسٍ

عن أنس بن مالكٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُفْطِرُ على تَمَرَاتٍ يومَ الفِطرِ قبل أن يخرجَ إلى المصلَّى

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.

(1)

إسناده حسن، ثواب بن عتبة وثقه ابن معين، وقال أبو داود: ليس به بأس، وقد توبع، وباقي رجاله ثقات، وصححه ابن خزيمة (1426)، والحاكم 1/ 294، وابن القطان في "الوهم والإيهام"(2531).

وأخرجه ابن ماجه (1756)، وهو في "المسند"(22983)، و"صحيح ابن حبان"(2812).

(2)

حديث صحيح، هشيم صرح بالتحديث عند غير المصنف، ومحمد بن إسحاق متابع، وأخرجه البخاري (953)، وابن ماجه (1754)، وابن خزيمة (1428)، وهو في "المسند"(12268)، و"صحيح ابن حبان"(2813).

ص: 89

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب السفر

‌1 - باب التَّقْصير في السَّفَرِ

552 -

حَدَّثَنا عبدُ الوهَّاب بنُ عبد الحكم الورَّاقُ البغداديُّ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن سُلَيْمٍ، عن عُبيد الله، عن نافعٍ

عن ابن عمرَ، قال: سافرتُ مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمَرَ وعثمانَ، فكانوا يُصَلُّونَ الظهرَ والعصرَ ركعتين ركعتين، لا يُصَلُّونَ قبلَها ولا بعدَها.

وقال عبد الله: لو كنتُ مُصَلَّيًا قَبلها أو بعدها، لأتْمَمْتُهَا

(1)

.

وفي الباب عن عمرَ، وعليًّ، وابن عباسٍ، وأنسٍ، وعِمْرانَ بن حُصَيْنٍ، وعائشةَ.

حديثُ ابن عمر حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من حديث يحيى بن سُلَيْمٍ مثل هذا.

وقال محمدُ بن إسماعيل: وقد رُويَ هذا الحديثُ عن عُبيد الله بن عمرَ، عن رجلٍ من آل سُرَاقَةَ، عن ابن عمرَ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1101) و (1102)، ومسلم (689)، وأبو داود (1223)، والنسائي 3/ 123، وابن ماجه (1071)، وابن خزيمة (947)، والبغوي (1031). وهو في "المسند"(4761) و (5185).

ص: 91

وقد رُويَ عن عَطيَّةَ العَوْفيَّ، عن ابن عمرَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَتَطوَّعُ في السفرِ قبلَ الصلاةِ وبعدَها

(1)

.

وقد صَحَّ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يَقْصُرُ في السفرِ، وأبو بكر وعمر وعثمان صَدْرًا من خلافته

(2)

.

والعمل على هذا عند أكثر أهلِ العلم من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

وقد رُويَ عن عائشةَ أنها كانتْ تُتِمُّ الصلاةَ في السفرِ

(3)

.

والعمل على ما رُويَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ، وهو قولُ الشافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، إلَّا أنَّ الشافعيَّ يقول: التَّقْصير رُخْصَةٌ له في السفرِ، فإن أتَمَّ الصَّلاةَ أجزأ عنه.

553 -

حَدَّثَنا أحمد بنُ مَنِيعٍ، قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا عليُّ بنُ زَيد بن جُدْعان، عن أبي نَضْرَةَ، قال:

سُئل عِمْران بن حُصَيْن عن صلاة المسافر، فقال: حَجَجْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى ركعتين، وحَجَجْتُ مع أبي بكر، فصلَّى ركعتين، ومع عمرَ، فصلَّى ركعتين، ومع عثمانَ سِتَّ سنين من خِلافتِهِ - أو ثمان سنينَ - فصلَّى ركعتينِ

(4)

.

(1)

سيأتي عند المصنف برقم (559).

(2)

سلف تخريجه برقم (552).

(3)

أخرجه البخاري (1090)، ومسلم (685)(3).

(4)

صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان. =

ص: 92

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

554 -

حَدَّثنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن مَيْسَرةَ

سمعا أنسَ بنَ مالك، قال: صلَّينا مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم الظهْرَ بالمدينة أربعًا، وبذي الحُلَيْفَةِ العصرَ ركعتين

(1)

.

هذا حديثٌ صحيحٌ.

555 -

حَدَّثَنا قُتَيْبةُ، قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عن منصور بنِ زَاذَانَ، عن ابن سيرِينَ

عن ابن عباسٍ: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج مِن المدينة إلى مكة لا يخافُ إلَّا رَبَّ العالمِينَ، فصلَّى ركعتين

(2)

.

هذا حديثٌ صحيحٌ.

= وأخرجه أحمد في "المسند"(19865).

ويشهد له حديث ابن مسعود عند الشيخين، وهو في "المسند"(3593).

وانظر ما سلف برقم (552).

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1089)، ومسلم (690)، وأبو داود (1202)، والنسائي 1/ 235 و 237، وهو في "المسند"(12079)، و"صحيح ابن حبان"(2743).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه النسائي 3/ 117 و 117 - 118، وهو في "المسند"(1852).

ص: 93

‌2 - باب ما جاء في كم تُقْصَرُ الصلاة

556 -

حَدَّثَنا أحمد بن مَنِيعٍ، قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا يحيى بنُ أبي إسحاق الحضرمي، قال:

حدَّثَنا أنسُ بنُ مالك، قال: خرجنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكةَ، فصلَّى ركعتينِ، قال: قلتُ لأنسٍ: كم أقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكَّةَ؟ قال: عَشْرًا

(1)

.

وفي الباب عن ابنِ عباسٍ، وجابرٍ.

حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رُوي عن ابنِ عباسٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه أقامَ في بعض أسفاره تِسْعَ عشرة يُصلِّي ركعتين. قال ابنُ عباس: فنحنُ إذا أقمنا ما بيننا وبينَ تِسْع عشرة صلَّينا ركعتين، وإن زدنا على ذلك، أتممنا الصلاة

(2)

.

وروي عن عليًّ أنهُ قالَ: من أقامَ عشرةَ أيامٍ أتَمَّ الصلاةَ

(3)

.

ورُويَ عن ابن عمرَ أنه قال: من أقام خمسة عشر يومًا أتم

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1081) و (4297)، ومسلم (693)، وأبو داود (1233)، وابن ماجه (1077)، والنسائي 3/ 118 و 121، وهو في "المسند"(12945)، و"صحيح ابن حبان"(2754).

(2)

سيأتي موصولًا برقم (557).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 455، وسنده منقطع.

ص: 94

الصلاة

(1)

، ورُويَ عنه: ثِنْتَيْ عَشْرَةَ

(2)

.

ورُويَ عن سعيد بن المسيِّبِ أنه قال: إذا أقام أربعًا صلَّى أربعًا

(3)

، ورَوَى عنه ذلكَ قتادةُ وعطاءٌ الخرَاسانيُّ.

ورَوَى عنه داودُ بن أبي هِنْدٍ خلافَ هذا

(4)

.

واختلفَ أهلُ العلم بعدُ في ذلك:

فأما سفيانُ الثوريُّ وأهلُ الكوفةِ، فذهبوا إلى تَوْقِيتِ خمْسَ عَشْرَةَ، وقالُوا: إذا أجْمَعَ على إقامةِ خَمْسَ عَشْرَةَ أتمَّ الصلاةَ.

وقال الأوزاعيُّ: إذَا أجمعَ على إقامة ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أتمَّ الصلاةَ

(5)

.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4343)، وابن أبي شيبة 2/ 455، وابن المنذر 4/ 355، وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (4342)، وابن المنذر 4/ 355 و 356 وهو آخر أقواله كما ذكر نافع، نقله ابن المنذر (2279).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (4346) و (4347)، وابن أبي شيبة 2/ 455، وإسناده صحيح.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (4348)، عن الثوري، أخبرني داود بن أبي هند، عن ابن المسيب قال: إذا أزمعت بقيام خمس عشرة ليلة فأتم، وإسناده صحيح، وهو في "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 454.

(5)

واستدلوا بحديث أبي داود (1231) من طريق محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة، وقد توبع محمد بن إسحاق عليه عند النسائي 3/ 121، فقد رواه من طريق عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي =

ص: 95

وقال مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ: إذا أجمع على إقامة أَرْبَعٍ أتم الصلاةَ.

وأمَّا إسحاقُ، فرَأَى أَقْوَى المذاهب فيه حديثَ ابن عباسٍ، قال: لأنه رَوَى عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم تأوَّلَه بعدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: إذا أجمع على إقامة تِسْعَ عَشْرةَ، أتم الصلاةَ.

ثمَّ أجمع أهلُ العلم على أن للمسافر أن يَقْصُر ما لم يُجْمعْ إقامةً، وإنْ أتَى عليه سِنُونَ.

557 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا أبو معاوية، عن عاصم الأحْوَلِ، عن عِكْرِمَةَ

عن ابن عباسٍ، قال: سافر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَفرًا، فصلَّى تسعةَ عَشَرَ يومًا ركعتينِ ركعتين، قال ابن عباس: فنحن نصلَّي فيما بيننا وبينَ تِسْعَة عَشرَ

(1)

ركعتينِ ركعتينِ، فإذا أقمنا أكثرَ من ذلك صلَّينا أربعًا

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ

(3)

صحيحٌ.

= حبيب، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله، وقد صحيح الحافظ هذا الحديث في "الفتح" 2/ 562.

(1)

في (أ) و (د): تسع عشرة.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (1080) و (4298) و (4299)، وأبو داود (1230) و (1232)، وابن ماجه (1075)، وهو في "المسند"(1958)، و"صحيح ابن حبان" (2750). وعند أبي داود وابن حبان: سبع عشرة ليلة.

(3)

لفظة "غريب" ليست في (ل).

ص: 96

‌3 - باب ما جاء في التَّطَوُّع في السَّفَرِ

558 -

حَدَّثَنا قُتَيْبةُ، قال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بن سعدٍ، عن صَفْوَانَ بن سُلَيْمٍ، عن أبي بُسْرَةَ الغِفَاريَّ

عن البَرَاء بن عازبٍ، قال: صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيةَ عَشَرَ سَفرًا

(1)

، فما رأيته تَرَكَ الرَّكْعتَينِ إذا زاغتِ الشمسُ قبلَ الظهرِ

(2)

.

وفي الباب عن ابن عمر.

حديثُ البراءِ حديثٌ غريبٌ.

وسألتُ محمدًا عنه، فلم يعرفْه إلَّا من حديث الليثِ بنِ سعدٍ، ولم يَعرف اسم أبي بُسْرَةَ الغِفَارِيَّ، ورَآهُ حَسَنًا.

ورُوِيَ عن ابنِ عمر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لا يَتَطَوَّعُ في السَّفَر قبلَ الصلاةِ ولا بعدها

(3)

.

ورُوِيَ عنه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يَتَطوَّعُ في السفرِ

(4)

.

ثم اختلف أهلُ العلم بعدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: فرأَى بعضُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوَّع الرجلُ في السفرِ، وبه يقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.

(1)

في (أ) و (ل) ونسخة بهامش (ب): شهرًا، وهو خطأ.

(2)

إسناده ضعيف لجهالة أبي بُسرة، وأخرجه أبو داود (1222)، وهو في "المسند"(18583).

(3)

حديث صحيح، وقد سلف مسندًا عند المصنف برقم (552).

(4)

سيأتي عند المصنف برقم (559) و (560).

ص: 97

ولم تَرَ طائفةٌ من أهل العلم أن يُصَلَّى قبلَها ولا بعدَها.

ومعنَى مَن لم يتطوَّعْ فِي السفرِ قبولُ الرُّخْصَةِ، ومن تطوَّعَ، فله في ذلك فضلٌ كَثِيرٌ، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العلم: يختارون التطوعَ في السفر.

559 -

حَدَّثَنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، قال: حَدَّثَنا حفصُ بنُ غِيَاثٍ، عن حجَّاجٍ، عن عطيَّةَ

عن ابنِ عمرَ، قال: صلَّيتُ مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم الظهرَ في السفر ركعتين، وبعدَها رَكْعَتَيْن

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ.

وقد رواهُ ابنُ أبي ليلَى، عن عطيةَ ونافعٍ، عن ابن عمرَ.

560 -

حَدَّثَنا محمدُ بن عُبَيْدٍ المحَارِبيُّ، قال: حَدَّثَنا عليُّ بن هاشمٍ، عن ابنِ أبي ليلَى، عن عطيَّة ونافعٍ

عن ابن عمرَ، قال: صلَّيتُ مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الحَضَر والسفَر:

(1)

إسناده ضعيف، الحجاج - وهو ابن أرطاة - ليَّن الحديث، وهو إلى ذلك مدلس وقد عنعن، وعطية - وهو العوفي - ضعيف.

وأخرجه مطولًا كالرواية التي بعده أبو أمية الطرسوسي في "مسند عبد الله بن عمر"(1) و (3)، وأحمد في "مسنده"(5634)، والبغوي في "شرح السنة"(1035).

وهذا الحديث يخالف ما صح عن ابن عمر نفسه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلَّي من السنن الرواتب في السفر شيئًا، كما في حديثه السالف برقم (552).

ص: 98

فصلَّيتُ معه في الحَضَرِ الظهرَ أربعًا وبعدَها ركعتين، وصلَّيتُ معه في السَّفَرِ الظُّهْرَ ركعتين وبعدَها ركعتين، والعصرَ ركعتينِ ولم يُصَلَّ بعدَها شيئًا، والمغربَ في الحضرِ والسفرِ سواءً، ثلاثَ ركعاتٍ، لا يَنْقُصُ في حضرٍ ولا سفرٍ، وهي وتْرُ النهارِ، وبعدَها ركعتين

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ.

سمعتُ محمدًا يقولُ: ما رَوَى ابنُ أبي ليلَى حديثًا أعْجَبَ إليَّ من هذا

(2)

.

‌4 - باب ما جاء في الجَمْعِ بين الصلاتَيْنِ في السَّفَر

561 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بن سعدٍ، عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ، عن أبي الطُّفَيْلِ

عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان في غزوةِ تَبُوكَ إذا ارْتَحَلَ قبلَ زَيْغِ الشمسِ، أخَّر الظُّهرَ إلى أن يَجْمَعها إلى العصرِ، فيصلَّيهما جميعًا، وإذا ارْتَحَلَ بعدَ زَيْغِ الشمسِ، عَجَّلَ العصرَ إلى الظهرِ، وصلّى الظُّهرَ والعَصْرَ جميعًا، ثُمَّ سَارَ.

(1)

إسناده ضعيف لضعف ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن، وضعف عطية العوفي، ومتابعة نافع له لا تشدُّه لسوء حفظ ابن أبي ليلى.

وانظر ما قبله.

(2)

زاد بعدها في المطبوع: ولا أروي عنه شيئًا، وليست في شيء من أصولنا الخطية، وهي في "العلل الكبير" للترمذي 1/ 295 نقلًا عن البخاري.

ص: 99

وكان إذا ارْتَحَلَ قبلَ المغرِبِ، أخَّرَ المغرِبَ حتى يصلَّيَها مع العشاءِ، وإذا ارْتَحَلَ بعدَ المَغرب، عَجَّلَ العشاءَ فصلَّاها مع المغربِ

(1)

.

وفي الباب عن عليًّ، وابن عُمَرَ، وأنسٍ، وعبدِ الله بن عَمْرٍو، وعائشةَ، وابن عباسٍ، وأُسامةَ بن زيدٍ، وجابر. والصحيح عن أسامة

(2)

.

ورَوَى عليُّ بن المدينيَّ، عن أحمد بن حنبلٍ، عن قُتَيْبَةَ هذا الحديث.

562 -

حَدَّثَنا عبدُ الصَّمد بن سليمانَ، قال: حَدَّثَنا زكريَّا اللُّؤلُؤِيُّ، قال: حَدَّثَنا أبو بكرٍ الأَعْيَنُ، قال: حَدَّثَنا عليُّ بن المَدِينيَّ، قال: حَدَّثَنا أحمد بن حنبلٍ، قال: حَدَّثنا قتيبةُ، بهذا

(3)

.

وحديثُ معاذ حديثٌ حسنٌ غريبٌ، تفرَّد به قتيبةُ، لا نَعرفُ

(1)

حديث صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد أُعلَّ بما لا يقدح في صحته، وأخرجه أبو داود (1208) و (1220)، وهو في "مسند أحمد"(22094)، و"صحيح ابن حبان"(1458).

(2)

قوله: "والصحيح عن أسامة" أثبتناه من (ل)، ولم يرد في سائر الأصول.

(3)

إسناده كسابقه، وهذا الإسناد أثبتناه من (ل) ونسخة بهامش (د)، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية، وأورده المزي في "تهذيب الكمال" 18/ 97 - 98، وقال بإثره:"وهو في عدة نسخ من رواية أبي العباس المحبوبي وغيره، وسقط من النسخ المتأخرة"، وأثبته أيضًا في "التحفة" 8/ 402، وذكره ابن العربي في شرحه على الترمذي.

ص: 100

أحدًا رواه عن اللَّيْثِ غيرَه.

وحديثُ اللَّيْثِ، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطُّفَيْلِ، عن مُعاذٍ حديثٌ غريبٌ.

والمعروفُ عند أهل العِلم حديثُ معاذ من حديث أبي الزُّبيرِ، عن أبي الطُّفَيْل، عن معاذٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ في غزوة تَبُوكَ بين الظهرِ والعصرِ، وبين المغرب والعِشاء. رواه قُرَّةُ بن خالدٍ وسفيانُ الثوريُّ ومالكٌ وغيرُ واحدٍ، عن أبي الزُّبير المكَّيِّ

(1)

.

وبهذا الحديث يقولُ الشافعي، وأحمدُ، وإسحاق، يقولون: لا بأسَ أن يَجْمَعَ بين الصلاتين في السفرِ في وقتِ إحداهما

(2)

.

563 -

حَدَّثَنا هنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا عَبْدَةُ بنُ سليمانَ، عن عُبَيد اللهِ بن

(1)

إسناده صحيح، فقد صرح أبو الزبير بالتحديث عند غير المصنف، وأخرجه مسلم (706)(52) و (53)، وأبو داود (1206)، وابن ماجه (1070)، والنسائي 1/ 285، وهو في "المسند"(21997)، و"صحيح ابن حبان"(1591).

(2)

وقال قوم: لا يجوز الجمع مطلقًا إلا بعرفة ومزدلفة، وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه.

وقيل: يختص الجمع بمن يَجِدُّ في السير، قاله الليث بن سعد، وهو القول المشهور عن مالك.

وقيل: يختصُّ بالمسافِرِ دونَ النازل، وهو قولُ ابن حبيب.

وقيل: يختصُّ بمن له عذر، حُكي عن الأوزاعي.

وقيل: يجوز جمعُ التأخير دونَ التقديم، وهو مروي عن مالك وأحمد واختاره ابن حزم، "فتح الباري" 2/ 580.

ص: 101

عمرَ، عن نافعٍ

عن ابنِ عُمَرَ: أنه اسْتُغِيثَ على بعضِ أهلِهِ، فَجدَّ به السَّيْرُ، وأخَّر المغربَ حتى غاب الشَّفَقُ، ثم نزَلَ، فَجَمَعَ بينهما، ثم أخبرهم: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يفعلُ ذلكَ إذا جَدّ به السَّيْرُ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1091)، ومسلم (703)، وأبو داود (1207)، والنسائي 1/ 287، وهو في "مسند أحمد"(4472)، و"صحيح ابن حبان"(1455).

(2)

زاد في (أ) و (ظ) و (د) ونسخة في هامش (ب): "وحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب حديث حسن صحيح" ولم ترد في (ب) و (س) و (ل).

تنبيه: جاء في رواية أبي حامد أحمد بن عبد الله التاجر المروزي، عن أبي عيسى الترمذي زيادة حديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين، وذكره المزي في "تحفة الأشراف" 5/ 120 فقال: قال الترمذي: عن أبي بكر محمد بن أبان، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة وكريب، كلاهما عن ابن عباس، قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر؟ قلنا: بلى، قال: كان إذا زاغت الشمس وهو في منزله، جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب

الحديث، وقال: حسن صحيح غريب من حديث ابن عباس، وقال المزي بإثره: هذا الحديث في رواية أبي حامد أحمد بن عبد الله بن داود التاجر المروزي، عن الترمذي، ولم يذكره أبو القاسم. قلنا: وتتمة الحديث عند عبد الرزاق في "مصنفه"(4405): "وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل، فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت له المغرب وهو في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن له في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء، نزل فجمع بينهما". =

ص: 102

‌5 - باب ما جاء في صلاة الاستسقاء

564 -

حَدَّثَنا يحيى بن موسى، قال: حَدَّثَنا عبدُ الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزهريَّ، عن عَبَّادِ بن تمِيمٍ

عن عَمه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرج بالناس يَسْتَسقِي، فصلَّى بهم ركعتين، جَهَرَ بالقراءةِ فيهما، وحَوَّلَ ردَاءَهُ، ورَفَعَ يديه واسْتَسْقى، واستقبَلَ القِبلةَ

(1)

.

وفي الباب عن ابنِ عباس، وأبي هريرةَ، وأنسٍ، وآبي اللَّحْمِ.

حديثُ عبد الله بن زيدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وعلى هذا العمل عند أهْل العلمِ، وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق.

وعَمُّ عَبَّادِ بنِ تمِيمٍ: هو عبدُ الله بن زيد بن عاصمٍ المازِنِيُّ.

565 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا اللَّيثُ، عن خالد بنِ يزيدَ، عن سعيد بن أبي هِلالٍ، عن يزيدَ بنِ عبد الله، عن عُمَيْرٍ مولى آبي اللَّحْمِ

عن آبي اللَّحْم: أنه رَأَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أحْجَارِ الزَّيْتِ

= وأخرجه عبد بن حميد مختصرًا (613)، والطبراني في "الكبير"(11522)، والدارقطني 1/ 388، والبيهقي 3/ 163 - 164، وغيرهم، وهو في "مسند أحمد"(3480). وإسناده ضعيف لضعف حسين بن عبد الله.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1005) و (1024)، ومسلم (894)، وأبو داود (1161)، وابن ماجه (1267)، والنسائي 3/ 155، وهو في "مسند أحمد"(16432) و (16437)، و"صحيح ابن حبان"(2864).

ص: 103

يَسْتَسْقِي، وهو مُقْنعٌ بكَفَّيْهِ يَدْعُو

(1)

.

كذا قال قُتيبةُ في هذا الحديثِ: عن آبي اللَّحْمِ، ولا نَعرفُ له عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلَّا هذا الحديثَ الواحدَ، وعُمَيْرٌ مولى آبي اللَّحْمِ قد رَوَى عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أحاديثَ، وله صُحْبَةٌ.

566 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا حاتِمُ بنُ إسماعيلَ، عن هشام بن إسحاقَ - وهو ابنُ عبدِ الله بن كِنَانةَ -

عن أبيه، قال: أرْسَلَنِي الوليدُ بنُ عُقْبَةَ، وهو أميرُ المدينة، إلى ابن عباسٍ أسأله عن استسقاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأَتيتُه، فقال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مُتَبَذَّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرَّعًا حتى أتَى المصلَّى، فلم يَخْطُبْ خُطبتكم هذه، ولكن لم يَزَل في الدعاءِ والتَضَرُّعِ والتكْبيرِ، وصلَّى ركعتين كما كان يُصلَّي في العيدِ

(2)

.

(1)

صحيح من حديث عمير مولى آبي اللحم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه من حديث آبي اللحم النسائي 3/ 158 - 159، وهو في "مسند أحمد"(21943).

وأخرجه من حديث عمير مولى آبي اللحم أبو داود (1168)، وهو في "مسند أحمد"(21944)، و"صحيح ابن حبان"(878).

وأحجار الزيت: موضع بالمدينة من الحَرَّة، سمي بذلك لسواد أحجاره، كأنها طُليت بالزيت.

وقوله: وهو مقنع بكفية، أي: رافع كفيه، وفي رواية أبي داود: قائمًا يدعو يستسقي رافعًا يديه لا يجاوز بهما رأسه.

(2)

حسن، وأخرجه أبو داود (1165)، وابن ماجه (1266)، والنسائي 3/ 156 - 157، وهو في "مسند أحمد"(2039)، و"صحيح ابن حبان"(2862).

ص: 104

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

567 -

حَدَّثَنا محمودُ بنُ غيْلانَ، قال: حَدَّثَنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن هشام بن إسحاقَ بن عبد الله بن كِنَانَةَ، عن أبيه، فذَكَرَ نحوَه، وزاد فيه:"مُتَخَشَّعًا"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وهو قولُ الشافعيَّ، قال: يُصلَّي صلاةَ الاستسقاءِ نحوَ صلاة العيدين، يُكبَّرُ في الركعةِ الأُولى سبعًا، وفي الثانيةِ خمسًا، واحْتَجَّ بحديث ابنِ عَبَّاسٍ.

ورُوي عن مالك بن أنسٍ أنه قال: لا

(2)

يُكبَّرُ في صلاةِ الاستسقاءِ كما يُكَبَّرُ في صلاةِ العيدينِ

(3)

.

‌6 - باب ما جاء في صلاة الكسُوف

568 -

حَدَّثَنا محمد بن بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن سعيدٍ، عن

(1)

حسن كسابقه.

(2)

قوله: "لا" أثبتناه من (س) و (ل) ونسخة في هامش (أ) و (د) وعليه شرح المباركفوري في "تحفة الأحوذي"، ولم يرد في (ب) و (ظ)، والصواب إثباته، فهو قول مالك كما في "المدونة" 1/ 166.

(3)

في (ب) و (ل): "العيد" بالإفراد، وفي نسخة بهامش (ب)، وفي سائر الأصول:"العيدين"، وقول مالك هو قول الجمهور، وتأوَّلوا الحديث على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر بالقراءة، وكونها قبل الخطبة.

ص: 105

سفيانَ، عن حَبيبِ بن أبي ثَابتٍ، عن طاوُوسٍ

عن ابن عبَّاسٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه صلَّى في كُسُوفٍ، فقرأ ثُم رَكَعَ، ثُم قرأ ثم رَكَع، ثُم قرأَ ثُم رَكَعَ

(1)

، ثلاثَ مراتٍ، ثم سَجَدَ سجدتين، والأخْرى مِثلُها

(2)

.

وفي الباب عن عليًّ، وعائِشةَ، وعبد الله بن عمرٍو، والنُّعْمان بن بَشِيرٍ، والمُغيرة بن شُعْبَةَ، وأبي مسعودٍ، وأبي بَكْرَةَ، وسَمُرَةَ، وابنِ مسعودٍ، وأسماء ابنةِ أبي بكر، وابن عمَرَ، وقَبيصَةَ الهِلالِيِّ، وجابرِ بن عبد الله، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن سَمُرَة، وأُبَيَّ بن كَعْبٍ.

(1)

وقع في عامة أصولنا الخطية: "رفع"، والمثبت من (ل) ونسخة في هامش (أ)، ونسختي ابن العربي والمباركفوري.

(2)

حبيب بن أبي ثابت مدلَّس وقد عنعنه، قال ابن حبان في "صحيحه" 7/ 98: خبر حبيب بن أبي ثابت، عن طاووس، عن ابن عباس ليس بصحيح، لأن حبيبًا لم يسمع من طاووس هذا الخبر، وقال البيهقي في "سننه" 3/ 327: وحبيب - وإن كان من الثقات - فقد كان يدلس، ولم أجده ذكر سماعه في هذا الحديث عن طاووس، ويحتمل أن يكون حمله عن غير موثوق به عن طاووس.

قلنا: وفيه عِلَّة أخرى، وهي الشُّذوذ، فقد روى غيرُ واحد عن ابن عباس: أن صلاةَ الكسوف أربعُ رُكوعات في أربع سَجَدات، وسيذكره المصنف قريبًا، ويأتي تخريجه هناك.

وأخرجه أحمد (1975) و (3236)، ومسلم (908) و (909)، وأبو داود (1183)، والنسائي 3/ 128 - 129 و 129 من طريقين عن سفيان الثوري، بهذا الإسناد، ووقع عندهم جميعًا: أنه صلى الله عليه وسلم صَلَّى ثمانيَ ركَعات وأربعَ سَجَدات.

ص: 106

حديثُ ابنِ عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه صَلى في كُسوفٍ أرْبَعَ رَكعاتٍ في أرْبَعِ سَجَدَاتٍ

(1)

.

وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

قال: واختلف أهلُ العلم في القراءةِ في صلاة الكسوفِ، فرأى بعضُ أهل العلم أن يُسِرَّ بالقراءةِ فيها بالنهارِ.

ورأى بعضُهم أن يَجْهَرَ بالقراءةِ فيها، كنَحْوِ صلاة العيدين والجمعة، وبه يقول مالكٌ، وأحمدُ، وإسحاقُ: يَرَوْنَ الجهرَ فيها.

قال الشافعيُّ: لا يَجْهَرُ فيها.

وقد صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلْتا الروايتين، صَحَّ عنه: أنه صلَّى أرْبَعَ رَكَعَاتٍ في أربع سَجَدَات، وصَحَّ عنه: أنه صَلَّى سِتَّ ركعات في أربع سجَدات، وهذا عندَ أهلِ العلم جائزٌ على قَدْرِ الكسوفِ، إن تطاولَ الكسوف، فصلَّى سِتَّ ركعات في أربع سجَداتٍ، فهو جائز، وإن صلَّى أربعَ ركعاتٍ في أربعِ سجداتٍ وأطال القراءةَ، فهو جائز.

ويرى أصحابُنا أن تُصَلَّى صلاةُ الكسوفِ في جماعةٍ في

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1052)، ومسلم (902) و (907)، وأبو داود (1181) و (1189)، والنسائي 3/ 129 و 146 - 147، وهو في "مسند أحمد"(2711)، و"صحيح ابن حبان"(2832).

ص: 107

كسوفِ الشمسِ والقمرِ.

569 -

حَدَّثنا محمدُ بنُ عبد الملك بن أبي الشَّوَاربِ، قال: حَدَّثَنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ، قال: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْريِّ، عن عُرْوةَ

عن عائشةَ أنها قالت: خَسَفَت الشَّمسُ على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالناسِ، فأطالَ القراءةَ، ثُمَّ ركع فأطال الركوعَ، ثم رَفعَ رأسَه فأطال القراءةَ، وهي دُونَ الأُولى، ثم ركع فأطال الركوعَ، وهو

(1)

دونَ الأول

(2)

، ثم رفع رأسَه فسجدَ، ثم فعل ذلك في الركعة الثانية

(3)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وبهذا الحديث يقول الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ: يَرَوْنَ صلاةَ الكسوف أربعَ ركعاتٍ في أربع سَجَدَاتٍ.

قال الشافعيُّ: يَقْرَأُ في الركعةِ الأولى بأُمِّ القُرآن ونحوًا من سورة البقرةِ سِرًّا إن كان بالنهارِ، ثم ركعَ ركوعًا طويلًا نحوًا من

(1)

كذا في (ل) ونسخة في (ب)، وفي سائر الأصول: وهي.

(2)

في عامة أصولنا الخطية: الأولى، والمثبت من (س) ونسخة في هامش (ب).

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901)، وأبو داود (1180)، وابن ماجه (1263)، والنسائي 3/ 127، وهو في "مسند أحمد"(24045)، و"صحيح ابن حبان"(2845).

ص: 108

قِراءته، ثم رَفَعَ

(1)

رأسَه بتكبيرٍ وثَبَتَ قائمًا كما هو، وقرأ أيضًا بأم القُرآن ونحوًا من آل عِمْرانَ، ثم رَكَع ركوعًا طويلًا نحوًا من قِراءتهِ، ثم رَفع رأسَه، ثم قال: سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثم سجدَ سجدتين تامَّتَيْن، ويُقيمُ في كُلِّ سَجْدةٍ نحوًا مِمَّا أقامَ في ركوعه، ثم قامَ فقرأ بأُمِّ القُرآن ونحوًا من سورة النِّساء، ثم ركع ركوعًا طويلًا نحوًا من قراءته، ثُمَّ رفع رأسَه بتكبيرٍ ويثبت قائمًا، ثم قَرأ نحوًا مِن سورة المائدةِ، ثم ركع ركوعًا طويلًا نحوًا من قِراءته، ثم رَفَع فقال: سمعَ اللهُ لمَنْ حَمِدَهُ، ثم سَجَدَ سجدتين، ثم تَشَهَّدَ وسَلَّمَ.

‌7 - باب كيف القراءة في الكسوف

570 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حَدَّثَنا وكيعٌ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ، عن الأسْوَدِ بن قَيْسٍ، عن ثَعْلَبَةَ بن عِبَادٍ

عن سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ، قال: صلَّى بنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم في كُسُوفٍ لا نَسْمَعُ له صوتًا

(2)

.

وفي الباب عن عائشةَ.

(1)

المثبت من (ل) ونسخة في (ب)، وفي سائر الأصول: يرفع.

(2)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة ثعلبة بن عباد، وأخرجه أبو داود مطولًا (1184)، وابن ماجه (1264)، والنسائي 3/ 148 - 149، وهو في "مسند أحمد"(20160) و (20178)، و"صحيح ابن حبان"(2851)، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد برقم (2674).

ص: 109

حديثُ سَمُرَة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى هذا، وهو قولُ الشافعيِّ.

571 -

حَدَّثنا أبو بكرٍ محمدُ بن أبَانَ، قال: حَدَّثَنا إبراهيمُ بن صَدَقَة، عن سفيانَ بنِ حسينٍ، عن الزهريِّ، عن عُرْوَةَ

عن عائشةَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة الكسوفِ، وجَهَرَ بالقراءةِ فيها

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وروى أبو إسحاقَ الفزاريُّ عن سفيانَ بن حسينٍ، نحوَه.

وبهذا الحديث يقولُ مالكٌ، وأحمدُ، وإسحاقُ

(2)

.

‌8 - باب ما جاء في صلاة الخوفِ

572 -

حَدَّثنا محمدُ بن عبد الملك بن أبي الشَّوَارِبِ، قال: حَدَّثَنا يزيد بن زُرَيع، قال: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عن الزهريِّ، عن سالمٍ

عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاةَ الخوف بإحدَى الطائفَتَيْنِ ركعةً، والطائفةُ الأُخْرَى مُواجِهَةُ العدُوِّ، ثم انصرفوا، فقاموا في

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1065)، ومسلم (901)(5)، وأبو داود (1188)، والنسائي 3/ 148، وهو في "مسند أحمد"(24473)، و"صحيح ابن حبان"(2850)، وهو عندهم خلا أبي داود بأطول مما هنا.

(2)

وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة، وابن خزيمة وابن المنذر من محدثي الشافعية.

ص: 110

مَقَامِ أولئك، وجاءَ أُولئكَ، فصلَّى بهم ركعةً أُخرَى، ثم سلَّم عليهم، فقامَ هؤلاء، فَقَضَوْا ركعَتَهم، وقامَ هؤلاءِ فقضَوْا ركعَتَهم

(1)

.

وفي الباب عن جابرٍ، وحُذَيْفَةَ، وزيد بن ثابتٍ، وابن عباسٍ، وأبي هريرةَ، وابن مسعودٍ، وسَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ، وأبي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، واسمه: زيدُ بن صَامِتٍ، وأبي بكْرَةَ.

وقد ذَهَبَ مالكُ بنُ أنسٍ في صلاةِ الخوفِ إلى حديثِ سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ، وهو قولُ الشافعيِّ.

وقال أحمدُ: قد رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم صلاةُ الخوفِ على أَوْجُهٍ، وما أعْلَمُ في هذا الباب إلَّا حديثًا صحيحًا، وأخْتَارُ حديثَ سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ.

وهكذا قال إسحاقُ بن إبراهيمَ، قال: ثَبَتَتِ الرواياتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الخوف. ورأى أنَّ كُلَّ ما رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف فهو جائزٌ، وهذا على قَدْرِ الخوفِ.

قال إسحاقُ: وَلَسْنَا نختارُ حديث سَهْل بنِ أبي حَثْمَةَ على غيره من الروايات.

وحديث ابن عمر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد رواه موسى بن

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (942) و (4133)، ومسلم (839)، وأبو داود (1243)، وابن ماجه (1258)، والنسائي 3/ 171، وهو في "مسند أحمد"(6351)، و"صحيح ابن حبان"(2879).

ص: 111

عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

573 -

حَدَّثَنا محمد بن بشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن سعيدٍ القطَّانُ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن سعيدٍ الأنصاريُّ، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خَوَّاتِ بن جُبَيْرٍ

عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أنه قال في صلاةِ الخوف، قال: يقومُ الإمامُ مستقبِلَ القِبلة، وتقومُ طائفةٌ منهم معه، وطائفةٌ من قِبَلِ العَدُوِّ، ووجوههم إلى العدوِّ، فيركعُ بهم ركعةً، ويركعون لأنفسهم، ويسجدون لأنفسهم سَجدتين في مكانهم، ثم يَذْهَبُونَ إلى مَقَامِ أُولئك، ويَجِيءُ أولئك، فيركعُ بهم ركعةً، ويسجدُ بهم سَجدتين، فهي له ثِنْتَان وَلَهُمْ واحدةٌ، ثم يركعون ركعةً، ويسجدونَ سجدتين

(1)

(2)

.

574 -

قال محمد بنُ بشَّارٍ: سألتُ يحيى بن سعيدٍ عن هذا الحديث، فَحَدَّثَني عن شعبةَ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خَوَّاتٍ

عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حديث يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ. وقال لي يحيى: اكتُبْهُ إلى جَنْبِه، ولستُ أحْفَظُ الحديثَ، ولكنَّه مِثْلُ حديث يحيى بنِ سعيدٍ الأنصَاريِّ

(3)

.

(1)

في (ب): ويسجد بهم سجدتين، وهو خطأ.

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (4131)، وأبو داود (1239)، وابن ماجه (1259)، والنسائي 3/ 178 - 179، وهو في "مسند أحمد"(15710) و (15711)، و"صحيح ابن حبان"(2885).

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (4131)، ومسلم (841)، وأبو داود =

ص: 112

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

لم يَرفعه يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاري عن القاسم بن محمدٍ، وهكذا رواه أصحابُ يحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ موقوفًا، ورَفَعَه شعبةُ، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد.

ورَوَى مالكُ بن أنسٍ، عن يزيدَ بن رُومَانَ، عن صالح بن خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخوف، فذكر نحوَه

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وبه يقولُ مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق.

ورُويَ عن غير واحدٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بإحدَى الطائفتين ركعةً ركعةً، فكانت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ركعتانِ، ولهم ركعَةٌ ركعَةٌ

(2)

.

‌9 - باب ما جاء في سُجُودِ القرآنِ

575 -

حَدَّثَنا سفيانُ بن وَكِيعٍ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الله بن وَهْبٍ، عن

= (1237)، وابن ماجه (1259)، والنسائي 3/ 170 - 171، وهو في "مسند أحمد"(15710) و (15712)، و"صحيح ابن حبان"(2886).

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (4129)، ومسلم (842)، وأبو داود (1238)، والنسائي 3/ 171، وهو في "مسند أحمد"(23136).

(2)

أخرجه أبو داود (1246) من حديث حذيفة، وأخرجه من حديث ابن عباس أحمد (2063)، وصححه ابن حبان (2871). وأخرجه من حديث جابر أحمد (14180)، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2869). وأخرجه من حديث أبي هريرة أحمد (10765)، وصححه ابن حبان (2872).

ص: 113

عمْرو بن الحارثِ، عن سعيد بن أبي هِلَالٍ، عن عُمَرَ الدمشقيِّ، عن أُمِّ الدَّرْدَاءِ

عن أبي الدَّرْدَاءِ، قال: سَجَدْتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إحدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً، منها التي في النَّجْم

(1)

.

وفي الباب عن علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وعمرو بن العاص.

حديث أبي الدرداء حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن أبي هلال، عن عمر الدمشقي.

576 -

حَدَّثَنا عبدُ الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا عبدُ الله بن صالحٍ، قال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بن سعدٍ، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هِلالٍ، عن عُمَرَ - وهو ابن حَيَّانَ الدِّمشقِيُّ - قال: سمعتُ مُخْبِرًا يُخْبِرُ عن أمِّ الدَّرْدَاءِ

عن أبي الدَّرْدَاءِ، قال: سجدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة، منها التي في النجم

(2)

.

(1)

ضعيف، عمر بن حيان الدمشقي مجهول، وأخرجه ابن ماجه (1055)، وهو في "مسند أحمد" (21692). وقال أبو داود بإثر الحديث (1401): روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة، وإسناده واهٍ.

(2)

إسناده ضعيف كسابقه.

قال البغوي في "شرح السنة" 3/ 302: عدد سجود القرآن أربعة عشر عند أكثر العلماء: ثلاث منها في المفصَّل، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق.

ص: 114

وهذا أصحُّ من حديث سفيانَ بن وكيعٍ، عن عبد الله بن وَهْبٍ.

‌10 - باب في خروج النساء إلى المساجد

577 -

حَدَّثَنا نَصْرُ بن عليٍّ، قال: حَدَّثَنا عيسى بنُ يونس، عن الأعمشِ، عن مجاهدٍ، قال:

كُنَّا عندَ ابنِ عمرَ، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ايذَنُوا للنِّساء بالليلِ إلى المساجِد"، فقال ابنُهُ: والله لا نَأْذَنُ لهنَّ يَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا! فقال: فَعَلَ الله بكَ وفَعَل! أقولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولُ: لا نَأْذَنُ لهنَّ

(1)

؟!

وفي الباب عن أبي هريرةَ، وزينب امرأةِ عبد الله بن مسعودٍ، وزيد بن خالد.

حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌11 - باب في كراهية البُزَاقِ في المسجد

(2)

578 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن رِبْعِيِّ بن حِراشٍ

عن طَارِقِ بن عبد الله المُحَارِبِيِّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (865)، ومسلم (442)، وأبو داود (568)، وابن ماجه (16)، والنسائي 2/ 42، وهو في "مسند أحمد"(4933)، و"صحيح ابن حبان"(2210). واقتصر البخاري والنسائي على المرفوع منه.

(2)

في (ل) ونسخة في هامش (أ): في الصلاة، بدل: في المسجد.

ص: 115

"إذا كنتَ في الصلاةِ، فلا تَبْزُقْ عن يمينكَ، ولكن خَلْفَكَ، أو تِلْقَاءَ شِمالكَ، أو تحتَ قدمكَ اليُسرَى"

(1)

.

وفي الباب عن أبي سعيدٍ، وابنِ عمرَ، وأنسٍ، وأبي هريرةَ.

حديثُ طارقٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعمل على هذا عندَ أهلِ العلمِ.

وسَمعتُ الجَارُودَ يقولُ: سمعتُ وكيعًا يقولُ: لم يَكْذِبْ رِبْعِيُّ بن حِرَاشٍ في الإسلامِ كِذْبَةً.

وقال عبدُ الرحمن بن مَهْدِيٍّ: أثْبَتُ أهلِ الكوفةِ منصورُ بن المُعْتَمِرِ.

579 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا أبو عَوَانَةَ، عن قتادةَ

عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "البُزَاقُ في المسجدِ خطِيئَةٌ، وكفَّارَتُهَا دَفْنُهَا"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه أبو داود (478)، وابن ماجه (1021)، والنسائي 2/ 52، وهو في "مسند أحمد"(27221).

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (415)، ومسلم (552)، وأبو داود (474) والنسائي 2/ 50 - 51، وهو في "مسند أحمد"(12062)، و"صحيح ابن حبان"(1635).

ص: 116

‌12 - باب في السَّجدةِ في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}

580 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن أيوبَ بن موسى، عن عطاء بن مينَاءٍ

عن أبي هريرةَ، قال: سَجَدْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}

(1)

581 -

حَدَّثَنا قتيبةُ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حزمٍ، عن عمرَ بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمنِ بن الحارثِ بن هشامٍ، عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مثلَه

(2)

.

أربعةٌ من التابعينَ، بعضُهم عن بعض.

حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أكثر أهل العلم: يَرَوْنَ السجودَ في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .

‌13 - باب ما جاء في السجدة في النَّجْمِ

582 -

حَدَّثَنا هارون بنُ عبد الله البزَّازُ، قال: حَدَّثَنا عبد الصمد بن

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (766)، ومسلم (578)، وأبو داود (1407) و (1408)، وابن ماجه (1058)، والنسائي 2/ 161 و 162، وهو في "مسند أحمد"(7140) و (7396)، و"صحيح ابن حبان"(2767)، واقتصر البخاري على ذكر السجدة في سورة الانشقاق.

(2)

إسناده صحيح كسابقه.

ص: 117

عبدِ الوارث، قال: حَدَّثَنا أبِي، عن أيوبَ، عن عِكْرمة

عن ابن عباسٍ، قال: سَجَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيها، يَعْني النَّجْمَ، والمسْلِمونَ والمشْرِكونَ والجنُّ والإنسُ

(1)

.

وفي الباب عن ابن مسعودٍ، وأبي هريرةَ.

حديثُ ابن عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند بعضِ أهلِ العلمِ: يَرَوْنَ السجودَ في سورةِ النَّجْمِ.

وقال بعضُ أهل العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: ليسَ في المُفَصَّل سَجْدَةٌ، وهو قولُ مالك بنِ أنسٍ.

والقولُ الأول أصحُّ، وبه يقول الثَّوْريُّ، وابن المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

‌14 - باب ما جاء مَنْ لم يسجد فيه

583 -

حَدَّثَنا يحيى بن موسى، قال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن يزيدَ بن عبد الله بن قُسَيْطٍ، عن عطاء بن يَسَارٍ

عن زيد بن ثابتٍ، قال: قَرَأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ، فلم يسجد فيها

(2)

.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (1071)، وهو في "صحيح ابن حبان"(2763)، و"شرح السنة" للبغوي (763).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1072)، ومسلم (577)، وأبو داود (1404)، والنسائي 2/ 160، وهو في "مسند أحمد"(21591)، و"صحيح ابن =

ص: 118

حديثُ زيد بن ثابت حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وتأوَّلَ بعضُ أهلِ العلم هذا الحديثَ، فقال: إنَّما تَرَكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم السجودَ، لأنَّ زيدَ بن ثابتٍ حينَ قَرأ فلم يَسجدْ، لم يسجد النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقالوا: السجدةُ واجبةٌ على من سَمِعها، ولم يُرَخِّصوا في تركها، وقالوا: إن سَمِعَ الرجلُ وهو على غير وضوءٍ، فإذا توضَّأ، سَجَدَ، وهو قولُ سفيانَ وأهْلِ الكوفة، وبه يقول إسحاقُ.

وقال بعضُ أهل العلم: إنَّما السجدةُ على من أرادَ أن يسجدَ فيها والتَمَسَ فضلَها، ورخَّصوا في تركها، إن أراد ذلك، واحتجوا بالحديثِ المرفوع، حديثِ زيد بن ثابت، قال: قرأتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ فلم يسجدْ، فقالوا: لو كانت السجدةُ واجبةً، لم يتركِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيدًا حتى كان يَسْجُدُ ويَسْجُدُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، واحتجوا بحديثِ عمرَ: أنَّه قَرَأ سَجْدةً على المنبرِ، فنَزَلَ فسجدَ، ثم قرأها في الجمعة الثانية، فَتَهيَّأ الناسُ للسجودِ، فقالَ: إنها لم تُكْتَبْ علينا إلَّا أن نَشَاءَ، فلم يسجدْ ولم يسجدوا

(1)

(2)

.

فذَهَبَ بعضُ أهل العلم إلى هذا، وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ.

= حبان" (2762).

(1)

في (س): ولم يسجدوها، وفي (ب): ولم يُسْجِدْنا، والمثبت من سائر الأصول.

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1077).

ص: 119

‌15 - باب ما جاء في السجدة في (ص)

584 -

حَدَّثنا ابنُ أبي عمر، قال: حَدَّثَنا سفيانُ، عن أيوبَ، عن عكرمة

عن ابنِ عباسٍ، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدُ في (ص). قال ابن عباسٍ: وليستْ من عزائمِ السُّجُودِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

واختلفَ أهل العلمِ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم في هذا:

فرأى بعضُ أهل العلم أن يسجُدَ فيها، وهو قول سفيانَ، وابن المباركِ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقال بعضُهم: إنها تَوْبَةُ نَبِيٍّ، ولم يَرَوُا السجودَ فيها.

‌16 - باب ما جاء في السجدة في الحَجِّ

585 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عن مِشْرَح بن هاعانَ

عن عُقْبَةَ بن عامرٍ، قال: قلتُ: يا رسول الله، فُضِّلَتْ سورةُ الحجِّ بأنَّ فيها سَجْدَتين؟ قال:"نعم، ومَنْ لم يسجُدْهما، فلا يَقْرَأْهُما"

(2)

.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (1069)، وأبو داود (1409)، والنسائي في "الكبرى"(11170)، وهو في "مسند أحمد"(2521) و (3387).

(2)

حسن بطرقه وشواهده دون قوله: "ومن لم يسجدهما، فلا يقرأهما".

وأخرجه أبو داود (1402)، وهو في "مسند أحمد"(17364) وانظره فيه =

ص: 120

هذا حديثٌ إسناده ليس بالقوي.

واختلف أهلُ العلم في هذا، فرُوي عن عمر بنِ الخطاب، وابن عمر أنهما قالا: فُضِّلَت سورةُ الحجِّ بأن فيها سجدتينِ، وبه يقول ابنُ المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

ورَأى بعضُهم فيها سجدةً، وهو قولُ سفيان الثوريِّ

(1)

.

‌17 - باب ما يقول في سجود القرآن

586 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا محمد بن يزيد بن خُنَيْس، قال: حَدَّثَني الحسنُ بن محمد بن عُبيد الله بن أبي يزيد، قال: قال لي ابن جُرَيْجٍ: يا حسنُ، أخبرني عبيدُ الله بن أبي يزيدَ

عن ابن عباسٍ، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، إنِّي رأيْتُنِي الليلةَ وأنا نائمٌ كأنِّي أصلِّي خَلْفَ شجرةٍ، فسَجَدْتُ، فسَجَدَتِ الشجرةُ لسجودي، فسمعتُها وهي تقول: اللهمَّ اكتُبْ لي بها عندَك أجرًا، وضَع عَنِّي بها وِزرًا، واجعلها لي عِنْدكَ ذُخْرًا، وتَقَبَّلْها منِّي كما تَقَبَّلتَها من عبدِك داود. قال الحسنُ: قال لي ابن جُرَيْجٍ: قال لي جدُّك: قال ابن عباسٍ: فقَرَأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سَجْدَةً ثم سَجَدَ. فقال ابن عباسٍ: فسمعتُه وهو يقولُ مِثْلَ ما أخبره الرجلُ عن قول الشجرةِ

(2)

.

= لزامًا.

(1)

زاد بعدها في المطبوع: ومالك وأهل الكوفة، ولم ترد في أصولنا الخطية.

(2)

حسن بطريقيه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الحسن بن محمد بن =

ص: 121

وفي الباب عن أبي سعيدٍ.

هذا حديثٌ غريبٌ من حديث ابنِ عباسٍ، لا نَعرفهُ إلا من هذا الوجهِ.

= عبيد الله بن أبي يزيد، لكن تابعه ليث بن أبي سليم، وأخرجه ابن ماجه (1053)، وهو في "صحيح ابن حبان"(2768). وسيأتي برقم (3424)، وقد حسَّن هذا الحديث الحافظُ ابن حجر في "نتائج الأفكار" 2/ 107.

وأخرجه محمد بن الحسن في "الحجة" 1/ 111 - 113 عن أبي الأحوص سلام بن سليم، عن ليث بن أبي سُلَيم، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، وهذا إسناد حسن في الشواهد.

ويشهد له حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 147، وأبي يعلى في "مسنده"(1096)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(4765)، ومن طريقه ابن حجر في "نتائج الأفكار" 2/ 109، وفي إسناده عبد الله بن سعد المدني - وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 9/ 311: عبد الله بن أبي سعيد، وقال البخاري في "التاريخ": عبد الله المدني - ولم نتبينه، ولم يسق البخاري لفظه، قال الحافظ في "التلخيص الحبير" 2/ 10: اختُلف في وصله وإرساله، وصوّب الدارقطني في "العلل" رواية حماد، عن حميد، عن بكر بن عبد الله المزني: أن أبا سعيد رأى فيما يرى النائم. قلنا: بكر المزني لم يسمعه من أبي سعيد الخدري، فقد أخرجه البيهقي 2/ 320 من طريق هُشيم، عن حُميد، عن بكر بن عبد الله، قال: أخبرني مخبرٌ، عن أبي سعيد، بنحوه.

وقد رواه بكر بن عبد الله المزني مرسلًا عند الشافعي في "السنن المأثورة"(95)، وعبد الرزاق في "مصنفه"(5869) عن ابن عيينة، عن عاصم - قال عبد الرزاق: ابن سليمان، وقال الشافعي: ابن بَهْدَلة - عن بكر بن عبد الله المزني: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم

وسواء كان ابنَ سليمان الثقة أو ابن بهدلة الصدوق، فالحديث مرسلٌ، لكنه يتقوى بطرقه، ويقوي حديث المصنف.

ص: 122

587 -

حَدَّثَنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الوهَّاب الثقَفيُّ، قال: حَدَّثَنا خالدٌ الحَذَّاءُ، عن أبي العاليَةِ

عن عائشةَ، قالت: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ في سجودِ القرآنِ بالليل: "سَجَدَ وجْهيَ لِلَّذِي خَلَقهُ، وشَقَّ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ بِحَولِهِ وقُوَّتِهِ"

(1)

.

هذا حديثُ صحيحٌ

(2)

.

‌18 - باب ما ذُكِرَ فيمن فاتَهُ حِزْبُه من الليلِ، فَقَضاهُ بالنهارِ

588 -

حَدَّثنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا أبو صفْوانَ، عن يونسَ، عن ابن شهابٍ: أنَّ السَّائبَ بنَ يزيدَ وعُبيد الله أخبراه، عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القَاريِّ، قال:

سمعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من نَامَ عن حِزْبِهِ، أو عن شيءٍ منه، فَقَرَأهُ ما بينَ صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظُّهرِ، كُتِبَ له كأنَّمَا قَرَأهُ من الليلِ"

(3)

.

(1)

صحيح لغيره، وأخرجه أبو داود (1414)، والنسائي 2/ 222، وهو في "مسند أحمد"(24022).

(2)

في (ل) ونسخة المباركفوري: حسن صحيح.

(3)

إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (747)، وأبو داود (1313)، وابن ماجه (1343)، والنسائي 3/ 259، وهو في "مسند أحمد"(220)، و"صحيح ابن حبان"(2643).

ص: 123

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وأبو صَفْوانَ اسمه: عبد الله بن سعيدٍ المكيُّ، وروَى عنه الحُمَيْديُّ وكبارُ الناسِ.

‌19 - باب ما جاء مِنَ التشديد في الذي يَرْفَعُ رأسَه قبلَ الإمام

589 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا حمادُ بن زيدٍ، عن محمدِ بن زِيادٍ - وهو أبو الحارث البصري، ثقة -

عن أبي هريرةَ، قال: قال محمدٌ صلى الله عليه وسلم: "أمَا يَخْشَى الذي يَرْفَعُ رأسَه قبلَ الإمام أن يُحَوِّلَ الله رأسَه رأسَ حمارٍ"

(1)

.

قال قُتَيْبَةُ: قال حمادٌ: قال لي محمد بن زِيَادٍ: إنما قال: "أمَا يَخْشَى"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

ومحمدُ بن زياد هو بَصْريٌ ثقةٌ، يُكْنى: أبا الحارثِ.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (691)، ومسلم (427)، وأبو داود (623)، وابن ماجه (961)، والنسائي 2/ 96، وهو في "مسند أحمد"(7534)، و"صحيح ابن حبان"(2282).

(2)

قال المباركفوري تعليقًا على قوله: "إنما قال: أما يخشى": في حاشية النسخة الأحمدية: غرضُه من هذا القول دفعُ توهم مَنْ قال: إنا نُشَاهِدُ مِن الناسِ الرفعَ قبلَ الإمامِ، ولا يُحَوَّلُ رأسُه؟ فقال محمدُ بن زياد: إن قوله: "أما يخشى" ورد البتة، لكنَّ المرادَ منه إما التهديدُ، أو يكونُ في البرزخِ، أو في النار.

ص: 124

‌20 - باب ما جاء في الذي يُصلِّي الفريضة، ثم يَؤُمُّ الناسَ بعد ذلك

590 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا حمَّادُ بن زيدٍ، عن عَمْرو بن دينارٍ

عن جابر بن عبد الله: أنَّ مُعاذَ بن جَبَلٍ كان يُصلِّي مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم المغربَ، ثم يرجعُ إلى قومهِ فيَؤُمُّهُمْ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عندَ أصحابِنا: الشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، قالوا

(2)

: إذا أمَّ الرجلُ القومَ في المكتوبةِ وقد كان صلَّاها قبلَ ذلك: أنَّ صلاةَ من ائْتمَّ به جائزةٌ، واحْتجُّوا بحديثِ جابرٍ في قصةِ مُعَاذٍ، وهو حديثٌ صحيحٌ، وقد رُوِيَ من غير وجهٍ عن جابرٍ.

ورُويَ عن أبي الدَّرْدَاء: أنه سُئِل عن رجلٍ دخل المسجدَ، والقومُ في صلاة العصرِ وهو يَحْسَبُ أنها صلاةُ الظهرِ، فائْتَمَّ بهم

(3)

،، قال: صلاتُه جائزة.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (711)، ومسلم (465)(180) و (181)، وأبو داود (599)، وابن ماجه (986)، والنسائي 2/ 102 - 103، وهو في "مسند أحمد"(14307) و"صحيح ابن حبان"(2400). وهو مطولًا عند النسائي وأحمد وابن حبان.

(2)

في عامة أصولنا الخطية: "قال" بالإفراد، والمثبت من (ل) ونسخة المباركفوري، وهو الأليق بالسياق.

(3)

كذا في (د) و (ل)، وفي سائر الأصول الخطية: فائتم به.

ص: 125

وقد قال قومٌ مِن أهل الكوفةِ: إذا ائْتمَّ قومٌ بإمامٍ وهو يُصلِّي العصرَ وهُمْ يَحسَبونَ أنها الظهرَ، فصلَّى بهم، واقْتَدَوْا به، فإنَّ صلاةَ المُقْتَدِي فاسدةٌ، إذا اخْتَلَفَ

(1)

نِيَّةُ الإمام ونيَّةُ المأمومِ

(2)

.

‌21 - باب ما ذُكرَ من الرخصةِ في السجودِ على الثَّوبِ في الحَرِّ والبردِ

591 -

حَدَّثَنا أحمدُ بنُ محمدٍ، قال: أخبرنا عبدُ الله بن المباركِ، قال: أخبرنا خالدُ بنُ عبد الرحمن، قال: حَدَّثَني غالبٌ القطَّانُ، عن بكرِ بن عبد الله المُزَنِيِّ

عن أنس بن مالكٍ، قال: كُنَّا إذا صلَّينا خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالظهائرِ سَجَدْنا على ثيابنا اتِّقاءَ الحرِّ

(3)

.

(1)

كذا في (أ) و (د) و (ظ) ونسخة في هامش (ب)، وفي (ب) و (ل): إذا اختلفت، وفي (س): إذِ اختلف.

(2)

قال ابنُ قدامة في "المغني" 3/ 67: وفي صلاةِ المُفترضِ خلفَ المُتَنَفِّلِ روايتانِ، إحداهما: لا تَصِحُّ، نصَّ عليه أحمدُ في رواية أبي الحارث وحنبل، واختارها أكثرُ أصحابنا، وهذا قولُ الزهري ومالك وأصحاب الرأي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به، فلا تختلفُوا عليه"، متفق عليه.

وجاء في "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى 1/ 92 في ترجمة إبراهيم الحربي: وسئل أحمد عن رجل صلى في جماعة، أيؤمُّ بتلك الصلاة؟ قال: لا، ومن صلى خلفه يعيد، قيل له: فحديث معاذ؟ قال: فيه اضطراب، وإذا ثبت فله معنى دقيق، لا يجوز مثلُه اليوم.

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (385) و (542)، ومسلم (620)، وأبو داود (660)، وابن ماجه (1033)، والنسائي 2/ 216، وهو في "المسند"(11970)، =

ص: 126

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وفي الباب عن جابرِ بن عبدِ الله، وابن عباسٍ.

وقد رَوَى هذا الحديث وكيعٌ، عن خالدِ بن عبدِ الرحمن.

‌22 - باب ما ذُكِرَ مما يُسْتَحَبُّ من الجلوسِ في المسجدِ بعد صلاةِ الصبحِ حتى تطلعَ الشمسُ

592 -

حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا أبو الأحْوص، عن سِماكٍ

عن جابر بن سَمُرَةَ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى الفجرَ، قَعَدَ في مُصَلَّاهُ حتى تطلعَ الشمسُ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

593 -

حَدَّثَنا عبدُ الله بن معاوية الجُمَحِيُّ البصريُّ، قال: حَدَّثَنا عبدُ العزيز بن مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنا أبو ظِلالٍ

عن أنسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى الفجر

(2)

في جماعةٍ، ثم قعدَ يذكرُ الله حتى تَطْلُعَ الشمسُ، ثم صلَّى ركعتين، كانت له كأجْرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ".

= و"صحيح ابن حبان"(2354).

(1)

إسناده حسن، وأخرجه مسلم (670)، وأبو داود (1294)، والنسائي 3/ 80، وهو في "مسند أحمد"(20820)، و"صحيح ابن حبان"(2028).

(2)

في (ل) ونسخة في هامش (أ): الغداة.

ص: 127

قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وسألتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ عن أبي ظِلالٍ، فقال: هو مُقَارِبُ الحديثِ. قال محمدٌ: واسمه: هِلالٌ.

‌23 - باب ما ذُكِرَ في الالتفات في الصلاةِ

594 -

حَدَّثَنا محمودُ بنُ غَيْلانَ وغَيرُ واحدٍ، قالوا: حَدَّثَنا الفضلُ بنُ موسى، عن عبدِ الله بن سعيدِ بن أبي هندٍ، عن ثَوْرِ بن زيدٍ، عن عكرِمةَ

عن ابنِ عباسٍ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَلْحَظُ في الصَّلاةِ يَمينًا وشِمَالًا، ولا يَلْوِي عنقَه خلفَ ظهره

(2)

.

هذا حديثٌ غريبٌ.

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في الشواهد، وأبو ظلال: هو هلال بن أبي هلال البصري

وأخرجه من طريق المصنف البغوي (710)، وابن حجر في "نتائج الأفكار" 2/ 301.

ويشهد له حديث أبي أمامة عند أحمد (22304)، وأبي داود (558) و (1288).

وحديث ابن عمر عند الطبراني في "الأوسط"(5598)، وأبي نعيم في "الحلية" 7/ 237، ومن طريقه ابن حجر 2/ 303.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه أبو داود في رواية أبي الطيب بن الأُشْناني كما في "تحفة الأشراف" 5/ 117، والنسائي 3/ 9، وهو في "مسند أحمد"(2485) و"صحيح ابن حبان"(2288) و"مستدرك" الحاكم 1/ 236 - 237 و"صحيح ابن خزيمة"(485) و (871) وصححه ابن القطان في "الوهم والإيهام" 5/ 196.

ص: 128

وقد خالفَ وَكِيعٌ الفضل بنَ موسى في روايته.

595 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حَدَّثَنا وَكيعٌ، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هندٍ، عن بعضِ أصحابِ عكرمةَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَلْحَظُ في الصلاةِ، فذَكَرَ نحوَه

(1)

.

وفي الباب عن أنسٍ، وعائشةَ.

596 -

حَدَّثَنا مُسْلِمُ بنُ حَاتمٍ البصريُّ أبو حاتم قال: حَدَّثَنا محمد بن عبد الله الأنصاريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المُسَيّبِ

عن أنسٍ، قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا بُنَيَّ، إيَّاك والالتفاتَ في الصلاة، فإنَّ الالتفاتَ في الصلاة هَلَكةٌ، فإِنْ كان لا بُدَّ، ففي التَّطَوُّعِ، لا في الفريضةِ"

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود في رواية ابن الأُشناني كما في "التحفة" 5/ 117، وهو في "مسند أحمد"(2486).

وانظر ما قبله.

(2)

ضعيف من أجل علي بن زيد، وهو ابن جُدعان.

وأخرجه أبو يعلى (3624)، والطبراني في "الأوسط"(5988)، وفي "الصغير"(856)، والبغوي (735) من طريق علي بن زيد بن جدعان، بهذا الإسناد.

وصح النهي عن الالتفات في الصلاة من حديث عائشة عند البخاري (751)، وهو في "المسند" (24746) ولفظه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال:"اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا بأس بالالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه، وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة، وذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة ذلك تنزيهًا، قال الحازمي: وهو الأولى، لأن المقصود الأعظم في الصلاة الخشوع، ومع الالتفات لا يحصل هذا الغرض. =

ص: 129

هذا حديثٌ حسنٌ

(1)

(2)

.

‌24 - باب ما ذُكِرَ في الرجلِ يُدْركُ الإمامَ وهو ساجِدٌ كيف يَصْنَعُ؟

597 -

حَدَّثَنا هِشَامُ بن يونسَ الكوفيُّ، قال: حَدَّثَنا المُحَارِبِيُّ، عن الحجَّاجِ، عن أبي إسحاقَ، عن هُبَيْرَةَ، عن عَلِيٍّ. وعن عَمْرِو بن مُرَّةَ، عن ابن أبي ليلَى

عن مُعَاذ بن جَبَلٍ، قالا: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا أتَى أحدُكم الصلاةَ والإمامُ على حالٍ، فَلْيَصْنَعْ كما يَصْنَعُ الإمامُ"

(3)

.

= وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" 2/ 379 بعد أن أورَد أحاديثَ في التنفير عن الالتفات: وأحاديثُ الباب تَدُلُّ على كراهة الالتفات في الصلاة وهو قول الأكثر، والجمهورُ على أنها كراهةُ تنزيهٍ ما لم يبلغ إلى حَدِّ استدبارِ القبلة، والحكمةُ في التنفير عنه ما فيه مِن نقص الخشوعِ والإعراضِ عن الله تعالى، وعدمِ التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان.

(1)

المثبت من عامة الأصول، وهو الذي نقله الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 44، وفي نسخة بهامش (أ):"حسن غريب"، وهو كذلك في "شرح السنة"(735)، وفي (س):"حسن صحيح" ونقله الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 88.

(2)

زاد بعده في المطبوع ونسخة المباركفوري: حدثنا صالح بن عبد الله، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ قال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. ولم يرد هذا الحديث في النسخ الخطية التي بين أيدينا، ولم يذكره المزي في "تحفة الأشراف".

(3)

صحيح لغيره، وأخرجه الشاشي في "مسنده"(1359)، والطبراني في =

ص: 130

هذا حديثٌ غرِيبٌ، لا نعلم أحدًا أسْنَدَهُ إلَّا ما رُويَ من هذا الوجه.

والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ، قالوا: إذا جاءَ الرجلُ والإمامُ ساجدٌ فليسجدْ، ولا تُجْزِئُه تلك الركعة، إذا فاته الركوعُ مع الإمامِ.

واختارَ عبدُ الله بن المبارك أن يسجدَ مع الإمامِ، وذَكَرَ عن

= "الكبير" 20/ (267)، والبغوي (825)، والحازمي في "الاعتبار" ص 104 من طريق المحاربي عبد الرحمن بن محمد، عن حجاج بن أرطاة، بالإسنادين جميعًا.

وأخرجه الشاشي (1358) و (1362) و (1363)، والطبراني 20/ (269) و (270) و (271) و (272)، والبيهقي 2/ 296 والحازمي ص 104 - 105 من طريق عمرو بن مرة، والشاشي (1360)، والحازمي ص 105 من طريق حصين بن عبد الرحمن السلمي، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ، بنحوه وهو في "مسند أحمد"(22033)، ومطولًا (22124).

وأخرجه أبو داود مطولًا (506) من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، حدثنا أصحابنا، وفيه قال شعبة: وهذه سمعتها من حصين، عن ابن أبي ليلى، يعني قول معاذ في الحديث: لا أراه على حالٍ إلا كنت عليها قال: فقال: يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن معاذًا قد سنّ لكم سنة، كذلك فافعلوا" وإسناده صحيح.

وله شاهد من حديث ابن مغفل المزني قال: قال رسول الله: "إذا وجدتم الإمام ساجدًا فاسجدوا، أو راكعًا فاركعوا، أو قائمًا فقوموا، ولا تعتدوا بالسجود إذا لم تُدركوا الركعة" أخرجه إسحاق بن منصور المروزي في مسائل أحمد وإسحاق 1/ 127/ 1 بإسناد صحيح.

ص: 131

بعضِهِمْ، فقال: لَعَلَّهُ أن لا يَرْفَعَ

(1)

رأسَه من تلك السجدة حتى يُغْفَرَ له.

‌25 - باب كراهية أن ينتظرَ الناسُ الإمامَ وهم قيامٌ عندَ افتتاح الصلاةِ

598 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن محمدٍ، قال: أخبرنا عبدُ الله بن المباركِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عن عبد الله بن أبي قتَادَةَ

عن أبيه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أُقِيمَتِ الصلاةُ، فلا تقوموا حَتَّى تَرَوْنِي خَرَجْتُ"

(2)

.

وفي الباب عن أنسٍ، وحديثُ أنسٍ غيرُ محفوظٍ.

حديثُ أبي قتادةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد كَرِهَ قومٌ من أهل العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم أنْ ينتظرَ الناسُ الإمامَ وهم قيامٌ.

وقالَ بعضهم: إذا كان الإمامُ في المسجدِ وأُقيمتِ الصلاةُ، فإنما يقومونَ إذا قال المؤذن:"قد قامت الصلاةُ، قد قامت الصلاة"، وهو قولُ ابن المبارك.

(1)

في (ب) و (ل): "لعله لا يرفع رأسه" دون "أن".

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (637)، ومسلم (604)، وأبو داود (539) و (540)، والنسائي 2/ 31 و 81، وهو في "مسند أحمد"(22533) و"صحيح ابن حبان"(1755).

ص: 132

‌26 - باب ما ذُكِرَ في الثَّنَاءِ على الله والصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم قبلَ الدُّعَاءِ

599 -

حَدَّثَنا محمود بن غَيْلانَ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن آدم، قال: حَدَّثَنا أبو بكر بن عَيَّاشٍ، عن عاصمٍ، عن زِرٍّ

عن عبد الله، قال: كنتُ أُصَلِّي والنبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمرُ معه، فلمَّا جلستُ بَدَأْتُ بالثناءِ على الله، ثم الصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم دعوتُ لنفسي، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ"

(1)

.

وفي الباب عن فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ.

حديثُ عبد الله حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

(2)

.

وروى أحمدُ بن حنبلٍ، عن يحيى بن آدم هذا الحديث مختصَرًا.

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، وأخرجه بنحوه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(869)، وهو في "مسند أحمد"(3662) و (4255)، و"صحيح ابن حبان"(1970) و (7067).

ويشهد له حديث علي بن أبي طالب في "المستدرك" للحاكم 3/ 317، وإسناده صحيح، وانظر بقية شواهده في "المسند".

(2)

في "تحفة الأشراف" 7/ 24، و"شرح السنة" 5/ 205 بإثر الحديث: قال أبو عيسى: حديث عبد الله حديث صحيح.

ص: 133

‌27 - باب ما ذكِرَ في تطييبِ المساجدِ

600 -

حَدَّثَنا محمد بن حاتمٍ البغداديُّ، قال: حَدَّثَنا عامر بن صالحٍ الزُّبَيْريُّ

(1)

، قال: حَدَّثَنا هشامُ بن عروة، عن أبيه

عن عائشةَ قالت: أمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ المساجدِ في الدُّورِ، وأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ

(2)

.

601 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حدثنا عَبْدَةُ ووكيعٌ، عن هشام بن عروةَ، عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ، فذَكر نحوه

(3)

.

وهذا أصحُّ من الحديثِ الأول

(4)

.

(1)

في الأصول الخطية عدا (ظ) و (ل): الزبيدي، بالدال، وهو خطأ.

(2)

صحيح، عامر بن صالح الزبيري - وإن كان متروك الحديث - تابعه زائدة بن قدامة عند أبي داود (455)، وابن ماجه (759)، وابن حبان في "صحيحه"(1634)، ومالك بن سُعَير عند ابن ماجه (758)، ويونس بن بكير عند البزار في "مسنده" كما في "نصب الراية" 1/ 123، وسفيان الثوري عند ابن عدي في "الكامل" 4/ 1562، وهؤلاء كلُّهم ثقات. وقد صحح هذا الحديث الحافظ في "الفتح" 1/ 342، وانظر "مسند أحمد"(26386).

(3)

مرسل، ولا تُعَلُّ به الرواية المتصلة التي قبلها، لأن الوصل زيادة ثقة وهي مقبولة عند المحققين من أهل العلم، ولا تنافي بينهما.

(4)

وكذا صحح المرسل الدارقطني في "العلل" 5/ ورقة 37 فقال: رواه عنه - يعني عن هشام - الثوري وزائدة بن قدامة وعبد الله بن المبارك وابن عيينة ومالك بن سُعير وعامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير، ويونس - وذكر رجلًا آخر- عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، والصحيح عن جميع من ذكرنا وعن غيرهم عن هشام، عن أبيه، مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. =

ص: 134

602 -

حَدَّثَنا ابنُ أبي عمرَ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بنُ عُيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ، فذكر نحوَه

(1)

.

وقال سفيانُ: "ببناءِ

(2)

المساجد في الدُّورِ"، يعني القبائِلَ.

‌28 - باب ما جاء أنَّ صلاةَ الليل والنهار مَثْنَى مَثْنَى

603 -

حَدَّثَنا محمد بن بشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا عبد الرحمن بن مهديٍّ، قال: حَدَّثَنا شعبةُ، عن يَعْلَى بن عطاءٍ، عن عليٍّ الأزديِّ

عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"صلاةُ الليل والنهار مَثْنَى مَثْنَى"

(3)

.

اختلفَ أصحابُ شعبةَ في حديث ابنِ عمرَ: فرفعه بعضُهم وَوَقفه بعضُهم.

= وقال أبو حاتم كما في "العلل" لابنه 1/ 168: إنما يُروى عن عروة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلٌ.

(1)

مرسلٌ كسابقه.

(2)

في (ب) وحدها: تُبنى.

(3)

صحيح دون ذكر "النهار"، وأخرجه أبو داود (1295)، وابن ماجه (1322)، والنسائي 3/ 227، وهو في "المسند"(4791)، و"صحيح ابن حبان"(2482)، وانظر الكلام عليه في "المسند".

وأخرجه دون ذكر "النهار" البخاري (472)، ومسلم (749) وص 518 (156) و (157) و (158) و (159)، وأبو داود (1326) و (1421)، وابن ماجه (1174) و (1175) و (1318) و (1319) و (1320)، والنسائي 3/ 227 و 228 و 232 - 233 و 333، وهو في "المسند"(4492)، و"صحيح ابن حبان"(2426).

ص: 135

ورُويَ عن عبد الله العُمَرِيِّ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوُ هذا.

والصحيحُ ما رُويَ عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاةُ الليل

(1)

مَثْنَى مَثْنَى".

ورَوَى الثقاتُ عن عبد الله بن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه صلاةَ النهارِ.

وقد رُويَ عن عُبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ: أنه كان يُصَلِّي بالليل مَثْنَى مَثْنَى، وبِالنهار أربعًا.

وقد اختلف أهل العلمِ في ذلك:

فرأَى بعضُهم أنَّ صلاةَ الليلِ والنهارِ مَثْنَى مَثْنَى، وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ.

وقال بعضهم: إن صلاةَ الليل مَثْنَى مَثْنَى، ورأَوْا صلاةَ التطوعِ بالنهار أربعًا، مثلَ الأربع قبل الظهرِ وغيرها من صلاة التطوعِ، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ، وابن المباركِ، وإسحاقَ.

‌29 - باب كيف كان يَتَطوَّعُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنهار

604 -

حَدَّثَنا محمود بن غَيْلانَ، قال: حَدَّثَنا وَهْبُ بن جريرٍ، قال: حَدَّثَنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، عن عاصم بن ضَمْرَةَ، قال:

(1)

المثبت من (ل) ونسخة المباركفوري، وهو الأولى، وفي سائر النسخ: صلاة الليل والنهار ..

ص: 136

سَألْنَا عَليًّا عن صلاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من النهار؟ فقال: إنكم لا تُطيقُونَ ذاكَ. فقلنا: مَن أطَاقَ ذاكَ مِنَّا، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذَا كانتِ الشمسُ مِن ها هنا كَهيْئَتِها من ها هنا عندَ العصرِ صلَّى ركعتين، وإذا كانت الشمسُ من ها هنا كَهيْئَتِها من ها هنا عندَ الظهرِ صلَّى أربعًا، وصلَّى أربعًا قبلَ الظهرِ، وبعدَها ركعتين، وقبلَ العصرِ أربعًا، يَفْصِلُ بين كلِّ ركعتين بالتَسْلِيمِ على الملائكةِ المُقَرَّبينَ، والنَّبِيِّينَ والمرْسَلينَ، ومَن تَبِعَهُمْ من المؤمِنِينَ والمسلمينَ

(1)

.

605 -

حَدَّثَنا محمد بن المُثنَّى، قال: حَدَّثَنا محمد بن جعفرٍ، قال: حَدَّثَنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، عن عاصمِ بن ضَمْرَةَ، عن عَليٍّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوَه

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ.

وقال إسحاقُ بنُ إبراهيمَ: أحْسَنُ شَيْءٍ رُويَ في تطوُّعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالنهار هذا.

ورُويَ عن ابن المبارك: أنه كان يُضعِّفُ هذا الحديثَ، وإنَّما ضعَّفهُ عندنا - والله أعلمُ - لأنه لا يُرْوَى مثلُ هذا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا مِن هذا الوجهِ، عن عاصم بن ضَمْرَةَ، عن عليٍّ، وعاصمُ بن ضَمْرَةَ هو ثقةٌ عندَ بعضِ أهلِ الحديثِ.

(1)

صحيح، وقد سلف تخريجه برقم (426).

(2)

صحيح كسابقه.

ص: 137

قال عليُّ بن المدينيِّ: قال يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ: قال سفيانُ: كنَّا نَعْرِفُ فَضْلَ حديثِ عاصم بنِ ضَمْرَةَ على حديثِ الحارثِ

(1)

.

‌30 - باب في كراهية الصلاة في لُحُفِ النِّساءِ

606 -

حَدَّثَنا محمدُ بن عبد الأعلى، قال: حَدَّثَنا خالدُ بن الحارثِ، عن أشْعَثَ - وهُو ابن عبد الملك - عن محمد بن سِيرِينَ، عن عبد الله بن شَقِيقٍ

عن عائشةَ، قالت: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يُصَلِّي في لُحُفِ نِسَائِهِ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رُويَ في ذلك رخصةٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

‌31 - باب ما يجوزُ من المشي والعمل في صلاة التطوُّع

607 -

حَدَّثَنا أبو سَلَمَةَ يحيى بن خَلَفٍ، قال: حَدَّثَنا بشرُ بن المُفَضَّل، عن بُرْدِ بن سنانٍ، عن الزُّهريِّ، عن عروة

عن عائشةَ، قالت: جِئتُ ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في البيتِ، والبابُ عليه مُغْلَقٌ، فمَشَى حتى فَتَحَ لي، ثم رجَع إلى مكانه!

(1)

سلفت هذه العبارة بعد الحديث (426)

(2)

صحيح، وأخرجه أبو داود (367) و (368) و (645)، والنسائي 8/ 217، وهو في "مسند أحمد"(24698)، و"صحيح ابن حبان"(2336).

ص: 138

ووصفَتِ البابَ في القبلةِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

‌32 - باب ما ذكِرَ في قراءةِ سُورَتيْنِ في ركعةٍ

608 -

حَدَّثَنا محمود بنُ غَيْلانَ، قال: حَدَّثَنا أبو داود، قال: أنبأنا شُعْبةُ، عن الأعمش، قال: سمعتُ أبا وائلٍ، قال:

سألَ رجلٌ عبدَ الله عن هذا الحرف {غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] أو "يَاسِنٍ" قال: كلَّ القرآنِ قَرَأتَ غيرَ هذا؟ قال: نعم، قال: إنَّ قومًا يَقْرَؤونَهُ يَنْثُرُونَهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، لا يُجَاوِزُ تَراقِيَهُمْ، إنِّي لأعْرفُ السُّوَرَ النَّظائِرَ التي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بينهنَّ، قال: فأمَرْنَا عَلْقَمَةَ فسأله؟ فقال: عشرون سورةً من المفصَّل، كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بين كلِّ سورتين في ركعةٍ

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (922)، والنسائي 3/ 11، وهو في "المسند"(24027)، و"صحيح ابن حبان"(2355).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (775)، ومسلم ص 563 (275)، وأبو داود (1396)، والنسائي 2/ 174 - 175 و 175 و 175 - 176، وهو في "المسند"(3607)، و"صحيح ابن حبان"(1813).

وقوله: أو ياسن، في صحيح مسلم: أو من ماء غير ياسن. وهذه القراءة لم ينسبها أحد ممن ألف في القراءات إلى أحد القراء العشرة أو غيرهم سواهم، وذكر مكي في "الكشف" 2/ 277 أنه حُكي في بعض المصاحف: غير يَسِن بالياء، أبدلت من الهمزة المفتوحة لانكسار ما قبلها، وفي "الدُّرِّ المصون" للسَّمين 9/ 692: وقرئ يَسِن بالياء بدل الهمزة، قال أبو علي: هو تخفيف أسِنٍ، وهو =

ص: 139

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌33 - باب ما ذُكرَ في فضل المشي إلى المسجد، وما يُكْتَبُ له من الأجر في خطَاهُ

609 -

حَدَّثَنا محمود بن غَيْلان

(1)

قال: حَدَّثنا أبو داود، قال: أنْبَأنا شعْبةُ، عن الأعمش، سَمعَ ذَكْوانَ

عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا توضَّأ الرجلُ، فأحْسَنَ الوضوءَ، ثم خَرَجَ إلى الصلاة، لا يُخْرِجُهُ، أو قال: لا يَنْهَزُهُ، إلَّا إياها، لم يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رَفَعَهُ اللهُ بها درجةً، أو حَطَّ

= تخفيف غريب، وقال صاحب "حجة القراءات" ص 667: قرأ ابن كثير: {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} مقصورًا على وزن "فَعِلٍ"، قال أبو زيد: تقول: أسِنَ الماءُ يأسَنُ أسَنًا فهو أسِن، كقولك: هَرِمَ الرجلُ، فهو هَرِمٌ، وعَرَجَ فهو عَرِجٌ، ومرِضَ يمرَض فهو مَرِضٌ، وكذلك أسِنَ فهو أسِنٌ: إذا تغيرت رائحتُه، وأعلم الله أن أنهار الجنة لا تتغير رائحة مائها.

وقرأ الباقون: {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} بالمد على فاعل، والهمزة الأولى فاء الفعل، والألف بعدها مزيدة، فالمد من أجل ذلك، تقول: أسِنَ الماءُ يأسَنُ فهو آسِنٌ، مثل أجِنَ يأجَنُ ويأجُنُ: إذا تغير، وهو آجِنٌ، وذهب فهو ذاهب، وضرب فهو ضارب.

وقوله: ينثرونه نثْر الدَّقَل: قال في "النهاية": أي: كما يتساقط الرُّطَبُ اليابسُ من العِذق إذا هُزَّ، والدَّقَل: رديء التمر، وما ليس له اسم خاصٌّ فتراه ليُبْسِه ورداءته، لا يجتمع ويكون منثورًا.

(1)

المثبت من عامة الأصول الخطية عدا (ل)، وفي (ل): محمد بن بشار.

ص: 140

عَنْه بها خَطِيئَةً"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌34 - باب ما ذُكِر في الصلاة بعد المغرب أنه في البيتِ أفضلُ

610 -

حَدَّثَنا محمد بن بشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا إبراهيمُ بنُ أبي الوزير، قال: حَدَّثَنا محمدُ بن موسى، عن سَعْدِ بن إسحاقَ بن كعبِ بن عُجْرَةَ، عن أبيه

عن جدِّه، قال: صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مسجد بَني عبدِ الأشْهَلِ المغربَ، فقام ناسٌ يَتنَفَّلونَ، فَقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"عليكم بهذه الصلاةِ في البيوتِ"

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (477) و (647) و (2119)، ومسلم ص 459 (272)، وأبو داود (559)، وابن ماجه (281) و (774)، والنسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" 9/ 353، وهو في "المسند"(7430)، و"صحيح ابن حبان"(2043)، وبعضهم يرويه مطولًا.

تنبيه: أشار المزي في "تحفة الأشراف" 9/ 376 إلى أن الترمذي قد أخرجه كذلك عن هناد بن السّري، عن أبي معاوية، عن الأعمش، بهذا الإسناد بنحو لفظه. وليس هو في شيء من نسخنا الخطية، ولا في المطبوع، فلعله في بعض سَمَاعات الجامع، والله أعلم.

(2)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة إسحاق بن كعب، وأخرجه أبو داود (1300)، والنسائي 3/ 198 - 199.

وله شاهد من حديث محمود بن لبيد عند أحمد في "مسنده"(23624)، وإسناده =

ص: 141

هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه.

والصحيحُ ما رُويَ عن ابنِ عمرَ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي الركعتين بعدَ المغربِ في بيتهِ

(1)

.

وقد رُويَ عن حُذَيْفةَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى المغربَ، فما زالَ يُصلِّي في المسجدِ حتى صلَّى العشاءَ الآخِرَةَ

(2)

.

ففي هذا الحديثِ دِلالَةٌ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الركعتين بعدَ المغربِ في المسجدِ.

‌35 - باب في الاغتسالِ عندما يُسْلِمُ الرجلُ

611 -

حَدَّثَنا بُنْدار، قال: حَدَّثَنا عبد الرحمن بن مهديٍّ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ، عن الأغَرِّ بن الصَّبَّاحِ، عن خَلِيفَةَ بن حُصَيْنٍ

عن قيس بن عاصم: أنَّه أسْلَمَ فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يغتسلَ بماءٍ وسِدْرٍ

(3)

.

= حسن.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (937)، ومسلم (729)، وأبو داود (1252)، والنسائي 2/ 119، وهو في "المسند"(4506)، و"صحيح ابن حبان"(2487).

(2)

صحيح، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(380) و (381)، و (8365)، وهو في "المسند"(23329) و (23436)، و"صحيح ابن حبان"(6960) و (7126).

(3)

صحيح، وأخرجه أبو داود (355)، والنسائي 1/ 109، وهو في "المسند"(20611)، و"صحيح ابن حبان"(1240).

ص: 142

وفي الباب عن أبي هريرةَ.

هذا حديثٌ حسنٌ لا نعرفه إلَّا من هذا الوجهِ.

والعمل عَليه عندَ أهلِ العلم، يَسْتَحبُّونَ للرجلِ إذا أسلم أن يغتسلَ ويغسلَ ثيابَه.

‌36 - باب ما ذُكر

(1)

من التَّسْمية عند دخول الخلاءِ

612 -

حَدَّثَنا محمد بن حُمَيْدٍ الرازيُّ، قال: حَدَّثَنا الحكمُ بن بَشِيرِ بن سَلمانَ، قال: حَدَّثنا خَلَّادٌ الصَّفَّارُ، عن الحَكَم بن عبد الله النَّصْرِيِّ، عن أبي إسحاق، عن أبي جُحَيْفَةَ

عن عليِّ بن أبي طالبٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"سَتْرُ ما بَيْنَ أعْيُنِ الجِنِّ وعَوْراتِ بني آدمَ إذا دخل أحدُهم الخلاءَ أن يقولَ: بِسْمِ اللهِ"

(2)

.

(1)

في (ظ) وحدها: باب ما يذكر.

(2)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف شيخ المصنّف، وأخرجه ابن ماجه (297)، وهو في "شرح السنة" للبغوي (187).

ويشهد له حديث أنس بن مالك عند الطبراني في "الأوسط"(2525) و (7062)، و"الدعاء"(368)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(20) و (21)، وابن عدي 3/ 1055 و 6/ 2305 وأبو الشيخ في "العظمة"(1107)، وتمَّام بن محمد في "فوائده"(1583) و (1584) و (1585)، والسهمي في "تاريخ جرجان" ص 542، والبيهقي في "الدعوات الكبير"(54)، وابن حجر في "نتائج الأفكار" 1/ 150 و 152 و 153 بأسانيد كلها ضعيفة، لكن روي بلفظ آخر عنه يشهد له عند أبي علي الحسن بن علي بن شبيب المعمري في "عمل اليوم والليلة" =

ص: 143

هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجهِ، وإسنادهُ ليس بذاكَ القوي

(1)

.

وقد رُويَ عن أنسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيء من

(2)

هذا

(3)

.

‌37 - باب ما ذُكر من سِيماء هذه الأُمَّةِ من آثار السجودِ والطُّهورِ يوم القيامة

613 -

حَدَّثَنا أبو الوليد الدمشقيُّ، قال: حَدَّثَنا الوليدُ بن مسلمٍ، قال: قال صَفْوَان بن عَمرو: أخبرني يزيدُ بنُ خُمَيْرٍ

= كما في "الفتح" 1/ 244 ونصه: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث" قال الحافظ: وإسناده على شرط مسلم.

وحديث أبي سعيد الخدري عند أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة"(645)، وأبي الشيخ في "العظمة"(1108)، وتمَّام في "فوائده"(1586)، وابن حجر في "النتائج" 1/ 153، وفيه محمد بن الفضل بن عطية، وهو ضعيف الحديث.

وحديث ابن عمر عند أبي نعيم في "الحلية" 7/ 255، وابن حجر 1/ 154، وفيه إسماعيل بن يحيى بن طلحة التيمي، وهو ضعيف كذلك.

وأمثل هذه الشواهد ما روي عن أبي العالية الرِّياحي من قوله عند أبي الشيخ في "العظمة"(1110)، وسنده صحيح، وعن بكر بن عبد الله المزي من قوله كذلك عند محمد بن فضيل في "الدعاء"(110)، وسنده صحيح.

(1)

كذا في (ظ) و (ل)، ولفظة "القوي" ليست في (أ) و (ب) و (س)، وفي (د) ونسخ في (أ) و (ب) و (س): ليس بالقوي.

(2)

في (ظ) و (ب) و (ل): شيئًا في، وفي (د): شيء في.

(3)

سلف تخريجه فيما قبله عند الشواهد.

ص: 144

عن عبد الله بن بُسْر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"أُمَّتي يومَ القيامةِ غُرٌّ من السجودِ، مُحَجَّلُون من الوضوءِ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه، من حديث عبد الله بن بُسْرٍ.

‌38 - باب ما يُسْتَحَبُّ من التَّيَمُّن في الطُّهورِ

614 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا أبو الأحْوص، عن أشعثَ بن أبي الشَّعْثَاءِ، عن أبيه، عن مسروقٍ

عن عائشةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُحبُّ التَّيمُّنَ في طُهُوره إذا تَطَهَّرَ، وفي تَرَجُّله إذا تَرَجَّلَ، وفي انْتِعَالهِ إذا انْتَعَلَ

(2)

.

وأبو الشعثاء اسمه: سُلَيم بن أسود المُحاربِي.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌39 - باب ما ذكر قَدْر ما يُجْزئُ من الماءِ في الوضوءِ

615 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا وكيعٌ، عن شريكٍ، عن عبد الله بن عيسى، عن ابن جَبْرٍ

(1)

صحيح، وأخرجه بأطول مما هنا يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/ 330، والبزار في "مسنده"(3500) بنحوه، والطبراني في "الأوسط"(4)، وفي "مسند الشاميين"(995)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2744)، وهو في "المسند"(17693).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (168)، ومسلم (268)، وأبو داود (4140)، وابن ماجه (401)، والنسائي 1/ 78 و 205 و 8/ 185، وهو في "المسند"(24627)، و"صحيح ابن حبان"(1091).

ص: 145

عن أنسِ بن مالكٍ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"يُجْزِئُ في الوضوءِ رِطْلانِ من ماءٍ"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من حديث شَريكٍ على هذا اللَّفْظِ.

ورَوى شُعْبَةُ، عن عبد الله بن عبد الله بن جَبْرٍ، عن أنس بن مالكٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتوضَّأُ بالمَكُّوكِ، ويغتَسِلُ بخَمسةِ مَكَاكِيَّ

(2)

.

وروى سفيانُ الثوريُّ، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن جَبْر، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع. وهذا أصح من حديث شريك

(3)

.

(1)

إسناده - ضعيف، شريك - وهو ابن عبد الله - سيئ الحفظ، وأخرجه أبو داود (95) بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بإناء يَسَع رطلين، ويغتسل بالصاع، وهو بهذا اللفظ في "المسند"(12843)، وهو بلفظ المصنِّف (12839)، وفي "شرح السنة" للبغوي (278).

وانظر ما بعده.

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (325)، والنسائي 1/ 57 و 127 و 179، وهو في "المسند"(12105)، و"صحيح ابن حبان"(1203) و (1204).

والمكُّوك: مكيال، قال أبو خيثمة: هو المُدُّ، وقال النووي: ولعل المراد بالمكوك هنا المدّ، كما قال في الرواية الأخرى: يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد.

(3)

من قوله: وروى سفيان .. إلى هنا أثبتناه من (ل) برواية أبي علي السِّبخي، ومن هامش (أ)، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية. ورواية سفيان الثوري أخرجها أحمد في "المسند"(13788)، وأبو عوانة 1/ 233.

ص: 146

‌40 - باب ما ذُكرَ في نَضْح بول الغلام الرَّضيع

616 -

حَدَّثَنا بُنْدار، قال: حَدَّثَنا مُعاذ بن هِشامٍ، قال: حَدَّثَني أبي، عن قَتَادَة، عن أبي حَرْبِ بن أبي الأسْوَدِ، عن أبيه

عن عليِّ بن أبي طالبٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بَوْلِ الغُلامِ الرَّضِيع:"يُنْضَحُ بولُ الغلام، ويُغْسَلُ بولُ الجاريةِ". قال قتادةُ: وهذا ما لَمْ يَطْعَما، فإذا طَعِما، غُسِلا جَميعًا

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ

(2)

، رَفَعَ هشامٌ الدَّسْتُوائيُّ هذا الحديث عن قتادة، وَوَقَفَهُ

(3)

سعيدُ بن أبي عروبة عن قتادة ولم يرفعه

(4)

(5)

.

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (378)، وابن ماجه (525)، وهو في "المسند"(563) و (757)، و"صحيح ابن حبان"(1375).

(2)

في المطبوع: حسن صحيح، والمثبت من أصولنا الخطية ومن "تحفة الأشراف".

(3)

في (ب): ووافقه: ولعله سبق قلم من الناسخ، وفي هامشها كالمثبت من سائر الأصول، وفي (ل): وأوقفه.

(4)

أخرجه أبو داود (377)، وانظر الكلام عليه في "المسند"(563).

(5)

زاد بعد هذا في طبعة الشيخ أحمد شاكر:

"باب ما ذكر في مسح النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول المائدة".

حدثنا قُتيبةُ، حدثنا خالد بن زياد، عن مقاتل بن حيان، عن شهر بن حوشب قال: رأيت جرير بن عبد الله توضأ ومسح على خفيه، قال: فقلت له في ذلك، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح على خفيه. فقلت له: أقَبْلَ المائدة أم بعد المائدة؟ قال: ما أسلمتُ إلا بعد المائدة.

حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا نعيم بن ميسرة النحوي، عن خالد =

ص: 147

‌41 - باب ما ذكر في الرخصة للجُنُب في الأكلِ والنومِ إذا توضأ

617 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا قَبِيصةُ، عن حمَّاد بن سلَمَة، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ، عن يحيى بن يَعْمَر

عن عَمَّارٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ للجنبِ إذا أراد أن يأكلَ أو يشربَ أو ينامَ أن يتوضَّأَ وُضُوءَهُ للصلاة

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

(2)

.

‌42 - باب ما ذكر في فضل الصلاةِ

618 -

حَدَّثَنا عبد الله بن أبي زِيادٍ، قال: حَدَّثَنا عُبيد الله بن موسى،

= ابن زياد نحوه.

هذا حديث غريب، لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب".

قلنا: ولم يرد هذا في شيء من أصولنا الخطية، ولم يعزُه في "تحفة الأشراف" إلى الترمذي في كتاب الصلاة وإنما عزاه إليه في كتاب الطهارة بالإسناد الأول فقط، وقد سلف برقم (94) وقلنا هناك: إنه حسن.

(1)

ضعيف، يحيى بن يعمر لم يلق عمار بن ياسر فيما ذكر الدارقطني، وأخرجه أبو داود (225) و (4176) و (4601)، وهو في "مسند أحمد" ضمن الحديث (18886)، وانظر الكلام عليه عنده.

(2)

كذا قال مع أن يحيى بن يعمر لم يسمع من عمار فيما قاله الدارقطني، وأبو بكر بن أبي عاصم، بينهما في هذا الحديث رجل كما قال أبو داود بإثر الحديث (225)، وانظر سنن أبي داود (4177)، و"المسند"(18890).

ص: 148

قال: حَدَّثَنا غالبٌ أبو بِشْرٍ، عن أيوب بن عَائذٍ الطَّائيِّ، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ

عن كعب بن عُجْرَةَ، قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُعيذُكَ باللهِ يا كعْبَ بن عُجْرَةَ من أُمَراءَ يكونون مِن بَعْدي، فَمَن غَشيَ أبوابَهم، فَصَدَّقَهُم في كَذِبِهمْ، وأعانَهُم على ظُلمهم، فليس مني ولستُ منه، ولا يَرِدُ عليَّ الحوضَ، ومن غشي أبوابَهم أو لم يغشَ ولم يُصدِّقهم في كَذبهم، ولم يُعِنْهُمْ على ظلمهم، فهو مِنِّي وأنا منه، وسَيَرِدُ عليَّ الحوضَ. يا كعْبَ بن عُجْرَةَ! الصلاةُ بُرْهانٌ، والصومُ جُنَّةٌ حَصينةٌ، والصدقةُ تُطْفِئُ الخَطيئَةَ كما يُطْفئُ الماءُ النارَ، يا كعبَ بن عُجْرةَ! إنَّه لا يَرْبو لَحْمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أوْلَى به"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ

(2)

لا نعرفه إلا من هذا الوجه

(3)

.

(1)

صحيح، وأخرجه بتمامه الطبراني في "الكبير" 19/ (212) و (298) و (309) و (361)، وفي "الأوسط"(2751)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(5762)، والمزي في "تهذيب الكمال" في ترجمة غالب بن نجيح أبي بشر 23/ 92 - 93.

وأخرجه مختصرًا بقصة الأمراء النسائي 7/ 160 و 160 - 161، وهو في "المسند"(18126)، و"صحيح ابن حبان"(279) و (282) و (283) و (285).

وله شاهد بتمامه من حديث جابر بن عبد الله عند أحمد (14441)، وإسناده قوي، وانظر تتمة شواهده هناك.

(2)

في نسخة في (ب) ونسخة المباركفوري قال: حديث حسن.

(3)

في "تحفة الأشراف" 8/ 297، و"تهذيب الكمال" 23/ 93، ونسخة (ل): حسن غريب من هذا الوجه، زاد في (أ) و (ل): لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن =

ص: 149

وسألتُ محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلَّا من حديث عُبيد الله بن موسى، واسْتَغْرَبَهُ جدًا.

619 -

وقال محمدٌ: حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ، عن عُبيد الله بن موسى، عن غالبٍ، بهذا

(1)

.

‌43 - باب منه

620 -

حَدَّثَنا موسى بن عبد الرحمن الكوفيُّ، قال: حَدَّثَنا زيدُ بن الحُبَاب، قال: أخبرنا معاوية بن صالحٍ، قال: حَدَّثَني سُلَيْم بن عامرٍ، قال:

سمعتُ أبا أُمَامَةَ يقول: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فقال: "اتَّقوا الله

(2)

، وصَلُّوا خَمْسَكُم، وصُوموا شَهْرَكُم، وأدُّوا زَكاةَ أمْوالِكُمْ، وأطيعوا ذا أمْرِكُم، تَدْخُلوا جَنَّة ربِّكُم" قال: قلت لأبي أُمَامَة: منذ كم سَمعْتَ هذا الحديثَ؟ قال: سمعتُه وأنا ابنُ ثلاثين سنةً

(3)

.

= موسى، وأيوب بن عائذ يضعف، ويقال: كان يرى رأي الإرجاء.

قلنا: أيوب بن عائذ - وهو ابن مُدْلِج الطائي - وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي والعجلي وأبو داود، وقال البخاري: صدوق، وله في "صحيح البخاري" حديث واحد متابعة، وروى له مسلم، واتهامه بالإرجاء غير قادح، فإنه مذهب لعدة من أجلة العلماء، ولا ينبغي التحامل على قائله كما قال الذهبي في ترجمة مسعر بن كِدام في "الميزان".

(1)

انظر ما قبله.

(2)

زاد في نسخة في هامش (أ): ربّكم.

(3)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1955)، وهو في "المسند"(22161)، =

ص: 150

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

آخر أبواب الصلاة

= و"صحيح ابن حبان"(4563) ورواية أبي داود مختصرة بلفظ: سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنى يومَ النحر.

ص: 151

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

‌1 - باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَنع الزَّكاةِ من التَّشْدِيدِ

621 -

حدَّثَنا هَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، قَال: حدَّثَنا أبو مُعاويةَ، عن الأعْمشِ، عن المَعْرُورِ بن سُويْدٍ

عن أبي ذَرٍّ، قال: جِئْتُ إلى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو جَالِسٌ في ظلِّ الكَعْبَةِ. قال: فرآني مُقْبلًا، فقال:"هُمُ الأخْسَرُونَ، وَربِّ الكَعْبةِ، يَومَ القِيامَةِ"

(1)

. قال: فَقُلْتُ: مَا لي لَعلّهُ أُنْزلَ فيَّ شَيْءٌ. قال: قُلْت: من هُمْ فِدَاكَ أبي وأُمِّي؟ فقال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هُمُ الأكْثرُونَ، إلَّا مَنْ قال هكَذا وهكَذا وهكذَا"، فَحثَا بَيْنَ يَديْهِ وعن يَمِينهِ وعن شِمالهِ، ثُمَّ قال: "والَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَمُوتُ رَجُلٌ، فيَدَعُ إبلًا أو بَقرًا، لم يُؤَدِّ زَكاتَهَا، إلّا جَاءَتْهُ يَوْمَ القيامَةِ أعْظَمَ ما كَانَتْ وأسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بأخْفَافهَا، وتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّما نَفِدَتْ

(1)

قوله: "يوم القيامة" ليست في (ب).

ص: 153

أُخْراهَا، عَادَتْ عَليْهِ أُولاها، حَتَّى يُقْضى بَيْنَ النَّاسِ"

(1)

.

وفي الباب عن أبي هُريْرَةَ مِثْلُهُ.

وعن عَليِّ بن أبي طَالبٍ، قال: لُعِنَ مَانعُ الصَّدَقةِ.

وقَبيصةَ بن هُلْبٍ عن أبيه، وَجَابرِ بن عَبد اللهِ، وعَبد اللهِ بن مسعودٍ.

حديثُ أبي ذَرٍّ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَاسْمُ أبي ذَرٍّ: جُنْدَبُ بنُ السَّكنِ، ويقال: ابن جُنادَةَ

(2)

.

622 -

حَدَّثَنا عبدُ الله بن مُنِير، عن عُبيد الله بن موسَى، عن سُفْيانَ الثَّوْريِّ، عن حَكِيم بن الدَّيْلَمِ

عن الضَّحَّاكِ بن مُزَاحِمٍ، قال: الأكْثَرونَ أصْحابُ عَشَرَةِ آلافٍ

(3)

.

‌2 - باب ما جاء إذا أدَّيْتَ الزكاةَ فَقَد قَضَيْتَ ما عَليْكَ

623 -

حَدَّثَنا عُمَرُ بن حَفْصٍ الشَّيبانيُّ، قَال: حَدَّثَنا عبدُ الله بن وَهْبٍ، قال: أخبرنا عَمْرُو بن الحارثِ، عن دَرَّاجٍ، عن ابن حُجَيْرةَ

عن أبي هُرَيرة، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا أدَّيْتَ زكاةَ مالِكَ،

(1)

صحيح وأخرجه البخاري مقطعًا (1460) و (6638)، ومسلم (990)، وابن ماجه مختصرًا (1785)، والنسائي 5/ 10 - 11. وهو في "مسند أحمد" (21351)، و"صحيح ابن حبان" مختصرًا (3256).

(2)

في (ب): ويقال: جندب بن جناد، وفي نسخة في هامشها: جنادة.

(3)

هذا الأثر إسناده صحيح.

ص: 154

فَقد قَضَيْتَ ما عَليْكَ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من غَيرِ وَجْهٍ: أنّهُ ذَكَرَ الزَّكَاةَ، فقال رَجلٌ: يَا رَسولَ اللهِ هلْ عليَّ غَيْرُهَا؟ فقال: "لا، إلَّا أن تتطوَّعَ"

(2)

.

(1)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف دَّراج، وهو أبو السّمْع بن سمعان المصري.

وأخرجه ابن ماجه (1788)، وهو في "صحيح ابن حبان"(3216) وعنده فيه زيادة.

وله شاهد من حديث أم سلمة عند أبي داود (1564)، والدارقطني 2/ 105، والحاكم 1/ 390، والبيهقي 4/ 83 و 140، وهو حديث حسن، ولفظه:"ما بلغ أن تُؤدَّى زكاتهُ فزُكِّي، فليس بكنز".

وآخر من حديث جابر بن عبد الله مرفوعًا عند ابن خزيمة (2258) و (2470)، والحاكم 1/ 390، والبيهقي 4/ 84، والخطيب في "تاريخه" 5/ 106، وموقوفًا عند البيهقي 4/ 84، وصححه، وصحَّح وقفه أيضًا أبو زرعة كما في "العلل" لابن أبي حاتم، ولفظه:"إذا أديت زكاة مالك، فقد أذهبت عنك شرَّه".

وثالث من حديث ابن عمر مرفوعًا عند البيهقي 4/ 82 - 83 و 83، وموقوفًا عند ابن أبي شيبة 3/ 190، والبيهقي 4/ 82، ولفظه عند ابن أبي شيبة:"ليس بكنز ما أُدّي زكاتهُ"، وصحح البيهقي الموقوف.

ورابع من حديث ابن عباس موقوفًا عند ابن أبي شيبة 3/ 190، ولفظه:"ما أدي زكاته، فليس بكنز" وفيه شريك النخعي، وهو ضعيف.

ويشهد له أيضًا الحديث الآتي، وهو صحيح.

(2)

صحيح. وأخرجه البخاري (46)، ومسلم (11)(8)، وأبو داود (391)، والنسائي 1/ 226 - 228 من حديث طلحة بن عبيد الله، وهو في "مسند أحمد" =

ص: 155

وابن حُجيرة: هو عبد الرحمن بن حُجيرة المِصْريُّ.

624 -

حَدَّثَنا محمدُ بن إسماعيل، قَال: حَدَّثَنا عليُّ بن عَبد الحَمِيدِ الكوفِيُّ، قَال: حَدَّثَنا سُليْمانُ بن المُغِيرَةِ، عن ثَابتٍ

عن أنَسٍ، قال: كُنّا نتَمنَّى أن يَبْتَدِئَ الأعْرَابِيُّ العَاقِلُ، فيَسألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ عنْدهُ. فَبيْنَا نَحْنُ كَذلكَ، إذْ أتاهُ أعْرابِيٌّ، فَجَثَا بَيْنَ يَدَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:

يا محمدُ، إنّ رَسُولكَ أتَانَا، فَزعمَ لنا أنَّكَ تَزْعمُ أنَّ الله أرْسَلَكَ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ". قال: فَبالّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ، وبَسَطَ الأرْضَ، ونَصبَ الجِبَالَ آللهُ أرْسلَكَ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ".

قال: فإنّ رَسُولكَ زَعمَ لنَا أنَّكَ تَزعمُ أنَّ عَلينَا خَمْسَ صَلَواتٍ في اليوْمِ واللَّيْلةِ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "نَعَم". قال: فَبالَّذِي أرْسلك آلله أمَرَكَ بهذا؟ قال: "نَعَمْ".

قال: فإن رَسُولكَ زَعمَ لنا أنَّكَ تَزْعمُ أنَّ عَليْنَا صَوْمَ شَهْرٍ في السَّنةِ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "صَدقَ". قال: فَبالَّذِي أرْسلكَ آللهُ أمَركَ بهذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ".

قال: فَإنَّ رَسُولكَ زَعمَ لنَا أنَّكَ تَزْعمُ أنَّ عَليْنَا في أمْوالنَا الزَّكاةَ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ". قال: فَبالَّذِي أرْسَلَكَ آللهُ أمَركَ

= (1390)، و"صحيح ابن حبان"(1724).

ص: 156

بِهذا؟ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ".

قال: فَإنَّ رَسُولكَ زَعمَ

(1)

لنَا أنّكَ تَزْعمُ أنّ عَلَيْنَا الحَجَّ إلى البَيْتِ، من اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ". قال: فَبالَّذي أرْسلك آللهُ أمَركَ بهذا؟ قال: "نَعَمْ".

فقال: وَالّذِي بَعَثكَ بِالْحَقَّ لا أدعُ مِنْهُنَّ شَيْئًا، وَلا أجَاوِزُهُنّ. ثُمَّ وَثَب، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إنْ صَدقَ الأعْرَابيُّ، دَخَلَ الجَنَّةَ"

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ من هذا الوَجهِ.

وقد رُوي من غَيْرِ هذا الوَجْهِ عن أنسٍ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

سمِعْتُ محمد بن إسماعيلَ يقولُ: قال بَعْضُ أهلِ الحديث: فِقْهُ هذا الحَديثِ، أنّ القرَاءةَ على العَالِمِ وَالْعَرضَ عَليْهِ جَائزٌ، مِثْلُ السَّماعِ، وَاحتَجَّ بِأنَّ الأعْرابِيَّ عَرضَ على النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأقرَّ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

‌3 - باب ما جاء في زَكاةِ الذَّهبِ وَالوَرِقِ

625 -

حَدَّثَنا محمد بن عَبد المَلكِ بن أبي الشّوَاربِ، قَال: حَدَّثَنا أبو عَوانةَ، عن أبي إسحاقَ، عن عَاصمِ بن ضَمْرةَ

(1)

في (ب): يزعم.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (63)، ومسلم (12)(10)، وأبو داود (486)، وابن ماجه (1402)، والنسائي 4/ 121 - 122، ولفظ البخاري وأبي داود وابن ماجه بنحو لفظ المصنف، وهو في "مسند أحمد"(12457)، و"صحيح ابن حبان"(155).

ص: 157

عن عليًّ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قد عَفْوتُ عن صَدَقةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهاتُوا صَدقَةَ الرِّقةِ: من كُلَّ أرْبَعِينَ دِرْهمًا، دِرهمٌ، وَلَيْسَ في تِسْعينَ وَمئةٍ شَيْءٌ، فإذا بَلَغتْ مِئتيْنِ، فَفِيهَا خَمْسةُ الدراهم"

(1)

.

وفي الباب عن أبي بَكْرٍ الصَّدَّيقِ، وَعَمْرِو بن حَزْمٍ

(2)

.

رَوَى هذا الحديثَ الأعْمشُ وأبو عَوانةَ وَغَيْرُهُمَا، عن أبي إسحاقَ، عن عَاصمِ بن ضَمْرةَ، عن عَليٍّ.

وَرَوَى سُفيانُ الثَّوْريُّ وابن عُيينةَ وَغَيْرُ واحدٍ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارثِ، عن عَليٍّ.

قال: وسَألتُ محمد بن إسماعيل عن هذا الحديثِ، فقال:

(1)

صحيح، وهذا إسناد حسن، وأخرجه أبو داود (1572) و (1574)، وابن ماجه (1790)، والنسائي 5/ 37، وهو في "مسند أحمد"(711)، وزاد أبو داود في الرواية الثانية:"وليس عليك شيءٌ - يعني في الذهب - حتى يكونَ لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، وما زاد فبحساب ذلك".

ولهذه الزيادة شاهد من حديث ابن عمر وعائشة عند ابن ماجه (1791)، وفي سنده إبراهيم بن إسماعيل بن محمد مُجَمِّع، وهو ضعيف.

وآخر مرسل صحيح عند أبي عبيد في "الأموال"(1106).

والرِّقة: الفضة والدراهم المضروبة منها.

(2)

حديث أبي بكر عند أحمد (72)، والبخاري (1454)، وابن حبان (3266)، وحديث عمرو بن حزم عند الدارمي (1628)، وابن حبان (6559).

ص: 158

كلاهُمَا عِنْدي صحيحٌ عن أبي إسحاقَ، يُحتَملُ أن يكُونَ عَنْهما جَمِيعًا.

‌4 - باب ما جاء في زَكاةِ الإبلِ وَالغَنمِ

626 -

حَدَّثَنا زِيادُ بن أيُّوبَ البَغْدادِيُّ وإبراهيمُ بن عَبد اللهِ الهَرَويُّ ومحمد بن كامِلٍ المَرْوَزيُّ المَعْنَى وَاحد، قَالُوا: حَدَّثَنا عَبّادُ بن العَوَّامِ، عن سُفيانَ بن حُسينٍ، عن الزُّهْريَّ، عن سَالِمٍ

عن أبيهِ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقةِ، فلم يُخْرِجْهُ إلى عُمالهِ حَتَّى قُبِضَ، فَقَرنَهُ بسيْفِهِ، فَلمَّا قُبِضَ عَملَ بهِ أبو بكْرٍ حتى قُبِضَ، وعُمَرُ حتى قُبِضَ، وَكانَ فِيهِ: "في خَمْسٍ من الإبِلِ شَاةٌ، وفي عشرٍ شَاتانِ، وفي خَمْسَ عَشرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وفي عِشْرِينَ أرْبَعُ شِيَاهٍ، وفي خَمْسٍ وعِشْرينَ بِنْت مَخَاضٍ، إلى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَإذا زَادتْ، فَفيهَا بنتُ لبُونٍ إلى خَمْسٍ وأربعينَ، فإذا زادت، ففيها حِقَّةٌ إلِى سِتَّينَ، فإذا زَادَتْ، ففيها جَذَعَةٌ إلى خَمْسٍ وَسَبْعينَ، فإذا زَادَتْ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلى تِسْعينَ، فإذا زَادَتْ، فَفِيهَا حِقّتَانِ إلى عِشْرينَ ومِئَةٍ، فإذا زَادَتْ عَلى عِشْرينَ وَمِئَةِ، فَفي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَةٌ، وفي كُلَّ أرْبَعينَ ابنَةُ لَبُونٍ.

وفي الشَّاءِ: في كل أرْبَعينَ شاةً شَاةٌ، إلى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَإذا زَادَتْ فَشَاتَانِ إلى مِئَتَينِ، فَإذا زَادَتْ فَثَلاثُ شيَاهِ إلى ثلاثِ مئةِ شَاةٍ، فَإذا زَادَتْ على ثَلاثِ مِئةِ شَاةٍ، فَفي كُلَّ مِئةِ شَاةٍ شَاةٌ، ثُمَّ

ص: 159

لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ أربَعَ مِئَةٍ

(1)

، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتفَرَّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، مَخَافةَ الصَّدقَةِ، وَما كانَ من خَلِيطَيْنِ فَإنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بالسَّوِيَّةِ، ولا يُؤْخَذُ في الصَّدَقةِ هَرِمَةٌ وَلا ذَاتُ عَيْبٍ"

(2)

.

وقال الزُّهرِيُّ: إذا جَاءَ المُصَدِّقُ، قَسَّمَ الشَّاءَ أثْلاثًا: ثُلُثٌ خِيَارٌ

(3)

، وَثُلثٌ أوْسَاطٌ، وثُلثٌ شِرَارٌ، وأخذَ المُصَدِّقُ من الوَسَطِ. ولم يَذْكُرِ الزُّهْريُّ البَقَرَ.

وفي الباب عن أبي بكْرٍ الصَّدَّيقِ، وَبَهْزِ بنِ حَكيم

(4)

، عن أبيه، عن جَدَّهِ، وأبي ذَرًّ، وأنَسٍ.

حديثُ ابنِ عُمرَ حديثٌ حَسَنٌ.

والعملُ على هذا الحديثِ عِنْدَ عَامَّةِ الفُقَهَاءِ، وقد رَوَى يُونُسُ بن يَزيدَ وَغَيْرُ واحدٍ، عن الزُّهْرِيَّ، عن سَالمٍ هذا الحديثَ ولم يَرْفعُوهُ، وإنَّما رَفعهُ سُفيانُ بن حُسينٍ.

(1)

قوله: "أربع مئة" من (ظ) ونسختين في هامش (أ) و (د)، وفي بقية النسخ:"مئة".

(2)

صحيح، وهذا إسناد ضعيف، سفيان بن حسين ضعيف في روايته عن الزهري، لكن روي من وجوه أخرى يصح بها.

وأخرجه أبو داود (1568)، وابن ماجه مقطعًا (1798) و (1805) و (1807)، وهو في "مسند أحمد"(4632) و (4634)، وانظر تمام الكلام عليه فيه.

(3)

في (ب): "جياد".

(4)

هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري.

ص: 160

‌5 - باب ما جاء في زَكَاةِ البَقرِ

627 -

حَدَّثَنا محمد بن عُبَيْدٍ المُحَارِبيُّ وأبو سعيدٍ الأشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنا عَبْد السَّلامِ بن حَرْبٍ، عن خُصَيْفٍ، عن أبي عُبَيْدةَ

عن عَبْدِ اللهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"في ثَلاثِينَ من البَقَرِ تَبِيعٌ أو تبيعَةٌ، وفي كُلَّ أرْبَعينَ مُسِنَّةٌ"

(1)

.

وفي البابِ عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ.

هكذا روى عَبْدُ السَّلامِ بن حَرْبٍ، عن خُصَيْفٍ، وعَبد السَّلامِ ثِقةٌ حَافظٌ.

وَرَوَى شَرِيكٌ هذا الحديثَ، عن خُصَيْفٍ، عن أبي عُبَيْدةَ، عن أمه

(2)

، عن عَبد اللهِ.

(1)

صحيح لغيره، وأخرجه ابن ماجه (1804)، وهو في "مسند أحمد"(3905).

وله شاهد من حديث معاذ بن جبل، وهو الآتي بعده.

ومن حديث علي بن أبي طالب مرفوعًا عند أبي داود (1572)، وموقوفًا عند عبد الرزاق (6842)، والموقوف حسن الإسناد، والمرفوع ضعيف.

(2)

هكذا في الأصول الخطية: "عن أمه" وهو الصواب، وهي زينب الثقفية، وقد تحرف في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي، وتابعه على ذلك د. بشار عواد إلى:"عن أبيه"، قال ابن القطان في "الوهم والإيهام"2/ 206، ونقله عنه الإمام الزيلعي 2/ 352: والراوي عن أبي عبيدة هو خصيف، واختلف عليه، فرواه عبد السلام بن حرب - وهو حافظ - عن أبي عبيدة، عن عبد الله كذلك، ورواه شريك - وهو ممن ساء حفظه - عن أبي عبيدة، عن أمه، عن عبد الله فوصله. ونقل البيهقي =

ص: 161

وأبو عُبَيْدةَ بن عَبد اللهِ لم يَسْمعْ من أبيه.

628 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا عَبد الرَّزَّاق، قال: أخبرنا سُفيانُ، عن الأعْمشِ، عن أبي وَائِلٍ، عن مَسْرُوقٍ

عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قال: بَعَثَني النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَنِ، فَأمَرَنِي أنْ آخُذَ من كُلَّ ثلاثين بَقَرَةً، تَبِيعًا أوْ تَبِيعةً، ومن كُلَّ أرْبَعينَ مُسِنَّةً، ومن كُلَّ حَالمٍ دِينَارًا، أوْ عَدْلَهُ

(1)

معَافِرَ

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ

(3)

.

وَرَوَى بَعضُهُمْ هذا الحديثَ، عن سُفيانَ، عن الأعْمشِ، عن أبي وَائِلٍ، عن مَسْرُوقٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إلى اليَمنِ فأمَرهُ أن يأخُذَ. وهذا أصَحُّ.

629 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن جَعْفَرٍ، قَال: حَدَّثَنا شُعبةُ، عن عَمْرِو بن مُرَّةَ، قال:

سألْتُ أبا عُبَيدةَ: هل تَذْكرُ من عَبد اللهِ شَيْئًا؟ قال: لا.

= 4/ 99 عن البخاري قوله: ورواه شريك، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن أمه، عن عبد الله.

(1)

في (ظ) و (د) و (س): "دينار أو عَدله"، وجوّده في (د) بالرفع في الكلمتين.

(2)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1577) و (1578)، وابن ماجه (1803)، والنسائي 5/ 25 - 26 و 26، وهو في "مسند أحمد"(22013)، وصححه ابن حبان (4886).

(3)

في نسخة في هامش (ب): "صحيح".

ص: 162

‌6 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ أخْذِ خِيَارِ المَالِ في الصَّدَقةِ

630 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ، قَال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، قَال: حَدَّثَنا زَكَرِيَّا بن إسحاقَ المَكَّيُّ، قَال: حَدَّثَنا يحيى بن عَبد اللهِ بن صَيْفيًّ، عن أبي مَعْبدٍ

عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ، فقال لهُ

(1)

: "إنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ، فادْعُهُمْ إلى شَهَادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّي رَسُولُ اللهِ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ الله افْتَرَضَ عَليْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذلكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقةَ أمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ من أَغْنِيائِهِمْ، وَتُرَدُّ على فُقَرائِهِمْ، فَإنْ هُمْ أطاعُوا لِذلكَ، فإيَّاكَ وَكَرَائمَ أمْوَالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنها لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ"

(2)

.

وفي البابِ عن الصُّنَابِحِيِّ

(3)

.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

(1)

قوله: "له" ليست في (ب).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19)(30)، وابن ماجه (1783)، والنسائي 5/ 2 - 4، وهو في "مسند أحمد"(2071)، و"صحيح ابن حبان"(156).

وانظر ما سيأتي مختصرًا برقم (2133).

(3)

الصُّنابحي هذا: هو الصُّنابح بن الأَعسر الأَحْمسي الصحابي، وقد وهم من سماه الصنابحي - بياء النسبة - كما بيَّن ذلك غير واحد من أهل العلم، وحديثه الذي أشار إليه المصنَّف عند أحمد في "مسنده" برقم (19066).

ص: 163

وأبو مَعْبدٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسِ، اسْمهُ: نَافذٌ.

‌7 - باب ما جاء في صَدَقةِ الزَّرْعِ والثَّمَرِ

(1)

وَالحُبوبِ

631 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبد العَزِيزِ بن محمدٍ، عن عَمْرِو بن يحيى المَازِنِيَّ، عن أبيهِ

عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ صَدَقةٌ"

(2)

.

وفي الباب عن أبي هُريْرةَ، وابن عُمرَ، وجَابرٍ، وعَبد اللهِ بن عَمْرٍو.

632 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبد الرحمن بن مَهْدِيًّ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ وشُعْبةُ وَمَالكُ بن أنَسٍ، عن عَمْرِو بن يحيى، عن أبيهِ، عن أبي سعيدٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حديثِ عَبد العَزِيزِ، عن عَمْرو بن يحيى

(3)

.

حديثُ أبي سعيدٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وقد رُوِي من غَيْرِ

(1)

في (ظ) و (س): "والتمر".

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1405)، ومسلم (979)، وأبو داود (1558)، وابن ماجه (1793)، والنسائي 5/ 17، وهو في "مسند أحمد"(11030)، و"صحيح ابن حبان"(3268).

والذَّوْد: القطيعُ من الإبل الثلاث إلى التَّسع، وقيل: إلى العشر، وقيل: إلى خمسَ عشرةَ، وقيل: إلى الثلاثين.

(3)

صحيح، وانظر ما قبله.

ص: 164

وَجْهٍ عَنهُ.

والعملُ على هذا عندَ أهْلِ العلمِ، أنْ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسةِ أوْسُقٍ صَدَقةٌ، والوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، وخَمْسَةُ أوْسُقٍ: ثَلاثُ مِئةِ صَاعٍ، وصَاعُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَمْسَةُ أرْطالٍ وَثُلثٌ

(1)

، وصَاعُ أهلِ الكُوفَةِ ثَمانِيَةُ أرْطالٍ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقةٌ، والوقية أرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَخَمْسُ أوَاقٍ مِئتَا دِرْهَمٍ

(2)

، وَلَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ، يَعْني لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وعشرين من الإبِلِ صدقة، فإذا بَلَغتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ من الإبِلِ، فَفِيها ابنة مَخَاضٍ، وَفِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ من الإبِلِ، في كُلَّ خَمْسٍ من الإبِلِ شَاةٌ.

‌8 - باب ما جاء لَيْسَ في الخَيْلِ وَالرَّقيقِ صَدَقةٌ

633 -

حَدَّثَنا محمدُ بن العَلاءِ أبو كُرَيْبٍ ومحمودُ بن غَيْلانَ، قَالا: حَدَّثَنا وَكيعٌ، عن سُفيانَ وَشُعبةَ، عن عَبدِ اللهِ بن دِينَارٍ، عن سُليْمَانَ بن يَسَارٍ، عن عِرَاكِ بن مَالكٍ

عن أبي هُرَيْرةَ، قالَ: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ على المُسلِمِ في فَرَسِهِ وَلا عَبْدِهِ صَدَقةٌ"

(3)

.

(1)

تقديره بالغرامات (653) غرامًا على رأي الجمهور.

(2)

تقديرها بالغرامات (595) غرامًا، ونصاب الذهب عشرون مثقالًا، والمثقال (4،25) غم، فيكون تقدير النصاب 85 غرامًا.

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (1463)، ومسلم (982)، وأبو داود (1595)، وابن ماجه (1812)، والنسائي 5/ 35، وهو في "مسند أحمد" =

ص: 165

وفي البابِ عن عَليًّ، وعَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو.

حديثُ أبي هُريرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ علَيْهِ عِنْدَ أهْلِ العلمِ، أنّهُ لَيْسَ في الخَيْلِ السَّائِمَةِ صَدَقةٌ، وَلا في الرَّقِيقِ - إذا كانُوا لِلْخِدْمَةِ - صَدَقةٌ

(1)

، إلا أنْ يكُونُوا لِلتَّجَارَةِ، فَإذا كانُوا لِلتَّجَارَةِ، فَفي أثْمانِهِم الزَّكاةُ، إذا حَالَ عَلَيْها الحَوْلُ.

‌9 - باب ما جاء في زَكاةِ العَسَلِ

634 -

حَدَّثَنا محمدُ بن يحيى النَّيْسَابُورِيُّ، قَال: حَدَّثَنا عَمْرُو بن أبي سَلَمةَ التَّنَّيسِيُّ، عن صَدَقةَ بن عَبْدِ اللهِ، عن مُوسى بن يَسارٍ، عن نَافِعٍ

عن ابن عُمرَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "في العَسَلِ، في كُلَّ عَشْرَةِ أزقًّ، زِقٌّ"

(2)

.

= (7295)، و"صحيح ابن حبان"(3271).

(1)

قوله: "صدقة" ليست في (ب).

(2)

إسناده ضعيف، صدقة بن عبد الله - وهو السمين - ضعيف، وقال البخاري فيما نقله عنه المصنف: هو عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وليس في زكاة العسل شيء يصح.

وأخرجه المصنّف في "العلل الكبير" 1/ 312، والطبراني في "الأوسط"(4372)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 1393، والبيهقي 4/ 126، والبغوي (1581)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(820)، والمزي في "تهذيب الكمال" في ترجمة موسى بن يسار 29/ 170 من طرق عن عمرو بن أبي سلمة التَّنَّيسي، بهذا الإسناد. =

ص: 166

وفي البابِ عن أبي هُريرةَ، وأبي سَيَّارة المُتَعِيَّ، وَعَبْد اللهِ بن عَمْرٍو.

حديثُ ابن عُمرَ في إسْنادِهِ مَقالٌ، ولا يَصِحُّ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ كبِيرُ شَيْءٍ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أكثَرِ أهْلِ العلمِ، وبه يقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.

وقال بَعضُ أهْلِ العلمِ: لَيْسَ في العَسَلِ شَيْءٌ

(1)

.

= وأخرجه ابن الجوزي (821) من طريق إسماعيل بن محمد بن يوسف، عن عمرو بن أبي سلمة، عن زهير بن محمد، عن موسى بن يسار، به. قال ابن حبان في "المجروحين" 1/ 130 عن إسماعيل هذا: كان ممن يقلب الأسانيد، ويسرق الحديث، لا يجوز الاحتجاج به.

وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود (1600)، والنسائي 5/ 46 بإسناد حسن، ولفظه: "

فكتب عمر رضي الله عنه: إنْ أدَّى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله، فاحْمِ له سَلَبَةَ، وإلا فإنما هو ذبابُ غيث يأكله من يشاء".

وحديث أبي سَيَّارة المُتَعي عند أحمد (18069)، والطيالسي (1214)، وعبد الرزاق (6973)، وابن ماجه (1823)، والبيهقي 4/ 126، وفيه انقطاع.

(1)

قال في "المغني" 4/ 183: ومذهب أحمد أن في العسل العشر، قال الأثرم: سئل أبو عبد الله: أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة؟ قال: نعم أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر، قد أخذ عمر منهم الزكاة. قلت: ذلك على أنهم تطوعوا به؟ قال: لا بل أخذه منهم. ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز، ومكحول والزهري وسليمان بن موسى، والأوزاعي وإسحاق ..

وقال ابن القيم في "زاد المعاد" 2/ 15 بعد أن أورد أحاديث الباب، وذكر عللها: وذهب أحمد وأبو حنيفة وجماعة إلى أن في العسل زكاة، ورأوا أن هذه =

ص: 167

وَصَدقةُ بن عَبْد اللهِ لَيْسَ بِحَافظٍ، وقد خُولِفَ صَدَقةُ بن عَبْد الله في رِوَايةِ هذا الحَديثِ عن نَافِعٍ.

635 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بن عُمرَ

عن نَافعٍ، قال: سَألَنِي عُمَرُ بن عَبْدِ العَزِيزِ عن صَدَقةِ العَسَلِ، قال: قُلْتُ: ما عِنْدَنا عسَلٌ، ولكن أخْبَرَنا المغِيرَةُ بن حكِيمٍ أنّهُ قال: ليْسَ في العَسَلِ صَدَقةٌ، فقال: عَدْلٌ. فَكَتَبَ إلى النَّاسِ أن يُوضَعَ، يَعْني عَنهُمْ

(1)

(2)

.

‌10 - باب ما جاء لا زَكاةَ على المَالِ المسْتَفادِ حتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ

636 -

حَدَّثَنا يحيى بن مُوسى، قَال: حَدَّثَنا هارونُ بن صَالحٍ الطَّلْحِيُّ،

= الآثار يقوي بعضها بعضًا، وقد تعددت مخارجها واختلفت طرقها، ومرسلها يُعضد بمسندها، وقد سئل أبو حاتم الرازي عن عبد الله والد منير، عن سعد بن أبي ذباب: يصح حديثه؟ قال: نعم.

(1)

من قوله: "وصدقة بن عبد الله ليس بحافظ" إلى هنا أثبتناه من نسخة (ل)، ولم يرد في سائر الأصول الخطية.

(2)

رجاله ثقات، وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 142، وعبد الرزاق (6965) و (6966).

وأخرج مالك في "الموطأ" 1/ 277 - 278 عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى: أن لا تأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة.

ص: 168

قَال: حَدَّثَنا عَبد الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلَمَ، عن أبيهِ

عن ابنِ عُمرَ، قال: قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من اسْتَفادَ مالًا، فَلا زَكاةَ عَلَيْهِ حتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ"

(1)

(2)

.

وفي الباب عن سَرَّى

(3)

بنْتِ نَبْهَان.

(1)

جاء بعدها في المطبوع: "عند ربّه"، وليست في شيء من أصولنا الخطية.

(2)

صحيح لغيره مرفوعًا، وهذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف لا يحتج به.

وأخرجه الدارقطني في "السنن" 2/ 90، والبغوي في "شرح السنة"(1576)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" من طريقين عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، بهذا الإسناد.

وأخرجه الدارقطني في "السنن" 2/ 90 من طريق بقية بن الوليد، عن إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله بن عمر، وفي "غرائب مالك" كما في "نصب الراية" 2/ 329 من طريق إسحاق بن إبراهيم الحُنيني، عن مالك، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبقيّة مدلّس وقد عنعن، وابن عياش ضعيف في غير روايته عن الشاميين، وهذا منها، والحُنيني ضعيف.

وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب مرفوعًا عند أبي داود (1572) و (1573)، والبيهقي 4/ 95، وهو في "المسند"(1265)، ولفظه عند أبي داود في الموضع الثاني والبيهقي وأحمد:"ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول" قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 2/ 156: حديث علي لا بأس بإسناده، والآثار تعضده فيصلُح للحجّة، وحسنه الحافظ الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 328، ونقل عن النووي في "الخلاصة" قوله: وهو حديث صحيح أو حسن.

قلنا: وسيأتي حديث ابن عمر موقوفًا عليه بإثر هذا الحديث، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

(3)

بتشديد الراء والقصر كما في الأصول الخطية، وكذا ضبطها الأمير ابن =

ص: 169

637 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبْد الوَهَّابِ الثَّقَفيُّ، قَال: حَدَّثَنا أيُّوبُ، عن نَافِعٍ

عن ابن عُمرَ، قال: من اسْتَفادَ مالًا، فَلا زكَاةَ فيهِ حتّى يَحُولَ عَليْهِ الحَوْلُ عِنْدَ رَبَّهِ

(1)

.

وهذا أصَحُّ من حديثِ عَبْد الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلَمَ.

ورواه أيُّوبُ وعُبَيْدُ اللهِ وَغَيْرُ وَاحدٍ، عن نَافعٍ، عن ابن عُمرَ مَوْقُوفًا.

وَعَبد الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلمَ ضَعيفٌ في الحَديثِ، ضَعَّفَهُ أحمدُ بن حَنْبلٍ وَعَليُّ بن المَدِينيَّ وَغيْرُهُمَا من أهْلِ الحَديثِ، وهو كَثِيرُ الغَلطِ.

وقد رُوِي عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أصْحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنْ لا زَكاةَ في المَالِ المُسْتَفادِ حَتّى يَحُولَ عَليْهِ الحَوْلُ، وَبهِ يقولُ مَالكُ بن

= ماكولا في "الإكمال" 4/ 293، وفي (ظ) والمطبوع: سراء، بالمد كما ضبطها ابن نقطة في "الاستدراك"، وقال ابن حجر في "الإصابة" 7/ 695: سرَّى - بتشديد الراء مقصورة، ضبطها الأمير، قال: وتقال بالمد - بنت نبهان بن عمرو الغنوية، قال ابن حبان - في "الثقات" 3/ 185 - : لها صحبة، أخرج حديثها - يعني في حجة الوداع - أبو داود وغيره. وحديثها الذي أشار إليه الترمذي أخرجه الطبراني في "الكبير" 24/ (778).

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه مالك 1/ 246، والشافعي في "مسنده" 1/ 225 - 226 وعبد الرزاق (7030) و (7031)، وابن أبي شيبة 3/ 159، والدارقطني 2/ 92، والبيهقي 4/ 103 و 104 من طرق عن نافع، عن ابن عمر.

ص: 170

أنَسٍ، والشَّافعيُّ، وَأحمدُ بن حنبل، وإسحاقُ.

وقال بَعضُ أهْلِ العِلمِ: إذا كانَ عنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ، فَفيهِ الزَّكاةُ، وإنْ لم يكُنْ عِنْدهُ سِوَى المَالِ المُستَفَادِ مالٌ

(1)

يَجِبُ فِيهِ الزَّكاةُ، لم يَجِبْ عَليْهِ في المَالِ المُسْتَفَادِ زَكاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَليْهِ الحَوْلُ، فَإن اسْتَفَادَ مَالًا قَبْلَ أن يَحُولَ عَلَيْهِ

(2)

الحَوْلُ، فَإنَّهُ يُزكَّي المَالَ المُسْتَفَادَ مَعَ مالِهِ الّذِي وَجَبتْ فيهِ الزَّكاةُ، وَبهِ يقولُ سُفيانُ الثَّوْريُّ وَأهْلُ الكُوفَةِ

(3)

.

‌11 - باب ما جاء لَيْسَ على المُسْلِمينَ جِزْيَةٌ

638 -

حَدَّثَنا يحيى بن أكْثَمَ، قَال: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عن قَابوسَ بن أبي ظَبْيَانَ، عن أبيهِ

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَصْلحُ قِبْلَتَان في أرْضٍ وَاحدَةٍ، وَلَيْسَ على المُسْلِمينَ جِزْيةٌ"

(4)

(1)

في المطبوع ونسخة مصححة في هامش (ظ): "ما"، والمثبت من الأصول الخطية.

(2)

قوله: "عليه"، ليست في (ب).

(3)

اتفق الفقهاء على أنه تضم أرباح التجارة إلى أصل رأس المال في الحول، كما يُضم أيضًا عند الحنفية خلافًا لغيرهم المالُ المستفاد من غير التجارة كعطية وإرثٍ إلى أصل المال.

(4)

ضعيف، وأخرجه أبو داود مقطعًا (3032) و (3053)، وهو في "مسند أحمد"(1949). وانظر ما بعده.

ولقوله: "وليس على المسلمين جزية" شاهد من حديث سعيد بن زيد عند ابن =

ص: 171

639 -

وحَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ، قَال: حَدَّثَنا جَريرٌ، عن قابُوسَ، بهذا الإسْنَادِ، نَحْوهُ

(1)

.

وفي البابِ عن سَعيدِ بن زَيْدٍ، وَجَدَّ حَرْبِ بن عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيَّ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ قد رُوِي عن قابُوسَ بن أبي ظَبْيَانَ، عن أبيهِ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا

(2)

.

والعملُ على هذا عِنْدَ عَامَّةِ أهْلِ العلمِ؛ أنَّ النَّصْرَانِيَّ إذا أسْلَمَ وُضِعَتْ عَنْهُ جِزْيَة رَقَبَتِهِ، وَقوْلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ على المُسْلِمينَ عُشُورٌ" إنّمَا يَعْني بهِ جِزْيةَ الرَّقَبَةِ، وفي الحَديثِ ما يُفَسَّرُ هذا حَيْثُ قال:"إنَّمَا العُشُور على اليَهُودِ والنَّصَارَى، وَلَيْسَ على المُسْلِمينَ عُشُورٌ".

‌12 - باب ما جاء في زَكاةِ الحُليَّ

640 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا أبو مُعاويةَ، عن الأعْمَشِ، عن أبي وَائِلٍ، عن عَمْرِو بن الحارث بن المُصْطَلِقِ، عن ابن أخِي زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبدِ اللهِ

= أبي شيبة 3/ 197، وأحمد (1654)، والبزار في "مسنده"(1254)، وأبي يعلى (964)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 30 و 31، ولفظه:"يا معشر العرب، احمدوا الله الذي رفع عنكم العشور"، وسنده ضعيف.

وآخر من حديث رجل عند ابن أبي شيبة 3/ 197، وأحمد (15895 - 15897) وأبو داود (3046 - 3049)، وسنده ضعيف.

(1)

ضعيف، وانظر ما قبله.

(2)

أخرج الرواية المرسلة أبو عبيد القاسم بن سلام في "الأموال"(121)، وحميد بن زنجويه في "الأموال"(182)، وهي ضعيفة كذلك.

ص: 172

عن زَيْنَبَ امرأةِ عَبد اللهِ، قالتْ: خَطَبنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا مَعْشَرَ النَّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلوْ من حُلِيَّكُنَّ، فإنّكُنَّ أكْثَرُ أهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيامَةِ"

(1)

.

641 -

حَدَّثَنا محمودُ بنُ غَيلانَ، قَال: حَدَّثَنا أبو دَاودَ، عن شعبةَ، عن الأعْمشِ، قال: سَمعْتُ أبَا وَائِلٍ يُحَدَّثُ، عن عَمْرِو بن الحارث

(2)

ابن أخي زَيْنبَ امْرأةِ عَبد اللهِ، عن زَيْنَبَ امْرأةِ عبدِ اللهِ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ

(3)

.

وهذا أصَحُّ من حديثِ أبي مُعاوِيةَ، وأبو مُعاويةَ وَهِمَ في حديثِهِ، فقال: عن عَمْرِو بن الحَارثِ، عن ابن أخِي زَيْنَبَ، وَالصَّحِيحُ إنمَا هو عن عَمْرِو بن الحَارثِ ابن أخِي زَيْنَبَ.

(1)

حديث صحيح، لكن أبا معاوية وهم في هذا الإسناد، فقال: عن عمرو بن الحارث، عن ابن أخي زينب، وقد رواه عن الأعمش غيرُه من الثقات الحفاظ فقالوا: عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب، وهو الصحيح كما سينبَّه عليه المصنف.

وأخرجه من طريق أبي معاوية ابن ماجه (1834)، وهو في "مسند أحمد"(27048)، و"صحيح ابن حبان"(4248)، وأتى به عند ابن ماجه على الجادة، والمحفوظ عن أبي معاوية وهمه في قوله: عن ابن أخي زينب.

وأخرجه من طريق غيره على الجادة البخاري (1466)، ومسلم (1000)، والنسائي 5/ 92 - 93، وهو في "مسند أحمد"(16082).

وانظر ما بعده.

(2)

كذا في (ب) و (د) ونسخة في هامش (أ)، وهو الموافق لما في مصادر التخريج، وهو الصواب، وجاء في (أ) و (ظ) ونسخة في هامش (ب): يحدث عن عبد الله بن عمرو بن الحارث، وضبب عليها في (ظ).

(3)

صحيح، وانظر ما قبله.

ص: 173

وقد رُوي عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جَدَّهِ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنّهُ رَأى في الحُلِيَّ زَكاةً. وفي إسناده مَقَالٌ.

وَاخْتَلفَ أهْلُ العلمِ في ذلكَ:

فَرَأى بَعْضُ أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيَّ وَالتَّابِعِينَ في الحُلِيَّ زَكَاةَ ما كانَ مِنْهُ ذَهَبٌ وَفِضةٌ، وبهِ يَقولُ سُفيانُ الثَّوْرِيُّ، وَعَبد اللهِ بن المُبَارَكِ

(1)

.

وقال بعْضُ أصْحَابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، منْهُمُ ابن عُمَرَ، وَعَائشةُ، وَجَابِرُ بن عَبد اللهِ، وأنَسُ بن مَالكٍ: لَيْسَ في الحُلِيَّ زَكاةٌ. وهكذا رُوِيَ عن بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، وبهِ يَقولُ مَالكُ بن أنسٍ، والشَّافِعِيُّ، وأحمدُ وإسحاقُ.

642 -

حدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا ابن لَهِيعةَ، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيهِ

عن جَدَّهِ، أنَّ امْرَأتينِ أتَتا رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفي أيْدِيهمَا سِوَارَان من ذَهَبٍ، فقال لَهُمَا:"أتُؤَدَّيانِ زَكاتَهُ؟ " قَالتا: لا. قال: فقال لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أتُحِبَّانِ أن يُسَوَّرَكما اللهُ بِسِوَارَيْنِ من نَارٍ؟ " قَالتا: لا. قال: "فأدِّيَا زَكاتَهُ"

(2)

.

(1)

قال في "المغني" 4/ 220: وهي رواية عن أحمد، وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهري والثوري، وأصحاب الرأي.

(2)

حسن، رواية قتيبة عن ابن لهيعة قوية، وقد تابعه حسينٌ المُعلَّم، وهو ثقة.

أخرجه من طريقه أبو داود (1563)، والنسائي 5/ 38، وهو في "مسند أحمد" =

ص: 174

هذا حديثٌ قد رَواهُ المُثَنَّى بن الصَّبَّاحِ، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، نَحْوَ هذا.

وَالمُثَنَّى بن الصَّبَّاحِ وابن لَهِيعةَ يُضَعَّفَانِ في الحديثِ، وَلا يَصِحُّ في هذا الباب عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ.

‌13 - باب ما جاء في زَكاةِ الخَضْراواتِ

643 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن خَشْرَمٍ، قَال: حدثنا عِيسى بن يُونُسَ، عن الحَسنِ، عن محمدِ بن عَبد الرحمنِ بن عُبَيْدٍ، عن عِيسى بن طَلْحَةَ

عن مُعَاذٍ، أنّهُ كَتَبَ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسألُهُ عن الخَضْراواتِ وَهِيَ البُقُولُ، فقال:"لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ"

(1)

.

= (6667).

وقول الترمذي: ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، غير مُسَلّم، فقد صحت فيه بعض الأحاديث، انظرها في "المسند"(6667).

(1)

أخرجه الدارقطني 2/ 97 من طريق الحسن بن عُمارة و 97 - 98 من طريق نصر بن حماد، عن شعبة، كلاهما عن الحكم وعمرو بن عثمان وعبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس في الخَضْراواتِ زكاة"، والحسن بن عمارة متروك الحديث، وكذا نصْر بن حمّاد.

وأخرجه عبد الرزاق (7187) عن ابن عُيينة، عن عمرو بن عثمان، عن موسى بن طلحة، وكانوا أخذوا من حبوب له في أرضه، فسمعته يقول لعبد الحميد - ودخل عليه -: بيني وبينكم كتاب معاذ بن جبل، لم يأخذ من الخُضَر شيئًا. وتحرف اسم عمرو بن عثمان في المطبوع من "مصنف عبد الرزاق" إلى: عبد الله بن عثمان.

وأخرجه الدارقطني 2/ 97، والحاكم 1/ 401، والبيهقي 4/ 129 من طريق =

ص: 175

إسْنَادُ هذا الحديثِ لَيْسَ بِصَحيحٍ. وَلَيْسَ

(1)

يَصِحُّ في هذا البابِ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ، وَإنمَا يُرْوَى هذا عن مُوسى بن طَلْحَةَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العِلمِ، أن لَيْسَ في الخَضْراواتِ صَدَقةٌ

(2)

.

= عبد الله بن نافع الصائغ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمه موسى بن طلحة، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والبعل

" ثم قال مُعاذ: وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والرمّان والقصب والخُضَر فعفو، عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلنا: وفي إسناده ابن نافع وإسحاق، وهما ضعيفان.

وأخرجه البزار في "مسنده"(940)، وابن عدي في "الكامل" 2/ 610، والدارقطني 2/ 96 من طريق الحارث بن نبهان، عن عطاء بن السائب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس في الخضراوات زكاة". قلنا: والحارث بن نبهان متروك الحديث، وانفرد برواية هذا الحديث عن موسى، عن أبيه كما قال البزار.

وأخرج المرسل الذي أشار إليه الترمذي يحيى بن آدم في "الخراج"(503) عن عبد السلام بن حرب، وأبو عبيد في "الأموال"(1506) عن إسماعيل بن إبراهيم، والدارقطني 2/ 97 - 98 من طريق هام الدستوائي، ثلاثتهم عن عطاء بن السائب، عن موسى بن طلحة، فذكروا قصة، ثم قالوا: قال موسى بن طلحة: إنه ليس في الخُضَر شيء. وفي رواية قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤخذ من الخضراوات صدقة.

(1)

في (ب): "ولا"، وفي هامشها نسخة كالمثبت من بقية الأصول.

(2)

قلنا: ذهب أبو حنيفة إلى وجوب الزكاة: العشر أو نصفه في كل ما أخرج الله من الأرض مما يقصد بزراعته نماء الأرض وتستغل به عادة، وهو قول =

ص: 176

والحَسنُ: هو ابن عُمَارَةَ، وهو ضَعِيفٌ عِنْدَ أهْلِ الحديثِ، ضَعَّفَهُ شُعبةُ وَغَيْرُهُ، وَتَرَكَهُ عبد الله بن المُبَارَكِ.

= عمر بن عبد العزيز ومجاهد وحماد وداود والنخعي، وحجة أبي حنيفة فيما ذهب إليه عموم قوله تعالى في سورة البقرة:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} ولم يفرق بين مخرج ومخرج، وقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وذلك بعد أن ذكر أنواع المأكولات من الجنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع والزيتون والرمان، وأحق ما يحمل عليه الحق الخضراوات، لأنها هي التي يتيسر إيتاء الحق منها يوم القطع، وأما الحبوب، فيتأخر الإيتاء فيها إلى يوم التنقية.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وفيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر" من غير فصل بين ما يبقى وما لا يبقى، وما يؤكل وما لا يؤكل، وما يقتات وما لا يقتات.

انظر "فتح القدير" 2/ 2 - 5، و"بدائع الصنائع" 2/ 59.

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" 3/ 135، وهو فقيه مالكي: وأقوى المذاهب في المسألة مذهب أبي حنيفة دليلًا، وأحوطها للمساكين، وأولاها قيامًا بشكر النعمة، وعليه يدل عموم الآية والحديث.

وكذلك رجح قول أبي حنيفة في هذه المسألة الشيخ يوسف الفرضاوي حفظه الله ورعاه في كتابه "فقه الزكاة" 1/ 355، فقال: وأولى هذه المذاهب بالترجيح هو مذهب أبي حنيفة الذي هو قول عمر بن عبد العزيز ومجاهد وحماد وداود والنخعي: أن في كل ما أخرجت الأرض الزكاة، فهو الذي يعضده عموم النصوص من القرآن والسنّة، وهو الموافق لحكمة تشريع الزكاة، فليس من الحكمة - فيما يبدو لنا - أن يفرض الشارع الزكاة على زارع الشعير والقمح، ويُعفي صاحب البساتين من البرتقال أو "المانجو" أو التفاح

ص: 177

‌14 - باب ما جاء في الصّدَقَةِ فِيمَا يُسْقَى بالأنْهَارِ وَغَيْرِهِا

644 -

حَدَّثَنا أبو مُوسى الأنْصَارِيُّ، قَال: حَدَّثَنا عَاصمُ بن عَبْد العَزِيزِ مَدِيني، قَال: حَدَّثَنا الحارثُ بن عَبد الرحمنِ بن أبي ذُبَابٍ، عن سُليْمَانَ بن يَسَارٍ وَبُسْرِ بن سَعيدٍ

عن أبي هُرَيْرةَ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فِيما سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُونُ العُشْرُ، وَفِيما سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ"

(1)

.

وفي البابِ عن أنَسِ بن مَالكٍ، وابن عُمرَ، وَجَابرٍ.

وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن بكَيْرِ بن عَبد اللهِ بن الأشَجِّ، وعن سُلَيمانَ بن يَسارٍ وَبُسْرِ بن سَعيدٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرسل. وكأنَّ هذا الحديثَ أصَحُّ

(2)

.

وقد صَحَّ حديثُ ابن عُمرَ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ، وَعَليْهِ العملُ عِنْدَ عَامَّةِ الفُقَهَاءِ.

645 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن الحَسَنِ، قَال: حَدَّثَنا سَعيدُ بن أبي مَرْيمَ، قَال:

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عاصم بن عبد العزيز المديني. وأخرجه ابن ماجه (1816).

ويشهد له حديث عبد الله بن عمر الآتي بعد هذا الحديث، وهو في "صحيح البخاري"(1483)، وحديث جابر بن عبد الله عند مسلم (981)، وهو في "مسند أحمد"(14667).

(2)

أخرج الرواية المرسلة مالك في "موطئه" 1/ 270، ومن طريقه البيهقي 4/ 130، وصحح البخاري الرواية المرسلة فيما نقله عنه الترمذي في "علله" 1/ 317.

ص: 178

حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قَال: حَدَّثَني يُونُسُ، عن ابن شِهَابٍ، عن سالمٍ

عن أبيهِ، عن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أنَّهُ سَنَّ فيمَا سَقَتِ السَّماءُ والعُيُونُ، أوْ كانَ عَثَرِيًّا العُشْورَ، وَفِيمَا سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌15 - باب ما جاء في زَكاةِ مَالِ اليَتِيمِ

646 -

حَدَّثَنا محمدُ بن إسماعيلَ، قَال: حَدَّثَنا إبراهيمُ بن مُوسى، قَال: حَدَّثَنا الوَليدُ بن مُسْلمٍ، عن المُثنَّى بن الصَّبَّاحِ، عن عمرو بن شُعَيْبٍ، عن أبيهِ

عن جَدَّهِ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ، فقال:"ألا مَن وَلِيَ يَتِيمًا لهُ مَالٌ، فَليتَّجِرْ فيهِ، وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تأكُلَهُ الصَّدَقةُ"

(2)

.

وَإنَّما رُوِيَ هذا الحديثُ من هذا الوَجْهِ، وفي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، لأنَّ المُثَنَّى بن الصَّبَّاحِ يُضَعَّفُ في الحَديثِ.

وَرَوى بَعْضُهُمْ هذا الحديثَ، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ: أنَّ عُمرَ

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1483)، وأبو داود (1596)، وابن ماجه (1817)، والنسائي 5/ 41، وهو في "صحيح ابن حبان"(3285).

(2)

إسناده ضعيف، ضعَّفه أحمد والمصنف وغيرهما.

وأخرجه أبو عيد في "الأموال"(1299)، والدارقطني 2/ 109 - 110 و 110، وحمزة بن يوسف السهمي في "تاريخ جرجان" ص 168 - 169، والبيهقي 4/ 107، والبغوي (1589).

ص: 179

ابن الخَطَّابِ .. فَذَكَرَ هذا الحديثَ

(1)

.

وقد اخْتلَفَ أهْلُ العلمِ في هذا البابِ، فَرَأى غَيْرُ وَاحدٍ من أصْحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في مَالِ اليَتِيمِ زَكاةً، مِنْهُمْ: عُمرُ، وَعَليٌّ، وَعَائشةُ، وابنُ عُمرَ، وَبهِ يَقولُ مَالكٌ، وَالشَافِعِي، وأحمدُ، وإسحاقُ.

وقالتْ طَائِفَةٌ من أهلِ العلمِ: لَيسَ في مَالِ اليَتِيمِ زَكاةٌ، وَبهِ يَقولُ سُفيانُ الثَّوْرِيُّ، وَعَبد اللهِ بن المُبَارَكِ.

وَعَمْرُو بن شُعَيْبٍ: هو ابن محمدِ بن عَبد اللهِ بن عَمْرِو بن العَاصِ، وَشُعَيْبٌ قد سَمعَ من جَدَّهِ عَبْد اللهِ بن عَمْرٍو، وقد تكَلَّمَ

(1)

أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(1301)، وأحمد في "سؤالات ابنه عبد الله"(744)، والدارقطني 2/ 110، والبيهقي 4/ 107 من طريق حسين المعلَّم، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قال نحوه. ورجاله ثقات، وقال البيهقي: إسناده صحيح، ونقل أبو طالب عن الإمام أحمد وقد سأله: سعيد بن المسيب عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!

وأخرجه الشافعي في "المسند" 1/ 224، وفي "الأم" 2/ 29، والبيهقي 6/ 2 من طريق عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن السائب، عن عمر.

وأخرجه عبد الرزاق (6989) من طريق عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد، عن عمر.

وأخرجه عبد الرزاق (6990) عن الثوري، عن ثور، عن أبي عون، عن عمر.

وأخرجه عبد الرزاق (6993) عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن عمر.

ص: 180

يَحيى بن سَعيدٍ في حديثِ عَمْرو بن شُعَيْبٍ، وقال: هو عِنْدنا وَاهٍ. ومن ضَعَّفَهُ، فإنَّمَا ضَعَّفَهُ من قِبَلِ أنّهُ يُحَدَّثُ من صَحِيفَةِ جَدِّهِ عَبد اللهِ بن عَمْرٍو، وأمَّا أكْثرُ أهْلِ الحديثِ فَيَحْتَجُّونَ بحديثِ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ ويُثبتونهُ، مِنْهُمْ: أحمدُ وَإسحاقُ وَغَيْرُهُمَا.

‌16 - باب ما جاء أنّ العَجْمَاءَ جُرْحُهَا جُبَارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُسُ

647 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ بن سعيد، قَال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن سَعيدِ بن المُسَيّبِ وأبي سَلمةَ

عن أبي هُرَيْرَةَ، عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"العَجْمَاءُ جُرْحُها جُبَارٌ، والمَعْدِنُ جُبَارٌ، والبِئرُ جُبَارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُسُ"

(1)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1499)، ومسلم (1710)، وأبو داود (3085) و (4593)، وابن ماجه مقطعًا (2509) و (2673)، والنسائي 5/ 45، وهو في "مسند أحمد"(7254)، و"صحيح ابن حبان"(6005).

والجبار: الهَدَرُ، والعجماء: الدابة.

والركاز: قال ابن الأثير: الركاز عند أهل الحجاز: كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض، وعند أهل العراق: المعادن، والقولان تحتملهما اللغة، لأن كلًّا منهما مركوز في الأرض، أي: ثابت، يقال: ركزه يَرْكُزُه ركزًا: إذا دفنه، وأركز الرجل: إذا وجد الركاز، والحديث إنما جاء في التفسير الأول، وهو الكنز الجاهلي، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه، وسهولة أخذه.

والمعدن، جمعه معادن: وهي المواضع التي تُستخرج منها جواهر الأرض =

ص: 181

وفي البابِ عن أنَس بن مالكٍ، وعَبد اللهِ بن عَمْرٍو، وَعُبَادةَ بن الصَّامِتِ، وَعَمْرِو بن عَوْفٍ المُزَنِيَّ، وَجَابرٍ.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌17 - باب ما جاء في الخَرْصِ

648 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا أبو دَاود الطّيَالِسِيُّ، قال: أخبرنا شُعْبةُ، قال: أخبرني خُبَيْبُ بن عَبد الرحمنِ، قال: سَمِعْتُ عَبد الرحمنِ بن مَسْعُودِ بن نِيَارٍ يَقولُ:

جَاءَ سَهْلُ بن أبي حَثْمةَ إلى مَجْلِسِنَا، فَحدَّثَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ:"إذا خَرَصْتُمْ، فَخُذُوا، وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإنْ لم تَدَعُوا الثُّلُثَ، فَدَعُوا الرُّبُعَ"

(1)

.

وفي الباب عن عَائشةَ، وعَتَّابِ بن أَسِيدٍ، وابن عَبَّاسٍ.

والعملُ على حديثِ سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العلمِ

= كالذهب والفضة والنحاس والنفط وغير ذلك،

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1605)، والنسائي 5/ 42، وهو في "مسند أحمد"(15713)، و"صحيح ابن حبان"(3280).

وأخرج الحاكم 1/ 402 - 403 عن أبي بكر بن إسحاق الصّبغي، عن أبي المثنى معاذ بن المثنى العنبري، عن مسدد، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه إلى خرص التمر، وقال: إذا أتيت أرضًا فاخرُصها، ودع لهم قدر ما يأكلون. وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وهو شاهد قوي للحديث، وهو محمول على الرفع، لأن مثله لا يقال بالرأي والاجتهاد.

ص: 182

في الخَرْصِ، وَبحديثِ سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ يَقولُ أحمدُ، وَإسحاقُ.

وَالخَرْصُ إذا أدْرَكَتِ الثِّمَارُ مِن الرُّطَبِ وَالعِنَب مِمَّا فيهِ الزَّكاةُ، بَعثَ السُّلْطانُ خَارِصًا فخرص عَليْهِمْ، والخَرْصُ أن يَنْظُرَ من يُبْصِرُ ذلك فَيَقُول: يَخْرُجُ من هذا من الزَّبِيبِ كَذا، ومن التَّمْرِ كَذا وَكذا، فَيُحْصِي عَليْهِمْ، وَيَنظُرُ مَبْلغَ العُشْرِ من ذلكَ، فَيُثبتُ عَليْهِمْ، ثمَّ يُخَلَّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الثَّمَارِ، فيَصْنَعُونَ

(1)

مَا أحبُّوا، فَإذا أدْرَكتِ الثِّمَارُ أُخِذَ مِنْهُمُ العُشْرُ. هكذا فسَّرَهُ بَعضُ أهْلِ العلمِ. وبهذا يَقولُ مَالكٌ، والشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وإسحاقُ.

649 -

حَدَّثَنا أبو عَمْرٍو مُسْلمُ بن عَمْرٍو الحَذَّاءُ المَدِينيُّ، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ اللهِ بن نَافعٍ، عن محمدِ بن صَالحٍ التَّمَّارِ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن سَعيدِ بن المُسَيَّبِ

عن عَتَّابِ بن أسِيدٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَبعثُ على النَّاسِ من يَخْرُصُ عَليْهِمْ كُرُومَهُمْ وثِمَارَهُم

(2)

.

650 -

وبهذا الإسنادِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في زَكاةِ الكُرُومِ: "إنَّها

(1)

في النسخ الخطية: "فيصنعوا".

(2)

صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، ابن المسيب لم يسمع عتابًا.

وأخرجه أبو داود (1604) ولم يسق متنه، وابن ماجه (1819)، وهو في "صحيح ابن حبان"(3278).

وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله عند أبي داود (3415)، وهو في "مسند أحمد"(14161)، واسناده صحيح على شرط مسلم.

وآخر من حديث ابن عمر عند أحمد (4663)، وإسناده صحيح.

ص: 183

تُخْرَصُ كما يُخْرَصُ النَّخْلُ، ثم تُؤدَّى زَكاتُهُ زَبِيبًا كَما تُؤَدَّى زَكاةُ النَّخْلِ تَمْرًا"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.

وقد رَوَى ابنُ جُرَيْجٍ هذا الحديثَ، عن ابن شِهَابٍ، عن عُرْوةَ، عن عَائشةَ.

وَسَألتُ محمدًا عن هذا، فقال: حَديثُ ابن جُريْجٍ غَيْرُ محْفُوظٍ، وَحَديثُ سعيد بن المُسَيَّبِ، عن عَتَّابِ بن أسِيدٍ، أصحُّ.

‌18 - باب ما جاء في

(2)

العَاملِ على الصَّدَقةِ بِالحَقِّ

651 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا يَزِيدُ بنُ هارونَ، قال: أخبرنا يَزيدُ بن عيَاضٍ، عن عَاصِم بن عُمرَ بن قَتادةَ (ح)

وحَدَّثَنا محمدُ بن إسماعيلَ، قال: حَدَّثَنا أحمدُ بن خَالدٍ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن عَاصِمِ بن عُمَرَ بن قَتادةَ، عن محمودِ بن لَبِيدٍ

عن رَافِع بن خَدِيجٍ، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "العَاملُ على الصَّدَقةِ بالحَقَّ، كالغَازِي في سَبِيلِ اللهِ حتَّى يَرْجِعَ

(1)

إسناده ضعيف لانقطاعه، سعيد بن المسيب لم يسمع عتابًا.

وأخرجه أبو داود (1603)، والنسائي 5/ 109، وهو في "صحيح ابن حبان"(3279).

وانظر ما قبله.

(2)

في (ب) وحدها: "على".

ص: 184

إلى بَيْتِهِ"

(1)

.

حديثُ رَافعِ بن خَدِيجٍ حديثٌ حَسَنٌ.

وَيَزيدُ بن عِيَاضٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أهْلِ الحديثِ، وحديثُ محمدِ بن إسحاقَ أصَحُّ.

‌19 - باب في المُعْتَدِي في الصَّدَقَةِ

652 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن سَعْدِ بن سِنَانٍ

عن أنَس بن مَالكٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المُعْتدِي في الصَّدَقةِ كَمَانِعِها"

(2)

.

وفي البابِ عن ابن عمرَ، وأُمِّ سَلمَةَ، وأبي هُرَيْرَةَ.

حديثُ أنَسٍ حديثٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ. وقد تكَلَّمَ أحمدُ

(1)

إسناد الحديث الأول ضعيف جدًّا، يزيد بن عياض - وهو ابن جُعْدُبة الليثي - متروك الحديث وكذبه بعضهم، وأما إسناده الثاني، فحسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرَّح بالسماع عند أحمد.

وأخرجه أبو داود (2936)، وابن ماجه (1809)، وهو في "مسند أحمد"(17285).

(2)

حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف لضعف سعد بن سنان.

وأخرجه أبو داود (1585)، وابن ماجه (1808).

وله شاهد من حديث جرير بن عبد الله عند الطبراني في "الكبير"(2275)، قال الهيثمي: رجاله ثقات.

ص: 185

ابن حَنْبلٍ في سَعْدِ بن سِنانٍ.

وهكذا يقولُ اللَّيْثُ بن سَعْدٍ: عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن سَعْدِ بن سِنَانٍ، عن أنَسِ بن مَالكٍ.

وَيقولُ عَمْرو بن الحارثِ وابن لَهِيعةَ: عن يَزيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن سِنَانِ بن سَعْدٍ، عن أنَسِ بن مالك.

وَسَمعْتُ محمدًا يقولُ: وَالصَّحِيحُ سِنَانُ بن سَعْدٍ.

وَقَولُهُ: "المُعْتَدِي في الصَّدَقَةِ كَمَانِعِها" يَقولُ: على المعْتَدِي من الإثْم كَمَا على المَانعِ إذا مَنَعَ

(1)

.

‌20 - باب ما جاء في رِضَا المُصَدَّقِ

653 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا محمدُ بنُ يَزِيدَ، عن مُجَالِدٍ، عن الشَّعْبِيَّ

عن جَرِيرٍ، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكُمُ المُصَدِّقُ، فَلا يُفارِقنَّكُمْ إلَّا عن رِضًا"

(2)

.

(1)

قال المناوي في شرح هذا الحديث: المعتدي في الصدقة بأن يعطيها غير مستحقها، أو لكون الآخذ بتواضع له أو يخدمه، أو يثني عليه، كمانعها في بقائها، أو في أنه لا ثواب له، لأنه لم يخرجها مخلصًا لله.

أو معناه: أن العامل المتعدي في الصدقة يأخذ أكثر مما يجب، والمانع الذي يمغ أداء الواجب، كلاهما في الوزر سواء.

(2)

صحيح، مجالد - وهو ابن سعيد - متابع وأخرجه مسلم (989) وص 757 (177)، وأبو داود (1589)، وابن ماجه (1802)، والنسائي 5/ 31، وهو في =

ص: 186

654 -

حَدَّثَنا أبو عَمَّارٍ، قال: حدثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنة، عن دَاودَ، عن الشَّعْبيَّ، عن جَرِيرٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، بِنَحْوهِ

(1)

.

حديثُ دَاودَ، عن الشَّعْبيَّ أصَحُّ من حديثِ مُجَالدٍ، وقد ضَعَّفَ مُجَالِدًا بَعْضُ أهْلِ العلمِ، وهو كَثِيرُ الغَلَطِ.

‌21 - باب ما جاء أنَّ الصَّدقَةَ تؤخَذُ من الأغْنياءِ فتُرَدُّ في الفُقَرَاءِ

655 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن سَعيدٍ الكِنْدِيُّ، قَال: حَدَّثَنا حَفْصُ بن غِياثٍ، عن أشْعَثَ، عن عَوْنِ بن أبي جُحَيْفَةَ

عن أبيه، قال: قدِمَ عَلينَا مُصَدَّقُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخَذَ الصَّدَقَةَ من أغنِيائِنَا، فَجَعَلَها في فُقَرائِنا، وَكُنْتُ غُلامًا يَتِيمًا، فأعطَاني مِنْهَا قَلُوصًا

(2)

.

= "مسند أحمد"(19187).

(1)

إسناده صحيح وانظر ما قبله.

(2)

إسناده ضعيف لضعف أشعث بن سوار.

وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 204 - 205، وابن خزيمة (2362) و (2379)، والطبراني في "الكبير" 22/ (275) و (276) و (277)، والدارقطني 2/ 136 من طرق عن أشعث بن سوّار، بهذا الإسناد.

وأخذ الصدقة من أغنياء البلد وردُّها في فقرائه ثابتٌ من حديث ابن عباس عند البخاري (1496)، وفيه:"فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم".

ومن حديث عمران بن حصين عند أبي داود (1625)، وابن ماجه (1811)، ولفظه: أن زيادًا - أو بعض الأمراء - بعث عمران بن حُصين على الصدقة، فلما =

ص: 187

وفي البابِ عن ابنِ عَبَّاسٍ.

حديثُ أبي جُحَيْفةَ حديثٌ حَسَنٌ.

‌22 - باب من تَحِلُّ لهُ الزّكَاة

(1)

656 -

حدثنا قُتيبةُ وَعَليُّ بن حُجْرٍ، قال قُتيبةُ: حدثنا شَرِيكٌ، وَقال عَليُّ بن حُجْر: أخْبرنَا شَرِيكٌ - المَعْنَى وَاحِدٌ -، عن حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ، عن محمدِ بن عَبد الرحمنِ بن يَزِيدَ، عن أبيه

عن عَبد الله بن مَسعودٍ، قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من سألَ النَّاسَ وله ما يُغْنِيه، جَاءَ يَومَ القِيامَةِ وَمسألتُهُ في وَجْهه خُمُوشٌ، أو خُدُوشٌ أو كُدُوحٌ" قِيلَ: يا رَسولَ الله وَما يُغْنِيه؟ قال: "خَمْسونَ دِرْهَمًا، أو قِيمَتُها مِن الذَّهَبِ"

(2)

.

= رجع قال لعمران: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورجاله ثقات.

قال الحافظ في "الفتح" 3/ 357: وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فأجاز نقل الزكاة إلى بلد آخر الليث بن سعد وأبو حنيفة وأصحابهما، ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره، والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور عدم جواز نقلها إلى بلد آخر، فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها.

(1)

كذا في (ب) و (د) و (ظ) ونسخة بهامش (أ)، وفي (أ) ونسخة في (ب):"الصدقة".

(2)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف حكيم بن جبير، ولسوء حفظ شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - لكنه قد توبع، وللحديث شواهد يحسن بها =

ص: 188

وفي البابِ عن عَبد الله بن عَمْرٍو.

حديثُ ابن مَسْعودٍ حديثٌ حَسَنٌ.

وقد تكَلَّمَ شُعبةُ في حَكِيمِ بن جُبَيْرٍ من أجْلِ هذا الحديثِ.

657 -

حدثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدثنا يحيى بنُ آدَمَ، قال: حدثنا سُفيانُ

عن حَكِيمِ بن جُبَيْرٍ بهذا الحديثِ. فقال له عبد اللهِ بن عُثمانَ صَاحبُ شُعبةَ: لو غَيْرُ حَكِيمٍ حَدَّثَ بهذا!! فقال له سُفيانُ: وما لِحَكِيمٍ لا يُحدَّثُ عنه شُعبةُ؟ قال: نَعَم. قال سُفيانُ: سَمِعتُ زُبَيْدًا يُحَدَّثُ بهذا عن محمدِ بن عبد الرحمنِ بن يَزِيدَ

(1)

.

= انظرها في "المسند"(3675).

وأخرجه أبو داود (1626)، وابن ماجه (1840)، والنسائي 5/ 97.

خُدُوش: بضمتين، أي: آثار القشر، وكذا الكدوح أو الكدوش مثله وزنًا ومعنى، وكلمة "أو" للشك، والله تعالى أعلم. قاله السندي في حاشيته على "المسند".

(1)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف كسابقه. وأما رواية يحيى بن آدم، عن سفيان الثوري، عن زبيد الإيامي فقد نقل ابن عدي في "الكامل" 2/ 634 عن يحيى بن معين قوله: وهذا وهم لو كان هذا كذا، لحدث به الناس جميعًا عن سفيان، ولكنه حديث منكر، ونقل عن أحمد بن حنبل 2/ 236 قوله: كأنه أرسله، أو كره أن يحدّث به، أما تعرف الرجال كلامًا نحو ذا. قلنا: لكن للحديث شواهد يحسن بها.

وانظر ما قبله.

ص: 189

والعملُ على هذا عند بَعْض أصحابِنا، وَبه يقولُ الثّورِيُّ، وعَبد اللهِ بن المُبارَكِ، وأحمدُ، وإسحاقُ، قالُوا: إذا كانَ عند الرَّجُلِ خَمْسُونَ درْهَمًا، لم تَحِلَّ لهُ الصَّدَقَةُ.

ولم يَذْهب بَعضُ أهلِ العلمِ إلى حديثِ حَكِيمِ بن جُبَيْرٍ، وَوَسَّعُوا في هذا وقَالُوا: إذا كان عنده خَمْسُونَ دِرْهَمًا أو أكْثرُ، وهو مُحتاجٌ، فَله أن يأخُذَ مِن الزَّكاةِ، وهو قَولُ الشّافِعيَّ وَغَيْرِهِ من أهلِ الفِقْهِ والعِلْمِ.

‌23 - باب ما جاء من لا تَحِلُّ لهُ الصَّدَقةُ

658 -

حدثنا أبو بكْرٍ محمدُ بن بَشَّارٍ، قال: حدثنا أبو دَاودَ الطّيَالِسِيُّ، قال: حدثنا سُفيانُ (ح)

وحدثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدثنا عَبد الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا سفيانُ، عن سَعْدِ بن إبراهيمَ، عن رَيْحانَ بن يَزِيدَ

عن عبد اللهِ بن عَمْرٍو، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تَحِلُّ الصَّدقَةُ لِغَنيًّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِيًّ"

(1)

.

(1)

إسناده قوي، وأخرجه أبو داود (1634)، وهو في "مسند أحمد"(6530).

وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد (8908)، وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد (11268)، وعن رجل من بني هلال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد (16594)، وعن حبشي بن جنادة، وهو الحديث الآتي (659).

والمِرَّة، بكسر الميم وتشديد الراء: القوة والشدة، وأصلها من شدة فتل الحبل، يقال: أمررت الحبل: إذا أحكمت فتله. والسويّ: الصحيح الأعضاء.

ص: 190

وفي البابِ عن أبي هُريرةَ، وحُبْشيَّ بنِ جُنادَةَ، وقَبيصةَ بن مُخَارِقٍ.

حديثُ عَبد اللهِ بن عَمْرو حديثٌ حَسَنٌ.

وقد رَوَى شُعبةُ، عن سَعْدِ بن إبراهيمَ هذا الحديثَ بهذا الإسنادِ ولم يَرْفَعْه

(1)

.

وقد رُوِي في غَيْرِ هذا الحديثِ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "لا تحِلُّ المسألَةُ لغَنِيٍّ، ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ".

وإذا كانَ الرَّجُلُ قَوِيًّا مُحتاجًا، ولم يكُن عِنْده شَيءٌ. فَتُصُدِّقَ عَليه، أجْزأ عن المُتَصَدَّقِ عند أهلِ العلمِ.

ووَجْهُ هذا الحديثِ عند بَعضِ أهلِ العلمِ على المَسألَةِ.

659 -

حدثنا عليُّ بن سَعيدِ الكِنْديُّ، قال: حدثنا عبدُ الرَّحيم بن سُليمانَ، عن مُجَالِدٍ، عن عامِرٍ

عن حُبْشيَّ بن جُنَادَةَ السَّلولِيِّ، قال: سَمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وهو وَاقِفٌ بِعَرَفةَ، أتَاه أعرابيٌّ فأخَذَ بِطَرَفِ رِدَائِه فَسَأله إيَّاه، فأعطَاهُ وَذَهَبَ، فعند ذلكَ حَرُمَتِ المَسْألةُ، فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المَسْألةَ لا تَحِلُّ لِغَنيًّ ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيًّ، إلَّا لِذي فَقْرٍ مدْقعٍ، أو غُرْمٍ مُفْظِعٍ، ومن سَألَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ به مَاله،

(1)

أخرج الرواية الموقوفة الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 14، لكن روى شعبة هذا الحديث أيضًا مرفوعًا، انظر تخريجه عند أحمد (6530).

ص: 191

كانَ خُمُوشًا في وَجْهِهِ يَوْمَ القِيامةِ، ورَضْفًا يأكُلُه من جَهَنَّمَ، فمن شَاءَ، فَلْيُقِلَّ ومن شَاءَ فَلْيُكثِرْ"

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف مجالد - وهو ابن سعيد الهَمْداني - ولبعضه شواهد يتقوى بها.

وأخرجه ابن أبي شيبة تامًّا ومختصرًا 3/ 207 و 209 و 210 و 14/ 274، وأحمد (17508)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1512) و (1513)، وابن خزيمة (2446)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 19، والطبراني في الكبير (3504 - 3508)، والبغوي (1623).

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بلفظ: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي"، وهو الحديث السالف، وهو حديث حسن.

وعن ابن مسعود وقد سلف عند المصنف برقم (656)، ولفظه:"من سأل الناس وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش أو كدوح"، وهو حديث حسن أيضًا.

وعن أبي هريرة عند أحمد (7163)، ومسلم (1041) بلفظ:"من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقل منه أو ليستكثر"، وإسناده صحيح.

وعن عبيد الله بن عدي أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يسألانه من الصدقة، فصعَّد فيهما البصر ورآهما جلدين، فقال:"إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب"، أخرجه أحمد (17973)، وأبو داود (1633)، والنسائي 5/ 99 - 100، وإسناده صحيح.

قوله: "مدقع"، قال ابن الأثير في "النهاية": الدَّقع: الخضوع في طلب الحاجة، مأخوذ من الدَّقْعاء وهو التراب، و"فقر مدقع" أي: شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء، وقيل: سوء احتمال الفقر.

ص: 192

660 -

حدثنا محمودُ بن غَيلانَ، قال: حدثنا يحيى بن آدَمَ، عن عبد الرَّحيمِ بن سُلَيمانَ، نَحْوَه

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ.

‌24 - باب من تَحِلُّ له الصَّدَقةُ من الغَارِمينَ وَغَيرِهِم

661 -

حدثنا قُتيبةُ، قال: حدثنا اللَّيثُ، عن بُكيْر بن عبد الله بن الأشَجَّ، عن عِيَاضِ بن عَبد الله

عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: أُصِيبَ رَجُلٌ في عَهْدِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم في ثِمَارٍ ابْتَاعَها، فَكثُرَ دَيْنُه، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"تَصَدَّقُوا عليه". فتَصَدَّقَ النَّاسُ عليه، فلم يبلُغْ ذلكَ وَفَاءَ دَيْنه، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِه:"خُذُوا ما وَجَدتُم، وليسَ لَكُمْ إلَّا ذلك"

(2)

.

وفي البابِ عن عائشةَ، وجُوَيْرِيةَ، وأنَسٍ.

حديثُ أبي سَعيدٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌25 - باب ما جاء في كراهيةِ الصَّدَقَةِ لِلنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأهلِ بَيْته ومَوَالِيهِ

662 -

حدثنا بُنْدار، قال: حدثنا مَكَّيُّ بنُ إبراهيمَ ويُوسفُ بنُ يَعقُوب

(1)

انظر ما قبله.

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (1556)، وأبو داود (3469)، وابن ماجه (2356)، والنسائي 7/ 265 و 312، وهو في "مسند أحمد"(11317)، و"شرح مشكل الآثار"(1879)، و"صحيح ابن حبان"(5033).

ص: 193

الضُّبَعيُّ، قالا: حدثنا بَهْزُ بن حَكيمٍ، عن أبيه

عن جَدَّهِ، قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ بِشَيءٍ سَألَ: "أصَدَقةٌ هِي أم هَدِيَّةٌ؟ " فإنْ قالُوا: صَدَقةٌ، لم يأكُلْ، وإنْ قالُوا: هَدِيَّةٌ، أكَلَ

(1)

.

وفي البابِ عن سَلمانَ، وأبي هُريرةَ، وأنَسٍ، والحَسنِ بن عَليًّ، وَأبي عَمِيرَةَ جَدِّ مُعَرِّفِ بن وَاصِلٍ، وَاسمُهُ: رُشَيْدُ بن مَالكٍ، وَمَيْمُونٍ أو

(2)

مِهْرَانَ، وابنِ عَبّاس، وَعَبدِ اللهِ بن عَمْرٍو، وأبي رَافعٍ، وعَبدِ الرحْمنِ بن عَلقمةَ.

وقد رُوِي هذا الحديثُ أيْضًا عن عَبد الرَّحمنِ بن عَلقَمةَ، عن عَبد الرَّحمنِ بن أبي عَقِيلٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

وَجَدُّ بَهْزِ بن حَكِيمِ اسْمُهُ: مُعَاويةُ بن حَيْدَةَ القُشَيْرِيُّ.

حديثُ بَهْزِ بن حَكِيمٍ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.

663 -

حَدَّثَنا محمدُ بن المُثَنَّى، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن جَعْفرٍ، قَال:

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، بهز بن حكيم بن معاوية وأبوه صدوقان.

وأخرجه النسائي 5/ 107، وهو في "مسند أحمد"(20055).

(2)

في (ب) وحدها: "ابن"، وهو خطأ، وميمون هذا أو مهران: هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى حديثه أحمد في "المسند" (16399): أنه مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "يا ميمون - أو يا مهران - إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا، ولا نأكل الصدقة".

ص: 194

حَدَّثَنا شُعبةُ، عن الحَكمِ، عن ابن أبي رَافعٍ

عن أبي رَافعٍ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعثَ رَجلًا من بَنِي مخْزُومٍ على الصَّدَقةِ، فقال لأبي رَافِع: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا. فقال: لا، حَتّى آتِيَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأسألَهُ. فانْطَلقَ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَسألهُ، فقال: "إنَّ الصَّدَقةَ لا تَحِلُّ لَنا، وَإنَّ مَوالِيَ

(1)

القَوْمِ من أنْفُسِهِم

(2)

"

(3)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وأبو رَافِعٍ مَوْلَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْمُهُ: أسْلَمُ، وابن أبي رَافِعٍ: هو عُبَيدُ اللهِ بن أبي رَافِعٍ كَاتِبُ عَليِّ بن أبي طَالِبٍ.

‌26 - باب ما جاء في الصَّدَقَةِ على ذِي القرَابَةِ

664 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن عَاصمٍ الأحْولِ، عن حَفْصةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عن الرَّبَابِ

عن عَمَّهَا سَلْمَانَ بن عَامِرٍ، يَبْلُغُ بهِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا أفْطَرَ أحَدُكُمْ، فَلْيُفْطِرْ على تَمْرٍ، فَإنَّهُ بَركةٌ، فَإنْ لم يَجِدْ تَمْرًا فَالمَاءُ، فإنَّهُ طَهُورٌ".

(1)

في (ب) وحدها: "مولى".

(2)

في (أ) ونسخة في (ظ) ونسخة في (ب): "منهم".

(3)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1650)، والنسائي 5/ 107، وهو في "مسند أحمد"(23872)، و"شرح مشكل الآثار"(4390)، و"صحيح ابن حبان"(3293).

ص: 195

وقال: "الصَّدَقةُ على المِسْكِينِ صَدَقةٌ، وَهِي على ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقةٌ وَصِلَةٌ"

(1)

.

وفي البابِ عن زَينَبَ امْرَأةِ عَبد اللهِ بن مَسْعودِ، وَجَابرِ، وأبي هُريرةَ.

حديثُ سَلْمَانَ بن عامرٍ حديثٌ حَسَنٌ

(2)

.

والرَّبَابُ هِيَ: أُمُّ الرَّائِحِ ابنة صُلَيْعٍ.

وهكذا رَوَى سُفيانُ الثَّوْرِيُّ، عن عَاصِمٍ، عن حَفْصةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عن الرَّبَابِ، عن عمها سَلْمانَ بن عَامرٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هذا الحديثِ.

وَرَوَى شُعبةُ، عن عَاصمٍ، عن حَفْصةَ ابنة سِيرِينَ، عن سَلْمَانَ

(1)

الشطر الثاني من الحديث، وهو قوله:"الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة" صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرّباب، تفردت عنها بالرواية حفصة بنت سيرين، ولم يوثقها غير ابن حبان.

وأخرجه مقطعًا ومختصرًا أبو داود (2355)، وابن ماجه (1699) و (1844)، والنسائي في "الكبرى"(2363) و (3320)، وفي "المجتبى" 5/ 92.

والإفطار على التمر أو على الماء عند عدمه ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس كما سيأتي عند المصنف برقم (705).

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة" شواهد بسطناها في "مسند أحمد" برقم (16226).

(2)

كذا قال هنا، وسيرد الحديث عنده برقم (704)، وقال فيه:"حسن صحيح".

ص: 196

ابن عَامرٍ. ولم يَذْكُرْ فِيهِ: عن الرَّبَابِ.

وحديثُ سُفيانَ الثَّوْرِيِّ وابن عُيَيْنةَ أصَحُّ، وهكذا رَوَى ابن عَوْنٍ وَهِشَامُ بن حَسَّان، عن حَفْصةَ ابنة سِيرِينَ، عن الرَّبَابِ، عن سَلْمانَ بن عَامرٍ.

‌27 - باب ما جاء أنَّ في

(1)

المَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكاةِ

665 -

حَدَّثَنا محمدُ بن أحمدَ بن مَدُّويَهْ، قَال: حَدَّثَنا الأسْوَدُ بن عَامرٍ، عن شَرِيكٍ، عن أبي حمزةَ، عن الشَّعْبِيَّ

عن فاطِمةَ ابنة قَيْسٍ، قالت: سَألْتُ أوْ سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الزَّكَاةِ، فقال:"إنّ في المَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ" ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيةَ الَّتي في البقرة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} الآية

(2)

[البقرة: 177].

(1)

في (ب): "باب ما جاء في المال حق".

(2)

إسناده ضعيف، شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - سيّئ الحفظ، وأبو حمزة - وهو ميمون الأعور - ضعيف، وقد اضطُرب في متنه كما سيأتي:

فأخرجه بلفظ المصنف الدارمي (1637)، والطبري في "تفسيره" 2/ 96 والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 27، وابن عدي في "الكامل" 4/ 1328، والدارقطني 2/ 125 من طريق شريك، عن أبي حمزة - وبعضهم لم يسمّه - عن الشعبي، عن فاطمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه ابن ماجه (1789) عن علي بن محمد بن إسحاق، عن يحيي بن آدم، عن شريك، به بلفظ:"ليس في المال حق سوى الزكاة"، وهو خطأ.

وقد صح عن الشعبي من قوله عند الطبري في "تفسيره" 2/ 96 عن أبي كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا: حدثنا هُشَيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم وابن أبي =

ص: 197

666 -

حَدَّثَنا عبد اللهِ بن عَبد الرحمنِ، قال: أخبرنا محمدُ بن الطُّفيْلِ، عن شَرِيكٍ، عن أبي حَمْزةَ، عن عَامرٍ الشَّعْبِيَّ.

عن فَاطِمةَ بِنْتِ قَيْسٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إنَّ في المَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ"

(1)

.

هذا حديثٌ إسْنادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ، وأبو حَمْزةَ مَيْمُونٌ الأعْوَرُ يُضَعَّفُ.

وَرَوَى بَيانٌ وَإسماعيلُ بن سَالمٍ، عن الشَّعْبيَّ هذا الحديثَ قَوْلَهُ. وهذا أصَحُّ.

‌28 - باب ما جاء في فَضْلِ الصَّدَقةِ

667 -

حدثنا قُتيبةُ، قال: حدثنا اللَّيْثُ، عن سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن سَعيدِ بن يَسارٍ:

أنَّه سَمِعَ أبا هُريرةَ يقولُ: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما تَصَدَّقَ أحدٌ بصَدَقةٍ من طَيَّبٍ - ولا يَقْبلُ الله إلا الطَّيَّبَ - إلَّا أخَذَها الرّحمنُ بِيَمينِه، وإنْ كَانت تَمْرةً، تَرْبُو في كَفِّ الرَّحمنِ حتَّى تَكُونَ أعْظَمَ

= شيبة 3/ 191 عن محمد بن فضيل، عن بيان بن بشر الأحمسي، كلاهما عن الشعبي سمعته يُسأل: هل على الرجل حق في ماله سوى الزكاة؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة: 177] وهذا إسناد صحيح.

وصح الحديث موقوفًا على ابن عمر عند ابن أبي شيبة 3/ 191 أنه قال لقزعة بن يحيى: "

ولكن في مالك حق سوى ذلك يا قزعة".

(1)

ضعيف كسابقه.

ص: 198

من الجَبلِ، كَما يُرَبَّي أحدُكُمْ فَلُوَّه أو فَصِيلَه"

(1)

.

وفي البابِ عن عائشةَ، وعَديَّ بن حاتِمٍ، وأنَسٍ، وعَبد اللهِ بن أبي أوْفَى، وَحَارثةَ بن وَهْبٍ، وعَبد الرَّحمنِ بن عَوْفٍ، وَبُريْدةَ.

حديثُ أبي هُريرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

668 -

حدثنا محمدُ بنُ إسماعيل، قال: حدثنا موسى بنُ إسماعيل، قال: حدثنا صَدَقةُ بن موسى، عن ثابتٍ

عن أنسٍ قال: سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصَّومِ أفضلُ بعد رمضانَ؟ قال: "شعبان لِتعظيمِ رمضانَ". قال: فأيُّ الصَّدَقةِ أفضلُ؟ قال: "صدَقةٌ في رمضانَ"

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1410) و (7430)، ومسلم (1014)، وابن ماجه (1842)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 57، وفي "الكبرى"(7335) و (7759)، وهو في "المسند"(8381) و (10945)، و"صحيح ابن حبان"(270) و (3316) و (3319).

قوله: "فُلُوَّه"، الفُلُوُّ: المُهْر.

(2)

إسناده ضعيف لضعف صدقة بن موسى.

وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(1778) من طريق المصنف، بهذا الإسناد.

وأخرجه مختصرًا الطحاوي 2/ 83 عن ابن أبي داود، عن موسى بن إسماعيل، عن صدقة بن موسى، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 103، وأبو يعلى (3431)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 83، والبيهقي في "الشعب"(3819) من طريق يزيد بن هارون، عن صدقة بن موسى، به.

وأخرج أحمد في "مسنده"(13403) من طريق أنس بن سيرين، عن أنس، =

ص: 199

هذا حديثٌ غريب، وصَدَقةُ بنُ موسى ليسَ عندَهم بذاكَ القويِّ.

669 -

حدثنا عُقبةُ بنُ مُكْرَمٍ البَصْريُّ، قال: حدثنا عبدُ الله بنُ عيسى الخَزَّاز، عن يونُسَ بنِ عُبَيدٍ، عن الحسن

عن أنس بنِ مالكٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لتُطفئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وتَدفعُ مِيتَةَ السُّوءِ"

(1)

.

= وفيه: وكان أحب الصوم إليه في شعبان. وإسناده ضعيف أيضًا.

وفي باب كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم في شعبان عن أسامة بن زيد عند أحمد في "المسند"(21753)، وفيه: قال: قلت: ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان! قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". وإسناده حسن.

وعن عائشة عند أحمد أيضًا (24116)، وفيه: ما رأيته صام شهرًا أكثر من صيامه في شعبان، كان يصومه إلا قليلًا". وإسناده صحيح.

وعن أم سلمة عنده أيضًا (26517): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان ورمضان. وهو حديث صحيح.

وفي باب الصدقة في رمضان عن ابن عباس عند البخاري (6)، ومسلم (2308): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، قال: فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة. وهو في "مسند أحمد"(2616).

(1)

إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن عيسى الخَزَّاز، وعنعنة الحسن، وهو البصري.

وأخرجه من طريق المصنف البغويُّ في "شرح السنة"(1634). وهو في "صحيح ابن حبان"(3309).

وله طريقان آخران ضعيفان لا يفرح بهما عند العقيلي في "الضعفاء"، والقضاعي =

ص: 200

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.

670 -

حدثنا أبو كُرَيْبٍ محمدُ بن العَلاءِ، قال: حدثنا وَكيعٌ، قال: حدثنا عَبَّادُ بن مَنصُورٍ، قال: حدثنا القاسِمُ بن محمدٍ، قال:

سَمعْتُ أبا هُريرةَ يقولُ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يَقْبَلُ الصّدَقةَ ويأخُذُها بيَمينه، فَيُرَبَّيها لأحَدكُم كَما يُربِّي أحدُكم مُهْرَه، حتَّى إنَّ اللُّقْمةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ، وَتَصْدِيقُ ذلك في كِتابِ اللهِ عز وجل: {هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] و {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} "

(1)

[البقرة: 276].

هذا حديثٌ صحيحٌ

(2)

.

وقد رُوِي عن عائشةَ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَحوُ هذا

(3)

.

= في "مسند الشهاب"، انظر ابن حبان.

(1)

حديث صحيح دون قوله: "وتصديق ذلك .. إلخ"، فقد تفرد بها عباد بن منصور الناجي، وفيه لين. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 3/ 280: إنه وقع التصريح بأن تلاوة الآية من كلام أبي هريرة في رواية ابن جرير. قلنا: لم نجده في "تفسيره" المطبوع، وعلى تقدير أن ذلك من كلام أبي هريرة، فيبقى في الطريق إليه عباد بن منصور، وهو كما عرفت.

وأخرجه بهذه الزيادة ابن أبي شيبة 3/ 111 - 112، وابن خزيمة (2427)، والطبري في "تفسيره" 3/ 105 و 11/ 20، والبغوي (1630). وهو في "مسند أحمد"(7634) و (10088).

(2)

في المطبوع و"تحفة الأشراف" وشرح المباركفوري: "حسن صحيح"، والمثبت من أصولنا الخطية.

(3)

أخرجه أحمد (26135)، وابن حبان (3317)، وهو حديث صحيح.

ص: 201

وقد قال غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ في هذا الحديثِ وما يُشْبهُ هذا من الرِّواياتِ من الصِّفاتِ، ونُزولِ الرَّبَّ تبارك وتعالى كُلّ لَيْلة إلى السَّماء الدُّنيا، قالُوا: قد ثَبَتت الرَّواياتُ في هذا، ويُؤْمَنُ بِها ولا يُتوَهَّمُ، ولا يُقالُ: كَيفَ؟

هكذا رُوِي عن مالكٍ، وسُفيانَ بن عُيينةَ، وعَبد الله بن المُبَارَكِ أنهم قالوا في هذه الأحاديثِ: أمِرُّوها بِلا كَيفٍ. وهكذا قولُ أهلِ العلمِ من أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ، وأمَّا الجَهميّةُ فأنْكَرَتْ هذِهِ الرِّوايات، وقالُوا: هذا تَشْبِيهٌ.

وقد ذكَرَ اللهُ تبارك وتعالى في غيرِ مَوْضِعٍ مِن كِتابِه: اليَدَ والسَّمْعَ والبَصَرَ، فتأوَّلت الجَهْميّةُ هذِهِ الآياتِ ففَسَّرُوها على غيرِ ما فَسَّرَ أهلُ العلم، وقالوا: إنّ اللهَ لم يَخْلُقْ آدَمَ بِيَدِه، وقالُوا: إنَّ مَعنى اليَدِ هَا هنا القُوَّةُ.

وقال إسحاقُ بن إبراهيمَ: إنّما يكُونُ التَّشْبيهُ إذا قال: يَدٌ كَيَدٍ أو مِثْلُ يَدٍ، أو سَمْعٌ كَسَمْعٍ أو مِثْلُ سَمْعٍ، فإذا قال: سَمْعٌ كَسَمْعٍ أو مِثْلُ سَمْعٍ، فَهذا التّشْبِيهُ.

وأمَّا إذا قال كَما قال اللهُ تَعالى: يَدٌ وسَمْعٌ وبَصَرٌ، ولا يقولُ كَيفَ ولا يقولُ مِثلُ سَمْع ولا كَسَمْعٍ، فهذا لا يكون تَشْبِيهًا، وهو كما قال اللهُ تَعالى في كِتابِه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

ص: 202

‌29 - باب ما جاء في حَقَّ السَّائِلِ

671 -

حدثنا قُتيبةُ، قال: حدثنا اللّيْثُ بن سعد، عن سَعيدِ بن أبي سَعيدٍ

(1)

، عن عبد الرَّحمنِ بن بُجَيْدٍ

عن جَدَّتِه أُمَّ بُجَيْد - وكانتْ مِمّنْ بايعَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنّها قالت لرَسُولِ الله: إنّ المِسْكِينَ ليَقُومُ على بابِي فَما أجدُ له شَيئًا أُعْطِيهِ إيَّاهُ. فقال لها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ لم تَجِدي له شَيئًا تُعطيه إيّاه إلا ظِلْفًا مُحْرَقًا، فَادْفَعيه إليه في يَدِه"

(2)

.

وفي البابِ عن عليًّ، وحسينِ بن عليًّ، وأبي هُريرةَ، وأبي أُمامَةَ.

حديثُ أُمَّ بُجَيْدٍ حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ.

‌30 - باب ما جاءَ في إعطَاءِ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم

672 -

حدثنا الحَسنُ بنُ عَليًّ الخَلَّالُ، قال: حدثنا يحيى بن آدَمَ، عن

(1)

في (أ) و (ب) و (ظ) و (س) وشرح المباركفوري: سعيد بن أبي هند، والمثبت من (د) ونسختين بهامشي (ب) و (ظ) ومصادر التخريج، وهو الصواب.

(2)

إسناده حسن، وأخرجه أبو داود (1667)، والنسائي 5/ 86. وهو في "المسند" (27148) و (27149)، و"صحيح ابن حبان" (3373).

والظلف في اللغة: الظفر من ذوي الأظلاف كالغنم والبقر.

وقوله: "ولو ظلفًا مُحْرقًا"، المراد: المبالغة في إعطائه بما أمكن، وإلا فالظلف المحرق ليس فيه كثير نفع، والله أعلم. قاله السندي في حاشيته على "مسند أحمد".

ص: 203

ابن المُبَارَكِ، عن يُونسَ بن يزيد، عن الزُّهْريِّ، عن سَعيدِ بن المُسَيّبِ

عن صَفْوَانَ بن أُمَيّةَ، قال: أعْطانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ، وإنَّه لأبْغَضُ الخَلْقِ إلَيَّ، فما زالَ يُعْطِيني حتَّى إنَّه لأحَبُّ الخَلْقِ إليَّ

(1)

.

حَدَّثَنِي الحَسنُ بن عَليًّ، بِهذا أو شِبْهه، في المذاكرة.

وفي البابِ عن أبي سَعيدٍ.

حديثُ صَفْوَانَ رواهُ مَعمَرٌ وغيرُه، عن الزُّهريِّ، عن سَعيدِ بن المُسَيّبِ: أنّ صَفْوَانَ بن أُمَيةَ، قال: أعطَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. وكأنّ هذا الحديثَ أصَحُّ وأشْبَهُ، إنّما هو: سَعيدُ بن المسَيِّبِ أن صَفْوَانَ.

وقد اختَلفَ أهلُ العلمِ في إعطاءِ المُؤلّفَةِ قُلوبُهُمْ، فَرَأى أكثرُ أهلِ العلم أنْ لا يُعْطَوا، وقالُوا: إنما كانُوا قومًا على عهدِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يتألَّفُهُم على الإسلامِ حتى أسْلَموا، ولم يَرَوا أن يُعْطَوا اليومَ من الزَّكاةِ على مِثلِ هذا المعنى. وهو قولُ سُفيانَ الثَّورِيِّ، وأهلِ الكُوفَةِ وغَيرِهِم، وبهِ يَقولُ أحمدُ، وإسحاقُ.

وقال بَعضُهم: مَنْ كانَ اليومَ على مِثْلِ حالِ هؤُلاءِ، ورَأى الإمَامُ أنْ يتألَّفَهُم على الإِسلامِ فأعطَاهُم، جازَ ذَلكَ، وهو قولُ الشَّافِعِيَّ.

(1)

حديث صحيح، أخرجه مسلم (2313). وهو في "المسند"(15304)، و"صحيح ابن حبان"(4828).

ص: 204

‌31 - باب ما جاء في المُتَصَدِّقِ يَرِثُ صَدَقَتهُ

673 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن حُجْرٍ، قَال: حَدَّثَنا عَليُّ بن مُسْهِرٍ، عن عَبد الله بنِ عَطَاءٍ، عن عَبدِ اللهِ بن بُرَيْدَةَ

عن أبيهِ، قال: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ أتَتْهُ امْراةٌ، فقالت: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّي كُنْتُ تَصَدَّقْتُ على أُمَّي بجَارِيةٍ، وإنّهَا مَاتتْ. قال:"وَجَبَ أجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلْيكِ الميرَاثُ". قالت: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّه كانَ عَليْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفَأصومُ عَنْهَا؟ قال:"صُومِي عَنْهَا". قالت: يَا رَسُولَ اللهِ إنها لم تَحُجَّ قَطُّ، أفأَحُجُّ عَنْهَا؟ قال:"نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، لا يُعْرَفُ مِن حديثِ بُرَيْدةَ إلَّا من هذا الوَجْهِ، وَعَبدُ اللهِ بن عَطاء ثِقةٌ عِنْدَ أهْلِ الحديثِ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أكْثرِ أهْلِ العلمِ، أنَّ الرَّجُلَ إذا تَصَدَّقَ بِصَدقَةٍ، ثُمَّ وَرِثَهَا، حَلّتْ لهُ.

وقال بَعْضُهمْ: إنّما الصَّدَقَةُ شَيْءٌ جَعَلَها للهِ، فَإذا وَرِثهَا فَيَجِبُ أنْ يَصْرِفَهَا في مِثْلِهِ.

وَرَوَى سُفيانُ الثَّوْرِيُّ وَزُهَيْر بنُ معاويةَ هذا الحديثَ عن

(1)

حديث صحيح، وأخرجه بتمامه ومقطعًا مسلم (1149)، وأبو داود (1656) و (2877) و (3309)، وابن ماجه (1759) و (2394)، والنسائي في "الكبرى"(6314 - 6317). وهو في "المسند"(22956).

وسيأتي عند المصنف مختصرًا بقطعة الحج برقم (948).

ص: 205

عَبد اللهِ بن عَطَاءٍ.

‌32 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ العَوْدِ في الصَّدَقَةِ

674 -

حَدَّثَنا هارُونُ بنُ إسحاقَ الهَمْدَانِيُّ، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ الرَّزَّاق، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيَّ، عن سَالمٍ، عن ابن عُمَرَ

عن عُمر: أنَّهُ حَمَلَ على فَرَس في سَبيلِ اللهِ، ثُمَّ رَآها تُبَاعُ، فأرَادَ أن يَشْترِيَها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا تَعُدْ في صَدَقتِكَ"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أكْثرِ أهْلِ العلمِ.

‌33 - باب ما جاء في الصَّدَقَةِ عن المَيِّتِ

675 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا رَوْحُ بن عُبَادةَ، قَال: حَدَّثَنا زَكَرِيّا بن إسْحاقَ، قَال: حَدَّثَنِي عَمْرُو بن دِينَارٍ، عن عِكْرِمةَ

عن ابن عَبَّاس: أن رجُلًا قال: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ أُمِّي تُوُفَّيَتْ، أَفَيَنْفَعُها إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قال:"نَعَمْ"، قال: فإنَّ لِي مَخْرَفًا، فأُشْهِدُكَ أني قد تَصَدَّقْتُ بهِ عَنْهَا

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه بتمامه ومختصرًا البخاري (1489) و (2970)، ومسلم (1620) و (1621)، وابن ماجه (2390) و (2392) والنسائي 5/ 108 و 109. وهو في "مسند" أحمد (166) و (258)، و"صحيح ابن حبان" (5125).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2756) و (2762) و (2770)، وأبو داود (2882)، والنسائي 6/ 252 و 252 - 253. وهو في "مسند أحمد" (3080) =

ص: 206

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

وَبهِ يَقولُ أهْلُ العلمِ، يَقُولون: لَيْسَ شَيْءٌ يَصِلُ إلى المَيِّتِ إلا الصَّدَقةُ والدُّعَاءُ

(1)

.

وقد روى بعضُهم هذا الحديث عن عمرو بن دينارٍ، عن عِكرِمة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا

(2)

.

وَمَعْنَى قَوْلهِ: إنَّ لِي مَخْرَفًا، يَعْني: بُسْتانًا.

‌34 - باب ما جاء في نَفَقةِ المَرْأةِ من بَيْتِ زَوْجِهَا

676 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ، قَال: حَدَّثَنا شُرَحْبِيلُ بن مُسْلمٍ الخَوْلانِيُّ

عن أبي أُمامَةَ البَاهِليِّ، قال: سَمعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول في خُطْبَتهِ عَامَ حَجَّةِ الوَداعِ: "لا تُنْفِقُ امْرَأةٌ شَيْئًا من بَيْتِ زَوْجِهَا إلا بإذْنِ زَوْجهَا"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا الطَّعَامَ؟ قال:"ذلكَ أفْضلُ أمْوالِنا"

(3)

.

= و (3504). وسُمي الرجلُ في بعض الروايات سعدَ بنَ عُبادة.

(1)

فيه نظر، فقد قال بوصول ثواب العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف، وقال السيوطي في "شرح الصدور". اختلف في وصول ثواب القرآن للميت، فجمهور السلف والأئمة الثلاثة على الوصول، وخالف في ذلك إمامنا الشافعي.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (16338).

(3)

حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل إسماعيل بن عيَّاش، فهو =

ص: 207

وفي البابِ عن سعْدِ بن أبي وَقاصٍ، وَأسماءَ ابنةِ أبي بَكْرٍ، وأبي هُريرةَ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرٍو، وَعَائشةَ.

حديثُ أبي أُمامَةَ حديثٌ حَسَنٌ.

677 -

حَدَّثَنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن جَعْفَرٍ، قَال: حَدَّثَنا شُعبةُ، عن عَمْرِو بن مُرَّةَ، قال: سَمعتُ أبا وَائلٍ يُحَدِّثُ

عن عَائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال:"إذا تَصَدَّقَتِ المَرْأةُ من بَيْتِ زَوْجِها، كانَ لهَا بهِ أجْرٌ، وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذلكَ، وَلِلخَازِنِ مِثْلُ ذلِكَ، وَلا يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ من أجْرِ صَاحِبهِ شَيْئًا، لهُ بِمَا كَسبَ، وَلهَا بِمَا أنْفَقَتْ"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

678 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا المُؤَمَّلُ، عن سَفيانَ، عن مَنْصُورٍ، عن أبي وَائلٍ، عن مَسْروقٍ

عن عَائشةَ، قالت: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا أعْطتِ المَرْأةُ من

= صدوق حسن الحديث في روايته عن الشاميين، وهذا منها.

وأخرجه أبو داود (3565)، وابن ماجه (2295). وهو في "مسند أحمد"(22294). وسيأتي ضمن حديث مطول برقم (2253).

وله شاهد من حديث ابن عمر، أخرجه أحمد (6681)، وفيه تتمة تخريجه وشواهده.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1437) و (1439 - 1441) و (2065)، ومسلم (1024)، وابن ماجه (2294)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 65، وفي "الكبرى"(9109). وهو في "مسند أحمد"(24171)، و"صحيح ابن حبان"(3358).

ص: 208

بَيْتِ زَوْجِهَا بطِيبِ نَفْسٍ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كانَ

(1)

لَهَا مِثْلُ أجْرِهِ، لَهَا مَا نَوتْ حَسَنًا، وَلِلخَازِنِ مِثْلُ ذلِكَ"

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وهو أصَحُّ من حديثِ عَمْرِو بن مُرَّةِ، عن أبي وَائِلٍ، وَعَمْرُو بن مُرَّةَ لا يَذْكُرُ في حديثهِ: عن مَسْرُوق.

‌35 - باب ما جاء في صَدقَةِ الفِطْرِ

679 -

حَدَّثَنا محمودُ بنُ غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا وَكيعٌ، عن سُفيانَ، عن زَيْدِ بن أسْلمَ، عن عِيَاضِ بن عَبد اللهِ

عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ، قال: كُنَّا نُخْرِجُ زَكاةَ الفِطْرِ - إذْ كانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا من طَعَامٍ، أوْ صَاعًا من شَعيرٍ، أوْ صَاعًا من تَمْرٍ، أوْ صَاعًا من زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا من أقِطٍ، فلم نَزلْ نُخْرِجُهُ حتَّى قَدِمَ مُعَاويةُ المَدِينَةَ، فَتكلَّمَ، فَكانَ فِيمَا كلَّمَ بهِ النَّاسَ: إنِّي لأرَى مُدَّينِ من سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا من تَمْرٍ. قال: فَأخَذَ النَّاسُ بِذلكَ.

قال أبو سَعيدٍ: فَلا أزَالُ أُخْرِجُهُ كما كُنْتُ أُخْرِجُهُ

(3)

.

(1)

في (ب) و (د): "فإن"، والمثبت من باقي الأصول ونسخة بهامش (د).

(2)

سلف تخريجه في الذي قبله.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1505) و (1508)، ومسلم (985)، وأبو داود (1616 - 1618)، وابن ماجه (1829)، والنسائي 5/ 51 - 53. وهو في "مسند أحمد" (11182) و (11932)، و"صحيح ابن حبان" (3305). =

ص: 209

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِندَ بَعْضِ أهلِ العلمِ؛ يَرَونَ من كُلَّ شَيءٍ صَاعًا، وهو قَولُ الشَّافِعِيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقال بَعضُ أهلِ العلمِ مِن أصحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيرِهِم: من كُلِّ شَيءٍ صَاعٌ إلَّا من البُرِّ، فإنّهُ يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ، وهو قَولُ سُفيانَ الثّورِيِّ، وابن المُبَارَكِ.

وأهلُ الكُوفَةِ يَرَوْنَ نِصْفَ صَاعٍ من بُرٍّ.

680 -

حَدَّثَنا عُقْبةُ بنُ مُكْرَمٍ البَصْرِيُّ، قَال: حَدَّثَنا سَالمُ بن نُوحٍ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ

عن جَدِّهِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُنَاديًا في فِجَاجِ مَكّةَ: "ألا إنَّ صَدَقةَ الفِطرِ وَاجبةٌ على كُلِّ مُسْلمٍ: ذَكَرٍ أو أُنْثى، حُرٍّ أو عَبدٍ، صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ: مُدّانِ من قَمحٍ أو سِوَاهُ، صَاعٌ من طَعَامٍ"

(1)

.

= قوله: "سمراء الشام"، أي: القمح الشامي. وللكلام على فقه الحديث انظر لزامًا تعليقنا على الحديث (11932) في "المسند".

(1)

إسناده ضعيف، سالم بن نوح فيه مقال، وابن جريج قال البخاري فيما نقل عنه الترمذي في "علله الكبير" 2/ 325: لم يسمع من عمرو بن شعيب.

وأخرجه الدارقطني 2/ 141 من طريق إسحاق بن بهلول، عن سالم بن نوح، بهذا الإسناد.

وأخرجه الدارقطني 2/ 142 من طريق علي بن صالح، عن ابن جريج، به. وزاد:"حاضر أو باد".

وأخرجه الدارقطني 2/ 141، ومن طريقه البيهقي 4/ 172 من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن ابن جريج قال: قال عمرو بن شعيب: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر =

ص: 210

هذا حديثٌ غريبٌ حسن

(1)

وَرَوَى عُمرُ بن هارونَ هذا الحديثَ، عن ابن جُرَيْج، وقال: عن العَبَّاسِ بن مِينَا، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكرَ بَعْضَ هذا الحديثِ.

681 -

حَدَّثَنا جَارُود، قَال: حَدَّثَنا عُمرُ بن هارونَ هذا الحديثَ

(2)

.

682 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أيُّوبَ، عن نَافعٍ

عن ابن عُمرَ، قال: فَرضَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقةَ الفِطرِ على الذّكَرِ والأنْثَى، وَالحُرِّ والمَملُوكِ، صَاعًا من تَمْرٍ، أو صَاعًا من شَعيرٍ، قال: فعدَلَ النّاسُ إلى نِصْفِ صَاعٍ من برٍّ

(3)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وفي البابِ عن أبي سَعيدٍ، وابن عَبَّاسٍ، وَجدِّ الحارثِ بن

= صارخًا .. فذكره.

وأخرجه عبد الرزاق (5800)، ومن طريقه الدارقطني 2/ 141 عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث صارخًا .. فذكره مرسلًا. وزاد فيه: حاضر أو باد.

(1)

في نسخة (ل): "حسن غريب"، والمثبت من سائر الأصول الخطية وشرح المباركفوري.

(2)

من قوله: "وروى عمر بن هارون"، إلى هنا أثبتناه من نسخة (ل) وحدها، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية، ولا في شرح المباركفوري.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1503)، ومسلم (984)، وأبو داود (1611 - 1614)، وابن ماجه (1825) و (1826)، والنسائي 5/ 46 - 49. وهو في "مسند أحمد" (4486)، و"صحيح ابن حبان" (3300 - 3304)، و"شرح مشكل الآثار" (3423 - 3427).

ص: 211

عَبد الرحمنِ بن أبي ذُبَابٍ، وَثَعْلبةَ بن أبي صُعَيْرٍ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرٍو.

683 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بن مُوسى الأنْصَارِيُّ، قال: حَدَّثَنا مَعْنٌ، قَال: حَدَّثَنا مَالكٌ، عن نَافِعٍ

عن عَبد اللهِ بن عُمرَ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرضَ زَكاةَ الفِطْرِ من رَمضَانَ صَاعًا من تَمْرٍ، أو صَاعًا من شَعِيرٍ، على كُلِّ حُرٍّ أو عَبْدٍ، ذَكَرٍ أو أُنْثَى من المُسْلِمينَ

(1)

.

حديثُ ابن عُمرَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

رواه مَالكٌ، عن نَافعٍ، عن ابن عُمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَ حديثِ أيُّوبَ، وَزادَ فِيهِ: من المُسْلِمينَ.

وَرَوَاهُ غَيرُ وَاحدٍ عن نَافعٍ، ولم يَذْكُروا فِيهِ: من المُسْلِمينَ

(2)

.

وَاخْتَلفَ أهْلُ العلمِ في هذا، فقال بَعْضُهمْ: إذا كانَ لِلرَّجُلِ عَبِيدٌ غَيرُ مُسْلِمينَ، لم يُؤَدِّ عَنْهُمْ صَدقةَ الفِطْرِ، وهو قوْلُ مَالكٍ، والشَّافِعِيِّ، وَأحمدَ.

وقال بَعْضُهُمْ: يُؤَدِّي عَنْهُمْ، وَإنْ كانُوا غَيْرَ مُسْلِمينَ، وهو

(1)

إسناده صحيح، وانظر ما قبله.

(2)

لم ينفرد مالك بهذه الزيادة، بل تابعه عليها عُبيد الله بن عمر، ويونس بن يزيد، وعمر بن نافع، والمعلى بن إسماعيل، انظر تخريج هذه الطرق في "المسند"(5303) و (5339)، و"صحيح ابن حبان"(3303) و (3304)، و"شرح المشكل"(3424) و (3427).

ص: 212

قَوْلُ الثّوْرِيِّ، وابن المُبَاركِ، وَإسحاقَ.

‌36 - باب ما جاء في تَقْدِيمِهَا قَبْلَ الصَّلاةِ

684 -

حَدَّثَنا مُسْلمُ بنُ عَمْرِو بن مُسْلمٍ أبو عَمْرٍو الحَذَّاءُ المدينيُّ، قَال: حَدَّثَني عَبدُ اللهِ بن نَافعٍ، عن ابن أبي الزِّنَادِ، عن موسى بن عُقْبةَ، عن نَافعٍ

عن ابن عُمرَ: أنّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يأمُرُ بِإخْرَاجِ الزّكاةِ قَبْلَ الغُدُوِّ لِلصَّلاةِ يَوْمَ الفِطْرِ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ.

وهو الّذي يَسْتَحِبُّهُ أهْلُ العلمِ: أن يُخْرِجَ الرَّجُلُ صَدَقةَ الفِطْرِ قَبْلَ الغُدُوِّ إلى الصَّلاةِ

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1503) و (1509)، ومسلم (986)، وأبو داود (1610)، والنسائي 5/ 48 و 54. وهو في "المسند" (5345)، و"صحيح ابن حبان" (3299) و (3303).

(2)

ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين، لقول ابن عمر رضي الله عنه: كانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، أخرجه البخاري في "صحيحه"(1511) وهو قول أحمد ومالك، وقال بعض الحنابلة: يجوز تعجيلها من بعد نصف شهر رمضان.

وقال الشافعي: يجوز دفعها من أول شهر رمضان، لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وُجِدَ أحد السببين جاز تعجيلها، كزكاة المال بعد النصاب.

وجاء في "اختصار اختلاف العلماء" للرازي 1/ 476: قال أصحابنا - يعني الأحناف - ومالك والشافعي: يجوز تعجيلها قبل طلوع فجر يوم الفطر، وقال مالك والشافعي: بيوم أو يومين، وروي عن ابن عمر مثله.

ص: 213

‌37 - باب ما جاء في تَعْجِبلِ الزَّكاةِ

685 -

حَدَّثَنا عَبدُ اللهِ بن عَبد الرحمنِ، قال: أخبرنا سَعيدُ بن مَنْصُورٍ، قَال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بن زَكَرِيّا، عن الحَجَّاجِ بن دِينَارٍ، عن الحَكَمِ بن عُتَيْبةَ، عن حُجيَّةَ بنِ عَدِيٍّ

عن عَليٍّ: أنّ العَبَّاسَ سَألَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في تَعْجِيلِ صَدَقَتهِ قَبْلَ أن تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لهُ في ذلكَ

(1)

.

686 -

حَدَّثَنا القَاسمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفيُّ، قال: حَدَّثَنا إسحاقُ بن مَنْصُورٍ، عن إسرائيلَ، عن الحَجَّاجِ بن دِينَارٍ، عن الحَكَمِ بن جَحْلٍ، عن حُجْرٍ العَدوِيِّ

عن عَليٍّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال لِعُمَرَ:"إنّا قد أخَذْنا زَكاةَ العَبَّاسِ عَامَ الأوَّل للْعَامِ"

(2)

.

وفي البابِ عن ابن عَبَّاسٍ.

لا أعْرِفُ حديثَ تَعْجِيلِ الزَّكاةِ من حديثِ إسرائيلَ، عن الحَجَّاجِ بن دِينَارٍ، إلا من هذا الوَجْهِ.

وحَديثُ إسماعيلَ بن زَكَريّا، عن الحَجَّاجِ عِنْدِي أصَحُّ من حديثِ إسرائيلَ، عن الحَجَّاجِ بن دِينَارٍ.

وقد رُوِي هذا الحديثُ، عن الحَكَمِ بن عُتَيْبَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

حديث حسن، وأخرجه أبو داود (1624)، وابن ماجه (1795). وانظر "مسند أحمد"(822).

(2)

حديث حسن، وأخرجه الدارقطني 1/ 124.

ص: 214

مُرْسَلًا

(1)

.

وقد اخْتَلفَ أهْلُ العلمِ في تَعْجيلِ الزّكاةِ قَبْلَ مَحلِّهَا، فَرَأى طَائِفةٌ من أهْلِ العلمِ أنْ لا يُعَجِّلهَا، وَبهِ يَقولُ سُفيانُ الثَّوْريُّ، قال: أحَبُّ إلَيَّ أنْ لا يُعَجِّلهَا.

وقال أكْثَرُ أهْلِ العلمِ: إنْ عَجَّلهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا أجْزأتْ عَنهُ، وَبهِ يقولُ الشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وإسحاقُ

(2)

.

‌38 - باب ما جاء في النَّهْي عن المَسْألةِ

687 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن بَيانِ بنِ بِشْرٍ، عن قَيْسِ بنِ أبي حَازمٍ

عن أبي هُريرةَ، قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: "لأَنْ يَغْدُوَ أحَدُكُمْ، فَيَحْتَطِبَ على ظَهْرِهِ، فَيتَصدَّقَ مِنْهُ، ويَسْتَغْنيَ بهِ عن النَّاسِ، خَيْرٌ لهُ من أن يَسألَ رَجُلًا، أعْطَاهُ أو مَنعَهُ ذلكَ، فإنَّ اليَدَ العُلْيا

(1)

أخرج ابن سعد 4/ 26 عن يزيد بن هارون، عن الحجاج، عن الحكم بن عتيبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب على الصدقة، فأتى العباسَ يسأله صدقةَ ماله، قال: قد عجَّلتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة سنتين، فرافقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صدق عمي، قد تعجلنا منه صدقة سنتين".

وأخرج ابن سعد 4/ 26 عن الفضل بن دكين، عن إسرائيل، عن الحكم مرسلًا أيضًا نحوه، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قال:"تربت يداك، أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه، إن العباس سلفنا زكاة العام عام أول".

(2)

وهو قول الحنفية، انظر "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 455.

ص: 215

خيرٌ

(1)

من اليَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ"

(2)

.

وفي البابِ عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ، وَأبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، وَالزُّبَيْرِ بن العَوَّامِ، وَعطيَّةَ السَّعْدِيِّ، وَعَبد اللهِ بن مَسْعُودٍ، وَمَسعُودِ بن عَمْرٍو، وابن عَبَّاسٍ، وَثَوْبانَ، وَزِيادِ بن الحارثِ الصُّدَائيِّ، وَأنسٍ، وَحُبْشيِّ بن جُنَادةَ، وَقَبِيصةَ بن مُخَارِقٍ، وَسَمُرةَ، وابن عُمرَ.

حديثُ أبي هُريْرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ يُسْتَغرَبُ من حديثِ بَيانٍ عن قَيْسٍ.

688 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا وَكيعٌ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن عَبدِ الملكِ بن عُمَيْرٍ، عن زَيْدِ بن عُقْبةَ

عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنّ المَسألةَ كَدٌّ يَكُدُّ بهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، إلَّا أن يَسألَ الرَّجُلُ سُلْطانًا، أو في أمْرٍ لا بُدَّ مِنْهُ"

(3)

.

(1)

في نسخة (ل) وحدها: "أفضل"، وما أثبتناه من سائر أصولنا الخطية وشرح المباركفوري.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه بتمامه ومختصرًا البخاري (1470)، ومسلم (1042)، والنسائي 5/ 93 - 94 و 96. وهو في "مسند أحمد" (7317) و (10151)، وانظر "صحيح ابن حبان" (3387).

(3)

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن فقد تابع عبدَ الملك بن عمير معبدُ بن خالد - وهو ثقة - عند الطبراني (6768).

وأخرجه أبو داود (1639)، والنسائي 5/ 100. وهو في "المسند" (20106)، =

ص: 216

هذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ

= و"صحيح ابن حبان"(3386).

قوله: "كدٌّ يَكُدُّ بها الرجلُ وجهه"، قال ابن الأثير في "النهاية": الكدُّ: الإتعاب، يقال: كدَّ يكُدُّ في عمله كدًّا: إذا استعجَلَ وتعب، وأراد بالوجه ماءَه ورَوْنَقَه.

ص: 217

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(1)

‌أبواب الصوم

‌1 - باب ما جاء في فَضْلِ شَهْرِ رَمَضانَ

689 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ محمدُ بن العَلاءِ بن كُرَيْبٍ، قَال: حَدَّثَنا أبو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، عن الأعمَشِ، عن أبي صالحٍ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا كانَ أوَّلُ لَيْلةٍ من شَهْرِ رَمَضانَ، صُفِّدَتِ الشَّياطِينُ وَمَردةُ الجِنِّ، وَغُلِّقتْ أبْوَابُ النّارِ، فلم يُفتحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، فلم يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أقبِلْ، ويَا بَاغِيَ الشَّرِّ أقْصِرْ، وللهِ عُتَقَاءُ من النَّارِ، وَذلكَ كُلَّ ليْلةٍ"

(2)

.

(1)

كذا وقعت البسملة هنا في أول الكتاب في (ب)، ووقعت في سائر النسخ قبل الحديث الآتي.

(2)

حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر بن عياش، فمن رجال البخاري وهو صدوق حسن الحديث. وأخرجه ابن ماجه (1642)، وابن حبان (3435).

وأخرجه بنحوه النسائي 4/ 129. وهو في "مسند أحمد" (7148).

وأخرجه مختصرًا البخاري (1899)، ومسلم (1079)، والنسائي 4/ 126 - 129 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل رمضان فتِّحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين". وهو في "المسند"(7780).

ويشهد للحديث بتمامه دون قوله: "ولله عتقاء من النار .. إلخ" حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند النسائي 4/ 130، وهو في "المسند"(18794)، وفيه =

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= تمام تخريجه. وإسناده حسن.

وهذه القطعة الأخيرة أخرجها أحمد في "المسند"(7450) من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح بلفظ: "إن لله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة".

قوله: "صفدت الشياطين، ومردة الجن

" قال القاضي عياض في "شرحه"، ونقله عنه الحافظ في "الفتح" 4/ 114: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته، وأن ذلك كلَّه علامةٌ للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين، قال: ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم (1079) (2): "فتحت أبواب الرحمة"، قال: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات، وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات.

وقال التوربشتي شارح "المصابيح": فتح أبواب السماء كناية عن تنزل الرحمة، وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد، تارة ببذل التوفيق، وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش، والتخلص من البواعث عن المعاصي بقمع الشهوات.

وقوله: "وينادي منادٍ" قال السندي في حاشيته على "المسند": فإن قلت: ما فائدة هذا النداء مع أنه غير مسموع للناس؟ قلت: قد علم الناس به بإخبار الصادق، وبه يحصل المطلوب بأن يتذكَّر الإنسان كلَّ ليلةٍ بأنها ليلة المُناداة، فيتعظ بها.

"أقبل" أي: على فعل الخير، فهذا أوانك، فإنك تعطى جزيلًا بعمل قليل. "أقصر" من الإقصار بمعنى الكف، أي: أمسك وتُبْ، فإنه أوان قبول التوبة

ص: 220

وفي البابِ عن عَبدِ الرحمنِ بن عَوْفٍ، وابن مَسْعُودٍ، وَسَلْمانَ.

690 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا عَبْدةُ وَالمُحَارِبيُّ، عن محمدِ بن عَمْرٍو، عن أبي سَلمةَ

عن أبي هُريْرةَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من صَامَ رَمَضانَ وَقَامهُ إيمانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لهُ مَا تقَدَّمَ من ذَنْبهِ، ومن قامَ لَيْلةَ القَدْرِ إيمانًا وَاحْتِسابًا، غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذَنْبهِ"

(1)

.

هذا حديثٌ صحيحٌ

(2)

.

وحديثُ أبي هُريرةَ الَّذِي رَوَاهُ أبو بكْرِ بن عَيَّاشٍ، حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مثل رِوَايةِ أبي بكْرِ بن عَيَّاشٍ، عن الأعْمَشِ، عن

(1)

حديث صحيح، وأخرجه بتيامه ومقطعًا البخاري (35) و (37) و (38) و (1901)، ومسلم (759) و (760)، وأبو داود (1371) و (1372)، وابن ماجه (1326) و (1641)، والنسائي 3/ 201 و 202 و 4/ 155 و 156 و 157 و 8/ 117 و 118. وهو في "مسند أحمد" (7280)، و"صحيح ابن حبان" (3682).

قوله: "إيمانًا" قال السندي في حاشيته على "المسند": أي: لأجل الإيمان بالله ورسوله، أو للإيمان بافتراض رمضان.

"واحتسابًا" قال: أي: للإخلاص وطلب الأجر من الخالق تعالى، لا من الخلق.

وقال الخطابي في "أعلام الحديث" 1/ 169: قوله: "إيمانًا واحتسابًا" أي: نيةً وعزيمةً، وهو أن يصومه على وجه التصديق به، والرغبة في ثوابه، طيبةً نفسُه بذلك، غير كارهةٍ له، ولا مستثقلةٍ لصيامه، أو مستطيلةٍ لأيامه.

(2)

في (س) وشرح العراقي و"تحفة الأشراف": "حسن صحيح"، والمثبت من سائر أصولنا الخطية وشرح المباركفوري.

ص: 221

أبي صَالحٍ، عن أبي هُريرةَ، إلا من حديثِ أبي بكْرٍ.

691 -

وَسَألْتُ محمدَ بنَ إسماعِيلَ عن هذا الحديثِ، فقال: حَدَّثَنا الحَسنُ بن الرَّبِيعِ، قَال: حَدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن الأعْمشِ

عن مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: إذا كانَ أوَّلُ لَيْلةٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ، فَذَكَرَ الحديث.

قال محمدٌ: وَهذا أصَحُّ عِنْدِي من حديثِ أبي بكْرِ بن عَيَّاشٍ

(1)

.

‌2 - باب ما جاء لا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمٍ

692 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبْدةُ بن سُلَيْمانَ، عن محمدِ بن عَمْرٍو، عن أبي سَلمةَ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلا بِيَوْمَينِ، إلا أنْ يُوَافِقَ ذلِكَ صَوْمًا كانَ يَصُومُهُ أحَدُكُمْ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُم، فَعُدُّوا ثَلاثِينَ، ثمّ أفْطِروا"

(2)

.

(1)

وذكره أيضًا في "العلل الكبير" 1/ 330، وليس ذا بعلة تُضَعِّفُ متنَ الحديث، فإن له شاهدًا وطريقًا أخرى عن أبي هريرة، ذكرناهما عند تخريجه.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه بتمامه الإمام أحمد في "مسنده"(9654).

وأخرج الشطر الأول وحده البخاري (1914)، ومسلم (1082)، وأبو داود، (2335)، وابن ماجه (1650)، والنسائي 4/ 149 و 154. وهو في "المسند" (7200)، و"صحيح ابن حبان" (3586). =

ص: 222

وفي الباب عن بَعْضِ أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

رواه منصورُ بنُ المُعْتَمِر، عن رِبْعي بن حِرَاشٍ، عن بعضِ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا

(1)

(2)

.

حديثُ أبي هُريرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ كَرِهُوا أن يَتعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضانَ لِمَعْنَى رَمَضانَ، وَإن كانَ رَجُلٌ

= وأخرج الشطر الثاني وحده البخاري (1909)، ومسلم (1081)، وابن ماجه (1655)، والنسائي 4/ 133 و 133 - 134. وهو في "المسند" (7516)، و"صحيح ابن حبان" (3442) و (3592).

قوله: "لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين" قال السندي في حاشيته على "المسند": وهنا النهي حمله بعضهم على أن يكون بنية رمضانَ، أو لتكثير عدد صيامه، أو على صوم يوم الشك، ولا يخفى أن قوله:"ولا يومين" لا يناسب الحمل على الشك، إذ لا يقع الشك عادةً في يومين، والاستثناء بقوله:"إلا أن يوافق ذلك صومًا .. إلخ" لا يناسب التأويلات الأُوَل، إذ لازمه جواز صوم يوم أو يومين لمن يعتاد بنية رمضان مثلًا، وهذا فاسد، والوَجْه أن يُحمل النهيُ على الدوام، أي: لا تُدَاوموا على التقدم لما فيه من إيهام لُحُوق هذا الصوم برمضان إلا لمن يعتاد المداومة على صوم آخر الشهر، فإنه لو داوم عليه لا يُتوَهَّم في صومه اللحوق برمضان، والله تعالى أعلم. وانظر "الفتح" 4/ 128 - 129.

(1)

من قوله: "رواه منصور" إلى هنا أثبتناه من (د) و (س) و"النكت الظراف" 11/ 12 لابن حجر، وليس هو في سائر أصولنا الخطية، إلا أنه وقع في (د) و (س):"أخبرنا"، بدل:"رواه"، وقوله:"عن النبي صلى الله عليه وسلم" لم يرد في (س).

(2)

أخرجه النسائي 4/ 135 - 136. وهو في "مسند أحمد" (18825)، وفيه تمام تخريجه والكلام عليه.

ص: 223

يَصُومُ صَوْمًا فَوَافقَ صِيَامُهُ ذلكَ، فَلا بأسَ بهِ عِنْدَهُمْ.

693 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا وَكيعٌ، عن عَليِّ بن المُبَاركِ، عن يحيى بنِ أبي كَثيرٍ، عن أبي سَلمةَ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضانَ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ، بِيَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ، إلَّا أن يكُونَ رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيصُمْهُ"

(1)

.

هذا حديث حَسَنٌ صحيحٌ.

‌3 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ صَوْمِ يوْمِ الشَّكِّ

694 -

حَدَّثَنا أبو سعيدٍ عَبدُ اللهِ بن سَعيدٍ الأشَجُّ، قَال: حَدَّثَنا أبو خَالِدٍ الأحْمرُ، عن عَمرِو بن قَيْسٍ، عن أبي إسحاقَ، عن صِلَة بن زُفَرَ، قال:

كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بن يَاسِرٍ، فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْليَّةٍ، فقال: كُلُوا: فَتَنَحَّى بَعْضُ القَوْمِ، فقال: إنِّي صَائمٌ. فقال عَمَّارٌ: من صَامَ اليَوْمَ الّذِي يُشَكُّ فيهِ، فقد عَصَى أبا القَاسمِ

(2)

.

وفي الباب عن أبي هُريرةَ، وأنَسٍ.

حديثُ عَمَّارٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أكْثرِ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

حديث صحيح، وانظر ما قبله.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2334)، وابن ماجه (1645)، والنسائي 4/ 153. وهو في "صحيح ابن حبان" (3585).

ص: 224

ومَنْ بَعْدهُمْ من التَّابِعِينَ، وَبهِ يَقولُ سُفيانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالكُ بن أنَسٍ، وَعَبدُ اللهِ بن المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وَإسحاقُ؛ كَرِهُوا أن يَصُومَ الرَّجُلُ اليَوْمَ الّذِي يُشَكُّ فيهِ، وَرَأى أكثرُهُمْ: إنْ صَامَهُ، وَكانَ من شَهْرِ رَمَضانَ، أن يَقْضِي يَوْمًا مَكانهُ.

‌4 - باب ما جاء في إحْصَاءِ هِلالِ شَعْبانَ لِرَمَضانَ

695 -

حَدَّثَنا مُسْلمُ بن حَجّاجٍ، قَال: حَدَّثَنا يَحيى بن يحيى، قَال: حَدَّثَنا أبو مُعاويةَ، عن محمدِ بن عَمْرٍو، عن أبي سَلمةَ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أحْصُوا هِلالَ شَعْبانَ لِرَمَضانَ"

(1)

.

(1)

إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو - وهو الليثي -، فقد أخرج له البخاري مقرونًا ومسلم متابعةً، وهو حسن الحديث. مسلم بن الحجاج: هو القشيري صاحب "الصحيح"، قال الحافظ العراقي: لم يروِ المصنِّف في كتابه شيئًا عن مسلم بن الحجاج صاحب "الصحيح" إلا هذا الحديث، وهو من رواية الأقران.

وأخرجه الدارقطني 2/ 162 - 163، ومن طريقه البيهقي 4/ 206 من طريق مسلم بن الحجاج، بهذا الإسناد. وزادا:"ولا تخلطوا برمضان إلا أن يُوافق ذلك صيامًا كان يصومه أحدكم، وصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فإنها ليست تغمى عليكم العدة".

وأخرجه الحاكم 1/ 425، ومن طريقه البيهقي 4/ 206 من طريق إسماعيل بن قتيبة، عن يحيى بن يحيى، به.

وأخرجه البغوي (1722) من طريق أحمد بن عبد الله الفريابي، عن أبي معاوية، به. وزاد: "ولا تَصِلُوا رمضان بشيء إلا أن يُوافق ذلك صومًا كان يصومه =

ص: 225

حديثُ أبي هُريرةَ لا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هذا إلا مِن حديثِ أبي مُعاويةَ، وَالصَّحِيحُ مَا رُوِي، عن محمد بن عَمْرو، عن أبي سَلمةَ، عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تَتقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضانَ بِيَوْمٍ ولا يَوْمَيْنِ".

وَهكذا رُوي عن يحيى بنِ أبي كَثِيرٍ، عن أبي سَلمةَ، عن أبي هُريرةَ، نحْوَ حديثِ محمدِ بن عَمْرٍو اللَّيْثيِّ

(1)

.

‌5 - باب ما جاء أنَّ الصَّوْمَ لِرُؤْيةِ الهِلالِ، وَالإِفْطَارَ لهُ

696 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن سِمَاكِ بن حرب، عن عِكْرمَةَ

= أحدكم".

وأخرجه ابن أبي عاصم في "كتاب الصوم" كما في "شرح الحافظ العراقي على سنن الترمذي"، والطبراني في "الأوسط"(8238) من طريق يحيى بن راشد، عن محمد بن عمرو، به. ويحيى بن راشد ضعيف.

وفي الباب عن رافع بن خديج عند الدارقطني 2/ 163، وفي إسناده الواقدي، وهو متروك.

(1)

قول المصنَّف: "حديث أبي هريرة لا نعرفه مثل هذا

إلخ" كأنه ظنَّ أن أبا معاوية أخطأ فيه، وسبب ذلك يرجع إلى أن المصنف لم تقع له تتمة الحديث كما ذكرها الدارقطني ومن طريقة البيهقي والتي بينَّاها خلال التخريج، ولفظ حديث أبي معاوية لا يخالف لفظ غيره ممن رواه عن محمد بن عمرو الليثي، وغاية ما فيه أنه زاد في أوله: "أحصوا هلال شعبان لرمضان"، وهذه الزيادة أيضًا لم ينفرد بها أبو معاوية، بل تابعه عليها يحيى بن راشد، لكنه ضعيف كما ذكرنا.

ص: 226

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإنْ حَالتْ دُونَهُ غَيايةٌ، فَأكْمِلُوا ثَلاثِينَ يَوْمًا"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي هُريرةَ، وأبي بكْرةَ، وابن عُمرَ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وقد رُوي عَنْه من غَيرِ وَجْهٍ.

‌6 - باب ما جاء أنَّ الشّهْرَ يكونُ تِسْعًا وَعِشْرينَ

697 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا يحيى بنُ زَكَريّا بن أبي زَائِدَةَ، قال: أخبرني عِيسى بنُ دِينَارٍ، عن أبيهِ، عن عَمْرِو بن الحارثِ بن أبي ضِرَارٍ

عن ابنِ مَسْعودٍ، قال: مَا صُمْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعًا وعِشْرينَ، أكْثَرُ مِمَّا صُمْنا ثَلاثِينَ

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2327)، والنسائي 4/ 135 و 136 و 153 - 154، وهو في "المسند"(1931) و (1985)، و"صحيح ابن حبان"(3590) و (3594).

وأخرج مسلم (1088) من طريق أبي البختري قال: أهللنا رمضان ونحن بذات عِرْق، فأرسلنا رجلًا إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله، فقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أمدَّه لرؤيته، فإن أُغمي عليكم، فأكملوا العِدَّة". وهو في "المسند"(3021).

والغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، كالسحابة وغيرها.

(2)

حديث حسن لغيره، وأخرجه أبو داود (2322). وهو في "مسند أحمد"(3776)، وفيه تمام تخريجه وشواهده. =

ص: 227

وفي البابِ عن عُمرَ، وَأبي هُريرةَ، وَعائشةَ، وَسَعْدِ بن أبي وَقّاصٍ، وابن عَبَّاسٍ، وابن عُمرَ، وَأنسٍ، وَجَابرٍ، وَأُمِّ سَلمةَ، وأبي بكْرةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الشَّهْرُ يكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ".

698 -

حَدَّثَنا عَليُّ بنُ حُجْرٍ، قَال: أخبرنا إسماعيلُ بن جَعْفَرٍ، عن حُمَيْدٍ

عن أنسٍ أنَّهُ قال: آلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من نِسَائِهِ شَهْرًا، فأقَامَ في مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرينَ يَوْمًا، قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إنّك آلَيْتَ شَهْرًا. فقال: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ"

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌7 - باب ما جاء في الصّوْمِ بِالشّهَادَةِ

699 -

حَدَّثَنا محمد بن إسماعيلَ، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بنُ الصَّبَّاحِ، قَال: حَدَّثَنا الوَليدُ بن أبي ثَوْرٍ، عن سِمَاكٍ، عن عِكْرمَةَ

= قال السندي في حاشيته على "المسند": قوله: "ما صمت" يحتمل أن تكون "ما" مصدرية في الموضعين، أي: صومي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر من صومي معه ثلاثين، أو موصولية، والعائد محذوف، أي: ما صمته، أي: الأشهر التي صمتها تسعًا وعشرين أكثر من الأشهر التي صمتها ثلاثين.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (378) و (1911)، والنسائي 6/ 166 - 167. وهو في "مسند أحمد" (13071)، و"صحيح ابن حبان" (4277).

قوله: "في مشربة" بفتح الميم وضم الراء وفتحها: الغرفة.

"آلى من نسائه" أي: حلف أن لا يدخل عليهن.

ص: 228

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: جَاءَ أعْرابيٌّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنِّي رَأيْتُ الهِلالَ، قال:"أتَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ؟ أتَشْهَدُ أنّ محمدًا رَسُولُ اللهِ؟ " قال: نَعَمْ. قال: "يَا بلالُ أذِّنْ في النَّاسِ أنْ يَصُومُوا غَدًا"

(1)

.

700 -

حَدَّثَنا أبو كُريْبٍ قَال: حَدَّثَنا حُسيْنٌ الجُعْفِيُّ، عن زَائِدَةَ، عن سِمَاكٍ، نحْوَهُ

(2)

.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ فيهِ اخْتِلافٌ، رَوَى سُفيانُ الثَّوْريُّ وَغَيْرُهُ، عن سِماكِ بن حرب عن عِكْرمَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَأكْثرُ أصْحابِ سِمَاكٍ رَوَوْا عن سِمَاكٍ، عن عِكْرمَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلًا

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف، سماك في روايته عن عكرمة اضطراب، وقد اختلف عليه في هذا الحديث، فروي مرسلًا، وروي موصولًا، ورجح المرسلَ غيرُ واحد من الأئمة.

وأخرجه موصولًا أبو داود (2340)، وابن ماجه (1652)، والنسائي 4/ 131 - 132 و 132. وهو في "صحيح ابن حبان" (3446)، و"شرح مشكل الآثار" للطحاوي (482 - 484)، و"شرح السنة" للبغوي (1724).

وفي الباب عن ابن عمر عند أبي داود (2342): تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه وأمر الناس بصيامه. وإسناده صحيح وهو في "صحيح ابن حبان"(3447).

(2)

إسناده ضعيف كسابقه، وانظر تخريجه فيه.

(3)

الرواية المرسلة أخرجها أبو داود (2341)، والنسائي 4/ 132، وهي في "شرح المشكل" (485). وقال أبو داود: رواه جماعة عن سماك، عن عكرمة مرسلًا. ونقل الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 443 قول النسائي: وهذا أولى =

ص: 229

والعمل على هذا الحديثِ عِنْدَ أكْثرِ أهْلِ العلمِ؛ قَالُوا: تُقْبَلُ شَهَادةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ في الصِّيَامِ، وَبهِ يَقولُ ابن المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ.

وقال إسحاقُ: لا يُصَام إلا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ.

ولم يَخْتَلفْ أهْلُ العلمِ في الإفْطَارِ، أنَّهُ لا يُقْبَلُ فيهِ إلَّا شَهَادَةُ

(1)

رَجُلَينِ.

‌8 - باب ما جاء شَهْرا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ

701 -

حَدَّثَنا يحيى بن خَلفٍ البَصْرِيُّ، قَال: حَدَّثَنا بِشْرُ بن المُفَضَّلِ، عن خَالدٍ الحَذّاءِ، عن عَبد الرَّحمنِ بن أبي بكْرَةَ

عن أبيهِ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصانِ: رَمَضانُ، وَذُو الحِجَّةِ"

(2)

.

حديث أبي بَكْرَةَ حديثٌ حَسَنٌ.

وقد رُوِي هذا الحديثُ عن عَبدِ الرَّحمنِ بن أبي بكْرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرْسلًا.

= بالصواب، لأن سماكًا كان يلقن فيتلقن.

(1)

في (أ) و (ب) و (ل): بشهادة.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1912)، ومسلم (1089)، وأبو داود (2323)، وابن ماجه (1659)، وهو في "مسند أحمد"(20399)، و"صحيح ابن حبان"(325)، و"شرح مشكل الآثار"(496) و (497).

ص: 230

قال أحمدُ: مَعْنى هذا الحديثِ "شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ معًا": يَقولُ: لا يَنْقُصَانِ مَعًا في سَنَةٍ وَاحِدةٍ: شَهْرُ رَمَضانَ وَذُو الحِجَّةِ، إنْ نَقَصَ أحَدُهُمَا تَمَّ الآخَرُ.

وقال إسحاقُ: مَعْناهُ "لا يَنْقُصانِ" يَقولُ: وَإنْ كانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، فَهو تَمامٌ غَيْرُ نُقْصَانٍ.

وعلى مَذْهبِ إسحاقَ يَكونُ يَنْقُصُ الشَّهْرانِ مَعًا في سَنَةٍ وَاحِدةٍ

(1)

.

‌9 - باب ما جاء لِكُلِّ أهْلِ بَلدٍ رُؤْيَتُهُمْ

702 -

حَدَّثَنا عَليُّ بنُ حُجْرٍ، قَال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بن جَعْفَرٍ، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن أبي حَرْملَةَ، قال: أخبرني كُرَيبٌ

(1)

قال البغوي في "شرح السنة" 6/ 235 بعد أن نقل قول المصنِّف هذا: وقال بعضهم: إنما أراد بهذا تفضيل العمل في العشر من ذي الحجة، فإنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان.

وقال النووي في "شرح مسلم": الأصح أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما.

وقيل: معناه لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة غالبًا.

وقيل: لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان لأن فيه المناسك، حكاه الخطابي وهو ضعيف، والأول هو الصواب المعتمد.

ومعناه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقوله:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا"، وغير ذلك، فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص.

ص: 231

أنّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الحارثِ بَعَثَتْهُ إلى مُعَاويةَ بِالشام، قال: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حاجَتَها، وَاسْتَهلَّ عَليَّ هِلالُ رَمَضانَ وَأنا بِالشّامِ، فَرَأينَا الهِلالَ لَيْلةَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ المدينةَ في آخِرِ الشّهْرِ، فَسَألَنِي ابن عَبَّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الهِلالَ، فقال: مَتى رَأيتُمُ الهِلالَ؟ فَقُلْتُ: رأينَاهُ لَيلةَ الجُمُعَةِ. فقال: أنْتَ رأيتَهُ لَيْلةَ الجُمعَةِ؟ فَقلْتُ: رَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاويةُ، فقال: لكِنْ رَأينَاهُ لَيلةَ السَّبْتِ، فَلا نَزَالُ نَصُومُ حتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ يَوْمًا أوْ نَراهُ. فَقلْتُ: ألا تَكْتَفِي بِرُؤيةِ مُعاويةَ وَصِيامِهِ؟ قال: لا، هكذا أمَرَنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ.

والعملُ على هذا الحديثِ عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ أنَّ لِكُلِّ أهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1087)، وأبو داود (2332)، والنسائي 4/ 131. وهو في "مسند أحمد" (2789).

قوله: "واستهلَّ عليَّ رمضان" قال السندي في حاشيته على "المسند": على بناء الفاعل، أي: تبيَّن هلالُه، أو المفعول، أي: رُئي هلالُه، كذا في "الصحاح".

(2)

قال ابن قدامة في "المغني" 4/ 328: وإذا رأى الهلال أهل بلد، لزم جميع البلاد الصوم، وهذا قول الليث وبعض أصحاب الشافعي (وهو قول الحنفية والمالكية).

وقال بعضهم: إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة، لزم أهلها الصوم برؤية الهلال فى أحدهما، وإن كان بينهما بعد كالعراق والحجاز والشام، فلكل أهل بلد رؤيتهم. =

ص: 232

‌10 - باب ما جاء مَا يُسْتَحَبُّ عَلَيْهِ الإفْطَارُ

703 -

حَدَّثَنا محمدُ بن عُمرَ بن عَليٍّ المُقَدَّمِيُّ، قَال: حَدَّثَنا سَعيدُ بن عَامرٍ، قَال: حَدَّثَنا شُعبةُ، عن عَبْدِ العَزِيزِ بن صُهَيبٍ

عن أنَسِ بن مَالكٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من وَجَدَ تمْرًا، فَلْيُفْطِرْ عَليْهِ، ومن لا، فَلْيُفْطِرْ على مَاءٍ، فَإنّ المَاءَ طَهُورٌ"

(1)

.

وفي البابِ عن سَلْمَانَ بن عَامرٍ.

حديثُ أنسٍ لا نَعْلَمُ أحَدًا رَواهُ عن شُعبةَ مِثلَ هذا غَيْرَ سَعيدِ

= ورُوي عن عكرمة أنه قال: لكل أهل بلد رؤيتهم. وهو مذهب القاسم وسالم واسحاق، وذكر حديث ابن عباس هذا.

وانظر كلام الشوكاني عن حديث ابن عباس في "نيل الأوطار" 47/ 268.

(1)

حديث ضعيف، وهذا إسناد أخطأ فيه سعيد بن عامر - وهو الضبعي - كما بيَّن ذلك المصنف بإثر الحديث وغيره من الأئمة، والصواب المحفوظ: عن شعبةَ وغيرِه، عن عاصمٍ الأحول وغيرِه، عن حفصة بنت سيرين، عن الرَّباب بنت صُلَيع الضَّبِّية، عن سلمان بن عامر، وسيذكره المصنف من هذا الطريق في الحديث التالي، وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة الرَّباب بنت صُلَيع، فقد تفردت بالرواية عنها حفصة بنت سيرين، ولم يؤثر توثيقها عن غير ابن حبان.

وهو في "العلل الكبير" للمصنف 1/ 335.

وأخرجه النسائي في "الكبرى"(3317)، وابن خزيمة (2066) من طريق محمد بن عمر المقدمي، بهذا الإسناد. وقال النسائي: حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب خطأ.

وأخرجه الطبراني في "الصغير"(1029)، والحاكم 1/ 431، وعنه البيهقي 4/ 239 من طريق محمد بن إسحاق الصاغاني، عن سعيد بن عامر، به.

والإفطار على التمر أو على الماء عند عدمه ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس كما سيأتي عند المصنف برقم (705).

ص: 233

ابن عَامرٍ، وهو حديثٌ غَيْرُ مَحْفوظٍ، وَلا نَعْلمُ لهُ أصْلًا من حديث عَبْد العَزِيزِ بن صُهَيْبٍ، عن أنسٍ. وقد رَوَى أصْحابُ شُعبة هذا الحديثَ عن شُعبةَ، عن عَاصمٍ الأحْوَلِ، عن حَفْصةَ ابنة سِيرِينَ، عن الرَّبَابِ، عن سَلْمانَ بن عَامرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا أصَحُّ من حديثِ سَعيدِ بن عَامرٍ. وَهكذا رَوَوْا عن شُعْبةَ، عن عَاصمٍ، عن حَفْصةَ ابنة سِيرِينَ، عن سَلْمانَ بن عامر. ولم يَذْكُرْ فيهِ شُعبةُ: عن الرَّبَابِ. وَالصَّحِيحُ مَا رَوى سُفيانُ الثَّوْرِيُّ وابن عُيينةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عن عَاصِمٍ الأحْوَلِ، عن حَفْصةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عن الرَّبَابِ، عن سَلْمانَ بن عَامرٍ.

وابن عَوْنٍ يَقولُ: عن أُمِّ الرّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ، عن سَلْمانَ بن عَامرٍ، وَالرَّبابُ هِي أُمُّ الرَّائِحِ.

704 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، قَال: عن سُفيانَ، عن عَاصمٍ الأحْوَلِ (ح)

وَحَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا أبو مُعَاويةَ، عن عَاصمٍ الأحْوَلِ

(1)

، عن حَفْصةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عن الرَّبَابِ

عن سَلْمانَ بن عَامرٍ الضَّبِّيِّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفْطَرَ أحَدُكُمْ، فَلْيُفْطِرْ على تَمْرٍ، فإن لم يَجِدْ، فَلْيُفطِرْ على مَاءٍ، فإنَّه

(1)

زاد في مطبوعة محمد فؤاد عبد الباقي بعد هذا: "وحدثنا قتيبة قال: أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عاصم الأحول" ووجود هذا الإسناد هنا خطأ، فلم يذكر في شيء من أصولنا الخطية.

ص: 234

طَهُورٌ"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

705 -

حَدَّثَنا محمدُ بنُ رَافعٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبْد الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا جَعْفَرُ بن سُلَيْمانَ، عن ثَابِتٍ

عن أنَسِ بن مَالكٍ، قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ قَبْلَ أن يُصَلِّيَ على رُطَبَاتٍ، فَإنْ لم تكنْ رُطَباتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإنْ لم تكُنْ تُمَيْراتٌ، حَسَا حَسوَاتٍ من مَاءٍ

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ

(3)

.

‌11 - باب ما جاء أن الفِطْرَ يَوْمَ تُفْطِرُونَ والأضْحى يَوْمَ تُضَحُّونَ

706 -

حَدَّثَنا محمدُ بن إسماعيلَ، قَال: حَدَّثَنا إبراهيمُ بن المُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنا إسحاقُ بن جَعْفَرِ بن محمدٍ، قَال: حَدَّثَني عَبدُ اللهِ بن جَعْفَرٍ، عن عُثْمانَ بن محمدٍ الأخنسي، عن المَقْبُرِيِّ

عن أبي هُريْرَةَ، أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ،

(1)

حديث حسن لغيره، وسلف برقم (664).

(2)

حديث حسن. وأخرجه أبو داود (2356). وهو في "المسند"(12676).

(3)

زاد بعد هذا في مطبوعة عبد الباقي: "قال أبو عيسى: وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفطر في الشتاء على تمرات، وفي الصيف على الماء"، وهذه الفقرة لم ترد في شيء من أصولنا الخطية، ولا في شرحي العراقي والمباركفوري.

ص: 235

وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ.

وَفَسَّرَ بَعْضُ أهْلِ العلمِ هذا الحديثَ، فقال: إنَّما مَعْنى هذا: الصَّوْمُ وَالفِطْرُ مع الجَمَاعَةِ وعُظْمِ النَّاسِ

(2)

.

‌12 - باب ما جاء إذا أقبَلَ اللَّيلُ وأدْبَرَ النّهَارُ، فقد أفْطَرَ الصَّائِمُ

707 -

حَدَّثَنا هارونُ بن إسحاقَ الهَمْدَانيُّ، قَال: حَدَّثَنا عَبْدةُ بنُ سليمانَ، عن هِشَامِ بن عُرْوةَ، عن أبيهِ، عن عَاصمِ بن عُمرَ

عن عُمرَ بن الخَطَّابِ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبَلَ اللّيْلُ، وأدْبَرَ النَّهَارُ، وَغَابَتِ الشَّمْسُ، فقد أفْطَرْتَ"

(3)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2324)، وابن ماجه (1660). وهو في "شرح السنة" للبغوي (1726).

ويشهد له حديث عائشة الآتي عند المصنف برقم (813).

(2)

قال الإمام الخطابي في معنى الحديث: إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوما اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد ثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدة، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعًا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، لا شيء عليهم من وزر أو عيب، وكذلك هذا في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادته.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1954)، ومسلم (1100)، وأبو داود (2324) و (2351)، وابن ماجه (1660)، والنسائي في "الكبرى"(3310). وهو في "المسند"(192)، و"صحيح ابن حبان"(3513).

ص: 236

وفي البابِ عن ابن أبي أوْفَى، وأبي سَعد الخير

(1)

حديثُ عُمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌13 - باب ما جاء في تَعْجِيلِ الإفْطَارِ

708 -

حَدَّثَنا بُنْدار، قَال: حَدَّثَنا عَبد الرحمنِ بن مَهْدِيًّ، عن سُفيانَ، عن أبي حَازمٍ (ح)

وَأخْبَرَنا أبو مُصْعَبٍ قِرَاءَةً، عن مَالك بن أنس، عن أبي حَازِمٍ

عن سَهْلِ بن سَعْدٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ"

(2)

.

وفي البابِ، عن أبي هُريرةَ، وابن عَبَّاسٍ، وَعَائشةَ، وأنسَ بن مالك.

حديثُ سَهْلِ بن سَعْدٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وهو الّذِي اخْتَارهُ أهْلُ العلم من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ؛ اسْتَحَبُّوا تَعْجِيلَ الفِطْرِ، وَبهِ يقولُ الشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وإسحاقُ.

(1)

وقع في (ب) و (ل): "وأبي سعيد الخدري"، والمثبت من (أ) و (د) و (س) ونسخة بهامش (ب)، وهو الصواب، وأبو سعد الخير هذا ذكره ابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 100، وأورد حديثه هذا، وأخرجه أيضًا الدولابي في "الكنى" 1/ 102.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1957)، ومسلم (1098)، وابن ماجه (1697)، والنسائي في "الكبرى"(3312). وهو في "مسند أحمد"(22804)، و"صحيح ابن حبان"(3502) و (3506).

ص: 237

709 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بنُ موسى الأنْصَارِيُّ، قال: حَدَّثَنا الولِيدُ بن مسلم، عن الأوْزَاعِيِّ، عن قُرَّة بن عبد الرَّحمن، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سَلَمةَ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قال اللهُ عز وجل: أحَبُّ عِبَادِي إليَّ أعْجَلُهُمْ فِطْرًا"

(1)

.

710 -

حَدَّثَنا عبدُ الله بن عبدِ الرحمن، قال: أخبرنا أبو عَاصمٍ وأبو المغِيرَةِ، عن الأوْزَاعِيِّ، نَحْوُه

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَن غريبٌ.

711 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا أبو مُعَاويَةَ، عن الأعْمَشِ، عن عُمَارةَ بن عُمَيْرٍ، عن أبي عَطِيَّةَ، قال:

دخَلْتُ أنا وَمَسْرُوق على عائشةَ، فَقُلْنا: يَا أمَّ المؤْمِنينَ، رَجُلانِ من أصْحَاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم أحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاةَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاةَ. قَالت: أيُّهُما يُعَجِّلُ الإفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاةَ؟ قُلْنا: عبد اللهِ بن مَسْعُودٍ. قالت: هكذا صَنَع رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. والآخر أبو موسى

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف قرة، وهو ابن عبد الرحمن المعافري. وهو في "مسند أحمد"(7241)، و"صحيح ابن حبان"(3507) و (3508).

(2)

إسناده ضعيف كسابقه، وانظر تخريجه فيه.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1099)، وأبو داود (2354)، والنسائي 4/ 144 و 145. وهو في "المسند" (24212).

ص: 238

وأبو عَطيَّةَ اسْمُهُ: مَالكُ بن أبي عَامرٍ الهَمْدَانيُّ، وَيُقالُ: مالك بن عَامرٍ الهَمْدَانيُّ، وهو أصَحُّ.

‌14 - باب ما جاء في تَأخيرِ السُّحُورِ

712 -

حَدَّثَنا يحيى بنُ موسى، قَال: حَدَّثَنا أبو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَال: حَدَّثَنا هِشَامٌ الدَّسْتوَائِيُّ، عن قَتادةَ، عن أنَسِ بن مالكٍ

عن زَيْدِ بن ثَابتٍ، قال: تَسَحَّرْنَا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قُمْنَا إلى الصَّلاةِ. قال: قُلْتُ: كَمْ كانَ قَدْرُ ذاكَ؟ قال: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً

(1)

.

713 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن هِشَامٍ بنَحْوِهِ، إلا أنّهُ قال: قَدْرُ قِرَاءَةِ خَمْسِينَ آيةً

(2)

.

وفي البابِ عن حُذَيفَةَ.

حديثُ زَيْدِ بن ثَابِتٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وَبهِ يقولُ الشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وَإسحاقُ: اسْتَحَبُّوا تأخيرَ السُّحُورِ.

‌15 - باب ما جاء في بَيَانِ الفَجْرِ

714 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا مُلازمُ بنُ عَمْرٍو، قَال: حَدَّثَنِي عبدُ اللهِ بنُ النُّعمانِ، عن قَيْسِ بنِ طَلْقٍ، قال:

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (575) و (576)، ومسلم (1097)، وابن ماجه (1694)، والنسائي 4/ 143. وهو في "مسند أحمد" (21585)، وانظر "صحيح ابن حبان" (1497).

(2)

حديث صحيح كسابقه، وانظر تخريجه فيه.

ص: 239

حَدَّثَني أبي طَلْقُ بن عَليٍّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "كُلوا وَاشْرَبُوا، وَلا يَهيدنَّكُم السَّاطعُ المُصْعِدُ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأحْمَر

(1)

"

(2)

.

وفي البابِ عن عَدِيِّ بن حَاتمٍ، وأبي ذَرٍّ، وَسَمُرَةَ.

حديثُ طَلْقِ بن عَليٍّ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ: أنّهُ لا يَحْرُمُ على الصَّائِمِ الأكْلُ وَالشُّرْبُ حتَّى يكُونَ الفَجْرُ الأحْمرُ المُعْتَرِضُ، وَبهِ يَقولُ عَامَّةُ أهْلِ العلمِ.

715 -

حَدَّثَنا هَنّادٌ وَيُوسُفُ بن عيسى، قَالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن أبي هلالٍ، عن سَوَادةَ بن حَنْظَلةَ

عن سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَمنَعنَّكُم من سُحُورِكُم أذَانُ بِلالٍ وَلا الفَجْرُ المُسْتَطِيلُ، ولكن الفَجْرُ المُسْتَطِيرُ في الأُفُقِ"

(3)

.

(1)

في (أ) وهامش (ب): "لكم يعني الأحمر"، والمثبت من (ب) و (د) و (س) و (ظ) وشرح الحافظ العراقي.

(2)

حديث حسن، وأخرجه أبو داود (2348)، وهو في "المسند"(16291).

(3)

حديث صحيح، وهذا سند حسن أبو هلال - واسمه محمد بن سليم الراسبي - صدوق حسن الحديث في المتابعات، وهو هنا متابع، وباقي رجاله ثقات.

وأخرجه مسلم (1094)، وأبو داود (2346)، والنسائي 4/ 148. وهو في "المسند" (20079) و (20158).

وفي الباب عن ابن مسعود عند البخاري ومسلم، وهو في "المسند"(3654).

ص: 240

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

‌16 - باب ما جاء في التّشْدِيدِ في الغِيبةِ لِلصَّائِمِ

716 -

حَدَّثَنا أبو موسى محمدُ بن المُثَنَّى، قَال: حَدَّثَنا عُثمانُ بن عُمرَ، قال: وَأخبرنا ابن أبي ذِئْبٍ، عن سعيد المَقْبُرِيِّ، عن أبيه

عن أبي هُريرةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن لم يَدعْ قَوْلَ الزُّورِ والعمَلَ بهِ، فَليْسَ للهِ حَاجَةٌ بأنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرابَهُ"

(1)

.

وفي البابِ عن أنَسٍ.

هذا حديثٌ حسن صحيح.

‌17 - باب ما جاء في فَضْلِ السُّحُورِ

717 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا أبو عَوَانةَ، عن قَتادةَ وَعَبد العَزِيزِ بن صُهَيْبٍ

عن أنَس بن مالكٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"تَسَحّرُوا، فإنَّ في السُّحُورِ بَرَكةً"

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1903) و (6057)، وأبو داود (2362)، وابن ماجه (1689)، والنسائي في "الكبرى"(3245 - 3248). وهو في "المسند"(9839)، و"صحيح ابن حبان"(3480).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095)، وابن ماجه (1692)، والنسائي 4/ 141. وهو في "المسند" (11950)، و"صحيح ابن حبان" (3466).

ص: 241

وفي البابِ عن أبي هُريْرَةَ، وَعَبد اللهِ بن مَسْعودٍ، وَجابرِ بن عَبدِ اللهِ، وابن عَبَّاسٍ، وَعَمْرِو بن العَاص، وَالعِرْبَاضِ بن سَارِيةَ، وَعُتْبةَ بن عَبْدٍ، وأبي الدَّرْدَاءِ.

حديثُ أنسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وَرُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ قال: "فَصْلُ مَا بينَ صِيامِنَا وَصِيَامِ أهْلِ الكِتَابِ أكْلَةُ السَّحَرِ".

718 -

حَدَّثَنا بِذلكَ قُتيبةُ، قَال: حَدَّثنا اللّيثُ، عن موسى بن عُلَيٍّ، عن أبيهِ، عن أبي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرو بن العَاصِ، عن عَمْرِو بن العَاصِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِذلك

(1)

.

وهذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وَأهْلُ مِصْرَ يَقُولُونَ: موسى بن عَليٍّ، وَأهْلُ العِرَاقِ يَقُولُونَ: موسى بن عُلَيٍّ. وهو: موسى بن عُلَيِّ بن رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ.

‌18 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ الصَّوْمِ في السَّفَرِ

719 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبْد العَزِيزِ بن محمدٍ، عن جَعْفَرِ بن محمد، عن أبيه

عن جَابرِ بن عَبد اللهِ: أنّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرجَ إلى مَكّةَ عَامَ الفَتْحِ، فَصَامَ حتَّى بَلغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، وَصَامَ النَّاسُ مَعهُ، فَقِيلَ لهُ:

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1096)، وأبو داود (2343)، والنسائي 4/ 146. وهو في "المسند" (17762)، و"صحيح ابن حبان" (3477).

ص: 242

إنَّ النَّاسَ قَد شَقَّ عَليْهِمُ الصِّيَامُ، وَإنّ النَّاسَ يَنظُرُونَ فِيمَا فَعلْتَ. فَدَعا بِقَدَحٍ من مَاءٍ بعْدَ العَصْرِ فَشَربَ، وَالنّاسُ يَنظُرونَ إلَيْهِ، فأفْطَرَ بَعْضُهُمْ، وَصَامَ بَعْضُهُمْ، فَبلَغهُ أنَّ ناسًا صَامُوا، فقال:"أُولئكَ العُصاةُ"

(1)

.

وفي الباب عن كَعْبِ بن عَاصمٍ، وابن عَبَّاسٍ، وأبي هُريْرَةَ.

حديثُ جَابرٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد رُوِي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ قال: "لَيْسَ من البِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ"

(2)

.

وَاخْتَلفَ أهْلُ العلمِ في الصَّوْمِ في السَّفَرِ.

فَرَأى بَعْضُ أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيرِهِمْ أنَّ الفِطْرَ في السَّفَرِ أفْضَلُ، حتَّى رَأى بَعْضُهُمْ عَليْهِ الإعَادةَ إذا صَامَ في السَّفَرِ. وَاختَارَ أحمدُ، وَإسحاقُ الفِطْرَ في السَّفَرِ.

وقال بَعْضُ أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيرِهِم: إنْ وَجدَ قُوَّةً فَصامَ فحَسَنٌ، وهو أفْضَلُ، وإن أفطر فحَسَنٌ. وهو قَوْلُ سُفيانَ الثّوْرِيِّ، وَمَالكِ بن أنَسٍ، وَعَبد اللهِ بن المُبَاركِ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1114)، والنسائي 4/ 177، وهو في "صحيح ابن حبان"(2706) و (3549) و (3551).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه من حديث جابر بن عبد الله أيضًا البخاري (1946)، ومسلم (1115)، وأبو داود (2407)، والنسائي 4/ 176 و 177، وهو في "مسند أحمد"(14193) و (14426)، و"صحيح ابن حبان"(3552).

وروي عن كعب بن عاصم وابن عمر، انظر "المسند".

ص: 243

وقال الشّافِعِيُّ: إنَّما مَعْنى قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ من البِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ"، وقَوْلهِ حِينَ بَلغَهُ أنَّ ناسًا صَامُوا فقال:"أُولئِكَ العُصَاةُ": فَوجْهُ هذا إذا لم يَحْتَمِلْ قلْبُهُ قَبُولَ رُخْصَةِ اللهِ، فأمَّا من رَأى الفِطْرَ مُباحًا وَصَامَ، وَقَوي على ذلِكَ، فَهُو أعْجَبُ إليَّ.

‌19 - باب ما جاء في الرُّخْصَةِ في السَّفَرِ

720 -

حَدَّثَنا هارونُ بن إسحاقَ الهَمْدَانيُّ، قَال: حَدَّثَنا عَبْدةُ بن سُلَيْمانَ، عن هِشَامِ بن عُرْوةَ، عن أبيهِ

عن عَائشةَ: أنّ حَمْزَةَ بن عَمْرٍو الأسْلَميَّ سَألَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الصَّوْمِ فى السَّفَرِ، وَكانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، فقال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ"

(1)

.

وفي البابِ عن أنس بن مَالكٍ، وأبي سَعيدٍ، وَعَبد اللهِ بن مَسْعودٍ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرٍو، وأبي الدَّرْدَاءِ، وَحَمْزَةَ بن عَمْرٍو الأسْلَميِّ.

حديثُ عَائشةَ: أنَّ حَمزَةَ بن عَمْرٍو الأسلمي سَألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

721 -

حَدَّثَنا نَصْرُ بن عَليٍّ الجَهْضَمِيُّ، قَال: حَدَّثَنا بِشْرُ بن المُفَضَّلِ، عن سَعيدِ بن يَزِيدَ أبي مَسلمةَ، عن أبي نَضْرَةَ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1943)، ومسلم (1121)، وأبو داود (2402)، وابن ماجه (1662)، والنسائي 4/ 187 و 188 و 207. وهو في "المسند" (24196)، و"صحيح ابن حبان" (3560).

ص: 244

عن أبي سَعيدٍ، قال: كُنّا نُسَافِرُ مع رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في شهر رَمَضانَ، فَما يُعابُ على الصَّائمِ صَوْمُهُ، وَلا على المُفْطِرِ إفْطَارُهُ

(1)

.

722 -

حَدَّثَنا نَصْرُ بن عَليٍّ، قَال: حَدَّثَنا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، قَال: حَدَّثَنا الجُرَيْرِيُّ (ح)

وَحَدَّثَنا سُفيانُ بن وَكِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبْدُ الأعْلى، عن الجُرَيْرِيِّ، عن أبي نَضْرَةَ

عن أبي سَعيدٍ الخدري، قال: كُنَّا نُسَافِرُ مع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فمِنّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، فَلا يَجِدُ المُفْطِرُ على الصَّائمِ، وَلا الصَّائِمُ على المُفْطِرِ، فَكانُوا يَرَوْنَ أنّهُ من وَجدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَحَسَنٌ، ومن وَجَدَ ضَعْفًا فَأفْطَرَ، فَحَسنٌ

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌20 - باب ما جاء في الرُّخْصَةِ للمُحَارِبِ في الإفْطَارِ

723 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا ابنُ لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبيبٍ، عن مَعْمَرِ بن أبي حَبيبةَ، عن ابن المسَيّبِ

أنَّهُ سَألهُ عن الصَّوْمِ في السَّفَرِ، فَحَدَّثَ أنّ عُمرَ بن الخَطَّابِ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1116)، والنسائي 4/ 188 و 189. وهو في "مسند أحمد" (11083) و (11471)، و"صحيح ابن حبان" (3558) و (3562).

وأخرجه مطولًا مسلم (1120)، وأبو داود (2406). وانظر "المسند"(11307).

(2)

إسناده صحيح، وانظر ما قبله.

ص: 245

قال: غَزَوْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضانَ غَزْوتين: يَوْمَ بَدْرٍ وَالفَتْح، فَأفطَرْنَا فِيهِمَا

(1)

.

وفي البابِ عن أبي سَعيدٍ.

حديثُ عُمرَ لا نَعْرِفهُ إلَّا من هذا الوَجْهِ.

وقد رُوِي عن أبي سَعيدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ أمرَ بِالفِطْرِ في غزْوَةٍ غَزَاهَا

(2)

.

وقد رُوي عن عمرَ بن الخَطَّاب نحو هذا، أنّه رَخَّصَ في الإفْطَارِ عِنْد لِقاءِ العَدُوِّ، وَبهِ يَقولُ بَعْضُ أهْلِ العلمِ.

‌21 - باب ما جاء في الرُّخْصَةِ في الإفْطَارِ لِلحُبْلَى والمُرْضِعِ

724 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ وَيُوسُفُ بن عيسى، قَالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، قَال: حَدَّثَنا أبو هِلالٍ، عن عَبد اللهِ بن سوَادةَ

عن أنسِ بنِ مَالكٍ - رَجُلٍ من بَنِي عَبد اللهِ بن كَعْبٍ - قال: أغَارَتْ عَليْنَا خَيْلُ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْتُهُ يَتغدَّى، فقال:"ادْنُ فَكُلْ". فَقلْتُ: إنِّي صَائمٌ. فقال: "ادْنُ أُحَدِّثْكَ عن الصَّوْمِ - أوِ الصِّيَامِ -؛ إنَّ الله وَضَعَ عن المُسَافِرِ شَطْرَ

(1)

حديث قوي، وأخرجه البزار (296)، والبغوي (1768). وهو في "مسند أحمد"(140).

(2)

سيرد عند المصنف برقم (1779).

ص: 246

الصَّلاةِ، وعن الحَامِل أو المرْضِعِ الصّوْمَ، أوِ الصِّيَامَ"

(1)

.

وَاللهِ لقد قَالَهُما النبيُّ صلى الله عليه وسلم، كِلَيْهما أوْ إحْدَاهُما، فَيَالَهْفَ نَفْسي أنْ لا أكونَ طَعِمْتُ مِن طَعَامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وفي البابِ عن أبي أُمَيَّةَ

(2)

.

حديث أنَسِ بن مَالكٍ الكَعْبيِّ حديثٌ حَسَنٌ، وَلا نَعْرِفُ لأنَسِ بن مَالكٍ هذا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هذا الحديثِ الوَاحِدِ.

والعملُ على هذا عِندَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ.

وقال بَعْضُ أهْلِ العلمِ: الحَامِلُ وَالمُرْضِعُ تُفْطِرَانِ وَتَقضيانِ وَتُطْعِمَانِ، وَبهِ يَقولُ سُفيانُ، وَمَالكٌ، والشّافِعِيُّ، وَأحمدُ.

وقال بَعْضُهُمْ: تُفْطِرَانِ وَتُطْعِمَانِ وَلا قَضَاءَ عَليْهِمَا، فإنْ شَاءَتَا قضَتَا وَلا إطْعَامَ عَلَيْهِمَا، وَبهِ يَقولُ إسحاقُ.

‌22 - باب ما جاء في الصَّوْمِ عن المَيِّتِ

725 -

حَدَّثَنا أبو سَعيدٍ الأشَجُّ، قَال: حَدَّثَنا أبو خَالدٍ الأحْمَرُ، عن الأعْمَشِ، عن سَلمةَ بن كُهَيْلٍ وَمسْلمٍ البَطِينِ، عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ وَعَطاءٍ وَمُجاهِدٍ

(1)

حديث حسن، وأخرجه أبو داود (2408)، وابن ماجه (1667) و (3299)، والنسائي 4/ 180 و 181 و 190. وهو في "المسند" (19047)، و"شرح مشكل الآثار" (4265).

(2)

أبو أمية هذا هو أنس بن مالك الكعبي نفسه، وأبو أمية كنيته، انظر تعليقنا على "شرح المشكل".

ص: 247

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: جَاءَتِ امْرَأةٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنَّ أُخْتِي مَاتتْ وَعَليْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعيْنِ، قال:"أرَأيْتِ لو كانَ على أُخْتِكِ دَيْنٌ أكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ "، قالت: نَعَمْ. قال: "فَحَقُّ اللهِ أحَقُّ"

(1)

.

وفي البابِ عن بُرَيْدةَ، وابن عُمرَ، وَعَائشةَ

(2)

حديث ابن عباس حديث حسن صحيح.

726 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ، قَال: حَدَّثَنا أبو خَالِدٍ الأحْمَرُ، عن الأعْمَشِ، بهذا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ

(3)

.

وسَمعتُ محمدًا يقول: جوَّد أبو خالدٍ الأحمرُ هذا الحديثَ عن الأعمش.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1148)، وأبو داود (3308) و (3310)، وابن ماجه (1758)، والنسائي في "المجتبى" 7/ 20، وفي "الكبرى"(2912) و (2917). وهو في "المسند"(1861) و (1970)، و"صحيح ابن حبان"(3570).

(2)

حديث عائشة أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147) بلفظ:"من مات وعليه صيام، صام عنه وليه".

وقد أجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث، وعلق الشافعي في القديم القول به على صحة الحديث، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية، وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبو حنيفة: لا يُصام عن الميت. وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عُبيد: لا يصام عنه إلا النذر. "فتح الباري" 4/ 193.

(3)

انظر ما قبله.

ص: 248

قال محمدٌ: وقد رَوَى غَيْرُ أبي خَالِدٍ، عن الأعْمَشِ مِثْلَ روَايَةِ أبي خَالدٍ.

وَرَوَى أبو مُعَاويَةَ وَغَيرُ وَاحِدٍ هذا الحديث عن الأعْمَشِ، عن مُسْلمٍ البَطِينِ، عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَذْكُرُوا فيهِ: عن سَلمةَ بن كُهَيْلٍ، وَلا عن عَطَاءٍ، وَلا عن مُجَاهِدٍ.

‌23 - باب ما جاء في الكَفَّارَةِ

727 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبْثرُ بن القاسم، عن أشعَثَ، عن محمدٍ، عن نَافعٍ

عن ابن عُمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"من مَاتَ وَعَليْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مكانَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكينًا"

(1)

.

حديثُ ابن عُمرَ لا نَعْرِفهُ مَرْفُوعًا إلَّا من هذا الوَجْهِ، وَالصَّحيحُ عن ابن عُمرَ مَوْقُوفٌ قَوْلُهُ.

وَاخْتَلفَ أهْلُ العلمِ في هذا.

فقال بعَضُهُمْ: يُصَامُ عن المَيِّتِ. وَبهِ يَقولُ أحمدُ، وإسحاقُ، قَالا: إذا كانَ على المَيِّتِ نَذْرُ صِيَامٍ، يُصامُ عَنْهُ، وإذا كانَ عَليْهِ

(1)

إسناده ضعيف لضعف أشعث - وهو ابن سوار -، ومحمد - وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى - سيئ الحفظ.

وأخرجه ابن ماجه (1757). وهو في "شرح السنة" للبغوي (1775).

ص: 249

قَضَاءُ رَمَضانَ، أُطْعِمَ عَنْهُ.

وقال مَالكٌ، وَسُفيانُ، وَالشَّافِعِيُّ: لا يَصُومُ أحَدٌ عن أحَدٍ.

وَأشْعَثُ: هو ابن سَوَّارٍ، وَمحمدٌ: هو محمد بن عَبد الرحمن بن أبي لَيْلَى.

‌24 - باب ما جاء في الصَّائِمِ يَذْرَعُهُ القَيْءُ

728 -

حَدَّثَنا محمدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، قَال: حَدَّثَنَا عَبدُ الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلَمَ، عن أبيهِ، عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ

عن أبي سعَيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثٌ لا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامةُ وَالقَيْءُ والاحْتِلامُ"

(1)

.

حديثُ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ غَيرُ مَحفُوظٍ.

وقد رَوَى عَبدُ اللهِ بن زَيْدِ بن أسْلمَ، وَعَبد العَزِيزِ بن محمدٍ وَغيرُ وَاحِدٍ هذا الحديثَ عن زَيْدِ بن أسْلمَ مُرْسلًا

(2)

، ولم يَذكُرُوا فيهِ: عن أبي سَعيدٍ، وَعَبد الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلمَ يُضَعَّفُ في الحديثِ.

(1)

إسناده ضعيف من أجل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

وأخرجه الدارقطني 2/ 183، والبيهقي 4/ 220 و 264. قال البيهقي: كذا رواه عبد الرحمن بن زيد، وليس بالقوي، والصحيح رواية سفيان الثوري وغيره عن زيد بن أسلم، عن رجل من أصحابه، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يفطر من قاء، ولا من احتجم، ولا من احتلم" وأخرجه البيهقي 4/ 264.

(2)

أخرجه البيهقي 4/ 220.

ص: 250

سَمِعْتُ أبا دَاوُدَ السِّجزِيَّ يقولُ: سَألْتُ أحمدَ بنَ حَنْبل، عن عَبد الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلمَ، فقال: أخوهُ عَبد اللهِ بن زَيْدٍ لا بَأسَ بهِ.

وَسَمِعْتُ محمدًا يَذْكُرُ عن عَليٍّ بن عَبد اللهِ، قال: عَبد اللهِ بن زَيْدِ بن أسْلمَ ثِقةٌ، وَعَبد الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلمَ ضَعِيفٌ.

قال محمدٌ: وَلا أرْوِي عَنْهُ شَيْئًا.

‌25 - باب ما جاء فِيمن اسْتَقَاءَ عَمْدًا

729 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن حُجْرٍ، قَال: أخبرنا عيسى بنُ يُونُسَ، عن هِشَامِ بن حَسَّان، عن ابن سِيرِينَ

عن أبي هُريرةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من ذَرَعهُ القَيْءُ، فَليْسَ عَليْهِ قَضاءٌ، ومن اسْتَقاءَ عَمْدًا، فَلْيَقْضِ"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي الدَّرْدَاءِ، وَثَوْبانَ، وَفَضالةَ بن عُبَيدٍ.

حديثُ أبي هُريْرَةَ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ من حديثِ هِشَامٍ، عن ابن سِيرِينَ، عن أبي هُريْرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إلَّا من حديثِ عيسى بن يُونسَ.

وقال محمدٌ

(2)

: لا أُرَاهُ مَحفُوظًا.

(1)

إسناده صحيح، وأخرجه أبو داود (2380)، وابن ماجه (1676)، والنسائي في "الكبرى"(3130). وهو في "مسند أحمد"(10463)، و"صحيح ابن حبان"(3518).

(2)

هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وقوله هذا كأنه قاله لظنه أنه تفرد =

ص: 251

وقد رُوِي هذا الحديثُ من غَيْرِ وَجْهٍ عن أبي هُرَيرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلا يَصِحُّ إسْنادُهُ

(1)

.

وقد رُوي عن أبي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ وفَضالَةَ بن عُبَيْدٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فأفْطَرَ. وَإنما مَعْنى هذا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ صَائمًا مُتطوِّعًا، فَقاءَ فَضعُفَ، فأفْطَرَ لِذلكَ، هكذا رُوِي في بَعْضِ الحديثِ مُفَسَّرًا.

والعمل عِنْدَ أهْلِ العلمِ على حديثِ أبي هُريْرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّ الصَّائمَ إذا ذَرَعهُ القَيْءُ فَلا قَضَاءَ عَليْهِ، وإذا اسْتَقاءَ عَمْدًا فَلْيَقضِ، وَبهِ يَقولُ الشافعيُّ، وسُفيانُ الثوريُّ، وَأحمدُ، وَإسحاقُ

(2)

.

‌26 - باب ما جاء في الصَّائِمِ يأكُلُ ويَشْربُ نَاسِيًا

730 -

حَدَّثَنا أبو سَعيدٍ الأشَجُّ، قَال: حَدَّثَنا أبو خَالِدٍ الأحْمَرُ، عن

= به عيسى بن يونس عن هشام، وهو مدفوع بقول أبي داود بإثره: رواه أيضًا حفصُ بن غياث، عن هشام مثله. أخرجه ابن خزيمة (1961)، وابن ماجه (1676) والحاكم 1/ 427، والبيهقي 4/ 219 من طريق حفص بن غياث، عن هشام، به.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 38، والدارقطني 2/ 185 من طريق عبد الله بن سيد، عن جده، عن أبي هريرة. وعبد الله بن سعيد هذا: هو ابن أبي سعيد المقبري متروك.

(2)

وهو قول أبي حنيفة، ففي "الموطأ" ص 126 برواية الإمام محمد بن الحسن: أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن ابن عمر كان يقول: من استقاء وهو صائم، فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء، فليس عليه شيء. قال محمد: وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة.

ص: 252

حَجَّاجٍ، عن قَتادة، عن ابن سِيرِينَ

عن أبي هُريْرَةَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من أكلَ أوْ شَرِبَ نَاسِيًا، فلا يُفْطِرْ، فَإنَّمَا هو رِزْقٌ رَزَقهُ اللهُ"

(1)

.

731 -

حَدَّثَنا أبو سَعيدِ الأشَجُّ قَال: حَدَّثَنا أبو أُسامةَ، عن عَوْفٍ، عن ابن سِيرِينَ وَخِلاسٍ

عن أبي هُريْرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ أوْ نَحْوَهُ

(2)

.

وفي البابِ عن أبي سَعيدٍ، وَأُمِّ إسْحاقَ الغَنويَّةِ.

حديثُ أبي هُريْرَةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أكثَرِ أهْلِ العلمِ، وَبهِ يَقولُ سُفيانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وَإسحاقُ.

وقال مَالكُ بن أنَسٍ: إذا أكَلَ في رَمَضانَ نَاسِيًا، فَعَليْهِ القَضَاءُ.

وَالقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ.

‌27 - باب ما جاء في الإفْطَارِ مُتَعَمِّدًا

732 -

حدَّثَنا بُنْدار، قَال: حَدَّثَنا يحيى بن سَعيدٍ وَعَبدُ الرحمنِ بن

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1933) و (6669)، ومسلم (1155)، وأبو داود (2398)، وابن ماجه (1673)، والنسائي في "الكبرى"(3276). وهو في "المسند"(9489)، و"صحيح ابن حبان"(3519).

(2)

انظر ما قبله.

ص: 253

مَهْدِيٍّ، قَالا: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ، قَال: حَدَّثَنا أبو المُطَوِّسِ، عن أبيهِ

عن أبي هُريْرَةَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من أفْطَرَ يَوْمًا من رَمَضانَ من غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلا مَرضٍ، لم يَقْضِ عَنهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَإنْ صَامهُ"

(1)

.

حديثُ أبي هُريْرَةَ لا نَعْرِفهُ إلَّا من هذا الوَجْهِ.

وَسَمِعْتُ محمدًا يَقولُ: أبو المُطَوِّسِ اسْمُهُ: يَزيدُ بن المُطَوِّسِ، وَلا أعْرِفُ لهُ غَيْرَ هذا الحديثِ.

‌28 - باب ما جاء في كَفَّارَةِ الفِطْرِ في رَمَضانَ

733 -

حَدَّثَنا نَصْرُ بن عَليًّ الجَهْضَمِيُّ وَأبو عَمَّارٍ - المَعْنَى وَاحدٌ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ أبي عَمَّارٍ -، قالا: أخْبرَنَا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن حُمَيْدِ بن عَبد الرحمنِ

عن أبي هُريْرَةَ، قال: أتى رَجُلٌ فقال: يا رَسُولَ اللهِ هَلكْتُ. قال: "وَما أهْلكَكَ؟ "، قال: وَقَعْت على امْرَأتِي في رَمَضانَ. قال: "هَل تَسْتطِيعُ أن تُعْتِقَ رَقَبةً؟ " قال: لا. قال: "فَهلْ تَسْتطِيعُ أنْ

(1)

إسناده ضعيف لجهالة أبي المطوس وأبيه.

وأخرجه أبو داود (2396) و (2397)، وابن ماجه (1672)، والنسائي في "الكبرى"(3281)، وعلقه البخاري في كتاب الصوم، باب رقم (29): إذا جامع في رمضان. فقال: ويذكر عن أبي هريرة يرفعه

وهو في "مسند أحمد"(9014)، و"شرح مشكل الآثار"(1521).

ص: 254

تصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ؟ " قال: لا. قال: "فَهلْ تَستَطيعُ أن تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قال: لا. قال: "اجْلِسْ"، فَجلَسَ، فَأُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فيهِ تَمْرٌ - وَالعَرقُ: المِكْتَلُ الضَّخْمُ - قال: "فتَصَدَّقْ بهِ". فقال: مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أحَدٌ أفْقَرَ مِنَّا. قال: فَضَحِكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى بَدتْ أنْيابُهُ. قال: "خُذْهُ فأطْعِمْهُ أهْلَكَ"

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عُمرَ، وَعَائشةَ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرٍو.

حديثُ أبي هُريْرَةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا الحديثِ عِنْدَ أهْلِ العلمِ في من أفْطَرَ في رَمَضانَ مُتعَمِّدًا من جِمَاعٍ، وأمَّا من أفْطَرَ مُتَعَمِّدًا من أكْلٍ أوْ شُرْبٍ، فَإنَّ أهْلَ العلمِ قد اخْتَلفُوا في ذلكَ.

فقال بَعْضُهُمْ: عَليْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وشَبَّهُوا الأكْلَ وَالشُّرْبَ بالجِمَاعِ، وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّوْريِّ، وابن المُبَارَكِ، وَإسحاقَ

(2)

.

وقال بَعْضُهُمْ: عَليْهِ القَضَاءُ وَلا كَفَّارَةَ عَليْهِ، لأنَّهُ إنما ذُكِرَ عن

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1936)، ومسلم (1111)، وأبو داود (2390)، وابن ماجه (1671) و (1671/ م)، والنسائي في "الكبرى"(3117). وهو في "المسند"(7290)، و"صحيح ابن حبان"(3524).

(2)

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، قال في "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 29: قال أصحابنا: على الآكل والشارب من الكفارة مثل ما على المجامع، وكذلك قال مالك والثوري والأوزاعي.

قلنا: لأن الصوم شرعًا هو الامتناع عن الأكل والجماع، فإذا ثبت في وجه من ذلك شيء، ثبت في نظيره.

ص: 255

النبيِّ صلى الله عليه وسلم الكَفَّارَةُ في الجِمَاعِ، ولم تُذْكَرْ عَنْهُ في الأكْلِ وَالشُّرْبِ، وَقالُوا: لا يُشْبِهُ الأكْلُ وَالشُّرْبُ الجِمَاعَ، وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأحمدَ.

وقال الشّافِعِيُّ: وَقَولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِلرَّجُلِ الذي أفْطَرَ، فَتصَدَّقَ عَليْهِ:"خُذْهُ فأطْعِمْهُ أهْلكَ" يَحْتملُ هذا مَعَانيَ: يَحتَمِلُ أن تكونَ الكفَّارَةُ على من قَدَرَ عَليْهَا، وهذا رَجُلٌ لم يَقْدِرْ على الكَفَّارَةِ، فَلمّا أعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا وَمَلكَهُ، قال الرَّجُلُ: ما أحدٌ أفْقَرَ إلَيْهِ مِنّا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"خُذْهُ فَأطْعِمْهُ أهْلَكَ" لأنَّ الكَفَّارَةَ إنما تكونُ بَعْدَ الفَضْلِ عن قُوتِهِ.

وَاخْتَارَ الشّافِعِيُّ لِمَنْ كانَ على مِثْلِ هذا الحَالِ أن يأكُلَهُ، وتكُونَ الكَفَّارَةُ عَليْهِ دَيْنًا، فَمَتى مَا مَلكَ يَوْمًا، كَفَّرَ.

‌29 - باب ما جاء في السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ

734 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ الرَّحمنِ بن مَهْدِيٍّ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن عَاصِمِ بن عُبَيدِ الله، عن عَبد اللهِ بن عَامرِ بن رَبيعَةَ

عن أبيهِ، قال: رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَا لا أُحْصِي، يَتَسوَّكُ وهو صَائِمٌ

(1)

.

وفي البابِ عن عَائشةَ.

(1)

حديث حسن لغيره، وأخرجه أبو داود (2364). وهو في "المسند"(15678) و (15688).

ص: 256

حديثُ عامرِ بن رَبيعةَ حديثٌ حَسَنٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ لا يَرَوْنَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بأْسًا، إلا أنَّ بَعْضَ أهْلِ العلمِ كَرِهُوا السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ بالعُودِ الرَّطْبِ وَكَرِهُوا لهُ السِّوَاكَ آخِرَ النَّهَارِ، ولم يَرَ الشَّافِعِيُّ بالسِّوَاكِ بَأسًا أوَّلَ النَّهَارِ وآخِرَهُ، وَكَرِهَ أحمدُ وَإسحاقُ السِّوَاكَ آخِرَ النَّهَارِ.

‌30 - باب ما جاء في الكُحْلِ لِلصَّائِمِ

735 -

حَدَّثنا عَبدُ الأعْلَى بن وَاصِلٍ، قَال: حَدَّثَنا الحَسَنُ بن عَطِيَّةَ، قَال: حَدَّثَنا أبو عَاتِكةَ

عن أنسِ بنِ مَالكٍ، قال: جَاء رَجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: اشْتكتْ عَيْنِي، أفأكْتَحِلُ وَأنا صَائمٌ؟ قال:"نَعَمْ"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي رَافعٍ

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف أبي عاتكة.

(2)

حديث أبي رافع ضعيف جدًّا، أخرجه ابن خزيمة (2008) من طريق مُعَمَّر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، والطبراني في "الكبير"(939) من طريق حِبَّان بن علي، كلاهما عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ونزلت معه، فدعاني بكحل إثمد، فاكتحل في رمضان وهو صائم. واللفظ لابن خزيمة، ولفظ الطبراني: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد وهو صائم. قال ابن خزيمة: أنا أبرأ من عهدة هذا الإسناد لمُعَمَّر.

قلنا: ومعمَّر بن محمد بن عبيد الله منكر الحديث، ومتابعُه حِبَّان بن علي - وهو العَنَزي - ضعيف، وشيخهما محمد بن عبيد الله بن أبي رافع ليس بشيء ذاهب الحديث.

ص: 257

حديثُ أنسٍ حديثٌ إسنادُه ليسَ بالقَوىِّ، وَلا يَصِحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ شَيْءٌ، وأبو عَاتِكةَ يُضَعَّفُ.

وَاخْتلَفَ أهْلُ العلمِ في الكُحْلِ لِلصَّائم:

فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وهو قَولُ سُفيانَ، وابن المُبَاركِ، وَأحمدَ، وَإسحاقَ.

وَرخَّصَ بَعْضُ أهْلِ العلمِ في الكُحْلِ لِلصَّائمِ، وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

‌31 - باب ما جاء في القُبْلَةِ لِلصَّائمِ

736 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ وَقُتيبةُ، قَالا: حَدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن زِيَادِ بن عِلاقة، عن عَمْرِو بن ميْمُونٍ

عن عَائشةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّلُ في شَهْرِ الصَّوْمِ

(1)

.

وفي البابِ عن عُمرَ بن الخَطَّابِ، وَحَفْصةَ، وأبي سَعيدٍ، وَأُمِّ سَلمةَ، وابن عَبَّاسٍ، وَأنسٍ، وَأبي هُريْرةَ.

حديثُ عَائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وَاخْتلَفَ أهْلُ العلمِ مِن أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ في القُبْلةِ لِلصَّائمِ، فَرخَّصَ بَعضُ أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في القُبْلةِ لِلشَّيْخِ، ولم

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1927)، ومسلم (1106)، وأبو داود (2383)، وابن ماجه (1683)، والنسائي في "الكبرى"(3050) و (9130). وانظر "المسند"(24110) و (24989)، و"صحيح ابن حبان"(3539).

ص: 258

يُرَخِّصُوا لِلشَّابِّ، مَخافةَ أن لا يَسْلمَ لهُ صَوْمهُ، وَالمُبَاشَرةُ عِنْدهُم أشَدُّ.

وقد قال بَعْضُ أهْلِ العلمِ: القُبْلَةُ تَنْقُصُ الأجْرَ، وَلا تُفْطِرُ الصَّائِمَ. وَرَأوْا أنَّ لِلصَّائمِ إذا مَلكَ نَفْسهُ أن يُقَبِّلَ، وإذا لم يَأمَنْ على نَفْسِهِ، تَركَ القُبْلةَ، لِيَسْلمَ لهُ صَوْمهُ، وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّوْرِىِّ، وَالشّافِعِيِّ

(1)

.

‌32 - باب ما جاء في مُبَاشَرَةِ الصَّائِمِ

737 -

حَدَّثَنا ابن أبي عُمرَ، قَال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، قَال: حَدَّثَنا إسْرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي مَيْسرَةَ

عن عَائشةَ، قالت: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُني وهو صَائمٌ،

(1)

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" 7/ 215: قال الشافعي والأصحاب: القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، لكن الأولى له تركها، ولا يقال: إنها مكروهة له، وإنما قالوا: إنها خلاف الأولى في حقِّه مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمن في حقه مجاوزة حد القبلة، ويُخاف على غيره مجاوزتها كما قالت عائشة: كان أملككم لإربه. وأما من حركت شهوته، فهي حرام في حقه على الأصحَّ عند أصحابنا، وقيل: مكروهة كراهة تنزيه. قال القاضي: قد قال بإباحتها للصائم مطلقًا جماعة من الصحابة والتابعين وأحمد وإسحاق وداود، وكرهها على الإطلاق مالك. وقال ابن عباس وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي: تكره للشاب دون الشيخ الكبير، وهي رواية عن مالكٍ، وروى ابن وهب عن مالك رحمه الله إباحتها في صوم النفل دون الفرض، ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا أن ينزل المني بالقبلة.

ص: 259

وَكانَ أمْلَكَكُمْ لإرْبهِ

(1)

.

738 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا أبو مُعاويةَ، عن الأعْمَشِ، عن إبراهيمَ، عن عَلْقمةَ والأسْوَدِ

عن عَائشةَ، قالت: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ ويُبَاشِرُ وهو صَائِمٌ، وَكانَ أمْلَكَكُمْ لإرْبهِ

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وأبو مَيْسرَةَ اسْمُهُ: عَمْرُو بن شُرَحْبِيلَ. وَمَعْنى لإرْبهِ: يعني لنَفْسهِ.

‌33 - باب ما جاء لا صِيامَ لِمَنْ لم يَعْزِمْ من اللَّيْلِ

739 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بن مَنْصُورٍ، قال: أخبرَنَا ابنُ أبي مَرْيمَ، قال: أخْبرَنَا يحيى بنُ أيُّوبَ، عن عَبد اللهِ بن أبي بَكرٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن سالمِ بن عَبد اللهِ، عن أبيهِ

عن حَفْصةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"من لم يُجْمعِ الصِّيامَ قَبْلَ الفَجْرِ، فَلا صِيامَ لهُ"

(3)

.

(1)

حديث صحيح، أخرجه البخاري (1927)، ومسلم (1106)، وأبو داود (2382)، وابن ماجه (1684) والنسائي في "الكبرى"(3085) وما بعده. وهو في "المسند"(24130) و (24314)، و"صحيح ابن حبان"(3543)، لكن زاد في رواية أحمد (24314): ثم يجعل بينه وبينها ثوبًا، يعني الفرج. وهذه الزيادة ضعيفة انفرد بها طلحة بن يحيى التيمي، وفيه كلام لا يُحسَّن ما انفرد به.

(2)

صحيح كسابقه.

(3)

صحيح موقوفًا، فقد اختلف في رفعه ووقفه، والصواب وقفه فيما رجحه الأئمة: أبو حاتم وأبو داود والترمذي والبخاري والنسائي وغيرهم، وقال الطحاوي =

ص: 260

حديثُ حَفْصةَ حديثٌ لا نَعْرِفهُ مَرْفُوعًا إلا من هذا الوَجْهِ.

وقد رُوِي عن نَافعٍ، عن ابن عُمرَ قَوْلَهُ، وهو أصَحُّ

(1)

. وهكذا أيضًا روي هذا الحديث عن الزهري موقوفًا، ولا نعلمُ أحدًا رفعه إلا يحيى بن أيوب.

وَإنَّما مَعْنى هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ: لا صِيَامَ لِمَنْ لم يُجْمعِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ في رَمَضانَ، أوْ في قَضاءِ رَمَضانَ، أوْ في صِيامِ نَذْرٍ إذا لم يَنْوِهِ من اللَّيْلِ لم يَجْزِهِ، وَأمَّا صِيَامُ التَّطَوُّعِ، فَمُبَاحٌ لهُ أن يَنْويَهُ بعْدَما أصْبحَ، وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأحمدَ، وَإسحاقَ.

= في "شرح معاني الآثار" هذا الحديث لا يرفعه الحفاظ الذين يروونه عن ابن شهاب، ويختلفون عنه فيه اختلافًا يوجب اضطراب الحديث بما هو دونه. انظر "التلخيص الحبير" 2/ 188.

وأخرجه مرفوعًا أبو داود (2454)، وابن ماجه (1700)، والنسائي 4/ 196 و 197. وهو في "مسند أحمد" (26457).

وأخرجه موقوفًا على حفصة النسائي 4/ 197.

(1)

أخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 288، ومن طريقه النسائي 4/ 198، والبيهقي 6/ 227 - 228 عن نافع، عن ابن عمر قوله.

وتابع مالكًا عبيدُ الله بن عمر العمري: أخرجه النسائي 4/ 198، وموسى بنُ عقبة: أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 55، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر قوله. وانظر تفصيل الكلام على علل هذا الحديث في "المسند"(26457).

ص: 261

‌34 - باب ما جاء في إفْطَارِ الصَّائِمِ المُتَطوِّعِ

740 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا أبو الأحْوَصِ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، عن ابن أُمِّ هَانِئٍ

عن أُمِّ هَانِئٍ، قالت: كُنْتُ قَاعِدة عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأُتِيَ بِشَرابٍ فَشَرِبَ منْهُ، ثمَّ نَاوَلنِي فَشَربْتُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: إنِّي أذْنَبْتُ فَاسْتَغْفِرْ لي. فقال: "ومَا ذَاك؟ " قالت: كُنْت صَائِمَةً فأفْطَرتُ. فقال: "أمِن قَضاءٍ كُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ " قالت: لا. قال: "فَلا يضُرُّكِ"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي سَعيدٍ، وَعَائشةَ.

وحديثُ أُمِّ هانئٍ في إسْنادِهِ مَقالٌ.

والعملُ عَليْهِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيرِهِمْ؛ أنَّ الصَّائمَ المُتطَوِّعَ إذا أفْطَرَ فَلا قَضاءَ عَليْهِ، إلَّا أن يُحِبَّ أنْ يَقضِيهُ، وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّوْرِىِّ وأحمدَ وَإسحاقَ وَالشَّافِعِيِّ.

741 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا أبو دَاودَ، قَال: أخبرنا شُعبةُ، قال: كُنْتُ أسْمعُ سِمَاكَ بن حَرْبٍ يَقولُ: أحدُ بَني أُمِّ هَانئ حَدَّثَني، فلقيتُ أنا أفضلَهُم - وكان اسمُهُ جَعْدَةَ، وكانتْ أُمُّ هانئ جَدَّتَه - فحدَّثَني

عن جدّتهِ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخلَ عَليْهَا، فَدعَى بِشَرابٍ فَشَربَ، ثُمَّ ناوَلهَا فَشَربتْ، فقالت: يَا رَسولَ اللهِ أما إنِّي كُنْتُ

(1)

إسناده ضعيف لجهالة ابن أم هاني، واسمه جعدة، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(3302) وما بعده. وهو في "مسند أحمد"(26893) وقد فصلنا القول في إسناده فيه.

ص: 262

صَائمةً، فقال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"الصَّائمُ المُتَطوِّعُ أمِينُ نَفْسهِ، إنْ شاءَ صَامَ، وَإنْ شَاءَ أفْطَرَ"

(1)

.

قال شُعبةُ: فَقلْتُ لهُ: أنْتَ سَمِعتَ هذا من أُمِّ هَانئٍ؟ قال: لا، أخْبرني أبو صَالحٍ وَأهْلُنا عن أُمِّ هَانئٍ.

وَرَوَى حَمَّادُ بن سَلمةَ هذا الحديثَ، عن سِمَاك بن حَرْب، فقال: عن هَارُونَ بن بنْتِ أُمِّ هَانئٍ

(2)

، عن أُمِّ هَانئٍ.

وَرِوَايةُ شُعبةَ أحْسنُ.

هكذا حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ عن أبي دَاودَ، فقال:"أمِينُ نَفْسهِ". وَحَدَّثَنا غَيْرُ محمودٍ عن أبي دَاودَ، فقال:"أمِيرُ، أو أمِينُ نَفْسهِ" على الشَّكِّ، وهكذا رُوِي من غَيْرِ وَجْهٍ عن شُعبةَ:"أمِيرُ، أوْ أمِينُ نَفْسهِ" على الشَّكِّ.

‌35 - باب صِيامِ المتطوع بغير تَبْيِيت

742 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن طَلْحةَ بن يحيى، عن عَمَّتهِ

(1)

إسناده ضعيف كسابقه، ورواه الحاكم في "المستدرك" 1/ 439 من طريق سماك بن حرب عن أبي صالح، عن أم هانئ. وصحح إسناده، ووافقه الذهبي، والألباني في "آداب الزفاف" ص 156، وهذا خطأ مبين، فإن أبا صالح - واسمه باذام مولى أم هانئ - ضعيف ومدلس.

وانظر بسط القول في تضعيف هذا الحديث فيما علقناه على "شرح السنة" 6/ 371.

(2)

هو مجهول كما في "التقريب".

ص: 263

عَائشةَ ابنة طَلْحةَ

عن عَائشةَ أُمِّ المؤمِنينَ، قالت: دَخَلَ عَليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فقال:"هَلْ عِنْدكُمْ شَيْءٌ؟ " قالت: قُلْتُ: لا. قال: "فَإنِّي صَائمٌ"

(1)

.

743 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيلانَ، قَال: حَدَّثَنا بِشْرُ بن السَّرِيِّ، عن سُفيانَ، عن طَلْحةَ بن يحيى، عن عَائشةَ بِنْتِ طَلْحةَ

عن عَائشةَ أُمِّ المؤْمِنينَ، قالت: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأتِينِي فَيَقولُ: "أعِنْدَكِ غَدَاءٌ؟ " فأقولُ: لا. فَيَقولُ: "إنِّي صَائمٌ"، قالت: فأتَانِي يَوْمًا، فَقُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ، إنَّهُ قد أُهْدِيَتْ لَنا هَدِيَّةٌ، قال:"وَما هِي؟ "، قلْتُ: حَيْسٌ. قال: "أمَا إنِّي أصْبَحْتُ صَائِمًا"، قالت: ثمَّ أكَلَ

(2)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ.

(1)

حديث حسن، وأخرجه مسلم (1154)، وأبو داود (2455)، وابن ماجه (1701)، والنسائي 4/ 193 و 194 و 195. وهو في "مسند أحمد" (24220)، و"صحيح ابن حبان" (3628). وانظر لزامًا كلامنا على هذا الحديث في "المسند".

وقد وقع في "سنن النسائي" زيادة في آخر الحديث، وهي:"إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها" وهي زيادة مدرجة في الحديث من قول مجاهد، بين ذلك الإمام مسلم في "صحيحه". وكان على الألباني رحمه الله أن لا يخفي هذه الحقيقة على القراء وهو بصدد الرد علينا في "آداب الزفاف".

(2)

إسناده حسن كالذي قبله.

ص: 264

‌36 - باب ما جاءَ في إيجابِ القضاءِ عَليهِ

744 -

حَدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ، قال: حَدَّثَنا كَثيرُ بن هشامٍ: قال: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بنُ بُرقانَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُروَةَ

عن عائشةَ، قالت: كُنتُ أنا وحَفْصَةُ صائمَتَيْنِ، فعُرِضَ لنا طَعامٌ اشْتَهَيْناهُ فأكَلنا منهُ، فجاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فبَدَرَتْني إليه حَفْصَةُ، وكانت ابنَةَ أبيها، فقالت: يا رسولَ الله إنا كنَّا صائمَتين، فعُرِضَ لنا طَعامٌ اشْتَهَيْناهُ، فأكَلْنا منه، قال:"اقْضِيا يومًا آخرَ مَكانَهُ"

(1)

.

وَرَوَى صَالحُ بن أبي الأخْضرِ وَمحمدُ بن أبي حَفْصةَ هذا الحديثَ، عن الزُّهْرِىِّ، عن عُرْوةَ، عن عَائشةَ مِثْلَ هذا

(2)

.

وَرَوى مَالكُ بن أنَس وَمَعْمَرٌ وَعُبَيْدُ اللهِ بن عُمرَ وَزِيادُ بن سَعْدٍ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2457)، والنسائي في "الكبرى"(3290) وما بعده، وهو في "المسند"(25094)، و"صحيح ابن حبان"(3517).

وفي الباب عن ابن عباس، وأنس بن سيرين عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 111، وانظر "المسند".

قولها: "وكانت ابنة أبيها"، أي: جريئة كأبيها عمر.

"اقضيا"، هذا يدلُّ على جواز الإفطار للمتطوع، لكن بشرط أن يقضي، وبه قال بعض أهل العلم، وهو أقرب إلى التوفيق بين الأدلة، بخلاف قول من لا يرى جواز الإفطار، أو لا يرى لزوم القضاء، والله تعالى أعلم. قاله السندي في حاشيته على "المسند".

(2)

طريق صالح بن أبي الأخضر أخرجها النسائي في "الكبرى"(3293)، والبيهقي 2/ 280. وصالح بن أبي الأخضر ضعيف.

ص: 265

وغَيْرُ وَاحِدٍ من الحُفَّاظِ عن الزُّهْرِىِّ، عن عَائشةَ مُرْسلًا. ولم يَذكُرُوا فيهِ: عن عُرْوةَ، وهذا أصَحُّ، لأنَّهُ رُوِي عن ابن جُرَيْجٍ، قال: سَألْتُ الزُّهْرِىَّ فقُلْتُ لهُ: أحَدَّثكَ عُرْوةُ، عن عَائشةَ؟ قال: لم أسْمَعْ من عُرْوةَ في هذا شَيْئًا، ولكن سَمِعتُ في خِلافةِ سُليمانَ بن عَبد الملكِ من ناسٍ عن بَعضِ من سَألَ عائشةَ عن هذا الحديثِ

(1)

.

745 -

حَدَّثَنا بهذا عَليّ بن عيسى بن يَزِيدَ البَغْدَادِيّ، قَال: حَدَّثَنا رَوْحُ بن عبَادَةَ، عن ابن جُرَيْجٍ، فَذَكَرَ الحديثَ

(2)

.

وقد ذَهَبَ قَوْمٌ من أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ إلى هذا الحديثِ؛ فَرَأوْا عَليْهِ القَضَاءَ إذا أفْطَرَ، وهو قَوْلُ مَالكِ بن أنسٍ

(3)

.

(1)

وللحديث طريق آخر صحيح، فقد رواه ابن حبان (3517)، والنسائي (3282)، والطحاوي 2/ 109 من طرق عن ابن وهب، حدثني جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة

وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حزم في "المحلى" 6/ 270.

وانظر لزامًا "الجوهر النقي" 4/ 280 - 281.

(2)

رواية ابن جريج المرسلة أخرجها عبد الرزاق (7791)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 109، والبيهقي 4/ 280.

وأخرجه مرسلًا أيضًا من غير طريق ابن جريج عن الزهري: عبد الرزاق (7790)، والنسائي في "الكبرى"(3296) و (3297)، والطحاوي 2/ 108، والبيهقي 4/ 279.

(3)

وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله، انظر "شرح معاني الآثار" 2/ 111.

ص: 266

‌37 - باب ما جاء في وِصَالِ شَعْبانَ بِرَمَضانَ

746 -

حَدَّثَنا بُنْدار، قَال: حَدَّثَنا عَبد الرحمن بن مَهْديٍّ، عن سُفيانَ، عن مَنْصُورٍ، عن سَالمِ بن أبي الجَعْدِ، عن أبي سَلمةَ

عن أُمِّ سَلمةَ، قالت: مَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إلا شَعْبانَ وَرَمَضانَ

(1)

.

وفي البابِ عن عَائشةَ.

حديثُ أُمِّ سَلمةَ حديثٌ حَسَنٌ.

وقد رُوِي هذا الحديثُ أيْضًا، عن أبي سَلمةَ، عن عَائشةَ أنهَا قالت: مَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في شَهْرٍ أكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ في شَعْبانَ، كانَ يَصُومهُ إلا قَلِيلًا، بَلْ كانَ يَصُومهُ كُلَّه.

747 -

حَدَّثَنا بذلك هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا عَبْدةُ، عن محمدِ بن عَمْرٍو، قَال: حَدَّثَنا أبو سَلمةَ، عن عَائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بذلكَ

(2)

.

كذلك رَوَى سَالمٌ أبو النَّضْرِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هذا الحديث عن أبي

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2336)، وابن ماجه (1648)، والنسائي 4/ 150 و 200. وهو في "المسند" (26517) و (26562).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1969)، ومسلم (1156)(175) و (176)، وأبو داود (2434)، وابن ماجه (1710)، والنسائي 4/ 150 و 151 و 199 و 200. وهو في "مسند أحمد" (24116) و (24542)، و"صحيح ابن حبان" (3637).

ص: 267

سَلمةَ، عن عَائشةَ نحو رِوَايةِ محمدِ بن عَمْرٍو

(1)

.

وَرُوي عن ابن المُبَاركِ أنَّهُ قال في هذا الحديثِ قال: هو جَائز في كَلامِ العَربِ، إذا صَامَ أكْثرَ الشّهْرِ أن يُقالَ: صَامَ الشَّهْرَ كُلَّه، وَيقالُ: قَامَ فلانٌ لَيْلتَه أجْمَعَ، وَلَعلّهُ تَعَشّى وَاشْتَغلَ بِبَعْضِ أمْرهِ، كأنَّ ابن المُبَاركِ قد رَأى كِلا الحديثينِ مُتَّفِقَيْنِ، يَقولُ: إنمَا مَعْنَى هذا الحديثِ أنّهُ كانَ يَصُومُ أكْثرَ الشَّهْرِ.

‌38 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ الصَّوْمِ في النِّصْفِ الباقي من شَعْبانَ لِحَالِ رَمَضانَ

748 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبد العَزِيزِ بن محمدٍ، عن العَلاءِ بن عَبد الرحمنِ، عن أبيهِ

عن أبي هُريْرَةَ، قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بَقِي نِصْفٌ من شَعْبانَ، فَلا تَصُومُوا"

(2)

.

حديثُ أبي هُريْرَةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، لا نَعْرِفهُ إلا من هذا

(1)

طريق سالم أبي النضر أخرجها أبو يعلى (4788).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2337)، وابن ماجه (1651)، والنسائي في "الكبرى"(2911). وهو في "المسند"(9707)، و"صحيح ابن حبان" (3589). قال أبو داود: وكان عبد الرحمن - أي: ابن مَهْدي - لا يحدِّث به، قلت، لأحمد: لِمَ؟ قال: لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلُ شعبان برمضان، وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، قال أبو داود: وليس هذا عندي خلافه، ولم يجِئ به غير العلاء عن أبيه.

ص: 268

الوَجْهِ على هذا اللَّفْظِ.

وَمَعْنى هذا الحديثِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ: أن يكُونَ الرَّجُلُ مُفْطِرًا، فَإذا بَقِيَ شيءٌ من شَعْبانَ، أخَذَ في الصَّوْمِ لِحَالِ شَهْرِ رَمَضانَ.

وقد رُوِي عن أبي هُريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُشْبهُ قولَه هذا حَيْثُ قال صلى الله عليه وسلم:"لا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضانَ بِصِيامٍ إلَّا أن يُوَافِقَ ذلك صَوْمًا كانَ يَصُومهُ أَحَدُكُمْ"

(1)

. وقد دَلَّ في هذا الحديثِ أنّما الكَراهِيةُ على من يَتعَمَّدُ الصِّيَامَ لِحَالِ رَمَضانَ

(2)

.

‌39 - باب ما جاء في لَيْلةِ النِّصْفِ من شَعْبانَ

749 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنيعٍ، قال: حَدَّثَنا يَزِيدُ بن هارُونَ، قال: أخبرنا الحَجَّاجُ بن أرْطَاةَ، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عن عُرْوةَ

عن عَائشةَ، قالت: فَقَدْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلةً، فَخَرَجْتُ فإذا هو بِالبَقِيعِ، فقال:"أكُنْتِ تَخَافِينَ أن يَحِيفَ اللهُ عَليْكِ وَرَسُولُهُ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ظَنَنْتُ أنّكَ أتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فقال: "إنَّ الله تبارك وتعالى يَنْزِلُ لَيْلةَ النِّصْفِ من شَعْبانَ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيا،

(1)

حديث صحيح، وقد سلف تخريجه برقم (692).

(2)

ولبعض أهل العلم مذهب آخر في الجمع بين هذين الحديثين: وهو أن حديث العلاء بن عبد الرحمن محمول على مَن يُضعِفُه الصومُ، والحديث الآخر مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان، وهو جمع حسنٌ كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 4/ 129، وانظر "شرح معاني الآثار" للطحاوي 2/ 84 - 85.

ص: 269

فَيَغْفِرُ لأكْثر من عَددِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي بكْرٍ.

حديثُ عَائِشةَ لا نَعْرِفهُ إلا من هذا الوَجْهِ من حديثِ الحَجَّاجِ، وَسَمِعْتُ محمدًا يقول بضَعفِ هذا الحديثِ، وقال: يحيى بن أبي كَثيرٍ لم يَسْمَعْ من عُرْوةَ، قال محمد: والحَجَّاج لم يَسْمَعْ من يحيى بن أبي كَثِيرٍ.

‌40 - باب ما جاء في صَوْمِ المُحَرَّمِ

750 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا أبو عَوانةَ، عن أبي بِشْرٍ، عن حُمَيْدِ بن عبد الرَّحمنِ الحِميَرِىِّ

عن أبي هُريْرَةَ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ"

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف حجاج بن أرطاة، ولانقطاعه كما نقله المصنِّف عن البخاري بإثر الحديث.

وأخرجه ابن ماجه (1389). وهو في "المسند"(26018).

وأخرج ابن حبان (5665) من حديث معاذ بن جبل رفعه: "يَطَّلِعُ الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" وهو حديث صحيح بشواهده.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1163)، وأبو داود (2429)، وابن ماجه (1742)، والنسائي 3/ 206 - 207. وهو في "المسند" (8026) و (8534)، و"صحيح ابن حبان" (2563) و (3636)، و"شرح مشكل الآثار" (1255).

ص: 270

حديثُ أبي هُريرةَ حديثٌ حَسَنٌ.

751 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا عليُّ بن مُسْهِرٍ، عن عَبد الرحمنِ بن إسحاقَ، عن النُّعْمانِ بن سَعْدٍ

عن عَليٍّ، قال: سَألهُ رَجُلٌ، فقال: أىَّ شَهْرٍ تأمُرُنِي أنْ أصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ؟ فقال لهُ: مَا سَمعْتُ أحَدًا يَسألُ عن هذا إلا رَجُلًا سَمعْتُهُ يَسألُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأنا قَاعدٌ عنده، فقال: يَا رَسولَ اللهِ أيَّ شَهْرٍ تأمُرُني أنْ أصُومَ بَعْدَ شَهرِ رَمَضانَ؟ قال: "إنْ كُنْتَ صَائمًا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ، فَصُم المُحَرَّمَ، فَإنّهُ شَهْرُ اللهِ، فيهِ يَوْمٌ تَابَ فيهِ على قَوْمٍ، وَيَتُوبُ فيهِ على قَوْمٍ آخَرِينَ"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.

‌41 - باب ما جاء في صَوْمِ يَوْمِ الجُمعَةِ

752 -

حَدَّثَنا القَاسمُ بن دِينَارٍ كوفيٌّ، قَال: حَدَّثَنا عُبَيدُ اللهِ بن موسى وطَلْقُ بن غَنّام، عن شَيْبانَ، عن عَاصمٍ، عن زِرٍّ

(1)

إسناده ضعيف، عبد الرحمن بن إسحاق - وهو الواسطي - ضعيف، والنعمان بن سعد مجهول، وحسنه الترمذي بحديث أبي هريرة السالف.

وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 41، والدارمي (1756)، والبزار (699)، وأبو يعلى (267). وهو في "المسند"(1322).

وقوله: "فيه يوم تاب فيه على قوم" قال المباركفوري: هم قوم موسى، نجاهم الله من فرعون وأغرقه، وفي حديث ابن عباس عند مسلم (1130) قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيمًا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"نحن أولى بموسى منكم" فأمر بصومه.

ص: 271

عن عَبد اللهِ، قال: كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصومُ مِن غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثةَ أيَّامٍ، وَقَلَّما كان يُفْطِرُ يَوْمَ الجُمُعَةِ

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عُمرَ، وَأبي هُريْرَةَ.

حديثُ عَبد اللهِ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.

وقد اسْتَحبَّ قَوْمٌ من أهْلِ العلمِ صِيَامَ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وَإنّما يُكْرَهُ أن يَصُومَ يَوْمَ الجُمُعَةِ لا يَصُومُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدهُ.

وَرَوَى شُعبةُ عن عَاصمٍ هذا الحديثَ، ولم يَرْفَعهُ.

‌42 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ صَوْمِ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَحْدَهُ

753 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثنا أبو مُعاويةَ، عن الأعْمَشِ، عن أبي صَالحٍ

(1)

حديث حسن، وأخرجه النسائي 4/ 204، وابن حبان (3645)، وهو في "المسند"(3860).

وأخرج الشطر الأول منه أبو داود (2450)، وابن حبان (3641).

وأخرج شطره الثاني ابن ماجه (1725).

قوله: "غرة كل شهر"، أي: أوله.

قال ابن خزيمة بإثر الحديث (2129) من "صحيحه": هذا الخبر يحتمل أن يكون كخبر أبي عثمان عن أبي هريرة: أوصاني خليلي بثلاث: صوم ثلاثة أيام من أول الشهر، فأوصى بذلك أبا هريرة، ويصوم أيضًا أيام البيض، فيجمع صوم ثلاثة أيام من الشهر مع صوم أيام البيض، ويحتمل أن يكون معنى فعله وما أوصى به أبا هريرة من صوم الثلاثة أيام من أول الشهر مبادرة بهذا الفعل بدل صوم الثلاثة أيام البيض، إما لعلةٍ من مرض أو سفر، أو خوف نزول المنية.

ص: 272

عن أبي هُريْرَةَ، قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَصُومُ

(1)

أحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إلَّا أن يَصُومَ قَبْلَهُ، أو يَصُومَ بَعْدَهُ"

(2)

.

وفي البابِ عن عَليٍّ، وَجَابرٍ، وَجُنادةَ الأزْدِىِّ، وَجُويْرِيةَ، وَأنسٍ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرو.

حديثُ أبي هريرة حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعمل على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ يكْرهُونَ أنْ يَخْتَصَّ يَوْم الجُمعَةِ بِصيامٍ، لا يَصُومُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ. وَبهِ يَقولُ أحمدُ، وَإسحاقُ.

‌43 - باب ما جاء في صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ

754 -

حَدَّثَنا حُمَيْدُ بن مَسْعدةَ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ بن حَبيبٍ، عن ثَوْرِ بن يَزِيدَ، عن خَالدِ بن مَعْدَانَ، عن عَبد اللهِ بن بُسْرٍ

عن أُخْتِهِ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلّا فِيمَا افْتُرِضَ عَليْكُمْ، فإنْ لم يَجِدْ أحدُكُمْ إلَّا لِحَاءَ عِنبَةٍ أوْ عُود

(1)

كذا في الأصول وفي أكثر روايات البخاري بلفظ النفي، والمراد به النهي، وفي مسلم:"لا يَصُم" على الجادَّة، وللكُشمِيهني أحد رواة البخاري:"لا يصومنَّ" بلفظ النهي المؤكد.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1985)، ومسلم (1144)، وأبو داود (3420)، وابن ماجه (1723)، والنسائي في "الكبرى"(2755 - 2757) وهو في "مسند أحمد"(10424)، و"صحيح ابن حبان"(3614).

وانظر "المسند" أيضًا (7388).

ص: 273

شَجَرةٍ، فَلْيَمْضَغْهُ"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

وَمَعْنى الكَراهية في هذا: أنْ يختصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ، لأنّ اليهُودَ يُعظِّمونَ يَوْمَ السَّبْتِ.

‌44 - باب ما جاء في صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ

755 -

حَدَّثنا أبو حَفْصٍ عَمْرُو بن عَليٍّ الفَلَّاسُ، قَال: حَدَّثَنا عبدُ اللهِ بن دَاوُدَ، عن ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ، عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن رَبِيعةَ الجُرَشِيِّ

عن عَائشةَ، قالت: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صوْمَ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ

(2)

.

(1)

رجاله ثقات، إلا أنه أُعلَّ بالاضطراب والمعارضة، وقد بسطنا الكلام عليه في تعليقنا على "مسند أحمد"(17686)، و"صحيح ابن حبان"(3615).

وأخرجه أبو داود (2421)، وابن ماجه بإثر الحديث (1726)، والنسائي في "الكبرى"(2760) و (2762) وما بعده، وهو في "المسند"(27075).

وجاء في "الفروع" 3/ 123 - 124 لابن مفلح ما نصه: قال الأثرم: قال أبو عبد الله - الإمام أحمد -: قد جاء فيه حديث الصماء، وكان يحيى بن سعيد يتقيه، وأبى أن يحدثني به، قال الأثرم: وحجة أبي عبد الله في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر، منها حديث أم سلمة.

قال ابن مفلح: واختار شيخنا - يعني شيخ الإسلام ابن تيمية - أنه لا يكره صومه، وأنه قول أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايتهم، وأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى، فالحديث شاذ أو منسوخ.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1739)، والنسائي 4/ 202 و 203. =

ص: 274

وفي البابِ عن حَفْصةَ، وَأبي قَتادةَ، وأبي هريرة، وَأُسامةَ بن زَيْدٍ.

حديثُ عائشةَ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ.

756 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا أبو أحمدَ وَمُعاويةُ بن هِشَامٍ، قَالا: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن مَنْصورٍ، عن خَيْثَمَة

عن عَائشةَ، قالت: كانَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَصُومُ من الشَّهْرِ: السَّبْتَ وَالأحَدَ والاثنينِ، ومن الشَّهْرِ الآخَرِ: الثّلاثَاءَ وَالأربِعَاءَ وَالخَميسَ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

وَرَوَى عَبد الرحمنِ بن مَهْدِيٍّ هذا الحديثَ عن سُفيانَ، ولم يَرْفَعْهُ.

757 -

حَدَّثَنا محمدُ بن يحيى، قَال: حَدَّثَنا أبو عَاصمٍ، عن محمدِ بن رِفَاعةَ، عن سُهَيْلِ بن أبي صَالحٍ، عن أبيهِ

عن أبي هُريْرةَ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"تُعْرَضُ الأعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالخَميسِ، فَأُحِبُّ أن يُعْرَضَ عَمَلي وأنَا صائمٌ"

(2)

.

= وهو في "المسند"(24508) و (24748)، و"صحيح ابن حبان"(3643).

(1)

إسناده ضعيف لانقطاعه، خيثمة - وهو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة - قال أبو داود (2128): لم يسمع من عائشة.

وهو في "الشمائل المحمدية" للمصنف (299).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه بنحوه مسلم (2565)(35) و (36)، وأبو داود =

ص: 275

حديثُ أبي هُريْرةَ في هذا البابِ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.

‌45 - باب ما جاء في صَوْمِ الأرْبِعَاءِ وَالخَمِيسِ

758 -

حَدَّثَنا الحسينُ بن محمدٍ الجَريرِيُّ وَمحمدُ بن مَدُّويَه، قَالا: حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بن موسى، قال: أخبرنا هارُونُ بن سَلْمانَ، عن عبيد الله بن مُسْلِمٍ القُرَشِيِّ

عن أبيهِ، قال: سَألْتُ، أوْ سُئِلَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صِيَامِ الدَّهْرِ، فقال:"إنَّ لأهْلِكَ عَليْكَ حَقًّا، صُمْ رَمَضانَ وَالَّذي يلِيهِ وَكلَّ أرْبِعاءٍ وَخَمِيسٍ، فَإذا أنْتَ قد صُمْتَ الدَّهْرَ وَأفْطَرْتَ"

(1)

.

وفي البابِ عن عَائشةَ.

حديثُ مُسْلمٍ القُرَشِيِّ حديثٌ غريبٌ.

وَرَوَى بَعْضُهم عن هارُونَ بن سَلْمانَ، عن مُسْلمِ بن عُبَيْدِ الله، عن أبيه

(2)

.

= (4916)، وابن ماجه (1740)، ولفظ مسلم في الرواية الثانية:"تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرَأً كانت بينه وبين أخيه شحناءُ، فيقال: ارْكو - يعني أَخِّروا - هذين حتى يصطلحا، ارْكُوا هذين حتى يصطلحا". وهو في "مسند أحمد"(7639)، و"صحيح ابن حبان"(3644) و (5661).

وسيأتي الحديث عند المصنف برقم (2142).

(1)

إسناده ضعيف لجهالة عُبيد الله بن مسلم القرشي.

وأخرجه أبو داود (2432)، والنسائي في "الكبرى"(2779) و (2780).

(2)

كذا وقع في إحدى روايات النسائي.

ص: 276

‌46 - باب ما جاء في فَضْلِ صَوْمِ يوم عَرفةَ

759 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ وَأحمدُ بن عَبْدةَ الضَّبِّيُّ، قَالا: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن غَيْلانَ بن جَريرٍ، عن عَبد اللهِ بن مَعْبدٍ الزِّمَّانيِّ

عن أبي قَتادةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"صِيَامُ يَوْمِ عَرفَةَ، إنِّي أحْتَسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي بعدَهُ وَالسَّنةَ التي قبلَه"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي سَعيدٍ.

حديثُ أبي قَتادةَ حديثٌ حَسَنٌ.

وقد اسْتَحَبَّ أهْلُ العلمِ صِيَامَ يَوْمِ عَرفةَ إلَّا بعَرَفةَ.

‌47 - باب ما جاء في كَرَاهيةِ صَوْمِ يَوْمِ عَرفةَ بِعَرفةَ

760 -

حَدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بن عُليَّةَ، قَال: حَدَّثَنا أيُّوبُ، عن عِكْرمَةَ

عن ابنِ عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أفْطَرَ بِعَرفةَ، وَأرْسَلَتْ إلَيْهِ أُمُّ الفَضْلِ بِلَبنٍ فَشَرِبَ

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا مسلم (1162)، وأبو داود (2425) و (2426)، وابن ماجه (1730). وهو في "مسند أحمد"(22517) و (22621)، وانظر "صحيح ابن حبان"(4642).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه من حديث ابن عباس النسائي في "الكبرى"(2815) و (2816)، وهو في "المسند"(1870) و (3398).

وروي من حديث أم الفضل نفسها، أخرجه البخاري (1658) و (5618)، ومسلم (1123)، وأبو داود (2441)، وهو في "المسند"(26869)، و"صحيح =

ص: 277

وفي البابِ عن أبي هُريْرةَ، وابن عُمرَ، وَأُمِّ الفَضْلِ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد رُوِي عن ابن عُمرَ، قال: حَجَجْتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم يَصُمْهُ - يَعْنِي يَوْمَ عَرفةَ -، ومع أبي بَكْرٍ فلم يَصُمْهُ، ومع عُمرَ فلم يَصُمهُ، ومع عُثمانَ فلم يَصُمْهُ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العلمِ: يَسْتَحِبُّونَ الإفْطَارَ بِعَرَفةَ ليتَقَوَّى بهِ الرَّجُلُ على الدُّعَاءِ، وقد صَامَ بَعْضُ أهْلِ العلمِ يَوْمَ عَرَفةَ بِعَرفةَ.

761 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ وَعَليُّ بن حُجْرٍ، قَالا: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيينةَ وَإسماعيلُ بن إبراهيم، عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن أبيه، قال:

سُئِلَ ابن عمرَ عن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفة، قال: حَجَجْتُ مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلم يَصُمْهُ، ومع أبي بكرٍ فلم يَصُمْهُ، ومع عُمرَ فلم يَصُمهُ، ومع عُثمان فلم يَصُمهُ، وأنا لا أصُومُهُ، وَلا آمرُ بهِ، وَلا أنْهى عَنْهُ

(1)

.

= ابن حبان" (3605) و (3606).

(1)

حديث صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن أبا نجيح - واسمه يسار المكي - وإن كان قد حدث عن ابن عمر، غير أنه لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر، وإنما رواه عن رجل لم يُسَمِّه عن ابن عمر كما هو مبيَّن في "مسند أحمد"(5080)، وسيشير المصنف إلى الرواية التي فيها الرجل المبهم بإثر الحديث. =

ص: 278

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

وأبو نَجِيحٍ اسْمهُ: يَسَارٌ، وقد سَمعَ عن ابن عُمر، وقد رُوِي هذا الحديثُ أيضًا عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن أبيهِ، عن رَجُلٍ، عن ابن عُمرَ

(1)

.

‌48 - باب ما جاء في الحَثِّ على صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ

762 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ وَأحمدُ بن عَبْدةَ الضَّبِّيُّ، قَالا: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن غَيْلانَ بن جَرِيرٍ، عن عَبد اللهِ بن مَعْبدٍ الزِّمَّانيِّ

عن أبي قَتادةَ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "صِيَامُ يَوْم عَاشُورَاءَ، إني أحْتَسبُ على اللهِ أن يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ"

(2)

.

وفي البابِ عن عَليٍّ، وَمحمدِ بن صَيْفِيٍّ، وَسَلمةَ بن الأكْوَعِ، وَهِنْدِ بن أسْماءَ، وابن عَبَّاسٍ، وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ، وَعَبد الرحمنِ بن سَلمةَ الخُزَاعيِّ عن عَمِّهِ، وَعَبد اللهِ بن الزُّبَيْرِ،

= وأخرجه النسائي في "الكبرى"(2825) و (2826)، وهو في "المسند"(5080)، و"صحيح ابن حبان"(3604).

(1)

حديث صحيح بطرقه وشواهده كسابقه، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الراوي له عن ابن عمر.

وأخرجه من هذا الطريق النسائي في "الكبرى"(2827)، وهو في "المسند"(5420).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا مسلم (1162)، وأبو داود (2425)، وابن ماجه (1738)، وهو في "المسند"(22537)، و"صحيح ابن حبان"(3632).

ص: 279

ذكَروا عن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ حثَّ على صِيَامِ يَوْمِ عَاشُوراءَ.

لا نَعْلمُ في شَيْءٍ من الرِّواياتِ أنّهُ قال: "في صِيَامِ يَوْمِ عَاشُوراءَ كَفَّارةُ سَنةٍ" إلا في حديثِ أبي قَتادةَ.

وبحديثِ أبي قَتادةَ يَقولُ أحمدُ، وَإسحاقُ.

‌49 - باب ما جاء في الرُّخْصَةِ في تَرْكِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُوراءَ

763 -

حَدَّثَنا هارُونُ بن إسحاقَ الهَمْدَانيُّ، قَال: حَدَّثَنا عَبْدةُ بن سُلَيْمانَ، عن هِشَامِ بن عُرْوةَ، عن أبيهِ

عن عَائشةَ، قالت: كانَ عَاشوراءُ يَوْمًا

(1)

تَصُومهُ قُرَيْشٌ في الجَاهِليَّةِ، وَكانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصُومهُ، فَلمّا قَدِمَ المَدِينةَ صَامهُ وَأمرَ النَّاسَ بِصِيَامهِ، فَلمَّا افْتُرِضَ رَمَضانُ، كانَ رَمَضانُ هو الفَرِيضةَ، وَتَرَكَ عَاشُوراءَ، فَمنْ شَاءَ صَامهُ، ومن شَاءَ تَركهُ

(2)

.

وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ، وَقَيْسِ بن سَعْدٍ، وَجَابرِ بن سَمُرَةَ، وابن عُمرَ، وَمُعاويةَ.

والعملُ عِنْدَ أهْلِ العلمِ على حديثِ عَائشةَ، وهو حديثٌ صحيحٌ؛ لا يَروْنَ صِيَامَ يَوْمِ عَاشُوراءَ وَاجِبًا، إلا من رَغِبَ في

(1)

جاء في نسخنا الخطية: "يوم"، والمثبت من نسخة بهامش (ب) ومن رواية البخاري (3831).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2002)، ومسلم (1125)، وأبو داود (2442)، والنسائي في "الكبرى"(2838) و (2839)، وابن ماجه (1733)، وهو في "المسند"(24011)، و"صحيح ابن حبان"(3621).

ص: 280

صِيامِهِ، لِمَا ذُكِرَ فيهِ من الفَضْلِ.

‌50 - باب ما جاء عَاشُوراءُ أيُّ يوْم هو

764 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ وأبو كُريْبٍ، قَالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن حَاجِبِ بن عُمرَ، عن الحَكمِ بنِ الأعْرَجِ، قال:

انْتَهيتُ إلى ابنِ عَبَّاسٍ وهو مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ في زَمْزمَ، فَقُلْتُ: أخْبرني عن يَوْمِ عَاشُوراءَ، أىُّ يَوْمٍ أصُومهُ؟ فقال: إذا رَأيتَ هِلالَ المُحَرَّمِ، فَاعْدُدْ، ثمَّ أصْبِحْ من يومِ التَّاسعِ صَائمًا. قال: قُلْتُ: أهكذا كانَ يَصُومهُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نَعَمْ

(1)

.

765 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبد الوَارثِ، عن يُونُسَ، عن الحَسنِ

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: أمرَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِصَوْمِ يومِ عَاشُوراءَ يَوْمَ العاشِرِ

(2)

.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حَسَنٌ صحيحٌ

(3)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1133)(132)، وأبو داود (2446)، وهو في "المسند"(2135)، و"صحيح ابن حبان"(3633).

(2)

رجاله ثقات، لكن الحسن البصري لم يسمع من ابن عباس، فهو منقطعٌ.

ورواه البزار في "مسنده"(1051) عن محمد بن علي، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر. وذكره الهيثمي في "المجمع" 3/ 189، ونسبه للبزار، وقال رجاله رجال الصحيح.

(3)

قال الحافظ العراقي (ورقة 39): وأما قول الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، فإنه لم يوضح مراده أي حديثي ابن عباس أراد، وقد فهم =

ص: 281

وقد اخْتلَفَ أهْلُ العلمِ في يَوْمِ عَاشُوراءَ؛ فقال بَعْضُهمْ: يَوْمُ التَّاسِع، وقال بَعْضُهمْ: يَوْمُ العَاشِرِ

(1)

.

ورُوِي عن ابن عَبَّاسٍ أنَّه قال: صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، وَخالِفُوا اليَهُودَ

(2)

= أصحاب الأطراف أنه أراد تصحيح حديثه الأول، فذكروا كلامَه هذا عقبَ حديثه الأول، فتبين أن الحديث الثاني منقطع، وشاذ أيضًا للحديث الصحيح الأول المتقدم.

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 4/ 245: واختلف أهل الشرع في تعيينه، فقال الأكثر: هو اليوم العاشر، قال القرطبي المحدث: عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة، غلبت عليه الاسمية، فاستغنوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ علمًا على اليوم العاشر، وذكر أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا وضاروراء وساروراء ودالولاء من الضار والسار والدال. وعلى هذا فيوم عاشوراء: هو العاشر، وهذا قول الخليل بن أحمد الفراهيدي وغيره.

وقال الزين بن المنَيِّر: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية، وقيل: هو اليوم التاسع، فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية، وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنِّف"(7839)، ومن طريقه البيهقي 4/ 287.

أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، أنه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: خالفوا اليهود، وصوموا التاسع والعاشر. وهذا سند صحيح، ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 78 من طريق روح، عن ابن جريج به. ورواه الشافعي في "السنن المأثورة"(337) عن سفيان بن عيينة، سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: صوموا التاسع والعاشر ولا تتشبهوا بيهود.

ص: 282

وبهذا الحديثِ يَقولُ الشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وَإسحاقُ.

‌51 - باب ما جاء في صِيَامِ العَشْرِ

766 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حدَّثنا أبو مُعَاويةَ، عن الأعْمَشِ، عن إبراهيمَ، عن الأسْوَدِ

عن عَائشةَ، قالت: مَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا في العَشْرِ قَطُّ

(1)

.

هكذا رَوَى غَيرُ وَاحِدٍ، عن الأعْمَشِ، عن إبراهيمَ، عن الأسْوَدِ، عن عَائشةَ.

وَرَوَى الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ هذا الحديثَ، عن مَنْصُورٍ، عن إبراهيمَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُرَ صَائِمًا في العَشْرِ

(2)

.

وَرَوَى أبو الأحْوَصِ، عن مَنْصُورٍ، عن إبراهيمَ، عن عَائشةَ، ولم يذْكُرْ فيهِ: عن الأسْوَدِ

(3)

، وقد اخْتلفُوا على مَنْصُورٍ في هذا الحديثِ.

وَروايةُ الأعْمَشِ أصَحُّ وَأوْصَلُ إسْنادًا.

سَمِعْتُ أبا بكر محمدَ بن أبَان يَقولُ: سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقولُ:

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1176)، وأبو داود (2439)، والنسائي (2872)، وهو في "المسند"(24147).

والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أول ذي الحجة.

(2)

الرواية المرسلة عن منصور - وهو ابن المعتمر -، عن إبراهيم - وهو ابن يزيد النخعي - أخرجها ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 41، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(1506).

(3)

كذا قال المصنف رحمه الله، والذي وجدناه من رواية أبي الأحوص عند ابن ماجه (1729)، وابن حبان (1441): عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. هكذا ذكره فيه: عن الأسود.

ص: 283

الأعْمشُ أحْفَظُ لإسْنَادِ إبراهيمَ من مَنصُورٍ.

‌52 - باب ما جاء في العَملِ في أيَّامِ العَشْرِ

767 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا أبو مُعَاويةَ، عن الأعْمَشِ، عن مُسْلمٍ - وهو ابن أبي عِمْرَان البَطِينُ -، عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا من أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى اللهِ من هذِهِ الأيَّامِ العَشْرِ". فقالُوا: يَا رسُولَ اللهِ، وَلا الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ؟ فقال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَلا الجهَادُ في سَبيلِ الله، إلَّا رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسهِ وَمَالهِ، فلم يَرْجِعْ من ذلكَ بِشَيْءٍ"

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عُمرَ، وَأبي هُريرةَ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرٍو، وَجَابرٍ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ.

768 -

حَدَّثَنا أبو بَكْرِ بن نَافعٍ البَصْرِيُّ، قَال: حَدَّثَنا مَسْعُودُ بن وَاصلٍ، عن نَهَّاسِ بن قَهْمٍ، عن قتادةَ، عن سَعيدِ بن المُسَيِّبِ

عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "مَا من أيَّامٍ أحَبُّ إلى اللهِ أن يُتعَبَّدَ لهُ فِيهَا، من عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْها

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (969)، وأبو داود (2438)، وابن ماجه (1727)، وهو في "المسند"(1968)، و"صحيح ابن حبان"(324).

ص: 284

بِصِيامِ سَنةٍ، وَقِيامُ كُلِّ لَيْلةٍ مِنْهَا بقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفهُ إلَّا من حديثِ مَسْعُودِ بن وَاصِلٍ، عن النَّهَّاسِ.

وَسَألْتُ محمدًا عن هذا الحديثِ، فلم يَعْرِفهُ من غَيرِ هذا الوَجْهِ مِثْلَ هذا، قال: وقد رُوِي عن قَتادةَ، عن سَعيدِ بن المُسَيِّبِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلًا شَيْءٌ

(2)

من هذا.

وقد تكلَّم يحيى بنُ سعيد في نهَّاس بن قهم من قِبَل حفظِه.

‌53 - باب ما جاء في صِيامِ سِتَّةِ أيَّامٍ من شَوَّالٍ

769 -

حَدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا أبو مُعاويةَ، قَال: حَدَّثَنا سَعْدُ بن سَعيدٍ، عن عُمرَ بن ثَابتٍ

عن أبي أيُّوبَ، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "من صَامَ رَمَضانَ، ثمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا من شَوَّالٍ، فَذلك صِيامُ الدَّهْرِ"

(3)

.

وفي البابِ عن جَابرٍ، وأبي هُريرةَ، وَثَوْبانَ.

(1)

إسناده ضعيف لضعف النهاس بن قهم ومسعود بن واصل، وأخرجه المصنَّف في "العلل"(123)، وابن ماجه (1728)، والبغوي في "شرح السنة"(1126)، والمزي في "تهذيب الكمال" 27/ 483.

(2)

في الأصول: "مرسل شيئًا"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1164)، وأبو داود (2433)، وابن ماجه (1716)، والنسائي في "الكبرى"(2862 - 2867)، وهو في "المسند"(23533)، و"صحيح ابن حبان"(3634).

ص: 285

حديثُ أبي أيُّوبَ حديثٌ حَسَنٌ

(1)

وقد اسْتَحَبَّ قَوْمٌ صِيامَ سِتَّةِ أيَّامٍ من شَوَّالٍ لهذا الحديثِ.

وقال ابن المُبَاركِ: هو حَسَنٌ، مِثْلُ صِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ من كُلِّ شَهْرٍ، قال ابنُ المُبَاركِ: وَيُرْوى في بَعْضِ الحديثِ

(2)

.

وَيُلْحَقُ هذا الصِّيَامُ بِرمَضانَ، وَاخْتَارَ ابنُ المُبَاركِ أنْ يَكونَ سِتَّةَ أيَّامٍ من أوَّلِ الشّهرِ.

وقد رُوِي عن ابنِ المُبَاركِ أنَّهُ قال: إنْ صَامَ سِتّةَ أيَّامٍ من شَوَّالٍ مُتفَرِّقًا، فهو جَائزٌ.

وقد رَوَى عَبد العَزِيزِ بن محمدٍ عن صَفْوانَ بن سُليمٍ وَسَعْد بن سَعيدٍ، عن عُمرَ بن ثَابتٍ، عن أبي أيُّوبَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، هذا.

وَرَوَى شُعبةُ عن وَرْقَاءَ بن عُمرَ، عن سَعْدِ بن سَعيدٍ، هذا الحديثَ. وَسَعْدُ بن سَعيدٍ: هو أخُو يحيى بن سَعيدٍ الأنْصَارِىِّ، وقد تَكَلَّمَ بَعْضُ أهْلِ الحديثِ في سَعْدِ بن سَعيدٍ من قِبَلِ

(1)

جاء في المطبوع، وتحفة الأشراف (3482):"حسن صحيح"، والمثبت من أصولنا الخطية، والنسخة التي شرح عليها الحافظ العراقي.

(2)

يريد أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر مع صيام رمضان هو في مضاعفة الأجر والثواب مثل صيام ستة أيام من شوال مع صيام رمضان، وهي تعدل صيام الدهر كما في حديث أبي ذر الذي سيذكره المصنِّف برقم (772)، وفيه، "أن من صام من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صيام الدهر.

ص: 286

حِفْظِهِ

(1)

.

‌54 - باب ما جاء في صَوْمِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ من كُلِّ شَهْرٍ

770 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا أبو عَوانةَ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، عن أبي الرَّبِيعِ

عن أبي هُريرةَ، قال: عَهِدَ إلَيَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلاثةً: أن لا أنَامَ إلَّا على وِتْر، وَصَوْمَ ثَلاثةِ أيَّامٍ من كُلِّ شَهْرٍ، وَأنْ أُصَلّيَ الضُّحَى

(2)

.

771 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا أبو دَاوُدَ، قال: أنْبأنَا شُعبةُ، عن الأعْمشِ، قال: سَمِعتُ يحيى بن سَامٍ

(3)

يُحدِّثُ، عن موسى بن طَلْحةَ، قال:

سَمِعْتُ أبَا ذَرٍّ يَقولُ: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذَرٍّ إذا صُمْتَ من الشّهْرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ، فصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأرْبعَ عَشْرةَ وَخَمْسَ

(1)

جاء في المطبوع بعد هذا: "حدثنا هناد، قال: أخبرنا الحسين بن عليٍّ الجعفي، عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن البصريِّ، قال: كان إذا ذُكِرَ عنده صيام ستة أيام من شوال، فيقول: والله لقد رضي الله بصيام هذا الشهر عن السَّنةِ كلِّها"، وهو غير موجود في جميع أصولنا الخطية، ولا في نسختي العراقي والمباركفوري.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1178) و (1981)، ومسلم (720)، وأبو داود (1432)، والنسائي 3/ 229، وهو في "المسند"(7512)، و"صحيح ابن حبان"(2536)، وعندهم جميعًا:"أوصاني خليلي".

(3)

تحرَّف في المطبوع وبعض النسخ إلى "بسّام".

ص: 287

عَشْرةَ"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي قَتادةَ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرٍو، وَقُرَّةَ بن إياسٍ المزَنِيِّ، وَعَبد اللهِ بن مَسْعُودٍ، وأبي عَقْرَبٍ، وابن عَبَّاسٍ، وعَائشةَ، وَقَتادةَ بن مِلْحَانَ، وَعُثمانَ بن أبي العَاصِ، وَجَريرٍ.

حديثُ أبي ذَرٍّ حديثٌ حَسَنٌ.

وقد رُوِي في بَعْضِ الحديثِ: أنَّ من صَامَ ثَلاثةَ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، كانَ كَمنْ صَامَ الدَّهْرَ.

772 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا أبو مُعاويةَ، عن عَاصمٍ الأحْوَلِ، عن أبي عثمان النَّهْديَّ

عن أبي ذَرٍّ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من صَامَ من كُلِّ شَهْرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ، فَذلكَ صِيامُ الدَّهْرِ"، فأنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذلكَ في كِتابهِ:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] اليَوْمُ بِعَشَرةِ أيَّامٍ

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

(1)

حديث حسن، وأخرجه النسائي 4/ 222 و 223، وهو في "المسند"(21350).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه النسائي 4/ 219، وابن ماجه (1708)، وهو في "المسند"(20301)، وجاء في إحدى روايتي النسائي: عن أبي عثمان النهدي، عن رجل، عن أبي ذر.

وانظر بقية أحاديث الباب عند حديث قتادة بن ملحان في "المسند"(17513).

ص: 288

وقد رَوَى شُعبةُ هذا الحديثَ عن أبي شِمْر وأبي التَّيَّاحِ جميعًا، عن أبي عُثمانَ، وقال: عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

773 -

حَدَّثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنا أبو دَاوُدَ، قال: أخبرنا شُعبةُ، عن يَزِيدَ الرِّشْكِ، قال: سَمِعْتُ مُعَاذةَ، قالت:

قُلْتُ لِعَائشةَ: أكانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ ثَلاثةَ أيَّامٍ مِن كُلِّ شهْرٍ؟ قالت: نَعَمْ. قُلْتُ: من أيِّهِ كَانَ يَصُومُ؟ قالت: كانَ لا يُبَالي من أيِّهِ صَامَ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وَيَزِيدُ الرِّشْكُ: هو يَزِيدُ الضُّبَعِيُّ، وهو يَزِيدُ بن القَاسِم، وهو القَسَّامُ، وَالرِّشْكُ: هو القَسَّام بِلُغَةِ أهْلِ البَصْرَةِ.

‌55 - باب ما جاء في فَضْلِ الصَّوْمِ

774 -

حَدَّثَنا عِمْرَانُ بن موسى القَزَّازُ البصري، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ الوَارِثِ بن سَعيدٍ، قَال: حَدَّثَنا عَليُّ بن زَيْدٍ، عن سَعيدِ بن المسَيِّبِ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ رَبَّكم يَقولُ: كلُّ حَسَنةٍ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إلى سَبعِ مئَةِ ضِعْفٍ، وَالصَّوْمُ لي وَأنا أجْزِي بهِ، والصَّوْم جُنَّةٌ من النَّارِ، وَلَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطْيَبُ عِندَ اللهِ من رِيحِ المِسْكِ، وَإنْ جَهِلَ على أحَدِكُمْ جَاهِلٌ وهو صَائمٌ،

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1160)(194)، وأبو داود (2453)، وابن ماجه (1709)، وهو في "المسند"(25127)، وابن حبان (3654) و (3657).

ص: 289

فَليقلْ: إنِّي صَائمٌ"

(1)

.

وفي البابِ عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ، وسَهْلِ بن سَعْدٍ، وَكَعْبِ بن عُجْرةَ، وَسَلامةَ بن قَيْصَرٍ، وَبَشِيرِ ابن الخَصَاصِيةِ، واسْمُ بَشِيرٍ: زَحْمُ

(2)

بن مَعْبَدٍ، وَالخَصَاصِيةُ هي: أُمُّهُ.

وَحديثُ أبي هُريرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ

(3)

من هذا الوَجْهِ.

775 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنا أبو عَامرٍ العَقَدِيُّ، عن هِشَامِ بن سَعْدٍ، عن أبي حَازِم

عن سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "في الجَنَّةِ باب

(1)

حديث صحيح، علي بن زيد - وهو ابن جدعان - وإن كان ضعيفًا، قد توبع.

وأخرجه البخاري (1894) و (5927)، ومسلم (1151)، والنسائي في "الكبرى"(3257) و (3261) و (3262)، وهو في "المسند"(9363)، و"صحيح ابن حبان"(3416) و (3482).

وفي قوله تعالى: "الصوم لي وأنا أجزي به" قال الحافظ العراقي: الذي يظهر من معناه أنه لا يتقيد ثواب الصيام بكونه بعشر حسنات إلى سبع مائة ضعف، بل إنه يجزيه على ذلك بغير حساب وذلك كقوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، والصيام نوع من الصبر، وفي الحديث تسمية شهر رمضان بشهر الصبر، قال ابن عبد البر: والصوم في لسان العرب الصبر.

(2)

كان هذا اسمه في الجاهلية، فلما أسلم، سماه النبي صلى الله عليه وسلم بشيرًا، فهو بشير بن معبد.

(3)

جاء في المطبوع، وتحفة الأشراف 10/ 4:"حسن غريب"، والمثبت من سائر النسخ الخطية والنسخة التي شرح عليها الحافظ العراقي، ونسخة المباركفوري.

ص: 290

يُدْعَى الرَّيانَ، يُدْعَى لهُ الصَّائمُونَ، فَمنْ كانَ من الصَّائِمينَ، دَخَلهُ، ومن دَخَلهُ، لم يَظْمَأْ أبَدًا"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ.

776 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ العَزِيزِ بن محمدٍ، عن سُهَيْلِ بن أبي صَالحٍ، عن أبيهِ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لِلصَّائمِ فَرْحَتانِ: فَرْحةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ"

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌56 - باب ما جاء في صَوْمِ الدَّهْرِ

777 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ وَأحمدُ بن عَبْدة الضَّبِّيُّ، قَالا: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن غَيْلانَ بن جَريرٍ، عن عَبد اللهِ بن مَعْبدٍ

عن أبي قَتادةَ، قال: قِيلَ: يَا رَسولَ اللهِ كَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قال: "لا صَامَ، وَلا أفْطَرَ" أوْ "لم يَصُمْ، ولم يُفْطِرْ"

(3)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1896) و (3257)، ومسلم (1152) وابن ماجه (1640)، والنسائي 4/ 168، وهو في "المسند"(22818)، و"صحيح ابن حبان"(3420) و (3421).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (1904) و (7492)، ومسلم (1151)(163)، وابن ماجه (1638)، والنسائي 4/ 162 - 163، وهو في "المسند"(7174) و (9430)، و"صحيح ابن حبان"(3424).

(3)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا مسلم (1162)(196) و (197)، وأبو =

ص: 291

وفي البابِ عن عَبد اللهِ بن عَمْرٍو، وَعَبد اللهِ بن الشِّخِّيرِ، وعِمْرانَ بن حُصَيْنٍ، وَأبي موسى.

حديثُ أبي قَتادةَ حديثٌ حَسَنٌ.

وقد كَرِهَ قَوْمٌ من أهْلِ العلمِ صِيَامَ الدَّهْر؛ قَالُوا: إنما يكُونُ صِيامُ الدَّهْرِ إذا لم يُفْطِرْ يَوْمَ الفِطْرِ وَيَوْمَ الأضْحى وَأيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَمنْ أفْطَرَ في هذهِ الأيَّامِ، فقد خَرجَ من حَدِّ الكَراهِيةِ، وَلا يكُونُ قد صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ، هكذا رُوِي عن مَالكِ بن أنسٍ، وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وقال أحمدُ، وَإسحاقُ نَحوًا من هذا، وَقَالا: لا يَجِبُ

(1)

أن يُفْطِرَ أيَّامًا غَيْرَ هذِهِ الخَمسَةِ الأيَّامِ الّتِي نَهَى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا: يَوْم الفِطْرِ، وَيَوْمِ الأضْحى، وَأيَّامِ التّشْرِيقِ.

‌57 - باب ما جاء في سَرْدِ الصَّوْمِ

778 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أيُّوب، عن عَبد اللهِ بن شَقِيقٍ

= داود (2425)، والنسائي 4/ 207 و 208 - 209، وهو في "المسند"(22537).

قال الحافظ العراقي (ورقة 50) في قوله: "لم يصم، ولم يفطر": أما إنه لم يفطر، فلأنه امتنع عن الطعام والشراب في النهار، وأما إنه لم يصم، فيعني لم يكتب له ثواب الصيام، وقال أبو حاتم كما في "صحيح ابن حبان" (3583):"يريد به: فلا صام الدهر، فيؤجر عليه من غير مقارفته الإثم الذي ارتكبه بصوم الأيام التي نُهي عن صيامها".

(1)

وقع في (أ)، ونسخة بهامش (ب):"لا نحب"، وفي نسخة أخرى:"لا نستحب".

ص: 292

قال: سَألتُ عَائشةَ عن صِيَامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: كانَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ قد صَامَ، وَيُفْطِرُ حتَّى نَقول: قد أفْطَرَ. قالت: وَما صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا كامِلًا إلَّا رَمَضانَ

(1)

.

وفي البابِ عن أنَسٍ، وابن عَبَّاسٍ.

حديثُ عَائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

779 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن حُجْرٍ، قَال: أخبرنا إسماعيلُ بن جَعْفَرٍ، عن حُمَيدٍ

عن أنَس بن مَالكٍ؛ أنّهُ سُئِلَ عن صَوْمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: كانَ يَصُومُ من الشَّهْرِ حتَّى نَرَى أنَّهُ لا يُريدُ أن يُفْطِرَ مِنْهُ، وَيُفْطِرُ حتَّى نَرَى أنَّهُ لا يُريدُ أنْ يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكُنْتَ لا تَشاءُ أنْ تَراهُ من اللَّيْلِ مصَلِّيًا إلَّا رَأيْتهُ مُصَلِّيًا، وَلا نائمًا إلا رأيْتهُ نَائمًا

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

780 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن مِسْعَرٍ وَسُفيانَ، عن حَبِيبِ بن أبي ثَابتٍ، عن أبي العبَّاسِ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1969)، ومسلم (1156)، وأبو داود (2434)، وابن ماجه (1710)، والنسائي 4/ 151 و 152، وفي "الكبرى"(2493) و (2660)، وهو في "المسند"(24117) و (25907)، و"صحيح ابن حبان"(3580).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1141) و (1972)، والنسائي 3/ 213 - 214، وهو في "المسند"(12012) و (13474)، و"صحيح ابن حبان"(2617).

ص: 293

عن عَبد اللهِ بن عَمْرٍو، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أفْضَلُ الصَّوْمِ صَوْمُ أخِي دَاوُدَ، كانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلا يَفِرُّ إذا لاقى"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وأبو العَبَّاسِ: هو الشَّاعِرُ الأعمى، واسْمُهُ: السَّائِبُ بن فَرُّوخ.

وقال بَعْضُ أهْلِ العلمِ: أفْضَلُ الصِّيَامِ أنْ تَصُومَ يَوْمًا، وَتُفْطِرَ يَوْمًا، وَيُقالُ: هذا هو أشَدُّ الصِّيَامِ.

‌58 - باب ما جاء في كَرَاهيةِ الصَّوْمِ يَوْمَ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ

781 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ العَزِيزِ بن محمدٍ، عن عَمْرِو بن يحيى، عن أبيهِ

عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن صِيَامَيْنِ: يَوْمِ الأضْحَى، وَيَوْمِ الفِطْرِ

(2)

(3)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1976)، ومسلم (1159)، وابن ماجه (1712)، والنسائي 4/ 209 و 210 و 211 و 213، وهو في "المسند"(6534)، و"صحيح ابن حبان"(352).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1991)، ومسلم (827)(141)، 2/ 800، وأبو داود (2417)، وهو في "المسند"(11910).

(3)

تأخر هذا الحديث والتعليق عليه في المطبوع، والنسخة التي شرح عليها الحافظ العراقي، وكذا ابن العربي إلى ما بعد الحديث التالي، وجاء هنا في جميع نسخنا الخطية.

ص: 294

وفي البابِ عن عُمرَ، وَعَليٍّ، وَعَائشةَ، وَأبي هُريرةَ، وَعُقْبةَ بن عَامرٍ، وَأنَسٍ.

حديثُ أبي سَعيدٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ عَليْهِ عِنْدَ أهْلِ العلمِ.

وَعَمْرُو بن يحيى: هو ابن عُمَارةَ بن أبي الحَسنِ المَازِنيُّ المَدِينيُّ، وهو ثِقَةٌ، رَوَى عنه سُفيانُ الثَّوْرِىُّ وَشُعبةُ وَمَالكُ بن أنَسٍ.

782 -

حَدَّثَنا محمدُ بن عَبد المَلكِ بن أبي الشَّوَارِبِ، قَال: حَدَّثَنا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، قَال: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِىِّ، عن أبي عُبَيْدٍ مَوْلى عَبد الرحمنِ بن عَوْفٍ، قال:

شَهِدْتُ عُمرَ بن الخَطَّابِ في يَوْمِ نحر، بَدَأ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثمَّ قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عن صَوْمِ هذين اليَوْمَيْنِ، "أما يَوْمُ الفِطْرِ، فَفِطْرُكُمْ من صَوْمِكُمْ وَعِيدٌ لِلمُسْلِمينَ، وَأمَّا يَوْمُ الأضْحَى، فَكلُوا من لحم نُسُكِكُمْ"

(1)

.

هذا حديثٌ صحيحٌ

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1990) و (5571)، ومسلم (1137)، وأبو داود (2416)، وابن ماجه (1722)، وهو في "المسند"(63)، و"صحيح ابن حبان"(3600).

(2)

جاء في المطبوع، ونسخة ابن العربي:"حسن صحيح"، والمثبت من سائر الأصول الخطية، ونسختي الحافظ العراقي، والمباركفوري.

ص: 295

وأبو عُبَيْدٍ مَوْلى عَبد الرَّحمنِ بن عَوْفٍ: اسْمُهُ سَعْدٌ، ويُقالُ لهُ: مَوْلى عَبد الرحمنِ بن أزْهَرَ أيْضًا، وَعَبد الرحمنِ بن أزْهَرَ: هو ابن عَمِّ عَبد الرحمنِ بن عَوْفٍ.

‌59 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ صوْمِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ

783 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن موسى بن عُليٍّ، عن أبيهِ

عن عُقبةَ بن عَامرٍ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَوْمُ عَرفةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا، أهْلَ الإسْلامِ، وَهِي أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ"

(1)

.

وفي البابِ عن عَليٍّ، وَسَعْدٍ، وأبي هُريرةَ، وَجَابرٍ، وَنُبَيْشةَ، وَبِشْرِ بن سُحَيمٍ، وَعَبد اللهِ بن حُذَافةَ، وَأنَسٍ، وَحَمْزةَ بن عَمْرٍو الأسْلَمِيِّ، وَكَعْبِ بن مَالكٍ، وَعَائشةَ، وَعَمْرِو بن العَاصِ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرٍو.

حديثُ عُقْبةَ بن عَامرٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ اْهْلِ العلمِ؛ يكْرَهُونَ الصِّيامَ أيَّامَ التَّشْرِيقِ، إلا أنَّ قَوْمًا من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ رَخَّصُوا لِلْمُتَمَتِّعِ، إذا لم يَجِدْ هَدْيًا، ولم يَصُمْ في العَشْرِ، أنْ يَصُومَ أيّامَ التّشْرِيقِ، وَبهِ يَقولُ مَالكُ بن أنَسٍ، وَالشّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وَإسحاقُ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2419)، والنسائي في "الكبرى"(2829) و (4181)، وهو في "المسند"(13379)، و"صحيح ابن حبان"(3603).

ص: 296

وَأهْلُ العِراقِ يَقُولُونَ: موسى بن عُليِّ بن رباح، وَأهْلُ مِصْرَ يَقولُونَ: موسى بن عليٍّ.

وسَمِعْتُ قُتيبةَ يَقولُ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ بن سَعْدٍ يَقولُ: قال موسى بن عَلِيٍّ: لا أجْعَلُ أحَدًا في حِلٍّ صَغَّرَ اسْمَ أبي.

‌60 - باب ما جاء في كرَاهِيةِ الحِجَامَةِ لِلصَّائمِ

784 -

حَدَّثَنا محمدُ بن رَافعٍ النَّيْسَابُوريّ وَمحمودُ بن غَيْلانَ ويحيى بن موسى، قَالُوا: حَدَّثَنا عَبد الرَّزَّاقِ، عن مَعمَرٍ، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عن إبراهيمَ بن عَبد اللهِ بن قَارِظٍ، عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ

عن رَافعِ بن خَدِيجٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"أفْطَرَ الحَاجمُ والمَحْجُومُ"

(1)

.

وفي الباب عن سَعْدٍ، وعَليٍّ، وشَدَّادِ بن أوسٍ، وَثَوْبانَ، وَأُسَامةَ بن زَيْدٍ، وعَائشةَ، وَمَعْقلِ بن سِنانٍ، وَيُقالُ: معقل بن يَسَارٍ

(2)

، وأبي هُريرةَ، وابن عَبَّاسٍ، وَأبي موسى، وَبِلالٍ.

حديثُ رَافعِ بن خَديجٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وَذُكِرَ عن أحمدَ بن حَنْبلٍ أنّهُ قال: أصَحُّ شَيْءٍ في هذا البابِ حديثُ رَافعِ بن خَديجٍ.

(1)

حديث صحيح، وهو في "المسند"(15828)، و"صحيح ابن حبان"(3535).

(2)

في (أ) و (ظ) و (س): "معقل بن يسار، ويقال: معقل بن سنان".

ص: 297

وَذُكِرَ عن عَليِّ بن عَبد اللهِ أنَّه قال: أصَحُّ شَيْءٍ في هذا البابِ حديثُ ثَوْبانَ وَشَدَّادِ بن أوْسٍ، لأنَّ يحيى بنَ أبي كَثِيرٍ رَوَى عن أبي قِلابةَ الحدِيثَيْنِ جَمِيعًا: حديثَ ثَوْبانَ، وَحديثَ شَدَّادِ بن أوْسٍ.

وقد كَرِهَ قَوْمٌ من أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ الحِجَامةَ لِلصَّائِمِ، حتَّى إنّ بَعْضَ أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ بِاللَّيْلِ، مِنْهُمْ: أبو موسى الأشْعَرِىُّ، وابن عُمرَ، وبهذا يَقولُ ابن المُبَاركِ.

وسَمِعْتُ إسحاقَ بن مَنْصورٍ يَقولُ: قال عَبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ: من احْتَجمَ وهو صَائمٌ، فَعلَيْهِ القضَاءُ.

قال إسحاقُ بن مَنْصُورٍ: وهكذا قال أحمدُ بن حنبل، وَإسحاقُ بن إبراهيم.

وأخبرني الحسن بن محمد الزَّعْفَرانيُّ

(1)

، قال: قال الشَّافِعيُّ: قد رُوِي، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ احْتَجمَ وهو صَائمٌ، وَرُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال:"أفطَرَ الحَاجِمُ وَالمحْجُومُ"، وَلا أعْلمُ وَاحِدًا من هذينِ الحدِيثَيْنِ ثَابِتًا، ولو تَوقَّى رَجُلٌ الحِجَامةَ وهو صَائمٌ، كانَ أحَبَّ إلَيَّ، وإنِ احْتَجَمَ صَائمٌ لم أرَ ذلكَ أنْ يُفْطِرَهُ.

هكذا كانَ قَوْلُ الشّافِعيِّ بِبَغْدادَ، وأمَّا بِمِصْرَ، فمالَ إلى الرُّخْصةِ، ولم يَرَ بالحِجامةِ للصَّائم بَأسًا، وَاحْتَجَّ بِأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

وقع في المطبوع: "وهكذا قال أحمد وإسحاق، حدثنا الزعفراني"، والمثبت من أصولنا الخطية، وهو الصواب.

ص: 298

احْتَجمَ في حَجَّةِ الوَداعِ وهو مُحْرِمٌ صائمٌ.

‌61 - باب ما جاء في الرُّخْصَةِ في ذلكَ

785 -

حَدَّثَنا بِشْرُ بن هِلالٍ البَصْرِيُّ، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ الوارثِ بن سَعيدٍ، قَال: حَدَّثَنا أيُّوبُ، عن عِكْرمَةَ

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: احْتَجمَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو مُحْرمٌ صَائمٌ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

هكذا رَوَى وُهَيبٌ نحو رِوايةِ عبد الوارثِ، وَرَوَى إسماعيلُ بنُ إبراهيم، عن أيُّوبَ، عن عِكْرمةَ، مُرْسلًا، ولم يذكر فيه: ابن عَبَّاسٍ.

786 -

حَدَّثَنا أبو موسى محمد بن المثنى، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن عَبد اللهِ الأنْصَارِيُّ، عن حَبِيبِ بن الشَّهِيدِ، عن مَيْمُونِ بن مِهْرانَ

عن ابن عَبَّاسٍ: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهو صَائمٌ

(2)

.

(1)

صحيح، لكن بلفظ:"احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم، واحتجم وهو صائم". وأخرجه البخاري (1835) و (1938)، وأبو داود (1836) و (2373)، والنسائي (3215) وما بعده، وهو في "المسند"(2108)، و"صحيح ابن حبان"(3531)، وليس عندهم جميعًا:"وهو محرم صائم"، وجاء عند البخاري وغيره "احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم".

وسيأتي بهذا اللفظ من حديث مقسم، عن ابن عباس عند المصنَّف برقم (787).

(2)

صحيح، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(3231)، وهو في "المسند" =

ص: 299

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ.

787 -

حَدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبد اللهِ بن إدْريسَ، عن يَزِيدَ بن أبي زِيَادٍ، عن مِقْسَمٍ

عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجمَ فِيما بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، وهو مُحْرِمٌ صَائمٌ

(1)

.

= (2888).

(1)

إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وأخرجه أبو داود (2373)، وابن ماجه (1682) و (3081)، والنسائي في "الكبرى"(3226 - 3228) وهو في "المسند"(1849).

قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/ 191 بعد أن أورد الحديث، واستشكل كونه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصيام والإحرام، لأنه لم يكن من شأنه التطوع في السفر، ولم يكن محرمًا إلا وهو مسافر، ولم يسافر في رمضان إلى جهة الإحرام إلا في غزاة الفتح، ولم يكن حينئذ محرمًا، قلت: وفي الجملة الأولى نظر، فما المانع من ذلك، فلعله فعل مرة لبيان الجواز، وبمثل هذا لا تردُّ الأخبار الصحيحة، ثم ظهر لي أن بعض الرواة جمع بين الأمرين في الذكر، فأوهم أنهما وقعا معًا، والأصوب رواية البخاري: احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم. فيُحمَلُ على أن كل واحد منهما وقع في حالة مستقلة، وهذا لا مانع منه، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صام في رمضان وهو مسافر، وهو في "الصحيحين" بلفظ: وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. ويقوي ذلك أن غالب الأحاديث ورد مفصلًا.

قال بعض الحفاظ: حديث ابن عباس روي على أربعة أوجه الأول: احتجم وهو محرم، والثاني: احتجم وهو صائم، والثالث: احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، والرابع: احتجم وهو صائم محرم.

فالأول: رُوي من طرق شتى عن ابن عباس، واتفقا عليه من حديث عبد الله بن بحينة، وفي النسائي وغيره من حديث أنس وجابر. =

ص: 300

وفي البابِ عن أبي سَعيدٍ، وَجَابرٍ، وَأنَسٍ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد ذَهَبَ بَعضُ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيرِهِمْ إلى هذا الحديثِ ولم يَرَوْا بالحِجَامَةِ لِلصَّائمِ بَأسًا، وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّوْرِىّ، وَمَالكِ بن أنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ.

‌62 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ الوِصَالِ في الصيام

788 -

حَدَّثَنا نَصْرُ بن عَليٍّ، قَال: حَدَّثَنا بِشْرُ بن المُفَضَّلِ وَخَالدُ بن الحارثِ، عن سَعيدِ بن أبي عروبة، عن قَتادةَ

عن أنَسٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُوَاصِلُوا"، قَالوا: فإنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رسُولَ اللهِ! قال: "إني لَسْتُ كأحَدِكُمْ، إنَّ رَبَّي

= والثاني: رواه أصحاب السنن من طريق الحكم، عن مقسم عنه، لكن أعل بأنه ليس من مسموع الحكم عن مقسم، وقد رواه ابن سعد من طريق الحجاج، عن مقسم، وزاد في آخره: فلذلك كرهت الحجامة للصائم. والحجاج ضعيف، ورواه البزار من طريق داود بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس، وزاد في آخره: فغشي عليه.

والثالث: رواه البخاري، والظاهر أن الراوي جمع بين الحديثين كما قدمناه.

والرابع: رواه النسائي وغيره من طريق ميمون بن مهران عنه، وأعله أحمد وعلي بن المديني وغيرهما: قال مهنى: سألت أحمد عنه، فقال ليس فيه: صائم، إنما هو محرم، قلت: من ذكره؟ قال: ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء وطاووس، ورَوْحٌ، عن زكريا، عن عمرو، عن طاووس، وعبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير.

ص: 301

يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي"

(1)

.

وفي البابِ عن عَليٍّ، وَأبي هُريرةَ، وَعَائشةَ، وابن عُمرَ، وَجَابرٍ، وَأبي سَعيدٍ، وَبَشِيرِ ابن الخَصَاصِيَةِ.

حديثُ أنَسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ كَرِهُوا الوِصَالَ في الصِّيَامِ.

وَرُوي عن عَبد اللهِ بن الزُّبَيْرِ: أنَّه كانَ يُوَاصِلُ الأيَّامَ وَلا يُفْطِرُ

(2)

.

‌63 - باب ما جاء في الجُنُبِ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وهو يُريدُ الصَّوْمَ

789 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عن ابن شِهَابٍ، عن أبي بَكْرِ بن عَبد الرحمنِ بن الحارثِ بن هِشَامٍ، قال:

أخْبَرتْنِي عَائشةُ وَأُمُّ سَلمةَ زَوْجَا النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وهو جُنُبٌ من أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فَيَصُومُ

(3)

.

حديثُ عَائشةَ وَأمِّ سَلمةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1961) و (7241)، ومسلم (1104)، وهو في "المسند"(12248) و (12740)، و"صحيح ابن حبان"(3574) و (3579).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 84.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1926) و (1930)، ومسلم (1109)، وأبو داود (2388) و (2389)، والنسائي في "الكبرى"(2933) و (2935) و (2955) وما بعده، وهو في "المسند"(1804) و (24062) و (25673)، و"صحيح ابن حبان"(3487) وما بعده، وهو عند مسلم من رواية أم سلمة وحدها.

ص: 302

والعملُ على هذا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وهو قَوْلُ سُفيانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأحمدَ، وَإسحاقَ.

وقد قال قَوْمٌ من التَّابِعِينَ: إذا أصْبحَ جُنُبًا، يَقْضِي ذلكَ اليَوْمَ، والقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ.

‌64 - باب ما جاء في إجَابةِ الصَّائمِ الدَّعْوَةَ

(1)

790 -

حَدَّثَنا أزْهَرُ بن مَرْوانَ البَصْرِيُّ، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن سَوَاءٍ، قَال: حَدَّثَنا سَعيدُ بن أبي عَرُوبة، عن أيُّوبَ، عن محمدِ بن سِيرِينَ

عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا دُعِي أحَدُكُمْ إلى طَعَامٍ، فَلْيُجِبْ، فَإنْ كانَ صَائمًا، فَلْيُصَلِّ" يَعني: الدُّعَاءَ

(2)

.

791 -

حَدَّثَنا نَصْرُ بن عَليٍّ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن أبي الزِّنَادِ، عن الأعْرَجِ

عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا دُعِيَ أحَدُكُمْ وهو صَائمٌ، فَليَقُلْ: إنِّي صَائمٌ"

(3)

.

وَكِلا الحدِيثَيْنِ في هذا البابِ عن أبي هُريرةَ حَسَنٌ صحيحٌ.

(1)

في نسخة بهامش (ب): "باب فيمن يدعى للطعام وهو صائم".

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1431)، وأبو داود (2460)، والنسائي في "الكبرى"(3270) و (6611)، وهو في "المسند"(10349)، و"صحيح ابن حبان"(5306).

(3)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1150)، وأبو داود (2461)، وابن ماجه (1750)، والنسائي في "الكبرى"(3269)، وهو في "المسند"(7304).

ص: 303

‌65 - باب ما جاء في كَرَاهيةِ صَوْمِ المرْأةِ إلَّا بإذْنِ زَوْجِهَا

792 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ وَنَصْرُ بن عَليٍّ، قَالا: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن أبي الزِّنَادِ، عن الأعْرَج

عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تَصُومُ المَرْأةُ وَزَوْجُها شَاهِدٌ يَوْمًا من غَيْرِ شَهْرِ رَمَضانَ، إلَّا بإذْنِهِ"

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عَبَّاسٍ، وأبي سَعيدٍ.

حديث أبي هُريرةَ حديثٌ حَسَنٌ

(2)

.

وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن أبي الزِّنَادِ، عن موسى بن أبي عُثمانَ، عن أبيهِ، عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(3)

(4)

.

‌66 - باب ما جاء في تأخِيرِ قَضَاءِ رَمَضانَ

793 -

حَدَّثنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا أبو عَوانة، عن إسماعيلَ السُّدِّيِّ، عن عَبد اللهِ البَهِيِّ

عن عَائشةَ، قالت: ما كُنْتُ أقْضِي ما يكُونُ عَليَّ من رَمَضانَ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5192) و (5195)، ومسلم (1026)، وأبو داود (2458)، وابن ماجه (1761)، والنسائي في "الكبرى"(2921) و (3288)، وهو في "المسند"(7343)، و"صحيح ابن حبان"(3572) و (4170).

(2)

جاء في المطبوع، ونسخة (د):"حسن صحيح".

(3)

زاد هنا في نسختي (ب) و (س): "مثله".

(4)

صحيح، وأخرجه البخاري بإثر الحديث (5195)، والنسائي في "الكبرى"(2920) و (3287)، وهو في "المسند"(9986)، و"صحيح ابن حبان"(3573).

ص: 304

إلا في شَعْبانَ، حتَّى تُوُفِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد رَواه يحيى بن سَعيدٍ الأنْصارِيُّ، عن أبي سَلمةَ، عن عائشةَ، نَحْو هذا

(2)

.

‌67 - باب ما جاء في فَضْلِ الصَّائمِ إذا أُكِلَ عِندَهُ

(3)

794 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن حُجْرٍ، قَال: أخْبرَنا شَرِيكٌ، عن حَبيبِ بن زَيْدٍ، عن لَيْلى

عن مَوْلاتِهَا، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "الصَّائمُ إذا أَكلَ عِنْدَهُ المَفاطِيرُ

(4)

، صَلَّتْ عَليْهِ الملائِكةُ"

(5)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1950)، ومسلم (1146)، وأبو داود (2399)، وابن ماجه (1669)، والنسائي 4/ 150 و 191 من طريق أبي سلمة، عن عائشة، وهي الرواية التي أشار إليها المصنف بعد هذا الحديث.

وأخرجه الطيالسي (1509)، وابن أبي شيبة 3/ 98، وإسحاق بن راهويه (1606)، وابن خزيمة (2049) و (2051)، وهو في "المسند"(24928) من طريق عبد الله البهي، عن عائشة.

(2)

انظر ما قبله.

(3)

زاد في (ب): "وهو صائم"، وفي نسخة بهامشها:"باب ما جاء فيمن أُكل عنده وهو صائم".

(4)

في نسخة بهامش (ب): "الفاطر".

(5)

إسناده ضعيف لجهالة ليلى، فقد تفرد بالرواية عنها حبيب بن زيد الأنصاري، ولم يؤثر توثيقها عن أحد، وللاختلاف فيه، وأخرجه ابن ماجه =

ص: 305

وَرَوَى شُعبةُ هذا الحديثَ، عن حَبِيبِ بن زَيْدٍ، عن لَيْلى، عن جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوهُ

(1)

.

795 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيلانَ، قَال: حَدَّثَنا أبو داوُدَ، قال: أخْبرَنا شُعبةُ، عن حَبِيبِ بن زَيْدٍ، قال: سَمِعْتُ مَوْلاةً لَنا، يُقالُ لهَا: لَيْلى، تُحَدِّثُ

عن جدتِهِ أُمَّ عُمَارةَ ابنة كَعْبٍ الأنْصارِيَّة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخلَ عَليْها فَقَدَّمتْ إلَيْه طَعَامًا، فقال:"كُلي"، فقالت: إنِّي صائِمةٌ. فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصَّائِمَ تُصَلِّي عَليْهِ الملائِكةُ، إذ أُكِلَ عِنْدَهُ حتَّى يَفْرُغُوا"، وَرُبَّما قال:"حتَّى يَشْبَعُوا"

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ

(3)

، وهو أصَحُّ مِن حديث شَرِيك.

796 -

حَدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن جَعْفَرٍ، قَال: حَدَّثَنا شُعبةُ، عن حَبِيبِ بن زَيْدٍ، عن مَوْلاةٍ لَهُمْ يُقالُ لهَا: لَيْلى

عن جَدّته أُم عُمارةَ بنْت كَعْبٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوهُ، ولم يذْكُرْ فِيهِ:"حتَّى يَفْرُغُوا، أو يَشْبَعُوا"

(4)

.

وأُمُّ عُمَارةَ: هِي جَدَّةُ حَبِيبِ بن زَيْدٍ الأنْصَارِيِّ.

= (1748)، والنسائي في "الكبرى"(3267)، ومرسلًا (3268)، وهو في "المسند"(27059) و (27472)، و"صحيح ابن حبان"(3430).

(1)

انظر ما قبله.

(2)

حديث ضعيف، وانظر ما قبله.

(3)

كذا قال المصنِّف مع أن في سنده ليلى، وهي مجهولة كما سلف.

(4)

ضعيف كسابقه.

ص: 306

‌68 - باب ما جاء في قَضَاءِ الحَائِض الصِّيَامَ دُونَ الصَّلاةِ

797 -

حَدَّثَنا عَليُّ بن حُجْرٍ، قَال: أخْبَرَنا عَليُّ بن مُسْهر، عن عبَيْدَةَ، عن إبراهيمَ، عن الأسْوَدِ

عن عَائشةَ، قالت: كُنَّا نَحِيضُ عِنْد رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَطهُرُ، فيأمُرُنا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ، ولا يأَمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلاةِ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

وقد رُوِي عن مُعَاذةَ، عن عَائشةَ أيْضًا.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ لا نَعْلَم بَينَهُم اخْتِلافًا في أن الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيامَ، ولا تَقْضِي الصَّلاةَ.

وَعُبَيدَةُ: هو ابن معَتَّبٍ الضَّبِّيُّ الكُوفيُّ، ويُكْنى: أبا عَبْدِ الكَرِيمِ.

‌69 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ مُبالَغةِ الاسْتنشَاقِ لِلصَّائمِ

798 -

حَدَّثَنا عَبد الوَهَّابِ الورَّاقُ وَأبو عَمَّارٍ، قَالا. حَدَّثَنَا يحيى بن سُلَيْمٍ، قَال: حَدَّثَنِي إسماعيلُ بن كَثِيرٍ، قال: سَمِعْتُ عَاصمَ بن لَقِيطِ بن صَبِرةَ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1670) من طريق الأسود بن يزيد مقتصرًا على أمر الحائض بقضاء الصوم.

وأخرجه مسلم (335)(69)، وأبو داود (263)، وهو في "المسند"(25951) من طريق معاذة، عن عائشة، وفيه قصة.

وسلف عند المصنِّف برقم (130) مقتصرًا على الأمر بقضاء الصلاة من طريق معاذة، عن عائشة أيضًا، وخرجناه هناك.

ص: 307

عن أبيهِ، قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أخْبرني عن الوُضُوءِ، قال:"أسْبِغ الوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأصَابِعِ، وَبَالغْ في الاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أن تكُون صَائِمًا"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد كَرِهَ أهْلُ العلمِ السُّعُوطَ

(2)

لِلصَّائمِ، وَرَأوْا أنَّ ذلك يُفَطِّرُهُ، وفي هذا الحديث ما يُقَوِّي قَوْلَهُمْ.

‌70 - باب ما جاء فِيمَنْ نَزلَ بِقَوْمٍ، فَلا يَصُومُ إلَّا بإذْنِهِم

799 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بن مُعاذٍ العَقَدِيُّ البَصْرِيُّ، قَال: حَدَّثَنَا أيُّوبُ بنُ وَاقِدٍ الكُوفيُّ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوةَ، عن أبيهِ

عن عَائشةَ، قالت: قال: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من نَزلَ على قَوْمٍ، فَلا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا، إلا بإذْنِهِمْ"

(3)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا أبو داود (142) و (143) و (2366)، وابن ماجه (407) و (448)، والنسائي 1/ 66 و 79، وفي "الكبرى"(98/ م) و (117) و (3047)، وهو في "المسند"(16380)، و"صحيح ابن حبان"(1054) و (1087).

(2)

يُقال: سَعَطْتُه وأسعطته فاستعط، والاسم: السَّعُوط بالفتح، وهو ما يجعل من الدواء في الأنف. "النهاية".

(3)

إسناده ضعيف جدًّا من أجل أيوب بن واقد الكوفي، فهو متروك الحديث.

وأخرجه ابن عدي في "الكامل" 1/ 348 من طريق مبشِّر بن معاذ، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن ماجه (1763) من طريق موسى بن داود وخالد بن أبي يزيد جميعًا، عن أبي بكر المديني، عن هشام بن عروة، به، وهي الطريق التي أشار =

ص: 308

هذا حديثٌ مُنكَرٌ، لا نَعْرِفُ أحَدًا من الثِّقَاتِ رَوَى هذا الحديثَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ.

وقد رَوَى موسى بنُ دَاوُدَ، عن أبي بكْرٍ المَدِيني، عن هِشَامِ بنِ عُرْوةَ، عن أبيهِ، عن عَائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحوًا من هذا.

وهذا حديثٌ ضَعيفٌ أيْضًا، أبو بكْرٍ ضَعيفٌ عِنْدَ أهْلِ الحديثِ، وأبو بكْرِ المديني الّذِي رَوَى عن جَابرِ بن عَبد اللهِ: اسمُهُ الفَضْلُ بن مُبَشَّرٍ، وهو أوْثَقُ من هذا وأقْدَمُ

(1)

.

‌71 - باب ما جاء في الاعْتِكافِ

800 -

حَدَّثَنَا محمودُ بنُ غَيْلانَ، قَال: حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ، قَال: أخْبرنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْريِّ، عن سَعيدِ بن المُسَيِّبِ

عن أبي هُريرةَ. وَعُرْوةَ، عن عَائشةَ: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يعتكفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضانَ حَتَّى قَبضَهُ اللهُ

(2)

.

= إليها المصنِّف بإثر هذا الحديث، وأبو بكر المديني ضعيف أيضًا.

(1)

الفضل بن مبشِّر هذا ضعفه غير واحد من أهل العلم، فمراد الترمذي بقوله:"هو أوثق من هذا" أي: أن الفضل بن مبشِّر، وإن كان في نفسه ضعيفًا أيضًا، لكن ضعفه أقل من ضعف أبي بكر المديني الذي يروي عن هشام بن عروة.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه بالإسنادين معًا النسائي في "الكبرى"(3335)، وهو في "المسند"(7784)، و"صحيح ابن حبان"(3665).

وأخرجه البخاري (2026)، ومسلم (1172)، وأبو داود (2462) والنسائي في "الكبرى"(3336) و (3338) من طرق عن عائشة وحدها، وهو في "المسند"(25355).

ص: 309

وفي البابِ عن أُبيِّ بن كَعْبٍ، وأبي لَيْلى، وأبي سَعيدٍ، وَأنَسٍ، وابن عُمَرَ.

حديثُ أبي هُريرةَ وَعَائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

801 -

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنَا أبو مُعاويةَ، عن يحيى بن سَعيدٍ، عن عَمْرةَ

عن عَائشةَ، قالت: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أرَادَ أنْ يَعتِكفَ صَلَّى الفَجْرَ، ثُمَّ دَخلَ في مُعْتكفهِ

(1)

.

وقد رُوِي هذا الحديثُ عن يحيى بن سَعيدٍ، عن عَمْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسلًا.

ورَواهُ مَالكٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عن يحيى بن سَعيدٍ، مُرْسلًا

(2)

.

وَرَواهُ الأوْزَاعيُّ وَسُفيانُ الثَّوْرِيُّ وغيرُ واحدٍ، عن يحيى بن

= وأخرجه البخاري (2044) و (4998)، وأبو داود (2466)، وابن ماجه (1769)، والنسائي في "الكبرى"(3343) و (7992) من طرق عن أبي هريرة وحده، وهو في "المسند"(7784).

وأخرجه النسائي في "الكبرى"(3337) من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلًا.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2033) و (2041)، ومسلم (1173)، وأبو داود (2464)، وابن ماجه (1771)، والنسائي 2/ 44 - 45، وفي "الكبرى"(788)، وهو في "المسند"(24544)، و"صحيح ابن حبان"(3666).

(2)

جاء في المطبوع: "عن يحيى بن سعيد، عن عمرة مرسلًا" والمثبت من الأصول الخطية، وانظر "التمهيد" لابن عبد البر 11/ 188، وتعليقنا على "المسند".

ص: 310

سَعِيدٍ، عن عَمْرةَ، عن عَائشةَ.

والعملُ على هذا الحديثِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ، يَقُولُونَ: إذا أرَادَ الرَّجُلُ أن يَعْتكِفَ، صَلَّى الفَجْرَ، ثمَّ دَخلَ في مُعْتكَفهِ، وهو قَوْلُ أحمدَ بن حنبل وَإسحاقَ بنِ إبراهيمَ.

وقال بَعْضُهمْ: إذا أرَادَ أن يَعْتكِفَ، فَلْتَغِبْ لهُ الشّمْسُ من اللّيْلَةِ الّتِي يُرِيدُ أنْ يَعتكفَ فِيهَا من الغَدِ، وقد قَعدَ في مُعْتكَفِهِ، وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالكِ بن أنَسٍ.

‌72 - باب ما جاء في لَيْلةِ القَدْرِ

802 -

حَدَّثَنَا هارُونُ بن إسحاقَ الهَمْدانيُّ، قَال: حَدَّثَنَا عَبْدةُ بن سُلَيمَان، عن هِشامِ بن عُرْوةَ، عن أبيهِ

عن عَائشةَ، قالت: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاورُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ من رَمَضانَ، ويقُولُ:"تحَرَّوا لَيْلةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ من رَمَضَانَ"

(1)

.

وفي البابِ عن عُمرَ، وَأُبيِّ بن كعب، وَجَابرِ بن سَمُرةَ، وَجَابرِ بن عَبد اللهِ، وابن عُمرَ، وَالفَلتانِ بن عَاصمٍ، وَأنَسٍ، وأبي سَعيدٍ، وعَبد اللهِ بن أُنَيْسٍ، وأبي بكْرةَ، وابن عَبَّاسٍ، وَبلالٍ، وعُبَادةَ بن

(1)

حديث صحيح، وأخرجه تامًّا ومختصرًا البخاري (2017) و (2019) و (2020)، ومسلم (1169) و (1172)(4)، وهو في "المسند"(24233).

ص: 311

الصامِتِ.

حديثُ عَائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وَقَوْلُها: يُجَاوِر، تَعْني يعتكفُ.

وأكْثَرُ الرِّوَاياتِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: "الْتَمِسُوها في العَشْرِ الأوَاخِرِ في كُلِّ وِتْرٍ".

وَرُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في لَيْلةِ القَدْرِ: أنها لَيلةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلةُ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَآخِرُ لَيْلةٍ من رَمَضانَ.

قال الشَّافِعِيُّ: كأنَّ هذا عِنْدِي - واللهُ أعْلَمُ - أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُجِيبُ على نَحْوِ ما يُسألُ عَنْهُ، يُقالُ لهُ: نَلْتَمِسُهَا في لَيْلةِ كَذا، فيقُولُ:"التَمِسُوهَا في لَيْلَةِ كَذا".

قال الشَّافِعِيُّ: وَأقْوَى الرِّواياتِ عِنْدِي فِيهَا، لَيْلةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ.

وقد رُوِي عن أُبيِّ بن كَعْبٍ: أنَّهُ كانَ يَحْلِفُ أنها لَيلةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ويقُولُ: أخْبرنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعلامَتِهَا، فَعَددْنا وحَفِظْنا

(1)

.

وَرُوِي عن أبي قِلابة أنَّهُ قال: لَيْلَةُ القَدْرِ تَنتَقِلُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ.

(1)

انظر ما بعده.

ص: 312

803 -

أخبرنا بذلِكَ عَبدُ بن حُمَيْدٍ، قَال: أخْبرَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن أيُّوبَ، عن أبي قِلابةَ، بهذا

(1)

.

804 -

حَدَّثَنَا وَاصِلُ بن عَبد الأعْلَى الكُوفيُّ، قَال: حَدَّثَنَا أبو بكْرِ بن عياش، عن عَاصمٍ، عن زِرٍّ، قال:

قُلْتُ لأُبيِّ بن كَعْبٍ: أَنَّى عَلِمْتَ، أبا المُنْذِرِ، أنها لَيلةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ؟ قال: بَلى. أخْبرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أنها لَيلةٌ، صَبِيحَتُها تَطلُعُ الشّمْسُ لَيْسَ لهَا شُعَاعٌ" فَعَددْنا وَحَفِظْنا، واللهِ لَقدْ عَلَمَ ابن مَسْعودٍ أنهَا في رَمَضانَ، وأنها لَيْلةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ولكِنْ كَرِهَ أنْ يُخْبِرَكُمْ فَتتَّكِلُوا

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

805 -

حَدَّثَنا حُمَيْدُ بن مَسْعَدَةَ، قَال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، قَال: حَدَّثَنا عُيينةُ بن عَبد الرحمنِ، قَال: حَدَّثَنِي أبي، قال:

ذُكِرَت لَيْلَةُ القَدْرِ عِنْدَ أبي بكْرةَ، فقال: مَا أنا بمُلْتَمِسِهَا، لِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ من رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إلَّا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فإني سَمِعْتهُ يَقُولُ: "الْتَمِسُوها في تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، أوْ سَبْعٍ يَبْقَيْنَ، أو خَمْسٍ

(1)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف"(7699).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (762) وص 828 (220)، وأبو داود (1378)، والنسائي في "الكبرى"(3406) وما بعده، وهو في "المسند"(21190)، و"صحيح ابن حبان"(3689) وما بعده.

وسيتكرر عند المصنِّف برقم (3645).

ص: 313

يَبْقَينَ، أوْ ثَلاثٍ، أَوْ آخِرِ لَيْلةٍ".

وَكانَ أبو بكْرةَ يُصَلّي في العِشْرِينَ من رَمضانَ، كَصَلاتِهِ في سَائرِ السَّنةِ، فإذا دَخَلَ العَشْرُ اجْتَهَدَ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌73 - باب مِنْهُ

806 -

حَدَّثَنا محمودُ بنُ غَيلانَ، قَال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَال: حَدَّثَنَا سُفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن هُبَيْرةَ بن يَرِيمَ

عن عَليٍّ: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُوقِظُ أهْلَهُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ من رَمَضانَ

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

807 -

حَدَّثَنَا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنَا عَبدُ الواحدِ

(3)

بنُ زِيادِ، عن الحَسنِ بن عُبيْدِ الله، عن إبراهيمَ، عن الأسْودِ

عن عَائشةَ، قالت: كانَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ في العَشْرِ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(3403) و (3404)، وهو في "المسند"(20376)، و"صحيح ابن حبان"(3686).

(2)

حديث حسن، وأخرجه الطيالسي (118)، وعبد الرزاق في "المصنَّف"(7703)، وعبد بن حميد (93)، وهو في "المسند"(762).

(3)

وقع في بعض النسخ: "عبد الرحمن"، وهو تحريف.

ص: 314

الأوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهدُ في غَيرِهَا

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌74 - باب ما جاء في الصَّوْمِ في الشِّتاءِ

808 -

حَدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنَا يحيى بنُ سَعيدٍ، قَال: حَدَّثَنَا سُفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن نُمَيْرِ بن عَرِيب

عن عَامرِ بن مَسْعُودٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"الغنِيمَةُ الباردَةُ الصَّوْمُ في الشِّتاءِ"

(2)

.

هذا حديثٌ مُرْسلٌ، عَامرُ بن مَسْعُودٍ لم يُدْركِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم،

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (1175)، والنسائي في "الكبرى"(3390)، وابن ماجه (1767)، وهو في "المسند"(24528).

وأخرج البخاري (2024)، ومسلم (1174)، وأبو داود (1376)، والنسائي 3/ 217 - 218، وفي "الكبرى"(1334) و (3391)، وابن ماجه (1768) من طريق مسروق، عن عائشة بلفظ:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله"، وهو في "المسند"(24131).

(2)

إسناده ضعيف، نُمير بن عريب مجهول، وعامر بن مسعود جزم الأئمة أنه لا صحبة له، وهو مجهول الحال.

وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 100، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2875)، وابن خزيمة (2145)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 3/ 127، والبيهقي في "السنن" 4/ 296 - 297، وهو في "المسند"(18959).

وفي الباب أحاديث لا يصح منها شيء، انظرها في "المسند" عند حديث أبي سعيد الخدري برقم (11716).

ص: 315

وهو وَالِدُ إبراهيمَ بن عَامرٍ القُرَشِيِّ، الَّذِي رَوَى عَنْهُ شُعبةُ وَالثَّوْرِيُّ.

‌75 - باب ما جاء {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}

809 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنَا بكْرُ بن مُضَرَ، عن عَمْرِو بن الحارثِ، عن بُكَيْرِ بن عبد الله بن الأشَجَّ، عن يَزِيدَ مَوْلى سَلمةَ بن الأكْوَعِ

عن سَلمةَ بن الأكْوَعِ، قال: لَمَّا نَزَلتْ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كانَ من أرَادَ مِنَّا أن يُفْطِرَ ويَفْتَديَ حتَّى نَزلَتْ الآيةُ الّتِي بَعْدَها، فَنَسَخَتْها

(1)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (4507)، ومسلم (1145)، وأبو داود (2315)، والنسائي 4/ 190 وفي الكبرى (2625)، وهو في "صحيح ابن حبان"(3478) و (3624).

قوله: "كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي" وضحته رواية مسلم: "كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام، ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين". ورواية أبي داود: "كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فَعَل، حتى نزلت الآية التي بعدها، فنسختها"، والآية التي نسختها هي قوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

قلنا: وقد ذهب ابن عباس إلى عدم النسخ، وكان يقرأ الآية (وعلى الذين يُطَوقونه) بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيًّا للمفعول، فقد أخرج البخاري في "صحيحه"(4505) من طريق عمرو بن دينار، عن عطاء، سمع ابن عباس يقرأ:" (وعلى الذين يُطَوَّقونَه فديةٌ طعامُ مسكين) " قال ابن عباس: ليست بمنسوخة: هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا.

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 180: وهذه قراءة ابن مسعود أيضًا، وقد وقع عند =

ص: 316

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= النسائي (4/ 190 - 191) من طريق ابن أبي نجيح [صوابه: ورقاء] عن عمرو بن دينار: يُطوَّقُونه [تحرف في المطبوع في سنن النسائي إلى: يطيقونه]: يُكلّفونه، وهو تفسير حسن، أي: يكلفون إطاقته.

قلنا: ورواه الحاكم 1/ 440، وعنه البيهقي 4/ 271 من طريق آدم بن أبي إياس، والطبراني في "الكبير"(11388) من طريق محمد بن يوسف الفريابي، والنسائي في "الكبرى"(10952) من طريق محمد بن سابق، ثلاثتهم عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار، عن عطاء. وتحرف عند الحاكم يطوّقونه إلى: يطيقونه.

ورواه كما في "الدر المنثور" 2/ 432: وكيع، وسفيان، والفريابي، وأبو داود في "ناسخه"، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في "المصاحف"، والبيهقي من طرق عن ابن عباس، أنه كان يقرأ:"وعلى الذين يطوّقونه" مشدّدة، قال: يكلَّفونه، ولا يطيقونه، ويقول: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير الهرم، والعجوز الكبيرة الهرمة، يطعمون لكل يوم مسكينًا، ولا يقضون.

وروى الطحاوي 6/ 182 حديث ابن عباس من طريق عطاء، عنه، ولفظه فيه:"يطوّقونه" وكذا رواه عن مجاهد، عن ابن عباس بلفظ:"يطوَّقونه".

ورواه 6/ 185 من طريق سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بلفظ:"يطيقونه"، وفسره ابن عباس، فقال: الذين يتجشمونه، ولا يطيقونه، يعني: إلا بالجهد: الحبلى والكبير والمريض وصاحب العُطاش.

ورواه أيضًا من طريق عزرة، عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس كانت له جارية ترضع، فَجَهِدَتْ، فقال لها: أفطري، فإنك بمنزلة الذين يطيقونه.

قال الطحاوي: فدلّ ما رويناه عن ابن عباس في هذا الباب أنه مختلفٌ عنه في: "يطوّقونه" و"يطيقونه"، وأن عطاء ومجاهدًا رويا عنه:"يطوّقونه"، وأن سعيد بن جبير روى عنه:"يطيقونه"، وفي جميع ما رويناه عنه في ذلك إعادة البدل من الصيام إلى الإطعام، لا إلى صيام.

ص: 317

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ.

وَيَزيدُ: هو ابن أبي عُبَيْدٍ، مَوْلَى سَلمةَ بن الأكْوَعِ

(1)

‌76 - باب من أكَلَ، ثُمَّ خَرجَ سَفْرًا

(2)

810 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبد اللهِ بن جَعْفَرٍ، عن زَيْدِ بن أسْلمَ، عن محمدِ بن المنكَدِرِ، عن محمدِ بن كَعْبٍ؛ أنَّهُ قال:

أتَيْتُ أنَسَ بن مَالكٍ في رَمَضانَ وهو يُريدُ سَفَرًا، وقد رُحِلَتْ لهُ رَاحِلَتُهُ، وَلَبِسَ ثِيابَ السَّفَرِ، فَدعَا بِطَعَامٍ، فَأكلَ، فَقُلْتُ لهُ: سُنّةٌ؟ قال: سُنّة. ثمَّ رَكِبَ

(3)

.

811 -

حَدَّثَنا محمدُ بن إسماعيلَ، قَال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن أبي مَرْيَم، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن جَعْفَرٍ، قَال: حَدَّثَنِي زَيْدُ بن أسْلمَ، قَال: حَدَّثَنِي محمدُ بن المُنكَدِرِ، عن محمدِ بن كَعْبٍ، قال:

أتَيْتُ أنَسَ بن مَالكٍ في رَمَضانَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ

(4)

.

(1)

زاد في نسخة بهامش (أ): "وهو ثقة".

(2)

جاء في المطبوع: "ثم خرج يريد سفرًا"، والمثبت من الأصول الخطية.

(3)

حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن جعفر، لكن له طريق آخر بعد هذا يقويه.

(4)

حسن كما قال المصنف.

وأخرجه الدارقطني 2/ 187 - 188، والبيهقي 4/ 247 من طريق محمد بن جعفر، بهذا الإسناد.

وفي الباب نحوه عن دحية الكلبي، أخرجه أبو داود (2413)، وابن خزيمة =

ص: 318

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

وَمحمدُ بن جَعْفَرٍ: هو ابن أبي كَثِيرٍ، مَدِينيٌّ ثقةٌ، وهو أخُو إسماعيلَ بن جَعْفَرٍ، وَعَبدُ اللهِ بن جَعْفَرٍ: هو ابن نَجِيحٍ، وَالِدُ عَليِّ بن عَبد اللهِ المَدِينيِّ، وَكانَ يحيى بن مَعِينٍ يُضَعِّفُهُ.

وقد ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ العلمِ إلى هذا الحديثِ؛ وَقال: لِلمُسَافِرِ أنْ يُفْطِرَ في بَيْتِهِ قَبْلَ أن يَخْرُجَ، وَلَيْسَ لهُ أن يَقْصُرَ الصَّلاةَ حتَّى يَخرُجَ من جِدَارِ المَدِينةِ أوِ القَرْيةِ. وهو قَوْلُ إسحاقَ بن إبراهيم الحنظلي

(1)

.

= (2041)، والطحاوي في "معاني الآثار" 2/ 70، والطبراني في الكبير (4197)، والبيهقي 4/ 241، وهو في "المسند"(27231) وإسناده ضعيف.

وعن أبي بصرة الغفاري، أخرجه أبو داود (2412)، والدارمي (1713)، وابن خزيمة (2040)، والطبراني في "الكبير"(2169) و (2170)، والبيهقي 4/ 246، وهو في "المسند"(27232)، وإسناده ضعيف أيضًا.

(1)

قال ابن قدامة في "المغني" 4/ 346: وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه عن أحمد روايتان، إحداهما: له أن يفطر، وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي واسحاق وداود وابن المنذر، لما روى عُبيد بن جبير، قال: ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان، فرُفِعَ، ثم قُرِّبَ غَدَاهُ، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، ثم قال: اقترب. قلت: ألست ترى البيوت؟! قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأكل. رواه أبو داود. ولأن السفر معنى لو وجد ليلًا، واستمر في النهار، لأباح الفطر، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض، ولأنه أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما، فأباحه في أثناء النهار كالآخر.

والرواية الثانية: لا يباح له فطر ذلك اليوم، وهو قول مكحول والزهري ويحيى =

ص: 319

‌77 - باب ما جاء في تحفة الصَّائمِ

812 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا أبو مُعاويةَ، عن سَعْدِ بن طَرِيفٍ، عن عُمَيْرِ بن مأمُونٍ

عن الحَسنِ بن عَليٍّ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تُحْفَةُ الصَّائمِ الدُّهْنُ والمِجْمَرُ"

(1)

.

= الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر، فإذا اجتمعا فيها، غلب حكم الحضر، كالصلاة، والأول أصح للخبر، ولأن الصوم يفارق الصلاة، فإن الصلاة يلزم إتمامها بنيته بخلاف الصوم.

ولا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره يعني أنه يجاوزها ويخرج من بين بنيانها.

(1)

حديث ضعيف لضعف سعد بن طريف، وأخرجه أبو يعلى (6763)، والطبراني في "الكبير"(2751)، وابن عدي 3/ 1186، والبيهقي في "شعب الإيمان"(3957) و (3958) و (3960)، والمزي في "تهذيب الكمال" 22/ 387، وجاء في إحدى روايات البيهقي:"عن علي بن أبي طالب".

قوله: "تحفة الصائم الدهن والمجمر" قال في "النهاية" 1/ 182: يعني أنه يُذهب عنه مشقة الصوم وشدته، والتحفة: طرفة الفاكهة، وقد تفتح الحاء، والجمع التحف، ثم تستعمل في غير الفاكهة.

وقال العراقي: في هذا الحديث استحباب إتحاف الصائم بما لا يبطل صومه من الطيب وغيره، لأن شم الرائحة الطيبة لا بأس بها للصائم، وقد كرهها بعضهم للصائم، وفي رواية ابن عدي أنه إنما يُستحب ذلك للصائم أن يفعل ذلك في بيته.

وقد جاء عن قتادة وغيره استحباب الدهن للصائم مطلقًا، وهو إخفاء العبادة، فعن قتادة كما في "مصنف عبد الرزاق" (7912) قال: يُستحب للصائم أن يدّهن حتى تذهب عنه غبرة الصائم. وعن هلال بن يساف كما في "المصنف"(7913) =

ص: 320

هذا حديثٌ غريبٌ، لَيْسَ إسْنادُهُ بِذَاك، لا نَعْرِفهُ إلا من حديثِ سَعْدِ بن طَرِيفٍ، وَسَعْدُ بن طَرِيفٍ يُضَعَّفُ، ويُقالُ: عُمَيْرُ بن مأمُومٍ أيْضًا

(1)

.

‌78 - باب ما جاء في الفِطْرِ والأضْحَى مَتى يكُونُ

813 -

حَدَّثَنا يحيى بن موسى، قَال: حَدَّثَنَا يحيى بن اليَمانِ، عن مَعْمَرٍ، عن محمدِ بن المُنكَدر

عن عَائشةَ، قالت: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النّاسُ، وَالأضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ"

(2)

.

= قال: كان عيسى ابن مريم يقول: إذا كان يوم صوم أحدكم، فَلْيَدْهُنْ لِحيَته، وليمسح شَفَتَهُ حتى يخرج إلى الناس فيقولوا: ليس بصائم.

(1)

في "التقريب": عمر بن مأموم، ويقال: آخره نون، ابن زرارة التميمي الكوفي.

(2)

حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف، يحيى بن اليمان كثير الخطأ، وقد خالف في هذا الحديث الثقة يزيد بن زريع، فجعله من مسند عائشة، وإنما هو من مسند أبي هريرة.

وأخرجه المصنِّف في "العلل الكبير" 1/ 372، والدارقطني 2/ 225، والبغوي في "شرح السنة"(1725).

وأخرجه الشافعي في "مسنده" 1/ 151 من طريق عروة، عن عائشة. وفيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك.

وسلف عند المصنِّف (706) من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وسنده حسن، وفيه تتمة تخريجه والكلام عليه.

وأخرجه أبو داود (2324)، وابن ماجه (1660)، والدارقطني 2/ 163، والبيهقي 4/ 251 من طرق عن أبي هريرة.

ص: 321

سَألتُ محمدًا، قُلْتُ لهُ: محمدُ بن المُنكَدِرِ سَمِعَ من عَائشةَ؟ قال: نَعَمْ، يَقُولُ في حَديثهِ: سَمِعْتُ عَائشةَ.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ من هذا الوَجْهِ.

‌79 - باب ما جاء في الاعْتِكافِ إذا خَرجَ مِنْهُ

814 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنَا ابن أبي عَدِيٍّ، قَال: أنْبأنَا حُمَيْدٌ الطّويلُ

عن أنَسِ بن مَالكٍ، قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتكفُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ من رَمَضانَ، فلم يَعتكفْ عَامًا، فَلمَّا كانَ في العَامِ المُقْبِلِ اعْتكفَ عِشْرِينَ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ من حديثِ أنسِ بن مالك.

وَاخْتَلَفَ أهْلُ العلمِ في المُعْتكِفِ إذا قَطَعَ اعْتِكافَهُ قَبْلَ أن يُتِمَّهُ على مَا نَوَى؛ فقال بَعْضُ أهْلِ العلمِ: إذا نَقَضَ اعْتِكافَهُ وَجَبَ عَليْهِ القَضَاءُ، وَاحْتَجُّوا بِالحديثِ: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرجَ من اعْتِكافِهِ، فَاعتكَفَ عَشْرًا من شَوَّالٍ. وهو قَوْلُ مَالكٍ.

وقال بَعْضُهُم: إنْ لم يكُنْ عَلَيْهِ نَذْرُ اعْتِكافٍ، أوْ شَيْءٌ أوْجَبَهُ على نَفْسِهِ، وَكان مُتَطَوِّعًا، فَخَرَج، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شيء أنْ يَقْضِيَ إلا

(1)

حديث صحيح، وأخرجه ابن خزيمة (2226) و (2227)، والحاكم 1/ 439، والبيهقي 4/ 314، والبغوي (1834)، وهو في "المسند"(12017)، و"صحيح ابن حبان"(3662) و (3664).

ص: 322

أنْ يُحِبَّ ذلِكَ، اخْتِيارًا مِنْهُ، وَلا يَجِبُ ذلِكَ عَلَيْهِ، وَهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

قال الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ عَملٍ لَكَ أن لا

(1)

تَدْخُلَ فيهِ، فإذا دَخَلْتَ فيهِ، فَخَرجْتَ مِنْهُ، فَلَيْسَ عَليْكَ أنْ تَقْضِيَ إلا الحَجَّ وَالعُمْرةَ.

وفي الباب عن أبي هُريرة.

‌80 - باب المُعتكفِ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ، أمْ لا؟

815 -

حَدَّثَنا أبو مُصْعَبٍ المَدِيني قِرَاءةً، عن

(2)

مَالكِ بن أنَسٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن عُرْوةَ وَعَمْرةَ

(3)

عن عَائشة: أنَّها قالت: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا اعْتكَفَ، أدْنَى

(1)

لفظة: "لا" لم ترد في (ب)، وهي في نسخة بهامشها، وفي سائر النسخ.

(2)

في (ظ)، وشرح العراقي:"على"، والمثبت من سائر النسخ.

(3)

كذا وقع في الأصول الخطية لـ "سنن الترمذي": "عن عروة وعمرة" بالجمع بينهما، وكذا هو عند ابن حبان من طريق عمر بن سعيد بن سنان، عن أبي مصعب المديني، والذي في "الموطأ" رواية أبي مصعب (860):"عن عروة، عن عمرة، عن عائشة" وكذلك جاء في "شرح السنة" للبغوي (1836) من روايته، ونقل ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 316 عن الدارقطني أن أبا مصعب رواه كذلك:"عن عروة، عن عمرة، عن عائشة"، وأما قول الترمذي بإثر الحديث: هكذا رواه غير واحد عن مالك، أي: كرواية أبي مصعب في الجمع بين عروة وعمرة، فهو خطأ فيما نرى، فإننا لم نقف على أحد ذكر في رواية مالك الجمع بين "عروة وعمرة" إلا ما وقع في رواية أبي مصعب المديني، وقد عرفت الاختلاف عليه في ذلك.

ص: 323

إلَيَّ رَأسَهُ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكانَ لا يَدخُلُ البَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الإنْسَانِ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

هكذا رَوَاهُ غَيرُ وَاحِدٍ عن مَالكِ بن أنس، عن ابن شِهابٍ، عن عُرْوةَ وَعَمْرةَ، عن عَائشةَ، وَرَوى بَعْضُهُمْ عن مَالكٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن عُرْوةَ، عن عَمْرةَ، عن عَائشةَ.

والصَّحيح: عن عُرْوةَ وَعَمْرةَ، عن عَائشةَ.

هكذا روى الليث بن سعد، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة.

(1)

حديث صحيح، وهو في "الموطأ" رواية يحيى الليثي 1/ 312، ومن طريقه أخرجه أحمد في "المسند"(24731)، ومسلم (297)(6)، وأبو داود (2467)، والنسائي في "الكبرى"(3374)، وابن حبان (3672)، كلهم قال فيه: عن عروة، عن عمرة، عن عائشة.

وسيأتي عند المصنف بعد هذا الحديث من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، به.

وأخرجه مختصرًا أحمد (24041)، والبخاري (295) و (296) و (2028) و (2031) و (2046) و (5925)، ومسلم (297)(8) و (9)، وأبو داود (2469)، وابن ماجه (633)، والنسائي 1/ 148، وفي "الكبرى"(3381 - 3384)، وابن حبان (1359) من طرق عن عروة، عن عائشة دون ذكر عمرة، وزادوا فيه:"وأنا حائض"، وليس فيه:"ولا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان".

وأخرجه النسائي (3386) من طريق الأسود، عن عائشة.

ص: 324

816 -

حَدَّثَنَا بِذلكَ قُتيبةُ، عن اللَّيْثِ

(1)

(2)

.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلم؛ إذا اعْتكفَ الرَّجُلُ، أنْ لا يَخْرُجَ من اعْتكافهِ إلَّا لِحَاجَةِ الإنْسَانِ، وَأَجمعُوا على هذا: أنّهُ يَخْرُجُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لِلغَائِطِ وَالبَوْلِ.

ثُمَّ اخْتلَفَ أهْلُ العلمِ في عِيادةِ المَرِيضِ وَشُهودِ الجُمُعَةِ وَالجَنازةِ لِلْمُعْتكفِ، فَرَأى بَعْضُ أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أنْ يَعُودَ المَرِيضَ، وَيُشَيِّعَ الجِنازَةَ، وَيَشْهَدَ الجُمُعةَ إذا اشْترَطَ ذلكَ، وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّوْرِيِّ، وابن المُبَاركِ.

وقال بَعْضُهمْ: لَيْسَ لهُ أن يَفْعَلَ شَيْئًا من هذا، وَرَأوْا لِلْمعتكفِ، إذا كانَ في مِصْرٍ يُجَمَّعُ فيهِ، أن لا يَعْتكفَ إلَّا في المَسْجِدِ الجَامِعِ، لأنهُمْ كَرِهوا الخُرُوجَ لهُ من معْتكفِهِ إلى الجُمُعَةِ، ولم يَرَوْا لهُ أن يَتْرُكَ الجُمُعَةَ، فَقالُوا: لا يَعْتكفُ إلَّا في المَسْجِدِ الجَامعِ، حتَّى لا يَحْتاجَ أن يَخْرُجَ من مُعتكفِهِ لِغَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةِ الإنْسَانِ، لأنَّ خُرُوجَهُ لِغَيْرِ قضاء حَاجَةِ الإنْسَانِ، قطعٌ عِنْدهُمْ

(1)

وقع في المطبوع: "حدثنا بذلك قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة" بدل قوله: "هكذا روى

إلخ"، وما أثبتناه من أصولنا الخطية، والنسخة التي شرح عليها المباركفوري، وهذا الإسناد بِرُمَّته لم يرد في نسخة (ل).

(2)

صحيح، وأخرجه أحمد (24521)، والبخاري (2029)، ومسلم (297)(7)، وأبو داود (2468)، والنسائي في "الكبرى"(3375)، وابن ماجه (1776) من طرق عن الليث بن سعد، به. قالوا فيه جميعًا:"عن عروة وعمرة، عن عائشة".

ص: 325

للاعتِكافِ، هو قَوْلُ مَالكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.

وقال أحمدُ: لا يَعُودُ المَرِيضَ، وَلا يَتْبعُ الجِنازَةَ، على حديثِ عَائشةَ.

وقال إسحاقُ: إن اشْتَرطَ ذلكَ، فَلهُ أن يَتْبَعَ الجِنازَةَ، وَيَعُودَ المَرِيضَ.

‌81 - باب ما جاء في قِيامِ شَهْرِ رمضانَ

817 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا محمدُ بن الفُضَيْلِ، عن دَاوُدَ بن أبي هِنْدٍ، عن الوَلِيدِ بن عَبد الرحمنِ الجُرَشيِّ، عن جُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ

عن أبي ذَرٍّ، قال: صُمْنَا معَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلم يُصَلِّ بِنَا حتى بَقِيَ سَبْعٌ من الشَّهْرِ، فَقامَ بِنَا حتى ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ، ثُمَّ لم يَقُمْ بِنَا في السَّادِسةِ، وَقَامَ بِنَا في الخَامِسَةِ حتَّى ذَهبَ شَطْرُ اللَّيْلِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لو نَفَّلْتَنَا بَقيَّةَ لَيْلتِنَا هذِهِ. فقال:"إنَّهُ من قَامَ معَ الإمَامِ حتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لهُ قيامُ لَيْلَةٍ"، ثُمَّ لم يُصَلِّ بِنا حتَّى بَقِيَ ثَلاثٌ من الشَّهْرِ، وَصَلَّى بِنا في الثّالِثَةِ، وَدَعا أهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، فَقامَ بِنَا حتَّى تَخَوَّفنا الفَلاحَ.

قُلْتُ لهُ: وَمَا الفَلاحُ؟ قال: السُّحُورُ

(1)

.

هذا حديثٌ صحيحٌ حَسَنٌ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (1375)، وابن ماجه (1327)، والنسائي 3/ 83 - 84 و 202 - 203، وهو في "المسند"(21447)، وابن حبان (2547).

ص: 326

وَاخْتلَفَ أهْلُ العلمِ في قِيَامِ رَمَضانَ؛ فَرَأى بَعْضُهمْ أنْ يُصَلِّيَ إحْدَى وَأرْبَعِينَ رَكْعةً معَ الوِتْرِ

(1)

، وهو قَوْلُ أهْلِ المدِينةِ، والعملُ على هذا عندَهُمْ بالمَدِينَةِ.

وأكْثَرُ أهْلِ العلمِ على مَا رُوِي عن عُمرَ

(2)

، وَعَليٍّ، وَغَيْرِهِمَا

(1)

في مدونة الإمام مالك 1/ 193 رواية سحنون بن سيد التنوخي عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم: قال مالك: بعث إليَّ الأمير، وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقوم الناس بالمدينة. قال ابن القاسم: وهو تسعة وثلاثون ركعة بالوتر - ست وثلاثون ركعة، والوتر ثلاث - قال مالكٌ: فنهيت أن يَنْقُصَ مِن ذلك شيئًا، وقلتُ له: هذا ما أدركت الناس عليه، وهذا الأثر القديم الذي لم يزل الناس عليه.

(2)

أخرج البغوي في "الجعديات"(2926): حدثنا عليُّ بن الجعد، أنبأنا ابن أبي ذئب، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، وإن كانوا ليقرؤون بالمئين من القرآن. وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، ويزيد بن خصيفة ثقة حجة اتفق على إخراج حديثه الشخان، وقول أحمد فيه في إحدى روايتيه فيما رواه عنه أبو داود: منكر الحديث، لا يراد منه التضعيف والقدح، وإنما يقصد به أنه ينفرد عن أقرانه بأحاديث كما نبه عليه غير واحد من أئمة هذا الشأن، وقد تابعه على رواية العشرين يزيد بن رومان عند عبد الرزاق في "المصنَّف"(7330)، عن داود بن قيس وغيره، عن محمد بن يوسف، عن السائب ين يزيد: أن عمر جمع الناس في رمضان على أُبي بن كعب وعلى تميمٍ الداري، على إحدى وعشرين ركعة، يقرؤون بالمئين، وينصرفون عند فروع الفجر. وهذا سند قوي أيضًا.

وهذا الأثر عن عمر صححه غير واحد من الحفاظ، منهم الإمام النووي في "الخلاصة" و"المجموع"، وابن العراقي في "طرح التثريب"، والسيوطي في "المصابيح"، ولا نعلم أن أحدًا من أئمة العلم قد تكلم على هذا الأثر. وأما قول =

ص: 327

من أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، عِشْرِينَ ركْعةً، وهو قَوْلُ الثّوْرِيِّ، وابن المُبَاركِ، وَالشَّافِعِيِّ.

وقال الشّافِعِيُّ: وهكذا أدْرَكْتُ ببلَدِنا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِين رَكْعةً.

وقال أحمدُ: رُوِي في هذا ألْوَانٌ. ولم يَقْضِ فيهِ بِشَيْءٍ

(1)

.

= الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في رسالته: إن الشافعيَّ قد ضعَّفه مستدلًّا بتصديره إياه بروي فوهمٌ منه رحمه الله لأن الشافعي قد أخذ بفعل عُمر هذا واستحبه، وهو لا يأخذ بالحديث الضعيف، والمتقدمون من الأئمة لا يتقيدون بهذا المصطلح الذي تعارف عليه بعض المتأخرين كالمنذري والنووي، فإنهم يوردون الحديث الصحيح بصيغة التمريض في كتبهم إذا حذفوا السند، يفعلون ذلك رومًا للاختصار، فكم من حديث يذكره الإمام الشافعي في كتابه "الأم"، والإمام البغوي في "شرح السنة" بصيغة التمريض، وهو حديث صحيح، مخرَّج في "الصحيحين"، أو في أحدهما.

وفي الباب عند ابن أبي شيبة 2/ 393 عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب أمر رجلًا أن يصلي بهم عشرين ركعة. وهذا إسناد مُرسلٌ قويٌّ، وروى أيضًا عن عبد العزيز بن رُفيع قال: كان أُبي بن كعب يصلي بالناس في رمضان في المدينة عشرين ركعة، ويوتر بثلاث، وعنده أيضًا عن نافع بن عمر قال: كان ابن أبي مليكة يصلي بنا في رمضان عشرين ركعة. وابن أبي مليكة هذا هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة التابعي الثقة الفقيه المدني، أدرك ثلاثين من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وثمة آثار غير هذه تجدها في "مصنَّف ابن أبي شيبة" و"مصنَّف عبد الرزاق".

(1)

جاء في "فتاوى" شيخ الإسلام ابن تيمية 22/ 272: أن قيام رمضان لم يوقت له النبيُّ صلى الله عليه وسلم عددًا معينًا، بل كان صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، ولكن يُطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أُبي بن كعب كان =

ص: 328

وقال إسحاقُ: بَلْ نَخْتَارُ إحْدَى وَأرْبَعِينَ رَكْعةً على مَا رُوِي عن أُبَيِّ بن كَعْبٍ.

وَاخْتَارَ ابن المُبَارَكِ وَأحمدُ، وَإسحاقُ الصَّلاةَ معَ الإمَامِ في شَهْرِ رَمَضانَ.

وَاخْتَارَ الشَّافِعيُّ أنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ إذا كانَ قَارِئًا

(1)

.

‌82 - باب ما جاء في فَضْلِ من فَطَّرَ صَائمًا

818 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنَا عَبد الرَّحِيمِ بن سُليمان، عن عَبدِ المَلكِ بن أبي سُلَيْمَانَ، عن عَطَاءٍ

عن زَيْدِ بن خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من فَطَّرَ صَائمًا، كانَ لهُ مِثْلُ أجْرِهِ، غَيْرَ أنَّهُ لا يَنْقُصُ من أجْرِ الصَّائِمِ شيْءٌ

(2)

"

(3)

.

= يصلي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث. وكان يخفف القراءةَ بقدر ما زاد من الركعات، لأن ذلك أخفُّ على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعينَ ركعة، ويوترون بثلاث. وآخرون قاموا بستًّ وثلاثين، وأوتروا بثلاث. وهذا كله سائغ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه حسن.

(1)

جاء في المطبوع بعد هذا: "وفي الباب عن عائشة، والنعمان بن بشير، وابن عباس" ولم يرد في أصولنا الخطية.

(2)

في الأصول: "شيئًا" بالنصب، والمثبت من هامش نسخة (د)، ومن مصادر التخريج، وهو الوجه.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1746)، والنسائي في "الكبرى"(3330) و (3331)، وهو في "المسند"(17033)، و"صحيح ابن حبان"(3429). =

ص: 329

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌83 - باب التَّرْغِيبِ في قِيَامِ رمَضانَ، وَما جاء فيهِ من الفَضْلِ

(1)

819 -

حَدَّثَنا عَبدُ بن حُمَيْدٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ الرَّزَّاقِ، قَال: أخْبرَنَا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سَلمةَ

عن أبي هُريرةَ، قال: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضانَ من غَيْرِ أنْ يأمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ، ويَقولُ:"من قَامَ رَمَضانَ إيمانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لهُ ما تقَدَّمَ من ذَنْبهِ"، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأمْرُ على ذلكَ، ثُمَّ كانَ الأمْرُ كَذلِكَ في خلافَةِ أبي بكْرٍ، وَصَدْرًا من خِلافَةِ عُمرَ بن الخطاب على ذلكَ

(2)

.

وفي البابِ عن عَائشةَ.

هذا حديث صحيح

(3)

.

= وللحديث شواهد انظرها في "المسند".

(1)

هذا العنوان لم يرد في شيء من الأصول الخطية، وأثبتناه من النسخة التي شرح عليها المباركفوري.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (37) و (2008)، ومسلم (759) و (760)(175)، وأبو داود (1371)، والنسائي 3/ 201 و 202، و 4/ 129 و 155 و 156، و 8/ 117، وفي "الكبرى"(1204) و (1205) و (3416) و (3423)، وهو في "المسند"(7787)، و"صحيح ابن حبان"(2546).

(3)

في المطبوع: "حديث حسن صحيح"، والمثبت من أصولنا الخطية و"تحفة الأشراف"، و"شرح العراقي"، و"شرح المباركفوري".

ص: 330

وقد رُوِي هذا الحديث أيْضًا عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوةَ، عن عَائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 331

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

‌1 - باب ما جاء في حُرْمَةِ مَكّةَ

820 -

حَدَّثَنَا قُتيبةُ بن سعيد، قَال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ، عن سَعيدِ بن أبي سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ

عن أبي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ، أنّهُ قال لِعَمْرِو بن سَعيدٍ - وهو يَبْعَثُ البُعُوثَ إلى مَكَّة -: ائْذَن لِي أيُّهَا الأمير، أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الغَدَ مِن يَوْمِ الفَتْحِ، سَمِعتْهُ أُذُنَايَ، وَوعَاهُ قَلْبِي، وَأبْصَرَتْهُ عَيْنَاي حِين تكلَّمَ بهِ: أنَّهُ حَمِدَ الله، وَأثْنَى عَليْهِ، ثُمَّ قال:"إنَّ مكَّةَ حَرَّمَها اللهُ، ولم يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، وَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْم الآخِرِ أنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا، أوْ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرةً، فَإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، فَقُولُوا لهُ: إنَّ الله أذِنَ لِرَسُولهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يَأذَنْ لكَ، وَإنمَا أذِنَ لِي فيهِ سَاعةً من النَّهَارِ، وقد عَادتْ حُرْمَتُها اليَوْمَ كَحُرْمَتِها بالأمْسِ، وَليُبَلِّغِ الشّاهِدُ الغَائِبَ". فَقِيلَ لأبي شُرَيْحٍ: مَا قال لكَ عَمْرُو بن سعيد؟ قال: أنا أعْلمُ مِنْكَ بِذلكَ، يَا أبا شُرَيْحٍ إنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصيًا، وَلا فارًّا بِدَمٍ، ولا فَارًّا

ص: 333

بِخَرْبَةٍ

(1)

وَيُرْوَى: بخِزْيَةٍ

(2)

وفي البابِ عن أبي هُريرةَ، وابن عَبَّاسٍ.

حديثُ أبي شُرَيْحٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وأبو شُرَيْحٍ الخُزَاعِيُّ: اسْمُهُ خُوَيْلِدُ بن عَمْرٍو العَدَوِيُّ الكَعْبِيُّ.

وَمَعْنى قَوْله: "وَلا فَارًّا بخَرْبَةٍ": يَعْني جِنايةً، يَقُولُ: من جَنَى جِنَايةً، أوْ أصَابَ دَمًا، ثُمَّ جَاءَ

(3)

إلى الحَرَمِ، فكأنَّهُ

(4)

يُقَامُ عَلَيْهِ الحَدُّ.

‌2 - باب ما جاء في ثَوَابِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ

821 -

حدَّثَنا قُتيبةُ بن سَعيدٍ وأبو سَعيدٍ الأشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنا أبو خَالِدٍ الأحْمَرُ، عن عَمْرِو بن قَيْسٍ، عن عَاصمٍ، عن شَقِيقٍ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (104) و (1832) و (4295)، ومسلم (1354)، والنسائي 5/ 205 - 206، وفي "الكبرى"(5846)، وهو في "المسند"(16373).

وقوله: "ولا فارًا بخربة": هو بفتح الخاء وإسكان الراء، يعني السرقة، قال ابن بطال: الخربة بضم الخاء: الفساد، وبالفتح: السرقة.

(2)

قال في "النهاية": أي: بجريمة يستحيا منها.

(3)

في (ب): "نجا"، والمثبت من سائر أصولنا ونسختي العراقي والمباركفوري.

(4)

في نسخة المباركفوري: "فإنه"، والمثبت من الأصول الخطية.

ص: 334

عن عبد اللهِ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، فَإنَّهُمَا يَنْفِيانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضّةِ، وَلَيْسَ لِلحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلَّا الجَنّةَ"

(1)

.

وفي البابِ عن عُمرَ، وَعَامرِ بن رَبِيعَةَ، وَأبي هُريرةَ، وَعَبد اللهِ بن حُبْشِيٍّ، وَأُمِّ سَلمةَ، وَجَابرٍ.

حديث ابن مَسْعُودٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ من حديثِ عبد الله بن مَسْعُودٍ.

822 -

حدَّثَنا ابنُ أبي عُمرَ، قَال: حَدَّثَنَا سُفيانُ بنُ عُيينةَ، عن مَنْصُورٍ، عن أبي حَازِمٍ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من حَجَّ، فلم يَرْفُث ولم يَفْسُقْ، غُفِرَ لهُ مَا تقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ"

(2)

.

حديثُ أبي هُريرةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وأبو حَازِمٍ كُوفِيٌّ، وهو الأشْجَعِيُّ، وَاسْمُهُ: سَلْمَانُ، مَوْلى

(1)

حديث صحيح، وأخرجه النسائي 5/ 115 - 116، وفي "الكبرى"(3610)، وهو في "المسند"(3669)، و"صحيح ابن حبان"(3693).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1521) و (1819) و (1820)، ومسلم (1350)، وابن ماجه (2889)، والنسائي 5/ 114، وهو في "المسند"(7381)، و"صحيح ابن حبان"(3694)، وعندهم جميعًا:"رجع كيوم ولدته أُمه" بدل: "غفر له ما تقدم من ذنبه".

ص: 335

عَزَّةَ الأشْجَعِيَّةِ.

‌3 - باب ما جاء من

(1)

التَّغليظِ في تَرْكِ الحَجِّ

823 -

حَدَّثَنا محمدُ بن يحيى القُطَعِيُّ البَصْرِيُّ، قَال: حَدَّثَنا مُسْلِمُ بن إبراهيمَ، قَال: حَدَّثَنا هِلالُ بنُ عَبد اللهِ مَوْلَى رَبِيعةَ بن عَمْرِو بن مُسْلِمٍ البَاهِلِيِّ، قَال: حَدَّثَنا أبو إسحاقَ الهَمْدَانيُّ، عن الحارثِ

عن عَليٍّ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من مَلكَ زَادًا وَراحِلةً تُبلِّغُهُ إلى بَيْتِ اللهِ، ولم يَحُجَّ، فَلا عَليْهِ أن يَمُوتَ يَهودِيًّا أوْ نَصْرَانيًّا، وَذلِكَ أنَّ اللهَ يقُولُ في كِتابهِ:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}

(2)

" [آل عمران: 97].

هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفهُ إلا من هذا الوَجْهِ، وفي إسْنَادِهِ مَقالٌ، وَهِلالُ بن عَبد اللهِ مَجْهُولٌ، وَالحارثُ يُضَعَّفُ في الحديثِ.

‌4 - باب ما جاء في إيجابِ الحَجِّ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلةِ

824 -

حَدَّثَنا يُوسُفُ بن عِيسى، قَال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَال: حَدَّثَنا إبراهيمُ بن يَزيدَ، عن محمدِ بن عَبَّادِ بن جَعْفَرٍ

عن ابن عُمَرَ، قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا

(1)

في المطبوع، و (ب):"في".

(2)

إسناده ضعيف جدًّا، هلال بن عبد الله الباهلي متروك الحديث، والحارث - وهو ابن عبد الله الأعور - ضعيف، وأخرجه البزار (861)، والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 348، وابن عدي في "الكامل" 7/ 2580.

ص: 336

رَسولَ اللهِ ما يُوجِبُ الحَجَّ؟ قال: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

والعملُ عَليْهِ عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ أنَّ الرَّجُلَ إذا مَلكَ زَادًا وَرَاحِلةً، وَجبَ عَليْهِ الحَجُّ.

وَإبراهيمُ بن يزيد: هو الخُوزيُّ

(2)

المَكِّيُّ، وَقد تكلَّمَ فيهِ بَعْضُ أهْلِ الحديث من قِبَلِ حِفْظِهِ.

(1)

إسناده ضعيف، إبراهيم بن يزيد - وهو الخوزي - متروك الحديث، وأخرجه ابن أبي شيبة 4/ 90، وابن ماجه (2896)، والدارقطني 2/ 217، والبيهقي 5/ 58.

وله طريق أخرى عند الدارقطني 2/ 218، وفي سندها محمد بن الحجاج المُصَفِّر، وهو ضعيف جدًّا.

وفي الباب عن ابن عباس عند ابن ماجه (2893)، وعن أنس عند الحاكم 1/ 442، والدارقطني 2/ 216، والبيهقي 4/ 330، وعن جابر وابن مسعود وعمرو بن العاص عند الدارقطني 2/ 216 - 218 وكلها ضعيفة.

وقال أبو بكر بن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندًا، والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة. وهي عند الدارقطني 2/ 218 وسندها صحيح إلى الحسن. قاله الحافظ في "التلخيص" 2/ 221.

(2)

قال المزي في ترجمته فى "تهذيب الكمال": قال فيه أحمد بن حنبل: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وليس بشيء، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: منكر الحديث، ضعيف الحديث، وقال أبو بشر الدولابي، عن البخاري: سكتوا عنه يعني تركوه، وقال النسائي: متروك الحديث.

ص: 337

‌5 - باب ما جاء كَمْ فُرِضَ الحَجُّ

825 -

حَدَّثَنا أبو سَعيدٍ الأشَجُّ، قَال: حَدَّثَنا مَنْصُورُ بن وَرْدَانَ كوفي، عن عَليّ بن عَبدِ الأعْلَى، عن أبيهِ، عن أبي البَخْتَري

عن علي بن أبي طالب، قال: لما نزلت: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسولَ الله أفي كل عامٍ؟ فسكَتَ. فقالوا: يا رسولَ الله! أفي كل عام؟ قال: "لا، وَلو قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجبَتْ"، فأنْزَلَ اللهُ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}

(1)

[المائدة: 101].

وفي البابِ عن ابن عَبَّاسٍ، وأبي هُريرةَ.

حديثُ عَليٍّ حديثٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ.

واسْمُ أبي البَخْترِيِّ: سَعيدُ بن أبي عِمْرانَ، وهو سَعيدُ بن

(1)

إسناده ضعيف لضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، ثم هو منقطع أيضًا، فأبو البختري - وهو سعيد بن فيروز - لم يُدرك عليًّا كما قال غير واحد من أهل العلم، وأخرجه ابن ماجه (2884)، وهو في "المسند"(905).

وسيأتي عند المصنِّف أيضًا برقم (3307).

وفي باب أن الحج فريضة العمر عن ابن عباس في "مسند الإمام أحمد" برقم (2304)، وهو صحيح، ولفظه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا أيها الناس كتب عليكم الحج" قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: "لو قلتها لوجبت، ولو وجبت، لم تعملوا بها - أو لم تستطيعوا أن تعملوا بها - الحج مرة، فمن زاد، فهو تطوع".

وعن أبي هريرة، وهو في "المسند" أيضًا برقم (10607)، ومسلم (1337).

ص: 338

فيْرُوزَ.

وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن إلا أنه مُرسَل، وأبو البختري لم يُدرِك عليًّا.

‌6 - باب ما جاء كَمْ حَجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم

-

826 -

حَدَّثَنا عَبد اللهِ بنُ أبي زِيادٍ، قَال: حَدَّثَنا زَيْدُ بن حُبَاب، عن سُفيانَ، عن جَعْفَرِ بن محمدٍ، عن أبيهِ

عن جَابِرِ بن عَبد اللهِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثَلاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أن يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَمَا هَاجَرَ، مَعَها عُمْرةٌ، فَساقَ ثَلاثًا

(1)

وَسِتِّينَ بَدنةً، وَجَاءَ عَليٌّ من اليَمنِ بِبَقيّتِها، فِيهَا جَملٌ لأبي جَهْلٍ، في أنْفهِ بُرَةٌ من فِضَّةٍ، فَنَحَرَها

(2)

، فَأمرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من كُلِّ بَدنةٍ ببَضعةٍ، فَطُبِخَتْ، وَشَرِبَ من مَرقِهَا

(3)

.

(1)

جاء في المطبوع، وعامة النسخ الخطية:"ثلاثة وستين بدنة"، وما أثبتناه من نسختي العراقي والمباركفوري، وهو الجادة.

(2)

جاء في المطبوع: "فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، والمثبت من جميع أصولنا الخطية ونسختي العراقي والمباركفوري، وهو الموافق لرواية ابن عباس عند ابن ماجه وغيره: أن عليَّ بن أبي طالب نحر بقيتها.

(3)

حديث ضعيف بهذه السياقة، وقد اختلف فيه على سفيان الثوري كما سيأتي:

فرواه زيد بن الحباب كما عند المصنَّف وابن خزيمة والحاكم والبيهقي عنه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر.

ورواه عبد الله بن داود عند ابن ماجه عن سفيان الثوري، عن جعفر، عن أبيه عن جابر. وعن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. =

ص: 339

هذا حديثٌ غريبٌ من حديثِ سُفيانَ، لا نَعْرِفهُ إلا من حديثِ زَيْدِ بن حُبَابٍ.

وَرَأيْتُ عَبد اللهِ بن عَبد الرحمنِ رَوَى هذا الحديثَ في كُتُبهِ عن عَبد اللهِ بن أبي زِيَادٍ.

وَسألْتُ محمدًا عن هذا، فلم يَعْرِفهُ من حديثِ الثَّوْرِيِّ، عن جَعْفَرٍ، عن أبيهِ، عن جَابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَأيْتُهُ لا يَعُدُّ هذا الحديثَ مَحْفُوظًا، وقال: إنما يُرْوَى عن الثّوْرِيِّ، عن أبي إسحاقَ، عن مُجَاهِدٍ مُرْسلًا

(1)

.

827 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بن مَنْصُورٍ، قَال: حَدَّثَنا حَبَّانُ بن هِلالٍ، قَال: حَدَّثَنا هَمَّامٌ، قَال: حَدَّثَنا قَتادةُ، قال:

= ورواه وكيع عند البيهقي عنه، عن ابن جريج، عن مجاهد مرسلًا.

وقال البخاري كما عند المصنِّف والبيهقي في "الدلائل": ويروى عن الثوري عن أبي إسحاق، عن مجاهد. وهذا هو المحفوظ مرسلًا، وزيد يخطئ كثيرًا في حديث سفيان.

وأخرجه ابن ماجه (3076) و (3158)، وابن خزيمة (3056)، والحاكم 1/ 470، والبيهقي في "الدلائل" 5/ 454.

وفي الباب عن ابن عباس تامًّا ومختصرًا عند أحمد (2428)، وأبي داود (1749)، وابن ماجه (3076)، وابن خزيمة (2897) و (2898)، والطحاوي في "شرح المشكل"(1405)، والبيهقي 5/ 230.

والصحيح في حجِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه حج حجة واحدة كما سيأتي عند المصنّف من حديث أنس.

(1)

انظر ما قبله.

ص: 340

قلْتُ لأنَسِ بن مَالكٍ: كَمْ حَجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَاعْتَمَرَ أرْبعَ عُمَرٍ: عُمْرةً في ذي القعدة، وَعُمْرةَ الحُدَيْبيةِ، وَعُمْرةً معَ حَجَّتهِ، وَعُمْرةَ الجِعْرانَةِ، إذْ قَسَّمَ غَنِيمةَ حُنَيْنٍ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وحَبَّانُ بن هِلالٍ، أبو حَبِيبٍ البَصْرِيُّ، هو جَلِيلٌ ثِقةٌ، وَثّقهُ يحيى بن سَعيدٍ القَطَّانُ.

‌7 - باب ما جاء كَم اعْتَمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم

-

828 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بن عبد الرحمنِ العَطّارُ، عن عَمْرِو بن دِينَارٍ، عن عِكْرمَةَ

عن ابن عَبَّاسٍ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعْتَمرَ أرْبعَ عُمرٍ: عُمْرةَ الحُدَيْبيةِ، وَعُمْرةَ الثَّانِية من قَابِلٍ، عُمْرةَ القَصَاصِ

(2)

في ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرةَ الثَّالِثَةِ من الجِعْرَانَةِ، وَالرَّابِعَةَ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ

(3)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1778 - 1780) و (3066) و (4148)، ومسلم (1253)، وأبو داود (1994)، وهو في "المسند"(12372)، و"صحيح ابن حبان"(3764).

(2)

كذا في أصولنا الخطية، والنسخة التي شرح عليها المباركفوري، وجاء في هامشي (أ) و (ب)، والنسخة التي شرح عليها الحافظ العراقي:"القضاء"، وكلاهما بمعنىً، وسميت عمرة القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشًا فيها، لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صُدَّ عنها.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (1993)، وابن ماجه (3003)، وهو في المسند (3211)، و"صحيح ابن حبان"(3946). =

ص: 341

وفي البابِ عن أنَسٍ، وَعَبد اللهِ بن عَمْرٍو، وابن عُمرَ

(1)

.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ

(2)

.

وَرَوى ابن عُيينةَ هذا الحديثَ، عن عَمْرِو بن دِينَارٍ، عن عِكْرِمةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمرَ أرْبع عُمرٍ، ولم يَذْكُرْ فيهِ: عن ابن عَبَّاسٍ.

829 -

حَدَّثَنَا بذلكَ سَعيدُ بن عبَد الرحمنِ المَخْزُمِيُّ، قَال: حَدَّثنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن عَمْرِو بن دِينَارٍ، عن عِكْرِمةَ: أنَّ

(3)

النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكر نَحْوَهُ

(4)

.

= والجعرانة: بكسر الجيم وإسكانِ العين، وتخفيف الراءِ، قاله الأصمعي والشافعي والخطابي، وحكاه النووي عن أهل اللغة ومحققي المحدثين: وهي ما بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، وبها قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين.

(1)

حديث أنس سلف برقم (827)، وحديث ابن عمر عند البخاري (1774)، ومسلم (1255)، وهو في "المسند"(6126).

(2)

في (أ) و (ب) وشرحي العراقي والمباركفوري: "حديث غريب"، والمثبت من سائر الأصول، و"تحفة الأشراف".

(3)

في (ظ) و (ب) و (س) والنسخة التي شرح عليها الحافظ العراقي: "عن".

(4)

أخرجه كذلك مرسلًا ابن سعد في "الطبقات" 2/ 170 والبيهقي، 5/ 12، وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين: قال أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز: ليس أحد يقول في هذا الحديث: عن ابن عباس، إلا داود بن عبد الرحمن، وقال البخاري: داود بن عبد الرحمن صدوق، إلا أنه ربما يهم في الشيء.

وأخرجه ابن سعد 2/ 170 عن سعيد بن جبير مرسلًا بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة، واعتمر عام صالح قريشًا في ذي القعدة، واعتمر مرجعه من الطائف في ذي القعدة من الجعرانة.

ص: 342

‌8 - باب ما جاء من أيِّ مَوْضِعٍ أحْرَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم

-

830 -

حَدَّثَنا ابن أبي عُمرَ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن جَعْفَرِ بن محمدٍ، عن أبيهِ

عن جَابرِ بن عَبد اللهِ، قال: لَمَّا أرَادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحَجَّ، أذَّنَ في النَّاسِ، فَاجْتَمَعُوا، فَلمَّا أتَى البَيْدَاءَ أحْرَمَ

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عُمرَ، وَأنَسٍ، وَالمِسْوَرِ بن مَخرَمةَ.

حديثُ جَابرٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

831 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ بن سَعيدٍ، قَال: حَدَّثَنا حَاتِمُ بنُ إسماعيلُ، عن موسى بن عُقْبةَ، عن سَالمِ بن عَبد اللهِ بن عُمرَ

عن ابن عُمرَ، قال: البَيْدَاءُ الَّتِي تكْذِبُونَ فِيهَا على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، واللهِ ما أهَلَّ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا من عِنْدِ المَسْجِدِ، من عِنْدِ الشّجَرةِ

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا مسلم (1218)(147)، وأبو داود (1905)، وابن ماجه (3074)، والنسائي 5/ 155، وهو في "المسند"(14440)، و"صحيح ابن حبان"(3943).

والبيداء كما قال في النهاية: هي المفازة التي لا شيء فيها، وهو اسم موضع مخصوص بين مكة والمدينة عند ذي الحليفة.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1541)، ومسلم (1186) و (1187)، وأبو داود (1771)، والنسائي 5/ 162، وهو في "المسند"(4570)، و"صحيح ابن حبان"(3762)، وفيهما تمام تخريجه والكلام عليه.

وقوله: "تكذبون فيها" أي: تقولون: إنه أحرم منها، ولم يحرم منها وإنما أحرم =

ص: 343

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌9 - باب ما جاء مَتى أحْرَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم

-

(1)

832 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ بن سعيدٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ السَّلامِ بن حَرْبٍ، عن خُصَيْفٍ، عن سَعيدٍ بن جُبَيرٍ

عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أهَلَّ في دُبُرِ الصّلاةِ

(2)

.

= قبلها من عند مسجد ذي الحليفة، ومن عند الشجرة التي كانت هناك، وكانت عند المسجد، وسماهم ابن عمر كاذبين، لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو

والكذب عند أهل السنة هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء تعمده، أم غلط فيه، أو سها.

وقال القاضي عياض فما نقله عنه الزرقاني في "شرح الموطأ" 2/ 245: فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع مهم سهوًا، إذ لا يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل

وأراد ابن عمر التنفير من هذه المقالة، وتشنيعها على قائلها.

(1)

جاء هذا العنوان في هذا الموضع في (ب) و (ظ)، وجاء في (أ) و (س) و (د) قبل الحديث السابق، وما أثبتناه أولى بالصواب لموافقته لأحاديث الباب.

(2)

حسن لغيره، خصيف بن عبد الرحمن - وإن كان في حفظه شيء - حديثه يصلح للمتابعات، وأخرجه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة في "المصنف" ص 89 (الجزء الذي حققه العمروي)، وأحمد (2579)، والنسائي 5/ 162، وفي "الكبرى"(3735) من طرق عن عبد السلام بن حرب، بهذا الإسناد.

وأخرجه بنحوه مطولًا أحمد (2358)، وأبو داود (1770) من طريق أبي إسحاق، عن خُصيف بلفظ: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين، أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام، فحفِظْتُهُ عنه، ثم ركب، فلما استقلت به ناقته أهلَّ، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالًا، فسمعوه حين استقلت به =

ص: 344

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ، لا نَعْرِفُ أحَدًا رَوَاهُ غَيْر عَبدِ السَّلامِ بن حَرْبٍ.

وهو الّذي يَسْتَحِبُّه أهْلُ العلمِ؛ أنْ يُحْرِمَ الرجلُ في دُبُرِ الصّلاةِ.

‌10 - باب ما جاء في إفْرَادِ الحَجِّ

833 -

حَدَّثَنا أبو مُصْعَبٍ قِرَاءَةً عن مَالكِ بن أنَسٍ، عن عَبد الرحمنِ بن القَاسمِ، عن أبيهِ

عن عَائشةَ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أفْرَدَ الحَجَّ

(1)

.

وفي البابِ عن جَابِرٍ، وابن عُمرَ.

= ناقته يُهلُّ، فقالوا: إنما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلَّتْ به ناقته، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علا على شرف البيداء أهلَّ، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهلَّ حين علا على شرف البيداء. قال سعيد: وايم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهلَّ حين استقلت به ناقته، وأهلَّ حين علا على شرف البيداء. قال سعيد: فمن اخذ بقول ابن عباس، أهلَّ في مصلاه إذا فرغ من ركعتين.

وأخرجه مسلم بنحو رواية أحمد (1243)(205) من طريق أبي حسان، عن ابن عباس، وفيه: أنه صلى الظهر بذي الحليفة، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء، أهلَّ بالحج.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1211)(122)، وأبو داود (1777)، وابن ماجه (2964)، والنسائي 5/ 145، وهو في "المسند"(24077).

قلنا: ثبت عن عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في حجته كما في "سنن أبي داود"(1992). قال الحافظ في "الفتح" 3/ 429: إن كل من روى عنه الإفراد، حُمِل على ما أهل به في أول الحال، وكل من روى عنه التمتع، أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عنه القِران، أراد ما استقر عليه أمره.

ص: 345

حديثُ عَائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ.

وَرُوِي عن ابن عُمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أفْرَدَ الحَجّ، وأفْرَدَ أبو بكْرٍ وَعُمرُ وَعُثمانُ.

834 -

حَدَّثَنا بِذلكَ قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا عَبد الله بن نَافعٍ الصَّائغُ، عن عُبيد اللهِ بن عُمرَ، عن نَافعٍ، عن ابن عُمرَ، بهذا

(1)

.

وقال الثَّوْرِيُّ: إنْ أفْرَدْتَ الحَجَّ فَحَسَنٌ، وَإن قَرَنْتَ فَحَسَنٌ، وَإنْ تَمَتَّعْتَ فَحَسَنٌ.

وقال الشّافِعِيُّ مثْلَهُ، وقال: أحَبُّ إلَيْنَا الإفْرَادُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ القِرَانُ.

‌11 - باب ما جاء في الجَمعِ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرة

835 -

حَدَّثَنا قُتيبة، قَال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن حُمَيْدٍ

عن أنَسٍ، قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ"

(2)

.

وفي البابِ عن عُمرَ، وَعِمْرانَ بن حُصَيْنٍ.

(1)

أخرجه أحمد (5719)، ومسلم (1231) (184) دون قوله:"وأفرد أبو بكر وعمر وعثمان"، وأخرجه بتمامه الدارقطني في "سننه" 2/ 239.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (2151)، وأبو داود (1795)، والنسائي 5/ 105، وابن ماجه (2969)، وهو في "المسند"(11958).

ص: 346

حديثُ أنَسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ العلمِ إلى هذا، وَاخْتَارهُ من أهْلِ الكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ.

‌12 - باب ما جاء في التَّمَتُّعِ

(1)

836 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ بن سعيد، عن مَالكِ بن أنَسٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن محمدِ بن عَبد اللهِ بن الحارثِ بن نَوْفلٍ

أنَّهُ سَمعَ سَعْدَ بن أبي وَقّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بن قَيْسٍ، وَهُما يَذْكُرانِ التَّمَتُّعَ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فقال الضَّحَّاكُ بن قَيْسٍ: لا يَصْنعُ ذلكَ إلا مَنْ جَهِلَ أمْرَ اللهِ، فقال سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، يَا ابن أخي. فقال الضّحَّاكُ: فَإنّ عُمرَ بن الخَطَّابِ قد نَهى عن ذلكَ. فقال سَعْدٌ: قد صَنَعَها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَنَعْناها مَعهُ

(2)

.

(1)

جاء هذا العنوان هنا في (أ) و (د) و (ل)، وشرحي العراقي والمباركفوري، وجاء في (ب) بعد الحديث رقم (837).

(2)

حديث صحيح، وهذا سند حسن محمد بن عبد الله بن الحارث أخرج له الترمذي والنسائي ومالك، وروى عنه عمر بن عبد العزيز والزهري، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وهو في "موطأ مالك" 1/ 344، ومن طريقه أخرجه أحمد (1503)، والنسائي 5/ 152، وصححه ابن حبان (3939).

وأخرج مسلم (1225) من طريق سليمان التيمي، عن غنيم بن قيس قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة (أي: متعة الحج)، فقال: فعلناها وهذا يومئذ كافِرٌ بالعُرُش، يعني بيوت مكة. قال أبو عُبيد: سُميت بيوت مكة عُرُشًا، لأنها عيدان تنصب ويظلل بها، واحدها عريش كقلب وقليب. =

ص: 347

هذا حديثٌ صحيحٌ

(1)

.

837 -

حَدَّثَنا عَبدُ بن حُمَيْدٍ، قَال: أخْبرني يَعْقُوبُ بن إبراهيمَ بن سعدٍ، قَال: حَدَّثَنَا أبي، عن صَالحِ بن كَيْسانَ، عن ابن شِهَابٍ، أنّ سَالمَ بن عبد اللهِ حَدَّثَهُ

أنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِن أهْلِ الشّامِ، وهو يَسْألُ عَبد اللهِ بن عُمرَ عن التَّمَتُّعِ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فقال عَبد اللهِ بن عُمرَ: هِي حَلالٌ. فقال الشّامِيُّ: إنّ أبَاكَ قد نَهى عَنْهَا. فقال عَبد اللهِ بن عُمرَ: أرَأيتَ إنْ كانَ أبي نَهَى عَنْهَا، وَصَنعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أأمْرُ أبِي يُتَّبَعُ، أمْ أمرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرَّجُلُ: بَلْ أمرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقال: لَقد صَنَعهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

= وقوله: وهذا يومئذ كافر بالعُرُش، الإشارة بهذا إلى معاوية بن أبي سفيان، والمراد: أنا تمتعنا ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية مقيم بمكة انظر شرح مسلم 8/ 204.

(1)

جاء في (أ) و (د)، والنسخة التي شرح عليها الحافظ العراقي:"حسن صحيح"، والمثبت من سائر الأصول الخطية.

(2)

صحيح، وأخرجه أحمد (5700)، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(4229) من طريق معمر، عن الزهري بلفظ:"العمرة في شهور الحج تامة قد عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزلها الله في كتابه".

وأخرجه البخاري (1774)، وأبو داود (1986) من طريق ابن جريج، أن عكرمة بن خالد سأل ابن عمر رضي الله عنهما عن العمرة قبل الحج، فقال: لا بأس. قال عكرمة: قال ابن عمر: اعتمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج.

ص: 348

هذا حديث حسن صحيح

(1)

.

838 -

حَدَّثَنا أبو موسى محمدُ بن المُثَنَّى، قَال: حَدَّثَنَا عَبد اللهِ بن إدْرِيسَ، عن لَيْثٍ، عن طَاوُوسٍ

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: تَمتَّعَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكْرٍ وَعُمرُ وَعُثمانُ، وَأوَّلُ من نَهَى عنها مُعَاويةُ

(2)

.

وفي البابِ عن عَليٍّ، وَعُثمانَ، وَجَابرٍ، وَسَعْد، وَأسْماءَ ابنْةِ أبي بكَرٍ، وابن عُمرَ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ.

وقد اخْتَارَ قَوْمٌ من أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهمُ التَّمَتُّعَ بالعُمْرَة، والتَّمَتُّعُ أن يَدْخُلَ الرَّجُلُ بِعُمْرةٍ في أشْهُرِ الحَجِّ، ثمَّ يُقِيمَ حتَّى يَحُجَّ، فهو مُتمَتِّعٌ، وَعَليْهِ دَمٌ: ما اسْتَيْسَرَ من الهَدْي، فَإنْ لم يَجِدْ، صَامَ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ، وَسَبعةً إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ، ويُسْتَحَبُّ لِلمُتَمَتِّعِ، إذا صَامَ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ، أن يَصُومَ في

(1)

قوله: "هذا حديث حسن صحيح" لم يرد في (ل) و"تحفة الأشراف" 5/ 378، وهو موجود في باقي أصولنا الخطية.

(2)

إسناده ضعيف لضعف ليث، وهو ابن أبي سليم، وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 97، والنسائي 5/ 153 - 154، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 141، والطبراني في "الكبير"(10965)، وهو في "المسند" (2664). ولفظه عند النسائي: أن معاوية قال لابن عباس: أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة؟ قال: لا. يقول ابن عباس: هذا معاوية نهى الناس عن المتعة وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 349

العَشْرِ، ويكُونَ آخِرُها يَوْمَ عَرفةَ، فإنْ لم يَصُمْ في العَشْرِ، صَامَ أيّامَ التَّشْرِيقِ، في قَوْلِ بَعْضِ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمُ ابن عُمرَ، وَعَائشةَ، وَبهِ يَقولُ مَالكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وَإسحاقُ.

وقال بَعْضُهم: لا يَصُومُ أيّام التّشْرِيقِ، وهو قَوْلُ أهْلِ الكُوفَةِ.

وَأهْلُ الحديثِ يَخْتَارونَ التّمتُّعَ بالعُمْرَةِ في الحَجِّ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ، وَأحمدَ، وَإسحاقَ.

‌13 - باب ما جاء في التَّلْبِيَةِ

839 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن أيوبَ، عن نافِعٍ

عن ابن عُمرَ: أنّ تَلْبيةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانَتْ "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ وَالمُلكَ، لا شَرِيكَ لكَ"

(1)

.

840 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عن نَافعٍ

عن ابن عُمرَ: أنّهُ أهَلَّ، فَانْطَلَقَ يُهِلُّ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لبيك لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لكَ. قال: وَكَانَ عَبد اللهِ بن عُمرَ يَقُولُ: هذه تَلْبِيةُ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1549) و (5915)، ومسلم (1184) وأبو داود (1812)، وابن ماجه (2918)، والنسائي 5/ 159 و 160، وفي "الكبرى"(3730)، وهو في "المسند"(4457)، و"صحيح ابن حبان"(3799).

ص: 350

رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وَكانَ يَزِيدُ من عِنْدِه، في أثَرِ تَلْبِيةِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ في يَدَيْكَ لَبَّيْكَ، وَالرَّغْباءُ إلَيْكَ والعملُ

(1)

.

هذا حديثٌ صحيحٌ

(2)

.

وفي البابِ عن ابن مَسْعُودٍ، وَجَابرٍ، وَعَائشةَ، وابن عَبَّاسٍ، وأبي هُريرةَ.

حديثُ ابن عُمرَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ عَليْهِ عِنْدَ بَعضِ

(3)

أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وهو قَوْلُ سُفيانَ الثوري، وَالشّافِعِيِّ، وَأحمدَ، وَإسحاقَ.

وقال الشّافِعيُّ: وَإنْ زَادَ زائد في التّلْبِيةِ شَيْئًا من تَعْظِيمِ اللهِ فَلا بَأسَ إنْ شَاءَ اللهُ، وَأحَبُّ إلَيَّ أنْ يَقْتَصرَ على تَلْبِيةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

قال الشّافِعِيُّ: وَإنما قُلْنا: لا بَأسَ بِزِيادةِ تَعظِيم اللهِ فِيهَا، لِمَا جاءَ عن ابن عُمرَ: وهو حَفِظَ التّلْبِيةَ عن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ زَادَ ابن عُمرَ في تَلْبِيَتِهِ من قِبَلهِ: لَبَّيك، وَالرَّغْبَاءُ إليْكَ وَالعملُ.

(1)

صحيح، وانظر ما قبله.

(2)

جاء في نسخة (ل)، وفي "تحفة الأشراف":"حديث حسن صحيح"، والمثبت من سائر أصولنا الخطية، والنسخة التي شرح عليها الحافظ العراقي.

(3)

لفظة: "بعض" لم ترد إلا في نسخة بهامش (أ).

ص: 351

‌14 - باب ما جاء في فَضْلِ التَّلْبِيةِ وَالنّحْرِ

841 -

حَدَّثَنا محمدُ بن رَافعٍ، قَال: حَدَّثَنا ابنُ أبي فُدَيْكٍ (ح)

وَحَدَّثَنا إسحاقُ بن مَنْصُورٍ، قال: أخبرنا ابن أبي فُدَيْكٍ، عن الضّحَّاكِ بن عُثمانَ، عن محمدِ بن المُنكَدِرِ، عن عَبد الرحمنِ بن يَرْبُوعٍ

عن أبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أيُّ الحَجِّ أفْضَلُ؟ قال: "العَجُّ وَالثَّجُّ"

(1)

.

842 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قَال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بن عَيَّاشٍ، عن عُمَارةَ بن غَزِيّةَ، عن أبي حَازمٍ

عن سَهْلِ بن سَعْدٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا من مُسْلمٍ يُلَبِّي إلا لَبَّى مَنْ عن يَمينِهِ وشِمَالهِ، من حَجَرٍ أوْ شَجَرٍ أوْ مَدَرٍ، حتَّى تَنْقَطِعَ الأرْضُ من هَا هُنا وَهَا هُنا"

(2)

.

(1)

حديث حسن لغيره، وأخرجه الدارمي (1797)، وابن ماجه (2924)، والمروزي في "مسند أبي بكر الصديق"(25)، وابن خزيمة (2631) وأبو يعلى (117)، والبزار (71)، والحاكم 1/ 451، والبيهقي 5/ 42.

وله شاهد حسن من حديث عبد الله بن مسعود عند ابن أبي شيبة في "مسنده"، كما في "المطالب العالية"(1353)، وأبي يعلى (5086)، وسنده قوي.

وعن السائب بن خلاد، سيأتي عند المصنَّف في الباب الذي بعد هذا برقم (844)، ولفظه:"أتاني جبريل، فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية". وهو صحيح.

وعن زيد بن خالد الجهني مثله عند أحمد (21678)، وصححه ابن حبان (3803).

(2)

حديث حسن، إسماعيل بن عياش - وإن كانت روايته عن غير أهل بلده =

ص: 352

843 -

حَدَّثَنا الحَسنُ بنُ محمدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ وَعَبد الرحمنِ بن الأسْوَدِ أبو عَمْرٍو البَصْرِيُّ، قَالا: حَدَّثَنا عَبِيْدَةُ بن حُمَيْدٍ، عن عُمَارةَ بن غَزيّةَ، عن أبي حَازِمٍ، عن سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحْوَ حديثِ إسماعيلَ بن عَيَّاشٍ

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عُمرَ، وَجَابرٍ.

حديثُ أبي بكْرٍ حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفهُ إلا من حديثِ ابن أبي فُدَيْكٍ، عن الضّحَّاكِ بن عُثمانَ، وَمحمدُ بن المُنكَدرِ لم يسْمَع من عَبد الرحمنِ بن يَرْبُوعٍ، وقد رَوَى محمدُ بنُ المُنكَدرِ، عن سَعيدِ بن عَبد الرحمنِ بن يَرْبُوعٍ، عن أبيهِ غَيْرَ هذا الحديثِ، وَرَوى أبو نُعَيمٍ الطَّحَّان ضِرَارُ بن صُرَدٍ هذا الحديثَ عن ابن أبي فُدَيْكٍ، عن الضّحَّاكِ بن عُثمانَ، عن محمدِ بن المُنكَدرِ، عن سَعيدِ بن عَبْد الرحمنِ بن يَرْبُوعٍ، عن أبيهِ، عن أبي بَكْرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأخْطأ فيهِ ضِرَارٌ.

سَمِعْتُ أحمدَ بن الحَسَنِ يقولُ: قال أحمدُ بن حَنْبَلٍ: من قال في هذا الحديثِ: عن محمدِ بن المُنكدِرِ، عن ابن عَبد الرحمنِ بن يَرْبُوعٍ، عن أبيهِ، فقد أخْطَأ.

= فيها ضعف - قد توبع.

وأخرجه ابن ماجه (2921) من طريق إسماعيل بن عياش، وابن خزيمة (2634)، والحاكم 1/ 451، والبيهقي 5/ 43 من طريق عبيدة بن حميد، والطبراني في "الكبير"(5740)، وفي "الأوسط"(258) من طريق معاوية بن صالح، ثلاثتهم (إسماعيل وعبيدة ومعاوية) عن عمارة بن غزية، بهذا الإسنادِ.

(1)

انظر ما قبله.

ص: 353

وَسَمِعْت محمدًا يقولُ وذَكَرْت لهُ حديثَ ضِرَارِ بنِ صُرَدٍ، عن ابن أبي فُدَيْكٍ، فقال: هو خَطأٌ. فَقُلْتُ: قد رَوى غَيْرُهُ عن ابن أبي فُدَيْكٍ أيْضًا مِثْلَ روَايتِهِ. فقال: لا شَيْءَ، إنّما رَوَوْهُ عن ابن أبي فُدَيْكٍ، ولم يَذْكُرُوا فيهِ: عن سَعيدِ بن عَبد الرحمنِ. وَرَأيتهُ يُضَعِّفُ ضِرَارَ بن صُرَدٍ.

وَالعَجُّ: هو رَفْعُ الصَّوْتِ بالتّلْبِيةِ، وَالثَّجُّ: هو نَحْرُ البُدْنِ.

‌15 - باب ما جاء في رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ

844 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنَا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن عَبد اللهِ بن أبي بَكْرٍ - وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم -، عن عَبد الملكِ بن أبي بكْرِ بن عَبد الرحمنِ بن الحارث بن هشام، عن خَلّادِ بن السَّائِبِ

عن أبيهِ، قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أتانِي جِبْرِيلُ، فَأمَرني أن آمُرَ أصْحَابي أنْ يَرْفَعُوا أصْوَاتَهُمْ بالإهْلالِ وَالتَّلْبِيةِ"

(1)

(2)

.

حديث خَلّادٍ عن أبيهِ، حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وَرَوَى بَعْضُهمْ هذا الحديث عن خَلّادِ بن السَّائِبِ، عن زَيْدِ

(1)

جاء في (د) و (س) ونسخة في (ب)، والنسخة التي شرح عليها المباركفوري:"أو التلبية".

(2)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (1814)، وابن ماجه (2922)، والنسائي 5/ 162، وهو في "المسند"(16557/ 1) و (16567) و"صحيح ابن حبان"(3802).

ص: 354

ابن خَالِدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

، ولا يَصِحُّ، والصَّحِيحُ هو عن خَلَّادِ بن السَّائِبِ، عن أبيهِ. وهو خَلادُ بن السَّائِبِ بن خَلّادِ بن سُوَيْدٍ الأنْصَارِيُّ.

وفي البابِ عن زَيْدِ بن خَالدٍ، وَأبي هُريرةَ، وابنِ عَبَّاسٍ.

‌16 - باب ما جاء في الاغتِسالِ عِنْدَ الإحْرَامِ

845 -

حَدَّثَنا عَبد اللهِ بنُ أبي زِيادٍ، قَال: حَدَّثَنا عَبد اللهِ بن يَعْقُوبَ المَدَنيُّ، عن ابن أبي الزَّنَادِ، عن أبيهِ، عن خَارِجةَ بن زَيْدِ بن ثَابِتٍ

(1)

أخرجه ابن ماجه (2923)، وابن خزيمة (2628)، وابن حبان (3803)، والطبراني في "الكبير"(5170)، والحاكم 1/ 450، والبيهقي 5/ 42 من طريق سفيان الثوري، والبزار (3763)، وابن خزيمة (2629)، والطحاوي في "شرح المشكل"(5784) و (5785) من طريق موسى بن عقبة، كلاهما (سفيان وموسى) عن عبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب بن عبد الله، عن خلاد، عن زيد بن خالد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقول المصنَّف بعد: "ولا يصح، والصحيح هو عن خلاد بن السائب، عن أبيه"، تابع فيه شيخه البخاري كما في "العلل" 1/ 377، وهو الأشبه بالصواب، وقال ابن حبان: سمع هذا الخبر خلاد بن السائب من أبيه، ومن زيد بن خالد الجهني، ولفظاهما مختلفان، وهما طريقان محفوظان.

وقال الحاكم: هذه الأسانيد كلها صحيحة وليس يعلل واحد منها الآخر، فإن السلف رضي الله عنهم كان يجتمع عندهم الأسانيد لمتن واحد كما يجتمع عندنا الآن.

ص: 355

عن أبيهِ: أنَّهُ رَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَجرَّدَ لإهْلالهِ وَاغْتَسلَ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.

وقد اسْتَحَبَّ بعضُ أهْلِ العلمِ الاغْتِسَالَ عِنْدَ الإحْرَامِ، وهو قَولُ الشَّافِعِيُّ.

‌17 - باب ما جاء في مَوَاقِيتِ الإحْرَامِ لأهْلِ الآفَاقِ

846 -

حَدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن أيُّوبَ، عن نَافِعٍ

عن ابن عُمرَ: أنّ رَجُلًا قال: من أيْنَ نُهِلُّ يَا رسُولَ اللهِ؟ قال: "يُهِلُّ أهْلُ المَدِينَةِ من ذِي الحُلَيْفَةِ، وَأهْلُ الشّامِ من الجُحْفَةِ، وأهْلُ نَجْدٍ من قَرْنٍ"، قال:"وَأهْلُ اليَمَنِ من يَلَمْلمَ"

(2)

.

وفي البابِ عن ابن عَبَّاسٍ، وَجَابرِ بن عَبد اللهِ، وَعَبد اللهِ بن

(1)

حديث حسن، وأخرجه الدارمي (1794)، وابن خزيمة (2595)، والطبراني في "الكبير"(4862)، والبيهقي 5/ 32.

وله شاهد من حديث ابن عباس عند الحاكم 1/ 447، والبيهقي 5/ 33، ولفظه:"اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لبس ثيابه، فلما أتى ذا الحليفة، صلى ركعتين، ثم قعد على بعيره، فلما استوى به على البيداء، أحرم بالحج" وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (133) و (1525)، ومسلم (1182) والنسائي في "الكبرى"(3631)، وأبو داود (1737)، وابن ماجه (2914)، وهو في "المسند"(4455) و (5087)، و"صحيح ابن حبان"(3761).

ص: 356

عَمْرٍو.

حديثُ ابن عُمرَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ.

847 -

حَدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ، قَال: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عن سُفيانَ، عن يَزِيدَ بن أبي زيادٍ، عن محمدِ بن عَليٍّ

عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهلِ المَشْرِقِ العَقِيقَ

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

‌18 - باب ما جاء فِيما لا يَجُوزُ لِلمُحْرِمِ لُبْسُهُ

848 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عن نَافِعٍ

عن ابن عُمرَ أنّهُ قال: قَامَ رَجُلٌ فقال: يا رَسُولَ اللهِ ماذا تأمُرُنا أن نلْبَسَ من الثَّيابِ في الحُرْمِ؟ فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَلْبَسُوا القُمُصَ، ولا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا العَمَائِمَ، ولا

(1)

ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وفيه انقطاع، فإن محمد بن علي - وهو ابن عبد الله بن عباس - يروي عن أبيه، عن جده ابن عباس، كما جاء ذلك في "صحيح مسلم" في صلاته عليه السلام من الليل، وقال الإمام مسلم في كتاب "التمييز": لا نعلم له سماعًا من جده، ولا نعلم أنه لقيه. ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم أنه يروي عن جده، وذكرا أنه يروي عن أبيه، ثم إن فيه مخالفة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقت لأهل المشرق ذات عرق، والعقيق أبعد من ذات عرق.

وأخرجه أبو داود (1740)، وهو في "المسند"(3205).

ص: 357

الخِفَافَ، إلَّا أن يكُونَ أحَدٌ لَيْسَتْ لهُ نَعْلانِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وليقطعهما

(1)

مَا أسْفَلَ من الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا شَيْئًا من الثِّيابِ مَسَّهُ الزّعْفَرانُ ولا الوَرْسُ، ولا تَنْتَقِبِ المَرْأةُ الحَرَامُ، ولا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ"

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ عَليْهِ عِنْدَ أهْلِ العلمِ.

‌19 - باب ما جاء في لُبْسِ السَّرَاوِيلِ وَالخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ إذا لم يَجِدِ الإزَارَ والنَّعْلَيْنِ

849 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن عَبْدةَ الضَّبِّيُّ البَصْرِيُّ، قَال: حَدَّثَنا يَزِيد بن زُرَيْعٍ، قال: حَدَّثَنا أيُّوبُ، قَال: حَدَّثَنا عَمْرُو بن دِينارٍ، عن جَابِرِ بن زَيْدٍ

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "المُحْرِمُ إذا لم يَجِدِ الإزَارَ، فَلْيَلْبَس السَّرَاوِيلَ، وَإذا لم يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ"

(3)

.

(1)

لفظة: "وليقطعهما" لم ترد في أصولنا الخطية إلا على هامش (ب)، وكذا هي موجودة في "الصحيحين".

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (134) و (1838)، ومسلم (1177) وأبو داود (1823)، وابن ماجه (2929)، والنسائي 5/ 131، وهو في "المسند"(4482) و (6003)، و"صحيح ابن حبان"(3784).

والحُرْم، بضم الحاء وسكون الراء: أي في الإحرام.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1841)، ومسلم (1178)، وأبو داود =

ص: 358

850 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا حَمّادُ بن زَيْدٍ، عن عَمْرٍو، نَحْوَهُ

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ عُمرَ، وَجَابرٍ.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ، قَالُوا: إذا لم يَجِدِ المُحْرِمُ الإزَارَ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ، وَإذا لم يَجِدِ النَّعْليْنِ لَبِسَ الخُفَّيْنِ، وهو قَوْلُ أحمدَ.

وقال بَعْضُهُمْ على حديثِ ابن عُمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إذا لم يَجِدِ النَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيقطَعْهمَا أسْفَلَ من الكَعْبَينِ". وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّورِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ.

‌20 - باب ما جاء في الّذِي يُحْرِمُ وَعَليْهِ قَمِيصٌ أوْ جُبَّةٌ

851 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ بن سعيد، قَال: حَدَّثَنا عَبدُ اللهِ بن إدْرِيسَ، عن عَبد المَلكِ بن أبي سُلَيمانَ، عن عَطَاءٍ

عن يَعْلَى بن أُمَيَّةَ، قال: رَأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعْرَابِيًّا قد أحْرَمَ وَعَليْهِ جُبَّةٌ، فَأمَرهُ أن يَنْزِعَها

(2)

.

852 -

حَدَّثَنا ابنُ أبي عُمرَ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن عَمْرِو بن دِينَارٍ،

= (1829)، وابن ماجه (2931)، والنسائي 5/ 132 - 133، وهو في "المسند"(1848)، و"صحيح ابن حبان"(3785).

(1)

انظر ما قبله.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه أحمد (17964)، وأبو داود (1820).

ص: 359

عن عَطَاءٍ، عن صَفْوَانَ بن يَعْلَى

عن أبيهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوهُ بِمَعْناهُ. وهذا أصَحُّ، وفي الحديثِ قِصَّةٌ

(1)

.

وهكذا رَوَى قَتادةُ وَالحَجَّاجُ بن أرْطَاةَ وَغَيرُ وَاحِدٍ، عن عَطاءٍ، عن يَعْلى بن أُميَّةَ. وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى عَمْرُو بن دِينارٍ وابن جُرَيْجٍ عن عَطاءٍ، عن صَفْوَانَ بن يَعْلى، عن أبيهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

‌21 - باب ما جاء مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ من الدَّوَابّ

853 -

حَدَّثَنا محمدُ بن عَبْد المَلكِ بن أبي الشّوَارِبِ، قَال: حَدَّثَنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، قَال: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوةَ

عن عَائشةَ، قالت: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ في الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالغُرَابُ، وَالحُدَيَّا، والكَلْبُ العَقُورُ"

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1536) و (1789)، ومسلم (1180)، وأبو داود (1819) و (1820)، والنسائي 5/ 130 و 142، وهو في "المسند"(17948)، و"صحيح ابن حبان"(3778) و (3779).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1829) و (3314)، ومسلم (1198)، والنسائي 5/ 188 و 209، وهو في "المسند"(24052)، و"صحيح ابن حبان"(5632).

"فواسق": قال في "النهاية": أصل الفسوق: الخروج عن الاستقامة والجور، وبه سمِّي العاصي فاسقًا، وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهنَّ، وقيل: لخروجهن عن الحرمة في الحل والحرمة، أي: لا حرمة لهن بحال.

"الكلب العقور": قال في "النهاية": هو كل سبع يعقر، أي: يجرح ويقتل =

ص: 360

وفي البابِ عن ابن مَسْعُودٍ، وابن عُمرَ، وأبي هُريرةَ، وأبي سَعيدٍ، وابن عَبَّاسٍ.

حديثُ عَائشةَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

854 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، قَال: أخْبرَنا يَزِيدُ بن أبي زِيَادٍ، عن ابن أبي نُعْمٍ

عن أبي سَعيدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"يقْتُلُ المُحْرِمُ السَّبُعَ العَادِيَ، وَالكَلْبَ العَقُورَ، وَالفَأرَةَ، والعَقْرَبَ، وَالحِدَأةَ، وَالغُرابَ"

(1)

.

= ويفترس كالأسد والنمر والذئب، سماها كلبًا لاشتراكها في السبعية.

"والحُدَيَّا" قال في "فتح الباري": بضم أوله وتشديد التحتانية مقصور، قال قاسم بن ثابت: الوجه فيه الهمزة، وكأنه سُهِّل ثم أُدغِمَ، ولَيل: هي لغة حجازية. اهـ. والحِدَأَةُ، بكسر الحاء المهملة وفتح الدال بعدها همزة، كعَنِبَة: طائرٌ من الجوارح يَنقضُّ على الجِرْذان والدَّواجن والأطعمة ونحوها، والجمع: حِدَأٌ، أو حِدَاءٌ، وحِدْآن.

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وهو الهاشمي مولاهم الكوفي.

وأخرجه أبو داود (1848)، وابن ماجه (3089)، وهو في "المسند"(10990)، وزادوا جميعًا:"الحية"، وعند أبي داود وأحمد:"ويرمي بالغراب ولا يقتله"، وهي لفظة منكرة.

وله شاهد من حديث ابن عُمر عند أحمد (4461)، ومسلم (1199) بلفظ:"خمس من الدوابّ ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحِدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور".

والسبع العادي: الظالم الذي يفترِسُ الناس.

ص: 361

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ قَالوا: المُحْرِمُ يقْتُلُ السَّبُع العَادِيَ والكَلبَ. وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، قال الشَّافِعِيُّ: كُلُّ سَبُعٍ عَدَا على النّاسِ أوْ على دَوَابِّهِمْ، فَلِلمُحْرِمِ قَتْلُهُ.

‌22 - باب ما جاء في الحِجَامةِ لِلمُحْرِمِ

855 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن عَمْرِو بن دِينارٍ، عن طَاوُوسٍ وَعَطاءٍ

عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ

(1)

.

وفي البابِ عن أنسٍ، وَعَبد اللهِ بن بُحَينةَ، وَجَابرٍ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد رَخَّصَ قَوْمٌ من أهْلِ العلمِ في الحِجَامةِ لِلمُحْرِمِ؛ وقَالُوا: لا يَحْلقُ شَعرًا.

وقال مَالكٌ: لا يحْتَجِمُ المُحْرِمُ إلَّا مِن ضَرُورَةٍ.

وقال سُفيانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: لا بَأْسَ أن يَحْتَجِمَ المُحْرِمُ، وَلا يَنزعُ شَعَرًا.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1835) و (5695)، ومسلم (1202)، وأبو داود (1835)، والنسائي 5/ 193، وهو في "المسند"(1922)، و"صحيح ابن حبان"(3951).

وانظر ما سبق برقم (785).

ص: 362

‌23 - باب ما جاء في كَرَاهيةِ تَزْوِيجِ المُحْرِمِ

856 -

حَدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قَال: حَدَّثنا إسماعيلُ بن عُلَيّةَ، قَال: حَدَّثَنا أيُّوبُ، عن نَافعٍ

عن نُبَيْهِ بن وَهْبٍ، قال: أرَادَ ابن مَعْمَرٍ أن يُنْكِحَ ابْنَهُ، فَبَعَثَني إلى أبان بن عُثمانَ، وهو أمِيرُ المَوْسِمِ بمكة، فأتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إنَّ أخَاكَ يُرِيدُ أن يُنْكِحَ ابْنَهُ، فأحَبَّ أن يُشْهِدَكَ ذلكَ. قال: لا أُرَاهُ إلَّا أعْرابيًّا جَافيًا، إنَّ المُحْرِمَ لا ينْكِحُ ولا يُنْكِحُ - أوْ كما قال - ثُمَّ حَدَّثَ عن عُثمانَ مِثْلَهُ، يَرْفَعُهُ

(1)

.

وفي البابِ عن أبي رَافعٍ، وَمَيْمُونَةَ.

حديثُ عُثمانَ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنهُمْ عُمرُ بن الخَطَّابِ، وَعَليُّ بن أبي طَالِبٍ، وابن عُمرَ، وهو قَوْلُ بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، وَبهِ يَقُولُ مَالكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأحمدُ، وَإسحاقُ: لا يَرَوْنَ أنْ يتَزَوَّجَ المُحْرِمُ. وقَالُوا: إنْ نكَحَ، فَنِكاحُهُ بَاطلٌ.

857 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عن رَبِيعَةَ بن أبي عَبد الرحمنِ، عن سُلَيمَانَ بن يَسَارٍ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1409)، وأبو داود (1841)، وابن ماجه (1966)، والنسائي في "الكبرى"(3827)، وهو في "المسند"(401) و (492)، و"صحيح ابن حبان"(492).

ص: 363

عن أبي رَافعٍ، قال: تَزوَّجَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَيْمونةَ وهو حَلالٌ، وبَنى بِهَا وهو حَلالٌ، وَكُنْتُ أنا الرَّسُولَ فِيمَا بَينَهُمَا

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ. ولا نَعْلَمُ أحدًا أسْندهُ غَيْر حَمَّادِ بن زَيْدٍ، عن مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عن رَبِيعةَ.

وَرَوَى مَالكُ بن أنسَ، عن رَبيعةَ، عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمونةَ وهو حلالٌ. رَوَاهُ مَالكٌ مُرْسلًا.

وَرَوَاهُ أيضًا سُلَيمانُ بن بِلالٍ، عن رَبِيعَةَ، مُرْسلًا.

وَرُوِي، عن يَزِيدَ بن الأصَمِّ، عن مَيْمُونةَ، قالت: تَزَوَّجَني رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو حَلالٌ

(2)

.

(1)

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير مطر الوراق، وهو مختلف فيه، وحاصلُ كلامهم أنه ضعيف يُعتبر به، ولم يتابعه على رفع هذا الحديث إلا بشر بن السري عند الدارقطني في "العلل" 7/ 13 - 14، لكن بشرًا قد خالف جميعَ أصحاب مالك في رفعه، فإنهم رووه عنه مرسلًا، ورجح ابن عبد البر الرواية المرسلة، ثم قد اختلف فيه على ربيعة بن أبي عبد الرحمن كما أشار المصنِّف بإثر الحديث.

وهو عند المصنِّف في "العلل"(223).

وأخرجه أحمد (27197)، والنسائي في "الكبرى"(5402)، وابن حبان (4135).

وله شاهد من حديث ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالًا، وبنى بها حلالًا، وسيرد عند المصنف برقم (861)، وآخر من حديث عثمان عند مسلم (1409) رفعه:"لا يَنكحُ المُحرِمُ، ولا يُنكحُ" وقد سلف عند المصنف برقم (856).

(2)

انظر ما سيأتي برقم (861).

ص: 364

وَرَوى بَعْضُهمْ عن يَزِيدَ بن الأصَمَّ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزَوَّجَ مَيْمونةَ وهو حلالٌ.

وَيَزِيدُ بن الأصَمِّ: هو ابن أُخْتِ مَيْمُونةَ.

‌24 - باب ما جاء في الرُّخْصَةِ في ذلِكَ

858 -

حَدَّثَنا حُمَيْدُ بن مَسعدَةَ، قَال: حَدَّثَنا سُفيانُ بن حَبِيبٍ، عن هِشَام بن حَسَّانَ، عن عِكْرِمةَ

عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزَوَّجَ مَيْمونةَ وهو مُحْرِمٌ

(1)

.

وفي البابِ عن عَائشةَ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ، وَبهِ يَقولُ سُفيانُ الثَّوْرِيُّ وَأهْلُ الكُوفَةِ.

859 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أيُّوبَ، عن عِكْرِمةَ

عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونةَ وهو مُحْرِمٌ

(2)

.

860 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا دَاوُدُ بن عَبد الرحمنِ العَطَّارُ، عن عَمْرِو بن دِينَارٍ، قال: سَمِعْتُ أبا الشَّعْثَاءِ يُحَدِّثُ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (4258)، وأبو داود (1844)، والنسائي 6/ 87، وهو في "المسند"(2200)، و"صحيح ابن حبان"(4129).

(2)

حديث صحيح، وانظر ما قبله.

ص: 365

عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّج مَيْمُونةَ وهو مُحْرِمٌ

(1)

.

هذا حديثٌ صحيحٌ.

وأبو الشَّعْثَاءِ اسْمُهُ: جَابرُ بن زَيْدٍ.

وقد اخْتَلفُوا في تَزْوِيج النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونةَ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَها في طَرِيقِ مَكَّةَ، فقال بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَها حَلالًا، وَظَهرَ أمْرُ تَزويجِهَا وهو مُحْرِمٌ، ثُمَّ بَنى بِهَا وهو حَلالٌ بِسَرفَ في طرِيقِ مكّةَ، وَمَاتَتْ مَيْمُونةُ بِسَرِفَ، حَيْثُ بَنى بِهَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَدُفِنَتْ بِسَرِفَ.

861 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بن مَنْصُورٍ، قَال: أخْبرَنا وَهْبُ بن جَرِيرٍ، قَال: حَدَّثَنا أبي، قال: سَمِعْتُ أبا فَزَارَةَ يُحَدِّثُ، عن يَزِيدَ بن الأصَمِّ

عن مَيْمُونةَ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَها وهو حَلالٌ، وَبَنى بِهَا حَلالًا، وَماتَتْ بِسَرِفَ، ودَفنَّاها في الظُّلَّةِ الَّتِي بَنى بِهَا فِيهَا

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5114)، ومسلم (1410)، وابن ماجه (1965)، والنسائي 5/ 191 و 6/ 88، وهو في "المسند"(1919)، و"صحيح ابن حبان"(4131).

(2)

حديث صحيح، وقد اختلف في رفعه وإرساله، ورجَّح البخاري كما في "علل" الترمذي 1/ 379 إرساله، وقال الدارقطني في "العلل": المرسل أشبه.

فأخرجه موصولًا أحمد (26815)، وأبو داود (1843)، وابن حبان (4134) و (4136) و (4137).

وأخرجه مرسلًا مسلم بإثر الحديث (1410) و (1411)، وابن ماجه (1964)، والنسائي في الكبرى (3233). =

ص: 366

هذا حديثٌ غريبٌ.

وَرَوَى غيْرُ وَاحِدٍ هذا الحديثَ عن يَزِيدَ بن الأصَمِّ مُرْسلًا: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونةَ وهو حَلالٌ

(1)

.

‌25 - باب ما جاء في أكْلِ الصَّيْدِ لِلمُحْرِمِ

862 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بن عَبد الرحمنِ، عن عَمْرِو بن أبي عَمْرٍو، عن المُطَّلِبِ

عن جَابرٍ بن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"صيْدُ البَرِّ لكُمْ حَلالٌ وأنتُمْ حُرُمٌ، مَا لم تَصِيدُوهُ أوْ يُصَدْ لَكُمْ"

(2)

.

وفي البابِ عن أبي قَتادةَ، وَطَلْحةَ.

حديثُ جَابرٍ حديثٌ مُفَسَّرٌ، وَالمُطَّلِبُ لا نَعْرِفُ لهُ سَماعًا من جَابرٍ.

والعملُ على هذا عِندَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ؛ لا يَرَوْنَ بأكل الصيد لِلمُحْرِمِ بَأْسًا، إذا لم يَصْطَدْهُ أوْ لم يُصْطَدْ من أجْلِهِ.

= ويُعارضه حديثُ ابن عباس السالف برقم (860)، وقد بسطنا الكلام عليه عند حديث ابن عباس في "المسند"(2200)، وانظر "فتح الباري" 9/ 166.

(1)

انظر ما قبله.

(2)

صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن إن صح سماع المطلب من جابر، وقد اختلف فيه على عمرو بن أبي عمرو كما بيناه في "المسند".

وأخرجه أبو داود (1851)، والنسائي 5/ 178، وهو في "المسند"(14894)، و"صحيح ابن حبان"(3971).

ويشهد له حديث أبي قتادة الآتي.

ص: 367

قال الشَّافِعيُّ: هذا أحْسَنُ حديثٍ رُوي في هذا البابِ، وَأقْيسُ. والعملُ على هذا، وهو قَوْلُ أحمدَ، وَإسحاقَ.

863 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، عن مَالكِ بن أنَسٍ، عن أبي النَّضْرِ، عن نَافعٍ مَوْلى أبي قَتادةَ

عن أبي قَتادةَ: أنَّهُ كانَ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حتَّى إذا كانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مكةَ، تَخلَّفَ معَ أصْحَابٍ لهُ مُحْرِمِينَ وهو غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأى حِمَارًا وَحْشِيًا، فاسْتَوَى على فَرسِهِ، فَسَأل أصْحَابهُ أنْ يُناوِلُوهُ سَوْطَهُ فأبَوْا، فَسَألَهُمْ رُمْحَهُ، فَأبَوْا عَلَيْهِ، فأخَذَهُ ثمَّ شَدَّ على الحِمَارِ فَقتَلهُ، فَأكلَ مِنْهُ بَعْضُ أصْحَابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَأبى بَعْضُهمْ، فأدْرَكُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَألُوهُ عن ذلِكَ، فقال:"إنَّما هِي طُعْمةٌ أطعَمَكُمُوها اللهُ"

(1)

.

864 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، عن مَالكٍ، عن زَيْدِ بن أسْلمَ، عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ

عن أبي قَتادةَ في حِمَارِ الوَحْشِ، مِثْلَ حديثِ أبي النّضْرِ. غَيْرَ أنَّ في حديثِ زَيْدِ بن أسْلمَ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "هَلْ مَعكُمْ من لحْمِهِ شَيْءٌ؟ "

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1821) و (1823) و (2914)، وسلم (1199)، وأبو داود (1852)، والنسائي 5/ 182، وهو في "المسند"(22567).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري بإثر الحديث (2570) و (5407) و (5491)، ومسلم (1196)(58)، وهو في "المسند"(22568). =

ص: 368

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

‌26 - باب ما جاء في كَرَاهيةِ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ

865 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عن ابن شِهَابٍ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن عَبد اللهِ

أنَّ ابن عَبَّاسٍ أخْبرَهُ، أنَّ الصَّعْبَ بن جَثَّامَةَ أخْبرَهُ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بهِ بالأبْوَاءِ - أوْ بِوَدَّانَ -، فَأهْدَى لهُ حِمَارًا وَحْشيًّا، فَردَّهُ عَليْهِ، فَلمَّا رَأى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم في وَجْههِ الكَرَاهِيةَ، قال: "إنَّهُ لَيْسَ بِنا رَدٌّ عَليْكَ، ولكِنَّا

(1)

حُرُمٌ"

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد ذَهَبَ قَوْمٌ من أهْلِ العلمِ من أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ إلى هذا الحديثِ، وَكَرِهُوا أكْلَ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ.

وقال الشَّافِعِيُّ: إنما وَجْهُ هذا الحديثِ عِنْدَنا: إنما رَدَّهُ عَليْهِ لَمَّا ظَنَّ أنَّهُ صِيدَ من أجْلهِ، وَتَرَكَهُ على التَّنزُّهِ.

= وأخرجه البخاري (1821)، ومسلم (1196)، وابن ماجه (3093)، والنسائي 5/ 185 و 186 و 7/ 205 من طريق عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، به.

(1)

في نسخة بهامش (ب): "إلا أنا".

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1825)، ومسلم (1193)، وابن ماجه (3090) والنسائي 5/ 183 و 184، وهو في "المسند"(16422)، و"صحيح ابن حبان"(136).

ص: 369

وقد رَوَى بَعضُ أصحابِ الزُّهْرِيِّ، عنِ الزُّهْرِيِّ هذا الحديث، وقال: أهْدَى لهُ لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ. وهو غيْرُ مَحفُوظٍ.

وفي البابِ عن عَليٍّ، وَزَيْدِ بن أرْقَمَ.

‌27 - باب ماجاء في صيدِ البحرِ لِلمُحْرِمِ

866 -

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا وَكِيعٌ، عن حمَّادِ بن سلمةَ، عن أبي المُهَزِّم

عن أبي هُريرةَ، قال: خَرجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجٍّ أوْ عُمْرةٍ، فَاسْتَقْبَلَنا رِجْلٌ من جَرَادٍ، فَجَعلْنا نَضْرِبُهُ بأسياطِنا وَعِصِيِّنا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"كُلُوهُ، فإنَّهُ من صَيْدِ البَحْرِ"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ، لا نَعْرِفهُ إلا مِن حديثِ أبي المُهَزِّمِ، عن أبي هُريرةَ.

وأبو المُهزِّمِ اسْمُهُ: يَزِيدُ بن سُفيانَ. وقد تكَلَّمَ فيهِ شُعبةُ.

وقد رَخَّصَ قَوْمٌ من أهْلِ العلمِ لِلْمُحْرِمِ أنْ يَصِيدَ الجَرَادَ فيأكُلهُ، وَرَأى بَعْضُهمْ عَليْهِ صَدقةً، إذا اصْطَادَهُ أو أكلَهُ.

‌28 - باب ما جاء في الضّبُع يُصِيبُهَا المُحْرِمُ

867 -

حدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، قال: أخبرنا ابن جُرَيْجٍ، عن عبد اللهِ بن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ، عن ابن أبي عَمَّارٍ، قال:

(1)

إسناده ضعيف جدًّا، أبو المهزم متروك الحديث، وأخرجه أبو داود (1853) و (1854)، وابن ماجه (3222)، والبيهقي 5/ 207، وقال أبو داود بعده: أبو المهزم ضعيف، والحديثان جميعًا وهم.

ص: 370

قُلْتُ لجابرٍ: الضَّبُعُ، أصَيْدٌ هِي؟ قال: نَعَمْ. قال: قلت: آكُلُهَا؟ قال: نعم. قال: قلت: أقَالهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقال عليٌّ: قال يحيى بن سعيدٍ: رَوَى جَريرُ بن حَازِمٍ هذا الحديثَ، فقال: عن جَابرٍ، عن عُمرَ.

وحديثُ ابن جُرَيْجٍ أصحُّ، وهو قوْلُ أحمدَ، وإسحاقَ.

(1)

صحيح، وأخرجه ابن ماجه (3236)، والنسائي 5/ 191 و 7/ 200، وهو في "المسند"(14425) و (14449)، و"صحيح ابن حبان"(3965)، و"شرح مشكل الآثار"(3466).

وأخرجه مختصرًا دون قوله: "قلت: آكلها .. " الدارمي (1941)، وابن أبي شيبة 4/ 77، وأبو داود (3801)، وابن ماجه (3085)، وابن خزيمة (2646)، والدارقطني 2/ 246، والحاكم 1/ 452، والبيهقي 5/ 183 من طرق عن جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، بهذا الإسناد، وهو في "المسند"(14165)، و"صحيح ابن حبان"(3964)، و"شرح المشكل"(3468).

وانظر لزامًا "شرح مشكل الآثار" 9/ 92 - 109 تحت باب: بيان مشكل ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع في حِلِّ أكل لحمها وفي حرمته.

وسيتكرر برقم (1894).

وقال ابن قدامة في المغني 3/ 321 - 342: أما الضبع، فرويت الرخصة فيها عن سعد وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق، وقال أبو حنيفة والثوري ومالك: هي حرام، وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب، لأنها من السباع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كلِّ ذي ناب من السباع، وهي من السباع، فتدخل في عموم النهي.

ص: 371

والعملُ على هذا الحديثِ عِندَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ؛ في المُحْرِمِ إذا أصَابَ ضَبُعًا، أنَّ عليه الجزاءَ.

‌29 - باب ما جاء في الاغتسالِ لِدخول مكةَ

868 -

حدَّثنا يحيى بن موسى، قال: أخبرني هارونُ بن صالحٍ، قال: حدَّثنا عبد الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلمَ، عن أبيهِ

عن ابنِ عمرَ، قال: اغتَسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لدخولهِ مكّةَ بِفَخٍّ

(1)

.

هذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ، والصّحيحُ ما رَوَى نافعٌ، عن ابن عُمرَ: أنَّهُ كان يغتسلُ لدخولِ مكّةَ

(2)

.

وبه يقولُ الشّافعيُّ: يُسْتَحَبُّ الاغتسالُ لدخولِ مكّةَ.

وعبد الرحمنِ بن زَيْدِ بن أسْلمَ ضعيفٌ في الحديثِ، ضَعَّفَهُ أحمدُ بن حنبلٍ وعليُّ بن المَديني وغيرُهُما، ولا نعرفُ هذا الحديث مَرْفوعًا إلَّا من حديثهِ.

‌30 - باب ما جاء في دخول النبيِّ صلى الله عليه وسلم مكّةَ مِن أعلاها، وخروجهِ من أسفلِها

869 -

حدَّثنا أبو موسى محمدُ بن المُثنَّى، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن هشام بن عُرْوةَ، عن أبيه

(1)

إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأخرجه الدارقطني 2/ 221، والمزي في "تهذيب الكمال" 30/ 95.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 4/ 75، والدارقطني 2/ 220 موقوفًا، وإسناده صحيح.

ص: 372

عن عائشةَ، قالت: لَمَّا جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى مكّةَ، دخلَ من أعلاها، وخرج من أسْفلِها

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عمرَ.

حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌31 - باب ما جاء في دخولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مكّةَ نهارًا

870 -

حدَّثنا يوسفُ بنُ عيسى، قال: حدَّثنا وكيعٌ، قال: حدَّثنا العُمَريُّ، عن نافع

عن ابن عمرَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ مكّةَ نَهارًا

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ.

‌32 - باب ما جاء في كراهيةِ رفعِ اليدينِ عند رُؤيةِ البيت

871 -

حدَّثَنا يوسفُ بن عيسى، قال: حدَّثنا وكيعٌ، قال: حدَّثنا شعبةُ، عن أبي قَزعَةَ الباهِليِّ، عن المُهاجِرِ المَكِّيِّ، قال:

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1578)، ومسلم (1257) و (1258)، وأبو داود (1868) و (1869)، وهو في "المسند"(24121)، و"صحيح ابن حبان"(3807).

(2)

صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف العمري - وهو عبد الله بن عمر بن حفص -، وأخرجه ابن ماجه (2941)، وهو في "المسند"(5230).

وأخرجه أحمد في "مسنده" ضمن حديث طويل برقم (4628)، وفيه:"ثم يدخل مكة ضُحىً"، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

ص: 373

سُئِلَ جابرُ بن عبد الله: أيَرْفَعُ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إذا رَأى البيتَ؟ فقال: حَجَجْنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أفَكُنَّا نَفْعَلُهُ؟

(1)

رَفعُ اليدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ البَيْتِ، إنما نَعْرِفهُ من حديثِ شُعبةَ، عن أبي قزعةَ.

واسم أبي قزعة: سُوَيْدُ بن حُجَيْرٍ.

‌33 - باب ما جاء كَيْفَ الطَّوَافُ

872 -

حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا يحيى بن آدَمَ، قال: حدثنا سفيانُ، عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيهِ

عن جابرٍ، قال: لما قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكّةَ، دخلَ المسجدَ فاستلمَ الحَجَرَ، ثُمَّ مضى على يَمِينهِ، فَرمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثُمَّ أتى المقَامَ، فقال:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فَصَلَّى رَكْعَتينِ، والمَقَامُ بينه وبين البيتِ، ثم أتى الحَجَرَ بعدَ الرَّكْعَتيْنِ، فاستلَمَهُ، ثُمَّ خَرجَ إلى الصَّفا، أظُنُّهُ، قال: {إِنَّ

(1)

إسناده ضعيف مهاجر، - وهو ابن عكرمة المكي - قال أبو حاتم في "العلل": لا أعلم أحدًا روى عن المهاجر بن عكرمة غير يحيى بن أبي كثير، والمهاجر ليس بالمشهور. وقال الخطابي: ضعّف الثوريُّ، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق حديث مهاجر في رفع اليدين عند رؤية البيت؛ لأن مهاجرًا عندهم مجهول.

وأخرجه أبو داود (1870)، والنسائي 5/ 212، ولفظه: سُئِل جابر عن الرجل يرى البيت يرفع يديه، فقال: ما كنت أرى أحدًا يفعل هذا إلا اليهود، وقد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله.

ص: 374

الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}

(1)

[البقرة: 158].

وفي البابِ عن ابن عُمرَ.

حديثُ جَابرٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ.

‌34 - باب ما جاء في الرَّمَلِ من الحَجَرِ إلى الحَجرِ

873 -

حدَّثنا عَليُّ بن خَشْرَمٍ، قال: أخبرنا عبدُ اللهِ بن وَهْبٍ، عن مالكِ بن أنَسٍ، عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيهِ

عن جابرٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَملَ من الحَجرِ إلى الحَجرِ ثلاثًا، ومشى أربعًا

(2)

.

وفي البابِ عن ابن عمرَ.

حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

(1)

صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا مسلم (1218)، وأبو داود (1905) و (1909) و (3969)، وابن ماجه (1008) و (2951) و (2960) و (3074)، والنسائي 5/ 228 - 229 و 230 و 236 و 240 - 241. وهو في "المسند" (14440) و (14660) و (15243)، و"صحيح ابن حبان" (3943) و (3944) و (6322).

وانظر ما سيأتي (878) و (3205).

قوله "فَرَمَل": يقال: رَمَلَ يَرمُل رَمَلانًا: إذا أسرع في المشي وهَزَّ منكبيه، قاله ابن الأثير.

(2)

صحيح، وانظر تخريج الحديث الذي قبله.

ص: 375

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ قال الشّافِعِيُّ: إذا تَركَ الرَّمَلَ عَمْدًا، فقد أساءَ، ولا شيءَ عليه، وإذا لم يَرْمُلْ في الأشواطِ الثَّلاثةِ، لم يَرْمُل فيما بَقِيَ.

وقال بعض أهلِ العلمِ: ليس على أهلِ مكّةَ رَملٌ، ولا على من أحْرمَ منها.

‌35 - باب ما جاء في استلامِ الحَجرِ والرُّكْنِ اليمانيِّ، دُونَ ما سِواهُما

874 -

حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا عبدُ الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا سُفيان ومَعْمَرٌ، عن ابن خُثَيْمٍ

عن أبي الطُّفَيْلِ، قال: كنتُ مع ابن عبَّاس، ومعاويةُ لا يَمُرُّ بِرُكْنٍ إلا اسْتَلمَهُ، فقال لهُ ابن عبَّاسٍ: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يَسْتلِمُ إلَّا الحَجَرَ الأسودَ والرُّكْنَ اليمانيَّ. فقال معاويةُ: ليس شيءٌ من البيتِ مهجورًا

(1)

.

وفي البابِ عن عمرَ.

حديثُ ابن عبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أكثرِ أهلِ العلمِ: أنْ لا يَسْتَلِمَ إلَّا الحَجرَ الأسودَ والرُّكْنَ اليمانيَّ.

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (1269)، وهو في "المسند"(1877) و (2210).

ص: 376

‌36 - باب ما جاء أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طافَ مُضْطَبِعًا

875 -

حدَّثنا محمودُ بنُ غَيلانَ، قال: حدَّثَنا قَبيصةُ، عن سفيانَ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عبد الحميدِ، عن ابن يَعلى

عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ بالبيتِ مُضْطَبِعًا، وعليهِ بُرْدٌ

(1)

.

هذا حديثُ الثّوْرِيِّ عن ابن جُرَيْجٍ، ولا نَعْرِفهُ إلا من حديثهِ، وهو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وعبد الحميدِ: هو ابن جُبَيْر بن شَيبةَ، عن ابن يَعْلى، عن أبيهِ، وهو يَعْلَى بن أُمَيةَ.

‌37 - باب ما جاء في تَقْبيلِ الحَجَرِ

876 -

حدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن عابسِ بن رَبيعةَ، قال:

رَأيْتُ عُمرَ بن الخَطَّابِ يُقَبِّلُ الحَجرَ، ويقولُ: إنِّي أُقبِّلُكَ وأعلمُ أنّكَ حَجَرٌ، ولولا أنِّي رَأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ لم أُقَبِّلْكَ

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1883)، وابن ماجه (2954)، وهو في "المسند"(17952).

وقوله: "مضطبعًا": هو أن يأخذ الإزارَ أو البُردَ، فيجعل وَسَطَهُ تحت إبْطِه الأيمن، ويُلْقي طَرَفَيه على كتفه الأيسر من جِهَتيْ صَدْره وظَهره، وسُمِّي بذلك لإبداء الضَّبْعين. ويقال للإبط: الضَّبْعُ، للمجاورة. قاله ابن الأثير.

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1597)، ومسلم (1270)(251)، وأبو داود (1873)، والنسائي 5/ 227، وهو في "المسند"(99)، و"صحيح ابن حبان" =

ص: 377

وفي البابِ عن أبي بكْرٍ، وابن عُمرَ.

حديثُ عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

877 -

حدَّثنا قُتيبةُ، حدَّثنا حمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن الزُّبَيْرِ بن عَرَبيٍّ

أنَّ رجلًا سألَ ابنَ عُمرَ عن استلام الحَجرِ، قال: رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَستَلمُهُ ويُقبِّلُهُ. فقال الرَّجلُ: أرَأيْتَ إنْ غُلِبْتُ عَليْهِ؟ أرَأيْتَ إنْ زُوحِمْتُ؟ فقال ابنُ عُمرَ: اجْعَلْ "أرَأيْتَ" بِاليَمنِ، رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ ويُقَبِّلهُ

(1)

.

وهذا هو الزُّبَيْرُ بن عَرَبِيًّ رَوَى عنه حمَّاد بن زيدٍ، والزُّبَيْرُ بن عربي كُوفِيٌّ يُكْنَى أبا سَلمة، سَمعَ من أنَسِ بن مالكٍ وغيرِ واحدٍ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، رَوَى عنه سُفيانُ الثَّوْرِيُّ وغيرُ واحدٍ من الأئمة

(2)

.

حديثُ ابن عُمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد رُوِي عنه من غيرِ

= (3821).

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1611)، والنسائي 5/ 231، وهو في "المسند"(6396)، وانظر فيه الحديث برقم (4463).

(2)

من قوله: "حدثنا قتيبة .. " إلى هنا: أثبتناه من (ل) وهامش (أ)، ولم يرد في باقي أصولنا الخطية، ولا في "تحفة الأحوذي" 3/ 507 - 508، وأثبت المزي الحديث في "تحفة الأشراف" 5/ 345، ونقل هو والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 3/ 476 عبارة الترمذي في التعليق على الحديث بنحوها، وأشار الحافظ إلى أنها عند الترمذي من غير رواية الكروخي.

ص: 378

وجهٍ

(1)

.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ؛ يَستَحِبُّونَ تقبيلَ الحَجرِ، فإنْ لم يُمكِنْهُ، ولم يَصِلْ إلَيْهِ، اسْتَلمهُ بِيَدِهِ، وقَبَّلَ يَدهُ، وَإنْ لم يَصِلْ إليه، استَقْبلَهُ إذا حاذى بهِ وَكبَّرَ، وهو قَولُ الشّافِعيَّ.

‌38 - باب ما جاء أنَّهُ يَبْدَأُ بالصَّفا قَبْلَ المَرْوَةِ

878 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه

عن جابرٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ مكّةَ، طافَ

(2)

بالبيتِ سبعًا، فقرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فصلَّى خلفَ المَقامِ، ثمَّ أتى الحَجَرَ فَاستَلَمَهُ، ثمَّ قال:"نَبْدَأُ بما بَدَأ اللهُ بهِ" فبدأ بالصَّفا وقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}

(3)

[البقرة: 158].

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ؛ أنَّهُ يَبْدَأُ بالصَّفا قبلَ المَرْوَةِ، فإنْ بدأ بالمروةِ قبلَ الصَّفا لم يَجْزِهِ، وبدأ بالصَّفا.

واختلفَ أهلُ العلمِ فيمن طافَ بالبيت، ولم يَطُفْ بين الصَّفا والمروةِ حتَّى رجَعَ.

(1)

من قوله: "حديث ابن عمر .. " إلى هنا لم يرد في شيء من نسخنا الخطية.

(2)

في (أ) و (د) و (س): "فطاف".

(3)

صحيح، وانظر ما سلف برقم (872).

ص: 379

فقال بعضُ أهلِ العلمِ: إنْ لم يَطُفْ بين الصَّفا والمروةِ حتَّى خَرجَ من مكّةَ، فَإنْ ذَكَرَ وهو قريبٌ منها، رجعَ فطافَ بين الصَّفا والمروةِ، وإن لم يَذْكُرْ حتَّى أتى بلادَهُ، أجْزأهُ وعليه دمٌ، وهو قولُ سفيانَ الثَّوْرِيِّ.

وقال بعضُهمْ: إنْ تَركَ الطَّوافَ بينَ الصَّفا والمَرْوَةِ حتَّى رَجعَ إلى بِلادِهِ، فَإنّهُ لا يُجزئه. وهو قولُ الشّافعيِّ، قال: الطَّوَافُ بين الصَّفا والمروةِ واجبٌ، لا يجوزُ الحجُّ إلا بهِ

(1)

.

‌39 - باب ما جاء في السَّعْي ببن الصَّفا والمروةِ

879 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن طاووسٍ

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: إنما سَعَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالبيتِ وبين

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 3/ 498 - 499: واختلف أهل العلم في هذا، فالجمهور قالوا: هو ركن لا يتم الحجُّ إلا به، وعن أبي حنيفة: واجب يُجبر بالدم، وبه قال الثوري في الناسي لا في العامد، وبه قال عطاء، وعنه: أنه سنة لا يجب بتركه شيء، وبه قال أنس فيما نقله ابن المنذر.

وقال ابن قدامة في "المغني" 5/ 238: واختلفت الرواية في السعي، فروي عن أحمد أنه ركن لا يتم الحج إلا به، وهو قول عائشة وعروة ومالك والشافعي ..

وعنه: أنه سنة لا يجب بتركه دم، روي ذلك عن ابن عباس وأنس وابن الزبير وابن سيرين، وقال القاضي: هو واجب وليس بركن، إذا تركه وجب عليه الدم، وهو مذهب الحسن وأبي حنيفة والثوري، وهو أولى، لأن دليل من أوجبه دل على مطلق الوجوب، لا على كونه لا يتم الحج إلا به

ص: 380

الصَّفا والمروةِ، لِيُريَ المشركينَ قُوَّتهُ

(1)

.

وفي الباب عن عائشةَ، وابن عمرَ، وجابرٍ.

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وهو الذي يَسْتَحِبُّهُ أهلُ العلمِ؛ أن يَسْعَى بين الصَّفا والمروةِ، فإنْ لم يَسْع وَمَشى بين الصَّفا والمروةِ رَأوْهُ جائزًا.

880 -

حدَّثنا يوسفُ بن عيسى، قال: حدَّثنا ابن فُضَيْل، عن عطاءِ بن السَّائِبِ، عن كَثِيرِ بن جُمْهانَ، قال:

رأيتُ ابن عمرَ يَمشي في المسعى، فقلتُ له: أتَمْشي في المسعى بين الصَّفا والمروةِ؟ قال: لَئِنْ سَعَيْتُ، لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْعَى، وَلَئِنْ مَشَيْتُ، لقد رَأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمْشِي، وأنا شيخٌ كبيرٌ

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1602) و (1649)، ومسلم (1266)، وأبو داود (1886)، والنسائي 5/ 230 و 242، وهو في "المسند"(1921) و (2305).

(2)

حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، كثير بن جمهان لم يرو عنه غير اثنين، ولم يوثقه سوى ابن حبان، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، يعني أنه ضعيف في نفسه، لكن يكتب حديثه للمتابعات والشواهد. لكن روي الحديث من وجوه أخرى يصح بها كما أشار إليه المصنف بإثر الحديث، وكما في "المسند"(4993).

وأخرجه أبو داود (1904)، وابن ماجه (2988)، والنسائي 5/ 241، وهو في "المسند"(5143).

وانظر ما بعده.

ص: 381

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رُوِي عن سَعيدٍ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عُمرَ نحو هذا

(1)

‌40 - باب ما جاء في الطَّوافِ راكبًا

881 -

حدَّثنا بِشْرُ بن هلالٍ الصَّوَّافُ، قال: حدَّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ وعبد الوهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عن خالدٍ الحَذَّاءِ، عن عِكْرمةَ

عن ابن عبَّاسٍ، قال: طافَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على راحلتهِ، فإذا انْتَهى إلى الرُّكْنِ، أشارَ إليه

(2)

.

وفي البابِ عن جابرٍ، وأبي الطُّفَيْلِ، وأُمَّ سَلمةَ.

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد كَرِهَ قومٌ من أهلِ العلمِ أنْ يطوفَ الرَّجلُ بالبيتِ وبين الصَّفا والمروةِ راكبًا، إلَّا من عُذْرٍ، وهو قولُ الشّافعيِّ.

‌41 - باب ما جاء في فَضْلِ الطَّوافِ

882 -

حدَّثنا سفيانُ بن وكيعٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن اليمان، عن شَرِيكٍ، عن أبي إسحاقَ، عن عبد اللهِ بن سعيدِ بن جُبَيْرٍ، عن أبيه

عن ابن عبَّاسٍ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من طافَ بالبيتِ

(1)

صحيح، وأخرجه النسائي 5/ 242، وهو في "المسند"(6393).

وانظر ما قبله.

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1607) و (1612)، والنسائي 5/ 233، وهو في "المسند"(2378)، و"صحيح ابن حبان"(3825).

ص: 382

خمسينَ مَرّةً، خَرجَ من ذُنُوبهِ كيومِ وَلَدتْهُ أُمُّهُ"

(1)

.

وفي البابِ عن أنسٍ، وابن عُمرَ.

حديثُ ابن عَبَّاسٍ حديثٌ غريبٌ.

سألت محمدًا عن هذا الحديثِ، فقال: إنما يُرْوى هذا عن ابن عَبَّاسٍ قَوْلَهُ

(2)

.

حدَّثنا ابن أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن أيوب السَّخْتيانِيِّ، قال: كانُوا يَعُدُّونَ عَبد اللهِ بن سعيدِ بن جُبَيْرٍ أفْضَلَ من أبيهِ، وله أخٌ يُقالُ لهُ: عبد الملكِ بن سعيدِ بن جُبَيْرٍ، وقد رَوَى عَنْهُ أيْضًا.

(1)

إسناده ضعيف لضعف سفيان بن وكيع، وسوء حفظ شريك، وهو ابن عبد الله النخعي، وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 3/ 573 - 574، والذهبي في "السير" 8/ 357.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9809)، ومن طريقه ابن عدي في "الكامل" 4/ 1338 عن ابن المبارك، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس موقوفًا. وشريك سيئ الحفظ كما أسلفنا.

وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 123 عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن الحسن بن صالح، عن مطرف - وهو ابن طريف الكوفي -، عن أبي إسحاق السبيعي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله، ووقع فيه:"خمسين أسبوعًا" بدل "خمسين مرة"، وهذا إسناد صحيح.

ص: 383

‌42 - باب ما جاء في الصَّلاةِ بعد العصرِ لِمَن يطوفُ وبعدَ الصُّبْحِ

(1)

883 -

حدَّثنا أبو عمَّارٍ وعليُّ بن خَشْرَمٍ، قالا: أخبرنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن عبد اللهِ بن بَابَاه

عن جُبَيْرِ بن مُطْعمٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"يا بني عبدِ مناف لا تَمنَعُوا أحدًا طافَ بِهذا البيتِ وصلّى أيَّة ساعةٍ شاءَ من ليلٍ أو نهارٍ"

(2)

.

وفي البابِ عن ابن عبَّاسٍ، وأبي ذرٍّ.

حديثُ جُبَيْرِ بن مطعم حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وقد رواهُ عبدُ اللهِ بن أبي نَجيحٍ، عن عبد اللهِ بن باباه أيْضًا.

وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في الصَّلاةِ بعد العصرِ وبعدَ الصُّبْحِ بمكّةَ:

فقال بَعضهم: لا بأسَ بالصَّلاةِ والطَّوافِ بعدَ العصرِ وبعدَ الصُّبْحِ. وهو قولُ الشّافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، واحْتَجُّوا بحديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

هذا العنوان أثبتناه من (ب)، وهو المناسب لما شرح عليه المصنف، ووقع في (د) وشرح العراقي:"باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد المغرب في الطواف"، وكذا في (أ) إلا أن فيها:"لمن يطوف" بدل: "في الطواف".

(2)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1894)، وابن ماجه (1254)، والنسائي 1/ 284 و 5/ 223، وهو في "المسند"(16736)، و"صحيح ابن حبان"(1552).

ص: 384

وقال بعضهم: إذا طافَ بعد العصرِ، لم يُصَلِّ حتَّى تَغْرُبَ الشمْسُ، وكذلكَ إنْ طافَ بعد صلاةِ الصُّبْحِ أيضًا، لم يُصَلِّ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، واحتجُّوا بحديث عُمرَ: أنّهُ طافَ بعد صلاةِ الصُّبْحِ، فلم يُصَلِّ، وخرجَ من مكَّةَ حتى نَزلَ بذِي طُوىً، فصلّى بعدما طَلعَتِ الشَّمْسُ

(1)

. وهو قولُ سُفيانَ الثّوْرِيِّ، ومالكِ بن أنَسٍ.

‌43 - باب ما جاء ما يُقرأُ في رَكْعَتَي الطّوافِ

884 -

حدثنا أبو مُصْعَبٍ المَدَنِيُّ - قِراءَةً -، عن عبد العزيزِ بن عِمْرانَ، عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيه

عن جابرِ بن عبد اللهِ: أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأ في رَكْعَتَي الطّوافِ بسُورَتَي الإخلاص: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

(2)

.

885 -

حدَّثنا هنَّادٌ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن جعفرِ بن محمدٍ

(1)

هو في "الموطأ" برواية يحيى 1/ 368، وبرواية محمد بن الحسن (440)، وقال بإثره: وبهذا نأخذ، ينبغي أن لا يُصلِّي ركعتي الطواف حتى تطلع الشمس وتبيض، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.

(2)

صحيح، عبد العزيز بن عمران وإن كان فيه ضعف، قد توبع، وأخرجه مطولًا مسلم (1218)، وأبو داود (1905) و (1909)، وابن ماجه (3074)، والنسائي 5/ 236، وهو في "المسند"(14440)، و"صحيح ابن حبان"(3944).

ص: 385

عن أبيهِ: أنَّهُ كان يَسْتَحِبُّ أن يَقرَأ في رَكعَتَي الطَّوَافِ: بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

وهذا أصَحُّ من حديثِ عَبدِ العَزِيزِ بن عِمْرانَ، وَحديثُ جَعْفرِ بن محمدٍ، عن أبيهِ في هذا أصَحُّ من حديثِ جَعْفرِ بن محمدٍ، عن أبيهِ، عن جَابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعبدُ العزيزِ بن عِمْرانَ ضَعيفٌ في الحديثِ.

‌44 - باب ما جاء في كَراهِيةِ الطَّوَافِ عُرْيانًا

886 -

حَدَّثنا عليُّ بن خَشْرَمٍ، قال: أخبرنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن أبي إسحاقَ، عن زيدِ بن أُثَيْعٍ، قال:

سألتُ عليًّا: بأيِّ شيءٍ بُعِثْتَ

(1)

؟ قال: بأربعٍ: لا يدخلُ الجنّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمةٌ، ولا يطوفُ بالبيتِ عُرْيانٌ، ولا يَجتَمِعُ المسلمونَ والمشركونَ بعد عامهم هذا، ومن كان بَيْنهُ وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم عهدٌ، فَعهْدُهُ إلى مُدَّته، ومن لا مُدَّةَ لهُ فأربعةُ أشهُرٍ

(2)

.

وفي البابِ عن أبي هُريرةَ.

حديثُ عليٍّ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

(1)

أي حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الحج ليبلغ عنه هذه الكلمات كما سيأتي برقم (3345) و (3346).

(2)

صحيح، وهو في "المسند"(594)، وانظر تمام تخريجه فيه، وانظر ما بعده.

ص: 386

887 -

حَدَّثنا ابن أبي عمرَ ونصرُ بن عليٍّ، قالا: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن أبي إسحاقَ، نحوَهُ

(1)

، وقالا: زيدُ بن يُثَيعٍ، وهذا أصَحُّ، وشعبةُ وَهِمَ فيهِ، فقال: زيدُ بن أُثيلٍ.

‌45 - باب ما جاء في دخولِ الكعبة

888 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن إسماعيلَ بن عبد الملكِ، عن ابن أبي مُليكةَ

عن عائشةَ، قالت: خَرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من عندي، وهو قَرِيرُ العَيْنِ طَيَّبُ النّفْسِ، فَرجَعَ إليَّ وهو حَزِينٌ فَقُلْتُ لهُ، فقال:"إنِّي دَخَلْتُ الكعبةَ، ووَدِدْتُ أنِّي لم أكُنْ فَعَلْتُ، إنِّي أخافُ أنْ أكُونَ أتْعَبْتُ أُمَّتي من بَعْدِي"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌46 - باب ما جاء في الصَّلاةِ في الكعبةِ

889 -

حدَّثنا قُتيبة بن سعيد، قال: حدَّثنا حمَّادُ بن زيدٍ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن ابن عمر

عن بِلالٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلى في جَوْفِ الكعبةِ

(3)

.

(1)

صحيح، وانظر ما قبله.

(2)

حسن لغيره، وأخرجه أبو داود (2029)، وابن ماجه (3064)، وهو في "المسند"(25056)، وشرح "مشكل الآثار"(5790).

(3)

صحيح، وأخرجه أحمد في "مسنده"(23885) و (23899)، وانظر حديث ابن عمر عند البخاري برقم (397)، ومسلم برقم (1329)، وهو في =

ص: 387

قال ابن عبَّاسٍ: لم يُصَلِّ ولكِنَّهُ كَبَّرَ.

وفي البابِ عن أُسامةَ بنِ زَيْدٍ، والفضل بن عبَّاسٍ، وعثمانَ بن طلحةَ، وشيبةَ بن عثمانَ.

حديثُ بلالٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ عليه عند أكثرِ أهلِ العلمِ؛ لا يَرَوْنَ بالصَّلاةِ في الكعبة بأسًا.

وقال مالكُ بن أنَسٍ: لا بأس بالصَّلاةِ النَّافِلَةِ في الكعبةِ، وَكَرِهَ أنْ تُصلَّى المكتوبةُ في الكعبةِ.

وقال الشّافعيُّ: لا بأس أنْ يُصَلِّيَ المكتوبةَ والتَّطَوُّعَ في الكعبةِ، لأنّ حُكْمَ النّافِلَةِ والمكتوبةِ، في الطّهارةِ والقِبلَةِ، سواءٌ.

‌47 - باب ما جاءَ في كسْرِ الكعبةِ

890 -

حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، عن شعبةَ، عن أبي إسحاقَ، عن الأسودِ بن يزيدَ

أنّ ابنَ الزُّبَيْرِ قال لهُ: حَدِّثْنِي بما كانت تُفْضي إليكَ أُمُّ المُؤمِنينَ - يعني عائشةَ -، فقال: حدَّثَتْني أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لها: "لولا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُو عهدٍ بالجاهليّة، لَهَدَمْتُ الكعبةَ، وجعلتُ لها بابينِ". فلمَّا مَلكَ ابنُ الزُّبَيْرِ، هَدَمَها، وَجعَلَ لها

= "المسند" برقم (4464)، وانظر تمام تخريجه فيه.

ص: 388

بابينِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌48 - باب ما جاء في الصَّلاةِ في الحِجْرِ

891 -

حدَّثنا قتيبةُ، قال: حدَّثنا عبد العزيزِ بنُ محمدٍ، عن عَلْقَمةَ بن أبي علقمةَ، عن أُمِّهِ

عن عائشةَ، قالت: كُنْتُ أُحِبُّ أنْ أَدْخُلَ البَيتَ، فأُصَلِّيَ فيه، فأخذَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدي، فَأدخَلَنِي الحِجْرَ، وقال:"صَلِّي في الحِجْرِ إنْ أرَدْتِ دخولَ البيتِ، فإنَّما هو قِطْعةٌ من البيتِ، ولكنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوهُ حين بنَوُا الكعبةَ، فأخْرَجوهُ من البيتِ"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وعَلقمةُ بن أبي علقمةَ: هو علقمةُ بن بلالٍ.

‌49 - باب ما جاء في فضلِ الحَجَرِ الأسودِ والرُّكْنِ

892 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا جَرِيرٌ، عن عطاءِ بن السَّائبِ، عن سعيدِ بن جُبَيْر

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (126)، ومسلم (1333)، والنسائي 5/ 214 - 216، وهو في "المسند"(24297) و (24709)، و"صحيح ابن حبان"(3817).

(2)

صحيح، وأخرجه بنحوه البخاري (1586)، ومسلم (1333)، وأبو داود (2028)، والنسائي 5/ 215 و 216 و 219، وهو في "المسند"(24616)، "وصحيح ابن حبان"(3816).

ص: 389

عن ابن عبَّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَزلَ الحَجرُ الأسودُ من الجنَّةِ وهو أشَدُّ بياضًا من اللَّبنِ، فَسوَّدتْهُ خَطايا بني آدَمَ"

(1)

.

وفي البابِ عن عبد اللهِ بن عمرٍو، وأبي هُريرةَ.

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

893 -

حدَّثَنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ، عن رجاءٍ أبي يحيى، قال: سمعتُ مُسَافعًا الحاجِبَ، قال:

سمعتُ عبد اللهِ بن عَمْرٍو يقول: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ الرُّكْنَ والمَقامَ ياقوتتانِ من ياقوتِ الجنَّةِ، طَمَسَ اللهُ نُورَهُما، ولو لم يَطْمِسْ نُورَهُما، لأضاءَتا ما بين المشرِقِ والمغربِ"

(2)

.

هذا يُرْوَى عن عبد اللهِ بن عمرٍو موقوفًا قولَهُ

(3)

.

(1)

صحيح بشواهده، دون قوله: "وهو أشد بياضًا من اللبن

"، وأخرجه النسائي 5/ 226، وهو في "المسند" (2795). واقتصر النسائي في روايته على قوله: "الحجر الأسود من الجنة".

ويشهد لقوله: "الحجر الأسود من الجنة" حديث أنس، أخرجه أحمد في "مسنده"(13944)، وإسناده صحيح.

ويشهد له أيضًا حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعده، وهو صحيح موقوفًا.

(2)

صحيح موقوفًا، وهذا إسناد ضعيف لضعف رجاء أبي يحيى، وهو ابن صَبِيح الحَرَشي للبصري. وهو في "المسند" برقم (7000)، و"صحيح ابن حبان"(3710). وانظر تمام كلامنا عليه في "المسند".

(3)

أخرجه عبد الرزاق (8921)، والبيهقي 5/ 75، وقال أبو حاتم: وقفه أشبه، والذي رفعه ليس بقوي.

ص: 390

وفيه عن أنسٍ أيْضًا.

وهو حديثٌ غريبٌ.

‌50 - باب ما جاء في الخروجِ إلى مِنىً والمُقَامِ بها

894 -

حدَّثنا أبو سعيدٍ الأشَجُّ، قال: حدَّثنا عَبدُ اللهِ بن الأجْلَحِ، عن وإسماعيلَ بن مُسْلِمٍ، عن عطاءٍ

عن ابن عبَّاسٍ، قال: صَلّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمِنىً: الظُّهرَ والعصرَ، والمغربَ، والعشاءَ، والفجر، ثُمَّ غدا إلى عَرفَاتٍ

(1)

.

وإسماعيلُ بن مسلمٍ قد تُكلَّم فيهِ من قِبَلِ حِفْظِه.

895 -

حدَّثنا أبو سعيدٍ الأشَجُّ، قال: حدَّثنا عبدُ اللهِ بن الأجْلَحِ، عن الأعمشِ، عن الحكمِ، عن مِقْسَمٍ

عن ابن عبَّاسٍ: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بمنىً: الظُّهرَ والفجرَ، ثُمَّ غدا إلى عرفاتٍ

(2)

.

وفي البابِ عن عَبد اللهِ بن الزُّبَيْرِ، وأنسٍ.

حديثُ مِقْسَمٍ عن ابن عَبَّاسٍ، قال عَليُّ بن المديني: قال يحيى:

(1)

صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف إسماعيل بن مسلم المكي، وجاء الحديث من طريق أخرى صحيحة عن ابن عباس وهي التالية، وهي في "المسند"(2700).

ويشهد له أيضًا حديث جابر الطويل عند مسلم (1218).

وحديث الباب أخرجه ابن ماجه (3004).

(2)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1911)، وهو في "المسند"(2306) و (2701).

ص: 391

قال شُعبةُ: لم يَسْمَعِ الحكمُ من مِقْسَمٍ إلَّا خَمْسةَ أحاديث

(1)

، وَعَدَّها، وليس هذا الحديثُ فيما عَدَّ شُعبةُ.

‌51 - باب ما جاء أنَّ مِنىً مُناخُ من سَبَقَ

896 -

حدَّثنا يوسفُ بنُ عيسى ومحمدُ بن أبَانَ، قالا: حدَّثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن إبراهيمَ بن مُهاجِرٍ، عن يوسفَ بن مَاهَكَ، عن أُمِّهِ مُسَيكةَ

عن عائشةَ، قالت: قلنا: يا رسولَ اللهِ ألا نَبْنِي لكَ بناءً يُظِلُّكَ بِمنىً؟ قال: "لا، مِنىً مُناخُ من سَبقَ"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريب

(3)

.

‌52 - باب ما جاء في تقصيرِ الصَّلاةِ بمنىً

897 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا أبو الأحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ

(1)

قلنا: والباقي كتاب، قال الإمام الذهبي في "السير" 5/ 210: قال شعبة: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب سوى خمسة أحاديث، ثم قال يحيى القطان: هي حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزيمة الطلاق، وجزاء الصيد، وإتيان الحائض، قلنا: وانظر تخريجها فيما علقناه على السير.

(2)

إسناده ضعيف لضعف إبراهيم بن المهاجر، وجهالة مسيكة والدة يوسف بن ماهك.

وأخرجه أبو داود (2019)، وابن ماجه (3006) و (3007)، وهو في "المسند"(25541).

(3)

أثبتنا لفظة: "غريب" من (د)، وكتب على هامش (أ): وقع في نسخة أخرى بخط النسخ زيادة: "غريب".

ص: 392

عن حارثةَ بن وَهْبٍ، قال: صَلّيْتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمِنىً، آمنَ ما كانَ النَّاسُ وأكْثَرَهُ ركعتينِ

(1)

.

وفي البابِ عن ابن مسعودٍ، وابن عمرَ، وأنسٍ.

حديثُ حارثةَ بن وَهْبٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

ورُوِي عن ابن مسعودٍ أنَّهُ قال: صَلّيْتُ مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم بمِنىً ركعتينِ، ومع أبي بكرٍ ومعَ عُمرَ، ومع عثمانَ ركعتينِ صَدْرًا من إمارتهِ

(2)

.

وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في تقصِيرِ الصَّلاةِ بِمنىً لأهْلِ مكَّةَ:

فقال بعضُ أهلِ العلمِ: ليس لأهْلِ مكّةَ أن يَقْصروا الصَّلاةَ بمنىً إلَّا من كانَ بمنىً مسافرًا، وهو قَوْلُ ابنِ جُرَيْجٍ، وسُفيانَ الثَّوْرِيِّ، ويحيى بن سعيد القَطَّانِ، والشَّافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقال بعضُهمْ: لا بأسَ لأهْلِ مكَةَ أن يَقْصُروا الصَّلاةَ بمِنىً. وهو قولُ الأوْزَاعِيِّ، ومالكٍ، وسفيانَ بن عُيينةَ، وعبد الرحمنِ بن مَهْدِيًّ.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1083) و (1656)، ومسلم (696)، وأبو داود (1965)، والنسائي 3/ 119 و 119 - 120، وهو في "المسند"(18727)، و"صحيح ابن حبان"(2756) و (2757).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1084) و (1657)، ومسلم (695)، وأبو داود (1960)، والنسائي 3/ 120، وهو في "المسند"(3593).

ص: 393

‌53 - باب ما جاء في الوُقُوفِ بعَرفَاتٍ والدُّعَاءِ بِهَا

898 -

حدَّثنا قُتيبةُ بن سعيد، قال: حدَّثنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عمرِو بن عبد اللهِ بن صَفْوانَ، عن يزيدَ بن شَيْبانَ

قال: أتانا ابن مِرْبعٍ الأنْصَارِيُّ ونحنُ وُقُوفٌ بالمَوْقِفِ - مكانًا يُباعِدُهُ عَمرٌو - فقال: إنِّي رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إليكُمْ، يقول:"كُونوا على مشاعرِكُمْ، فإنّكُمْ على إرْثٍ من إرْثِ إبراهيمَ"

(1)

.

وفي الباب عن عليٍّ، وعائشةَ، وَجُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، والشَّرِيدِ بن سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ.

حديثُ ابن مِرْبعٍ الأنْصَارِيِّ حديثٌ حسنٌ، لا نَعْرِفهُ إلَّا من حديثِ ابن عُيينةَ عن عمرِو بن دينارٍ. وابن مِرْبعٍ اسْمُهُ: يَزِيدُ بن مِرْبعٍ الأنْصارِيُّ، وإنما نعرف لهُ هذا الحديثَ الواحدَ.

899 -

حدَّثنا محمدُ بن عَبدِ الأعْلى الصَّنْعَانيُّ البَصْرِيُّ، قال: حدَّثنا محمدُ بن عبد الرحمنِ الطُّفاوِيُّ، قال: حدَّثنا هشامُ بن عُرْوةَ، عن أبيهِ

عن عائشة، قالت: كانَتْ قُرَيْشٌ ومَنْ كانَ على دِينِها - وَهُمُ الحُمْسُ - يَقِفُونَ بالمزْدَلِفَةِ، يقولونَ: نحن قَطِينُ اللهِ. وَكانَ مَنْ سِوَاهُمْ يَقِفُونَ بِعَرفةَ، فأنزلَ الله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1919)، وابن ماجه (3011)، والنسائي 5/ 355، وهو في "المسند"(17233)، و"شرح مشكل الآثار"(1204) و (1205).

ص: 394

النَّاسُ}

(1)

[البقرة: 199].

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

ومعنى هذا الحديثِ: أنّ أهلَ مكَّةَ كانُوا لا يخرجونَ من الحَرَمِ، وعرفاتٌ خارِجٌ من الحَرَمِ، فأهلُ مكَّةَ كانُوا يَقِفُونَ بالمُزْدَلِفةِ ويقولونَ: نحن قَطِينُ اللهِ، يعني سُكَّانَ اللهِ، ومن سِوى أهْلِ مكَةَ كانُوا يَقِفُونَ بعَرَفاتٍ، فأنزلَ اللهُ:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، والحُمْسُ: هم أهْلُ الحَرَمِ.

‌54 - باب ما جاء أنّ عَرَفةَ كلَّهَا مَوْقِفٌ

900 -

حدَّثنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حدَّثنا أبو أحمدَ الزُّبَيْرِيُّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن عبد الرحمنِ بن الحارثِ بن عَيَّاشِ بن أبي رَبيعةَ، عن زَيْدِ بن عَليٍّ، عن أبيهِ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن أبي رافعٍ

عن عليِّ بن أبي طالبٍ، قال: وَقَفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعَرَفةَ، فقال:"هذِهِ عَرفةُ، وهو المَوْقِفُ، وعرفةُ كُلُّها مَوْقفٌ"، ثمَّ أفاضَ حينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَأرْدَفَ أُسامةَ بن زَيْدٍ، وجَعلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ على هِينَتِه، والناسُ يَضرِبون يمينًا وشمالًا، يَلتفِتُ إليهم ويقولُ:"أيُّها الناسُ عليكُمُ السَّكِينةِ"، ثم أَتى جَمْعًا، فصلَّى بهمُ الصلاتَيْنِ

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1665) و (4520)، ومسلم (1219)، وأبو داود (1910)، وابن ماجه (3018)، والنسائي 5/ 254 - 255، وهو في "صحيح ابن حبان"(3856).

ص: 395

جميعًا، فلمَّا أصْبَحَ أتَى قُزَحَ، ووقف

(1)

عليه، وقال:"هذا قُزَحُ، وهو المَوْقِفُ، وَجَمْعٌ كُلُّها مَوْقفٌ"، ثُمَّ أفاضَ حتَّى انتَهى إلى وادي مُحَسِّرٍ، فَقَرعَ ناقتَهُ، فَخَبَّتْ حتَّى جَاوزَ الوادِي فَوقَفَ، وَأرْدَفَ الفَضْلَ، ثُمَّ أتى الجَمْرةَ فَرماها، ثُمَّ أتى المَنحَرَ، فقال:"هذا المَنحرُ، ومِنىً كُلُّها مَنحرٌ"، واسْتَفتَتْهُ جاريةٌ شابّةٌ من خَثْعَمٍ. فقالت: إنَّ أبي شَيْخٌ كبيرٌ قد أدْرَكَتْهُ فرِيضةُ اللهِ في الحَجِّ، أفَيُجْزِئُ أن أحُجَّ عَنْهُ؟ قال:"حُجِّي عن أبيكِ"، قال: وَلوَى عُنُقَ الفضلِ. فقال العَبَّاسُ: يا رسولَ اللهِ لمَ لَويْتَ عُنُقَ ابن عَمِّكَ؟ قال: "رَأيْتُ شَابًا وشابّةً، فلم آمَنِ الشَّيْطانَ عليهما". ثُمَّ أتاهُ

(2)

رجلٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي أفَضْتُ قَبْلَ أنْ أحْلِقَ. قال: "احْلِقْ - أو قَصِّرْ - وَلا حَرجَ". قال: وجاء آخَرُ فقال: يا رسول اللهِ، إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أن أرْمِيَ، قال:"ارْمِ وَلا حَرجَ". قال: ثُمَّ أتَى البيتَ فطافَ بهِ، ثُمَّ أتَى زَمْزَمَ، فقال:"يا بَنِي عبدِ المُطَّلبِ لَوْلا أنْ يَغلبَكُمْ عليه الناسُ، لَنزَعْتُ"

(3)

.

وفي البابِ عن جابرٍ.

حديثُ عَليٍّ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نَعْرِفهُ من حديثِ عَليٍّ إلا من هذا الوَجْهِ من حديثِ عَبد الرحمنِ بن الحارثِ بن عَيَّاشٍ، وقد رَوَاهُ غَيْرُ واحِدٍ عن الثَّوْرِيِّ، مِثْلَ هذا.

(1)

في (ب): "وقف".

(2)

في (ب) و (س): "فأتاه".

(3)

حديث حسن، وأخرجه أبو داود (1922) و (1935)، وابن ماجه (3010)، وهو في "المسند"(562)، ورواية أبي داود وابن ماجه مختصرة.

ص: 396

والعمل على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ قد رَأوْا أنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ بعَرَفةَ في وَقْتِ الظُّهْرِ.

وقال بَعضُ أهْلِ العلمِ: إذا صَلَّى الرَّجُلُ في رَحْلِهِ، ولم يَشْهَدِ الصَّلاةَ مع الإمامِ، إنْ شاءَ جَمعَ هو بين الصَّلاتَيْنِ مِثْلَ ما صَنعَ الإمامُ.

وزيدُ بن عَليٍّ: هو ابن حُسَيْنِ بن عَليِّ بن أبي طَالِبٍ.

‌55 - باب ما جاء في الإفَاضةِ من عَرَفاتٍ

901 -

حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا وَكِيعٌ وَبِشْرُ بن السَّرِيِّ وأبو نُعَيْمٍ، قالوا: حدَّثنا سُفيانُ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن جابرٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أوْضَعَ في وادي مُحَسِّرٍ.

وزاد فيه بِشْرٌ: وأفاض من جَمْعٍ وعليه السَّكينةُ، وأمَرهُم بالسَّكِينةِ.

وزاد فيهِ أبو نُعَيْمٍ: وَأمَرَهُمْ أن يَرْمُوا بمِثلِ حَصَى الخَذْفِ، وَقال:"لَعَلِّي لا أرَاكُمْ بعد عامي هذا"

(1)

.

وفي البابِ عن أُسامةَ بن زَيْدٍ.

حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (1299)(313)، وأبو داود (1944)، وابن ماجه (3023)، والنسائي 5/ 258 و 267 و 274، وهو في "المسند"(14218) و (14553).

ص: 397

‌56 - باب ما جاء في الجَمْعِ بين المغربِ والعِشاءِ بالمُزْدَلِفَةِ

902 -

حدَّثنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ القطَّانُ، قال: حدَّثنا سفيانُ الثَّوْرِيُّ، عن أبي إسحاقَ، عن عبد اللهِ بن مالكٍ

أنَّ ابن عمرَ صَلَّى بِجَمعِ، فجَمعَ بين الصَّلاتَيْنِ بإقامةٍ، وقال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعلَ مِثْلَ هذا في هذا المكانِ

(1)

.

903 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قَال: حَدَّثَنا يحيى بن سَعيدٍ، عن إسماعيلَ بن أبي خَالِدٍ، عن أبي إسحاقَ، عن سَعيدٍ بن جُبَيْرٍ

عن ابن عُمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مثله

(2)

.

قال محمدُ بن بَشَّارٍ: قال يحيى: والصَّوابُ حديثُ سُفيانَ.

وفي البابِ عن عَليٍّ، وأبي أيُّوبَ، وعَبد الله بنِ مَسْعودٍ، وَجَابرٍ، وَأُسَامةَ بن زَيْدٍ.

حديثُ ابن عُمرَ، رواية سُفيانَ، أصَحُّ من روايةِ إسماعيلَ بن أبي خالدٍ.

(1)

صحيح، وأخرجه بألفاظ متقاربة مسلم (1288) وص 937 (286)، وأبو داود (1926) و (1929 - 1933)، وابن ماجه (3021)، والنسائي 1/ 239 - 240 و 240 و 291 و 2/ 16 و 5/ 260، وهو في "المسند"(4452) و (4676)، و"صحيح ابن حبان"(3021).

(2)

انظر ما قبله.

ص: 398

وحديثُ سفيانَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

(1)

.

وَرَوَى إسرائيلُ هذا الحديثَ عن أبي إسحاقَ، عن عَبد اللهِ وَخَالدِ: ابْنَيْ مَالكٍ، عن ابن عُمرَ.

وحديثُ سَعيدِ بن جُبَيْرٍ عن ابن عُمرَ هو حديثٌ صحيحٌ

(2)

أيْضًا.

رَوَاهُ سَلمةُ بن كُهَيْلٍ، عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ.

وَأمَّا أبو إسحاقَ، فإنما روى عن عَبد اللهِ وَخَالدٍ: ابْنَيْ مالكٍ، عن ابنُ عُمرَ

(3)

.

قال سفيانُ: وإن شاء صَلَّى المغرب، ثم تعشَّى، ووضَعَ ثيابَهُ، ثُمَّ أقامَ فَصلَّى العشاءَ.

وقال بعضُ أهل العلم: يجمعُ بين المغرب والعشاء بالمُزدلفةِ، بأذانٍ وإقامَتينِ

(4)

، يُؤذَّنُ لصلاة المغربِ ويُقيمُ، ويُصَلَّي المغربَ، ثمَّ يُقيمُ ويُصَلَّي العشاءَ، وهو قولُ الشافعيِّ.

والعملُ على هذا عند أهل العلمِ: أنه لا يُصلَّي صلاةَ المغربِ دونَ جمع، فإذا أتى جمعًا، وهو المُزدلفةُ، جَمعَ بين الصَّلاتينِ

(1)

في (ل): "حديث صحيح".

(2)

في (ل): "حديث حسن صحيح".

(3)

انظر تخريج جميع طرق الحديث في "المسند"(4452) وانظر فيه جميع مواضعه.

(4)

وحديث الإقامتين أخرجه البخاري (1673)، وأبو داود (1927) و (1928)، والنسائي 1/ 239 و 2/ 16 و 16 - 17، وهو في "المسند"(6473).

ص: 399

بإقامةٍ واحدةٍ، ولم يَتَطوعْ فيما بينهما، وهو الذي اختارهُ بعض أهل العلمِ وذهبَ إليه، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ.

‌57 - باب ما جاء من أدْرَكَ الإمامَ بجَمْعٍ فقد أدْرَكَ الحَجَّ

904 -

حدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ سَعيدٍ وعبد الرحمنِ بن مَهْدِيًّ، قالا: حدَّثنا سُفيانُ، عن بُكَيْرِ بن عطاءٍ

عن عَبد الرحمنِ بن يَعْمَرَ، أنَّ ناسًا من أهْلِ نَجْدٍ أتَوْا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو بعرَفةَ، فَسألُوهُ، فأمَرَ مُناديًا فَنادَى:"الحجُّ عَرفةُ، من جاءَ لَيلةَ جَمْع قَبْلَ طُلُوعِ الفجرِ، فقد أدْركَ الحجَّ، أيَّامُ مِنىً ثلاثةٌ، فَمن تعجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثمَ عليه، ومن تأخرَ فلا إثْمَ عليه"

(1)

.

وزاد يحيى: وَأردَفَ رجلًا فنادَى.

905 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سُفيانُ بنُ عُيينةَ، عن سُفيانَ الثَّوْرِيِّ، عن بُكَيْرِ بن عَطاءٍ

عن عَبد الرحمنِ بن يَعْمَرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بمَعناهُ

(2)

.

وقال ابن أبي عُمرَ: قال سُفيانُ بن عُيينةَ: وهذا أجْودُ حديثٍ رَوَاه سُفيانُ الثَّوْرِيُّ.

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1949)، وابن ماجه (3015)، والنسائي 5/ 264 - 265، وهو في "المسند"(18773)، و"صحيح ابن حبان"(3892).

(2)

صحيح، وانظر تخريج الحديث الذي قبله.

ص: 400

والعملُ على حديثِ عَبد الرحمنِ بن يَعْمَرَ عِنْدَ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: أنَّهُ من لم يَقِفْ بعَرَفاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ، فقد فَاتهُ الحَجُّ، وَلا يُجْزِئُ عَنْهُ إنْ جَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، ويَجْعَلُهَا عُمرةً وَعَليْهِ الحَجُّ من قَابِلٍ، وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأحمدَ، وإسحاقَ.

وقد رَوَى شُعبةُ عن بُكَيْرِ بن عطاءٍ نَحْوَ حديثِ الثَّوْرِيِّ

(1)

.

قال: وسمعتُ الجارودَ يقولُ: سمعتُ وكيعًا يقول: ورَوى هذا الحديثَ، فقال: هذا الحديثُ أمُّ المَناسِكِ.

906 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن داودَ بن أبي هِنْدٍ وإسماعيلَ بن أبي خالدٍ وزكريَّا بن أبي زائدةَ، عن الشَّعْبِيِّ

عن عُرْوةَ بن مُضَرِّس بن أوْسِ بن حارثةَ بن لامٍ الطَّائِيِّ، قال: أتَيْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالمُزْدَلِفَةِ حينَ خَرجَ إلى الصَّلاةِ، فقلتُ: يا رسولَ الله إنِّي جِئْتُ من جَبَليْ طَيِّئٍ، أكْلَلْتُ رَاحِلَتي، وأتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللهِ ما تَركْتُ من حَبْلٍ

(2)

إلَّا وَقَفْتُ عَليْهِ، فَهلْ لِي من حَجٍّ؟، فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من شَهِدَ صَلاتَنا هذِهِ، وَوَقفَ مَعَنا حتَّى نَدْفَعَ، وقد وَقَفَ بِعرفةَ قبلَ ذلكَ ليلًا أو نهارًا، فقد تمَّ حجُّهُ وقَضى

(1)

أخرجه من هذا الطريق أحمد في "مسنده" برقم (18773). وانظر تمام تخريجه فيه.

(2)

في (ل): "جبل"، والمثبت من سائر الأصول.

ص: 401

تَفَثَهُ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

قولهُ: تَفثَهُ يعني نُسُكهُ، قولهُ: ما تركتُ من حَبْلٍ إلَّا وَقفْتُ عليه، إذا كان من رَمْلٍ يُقالُ لهُ: حَبْلٌ، وإذا كانَ من حِجَارةٍ يُقالُ لهُ: جَبلٌ.

‌58 - باب ما جاء في تقْدِيمِ الضَّعَفةِ من جَمْعٍ بِلَيْلٍ

907 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا حمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أيُّوبَ، عن عِكْرمَةَ

عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: بَعثَنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ثَقَلٍ من جَمْعٍ بِلَيْلٍ

(2)

.

وفي البابِ عن عائشةَ، وأُمِّ حَبِيبةَ، وأسماءَ بِنْتِ أبي بكْرٍ، والفَضْلِ بن عَبَّاسٍ.

حديثُ ابن عبَّاسٍ: بَعثَني رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثَقَلٍ، حديثٌ صحيحٌ، رُوِي عنهُ من غيرِ وجهٍ.

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1950)، وابن ماجه (3016)، والنسائي 5/ 263 و 263 - 264 و 264، وهو في "المسند"(16208)، و"صحيح ابن حبان"(3851).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1677)، ومسلم (1293)(300)، وهو في "المسند"(2204)، و"صحيح ابن حبان"(3862).

ص: 402

وَرَوَى شُعبةُ هذا الحديثَ عن مُشَاشٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبَّاسٍ، عن الفَضْلِ بن عبَّاس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قدَّم ضَعفَةَ أهْلهِ من جَمْعٍ بِلَيْلٍ

(1)

. وهذا حديثٌ خطأٌ، أخْطأ فيهِ مُشَاشٌ وزادَ فيهِ: عن الفَضْلِ بن عبَّاسٍ. ورَوَى ابن جُرَيْجٍ وغيرُهُ هذا الحديثَ عن عطاءٍ، عن ابن عبَّاسٍ. ولم يذكُرُوا فيهِ: عن الفَضْلِ بن عبَّاسٍ.

908 -

حدَّثنا أبو كُريْبٍ، قال: حدَّثنا وَكِيعٌ، عن المَسْعُودِيِّ، عن الحَكمِ، عن مِقْسمٍ

عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ ضَعفَةَ أهْلهِ، وقال:"لا تَرْمُوا الجَمرَةَ حتَّى تَطْلُعَ الشّمْسُ"

(2)

.

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا الحديثِ عند أهلِ العلمِ؛ لم يَروْا بأسًا أنْ يتقَدَّمَ الضَّعفَةُ من المُزْدَلِفةِ بِلَيْلٍ، يَصِيرُونَ إلى مِنىً.

وقال أكثرُ أهلِ العلمِ بحديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنهم لا يَرمونَ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ. ورَخَّصَ بعضُ أهلِ العلمِ في أن يَرموا بليلٍ،

(1)

روى هذا الحديثَ من طريق شعبة النسائيُّ 5/ 261، والمزي في "تهذيب الكمال" 28/ 6 - 7. وفيه: الفضل بن عباس، ورواه من طريق شعبة أيضًا أحمد برقم (3159) لكن لم يذكر في سنده:"عن الفضل بن عباس".

(2)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1940) و (1941)، وابن ماجه (3025)، والنسائي 5/ 270 - 271 و 272، وهو في "المسند"(2082)، و"صحيح ابن حبان"(3869).

ص: 403

والعملُ على حديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، والشَّافعيِّ.

‌59 - باب

(1)

909 -

حدَّثنا عَليُّ بن خَشْرَمٍ، قال: حدَّثنا عيسى بنُ يُونُسَ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن جابرٍ، قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْمي يومَ النَّحْرِ ضُحىً، وأمَّا بعد ذلكَ، فَبعدَ زوالِ الشَّمسِ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أكثرِ أهلِ العلمِ: أنَّهُ لا يَرْمِي بعد يومِ النَّحْرِ إلَّا بعد الزَّوالِ.

‌60 - باب ما جاء أنَّ الإفاضةَ مِن جَمْعٍ قبلَ طُلوعِ الشمسِ

910 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا أبو خالدٍ الأحْمَرُ، عن الأعمشِ، عن الحكَمِ، عن مِقْسَمٍ

(1)

جاء اسم هذا الباب في المطبوع: "باب ما جاء في رَمْي يومِ النحر ضُحى".

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (1299)(314)، وأبو داود (1971)، وابن ماجه (3053)، والنسائي 5/ 270، وهو في "المسند"(14354)، و"صحيح ابن حبان"(3886).

وقوله: "ضحىً" بالتنوين، أي: وقت الضحوة مِن بعدِ طلوعِ الشمسِ إلى ما قبل الزوال.

ص: 404

عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أفاضَ قبلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ

(1)

.

وفي البابِ عن عمرَ.

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وإنما كان أهلُ الجاهليَّةِ ينتظرونَ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ، ثُمَّ يُفِيضُونَ.

911 -

حدَّثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال: أنبأنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، قال:

سمعتُ عمرَو بن مَيْمُونٍ يقولُ: كُنَّا وُقُوفًا بجَمْعٍ، فقال عُمرُ بن الخَطَّابِ: إنَّ المُشْرِكينَ كانُوا لا يُفِيضُونَ حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وكانُوا يقولونَ: أشْرِقْ ثَبِيرُ، وإن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خالَفهُم. فأفاضَ عُمرُ قبلَ طُلُوعِ الشَّمْس

(2)

.

(1)

صحيح، وهو في "المسند"(2051).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1684)، وأبو داود (1938)، وابن ماجه (3022)، والنسائي 5/ 265، وهو في "المسند"(84)، و"صحيح ابن حبان"(3860).

قوله: "ثبير": هو أعلى جبال مكة وأعظمها، ويقع بينها وبين منى.

قال البغوي في "شرح السنة" 7/ 171: هذا هو سنة الإسلام أن يدفع من المزدلفة حين أسفر قبل طلوع الشمس، قال طاووس: كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمسُ، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، فأخَّر الله هذه، وقدَّم هذه. قال الشافعي: يعني قدَّم المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس.

ص: 405

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌61 - باب ما جاء أنَّ الجمارَ الَّتي تُرْمَى مِثْلُ حصى الخَذْفِ

912 -

حدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن سعيدٍ القطَّانُ، قال: حدَّثنا ابن جُريْجٍ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن جابرٍ، قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الجمارَ بمِثْلِ حَصَى الخَذْفِ

(1)

.

وفي البابِ عن سليمانَ بن عمرِو بن الأحْوَصِ، عن أُمِّهِ، وهي أُمُّ جُنْدُبٍ الأزدِيّةُ، وابن عبّاسٍ، والفَضْلِ بن عبَّاسٍ، وعبد الرحمنِ بن عثمانَ التّيميّ، وعبد الرحمنِ بن معاذٍ.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وهو الَّذي اختارهُ أهلُ العلمِ؛ أن تكُونَ الجِمار الَّتي يُرْمى بها مثل حصى الخَذْفِ.

‌62 - باب ما جاء في الرَّمْي بَعْدَ زَوالِ الشَّمسِ

913 -

حدَّثنا أحمدُ بن عَبْدةَ الضَّبِّيُّ البصريُّ، قال: حدَّثنا زيادُ بن عبد اللهِ، عن الحجَّاجِ، عن الحَكَمِ، عن مِقْسَمٍ

عن ابن عبَّاسٍ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الجِمَارَ إذا

(1)

صحيح، وقد سلف تخريجه عند الحديث رقم (901).

ص: 406

زالتِ الشَّمسُ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ.

‌63 - باب ما جاء في رَمْي الجمارِ راكبًا وماشِيًا

914 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدةَ، قال: أخبرنا الحجَّاجُ، عن الحكمِ، عن مِقْسَمٍ

عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَمَى الجَمرَةَ يومَ النَّحْرِ راكبًا

(2)

.

وفي البابِ عن جابرٍ، وقُدَامةَ بن عَبد اللهِ، وأُمِّ سليمانَ بن عمرِو بن الأحْوَصِ.

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ.

والعملُ عليه عند بعضِ أهلِ العلمِ، واختارَ بعضُهم أن يَمْشِي إلى الجِمارِ، وقد رُوِي عن ابن عمرَ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ كان يَمْشِي إلى الجمارِ.

ووجْهُ هذا الحديثِ عندنا، أنَّهُ رَكِبَ في بعض الأيَّام ليُقْتَدى بهِ في فِعْلهِ، وكِلا الحديثينِ مُسْتَعْملٌ عند أهلِ العلمِ.

915 -

حدَّثنا يوسفُ بن عيسى، قال: حدَّثنا ابن نُمَيْر، عن عُبَيدِ اللهِ،

(1)

حسن، وأخرجه ابن ماجه (3054)، وهو في "المسند"(2231) و (2635).

ويشهد له حديث جابر السالف عند المصنف برقم (909). وانظر تتمة الشواهد عند أحمد في "المسند"(2231).

(2)

صحيح، وأخرجه ابن ماجه (3034)، وهو في "المسند"(2056).

ص: 407

عن نافعٍ

عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رَمَى الجِمارَ مَشى إليهِ ذاهبًا وراجعًا

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رواهُ بعضُهم عن عُبَيْدِ اللهِ ولم يَرْفعهُ.

والعملُ على هذا عند أكثرِ أهلِ العلمِ.

وقال بعضُهم: يركبُ يومَ النَّحْرِ، ويَمْشِي في الأيَّامِ الَّتي بعد يومِ النَّحْرِ.

وكأنَّ من قال هذا إنما أرادَ اتِّبَاع النبيَّ صلى الله عليه وسلم في فِعْلهِ، لأنَّهُ إنما رُوِي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ رَكِبَ يومَ النَّحْرِ حيثُ ذَهَبَ يَرْمي الجِمارَ، ولا يَرْمي يومَ النَّحْرِ إلَّا جَمْرَةَ العَقَبةِ.

‌64 - باب ما جاء كيفَ تُرْمَى الجِمارُ

916 -

حدَّثنا يوسفُ بن عيسى، قال: حدَّثنا وكيعٌ، قال: حدَّثنا المَسْعُودِيُّ، عن جامعِ بن شدَّادٍ أبي صَخْرةَ، عن عبد الرحمنِ بن يَزِيدَ، قال:

لما أتى عَبدُ اللهِ جَمْرةَ العَقبَةِ، اسْتَبْطَنَ الوادي واسْتَقْبَلَ الكعبة

(2)

، وجَعلَ يَرْمِي الجَمرةَ على حاجِبهِ الأيْمَنِ، ثمَّ رَمَى بِسَبْعِ

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1969)، وهو في "المسند"(5944) و (6222).

(2)

المثبت من (ب) و (س)، وفي (أ) و (د):"القبلة"، وقال الحافظ: لفظ =

ص: 408

حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ مع كُلِّ حصاةٍ، ثمَّ قال: واللهِ الَّذِي لا إله غيره من ها هُنا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عليه سورةُ البقرةِ

(1)

.

917 -

حدَّثنا هنّادٌ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن المَسْعُودِيَّ، بهذا الإسْنادِ، نَحْوهُ

(2)

.

وفي البابِ عن الفَضْلِ بن عبَّاسٍ، وابن عبَّاسٍ، وابن عُمرَ وجابرٍ.

حديثُ ابن مَسْعُودٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ، يختارونَ أنْ يَرْمِيَ الرَّجُلُ من بَطْنِ الوادِي بِسَبْعِ حَصياتٍ، يُكَبِّرُ مع كُلِّ حصاةٍ، وقد رَخَّصَ بعضُ أهْلِ العلمِ، إنْ لم يُمْكنْهُ أنْ يَرْمِي من بَطْنِ الوادِي، رَمَى من حيثُ قَدرَ عليه، وإنْ لم يَكُنْ في بَطْنِ الوَادِي.

918 -

حدَّثنا نصرُ بن عليًّ الجَهْضَميُّ وعليُّ بن خَشْرَمٍ، قالا: حدَّثنا عيسى بن يونسَ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن أبي زِيَادٍ، عن القاسمِ بن محمدٍ

= القبلة شاذ.

(1)

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، فإن المسعودي - واسمه عبد الرحمن بن عبد الله - وإن كان قد اختلط، إلا أن وكيعًا قد سمع منه قديمًا قبل الاختلاط، وتابعه يحيى بن سعيد القطان عند أحمد (4089)، وهو أيضًا ممن سمع منه قبل الاختلاط. وأخرجه من طريق آخر البخاري (1747) و (1750)، ومسلم (1296)، وأبو داود (1974)، وابن ماجه (3030)، والنسائي 5/ 273 و 274، وهو في "المسند"(3548) و (3874) و (3942).

(2)

صحيح، وهذا إسناد حسن كسابقه، وانظر تخريجه فيه.

ص: 409

عن عائشةَ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إنما جُعِلَ رَمْيُ الجِمارِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، لإقامَةِ ذِكرِ اللهِ"

(1)

.

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌65 - باب ما جاء في كرَاهيةِ طَرْدِ النَّاسِ عِنْدَ رَمْي الجِمَارِ

919 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنيعٍ، قال: حدَّثنا مروانُ بن مُعاويةَ، عن أيْمَنَ بن نَابِلٍ

عن قُدامةَ بن عبد اللهِ، قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الجِمَارَ على ناقته، ليسَ ضَرْبٌ، ولا طَرْدٌ، ولا إلَيْكَ إليك

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف عبيد الله بن أبي زياد القداح، والصحيح وقفه، فقد أخرجه عبد الرزاق (8961)، والفاكهي (332) من طريق ابن جريج، والفاكهي (1423) من طريق حبيب المعلم، كلاهما عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة موقوفًا. وهذا إسناد حسن من أجل حبيب المعلم، وابن جريج - وإن لم يصرح بالسماع - متابع.

وحديث الباب أخرجه أبو داود (1888)، وهو في "المسند"(24351).

(2)

حسن، وأخرجه ابن ماجه (3035)، والنسائي 5/ 270، وهو في "المسند"(15410) و (15411).

وقوله: "ولا إليك": اسم فعل بمعنى: ابتعد وتنحَّ، ولا قول: إليك، أي: لم يكن ثمَّ شيء من هذه الأمور التي تفعل الآن بين أيدي الأمراء، فهي محدثة ومكروهة كسائر المحدثات، وفيه بيان تواضعه صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يكن على صفة الأمراء اليوم، والله تعالى أعلم.

ص: 410

وفي البابِ عن عبد اللهِ بن حَنظَلةَ

حديثُ قُدامةَ بن عَبد اللهِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وإنَّما نعرف هذا الحديثَ مِن هذا الوَجهِ، وهو حديثُ أيْمَنَ بنِ نَابلٍ، وهو ثقةٌ عند أهلِ الحديثِ.

‌66 - باب ما جاء في الاشْتِراكِ في البَدَنةِ وَالبَقَرةِ

920 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا مالكُ بنُ أنَسٍ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن جابرٍ، قال: نَحَرْنا مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم عامَ الحُدَيْبِيةِ، البَقرةَ عن سَبْعَةٍ، وَالبَدَنةَ عن سَبْعَةٍ

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عمرَ، وأبي هُريرةَ، وعائشةَ، وابن عبَّاسٍ.

حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ من أصْحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم؛ يَرَوْنَ الجَزُورَ عن سَبْعةٍ، والبقرةَ عن سَبْعةٍ، وهو قولُ سفيانَ الثَّوْرِيَّ، والشَّافعيَّ، وَأحمدَ.

ورُوِي عن ابن عبَّاسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنّ البقرةَ عن سَبْعةٍ، والجزُورَ عن عَشَرةٍ

(2)

. وهو قولُ إسحاقَ، واحْتَجَّ بهذا الحديثِ.

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (1318)، وأبو داود (2807 - 2809) وابن ماجه (3132)، والنسائي 7/ 222، وهو في "المسند"(14127)، و"صحيح ابن حبان"(4004) و (4006). وانظر "المسند" أيضًا حديث رقم (14116).

وسيأتي عند المصنف برقم (1579).

(2)

هو الحديث الآتي بعده.

ص: 411

وحديثُ ابن عبَّاسٍ إنما نَعْرِفهُ من وجْهٍ واحدٍ.

921 -

حدَّثنا الحُسَيْن بن حُرَيْثٍ وغيرُ واحدٍ، قالوا: حدَّثنا الفَضْلُ بن موسى، عن حُسينِ بن واقدٍ، عن عِلبَاءَ بن أحْمرَ،، عن عِكْرمَةَ

عن ابن عبَّاسٍ، قال: كُنَّا معَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في سَفرٍ، فَحضَرَ الأضْحَى، فَاشْترَكْنا في البَقرَةِ سَبْعةً، وفي الجَزُورِ عَشرةً

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وهو حديثُ حسينِ بن واقدٍ.

‌67 - باب ما جاء في إشعارِ البُدْنِ

922 -

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثَنا وَكِيعٌ، عن هشِامٍ الدَّسْتُوائيَّ، عن قتادةَ، عن أبي حسَّانَ الأَعْرَجِ

عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَلَّدَ نَعْليْنِ، وأشْعَرَ الهَدْيَ في الشَّقَّ الأيْمَنِ بذِي الحُلَيْفةِ، وأماطَ عنه الدَّمَ

(2)

.

(1)

رجاله ثقات رجال الصحيح، لكن الحسين بن واقد - وإن احتج به مسلم، وعلق له البخاري - عنده بعض ما يُنكر، وقد تفرد برواية حديث ابن عباس هذا، قال البيهقي: حديث عكرمة يتفرد به الحسين بن واقد عن علباء بن أحمر، وحديث جابر أصح منه. أي: الحديث السالف قبله.

وأخرجه ابن ماجه (3131)، والنسائي 7/ 222، وهو في "المسند"(2484)، و"صحيح ابن حبان"(4007)، ورواية ابن حبان:"وفي البعير سبعة أو عشرة" على الشك.

وسيأتي (1578).

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (1243)، وأبو داود (1752) و (1753)، وابن ماجه (3097)، والنسائي 5/ 170 و 170 - 171 و 172 و 174، وهو في "المسند" =

ص: 412

وفي البابِ عن المِسْوَر بن مَخْرَمةَ.

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وأبو حسَّانَ الأعْرَج اسمُهُ: مُسْلِمٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلم من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيْرِهِمْ؛ يَرَوْنَ الإشعارَ، وهو قولُ الثَّوريِّ، والشَّافِعِيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

سمعتُ يوسفَ بن عيسى يقولُ: سمعتُ وكيعًا يقول حين رَوَى هذا الحديثَ، فقال: لا تَنْظُرُوا إلى قولِ أهلِ الرَّأْي في هذا، فإنَّ الإشعارَ سُنّةٌ، وَقَوْلَهُمْ بدْعَةٌ.

وسمعتُ أبا السَّائِبِ يقولُ: كُنَّا عندَ وكيعٍ، فقال لِرجلٍ مِمَّنْ يَنظُرُ في الرَّأْي: أشْعَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويقولُ أبو حَنِيفةَ هو مُثْلةٌ، قال الرَّجُلُ: فإنَّهُ قد رُوِي عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ أنَّهُ قال: الإشعَارُ، مُثْلةٌ. قال: فَرَأيْتُ وكيعًا غَضِبَ غَضَبًا شَديدًا، وقال: أقُولُ لكَ: قال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وتقولُ: قال إبراهيمُ! ما أحَقَّكَ بأنْ تُحْبَسَ، ثُمَّ لا تَخْرُجَ حتَّى تَنْزِعَ عن قَوْلِكَ هذا

(1)

.

= (1855)، و"صحيح ابن حبان"(4000).

قوله: "وأشعر": هو من الإشعار، وهو تعليم الهدي بشيء يُعرف به أنه هدي، فكانوا يشقون أسنمة الهدي ويرسلونها والدمُ يسيلُ منه، فيعرف أنه هدي، فلا يُتعرض إليه.

(1)

قال الإمام محمد بن الحسن في تعليقه على "موطأ مالك" ص 139: =

ص: 413

‌68 - باب

923 -

حدَّثنا قُتيبةُ وأبو سعيدٍ الأشَجُّ، قالا: حدَّثنا يحيى بن اليَمانِ، عن سُفيانَ، عن عُبَيْدِ اللهِ، عن نافعٍ

عن ابن عُمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرى هَدْيهُ من قُدَيْدٍ

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفهُ من حديثِ الثَّوْرِيَّ إلَّا من حديثِ يحيى بن اليمَانِ.

وَرُوِي عن نافعٍ: أنَّ ابن عُمرَ اشْتَرى هَدْيَهُ من قُدَيْدٍ.

وهذا أصَحُّ

(2)

.

‌69 - باب ما جاء في تَقْليدِ الهَدْي لِلْمُقِيمِ

924 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن عبد الرحمنِ بن القاسمِ، عن أبيه

عن عائشةَ: أنَّها قالت: فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ

= التقليد أفضل من الإشعار، والإشعار حسن، والإشعار من الجانب الأيسر إلا أن تكون صعابًا مقرنة لا يستطيع أن يدخل بينها، فيشعرها من الجانب الأيسر أو الأيمن. وقد بسط المبحث في هذه المسألة الإمام فضل التوربشتي الحنفي في "شرحه على المصابيح" ونقله عنه المعلق الفاضل على "نصب الراية" 3/ 117.

(1)

أخرجه ابن ماجه (3102)، والصحيح أنه من فعل ابن عمر كما سيأتي بعده. وانظر رواية أحمد في "مسنده"(4595).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1693)، ومسلم (1230)(181)، والنسائي 5/ 226. وانظر "المسند" (4595) و (5165) و (6391).

ص: 414

لم يُحْرِمْ، ولم يَتْرُكْ شيئًا من الثَّيابِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ؛ قالوا: إذا قَلَّدَ الرَّجُلُ الهَدْيَ، وهو يُرِيدُ الحَجَّ، لم يَحْرُمْ عليهِ شيءٌ من الثَّيابِ والطَّيبِ حتَّى يُحْرِمَ.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ: إذا قَلَّدَ الرَّجُلُ هَدْيَهُ، فقد وَجَبَ عليه ما وَجَبَ على المُحْرِمِ.

‌70 - باب ما جاء في تَقْلِيدِ الغَنمِ

925 -

حدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا عبد الرحمنِ بن مَهْدِيًّ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن الأسودِ

عن عائشةَ، قالت: كُنْتُ أفْتِلُ قَلائِدَ هَدْي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّهَا غنمًا، ثُمَّ لا يُحْرِمُ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند بعضِ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم؛ يَرَوْنَ تَقْلِيدَ الغنمِ.

(1)

صحيح، وأخرجه بنحوه البخاري (1696)، ومسلم (1321)، وابن ماجه (3095)، والنسائي 5/ 171 و 170 - 172 و 172 و 173 و 173 - 174 و 174 و 175 و 175 - 176، وهو في "المسند"(24020) و (24557)، و"صحيح ابن حبان"(4009) و (4011).

(2)

صحيح، وانظر ما قبله.

ص: 415

‌71 - باب ما جاء إذا عَطِبَ الهَدْيُ ما يُصْنَع بهِ

926 -

حدَّثنا هارونُ بن إسحاقَ الهَمْدَانيُّ، قال: حدَّثنا عَبْدةُ بن سُليمانَ، عن هشامِ بن عُرْوةَ، عن أبيه

عن ناجيةَ الخُزَاعِيَّ

(1)

، قال: قلتُ: يا رسولَ الله كيفَ أصْنَعُ بما عَطِبَ من البُدْنِ؟ قال: "انْحَرْها، ثمَّ اغْمِسْ نَعْلهَا في دَمِها، ثمَّ خَلَّ بين النَّاسِ وبينها، فيأكُلُوها"

(2)

.

وفي البابِ عن ذُؤَيْبٍ أبي قَبِيصةَ الخُزَاعِيَّ.

حديثُ ناجيةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلم؛ قالوا في هَدْي التَّطَوُّعِ إذا عَطِبَ: لا يأكلُ هو ولا أحدٌ من أهلِ رُفْقَتهِ، ويُخَلِّي بينهُ وبين النَّاسِ يأكُلُونَهُ، وقد أجْزَأ عنه، وهو قولُ الشَّافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقالوا: إنْ أكلَ منه شيئًا غَرِمَ مقدار

(3)

ما أكلَ منه.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ: إذا أكلَ من هَدْي التَّطَوُّعِ شيئًا، فقد ضَمِنَ.

(1)

جاء بعد هذا في المطبوع، وفي نسخة على هامش (ب):"صاحب بُدْنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي (ل):"صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(2)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1762)، وابن ماجه (3106)، والنسائي في "الكبرى"(4137) و (6639)، وهو في "المسند"(18943)، و"صحيح ابن حبان"(4023).

(3)

في (د)، ونسخة على هامش (أ):"بقدر".

ص: 416

‌72 - باب ما جاء في ركوبِ البَدنةِ

927 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا أبو عوانةَ، عن قتادةَ

عن أنسٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يَسُوقُ بَدنةً، فقال لهُ:"ارْكَبْها". فقال: يا رسولَ الله إنّها بَدَنةٌ. قال لهُ في الثَّالِثَةِ أوِ الرَّابِعَةِ: "اركبها وَيْحَكَ"، أو "وَيْلكَ"

(1)

.

وفي البابِ عن عليًّ، وأبي هريرةَ، وجابرٍ.

حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رَخَّصَ قومٌ من أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم في ركوبِ البَدَنةِ إذا احتاج إلى ظهرهَا، وهو قولُ الشَّافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقال بعضهم: لا يركبُ ما لم يُضْطَرَّ إليها.

‌73 - باب ما جاء بأيَّ جانب الرَّأسِ يَبْدَأُ في الحَلْقِ

928 -

حدَّثنا أبو عمَّارٍ الحُسَيْنُ بن حُرَيْثٍ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن هشام بن حسَّان، عن ابن سِيرينَ

عن أنسِ بن مالكٍ، قال: لمَّا رَمَى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجَمرَةَ، نَحرَ نُسُكَهُ، ثمَّ ناولَ الحالقَ شِقَّهُ الأيْمَنَ فَحَلقَهُ، فأعْطاهُ أبا طلحةَ، ثُمَّ ناولَهُ شِقَّهُ الأيْسَرَ، فحَلقَهُ، فقال: "اقْسِمْهُ بين

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1690)، ومسلم (1323)، وابن ماجه (3104)، وهو في "المسند"(11959).

ص: 417

النَّاسِ"

(1)

.

929 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عيينة، عن هشامٍ، نحوهُ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ.

‌74 - باب ما جاء في الحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ

930 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن نافعٍ

عن ابنِ عمرَ، قال: حَلقَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وحَلقَ طائفةٌ من أصحابهِ، وقَصَّرَ بعضُهم. قال ابن عمرَ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"رَحِمَ اللهُ المُحَلَّقِينَ" مَرّةً أوْ مَرَّتَيْنِ، ثمَّ قال:"والمُقَصَّرِين"

(3)

.

وفي البابِ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وأُمَّ الحُصَيْنِ، ومَارِبَ

(4)

، وأبي سعيدٍ، وأبي مَرْيمَ، وحُبْشِي بن جُنادةَ، وأبي هريرةَ.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (71)، ومسلم (1305)، وأبو داود (1981) و (1982)، وهو في "المسند"(12092)، و"صحيح ابن حبان" (3879). ولفظ البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حَلَقَ رأسه، كان أبو طلحة أوَّلَ من أخَذَ من شَعَرِه.

(2)

انظر تخريجه في الذي قبله.

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (1727)، ومسلم (1301)، وأبو داود (1979)، وابن ماجه (3044)، وهو في "المسند"(4657) و (4897)، و"صحيح ابن حبان"(3880).

(4)

قوله: "مارب" كذا جزم به الترمذي هنا، والصواب أنه: قارب. انظر "الإصابة" 5/ 402 - 405.

ص: 418

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلمِ؛ يَخْتارُونَ للرجل أن يَحْلقَ رَأْسَهُ، وَإنْ قَصَّرَ يَرَوْنَ ذلكَ يُجْزِئُ عَنهُ، وهو قَوْلُ سُفيانَ الثَّوْرِيَّ، وَقول الشَّافِعِيَّ، وَأحمدَ، وَإسحاقَ.

‌75 - باب ما جاء في كَرَاهِيةِ الحَلقِ للنَّسَاءِ

931 -

حدَّثَنا محمدُ بن موسى الحَرَشِيُّ البَصْرِيُّ، قال: حدَّثنا أبو دَاودَ الطَّيالِسِيُّ، قال: حدَّثنا هَمَّامٌ، عن قتادةَ، عن خِلاسِ بن عمرٍو

عن عليًّ، قال: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ تَحْلقَ المَرْأةُ رأْسَها

(1)

.

(1)

هذا الحديث قد اختلف في وصله وإرساله، فرواه موصولًا الترمذي، والنسائي 8/ 130، وتمام في "فوائده"(1059) من طريقين عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي.

وقد خالف همامَ بن يحيى هشامٌ الدستوائي وحمادُ بن سلمة، فروياه عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

وقال الحافظ ابن حجر في "الدراية" 2/ 32: رواته موثقون، واختلف في وصله وإرساله.

وخلاس بن عمرو: قال يحيى بن سعيد وأبو داود والدارقطني: روايته عن علي منقطعة.

وله شاهد عند البزار (1136) من حديث عثمان رفعه، وفي سنده روح بن عطاء بن أبي ميمونة، ليس بالقوي.

ولأبي داود (1984) و (1985) من حديث ابن عباس رفعه: "ليس على النساء الحلق، وإنما على النساء التقصير" وحسن إسناده الحافظ في "التلخيص" 2/ 261. وقواه أبو حاتم في "العلل" 1/ 281.

ص: 419

932 -

حدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، عن همّامٍ، عن خِلاسٍ، نحْوَهُ

(1)

. ولم يَذكُرْ فيهِ: عن عَليًّ.

حديثُ عليًّ فيه اضْطِرابٌ.

ورُوي هذا الحديثُ عن حمَّادِ بن سَلمةَ، عن قَتادةَ، عن عائشةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى أنْ تَحْلِقَ المَرْأةُ رَأْسَها

(2)

.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ لا يَروْنَ على المَرْأةِ حَلْقًا، ويَروْنَ أنّ عليها التَّقصيرَ.

‌76 - باب ما جاء فِيمَنْ حَلقَ قبلَ أن يَذْبحَ، أوْ نَحرَ قَبْلَ أنْ يَرْميَ

933 -

حدَّثنا سعيدُ بن عبد الرحمنِ المَخْزُومِيُّ وابن أبي عُمرَ، قالا: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن الزُّهْريَّ، عن عيسى بن طَلْحةَ

عن عبد اللهِ بن عَمْرٍو: أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبحَ. فقال: "اذْبَحْ ولا حَرجَ" وسألهُ آخَرُ، فقال: نحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ. قال: "ارْمِ ولا حَرجَ"

(3)

.

وفي البابِ عن عليًّ، وجابرٍ، وابن عبَّاسٍ، وابن عمرَ،

(1)

انظر ما قبله.

(2)

رواية قتادة عن عائشة فيها انقطاع، فإنه لم يسمع منها.

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (83) و (124)، ومسلم (136)، وأبو داود (2014)، وابن ماجه (3051)، وهو في "المسند"(6484) و (6489)، و"صحيح ابن حبان"(3877).

ص: 420

وأُسامةَ بن شَرِيكٍ.

حديثُ عبد اللهِ بن عمرٍو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أكثرِ أهلِ العلمِ، وهو قولُ أحمدَ، وإسحاقَ.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ: إذا قَدَّمَ نُسُكًا قبلَ نسُكٍ، فعليه دمٌ

(1)

.

‌77 - باب ما جاء في الطَّيبِ عند الإحلالِ قبلَ الزَّيارةِ

934 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا منصورُ بن زَاذانَ، عن عبد الرحمنِ بن القاسمِ، عن أبيهِ

عن عائشةَ، قالت: طَيَّبْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قبل أن يُحرِمَ، ويَومَ النَّحْرِ قبل أنْ يطُوفَ بالبَيْتِ، بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ

(2)

.

وفي البابِ عن ابن عَبَّاسٍ.

(1)

قال الطيبي: أفعال يوم النحر أربعة: رميُ جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم طواف الإفاضة، فقل: هذا الترتيب سنة، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق لهذا الحديث يعني لحديث عبد الله بن عمرو -، فلا يتعلق بتركه دم، وقال سعيد بن جبير: إنه واجب، وإليه ذهب جماعة من العلماء، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وأوَّلوا قوله:"ولا حرج" على رفع الإثم لجهله دون الفدية.

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1539)، ومسلم (1189)(31) و (32) و (33) و (38)، وأبو داود (1745)، وابن ماجه (2926)، والنسائي 5/ 137 و 138، وهو في "المسند"(24111)، و"صحيح ابن حبان"(3766).

وانظر "المسند"(24105) و (24107) و (24934).

ص: 421

حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أكثرِ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم: يَروْنَ أنَّ المُحْرِمَ إذا رَمَى جَمْرةَ العَقبَةِ يومَ النَّحْرِ، وَذَبَحَ، وَحَلقَ أو قَصَّرَ

(1)

، فقد حلَّ لهُ كُلَّ شيءٍ حَرُمَ عليه، إلَّا النَّساءَ. وهو قولُ الشَّافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقد رُوِي عن عمرَ بن الخطَّابِ أنَّهُ قال: حَلَّ لهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النَّساءَ والطَّيبَ.

وقد ذَهَبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى هذا، من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم، وهو قولُ أهلِ الكوفةِ

(2)

.

(1)

قال في "المغني" 5/ 309 - 310: إن الحل إنما يَحْصُلُ بالرمي والحلق معًا، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقولُ الشافعي وأصحاب الرأي، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا رميتُم وحلقتم، فقد حل لكم كل شيء إلا النساءَ"

وعن أحمد: أنه إذا رمى الجمرة فقد حلّ، وإذا وطئ بعد جمرة العقبة، فعليه دمٌ، ولم يذكر الحلق، وهذا يدل على أن الحل بدون الحلق، وهذا قولُ عطاء ومالك وأبي ثور، وهو الصحيحُ إن شاء الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة:"إذا رميتم الجمرة، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء".

(2)

قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 2/ 110: ليس المرادُ بأهل الكوفة الإمامَ أبا حنيفة، لأنَّ مذهَبه في هذا الباب هو ما ذهب إليه الشافعي وأحمدُ وإسحاق، قال محمدُ بن الحسن في "الموطأ" ص 166 بعد رواية أثر عمر رضي الله عنه المذكور: هذا قول عمرَ وابنِ عمر، وقد روت عائشةُ خلاف ذلك، قالت: طيبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيديَّ هاتين بعدما حَلَقَ قبلَ أن يزورَ البيتَ، فأخذنا بقولها، وعليه أبو حنيفة والعامة من فقهائنا.

ص: 422

‌78 - باب ما جاء مَتى تُقْطَعُ التَّلْبيةُ في الحَجِّ

935 -

حدَّثنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطان، عن ابن جُرَيجٍ، عن عطاء، عن ابن عبَّاسٍ

عن الفضلِ بن عبَّاسٍ، قال: أرْدَفَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من جَمْعٍ إلى مِنىً، فلم يَزلْ يُلَبَّي حتَّى رَمَى الجَمْرَةَ

(1)

.

وفي البابِ عن عليًّ، وابن مسعودٍ، وابن عبَّاسٍ.

حديثُ الفَضلِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم؛ أنَّ الحاجَّ لا يقطعُ التَّلبيةَ حتى يرمي الجمرةَ، وهو قولُ الشَّافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

‌79 - باب ما جاء متى تُقْطعُ التَّلْبِيةُ في العمرةِ

936 -

حدَّثنا هنَّادٌ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، عن ابن أبي ليلى، عن عطاءٍ

عن ابن عبَّاسٍ، قال - يرْفعُ الحديثَ - إِنَّه كانَ يُمْسِكُ عن التَّلْبيةِ في العُمْرَةِ إذا استَلمَ الحَجَرَ

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1543) و (1544) و (1685)، ومسلم (1281) و (1282)، وأبو داود (1815)، وابن ماجه (3040)، والنسائي 5/ 268 و 275 و 276.

(2)

إسناده ضعيف، لضعف ابن أبي ليلى، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي، ورجح وقفه الشافعي، والبيهقي، وأبو داود.

وأخرجه أبو داود (1817)، ولفظه:"يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر". وله =

ص: 423

وفي البابِ عن عبد الله بن عمرٍو.

حديثُ ابن عبَّاسٍ صحيحٌ.

والعملُ عليه عند أكثرِ أهلِ العلمِ، قالوا: لا يَقْطعُ المُعْتَمرُ التَّلبيةَ حتَّى يَسْتَلمَ الحَجرَ.

وقال بعضُهم: إذا انْتهى إلى بُيوتِ مكَّةَ، قَطعَ التَّلْبِيةَ.

والعملُ على حديثِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وبه يقولُ سفيانُ، والشَّافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

‌80 - باب ما جاء في طوافِ الزَّيارةِ باللَّيلِ

937 -

حدَّثنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حدَّثنا عبد الرحمنِ بن مَهْدِيًّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن ابن عبَّاسٍ وعائشةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخَّرَ طوافَ الزَّيارةِ إلى اللَّيلِ

(1)

.

= شاهد ضعيف عند أحمد في "مسنده" برقم (6685). وانظر "سنن البيهقي" 5/ 104 و 105.

(1)

رجاله ثقات، إلَّا أن أبا الزبير قد عنعن، وهو موصوف بالتدليس. وهذا الحديث مخالف لما ثبت في الصحيح عن ابن عمر وجابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم النحر نهارًا. وذهب بعضهم إلى الجمع بينهما، فحمل حديث ابن عمر وجابر على اليوم الأول من أيام منى، وحمل حديث ابن عباس على باقي الأيام، والله أعلم.

وعلقه البخاري قبل الحديث رقم (1732)، وأخرجه موصولًا أبو داود (2000)، وابن ماجه (3059)، وهو في "المسند"(2612) و (25799)، و"شرح مشكل الآثار"(3525).

ص: 424

هذا حديثٌ حسنٌ.

وقد رَخَّصَ بعضُ أهلِ العلمِ في أن يُؤَخَّرَ طوافَ الزَّيارةِ إلى اللَّيلِ، واسْتَحبَّ بعضُهم أنْ يَزُورَ يومَ النَّحرِ، ووسَّعَ بعضُهم أن يُؤَخَّرَ ولو إلى آخِرِ أيَّامِ مِنىً.

‌81 - باب ما جاء في نُزولِ الأبْطَحِ

938 -

حدَّثنا إسحاق بنُ منصورٍ، قال: أخبرنا عبد الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا عُبَيْدُ اللهِ بن عُمرَ، عن نافعٍ

عن ابن عمرَ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ يَنْزِلُونَ الأبْطَحَ

(1)

.

وفي الباب عن عائشةَ، وأبي رافعٍ، وابن عبَّاسٍ.

حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ غريبٌ إنما نَعْرِفهُ من حديث عبد الرَّزَّاقِ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن عمرَ.

وقد استحبَّ بعضُ أهلِ العلمِ نزولَ الأبْطَحِ من غيرِ أن يَروْا

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (1310)(337)، وابن ماجه (3069)، وهو في "المسند"(5624)، و"صحيح ابن حبان"(3895). وانظر "المسند"(4828).

وأخرج البخاري (1768) عن خالد بن الحارث قال: سُئِل عبيد الله عن المحصَّب، فحدثنا عبيد الله، عن نافع قال: نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر، وابن عمر. وعن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يُصلَّي بها - يعني المُحصَّبَ - الظهرَ والعصرَ، أحسبُه قال: والمغربَ، قال خالدٌ: لا أشُكُّ في العشاءِ، ويهجع هجعةً، ويذكرُ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 425

ذلكَ واجبًا، إلَّا من أحَبَّ ذلكَ.

قال الشَّافعيُّ: ونزولُ الأبْطَحِ ليس من النُّسُكِ في شيءٍ، إنما هو مَنزِلٌ نَزلهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

939 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عطاءٍ

عن ابن عبَّاسٍ، قال: ليس التَّحْصِيبُ بشيءٍ، إنما هو منزلٌ نَزلهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

التَّحْصِيبُ: نُزولُ الأبْطَحِ.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌82 - باب من نَزلَ الأبْطَحَ

940 -

حدَّثنا محمدُ بن عبد الأعلى، قال: حدَّثنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ، قال: حدَّثنا حَبِيبٌ المُعَلَّمُ، عن هشامِ بن عُرْوةَ، عن أبيهِ

عن عائشة، قالت: إنما نَزلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأبْطَحَ، لأنَّهُ كانَ أسْمَحَ لِخُرُوجِهِ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

941 -

حدَّثنا ابن أبي عمرَ، قال: حدَّثنا سُفيانُ، عن هشامِ بن عروةَ،

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1766)، ومسلم (1312)، والنسائي في "الكبرى"(4208) و (4209)، وهو في "المسند"(1925).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1765)، ومسلم (1311)، وأبو داود (2008)، وابن ماجه (3067).

ص: 426

نحوه

(1)

.

‌83 - باب ما جاء في حَجِّ الصَّبيَّ

942 -

حدَّثنا محمدُ بن طَرِيفٍ الكُوفيُّ، قال: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن محمدِ بن سُوقةَ، عن محمد بن المُنكَدرِ

عن جابرِ بن عبد اللهِ، قال: رَفَعَتِ امرأةٌ صَبِيًّا لها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ ألِهذا حَجٌّ؟ قاَل: "نعم، ولكِ أجْرٌ"

(2)

.

وفي البابِ عن ابن عبَّاسٍ.

حديثُ جابرٍ حديثٌ غريبٌ.

943 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا قَزعةُ بن سُوَيْدٍ الباهِليُّ، عن محمدِ بن المُنكَدرِ، عن جابر بن عبد اللهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوهُ

(3)

.

وقد رُوِي عن محمدِ بن المُنكَدرِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.

944 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا حاتِمُ بنُ إسماعيلَ، عن محمدِ بن يوسفَ

عن السَّائبِ بن يزيدَ، قال: حَجَّ بِي أبي مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداعِ، وأنا ابنُ سَبْعِ سنينَ

(4)

.

(1)

صحيح، وانظر تخريج الحديث الذي قبله.

(2)

صحيح، وأخرجه ابن ماجه (2910). وانظر حديث ابن عباس في "المسند"(1898).

(3)

صحيح، وانظر ما قبله.

(4)

صحيح، وأخرجه البخاري (1858)، وهو في "المسند"(15718). =

ص: 427

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد أجمعَ أهلُ العلمِ أنَّ الصَّبيَّ إذا حجَّ قبل أن يُدْرِكَ، فعليه الحَجُّ إذا أدْرَكَ، لا تُجْزِئُ عنه تلكَ الحَجَّة عن حَجَّةِ الإسلامِ، وكذلكَ المَمْلُوكُ إذا حَجَّ في رِقَّهِ، ثمَّ أُعتِقَ، فعليه الحَجُّ إذا وجدَ إلى ذلكَ سبيلًا، ولا يُجْزِئُ عنه ما حَجَّ في حالِ رِقَّهِ، وهو قولُ سُفيِانَ الثَّوْرِيَّ، والشَّافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

‌84 - باب

945 -

حدَّثنا محمدُ بن إسماعيلَ الواسطيُّ، قال: سمعتُ ابن نُمَيْرٍ، عن أشعثَ بن سَوَّارٍ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن جابرٍ، قال: كُنَّا إذا حَجَجْنا مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكُنَّا نُلَبَّي عن النَّساءِ، ونَرْمِي عن الصَّبيانِ

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ، لا نَعْرِفهُ إلَّا من هذا الوَجْهِ.

وقد أجمعَ أهلُ العلمِ على أنّ المرأةَ لا يُلبَّي عنها غيرُها، هي تُلَبَّي عن نفسها، ويُكْرهُ لها رَفعُ الصَّوتِ بالتَّلبيَةِ.

= وأخرج البخاري (1859) من طريق الجعيد بن عبد الرحمن، قال: سمعتُ عمر بن عبد العزيز يقول للسائب بن يزيد، وكان قد حُجَّ به في ثَقَل النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

ضعيف لضعف أشعث بن سوار، وعنعنة أبي الزبير، وأخرجه ابن ماجه (3038)، وهو في "المسند" (14370). ولفظه عندهما:"حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساءُ والصَّبيان، فلبَّينا عن الصَّبيان، ورمينا عنهم".

ص: 428

‌85 - باب ما جاء في الحَجَّ عن الشَّيْخِ الكبيرِ والمَيَّتِ

946 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا رَوْحُ بن عُبادةَ، قال: حدَّثنا ابن جُرَيْجٍ، قال: أخبرني ابن شِهابٍ، قال: حدَّثني سُلَيمانُ بن يَسَارٍ، عن عبد اللهِ بن عبَّاسٍ، عن الفَضْلِ بن عبَّاسٍ

أنَّ امرأةً من خَثْعَمٍ، قالت: يا رسولَ اللهِ إنَّ أبي أدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللهِ في الحَجَّ، وهو شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ أن يَسْتَويَ على ظَهْرِ البَعيرِ. قال:"حُجَّي عَنْهُ"

(1)

.

وفي البابِ عن عليًّ، وبُريْدةَ، وحُصَيْنِ بن عوفٍ، وأبي رَزِينٍ العُقَيْليَّ، وسَوْدَةَ بِنْت زَمْعةَ، وابن عبَّاسٍ.

حديثُ الفضلِ بن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وَرُوِي عن ابن عَبَّاسٍ، عن حُصَيْنِ بن عَوْفٍ المدني، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

وَرُوِي عن ابن عَبَّاسٍ أيْضًا، عن سِنَانِ بن عَبد اللهِ الجُهَنيَّ، عن عَمَّتهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَرُوِي عن ابن عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1853)، ومسلم (1335)، وابن ماجه (2909)، والنسائي 5/ 119 - 120 و 8/ 227 - 228، وهو في "المسند"(1818)، وسقط من إسناد النسائي في موضعه الأول:"عبد الله بن عباس".

(2)

حديث ابن عباس صحيح، وأخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1334)، وأبو داود (1809)، وابن ماجه (2907)، والنسائي 5/ 116 - 117 و 117 و 118 - 119 و 119، وهو في "المسند"(1890)، و"صحيح ابن حبان"(3995).

ص: 429

وسألْتُ محمدًا عن هذه الرَّوَاياتِ، فقال: أصَحُّ شَيْءٍ في هذا البابِ مَا رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، عن الفَضْلِ بن عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال محمدٌ: وَيُحْتَملُ أن يكُونَ ابنُ عَبَّاسٍ سَمِعهُ من الفَضْلِ وَغَيْرِهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ رَوَى هذا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأرسله، ولم يَذْكُرِ الّذِي سَمِعهُ مِنْهُ.

وقد صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ غيرُ حديثٍ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم، وبه يقولُ الثَّوريُّ، وابنُ المُبَاركِ، والشَّافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، يَروْنَ أن يَحُجَّ عن المَيَّتِ.

وقال مالكٌ: إذا أوْصَى أن يُحَجَّ عنه، حُجَّ عنه.

وقد رَخَّصَ بعضُهم أن يُحَجَّ عن الحَيَّ إذا كان كبيرًا، أو بحال لا يَقْدِرُ أن يَحُجَّ، وهو قولُ ابن المُباركِ، والشَّافعِيَّ.

‌86 - باب مِنْهُ

947 -

حدَّثنا يُوسُفُ بنُ عيسى، قال: حدَّثنا وَكِيعٌ، عن شعبةَ، عن النعْمَانِ بن سالمٍ، عن عَمْرِو بن أوْسٍ

عن أبي رَزِينٍ العُقَيْليَّ: أنَّهُ أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أبي شَيْخٌ كَبيرٌ لا يستطيعُ الحَجَّ ولا العُمْرَةَ ولا الظَّعْنَ. قال:"حُجَّ عن أبِيكَ وَاعْتَمرْ"

(1)

.

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1810)، وابن ماجه (2906)، والنسائي 5/ 111 و 117، وهو في "المسند"(16184)، و"صحيح ابن حبان"(3991).

ص: 430

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وإنما ذُكِرَتِ العُمْرةُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديثِ، أنْ يَعْتمِرَ الرَّجُلُ عن غيرِهِ.

وأبو رَزِينٍ العُقَيْليُّ: اسمُه لَقِيط بن عامرٍ.

948 -

حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعلى، قال: حدَّثنا عبد الرزاق، عن سفيان الثوريَّ، عن عبد الله بن عطاء، عن عبد الله بن بُريدة

عن أبيه، قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أُمَّي ماتت ولم تَحُجَّ، أفَأحُجُّ عنها؟ قال:"نعم، حُجَّي عنها"

(1)

.

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌87 - باب ما جاء في العُمْرةِ أواجِبةٌ هِي أم لا

949 -

حدَّثنا محمدُ بن عبد الأعْلى الصَّنْعانيُّ، قال: حدَّثنا عُمرُ بن عليًّ، عن الحجَّاجِ، عن محمدِ بن المُنكَدرِ

عن جابرٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن العُمْرةِ: أواجِبةٌ هِي؟ قال: "لا، وأن تَعْتَمِرُوا هو أفْضَلُ"

(2)

.

(1)

صحيح، وانظر تخريج الحديث السالف برقم (673).

(2)

إسناده ضعيف، الحجاج - وهو ابن أرطاة - مدلس وقد عنعن.

وهو في "المسند"(14397)، وانظر تمام تخريجه فيه.

قال البغوي في "شرح السنة" 7/ 15: واختلف أهل العلم في وجوب العمرة، فذهب أكثرهم إلى وجوبها كوجوب الحج، وهو قول عمر وابن عمر وابن عباس، وإليه ذهب عطاء وطاووس ومجاهد وقتادة والحسن وابن سيرين وسعيد بن =

ص: 431

هذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ.

وهو قولُ بعضِ أهلِ العلمِ؛ قالُوا: العُمْرةُ ليست بِوَاجِبةٍ، وكانَ يقالُ: هما حَجَّانِ: الحَجُّ الأكْبرُ يومَ النَّحْرِ، والحَجُّ الأصغَرُ العُمْرةُ.

وقال الشَّافِعِيُّ: العُمْرةُ سُنّةٌ

(1)

، لا نَعْلمُ أحَدًا رَخَّصَ في تَرْكِها، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثابتٌ بأنَّها تطوُّعٌ، قال الشافعي: وقد رُوِي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بإسْنَادٍ، وهو ضَعِيفٌ، لا تقومُ بِمِثْلهِ الحُجَّةُ، وقد بَلغَنا عن ابن عَبَّاسٍ أنَّهُ كانَ يُوجِبُهَا.

‌88 - باب مِنْهُ

950 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ عَبْدةَ الضَّبِّيُّ، قال: حدَّثنا زيادُ بن عبد اللهِ، عن يزيدَ بن أبي زيادٍ، عن مُجاهِدٍ

عن ابن عبَّاسٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"دَخَلتِ العُمْرةُ في الحَجَّ إلى يومِ القيامةِ"

(2)

.

= جبير، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.

وذهب قوم إلى أَنَّها سنة، وهو قول الشعبي، وبه قال مالك وأصحاب الرأي.

قلنا: ولأحمد روايتان: رواية تجب العمرة على من يجب عليه الحج. والأخرى: ليست بواجبة. انظر "المغني" 5/ 13.

(1)

في "الأم" للشافعي 2/ 132 أن العمرة واجبة، وانظر "المجموع" 7/ 7 لتحرير رأي الشافعي في القديم والحديث.

(2)

صحيح بطرقه، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد الكوفي، وهو من طريقه في "المسند" برقم (2287)، وله طريق آخر صحيح أخرجه مسلم (1241)، وأبو داود (1790)، والنسائي 5/ 181، وهو في "المسند"(2115).

ص: 432

وفي البابِ عن سُرَاقةَ بن مالكِ بن جُعْشُمٍ، وَجَابرِ بن عَبد اللهِ.

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ.

ومعنى هذا الحديثِ: أنْ لا بَأسَ بالعُمْرةِ في أشهُرِ الحَجَّ، وهكذا قال الشَّافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

ومعنى هذا الحديثِ: أنَّ أهلَ الجاهليَّةِ كانُوا لا يَعْتَمرونَ في أشهُرِ الحَجِّ، فَلمَّا جاءَ الإسلامُ، رَخَّصَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ذلكَ، قال:"دَخَلَتِ العُمْرةُ في الحجَّ إلى يومِ القيامَةِ" يعني: لا بأْسَ بالعمرةِ في أشهُرِ الحَجَّ، وأشهُرُ الحَجَّ: شوَّالٌ وذُو القَعْدَةِ وعَشْرٌ من ذِي الحِجَّةِ، لا ينبغي للرَّجلِ أن يُهِلَّ بالحجَّ إلَّا في أشهُرِ الحَجَّ

(1)

، وأشهُرُ الحُرُمِ: رَجبٌ وذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ. هكذا قال غير واحدٍ من أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم.

‌89 - باب ما ذُكِرَ في فضلِ العُمْرةِ

951 -

حدَّثنا أبو كُريْبٍ، قال: حدَّثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن سُمَيًّ، عن أبي صالحٍ

عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "العُمْرةُ إلى العمرةِ تكَفَّرُ ما بينهُما، والحَجُّ المَبْرورُ ليسَ له جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ"

(2)

.

(1)

في (ب) وحدها: "أشهر الحُرُم".

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349)، وابن ماجه (2888)، والنسائي 2/ 112 و 112 - 113 و 115، وهو في "المسند"(7354)، و"صحيح ابن حبان"(3695) و (3696).

ص: 433

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌90 - باب ما جاء في العُمْرةِ من التَّنْعِيمِ

952 -

حدَّثنا يحيى بنُ موسى وابنُ أبي عُمرَ، قالا: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عمرِو بن أوسٍ

عن عبد الرحمنِ بن أبي بكرٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ عبد الرحمنِ بن أبي بَكْرٍ أن يُعْمِرَ عائشةَ من التّنْعِيمِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌91 - باب ما جاء في العُمْرةِ من الجِعْرانةِ

953 -

حدَّثنا بندار، قال: حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن مُزَاحِمِ بن أبي مزاحمٍ، عن عبد العزيزِ بن عبد الله

عن مُحَرَّش الكَعْبيِّ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرجَ من الجِعرانةِ ليلًا معْتَمِرًا، فدخلَ مَكَّةَ لَيْلًا، فقَضَى عُمْرتَهُ، ثمَّ خَرجَ من لَيْلَتِهِ، فَأصبحَ بالجِعرانةِ كَبائِتٍ، فَلمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ من الغَدِ، خَرجَ في بَطْنِ سَرِفَ، حتَّى جَامعَ

(2)

الطَّرِيقَ: طَرِيقَ جَمْعٍ بِبَطْنِ سَرِفَ، فَمِنْ

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1784) و (2985)، ومسلم (1212)، وأبو داود (1995)، وابن ماجه (2999)، وهو في "المسند"(1705).

(2)

في المطبوع: "جاء مع" وهو تحريف، والمثبت من جميع الأصول الخطية، ومن شرح الحافظ العراقي، قال العراقي: وقوله: جامع الطريق طريق جمع، هو بفتح الجيم وسكون الميم، يريد مجتمع الطريق، وهي الطريق التي تَسلُكُ إلى التنعيم، والتي تَسلُكُ إلى وادي منى، والطريق التي تسلكُ إلى =

ص: 434

أجْلِ ذلكَ خَفِيَتْ عُمْرتُهُ على النَّاسِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ولا نَعْرِفُ لِمُحرَّش الكَعْبيَّ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم غيرَ هذا الحديثِ.

‌92 - باب ما جاء في عمرةِ رَجبٍ

954 -

حدَّثنا أبو كُريْبٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن آدَمَ، عن أبي بكر بن عياشٍ، عن الأعمشِ، عن حَبِيبِ بن أبي ثابتٍ، عن عروةَ، قال:

سُئِلَ ابن عمرَ: في أيَّ شهرٍ اعتَمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: في رجبٍ. فقالت عائشةُ: ما اعتَمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا وهو معهُ - تَعْني ابنَ عُمرَ -، وما اعتمرَ في شهرِ رجبٍ قَطُّ

(2)

.

= الجِعرانةِ، وهي الطريقُ التي أتى منها صلى الله عليه وسلم.

(1)

حسن، وأخرجه أبو داود (1996)، والنسائي 5/ 199 - 200 و 200، وهو في "المسند"(15512) و (15513).

(2)

صحيح، رجاله ثقات، وحبيب بن أبي ثابت قد روى عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتًا، وحديثه هذا هو في "سنن" ابن ماجه (2998) بإسناد المصنف.

ورواه البخاري (1776)، ومسلم (1255)(219)، وهو في "المسند"(5416).

ولفظ مسلم: أخبرني عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابنُ عُمرَ مُستَنِدَين إلى حُجرَةِ عائشة، وإنا لَنَسْمَعُ ضربَها بالسَّواك تَسْتَنُّ، قال: فقلت: يا أبا عبد الرحمن أَعْتمرَ النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟ قال: نعم. فقلت لعائشة: أي أُمَّتاه ألا تسمعين ما يقولُ أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقولُ؟ قلت: يقول: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لَعَمري ما اعتمرَ في رجب، وما اعتمر من عمرة إلا وإنّه لمعه. قال: وابن عمر يسمعُ، فما قال: لا، ولا نعم، سكت.

ص: 435

هذا حديثٌ غريبٌ.

سَمِعْتُ محمدًا يَقولُ: حَبِيبُ بن أبي ثَابتٍ لم يَسْمعْ من عُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ.

955 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنيعٍ، قال: حدَّثنا الحسنُ بنُ موسى، قال: حدَّثنا شَيْبانُ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ

عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتمرَ أربعًا، إحداهُنَّ في رجبٍ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.

‌93 - باب ما جاء في عُمْرةِ ذِي القَعْدَةِ

956 -

حدَّثنا العبَّاسُ بنُ محمدٍ الدُّورِيُّ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بن منصورٍ - هو السَّلُولِيُّ الكُوفِيُّ -، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ

عن البَرَاءِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتمرَ في ذي القَعْدَةِ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وفي البابِ عن ابن عبَّاسٍ.

(1)

صحيح، وأخرجه بنحوه ومطولًا البخاري (1775)، ومسلم (1255)(220)، والنسائي في "الكبرى"(4217) و (4222)، وهو في "المسند"(6126) و (6242) و (6430)، و"صحيح ابن حبان"(3945).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1781)، وهو في "المسند"(18635)، و"صحيح ابن حبان"(4873)، وروايتهما مطولة.

ص: 436

‌94 - باب ما جاء في عُمْرةِ رمضانَ

957 -

حدَّثنا نَصْرُ بن عليًّ، قال: حدَّثنا أبو أحمدَ الزُّبَيْرِيُّ، قال: حدَّثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن الأسْوَدِ بن يَزِيدَ، عن ابن أُمَّ مَعْقِلٍ

عن أُمَّ معقلٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"عُمْرةٌ في رمضانَ تَعْدِلُ حَجَّةً"

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عبَّاسٍ، وجابرٍ، وأبي هريرةَ، وأنسٍ، وَوهْب بن خَنْبَشٍ، ويقالُ: هَرِم بن خَنْبَشٍ.

قال بيانٌ وجابرٌ: عن الشَّعْبيَّ، عن وَهْبِ بن خَنْبَشٍ.

وقال دَاوُدُ الأوْدِيُّ: عن الشَّعْبيِّ، عن هَرِم بن خَنْبَشٍ، وَوَهْبٌ أصَحُّ.

وحديثُ أُمَّ مَعْقِلٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ.

وقال أحمدُ، وإسحاقُ: قد ثَبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ عُمْرةً في رَمَضانَ تَعْدِلُ حَجَّةً.

قال إسحاقُ: مَعْنى هذا الحديثِ مِثْلُ مَا رُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد قد اختلف فيه كثيرًا كما بسطناه في "المسند"، وأخرجه مطولًا أبو داود (1988). وهو كذلك في "المسند" برقم (27106).

ويشهد له حديث ابن عباس، وجابر بن عبد الله، ويوسف بن عبد الله بن سلام، ووهب بن خنبش، أخرجها أحمد في "مسنده" على التوالي بالأرقام (2025) و (14795) و (16406) و (17599).

ص: 437

أنَّهُ قال: "من قَرَأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فقد قَرَأ ثُلُثَ القُرْآنِ"

(1)

.

‌95 - باب ما جاء في الَّذي يُهِلُّ بالحجِّ فَيُكْسَرُ أوْ يَعْرُجُ

958 -

حدَّثنا إسحاقُ بن منصُورٍ، قال: أخبرنا روحُ بنُ عُبادةَ، قال: حدَّثنا حجَّاجٌ الصَّوَّافُ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ أبي كثيرٍ، عن عِكْرِمةَ، قال:

حدَّثني الحجَّاج بن عمرٍو، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من كُسِرَ أوْ عَرَجَ، فقد حَلَّ، وعليه حَجَّةٌ أُخرى". فذكرْتُ ذلكَ لأبي هُريرةَ وابن عَبَّاسٍ، فقالا: صَدَقَ

(2)

.

959 -

حدَّثنا إسحاقُ بنُ مَنْصُورٍ، قال: أخْبرنا محمدُ بن عبد اللهِ الأنْصارِيُّ، عن الحجَّاجِ، مثلَهُ. وقال: وسَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ

(3)

.

هذا حديثٌ حسنٌ. وهكذا رواهُ غيرُ واحدٍ عن الحجَّاجِ الصَّوَّافِ، نحو هذا الحديثِ.

ورَوَى مَعْمرٌ ومعاويةُ بن سَلَّامٍ هذا الحديثَ، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عن عكرمةَ، عن عبد اللهِ بن رافعٍ، عن الحجَّاجِ بن

(1)

حديث صحيح، وسيأتي عند المصنف من حديث غير واحد من الصحابة انظرها بالأرقام (3115) و (3116) و (3117) و (3118) و (3122) و (3123).

(2)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1862) و (1863)، وابن ماجه (3077) و (3078)، والنسائي 5/ 198 و 198 - 199، وهو في "المسند"(15731)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(615 - 617).

(3)

انظر ما قبله.

ص: 438

عمْرٍو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديثَ

(1)

.

وحَجَّاجٌ الصَّوَّافُ لم يَذْكُرْ في حديثهِ عبد اللهِ بن رافعٍ، وحَجَّاجٌ ثِقَةٌ حافظٌ عند أهلِ الحديثِ.

وسمعتُ محمدًا يقولُ: روَايةُ مَعْمَرٍ ومُعاويةَ بن سَلَّامٍ أصَحُّ.

960 -

حدَّثنا عبدُ بن حُمَيْدٍ، قال: حدثنا عبدُ الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا مَعْمرٌ، عن يحيى بن أبي كَثيرٍ، عن عكرمةَ، عن عبد اللهِ بن رافعٍ، عن الحَجَّاجِ بن عمرٍو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوَه

(2)

.

‌96 - باب ما جاء في الاشتراطِ في الحجِّ

961 -

حدَّثنا زِيادُ بنُ أيُّوبَ البَغْدَادِيُّ، قال: حدَّثنا عَبَّادُ بن العوّام، عن هلالِ بن خبَّابٍ، عن عكرمةَ

عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ ضُباعةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ إنَّي أُرِيدُ الحَجَّ، أفأشْتَرطُ؟ قال:"نعم". قالت: كيف أقولُ؟ قال: "قولي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، مَحِلَّي من الأرْضِ حيثُ تَحْبِسُنِي"

(3)

.

وفي الباب عن جابرٍ، وأسماءَ بنْتِ أبي بكرٍ، وعائشةَ.

(1)

هو الآتي بعده.

(2)

سلف تخريجه في أول الباب.

(3)

صحيح، وأخرجه مسلم (1208)، وأبو داود (1776)، وابن ماجه (2938)، والنسائي 5/ 167 و 167 - 168 و 168، وهو في "المسند"(3053) و (3117) و (3302)، و"صحيح ابن حبان"(3775).

ص: 439

حديثُ ابن عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند بعضِ أهلِ العلمِ؛ يَروْنَ الاشتراطَ في الحجَّ، ويقولُونَ: إنِ اشْتَرطَ، فَعرَضَ لهُ مَرضٌ أو عُذْرٌ، فَلهُ أن يَحِلَّ ويَخْرُجَ من إحْرامهِ، وهو قولُ الشَّافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

ولم يَرَ بعضُ أهلِ العلمِ الاشتراطَ في الحجَّ، وقالوا: إنِ اشْتَرطَ، فليس له أن يَخْرُجَ من إحْرامِهِ، وَيَروْنَهُ كَمَنْ لم يَشْترِطْ.

‌97 - باب مِنْهُ

962 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا عَبدُ اللهِ بن المباركِ، قال: أخبرني مَعْمرٌ، عن الزُّهْرِيَّ، عن سالمٍ

عن أبيهِ، أنَّهُ كانَ يُنكرُ الاشْترَاطَ في الحَجَّ، ويقولُ: ألَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيَّكُم صلى الله عليه وسلم؟

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌98 - باب ما جاء في المَرْأةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإفاضَةِ

963 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثَنا اللَّيْثُ، عن عبد الرحمنِ بن القاسمِ، عن أبيه

عن عائشةَ أنَّها قالت: ذُكِرَ لِرَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ صَفيَّةَ بِنْتَ حُيَيًّ حاضَتْ في أيَّامِ مِنىً، فقال:"أحَابِسَتُنا هِي؟ " قالُوا: إنَّها قد

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1810)، والنسائي 5/ 169، وهو في "المسند"(4881)، والطحاوي في "شرح المشكل"(5915) و (5916).

ص: 440

أفَاضَتْ. فقال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فلا، إذًا"

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عُمرَ، وابن عَبَّاسٍ.

حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ؛ أنَّ المَرْأةَ إذا طافَتْ طَوافَ الزَّيارةِ، ثمَّ حاضتْ، فإنها تَنْفِرُ وليس عليها شيءٌ، وهو قولُ الثَّوْرِيّ، والشّافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

964 -

حدَّثنا أبو عمَّارٍ، قال: حدَّثنا عيسى بنُ يونسَ، عن عُبيد الله بن عمرَ، عن نافعٍ

عن ابن عمرَ، قال: من حجَّ البيتَ فَلْيكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بالبيتِ إلَّا الحُيَّضَ، ورَخَّصَ لهُنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ.

‌99 - باب ما جاء ما تَقْضِي الحائضُ من المناسكِ

965 -

حدَّثنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا شَرِيكٌ، عن جابرٍ - وهو ابن يَزِيدَ الجُعْفِيُّ -، عن عبد الرحمنِ بن الأسودِ، عن أبيه

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (328)، ومسلم (1211)، وأبو داود (2003)، وابن ماجه (3072) و (3073)، وهو في "المسند"(24113)، و"صحيح ابن حبان"(3902).

(2)

صحيح، وأخرجه ابن ماجه (3071)، والنسائي في "الكبرى"(4196)، وهو عند ابن حبان في "صحيحه"(3899)، ولفظ ابن ماجه بنحوه.

ص: 441

عن عائشةَ، قالت: حِضْتُ فأمَرني النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أقْضِيَ المَناسِكَ كُلَّها، إلَّا الطَّوافَ بالبيتِ

(1)

.

والعملُ على هذا الحديثِ عند أهلِ العلمِ؛ أنَّ الحائضَ تَقْضِي المناسكَ كُلَّها، ما خلا الطَّوافَ بالبيتِ.

وقد رُوِي هذا الحديثُ عن عائشةَ من غيرِ هذا الوجهِ أيضًا.

966 -

حَدَّثَنا زِيادُ بن أيُّوبَ، قَال: حَدَّثَنا مَرْوانُ بن شُجَاعٍ الجَزَرِيُّ، عن خُصَيْفٍ، عن عِكْرمةَ وَمُجاهِدٍ وَعَطاءٍ

عن ابن عَبَّاسٍ، رَفعَ الحديثَ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ النُّفَسَاءَ وَالحائِضَ تَغْتَسلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضي المَناسِكَ كُلَّها، غَيْرَ أنْ لا تَطُوفَ بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرَ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ

‌100 - باب ما جاء مَنْ حجَّ أو اعتَمرَ، فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدهِ بالبيتِ

967 -

حدَّثنا نَصْرُ بن عبد الرحمنِ الكُوفِيُّ، قال: حدَّثنا المُحارِبِيُّ، عن الحجَّاجِ بن أرْطاةَ، عن عبد الملكِ بن المُغِيرَةِ، عن عبد الرحمنِ بن

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (294)، ومسلم (1211)(119) و (120) و (121)، وأبو داود (1782)، وابن ماجه (2963)، والنسائي 1/ 153 - 154 و 5/ 156، وهو في "المسند"(24109) و (25055)، و"صحيح ابن حبان"(3834)، ورواية بعضهم مطولة.

(2)

صحيح لغيره، وأخرجه أبو داود (1744)، وهو في "المسند"(3435). ويشهد له ما قبله.

ص: 442

البَيْلَمانيَّ، عن عمرِو بن أوسٍ

عن الحارثِ بن عبد اللهِ بن أوس، قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "من حَجَّ هذا البيتَ أو اعْتَمرَ، فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بالبيتِ". فقال له عمرُ: خَرِرْتَ مِن يَديْكَ، سمعتَ هذا من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولم تُخْبرْنا بهِ؟

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عبَّاسٍ.

حديثُ الحارثِ بن عبد اللهِ بن أوْسٍ حديثٌ غريبٌ، وهكذا رَوَى غَيْرُ واحدٍ عن الحجَّاجِ بن أرْطاةَ مِثلَ هذا، وقد خُولِفَ الحَجَّاجُ في بعضِ هذا الإسنادِ.

(1)

إسناده ضعيف بهذه السياقة من حديث الحارث بن عبد الله بن أوس، لضعف الحجاج بن أرطاة وعبد الرحمن بن البيلماني.

وأخرجه أحمد موصولًا ومرسلًا برقم (15441) و (15442)، وقد خولف الحجاج بن أرطاة فيه كما ذكر المصنف عقب الحديث، فأخرجه أحمد (15440)، وأبو داود (2004) من طريق أبي عوانة، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي، قال: سألت عمرَ بن الخطاب عن المرأة تطوفُ بالبيت، ثم تحيض، قال: ليكن آخرَ عهدها الطوافُ بالبيت. فقال الحارث: كذلك أفتاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: أرِبْتَ عن يديك، سألتني عن شيء سألتَ عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، لكنِي ما أُخالف.

وإسناده صحيح، وهو المحفوظ في حديث الحارث بن عبد الله بن أوس.

لكن قد نسخ هذا الحديث بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرخصة لهن في ترك الطواف كما جاء في حديث عبد الله بن عمر السالف عند المصنف برقم (964).

ص: 443

‌101 - باب ما جاء أنَّ القارِنَ يطوفُ طوافًا واحدًا

968 -

حدَّثنا ابنُ أبي عمرَ، قال: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الحجَّاجِ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن جابرٍ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرنَ الحَجَّ والعُمْرَةَ، فطافَ لهما طوافًا واحدًا

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عمرَ، وابن عبَّاسٍ.

حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ.

والعملُ على هذا عند بعض أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم؛ قالوا: القارنُ يطوفُ طوافًا واحدًا، وهو قولُ الشَّافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم: يطوفُ طَوافَيْنِ، ويَسْعَى سَعيَيْنِ. وهو قولُ الثَّوْرِيَّ، وأهلِ الكوفةِ.

969 -

حدَّثنا خَلَّادُ بن أسلمَ البَغْدَاديُّ، قال: حدَّثنا عبد العزيزِ بن محمدٍ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن عُمرَ، عن نافعٍ

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (1215)، وأبو داود (1895)، وابن ماجه (2973)، والنسائي 5/ 226 و 244، وهو في "المسند"(14414)، و"صحيح ابن حبان"(3819) و (3914).

وانظر مذاهب أهل العلم في السعي بين الصفا والمروة للمتمتع والقارن في ما علقناه على حديث ابن عمر الذي أخرجه أحمد في "مسنده" برقم (5350).

ص: 444

عن ابن عمرَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من أحْرمَ بالحجَّ والعمرةِ، أجْزأَهُ طوافٌ واحدٌ وسَعْيٌ واحدٌ منهما، حتَّى يَحِلَّ مِنهُمَا جميعًا"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.

وقد رواهُ غيرُ واحدٍ عن عُبَيْدِ اللهِ بن عمرَ، ولم يَرْفَعُوهُ، وهو أصحُّ

‌102 - باب ما جاء أَنَّ مُكْثَ المُهَاجِرِ بمَكَّةَ بعدَ الصَّدْرِ

970 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن عبد الرحمنِ بن حُمَيْدٍ، سَمعَ السَّائِبَ بن يَزِيدَ

عن العلاءِ بن الحَضْرَميَّ - يعني مرفوعًا - قال: يَمْكُثُ المُهَاجِرُ بعدَ قَضاءِ نُسُكِهِ بمكَّةَ ثلاثًا

(2)

.

(1)

ضعيف مرفوعًا، تفرد برفعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وقد رواه مسلم برقم (1230)(181) من طريق آخر صحيح موقوفًا على ابن عمر، وقال ابن عبد البر في "الاستذكار": لم يرفعه أحد عن عبيد الله غير الدراوردي، وكل من رواه عنه غيره أوقفه على ابن عمر، قلنا: وحديثه عن عُبيد الله بن عمر منكر فيما ذكر النسائي.

وأخرجه ابن ماجه (2975)، وهو في "المسند"(5350)، و"صحيح ابن حبان"(3915) و (3916).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (3933)، ومسلم (1352)، وأبو داود (2022)، وابن ماجه (1073)، والنسائي 3/ 121 - 122 و 122، وهو في "المسند"(18985)، =

ص: 445

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رُوِي من غيرِ هذا الوجهِ بهذا الإسنادِ مرفوعًا.

‌103 - باب ما جاء ما يقولُ عند القُفُولِ من الحَجَّ والعُمْرةِ

971 -

حدَّثنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن أيُّوبَ، عن نافعٍ

عن ابن عمرَ قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قَفلَ من غَزْوةٍ أو حَجًّ أو عُمْرةٍ، فعلا فَدْفَدًا من الأرْضِ أوْ شَرَفًا، كَبَّرَ ثلاثًا، ثُمَّ قال:"لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ، وهو على كُلَّ شيءٍ قَدِيرٌ، آيِبونَ، تائِبُونَ، عابِدُونَ، سائِحُونَ، لِربِّنا حامِدُونَ، صَدقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصرَ عَبْدَهُ، وهَزمَ الأحزابَ وَحْدَهُ"

(1)

.

وفي البابِ عن البَراءِ، وأنسٍ، وجابرٍ.

حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

= وابن حبان في "صحيحه"(3906).

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1797)، ومسلم (1344)، وأبو داود (2770)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(539) و (540)، وهو في "المسند"(4496)، و"صحيح ابن حبان"(2707).

ص: 446

‌104 - باب ما جاء في المُحْرِمِ يَمُوتُ في إحْرامهِ

972 -

حدَّثنا ابن أبي عمرَ، قال: حدَّثنا سُفيانُ بنُ عُيينةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن سعيدِ بن جُبَيْرٍ

عن ابن عبَّاسٍ، قال: كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فَرَأى رجلًا سَقطَ عن بَعِيرهِ فَوُقِصَ، فماتَ وهو مُحْرِمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اغْسِلُوهُ بماءِ وسِدْرٍ، وكَفَّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ، ولا تُخَمَّرُوا رأْسهُ، فإنَّهُ يُبْعثُ يومَ القيامةِ يُهِلُّ، أوْ يُلَبِّي"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وهو قولُ سُفيانَ الثَّوْرِيَّ، وَالشَّافِعِيَّ، وَأحمدَ، وَإسحاقَ.

وقال بعض أهلِ العلمِ: إذا مات المُحْرِمُ انقَطعَ إحرامهُ، ويُصنَعُ به ما يُصنعُ بِغيرِ المُحْرِمِ.

‌105 - باب ما جاء أن المُحْرِمَ يَشْتكي عَيْنَهُ فيَضْمِدُهَا بالصَّبِرِ

973 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن أيُّوبَ بن موسى

عن نُبَيْهِ بن وَهْبٍ: أنَّ عمرَ بن عُبَيْدِ اللهِ بن مَعْمرٍ اشْتكى عَيْنَيهِ

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206)، وأبو داود (3238 - 3241)، وابن ماجه (3084)، والنسائي 4/ 39 و 5/ 144 - 145 و 145 و 195 و 196 و 197، وهو في "المسند"(1850)، و"صحيح ابن حبان"(3958).

ص: 447

وهو مُحْرِمٌ، فسألَ أبانَ بن عُثمانَ، فقال: اضْمِدْهُما بالصَّبِرِ، فإنَّي سمعتُ عثمانَ بن عفانَ يَذْكُره عن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"اضْمِدْهُما بِالصَّبِرِ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ: لا يَروْنَ بأسًا أنْ يَتداوَى المُحْرِمُ بدواءٍ، ما لم يكن فيه طِيبٌ.

‌106 - باب ما جاء في المُحْرمِ يَحْلِقُ رَأسَهُ في إحرامهِ ما عليه

974 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن أيُّوبَ السَّخْتيانيَّ وابن أبي نَجِيحٍ وحُمَيْدٍ الأعْرَجِ وعبد الكريمِ، عن مجاهدٍ، عن عبد الرحمنِ بن أبي ليلى

عن كَعْبِ بن عُجْرةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بهِ وهو بالحُدَيْبيةِ، قبلَ أن يَدْخُلَ مكَّةَ وهو مُحْرِمٌ، وهو يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ، والقَمْلُ يتهافَتُ على وجههِ، فقال:"أتُؤذِيكَ هوامُّكَ هذِهِ؟ " فقال: نعم. فقال: "احْلِقْ وأطْعِمْ فَرَقًا بين سِتَّةِ مساكينَ" والفَرَقَ: ثَلاثةُ آصُعٍ "أوْ صُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أوِ انْسُكْ نَسِيكةً". قال ابنُ أبي نَجِيحٍ: "أو اذْبَحْ

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (1204)، وأبو داود (1838) و (1839)، والنسائي 5/ 143، وهو في "المسند"(422) و (494)، و"صحيح ابن حبان"(3954).

قوله: "الصَّبِر": بكسر الباء، عصارة شجر مُرًّ، واحدتها صَبِرة.

ص: 448

شاةً"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم: أنَّ المُحْرِمَ إذا حَلقَ، أو لَبسَ من الثَّيابِ ما لا يَنبَغي لهُ أنْ يَلْبَسَ في إحْرامهِ، أوْ تَطَيَّبَ، فَعلَيْهِ الكَفَّارةُ، بِمِثْل ما رُوِي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

‌107 - باب ما جاء في الرُّخْصَةِ للرُّعاة أنْ يَرْمُوا يَوْمًا، وَيَدَعُوا يَوْمًا

975 -

حدَّثنا ابن أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سُفيانُ بن عُيينةَ، عن عبد الله بن أبي بكْر بن محمدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ، عن أبيهِ، عن أبي البَدَّاحِ بن عَدِيًّ

عن أبيهِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أرْخَصَ للرُّعاةِ أنْ يَرْمُوا يومًا، ويدَعُوا يومًا

(2)

.

هكذا رَوَى ابن عُيينةَ.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1814)، ومسلم (1201)، وأبو داود (1856 - 1861)، والنسائي 5/ 194 - 195، و 195، وهو في "المسند"(18101)، و"صحيح ابن حبان"(3978).

(2)

صحيح، وأخرجه أبو داود (1975) و (1976)، وابن ماجه (3036) و (3037)، والنسائي 5/ 273، وهو في "المسند"(23774 - 23777)، و"صحيح ابن حبان"(3888).

وانظر ما بعده.

ص: 449

ورَوَى مالكُ بنُ أنَسٍ، عن عبد اللهِ بن أبي بكْرٍ، عن أبيهِ، عن أبي البَدَّاحِ بن عاصمِ بن عَدِيًّ، عن أبيهِ.

ورِوايةُ مالكٍ أصَحُّ.

وقد رَخَّصَ قومٌ من أهلِ العلمِ لِلرُّعاةِ أن يَرْمُوا يومًا، ويَدَعُوا يومًا، وهو قولُ الشَّافعيَّ.

976 -

حدَّثنا الحسنُ بنُ عليًّ الخَلَّالُ، قال: حدَّثنا عبد الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا مالكُ بن أنسٍ، قال: حدَّثَنِي عبد اللهِ بن أبي بكْرٍ، عن أبيهِ، عن أبي البَدَّاحِ بن عَاصم بن عَدِيًّ

عن أبيهِ، قال: رَخَّصَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرعَاءِ الإبِلِ في البيْتُوتةِ، أنْ يَرْمُوا يومَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمعُوا رَمْي يَوْمَيْنِ بعد يومِ النَّحْرِ، فيرْمُونهُ في أحَدهِما. قال مالكٌ: ظَننْتُ أنَّهُ قال في الأوَّلِ منهما: ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفرِ

(1)

.

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وهو أصَحُّ من حديثِ ابن عُيينةَ عن عَبد اللهِ بن أبي بكْرٍ.

‌108 - باب

977 -

حدَّثنا عبد الوارثِ بن عبد الصَّمدِ بن عبد الوارثِ، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا سَلِيم بن حَيَّانَ، قال: سمعتُ مَرْوانَ الأصْفَرَ

(1)

صحيح، وسلف تخريجه في الذي قبله، وقول مالك: ظننت أنه قال

القائل: هو عبد الله بن أبي بكر، وقوله: في الأول منهما، أي: في اليوم الأول من اليومين.

ص: 450

عن أنسِ بن مالكٍ: أنَّ عليًّا قدِمَ على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم من اليمنِ، فقال:"بِمَ أهْلَلْتَ؟ " قال: أهْلَلْتُ بِما أهلَّ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"لَولا أنَّ مَعِي هَدْيًا، لأحْللْتُ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ.

‌109 - باب ما جاء في يوم الحَجِّ الأكْبَرِ

978 -

حدَّثنا عبدُ الوارثِ بن عبد الصمدِ بن عبد الوارثِ، قال: حدَّثنا أبي، عن أبيه، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارثِ

عن عليًّ، قال: سَألْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن يومِ الحَجَّ الأكْبَرِ؟ فقال: "يومُ النَّحْرِ"

(2)

.

979 -

حدَّثنا ابن أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارثِ

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1558)، ومسلم (1250)، وهو في "المسند"(12927)، و"صحيح ابن حبان"(3776).

(2)

إسناده ضعيف، محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن، والحارث - وهو ابن عبد الله الأعور - ضعيف، وروي موقوفًا على علي بن أبي طالب بإسناد ضعيف، وسيأتي بعده.

وأخرج أبو داود (1945) عن مؤمَّل بن الفضل، حدثنا الوليد، حدثنا هشام بن الغاز، حدثنا نافع، عن ابن عمر: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج، فقال:"أيُّ يومٍ هذا؟ " قالوا: يوم النحر. قال: "هذا يوم الحج الأكبر" وهذا إسناد صحيح.

وسيأتي حديث الباب برقم (3342).

ص: 451

عن عليًّ، قال: يومُ الحَجَّ الأكْبَرِ يومُ النَّحْرِ

(1)

. ولم يَرْفعْهُ.

وهذا أصَحُّ من الحديثِ الأوَّلِ، وروايةُ ابن عُيينةَ موقوفًا، أصَحُّ من روايةِ محمدِ بن إسحاقَ مرفوعًا، هكذا رَوَى غيرُ واحدٍ من الحُفَّاظِ عن أبي إسحاقَ، عن الحارثِ، عن عليًّ موقوفًا

(2)

.

‌110 - باب ما جاء في اسْتِلامِ الرُّكْن

980 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا جَرِيرٌ، عن عطاءِ بن السَّائِبِ، عن ابن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ، عن أبيهِ

أنَّ ابن عُمرَ كان يُزاحِمُ على الرُّكْنَيْنِ، فقلتُ: يا أبا عبد الرحمنِ إنَّكَ تُزَاحِمُ على الرُّكْنَيْنِ زِحامًا ما رَأيْتُ أحدًا من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُزاحِمُ عليه. فقال: إنْ أفْعَلْ، فإنَّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"إنَّ مَسْحَهُما كَفَّارةٌ لِلخطايا"، وسمعتُهُ يقولُ:"من طافَ بهذا البَيْتِ سُبُوعًا، فأحْصاهُ، كان كَعِتْقِ رَقَبةٍ"، وسمعتُهُ يقولُ: "لا يَضعُ قَدمًا، ولا يَرْفعُ أُخْرى، إلَّا حَطَّ اللهُ عنه بها

(1)

إسناده ضعيف لضعف الحارث بن عبد الله الأعور.

وأخرجه الطبراني 10/ 72 من طريق محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، قال: قال علي: الحج الأكبر: يوم النحر. قال: وقال الزهري: يوم النحر: يوم الحج الأكبر. ولم يذكر أبو إسحاق السبيعي فيه: "الحارث"، وكأنه دلسه.

(2)

جاء بعد هذا في المطبوع: "وقد رَوَى شعبةُ، عن أبي إسحاق، قال: عن عبد الله بن مُرَّة، عن الحارث، عن علي موقوفًا".

ص: 452

خَطِيئةً، وَكَتبَ لهُ بِها حَسنةً"

(1)

.

وَرَوَى حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن عطاءِ بن السَّائِبِ، عن ابنِ عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ، عن ابنِ عُمرَ نَحوَهُ، ولم يَذْكُرْ فيهِ: عن أبيهِ

(2)

.

وهذا حديثٌ حسنٌ.

‌111 - باب ما جاء في الكلامِ في الطوَافِ

981 -

حدَّثَنا قُتيبةُ، قَال: حَدَّثَنا جَريرٌ، عن عَطاءِ بن السَّائبِ، عن طَاوُوسٍ

عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"الطَّوافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ، إلَّا أنَّكُمْ تتكلَّمُونَ فيهِ، فَمنْ تكلَّمَ فيهِ، فَلا يتكلَّمنَّ إلَّا بِخَيْرٍ"

(3)

.

(1)

حسن، وهو في "المسند"(4462)، و"صحيح ابن حبان"(3697) و (3698). وانظر ما بعده.

(2)

حسن، وأخرجه النسائي 5/ 221 من طريق عطاء، عن عبد الله بن عبيد بن عمير: أن رجلًا قال: يا أبا عبد الرحمن ما أراك تستلم إلَّا هذين الركنين

فذكره بنحوه مختصرًا.

وأخرجه ابن ماجه (2956) من طريق العلاء بن المسيب، عن عطاء، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من طاف بالبيت وصَلّى ركعتين، كان كعتق رقبة". وانظر "المسند"(4585).

(3)

صحيح لغيره، جرير وهو ابن عبد الله وإن كان سمع من عطاء بن السائب بعد الاختلاط - قد تابعه عليه سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وكلاهما سمعا منه قبل الاختلاط، لكن قد اختلف في رفعه ووقفه، ورجح وقفه النسائي =

ص: 453

وقد رُوِي هذا الحديثُ عن ابن طاوُوسٍ وغيرِهِ، عن طاوُوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ مَوْقُوفًا

(1)

، ولا نَعْرفهُ مرفوعًا إلَّا مِن حديثِ عطاءِ بن السَّائبِ.

والعملُ على هذا عند أكثرِ أهلِ العلمِ؛ يَستَحِبُّونَ أنْ لا يتكَلَّمَ الرَّجُلُ في الطَّوافِ إلَّا لحاجَةٍ

(2)

، أوْ بذكر الله تعالى، أو من العلم

(3)

.

‌112 - باب ما جاء في الحَجرِ الأسْوَدِ

982 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا جَريرٌ، عن ابنِ خُثَيْمٍ، عن سعيدِ بن جُبَيْرٍ

عن ابن عبَّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الحَجَرِ: "واللهِ لَيبعثنَّهُ اللهُ يومَ القيامةِ لهُ عَينانِ يُبْصِرُ بِهِما، ولِسانٌ يَنْطِقُ، يَشْهَدُ

= والبيهقي وابن الصلاح والمنذري والنووي، والحافظ في "التلخيص" 1/ 130.

وهو في "شرح مشكل الآثار"(5972) و (5973)، و"صحيح ابن حبان"(3836).

(1)

انظر تمام تخريج الحديث والتعليق عليه في "شرح مشكل الآثار" للطحاوي (5973).

(2)

في (أ) و (د): "بحاجة".

(3)

أخرج النسائي 5/ 221 - 222 بسند قوي عن ابن عباس أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ وهو يطوف بالكعبة بإنسانٍ يقود إنسانًا بخِزامة في أنفه، فقطعها بيده ثم قال:"قُدْ بيده".

ص: 454

على من اسْتَلمهُ بِحَقٍّ"

(1)

هذا حديثٌ حسَنٌ.

‌113 - باب

983 -

حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا وَكِيعٌ، عن حمَّادِ بنِ سلمةَ، عن فَرْقدٍ السَّبَخِيِّ، عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ

عن ابن عُمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَدَّهِنُ بالزَّيْتِ وهو مُحْرِمٌ غَيْرَ المُقَتَّتِ

(2)

.

مُقَتَّتُ: مُطَيّبُ.

هذا غريبٌ لا نَعْرفهُ إلَّا مِن حديثِ فَرْقَدٍ السَّبَخيِّ، عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ، وقد تكلَّمَ يحيى بنُ سَعيدٍ في فَرْقدٍ السَّبَخيِّ، وَرَوى عَنْهُ النَّاسُ.

(1)

صحيح، وأخرجه ابن ماجه (2944)، وهو في "المسند"(2215)، و"صحيح ابن حبان"(3711).

(2)

إسناده ضعيف لضعف فرقد السبخي، وقد أخطأ في رفعه. ورواه موقوفًا البخاري في "صحيحه"(1537) من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن سعيد بن جبير، قال: كان ابن عمر رضي الله عنه يدَّهن بالزيت. فذكرته لإبراهيم، قال: ما تصنع بقوله: حدثني الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم؟ قلنا: يعني من أثر تطيبه صلى الله عليه وسلم قبل إحرامه.

وأخرجه مرفوعًا ابن ماجه (3083)، وهو في "المسند"(4783).

ص: 455

‌114 - باب ما جاء في ماء زمزم

984 -

حدَّثنا أبو كُريْبٍ، قال: حدَّثنا خَلَّادُ بنُ يَزِيدَ الجُعْفِيُّ، قال: حدَّثنا زُهَيْرُ بن مُعاويةَ، عن هشامِ بن عُرْوةَ، عن أبيه

عن عائشةَ: أنها كانت تَحْمِلُ مِنْ ماءِ زَمْزَمَ، وتُخْبِرُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَحْمِلهُ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نَعْرِفهُ إلَّا من هذا الوَجْهِ.

‌115 - باب

985 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ ومحمدُ بن الوَزيرِ الواسِطيُّ، المَعْنى واحدٌ، قالا: حدَّثنا إسحاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرقُ، عن سفيانَ، عن عبد العزيزِ بن رُفيعٍ، قال:

قُلْتُ لأنَسٍ: حدَّثْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أين صلّى الظُّهرَ يومَ التَّرْويةِ؟ قال: بمِنىً. قال: قلتُ: فَايْنَ صلَّى العَصْرَ يومَ النَّفْرِ؟ قال: بالأبْطَحِ، ثمَّ قال: افْعَلْ كما يَفعَلُ

(1)

إسناده حسن، خلاد بن يزيد الجعفي روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال المصنف عن حديثه هذا: حسن غريب.

وأخرجه البخاري في "تاريخه" 3/ 189، وأبو يعلى (4683)، والحاكم 1/ 485، والبيهقي 5/ 202.

ويشهد له حديث جابر وابن عباس، أخرجهما البيهقي في "سننه" 5/ 202، وإسنادهما ضعف.

ص: 456

أُمَراؤُكَ

(1)

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، يُسْتَغْربُ من حديثِ إسحاقَ الأزْرَقِ عن الثَّوْرِيِّ

آخر أبواب الحج

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1653)، ومسلم (1309)، وأبو داود (1912)، والنسائي 5/ 249 - 250، وهو في "المسند"(11975)، و"صحيح ابن حبان (3846).

ص: 457

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

‌1 - باب ما جاء في ثواب المريض

(1)

986 -

حدَّثنا هَنَّادٌ، قال: حدَّثنا أبُو مُعاوِيةَ، عن الأعْمَشِ، عن إبراهيمَ، عن الأسْوَدِ

عن عائشةَ، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُصِيبُ المُؤمنَ شَوْكةٌ فَمَا فَوْقَها، إلَّا رَفَعَهُ الله بها درجةً، وحطَّ عنه بها خَطِيئةً"

(2)

.

وفي البابِ عن سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ، وأبي عُبَيْدةَ بن الجَرَّاح، وأبي هُرَيْرَةَ، وأبي أُمامةَ، وأبي سَعِيدٍ، وأنسٍ، وعَبْدِ الله بن عَمْرٍو، وَأسَدِ بن كُرْزٍ، وجَابِرٍ، وعَبْدِ الرحمنِ بن أزْهَرَ، وأبي موسى.

(1)

في (ب) و (س): "المرض"، والمثبت من هامش (ب) وسائر الأصول.

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (5640)، ومسلم (2572)، والنسائي في "الكبرى"(7486) و (7487)، و (7488)، وهو في "المسند"(24114)، وابن حبان (2906) و (2925).

ص: 459

حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

987 -

حدَّثنا سفيانُ بن وَكيعٍ، قال: أخبرنا أبي، عن أُسامةَ بن زَيْدٍ، عن محمدِ بن عَمْرِو بن عطاءٍ، عن عطاءِ بن يسارٍ

عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما من شَيْءٍ يُصِيبُ المُؤْمِنَ من نَصَبٍ ولا حَزَنٍ ولا وَصَبٍ، حتى الهمِّ يُهَمُّهُ

(1)

، إلَّا يُكَفِّرُ الله به عنه سَيِّئاتهِ"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ في هذا البابِ.

وسمعتُ الجارودَ يقولُ: سمعتُ وكيعًا يقولُ: إنه لم يُسْمَعْ في الهَمِّ أنَّه يكونُ كفارةً إلَّا في هذا الحَدِيثِ.

وقد رَوَى بعضُهُم هذا الحديثَ عن عطاءِ بن يسارٍ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

(1)

قوله: "يُهَمُّه"، قال القاضي: بضم الياء وفتح الهاء، على ما لم يُسمّ فاعله، وضبطه غيره "يَهُمّه" بفتح الياء وضم الهاء، أي: يغمه، وكلاهما صحيح.

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (2573)، وهو في "المسند"(11007)، وقرن في رواية مسلم مع أبي سعيد الخدري أبا هريرة.

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (5641) و (5642)، ومسلم (2573) و (2574)، وهو في "المسند"(7386) و (8027)، و"صحيح ابن حبان"(2905). وقرن في رواية البخاري ومسلم في موضعه الأول وأحمد في الثاني بأبي هريرة أبا سعيد الخدري.

ص: 460

‌2 - باب ما جاءَ في عيادَة المريضِ

988 -

حدَّثَنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدةَ، قال: حدَّثنا يَزيدُ بن زُرَيْعٍ، قال: حدَّثنا خالدٌ الحَذَّاءُ، عن أبي قِلابةَ، عن أبي أسماءَ الرّحَبيِّ

عن ثوبانَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إنَّ المُسْلِمَ إذا عادَ أخاهُ المُسْلِمَ، لم يَزَلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ"

(1)

.

وفي البابِ عن عليًّ، وأبي موسى، والبراء، وأبي هريرةَ، وأنسٍ، وجابرٍ.

حديثُ ثَوْبانَ حديثٌ حسنٌ.

ورَوَى أبو غِفَارٍ وعاصمٌ الأحْوَلُ هذا الحديثَ، عن أبي قِلابةَ، عن الأشْعَثِ، عن أبي أسماءَ، عن ثوبانَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَه

(2)

.

وسمعتُ محمدًا يقولُ: من رَوَى هذا الحديثَ عن أبي الأشْعَثِ، عن أبي أسماءَ، فهوَ أصَحُّ.

قال محمدٌ: وأحاديثُ أبي قِلابةَ إنما هي عن أبي أسماءَ إلا هذا الحديثَ، وهو عنْدِي عن أبي الأشْعَثِ، عن أبي أسماءَ.

(1)

صحيح، وهذا إسناد رجاله رجال الصحيح، لكن أبا قلابة لم يسمعه من أبي أسماء الرحبي، بينهما أبو الأشعث الصنعاني كما سيأتي عند المصنف برقم (989)، وأخرجه مسلم (2568)(39) و (40) و (41)، وهو في "المسند"(22373)، و"صحيح ابن حبان"(2957).

(2)

سيأتي تخريجه برقم (989).

ص: 461

989 -

حدَّثنا محمدُ بن وَزِيرٍ الواسِطِيُّ، قال: حدَّثنا يَزِيدُ بن هارونَ، عن عاصِمٍ الأحْوَلِ، عن أبي قِلابةَ، عن أبي الأشْعَثِ، عن أبي أسماءَ، عن ثَوْبانَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَه

(1)

(2)

.

990 -

حدَّثَنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أيُّوبَ، عن أبي قِلابةَ، عن أبي أسماءَ

عن ثَوْبانَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ خَالِدٍ. وَلمْ يَذْكرْ فِيهِ: عن أبي الأشْعَثِ

(3)

.

وَرَوى بعضُهُم هذا الحديث عن حمَّادِ بن زيدٍ، ولم يَرفَعْه.

991 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنيعٍ، قال: حدَّثنا الحُسَيْنُ بن محمدٍ، قال: حدَّثنا إسرَائيلُ، عن ثُوَيْرٍ - هو ابن أبي فاختَة -

(4)

، عن أبيه، قال:

أخَذَ عليٌّ بِيَدِي، قال: انْطَلِقْ بنا إلى الحسنِ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنا عنده أبا مُوسى، فقال عليٌّ: أعائِدًا جئْتَ يا أبا مُوسَى، أم زائرًا؟ فقال: لا، بل عائِدًا. فقال عليٌّ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ما مِنْ مسلمٍ يَعُودُ مسْلِمًا غُدْوةً، إلا صَلَّى عليهِ سبعونَ ألفَ مَلَكٍ حَتَّى يمْسيَ، وإن عادَهُ عَشِيّةً، إلَّا صَلَّى عليهِ سَبْعونَ ألفَ مَلَكٍ

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (2568)(42)، وهو في "المسند"(22389).

(2)

جاء في المطبوع بعد هذا: "وزاد فيه: قيلَ ما خُرفةُ الجنة؟ قال: جَناها"، ولم يرد في أصولنا الخطية.

(3)

سلف تخريجه برقم (988).

(4)

قوله: "هو ابن أبي فاختة" أثبتناه من المطبوع، وهو ليس في شيء من أصولنا الخطية.

ص: 462

حتَّى يُصْبِحَ، وكانَ له خَرِيفٌ في الجنَّةِ"

(1)

هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ، وقد رُوِيَ عن عليًّ هذا الحديثُ من غيرِ وجهٍ، ومنهُمْ من وَقَفهُ ولم يَرفَعْهُ

(2)

.

وأبو فاختَةَ: اسمُه سعيدُ بن عِلاقَةَ.

‌3 - باب ما جاءَ في النّهْي عن التَّمَنِّي للموتِ

992 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن جَعفرٍ، قال: حدَّثنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ

عن حارثةَ بن مُضَرِّبٍ، قال: دخلتُ على خَبَّابٍ، وقد اكْتَوَى في بَطْنِهِ، فقال: ما أعْلَمُ أحدًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ من البلاءِ ما لَقِيتُ، لقد كنتُ وما أجدُ دِرْهَمًا على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَفي ناحِيَةِ بَيْتي أربعونَ ألفًا، ولولا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهانا - أو نَهَى - أن نَتَمنَّى الموتَ، لتَمَنَّيْتُ

(3)

.

(1)

صحيح موقوفًا، وقد اختلف في رفعه ووقفه، والوقف أصح.

وأخرجه مرفوعًا أبو داود (3099)، وابن ماجه (1442)، والنسائي في "الكبرى"(7494)، وهو في "المسند"(612)، و"صحيح ابن حبان"(2958).

وأخرجه موقوفًا أبو داود (3098) و (3100)، وهو في "المسند"(975).

وانظر تمام تخريج الحديث، والتعليق عليه في "المسند"(612).

وقوله: "وكان له خريف في الجنة" أي: كان للعائد بستان في الجنة، وهو في الأصل: الثمر المجتنى، أو مخروف من ثمر الجنة، فعيل بمعنى مفعول.

(2)

سلف تخريجه في الذي قبله.

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (5672)، ومسلم (2681)، وابن ماجه =

ص: 463

وفي البابِ عن أنَسٍ، وأبي هريرةَ، وجابرٍ.

حديثُ خَبَّابٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رُويَ عن أنسِ بن مَالِكٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال:"لا يَتَمنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ به، وليَقُل: اللهُمَّ أحْينِي ما كانَتِ الحياةُ خَيْرًا لي، وتَوَفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي".

993 -

حدَّثنا بذلك عليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا إسماعيلُ بن إبْراهيمَ، قال: حدثنا عبد العزيزِ بن صُهَيبٍ، عن أنسِ بن مالكٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌4 - باب ما جاءَ في التَّعوُّذِ لِلمَرِيض

994 -

حدَّثنا بِشْرُ بن هلالٍ الصَّوَّافُ البصْرِيُّ، قال: حدَّثنا عبدُ الوارثِ بنُ سَعِيد، عن عبدِ العزيزِ بن صُهَيبٍ، عن أبي نَضْرَةَ

عن أبي سعيدٍ: أنَّ جِبريلَ أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمَّدُ

= (4163)، والنسائي 4/ 4، وهو في "المسند"(21054) و (21066)، وعند بعضهم زيادة.

وقوله: "وفي ناحية بيتي أربعون ألفًا": في رواية لأحمد (21066): "وإن لي في ناحية بيتي هذا أربعين ألفًا".

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (5671)، ومسلم (2680)، وأبو داود (3108) و (3109)، وابن ماجه (4265)، والنسائي 4/ 3 و 3 - 4، وهو في "المسند"(11979)، و"صحيح ابن حبان"(968) و (2966).

ص: 464

اشتكيتَ؟ قال: "نَعَمْ". قال: بِسْمِ الله أرْقِيكَ من كُلَّ شيءٍ يُؤذِيكَ، من شرِّ كلِّ نفسٍ وعينٍ حاسِدَةٍ، بِسْمِ الله أرقِيكَ، واللهُ يَشْفِيكَ

(1)

.

995 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا عبدُ الوارثِ بن سعيدٍ، عن عبد العزيزِ بن صُهَيْبٍ، قال:

دخَلتُ أنا وثَابِتٌ البناني على أنَسِ بن مالكٍ، فقال ثابتٌ يا أبا حمزةَ اشتكَيتُ. فقال أنسٌ: أفَلا أرْقِيكَ بِرُقْيةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى. قال: اللَّهُمَّ رَبَّ الناسِ، مُذْهِبَ البَأسِ، اشْفِ أنت الشَّافي، لا شافيَ إلَّا أنتَ، شِفاءً لا يُغادرُ سَقَمًا

(2)

.

وفي البابِ عن أنسٍ، وعائشةَ.

حديثُ أبي سعيدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وسألتُ أبا زُرْعةَ عن هذا الحديث، فقلتُ لهُ: رِواية عبدِ العزيزِ، عن أبي نَضْرَةَ، عن أبي سعيدٍ أصحُّ، أو حديثُ عبد العزيزِ عنْ أنسٍ؟ قال: كِلاهُما صحيحٌ، أخبرنا بذلك عبد الصَّمَدِ بن عبد الوارثِ، عن أبيه، عن عبد العزيزِ بن صُهَيبٍ، عن أبي نَضْرةَ، عن أبي سعيدٍ، وعن عبدِ العزيزِ بن صُهَيبٍ، عن أنسٍ.

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (2186)، وابن ماجه (3523)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(1005)، وهو في "المسند"(11225)، و"شرح مشكل الآثار"(2904).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (5742)، وأبو داود (3890)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(1022)، وهو في "المسند"(12532).

ص: 465

‌5 - باب ما جاءَ في الحَثِّ على الوَصِيَّةِ

996 -

حدَّثنا إسحاقُ بن منصورٍ، قال: حدثنا عبدُ الله بن نُمَيرِ، قال: حدَّثنا عُبَيْدُ الله بن عمرَ، عن نافعٍ

عن ابن عمرَ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ما حَقُّ امرئٍ مسلمٍ يبيتُ ليلتَيْنِ وله شيءٌ يُوصِي فيهِ، إلَّا وَوَصيَّتُهُ مكتوبةٌ عندَهُ"

(1)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627)، وأبو داود (2862)، وابن ماجه (2699)، والنسائي 6/ 238 - 239 و 239، وهو في "المسند"(4469) و (4578)، و"صحيح ابن حبان"(6024) و (6025).

قال الإمام البغوي في "شرح السنة" 5/ 278: قوله: "ما حق امرئٍ" معناه: ما حقُّهُ من جِهَةِ الحَزْمِ والاحتياط إلا ووصيّتُه مكتوبة عنده، لأنه لا يدري متى يُدركه الموتُ، فربّما يأتيه بغتة، فيمنعه عن الوصية.

وفيه دليلٌ على أنَّ الوصيةَ مستحبة غيرُ واجبةٍ، لأنه فوَّض إلى إرادته، فقال:"له شيءٌ يوصي فيه" يعني: يُريد أن يوصيَ فيه، وهو قول عامة أهل العلم.

وذهب بعض التابعين إلى إيجابها ممن لم يجعل الآية مَنسوخةً في حقّ الكافّهِ، ثم الاستحبابُ في حقِّ من له مالٌ دونَ من ليس له فضلٌ، وهذا في الوصيّة المتبرع بها من صدقةٍ وبرٍّ وصلةٍ، فأما أداءُ الديون والمظالم التي يلزمه الخروج منها، ورَدُّ الأماناتِ، فواجب عليه أن يوصيَ بها، وأن يتقدَّم إلى أوليائه فيها، لأنَّ أداءَ الحقوقِ والأماناتِ فرضٌ واجبٌ عليه.

قلنا: ظاهر قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ

} العموم في كل والد ووالدة وكل قريب، والمراد بها في الحكم البعض منهم لا الجميع وهو من لا يرث منهم دون من يرث لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث" فالآية محكمة لم ينسخ منها شيء.

ص: 466

وفي البابِ عن ابنِ أبي أوْفَى.

حديثُ ابن عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌6 - باب ما جاءَ في الوَصِيةِ بالثُّلُثِ والرُّبُعِ

997 -

حدَّثنا قُتيبَةُ، قال: حدَّثنا جَريرٌ، عن عطاءِ بن السَّائِبِ، عن أبي عبد الرحمنِ السُّلَميِّ

عن سعدِ بن مالك، قال: عادَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضٌ، فقال:"أوْصَيْتَ؟ " قلتُ: نعم. قال: "بِكَمْ؟ " قُلتُ: بِمَالِي كُلِّهِ في سبيلِ الله، قال:"فما تَرَكتَ لِوَلَدِكَ؟ " قال: هُمْ أغنياءُ بخيرٍ. قال: "أوْصِ بالعُشْرِ"، قال: فما زِلتُ أُناقِصُهُ حَتَّى قال: "أوصِ بالثُّلثِ والثُّلُثُ كبير

(1)

".

قال أبو عبدِ الرَّحْمنِ: فنحن نَسْتَحِبُّ أن نَنْقُصَ من الثُّلثِ، لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:"والثُّلثُ كبير"

(2)

.

وفي البابِ عن ابن عبّاسٍ.

حديثُ سعدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رُويَ من غيرِ وجه، وقد رُويَ عنه:"كبير"، ويروى:

(1)

المثبت من (أ) و (د)، وفي (ب) و (س):"كثير".

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1295) و (2742)، ومسلم (1628)، وأبو داود (2864)، وابن ماجه (2708)، والنسائي 6/ 241 - 242 و 242 و 243 و 244، وهو في "المسند"(1440) و (1482)، و"صحيح ابن حبان"(4249) و (6026).

ص: 467

"كثير".

والعملُ على هذا عند أهلِ العِلمِ، لا يَرَوْنَ أن يُوصِيَ الرَّجُلُ بأكثَرَ من الثُّلُثِ، ويَسْتَحِبُونَ أن يَنْقُصَ من الثُّلُثِ.

وقال سُفيانُ الثَّوريُّ: كانوا يَستَحِبُّونَ في الوصيَّةِ الخُمسَ دونَ الرُّبُعِ، والرُّبُعَ دُونَ الثُّلثِ، ومَنْ أوصى بالثُّلُثِ، فلم يَتْرك شيئًا، ولا يجوزُ له إلَّا الثُّلُثُ.

‌7 - باب ما جاءَ في تَلقينِ المَريضِ عند الموتِ، والدُّعاءِ له

(1)

998 -

حدَّثنا أبو سَلمةَ يحيى بنُ خَلَفٍ البصري، قال: حدَّثنا بِشْرُ بن المُفَضَّلِ، عن عُمَارَةَ بن غَزِيَّةَ، عن يحيى بن عُمارةَ

عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لَقِّنُوا مَوتاكُمْ: لا إله إلَّا اللهُ"

(2)

.

وفي الباب عن أبي هريرةَ، وأمِّ سَلمةَ، وعائشةَ، وجابرٍ، وسُعْدَى المُرِّيَّةِ، وهي امرَأةُ طَلحَةَ بن عُبيدِ الله.

حديثُ أبي سعيدٍ حديثٌ غريبٌ حسنٌ صحيحٌ.

999 -

حدَّثنا هنَّادٌ، قال: حدَّثنا أبو مُعَاويةَ، عن الأعْمشِ، عن شَقِيقٍ

(1)

في نسخة على هامش (ب): "عنده" بدل "له".

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (916)، وأبو داود (3117)، وابن ماجه (1445)، والنسائي 4/ 5، وهو في "المسند"(10993)، و"صحيح ابن حبان"(3003).

ص: 468

عن أُم سَلمةَ، قالت: قال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حَضَرْتُمُ المريضَ أو المَيِّتَ، فَقُولُوا خَيرًا، فَإنَّ المَلائِكَةَ يؤَمِّنُون على ما تقُولُون". قالت: ولما ماتَ أبو سَلمَةَ، أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقلتُ: يا رَسولَ الله إنَّ أبا سَلمَةَ ماتَ. قال: "فَقولِي: اللهمَّ اغفر لي ولهُ، وأعْقِبْني منهُ عُقْبَى حَسنةً". قالت: فَقُلتُ، فأعْقَبَني الله منهُ من هو خيرٌ منهُ: رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وشَقِيقٌ: هو ابنُ سَلمةَ، أبو وائلٍ الأسديُّ.

حديثُ أُمَّ سَلمَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد كانَ يُسْتَحَبُّ أن يُلقَّنَ المريضُ عندَ الموتِ: لا إله إلَّا الله.

وقال بعضُ أهلِ العِلمِ: إذا قال ذلك مَرّةً، ولم

(2)

يَتكَلَّمْ بعد ذلكَ، فلا يَنْبَغِي أن يُلقَّنَ، ولا يُكْثَرَ عليهِ في هذا.

وَرُويَ عن ابن المُباركِ أنَّهُ لمَّا حَضَرَته الوفَاةُ جَعَلَ رَجُلٌ يُلقَّنُهُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَأكثَر عليهِ، فقال لهُ عبدُ الله: إذا قُلْتُ مرةً فأنا على ذلك ما لم أتكَلَّم بِكَلام. وإنما مَعْنَى قولِ عبدِ الله، إنما أرادَ ما رُوِيَ عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "من كانَ آخر قولِهِ: لا إله إلَّا الله، دَخَلَ

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (919)، وأبو داود (3115)، وابن ماجه (1447)، والنسائي 4/ 4 - 5، وهو في "المسند"(26497)، و"صحيح ابن حبان"(3005).

(2)

المثبت من نسخة على هامش (ب)، وفي (أ):"فما لا"، وفي (ب):"مما لا"، وفي (د) ونسخة على هامش (أ):"مما لم"، وفي (س):"فما لم".

ص: 469

الجَنةَ"

(1)

.

‌8 - باب ما جاءَ في التَّشْدِيدِ عندَ الموتِ

1000 -

حدَّثنا قُتَيْبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيثُ، عن ابن الهادِ، عن موسى بن سَرجِسَ، عن القاسم بن محمد

عن عائشةَ، أنها قالت: رَأَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُو بالموتِ وعِنْدَهُ قَدَحٌ فيه ماءٌ، وهو يدخلُ يدَهُ في القَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجهَهُ بالماءِ، ثُمَّ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ أعِنِّي على غَمَراتِ الموتِ وسَكَراتِ الموتِ"

(2)

.

هذا حديثٌ غريبٌ.

(1)

صحيح، وأخرجه أحمد في "مسنده" من حديث معاذ بن جبل (22034). وهو من حديث أبي هريرة عند ابن حبان (3004). وانظر تمام تخريجهما والكلام عليهما وشواهده فيهما.

(2)

إسناده ضعيف لجهالة حال موسى بن سرجس، فإنه لم يرو عنه سوى يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، ولم يؤثر توثيقه عن أحد.

وأخرجه ابن ماجه (1623)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(1093)، وهو في "المسند"(24356).

وقد صح من طريق عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن أبي عمرو ذكوان مولى عائشة، عن عائشة عند البخاري (4449) مطولًا في ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:"وبين يديه ركوة - أو علبة، يشك عمر - فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه يقول: "لا إله إلا الله، إن للموتِ لسَكَرات".

وغمرات الموت: شدائده، قال ابن الأنباري: سميت غمرات، لأن أهوال الموت يغمرن من يقعن به.

ص: 470

1001 -

حدَّثنا الحسنُ بن الصَّبَّاحِ البزَّارُ، قال: حدَّثنا مُبَشِّرُ بن إسماعيلَ الحَلَبيُّ، عن عبد الرحمنِ بن العلاءِ، عن أبيه، عن ابن عُمَرَ

عن عائشة، قالت: ما أغْبِطُ أحدًا بِهَوْنِ مَوتٍ بعد الذي رَأيْتُ من شِدَّةِ مَوتِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وسألتُ أبا زُرْعَةَ عن هذا الحديثِ، قُلْتُ لَهُ: مَن عبدُ الرحمنِ بن العلاءِ؟ قال: هو ابن العَلاءِ بن اللَّجْلاجِ، وإنما أعرفه من هذا الوَجْهِ

(2)

.

‌9 - بابٌ

1002 -

حدَّثنا زيادُ بن أيُّوبَ، قال: حدَّثنا مُبشِّرُ بن إسماعيلَ

(1)

حديث صحيح وهذا إسناد ضعيف لجهالة عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج.

وأخرجه البخاري في "صحيحه"(4446)، والنسائي 4/ 6 - 7 من طريق يزيد بن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: مات النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لَبَيْنَ حاقِنَتي وذَاقِنتي (الحاقنة: النقرة بين الترقوة وحبل العاتق، والذاقنة: طرف الحلقوم) فلا أكره شدة الموت لأحدٍ أبدًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وهو في "المسند"(24354).

(2)

جاء بعد هذا في المطبوع الحديث الآتي: حدثنا أحمد بن الحسن، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا حسام بن المِصَك، قال: حدثنا أبو معشر، عن إبراهيمَ، عن علقمة، قال: سمعتُ عبدَ الله يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ نَفسَ المؤمنِ تخرجُ رَشحًا، ولا أُحب موتًا كموت الحمار"، قيل: وما موتُ الحمار؟ قال: "موت الفجأة". وهذا الحديث ليس في شيء من أصولنا الخطية، ولم يذكره المزي في "تحفة الأشراف".

ص: 471

الحَلَبيُّ، عن تَمَّامِ بن نجيحٍ، عن الحسنِ

عن أنسِ بن مالك، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ حَافِظين رَفَعا إلى الله ما حفظا من ليلٍ أو نهارٍ، فَيَجدُ اللهُ في أوَّلِ الصَّحيفةِ وفي آخر الصَّحيفة خيرًا، إلَّا قال الله تعالى: أُشْهِدُكُمْ أنِّي قد غَفَرتُ لعَبدِي ما بين طَرَفَي الصَّحِيفَةِ"

(1)

(2)

.

‌10 - باب ما جَاءَ أنَّ المُؤمِنَ يمُوتُ بعَرقِ الجبينِ

1003 -

حدَّثنا محمدُ بن بشارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن المُثنَّى بن سعيدِ، عن قتادةَ، عن عبدِ الله بن بُرَيدَةَ

عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"المُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الجبين"

(3)

.

وفي البابِ عن ابن مَسعُودٍ.

هذا حديثٌ حسنٌ، وقد قال بعضُ أهلِ الحديث: لا نَعْرِفُ

(1)

إسناده ضعيف لضعف تمام بن نجيح، وأخرجه البزار (3252 - كشف الأستار)، وأبو يعلى (2775)، وابن عدي في "الكامل" 2/ 514، والبيهقي في "الشعب"(7053)، وابن الجوزي في "العلل" 1/ 45 من طريق تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أنس .. فذكره.

(2)

هذا الحديث أثبتناه من هامش (أ)، وهو في "تحفة الأشراف" 1/ 166، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.

(3)

صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1452)، والنسائي 4/ 5 - 6، وهو في "المسند"(22964)، و"صحيح ابن حبان"(3011).

ص: 472

لِقتادةَ سَماعًا من عبدِ الله بنِ بُرَيْدةَ

(1)

‌11 - باب

1004 -

حدَّثنا عبدُ الله بنُ أبي زيادٍ الكوفيُّ وهارونُ بن عبدِ الله البَزَّازُ البَغْدادِيُّ، قالا: حدَّثنا سَيَّارُ بنُ حاتِمٍ، قال: حدَّثنا جعفرُ بن سُلَيمَانَ، عن ثابتٍ

عن أنسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على شابٍّ، وهو في الموتِ، فقال:"كيفَ تجدُكَ؟ " قال: أَرجو اللهَ يا رَسولَ الله، وإني أخافُ ذُنُوبي. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا يَجْتَمِعَانِ في قلبِ عبدٍ في مِثْلِ هذا المَوْطِنِ، إلَّا أعطاهُ الله ما يَرْجُو، وَآمَنهُ ممَّا يخاف"

(2)

.

هذا حديثٌ غريبٌ، وقد رَوَى بَعْضُهُم هذا الحَدِيثَ عن ثابِتٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.

(1)

هذا قول البخاري في "تاريخه الكبير" 4/ 12، لكن قتادة قد توبع كما عند النسائي.

(2)

سيار بن حاتم ضعيف يُعتبر به، وقد تابعه عليه يحيى بن عبد الحميد - وهو مثله - عند عبد بن حميد في "مسنده"(1370)، وقد رواه أبو حاتم في "العلل" 2/ 104 - 105 عن عبد السلام بن مطهر - وهو ثقة -، عن جعفر، عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، ولم يذكر أنسًا، وقال: وهو أشبه.

وأخرجه مرسلًا البغوي في "شرح السنة"(1456) من طريق أحمد بن سيار، عن عبد السلام بن مطهر، به.

وأخرجه موصولًا ابن ماجه (4261)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(1062).

ص: 473

‌12 - باب ما جاءَ في كَرَاهِيةِ النَّعي

1005 -

حدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا عبدُ القُدُّوس بن بَكْر بن خُنَيْسٍ، قال: أخبرنا حَبِيبُ بن سُلَيمٍ العَبْسِيُّ، عن بِلالِ بن يَحْيَى العَبْسيِّ

عن حُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ، قال: إذا مِتُّ، فَلا تُؤذِنُوا بي أحدًا، فإني أخافُ أن يكُونَ نَعيًا، فإني سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النَّعْيِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ.

1006 -

حدَّثنا محمدُ بن حُميدِ الرَّازِيُّ، قال: حدَّثنا حكّامُ بن سَلمٍ وهارُونُ بن المُغِيرَةِ، عن عَنْبَسَة، عن أبي حَمزَةَ، عن إبراهيمَ، عن عَلقَمَةَ

عن عبدِ الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إيَّاكُم والنَّعْيَ، فإنَّ النَّعْيَ من عَمَلِ الجاهِليَّةِ"

(2)

.

قال أبو عبدُ الله

(3)

: والنَّعيُ: أذَانٌ بِالمَيِّتِ.

(1)

إسناده ضعيف، فإن بلال بن يحيى العبسي لم يسمع من حذيفة فيما قاله ابن معين، وقال ابن أبي حاتم: وجدته يقول: بلغني عن حذيفة. وقال أبو الحسن القطان: روى عن حذيفة أحاديث معنعنة ليس في شيء منها ذكر سماع. وحبيب بن سليم لم يوثقه غير ابن حبان، وقال في "التقريب": مقبول، أي: حيث يتابع.

وأخرجه ابن ماجه (1476)، وهو في "المسند"(23270).

(2)

إسناده ضعيف لضعف محمد بن حميد الرازي وأبي حمزة ميمون الأعور، وانظر ما بعده.

(3)

أبو عبد الله كنية شيخ الترمذي محمد بن حميد الرازي، وجاء في المطبوع:"عبد الله" وهو خطأ.

ص: 474

وفي البابِ عن حُذَيفَةَ.

1007 -

حدَّثنا سعيدُ بن عبدِ الرَّحمنِ المَخْزُومِيُّ، قال: حدَّثنا عبد الله بن الوَليدِ العَدَنِيُّ، عن سفيانَ الثّوريِّ، عن أبي حَمزَةَ، عن إبراهيمَ، عن عَلقَمَةَ، عن عبدِ الله، نَحْوهُ. ولم يَرْفَعْهُ، ولم يَذْكُر فيه: والنَّعْيُ أذانٌ بالميِّتِ

(1)

.

وهذا أصَحُّ من حديثِ عَنْبَسَة، عن أبي حَمْزَةَ.

وأبو حَمْزَةَ: هو ميمونٌ الأعوَرُ، وليس هو بالقويِّ عند أهل الحديثِ.

حديثُ عبدِ الله حديثٌ غريبٌ.

وقد كَرِهَ بعضُ أهلِ العِلمِ النَّعْيَ، والنَّعْيُ عِنْدَهُمْ: أن يُنادَى في الناسِ: بأنَّ فُلانًا مَاتَ، لِيَشْهَدُوا جَنازَتَهُ.

وقال بعضُ أهلِ العِلمِ: لا بَأسَ بأن يُعْلِمَ الرجلُ قَرَابتَهُ

(1)

إسناده ضعيف لضعف أبي حمزة - وهو ميمون الأعور، وانظر ما قبله.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" 10/ (9978)، والدارقطني في "العلل" 5/ 165، ورجحه على المرفوع.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نعى النجاشي إلى أصحابه كما في حديث أبي هريرة عند البخاري (1245) وغيره.

قال الحافظ في "الفتح" 3/ 116 - 117: إن النعيَ ليسَ ممنوعًا كله، وإنما نهي عما كان أهلُ الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق.

وقال أبو بكر بن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح، فهذا سنة. الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة، فهذه تكره. الثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك، فهذا يحرم.

ص: 475

وإخْوَانهُ، ورُويَ عن إبراهيمَ أنَّهُ قال: لا بأسَ بأن يُعْلِمَ الرَّجُلُ قَرابَتَهُ.

‌13 - باب ما جاءَ أن الصَّبْرَ في الصَّدْمَةِ الأُولى

1008 -

حدَّثنا قُتَيبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيثُ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن سعدِ بن سنانٍ

عن أنسٍ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"الصَّبْرُ في الصَّدْمَةِ الأُولى"

(1)

هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.

1009 -

حدَّثنا محمدُ بن بشَّار، قال: حدَّثنا محمدُ بن جعفرٍ، عن شعبةَ، عن ثابتٍ البُنانِيِّ

عن أنسِ بن مالكٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمةِ الأُولى"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌14 - باب ما جاءَ في تَقْبِيلِ المَيِّتِ

1010 -

حدَّثنا محمدُ بن بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بن مهديٍّ،

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1252) و (1283)، ومسلم (926)، وأبو داود (3124)، وابن ماجه (1596)، والنسائي 4/ 22، وهو في "المسند"(12317). وانظر ما بعده.

(2)

صحيح، وانظر تخريجه في الذي قبله.

ص: 476

قال: حدَّثنا سفيانُ، عن عاصمِ بن عُبَيْدِ الله، عن القاسمِ بن محمدٍ

عن عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ عثمانَ بن مَظْعُونٍ وهو مَيِّتٌ وهو يَبْكي، أو قال: عيناهُ تُهراقان

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ، وجَابِرٍ، وعَائِشَةَ قالُوا: إنَّ أبا بكْرٍ قَبَّلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو مَيِّتٌ

(2)

.

حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌15 - باب مَا جَاءَ في غسْلِ المَيِّتِ

1011 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا هُشَيمٌ، قال: أخبرنا خالدٌ ومنصورٌ وهشامٌ. فأمَّا خالدٌ وهشامٌ، فقالا: عن محمدٍ وحَفْصَةَ. وقال منصورٌ: عن محمدٍ

عن أُمِّ عَطِيَّةَ، قالت: تُوفِّيَتْ إحْدَى بناتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"اغْسلنَها وِتْرًا: ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك إن رَأيْتُنَّ، واغْسِلنَهَا بماءٍ وَسِدرٍ، واجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كافُورًا - أو شيئًا من كافورٍ -، فإذا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّني". فلما فَرَغْنا، آذنَّاهُ، فَألقَى إلينا

(1)

إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله، وهو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد اضطرب فيه.

وأخرجه أبو داود (3163)، وابن ماجه (1456)، وهو في "المسند"(24165).

(2)

صحيح، وأخرج حديث ابن عباس وعائشة مقرونين أحمد في "مسنده"(2026) و (24278)، والبخاري (4455) و (5709)، وابن حبان (3029).

ص: 477

حَقْوَهُ، فقالَ:"أشْعِرْنَهَا بهِ"

(1)

.

قال هُشَيْمٌ: وفي حديث غَيْرِ هؤُلاءِ ولا أدري ولَعَلَّ هشامًا منهم، قالت: وضَفَرْنا شَعْرَها ثلاثةَ قُرُونٍ. قال هشيمٌ: أظُنَّهُ قال: فألقَيناهُ خلفَها.

قال هشيمٌ: فحدَّثنا خالدٌ من بينِ القومِ عن حَفْصَةَ ومحمدٍ، عن أُمَّ عَطِيَّةَ، قالت: وقال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وابْدَأنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِع الوضوءِ"

(2)

.

وفي الباب عن أُمِّ سُلَيْمٍ.

حديثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1253) و (1254) و (1263)، ومسلم (939)، وأبو داود (3142 - 3146)، وابن ماجه (1458) و (1459)، والنسائي 4/ 28 - 29 و 30 و 31 و 32 و 32 - 33، وهو في "المسند"(20790) و (27297)، و"صحيح ابن حبان"(3032) و (3033).

وقوله: "فألقى إلينا حقوه" قال في "النهاية": إزاره، والأصل في "الحقو": مَعْقِدُ الإزار، وجمعه أحقٍ وأحقاء، ثم سُمي به الإزار للمجاورة.

(2)

أخرجه مسلم (939)(42) عن يحيى بن يحيى، عن هشيم، عن خالد - وهو ابن مهران الحذاء -، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية.

وهو عند أحمد (27302) والبخاري (1255) من طريق إسماعيل بن علية، عن خالد الحذاء.

وهو عند البخاري (167) ومسلم (939).

ص: 478

والعملُ على هذا عند أهلِ العِلمِ.

وقد رُويَ عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ أنَّهُ قال: غُسْلُ المَيِّت كالغُسْلِ من الجنابَةِ.

وقال مالكُ بن أنسٍ: ليس لغُسلِ المَيِّتِ عندنا حَدٌّ مُؤَقَتٌ، وليس لذلكَ صِفَةٌ معلومةٌ، ولكن يُطَهَّرُ.

وقال الشَّافعيُّ: إنَّما قال مالكٌ قولًا مُجْمَلًا، يُغْسَلُ ويُنْقَى. وإذا أُنْقِيَ المَيِّتُ بماءٍ قَرَاحٍ

(1)

أو ماءٍ غَيْرِهِ، أجْزَأَ ذلك من غُسْلهِ، ولكن أحَبُّ إليَّ أن يُغْسَلَ ثلاثًا فصاعدًا، لا ينقص عن ثلاثٍ لما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اغْسِلنَها ثَلاثًا، أو خَمسًا"، وإن أنقوا في أقَلَّ من ثلاثِ مَرَّاتٍ، أجْزَأَ، أَوَلا ترى أنَّ قَولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّما هو على معنى الإنْقاءِ: ثلاثًا أو خمسًا ولم يُؤَقِّت؟

وكذلكَ قال الفقهاءُ، وهُم أعْلَمُ بمعاني الحديثِ.

وقال أحمدُ، وإسحاقُ: وتكونُ الغَسَلاتُ بماءٍ وسِدْرٍ، ويكونُ في الآخِرَةِ شيءٌ من كافُورٍ.

‌16 - باب ما جاءَ في المِسْكِ للمَيِّتِ

1012 -

حدَّثنا سفيانُ بن وكيعٍ، قال: حدَّثنا أبي، عن شُعْبةَ، عن

(1)

الماء القراح: هو الماء الذي لم يُخالطه شيءٌ يُطيَّبُ به كالعسل والتمر والزبيب.

وقوله: "أو ماءٍ غيره" كذا وقع في الأصول، وفي "الأم" 2/ 588: بماءٍ عِدٍّ. قال صاحب "المصباح" العِدُّ بكسر العين: الماء الذي لا انقطاع له مثل ماء العين وماء البئر.

ص: 479

خُلَيدِ بنِ جعفرٍ، عن أبي نَضْرَةَ

عن أبي سعيدٍ الخدري، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن المِسكِ، فقال:"هُو أطْيَبُ طِيبِكُمْ"

(1)

.

1013 -

حدَّثنا محمودُ بن غيْلانَ، قال: حدَّثنا أبو داودَ وشَبابةُ، قالا: حدَّثنا شُعبةُ، عن خُليد بن جعفرٍ، نحوه

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عندَ بعض أهلِ العلمِ، وهو قولُ أحمدَ، وإسحاقَ.

وقد كَرِهَ بعضُ أهلِ العِلمِ المسكَ للمَيِّتِ.

وقد رواهُ المُسْتَمِرُّ بن الرَّيَّانِ

(3)

أيضًا عن أبي نَضْرَةَ، عن أبي سعيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قال عليٌّ: قال يحيى بنُ سعيدٍ: المُسْتَمِرُّ بن الرَّيَّان ثقةٌ،

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (2252)، وأبو داود (3158)، والنسائي 4/ 39 - 40 و 40، وهو في "المسند"(11269)، و"صحيح ابن حبان"(1378)، وانظر ما بعده.

(2)

صحيح، وقد سلف تخريجه في الذي قبله.

تنبيه: وقع في المطبوع بدل كلمة "نحوه": سمع أبا نضرة يحدِّث، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطيب الطيب المِسكُ". ولم يرد هذا في أصولنا الخطية.

(3)

روايته عند مسلم (2252)(19)، وأبي داود (3158)، والنسائي 4/ 40.

ص: 480

وخُلَيْدُ بن جعفرٍ ثقةٌ.

‌17 - باب ما جاءَ في الغُسْلِ من غُسْلِ المَيِّتِ

1014 -

حدَّثنا محمدُ بن عبد الملكِ بن أبي الشوارِبِ، قال: حدَّثنا عبد العزيزِ بنُ المُخْتارِ، عن سُهَيلِ بن أبي صالحٍ، عن أبيهِ

عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مِن غُسلِهِ الغُسْلُ، ومن حَمْلِهِ الوُضُوءُ" يَعْنِي الميِّتَ

(1)

.

(1)

رجاله ثقات رجال الصحيح، لكن قد اختلف في رفعه ووقفه، وانظر في ذلك "مسند أحمد"(7689).

وأخرجه أبو داود (3161) و (3162)، وابن ماجه (1463)، وهو في "المسند"(7689)، و"صحيح ابن حبان"(1161).

قال البغوي في "شرح السنة" 2/ 169: واختلف أهل العلم في الغسل من غسل الميت، فذهب بعضهم إلى وجوبه، وذهب أكثرهم إلى أنه غير واجب، قال ابن عمر وابن عباس: ليس على غاسل الميت غسلٌ.

ورُوِي عن عبد الله بن أبي بكر، عن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر: أنها غسلت أبا بكر حين تُوفي، فسألت مَن حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة، وهذا يوم شديد البرد، فهل عليَّ من غسل؟ فقالوا: لا. (وهو في "الموطأ" 1/ 223، وسنده منقطع).

وقال مالك والشافعي: يستحب له الغسل، ولا يجب.

قلنا: ويؤيد قول من حمل الأمر في الحديث على الاستحباب ما رواه الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله المخرمي من "تاريخه" 5/ 424 من طريق عبد الله بن الإمام أحمد، قال: قال لي أبي: كتبتَ حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل؟ قال: قلت: لا. قال في ذلك الجانب شابٌّ يقال له: محمد بن عبد الله يحدث به، عن أبي هشام المخزومي، عن وهيب، فاكتب عنه. وإسناده صحيح كما قال الحافظ في =

ص: 481

وفي البابِ عن عليٍّ، وعائشةَ.

حديث أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ، وقد رُوِيَ عن أبي هريرةَ موقوفًا

(1)

.

وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في الذي يُغَسِّلُ المَيِّتَ؛ فقال بعض أهلِ العِلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم: إذا غَسَّلَ مَيِّتًا، فعليهِ الغُسْلُ.

وقال بعضُهُم: عليه الوُضُوءُ.

وقال مالكُ بنُ أنسٍ: أسْتَحِبُّ الغُسْلَ من غُسْلِ المَيِّتِ، ولا أرى ذلكَ واجبًا، وهكذا قال الشَّافعيُّ، وقال أحمدُ: من غَسَّلَ مَيِّتًا أرْجُو أن لا يَجِبَ عليهِ الغُسْلُ، وأمَّا الوُضُوءُ، فأقلُّ ما قِيلَ فيهِ، وقال إسحاق: لا بُدَّ من الوُضُوءِ.

وقد رُويَ عن عبدِ الله بن المُبَارَكِ أنَّه قال: لا يَغْتسِلُ، ولا يَتوَضَّأُ من غَسّلَ المَيِّتَ.

= "التخليص" 1/ 138.

وأخرج الحاكم 1/ 386، والبيهقي 3/ 398 من حديث ابن عباس:"ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم" وسنده جيد، وهو عند الحاكم مرفوع وصححه، وعند البيهقي موقوف، ورواية الموقوف أصح.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 269 و 369، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 396 - 397 و 397، والبيهقي 1/ 302 و 303.

ص: 482

‌18 - باب ما جاء ما يُسْتَحَبُّ من الأكْفانِ

1015 -

حدَّثنا قُتَيْبةُ، قال: حدَّثنا بِشْرُ بن المُفَضَّلِ، عن عبد اللهِ بن عُثمانَ بن خُثَيْمٍ، عن سعيدِ بن جُبَيْرٍ

عن ابن عبَّاسٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "البَسُوا من ثِيابِكُمُ البَياضَ، فإنها من خَيْرِ ثِيابِكُمْ، وكفِّنُوا فيها موتاكُم"

(1)

.

وفي البابِ عن سَمُرة، وابنِ عمرَ، وعَائِشةَ.

حديثُ ابنِ عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وهو الذي يَسْتَحِبُّهُ أهلُ العِلمِ.

وقال ابنُ المُبَارَكِ: أحَبُّ إليَّ أن يُكَفَّنَ في ثيابهِ التي كان يُصَلّي فيها.

وقال أحمدُ وإسحاق: أحَبُّ الثِّيابِ إلينا أن يُكَفَّنَ فيها البياضُ، ويُسْتَحَبُّ حُسْنُ الكَفَنِ.

‌19 - باب

1016 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا عمرُ بن يونسَ، قال: حدَّثنا عكْرِمة بن عَمَّارٍ، عن هشامِ بن حسَّانٍ، عن محمدِ بن سِيرينَ

عن أبي قتادة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وَليَ أحدُكُمْ

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود (3878) و (4061)، وابن ماجه (1472) و (3566)، وهو في "المسند"(2219)، و "صحيح ابن حبان"(5423)، وعند بعضهم زيادة.

ص: 483

أخَاهُ، فَلْيُحْسِن كفَنَهُ"

(1)

.

وفيه عن جابرٍ.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وقال ابنُ المُبَارَكِ: قال سَلَّامُ بنُ أبي مُطِيعٍ في قَولِهِ: "وَلْيُحْسِنْ أحَدُكُم كَفَنَ أخِيهِ" قال: هُو الصَّفَاءُ ولَيْسَ بالمُرْتَفعِ.

‌20 - باب ما جاءَ في كم كُفِّنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

-

1017 -

حدَّثنا قُتيبةُ، قال: حدَّثنا حفصُ بن غِياثٍ، عن هشامِ بن عرْوَةَ، عن أبيه

عن عائشةَ، قالت: كُفِّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ثلاثةِ أثْوابٍ بيضٍ يَمانِيةٍ، ليس فيها قَمِيصٌ، ولا عِمامةٌ.

قال: فذَكَرُوا لعائشة قولَهُم: في ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ، فقالتْ: قد أُتِيَ بالبُردِ، ولكِنَّهُمْ رَدُّوهُ، ولم يُكَفَّنُوهُ فيه

(2)

.

هذا حديث حسن صحيح.

(1)

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن إن صح سماع محمد بن سيرين من أبي قتادة، وأخرجه ابن ماجه (1474).

ويشهد له حديث جابر عند مسلم (943)، وهو في "المسند"(14145). وانظر تمام تخريجه فيه.

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1264)، ومسلم (941)، وأبو داود (3151) و (3152)، وابن ماجه (1469)، والنسائي 4/ 35 و 35 - 36، وهو في "المسند"(24122)، و"صحيح ابن حبان"(3037).

ص: 484

1018 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمَرَ، قال: حدَّثنا بِشْرُ بن السَّرِيِّ، عن زائِدَةَ، عن عبد الله بن محمدِ بن عَقِيلٍ

عن جابرٍ بن عبد الله: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَفَّنَ حَمْزَةَ بن عبدِ المُطَّلِبِ في نمِرةٍ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ

(1)

.

وفي البابِ عن عليٍّ، وابن عباسٍ، وعبدِ الله بن مُغَفَّل، وابن عمرَ.

حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد رُوِيَ في كَفَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رِواياتٌ مُخْتَلِفةٌ، وحديثُ عائشةَ أصَحُّ الروايات

(2)

التي رُويَتْ في كَفَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

والعملُ على حَديثِ عَائِشَةَ

(3)

عِند أكثرِ أهلِ العِلمِ من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ. وقال سُفْيانُ الثَّوريُّ: يُكفَّنُ الرَّجُلُ في ثلاثة أثوابٍ، إن شِئْتَ في قَمِيصٍ ولَفَافتَيْنِ، وإن شِئْتَ في ثلاثِ

(1)

إسناده حسن، عبد الله بن محمد بن عقيل يعتبر به في المتابعات والشواهد، فيحسن حديثه، وهذا منها.

وهو في "المسند"(14521).

ويشهد له حديث أنس، أخرجه أحمد في "مسنده"(12300)، وانظر تتمة تخريجه فيه.

والنَّمِرَةُ: شملة فيها خطوط بيضٌ وسُودٌ، أو بُرْدة من صوف تلبسُها الأعراب. كذا في "القاموس".

(2)

المثبت من (أ) و (د) و (س) ونسخة على هامش (ب)، وفي (ب) وحدها: الأحاديث.

(3)

في (ب) و (س): "والعمل على هذا عند ..... ".

ص: 485

لَفَائِفَ، ويُجزِيءُ ثَوْبٌ واحدٌ إن لم يَجِدُوا ثَوْبَيْنِ، والثَّوْبَانِ يُجزِئانِ، والثَّلاثَةُ لِمَن وجدوا أحَبُّ إلَيْهِمْ، وهو قَولُ الشَّافِعِيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، وقالوا: تُكَفَّنُ المَرأةُ في خَمْسَة أثْوَابٍ.

‌21 - باب ما جاءَ في الطَّعامِ يُصْنَعُ لأهْلِ المَيِّتِ

1019 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ وعليُّ بن حُجْرٍ، قالا: حدَّثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن جعفرِ بن خالدٍ، عن أبيهِ

عن عبد الله بن جعفرٍ، قال: لمَّا جاءَ نَعْيُ جعفرٍ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اصْنَعُوا لأهلِ جعفرٍ طعامًا، فإنَّهُ قد جَاءَهُم ما يَشْغَلُهُم"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.

وقد كان بعضُ أهلِ العِلم يَسْتَحِبُّ أن يُوَجَّهَ إلى أهلِ المَيِّتِ بشيءٍ، لِشُغْلِهمْ بالمُصِيبَةِ، وهو قولُ الشَّافعيِّ.

وجعفرُ بنُ خالدٍ: هو ابنُ سارةَ، وهو ثقةٌ، رَوى عنهُ ابنُ جُرَيْجٍ.

(1)

إسناده حسن، خالد والد جعفر - وهو ابن سارة - روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وباقي رجاله ثقات.

وأخرجه أبو داود (3132)، وابن ماجه (1610)، وهو في "المسند"(1751).

ويشهد له حديث أسماء بنت عميس، أخرجه أحمد في "مسنده"(27086)، وإسناده ضعيف.

ص: 486

‌22 - باب ما جاءَ في النهي عن ضَرْبِ الخُدُودِ وشَقِّ الجُيُوبِ عند المُصِيبَةِ

1020 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن سفيانَ، قال: حدَّثني زُبَيْدٌ الإيامِيُّ، عن ابراهيمَ، عن مسروقٍ

عن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"ليس مِنَّا من شَقَّ الجُيُوبَ، وضَربَ الخُدُودَ، ودعا بِدَعْوى الجَاهِليّةِ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌23 - باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ النَّوْحِ

1021 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ، قال: حدَّثنا قُرَّانُ بن تَمَّامِ ومَرْوَان بن مُعَاوِيةَ ويَزِيدُ بن هارُون، عن سعيدِ بن عُبَيدٍ الطَّائِيِّ

عن عَليَّ بن رَبيعَةَ الأسَدِيِّ، قال: مات رجلٌ من الأنصارِ يقالُ لهُ: قَرَظَةُ بن كعبٍ، فَنِيحَ عليه، فجاءَ المُغِيرَةُ بن شُعْبةَ فَصَعِدَ المِنبَرَ، فحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيهِ، وقالَ: ما بالُ النَّوحِ في الإسلامِ، أما إنِّي سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ، عُذِّبَ بِمَا

(2)

نِيحَ عَلَيْهِ"

(3)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1294)، ومسلم (103)، وابن ماجه (1584)، والنسائي 4/ 19 و 20 و 21، وهو في "المسند"(3658)، و"صحيح ابن حبان"(3149).

(2)

في (أ) و (د) و (س): "مَا" وما هنا ظرفية، أي: عذب مدة نياحه عليه.

(3)

صحيح، وأخرجه البخاري (1291)، ومسلم (933)، وهو في "المسند" =

ص: 487

وفي البابِ عن عمرَ، وعليًّ، وأبي موسَى، وقَيْسِ بن عاصمٍ، وأبي هريرةَ، وجُنادَةَ بن مالكٍ، وأنسٍ، وأُمِّ عَطِيَّة، وسَمُرَةَ، وأبي مَالكٍ الأشْعَرِيِّ.

حديثُ المُغِيرَةِ بن شعبة حديثٌ غريبٌ حسنٌ صحيحٌ.

1022 -

حدَّثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال: أخبرنا شُعْبةُ والمَسْعودِيُّ، عن عَلقَمَةَ بن مَرْثَدٍ، عن أبي الرَّبيعِ

عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أرْبَعٌ في أُمَّتِي من أمرِ الجاهليةِ، لن يَدَعَهُنَّ النَّاسُ: النِّياحَةُ، والطَّعْنُ في الأحسابِ، والعدْوى، أجْرَبَ بَعِيرٌ، فأجْرَبَ مئة بَعير، من أجْرَبَ البعِيرَ الأوَّلَ؟ والأنْوَاءُ، مُطِرْنا بنَوءِ كذا وكذا"

(1)

.

= (18140)، وعند أحمد زيادة:"إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد، ألا وَمَن كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار".

(1)

صحيح، وأخرجه بنحوه مسلم (67)، وهو في "المسند"(7560) و (7908)، و"صحيح ابن حبان"(1465) و (3141).

والنياحة: رفع الصوت بالندب، والندب: تعديد شمائل الميت بأن يقول: واكهفاه، واجبلاه ونحو ذلك، وهو حرام وإن لم يكن بكاء، لأن في ذلك سخطًا لقضاء الله، ومعارضة لأحكامه.

وقال ابن العربي: النوح: ما كانت الجاهلية تفعله، كان النساء يقفن متقابلات يَصِحْنَ، ويحثين التراب على رؤوسهن، ويضربن وجوههن.

والطعن في النسب، أي: الوقوع فيها بنحو ذم أو عيب بأن يقدح في نسب أحد من الناس، فيقول: ليس هو من ذرية فلان. وذلك يحرم، لأنه هجوم على الغيب ودخول فيما لا يعني، والأنساب لا تعرف إلا من أهلها.

ص: 488

هذا حديثٌ حسنٌ.

‌24 - باب ما جاءَ في كَرَاهيةِ البكاء على المَيِّتِ

1023 -

حدَّثنا عبدُ الله بنُ أبي زِيادٍ، قال: حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهِيمَ بن سَعْدٍ، قال: حدَّثنا أبي، عن صالحِ بن كيسانَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سالمِ بن عبدِ الله

عن أبيه، قال: قال عمرُ بن الخطَّابِ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المَيِّتُ يعَذَّبُ بِبُكاءِ أهلهِ عليهِ"

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ عمرَ، وعمرانَ بن حُصَيْنٍ.

حديثُ عمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد كَرِهَ قومٌ من أهلِ العِلمِ البكاءَ على الميِّتِ، وقالوا: المَيِّتُ يُعذَّبُ بِبُكاءِ أهلِهِ عليهِ، وذَهَبُوا إلى هذا الحديثِ، وقال ابن المُبَارَكِ: أَرْجُو، إن كان يَنْهَاهُم في حَيَاتِهِ، أن لا يَكُونَ عَلَيْهِ من ذلكَ شَيءٌ.

= وقوله: "مطرنا بنوء كذا وكذا" قال ابن الأثير في "النهاية": وإنما غلظ النبي في أمر الأنواء، لأن العرب كانت تنسب المطر إليها. فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى، فأراد بقوله: مطرنا بنوء كذا، أي: في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز، أي: أن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1287) و (1292)، ومسلم (927)، وابن ماجه (1593)، والنسائي 4/ 15 و 16، وهو في "المسند"(180)، و"صحيح ابن حبان"(3132).

والمراد من البكاء هنا: البكاء المقرون بالنياحة المنهي عنها، لا مطلق البكاء.

ص: 489

1024 -

حدَّثنا عَليُّ بن حُجْرٍ، قال: حدثنا محمدُ بنُ عَمَّارٍ، قال: حدَّثني أسِيدُ بنُ أبي أسِيدٍ، أنَّ مُوسى بن أبي موسى الأشْعَرِيَّ أخْبَرَهُ

عن أبيه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما مِن مَيِّتٍ يموتُ، فيَقُومُ باكيهم، فيقولُ: واجَبَلاه! واسَنَداه! واسَيِّداهُ، أو نحوَ ذلكَ، إلَّا وُكِّلَ به مَلَكانِ يَلهَزَانهِ: أهكذا كُنْتَ؟ "

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

‌25 - باب ما جاءَ في الرُّخْصةِ في البُكَاءِ عَلى المَيِّتِ

1025 -

حدَّثنا قُتيبَةُ، قال: حدثنا مالكٍ (ح)

وحدَّثنا إسحاقُ بنُ موسى الأنصاري، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكٌ، عن عبدِ الله بن أبي بَكْرٍ - وهو ابن محمد بن عمرِو بن حَزْمٍ - عن أبيه، عن عَمْرَةَ أنها أخْبَرَتْهُ

أنها سمعت عائشةَ، وذُكِرَ لها أنَّ ابنَ عمرَ يقولُ: إن المَيِّتَ ليُعَذَّبُ ببكاءِ الحيِّ. فقالت عائشة: غَفَرَ الله لأبِي عبدِ الرَّحْمنِ، أما إنَّهُ لم يَكذِب، ولكنَّهُ نَسِيَ أو أخْطأَ، إنَّما مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عليها، فقال:"إنهُم لَيَبْكُون عليها، وإنها لَتُعذَّبُ في قَبْرِها"

(2)

.

(1)

صحيح لغيره، وأخرجه ابن ماجه بنحوه (1594)، وهو في "المسند"(19716).

ويشهد له ما قبله، وحديث النعمان بن بشير عند البخاري (4267).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1288) و (1289)، ومسلم (931)، وابن =

ص: 490

هذا حديثٌ صحيحٌ.

1026 -

حدَّثنا قُتَيْبةُ، قال: حدَّثنا عبَّادُ بنُ عَبَّادٍ المُهَلَّبيُّ، عن محمدِ بن عَمْرٍو، عن يحيى بن عبدِ الرَّحمنِ

عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكاءِ أهْلِهِ عليه". قال: فقالت عائشةُ: يَرْحَمُهُ الله لَمْ يَكْذِبْ، ولكِنَّهُ وَهِمَ، إنَّما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ ماتَ يهودِيًّا:"إنَّ المَيِّتَ لَيُعذَّبُ، وإنَّ أهْلَهُ ليَبْكُونَ عَلَيْهِ"

(1)

.

وفي البابِ عن ابن عبَّاسٍ، وقَرَظَة بن كَعْب، وأبي هُرَيْرَةَ، وابنِ مَسعودٍ، وأُسامةَ بن زَيْدٍ.

حديثُ عائشةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد رُويَ من غَيْرِ وجهٍ عن عَائِشَةَ.

وقد ذَهَبَ بعض أهلِ العِلمِ إلى هذا، وتأوَّلُوا هذه الآية:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وهو قولُ الشَّافِعِيِّ.

1027 -

حدَّثنا عليُّ بنَ خَشْرَمٍ، قال: حدثنا عيسى بنُ يونسَ، عن ابن

= ماجه (1595)، والنسائي 4/ 17 و 18، وهو في "المسند"(24115) و (24302) و (24758)، و"صحيح ابن حبان"(3123).

(1)

صحيح، وأخرجه بنحوه البخاري (1288) و (3978)، ومسلم (928) و (929) و (930)، وأبو داود (3129)، والنسائي 4/ 17 و 18، وهو في "المسند"(4865)، و"صحيح ابن حبان"(3135) و (3136)، وانظر "المسند" حديث رقم (288).

ص: 491

أبي ليلى، عن عطاءٍ

عن جابرِ بن عبدِ الله، قال: أخَذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيَدِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ، فَانطَلَقَ به إلى ابنهِ إبراهيمَ، فوَجَدَهُ

(1)

يجودُ بنَفْسِهِ، فأخَذَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فوَضَعَهُ في حِجْرِهِ فبَكَى، فقال لهُ عبدُ الرَّحْمنِ: أتَبْكِي؟ أوَ لم تكُن نَهَيْتَ عن البُكاءِ؟ قال: "لا، ولكِنْ نَهَيْتُ عن صَوتَيْنِ أحمقَيْنِ فاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْد مُصِيبةٍ، خَمشِ وجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، ورَنَّةِ شَيْطانٍ"

(2)

.

وفي الحديثِ كَلامٌ أكثَرُ من هذا.

(1)

في (د) ونسخة على هامش (أ): "فوُجد".

(2)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف ابن أبي ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن -.

وذكر الترمذي في هذه الرواية أحد الصوتين، واختصر الآخر.

وأخرجه عبد بن حميد (1006) من طريق ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن جابر، وفيه: قال: لا، ولكن نَهيتُ عن النوح، وعن صوتين أحمقين فاجرين: صوتٍ عند نعمة؛ لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوتٍ عند مصيبةٍ؛ خمشِ وجوه، وشق جيوب، ورنَّةِ شيطان

وهو في "المستدرك" 4/ 40، و"سنن البيهقي" 4/ 96 ومسند الطيالسي (1683)، والبغوي في "شرح السنة" 5/ 430 - 431.

وله شاهد من حديث أنس بن مالك عند البزار (795) بلفظ: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة".

وسنده حسن في المتابعات، وقال المنذري والهيثمي: رجاله ثقات.

وانظر حديث عبد الله بن مسعود السالف برقم (1020).

ص: 492

هذا حديثٌ حسنٌ.

‌26 - باب ما جاءَ في المَشْي أمامَ الجَنَازَةِ

1028 -

حدَّثنا قُتَيْبةُ وأحمدُ بنُ مَنِيعٍ وإسحاقُ بنُ منصورٍ ومحمودُ بن غَيْلانَ، قالوا حدَّثنا سفيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن الزُّهرِيِّ، عن سالمٍ

عن أبيه، قال: رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ يَمْشُونَ أمامَ الجِنازَةِ

(1)

.

1029 -

حدَّثنا الحسنُ بن علي الخَلَّالُ، قال: حدَّثنا عَمْرُو بن عاصمٍ، عن همَّامٍ، عن منصورٍ وبكرٍ الكُوفِيِّ وزيادٍ وسفيانَ، كُلُّهُم يَذْكرُ أنَّهُ سَمِعَهُ من الزُّهرِيِّ، عن سالمِ بن عبدِ الله

عن أبيهِ، قال: رأَيتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ يمشونَ أمامَ الجَنازَةِ

(2)

.

1030 -

حدَّثنا عبدُ بن حُمَيْدٍ، قال: أخبرنا عبدُ الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ

عن الزُّهْرِيِّ، قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبُو بكرٍ وعمرُ يمشونَ أمامَ

(1)

رجاله ثقات رجال الشيخين، لكن صحح إرساله غير واحد من أئمة الحديث كما سيأتي عند المصنف.

وأخرجه أبو داود (3179)، وابن ماجه (1482)، والنسائي 4/ 56، وهو في "المسند"(4539)، و"صحيح ابن حبان"(3045). وانظر بسط الكلام عليه فيهما.

(2)

انظر ما قبله.

ص: 493

الجَنازَةِ. قال الزُّهْرِيُّ: وأخبرني سالمٌ: أنَّ أباهُ كان يَمشِي أمامَ الجَنازَةِ

(1)

.

وفي البابِ عن أنَسٍ.

حديثُ ابن عمرَ هكذا رواهُ ابنُ جُرَيْجٍ وزياد بن سَعْدٍ وغيرُ واحدٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سالِمٍ، عن أبيهِ، نحوَ حديثِ ابن عُيَيْنةَ. ورَوَى مَعْمَرٌ ويُونُسُ بن يَزِيدَ ومالكٌ وغَيْرُهمْ من الحُفَّاظِ عن الزُّهْرِيِّ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَمْشِي أمامَ الجنازَةِ.

وأهلُ الحديثِ كأنهم يَرَوْنَ أنَّ الحديثَ المُرْسَلَ في ذلِكَ أصَحُّ.

وسمعتُ يحيى بنَ موسى يقولُ: سمعتُ عبد الرَّزَّاقِ يقول: قال ابنُ المُبَارَكِ: حديثُ الزُّهْرِيِّ في هذا مُرْسَلٌ، أصَحُّ من حديثِ ابن عُيَيْنةَ.

قال ابنُ المُبَارَكِ وأُرَى ابنَ جُرَيْجٍ أخَذَهُ عن ابنِ عُيَيْنةَ.

ورَوَى هَمَّامُ بن يحيى هذا الحديثَ، عن زيادٍ - هو ابنُ سَعْدٍ - ومنصورٍ وبكرِ وسفيانَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سالمٍ، عن أبيه، وإنّمَا هو سُفْيانُ بن عُيَينةَ، رَوَى عنهُ هَمَّامٌ.

واختَلَف أهْلُ العِلمِ في المَشْي أمامَ الجَنازَةِ، فَرَأَى بعضُ أهلِ

(1)

أخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 225، وعبد الرزاق في "المصنف"(6259)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 480.

ص: 494

العلمِ من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِم: أن المَشْيَ أمامها أفْضَلُ، وهو قولُ الشَّافِعِيِّ، وأحمدَ

(1)

.

1031 -

حَدَّثَنا محمدُ بن المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنا محمدُ بن بكْر، قال: حدَّثَنا يُونُسُ بن يَزِيدَ، عن الزهري

عن أنَسِ بن مالك؛ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي أمام الجنازة وأبو بكر وعمر وعثمان

(2)

.

سألت محمدًا عن هذا الحديثِ، فقالَ: هذا حديثٌ أخطأَ فيهِ محمدُ بن بَكْرٍ

(3)

، وإنَّما يُرْوَى هذا عن يونسَ، عن الزُّهْرِيِّ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ كانُوا يَمْشونَ أمامَ الجَنازَةِ. قال الزُّهْرِيُّ: وأخبرني سالمٌ: أنَّ أباهُ كان يمشي أمام الجَنازَةِ.

قال محمدٌ: وهذا أصَحُّ.

‌27 - باب ما جاءَ في المَشي خَلْفَ الجَنازَةِ

1032 -

حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا وهبُ بن جريرٍ، عن شُعْبةَ، عن يحيى إمَامِ بَنِي تَيمِ الله، عن أبي ماجدٍ

عن عبدِ الله بن مسعودٍ، قال: سَألنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن المشي

(1)

جاء بعد هذا في المطبوع: "وحديث أنس في هذا الباب غيرُ محفوظٍ"، ولم يرد في أصولنا الخطية.

(2)

أخرجه ابن ماجه (1483)، وأبو يعلى (3608)، والطحاوي 1/ 482.

(3)

لكنه متابع، فقد أخرجه الطحاوي 1/ 481 عن ربيع الجيزي وابن أبي داود، حدثنا أبو زرعة، أخبرنا يونس بن يزيد، بهذا الإسناد.

ص: 495

خَلْفَ الجَنازَةِ، قال:"ما دُونَ الخَبَبِ، فإنْ كان خيرًا، عَجَّلتُمُوهُ، وإن كان شَرًّا، فلا يُبَعَّدُ إلَّا أهلُ النَّارِ، الجَنازَةُ مَتبُوعةٌ ولا تَتْبَعُ، ليس منها من تَقدَّمَها"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه من حديثِ عبد الله بن مَسْعودٍ إلَّا من هذا الوَجهِ.

وسَمِعْتُ محمدَ بن إسماعيلَ يُضَعَّفُ حديثَ أبي مَاجِدٍ هذا، وقال محمدٌ: قال الحُمَيْدِيُّ: قال ابنُ عُيَيْنةَ: قِيلَ لِيَحْيَى: من أبو مَاجِدٍ هذا؟ قال: طائر طارَ فحدَّثنا.

وقد ذهبَ بعضُ أهلِ العِلم مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِم إلى هذا: رَأوْا أنَّ المَشْيَ خلفها أفضلُ، وبه يقولُ سفيانُ الثَّوْرِيُّ، وإسحاقُ.

وأبو ماجدٍ رجلٌ مَجْهُولٌ، وله حديثانِ عن ابنِ مسعودٍ

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف لجهالة أبي ماجد الحنفي.

وأخرجه أبو داود (3184)، وابن ماجه (1484)، وهو في "المسند"(3585)(3734).

قوله: "ما دون الخَببِ"، أي: إسراع دون خبب، وهو بفتحتين: سرعةُ المشي مع تقارب الخطا.

قوله: "ولا تتبع": على بناء الفاعل، بالتخفيف: أي: وليست بتابعة.

(2)

حديثه الأول حديث الباب، والثاني عند أحمد في "مسنده"(3711)، وانظر تمام تخريجه فيه.

ص: 496

ويحيى إمامُ بَنِي تَيمِ الله ثقةٌ، يُكْنَى أبا الحارثِ، ويقالُ له: يحيى الجابِرُ، ويُقالُ لهُ: يحيى المُجْبِرُ أيضًا، وهو كُوفيٌّ، رَوى له شُعْبةُ وسفيانُ الثَّوْرِيُّ وأبُو الأحْوَصِ وسفيانُ بن عُيينةَ.

‌28 - باب ما جاءَ في كَرَاهِيةِ الرُّكُوبِ خَلْفَ الجَنازَةِ

1033 -

حدَّثنا عَلِيُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا عيسى بن يونسَ، عن أبي بكرِ بن أبي مَرْيَمَ، عن رَاشدِ بنِ سَعْدٍ

عن ثَوْبانَ، قال: خَرَجْنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جَنازَةٍ، فَرَأى ناسًا رُكْبانًا، فقالَ:"ألا تَستَحْيُونَ؟ إنَّ مَلائكةَ الله على أقْدَامِهِم وأنْتُم على ظُهُورِ الدَّوَابِّ"

(1)

.

وفي البابِ عن المُغِيرَةِ بن شُعْبةَ، وجابر بن سَمُرَةَ.

حديثُ ثَوْبانَ قد رُويَ عنهُ مَوقُوفًا

(2)

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم.

وأخرجه ابن ماجه (1480)، وله طريق آخر صحيح عند أبي داود (3177) من طريق معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ثوبان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتيَ بدابة وهو مع الجنازة، فابى أن يركبها، فلما انصرف أتي بدابة فركب، فقيل له، فقال: "إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبتُ.

(2)

أخرجه البيهقي في "سننه" 4/ 23.

(3)

جاء في المطبوع بعد هذا: "قال محمدٌ: الموقوفُ منه أصحُّ"، ولم يرد في أصولنا الخطية.

ص: 497

‌29 - باب ما جاءَ في الرُّخْصَةِ في ذلِكَ

1034 -

حدَّثنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا أبُو داودَ، قال: أخبرنا شُعبةُ، عن سِمَاك بن حرب، قال:

سمعت جابرَ بن سَمرَةَ يقولُ: كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جَنازَةِ ابنِ الدَّحْدَاحِ، وهو على فَرَس لهُ يَسْعَى، ونحن حَولَهُ وهُوَ يَتوقَّصُ بهِ

(1)

.

1035 -

حدَّثنا عبدُ الله بن الصَّبَّاحِ الهَاشِمِيُّ، قال: حدَّثنا أبو قُتَيبةَ، عن الجرَّاحِ، عن سماكٍ

عن جابرِ بن سَمُرَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّبَعَ جَنازَةَ ابن الدَّحْدَاحِ ماشيًا، ورَجَعَ على فَرَسٍ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌30 - باب ما جاءَ في الإسْرَاعِ بالجَنازَةِ

1036 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثَنا ابن عُيَيْنةَ، عن الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ سَعِيدَ بن المُسَيَّبِ

(1)

إسناده حسن من أجل سماك.

وأخرجه مسلم (965)، وأبو داود (3178)، والنسائي 4/ 85 - 86، وهو في "المسند"(20834)، و"صحيح ابن حبان"(7157) و (7158)، وعند أحمد ومسلم في إحدى روايتيه وابن حبان زيادة:"كم من عِذقٍ مُدَلّى لأبي الدحداح في الجنة".

وقوله: "يتوقَّص"، أي: يتَوثَّب.

(2)

إسناده حسن، أبو قتيبة: سلم بن قتيبة الشعيري، والجراح: هو ابن مَليح الرؤاسي.

وانظر ما قبله.

ص: 498

عن أبي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بهِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"أسْرِعُوا بالجَنازَةِ، فإن تَكُ خَيْرًا تُقَدِّمُوها إليهِ، وإن تك شَرًّا تَضَعُوهُ عن رِقابِكُمْ"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي بكْرَةَ.

حديثُ أبي هُرَيْرَةَ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌31 - باب ما جاءَ في قَتْلَى أُحُدٍ وذِكْرِ حَمْزَةَ

1037 -

حدَّثنا قُتَيبةُ، قال: حدَّثنا أبُو صَفْوانَ، عن أُسامةَ بن زَيْدٍ، عن ابن شِهابٍ

عن أنس بن مالكٍ، قال: أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على حَمزَةَ يومَ أُحُدٍ، فوَقَفَ عليه، فرَآهُ قَدْ مُثِّلَ به، فقال:"لولا أن تَجِدَ صَفِيّةُ في نَفْسِها، لَتَرَكتهُ حَتَّى تأكُلَهُ العافِيةُ، حَتّى يُحْشَرَ يومَ القِيامَةِ من بطُونها". قال: ثُمَّ دَعا بنَمِرَةٍ فكفَّنَهُ فِيهَا، فكانَتْ إذا مُدّتْ على رأسه بَدَت رجْلاهُ، وإذا مُدَّتْ على رِجْليْهِ بَدا رأسُهُ. قال: فكَثُرَ القَتْلى وقَلّتِ الثِّيَابُ. قال: فكُفِّنَ الرَّجلُ والرَّجُلانِ والثَّلاثَةُ في الثَّوبِ الواحِدِ، ثمَّ يُدْفَنُونَ في قَبْرٍ واحِدٍ، قال: فجَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسألُ عنهُم: "أيُّهُم أكثرُ قُرآنًا؟ " فَيُقدِّمُهُ إلى القِبْلةِ، قال: فَدَفَنَهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولَم يُصَلِّ عَلَيْهِمْ

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1315)، ومسلم (944)، وأبو داود (3181)، وابن ماجه (1477)، والنسائي 4/ 41 - 42 و 42، وهو في "المسند"(7267)، و"صحيح ابن حبان"(3042).

(2)

أخرجه أبو داود (3136) و (3137)، وهو في "المسند"(12300). =

ص: 499

حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ

(1)

غريبٌ، لا نَعْرِفُهُ من حديث أنَسٍ إلَّا من هذا الوَجْهِ.

النَّمِرَةُ: الكِسَاءُ الخَلَقُ.

وقد خُولِفَ أُسامةُ بن زَيْدٍ في روايةِ هذا الحديثِ، فَرَوَى اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن عبد الرحمنِ بن كعْبِ بن مالكٍ، عن جابرِ بن عبدِ الله بن زَيْدٍ. ورَوَى مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عبدِ الله بن ثَعْلَبَةَ، عن جابِرٍ، ولا نَعْلَم أحدًا ذكَرَهُ عن الزُّهْرِيُّ، عن أنسٍ إلَّا أُسامَةَ بن زَيْدٍ.

وسَألتُ محمدًا عن هذا الحديثِ، فقالَ: حَديثُ اللَّيْثِ، عن ابن شِهَابٍ، عن عبدِ الرحمنِ بن كَعْبِ بن مالكٍ، عن جَابِرٍ

(2)

،

= ولفظ رواية أبي داود الثانية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحمزة وقد مُثَّلَ به، ولم يصلِّ على أحد من الشهداء غيره". وانظر تمام تخريجه في "المسند".

(1)

وحسنه النووي 5/ 265، وصححه الحاكم 1/ 365، ووافقه الذهبي.

(2)

حديث جابر بن عبد الله أخرجه البخاري (1343) وغيره، ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول:"أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال:"أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة" وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يُغَسَّلوا، ولم يُصلّ عليهم. وهو في "المسند"(14189)، وانظر تمام تخريجه فيه.

قلنا: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أنه صلى على شهداء أحد وغيرهم، منها حديث شداد بن الهاد عند النسائي 4/ 60، والطحاوي 1/ 291، والبيهقي 4/ 15 - 16، وصححه الحاكم 3/ 595 - 596، وأقره الذهبي: أن رجلًا من الأعراب استشهد، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكفَّنه في جبته صلى الله عليه وسلم، =

ص: 500

أصَحُّ

(1)

.

‌32 - باب آخَرُ

1038 -

حدَّثنا عَلِيُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبرنا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عن مسْلمٍ الأعْوَرِ

= ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته:"اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، فقتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك".

ومنها حديث عبد الله بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي يوم أحدٍ بحمزة، فَسُجِّي ببردة، ثم صلى عليه، فكبر تسع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى يُصفون، ويصلي عليهم، وعليه معهم. أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 290، وسنده جيد.

ومنها حديث ابن مسعود عند أحمد (4414) وهو حسن في الشواهد، وفيه: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه، وجيء برجل من الأنصار، فوضع إلى جنبه، فصلى عليه وترك حمزة، ثم جيء بآخر، فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رفع وترك حمزة، حتى صلى عليه يومئذٍ سبعين صلاة.

ومنها حديث ابن عباس عند ابن ماجه (1513)، والدارقطني 2/ 474، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 503، والحاكم 3/ 198، والبيهقي 4/ 12 وسنده حسن في الشواهد.

وقوله في رواية أبي داود الثانية: "ولم يصل على أحد من الشهداء غيره" مراده والله أعلم: أنه لم يصلّ على غيره استقلالًا، فلا ينافي الصلاة على غيره.

وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" 4/ 295: والصواب في المسألة أنه مخيّر بين الصلاة عليهم وبين تركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وهذا الأليق بأصوله ومذهبه.

(1)

من قوله: "وسألت محمدًا عن هذا الحديث" إلى هنا أثبتناه، من هامش (أ)، ولم يرد في سائر أصولنا الخطية.

ص: 501

عن أنسِ بن مالكٍ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُ المَرِيضَ، ويَشْهَدُ الجَنازَةَ، ويَرْكبُ الحمارَ، ويُجِيبُ دَعْوَةَ العَبْدِ، وكانَ يَوْمَ بني قُرَيْظَةَ على حمارٍ مَخْطومٍ بِحَبْلٍ من لِيفٍ، عليهِ إكافُ لِيفٍ

(1)

.

هذا حديثٌ لا نَعْرِفُهُ إلَّا من حديثِ مُسْلمٍ عن أنَسٍ.

ومُسْلِمٌ الأعْوَرُ يُضَعَّفُ، وهو مسلمُ بن كَيسانَ المُلائِيُّ

(2)

.

‌33 - باب ما جاءَ في دَفْن النَّبي صلى الله عليه وسلم حيثُ قُبِضَ

1039 -

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا أبو مُعاويةَ، عن عبدِ الرحمنِ بن أبي بكْرٍ، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ

عن عائشةَ، قالت: لمَّا قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفُوا في دَفْنِهِ. فقال أبو بَكْرٍ: سمعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا ما نَسِيتُهُ، قال:"ما قَبَضَ الله نبِيًّا إلَّا في المَوضِعِ الذي يُحِبُّ أن يُدْفَنَ فِيهِ". ادْفِنُوهُ في مَوْضِعِ فِرَاشِهِ

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف مسلم الأعور.

وأخرجه ابن ماجه (2296) و (4178)، وأبو يعلى (4243)، والبغوي في "شرح السنة"(3673)، ورواية ابن ماجه الأولى وأبي يعلى مختصرة.

(2)

جاء في المطبوع بعد قوله: "وهو مسلم بن كيسان الملائي": تُكلِّم فيه، وقد روى عنه شعبة وسفيان.

(3)

حديث صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الرحمن بن أبي بكر. وأخرجه المصنف في "الشمائل"(371)، وأبو يعلى (45)، وأبو بكر المروزي (43) و (136)، والبغوي (3832). =

ص: 502

هذا حديثٌ غريبٌ.

وعبدُ الرحمنِ بن أبي بكرٍ المُلَيْكِيُّ يُضَعَّفُ من قِبَلِ حِفْظِهِ.

وقد رُويَ هذا الحَدِيثُ من غَيْر هذا الوَجْهِ، رواه ابنُ عَبَّاس عن أبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

‌34 - باب آخَرُ

1040 -

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، حدَّثنا مُعَاوِيةُ بن هشامٍ، عن عِمْرَانَ بن أنسٍ المَكِّيِّ، عن عطاءٍ

عن ابنِ عمرَ، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"اذكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتاكُمْ، وكُفُّوا عن مَسَاوئِهِمْ"

(2)

.

= وروى عبد بن حميد (365)، والنسائي في "الكبرى"(7122)، والمصنف في "الشمائل"(378) من حديث سلم بن عبيد الأشجعي، وكانت له صحبة: أنَّ الصحابة قالوا: يا صاحب رسول الله أيُدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا: أين؟ قال: في المكان الذي قبض الله روحه، فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب، فعلموا أنه قد صدق. وإسناده صحيح لكنه موقوف.

وانظر ما بعده.

(1)

أخرجه ابن ماجه (1628)، وأبو يعلى (22)، والمروزي في "مسند أبي بكر"(26)، وفي إسناده حسين بن عبيد الله بن عباس، وهو ضعيف، لكن يتقوَّى بما قبله.

(2)

إسناده ضعيف من أجل ضعف عمران بن أنس المكي.

وأخرجه أبو داود (4900)، وهو عند ابن حبان في "صحيحه"(3020).

وله شاهد من حديث عائشة، أخرجه البخاري (1393)، ولفظه: "لا تسبُّوا =

ص: 503

هذا حديثٌ غريبٌ.

وسمعْتُ محمدًا يقولُ: عِمْرَانُ بن أنَسٍ المَكِّيُّ منكرُ الحديث.

وروى بَعْضُهُمْ عن عطَاءٍ، عن عائِشَةَ.

وعمرانُ بن أبي أنَسٍ مِصْرِيٌّ، أثْبَتُ وأقْدَمُ من عِمْرَانَ بن أنَسٍ المَكِّيِّ.

‌35 - باب ما جاءَ في الجلوسِ قبل أن تُوضَعَ

1041 -

حدَّثنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حدَّثنا صَفْوانُ بن عيسى، عن بِشْرِ بن رافعٍ، عن عبدِ الله بن سُلَيمانَ بن جُنادَة بن أبي أُمَيَّةَ، عن أبيه، عن جدِّه.

عن عُبادَةَ بن الصَّامِتِ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اتَّبَعَ الجَنازَةَ، لَمْ يَقْعُدْ حتى توضَعَ في اللَّحْدِ، فعَرَضَ لهُ حَبْرٌ، فقال: هكذا نَصْنَعُ يا محمدُ. قال: فَجَلَسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"خَالِفُوهُمْ"

(1)

.

= الأموات، فإنهم أفْضَوْا إلى ما قدَّموا" وهو في "المسند" (25470)، وإسناده صحيح، وانظر تمام تخريجه فيه.

وآخر من حديث المغيرة بن شعبة، ولفظه:"لا تسبُّوا الأموات، فتؤذوا الأحياء"، أخرجه أحمد في "مسنده"(18209)، وابن حبان (3022)، وإسناده صحيح.

وثالث عند أحمد في "مسنده"(2734) من حديث ابن عباس بلفظ: " .. فلا تسبُّوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءَنا".

(1)

إسناده ضعيف لضعف بشر بن رافع وعبد الله بن سليمان، وأبوه سليمان بن جنادة منكر الحديث، وأخرجه أبو داود (3176)، وابن ماجه (1545).

ص: 504

هذا حديثٌ غريبٌ. وبِشْرُ بن رافعٍ ليس بالقويِّ في الحديثِ.

‌36 - باب في فضل المُصِيبَةِ إذا احْتَسَبَ

1042 -

حدَّثنا سُوَيْدُ بن نَصْرٍ، قال: أخبرنا عبدُ الله بن المُبارَكِ، عن حَمَّادِ بن سَلمَةَ

عن أبي سِنانٍ، قال: دَفَنْتُ ابني سِنانًا، وأبو طَلْحَةَ الخوْلانِيُّ جالسٌ على شَفِيرِ القَبْرِ، فَلَمَّا أرَدْتُ الخُروجَ، أخَذَ بِيَدِي، فقال: ألا أُبَشِّرُكَ يا أبا سِنانٍ! قُلْتُ: بلى. فقال: حدَّثَني الضَّحَّاكُ بن عبدُ الرحمن بن عَرْزَبٍ.

عن أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ماتَ ولدُ العَبْدِ، قال الله لِملائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ ولَدَ عَبْدِي! فيقولونَ: نعم. فيقولُ: قَبَضْتمْ ثَمَرَةَ فُؤادِهِ! فيقولونَ: نعم. فيقولُ: ماذا قال عَبْدِي؟ فيقولونَ: حَمِدَك واسْتَرجَعَ. فيقُولُ الله: ابْنُوا لِعَبْدِي بيتًا في الجنةِ، وسَمُّوهُ بيتَ الحَمْدِ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

(1)

إسناده ضعيف لضعف أبي سنان، وهو عيسى بن سنان القسملي، وأخرجه أحمد في "مسنده"(19725)، وابن حبان (2948).

وفي باب ثواب فقد الأولاد:

عن ابن مسعود، وأبي هريرة، وحوشب، وامرأة يقال لها: رجاء، عند أحمد في "مسنده" على التوالي:(3554) و (7265) و (15843) و (20782).

ص: 505

‌37 - باب ما جاءَ في التَّكْبِيرِ على الجَنَازةِ

1043 -

حدَّثنا أحمدُ بن مَنِيْعٍ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، قال: حدَّثنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ

عن أبي هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على النَّجاشِيِّ، فكَبَّرَ أربعًا

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ عبَّاسٍ، وابنِ أبي أوْفَى، وجابرٍ، وأنَسٍ ويَزِيدَ بن ثَابِت.

ويزيدُ بن ثابتٍ: هو أخو زيدِ بن ثابتٍ، وهو أكْبَرُ مِنْهُ، شَهِدَ بَدْرًا، وزَيْدٌ لم يَشْهَدْ بَدْرًا.

حديثُ أبي هريرةَ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أكثرِ أهْلِ العِلمِ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم: يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ على الجَنازَةِ أربَعَ تكْبِيرَاتٍ، وهُو قولُ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، ومالكِ بن أنَسٍ، وابن المباركِ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ

(2)

.

1044 -

حدَّثنا محمدُ بن المُثَنَّى، قال: حدَّثنا محمدُ بن جعفرٍ، قال: أخبرنا شعْبَةُ، عن عمرِو بن مُرَّةَ، عن عبدِ الرحمنِ بن أبي ليلَى، قال:

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1245)، ومسلم (951)، وأبو داود (3204)، وابن ماجه (1534)، والنسائي 4/ 26 و 69 - 70 و 70 و 72 و 94، وهو في "المسند"(7147) و (7776)، و"صحيح ابن حبان"(3068).

(2)

وهو قول أبي حنيفة كما في "موطأ مالك" برواية محمد بن الحسن ص 113.

ص: 506

كان زَيدُ بنُ أرقَمَ يُكَبِّرُ على جَنائِزنا أربعًا، وإِنَّهُ كَبَّرَ على جَنازَةٍ خَمْسًا، فسَألناهُ عن ذلكَ، فقال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُها

(1)

.

حديث زَيْدِ بنُ أرْقَمَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد ذهبَ بعضُ أهلِ العِلمِ إلى هذا، من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم، رَأوُا التَّكْبِيرَ على الجَنازَةِ خَمسًا، وقال أحمدُ، وإسحاقُ: إذا كَبَّرَ الإمَامُ علىَ الجَنازَةِ خمسًا، فإنَّهُ يَتْبَعُ الإمامَ.

‌38 - باب ما يقولُ في الصَّلاةِ على المَيِّتِ

1045 -

حدَّثنا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، قال: حدثنا هِقْلُ بنُ زِيَادٍ، قال: حدَّثَنا الأوْزَاعِيُّ، عن يَحْيَى بنِ أبي كثِيرٍ، قال: حدَّثني أَبو إبراهيمَ الأشْهَليُّ

عن أبيه، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى على الجَنازَةِ قال: "اللَّهُمَّ اغْفِر لحَيِّنَا ومَيِّتنا، وشَاهِدنا وغائِبنا، وصغيرِنا وكبيرِنا، وذَكَرِنا وأُنْثانا"

(2)

.

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (957)، وأبو داود (3197)، وابن ماجه (1505)، والنسائي 4/ 72، وهو في "المسند"(19272)، و"صحيح ابن حبان"(3069).

(2)

صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي إبراهيم الأشهلي، وقد اختلف فيه على يحيى بن أبي كثير اختلافًا كثيرًا كما بسطناه في "المسند" عند حديث أبي هريرة (8809). وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(1084) و (1085) وهو في "المسند"(17543)، و (17545)، والطحاوي في "شرح المشكل"(969) و (970).

ص: 507

قال يحيى: وحدَّثني أبو سَلمَةَ بنُ عبدِ الرحمنِ

عن أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثلَ ذلكَ، وزَادَ فيهِ:"اللَّهُمَّ من أحْيَيْتَهُ مِنَّا، فَأحْيِهِ على الإسلامِ، ومن تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا، فَتوَفَّهُ على الإيمَانِ"

(1)

.

وفي البابِ عن عبدِ الرحمنِ بنُ عوفٍ، وعائشةَ، وأبي قَتَادةَ، وجَابِرٍ، وعوفِ بن مالكٍ.

حديثُ والدِ أبي إبراهيمَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

ورَوَى هشامٌ الدَّسْتَوائيُّ، وعَليُّ بنُ المُبَارَكِ هذا الحديثَ عن يَحْيَى بنُ أبي كَثيرٍ، عن أبي سَلمَةَ بن عبدِ الرحمنِ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا

(2)

. ورَوَى عِكْرِمةُ بن عَمَّارِ عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سَلمَةَ، عن عَائِشَةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وحديثُ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وعِكْرِمَةُ رُبَّما يَهِمُ في حديثِ يَحْيَى. ورُوي عن يحيى بنِ أبي كَثِيرٍ، عن عبدِ الله بن أبي

(1)

صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على يحيى بن أبي كثير اختلافًا كثيرًا بيناه في "المسند"، وأخرجه أبو داود (3201)، وابن ماجه (1498)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(1080) و (1081)، وهو في "المسند"(8809)، و"صحيح ابن حبان"(3070)، و"شرح مشكل الآثار"(971) و (973).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (6419)، وابن أبي شيبة 3/ 292.

(3)

أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(1079)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار (972)، والحاكم 1/ 358 - 359، والبيهقي 4/ 41.

ص: 508

قتادةَ، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وسمعتُ محمدًا يقولُ: أصَحُّ الرِّوَايَاتِ في هذا، حديثُ يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي إبراهيمَ الأشْهَليِّ عن أبيهٍ، وسألتُهُ عن اسمِ أبي إبراهِيمَ، فلم يَعْرِفْهُ.

1046 -

حدَّثنا محمدُ بن بشَّار، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ، قال: حدَّثنا مُعاوِيَةُ بنُ صالحٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنُ جُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ، عن أبيه

عن عَوْفِ بن مالكٍ، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي على مَيِّتٍ، فَفَهِمْتُ مِن صلاته عليه:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وارْحَمْهُ، واغْسِلهُ بِالبَرَدٍ، واغسِلهُ كما يُغْسَلُ الثَّوبُ"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

قال محمدُ بنُ إسماعيل: أصَحُّ شَيءٍ في هذا البابِ هذا الحديثُ.

‌39 - باب ما جاء في القِراءَةِ على الجنائز بفاتِحَةِ الكِتَابِ

1047 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، قال:

(1)

أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(1086)، وهو في "المسند"(17546) و (22554)، وانظر بسط الكلام على حديث أبي هريرة في "المسند" برقم (8809).

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (963)، وابن ماجه (1500)، والنسائي 1/ 51 - 52 و 4/ 73 - 74، وهو في "المسند"(23975)، و"صحيح ابن حبان"(3075).

ص: 509

حدَّثنا إبراهيمُ بنُ عثمانَ، عن الحَكمٍ، عن مِقْسَمٍ

عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قرَأَ على الجَنازَةِ بفاتحةِ الكتابِ

(1)

.

وفي البابِ عن أُمِّ شَريكٍ.

حديثُ ابنِ عبَّاسٍ حديثٌ ليس إسْنادُهُ بذاك القَوِيِّ. إبراهيمُ بنُ عثمانَ: هو أبو شَيْبةَ الواسِطِيُّ، مُنكَرُ الحدِيثِ، والصَّحِيحُ عن ابنِ عبّاسٍ قولُهُ: من السُّنَّةِ القِرَاءَةُ على الجَنَازَةِ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ.

1048 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن سَعْدِ بنُ إبراهيمَ، عن طَلْحَةَ بنُ عبدِ الله بنُ عَوْفٍ

أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ صَلَّى على جَنازَةٍ، فَقَرَأ بفاتِحَةِ الكِتابِ، فقلتُ لهُ، فقال: إنَّهُ من السُّنَّةٍ، أو من تَمامِ السُّنَّةِ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العِلمِ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيرهِمْ: يَخْتارُونَ أنَّ يُقْرأَ بفاتِحَةِ الكتابِ بعدَ التَّكْبيرَةِ الأُولى، وهو قَولُ الشَّافِعِيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقالَ بعضُ أهلِ العِلمِ: لا يُقْرَأُ في الصَّلاةِ على الجَنازَةِ، إنّمَا

(1)

إسناده ضعيف، إبراهيم بن عثمان - وهو العبسي - متروك، وأخرجه ابن ماجه (1495)، وانظر ما بعده.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (1335)، وأبو داود (3198)، والنسائي 4/ 74 - 75 و 75.

ص: 510

هُو الثَّناءُ على الله، والصَّلاةُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، والدُّعَاءُ لِلمَيِّتِ، وهو قَولُ الثَّورِيِّ، وغيرِهِ مِن أهلِ الكُوفَةِ

(1)

.

‌40 - باب كيف الصَّلاة على الجَنَازَةِ، والشَّفَاعةِ لِلمَيِّتِ

1049 -

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ ويونسُ بنُ بُكَيْرٍ، عن محمدِ بنُ إسحاقَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن مَرثَدِ بنُ عبدِ الله اليَزنِيِّ، قال:

كانَ مالكُ بنُ هُبَيْرَةَ إذا صَلَّى على جَنازَةٍ، فتَقَالَّ النَّاسُ عليها، جَزَّأهُمْ ثلاثةَ أجْزاءٍ، ثُمَّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من صَلَّى عليه ثَلاثَةُ صُفُوفٍ، فقَدْ أوْجَبَ"

(2)

.

وفي البابِ عن عائِشَةَ، وأُمِّ حَبِيبةَ، وأبي هُرَيْرَةَ، ومَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

حديثُ مالكِ بنُ هُبَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ. هكذا رَوَاهُ غيرُ واحِدٍ عن محمدِ بن إسحاقِ، ورَوَى إبراهيمُ بنُ سَعْدٍ عن محمدِ بن إسحاقَ هذا الحديثَ، وأدْخَلَ بينَ مَرْثَدٍ ومَالِكِ بنُ هُبَيْرَةَ رَجُلًا،

(1)

جاء في المطبوع بعد هذا: "وطلحةُ بنُ عبدِ الله بنُ عوف: هو ابن أخي عبدِ الرحمن بن عوف، روى عنه الزهري" ولم يرد في الأصول الخطية.

(2)

إسناده ضعيف، محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعن، وقد تفرد به، وأخرجه أبو داود (3166)، وابن ماجه (1490)، وهو في "المسند"(16724). وانظر ما بعده.

ص: 511

وروَايةُ هؤلاءِ أصَحُّ عندَنا.

1050 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمَرَ، قال: حدَّثنا عبدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عن أيوبَ (ح)

وحدثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ وعليُّ بن حُجْرٍ، قالا: حدَّثنا إسماعِيلُ بن إبراهيمَ، عن أيُّوبَ، عن أبي قِلابةَ، عن عبدِ الله بن يَزِيدَ رَضيعٍ كان لِعَائشةَ

عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يموتُ أحَدٌ من المُسْلِمينَ، فَيُصَلِّي عليه أُمَّةٌ منَ المُسْلِمينَ يَبْلُغُوا

(1)

أنَّ يكُونُوا مئةً، فيَشْفَعوا لهُ، إلَّا شُفِّعُوا فيهِ".

وقال عليُّ بنُ حُجْرٍ في حديثِهِ: "مئة فَمَا فَوقَهَا"

(2)

.

حديثُ عائشةَ حسنٌ صحيحٌ، وقد أوقَفَهُ بعْضُهُم ولم يَرفَعْهُ.

‌41 - باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ الصَّلاةِ على الجَنَازَةِ عند طُلوعِ الشَّمسِ وعند غُروبها

1051 -

حدَّثنا هَنَادٌ، قال: حدَّثنا وكِيعٌ، عن موسى بنُ عُلَيِّ بنُ رَباحٍ، عن أبيه

(1)

كذا في الأصول، ورواية مسلم والنسائي وابن حبان و"المسند":"يبلغون"، وهو الجادة.

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (947)، والنسائي 4/ 75 - 76 و 76، وهو في "المسند"(13804) و (24038)، و"صحيح ابن حبان"(3081).

ص: 512

عن عُقْبَةَ بنُ عامرٍ الجُهَنيِّ، قال: ثَلاثُ ساعاتٍ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهانا أن نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أو نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوتانا: حينَ تَطلُعُ الشَّمسُ بازِغةً حتَّى تَرتَفِعَ، وحين يقومُ قائمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تميلَ، وحينَ تَضَيَّفُ للغروبِ

(1)

حَتَّى تَغْرُب

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم: يكْرَهُونَ الصَّلاةَ على الجَنازَةِ في هذه الساعاتِ.

وقال ابنُ المُبارَكِ: مَعْنَى هذا الحديثِ: أن نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتانا، يَعْنِي: الصَّلاةَ على الجَنازَةِ، وكَرِهَ الصَّلاةَ على الجَنازَةِ عندَ طُلُوعِ الشَّمسِ وعندَ غرُوبِها، وإذا انْتَصفَ النهارُ حَتَّى تَزولَ الشَّمسُ. وهو قولُ أحمدَ، وإسحاقَ.

وقال الشَّافِعِيُّ: لا بأسَ أن يصلَّى على الجَنازَةِ في السَّاعاتِ التي يُكْرَهُ فِيهِنَّ الصَّلاةُ.

‌42 - باب ما جاءَ في الصَّلاةِ على الأَطفالِ

1052 -

حدَّثنا بِشْرُ بنُ آدَمَ ابنُ بِنْتِ أزْهَرَ السَّمَّان، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ سَعِيدِ بنُ عُبَيْدِ الله، قال: حدَّثنا أبي، عن زيادِ بنُ جبَيْرِ بنِ حَيَّةَ، عن أبيه

(1)

المثبت من (د)، وفي بقية النسخ:"الغروب".

(2)

صحيح، وأخرجه مسلم (831)، وأبو داود (3192)، وابن ماجه (1519)، والنسائي 1/ 275 - 276 و 277 و 4/ 82، وهو في "المسند"(17377)، و"صحيح ابن حبان"(1546) و (1551).

ص: 513

عن المُغيرَةِ بنِ شُعْبةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الرَّاكِبُ خَلْفَ الجَنازَةِ، والماشِي حَيْثُ شَاءَ مِنهَا، والطّفلُ يُصَلَّى عليه"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وروى إسرائيلُ وغيرُ واحدٍ عن سَعِيدِ بنُ عُبَيْدِ الله.

والعملُ عليه عند بعضِ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم، قالوا: يُصَلَّى على الطِّفْلِ وإن لم يَسْتَهِلَّ، بعد أن يُعْلَمَ أنَّهُ خُلِقَ، وهو قولُ أحمدَ، وإسحاقَ.

(1)

صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1507)، والنسائي في "المجتبى" 4/ 56 و 58، وهو في "المسند"(18162)، وصححه ابن حبان (3049)، ورواية ابن ماجه مختصرة.

وأخرجه بإسقاط جبير أبي زياد بن ماجه (1481)، والنسائي 4/ 55 - 56، وفى "الكبرى"(2069).

تنبيه: وقع في المطبوع من "المجتبى" زيادة: "عن أبيه"، وهو خطأ، فقد نبَّه المزي في "التحفة" 8/ 471 على أن رواية النسائي بإسقاطها.

ووقفه خالد بن عبد الله الواسطي، عن يونس عند أبي داود (3180)، وجاء فيه: وأحسب أن أهل زياد أخبروني أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البغوي في "شرح السنة" 5/ 373: والسَّقط يُصلى عليه إذا مات بعد أن استهل، واختلفوا فيه إذا مات قبل أن يستهل، فذهب قوم إلى أنه لا يُصلى عليه، يروى ذلك عن جابر بن عبد الله وابن عباس، وبه قال الزهري، وهو قول الثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي.

وذهب قوم إلى أنه يُصلى عليه، يُروى ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة، وبه قال ابن سيرين وابن المسيب، وهو قول أحمد وإسحاق.

ص: 514

‌43 - باب ما جاء في تَركِ الصَّلاةِ على الطفل حَتَّى يَستَهِلَّ

1053 -

حدَّثنا أبو عمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ يَزِيدَ، عن إسماعيلَ بنُ مُسلِمٍ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن جابرٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"الطِّفْلُ لا يُصَلَّى عليه، ولا يَرِثُ ولا يُورَثُ، حتَّى يَسْتَهِلَّ"

(1)

.

هذا حديثٌ قد اضطَرَبَ النَّاسُ فيهِ، فَروَاهُ بَعْضُهُم عن أبي الزُّبَيرِ، عن جَابِرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعًا، وروى أشعثُ بنُ سوَّارٍ وغيرُ واحدٍ، عن أبي الزبيرِ، عن جابرٍ موقوفًا

(2)

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن مسلم المكي، وعنعنة أبي الزبير، ثم اختلف في رفعه ووقفه، ورجح المصنف وقفه.

وأخرجه ابن ماجه (1508) و (2750)، وابن حبان (6032).

وأخرجه ابن ماجه (2751) من حديث جابر والمسور بن مخرمة، وفي سنده العباس بن الوليد الخلال، قال أبو حاتم: شيخ، وقال أبو داود: كان عالمًا بالرجال والأخبار لا أحدث عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 319 و 11/ 382، والدارمي (3126) و (3130)، والبيهقي 4/ 8.

وأخرج عبد الرزاق (6608) عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في المنفوس: يرث إذا سمع صوته.

وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود (2920)، والبيهقي 6/ 257 بإسناد رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.

وآخر من حديث ابن عباس موقوفًا علبه عند الدارمي (3127).

(3)

جاء في المطبوع بعد هذا: "وروى محمد بن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر موقوفًا"، ولم ترد في أصولنا الخطية.

ص: 515

وكأنَّ هذا أصَحُّ مِن الحديثِ المرفوعِ.

وقد ذهبَ بعض أهلِ العلمِ إلى هذا، وقالوا: لا يُصَلَّى على الطِّفْلِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ، وهو قَولُ الثَّورِيِّ، والشَّافِعِيِّ.

‌44 - باب ما جاءَ في الصَّلاةِ على المَيِّتِ في المَسْجِدِ

1054 -

حدَّثنا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، قال: أخبرنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ، عن عبدِ الواحدِ بنُ حَمْزَةَ، عن عَبَّادِ بن عبد الله بن الزُّبَيْرِ

عن عائشةَ، قالت: صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على سُهَيْلِ بن البَيْضَاء في المَسْجِدِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ

(2)

.

والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ.

قال الشَّافِعِيُّ: قال مالكٌ: لا يُصَلَّى على المَيِّتِ في المَسْجِدِ

(3)

.

وقال الشَّافعيُّ: يُصَلَّى على المَيِّتِ في المسجدِ، واحْتَجَّ بهذا الحديثِ.

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (973)، وأبو داود (3189) و (3190)، وابن ماجه (1518)، والنسائي 4/ 68، وهو في "المسند"(24498)، و "صحيح ابن حبان"(3065).

(2)

كتب على هامش (ب): "صحيح"، وكتب عليها نسخة، ولم نتبين هل المراد: حسن صحيح، أم صحيح؟

(3)

وهو قول ابن أبي ذئب وأبي حنيفة.

ص: 516

‌45 - باب أيْنَ يقومُ الإمَامُ من الرَّجُلِ والمَرْأةِ؟

1055 -

حدَّثنا عبدُ الله بنُ مُنِيرٍ، عن سَعِيدِ بن عامرٍ، عن همَّامٍ، عن أبي غالِبٍ، قال:

صَلَّيْتُ مع أنسِ بنُ مالكٍ على جَنازَةِ رَجُلٍ، فقامَ حِيالَ رَأْسِهِ، ثم جاؤوا بجَنازَةِ امرأةٍ من قُرَيشٍ، فقالوا: يا أبا حَمْزَةَ صَلِّ عليها. فقامَ حِيالَ وسَطِ السَّرِيرِ، فقال له العلاءُ بنُ زِيادٍ: هكذا رَأيْتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قامَ على الجَنازَةِ مُقامَكَ مِنها، ومن الرَّجُل مُقامك منهُ؟ قال: نعم. فلَمَّا فَرَغَ، قال: احْفَظُوا

(1)

.

وفي البابِ عن سَمُرَةَ.

حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ، وقد رَوَى غيرُ واحِدٍ عن هَمَّامٍ مثلَ هذا، ورَوَى وكِيعٌ هذا الحَدِيثَ عن هَمَّامٍ، فَوَهِمَ فيهِ، وقال: عن غالِبٍ، عن أنَسٍ، والصَّحيحُ عن أبي غَالِبٍ، وقد رَوَى هذا الحديثَ عبدُ الوَارِث بنُ سَعِيدٍ وغير واحِدٍ عن أبي غَالِبٍ، مِثلَ رِوايَةِ هَمَّامٍ.

واخْتَلَفُوا في اسمِ أبي غَالِبٍ هذا، فقالَ بَعْضُهُمْ: اسْمُهُ: نافعٌ، ويقالُ: رَافعٌ.

وقد ذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى هذا، وهو قولُ أحمدَ، وإسحاقَ.

(1)

صحيح، وأخرجه أبو داود مطولًا (3194)، وابن ماجه (1494)، وهو في "المسند"(12180).

ص: 517

1056 -

حدَّثنا عَليُّ بنُ حُجْرٍ، قال: أخبرنا ابن المُبارَكِ والفضلُ بن موسى، عن حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عن عبدِ الله بنُ بُرَيْدَةَ

عن سَمُرَة بنُ جُنْدُبٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى على امْرَأة، فَقامَ وسَطَها

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد روى شعْبة عن الحُسَيْنِ المُعَلِّمِ.

‌46 - باب ما جاءَ في تَرْكِ الصَّلاةِ على الشهِيدِ

1057 -

حدَّثنا قُتَيبةُ بن سعيد، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن ابنِ شِهابٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنُ كَعْبِ بن مالكٍ

أنَّ جابرَ بنُ عبدِ الله أخْبَرَهُ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَجْمَعُ بينَ الرَّجُلَيْنِ من قَتلى أُحُدٍ في الثَّوْب الواحدِ، ثُمَّ يَقُولُ:"أيُّهُما أكْثَرُ أخْذًا لِلقُرْآنِ؟ " فإذا أُشِيرَ لهُ إلى أَحَدِهِما، قَدَّمَهُ في اللَّحْدٍ، فقال:"أنا شَهِيدٌ على هؤلاءِ يومَ القِيامَةِ". وأمَرَ بِدَفْنِهِم في دِمَائِهم، ولم يُصَلَّ عَلَيْهِم ولَمْ يُغَسَّلُوا

(2)

.

وفي البابِ عن أَنس بن مالكٍ.

حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (332)، ومسلم (964)، وأبو داود (3195)، وابن ماجه (1493)، والنسائي 1/ 195 و 4/ 70 و 72، وهو في "المسند"(20162)، و"صحيح ابن حبان"(3067).

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1343)، وأبو داود (3138) و (3139)، وابن ماجه (1514)، والنسائي 4/ 62، وهو في "المسند"(14189) و (23660)، و"صحيح ابن حبان"(3197).

ص: 518

وقد رُويَ هذا الحديثُ عن الزُّهْرِيِّ، عن أنَسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

. ورُويَ عن الزُّهْرِيِّ، عن عبدِ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ أبي صُعَيْرٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم

(2)

، ومِنهُم من ذكَرَهُ عن جابِرٍ

(3)

.

وقد اختَلَفَ أهلُ العِلمِ في الصَّلاةِ على الشهِيدِ؛ فقالَ بَعْضُهُمْ: لا يُصَلَّى على الشَّهيدِ، وهو قولُ أهلِ المَدِينَة، وبه يَقُولُ الشَّافِعيُّ، وأحمَدُ.

وقال بعْضُهُم: يُصَلَّى على الشهيدِ، واحتَجُّوا بحدِيثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ صَلَّى على حَمْزَةَ

(4)

، وهو قولُ الثوريِّ، وأهلِ الكُوفَةِ،

(1)

حسن لغيره، وقد سلف عند المصنف برقم (1037)، وهو في "المسند"(12300)، وانظر تخريجه هناك.

(2)

صحيح، وأخرجه أحمد في "مسنده"(23657) و (23658).

(3)

صحيح، وأخرجه أحمد في "مسنده"(23660).

(4)

صلاته على حمزة وردت من حديث ابن مسعود عند أحمد (4414)، وله شواهد ذكرناها في التعليق على "المسند".

قلنا: وأكثر أهل العلم على أنه لا يُصلى على الشهيد، وهو قول أهل المدينة، وبه قال الشافعي وأحمد، واستدلوا بحديث جابر عند البخاري (4079): أنه عليه الصلاة والسلام أمر بشهداء أحد فدفنوا بدمائهم، ولم يُصل عليهم، ولم يغسلوا. وذهب قوم من أهل العلم أنه يُصلّى على الشهيد، لحديث ابن مسعود وشواهده، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وبه قال إسحاق، ورواية عن أحمد، واختارها الخلال. قال ابن قدامة في "المغنى" 3/ 467: إلا أن كلام أحمد في هذه الرواية يشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة غير واجبة، قال - أي: أحمد - في موضع: إن صلى عليه فلا بأس به، وفي موضع آخر قال: يُصلى عليه، وأهل الحجاز لا يصلون عليه، وما تضره الصلاة، لا بأس به، وصرح بذلك في رواية المروذي، فقال: الصلاة عليه أجود، وإن لم يُصلوا عليه أجود، فكأن الروايتين في استحباب الصلاة لا وجوبها.

ص: 519

وبهِ يقولُ إسحاقُ.

‌47 - باب ما جاءَ في الصَّلاةِ على القَبْرِ

1058 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا الشيْبانِيُّ، قال: حدَّثنا الشَّعْبِيُّ، قال:

أخبرني من رَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ورَأى قَبْرًا مُنْتَبذًا، فصَفَّ أصْحابَه خَلْفَهُ، فصَلَّى عليه. فقِيلَ له: مَنْ أخْبَرك؟ فقال: ابنُ عبَّاسٍ

(1)

.

وفي البابِ عن أنَسٍ، وبُرَيْدَة، ويَزِيدَ بنِ ثابتٍ، وأبي هُرَيْرَةَ، وعامِر بن رَبِيعَةَ، وأبي قتادَةَ، وسَهْلِ بن حُنَيْفٍ.

حديثُ ابنِ عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عندَ أكثرِ أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم، وهو قولُ الشَّافعيِّ، وأحمد، وإسحاقَ.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ: لا يُصَلَّى على القَبْرِ، وهو قولُ مالكِ بن أنَسٍ.

وقال ابنُ المبارَكِ: إذا دُفِنَ المَيِّتُ ولم يُصَلَّ عليْهٍ، صُلَّيَ على القَبْرِ. ورَأَى ابنُ المُبَارَكِ الصَّلاةَ على القَبْرِ.

وقال أحمدُ، وإسحاقُ: يُصَلَّى على القَبْرِ إلى شَهْرٍ، وقالا: أكْثَرُ ما سَمِعْنا عن ابنِ المُسَيَّبِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلى على قَبرِ أُمِّ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (857)، ومسلم (954)، وأبو داود (3196)، وابن ماجه (1530)، والنسائي 4/ 85. وهو في "مسند أحمد" (1962)، و"صحيح ابن حبان" (3085) و (3088).

ص: 520

سعْدِ بنِ عُبَادَةَ بَعد شَهْرٍ.

1059 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ سَعِيدٍ، عن سَعِيدِ بن أبي عَرُوبةَ، عن قتادةَ

عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ: أن أُمَّ سَعْدٍ ماتَت والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غائِبٌ، فلمَّا قَدِمَ، صلَّى عليْهَا، وقد مَضَى لذلِكَ شَهْرٌ

(1)

.

‌48 - باب ما جاءَ في صَلاةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على النَّجَاشِي

1060 -

حدَّثَنا أبو سَلمَةَ يحيى بنُ خَلَفٍ وحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، قالا: حدَّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: حدَّثَنَا يُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ، عن محمدِ بنُ سِيرِينَ، عن أبي المُهَلَّبِ

عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، قال: قال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أخاكُمُ النَّجاشِيَّ قد ماتَ، فقُومُوا فَصَلُّوا علَيْهِ". قال: فَقُمْنَا فصَفَفْنا كما يُصَفُّ على المَيِّتِ، وصلَّيْنا عليه كما يُصَلَّى على المَيِّتِ

(2)

.

وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ، وجابرِ بنُ عبدِ الله، وأبي سَعِيدٍ، وحُذَيْفَة بنُ أسِيدٍ، وجَريرِ بنُ عبدِ الله.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجهِ.

وقد رواهُ أبو قِلابَةَ عن عَمِّهِ أبي المُهَلَّبٍ، عن عِمْرَانَ بنُ حُصَينِ. وأبو المُهَلَّبِ: اسمُهُ عبدُ الرحمنِ بنُ عَمْرٍو، ويُقالُ لهُ:

(1)

رجاله ثقات، وهو مرسل، وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 360، والبيهقي 4/ 48.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (953)، وابن ماجه (1535)، والنسائي 4/ 57 و 70 وهو في "المسند"(19867)، و"صحيح ابن حبان"(3102).

ص: 521

مُعاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو.

‌49 - باب ما جاءَ في فَضْلِ الصَّلاةِ على الجَنازَةِ

(1)

1061 -

حدَّثنا أبو كُرَيْب، قال: حدَّثنا عَبْدةُ بنُ سُلَيْمانَ، عن مُحمدِ بن عَمْرٍو، قال: حدَّثنا أبو سَلمةَ

عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من صَلَّى على جَنازَةٍ، فَلهُ قِيراطٌ، ومن تَبِعَها حَتَّى يُقْضَى دَفْنُها، فلَهُ قِيراطانِ، أحدُهُما - أو أصْغَرُهُما - مِثْلُ أُحُدٍ". فذَكَرْتُ ذلِكَ لابْنِ عمرَ، فَأرْسَلَ إلى عائشةَ، فسَأَلها عن ذلكَ، فقالت: صَدَقَ أبو هُرَيْرَةَ. فقال ابنُ عُمَرَ: لقد فَرَّطْنا في قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ

(2)

.

وفي البابِ عن البَرَاءٍ، وعبدِ الله بنِ مُغَفَّل، وعبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ، وأبي سَعِيدٍ، وأُبيِّ بنُ كَعْبٍ، وابن عمرَ، وثَوبانَ.

حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد رُويَ عنهُ من غيرِ وجهٍ.

(1)

في (ب): "الجنائز".

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (47)، ومسلم (945)، وأبو داود (3168) و (3169)، وابن ماجه (1539)، والنسائي 4/ 76 و 77 و 8/ 120 - 121. وهو في "المسند" (4453) و (7188)، و"صحيح ابن حبان" (3078).

قال في "الفتح" 3/ 195: وفي هذه القصة دلالة على تميز أبي هريرة في الحفظ، وفيه ما كان الصحابة عليه من التثبت في الحديث النبوي، والتحرز فيه، والتنقيب عليه.

ص: 522

‌50 - باب آخَرُ

1062 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ، قال: حدَّثنا عَبَّادُ بنُ مَنصورٍ، قال: سمعتُ أبا المُهزِّمِ، قال:

صحِبْتُ أبا هُرَيرَة عَشْرَ سِنِينَ سَمِعْتُه يقولُ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "من تَبِعَ جَنازةً، وحَمَلها ثلاثَ مَرَّاتٍ، فقد قَضَى ما عليه من حَقِّها"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ.

ورواه بعضُهُم بهذا الإسنادِ ولم يرفعهُ. وأبو المُهزِّمِ: اسمهُ يَزِيدُ بنُ سُفيانَ، وضَعَّفَه شُعْبَة.

‌51 - باب ما جَاءَ في القِيامِ للجَنازَةِ

1063 -

حدَّثنا قُتَيْبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ، عن ابنِ شهابٍ، عن سالمِ بن عبد الله، عن أبيه، عن عامرِ بنُ رَبِيعَةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وحَدَّثنا قُتَيْبَةُ، حدَّثنا اللَّيْثُ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ

عن عامرِ بنُ رَبِيعَةَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا رَأيْتُمُ الجَنازَةَ، فقُومُوا لها حتَّى تُخَلِّفَكُمْ أو تُوضَعَ"

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف عباد بن منصور وأبي المهزم.

وأخرجه موقوفًا ابن أبي شيبة 3/ 283.

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (1307)، ومسلم (958)، وأبو داود (3172)، وابن ماجه (1542)، والنسائي 4/ 44، وهو في "المسند"(15674) و (15682)، و"صحيح ابن حبان"(3051). =

ص: 523

وفي البابِ عن أبي سعيدٍ، وجابرٍ، وسَهلِ بنِ حُنَيْفٍ، وقَيْس بن سَعْدٍ، وأبي هُرَيْرَةَ.

حديثُ عامرِ بنِ رَبِيعَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

1064 -

حدَّثنا نَصرُ بنُ عليًّ الجَهْضَمِيُّ والحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلوَانِيُّ، قالا: حدَّثنا وهْبُ بنُ جَرِيرٍ، قال: حدَّثنا هشامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عن أبي سَلمَةَ

عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رَأيْتُمُ الجَنازَةَ فقوموا، فَمن تَبِعَها، فلا يَقْعُدَنَّ حتى تُوضَعَ"

(1)

.

= وقد تعددت الروايات في تعليل القيام للجنازة، ففي رواية: قال عليه الصلاة والسلام: "أليست نفسًا؟ " وفي رواية: "إن للموت فزعًا"، وفي رواية:"إنما قمنا للملائكة"، وجمع الحافظ ابن حجر بين الروايات في "الفتح" 3/ 180 فقال: القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك، وهم الملائكة.

وقد أخرج أحمد في "مسنده" من حديث علي (623)، ما يدل على نسخه. وسيأتي عند المصنف (1065).

قال الحافظ في "الفتح" 3/ 181: وقد اختلف أهل العلم في أصل المسألة، فذهب الشافعي إلى أنه (أي القيام) غير واجب، فقال: هذا إما أن يكون منسوخًا، أو يكون قام لعلَّة، وأيهما كان، فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره، والقعود أحبُّ إليَّ. انتهى. ثم نقل الحافظ عن القاضي عياض قوله: ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي. قال: وتعقبه النووي بأن النسخ لا يُصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو هنا ممكن، قال: والمختار أنه مستحب.

(1)

صحيح، وأخرجه البخاري (1309) و (1310)، ومسلم (959)، وأبو داود (3173)، والنسائي 4/ 43 و 44 و 44 - 45 و 45 و 77، وهو في "المسند"(11195)، و"صحيح ابن حبان"(3104).

ص: 524

حديثُ أبي سَعِيدٍ في هذا البابِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وهو قولُ أحمدَ، وإسحاقَ، قالا: من تَبِعَ جَنازةً، فلا يَقْعُدَنَّ حتى تُوضَعَ عن أعْناقِ الرِّجالِ.

وقد رُوِي عن بعضِ أهلِ العلمِ من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أنَّهُمْ كَانُوا يتقدَّمونَ الجَنازَةَ، ويقعدون قَبلَ أن تَنْتَهِي إليْهِم الجَنازَةُ، وهو قولُ الشَّافعيِّ.

‌52 - باب في الرُّخْصَة في تَرْكِ القِيامِ لها

1065 -

حدَّثنا قُتَيْبةُ، قال: حدَّثنا اللَّيْثُ بن سعد، عن يحيى بنُ سعيدٍ، عن واقدٍ - وهو ابنُ عمرِو بنُ سَعْدِ بنُ مُعاذٍ -، عن نافعِ بنِ جُبَيْرٍ، عن مسعودِ بن الحَكَمِ

عن عليِّ بنُ أبي طالبٍ: أنَّهُ ذُكِرَ القِيامُ في الجَنائِزِ حَتَّى تُوضَعَ، فقال عليٌّ: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَعَدَ

(1)

.

وفي البابِ عن الحسنِ بنِ عليٍّ، وابنِ عباسٍ.

حديثُ عليٍّ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وفيهِ رِواية أربَعَةٍ من التَّابِعِينَ بعْضُهُم عن بعضٍ.

والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ.

قال الشَّافعيُّ: وهذا أصَحُّ شَيءٍ في هذا البابٍ، وهذا الحديثُ

(1)

صحيح، وأخرجه مسلم (962)، وأبو داود (3175)، وابن ماجه (1544)، والنسائي 4/ 46 و 77 - 78 و 78، وهو في "المسند"(623).

ص: 525

نَاسِخٌ للحديث الأول: "إذا رَأيْتُمُ الجَنازَةَ فَقُومُوا".

وقال أحمدُ: إن شاءَ قامَ، وإن شاءَ لم يَقُمْ، واحْتَجَّ بأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد رُوِيَ عنهُ: أنَّهُ قَامَ، ثُمَّ قَعَدَ، وهكذا قال إسحاقُ بنُ إبراهيمَ.

معنى قولِ عليٍّ: قامَ النبي صلى الله عليه وسلم في الجَنازَةِ، ثُمَّ قَعَدَ، يقولُ: كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إذا رَأى الجَنازَةَ، ثُمَّ تَرَكَ ذلِكَ بعدُ، فكانَ لا يقومُ إذا رَأى الجَنازَةَ.

‌53 - باب ما جَاءَ في قَوْل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّحْدُ لَنَا والشَّقُّ لِغَيْرِنا"

(1)

1066 -

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ ونَصْرُ بنُ عبدِ الرحمنِ الكُوفيُّ ويُوسُفُ بنُ مُوسَى القَطّانُ البَغْدَادِيُّ، قالوا: حدَّثَنَا حَكَّامُ بنُ سَلْمٍ، عن عَلِيّ بن عبدِ الأعْلى، عن أبيه، عن سَعِيدِ بنُ جُبَيْرٍ

عن ابنِ عَبَّاس، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّحْدُ لَنا والشَّقُّ لِغَيْرِنا"

(2)

.

وفي البابِ عن جَرِيرِ بنُ عبدِ الله، وعَائِشَةَ، وابنِ عُمَرَ، وجَابِرٍ.

(1)

اللحد: هو الشَّق في عرض القبر جانب القبلة، والشق: هو الضريح، وهو الشق وسط القبر.

(2)

حسن لغيره. وأخرجه أبو داود (3208)، وابن ماجه (1554)، والنسائي 4/ 80، وله شاهد من حديث جرير بن عبد الله عند أحمد في "المسند"(19158)، وابن ماجه (1555). وهو حديث حسن بطرقه، وانظر تتمة شواهده في "المسند".

ص: 526

حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.

‌54 - باب ما يقولُ إذا أُدخِلَ المَيِّتُ القَبْرَ

1067 -

حدَّثنا أبو سَعيدٍ الأشَجُّ، قال: حدَّثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، قال: حدَّثنا الحَجَّاجُ، عن نافعٍ

عن ابنِ عُمَرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا أُدْخِلَ المَيِّتُ القَبْرَ، قال - وقال أبو خالدٍ مَرَّةً: إذا وضِعَ المَيِّتُ في لَحْدِه - قال مَرّةً: "بسمِ اللهِ وباللهِ، وعلى مِلَّةِ رسولِ اللهِ". وقال مَرّةً: "بسْمِ اللهِ وباللهِ، وعلى سنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.

وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ هذا الوجهِ أيضًا عن ابن عُمَرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ورواه أبو الصِّدِّيقِ النَّاجِي، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقد رُويَ عن أبي الصِّدِّيقِ النَّاجِي، عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا أيضًا.

‌55 - باب ما جاءَ في الثَّوْبِ الواحِدِ يُلْقَى تحْتَ المَيِّتِ في القَبْرِ

1068 -

حدَّثنا زَيْدُ بنُ أخْزَمَ الطَّائيُّ البَصْرِيُّ، قال: حدَّثنا عُثمانُ بن

(1)

حديث صحيح. وأخرجه أبو داود (3213)، وابن ماجه (1550)، وهو في "المسند"(4812)، و"صحيح ابن حبان"(3110).

ص: 527

فَرْقَد، قال: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنُ محمدٍ

عن أبيهِ، قال: الذي ألْحَدَ قَبْرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أبو طَلْحَةَ، والَّذِي ألقى القَطِيفَةَ تحْتَهُ شُقْرَانُ مَولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال جَعْفَرٌ: وأخْبرَنِي ابنُ أبي رَافعٍ، قال: سَمِعْت شُقْرَانَ يقولُ: أنا، والله طَرَحْتُ القَطِيفَةَ تحْتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في القَبْرِ

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ عبَّاسٍ.

حديثُ شُقْرانَ حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وروى عليُّ بنُ المَدِينِيِّ عن عُثمانَ بنُ فَرْقَدٍ هذا الحَدِيثَ.

1069 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عن شُعْبَةَ، عن أبي جَمْرَةَ

عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: جُعِلَ في قَبْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَطيفةٌ حَمْرَاءُ

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وقد روى شُعْبةُ عن أبي حَمْزَةَ القَصَّابِ، واسمُهُ: عِمْرَانُ بنُ أبي عَطَاءٍ. ورُوِيَ عن أبي جَمْرَةَ الضُّبَعيِّ، واسمُهُ: نَصْرُ بنُ

(1)

حديث حسن. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(468)، والطبراني (7409)، والمزي في "تهذيب الكمال" 12/ 546. وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد (2357)، وابن ماجه (1628) بأطول مما هنا.

وانظر ما بعده.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (967)، والنسائي 4/ 81. وهو في "المسند" (2021)، و"صحيح ابن حبان" (6631).

ص: 528

عِمْرانَ، وكِلاهُما من أصْحابِ ابنِ عَبَّاسٍ.

وقد رُوِيَ عن ابن عَبَّاسٍ: أنَّهُ كَرِهَ أن يُلقَى تحتَ المَيِّتِ في القَبْرِ شَيءٌ. وإلى هذا ذَهَبَ بَعْضُ أهلِ العلمِ.

وقال محمدُ بنُ بَشارٍ في مَوْضِعٍ آخَر: حدَّثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ ويَحْيَى، عن شُعْبَةَ، عن أبي جَمْرَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ. وهذا أصَحُّ.

‌56 - باب ما جاء في تسوية القبور

1070 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ، قال: حدَّثنا سُفْيانُ، عن حَبيبِ بن أبي ثَابِتٍ، عن أبي وَائِلٍ

أنَّ عَليًّا قال لأبي الهَيَّاجِ الأسَدِي: أَبْعَثُكَ على ما بَعَثَني به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أن لا تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلا سوَّيْتَه، ولا تِمْثالًا إلَّا طَمَسْتَهُ"

(1)

.

وفي البابِ عن جَابِرٍ.

حديثُ عليٍّ حديثٌ حسنٌ.

والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ: يكْرَهُونَ أن يُرْفَعَ القَبْرُ فَوقَ الأرضِ.

قال الشافعِيُّ: أكْرَهُ أنَّ يُرفَعَ القَبْرُ إلَّا بِقَدْرِ ما يُعْرَفُ أنَّهُ قَبْرٌ،

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (969)، وأبو داود (3218)، والنسائي 4/ 88. وهو في "المسند" (741).

ص: 529

لِكَيْلا يُوطأ، ولا يُجْلَسَ عَلَيْهِ.

‌57 - باب ما جَاءَ في كَرَاهيةِ الوطءِ على القُبُورِ والجُلُوسِ علَيْهَا

1071 -

حدَّثنا هنَّادٌ، قال: حدَّثنا ابن المبارَكِ، عن عبدِ الرحمنِ بن يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ، عن بُسْرِ بنُ عُبَيْدِ الله، عن أبي إدريسَ الخَوْلانِيَّ، عنْ واثِلَةَ بن الأسْقَع

عن أبي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ، قَالَ: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْلِسُوا على القُبورِ، ولا تُصَلُّوا إليْهَا"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ، وعَمْرِو بنُ حَزْمٍ، وبَشِير ابن الخَصَاصِيةِ.

1072 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهديٍّ، عن عبدِ اللهِ بنِ المُبارَكِ، بهذا الإسْنادِ، نحوه.

1073 -

حدَّثَنا عليُّ بنُ حُجْرٍ وأبو عَمَّارٍ، قالا: أخْبَرَنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عن عبد الرحمنِ بنُ يَزِيدَ بنُ جَابرٍ، عن بُسْرِ بنُ عُبَيْدِ الله، عن وَاثِلَةَ بن الأسْقَعٍ، عن أبي مَرْثَدٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوهُ

(2)

.

ولَيْسَ فِيهِ: عن أبي إدْرِيسَ. وهذا الصَّحيحُ.

قال محمدٌ: حديثُ ابنِ المبَارَكِ خَطَأٌ، أخْطَأَ فيهِ ابنُ المُبَارَكِ،

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (972)، وأبو داود (3229)، والنسائي 2/ 67. وهو في "المسند" (17215)، و"صحيح ابن حبان" (2320) و (2324).

(2)

حديث صحيح، وانظر تعليقنا عليه في "المسند"(17216).

ص: 530

زَادَ فيهِ: عن أبي إدريسَ الخَوْلانيِّ، وإنَّما هو: بُسْرُ بنُ عُبَيْدِ الله، عن واثِلةَ بنُ الأسقع، هكذا رَوَى غيرُ واحِدٍ عن عبدِ الرحمنِ بن يَزِيدَ بنُ جَابِرٍ، ولَيسَ فِيهِ: عن أبي إدْريس الخولاني، وبُسْرُ بنُ عُبَيْدِ الله قدْ سَمِعَ من واثِلة بنُ الأسْقَعِ.

‌58 - باب ما جاءَ في كرَاهيةِ تجْصِيصِ القُبُورِ والكِتابَةِ عليها

1074 -

حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ الأسْوَدِ أبو عَمْرٍو البَصْرِيُّ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ رَبِيعَةَ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن أبي الزُّبَيْرِ

عن جابِرٍ، قال: نَهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُجَصَّصَ القُبُورُ، وأن يكْتَبَ عليها، وأن يُبْنَى عليها، وأن تُوطَأَ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قد رُويَ من غيرِ وجهٍ عن جابِرٍ.

وقد رَخَّصَ بعضُ أهلِ العِلمٍ، مِنهُم الحَسَنُ البَصْرِيُّ في تطيينِ القُبُورِ.

وقال الشَّافِعِيُّ: لا بأْسَ أنَّ يُطَيَّنَ القَبْرُ.

‌59 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إذا دَخَلَ المَقَابِرَ

1075 -

حدَّثنا أبو كُرَيْب، قال: حدَّثَنَا محمدُ بنُ الصَّلْتِ، عن أبي

(1)

حديث صحيح. وأخرجه مسلم (970)، وأبو داود (3225) و (3226)، وابن ماجه (1562)، والنسائي 4/ 86 و 87 و 88. وهو في "المسند" (14148) و"صحيح ابن حبان" (3162 - 3165).

ص: 531

كُدَيْنةَ، عن قَابُوسَ بنُ أبي ظَبْيانَ، عن أبيه

عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ المَدينةِ، فأقبَلَ عَلَيْهِمِ بوَجْهِهِ، فقال:"السلامُ عَلَيكُم يا أهلَ القُبُورٍ، يَغْفِرُ الله لَنا ولَكُم، أنتم سَلَفُنا ونَحْنُ بالأثرِ"

(1)

.

وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ، وعَائِشَةَ.

حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ حديثٌ غريبٌ.

وأبو كُدَينةَ: اسْمُهُ يَحْيى بنُ المُهَلَّبٍ، وأبو ظَبْيانَ: اسْمُهُ حُصَيْنُ بنُ جُنْدُبٍ.

‌60 - باب ما جَاءَ في الرُّخْصَةِ في زِيارةِ القُبُورِ

1076 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ ومحمودُ بنُ غَيلانَ والحَسَنُ بنُ عليٍّ الخَلَّالُ، قالوا: حدَّثنا أبو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، قال: حدَّثنا سُفْيانُ، عن عَلْقَمَةَ بن مَرثَدٍ، عن سُليمانَ بنُ بُرَيْدَةَ

عن أبيه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قد كُنْتُ نَهَيتُكُمْ عن زيِارَةِ القُبُورِ، فقد أُذِنَ لمُحَمَّدٍ في زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، فَزُوروها، فإنَّها تُذَكَّرُ الآخِرَةَ"

(2)

.

(1)

صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف في قابوس بن أبي ظبيان وأخرجه الطبراني (12613). وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد (7993)، ومسلم (249)، وآخر عن بريدة بن الحصيب عند أحمد (22986) ومسلم (975). وثالث من حديث عائشة عند أحمد (25855)، ومسلم (974).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا مسلم (977) وص 1563 =

ص: 532

وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ، وابنِ مَسْعُودٍ، وأنَسٍ، وأبي هُرَيْرَةَ، وأُمِّ سَلمَةَ.

حديثُ بُرَيْدَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ: لا يَرَوْنَ بزِيَارَةِ القُبُورِ بأسًا، وهو قَولُ ابنِ المُبَارَكِ، والشَّافِعِيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

‌61 - باب ما جَاءَ في كَراهيةِ زيارةِ القُبُورِ للنِّساءِ

1077 -

حدَّثنا قتَيْبةُ، قال: حدثنا أبو عَوانَةَ، عن عُمَرَ بنِ أبي سَلمَةَ، عن أبيه

عن أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زوَّارَاتِ القُبُورِ

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وحَسَّانَ بنِ ثابتٍ.

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

= (37)، وأبو داود (3235)، والنسائي 4/ 89 و 7/ 234 و 8/ 310 و 311، وهو في "المسند"(22958).

(1)

حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه (1576)، وهو في "المسند"(8449)، و"صحيح ابن حبان"(3178).

وانظر ما سلف برقم (320).

وقوله: "زَوَّارَات" قال القاري: لعلَّ المراد كثيراتُ الزيارة. وقال القرطبي: هذا اللعنُ إنما هو للمكثراتِ من الزيارة لما تقتضيه الصيغةُ من المبالغةِ، ولعل السبب ما يُفضى إليه ذلك من تضييع حق الزوج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال: إذا أُمِنَ جميعُ ذلك، فلا مانِعَ من الإذن، لأن تَذكُّرَ الموتِ يحتاجُ إليه الرِّجالُ والنِّساءُ.

ص: 533

وقد رأى بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ هذا كان قَبْلَ أن يُرَخِّصَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في زِيارَةِ القُبُورِ، فلَمَّا رَخَّصَ دَخَلَ في رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ والنِّساءُ.

وقال بَعْضُهمْ: إنَّما كُرِهَ زِيارَةُ القُبورِ للنِّساءٍ، لقِلَّةِ صَبْرِهنَّ وكثرةِ جَزَعِهنَّ.

‌62 - باب ما جاءَ في الزيارةِ للقُبورِ للنِّساءِ

1078 -

حدَّثنا الحُسينُ بنُ حُرَيْثٍ، قال: حدَّثنا عيسى بنُ يُونسَ، عن ابنِ جُرَيْجٍ

عن عبدِ الله بنُ أبي مُليكَةَ، قال: تُوُفَّيَ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بَكْرٍ بالحُبْشِيِّ، قال: فحُمِلَ إلى مكَّةَ، فدُفِنَ بها

(1)

، فلمَّا قَدِمَتْ عائِشَةُ، أتت قَبْرَ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكْرٍ، فقالت:

وكُنَّا كَندْمانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً

من الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ: لَنْ يَتَصَدَّعَا

وعِشْنا بخَيرٍ في الحياةِ وقبلنا

أصابَ المَنايا رهطَ كِسْرى وتُبَّعا

(2)

فلَمَّا تَفَرَّقْنا كأنِّي ومَالِكًا

لطُولِ اجْتماعٍ، لَمْ نَبِتْ لَيلةً مَعا

ثمَّ قالت: واللهِ لو حَضَرْتُكَ ما دُفِنتَ إلَّا حيثُ مُتَّ، ولو شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ

(3)

.

(1)

لفظة "بها" أثبتناها من (ب)، وليست هي في سائر الأصول.

(2)

هذا البيت سقط من المطبوع.

(3)

صحيح. وأخرجه عبد الرزاق (6535)، والحاكم 3/ 476.

والحبشي: موضع قريب من مكة، وقال السيوطي: بينه وبين مكة اثنا عشر ميلًا.

والأبيات لمتمم بن نويرة في قصيدة يرثي بها أخاه مالك بن نويرة الذي قتله =

ص: 534

‌63 - باب ما جَاءَ في الدَّفْنِ باللَّيْلِ

1079 -

حدَّثَنا أبو كُرَيْبٍ ومحمدُ بنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ، قَالا: حدَّثَنا يَحْيَى بنُ اليَمَانِ، عن المِنْهَال بنِ خَلِيفَةَ، عن الحَجَّاجِ بنِ أرطَاةَ، عن عَطَاءٍ

عن ابنِ عَبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ قبرًا لَيْلًا، فَأُسْرِجَ لهُ سِرَاجٌ، فأخَذَه من قِبَلِ القبْلةِ، وقال:"رَحِمَكَ اللهُ إنْ كُنْتَ لأَوَّاهًا تَلَّاءً لِلقُرْآنِ". وكَبَّرَ عَلَيْهِ أرْبَعًا

(1)

.

وفي البابِ عن جَابرٍ، ويَزِيدَ بنِ ثَابِتٍ، وهُوَ أخُو زَيْدِ بنِ ثَابتٍ أكْبَرُ مِنْهُ.

حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ.

وقد ذَهَبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى هذا، وقَالوا: يُدْخَلُ المَيِّتُ القَبْرَ من قِبَلِ القِبْلَةِ، وقال بَعْضُهُمْ: يُسَلُّ سَلًّا.

ورَخَّصَ أكْثَرُ أهلِ العلمِ في الدَّفْنِ باللَّيْلِ.

= خالد بن الوليد في الردة، ومطلعها:

لعمري ما دهري بتأبين هالك

ولا جزعٍ مما أصاب فأوجعا

وهي في "المفضليات" للضَّبِّيَّ ص 265.

(1)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، الحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعن، ومنهال بن خليفة ضعيف.

وأخرجه ابن ماجه (1520).

وله شاهد من حديث جابر عند أبي داود (3164)، والحاكم 1/ 367، وفي سنده محمد بن مسلم الطائفي، وفي حفظه شيء.

ص: 535

‌64 - باب ما جاء في الثَّناءِ الحَسَنِ على المَيِّتِ

1080 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، قال: أخبرنا حُمَيْدٌ

عن أنسَ بنُ مالك، قال: مُرَّ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بجَنازَةٍ، فأثنوا عليها خَيْرًا، فَقَال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"وجَبَتْ". ثمَّ قال: "أنْتم شُهداءُ الله في الأرض"

(1)

.

وفي البابِ عن عُمَرَ، وكَعْبِ بنُ عُجْرَةَ، وأبي هُرَيْرةَ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2642)، ومسلم (949)، وابن ماجه (1491)، والنسائي 4/ 49 - 50، وهو في "المسند"(12837)، و (12939) ولفظه:"والمؤمنون شهداء الله في الأرض" وهو في "صحيح ابن حبان"(3023) و (3025) و (3027).

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" 7/ 19: في معناه قولان للعلماء: أحدهما: أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهله، فكان ثناؤهم مطابقًا لأفعاله، فيكون من أهل الجنة، فإن لم يكن كذلك، فليس هو مرادًا في الحديث.

والثاني - وهو الصحيح المختار -: أنه على عمومه وإطلاقه، وأن كل مسلم مات، فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم الثناء عليه، كان ذلك دليلًا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه، فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله عز وجل الثناء عليه، استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء. وقوله صلى الله عليه وسلم:"وجبت" و"أنتم شهداء الله" ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله مقتضية، لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له فائدة. وانظر "شرح مشكل الآثار" 8/ 352 - 358 للإمام الطحاوي.

ص: 536

حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

1081 -

حدَّثَنا يحْيى بنُ مُوسَى وهارُونُ بنُ عبدِ الله البزَّازُ، قالا: حدَّثنا أبو داود الطَّيالسيُّ، قال: حدَّثَنا داودُ بنُ أبي الفُرَاتِ، قال: حدَّثَنا عبدُ الله بن بُرَيْدَةَ

عن أبي الأسْوَدِ الدِّيْلي، قال: قَدمْتُ المَدينَةَ، فَجَلَسْتُ إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابٍ، فَمَرُّوا بجَنازَةٍ، فأثْنَوا عَلَيْهَا خَيْرًا، فقال عُمَرُ: وجَبَتْ. فَقُلْتُ لِعمرَ: ما وَجَبَتْ؟ قال: أقُولُ كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مُسْلمٍ يَشهَدُ لهُ ثَلاثةٌ إلَّا وجَبَتْ لهُ الجَنَّةُ". قال: قُلنا: واثْنانِ؟ قال: "واثْنانِ". قال: ولَمْ نَسألْ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوَاحِدِ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وأبو الأسْوَدِ الدِّيليُّ اسْمُهُ: ظَالِم بنُ عَمْرٍو بنِ سُفْيانَ.

‌65 - باب ما جَاءَ في ثَوَابِ من قَدَّمَ ولَدًا

1082 -

حدَّثنا قُتَيْبة، عن مالكِ بنِ أنَسٍ (ح)

وحدَّثنا الأَنْصارِيُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالِكُ بنُ أنَسٍ، عن ابنِ شِهابٍ، عن سَعيدِ بنُ المُسَيَّبِ

عن أبي هُرَيرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَمُوتُ لأحَدٍ من

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1368)، والنسائي 4/ 50 - 51. وهو في "المسند" (139)، و"صحيح ابن حبان" (3028).

ص: 537

المُسْلِمِين ثَلاثةٌ من الوَلَدِ فَتَمسَّهُ النَّارُ، إلَّا تَحِلّةَ القَسَمِ"

(1)

.

وفي البابِ عن عُمَرَ، ومُعاذٍ، وكَعْبِ بنُ مَالِكٍ، وعُتْبَةَ بن عبدٍ، وأمِّ سُليمٍ، وجَابرٍ، وأنَسٍ، وأبي ذَرٍّ، وابنِ مَسعُودٍ، وأبي ثَعلبَةَ الأشْجَعِيِّ، وابنِ عَبَّاسٍ، وعُقْبةَ بنِ عَامرٍ، وأبي سَعِيدٍ، وقُرَّةَ ابنِ إياسٍ المُزنيِّ.

وأبو ثَعْلبةَ لهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثٌ واحِدٌ، هذا الحَدْيثُ، ولَيْسَ هو بالخُشَنِيِّ.

حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

1083 -

حدَّثنا نَصْرُ بنُ عليٍّ الجَهْضَمِيُّ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ يُوسفَ، قال: حدَّثنا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عن أبي محمدٍ مَولى عُمَرَ بن الخطَّابِ، عن أبي عُبَيْدةَ بنِ عبدِ الله بنُ مَسْعُودٍ

عن عبدِ الله بنُ مسعود، قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من قدَّمَ ثَلاثةً لم يَبْلُغُوا الحِنث، كانُوا لهُ حِصْنًا حَصِينًا. قال أبو ذرٍّ: قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ. قال: "واثْنَيْنِ". فقال أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ سَيِّدُ القُرَّاءِ:

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1251)، ومسلم (2632)، وابن ماجه (1602)، والنسائي 4/ 25. وهو في "المسند" (7265)، و"صحيح ابن حبان" (2942).

وقوله: "إلا تحلة القسم" قال البغوي في "شرح السنة" 5/ 450 - 451: تحلة: مصدر حللتُ اليمين تحليلًا وتحلةً، أي: أبررتُها، يريد: إلا قدر ما يُبرُّ الله قسمه فيه، وهو قوله عز وجل:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فإذا مرَّ بها وجاوزها، فقد أبرَّ قسمه.

ص: 538

قَدَّمْتُ واحِدًا. قال: "وواحدًا ولكِنْ إنَّما ذَاكَ عِنْدَ الصَّدْمةِ الأُولَى"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ، وأبو عُبَيْدَةَ لم يَسْمَعْ من أبيهِ.

1084 -

حَدَّثنا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ وأبو الخَطَّابِ زِيادُ بنُ يَحْيَى البَصْرِيُّ، قَالا: حَدَّثنا عبدُ رَبِّهِ بنُ بارقٍ الحَنَفِيُّ، قال: سَمِعْتُ جَدِّي أبا أُمِّي سِمَاكَ بنَ الوليدِ الحَنفِيَّ يُحَدِّثُ

أنَّهُ سَمعَ ابنَ عَبَّاس يُحَدِّثُ، أنَّهُ سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"من كانَ لهُ فَرطَانِ من أُمَّتِي أدْخَلَهُ الله بِهِمَا الجَنَّةَ". فقالت عَائِشَةُ: فَمَنْ كانَ لهُ فَرَطٌ من أُمَّتِكَ؟ قال: "ومن كانَ لهُ فَرَطٌ، يَا مُوفَّقةُ". قالت: فَمَنْ لم يكُنْ لهُ فَرَطٌ من أُمَّتِكَ؟ قال: "فأنا فَرَطُ أُمَّتِي، لن يُصَابُوا بِمِثلي"

(2)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ، لا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عبدِ رَبِّهِ بنِ بارِقٍ، وقد رَوَى عنهُ غَيْرُ واحِدٍ من الأئِمَّةِ.

1085 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ سَعيدٍ المُرابِطيُّ، قال: حدَّثنا حَبَّانُ بنُ هِلالٍ، قال: حدَّثنا عبدُ رَبِّهِ بنُ بارِقٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

(1)

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي محمد مولى عمر بن الخطاب، ولانقطاعه، فأبو عبيدة لم يسمع من أبيه كما قال المصنف.

وأخرجه ابن ماجه (1606)، وهو في "المسند"(3554).

وفي الباب عن معاذ عند أحمد (22090)، وآخر عن قرة المزني عند أحمد (15595)(20365)، وإسناده صحيح.

(2)

حديث حسن، وهو في "المسند"(3098).

ص: 539

وسِمَاكُ بنُ الوَلِيدِ الحنفي، هُو أبو زُمَيْل الحَنَفِيُّ.

‌66 - باب ما جَاءَ في الشهَدَاءِ من هُمْ

1086 -

حدَّثنا الأنْصارِيُّ، قال: حدَّثنا مَعْنٌ، قال: حدَّثنا مالكٌ (ح) وحدَّثنا قُتَيْبةُ، عن مالكٍ، عن سُمَيٍّ، عن أبي صالحٍ

عن أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشُّهداءُ خمسٌ: المَطعُونُ والمَبْطُونُ، والغَرِقُ، وصاحِبُ الهَدْمِ، والشّهيدُ في سَبيلِ الله"

(1)

.

وفي البابِ عن أنَسٍ، وصَفْوانَ بنِ أُمَيَّةَ، وجَابِرِ بنِ عَتِيكٍ، وخَالِدِ بنُ عُرْفُطَةَ، وسُليْمَانَ بنِ صُرَدٍ، وأبي مُوسَى، وعَائِشَةَ.

حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

1087 -

حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاط بنِ محمدٍ القُرشِيُّ الكُوفيُّ، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثَنا أبو سِنانٍ الشَّيْبَانِيُّ، عن أبي إسحاق السَّبِيعيِّ، قال:

قال سُلَيمانُ بنُ صُرَدٍ لِخَالِدِ بنِ عُرْفُطةَ - أو خالدٌ لِسُليمانَ -: أما سَمِعْتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "من قَتَلَهُ بَطْنُهُ، لم يُعَذَّبْ في

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (653)، ومسلم (1914)، والنسائي في "الكبرى" كما في "التحفة" 9/ 392. وهو في "المسند" (8305)، و"صحيح ابن حبان" (3188).

ولمالك في "الموطأ" 1/ 233 - 234 من حديث جابر بن عتيك رفعه: "الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المبطون شهيد، والغريق شهد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمطعون شهيد، والحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيد" وصححه ابن حبان (3189).

ص: 540

قَبْرِهِ؟ " فقالَ أحَدُهما لِصَاحِبِهِ: نَعَمْ

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ في هذا البابٍ، وقد رُويَ من غَيْرِ هذا الوَجْهِ.

‌67 - باب ما جاءَ في كَراهِيةِ الفِرارِ من الطَّاعونِ

1088 -

حدَّثنا قُتَيْبَةُ، قال: حدَّثنا حمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عن عَمْرٍو بنِ دِينارٍ، عن عامر بن سعدٍ

عن أُسامةَ بنِ زيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الطَّاعُونَ، فقال:"بَقيَّةُ رجْزٍ - أو عَذَابٍ -، أُرْسِلَ على طَائِفَةٍ من بَني إسْرائِيلَ، فإذا وقَعَ بأرْضٍ وأنْتُمْ بها، فلا تَخْرُجوا منها، وإذا وقَعَ بأرْضٍ ولَسْتُم بها، فلا تهْبِطوا عليها"

(2)

.

وفي البابِ عن سَعْدٍ، وخُزَيْمةَ بنِ ثَابِتٍ، وعبدِ الرحمن بنِ عَوْفٍ، وجَابِرٍ، وعَائِشَةَ.

حديثُ أُسامةَ بنِ زَيْدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌68 - باب ما جَاءَ فِيمَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أحبَّ اللهُ لِقَاءَهُ

1089 -

حدَّثنا أحْمَدُ بنُ المِقْدَام أبو الأشْعَثِ العِجْليُّ، قال: حدَّثنا

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أحمد في "المسند"(18310)، وهو في صحيح "صحيح ابن حبان"(2933).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (3473)، ومسلم (2218)، والنسائي في "الكبرى"(7482)، وهو في "المسند"(21751)، و"صحيح ابن حبان"(2952).

ص: 541

المُعْتَمِرُ بنُ سُليمانَ، قال: سَمِعْتُ أبي يُحَدِّثُ، عن قَتادَةَ، عن أنسٍ

عن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"من أحَبَّ لِقاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقاءَهُ"

(1)

.

وفي البابِ عن أبي مُوسَى، وأبي هُرَيْرَةَ، وعَائِشَةَ.

حديثُ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

1090 -

حدَّثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، قال: حدَّثنا خالدُ بنُ الحارِثِ، قال: حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي عَرُوبةَ (ح)

وحدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ بكْرٍ، عن سَعيدِ بنِ أبي عَروبَةَ، عن قَتَادةَ، عن زُرارَةَ بنِ أوفَى، عن سَعْدِ بنِ هِشَامٍ

عن عائشةَ: أنها ذَكَرتْ أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحَبَّ لِقاءَ الله أحَبَّ اللهُ لِقَاءَه، ومن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَه". قالت: فقُلْتُ: يا رَسولَ الله كُلُّنا نكْرَهُ المَوْتَ. قال: "لَيْسَ كذلكَ، ولكِنَّ المُؤمنَ إذا بُشِّرَ بِرَحمَةِ اللهِ ورِضْوانِهِ وجَنَّتِهِ، أحَبَّ لِقاءَ اللهِ، وأحَبَّ اللهُ لِقاءه، وإنَّ الكافِرَ إذا بُشِّرَ بعَذابِ اللهِ وسَخَطِه، كَرِهَ لِقاءَ الله، وكَرِهَ اللهُ لقاءَه"

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (6507)، ومسلم (2683)، والنسائي 4/ 10، وهو في "المسند"(22696)، و"صحيح ابن حبان"(3009).

وسيأتي برقم (2462).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (2684)، وابن ماجه (4264)، والنسائي 4/ 10، وهو في "المسند"(24172)، و"صحيح ابن حبان"(3010).

وعلقه البخاري بإثر حديث عبادة بن الصامت (6507).

ص: 542

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌69 - باب ما جَاءَ فِيمَنْ يقْتُلُ نَفْسَهُ لم يُصَلَّ عليه

1091 -

حدَّثنا يوسُفُ بنُ عيسى، قال: حدَّثنا وكِيعٌ، قال: حدَّثنا إسْرَائيلُ وشَرِيكٌ، عن سِمَاكِ بنُ حَرْبٍ

عن جابرِ بنُ سَمُرَةَ: أنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَه، فلم يُصَلِّ عليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

(2)

.

واخْتلَفَ أهلُ العِلمِ في هذا؛ فقال بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى على كُلَّ مَن صَلَّى إلى القِبْلَةِ، وعلى قَاتِلِ النَّفْسِ. وهو قَوْلُ سفيان الثَّوريِّ، وإسحاقَ.

وقال أحْمَدُ: لا يُصلَّي الإمامُ على قاتِلِ النَّفسِ، ويُصَلِّي عليهِ غيرُ الإمَامِ.

‌70 - باب ما جَاءَ في المَدْيُونِ

1092 -

حدَّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلانَ، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُدَ، قال: أخْبَرَنا شُعْبةُ، عن عُثْمانَ بنُ عبدِ اللهِ بنُ مَوْهبٍ، قال: سَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنُ أبي قتَادَةَ يُحَدِّثُ

(1)

حديث حسن، وأخرجه مسلم (978)، وأبو داود (3185)، وابن ماجه (1526)، والنسائي 4/ 66، وهو في "المسند"(20816) و"صحيح ابن حبان"(3093).

(2)

لفظة: "صحيح" أثبتناها من (ب) و (د)، ولم ترد في سائر الأصول.

ص: 543

عن أبيه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلَّيَ عليهٍ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"صَلُّوا على صاحِبِكُمْ، فَإنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا". قال أبو قَتادَةَ: هو عَليَّ. فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بِالوَفَاء؟ " قال: بِالوَفَاءِ. فَصَلَّى عَلَيْهِ

(1)

.

وفي البابِ عن جَابِرٍ، وسَلمَةَ بنِ الأكْوَعٍ، وأسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ.

حديثُ أبي قَتادَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

1093 -

حدَثني أبو الفَضْلِ مكْتُومُ بنُ العَبَّاس، قال: حدثني عبدُ اللهِ بنُ صَالحٍ، قال: حدَّثني اللَّيثُ، قال: حدَّثنِي عُقَيْلٌ، عن ابنِ شِهابٍ، قال: أخْبَرَنِي أبو سَلمَةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ

عن أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يُؤتَى بالرَّجُلِ المُتَوَفَّى، عليه الدَّيْنُ، فيَقولُ:"هل تَرَكَ لِدَيْنِهِ من قَضَاءٍ؟ ". فإنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ وفَاءً، صلَّى عليه، وإلَّا قال للمُسْلِمينَ:"صَلُّوا على صاحِبِكُم". فلمَّا فَتَحَ اللهُ عليه الفُتُوحَ، قامَ، فقال:"أنا أولَى بالمُؤْمِنينَ من أنفُسِهم، فمن تُوُفِّيَ من المؤمنين، وتَرَكَ دَيْنًا، على قَضاؤُه، ومن تَرَكَ مالًا، فهو لوَرَثَتهِ"

(2)

.

(1)

صحيح بطرقه وشواهده، وأخرجه ابن ماجه (2407)، والنسائي 4/ 65 و 7/ 317، وهو في "المسند"(22543)، و"صحيح ابن حبان"(3058 - 3060).

وانظر شواهده في "المسند".

(2)

صحيح، وأخرجه البخاري (2298)، ومسلم (1619)، وابن ماجه (2415)، والنسائي 4/ 65. وهو في "المسند" (7861) و (7899)، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (3062) تحت عنوان: ذكر الخبر المصرح بأن ترك المصطفى صلى الله عليه وسلم الصلاة على من مات وعليه دين كان ذلك في بدء الإسلام قبل فتح =

ص: 544

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

قد رَوَاهُ يَحيَى بنُ بُكَيرٍ وَغَيْرُ واحِدٍ، عن اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ

(1)

.

‌71 - باب مَا جَاءَ في عَذَابِ القَبْرِ

1094 -

حدَّثنا أبو سَلمَةَ يَحيَى بنُ خَلَفٍ البصريُّ، قال: حدَّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلٍ، عن عبدِ الرحمن بنِ إسحاقَ، عن سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ

عن أبي هُرَيْرَةَ، قالَ: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قُبِرَ المَيِّتُ - أو قال: أحَدُكُم - أتَاهُ مَلَكانِ أسْوَدَانِ أزْرَقَانِ، يقالُ لأحَدِهِما: المنكَرُ، ولَآخَرَ: النَّكِيرُ، فَيَقُولانِ: ما كُنْتَ تقولُ في هذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ ما كانَ يقولُ: هو عبدُ الله ورسولُهُ، أَشْهَدُ أنَّ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ. فَيقُولانِ: قد كنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقولُ هذا، ثُمَّ يُفْسَحُ لهُ في قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا في سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لهُ فيهِ، ثمَّ يقالُ لهُ: نَم. فَيَقُولُ: أرجِعُ إلى أهلي فَأُخْبِرَهُم؟ فيقولانِ: نم

= الله الفتوح عليه.

قال ابن بطال فيما نقله عنه صاحب "الفتح" 4/ 478: وقوله: "من ترك دينًا فعلي" ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين، وقوله:"فعلي قضاؤه" أي: مما يفيء الله عليه من الغنائم والصدقات، قال: وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين، فإن لم يفعل، فالإثم عليه إن كان حقُّ الميت في بيت المال يفي بقدر ما عليه من الدين، وإلا فبقسطه.

وانظر ما سيأتي برقم (2129).

(1)

جاء بعد هذا في المطبوع: "نحو حديث عبدِ الله بن صالح"، وليس هو في أصولنا الخطية.

ص: 545

كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذي لا يُوقِظُهُ إلا أحَبُّ أهْلِهِ إلَيْهِ، حتى يَبْعَثهُ اللهُ من مَضْجَعِهِ ذَلِكَ. وإن كانَ مُنَافِقًا، قال: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولونَ فَقُلتُ مِثْلَهُ، لا أدْرِي. فيقُولانِ: قد كُنَّا نَعْلَم أَنَّكَ تقولُ ذلكَ. فَيُقَالُ للأرضِ: التَئِمِي عليهِ، فتَلتَئِمُ عليهِ، فتَخْتَلِفُ فيهَا أضْلاعُهُ، فلا يَزَالُ فيها مُعَذَّبًا حتى يَبْعَثَهُ اللهُ من مَضْجَعِهِ ذلِكَ"

(1)

.

وفي البابِ عن عليٍّ، وزَيْدِ بنُ ثَابِتٍ، وابن عَبَّاسٍ، والبَرَاءِ بن عازِبٍ، وأبي أَيُّوبَ، وأنَسٍ، وجابِرٍ، وعائِشةَ، وأبي سَعِيدٍ، كُلُّهُم رووا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عَذابِ القَبْرِ.

حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

1095 -

حدَّثنا هنَّادٌ، قال: حدَّثَنَا عَبْدَةُ، عن عُبَيْدِ الله، عن نافعٍ

عن ابنِ عُمَرَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتَ المَيِّتُ عُرِضَ عليه مَقْعَدُه، فإن كان من أهلِ الجَنَّةِ، فمِن أهلِ الجَنَّةٍ، وإن كانَ من أهلِ النَّارِ، فمِن أهْلِ النَّارٍ، ثمَّ يقالُ: هذا مقعدكَ حتى

(1)

حديث حسن. وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(864)، وابن حبان (3117)، والآجري في "الشريعة" ص 365، والبيهقي في "إثبات عذاب القبر"(56).

والمراد بالنفاق في هذا الحديث النفاق الاعتقادي الذي يخرج صاحبه عن الملة.

وفي حديث أنس عند البخاري (1374): "وأما المنافق والكافر"، وفي رواية عنده (1338)"وأما المنافق أو الكافر". وانظر فتح الباري 3/ 238.

ص: 546

يبعثكَ اللهُ يومَ القيامةِ"

(1)

.

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

‌72 - باب ما جَاءَ في أجْرِ من عَزَّى مُصَابًا

1096 -

حَدَّثنا يُوسُفُ بنُ عِيسى، قال: حَدَّثَنا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، قال: حَدَّثَنا واللهِ محمدُ بنُ سُوقَةَ، عن إبراهيمَ، عن الأسْوَدِ

عن عبدِ الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"من عَزَّى مُصَابًا، فَلَهُ مِثْلُ أجْرِهِ"

(2)

.

هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفهُ مرفوعًا إلا من حديثِ عليِّ بن عَاصمٍ.

ورَوَى بَعْضُهُمْ عن محمدِ بنِ سُوقَةَ بهذا الإسنادِ، مثلَهُ موقوفًا، ولمْ يرفعهُ.

ويقالُ: أكثرُ ما ابْتُليَ بهِ عليُّ بنُ عاصمٍ بهذا الحديثِ، نَقَمُوا عليهِ.

‌73 - باب ما جَاءَ فِيمَنْ يموت يومَ الجُمُعةِ

1097 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهديٍّ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1379)، ومسلم (2866)، وابن ماجه (4270)، والنسائي 4/ 106 - 107 و 107، وهو في "المسند"(4658)، و"صحيح ابن حبان"(3130).

(2)

إسناده ضعيف لضعف علي بن عاصم - وهو ابن صهيب الواسطي - وهذا الحديث من أعظم ما أنكره الناس عليه. وأخرجه ابن ماجه (1602).

ص: 547

وأبو عامرٍ العقديُّ، قالا: حدَّثنا هشامُ بنُ سعدٍ، عن سعيدِ بنُ أبي هلالٍ، عن ربيعة بنِ سيفٍ

عن عبدِ الله بنُ عَمْرٍو، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسْلِمٍ يمُوت يومَ الجُمعَةِ أو ليلةَ الجمعةِ إلَّا وقاهُ الله فتنةَ القَبْرِ"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ. وليسَ إسنادُه بمُتَّصِلٍ؛ ربيعةُ بنُ سيفٍ إنما يروي عن أبي عبد الرحمنِ الحُبُليِّ، عن عبدِ الله بنِ عَمْرٍو، ولا نَعْرِفُ لربيعةَ بنِ سيفٍ سماعًا من عبدِ الله بنُ عَمْرو.

‌74 - باب ما جَاءَ في تَعْجِيلِ الجَنازَةِ

1098 -

حدَّثنا قُتَيْبةُ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ وهْبٍ، عن سعيدِ بن عبد الله الجُهَنيِّ، عن محمدِ بنِ عُمر بن عليَّ بنُ أبي طالبٍ، عن أبيهِ

عن عليِّ بنُ أبي طالبٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لهُ: "يا عليُّ ثَلاثٌ لا تُؤَخِّرْهَا: "الصَّلاةُ إذا أتَت، والجَنازَةُ إذا حَضَرَت، والأيِّمُ إذا وجَدْتَ لها كُفْئًا"

(2)

.

هذا حديثٌ غريبٌ، وما أرَى إسنادَه متصلًا.

‌75 - باب آخَرُ في فَضْلِ التَّعْزِيَةِ

1099 -

حدَّثنا محمدُ بنُ حاتِم المؤدبُ، قال: حدَّثنا يونُسُ بنُ

(1)

إسناده ضعيف لضعف هشام بن سعد وربيعة بن سيف. وأخرجه أحمد في "المسند"(6582)، وانظر تمام الكلام عليه فيه.

(2)

إسناده ضعيف، وهو مكرر (170).

ص: 548

محمدٍ، قال: حدَّثتنا أُمُّ الأسوَدِ، عن مُنْيةَ ابنةِ عُبَيْدِ بنِ أبي بَرْزَةَ

عن جَدِّها أبي بَرْزَةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من عزَّى ثَكْلَى، كُسِيَ بُرْدًا في الجَنةِ"

(1)

.

هذا حديثٌ غريبٌ، وليس إسناده بالقَويِّ.

‌76 - باب ما جَاءَ في رَفْعِ اليَدينِ على الجَنازَةِ

1100 -

حدثنا القَاسِمُ بنُ دينارٍ الكُوفِيُّ، قال: حَدَّثَنَا إسماعِيل بنُ أبانَ الورَّاقُ، عن يحيى بنِ يعلى الأسلمي، عن أبي فَرْوَةَ يزيدَ بنُ سِنَانٍ، عن زيدِ بنِ أبي أُنَيْسَةَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ

عن أبي هريرةَ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّر على جَنازةٍ، فَرفعَ يَديهِ في أوّلِ تكْبِيرَةٍ، ووضعَ اليُمْنَى على اليُسرى

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف أم الأسود - وهي الخزاعية - وجهالة حال مُنْية ابنة عبيد بن أبي برزة، وأخرجه أبو يعلى (7439)، والمزي في "تهذيب الكمال" 35/ 311.

وفي الباب حديث أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الجنة" أخرجه ابن ماجه (764) وسنده ضعيف لضعف قيس أبي عمارة راويه عن أبي بكر بن حزم.

وآخر من حديث أنس عند الخطيب في "تاريخه" 7/ 397 بلفظ: "من عزى أخاه المؤمن في مصيبة، كساه الله حلة خضراء يتبختر بها". وفي سنده مجهول، لكن رواه ابن أبي شيبة 3/ 386 عن وكيع، عن أبي مودود، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز موقوفًا، ورجاله ثقات.

(2)

إسناده ضعيف لضعف يحيى بن يعلى الأسلمي وأبي فروة يزيد بن سنان، وأخرجه أبو يعلى (5858)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 2726، والدارقطني =

ص: 549

هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفُهُ إلَّا من هذا الوجهِ.

واختلفَ أهلُ العِلمِ في هذا، فَرَأى أكثرُ أهلِ العِلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أنْ يرفعَ الرَّجُلُ يَدَيْهِ في كُلِّ تكْبيرَةٍ على الجَنازَةِ، وهو قَولُ ابنِ المُبَارَكِ، والشَّافِعِيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقال بعضُ أهلِ العِلمِ: لا يرفعُ يديهِ إلَّا في أوَّلِ مَرَّةٍ

(1)

، وهو قَولُ الثَّورِيِّ، وأهْلِ الكُوفَةِ.

وذُكِرَ عن ابنِ المُبَارَكِ أنَّهُ قال في الصَّلاةِ على الجَنازَةِ: لا يَقْبِضُ بيَمِينِه على شِمالهِ.

ورأى بعضُ أهْلِ العِلمِ أنَّ يَقْبِضَ بِيَمِينِهِ على شِمَالِهِ كما يَفْعَلُ في الصَّلاةِ.

يقبض أحَبُّ إليَّ.

‌77 - باب ما جَاءَ أن نفسَ المُؤمِنِ مُعَلَّقةٌ بِدَينِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ

1101 -

حدَّثنا محمودُ بنُ غيلانَ، قال: حدَّثنا أبو أُسامةَ، عن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَةَ، عن سَعْدِ بنُ إبراهيمَ، عن أبي سلمةَ

= 2/ 74 - 75 و 75، والبيهقي 4/ 38.

(1)

أخرج الدارقطني 2/ 75 من حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود. وإسناده ضعيف.

ص: 550

عن أبي هُريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نفسُ المُؤمِنِ مُعلَّقةٌ بدَيْنِه حتى يُقْضَى عنه"

(1)

.

1102 -

حدَّثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ سعدٍ، عن أبيه، عن عُمَرَ بنُ أبي سَلمةَ، عن أبيهِ

عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"نفسُ المؤمنِ معلَّقةٌ بدَيْنِه حتى يُقْضَى عنه"

(2)

.

هذا حديثٌ حسنٌ. وهو أصحُّ من الأوَّل.

(1)

حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه (2413)، وهو في "المسند"(9679)، و"صحيح ابن حبان"(3061).

(2)

حديث صحيح، وانظر ما قبله.

قال في "مرقاة المفاتيح" 3/ 340: المعنى أنه لا يظفر بمقصوده من دخول الجنة، أو من المرتبة العالية، أو في زمرة عباد الله الصالحين، أو لا تجد روحُه اللذة ما دام عليه الدين، ثم قيل: المدين الذي يُحبس عن الجنة حتى يقع القصاص هو الذي صرف ما استدانه في سَفَهٍ أو سرف، وأما ما استدانه في حقٍّ واجب كفاقةٍ، ولم يترك وفاءً، فإنَّ الله تعالى لا يحبسه عن الجنة إن شاء الله تعالى، لأن السلطان كان عليه أن يؤدي عنه - انظر الحديث السالف برقم (1093) -، فإذا لم يؤد عنه يقضي الله تعالى عنه بإرضاء خصمائه كما عند البخاري (2387).

ص: 551

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب النكاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

‌1 - باب ما جاء في فَضْلِ التزْويج والحَثِّ عَلَيْهِ

1103 -

حَدَّثَنا سُفْيانُ بنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنا حَفص بنُ غِياثٍ، عن الحَجَّاجٍ، عن مَكْحولٍ، عن أبي الشَّمالِ

عن أبي أيُّوب، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أرْبَعٌ من سُننِ المُرْسَلينَ: الحَياءُ، والتَّعَطُّرُ، والسِّواكُ، والنِّكاحُ"

(1)

.

وفي البابِ عن عُثْمانَ، وثَوْبانَ، وابنِ مَسْعودٍ، وعائشَةَ، وعَبْد الله بنُ عَمرو، وأبي نَجيحٍ، وجَابِر، وعَكَّاف.

حَديثُ أبي أيُّوبَ حَديثٌ حَسنٌ غريبٌ.

1104 -

حَدَّثَنا محمودُ بنُ خِداشٍ، حدَّثَنا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عن الحَجَّاج، عن مَكْحولٍ، عن أبي الشِّمالٍ، عن أبي أيُّوبَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحو حَديثِ حفصٍ.

(1)

إسناده ضعيف لجهالة أبي الشمال، وأخرجه عبد الرزاق (10390)، وابن أبي شيبة 1/ 170، وأحمد (23581)، وعبد بن حميد (220). وله شاهدان ضعيفان تخريجهما في "المسند"، ولعل الترمذي حسنه لأجل هذين الشاهدين.

ص: 553

وَرَوى هذا الحديث هُشَيْمٌ ومُحَمَّدُ بنُ يزيد الوَاسطيُّ وأبو مُعاويةَ وغَيرُ واحدٍ، عن الحَجَّاجِ، عن مَكْحولٍ، عن أبي أيُّوبَ، ولم يَذْكروا فيه: عن أبي الشِّمالِ.

وحَديثُ حَفْصِ بن غِياثٍ وعَبَّاد بن العَوَّام أصَحُّ.

1105 -

حَدَّثَنا مَحمودُ بنُ غَيْلانَ، حدَّثَنا أبو أحمدَ، أخبرنا سفيانُ، عن الأعْمشِ، عن عُمارَةَ بنُ عُمَيْرٍ، عن عبدِ الرَّحْمنِ بن يَزيدَ

عن عبد الله بن مَسْعودٍ، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ شبابٌ لا نقْدِرُ على شَيءٍ، وقال:"يا مَعْشرَ الشَّبَابِ عَلَيكُمْ بالبَاءَةِ، فإنه أغَضُّ للبَصَرِ، وأحْصَنُ للفَرْجِ، فمَن لم يَسْتَطِع منكم الباءَةَ، فَعَليهِ بالصومِ، فإنَّ الصومَ له وِجَاءٌ"

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

1106 -

حَدَّثنا الحَسَن بنُ عليٍّ الخَلَّالُ، حدَّثَنا عبدُ الله بنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، عن عُمَارَةَ، نحوَهُ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400)، وأبو داود (2046)، وابن ماجه (1845)، والنسائي 4/ 169 - 170 و 170 و 6/ 57 و 57 - 58 و 58، وهو في "المسند"(4023)، و"صحيح ابن حبان"(4026).

قال البغوي في "شرح السنة" 9/ 4: والباءة: كنابة عن النكاح، ويقال للجماع أيضًا: الباءة، وأصلها المكان، والذي يأوي إليه الإنسان، ومنه اشتق مباءة الغنم، وهي الموضع الذي تأوي إليه بالليل، سمي النكاح بها، لأن من تزوج امرأةً بوأها منزلًا.

والوجاء: دق الأنثيين، والخِصاء: نزعهما، ومعناه: أنه يقطع النكاح.

ص: 554

وقد رَوَى غيرُ وَاحدٍ عن الأعْمشِ بهذا الإسنادِ، مِثلَ هذا.

ورَوَى أبو معاوية والمُحارِبيُّ، عن الأعْمَش، عن إبرَاهيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عبدِ الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ

(1)

.

‌2 - باب ما جَاءَ في النَّهْيِ عن التَّبَتل

1107 -

حدَّثَنا الحَسَنُ بنُ عليًّ الخَلَّالُ وغير واحدٍ، قالوا: حدَّثنا عبدُ الرزَّاق، أخبَرَنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْريِّ، عن سَعيدِ بن المُسَيَّب

عن سَعْدِ بنُ أبي وَقاصٍ، قال: رَدَّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عُثمانَ بن مَظْعُونٍ التَّبَتُّل، ولو أذنَ لَه، لاخْتَصَيْنا

(2)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صحيحٌ.

1108 -

حَدَّثَنا أبو هِشام الرِّفَاعيُّ وزَيدُ بنُ أخزَمَ الطَّائيُّ وإسحاقُ بن إبراهيمَ البَصْرِيُّ، قالوا: حَدَّثَنا مُعَاذُ بنُ هِشامٍ، عن أبيهِ، عن قَتادَةَ، عن الحسنِ

عن سَمُرَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن التَّبَتُّلِ

(3)

.

(1)

هو في "المسند"(3592)، ومسلم (1400) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5073)، ومسلم (1402)، وابن ماجه (1848)، والنسائي 6/ 58، وهو في "المسند"(1514)، و"صحيح ابن حبان"(4027).

(3)

حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه (1849)، والنسائي 6/ 59، وهو في "المسند"(20192).

ويشهد له حديث سعد بن أبي وقاص السالف. =

ص: 555

وزَادَ زَيْدُ بنُ أخْزَمَ في حديثه وقَرَأَ قَتَادةُ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

وفي البَابِ عن سَعْدٍ، وأنَسِ بن مالكٍ، وعائِشَةَ، وابن عباسٍ.

حَديثُ سَمُرَةَ حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ.

ورَوَى الأشعَثُ بنُ عبدِ الملك هذا الحديث عن الحَسَن، عن سَعْدِ بنُ هشامٍ، عن عائِشَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ

(1)

.

ويُقالُ: كلا الحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ.

‌3 - باب ما جاءَ فيمن تَرْضَوْنَ دِينَه فَزَوِّجُوهُ

1109 -

حَدَّثَنا قُتَيبَةُ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الحميدِ بنُ سُلَيْمانَ، عن ابن عَجْلانَ، عن ابن وثيمةَ النَّصريِّ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خَطَبَ إلَيْكُم من تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ، فزَوِّجُوهُ، إلَّا تَفْعلُوا، تكُنْ فِتنةٌ في الأرضِ، وفَسَادٌ عَرِيضٌ"

(2)

.

= والتبتل: هو الانقطاع عن النساء، وترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة الله.

(1)

أخرجه من هذا الطريق أحمد (24943)، والنسائي 6/ 58 - 59. ورجح النسائي حديث أشعث، فقال: قتادة أثبت وأحفظ من أشعث، وحديث أشعث أشبه بالصواب، والله تعالى أعلم. وقال أبو حاتم الرازي في "العلل" لابنه 1/ 402: قتادة أحفظ من أشعث، وأحسب الحديثين صحيحين، لأن لسعد بن هشام قصة في سؤال عائشة عن ترك النكاح - يعني التبتل.

(2)

حديث حسن لغيره، وهذا سند ضعيف، عبد الحميد بن سليمان ضعيف، وابن وثيمة - واسمه زفر - وثقه ابن معين ودحيم، وقول الحافظ عنه في "التقريب": =

ص: 556

وفي البَابِ عن أبي حَاتِمٍ المُزَنيِّ، وعائِشَةَ.

حَديثُ أبي هُرَيْرةَ، قد خُولِفَ عبدُ الحمِيدِ بن سُلَيْمانَ في هذا الحديثِ، فرَواهُ اللَّيْثُ بن سعدٍ، عن ابنِ عَجْلانَ، عن أبي هُرَيرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلًا

(1)

.

قال مُحَمدٌ: وحديثُ اللَّيثِ أشْبَهُ. ولم يَعُدَّ حَدِيثَ عبد الحَميدِ مَحْفُوظًا.

1110 -

حدَّثَنا مُحَمدُ بن عمرٍو، حَدَّثَنا حَاتِمُ بن إسمَاعِيلَ، عن عبدِ الله بن مسلم بن هُرْمُزَ

(2)

، عن مُحَمدٍ وسَعِيدٍ ابْنَيْ عُبَيد

= مقبول، غير مقبول.

وانظر الحديث الآتي.

(1)

أي: منقطعًا، ويطلق المرسل على المنقطع عند الأئمة المتقدمين، والانقطاع هنا بين ابن عجلان وبين أبي هريرة.

(2)

كذا وقع في الأصول: "عبد الله بن مسلم بن هرمز"، وذكره ابن عساكر في "الأطراف" كذلك، وتعقبه الحافظ المزي في "التحفة" 9/ 142 فقال: وكذا وقع في بعض النسخ المتأخرة من الترمذي، وهو خطأ، وفي الأصول القديمة الصحيحة: عبد الله بن هرمز، وهو الصواب.

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 2/ 449: قلت: ووقع في رواية الترمذي: حدثنا عبد الله بن هرمز كما هنا، وهو عنده عن محمد بن عمرو، عن حاتم بن إسماعيل، عنه، ووقع في بعض نسخ الترمذي: عبد الله بن مسلم بن هرمز، وعليه اعتمد ابن عساكر في "الأطراف"، وفي رواية أبي داود: حدثنا ابن هرمز الفَدَكي، وهو عنده عن يحيى بن معين، عن حاتم، ولم يسمه.

وقد روى أبو علي بن السكن الحديث المذكور في كتاب "الصحابة" فقال: =

ص: 557

عن أبي حاتمٍ المُزَنيِّ، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إذا جَاءَكُم مَن تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ، فأنكِحُوهُ، إلَّا تَفْعَلُوا، تكُنْ فِتنةٌ في الأرْضِ وفَسَادٌ" قالُوا: يا رَسولَ اللهِ وإنْ كانَ فيهِ؟ قالَ: "إذا جاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ، فأنكِحُوهُ" ثلاثَ مراتٍ

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ غَريبٌ، وأبو حَاتِمٍ المُزنيُّ له صُحْبةٌ، ولا نعرِف له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هذا الحديثِ.

= حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي، حدثنا حاتم، حدثني عبد الله بن مسلم بن هرمز. والله أعلم بالصواب.

(1)

حسن بما قبله، محمد وسعيد ابنا عبيد مجهولان، وابن هرمز الراوي عنهما ضعيف، لكنه يتقوى بما قبله، وأخرجه البخاري في "تاريخه" 9/ 26 (206)، والطبراني في "الكبير" 22/ 762، والدولابي في "الكنى"(159)، والبيهقي 7/ 82.

وأخرج مسلم في "صحيحه"(1480) عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:"انكحي أسامة" فأمرها بنكاح أسامة مولاه بن مولاه، وهي قرشية، وقدمه على أكفائها معاوية بن أبي سفيان وأبي جهم.

وروى البخاري (5088) في النكاح: باب الأكفاء في الدين عن عائشة: أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - وكان ممن شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالمًا، وأنكحه بنت أخيه هندًا بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار ..

واعتبار الدين وحده في الكفاءة، وكون أهل الإسلام كلهم بعضهم أكفاء لبعض هو مذهب مالك، ويُروى معناه عن عمر وعبد الله بن مسعود، وبه قال محمد بن سيرين، وعُبيد بن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وابن عون، وحماد بن أبي سليمان.

ص: 558

‌4 - باب ما جاء فيمن تُنكحُ على ثَلاثِ خصالٍ

1111 -

حَدَّثنا أحمدُ بن مُحمَّدِ بن موسَى، أخْبَرنا إسحاقُ بن يوسُفَ الأزرَق، أخبرنا عبدُ الملك بن أبي سُلَيمانَ، عن عطاءٍ

عن جابرٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إنَّ المرأةَ تُنكَحُ على ديِنها ومالِها وجمالِها، فعَلَيك بذات الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ"

(1)

.

وفي البابِ عن عوفِ بن مالكٍ، وعائِشةَ، وعبد الله بن عَمْرو، وأبي سعيدٍ.

حديثُ جابرٍ حَديثٌ حَسنٌ صحيحٌ.

‌5 - باب ما جاءَ في النَّظَر إلى المَخْطوبَةِ

1112 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنيعٍ، حَدَّثَنا ابنُ أبي زائدةَ، حَدَّثَني عاصمُ بن سُلَيْمان - هو الأحْوَلُ - عن بكرِ بن عبد الله المُزَنيِّ

عن المُغيرَةِ بن شُعْبَةَ: أنه خَطَبَ امرأةً، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"انظرْ إلَيْها، فإنه أحرَى أنْ يُؤْدَمَ بينكُما"

(2)

.

وفي البابِ عن مُحمدِ بن مَسْلمة، وجابرٍ، وأنس، وأبي

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم ص 1078 (54)، والنسائي 6/ 65. وهو في "المسند" (14237).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه ابن ماجه (1866)، والنسائي 6/ 69، وهو في "المسند"(18137).

وفي الباب عن أبي هريرة عند مسلم (1424)، وأحمد (7842)، وانظر تتمة شواهده في "المسند".

ص: 559

حُمَيْدٍ، وأبي هُرَيرةَ.

هذا حديثٌ حَسَنٌ.

وقد ذَهَبَ بَعْضُ أهْل العلم إلى هذا الحديثِ، وقالوا: لا بأسَ أن يَنظرَ إليها ما لم يَرَ منها مُحَرَّمًا، وهو قَوْلُ أحمدَ وإسحاقَ.

ومعنى قوله: "أحرى أنْ يُؤدمَ بَينكما"، قال: أحْرى أن تَدومَ المَودَّةُ بَينكما.

‌6 - باب ما جاءَ في إعْلان النِّكاحِ

1113 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنيعٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أخبرنا أبو بَلْجٍ

عن محمد بن حَاطبٍ الجُمَحِيِّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ ما بينَ الحَلالِ والحَرامِ الدُّفُّ والصَّوتُ"

(1)

.

وفي الباب عن عائِشَة، وجابِرٍ، والرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ.

وحَديثُ مُحمدِ بن حاطبٍ حَديثٌ حَسنٌ.

وأبو بَلْجٍ: اسْمُهُ يحيى بن أبي سُلَيْمٍ، ويُقال: ابن سُلَيْمٍ أيضًا، ومحمدُ بن حاطبٍ قد رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو غُلامٌ صغيرٌ.

1114 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنِيع، حَدَّثَنا يزيدُ بن هارونَ، قال: أخبرنا عيسى بن مَيْمونٍ الأنْصاريُّ، عن القاسم بن محمدٍ

(1)

حديث حسن كما قال المصنف، وأخرجه ابن ماجه (1896)، والنسائي 6/ 127. وهو في "المسند" (15451).

ص: 560

عن عائِشةَ، قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أعْلِنُوا هذا النِّكاحَ، واجْعَلوهُ في المساجِدِ، واضْرِبُوا عليهِ بالدُّفوفِ"

(1)

.

هذا حَديثٌ غَريب حَسَنٌ في هذا الباب، وعيسى بن مَيْمون الأنْصاريُّ يُضَعَّفُ في الحديثِ، وعيسى بن مَيْمون الذي يروي عن ابنِ أبي نَجيحٍ التَّفسيرَ هو ثقةٌ.

1115 -

حَدَّثَنا حُمَيْدُ بن مَسْعَدةَ البَصْريُّ، قال: حَدَّثَنا بِشْرُ بن المُفضَّل، قال: حَدَّثَنا خالدُ بن ذَكْوَانَ

عن الرُّبَيِّع بنتِ مُعوِّذ، قالت: جاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَدخَلَ عَليَّ غداةَ بُنيَ بي، فجلسَ على فراشي كمَجْلسك منِّي، وجُوَيرياتٌ لنا يَضْرِبْنَ بدُفُوفهنَّ، ويَندُبنَ من قُتِلَ من آبائي يومَ بدْرٍ، إلى أن قالت إحداهُنَّ:

وفينا نبيٌّ يَعْلمُ ما في غدٍ

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسْكُتي عن هذه، وقولي التي كُنتِ

(1)

إسناده ضعيف، عيسى بن ميمون الأنصاري ضعفه المصنف وابن معين، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم والفلاس والنسائي: متروك الحديث.

وأخرجه ابن ماجه بتمامه (1895)، وفيه خالد بن إلياس العدوي، وهو متروك الحديث كما قال الحافظ في "التقريب".

ولكن قوله: "أعلنوا النكاح" أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(4066) عن عبد الله بن الزبير، وسنده حسن، وقال ابن حبان بإثره: معناه: أعلنوا بشاهدين عدلين.

وقوله: "واضربوا عليه بالدفوف" يغني عنه الحديث السالف.

ص: 561

تقولينَ قَبْلَها"

(1)

.

هذا حديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

‌7 - باب ما يُقالُ للمُتزوِّجِ

1116 -

حَدَّثَنا قُتَيبةُ، حَدَّثَنا عبدُ العزيز بن مُحمدٍ، عَن سُهيلِ بن أبي صالحٍ، عن أبيهِ

عن أبي هُريرةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رفَّأ الإنسانَ إذا تزوَّجَ، قال:"بارَكَ اللهُ لكَ وبارَكَ عليكَ، وجمع بَينكُما في الخيْرِ"

(2)

.

وفي البابِ عن عَقِيل بن أبي طالبٍ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (4001)، وأبو داود (4922)، وابن ماجه (1897) والنسائي في "الكبرى"(5563)، وهو في "المسند"(27021)، و"صحيح ابن حبان"(5878).

قال العلماء: إنما أنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرته من الإطراء حيث نسبت علم الغيب له صلى الله عليه وسلم، وهي صفة تختص بالله تعالى كما قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] وقوله لنبيه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف: 188]، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله تعالى إياه، لا أنه يستقلُّ بعلم ذلك، كما قال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27].

(2)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2130)، وابن ماجه (1905). وهو في "المسند"(8957)، و"صحيح ابن حبان"(4052).

وفي الباب عن عقيل بن أبي طالب عند أحمد (1739)، وإسناده ضعيف وانظر تتمة أحاديث الباب فيه.

وانظر حديث أنس الآتي برقم (1119).

ص: 562

حَديثُ أبي هُريرةَ حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ.

‌8 - باب ما يقولُ إذا دخلَ على أهلِهِ

1117 -

حَدَّثَنا ابن أبي عُمرَ، حَدَّثَنا سفيانُ بنُ عُيَينةَ، عن منصورٍ، عن سالمِ بن أبي الجَعْدِ، عن كُريْبٍ

عن ابن عباسٍ، قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو أنَّ أحدَكُم، إذا أتى أهْلَهُ، قالَ: بِسم الله، اللَّهُمَّ جَنِّبنا الشيطانَ، وجنِّبِ الشيطانَ ما رَزَقْتَنا، فإنْ قضى اللهُ بينهُما وَلَدًا، لم يَضُرَّهُ الشيطانُ"

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

‌9 - باب ما جاءَ في الأوقاتِ التي يُسْتَحبُّ فيها النَّكاحُ

1118 -

حدَّثَنا بندارٌ، حَدَّثَنا يحيى بنُ سَعيدٍ، حَدَّثَنا سفيانُ، عن إسماعيلَ بنِ أميّةَ، عن عبد الله بن عُروةَ، عن عُروةَ

عن عائِشةَ، قالت: تَزوَّجَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوَّالٍ، وبَنى بي في شوَّالٍ

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (141)، ومسلم (1434)، وأبو داود (2161)، وابن ماجه (1919)، والنسائي في "الكبرى"(9030) و (9031) و (10096 - 10100)، وهو في "المسند"(1867)، و"صحيح ابن حبان"(983).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1423)، وابن ماجه (1990)، والنسائي 6/ 70 و 130. وهو في "المسند" (24272) و (25716)، و"صحيح ابن حبان" (4058).

ص: 563

وكانت عائشةُ تَسْتَحِبُّ أن يُبنى بنِسائها في شوَّال.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ غَريبٌ، لا نعرفه إلا مِن حديث الثَّوريِّ، عن إسماعيلَ بن أمَيّةَ.

‌10 - باب ما جاء في الوَليمةِ

1119 -

حَدَّثَنا قُتَيْبةُ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زيدٍ، عن ثابتٍ

عن أنس بن مالك، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأى على عبد الرحمن بنِ عوفٍ أثرَ صُفْرَةٍ، فقالَ:"ما هذا؟ " فقالَ: إني تزوجتُ امرأةً على وَزْن نَواةٍ من ذهبٍ، فقالَ:"بارَكَ اللهُ لكَ، أوْلِم ولَو بشاةٍ"

(1)

.

وفي الباب عن ابنِ مَسعودٍ، وعائشةَ، وجابرٍ، وزُهيْر بن عُثمانَ.

حَديثُ أنسٍ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

وقال أحمدُ بن حنبلٍ: وزنُ نواةٍ من ذهب: وَزنُ ثلاثةِ دراهمَ وثلثٍ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2049) و (5155)، ومسلم (1427)، وأبو داود (2109)، وابن ماجه (1907)، والنسائي 6/ 119 و 120 و 128 و 129 و 137. وهو في "المسند" (12685)، و"صحيح ابن حبان" (4060) و (4096).

وسيأتي برقم (2046).

ص: 564

وقال إسحاقُ: هو وزنُ خَمسةِ دراهمَ

(1)

.

1120 -

حَدَّثَنا ابن أبي عُمرَ، قال: حَدَّثَنا سفيانُ بن عُيَيْنةَ، عن وائلِ بن داوُدَ، عن ابنه، عن الزُّهريِّ

عن أنس بن مالكٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أوْلَمَ على صفيةَ بنت حُيَيٍّ بسوَيقٍ وتمرٍ

(2)

.

هذا حَديثٌ غَريبٌ.

1121 -

حَدَّثَنا مُحمدُ بن يحيى، قال: حَدَّثَنا الحُمَيديُّ، عن سفيانَ، نحوَ هذا.

وقد رَوَى غيرُ واحدٍ هذا الحَديثَ عن ابن عُيَينةَ، عن الزُّهريِّ، عن أنسٍ، ولم يذكروا فيه: عن وائلٍ، عن ابنِهِ

(3)

.

وكان سفيانُ بن عُيَينةَ يُدلِّسُ في هذا الحديثِ، فرُبما لم يَذكرْ فيه: عن وائل، عن ابنه، وربما ذَكرَهُ

(4)

.

1122 -

حَدَّثَنا مُحمدُ بنُ موسى البَصْريُّ، حَدَّثَنا زيادُ بن عبد الله،

(1)

في المطبوع زيادة: "وثلث" وليست في أصولنا.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (3744)، وابن ماجه (1909)، وهو عند أحمد (12078)، وابن حبان (4061).

والسويق: طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير، سُمي بذلك لانسياقه في الحلق.

(3)

حديث صحيح، وانظر ما قبله.

(4)

قد بين ابن عيينة سبب ذلك، فقد روى عنه الحميدي (1184)، ومن طريقه أبو يعلى (3580) عقب هذا الحديث قوله: وقد سمعت الزهري يحدث به، فلم أحفظه، وكان بكر بن وائل يجالس الزهري معنا.

ص: 565

حَدَّثنا عطاءُ بن السَّائِبِ، عَنْ أبي عبد الرَّحمنِ

عن ابن مسعودٍ، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "طَعَامُ أوَّلِ يَومٍ حقٌّ، وطعامُ يومِ الثانِي سُنّةٌ، وطَعامُ يومِ الثالثِ سُمْعةٌ، ومن سَمَّعَ، سَمَّعَ اللهُ به"

(1)

.

حَديثُ ابن مسعودٍ لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديثِ زيادِ بن عبد الله، وزياد بن عبد الله كثير الغَرَائب والمَناكير.

وسمعتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ يذكرُ عن مُحمدِ بن عُقبةَ، قال: قال وكيعٌ: زيادُ بن عبد الله، مع شَرَفِهِ، لا يكذبُ في الحديثِ.

‌11 - باب ما جاء في إجابة الدَّاعي

1123 -

حَدَّثنا أبو سَلمة يحيى بنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنا بشْر بن المُفضَّل، عن إسماعيلَ بن أميةَ، عن نافعٍ

عن ابن عُمرَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتُوا الدعوةَ إذا دُعِيتُمْ"

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف، وأخرجه الطبراني (10332)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 150، والبيهقي 7/ 260.

وأخرجه موقوفًا الطبراني (8967).

وفي الباب عن زهير بن عثمان عند أحمد (20324)، وأبي داود (3745) وإسناده ضعيف، وانظر تتمة أحاديث الباب في "المسند".

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5173)، ومسلم (1429)، وأبو داود (3736 - 3739)، وابن ماجه (1914). وهو في "المسند"(5367).

ص: 566

وفي الباب عن عليٍّ، وأبي هريرةَ، والبراءِ، وأنسٍ، وأبي أيوبَ.

حَديثُ ابنِ عمرَ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

‌12 - باب ما جاءَ فيمن يجيءُ إلى الوليمةِ بغيرِ دَعْوةٍ

1124 -

حَدَّثَنا هَنادٌ، حَدَّثَنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن شقيقٍ

عن أبي مسعودٍ

(1)

، قال: جاء رجل يقُالُ له: أبو شُعيبٍ إلى غُلامٍ له لحَّامٍ، فقال: اصنع لي طعامًا يكفي خمسةً، فإني رأيتُ في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجُوعَ. قال: فصنعَ طعامًا، ثم أرسلَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فدعاهُ وجُلَساءَهُ الذين معه، فلما قامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم اتَّبعهُم رجلٌ لم يكن مَعَهُمْ حين دُعُوا، فلما انتهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى البابِ قال لصاحب المنزل:"إنَّه اتَّبعَنا رجلٌ لم يكنْ معنا حينَ دَعوتنا، فإن أذِنتَ له، دَخَلَ". قال: فقد أذِنا له، فليدخُلْ

(2)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

وفي الباب عن ابن عُمرَ.

(1)

في (ب): ابن مسعود، وهو خطأ.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2081)، ومسلم (2036)، وهو في "المسند"(14801)، و"صحيح ابن حبان"(5300).

ص: 567

‌13 - باب ما جاءَ في تَزْويج الأبْكارِ

1125 -

حَدَّثَنا قُتَيبةُ، حَدَّثَنا حمَّادُ بن زيدٍ، عن عَمرو بن دينارٍ

عن جابرِ بن عبد الله، قال: تزوجتُ امرأةً، فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"أتزوجتَ يا جابرُ؟ " فقلت: نعم. قال: "بِكْرًا أم ثَيِّبًا؟ " فقلتُ: لا، بل ثيِّبًا. فقال:"هلَّا جاريةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك؟ " فقلتُ: يا رسولَ الله إنَّ عبد الله ماتَ وترك سَبْعَ بناتٍ أو تسع بنات

(1)

، فجئتُ بمن يقومُ عَلَيْهنَّ. فَدَعا لي

(2)

.

وفي البابِ عن أُبَيِّ بن كَعبٍ، وكَعب بن عُجْرةَ.

حَديثُ جابر حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

‌14 - باب ما جاء لا نكاحَ إلا بوَليٍّ

1126 -

حَدَّثَنا عليُّ بن حُجْرٍ، أخبرنا شريكُ بن عَبد اللهِ، عن أبي إسحاقَ (ح)

وحَدَّثَنا قُتيبةُ، حَدَّثَنا أبو عَوَانةَ، عن أبي إسحاقَ (ح)

وحَدَّثَنا بُنْدار، حَدَّثَنا عبد الرحمن بن مهديٍّ، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ (ح)

(1)

المثبت من (ب)، وفي بقية النسخ "تسع" دون لفظة بنات.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5079)، ومسلم ص 1087 و 1088، وأبو داود (2048)، وابن ماجه (186)، والنسائي 6/ 61 و 65، وهو في "المسند"(14132)، و"صحيح ابن حبان"(7138) و (7143).

ص: 568

وحَدَّثَنا عبد الله بن أبي زيادٍ، حَدَّثَنا زيدُ بن حُباب، عن يونسَ بن أبي إسحاقَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي بُرْدَةَ

عن أبي مُوسى، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا نِكاحَ إلَّا بوَلِيٍّ"

(1)

.

وفي الباب عن عائِشَةَ، وابن عباسٍ، وأبي هريرةَ، وعِمْرانَ بن حُصَين، وأنسٍ.

1127 -

حَدَّثَنا ابن أبي عُمرَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بن عُيَينةَ، عن ابن جُريجٍ، عن سُليمان، عن الزُّهْريِّ، عن عُروةَ

عن عائشةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أيُّما امرأةٍ نُكِحَتْ بغيرِ إذْنِ وَليِّها، فنِكاحُها باطلٌ، فنِكاحُها باطلٌ، فنِكاحُها

(2)

باطلٌ، فإن دَخَلَ بها، فلها المَهْرُ بما استَحَلَّ من فَرْجِها، فإن اشْتجروا، فالسلطانُ وَليُّ من لا وَليَّ له"

(3)

.

هذا حَديثٌ حَسَنٌ. وقد رَوى يَحْيى بن سَعيدٍ الأنْصارِيُّ، ويَحْيَى بن أيُّوبَ، وسُفْيانُ الثَّوريُّ، وغَيْرُ وَاحدٍ من الحُفَّاظِ، عن

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2085)، وابن ماجه (1881)، وهو في "المسند"(19518)، و"صحيح ابن حبان"(4077).

(2)

من هنا فُقدت ورقة من نسخة (ب) إلى قوله: "روى غير واحد، عن سعيد بن أبي عروبة" عند الحديث رقم (1130).

(3)

حديث حسن. وأخرجه أبو داود (2083) و (2084)، وابن ماجه (1879) وهو في "المسند"(24205) و (24372) و (25326) و (26235)، و"صحيح ابن حبان"(4074).

ص: 569

ابنِ جُريْجٍ، نَحْوَ هذا.

وحديثُ أبي موسى حديثٌ فيه اختلافٌ:

رواه إسرائيلُ وشريكُ بنُ عبد الله وأبو عوانةَ وزهير بن معاويةَ وقيس بن الربيعِ: عن أبي إسحاقَ، عن أبي بردةَ، عن أبي موسى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ورواه أسباطُ بن محمدٍ، وزيد بن حُبابٍ: عن يونُس بن أبي إسحاقَ

(1)

، عن أبي بُردةَ، عن أبي موسى، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

وروى أبو عُبيدةَ الحَدَّاد: عن يونس بن أبي إسحاقَ، عن أبي بُردةَ، عن أبي موسى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوه، ولم يذكر فيه: عن أبي إسحاق.

وقد رُويَ عن يونس بن أبي إسحاقَ، عن أبي بُردةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وروى شُعْبةُ والثَّوريُّ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي بُرْدَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم "لا نِكاحَ إلَّا بِوَليٍّ".

وقد ذكرَ بعضُ أصحابِ سُفيان: عن أبي إسحاقَ، عن أبي بُردةَ، عن أبي موسى. ولا يَصِحُّ.

ورِوايةُ هؤلاءِ الذينَ روَوا عن أبي إسحاقَ، عن أبي بُردةَ، عن أبي موسى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم "لا نِكاحَ إلَّا بوَلِيًّ" عِنْدي أصحُّ، لأن

(1)

زاد هنا في المطبوع: "عن أبي إسحاق"، وليس ذلك في أصولنا الخطية.

ص: 570

سماعَهم من أبي إسحاقَ في أوقاتٍ مختلفةٍ، وإن كان شعبةُ والثَّوريُّ أحْفَظَ وأثْبَتَ من جميع هؤلاء الذين روَوا عن أبي إسحاقَ هذا الحديثَ، فإن رواية هؤلاءِ عندي أشْبهُ وأصحُّ، لأنَّ شُعبةَ والثَّوريَّ سَمِعا هذا الحديثَ من أبي إسحاقَ في مجلسٍ واحدٍ، ومما يدلُّ على ذلك: ما

1128 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيلانَ، حَدَّثَنا أبو داود، أنبأنا شُعبةُ، قال:

سمعتُ سفيانَ الثَّوريَّ يسألُ أبا إسحاقَ: أسمعتَ أبا بُردةَ يقولُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا نِكاحَ إلَّا بوَليٍّ"؟ فقال: نعم.

فدَلَّ في هذا الحديثِ أنَّ سماعَ شُعبةَ والثَّوريِّ هذا الحديثَ في وقتٍ واحدٍ، وإسرائيل هو ثَبْتٌ في أبي إسحاقَ.

سمعتُ محمدَ بن المُثنى يقولُ: سمعتُ عبد الرَّحمنِ بن مهديًّ يقول: ما فاتَني الذي فاتني من حَديثِ الثَّوريِّ عن أبي إسْحاقَ، إلَّا لما اتَّكلتُ به على إسرائيلَ، لأنه كان يأتي به أتمَّ.

وحديثُ عائشةَ في هذا الباب عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لا نِكاح إلَّا بوَلِيٍّ" حَديثٌ حسنٌ. روى ابنُ جُريجٍ، عن سُليمان بن موسى، عن الزُّهْرِيَّ، عن عُروةَ، عن عائشةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وروى الحَجّاجُ بن أرطاةَ وجَعفر بن ربيعةَ، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ، عن عائشةَ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ورُوِيَ عن هشام بن عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.

ص: 571

وقد تكلَّمَ بعضُ أهل الحديثِ في حديثِ الزُّهريِّ، عن عُروةَ، عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قال ابن جُريجٍ: ثم لقيتُ الزُّهريَّ فسألته فأنْكَره، فضعفوا هذا الحديثَ من أجل هذا.

وذُكر عن يحيى بن معينٍ، أنه قال: لم يَذكُرْ هذا الحرفَ عن ابن جُريجٍ إلَّا إسماعيلُ بنُ إبراهيم.

قال يحيى بن مَعينٍ: وسَمَاعُ إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن جُريجٍ ليس بذاك، إنما صَحَّحَ كُتبَهُ على كتب عبد المجيدِ بن عبد العزيزِ بن أبي رَوَّادٍ ما سَمِع من ابن جُريجٍ. وضَعّف يحيى روايةَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ، عن ابن جُريجٍ.

والعملُ في هذا البابِ على حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم "لا نِكاحَ إلَّا بِوَليٍّ" عند أهل العِلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم منهم: عُمرُ بن الخطابِ، وعليُّ بن أبي طالبٍ، وعبد الله بن عباسٍ، وأبو هريرةَ وغيرهم.

وهكذا رُويَ عن بعض فقهاء التَّابعينَ: أنهُم قالُوا: لا نِكاحَ إلَّا بوَليٍّ، منهم سعيد بن المُسَيَّبِ، والحَسَنُ البَصريُّ، وشُرَيْحٌ، وإبراهيم النَّخَعيُّ، وعمر بن عبد العزيز وغيرُهم، وبهذا يقولُ سُفيانُ الثوريُّ، والأوزاعيُّ، ومالكٌ، وعبد الله بن المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

‌15 - باب ما جاءَ لا نِكاحَ إلَّا ببَيِّنةٍ

1129 -

حَدَّثنا يوسف بن حَمَّاد البصريُّ، حَدَّثَنا عبد الأعلى، عن

ص: 572

سعيدٍ، عن قتادةَ، عن جابرِ بن زيدٍ

عن ابن عباسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "البَغايا اللَّاتي يُنْكِحنَ أنْفُسَهُنَّ بغَيرِ بَيِّنةٍ"

(1)

.

قال يوسُفُ بن حَمادٍ: رَفعَ عبد الأعلى هذا الحديثَ في التفسيرِ، وأوقفَهُ في كتابِ الطلاقِ، ولم يَرْفَعْهُ.

1130 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، حَدَّثَنا غُنْدَرٌ، عن سعيدٍ نحوَه، ولم يرفَعْهُ. وهذا أصَحُّ

(2)

.

هذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ، لا نعْلمُ أحدًا رَفَعهُ إلَّا ما رُويَ عن عبد الأعْلى، عن سعيدٍ، عن قتادةَ مرفوعًا.

ورُويَ عن عبد الأعْلى، عن سعيدٍ هذا الحديثُ موقوفًا.

(1)

ضعيف، والوقف هو الصواب كما سيبين المصنف. وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" 4/ 312، والطبراني في "الكبير"(12827)، وفي "الأوسط"(4517)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 2522، والبيهقي 7/ 125 - 126.

وأخرجه موقوفًا عبد الرزاق (10481) و (10482)، وابن أبي شيبة 4/ 135.

وأورده مرفوعًا ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 416 ونقل عن أبيه، قال: هذا حديث باطل.

وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن ماجه (1882)، وفي إسناده جميل بن الحسن من العتكي وهو صدوق يخطئ.

وقد أخرجه موقوفًا الشافعي في "مسنده" 2/ 13، وعبد الرزاق (10494)، وابن أبي شيبة 4/ 135، وإسناده صحيح. وانظر "نصب الراية" 3/ 188.

(2)

أي: الموقوف.

ص: 573

والصحيحُ ما رُويَ عن ابن عباسٍ قوله: لا نِكاحَ إلَّا بَبَيِّنةٍ

(1)

.

وهكذا

(2)

رَوى غيرُ واحدٍ عن سعيد بن أبي عَرُوبةَ، نحو هذا، موقوفًا.

وفي البابِ عن عِمران بن حُصَينٍ، وأنسٍ، وأبي هريرةَ.

والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومَن بعدَهُم من التابعينَ وغيرهم؛ قالوا: لا نِكاحَ إلا بشهودٍ، لم يختَلِفوا في ذلك عندنا من مَضى منهُم، إلا قومًا من المتأخرين من أهلِ العلمِ، وإنما اختلفَ أهلُ العلمِ في هذا إذا شَهِدَ واحدٌ بعد واحدٍ، فقال أكثر أهلِ العلمِ من أهل الكوفةِ وغيرهم: لا يَجوزُ النِّكاحُ حتى يشهدَ الشاهِدَانِ معًا عند عُقْدَة النِّكاحِ. وقد رأى بعضُ أهلِ المدينةِ إذا أُشْهِدَ واحدٌ بعد واحدٍ، أنه جائزٌ، إذا أعْلَنُوا ذلك، وهو قَولُ مالكِ بن أنسٍ، وهكذا قالَ إسحاقُ بن إبراهيم فيما حَكى عن أهلِ المدينةِ.

وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: شهادةُ رجلٍ وامرأتين يَجوزُ في النِّكاحِ. وهو قولُ أحمدَ، وإسحاقَ.

(1)

جاء بعد هذا في المطبوعة ما نصه: هكذا روى أصحاب قتادة عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: لا نكاح إلا ببينة. وليس هو في شيء من أصولنا الخطية.

(2)

إلى هنا الورقة المفقودة من (ب).

ص: 574

‌16 - باب ما جاءَ في خُطبةِ النِّكاحِ

1131 -

حَدَّثَنا قُتَيبةُ، حَدَّثَنا عَبْثرُ بن القاسم، عن الأعمَش، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحْوَص

عن عبد الله، قال: علَّمَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ في الصلاةِ والتَّشَهُّدَ في الحاجةِ. قال: "التَّشَهُّدُ في الصلاة: التَّحِيَّاتُ للهِ والصَّلَواتُ والطّيِّباتُ، السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحينَ، أشْهَدُ أن لا إله إلا الله، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُهُ ورَسولُهُ.

والتَّشَهُّدُ في الحاجةِ: إنَّ الحمدَ للهِ نَستَعِينُهُ ونَستَغْفِرهُ، ونَعوذُ باللهِ من شرورِ أنفُسِنا، من يهْدِهِ اللهُ، فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبدُهُ ورسولُهُ" قال: ويقرأُ ثلاثَ آياتٍ.

قالَ عَبثرٌ: ففسَّرها لنا سفيان الثَّوريُّ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]

(1)

وفي البابِ عن عدي بن حاتمٍ.

(1)

حديث صحيح، وقد سلف تخريج التشهد في الصلاة برقم (288).

وأخرج التشهد في الحاجة أبو داود (1097) و (2118) و (2119)، وابن ماجه (1892)، والنسائي 3/ 104 - 105 و 6/ 89. وهو في "المسند" (3720).

ص: 575

حديثُ عبد اللهِ حَديثٌ حَسنٌ؛ رَوَاهُ الأعمَشُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحْوَصِ، عن عبد الله، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ورَواه شُعبةُ عن أبي إسحاقَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبد اللهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وكلا الحَدِيثَين صَحيحٌ، لأنَّ إسرَائيلَ جَمَعَهُمَا، فقالَ: عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحْوصِ، وأبي عُبَيدةَ، عن عبدِ اللهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقد قالَ بعضُ أهلِ العلمِ: إنَّ النِّكاحَ جائزٌ بغيرِ خُطبةٍ، وهو قولُ سفيان الثَّوريِّ وغَيرِهِ من أهلِ العلمِ.

1132 -

حَدَّثَنا أبو هشام الرِّفاعيُّ، قال: حَدَّثَنا ابن فُضَيل، عن عاصم بن كُلَيبٍ، عن أبيهِ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فيها تَشَهُّدٌ، فهيَ كاليَدِ الجَذْماءِ"

(1)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (4841)، وأحمد (8018). وابن حبان (2796) و (2797)، وإسحاق بن راهويه (265) من طرق عن عبد الواحد بن زياد، عن عاصم بن كليب، بهذا الإسناد.

قال المناوي في "فيض القدير": "كل خطبة ليس فيها تشهد" وفي رواية "شهادة" موضع تشهد. "فهي كاليد الجذماء" أي: المقطوعة، والجذم: سرعة القطع، يعني أن كل خطبة لم يؤت فيها بالحمد والثناء على الله، فهي كاليد المقطوعة التي لا فائدة بها إلى صاحبها.

قال ابن العربي: وأراد بالتشهد هنا الشهادتين، من إطلاق الجزء على الكل كما =

ص: 576

هذا حَديثٌ غريبٌ حَسنٌ.

‌17 - باب ما جاءَ في اسْتئمارِ البِكْرِ والثَّيبِ

1133 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بن منصورٍ، قال: أخبرنا محمدُ بن يوسُفَ، قال: حَدَّثَنا الأوزاعيُّ، عن يحيى بن أبي كَثيرٍ، عن أبي سَلَمةَ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنكَحُ الثَّيبُ حتى تُسْتأمرَ، ولا تُنكَحُ البِكْرُ حتى تُستأذَنَ، وإذنُها الصُّموتُ"

(1)

.

وفي البابِ عن عُمرَ وابنِ عباسٍ، وعائشةَ، والعُرسِ بن عَميرةَ.

حَديثُ أبي هُريرة حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ: أنَّ الثَّيبَ لا تُزوَّجُ حتى تُستأمرَ، وإنْ زوَّجها الأبُ من غيرِ أن يَستَأمِرَها، فكَرِهَت ذلك، فالنِّكاحُ مَفْسوخٌ عند عامةِ أهلِ العلمِ.

واختَلَفَ أهلُ العلمِ في تزويجِ الأبكارِ إذا زَوَّجَهُنَّ الآباءُ: فرأى أكثرُ أهلِ العلمِ من أهلِ الكوفةِ وغَيرِهِمْ، أنَّ الأبَ إذا زَوَّجَ البكْرَ وهي بالغةٌ، بغير أمْرِها، فلم تَرضَ بتزويجِ الأبِ فالنَّكاحُ

= في التحيات.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5136)، ومسلم (1419)، وأبو داود (2092)، وابن ماجه (1871)، والنسائي 6/ 85 و 86، وهو في "المسند"(7404).

ص: 577

مفسوخٌ

(1)

.

وقال بعضُ أهلِ المدينةِ: تزويجُ الأبِ على البِكْرِ جائزٌ، وإنْ كَرِهَت ذلك، وهو قولُ مالكِ بن أنسٍ، والشافعيَّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

1134 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قال: حَدَّثنا مالكُ بن أنسٍ، عن عبد الله بن الفَضلِ، عن نافعِ بن جُبَير بن مُطْعِمٍ

عن ابن عباسٍ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأيِّمُ أحَقُّ بِنَفْسِها مِن وَلِيِّها، والبِكْرُ تُسْتأذنُ في نَفْسِها، وإذْنُها صُماتُها"

(2)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ. وقد روى شعبةُ وسفيان الثَّوريُّ، عن مالكِ بن أنسِ هذا الحديث.

واحْتجَّ بعضُ الناسِ في إجازة النَّكاحِ بغيرِ وَليٍّ، بهذا

(1)

في "موطأ" مالك برواية محمد بن الحسن (529) أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الرحمن ومجمِّع ابني يزيد بن جارية الأنصاري، عن خنساء بن خِذام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه وسيأتي تخريجه بعد قليل.

قال محمدُ بن الحسن: لا ينبغي أن تنكح الثيب ولا البكر إذا بلغت إلا بإذنها، فأما إذن البكر فصمتها، وأما إذن الثيب فرضاها بلسانها، زوَّجَها والدها أو غيره، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1421)، وأبو داود (2098) و (2099) و (2100)، وابن ماجه (1870)، والنسائي 6/ 84 و 85، وهو في "المسند"(1887)، و"صحيح ابن حبان"(4084)، ومالك في "الموطأ" 2/ 524 - 525.

ص: 578

الحديثِ، وليس في هذا الحديث ما احتَجُّوا به، لأنه قد رُويَ من غير وَجْهٍ عن ابن عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا نِكاحَ إلَّا بوَليٍّ" وهكذا أفتى به ابنُ عباسٍ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"لا نِكاح إلَّا بوَليًّ"، وإنما معنى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"الأيِّمُ أحَقُّ بنَفْسِها من وَلِيها" عند أكثر أهلِ العلمِ؛ أنَّ الوَليَّ لا يُزَوِّجها إلا برِضَاها وأمرِها، فإنْ زَوَّجها، فالنَّكاحُ مفْسوخٌ على حَديثِ خَنْساءَ بِنْتِ خِذامٍ، حَيثُ زَوَّجَها أبوها وهي ثَيِّبٌ، فكرهت ذلك، فرَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم نِكاحَهُ

(1)

.

‌18 - باب ما جاءَ في إكْراهِ اليَتيمةِ على التَّزويجِ

1135 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قال: حَدَّثَنا عبد العزيزِ بن مُحمدٍ، عن مُحمدِ بن عَمرو، عن أبي سَلمةَ

عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اليَتيمةُ تُستَأمرُ في نَفسِها، فإن صَمَتَتْ، فَهوَ إذْنُها، وإنْ أبَتْ، فلا جَوَازَ عَليها"

(2)

.

وفي البابِ عن أبي موسى، وابن عمرَ.

حَديثُ أبي هُريرةَ حديثٌ حَسنٌ.

واختَلَفَ أهلُ العلمِ في تَزويجِ اليَتيمةِ، فرَأى بعضُ أهلِ

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5138)، وابن ماجه (1873)، وهو في "المسند" 6/ 328.

(2)

حديث صحيح. وأخرجه أبو داود (2093) و (2094)، والنسائي 6/ 87، وهو في "المسند"(7527)، و"صحيح ابن حبان"(4079) و (4086).

وقوله: فلا جواز لها، قال في "النهاية": أي: لا ولاية عليها مع الامتناع.

ص: 579

العلمِ؛ أنَّ اليَتيمةَ إذا زُوِّجَت، فالنِّكاحُ موقوفٌ حتى تَبلُغَ، فإذا بَلَغَت، فلها الخيارُ في إجازةِ النِّكاح أو فَسْخِهِ، وهو قولُ بعضِ التابعينَ وغَيرِهم.

وقال بعضُهم: لا يَجوز نكاحُ اليتيمةِ حتى تَبْلُغَ، ولا يَجوزُ الخِيارُ في النِّكاحِ، وهو قولُ سفيانَ الثَّوريِّ، والشافعيِّ وغيرهما من أهلِ العلمِ.

وقال أحمدُ، وإسحاقُ: إذا بَلَغَت اليتيمةُ تِسعَ سنينَ فزُوِّجَتْ، فرَضِيَت، فالنِّكاحُ جائزٌ، ولا خِيارَ لها إذا أدركَت، واحْتجَّا بحديثِ عائشةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَنَى بها وهي بِنتُ تسعِ سِنين

(1)

، وقد قالت عائشةُ: إذا بَلَغَت الجاريةُ تِسْعَ سِنين، فهي امرَأةٌ.

‌19 - باب ما جاءَ في الوَلِيَّيْنِ يُزَوِّجانِ

1136 -

حَدَّثنا قُتيبةُ، قال: حَدَّثَنا غُنْدَرٌ، قال: حَدَّثَنا سعيدُ بن أبي عَروبةَ، عن قَتادةَ، عن الحَسنِ

عن سَمُرَةَ بن جُنْدُب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أيُّما امرَأةٍ زَوَّجَها وَلِيَّانِ، فهي للأولِ مِنهُما، ومَنْ باعَ بَيعًا من رَجُلَينِ، فهو للأولِ مِنهُما"

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (3894)، ومسلم (1422)، وأبو داود (2121) و (4933 - 4937)، وابن ماجه (1876) و (1877)، والنسائي 6/ 82 و 82 - 83 و 131، وهو في "المسند"(24867).

(2)

إسناده ضعيف، الحسن - وهو البصري - مدلس، ولم يصرح بسماعه من =

ص: 580

هذا حَديثٌ حَسنٌ.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ، لا نعلمُ بينَهُم في ذلك اختلافًا؛ إذا زَوَّجَ أحدُ الوَليَّينِ قبل الآخر، فنِكاحُ الأولِ جائزٌ، ونِكاحُ الآخر مَفْسوخٌ، وإذا زَوَّجَا جَميعًا، فنِكاحُهُما جَميعًا مَفسوخٌ، وهو قولُ الثَّوريِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

‌20 - باب ما جاءَ في نِكاحِ العَبْدِ بغيرِ إذْن سَيِّدهِ

1137 -

حَدَّثَنا عليُّ بن حُجْرٍ، قال: أخبَرَنا الوَليدُ بنُ مُسلمٍ، عن زُهَيرِ بن مُحمدٍ، عن عبدِ الله بن مُحمدِ بن عَقيلٍ

عن جابرِ بن عبدِ الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"أيُّما عَبْدٍ تَزَوَّجَ بغيرِ إذنِ سَيِّدِهِ، فهُو عاهِرٌ"

(1)

.

= سمرة، وأخرجه أبو داود (2088)، وابن ماجه (2191) و (2344)، وهو في "المسند" برقم (20085).

وأخرجه أحمد (17349) من طريق أبان بن يزيد العطار، حدثنا قتادة، عن الحسن البصري، عن عقبة بن عامر. قال ابن المديني: لم يسمع الحسن من عقبة بن عامر شيئًا، ومع ذلك فقد حسنه المصنف، وصححه الحاكم 2/ 474، وأبو زرعة وأبو حاتم، نقله عنهما الحافظ في "التلخيص الحبير" 3/ 165، والعمل عليه عند أهل العلم.

(1)

إسناده ضعيف، الوليد بن مسلم مدلس، وقد عنعن، عبد الله بن محمد بن عقيل ضعيف يعتبر به وقد تفرد بهذا الحديث عن جابر، والمصنف رحمه الله حسن حديثه هذا وغيره تبعًا لشيخه الإمام البخاري، فقد سأله عنه كما في "علله الكبير" 1/ 81، فقال: رأيت أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون =

ص: 581

وفي البابِ عن ابن عمرَ.

حديثُ جابرٍ حَديثٌ حَسنٌ.

ورَوى بعضُهُم هذا الحديث عن عبد الله بن محمدِ بن عَقيلٍ، عن ابن عُمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يصِحُّ، والصَّحيحُ عن عبدِ الله بن محمد بن عَقيلٍ، عن جابرٍ بن عبد الله.

والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أنَّ نِكاح العَبد بغيرِ إذنِ سَيِّدِهِ لا يَجوزُ، وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ

(1)

.

1138 -

حَدَّثَنا سعيدُ بن يحيى بن سعيدٍ الأُمَويُّ، قال: حَدَّثَنا أبي، قال: حَدَّثَنا ابن جُرَيجٍ، عن عبد الله بن محمد بن عَقيلٍ

عن جابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما عَبْدٍ تَزوَّجَ بغَيرِ إذْنِ

= بحديثه، وهو مقارب الحديث. وأخرجه أبو داود (2078)، وهو في "المسند"(14212).

وحديث ابن عمر أخرجه أبو داود (2079) وفي سنده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، وقال أبو داود بإثره: هذا الحديث ضعيف وهو موقوف، وهو قول ابن عمر، ورواه ابن ماجه (1960) من حديث ابن عمر، وفي سنده مندل بن علي وهو ضعيف، وقال أحمد: هذا حديث منكر، وصوب الدارقطني وقفه في "العلل". وأخرجه موقوفًا عبد الرزاق (12981) من طريق نافع، عن ابن عمر أنه وجد عبدًا له تزوج بغير إذنه، ففرق بينهما، وأبطل صداقه، وضربه حدًا.

(1)

جاء في المطبوعة بعد هذا: "وغيرهما بلا اختلاف" وليس هو في شيء من أصولنا الخطية.

ص: 582

سَيِّدهِ، فهو عاهِرٌ"

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

‌21 - باب ما جاءَ في مهورِ النِّساءِ

1139 -

حَدَّثَنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: حَدَّثَنا يحيى بنُ سعيدٍ وعبد الرحمن بن مهديًّ ومحمدُ بن جعفرٍ، قالوا: حَدَّثَنا شُعبةُ، عن عاصم بن عُبيد الله، قال: سمعتُ عبدَ الله بن عامِر بن ربيعَةَ

عن أبيهِ؛ أنَّ امرأةً من بني فَزَارةَ تزَوَّجت على نَعْلَيْنِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أرَضِيتِ من نَفسِكِ ومالِكِ بنَعْلَينِ؟ " قالت: نعم. قال: فأجازَهُ

(2)

.

وفي البابِ عن عُمرَ، وأبي هُريرةَ، وسَهْلِ بن سعدٍ، وأبي سعيدٍ، وأنَسٍ، وعائشةَ، وجابِرٍ، وأبي حَدْرَدٍ الأسْلميِّ.

حديثُ عامرِ بن رَبيعةَ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ

(3)

.

واختلَفَ أهلُ العلمِ في المهرِ، فقال بعضُ أهلِ العلمِ: المهرُ على ما تَرَاضوا عليه، وهو قول سُفيانَ الثَّوريِّ، والشافعيِّ،

(1)

إسناده ضعيف، ابن جريج مدلس وقد عنعن، وعبد الله بن محمد بن عقيل ضعيف كما سلف.

(2)

إسناده ضعيف، لضعف عاصم بن عبيد الله، وهذا الحديث استنكره أبو حاتم الرازي عليه كما في "العلل" 1/ 424. وأخرجه ابن ماجه (1888)، وهو في "المسند" (15676) و (15679).

(3)

في (ب): حسن. والمثبت من بقية النسخ ومن هامش (ب).

ص: 583

وأحمدَ، وإسحاقَ.

وقال مالك بن أنسٍ: لا يكونُ المهرُ أقلَّ من ربعِ دينارٍ.

وقال بعضُ أهلِ الكوفةِ: لا يكونُ المَهرُ أقلَّ من عشرةِ دراهمَ.

1140 -

حَدَّثَنا الحَسنُ بن عليٍّ الخَلّالُ، قال: حَدَّثنا إسحاقُ بن عيسى وعبدُ الله بن نافعٍ، قالا: أخبَرَنا مالِكُ بن أنسٍ، عن أبي حازمِ بن دينارٍ

عن سَهْلِ بن سَعْدٍ الساعديِّ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءتهُ امرأةٌ فقالت: إني وَهَبتُ نَفْسي لكَ، فَقامَتْ طَويلًا. فقالَ رجلٌ: يا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم زَوِّجنيها، إن لم تكُنْ لكَ بها حاجةٌ، فقالَ:"هَلْ عِنْدكَ من شيءٍ تُصْدِقُها؟ " فقالَ: ما عِندي إلَّا إزارِي هذا. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إزارَكَ، إنْ أعْطَيْتَها، جَلَسْتَ ولا إزارَ لكَ، فالتَمِسْ شيئًا" فقال: ما أجِدُ. قال: "فالتَمِسْ ولو خَاتمًا من حَديدٍ". قال: فالتَمَسَ فلم يجدْ شَيئًا. فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هل مَعَكَ مِن القرآنِ شيءٌ؟ " قال: نعم، سورَةُ كذا وسورَةُ كذا، لسُوَرٍ سَمَّاها. فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"زَوَّجْتُكها بما معَكَ من القرآنِ"

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2310) و (5087)، ومسلم (1425)، وأبو داود (2111)، وابن ماجه (1889)، والنسائي 6/ 54 - 55 و 91 - 92 و 113 و 123، وهو في "المسند"(22798) و"صحيح ابن حبان"(4093).

ص: 584

وقد ذهبَ الشافعيُّ إلى هذا الحديثِ، فقالَ: إن لم يكُنْ له شيءٌ يُصْدِقُها، فتَزوَّجها على سورةٍ من القرآنِ، فالنِّكاحُ جائزٌ، ويُعَلِّمُها سورةً من القرآنِ.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ: النِّكاح جائزٌ، ويجعلُ لها صَدَاقَ مِثلِها، وهو قولُ أهلِ الكوفةِ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

1141 -

حَدَّثَنا ابن أبي عُمرَ، قال: حَدَّثنا سُفيانُ بنُ عُيَينةَ، عن أيوبَ، عن ابن سيرِينَ، عن أبي العَجْفاءِ، قال:

قالَ عمرُ بن الخطابِ: ألا لا تُغالوا صَدُقَةَ النساءِ، فإنها لو كانَتْ مَكْرُمةً في الدُّنيا، أو تَقْوَى عند الله، كان أولاكُم بها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، ما عَلِمْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَكَحَ شيئًا مِن نسائهِ، ولا أنكَحَ شيئًا من بناتِه، على أكثر من ثِنتَي عشرة أُوقيةً

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

وأبو العَجْفاءِ السُّلَميُّ اسمه: هَرِمٌ.

والوقية عندَ أهلِ العلمِ: أربعونَ درهمًا، وثِنتا عَشرَةَ وقِيّةً هو أربع مئةٍ وثمانون درهمًا

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2106)، وابن ماجه (1887)، والنسائي 6/ 117 - 119. وهو في "المسند" (285)، و"صحيح ابن حبان" (4620).

(2)

وهي 1400 غرام تقريبًا.

ص: 585

‌22 - باب ما جاءَ في الرجلِ يُعتِقُ الأمَةَ ثم يتزَوَّجُها

1142 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قال: حَدَّثَنا أبو عَوانةَ، عن قَتادةَ وعبد العزيزِ بن صُهَيبٍ

عن أنسِ بن مالكٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعْتقَ صَفيَّةَ، وجعلَ عِتقَها صَدَاقَها

(1)

.

وفي البابِ عن صَفيَّةَ.

حَديثُ أنسٍ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

والعملُ على هذا عند بعض أهلِ العلمِ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم، وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وكَرِهَ بعضُ أهلِ العلمِ أن يُجْعَلَ عِتقُها صَدَاقُها، حتى يجعلَ لها مَهْرًا سِوى العِتْقِ.

والقولُ الأولُ أصَحُّ.

‌23 - باب ما جاءَ في الفَضْل في ذلكَ

1143 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا عليُّ بن مُسْهِرٍ، عن الفَضْلِ بن يزيدَ، عن الشَّعبيِّ، عن أبي بُرْدَةَ بن أبي موسى

عن أبيه، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثةٌ يُؤتَوْنَ أجْرَهُم

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (371) ومسلم ص 1045 (85)، وأبو داود (2054)، وابن ماجه (1957)، والنسائي 6/ 114 و 115، وهو في "المسند"(11957)، و"صحيح ابن حبان"(4063) و (4091).

ص: 586

مرَّتين: عَبْدٌ أدَّى حَقَّ الله وحَقَّ مَواليه، فذلكَ يُؤتى أجرَهُ مرتَينِ، ورجلٌ كانت عِندَه جاريةٌ وَضيئةٌ، فأدَّبَها فأحسَنَ أدَبَها، ثمَّ أعْتَقَها ثمَّ تزوَّجَها، يَبْتَغي بذلك وجهَ الله، فذلكَ يُؤتى أجرَه مَرَّتينِ، ورجلٌ آمَنَ بالكتابِ الأولِ، ثمَّ جاء الكتابُ الآخرُ، فآمن به، فذلكَ يؤْتى أجْرَهُ مَرَّتين"

(1)

.

1144 -

حَدَّثَنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن صالحِ بن صالحٍ، وهو ابنُ حَيٍّ، عن الشَّعْبيِّ، عن أبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوَهُ، بمَعْناهُ.

حَديثُ أبي موسى حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

وأبو بُرْدَةَ بن أبي موسى اسْمُهُ: عامرُ بن عَبْدِ الله بن قَيْسٍ. ورَوَى شُعْبةُ وسُفيانُ الثَّوريُّ، عن صالحِ بن صالح هذا الحديث

(2)

.

‌24 - باب ما جاءَ فيمن يَتَزوَّجُ المرأةَ، ثمَّ يُطَلِّقُها قبل أن يدخلَ بها. هل يَتَزوَّج ابنتَها أم لا؟

1145 -

حَدَّثَنا قُتيبةُ، قال: حَدَّثَنا ابنُ لَهيعةَ، عن عَمرو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (97)، ومسلم (154) وص 1045 (86)، وأبو داود (2053)، وابن ماجه (1956)، والنسائي 6/ 115، وهو في "المسند"(19532) و"صحيح ابن حبان"(327) و (4053).

(2)

وقع في المطبوع بعد هذا: "وصالح بن صالح بن حي: هو والد الحسن بن صالح بن حي". ولم يرد في أصولنا الخطية.

ص: 587

عن جَدِّهِ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"أيُّما رجُل نَكح امرأةً فدَخَلَ بها، فلا يَحِلُّ له نِكاحُ ابنَتِها، وإن لم يَكُنْ دَخَلَ بها، فليَنْكحِ ابنَتَها، وأيُّما رَجُلٍ نَكحَ امرأة، فَدَخَلَ بها أو لم يَدْخلُ بها، فلا يحِلُّ له نِكاحُ أُمِّها"

(1)

.

هذا حديثٌ لا يَصِحُّ مِن قبل إسنادِهِ، وإنما رَوَاهُ ابنُ لَهيعة والمثنى بن الصَّبَّاح، عن عمرو بن شُعيبٍ، والمثنى بن الصَّباحِ وابن لَهيعةَ يُضَعَّفان في الحديثِ.

والعملُ على هذا عند أكثرِ أهلِ العلمِ؛ قالوا: إذا تزَوَّجَ الرجلُ امرأةً، ثم طَلَقَها قبل أن يَدْخلَ بها، حَلَّ له أنْ يَنكِحَ ابْنتَها، وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الابْنَةَ، فطَلَّقَها قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِهَا لم يَحِلَّ له نِكاحُ أمِّها، لقول الله:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]. وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ

(2)

.

(1)

إسناده حسن، رواية قتيبة عن ابن لهيعة قوية، وهو مطابق لمعنى الآية التي في النساء الآية 23، وأخرجه عبد الرزاق (10821) و (10830)، والطبري (8956)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 1469، والبيهقي 7/ 160.

(2)

وهو قول الحنفية، قال في "الهداية": ولا بأم امرأته، دخل بابنتها أو لم يدخل، لقوله تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} من غير قيد الدخول، ولا بنت امرأته التي دخل بها، لثبوت قيد الدخول بالنص.

ص: 588

‌25 - باب ما جاءَ فيمن يُطَلِّقُ امرأتَهُ ثلاثًا فيتزَوَّجُها آخرُ فيُطَلِّقُها قبلَ أن يدخلَ بها

1146 -

حَدَّثَنا ابنُ أبي عُمرَ وإسحاقُ بن منصورٍ، قالا: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيَيْنةَ، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ

عن عائشةَ، قالت: جاءت امرأةُ رِفَاعةَ القُرظيِّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني كُنتُ عِند رِفاعَةَ، فَطلَّقني فَبَتَّ طلاقي، فتزَوَّجتُ عبد الرحمن بن الزُّبيرِ، وما معه إلا مثلُ هُدبةِ الثوبِ، فقالَ:"أتُرِيدينَ أن تَرْجِعي إلى رِفاعَةَ؟ لا، حتى تَذوقِي عُسَيلَتَهُ، ويَذوقَ عُسَيلَتكِ"

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ عُمرَ، وأنسٍ، والرُّمَيْصاءِ أو الغُمَيْصاءِ، وأبي هُريرةَ.

حَديثُ عائشةَ حَديثٌ حَسنٌ صحيحٌ.

والعَملُ على هذا عِنْد عَامةِ أهْلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيرِهم: أنَّ الرجلَ إذا طَلَّق امرأتَهُ ثلاثًا، فتزَوَّجت زَوْجًا غيرَهُ، فطلَّقَها قبل أن يدْخلَ بها، أنَّها لا تَحِلُّ للزوجِ الأولِ، إذا لم يكُن جَامَعَ الزَّوجُ الآخرُ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2639)، ومسلم (1433)، وأبو داود (2309)، وابن ماجه (1932)، والنسائي 6/ 93 و 146 - 147 و 148، وهو في "المسند"(24058)، و"صحيح ابن حبان"(4119 - 4122).

ص: 589

‌26 - باب ما جاء في المُحِلِّ والمُحَلَّلِ لهُ

1147 -

حدَّثَنا أبو سعيدٍ الأشَجُّ، قال: حدَّثنا أشْعثُ بنُ عبد الرحمن بن زُبيدٍ الأياميُّ، قال: حدَّثنا مُجالدٌ، عن الشَّعْبيِّ

عن جابرِ بن عبد الله وعن الحارِث، عن عليٍّ، قالا: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له

(1)

.

وفي البابِ عن ابنِ مَسْعودٍ، وأبي هُريرةَ، وعُقْبة بنِ عامرٍ، وابنِ عباسٍ.

حديثُ عليًّ وجابرٍ حديثٌ مَعْلولٌ، وهكذا روى أشْعثُ بن عبد الرحمن، عن مُجالِدٍ، عن عامرٍ، عن الحارثِ، عن عليٍّ. وعامرٌ، عن جابرِ بن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهذا حديثٌ ليس إسنادهُ بالقائمِ، لأن مُجالِدَ بنَ سعيدٍ قد ضَعَّفَهُ بعضُ أهلِ العلمِ، منهم أحمدُ بن حنبل، ورَوى عبدُ الله بن نُمَيرٍ هذا الحديثَ، عن مُجالِدٍ، عن عامرٍ، عن جابر بن عبد الله، عن عليٍّ، وهذا قَدْ وَهِمَ فيه ابن نُمَيْرٍ، والحديثُ الأوَّلُ أصَحُّ، وقد رَواهُ مُغيرةُ وابنُ أبي خالدٍ وغيرُ واحدٍ عن الشَّعبيَّ، عن الحَارثِ، عن عليٍّ.

1148 -

حدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قال: حدَّثنا أبو أحمدَ، قال: حدَّثَنا سُفيانُ، عن أبي قيسٍ، عن هُزَيل بن شُرَحبيلَ

(1)

حسن لغيره، وأخرجه أبو داود (2076) و (2077)، وابن ماجه (1935)، والنسائي 8/ 147، وهو في "المسند"(635).

ويشهد له حديث ابن مسعود الآتي بعده.

ص: 590

عن عبد الله بن مَسْعودٍ، قال: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له

(1)

.

هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وأبو قَيسٍ الأوْديُّ: اسمهُ عَبد الرحمنِ بن ثَرْوانَ، وقد رُويَ هذا الحديثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من غَير وَجْهٍ.

والعملُ على هذا عِندَ أهلِ العِلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ: عُمرُ بن الخَطَّابِ، وعُثْمانُ بن عَفّانَ، وعَبد اللهِ بن عَمْرٍو وغيرُهم. وهو قولُ الفُقهاءِ من التَّابعينَ، وبهِ يقولُ سُفيانُ الثَّوْريُّ، وابن المبارَكِ، والشَّافِعيُّ

(2)

، وأحمدُ، وإسحاقُ.

(1)

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، أبو أحمد: هو محمد بن عبد الله الزبيري.

وأخرجه النسائي 6/ 149، وهو في "المسند"(4283).

وقوله: المُحِل: من الإحلال، والمُحلَّل له: من التحليل، والمُحلِّل: هو الذي يتزوج مطلقة الغير لتَحِلَّ له، والمُحَلَّل له: هو المُطلَّق، وإنما لُعِنَ، لأنه هَتْكُ مُروءةٍ، وقِلَّةُ حَمِيّةٍ، وخِسَّةُ نفسٍ، وهو بالنسبة الى المُحَلَّلِ له ظاهر، وأما المُحلِّل، فإنه كالتيس يعير نفسه بالوطء لغرض المُطلِّق.

(2)

الذي في "الأم" للشافعي 5/ 80: أن نكاح المُحلِّل صحيح إذا خلا من الشرط في العقد.

وفي "الاستذكار" لابن عبد البر 16/ 160: وقال الشافعي: إذا تزوجها ليُحلها، وأَظهرَ ذلك، فقال: أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك، فهذا ضرب من نكاح المتعة، وهو فاسدٌ لا يُقر عليه، ولا يحل له الوطء على هذا، وإن وَطِئ لم يكن وطؤه تحليلًا. =

ص: 591

وسَمعتُ الجارودَ يَذكرُ عن وَكيعٍ؛ أنَّه قال بهذا

(1)

، وقال: يَنْبغي أنْ يُرمى بهذا البابِ مِن قَولِ أصْحابِ الرَّأْي

(2)

.

قال وكيعٌ: وقال سُفيانُ: إذا تَزوَّجَ الرَّجُلُ المرْأةَ ليُحَلِّلها، ثم بَدا لهُ أنْ يُمْسِكَها، فَلا يحلُّ له أن يُمْسِكها حتَّى يتزوَّجَها بِنكاحٍ جديدٍ.

‌27 - باب ما جاءَ في

(3)

نِكاح المُتعةِ

1149 -

حدَّثنا ابنُ أبي عُمرَ، قال: حدَّثنا سُفيانُ، عن الزُّهريِّ، عن عبدِ الله والحَسنِ ابنَي محمد بن عليٍّ، عن أبيهما

= وإن تزوجها تزويجًا مطلقًا لم يشترط ولا اشترط عليه التحليل إلَّا أنه نواه وقصده، فللشافعي في كتابه القديم العراقي قولان: أحدهما مثل قول مالك، والآخر مثل قول أبي حنيفة، ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري: أن النكاح صحيح إذا لم يشترط التحليل في قوله.

وقال ابن رشد في "بداية المجتهد" 6/ 511: وأما نكاح المحلل أعني الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلاثًا، فإن مالكًا قال: هو نكاح مفسوخ، وقال أبو حنيفة والشافعي: هو نكاح صحيح. وسبب اختلافهم اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: "لعن الله المحلل .... " الحديث. فمن فهم من اللعن التأثيم فقط، قال: النكاح صحيح، ومن فهم من التأثيم فساد العقد تشبيهًا بالنهي الذي يدل على فساد المنهي عنه، قال: النكاح فاسد.

(1)

أي: بما قال سفيان وابن المبارك وأحمد والشافعي وأحمد وإسحاق.

(2)

قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: أي يطرح ويلقى من قولهم ما ذكر ما في هذا الباب من صحة النكاح المحلل وإن قصد الإحلال.

(3)

زاد في المطبوع لفظة "تحريم"، وهي ليست في أصولنا الخطية.

ص: 592

عن علي بن أبي طالبٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى عن مُتْعةِ النِّساءِ، وعن لُحومِ الحُمُرِ الأهليَّةِ زَمَنَ خَيبَرَ

(1)

.

وفي البابِ عن سَبْرَةَ الجُهَنيِّ

(2)

، وأبي هُرَيرةَ.

حَديثُ عليٍّ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

والعَملُ على هذا عِنْد أهْلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيرِهِم، وإنما رُويَ عن ابنِ عباسٍ شيءٌ مِن الرُّخْصةِ في المُتْعةِ، ثم رجَعَ عن قولهِ حيث أُخْبِرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأمْرُ أكثرِ أهْلِ العلمِ على تحريمِ المُتْعةِ، وهو قولُ الثَّوريِّ،

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (4116)، ومسلم (1407)، وابن ماجه (9161)، والنسائي 6/ 125 و 126 و 7/ 202 و 202 - 203. وهو في "المسند" (592)، و"صحيح ابن حبان" (4143).

قال ابن القيم في "زاد المعاد" 5/ 111: وأما نكاح المتعة، فثبت أنه أحلها يوم الفتح، وثبت عنه أنه نهى عنها عام الفتح، واختلف: هل نهى عنها يوم خيبر؟ على قولين، والصحيح أن النهي إنما كان عام الفتح، وأن النهي يوم خيبر إنما كان عن الحمر الأهلية، وابن عباس كان يرى إباحة المتعة ولحوم الحمر، فناظره علي رضي الله عنه، وروى له التحريمين وقيد تحريم الحمر بزمن خيبر، وأطلق تحريم المتعة، فظن بعض الرواة أن التقييد بيوم خيبر راجع إلى المسألتين، فرواه بالمعنى، ثم أفرد بعضهم إحدى المسألتين وقيدها بخيبر.

(2)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(1406)(21) أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا أيها الناس إني قد كنت أذِنْتُ لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا".

ص: 593

وابن المباركِ، والشافِعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ

(1)

.

1150 -

حَدَّثَنا محمودُ بنُ غَيلانَ، قال: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُقْبةَ أخو قَبيصةَ بنِ عُقبةَ، قال: حَدَّثَنا سُفيانُ الثَّوريُّ، عن موسى بنِ عُبيدةَ، عن محمدِ بن كَعْبٍ

عن ابنِ عباسٍ، قال: إنما كانَتِ المُتْعَة في أولِ الإسلامِ، كان الرجلُ يَقْدَمُ البلْدةَ ليسَ له بها مَعرِفةٌ، فيَتزوَّجُ المرأةَ بقدَرِ ما يرَى أنه يُقيمُ، فَتَحفظُ له مَتاعَه وتُصلحُ له شيئَهُ

(2)

، حتى إذا نَزَلَت الآيةُ {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]. قال ابنُ عباسٍ: فكُلُّ فَرْجٍ سواهما، فهو حَرَامٌ

(3)

.

‌28 - باب ما جاءَ في النَّهْيِ عن نِكاحِ الشِّغَارِ

1151 -

حَدَّثَنا محمدُ بن عبدِ الملكِ بن أبي الشواربِ، قال: حَدَّثَنا بِشرُ بن المُفَضَّلِ، قال: حَدَّثَنا حُميدٌ وهو الطَّويلُ، قال: حَدَّثَ الحَسنُ

(1)

وهو قول مالك وأبي حنيفة، والأوزاعي، والليث وغيرهم انظر "المغني" 10/ (46).

(2)

في نسخة على هامش (ب): عَيْشه.

(3)

إسناده ضعيف، لضعف موسى بن عُبيدة الرَّبذي. وأخرجه الطبراني (10782)، والبيهقي 7/ 205، والحازمي في "الاعتبار" 177 - 178.

قال الحافظ في "الفتح" 9/ 172: وهو حديث شاذ مخالف لما تقدم من علة إباحتها، قلنا: يشير إلى ما أخرجه البخاري (5116) من طريق أبي جمرة نصر بن عمران، عن ابن عباس أنه سئل عن متعة النساء فرخص فيها، فقال له مولى له: إنما كان ذلك وفي النساء قِلَّة والحال شديد، فقال ابن عباس: نعم، وانظر تتمة الكلام عليه في "الفتح".

ص: 594

عن عِمرانَ بن حُصَينٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لا جَلَبَ ولا جَنَبَ، ولا شِغَارَ في الإسلام، ومَن انتَهَبَ نُهبةً، فَليسَ مِنَّا"

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

(1)

حديث صحيح لغيره، وهذا سند رجاله ثقات غير أن فيه عنعنة الحسن البصري وأخرجه مطولًا ومختصرًا أبو داود (2581)، وابن ماجه (3937)، والنسائي 6/ 111 و 227 - 228 و 228. وهو في "المسند" (19855) و (19929) وصححه ابن حبان (3267) و (51170).

ويشهد لقوله: "لا جلب ولا جنب" حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد (6692) وسنده حسن وانظر تتمة شواهده هناك.

ويشهد لقوله: "لا شغار في الإسلام" حديث ابن عمر التالي.

ويشهد للنهي عن النهبة حديث رافع بن خديج وحديث أنس الآتيان برقم (1691) و (1693). وانظر تتمة شواهده في "المسند".

قوله: "لا جلب"، قال في "النهاية" 1/ 281: الجلب يكون في شيئين: أحدهما: الزكاة، وهو أن يَقْدَمَ المُصَدِّقُ على أهل الزكاة فينزل موضعًا، ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها، فنهى عن ذلك، وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم.

الثاني: أن يكون في السباق: وهو أن يتبع الرجل فرسَه فيزجره ويَجْلِب عليه، ويصيح حثًا له على الجري، فنهي عن ذلك.

وقوله: "لا جنب" قال في "النهاية" 1/ 303: الجنب بالتحريك، في السباق: أن يَجْنُبَ فرسًا إلى فرسه الذي يسابقُ عليه، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب، وهو في الزكاة: أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة، ثم يأمر بالأموال أن تُجنب إليه، أي: تُحضر، فنُهوا عن ذلك. وقيل: هو أن يجنُب رب المال بماله، أي: يُبعده عن موضعه حتى يحتاج العامل إلى الإبعاد في اتباعه وطلبه.

"والنهبة": هي اختلاس الشيء مما له قيمة عالية قبل توزيع الغنائم.

ص: 595

وفي البابِ عن أنسٍ، وأبي رَيحانَةَ، وابن عُمرَ، وجابرٍ، ومُعاويةَ، وأبي هُريرةَ، ووائلِ بن حُجْرٍ.

1152 -

حَدَّثَنا إسحاقُ بنُ موسى الأنصاريُّ، قال: حدَّثَنا مَعْنٌ، قال: حَدَّثَنا مالكٌ، عن نافعٍ

عن ابن عُمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الشِّغارِ

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

والعَملُ على هذا عِنْد عامَّةِ أهْلِ العلمِ؛ لا يَرَونَ نِكاحَ الشِّغارِ، والشِّغارُ: أن يُزوِّجَ الرَّجُلُ ابنتَهُ، على أن يُزَوِّجَهُ الآخرُ ابنتَهُ أو أُختَهُ، ولا صَداقَ بينَهما.

وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: نِكاحُ الشِّغارِ مَفسوخٌ ولا يَحِلُّ، وإن جُعِلَ لهما صَدَاقًا، وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

ورُويَ عن عَطاءِ بن أبي رَباحٍ قالَ: يُقَرَّان على نِكاحهِما، ويُجعلُ لَهُمَا صَدَاقُ المثلِ، وهو قولُ أهلِ الكوفةِ.

‌29 - باب ما جاءَ لا تُنْكَحُ المرأةُ على عَمَّتها ولا على خالَتها

1153 -

حَدَّثَنا نَصْرُ بن عليًّ الجهضمي، قال: حَدَّثَنا عبدُ الأعلى بن

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5112)، ومسلم (1415)، وأبو داود (2074)، وابن ماجه (1883)، والنسائي 6/ 110 و 112، وهو في "المسند"(4526) و"صحيح ابن حبان"(4152).

ص: 596

عبدِ الأعلى، قال: حَدَّثَنا سعيدُ بن أبي عَروبةَ، عن أبي حَرِيزٍ، عن عِكرِمَةَ

عن ابن عباسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أن تُزوَّجَ المرأةُ على عَمَّتِها، أو على خالَتِها

(1)

.

1154 -

حَدَّثَنا نصرُ بنُ عليٍّ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الأعلى، عن هشامِ بن حسَّانَ، عن ابن سيرِينَ

عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثلِهِ

(2)

.

وفي البابِ عن عليٍّ، وابن عُمرَ، وعبد الله بن عَمرٍو، وأبي سَعيدٍ، وأبي أُمامةَ، وجابرٍ، وعائشةَ، وأبي موسى، وسَمُرَةَ بن جُنْدُب.

1155 -

حَدَّثَنا الحَسنُ بنُ عليٍّ الخلالُ، قال: حَدَّثَنا يزيدُ بن هارونَ، فال: أخبرنا داود بن أبي هِنْدٍ، قال: أخبرنا عامرٌ

عن أبي هُريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أن تُنكحَ المرأةُ على

(1)

حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، أبو حريز - واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي - مختلف فيه، استشهد به البخاري في "الصحيح"، وروى له في "الأدب المفرد"، وروى له أصحاب السنن، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح؛ ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي بعده. وأخرجه أبو داود (2067)، وهو في "المسند"(1878) و (3530)، و"صحيح ابن حبان"(4116).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مالك 2/ 532، والبخاري (5109)، ومسلم (1408)، وأبو داود (2066)، وابن ماجه (1929)، والنسائي 6/ 73 و 96 - 97 و 97 و 98، وهو في "المسند"(7133)، "وصحيح ابن حبان"(4068) و (4113) و (4115).

ص: 597

عَمَّتِها، أو العَمَّةُ على ابنةِ أخيها، والمرأةُ على خالتِها، أو الخالةُ على بنتِ أختها، ولا تُنكحُ الصُّغرى على الكُبْرى، ولا الكُبرى على الصُّغْرى

(1)

.

حَديثُ ابن عباسٍ وأبي هُريرةَ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

والعَملُ على هذا عِنْد عَامَّةِ أهْلِ العلمِ، لا نعلم بينهم اختلافًا، أنَّه لا يَحِلُّ للرجل أن يَجمعَ بينَ المرأةِ وعَمَّتها أو خَالَتِها، فإن نَكَحَ امرأةً على عَمَّتِها أو العَمَّةَ على بنت أخيها، فنِكاحُ الأُخرى منهما مفسوخٌ، وبه يقولُ عامَّة أهلِ العلمِ

(2)

.

‌30 - باب ما جاء في الشَّرطِ عند عُقدة النِّكاحِ

1156 -

حَدَّثَنا يوسف بن عيسى، قال: حَدَّثَنا وكيعٌ، قال: حَدَّثَنا عبد الحميد بن جَعْفرٍ، عن يزيد بن أبي حَبيبٍ، عن مَرْثَد بن عبد الله اليَزَني أبي الخَيْرِ

عن عُقبة بن عامرٍ الجُهَنيِّ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَقَّ الشروط أن يُوفَى بها، ما اسْتَحْلَلتُم بها الفُروجَ"

(3)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2065)، والنسائي 6/ 98، وهو في "المسند"(9500)، و"صحيح ابن حبان"(4117) و (4118).

(2)

زاد بعد هذا في المطبوع: "أدرك الشعبيُّ أبا هريرة وروى عنه، وسألتُ محمدًا عن هذا فقال: صحيح. وروى الشعبيُّ عن رجل عن أبي هريرة". ولم يرد في أصولنا الخطية.

(3)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2721)، ومسلم (1418)، وأبو داود =

ص: 598

1157 -

حَدَّثَنا أبو موسى مُحمد بن المُثنى، قال: حَدَّثَنا يحيى بن سَعيدٍ، عن عبد الحميدِ بن جعفرٍ، نحوَه.

هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

والعَملُ على هذا عِنْد بَعْضِ أهْلِ العلم من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، منهم: عُمرُ بن الخَطَّابِ، قال: إذا تَزَوَّجَ رجلٌ امرأةً، وشَرَطَ لها أن لا يُخْرِجها مِن مِصْرِها، فليس له أن يُخْرِجها، وهو قولُ بعض أهل العلمِ، وبه يقولُ الشافعيُّ

(1)

، وأحمدُ، وإسحاقُ.

= (2139)، وابن ماجه (1954)، والنسائي 6/ 92 - 93 و 93، وهو في "المسند"(17302)، و"صحيح ابن حبان"(4092).

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 9/ 218 بعد أن نقل كلام الترمذي: كذا قال، والنقل في هذا عن الشافعي غريب، بل الحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العِشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى، وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها، وكشرطه عليها أن لا تخرج إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك.

وأما شرط ينافي مقتضى الكاح كأن لا يقسم لها أو لا يتسرى عليها، أو لا ينفق أو نحو ذلك، فلا يجب الوفاء به، بل إن وقع في صلب العقد، كفى وصح النكاح بمهر المثل، وفي وجه يجب المسمى ولا أثر للشرط، وفي قول للشافعي: يبطل النكاح.

وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشرط مطلقًا.

وقال ابن قدامة في "المغني" 9/ 483: الشروط في النكاح ثلاثة أقسام، أحدها: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى عليها، =

ص: 599

ورُويَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ أنه قال: شَرْطُ الله قَبْلَ شَرْطِها، كأنه رَأى للزوجِ أن يُخْرِجَها وإن كانت اشتَرَطت على زَوجِها أن لا يُخْرِجَها. وذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى هذا، وهو قولُ سُفيانَ الثوريِّ، وبعض أهلِ الكوفة.

‌31 - باب ما جاءَ في الرَّجلِ يُسْلِمُ وعِنده عَشْرُ نسوةٍ

1158 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا عَبْدةُ، عن سعيدِ بن أبي عَروبةَ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْريِّ، عن سالمِ بن عبد الله

عن ابن عُمرَ: أنَّ غَيلانَ بن سَلَمةَ الثَّقَفيَّ أسلمَ وله عَشْرُ نِسْوةٍ في الجاهليةِ، فأسْلَمنَ معهُ، فأمَرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَتَخيَّرَ منهُنَّ أربَعًا

(1)

.

هكذا رَواهُ مَعْمَرٌ، عن الزُّهْريِّ، عن سالمٍ، عن أبيهِ.

وسَمعتُ مُحمدَ بن إسماعيلَ يقولُ: هذا حَديثٌ غيرُ مَحْفوظٍ،

= فهذا يلزمه الوفاءُ لها به، فإن لم يفعل، فلها فسخ النكاح، يروى هذا عن عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاووس والأوزاعي وإسحاق.

وأبطل هذه الشروط الزهري وقتادة وهشام بن عروة ومالك والليث والثوري والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي. قال أبو حنيفة والشافعي: ويفسد المهر دون العقد ولها مهر المثل.

(1)

حديث صحيح بطرقه وشواهده، وبعمل الأئمة المتبوعين به، وأخرجه ابن ماجه (1953)، وهو في "المسند"(4609)، و"صحيح ابن حبان"(4156 - 4158)، وانظر تمام الكلام عليه فيهما.

ص: 600

والصَّحيحُ ما رَوَى شُعَيبُ بن أبي حَمْزَةَ وغيرُهُ عن الزُّهريِّ، قال: حُدِّثتُ عن مُحمدِ بن سُوَيدٍ الثَّقفيِّ، أن غَيلانَ بن سَلَمَةَ أسلَمَ وعندَهُ عَشْرُ نِسوةٍ.

قال مُحمدٌ: وإنما حَديثُ الزُّهريِّ، عن سالِمٍ، عن أبيهِ؛ أن رجلًا من ثقيف طَلَّقَ نِساءَهُ. فقالَ لهُ عُمرُ: لتُراجِعَنَّ نساءَكَ، أو لأرْجُمَنَّ قَبْرَكَ، كما رُجِمَ قَبْرُ أبي رِغالٍ.

والعملُ على حَديثِ غَيلانَ بن سلَمَةَ عِندَ أصحابِنا، منهُم الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.

‌32 - باب ما جاءَ في الرَّجلِ يُسْلِمُ وعِندهُ أُخْتانِ

1159 -

حَدَّثَنا قُتَيْبةُ، قال: حَدَّثَنا ابنُ لَهيعةَ، عن أبي وَهب الجَيشانيَّ: أنه سَمع ابن فيروزَ الدَّيلَميَّ يُحَدِّثُ

عن أبيه، قال: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسولَ الله إني أسْلَمتُ وتحْتي أُختانِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اخْتَرْ أيَّتَهُما شِئْتَ"

(1)

.

1160 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا وَهْبُ بن جُريرٍ، قال: حَدَّثَنا أبي، قال: سَمعتُ يَحْيى بنَ أيُّوبَ يُحَدِّثُ عن يزيد بن أبي حَبيبٍ، عن أبي وَهْب الجَيْشانيِّ، عن الضَّحَّاكِ بن فَيروزَ الدَّيْلميَّ

عن أبيه، قال: قُلتُ: يا رسولَ الله أسْلَمتُ وتَحتي أُختانِ. قالَ: "اخْتَر أيَّتَهمَا شِئتَ".

(1)

إسناده حسن، رواية قتيبة عن ابن لهيعة قوية، وأخرجه أبو داود (2243)، وابن ماجه (1951)، وهو في "المسند"(18040)، و"صحيح ابن حبان"(4155).

ص: 601

هذا حَديثٌ حَسنٌ.

وأبو وَهْب الجَيشانيُّ: اسمُهُ الدَّيْلَمُ بن هُوشَعٍ

(1)

.

‌33 - باب في الرَّجلِ يشتري الجَاريةَ وهي حامِلٌ

1161 -

حَدَّثَنا عُمرُ بن حَفْص الشَّيبانيُّ البَصْريُّ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الله بن وَهْبٍ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن أيُّوبَ، عن رَبيعةَ بن سُلَيمٍ، عن بُسْرِ بن عبيد الله

عن رُوَيفعِ بن ثابتٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخرِ، فلا يَسْقِ مَاءَهُ وَلدَ

(2)

غَيرِهِ"

(3)

.

هذا حَديثٌ حَسنٌ.

وقد رُوِيَ من غَيرِ وَجْهٍ عن رُوَيفعِ بن ثَابتٍ.

والعَملُ على هذا عِندَ أهْلِ العلمِ؛ لا يَرَوْنَ للرَّجُلِ، إذا اشترى جَاريةً وهي حَامِلٌ، أن يَطأها حتى تَضَعَ.

(1)

من قوله: "هذا حديث حسن"، إلى هنا ليس في (أ) و (ب).

(2)

في نسخة على هامش (س): زرع. وكتب على هامش (أ) و (د): صوابه زرع.

(3)

صحيح بطرقه وشواهده. وأخرجه أبو داود (2158) و (2159) و (2708)، وهو في "المسند"(16990)، و"صحيح ابن حبان"(4850).

وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند مسلم (1441)، وهو في "المسند"(21703).

وآخر من حديث ابن عباس في "المسند"(2318) وانظر تتمة شواهده فيه.

ص: 602

وفي البابِ عن أبي الدَّرْداءِ، وابن عَباسٍ، والعِرباضِ بن سَاريةَ، وأبي سعيدٍ.

‌34 - باب ما جاءَ يسْبي الأمَةَ ولها زَوجٌ، هل يَحِلُّ له وطؤها

1162 -

حَدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ، حَدَّثَنا هُشيمٌ، قال: أخبرنا عُثمانُ البَتِّيُّ، عن أبي الخَلِيلِ

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، قال: أصَبْنا سَبايا يَومَ أوْطاسٍ، ولهُنَّ أزواجٌ في قومِهِنَّ، فذَكَروا ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فنَزَلَت:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]

(1)

.

هذا حَديثٌ حَسَنٌ.

وهكذا رَوَاه الثَّوريُّ عن عُثمانَ البَتِّيِّ، عن أبي الخليل، عن أبي سَعيدٍ. وأبو الخليلِ: اسمُهُ صالح بنُ أبي مَريَمَ.

ورَوى هَمَّام هذا الحَديثَ عن قَتادةَ

(2)

، عن صالحٍ أبي الخَليلِ، عن أبي عَلقَمَةَ الهاشميِّ، عن أبي سَعيدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

1163 -

حَدَّثَنا بذلك عبْدُ بن حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنا حَبَّانُ بن هلالٍ، قال: حَدَّثَنا هَمَّامٌ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1456)، وأبو داود (2155)، والنسائي في "المجتبى" 6/ 110، وفي "الكبرى"(11096) و (11097)، وهو في "المسند"(11691)، وسيرد برقم (3265).

(2)

قوله: "عن قتادة" سقط من (ب).

ص: 603

‌35 - باب ما جاءَ في كَراهيةِ مَهْرِ البَغيِّ

1164 -

حَدَّثَنا قُتَيبةُ، قال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عن ابن شِهابٍ، عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمنِ

عن أبي مَسْعودٍ الأنْصاريِّ، قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ثمَنِ الكَلْبِ، ومَهْرِ البَغيِّ، وحُلوانِ الكاهنِ

(1)

.

وفي البَابِ عن رافعِ بن خَديجٍ، وأبي جُحَيْفةَ، وأبي هُريرَةَ، وابن عباسٍ.

حَديثُ أبي مَسْعودٍ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

‌36 - باب ما جَاءَ أن لا يَخْطُبَ الرَّجلُ على خِطْبَةِ أخيهِ

1165 -

حَدَّثَنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ وقُتَيبةُ، قالا: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيَينةَ، عن الزُّهريِّ، عن سَعيدِ بنِ المُسَيَّبِ

عن أبي هُرَيرةَ - قال قُتيبةُ: يبْلُغُ به، وقال أحمدُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَبيعُ الرَّجُلُ على بَيْع أخيهِ، ولا يَخطُبُ على خِطْبَةِ أخيهِ"

(2)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (2237)، ومسلم (1567)، وأبو داود (3428)، و (3481)، وابن ماجه (2159)، والنسائي 7/ 189 و 309، وهو في "المسند"(17070)، و"صحيح ابن حبان"(5157)، وسيأتي برقم (1321) و (2201).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (2139)، ومسلم =

ص: 604

وفي البَابِ عن سَمُرَةَ، وابن عُمرَ.

حَديثُ أبي هُرَيرةَ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ.

قالَ مالكُ بن أنسٍ: إنما مَعنى كَرَاهية أن يَخْطُب الرجلُ على خِطبةِ أخيهِ، إذا خَطَبَ الرجلُ المرأةَ فرَضِيَت به، فليس لأحدٍ أن يَخطُبَ على خِطبَتِهِ.

وقال الشافعيُّ: مَعْنى هذا الحديثِ: لا يَخْطُبُ الرجلُ على خِطْبَةِ أخيه، هذا عِندنا إذا خَطَبَ الرجلُ المرأةَ فرَضِيَتْ به، ورَكَنَت إليه، فليسَ لأحدٍ أن يَخطُبَ على خِطبتهِ، فأما قبلَ أن يَعْلمَ رضاها أو ركُونها إليه، فلا بأسَ أن يَخْطُبَها، والحُجةُ في ذلك حَديثُ فاطمة بنت قَيسٍ

(1)

، حيثُ جاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرَت له: أنَّ أبا جَهْم بن حُذَيفةَ ومُعاويةَ بن أبي سُفيانَ خَطَباها، فقالَ:"أمَّا أبو جَهْمٍ، فرَجُلٌ لا يَرْفعُ عَصَاهُ عن النِّساءِ، وأمَّا مُعاويةُ فصُعْلوكٌ لا مالَ له، ولكن انكحي أُسامةَ".

فمعنى هذا الحديثِ عِنْدَنا - والله أعْلَمُ - أنَّ فاطمةَ لم تُخْبِرهُ برضاها بواحدٍ منهما، ولو أخْبَرَتْه، لم يُشِرْ عليها بغيرِ الذي ذَكَرَت.

1166 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيْلانَ، قالَ: حَدَّثَنا أبو داود، قالَ: أنبأنا

= (1413)، وأبو داود (2080)، وابن ماجه (1867) و (2172)، والنسائي 6/ 71 - 72 و 73 و 7/ 258 و 258 - 259 و 259، وهو عند أحمد (7248).

(1)

سيذكره المصنف بسنده ومتنه برقم (1166).

ص: 605

شُعْبةُ، قالَ: أخبرني أبو بكر بن أبي الجَهْم، قال: دَخَلتُ أنا وأبو سَلَمَة بن عبد الرحمن على فاطمة بِنتِ قيسٍ

فحدَّثَتْ أن زوجَها طلَّقَها ثلاثًا، ولم يجعل لها سُكْنَى ولا نَفَقةً. قالت: ووَضعَ لي عَشَرَةَ أقْفِزةٍ عند ابن عَمٍّ له: خَمْسةٌ شعيرٌ وخمسةٌ بُرٌّ. قالت: فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذَكرتُ ذلك له. قالت: فقالَ: "صَدَقَ": فأمَرَني أن أعْتَدَّ في بيت أم شَريكٍ. ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ بَيْتَ أُمِّ شَريكٍ بَيتٌ يَغْشاهُ المُهاجِرُونَ، ولكن اعْتَدِّي في بَيتِ ابنِ أُمِّ مَكْتومٍ، فعَسَى أنْ تُلْقِي ثيابَكِ وَلا يَرَاكِ، فإذا انْقَضَت عِدَّتُكِ فجاءَ أحدٌ يَخْطُبُكِ، فآذِنيني". فلما انقَضَت عِدَّتي خَطَبَني أبو جَهْمٍ ومُعاويةُ. قالت: فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَرْتُ ذلكَ لهُ، فقالَ:"أمَّا مُعاويةُ، فرَجُلٌ لا مَالَ لَهُ، وأمَّا أبو جَهْمٍ، فرَجُلٌ شَديدٌ على النِّساءِ". قالَتْ: فخَطَبَني أسامةُ بن زيدٍ، فتزَوَّجَني، فبَاركَ اللهُ لي في أُسامة

(1)

.

هذا حَديثٌ حسن صَحيحٌ.

وقَد رَواهُ سُفيانُ الثّوريُّ عن أبي بَكْر بن أبي الجَهْم نحوَ هذا الحديثِ، وزادَ فيه: فقالَ ليَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "انْكِحِي أُسَامَةَ".

1167 -

حَدَّثَنا بذاك مَحْمودٌ، قال: حَدَّثَنا وَكيعٌ، عن سُفيانَ، عن أبي

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مسلم (1480)، وأبو داود (2284 - 2289)، وابن ماجه (1869) و (2035)، والنسائي 6/ 75 - 77 و 142 و 150 و 207 - 208 و 208 - 209، وهو في "المسند"(27320).

ص: 606

بكر بن أبي الجَهْم بهذا.

‌37 - باب ما جاءَ في العَزْلِ

1168 -

حَدَّثَنا محمدُ بنُ عبد المَلكِ بن أبي الشَّواربِ، قالَ: حَدَّثَنا يزيدُ بن زُرَيعٍ، قال: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عن يحيى بن أبي كَثيرٍ، عن مُحمدِ بن عبد الرحمن بن ثَوْبان

عن جابرٍ، قالَ: قُلنا: يا رسولَ الله إنا كُنَّا نَعزِلُ، فزَعَمَتِ اليهودُ أنها المَوءُودةُ الصُّغرى، فقالَ:"كَذَبَتِ اليَهُودُ، إنَّ الله إذا أرادَ أن يَخْلُقَهُ، فلَم يَمْنَعْهُ"

(1)

.

وفي البابِ عن عُمرَ، والبَرَاءِ، وأبي هُرَيرةَ، وأبي سَعيدٍ.

1169 -

حَدَّثَنا قُتَيبةُ وابنُ أبي عُمرَ، قالا: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيَينةَ، عن عَمرو بن دينارٍ، عن عَطَاءٍ

عن جابرِ بن عبد الله، قال: كُنَّا نَعْزِلُ، والقرآنُ يَنزِلُ

(2)

.

حَديثُ جَابِرٍ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ، وقد رُويَ عنه من غيرِ وَجهٍ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(9078)، وانظر ما بعده.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5207)، ومسلم (1440)، وابن ماجه (1927)، والنسائي في "الكبرى"(9093)، وهو في "المسند"(14318)، و"صحيح ابن حبان"(4195)، ولفظه عند ابن حبان:"كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا". وهو رواية عند مسلم (1440)(138)، وزاد فيه:"فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا".

ص: 607

وقد رَخَّصَ قومٌ من أهلِ العلمِ، مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيرِهِم، في العَزْلِ، وقالَ مالكُ بن أنَسٍ: تُسْتأمرُ الحُرَّةُ في العزلِ، ولا تُستأمرُ الأمَةُ.

‌38 - باب ما جاءَ في كَراهيةِ العَزْلِ

1170 -

حَدَّثَنا ابن أبي عُمرَ وقُتَيبةُ، قالا: حَدَّثَنا سُفيانُ بن عُيَينةَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مُجاهدٍ، عن قَزَعةَ

عن أبي سعيدٍ، قال: ذُكِرَ العَزْلُ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ:"لِمَ يَفْعلُ ذاكَ أحَدُكُم؟ " - زَادَ ابنُ أبي عُمرَ في حَديثِه: ولم يَقُل: لا يفعلْ ذَاكَ أحَدُكُم - قالا في حَديثِهِما: "فإنَّها ليسَتْ نَفْسٌ مَخلوقةٌ إلا الله خَالِقُهَا"

(1)

.

وفي البَابِ عن جَابرٍ.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (2229)، ومسلم (1438)، وأبو داود (2170) و (2171) و (2172)، وابن ماجه (1926)، والنسائي في "المجتبى" 6/ 107 - 108، وفي "الكبرى"(5042 - 5048) و (7697 - 7698) و (9079 - 9082) و (9084 - 9090)، وهو في "المسند"(11078).

وقوله: لم يقل: لا يفعَل ذاكَ أحدُكم، قال المباركفوري: أشار إلى أنه لم يُصرح لهم بالنهي، وإنما أشار إلى أن الأولى ترك ذلك، لأن العزلَ إنما كان خشية حصول الولد، فلا فائدة في ذلك، لأن الله إن كان قدَّر خلق الولد، لم يمنع العزل ذلك، فقد يسبق الماء ولم يشعر العازل، فيحصل العُلوق، ويلحق الولد، ولا راد لما قضى الله.

ص: 608

حَديثُ أبي سَعيدٍ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ، وقد رُويَ من غيرِ وَجهٍ عن أبي سعيدٍ.

وقد كَرِهَ العَزلَ قومٌ من أهْلِ العِلْمِ من أصحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيرِهِم

(1)

.

‌39 - باب ما جاءَ في القِسْمَةِ للبِكرِ والثيَّبِ

1171 -

حَدَّثَنا أبو سَلَمَة يَحيى بنُ خَلَفٍ، قال: حَدَّثَنا بِشْرُ بن المُفَضل، عن خالدٍ الحَذاءِ، عن أبي قِلابةَ

عن أنس بن مالكٍ، قال: لو شِئتُ أن أقولَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولكِنه قالَ: السُّنَّةُ، إذا تَزوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ على امرأتِهِ، أقَامَ عِندها سَبْعًا، وإذا تَزوَّجَ الثَّيِّبَ على امرأتِهِ، أَقامَ عندَهَا ثلاثًا

(2)

.

وفي البابِ عن أُمِّ سَلمَةَ.

حَديثُ أنسَ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ، وقد رَفَعَهُ محمدُ بن إسحاقَ، عن أيُّوبَ، عن أبي قِلابَةَ، عن أنسٍ. ولم يَرفَعْهُ بعضُهُمْ.

والعَمَلُ على هذا عِندَ بَعْضِ أهْل العلمِ، قالوا: إذا تَزوَّجَ الرجلُ امرأةً بكرًا على امرأتِهِ، أقامَ عندها سَبْعًا، ثمَّ قَسَمَ بينَهُما

(1)

رويت كراهته عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عمر وابن مسعود، انظر "المغني" 10/ 228.

(2)

حديث صحيح، وأخرجه البخاري (5213)، ومسلم (1461)، وأبو داود (2124)، وابن ماجه (1916). وهو في "صحيح ابن حبان"(4208).

ص: 609

بعدُ بالعدلِ، وإذا تَزوَّجَ الثَّيِّبَ على امرأتِهِ أقامَ عندَهَا ثلاثًا

(1)

.

‌40 - باب ما جاءَ في التَّسْويةِ بينَ الضَّرَائرِ

1172 -

حَدَّثَنا ابنُ أبي عُمرَ، قالَ: حَدَّثَنا بِشْرُ بنُ السَّريِّ، قالَ: حَدَّثَنا حمَّادُ بنُ سَلَمَة، عن أيُّوبَ، عن أبي قِلابةَ، عن عبد الله بن يزيدَ

عن عائشةَ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقسِمُ بينَ نِسائهِ فيَعْدِلُ، ويقُولُ:"اللَّهُمَّ هذه قِسْمَتي فِيما أملِكُ، فلا تَلُمني فِيمَا تَمْلِكُ ولا أمْلِكُ"

(2)

.

حَديثُ عائشةَ هكذا، رَواهُ غَير واحدٍ عن حَمَّاد بن سَلَمَة، عن أيُّوبَ، عن أبي قِلابَةَ، عن عبد الله بن يزيدَ، عن عائشةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. ورَوَاهُ حَمَّادُ بن زيدٍ وغيرُ واحدٍ عن أيُّوبَ، عن أبي قِلابةَ؛ مُرْسَلًا: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقْسمُ، وهذا أصَحُّ مِن حَديثِ حَمَّاد بن سَلَمَة.

(1)

جاء بعد هذا في المطبوع ما نصه: وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من التابعين: إذا تزوج البكرَ على امرأته أقام عندها ثلاثًا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ليلتين، والقول الأول أصح. وليس هو في شيء من أصولنا الخطية.

(2)

رجاله ثقات على شرط مسلم إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، والمرسل هو الصواب.

وأخرجه أبو داود (2134)، وابن ماجه (1971)، والنسائي 7/ 64، وهو في "صحيح ابن حبان"(4205).

ويشهد لبعضه حديث أبي هريرة التالي، وحديث عائشة عند أبي داود (2135). بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم. وسنده حسن.

ص: 610

ومعنى قوله: "لا تلمني فيما تملك ولا أملك"، إنما يعني به: الحب والمودة، كذا فسره بعض أهل العلم.

1173 -

حَدَّثَنا محمدُ بن بشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا عبدُ الرحمن بن مَهْديٍّ، قال: حَدَّثَنا هَمَّامٌ، عن قَتادَةَ، عن النَّضرِ بن أنَسٍ، عن بَشِير بن نَهِيكٍ

عن أبي هُرَيرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:"إذا كانت عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأتانِ، فَلَمْ يَعْدِلْ بَينَهُما، جاءَ يومَ القِيامةِ وشِقُّهُ سَاقِطٌ"

(1)

.

وإنما أسْنَدَ هذا الحديثَ هَمَّامُ بن يحيى، عن قَتادَة، ورَواهُ هِشامٌ الدَّسْتُوائيُّ عن قَتادَةَ، قال: كان يُقالُ. ولا نَعْرِفُ هذا الحديثَ مَرفُوعًا إلَّا من حَديثِ هَمَّامٍ

(2)

.

‌41 - باب ما جاءَ في الزَّوْجَينِ المُشْركَينِ يُسلِمُ أحدُهُما

1174 -

حَدَّثَنا أحمدُ بن مَنيعٍ وهَنَّادٌ، قالا: حَدَّثَنا أبو مُعاويةَ، عن الحَجَّاجِ، عن عَمرو بن شُعَيبٍ، عن أبيه

عن جَدِّهِ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنتَهُ زينب على أبي العاصِ بن الرَّبيعِ، بمَهرٍ جديد ونِكاحٍ جديدٍ

(3)

.

(1)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2133)، وابن ماجه (1969)، والنسائي 7/ 63، وهو في "المسند"(7936)، و"صحيح ابن حبان"(4207).

(2)

زاد بعد هذا في المطبوع: "وهمام ثقة حافظ".

(3)

إسناده ضعيف، الحجاج - وهو ابن أرطاة - مدلس وقد عنعن.

وأخرجه ابن ماجه (2010)، وأخرجه أحمد (6939) وقال بإثره: هذا حديث =

ص: 611

هذا حَديثٌ في إسنادِهِ مَقالٌ.

والعَمَلُ على هذا الحَديثِ عِندَ أهْلِ العلمِ: أن المرأةَ إذا أسْلَمَت قَبل زَوجِها، ثم أسْلمَ زَوجُها وهي في العِدَّةِ: أنَّ زَوجَها أحقُّ بها ما كانت في العِدَّةِ، وهو قولُ مالكِ بن أنَسٍ، والأوزاعيِّ، والشَّافِعيِّ، وأحمَدَ، وإسحاق.

1175 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا يونُسُ بن بُكَيرٍ، عن مُحمدِ بن إسحاقَ، قال: حَدَّثَني دَاودُ بن حُصَينٍ، عن عِكْرمةَ

عن ابن عَبَّاسٍ، قال: رَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَتَهُ زينب على أبي العاص بن الرَّبيعِ، بعدَ ستِّ سِنينَ، بالنِّكاحِ الأوَّلِ. ولم يُحْدِثْ نِكاحًا

(1)

.

هذا حَديثٌ ليسَ بإسنادِهِ بأسٌ، ولكن لا نعرِفُ وجْهَ هذا الحَديثِ

(2)

، ولَعلَّه قد جاءَ هذا من قِبَلِ دَاودَ بن الحُصَينِ، من قِبَلِ

= ضعيف، ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب إنما سمعه من محمد بن عُبيد الله العَرْزَمي، والعَرْزَمي لا يساوي حديثه شيئًا، والحديث الصحيح (وهو الذي يأتي بعد هذا) الذي روي أن النبي أَقَرَّهما على النكاح الأول.

وقال الدارقطني: لا يثبت، وحجاج لا يحتج به، والصواب حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها بالنكاح الأول.

(1)

حديث حسن، وأخرجه أبو داود (2240)، وابن ماجه (2009)، وهو في "المسند"(1876).

(2)

قال الحافظ في "الفتح" 9/ 423: وأشار بذلك الى أن ردَّها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل، لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة ولم =

ص: 612

حِفظِهِ.

1176 -

حَدَّثَنا يوسُفُ بن عيسى، قالَ: حَدَّثَنا وَكيعٌ، قال: حَدَّثَنا إسرائيلُ، عن سِماكِ بن حَربٍ، عن عِكْرمةَ

عن ابن عباسٍ: أن رجلًا جاءَ مُسلمًا على عَهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت امرَأتُهُ مُسْلمةً، فقالَ: يا رسولَ الله، إنها كانت أسْلَمَت مَعي، فرَدَّها عَليهِ

(1)

.

هذا حَديثٌ صحيح.

سَمِعتُ عَبْدَ بن حُمَيدٍ يقولُ: سَمِعتُ يزيدَ بن هارونَ يذكُرُ عن مُحمدِ بن إسحاق، هذا الحديثَ

(2)

، وحَديثَ الحَجَّاجِ، عن عَمرو بن شُعَيبٍ، عن أبيهِ، عن جَدّهِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابنَتَهُ زينبَ على أبي العاص بمَهْرٍ جديدٍ ونِكاحٍ جديدٍ؛ فقالَ يزيدُ بن هارونَ: حَديثُ ابن عَبَّاسٍ أجوَدُ إسنادًا.

= يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها، وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر، وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه، ورده بالإجماع المذكور، وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديمًا، وهو منقول عن علي وعن إبراهيم النخعي، أخرجه ابن أبي شيبة بطرق قوية، وبه أفتى حماد شيخ أبي حنيفة.

(1)

إسناده ضعيف، سماك في روايته عن عكرمة اضطراب، وأخرجه أبو داود (2238) و (2239)، وابن ماجه (2008)، وهو في "المسند"(2059)، و"صحيح ابن حبان"(4159).

(2)

السالف برقم (1175).

ص: 613

والعملُ على حَديثِ عمرو بن شُعَيبٍ.

‌42 - باب ما جاءَ في الرَّجُلِ يتَزوَّجُ المرأةَ فيَموتُ عنها

(1)

قَبلَ أن يَفرِض لها

1177 -

حَدَّثَنا محمودُ بن غَيلانَ، قال: حَدَّثَنا زَيدُ بن الحُبابِ، قال: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن عَلقَمة

عن ابن مسعودٍ: أنَّه سُئلَ عن رجُلٍ تَزَوَّجَ امرأةً ولم يَفرِضْ لها صَداقًا، ولم يَدخلْ بها حتى ماتَ. فقال ابنُ مسعودٍ: لها مثلُ صَداقِ نِسائِهَا لا وَكْسَ ولا شَطَطَ، وعليها العِدَّةُ ولها الميراثُ، فقامَ مَعْقِلُ بن سِنانٍ الأشجعيُّ، فقالَ: قَضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَرْوَعَ بنت واشِقٍ، امرأةٍ منَّا، مِثلما قَضَيتَ، ففَرِحَ بها ابنُ مَسعودٍ

(2)

.

وفي البابِ عن الجَرَّاحِ.

1178 -

حَدَّثَنا الحَسنُ بنُ علي الخَلَّالُ، قال: حَدَّثَنا يَزيدُ بنُ هارونَ وعبد الرزَّاقِ، عن سُفيانَ، عن مَنصُورٍ، نَحوَهُ.

حَديثُ ابن مَسعودٍ حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ، وقد رُويَ عنه من غير وجهٍ.

(1)

أثبتنا لفظة "عنها" من (أ) و (د).

(2)

حديث صحيح، وأخرجه أبو داود (2114) و (2115)، وابن ماجه (1891)، والنسائي 6/ 121 - 122 و 122 و 122 - 123 و 198، وهو في "المسند"(4099) و (15943)، و"صحيح ابن حبان"(4098 - 4101).

ص: 614

والعَمَلُ عَلى هذا عِندَ بَعْضِ أهْلِ العلمِ، من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيرِهم، وبه يقولُ الثَّوريُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ

(1)

.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، منهم علي بن أبي طالبٍ، وزَيدُ بن ثابتٍ، وابن عَبَّاسٍ، وابنُ عمرَ: إذا تَزَوَّجَ الرَّجلُ المَرأةَ ولم يَدخلْ بها، ولم يَفرضْ لها صَدَاقًا حتى ماتَ، قالُوا: لها المِيراثُ، ولا صَدَاقَ لها، وعَليْها العِدَّةُ، وهو قولُ الشَّافعيِّ، وقال: لو ثَبَتَ حديثُ بَرْوَعَ بنت وَاشقٍ لكانت الحُجَّةُ فيما رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

. ورُويَ عن الشافعيِّ أنه رَجَعَ بمِصرَ عن هذا القَوْلِ، وقال بحديثِ بَرْوَعَ بنتِ واشقٍ.

يليه الجزء الثالث وأوله:

أبواب الرضاع

(1)

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

(2)

في "الأم": إن كان ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أولى الأمور بنا ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كثروا، ولا في قياس، فلا شيء في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له.

وروى الحاكم في "المستدرك" 2/ 535 عن حرملة بن يحيى أنه قال: سمعت الشافعي يقول: إن صح حديث بروع بنت واشق قلت به، قال الحاكم: قال شيخنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ: لو حضرت الشافعي، لقمت على رؤوس الناس، وقلت له: قد صح الحديث.

ص: 615