المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة الناشر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام - سنن النسائي - ط الرسالة - المقدمة

[النسائي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة الناشر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين، وخاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك لهذه الأمة ما إن تمسكت به فلن تضلّ بعده؛ كتاب الله تعالى، وسنته الشريفة، وكما قيض الله لكتابه من يقوم على رعايته والاعتناء به، كذلك هيَّأ للسنة المطهرة الحفّاظ العارفين، والعلماء المخلصين، الذين شمَّروا عن ساعد الجد والاجتهاد، فأمضوا حياتهم في تدوين السنة والدفاع عنها، فنفَوْا عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وكان منهم الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شُعيب النسائي صاحب هذا الكتاب "المجتبى" وغيره، الذي جعل حياته وقفًا لجمع السنة النبوية والذب عن حماها.

ولا تخفى أهميّة ومكانة هذا المصدر الحديثي على كل باحث أو مشتغل بالحديث، فضلًا عن أولويته لطالب العلم، فهو أحد الأصول الستة التي عليها مدار الأحكام الشرعية، وهو أحد دواوين السنّة، أبان فيه النسائي الوجه الصحيح للحديث - أو المحفوظ منه - من الأوجه الأخرى المعلَّة، وأبان فيه عن دقة فهمه للمتون بما قدم لها من تراجم مستنبطًا منها المسائل الفقهية.

ص: 9

وكانت مؤسسة الرسالة قد وعدت بإصدار موسوعة حديثية تنتظم كتب السنة المسندة، مُتَّبعة في ذلك أمثل مناهج التحقيق، فأصدرت "مسند" الإمام أحمد، ثم أتبعته بـ "السنن الكبرى" للإمام النسائي صاحب هذا الكتاب، فالسنن الثلاثة للأئمة أبي داود والترمذي وابن ماجه، وها هي تقدّم اليوم لطلاب العلم والحديث والباحثين السنن الصغرى "المجتبى" للإمام أبي عبد الرحمن النسائي محققًا تحقيقًا علميًّا، ليكتمل بذلك عِقْدُ كتب السنن الأربعة.

وختامًا أسأل الله العلي القدير أن يتولانا بحسن عنايته وأتم رعايته، وأن يجعل عملنا كلّه خالصًا لوجهه الكريم، وصدقة جارية في صحيفة أعمالنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 10

‌مقدِّمة التحقيق

الحمدُ لله الذي مَنَّ على عباده المؤمنين بالنَّبيِّ المُجْتَبَى، وجعلَ سُنَنَهُ تِبيانًا لِمَا أَنزَلَ عليه من الذِّكْر؛ فأنعم عليهم وتَفَضَّلَ وكَفَى، ونالَتْ به أَمَّتُهُ الشَّرَفَ العظيم لاختصاصها به على سائر الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه مَنْ شاءَ واصطفى.

له الحمد حمدًا كثيرًا أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولاه، ومَن الذي يستحقُّ الحمد سواه؟

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، إله واحدٌ، لا إلهَ إلا هو الرَّحْمنُ الرَّحيم، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كله ولو كَرِهَ المشركون.

اللهم صل على هذا النبي الكريم، سَيِّدِ الأوَّلين والآخرين، وخاتَمِ النَّبِيِّين، وإمام المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاةً دائمةً بدوامك، وسَلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

وبعد، فإنَّ الإيمان بالله تعالى أعظم نعمةٍ منه ومِنَّة، وسعادةُ الدَّارَيْنِ لَا تُنالُ إلا باتِّباع هَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته، فقد ترك أمَّتَهُ على بيضاء نقيَّة، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

ومعلومٌ أنَّ سنّه صلى الله عليه وسلم وهي المصدرُ الثاني للتشريع، وهي ما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وهي مُبَيِّنَةٌ ومُفَسِّرةٌ لِما جاء في القرآن الكريم، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، وقال:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)} [النحل: 64]، فكان من هذا البيانِ والتَّبيين من النبي الكريم أنْ عَلَّمَ أمَّتَهُ أحكام

ص: 11

عباداتها ومعاملاتها، وفَصَّلَ لها أمور دينها، فقال لهم:"صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، وقال:"خُذُوا عنِّي مَناسِكَكُمْ"

وقال: "خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللهُ لهنَّ سَبِيلًا

"

إلى غير ذلك من أحكام صيام وزكاة، وبيع وشراء، وحلال وحرام

ممَّا يشملُ مُختَلِفَ مَناحي الحياة لم يذكرها القرآن الكريم، أو جاءت مُجْمَلَةٌ فيه، بَيَّنَها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِهِ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا إني أُوتِيتُ القرآنَ ومِثْلَهُ معه"

(1)

أي إنه صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ القرآنَ وَحْيًا يُتْلَى، وأُوتِيَ مثله من البيان، أي: أذن له أن يُبَيِّنَ ما في الكتاب، فيَعُمَّ ويَخُصَّ، وأن يزيد عليه، فيُشَرِّعَ ما ليس في الكتاب له ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن

(2)

.

فالمراد بـ "المِثْل" في هذا الحديث السُّنَّةُ الشريفة، وهي التي أمر الله تعالى المؤمنين باتِّباعها، فأمَرَهم بامتثال أمره صلى الله عليه وسلم، فقال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وجعل طاعته من طاعته، فقال:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وحذَّر من مخالفته، فقال:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وقال:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} [المائدة: 92].

"فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو المُبيِّنُ عن الله عز وجل أمْرَه، وعن كتابه معاني ما خُوطِبَ به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعَنَى فيه، وما شَرَعَ من معاني دينه وأحكامه، وفرائضه وموجِباتِه، وآدابه ومندوبه، وسنته التي سَنَّها، وأحكامه التي حَكَم بها، وآثاره التي بَثَّهَا، فَلَبثَ صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة ثلاثًا وعشرين سنةً يُقِيمُ للناس مَعَالِمَ الدِّين، يفرضُ الفرائضَ، ويَسُنُّ السُّنَنَ، ويُمضي الأحكام، ويُحَرِّمُ الحرام، ويُحِلُّ الحلال، ويُقِيمُ الناسَ على منهاج الحقِّ بالقول والفعل، فلم يَزَلْ على ذلك حتى توفاه اللهُ عز وجل، وقبضه إليه، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتمها

(1)

قطعة من حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(17174)، وإسناده صحيح.

(2)

نقل هذا المعنى صاحب "عون المعبود" 12/ 355 عن البيهقي.

ص: 12

وأوفاها، فَثَبَتَ أنه عليه الصلاة والسلام حُجَّةُ الله عز وجل على خلقه بما أدَّى عنه وبيَّن، وما دلَّ عليه من مُحكم كتابه ومُتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما بَشَّرَ وأَنْذَرَ"

(1)

.

*‌

‌ أهميَّة السُّنَّة للتشريع والتحذير من إنكارها:

وقد أخبرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أناس يأتون من بعده يُنكرون سُنَّته - وذلك من نبوءاته صلى الله عليه وسلم وحَذَرَ منهم، فقال:"يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُكَذِّبَني وهو مُتَكِئٌ عَلى أَرِيكَتِهِ؛ يُحَدِّثُ بحديثي فيقولُ: بيننا وبينكم كتابُ الله، فما وَجَدْنا فيه من حلالٍ اسْتَحْلَلْناه، وما وَجَدْنا فيه من حرامٍ حَرَّمْناه، ألا وإنَّ ما حَرَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِثْلُ ما حَرَّمَ الله"

(2)

.

ورَوَى الخطيب البغدادي

(3)

بإسناده إلى عليِّ بن زيد، عن الحَسَن، أَنَّ عِمْرانَ بنَ حُصَيْن رضي الله عنه كان جالسًا ومعه أصحابه، فقال رجلٌ من القوم: لا تُحَدِّثُونا إلا بالقرآن، قال: فقال له: اُدْنُه، فدَنَا، فقال: أرأيت لو وُكِلْتَ أنتَ وأصحابك إلى القرآن، أكنتَ تجد فيه صلاة الظهر أربعًا، وصلاة العصر أربعًا، والمغرب ثلاثًا تقرأُ في اثنتين؟ أرأيت لو وُكِلْتَ أنتَ وأصحابك إلى القرآن؛ أكنتَ تَجِدُ الطَّواف بالبيت سبعًا، والطَّواف بالصَّفا والمروة؟ ثم قال: أي قوم، خُذُوا عنا، فإنه إلا تفعلُوا لَتَضِلُّنَّ.

ورَوَى الإمام أحمد

(4)

أنَّ امرأة جاءت إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقالت: أُنبِئتُ أنك تَنْهَى عن الواصِلَة؟ قال: نعم، فقالت أشيءٌ تَجِدُهُ في كتاب الله، أم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أَجِدُه في كتاب الله، وعن رسول الله، فقالت: والله لقد تَصَفَّحْتُ ما بين دَفَّتَي المصحف، فما وجدتُ فيه الذي تقول! قال: فهل وَجَدْتِ فيه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قالت: نعم. قال:

(1)

من مقدمة "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم ص 2 بتغيير يسير.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(17194) من حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.

(3)

في "الكفاية في علم الرواية" ص 15.

(4)

في "المسند"(3945).

ص: 13

فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن النَّامِصَةِ والواشِرَةِ والواصلة والواشِمَةِ إلا من داء

ونقل القاسمي

(1)

عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه دخل عليه مَرَّةً رجلٌ من أهل الكوفة والحديثُ يُقرأُ عنده، فقال الرَّجل: دَعُونا من هذه الأحاديث. فزَجَرَهُ الإمامُ أشَدَّ الزَّجْر، وقال له: لولا السُّنَّةُ ما فَهم أحدٌ منا القرآن. ثم قال للرجل: ما تقول في لحم القرد، وأين دليله من القرآن؟ فأفحم الرّجل.

*‌

‌ السُّنَّة وَحْيٌ من الله تعالى وهي الحكمة المذكورة في كتابه:

ومن المعلوم أيضًا أنَّ السُّنَّةَ وَحْي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا ? إنّى أُوتِيتُ القرآن ومثله معه"

(2)

.

وروى الإمام أحمد وأبو داودَ من حديث عبدِ اللهِ بن عَمْرِو قال

(3)

: كنتُ أكتب كلَّ شيءٍ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريدُ حِفْظُهُ، فَنَهَتْني قريش، فقالوا: إنك تكتب كلَّ شيءٍ تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ يتكلم في الغضب والرضا. فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"اكْتُبْ، فوالذي نفسي بيدِه ما خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقّ".

وسنته صلى الله عليه وسلم هي الحكمة المذكورة في القرآن الكريم مقرونة بالكتاب، فقال تعالى:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} كما في سورة البقرة [129] وسورة آل عمران [164] وسورة الجمعة [2]، وقال أيضًا:[واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة: 231] وقال: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113].

(1)

في "قواعد التحديث" ص 307.

(2)

سلف ذكره قريبًا.

(3)

مسند أحمد (6510)، وسنن أبي داود (3646).

ص: 14

وإلى هذا المعنى ذهب الشافعي رحمه الله، فقال

(1)

: "ذكر الله الكتاب، وهو القرآن، وذكرَ الحكمة، فسمعتُ من أرضَى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمةُ سُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يشبه ما قال والله أعلم، لأنَّ القرآن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله مَنَّهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يَجُز - والله أعلم - أن يقال الحكمة ها هنا إلا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنَّها مقرونة مع كتاب الله، وأنَّ الله افترض طاعةً رسولِه، وحَتَمَ على الناس اتَّباعَ أمرِه، فلا يجوز أن يقال لقول: فَرْضٌ؛ إلا لكتاب الله، ثم سنّةِ رسولِه، لِما وصَفْنا من أنَّ الله جعل الإيمان برسوله مقرونًا بالإيمان به، وسنة رسولِ الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلًا على خاصه وعامه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فأتْبَعَها إيَّاه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله". انتهى.

*‌

‌ تدوين السُّنَّة وحفظ الله تعالى لها:

ولما كانت السُّنَّةُ للقرآن بهذه المرتبة

(2)

؛ فقد هيَّأَ الله تعالى لِحِفظها كما هيَّأَ لحفظ كتابه، حيث نهضَ الصحابة ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم بتبليغها وإذاعتها وروايتها، وحفظها وتدوينها، واستفرغوا الوُسْعَ في ذلك، وتشهد تراجمهم بعظيم الجهد الذي بذلوه، فَمِنْ راحل لسماعها، ومتصدّ لروايتها، وعاكف على تدوينها والتّصنيف فيها، حتى استطاعوا استيعابَها ولَمَّ شَمْلِها، وجَمْعَ شَتَاتِها، والإحاطة بها، حتى إنه لَيَصِحُّ لنا القولُ: إنهم لم يكد يَفُتْهُمْ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد.

(1)

الرسالة ص 78 - 79

(2)

الكلام من هذا الموضع إلى الصفحة 19 مقتبسٌ من مقدّمة "سُنن" الترمذي (طبعة مؤسسة الرِّسالة) للشيخ شعيب الأرنؤوط رحمه الله، وصاحبيه الفاضلين الأستاذ محمد نعيم عرقسوسي والأستاذ إبراهيم الزيبق.

ص: 15

وقد ذهبوا في مرحلة تدوينها وتصنيفها مَذَاهِبَ شتّى، كُلٌّ حَسَبَ الغاية التي تَغَيَّاها منها، فمنهم من رَتَّبَها حسب المسانيد، وذلك بذكر أحاديثِ كل صحابي على حدة، وأشهر هذه المسانيد "مسند" الإمام أحمدَ بن حَنْبَل رحمه الله

(1)

.

ومنهم مَن جَعَلَها مُرَتَّبَةً حَسَبَ موضوعاتها وأبوابها، كما فعل الإمام مالك بن أنس في "مُوطَئه"، وجاء بعدَه مَنْ حَذَا حَذْوَهُ، ونَحَا نحوَه مِن كبار الحُفَّاظ والمُحَدِّثين، وفي مقدِّمتهم إمامُ الصَّنْعَةِ الإمام البخاري، أمير المؤمنين في الحديث، وتلميذه الإمام مسلم، صاحبا "الصَّحيحَيْن"، ثم أصحاب السنن: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، رحمهم الله جميعًا

(2)

.

وقد اشتملت هذه الأصولُ السِّتَّةُ على أحكام الإسلام وآدابه، وشرائعه وتوجيهاته، وهذا ما يُفَسِّرُ لنا العناية الكبرى والحفاوة البالغة التي لَقِيَتْها هذه الكتب، فقد تلقَّاها العلماء بالقبول، واعتنى بها المحدِّثون والفقهاء طبقةً بعد طبقة، واشْتَهَرَتْ فيما بينَ الناس، وتعلَّق بها القومُ شرحًا لِغَرِيبها، وفَحْصًا عن رجالها، واستنباطًا لفِقْهها، وجَمْعًا لمتونها، وتهذيبًا لها.

على أنَّ للصحيحَيْنِ مِن المَزايا ما ليسَ لِغيرِهِما من السنن الأربعة، فالبخاري ومسلم لم يُثبتا في كتابيهما من الأحاديث إلا ما جَزَما بصحته، وثبت عندهما نقله، ولم يشترط ذلك أصحاب السنن، وإن كانوا في الأغلب - عدا ابن ماجه - قد أشاروا إلى كثير مِن العِلَلِ التي اعْتَوَرَتْ بعض الأسانيد عندهم، وكلُّ واحدٍ من هؤلاء الأئمة كان له مَقْصِدٌ في تصنيفه، ومنهج في تأليفه، وغَرَضٌ تَوَخَّاه يَتَمَيَّزُ به عمَّن سواه.

(1)

أكرم الله تعالى مؤسسة الرسالة بخدمته، فعُنِيَ بتحقيقه وتخريج طرق أحاديثه والحكم عليها الشيخ شعيب الأرنؤوط - رحمه الله تعالى - وصحبه الكرام حفظهم الله، وقد بسط القولُ في هذا النوع من التأليف في مقدمته.

(2)

ومنهم من رتَّبَها بطريقة المعجم وغيرها، ينظر بسط ذلك في كتاب "الحصّة في ذكر الصحاح الستة" لصدِّيق حسن خان ص 118 - 128.

ص: 16

ويُمكن أن نذكر باختصار ما يُميِّزُ كلَّ كتاب من هذه الكتب السَّنّة، وما قصد إليه مؤلّفه.

فأمَّا البخاري

(1)

فكان غَرَضُهُ تجريدَ الأحاديثِ الصحاح المتصلة من غيرها، واستنباط الفِقْهِ والسِّيرة والتفسير منها، وقد وَفَّى رحمه الله بما شَرَط، ونال كتابه من الشُّهْرةِ والقبولِ درجةً لا يُرامُ فوقها.

وأما مسلم؛ فقد تَوَخَّى تجريدَ الصَّحاحِ المُجْمَعِ عليها بين المحدِّثين، المتّصلة المرفوعةِ ممَّا يُستنبط منه السُّنَّة، وأرادَ تقريبها إلى الأذهان، وتسهيل الاستنباط منها، فرَتَّبَ ترتيبًا جيّدًا، وجمعَ طُرُقَ كلَّ حديث في موضع واحد، ليَتَّضِحَ اختلافُ المُتون وتشعُبُ الأسانيد أصرح ما يكون، وجَمَعَ بين المُختلِفات، فلم يَدَعْ لمن له معرفةٌ بلسان العرب عُذرًا في الإعراض عن السُّنَّةِ إلى غيرها.

وأما أبو داود؛ فكانت هِمَّتُهُ جَمْعَ الأحاديثِ التي استدل بها الفقهاء ودارَتْ فيهم، وبَنَى عليها الأحكام علماء الأمصار، فصنَّف "سُنَنَه"، وجَمَعَ فيها الصَّحيحَ والحَسَنَ واللَّيِّنَ والصَّالِحَ للعمل عنده.

قال أبو داود: ما ذكرتُ في كتابي حديثًا أجْمَعَ الناسُ على تَرْكِه.

وما كان منها ضعيفًا صَرَّحَ بِضَعْفِه، وما كانَ فيه عِلَّةٌ بَيْنَهَا بِوَجْهِ يعرفُهُ الخائضُ في هذا الشأن، وتَرْجَمَ على كلِّ حديث بما قد استنبط منه عالِمٌ وذَهَبَ إليه ذاهب، ولذلك صَرَّحَ الغزالي وغيره بأنَّ كتابه كافٍ للمجتهد.

وأمَّا التّرمذي؛ فكأَنَّه استحسن طريقة الشيخين حيثُ بَيَّنا وما أَبْهَما، وطريقةً أبي داود حيث جمعَ كلَّ ما ذهب إليه ذاهب، فجمع كلتا الطَّريقتين، وزاد عليهما بيان مذاهبِ الصَّحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، فجمع كتابًا جامعًا، واختصر طُرُقَ

(1)

نُقل ما يتعلق بالصحيحين وسُنن أبي داود وسنن الترمذي من كتاب "الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف" للدهلوي ص 54 - 55.

ص: 17

الحديثِ اختصارًا لطيفًا، فذكر منها واحدًا، وأوْمأ إلى ما عداه، وبَيَّنَ أمْرَ كلِّ حديث مِن أنه صحيحٌ أو حَسَنٌ أو ضعيف أو منكر، وبَيَّنَ وَجْهَ الضَّعف، ليكون الطالب على بَصِيرَةٍ من أمره، فيعرف ما يَصْلُحُ للاعتبار وما لا يصلح، وذكر أنه مستفيض أو غريب، وذَكَرَ مذاهب الصحابة وفقهاء الأمصار، وسَمَّى مَنْ يحتاجُ إلى التّسمية، وكنَّى مَنْ يحتاجُ إلى الكُنية، ولم يَدَعْ خَفَاءً لمن هو من رجال العلم، ولذلك يُقال: إنه كافٍ للمجتهد، مُغْنٍ للمُقَلِّد.

وأمَّا النَّسائي؛ فقد اعْتَنَى بكثرةِ الطُّرقِ واختلافِ النَّاقِلين، قال فيه أبو عبد الله بن رشيد

(1)

: كتاب النسائي أبدعُ الكتب المصنفة في السنن تصنيفًا، وأحْسَنُها تَرْصِيفًا، وكأنَّ كتابَهُ جامع بين طريقتي البخاري ومسلم مع حَظٍّ كبيرٍ من بيان العِلل، وفي الجملة؛ فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصَّحيحَيْنِ حديثًا ضعيفًا ورجلًا مجروحًا.

وقال ابن خلدون في تاريخه 1/ 793: قد استدرك الناسُ على البخاري ومسلم، ثم كَتَبَ أبو داود السجستاني وأبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي في السنن بأوسعَ من الصحيح، وقصدوا ما توفرت فيه شروط العمل، إما من الرتبة العالية في الأسانيد، وهو الصحيح كما هو معروف، وإما من الذي هو دونه من الحَسَن وغيرِه، ليكون ذلك إمامًا للسنة والعمل، وهذه هي الأسانيد المشهورة في الملة، وهي أمهات كُتُبِ الحديث في السنة، فإنها وإن تعددت ترجع إلى هذه في الأغلب.

*‌

‌ غالبُ أحاديث السنن صحيحٌ أو حَسَنٌ؛ لذاته أو لغيره:

وهذه السُّنَنُ دَرَجَ بعضُ الناس على تسميتها بالصِّحاح، ونُوزعوا في ذلك، فذكر ابن الصَّلاح أنَّ الخطيب أطلق اسم الصَّحيح على كتابي الترمذي والنسائي، وأنَّ

(1)

فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 484، والسيوطي في مقدِّمة "زَهْر الرُّبى على المُجتبى". وابن رشيد هذا هو محمد بنُ عُمر بن محمد بن عُمر الفهري السَّبْتي، مَهَرَ في الحديث، وله فيه مؤلفات مفيدة، توفِّي بفاس سنة 721 هـ. مترجم في "الدرر الكامنة" 4/ 111.

ص: 18

الحاكم سَمَّى كتابَ التِّرمذي "الجامع الصحيح"

(1)

، وأنَّ أبا طاهر السِّلَفِيَّ قال في الكتب الخمسة: اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب، فقال ابن الصلاح: وهذا تساهل، لأنَّ فيها ما صرَّحُوا بكونه ضعيفًا أو منكرًا، أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف.

ووافق ابنَ الصَّلاح على ذلك العراقي؛ حيث قال في "ألفيَّتِه":

ومَنْ عَليها أطلَقَ الصَّحِيحَا

فقد أَتَى تَسَاهُلًا صَرِيحا

وقد قام بعضُهم بتوجيه إطلاق الصِّحاح عليها أنَّها باعتبار الأغلب، فقال الزركشي في "نُكَتِه على ابن الصلاح"

(2)

: تسمية الكتب الثلاثة صحاحًا باعتبار الأغلب، لأنَّ غالِبَها الصِّحاحُ والحِسَان، وهي مُلحَقةٌ بالصحاح، والضعيف منها ربَّما التحق بالحَسَن، فإطلاقُ الصَّحَةِ عليها من باب التغليب.

وقال الحافظ ابن حجر

(3)

في توجيه كلام الحاكم: حَكَمَ للجميع بالصِّحة بمقتضى الغلبة.

وكذا وَجَهَهُ النَّوويّ، فقال بإثر كلام السِّلَفِي

(4)

: مراده أنَّ معظم الكُتُبِ الثلاثة يحتج به.

قال الحافظ أي: صالح لأنْ يُحْتَجَّ به، لئلا يَرِدَ على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة. والله أعلم.

(1)

وذكر الحافظ ابن حجر في "النُّكت على ابن الصلاح" 1/ 481 أنَّ الحاكم أطلق اسم الصّحة كذلك على كتابي النَّسائي وأبي داود، وأنَّ أبا علي النيسابوري وابن عدي والدارقطني وابنَ مَنْدَه وعبد الغني بن سعيد وأبا يعلى الخليلي وغيرهم أطلقوا اسم الصحة على كتاب النسائي.

(2)

فيما نقله عنه الجلال السيوطي في مقدمة "زَهْر الرُّبَى على المُجتبى".

(3)

في "النُّكَت على ابن الصلاح" 1/ 479.

(4)

فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "النُّكَت" 1/ 489، والجلال السيوطي في مقدِّمة "زَهْر الرُّبَى".

ص: 19

‌الإمامُ النَّسائي وكتابه "المُجْتَبَى"

الكلام عن الإمام النَّسائي وكتابِه "المُجْتَبَى"(أو السنن الصُّغرى) كلامٌ واسع متنوع، فهو أحد أعلام أئمة المسلمين، إمام عصره، وفريد دهره، وأعجوبة زمانه، حافظٌ لا يُجارَى ومُحَدِّثُ لا يُبارى، أحد أساطين العلم الذين اختصهم الله تعالى لحفظ سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فانتهى إليه العلم بالحديث ومعرفة عليه وأحوال رجاله، وماذا عسى أن أكتب عنه وعن كتابه في هذه التَّقدمة اليسيرة وقد تَبارَتِ الأقلام في ذكر مناقبه والثَّناء عليه؟ لذا سأُورِدُ بين يدي كتابه هذا ما لا بدَّ من إيراده، ممَّا لا يسعُ القارئ جهله.

‌الإمام النسائي

(1)

هو الإمام الحافظ، الثَّبَت، شيخ الإسلام، ناقد الحديث، المجتهد، عَلَمُ الأعلام، أبو عبد الرَّحمن أحمدُ بنُ شُعيب بن عليّ بن سِنان بن بَحْرِ بن دينار، النسائي، الخراساني.

والنَّسَائيّ؛ نسبة لمدينة بخُراسان، يقال لها: نَسَا

(2)

، ويُنسب إليها أيضًا: نَسَوِي

(3)

.

(1)

مصادر ترجمته: الأنساب 12/ 77، المُنتظم 13/ 155، جامع الأصول 1/ 195، اللُّباب 3/ 308، الكامل في التاريخ 6/ 642، معجم البلدان 5/ 282، التقييد 1/ 312، وَفَيات الأعيان 1/ 77، تهذيب الكمال 1/ 328، طبقات علماء الحديث 2/ 418، سير أعلام النبلاء 14/ 125، تذكرة الحفاظ 2/ 698، العِبَر 1/ 444، دول الإسلام 1/ 184، تاريخ الإسلام 6/ 140، الوافي بالوفيات 6/ 416، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 14، طبقات الأسنوي 2/ 268، البداية والنهاية 14/ 792، العِقْد الثَّمين 3/ 45، غاية النّهاية 1/ 61، تهذيب التهذيب 1/ 26، النُّجوم الزاهرة 3/ 188، طبقات الحفاظ 303، حُسن المحاضرة 1/ 349، وبغية الرَّاغب المُتَمَنِّي في خَتْم النسائي 96 - 138.

(2)

تقع أطلالها الآن جنوب تُركمانستان، قريبة من الحدود الشمالية الشرقية لإيران.

(3)

وهو القياس، فيما نقله شمس الدِّين السَّخَاوِيّ في "بُغية الرّاغب المُتَمَنِّي" ص 97 عن =

ص: 20

ومولده فيما جزم به الذهبي، وتبعه تلميذُه التاجُ السُّبْكي سنة خمسَ عَشْرَةَ ومئتين

(1)

.

وهو منقولٌ عن النسائي نفسه، لكن بدون جزم، فقال أبو بكر محمد بن موسى بن المأمون: سمعت أبا بكر ابن الإمام الدمياطي يقول له: وُلدتُ في سنةِ أربعَ عَشْرَةَ، يعني ومئتين، ففي أي سنةٍ وُلِدْتَ؟ فقال: يُشْبِهُ أن يكونَ في سنة خمسَ عَشْرَةَ، لأَنَّ رحلتي الأولى إلى قتيبة كانت في سنة ثلاثين ومئتين، أقمتُ عنده سنةً وشهرين

(2)

.

*‌

‌ رحلته وشيوخه:

ارتحل رحمه الله الرِّحلةَ الواسعة، وسافر إلى البلاد الشاسعة طلبًا لِعُلُوِّ الإسناد.

فسمعَ بخُراسان: من قتيبة بن سعيد، ومن عليَّ بن خَشْرَم، وعليِّ بن حُجْر.

وبنَيْسَابُور: من إسحاق بن إبراهيم، المعروف بابن راهويه، والحُسين بن منصور السلمي، ومحمد بن رافع، وأقرانهم.

وبالبصرة: من عبَّاسِ بن عبدِ العظيم العَنْبَري، ومحمدِ بن المُثَنَّى، ومحمدِ بن بَشَّارٍ بُنْدَارٍ، وعَمْرِو بن عليٍّ الفَلَّاس، وغيرهم.

وبمصر: من يونُسَ بن عبدِ الأعلى، وأحمدَ بن عبدِ الرَّحمنِ بن وَهْبٍ

(3)

، وعيسى بن حمَّاد زُغْبَة، وأبي الطَّاهِرِ بن السَّرْح، وعبدِ الرَّحمن ومحمد ابني عبد الله بن عبدِ

= أبي محمد عبد الله بن عليّ الرُّشَاطي الأندلسي، الحافظ النَّسّابة، له ترجمة في "سير أعلام النبلاء" 20/ 258.

(1)

ينظر "تذكرة الحفاظ" 2/ 298، و "تاريخ الإسلام" 6/ 140، و "سير أعلام النبلاء" 4/ 125، كلُّها للذهبي، وينظر "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي 3/ 14، و "بغية الراغب المتمني" ص 97 - 98.

(2)

ينظر "تاريخ بغداد" 2/ 499 (ترجمة أبي بكر محمد بن جعفر ابن الإمام الدمياطي)، و "تهذيب الكمال" 1/ 338 (ترجمة النّسائي)، و "بغية الرَّاغب المُتَمَنِّي" ص 98.

(3)

ذكره السَّخاوي في "بُغية الرّاغب المُتَمَنِّي" من شيوخ النسائي (وهذا الكلام منه)، وهو ابن أخي عبد الله بن وهب، ولم يرو عنه النسائي في "السنن".

ص: 21

الحكم، وآخرين.

وبالكوفة: من أبي كُرَيْب محمدِ بن العلاء، وهَنَّادِ بن السَّرِي، وعليِّ بن الحَسَن اللَّاني؛ في طائفة.

وببغداد: من محمدِ بن إسحاقَ الصَّغَانيّ، وعبَّاسِ بن محمد الدُّورِيّ، وأحمد بن منيع، ومُجاهد بن موسى الخوارزمي، وجماعة.

وبالحجاز: من محمَّدِ بن زُنْبُور؛ بمكة.

وببيت المَقْدِس: من محمدِ بن عبدِ الله الخَلَنْجِي.

وبدمشق: من هشامِ بن عَمَّار، وعبد الرَّحمن بن إبراهيم دُحَيم، والعبَّاسِ بن الوليدِ بن مَزيد، وطائفة.

وبحلب: من أبي العباس الفَضْلِ بن العبَّاسِ بن إبراهيمَ الحَلَبي

(1)

.

وبالمصِّيصة: من قاضيها أحمد بن عبد الله بن علي بن أبي المَضَاء

(2)

.

ومن شيوخه أيضًا: أبو حاتم وأبو زُرْعَةَ الرَّازِيَّان، ومحمد بن يحيى بن عبد الله الذُّهْلِي النَّيْسَابُوري، ويعقوب بن إبراهيمَ الدَّوْرَقي، وأبو داود صاحب "السُّنن" على اختلاف فيه

(3)

، وغيرهم من الحفاظ.

وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَة، والرَّبيع بن سليمان الجيزي، والرَّبيع بن سليمانَ المُرَادي، وزياد بن يحيى الحَسَّانِي، وسُوَيْدُ بنُ نَصْر، وعبد الله بن سعيد الأشَجُّ، وعَمْرُو بنُ زُرَارَة، ومحمدُ بنُ مَعْمَر القَيْسِيُّ، ومحمد بن النَّضْر

(1)

روى عنه النسائي في "السنن الكبرى"، وليس له رواية عنه في "المجتبى".

(2)

ذكره المِزِّيّ في "التهذيب" وقال: روى عنه النسائي وقال: ثقة. اهـ. ونقل الحافظ ابن حجر في ترجمته في "تهذيبه" عن المزّيّ قوله: ذكره ابن عساكر في "الشيوخ النَّبَل" ولم أقف على روايته عنه. اهـ. وثمة شيخ آخرُ للنَّسائي؛ سَمِيُّه، هو أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف، روى عنه أيضًا البخاري وأبو داود وابن خزيمة.

(3)

لم يجزم الذهبي في "سِير أعلام النبلاء" 13/ 205 (ترجمة أبي داود) أنَّ النسائي روى عنه، وليس له رواية عنه في "السنن".

ص: 22

المَرْوَزِي، ومحمودُ بنُ غَيْلَان، ونَصْرُ بنُ عليّ الجَهْضَمي، وأبو حاتم السِّجِسْتَاني، وعَمْرُو بنُ يزيد أبو بُرَيْدٍ الجَرْمِيُّ، وخلقٌ كثير.

اشترك مع الشيخين في جماعة منهم، كبندار محمد بن بشار، ومحمد بن المُثَنَّى، وعَمْرِو بن عليّ الفلاس، وأبي كُرَيْب محمد بن العلاء

(1)

.

*‌

‌ الكلام في روايته عن الإمام البخاري:

أدرك الإمامُ النَّسائي خلال مرحلة طلبه للحديث حوالي ربع قَرْنٍ من حياة الإمام البخاري، وقد اختلف في روايته عنه، فرَوَى النَّسائي في الصيام (2096) في هذا الكتاب - وهو من رواية ابن السُّنِّي، عنه - قال: أخبرنا محمد بن إسماعيلَ البُخاري، حدَّثني حفصُ بْنُ عُمَرَ بن الحارثِ قال: حدَّثنا حَمَّادٌ قال: حدَّثنا مَعْمَرٌ والنعمان بن راشد، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُروةَ، عن عائشة قالت: ما لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من لَعْنَةٍ تُذْكَرُ

الحديث.

قال المزِّيّ

(2)

: لم نجد للنَّسائي عنه روايةً سوى هذا الحديث؛ إن كان ابن السُّنِّي حفظه عن النسائي، ولم ينسبه من تلقاء نفسه معتقدًا أنَّه البخاري.

وقال أيضًا: رواه أبو القاسم حمزة بن محمد الكناني الحافظ، وأبو عليّ الحَسَنُ بن الخضر الأسيوطي، وأبو الحسن بن حَيويه النيسابوري عن النسائي، عن محمد بن إسماعيلَ؛ حسب. وفي أصل الحافظ أبي عبد الله الصُّوري الذي كتبه بخطه عن أبي محمد بن النَّحَّاس، عن حمزة، عن النسائي: حدَّثنا محمَّدُ بنُ إسماعيل، وهو أبو بكر الطبراني

(1)

هذه الفقرة (ذكر شيوخه) مقتبسة من "بغية الرَّاغب المُتَمَنِّي" للسخاوي ص 101 بتصرُّف يسير، وقد ذَكَرَ فيها من شيوخه أيضًا أبا مصعب، ولم ينسبه، والظاهر أنه أحمد بن أبي بكر الزهري القُرشيّ المدني الفقيه، أحد رواة "المُوطَأ"، وليس هو من شيوخ النسائي في "السُّنن"، وإنما رَوَى النَّسائي له فيها بواسطة زكريا بن يحيى السِّجْزي، وقال المزي في "تهذيب الكمال": روى عنه الجماعة سوى النسائي، والله أعلم.

(2)

يُنظر "تهذيب الكمال" 24/ 436 - 437 (ترجمة الإمام البخاري).

ص: 23

وقال أيضًا: وقد رَوَى النَّسائيُّ الكثير عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وهو ابن عليَّة، وهو يشارك البخاري في بعض شيوخه، ورَوَى في كتاب "الكُنى" عن عبدِ الله بن أحمدَ بن عبدِ السَّلام الخَفَّاف عن البخاري عِدَّةَ أحاديث، فهذه قرينة ظاهرة في أنه لم يَلْقَ البُخاري، ولم يسمع منه.

وقال الذهبي في "تاريخه": رَوَى عنه على نزاعٍ فيه، والأصح أنه لم يَرْوِ عنه شيئًا.

غير أنَّ الحافظ ابن حجر العَسْقَلاني قال في "تهذيبه" - ونقله عنه السخاوي -

(1)

: قد وقع لي خبرٌ صَرَّحَ فيه النَّسائي بالرّواية عن البُخاري، فقال أبو عبد الله محمدُ بنُ إسحاق بن مَنْدَه في كتاب "الإيمان" له: حدَّثنا حمزةُ بنُ محمد الكناني ومحمد بنُ سَعْد الباوَرْدِيُّ قالا: أخبرنا أحمد بن شعيب أبو عبدِ الرَّحمن النّسائيُّ، حدثنا محمد بن إسماعيلَ البُخاري

فذكَرَ خبرًا، فهذا يَدُلُّ على أنَّ ابنَ السُّنِّي قد حَفِظَ نَسَبَ محمد بن إسماعيلَ في الحديث، ولم يَنْسُبْهُ من عند نفسه، ثم وجدتُ في رواية ابن الأحمر في "السنن الكبرى" عن البُخاري عدة أحاديث، والله أعلم.

*‌

‌ تحريه في الرواية وورعُه:

اِشْتَهَرَ الإمامُ النَّسائي بورعه في رواية الحديث، وانتقاء الشيوخ والرواة؛ قال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبا الحسن أحمد بن محبوب الرملي بمكة يقول: سمعت أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي يقول: لما عزمت على جمع كتاب السنن؛ استخرتُ الله تعالى في الرّواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعتِ الخِيرة على تركهم، فنزلتُ في جملة من الحديث؛ كنتُ أعْلُو فيه عنهم

(2)

.

(1)

في "بغية الرَّاغب المُتَمَنِّي" ص 103، وينظر "تاريخ الإسلام" 6/ 141، و "تهذيب التهذيب" 3/ 515 و 3/ 511 (كلاهما في ترجمة الإمام البخاري).

(2)

يُنظر "تهذيب الكمال" للمزِّي 1/ 172 (مقدمة المؤلف).

ص: 24

وقال الحافظ أبو طالب أحمدُ بنُ نَصْر: مَنْ يصبرُ على ما يصبر عليه النسائي؟ كان عنده حديثُ ابن لَهِيعة ترجمة ترجمة - يعني عن قتيبة، عنه - فما حَدَّثَ بها، وكان لا يَرَى أن يُحَدِّثَ بحديث ابن لهيعة

(1)

.

وقال حمزةُ بنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ: وسُئل - يعني الدَّارَقُطني - فقيل له: إذا حَدَّثَ النَّسائي وابنُ خُزيمةَ بحديث، أيُّهما تُقَدِّم؟ فقال: النَّسائي، فإنَّه لم يكن مثله، ولا أُقَدِّمُ عليه أحدًا، ولم يكن في الوَرَعِ مثله، لم يُحَدِّثْ بما وقع له من حديثِ ابن لهيعة، وكان عنده عاليًا قتيبة

(2)

.

ومن وَرعِهِ وتَحَرِّيهِ أيضًا ما حكاه الحافظ أبو بكر بن نقطة في "تقييده"

(3)

فقال: نقلتُ من خط عبدِ الرَّحيم بن حَمْدِ بن المِهْتَرِّ النَّهاوَنْدي قال: رأيتُ بخطِّ الدُّوني - يعني راوي "السُّنن" - أنه سُئل عن نكتة العُدول عن الإتيان بصيغة "حدثنا" و "أخبرنا" فيما يرويه عن الحارث بن مسكين بخصوصه، فأجابَ بأنه سَمِعَ أَنَّ الحارث كان يتولى القضاء بمصر، وكان بينه وبين النسائي خُشونةٌ، فلم يكن يُمَكِّنُهُ حضور مجلسه، فكان يجلس في موضع مستترًا منه؛ بحيث يسمع قراءة القارئ ولا يُرَى، فلذلك عَدَلَ عن الإتيان بذلك، واقتصر على قوله: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع.

قال السَّخاوِيّ: ثم إنَّ ما يقعُ في بعض الأصول من الإتيان بصيغة "حدثنا" ونحوها في بعض ما يرويه عن الحارث؛ الظاهر أنه غلط من النساخ.

(1)

ينظر "تهذيب الكمال" 1/ 335، و "سِير أعلام النبلاء" 14/ 131، و "تذكرة الحفاظ" 2/ 699 - 700، و "بغية الرّاغب المُتَمَنِّي" ص 110.

(2)

ينظر "تهذيب الكمال" 1/ 333 - 335 (ترجمة النَّسائي)، و "بغية الرَّاغب المُتَمَنِّي" ص 110.

(3)

ص 317، ونقله عنه شمس الدين السخاوي في "بغية الرّاغب المُتَمَنِّي" ص 111 (ولفظ الخبر منه، وذكره أيضًا مجد الدين بن الأثير في "جامع الأصول" 1/ 194.

ص: 25

*‌

‌ أقوال العلماء فيه وثناؤهم عليه:

الإمامُ النّسائيّ أحدُ الحفّاظ المُبَرِّزين، والأئمة المعدودين، والمحدثين الأثبات، الذين بلغوا الدرجة العُليا في الدِّراية والرِّواية، خَبَرُوا عِلَلَ الحديث ورجاله، ومَيَّزُوا صحيحه من سَقِيمِه، وقد أقرَّ لهم أئمَّةُ هذا الشأن بذلك، وأثْنَوْا عليهم بما لا مزيد عليه.

قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أخبرنا الإمامُ في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي

وقال أبو الحسن الدارقطني: أبو عبد الرَّحمن مُقَدَّم على كلِّ مَنْ يُذْكَرُ بهذا العلم من أهل عصره.

وقال أيضًا: كان أبو بكر بن الحَدَّادِ الشَّافعيّ كثير الحديث، ولم يُحَدِّثْ عن غيرِ النَّسائي، وقال: رَضِيتُ به حُجَّةً بيني وبين الله تعالى.

وقال أبو عبد الله بن مَنْدَه: الذين أخرجُوا الصحيحَ ومَيَّزُوا الثابت من المعلُولِ والخطأ من الصَّواب أربعة: البخاري ومسلم، وبعدهما أبو داود والنسائي.

وقال مجدُ الدَّين بن الأثير: هو أحد الأئمة الحفّاظ العلماء، لَقِيَ المشايخ الكبار

وقال: كان شافعي المذهب، له مناسك؛ أَلفَها على مذهب الشافعي

(1)

.

وقال الذَّهبيُّ في "سِير أعلام النبلاء": كان من بحور العلم، مع الفهم والإتقان والبَصَر، ونَقْدِ الرّجال، وحُسْنِ التأليف.

(1)

الإمامُ النَّسائي وأمثاله من أئمة الحديث في تلك العصور يعملون ويُفْتُونَ بما يُؤدِّي إليه اجتهادهم من الكتاب والسُّنَّة، وهم مجتهدون، وليسوا بمقلدين، لكن ربما وافق اجتهادهم اجتهادَ أحدِ الأئمَّة، فيُحسبون عليه، وقد جاء في تراجم هذا الكتاب من فقهه ما يُخالف مذهب الشافعي، فعلى سبيل المثال أخرج حديث أبي هريرة رضي الله عنه (7) مرفوعًا:"لولا أنْ أشُقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواك عند كل صلاة"، وترجم له بقوله: الرُّخصة في السواك بالعَشيّ للصائم. اهـ. وهذا خلاف مذهب الشافعي.

ص: 26

وقال: لم يكن أحدٌ في رأس الثَّلاثِ مئة أحْفَظَ من النسائي، هو أحْذَقُ بالحديثِ وعِلَلِهِ ورجالِهِ من مُسلم، ومن أبي داود، ومن أبي عيسى، وهو جارٍ في مضمار البخاري، وأبي زُرْعَة

وقال التَّاج السُّبْكِي في "طبقات الشافعية الكبرى": الإمام الجليل، أحد أئمة الدُّنيا في الحديث، والمشهور فيه اسمه وكتابه

وقال: سألتُ شيخنا الذهبي: أيُّهما: أحفظ: مسلمٌ أو النّسائي؟ فقال: النسائي، ثم ذكرتُ ذلك لوالدي، فوافق عليه

(1)

.

*‌

‌ خروجه من مصر ومحنته ووفاته، رحمه الله:

قال الدَّارَقُطني: كان أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ أَفْقَهَ مَشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصَّحيح والسَّقيم من الآثار، وأعلمهم بالرِّجال، فلما بلغ هذا المبلغَ حَسَدُوهُ، فخرج إلى الرَّمْلَة، فسُئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه، فضربوه في الجامع، فقال: أخْرِجُوني إلى مكة، فأخرَجُوه إلى مكة وهو عليل، فتوفي بها مقتولًا شهيدًا.

وقال أبو سعيد بن يونس: خرج من مصر في شهر ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاث مئة، وتوفِّي بفلسطين في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاث مئة.

قال الذهبي في "السِّير" هذا أصح، فإنَّ ابنَ يونُسَ حافظ يقظ، وقد أخذ عن النسائي، وهو عارف به.

وقال في "تذكرة الحُفَّاظ" عقب القول بأنه حمل إلى مكة فتُوفِّيَ بها: كذا في هذه الرواية، وصوابه بالرَّمْلَة

(2)

.

(1)

تنظر الأقوال السالفة في هذه الفقرة في "جامع الأصول" 1/ 195 - 196، و "تهذيب الكمال" 1/ 333 - 335، و "سِير أعلام النبلاء" 14/ 127 و 133، و "طبقات الشافعية الكبرى" 3/ 14 - 16، و "بغية الرّاغب المُتَمَنِّي" ص 114 - 115.

(2)

ينظر "تهذيب الكمال" 1/ 338 - 340، و "سِير أعلام النبلاء" 14/ 133، و "تذكرة الحفاظ" 2/ 700 - 701.

ص: 27

" المُجْتَبَى"

لا تخفى أهميَّةً ومنزلة هذا المصدر الحديثي "المُجتبى"(أو: السنن الصغرى) للإمام النسائي على كلِّ مشتغل بالحديث أو باحث، فضلًا عن أولويته لطالب العلم، فهو أحد الأصول السِّتَّة التي عليها مدارُ الأحكام الشرعيَّة، وهو متقدم على بعضها؛ وإن كان الإمامُ النَّسائي آخِرَ السِّتَّةِ وفاة.

وهو أحد أهم دواوين السُّنَّة، اعْتَنَى فيه الإمامُ النّسائي بكثرة الطرق، واختلاف النَّاقلين، مع حَظٍّ كبير من بيان العلل، وأبان فيه الوجه الصحيح للحديث - أو المحفوظ منه - من الأوجه الأخرى؛ بالتّصريح بذلك أحيانًا، وبالاكتفاء بذكر مُخْتَلِفِ طرق الحديث أحيانًا أخرى على وَجْهٍ يعرفُه المشتغل بهذا الشأن، ويفهمه أهلُ المعرفة، وأبانَ فيه أيضًا عن دِقَّةِ فَهْمِهِ للمُتون بما ترجَمَ لها من مسائل فقهية استنبطها منها.

وقد كان هذا الكتابُ مَحَلَّ اهتمام الأئمة والباحثين والدارسين للحديث النبوي الشريف في الماضي والحاضر، كما كان ذلك لسائر كتب السنة الأخرى.

فمنهم مَنْ تناول صناعته الحديثيَّة، فتكلَّم في منهجه وطريقة تأليفه وترتيب أحاديثه.

ومنهم مَنْ ذهب إلى دراسةِ فِقْهِهِ الذي وضعَه من خلال تراجم الأحاديث.

ومنهم مَنْ قامَ بدراسة رواته ومنهجه في الجرح والتعديل.

ومنهم مَنْ جمعَ رُباعياته

إلى غير ذلك

وسأتناولُ في هذه التَّقدمة اليسيرة أبرز ما يتعلَّق بالكتاب باختصار، وتفصيل ذلك في كتب الباحثين والدارسين

(1)

.

(1)

من الدِّراسات الحديثة: الإمام النسائي وكتابه المُجتبى للدكتور عُمر إيمان أبو بكر، الاتِّجاه الفقهي للإمام النسائي للدكتور حميد سيد حسن علي ترتيب الحديث في المجتبى للنَّسائيّ الدّلالة الإسناديَّة والفقهيّة للدكتور نبيل زياني، المدخل إلى سُنن الإمام النسائي =

ص: 28

‌أولًا: اسم الكتاب:

عُرف كتابُ الإمام النَّسائي هذا باسم "المُجْتَبَى"، وهو الاسم الذي يتردَّدُ في مصادر الحديث والتراجم وغيرها، ويُسَمَّى أيضًا:"المُجْتَنَى" بالنون بدل الباء

(1)

، ويُسَمَّى أيضًا:"السنن الصغرى" تمييزًا له عن "السنن الكبرى"، ويقال له أحيانًا اختصارًا:"السُّنن"، وكلُّ ذلك معلومٌ عند أهل العلم، ولا جديد في ذلك.

وما ورد في النسخ الخطيَّة للكتاب من أنَّه "المُجتبى"(بالباء) يَشِي بأنَّ تسميته هذه من الإمام النَّسائي رحمه الله، فقد جاء فيها ما صورته:

- كتاب المياه من المجتبى.

- كتاب الحيض والاستحاضة من المُجتبى.

- كتاب الغُسل والتّيمم من المجتبى.

- ذِكْر الفضل في الطواف بالبيت، وهو من كتاب المجتبى من الحجّ.

- كتاب البيعة من المُجتبى

(2)

.

وجاء فيها أيضًا

(3)

: باب ما في كتاب القِصَاص من المجتبى ممَّا ليس في السنن.

وقد جاء اسم "المُجتبى" في الصفحة الأولى من النُّسخة (ك)، فجاء فيها ما

= للدكتور محمد محمدي النُّورستاني، منهج الإمام أبي عبد الرحمن النسائي في الجرح والتعديل وجميع أقواله في الرجال للدكتور قاسم علي سعد، مقدِّمة كتاب "عمل اليوم والليلة" للنسائي تحقيق الدكتور فاروق حمادة

وغيرها من الدراسات، وقبل كل هذا كتاب "بُغْيَةُ الرَّاغِب المُتَمَنِّي في خَتْم النسائي" لشمس الدين السخاوي رحمه الله (902 هـ).

(1)

سيأتي هذا الاسم للكتاب: "المُجتنى"(بالنون) من كلام الذهبي، وكذا سماه الزَّركشي في تخريج الرافعي فيما نقل عنه الجلال السيوطي في مقدمة شرحه للنسائي الذي سمَّاه "زَهْر الرُّبَى على المُجتبى".

(2)

وذلك قبل الأحاديث (25)(348)(396)(2919)(4149)(على الترتيب).

(3)

قبل الحديث (4863).

ص: 29

صورته:

وبعد، فيقول الفقير إلى أكرم الأكرمين أبو الفضل محمد تاج الدين: إني قد أخذتُ سنن الإمام الحافظ الحُجَّة الناقد اللاقط أبي عبد الرحمن أحمدَ بن شُعيب النَّسائيَّ المُسَمَّى بالمجتبى عن عدَّةِ مشايخ جِلَّة

وجاء هذا الاسم "المجتبى" أيضًا على ورقة الغلاف لكلِّ من النُّسَخ الخطيَّة: (ر) و (م) و (هـ)

(1)

.

وجاء آخر النسخة (م) ما صورته: آخِرُ الكتاب من المُجتبى للنَّسائي، والحمد لله وحده

وجاء آخر النسخة (هـ): آخِرُ كتاب الأشربة، وهو آخِرُ كتاب المجتبى

وسُمِّيَ أيضًا في المصادر بهذا الاسم، وهذه أمثلة عنها:

ذكرَ ابن خَيْر الإشبيلي

(2)

عن أبي عليّ الغَسَّاني قال: كتاب الإيمان والصلح ليسا من المُصَنَّف، إِنَّما هما من كتاب "المجتبى" له - بالباء - في السنن المُسْنَدة لأبي عبد الرّحمن النَّسائي

(3)

، اختصره من كتابه الكبير المُصنَّف.

وأورد مجدُ الدِّين بن الأثير في "جامع الأصول"

(4)

القصَّة المتداولة للأمير الذي طلب من النَّسائي تجريدَ الصَّحيح من "سُننه الكبرى"، ثم قال: فهو "المجتبى" من السنن.

وقال الذهبي في "سِير أعلام النبلاء" في ترجمة أبي محمد عبد الرحمن بن حَمْد الدُّوني: كان آخِرَ مَن روى كتاب "المُجتبى" من سُنن النسائي وغير ذلك عن القاضي

(1)

سيأتي الكلام على هذه النسخ بعد المقدمة في وصف النسخ الخطية.

(2)

في "فهرسته" ص 155 (159).

(3)

كذا قال، لكن ليس في رواية ابن السُّنِّيِّ هذه لـ "المُجتبى" كتاب الصلح، إنما فيها كتاب الإيمان، وقد نقلتُ هذا الكلام له استشهادًا لتسميته هذا الكتاب بـ "المجتبى"، والله أعلم.

(4)

1/ 197.

ص: 30

أبي نَصْر أحمدَ بن الحُسين الكسار صاحب ابن السُّنّي.

وقال أيضًا في ترجمة أبي زُرْعَةَ طاهر بن محمد بن طاهر المَقْدِسِيّ: حدَّث بسُنن النسائي "المُجتبى" عن عبد الرحمن بن حَمْد الدُّوني

وقال في ترجمة أبي المحاسنِ محمدِ بن عبد الخالق الأصبهاني: سمعَ "المُجتبى" كلَّه للنسائي من عبد الرحمن بن حَمْد الدُّوني.

وقال في ترجمة أبي منصورٍ أحمدَ بن يحيى بن البَرَّاج: سمع سُنن النسائي كلَّه - أعني "المُجتنى" - من أبي زُرعة المقدسي

(1)

.

فسمَّاه الذَّهبيُّ "المُجتبى"(أو: المجتنى)، ونسبه في سياق كلامه للنسائي، مع أنه ذكر في "السِّير" في ترجمتي النسائي وابن السُّنِّيّ أنَّ "المُجتنى"(كذا ذكره فيهما بالنون) اختيار ابن السُّنِّي، كما سيأتي الكلام في الفقرة بعدها، والله أعلم

(2)

.

وجاء كذلك اسم "المُجتبى" في "الدرر الكامنة"

(3)

في ترجمة علي بن الحسين بن علي المصري، ثم الدمشقي، المعروف بابن البَنَّاء، فجاء فيه أنه وقف كتبه على طلبة العلم أكثرها، بخطّه، منها "المُجتبى" للنسائي

وكذلك سمَّاه جلال الدين السيوطي، حيث سمى شرحَه:"زَهْرِ الرُّبَى على المُجتبى"، وشمس الدِّين السَّخاوِيُّ في "بُغية الرَّاغِب المُتَمَنِّي"

(4)

أثناء كلامه على أسانيده.

وجاء هذا الاسم في مواضعَ أخرى من المصادر، لا داعي لذكرها خشية الإطالة.

(1)

ينظر كلام الذَّهبيّ السالف في "سِير أعلام النبلاء"(على الترتيب): 19/ 239، 20/ 503، 21/ 123، 22/ 277، وقد سماه في الموضع الأخير:"المجتنى"(بالنون).

(2)

السِّيَر 14/ 131 و 16/ 256، وجاء فيه:"المُجتنى"(بالنون) في الترجمتين.

(3)

3/ 42.

(4)

ص 46؛ قال فيه: وعنده في العدد من "المجتبى" أيضًا حديث تُسَاعي.

ص: 31

وأمَّا تسميته بـ "السُّنن الصُّغرى"؛ فقال الحافظ ابن حجر في "الدُّرَر الكامنة"

(1)

في ترجمة محمد بن أحمد بن أبي بكر بن أبي الفتح سمعَ بالشام من عبد الرحمن بن الزين أحمد بن عبد الملك "السنن الصغرى" للنسائي رواية ابن السُّنِّيّ.

وسمَّاه الحافظ أيضًا بـ "الصُّغرى" في "موافقة الخبر الخَبَر"

(2)

أثناء كلامه على رواة السنن.

وذكر الصَّنعاني في "توضيح الأفكار"

(3)

قصة طلب الأمير من الإمام النسائي تجريدَ الصَّحيح من "السنن الكبرى"، ثم قال: و "المُجتبى" هو "السنن الصغرى".

والأمثلة على ذلك كثيرة، وهى سهلةُ التَّناول لمن أرادَ الوقوف عليها.

‌ثانيًا: نسبة الكتاب لمؤلِّفه:

أكثرُ الأقوال والدَّلائل على أنَّ كتاب "المُجتبى" هذا إنَّما هو للإمام النسائي نفسه، وليس من اختيار ابن السُّنِّي من "السنن الكبرى" للنسائي، وقد أُشبعَ هذا البحث دراسةً، وسأذكرُ الاختلاف فيه باختصار:

فقد ذكر مجدُ الدِّين بن الأثير

(4)

أَنَّ النَّسائي صنعَ "المُجتبى"، وقال: فهو المُجتبى من السنن.

وقال ابن كثير

(5)

: جمعَ "السنن الكبير"، وانتخب منه ما هو أقل حجمًا منه بمرات، وقد وقع لنا سماع كل منهما.

وقد جاء أيضًا في بعض النسخ الخطيَّة للكتاب وبعض المصادر من تصريح ابن السُّنّي ما يدلُّ على ذلك:

(1)

3/ 374.

(2)

1/ 481.

(3)

1/ 220.

(4)

في "جامع الأصول" 1/ 197.

(5)

في "البداية والنهاية" 14/ 793 (وفيات سنة 303).

ص: 32

فقد جاء في إسناد النسخة (ك)

(1)

إلى أبي بكر بن السُّنِّي قال: أخبرنا مؤلِّفُهُ الحافظ أبو عبد الرَّحمن أحمد بن شعيب بن عليّ النسائي رحمه الله

فذكره. وهذا نص صريح من ابن السُّنِّي أنَّ مؤلف الكتاب هو النسائي رحمه الله.

وذكر مجد الدين بن الأثير

(2)

إسناده إلى النَّسائي في روايته لـ "المجتبى"، وجاء

فيه: قال ابن السُّنِّيّ: حدَّثنا الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمدُ بنُ شعيب النسائي بكتاب السنن جميعه

إلخ. وهذا نص آخَرُ من ابن السُّنِّيّ أنَّ مؤلَّفَ "المُجتبى" هو النسائي نفسه

(3)

.

وأوردَ ابن خَير في "فهرسته" عن أبي محمد بن يربوع، عن أبي عليّ الغَسَّاني، أنَّ بعض الأمراء سألَ النَّسائي عن كتابه في "السُّنن": أكله صحيح؟ فقال: لا، قال: فاكتُبْ لنا الصحيحَ منه مجرَّدًا، فصنع "المُجتبى"، فهو المُجتبى من "السُّنن". اهـ. لكن في إسناد هذا الخبر انقطاع.

ومن جهة أخرى؛ فقد قال الذهبي في "سِير أعلام النبلاء" بعد أن أوردَ الخبرَ السالف ذكره: هذا لم يصح، بل "المُجتنى" اختيار ابن السُّنِّي

(4)

.

وقال أيضًا في "تذكرة الحفّاظ": اختصرَ (يعني ابنَ السُّنِّيّ)"السُّننَ"، وسمَّاه:"المجتبى"

(5)

.

(1)

هي نسخة دار الكتب المصرية، وسيأتي ذكرها في وصف النسخ الخطية.

(2)

في "جامع الأصول" 1/ 203 - 204.

(3)

وذُكر أيضًا في نسخة خطيَّة للكتاب (هي نسخة مكتبة الأحقاف باليمن) بعض طرقه إلى الإمام النسائي، ثم جاء فيها ما صورته: وهذه الروايات أتمُّ الرّوايات عن المؤلّف الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي

، وكذلك نُسب التأليف للإمام النسائي في أسانيد نُسَخ أخرى له.

(4)

"السِّيَر" 14/ 131 و 16/ 256 في ترجمتي النسائي وابن السُّنِّي، وفيهما:"المجتنى"، بالنون، وسلف في الفقرة قبلها أن الذهبي نسب الكتاب للنسائي في بعض التراجم.

(5)

"التذكرة" 3/ 939 - 940 في ترجمة أبي بكر بن السُّنِّي، وجاء اسم الكتاب فيه "المُجتبى"(بالباء)، بينما جاء في "السِّير" المذكور قبله:"المجتنى"(بالنون).

ص: 33

وتابعَ الذَّهبيّ على ذلك تلميذه تاجُ الدِّين السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى"، وابنُ ناصر الدين الدمشقي فيما نقل عنه ابن العماد في "شذرات الذهب"

(1)

، فَذَكَرَا أنَّ ابنَ السُّنِّي اختصرَ "سُنن النسائي"، وزادَ ابن ناصر الدين قوله: وسماه "المجتبى".

كذا جزمَ الذَّهبيُّ والتَّاجُ السُّبْكِي وابنُ ناصر الدين أنَّ "المُجتبى" من اختيار ابن السُّنِّي، غير أنَّ ما تطمئن النفسُ إليه أنَّ "المُجتبى" من تأليف النسائي نفسه كما سلف ذكره، والأدلة على ذلك كافية.

والظاهر أنَّ النَّسائي رحمه الله اختار كتابه هذا وانتخبه من "سننه" الكبرى، واقتصر في اختياره على أحاديث الأحكام؛ الصَّحيح منها والحَسَن، وأورد فيه الضعيف أحيانًا إن لم يكن في الباب غيرُه، أو أنَّه أوردَه لزيادة فيه

(2)

، أو لبيان علة،

(1)

"طبقات الشافعية الكبرى" 3/ 39، و "شذرات الذهب" في وفيات سنة (364).

(2)

قد تكونُ الزِّيادة في المتن، وقد تكون في الإسناد، مثال الأول: الحديث (3485) رواه النسائي من طريق مجاهد، عن يوسف بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، مرفوعًا:"الولدُ للفراش، واحتجبي منه يا سَوْدَة، فليس لك بأخ". الحديث؛ في قصَّة زَمْعَة وجاريته، وهو صحيح دون قوله:"فليس لكِ بأخ" فقد تفرَّدَ به يوسف بن الزبير، وهو مجهول الحال. ومثال الثاني (يعني الزيادة في الإسناد): الحديث (5453) رواه من طريق عبد الله بن رجاء، عن سعيد بن سَلَمةَ بن أبي الحُسام العَدَويّ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عبد الله بن المطلب، عن أنس بن مالك، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا قال: "اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَن

". الحديث؛ قال النسائي بإثره: سعيد بنُ سَلَمَةَ شيخ ضعيف، وإنَّما أخرجناه للزيادة في الحديث. انتهى كلامه. واعتبر السَّخاوي في "بُغية الرّاغب المُتَمَنِّي" ص 56 كلام النسائي هذا اعتذارًا عن تخريجه لهذا الضعيف. اهـ. والزّيادة التي زادها سعيدُ بنُ سَلَمةَ هي ذِكرُ عبدِ الله بن المطلب في إسناده بين عمرو بن أبي عمرو وأنس بن مالك رضي الله عنه، لكنّ متن الحديث صحيح، وقال المِزِّيُّ في "تهذيب الكمال" 10/ 480 في ترجمة سعيد هذا: رواه غيره عن عمرو، عن أنس، لم يذكر بينهما أحدًا، وهو المحفوظ. والله أعلم.

ملاحظة: هناك راوٍ آخر اسمه سعيد بنُ سَلَمة، وهو المخزومي، من آل ابن الأزرق، وثقه النسائي، وقد روى عن المُغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة حديث البحر:"هو الطَّهُورُ ماؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُه". وهو في هذا الكتاب بالأرقام: (59) و (332) و (4350).

ص: 34

أو مسألةٍ حديثيَّة، أو غير ذلك

فلم يقتصر النسائي رحمه الله على إيراد الصحيح فحسب في "المجتبى" كما جاء في قصته مع الأمير.

ومن جهة أخرى؛ فإنَّه تَرَكَ أحاديثَ كثيرةً صحيحة من "السنن الكبرى"، منها ما وقع ضمن كتب بأكملها، كالتفسير، وعمل اليوم واللَّيلة، وعِشْرَةِ النِّساء، وغيرها، وذكر بالمقابل في "المجتبى" أبوابًا في العقود لم يذكرها في "السنن الكبرى"، كما في شركة عنان بين ثلاثة، وشركة مفاوضة

، وزاد فيه أيضًا أحاديث؛ كما في الإيمان وشرائعه وآخر الجهاد مثلًا؛ بعضُ طُرُقِ أحاديثهما ليست في "الكبرى"، لكن ما زاده في "المجتبى" على "الكبرى" قليل، ولا إشكالَ عندئذٍ في قول من قالَ من الأئمة: إنّ "المُجتبى" مُنتخب من "السنن الكبرى"، لأنّهم قالوا ذلك فيه على التغليب، كما أنَّ بعض الأئمة أطلق اسمَ الصَّحيح على "سُننه" على التغليب أيضًا، والله أعلم.

وذكر الدكتور عُمر إيمان أبو بكر هذا المعنى فقال

(1)

: اختصرَ النَّسائي "الكبرى" في نصف حجمه، وسمَّاه "المُجتبى"، ولكن ليس المراد بالاختصار هنا ما قد يتبادر إلى الذهن من أنَّ كلَّ ما في "المجتبى" من الأحاديث موجود في "الكبرى" كما هي العادة في المختصرات، بل المراد بالاجتباء هنا أنَّ معظم مادة "المُجتبى" مأخوذ من "الكبرى"، وإنما قلتُ ذلك لوجود أبواب بكاملها - بل وكتب أحيانًا في "المجتبى" ليست في "الكبرى"، فالمصنف قد زادَ أحاديثَ في "المُجتبى"، ولكن ما زادَ فيه قليل جدًّا إذا قورن بما نَقَصَ منه من أحاديث الأصل.

وقال الدكتور عُمر أيضًا: لم يكن قصد النسائي من الاختصار مراعاة جانب القوَّة والصحة، ومن قال بذلك فعليه الدليل، بل كان قصده أن يكون "المجتبى" نموذجًا مصغرًا لـ "سُننه الكبرى"

ثم إنَّه راعى في "المُجتبى" جُودةَ الترتيب والاختصار، مع مراعاة الجانب الفقهي

(2)

.

(1)

في كتابه "الإمام النسائي وكتابه المُجتبى" ص 61 - 62.

(2)

الكتاب السالف ص 75. وقد نقلتُ منه ما يؤكِّدُ أنَّ "المُجتبى" مختصر من "السُّنن الكبرى"، وهو يوافقُ وَصْف بعض الأئمة له بذلك، وهؤلاء الأئمة يعلمون حقَّ العلم أنه وقع =

ص: 35

‌ثالثًا: رواة "المُجتبى" عن الإمام النسائي:

من المعلوم أنَّ كتاب "المُجتبى" المتداول للإمام النسائي هو من رواية أبي بكر بن السُّنِّي، عنه، وذكرَ ابن خَيْر الإشبيلي

(1)

راويين لـ "المجتبى" غيره، هما: عبد الكريم ابن الإمام النسائي أبو موسى، ووليدُ بنُ القاسم الصُّوفي، وذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني

(2)

راويَيْنِ آخَرَيْنِ، هما: ابن حَيّويه والأسيوطي

(3)

، وهذا يعني أنَّ ابنَ السُّنِّي لم ينفرد برواية "المُجتبى" عن النَّسائي كما ظنَّ بعض الباحثين، والله أعلم

(4)

.

‌رابعًا: "السنن الصغرى"(المُجتبى) وكتب الأطراف:

سنن النسائي هي إحدى الأصول السِّتَّة باتفاق، لكن منهم من قال: المراد بها "السنن الصغرى"، ومنهم من قال: المراد بها "السنن الكبرى".

= في "المُجتبى" أحاديثُ لم ترد في "السنن الكبرى"، ومع ذلك وصفوه بأنه مختصر منه، وذلك على التغليب كما ذكرت لأنه أصله الذي انتخبه واستقاه منه، والله أعلم.

(1)

في "فهرسته" ص 155 (159).

(2)

في "موافقة الخُبْر الخَبَر" 1/ 481.

(3)

نُشرت مؤخَّرًا نسخة خطيَّة لسنن النسائي هذا "المُجتبى" على أنها من رواية ابن حيويه عن النَّسائي، وليست هي من روايته، وإنما هي من رواية أبي بكر بن السُّنِّي عن النسائي، كما سيأتي تفصيله في الكلام على النسخ الخطيَّة.

(4)

أوردَ ابن ناصر الدين في "توضيح المُشتبه"(الفِرِيَّاني) 7/ 95 إسنادًا لـ "المجتبى" من رواية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الفِرِيَّاني اللَّخْمِيّ، رواه بإسناده إلى أبي بكر أحمد بن محمدِ بن إسماعيلَ بن الفَرَج المصري المهندس، الشهير بابن البناء؛ قال: حدثنا الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيبٍ النَّسائي بجميع كتاب "السنن" المسمى بـ "المجتبى"

قال ابن ناصر الدين: لم أرَ لابن المهندس روايةً بجميع كتاب "السنن" المذكور

اهـ. ثم ذكرَ ابن ناصر الدين رواة "السُّنن" وقال: وابنُ المهندس يروي من كتاب "السنن" كتاب خصائص علي رضي الله عنه

إلخ. وقد قال ابن ناصر الدين في أوَّل الخبر: قد كتبته للمعرفة. انتهى كلامه. وقال الذهبي في "سِير أعلام النبلاء" 16/ 462 في ترجمة أبي بكر أحمد بن محمد المهندس المذكور: أخطأ من قال: إنه سمع من النسائي.

ص: 36

ومن أبرز مَنْ قال: المراد بها "السنن الصغرى" تاجُ الدِّين السبكي، فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر" 1/ 481، والجلال السيوطي في مقدمة "زَهْر الرُّبَى"؛ قال: سنن النسائي التي هي إحدى الكتب الستة هي "الصُّغرى"، لا "الكبرى"، وهي التي يُخرِّجون عليها الرِّجال، ويعملون الأطراف.

ونقل السيوطي ذلك عنه أيضًا في "تدريب الرَّاوي" 1/ 109، لكنه استدرك عليه، فقال: وإن كان شيخه المِزِّيُّ ضم إليها "الكبرى"، وصرّح ابن الملقن بأنها "الكبرى"، وفيه نظر. انتهى كلامه.

لكن صاحب "عون المعبود" قال 14/ 197: اعلم أنَّ قولَ المُنذري في "مختصره" وقول المزِّيّ في "الأطراف"

(1)

: الحديث أخرجه النسائي، فالمراد به "السنن الكبرى" للنسائي، وليس المراد به "السنن الصغرى"

فالحديث الذي قال فيه المنذري والمِزِّي: أخرجه النسائي، وما وجدته في "السنن الصُّغرى" فاعلم أنه في "السنن الكبرى"، ولا تتحيّر لعدم وجدانه، فإنَّ كلَّ حديث هو موجود في "السنن الصغرى" يوجد في "السنن الكبرى" لا محالة، من غير عكس، ويقولُ المِزِّيُّ في كثير من المواضع: أخرجه النسائي في التفسير، وليس في "السنن الصغرى" تفسير. والله أعلم. انتهى كلامه. نعم، يعزُو المِزِّيُّ أحاديث في "الأطراف" إلى النسائي هي ضمن كتب ليست في "السنن الصغرى"، مثل التفسير، وفضائل القرآن، والطِّب، والملائكة

وغيرها، لكنَّ قوله:"كل حديث هو موجود في الصُّغرى يوجد في الكبرى لا محالة"، فيه نظر، فإنَّ "الصغرى" أحاديثَ ليست في "الكبرى"، لكنها قليلة بالنسبة إلى عدد أحاديث الكتاب، والواقع أنَّ الحافظ المِزِّيَّ اعتمد في "الأطراف" على "الصغرى" و "الكبرى" جميعًا، كما سلف من كلام السيوطي، وذكره قبله الحافظ ابن حجر

(2)

.

(1)

مختصر المنذري يعني به "مختصر سنن أبي داود"، وأطراف المزِّيّ يعني "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف".

(2)

في "موافقة الخُبْر الخَبَر" 1/ 481، وينظر كتاب "الإمام النسائي وكتابه المُجتبى" للدكتور عمر إيمان أبو بكر ص 62 - 71، فقد أورد فيه مقارنة بين كتابي النسائي:"السنن الصغرى"(المجتبى)، و "السنن الكبرى" من حيث عدد أحاديثِ كلٍّ منهما، وما انفردت به =

ص: 37

‌شرطُ الإمام النَّسائيّ في "المُجْتَبَى" ومنهجه فيه

لم يذكر النَّسائيُّ شرطه في كتابه، ولم يُبَيِّنْ منهجه فيه، لكنَّ الأئمةَ تعرَّفوا على ذلك من استقرائهم للأحاديث التي أخرجها فيه، والرُّواةِ في أسانيده، وأقواله التي وقفوا عليها؛ سواء أكان ذلك في المُتون، أم في الرُّواة، وغير ذلك.

وقد تكلَّمَ الحافظ أبو الفضل ابن طاهر في "شروط الأئمة" على كتابي أبي داود والنسائي، ونقله عنه السُّيوطي في مقدِّمة "زَهْر الرُّبَى" (وهذا الكلام منه)؛ قال:

كتاب أبي داود والنسائي ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: الصَّحيحُ المُخَرَّجُ في الصَّحِيحَيْن.

الثاني: صحيح على شرطهما، وقد حَكَى أبو عبد الله بن مَنْدَه أَن شرطهما إخراج أحاديث أقوامٍ لم يُجْمَعْ على تَرْكِهِم؛ إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال. فيكون هذا القسم من الصَّحيح، إلا أنه طريق دونَ طريق ما أخرجَ البخاري ومسلم في صحيحيهما، بل طريقه طريقُ ما تَرَكَ البخاري ومسلم من الصحيح؛ لِمَا بَيَّنَا أنَّهما تَرَكا كثيرًا من الصحيح الذي حفظاه.

الثالث: أحاديثُ أخرجاها من غير قطع منهما بصحتها، وقد أبَانَا عِلَّتَها بما يفهمه أهلُ المعرفة، وإنَّما أوْدَعا هذا القسم في كتابيهما لأنه رواية قومٍ لها واحتجاجهم بها، فأورَدَاها وبَيَّنَا سُقْمَها لتزولَ الشُّبهة، وذلك إذا لم يجدا له طريقًا غيرَه؛ لأنه أقوى عندهما من رأي الرجال.

وقال ابن الصَّلاح: حَكَى أبو عبد الله بن مَنْدَه أنه سمعَ محمد بن سَعْد البَاوَرديَّ بمصر يقول: كان من مذهب أبي عبدِ الرَّحمن النسائي أنْ يُخْرِجَ عن كلِّ من لم يُجْمَعْ على تركه.

= "السنن الكبرى" على "السنن الصغرى" من كتب وأبواب، وكذلك ما انفردت به "السنن الصغرى" على "السنن الكبرى"، لكنَّ هذه قليلة بالنسبة لانفراد "السنن الكبرى" كما سلف.

ص: 38

قال الحافظ أبو الفضل العراقيُّ: وهذا مذهبٌ متَّسِعٌ.

وقال الحافظ أبو الفضل بن حَجَر في "نُكَتِه" على ابن الصلاح: ما حكاه عن الباوَرْديّ، أنَّ النَّسائي يُخرجُ أحاديث مَنْ لم يُجْمَعُ على تركه؛ فإنَّه أراد بذلك إجماعًا خاصًّا، وذلك أنَّ كلَّ طبقة من نُقَادِ الرِّجال لا تَخْلُو من متشدِّدٍ ومتوسِّط:

فمن الأولى: شعبه وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه.

ومن الثانية: يحيى القطَّانُ وعبد الرحمن بنُ مَهْدِيّ، ويحيى أشدُّ من عبدِ الرحمن.

ومن الثالثة: يحيى بنُ مَعِين وأحمد بن حنبل، ويحيى أشَدُّ من أحمد.

ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشدُّ من البخاري.

فقال النسائي: لا يُتْرَكُ الرَّجلُ عندي حتى يجتمع الجميعُ على تركه، فأَمَّا إِذا وَثَّقَهُ ابن مَهْدِي وضَعَفَهُ يحيى القطان مثلًا، فإنه لا يُتْرَكُ؛ لِمَا عُرِفَ من تشديد يحيى، ومَنْ هو مثله في النقد؟

(1)

.

قال الحافظ ابن حجر: وإذا تَقَرَّرَ ذلك ظهرَ أنَّ الذي يتبادر إلى الذِّهن من أنَّ مذهبَ النَّسائي في الرِّجال مذهب متَّسعٌ؛ ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تَجَنَّبَ النَّسائي إخراج حديثه، بل تَجَنَّبَ النَّسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصَّحيحين، فحَكَى أبو الفضل ابن طاهر قال: سألتُ سَعْدَ بنَ عليّ الزَّنْجانيَّ عن رجلٍ، فوثَّقَه، فقلتُ له: إنَّ النَّسائي لم يحتج به، فقال: يا بُنيَّ، إِنَّ لأبي عبدِ الرَّحمن شرطًا في الرِّجال أشدَّ من شرط البخاري ومسلم.

(1)

مثاله ما أخرجه النسائي (2993) عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي قُرَّةَ موسى بن طارق، عن ابن جريج، عن عبد الله بن عُثمانَ بن خُثَيْم، عن أبي الزبير، عن جابر، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حين رَجَعَ من عُمرة الجِعْرَانةِ بعثَ أبا بكر على الحج

الحديث، وقال بإثره: ابن خُثَيْم ليس بالقوي في الحديث، وإنَّما أخرجتُ هذا لئلا يُجعل: ابن جريج، عن أبي الزبير، وما كتبناه إلَّا عن إسحاقَ بن إبراهيم، ويحيى بن سعيد القطان لم يترك حديث ابن خُثَيْم ولا عبدُ الرَّحمن (يعني ابن مهدي)، إِلَّا أنَّ عليَّ بنَ المَدِيني قال: ابن خُثيم منكر الحديث. وكأنَّ عليَّ بْنَ الْمَدِينِي خُلِقَ للحديث.

ص: 39

وقال أحمدُ بنُ محبوب الرَّملي: سمعتُ النسائي يقول: لما عزمت على جمع السُّنن؛ استَخَرْتُ الله في الرّواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعتِ الخيرة على تركهم، فتَرَكْتُ جملةً من الحديث كنتُ أعلو فيه عنهم.

قال الحافظ أبو طالب أحمدُ بنُ نَصْر شيخُ الدَّارقطني: مَنْ يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟! كان عنده حديثُ ابن لَهِيعةَ ترجمةً ترجمةً، فما حَدَّثَ عنه بشيء

(1)

.

قال الحافظ ابن حجر: وكان عنده عاليًا عن قتيبة، عنه، ولم يُحَدِّثْ به؛ لا في السنن ولا في غيرها.

فقد ظهرَ ممَّا سلف أنَّ للإمام النسائي انتقاء في الرّجال.

*‌

‌ منهجه في ترتيب الأحاديث وتبويبُه عليها بتراجم فقهية:

وأمَّا منهجه في ترتيب الأحاديث والتبويب عليها بتراجم فقهية وتكرارها وذِكْرِ عللها والاختلافِ على بعض الرُّواة في الإسناد أو في اللفظ

وغير ذلك، فله فيه مسلك خاص.

وقد أبانَ النَّسائيُّ رحمه الله عن فقهه بكلامه على الأحاديث، وبما تَرْجَمَ لها من أحكام مُستفادة ومُستنبطة منها، وقد أشارَ الحاكم إلى دِقَّةِ استنباطه للأحكام الفقهية، فقال: أما كلامه على فقه الحديثِ فأكثر من أنْ يُذكر في هذا الموضع. وقال أيضًا: ومَنْ نظر في كتاب السنن له تَحَيَّرَ في حُسن كلامه!. اهـ.

مثاله: ما رواه عن أبي هريرة رضي الله عنه (5610) في مَجِيئه للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِندَ فِطْرِهِ بِنَبِيذٍ صَنَعَهُ له في دُبَّاءٍ، فَوَجَدَهُ يَنشُ، فقال:"اِضْرِبْ بهذا الحائط، فإِنَّ هذا شَرابُ مَنْ لا يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر".

ثم قال النسائي بإثره: في هذا دليل على تحريم المُسْكِرِ قليله وكثيره، وليس كما يقولُ المُخادِعُون لأنفسهم بتحريم آخِرِ الشَّرْبَة، وتحليلهم ما تَقَدَّمَها الذي يُشربُ في

(1)

سلف كلام ابن محبوب الرّملي وأبي طالب بن نصر في ترجمة الإمام النسائي (ذكر تحريه في الرواية وورعه) ص 24 - 25.

ص: 40

الفَرَقِ قبلها، ولا خلاف بين أهل العلم أنَّ السُّكْرَ بكلِّيَّتِه لا يحدثُ على الشَّرْبَةِ الآخِرَةِ دون الأولى والثانية بعدها وبالله التوفيق.

وعَقَدَ بابًا أواخر كتاب الأشربة، فقال: ذِكْرُ الأخبار التي اعْتَلَّ بها مَن أَباحَ شرابَ السَّكَر. ثم أخرجَ (5677) عن هَنَّادِ بن السَّرِي، عن أبي الأَحْوَص، عن سِمَاك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بُرْدَةَ بن نِيار، مرفوعًا:"اشْرَبُوا في الظُّروف ولا تَسْكَرُوا". ثم قال النسائي: وهذا حديث منكر، غلط فيه أبو الأحوص سَلَّامُ بنُ سُلَيْم، لا نعلمُ أنَّ أحدًا تابعه عليه من أصحاب سِماكِ بن حَرْب، وسِماك ليس بالقوي، وكان يقبلُ التَّلقين، قال أحمد بن حنبل: كان أبو الأحوص يُخطئ في هذا الحديث. انتهى.

وقال النسائي: وممَّا اعتلُوا به حديث عبد الملك بن نافع، عن عبد الله بن عمر، مرفوعًا (5694):"إذا اغْتَلَمَتْ عليكم هذه الأوعية فاكْسِرُوا مُتُونَها بالماء". ثم قال النَّسائي: عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور، ولا يُحتج بحديثه، والمشهور عن ابن عُمر خلاف حكايته. انتهى.

ثم أخرجَ (5698 - 5701) من طريق كل من ابن سيرين ونافع وسالم بن عبد الله وأبي سلمة، عن عبد الله بن عُمَرَ، مرفوعًا؛ المعنى واحد:"كلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". ثم قال: وهؤلاء أهلُ الثَّبَت والعدالة مشهورون بصحة النقل، وعبد الملك (يعني ابن نافع) لا يقومُ مَقامَ واحدٍ منهم ولو عاضَده من أشكاله جماعة، وبالله التوفيق.

* وقد تفاوتت تراجمُ الكتاب في استنباط الأحكام الفقهية من الأحاديث:

فمنها ما هو ظاهر الاستنباط، ومنها ما هو خَفِيُّ الاستنباط دقيقه.

فالأول - وهو ما استنباطه ظاهر - غالب تراجم الكتاب، ويمكن ملاحظته بيُسْر، وفي هذه الحالة قد يُكَرِّرُ النَّسائي الحديثَ، فيذكرُه من طرق مختلفة، ويُترجم لكلِّ منها بأحكام مفصَّلة؛ هي بمجموعها ظاهرة في أحد طرقه ويمكن إجمالها فيه، لكنَّه يُفيد في هذا العرض والتكرار ذِكْرَ عددٍ من طرق الحديث.

ص: 41

مثاله: حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: "خَمْس ليس على المُحْرِمِ في قتلهنَّ جُناح: الغُرابُ، والحِدَأَةُ، والعقرب، والفأرة، والكلبُ العَقُور"، أورده من طريق مالك (2828) (واللفظ السالف له) وترجم له بقوله: قتل الكلب العقور، وأورده من طريق الليث (2830) وترجم له بقوله: قتل الفأرة، وأورده من طريق عُبيد الله العُمري (2832) وترجم له بقوله: قتل العقرب، وأورده من طريق أيوب السختياني (2833) وترجم له بقوله: قتل الحِدَأَة؛ وأورده من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري (2834) وترجم له بقوله: قتل الغُراب، خمستُهم (مالك والليث وعبيد الله وأيوب ويحيى) عن نافع عن ابن عُمر، به، فرَّق التراجمَ في خمسةِ مواضعَ لحديث واحد، وأفاد فيها بذكر خمس طرق له.

ويُكرِّرُ الحديثَ أحيانًا بسنده ومَتنه، ويُترجم له بأحكام فقهيَّة مُستنبطة منه، كما في حديث إخبار عائشة رضي الله عنها عن خروج النبي صلى الله عليه وسلم لَيْلًا إلى البقيع واستغفاره للمؤمنين؛ أوردَه في باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين من كتاب الجنائز (2037)، وأعاده بسنده ومتنه في باب الغَيْرة من كتاب النكاح (3964). ذكره شمس الدين السخاوي

(1)

وقال: زاحَمَ إمامَ الصَّنْعَة أبا عبدِ الله البخاري في تدقيق الاستنباط، والتبويب لما يستنبطه بدون إسقاط. اهـ.

وقد يُكَرِّرُ الحديث بسنده ومتنه، ويُكرِّرُ ترجمته بتفاوت يسير، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"هو الطَّهُورُ ماؤهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ"؛ ذكره في الطهارة، باب ماء البحر (59)، وأعادَه في كتاب المياه، باب الوضوء بماء البحر (332).

وقد يُورد حديثًا واحدًا لصحابيين في ترجمتين متماثلتين، فأورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه (60) أَنَّه صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في استفتاحه الصلاةَ: "اللَّهُمَّ بَاعِدْ بيني وبين خَطَايَايَ كما باعَدْتَ بين المَشْرِقِ والمَغْرِب، اللَّهُمَّ نَقني من خَطاياي كما يُنَقَّى الثوب الأبيضُ

(1)

في "بغية الرّاغب المُتَمَنِّي" ص 27.

ص: 42

من الدَّنَس، اللَّهُمَّ اغْسِلْني من خَطاياي بالثَّلج والماء والبَرَد"، وترجَمَ له بقوله: باب الوضوء بالثَّلج، ثم أخرجه بعده (61) بنحوه من حديث عائشة رضي الله عنها، وترجم له بقوله: الوضوء بماء الثَّلج، ثم أعادَهما في كتاب المياه (333) (334) وترجم لهما بقوله: باب الوضوء بماء الثلج والبرد.

ذكرهما أيضًا شمس الدين السخاوي

(1)

.

* ومثال ما دقَّق فيه الاستنباط:

ما ترجَمَ لحديث حَكِيم بن حِزَام (1084) قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ لا أُخِرَّ إلا قائمًا. ترجم له بقوله: باب كيف يَخِرُّ للسُّجود. قال السندي: معناه، أي: لا أسقُط إلى السجود إلا قائمًا، أي: أرجِعُ من الرُّكوع إلى القيام، ثم أخر منه إلى السُّجود، ولا أَخِرُّ من الرُّكوع إليه، قال السندي: وهذا هو المعنى الذي فهمه المصنِّفُ (يعني النَّسائي). وقيل: معناه: لا أموتُ إلا ثابتًا على الإسلام، فهو مثل:{وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وقيل: معناه: لا أقعُ في شيء من تجارتي وأموري إلَّا قُمْتُ به مُنتصبًا له، وقيل: معناه: لا أَغْبِنُ ولا أَغْبَنُ، وبالجملة؛ فالحديثُ ممَّا أشكل على الناس فهمُه، وما أشار إليه المصنف (يعني النَّسائي) في معناه أحسن، والله تعالى أعلم. انتهى.

وأخرج حديث أبي هريرة رضي الله عنه (7) مرفوعًا: "لولا أنْ أشُقَّ على أمتي لأمَرْتُهُمْ بالسواك عندَ كُلِّ صلاة". وترجم له بقوله: باب الرخصة في السواك بالعشي للصائم. قال السندي: فيه دلالة على أنَّه لا مانع من إيجاب السواك عند كل صلاة إلا ما يُخافُ من لزوم المشقَّة على الناس، ويلزمُ منه أن يكونَ الصَّومُ غير مانع من ذلك، ومنه يؤخذُ ما ذكره المصنِّفُ (يعني النَّسائي) من الترجمة، ولا يخفى أنَّ هذا من المصنِّف استنباطٌ دقيق، وتيقظ عجيب، فللَّه دَرُّهُ ما أَدَقَّ وَأَحَدَّ فَهُمَه!. اهـ.

(1)

في "بغية الرّاغب" ص 30 - 31، وثمَّةَ أمثلةٌ أخرى على هذا النحو تُنطر فيه.

ص: 43

وأخرج حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا (925) مرفوعًا: "إِذا أَمَّنَ القارِئُ فَأَمِّنُوا، فإِنَّ الملائكة تُؤمِّنُ، فمَنْ وافَقَ تأمينُه تأمين الملائكةِ غَفَرَ الله له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِه". وترجمَ له بقوله: جَهْر الإمام بـ "آمين". قال السندي: أخذ منه المصنِّفُ (يعني النَّسائي) الجَهْرَ به "آمين"، إذ لو أَسَرَّ الإمامُ بـ "آمين" لَمَا عَلِمَ القومُ بتأمين الإمام، فلا يَحْسُنُ الأمرُ إيَّاهم بالتأمين عند تأمينه، وهذا استنباطٌ دقيقٌ يُرَجِّحُه ما سبق من التصريح بالجَهْر، وهذا هو الظاهرُ المُتبادر.

وذكر السَّخاوي

(1)

فيما فيه دِقَةُ الاستنباط كذلك أنه ترجم للطَّلاق بالإشارة المُفْهِمَة، فذكر حديث أنسٍ رضي الله عنه (3436) أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جارٌ فارسيٌّ طَيِّبُ المَرَقَة، فأتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعنده عائشة، فأَوْمأ إليه بيده: أنْ تَعَالَ، وأَوْمأَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة، أي: وهذه، فأَوْمأ إليه الآخرُ هكذا بيده: أن لا، مرتين أو ثلاثًا.

وذكر حديث أبي هريرة مرفوعًا (3438): "انْظُرُوا كيف يصرفُ اللهُ عني شَتْمَ قريشٍ ولَعْنَهُم، إِنَّهم يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، ويلعنون مُذَمَّمًا، وأنا مُحَمَّد" صلى الله عليه وسلم، وترجم له بقوله: باب الإبانة والإفصاح بالكلمة الملفوظ بها إذا قصد بها لما لا يَحْتَمِلُ معناها لم توجب شيئًا ولم تُثبت حكمًا.

وقد يعقد الترجمة على صيغة الاستفهام:

ولعل ذلك بسبب الاختلاف في الحُكم الفقهيّ الذي يذكره في الترجمة، أو للتنويع في الأسلوب، وهذه أمثلة على ذلك:

هل يستاك الإمام بحضرة رعيَّتِه؟ (4).

هل يؤذِّنانِ جميعًا أو فرادى؟ (639).

إذا تقدَّم الرَّجلُ من الرَّعِيَّة ثم جاء الإمام؛ هل يتأخر؟ (784).

هل يُوجبُ تقليدُ الهَدْي إحرامًا؟ (2793).

(1)

في "بغية الراغب المُتمنِّي" ص 33.

ص: 44

هل أَوْصَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (3620)

(1)

.

فهذه أمثلة من فقهه الذي استنبطه ووضعه تراجم لأبواب كتابه.

*‌

‌ ومن منهجه رحمه الله الإشارة لصاحب اللفظ:

وذلك عندما يَقْرُنُ في الإسناد أحدَ الرُّواة بآخَرَ أو أكثر، كأنْ يروي الحديث عن أكثر من شيخ:

مثاله: الحديث (20): قال: أخبرنا محمدُ بنُ سَلَمَةَ والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم

وكما في الحديث (193): أخبرنا قتيبة بن سعيد وعليُّ بنُ حُجْر، واللفظ لقتيبة قال: حدثنا عبيدة

وكذلك الأمر عندما يكونُ للحديث أكثر من إسناد:

مثاله: الحديث: (75): أخبرنا يحيى بنُ حَبيبٍ بن عَرَبيّ، عن حماد. والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، حدثني مالك. ح: وأخبرنا سليمان بن منصور قال: أخبرنا عبد الله بن المُبارك واللفظ له، عن يحيى بن سعيد ....

والأمثلة كثيرةٌ من هذا القبيل؛ سهلةُ التَّناول لمن أرادَها.

* ويذكر الاختلاف في لفظ الرُّواة أحيانًا:

مثاله: الحديث (1076): أخبرنا عُبيد الله بن سعيد، عن عبد الرَّحمن، عن سفيان وشعبة، عن عَمْرِو بن مُرَّة. ح: وأخبرنا عَمْرُو بنُ علي قال: حدثنا يحيى، عن شعبةً وسفيان قالا: حدَّثنا عَمْرُو بنُ مُرَّة، عن ابن أبي ليلى، عن البَرَاءِ بن عازب، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَقْنُتُ في الصُّبح والمغرب. وقال عُبيد الله: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكما في الحديث: (1077): أخبرنا محمدُ بنُ المُثَنَّى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس. وهشام عن قتادة، عن أنس، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

وينظر مثلًا أيضًا الأحاديث: (1141)(1366)(2320)(2321)(2536)(2792)(3245)(3246).

ص: 45

قنت شهرًا. قال شعبة: لَعَنَ رجالًا. وقال هشام: يدعُو على أحياء من أحياء العرب، ثمَّ تركه، بعدَ الرُّكوع. هذا قول هشام. وقال شعبة، قتادة، عن أنس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قنَتَ شهرًا يلعنُ رِعْلًا وذَكْوَانَ ولِحْيَانَ.

* ويذكر الاختلاف في صيغ تَحَمُّلِ الرُّواة أحيانًا:

كما في الحديث (1118): أخبرنا أبو داود سليمانُ بنُ سَيْفِ قال: حدَّثنا أبو علي الحنفي وعثمانُ بنُ عُمر. قال أبو علي: حدَّثنا، وقال عثمان: أخبرنا داودُ بنُ قيس، عن إبراهيم

إلخ، وكذا (2898)، لكن ذِكْر اختلاف صِيَغ التَّحَمُّل في الكتاب قليل.

* وأكثر روايته عن شيوخه بصيغة: "أخبرنا":

كما ذكرَ السَّخاوي

(1)

، وقال: وروايته فيها بـ "حدثنا" قليلة، بل ربما يروي عن شيخه الواحد كقتيبة، وإسحاق بن راهويه، وهَنَّادٍ، بالصيغتين، ومعلوم أنَّ أَخْذَهُ عن شيوخه غيرُ منحصر في أحد التَّحَمُّلَيْن، بل هو دائرٌ بين التَّحديثِ والعَرْض. وقال: وإذا كان كذلك؛ فهو ماش على مذهب المُجَوِّزِينَ إطلاقهما فيهما، وعدم الفرق بين الصيغتين، وهو مذهب البخاري رحمه الله. انتهى.

* وربَّما يذكرُ المنسوخ ويُتْبِعُه بذِكْرِ النَّاسخ له:

فقد أخرج حديث عبدِ الله بن مسعود رضي الله عنه (1030) من طريق علقمة والأسود، عنه؛ قالا: صلَّينا مع عبد الله بن مسعود في بيته، فقامَ بينَنا، فوضعنا أيدينا على رُكَبِنا، فَنَزَعَها، فخالف بين أصابعنا، وقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

ذكره من أكثر من طريقٍ في باب التَّطبيق، ثم أتبعه بقوله: باب نسخ ذلك، وأخرج فيه من طريق مصعب بن سَعْدٍ قال: صَلَّيْتُ إلى جَنْبِ أبي، وجعلتُ يديَّ بين ركبتيّ، فقال لي: اِضْرِبْ بكَفَّيْك على رُكْبَتَيْك. قال: ثم فعلت ذلك مرَّةً أخرى، فضرب يدي وقال: إِنَّا قد نُهينا عن هذا، وأُمِرْنا أن نضربَ بالأكُفِّ على الرُّكَب.

(1)

في "بغية الراغب المتمنِّي" ص 40.

ص: 46

وأخرج أيضًا حديث أبي هريرة (171) وغيره في الوضوء ممَّا مسته النار، ثم أتبعه بباب تَرْك الوضوء ممَّا غَيَّرتِ النارُ، وأخرج أحاديثَ في تَرْك الوضوء منه.

* ويختصرُ الحديث أحيانًا، ويُفرِّقه أحيانًا:

فأخرج حديث أبي هريرةَ (189) أَنَّ ثمَامةَ بن أُثَالٍ الحنفي انطلق إلى نَخْلٍ (وفي رواية: نَجْلٍ) قريبٍ من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله

الحديث، وترجم له بقوله: باب تقديم غُسل الكافر إذا أرادَ أنْ يُسْلِمَ، فأوردَ من خبر ثُمامةَ ما ناسب الترجمة.

وأخرجَ أيضًا (712) قطعةً أخرى من حديث أبي هريرة في رَبْطِ ثُمامة بساريةٍ من سَوَاري المسجد، وترجَمَ له بقوله: رَبْط الأسير بسارية المسجد

(1)

.

وأخرجَ (570 م) عن عَمْرِو بن علي، عن يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عُمر، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تَتَحَرَّوْا بصلاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ ولا غُرُوبَها، فإنَّها تَطْلُعُ بينَ قَرْنَيْ شيطان". ثم أخرج بعده (571) بالإسناد نفسه مرفوعًا: "إذا طَلَعَ حاجِبُ الشَّمس، فأَخِّرُوا الصلاةَ حتى تُشرق، وإذا غابَ حاجِبُ الشَّمس، فأَخِّرُوا الصلاةَ حتى تَغْرُب". فهذان حديث واحد، فرَّقَهما النَّسائي وغيرُه، ومنهم مَنْ جمعهما.

* ويُبْهِمُ الضعيف غالبًا في الإسناد إذا قرنه بالثِّقة:

فقد رَوَى (898) من طريق محمد بن حِمْيَر، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، وذكر آخر قبله، عن عبد الرَّحمن بن هُرْمُز الأعرج، عن محمد بن

(1)

وثمَّةَ أمثلةٌ أخرى من الأحاديث التي اختصرها بما يُناسب ما ترجم لها، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهم (442) في خبر صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، وحديثِ كعب بن مالك (721) في قصة توبته، وحديث أبي سعيد الخدري (1095) في خبر ليلة القدر، وأنَّه رأى أثر الماءِ وَالطِّين على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنفه، وترجم له النسائي: السجود على الجبين، وحديث أبي حُميد الساعدي (1101) في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم؛ اقتصر فيه على قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذا أَهْوَى إلى الأرض ساجدًا جافَى عَضُدَيْهِ عن إبْطَيْهِ، وفتح أصابع رجليه

وغيرها من الأحاديث.

ص: 47

مَسْلَمَة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قامَ يصلِّي تطوُّعًا قال:"الله أكبر، وَجَّهْتُ وجهي للَّذي فطرَ السَّماواتِ والأرض .... " الحديث.

فذكرَ ابن رجب

(1)

أَنَّ الرَّاوِيَ المُبهم في الإسناد هو إسحاق بنُ عبدِ الله بن أبي فَرْوَة، لأنَّ حَيْوَةَ رواه عن شعيب، عن إسحاق، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن محمد بن مَسْلَمَة.

ورَوَى (3125) من طريق عبدِ الله بن يزيدَ المُقرئ، عن حَيْوَةَ، وَذَكَرَ آخَرَ، عن أبي هانئ الخَوْلاني، عن أبي عبدِ الرَّحمن الحُبُلِيّ، عن عبد الله بن عَمْرٍو مرفوعًا: "ما مِنْ غازيةٍ تَغْزُو في سبيل الله

". الحديث. فالمُبهم في الإسناد هو عبد الله بن لَهِيعَة؛ كما جاء مصرحًا به في روايتي "مسند" الإمام أحمد (6577) و "سنن" أبي داود (2497)، وذكره الحافظ المِزِّيُّ آخِرَ "تهذيب الكمال" في المُبهمات، وقال: الآخَرُ هو عبد الله بن لهيعة، وقد كَنَى الإمام النسائي عنه في مواضع كثيرة، ولا يذكره مع ذلك إلا مقرونًا بغيره.

ورَوَى (3232) من طريق عبدِ الله بن يزيدَ المُقرئ أيضًا، عن حَيْوَةَ، وذكَرَ آخَرَ، عن شُرَحْبِيلِ بن شَريك، عن أبي عبد الرَّحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعًا:"إنَّ الدُّنيا كلَّها مَتاعُ، وخيرُ مَتاع الدُّنيا المرأةُ الصَّالحة". فالمُبهم هو عبد الله بن لَهِيعَةَ أيضًا، كما هو مصرَّح به في رواية "مسند" الإمام أحمد (6567).

وليس المبهم المقرون بالثقة عند النسائي هو عبد الله بن لهيعة دومًا، فقد يكون غيره؛ كما سلف في المثال الأول (الحديث: 898)، وكما في الحديث (5469)؛ رواه عن محمد بن الْمُثَنَّى، عن عبد الله بن إدريس، عن ابن عَجْلان، وذكرَ آخَرَ، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، في التعوذ من الجوع ومن الخيانة

فالمُبهم المقرون مع ابن عَجْلان هو عبد الله بن سعيد المَقْبُرِيّ، كما ذكرَ المِزِّي في ترجمته "تهذيب الكمال" 15/ 34، وأخرج حديثه المذكور من طريق محمد بن المثنى، به.

(1)

في "شرح علل الترمذي" 2/ 760 - 761.

ص: 48

ورَوَى (4365) عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب - وذكر آخرَيْن

(1)

- عن عيَّاش بن عبّاس القِتْباني، عن عيسى بن هلال الصَّدَفي، عن عبد الله بن عمرو

الحديث؛ في الأضحية، فالآخران المقرونان بسعيد بن أبي أيوب هما: عَمْرُو بنُ الحارث المصري، وهو ثقة، وعبد الله بن عيَّاش، وهو ضعيف، تبيَّن ذلك من رواية الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(5530)، ورواية ابن أبي حاتم التي أشار إليها المزّي في زياداته على "تحفة الأشراف"(8909)، وغيرهما، وروايتهما عن يونس بن عبد الأعلى، به.

قال السَّخَاوي: يحتملُ في بعضه أن يكونَ (يعني إبهامَ الرَّاوِي المَقْرُون بالثِّقة) من صنيع من فوقه

(2)

.

وعلَّل أيضًا إبهام الإمام النسائي للرَّاوي، فقال: الظاهرُ مِنْ حالِهِ (أي: النَّسائي) في التَّثَبُّت أنَّه عَرَفَ أنَّ لفظهما أو معناهما سواءٌ، وفائدة ذلك الإشعار بضعف المُبهم، وكونه ليس على شرطه، وكثرة الطرق ليترجَّحَ بها الخبرُ عند المعارضة.

* ومن منهجه تَحَرِّيهِ الدِّقَّةَ في الأداء:

فيُشيرُ إلى ما وقع في الحديث من وَهُم، أو يذكرُ أنَّه لم يفهم بعض الألفاظ كما أراد، في المتن أو في الإسناد.

فأخرجَ عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زُرَارَةَ بن أَوْفَى؛ عن سَعْدِ بن هشام، عن عائشةَ؛ في ذِكْر وتْرِه صلى الله عليه وسلم، قالت: كُنَّا نُعِدُّ له سِواكَهُ وطَهُورَهُ، فيبعثه اللهُ عز وجل لِما شاءَ أنْ يبعثه من الليل، فيَتَسَوَّكُ ويَتَوَضَّأ، ويُصَلِّي ثماني رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فيهنَّ إلا عند الثامنة؛ يَجْلِسُ، فيذكرُ الله عز وجل ويَدْعُو، ثم يُسَلِّم تسليمًا يُسْمِعُنا، ثم يُصَلِّي ركعتين وهو جالس

(1)

في "تحفة الأشراف"(8909): وذكر آخر.

(2)

ينظر "بغية الراغب المُتمنِّي" ص 42.

ص: 49

بعدما يُسَلِّمُ، ثم يصلِّي ركعةً، فتلك إحدى عَشْرَةَ ركعة

الحديث. وقال بإثره: كذا وقع في كتابي، ولا أدري ممَّن الخطأ في موضع وِتْرِهِ عليه الصلاة والسلام

(1)

.

وأخرج (1240) من طريق منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، مرفوعًا:"إذا شَكَّ أحدُكم في صلاته فلْيَتَحَرَّ الذي يَرَى أَنَّه الصوابُ فيه، فيتمه، ثم يعني يسجد سجدتين". قال النَّسائي بإثره: لم أفهم بعض حروفه كما أردتُ. اهـ. يعني أنه لم يفهم من شيخه بعضَ حروف الحديث كما أراد لسبب من الأسباب أثناء تلقيه الحديث منه.

وأخرج أيضًا (1972) من طريق مَعْمَر، عن الزُّهْري، عن ابن المُسَيِّب وأبي سَلَمة، عن أبي هريرة قال: نَعَى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي لأصحابه بالمدينة، فصَفُّوا خلفه، فصلى عليه وكبَّر أربعًا. اهـ. وقال بإثره: ابن المُسَيِّب، لم أفهمه كما أردتُ. اهـ. يعني أنَّه لم يفهم ذِكْرَ ابن المسيِّب مع أبي سَلَمة في إسناد هذا الحديث كما أراد.

وأخرج أيضًا (3137) من طريق سليمان بن يسار، عن أبي هريرة، في أوّل من يُقْضَى لهم يوم القيامة

الحديث، ومنهم الذي أعطاه الله أصناف المال، فأُتِيَ به، فعرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَها، فقال: ما عَمِلتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلا أنفقتُ فيها لك

قال الإمام النسائي: لم أفهم "تحبُّ" كما أردتُ.

(1)

الحديث (1601)، والخطأ في هذه الرواية في موضعين: الأول: ذِكْرُ التَّسليم بعد صلاة ثماني ركعات، والثاني: ذِكْرُ ركعةِ الوِترِ آخِرَ الصَّلاة، وإنَّما تأتي ركعة الوتر بعد صلاة ثماني ركعات (ودون جلوس فيهن ولا تسليم آخرَهن). يعني أنَّ ركعةَ الوِتر هي الركعة التاسعة - وليست آخِرَ ركعة - ويسلِّمُ فيها، ثم يصلِّي بعدها ركعتَيْنِ جالسًا. والسِّياق الصحيح لهذا الحديث في "مسند" الإمام أحمد (24269)، وقد أخرجه عن يحيى القطان، بإسناد النسائي أعلاه، وفيه: ثم يصلي ثماني ركعات لا يجلس فيهنَّ إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكرُ رَبَّه عز وجل، ويدعُو ويستغفرُ، ثم ينهضُ ولا يُسَلِّمُ، ثم يصلي التاسعةَ، فيقعد، فيَحْمَدُ رَبَّه ويذكُرُه ويدعُو، ثم يُسَلِّمُ تسليمًا يُسْمِعُنا، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس بعد ما يُسَلَّمُ، فتلك إحدى عَشْرَةَ ركعة

الحديث.

وتنظر الروايات الأخرى للحديث في هذا الكتاب: (1651) و (1719 - 1721).

ص: 50

وربَّما يسألُ عن اللفظ الذي لم يفهمه كما أراد، وذلك من تواضعه رحمه الله وشدَّةِ تَحَرِّيه، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (4664) قال: أهْدَى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راويةَ خَمْر، فقال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هل عَلِمْتَ أنَّ الله حَرَّمَها؟ "، فسار إنسانًا إلى جنبه، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"بِمَ سارَرْتَهُ؟ "

الحديث، قال النسائي بعد لفظ "فسارَّ": لم أفهم "سارَّ" كما أردتُ، فسألتُ

(1)

.

وربَّما يقول هذه العبارة: "لم أفهم كما أردت" في "السنن الكبرى" دون "المجتبى"، كما في الحديث (2069) أخرجه من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عبّاس، في اللَّذَيْنِ يُعذَّبَانِ في قَبْرَيْهِما، وفيه: ثم أخذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، ثم غَرَزَ في كلِّ قبر واحدةً

الحديث. قال النسائي في "السنن الكبرى"(2207): بعض حروف أبي معاوية لم أفهمه كما أردت

(2)

.

* ووقع له في أسانيده العالي والنازل:

فأعلى ما وقع له فيه ما بينه وبين النَّبي صلى الله عليه وسلم أربع وسائط، مثاله الحديث (6): أخبرنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ وعِمْرَانُ بن موسى قالا: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَاب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أكْثَرْتُ عليكم في السِّوَاكَ". وهو أوَّلُ حديثٍ رُباعي في الكتاب

(3)

.

وأنزلُ ما وقعَ له فيه ما بينه وبينَ النَّبي صلى الله عليه وسلم عشره وسائط، مثاله الحديث (996): أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبدُ الرَّحمن قال: حدَّثنا زائدة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن ربيع بن خُثَيْم، عن عمرو بن ميمون، عن ابن أبي ليلى، عن امرأة، عن أبي أيوب؛ مرفوعًا:"قُلْ هُوَ الله أحدٌ ثُلُثُ القُرآن". قال النسائي بإثره: ما أعرفُ إسنادًا أطول من هذا

(4)

.

(1)

وينظر أيضًا الحديثان (3206) و (4661).

(2)

لعله يقصد كلمة "غَرَزَ"، فقد وقع في بعض الروايات:"غَرَسَ".

(3)

وتنظر مثلًا الأحاديث: (512) و (563) و (654) و (724)

وغيرها.

(4)

وله في هذا الكتاب "المُجتبى" حديث آخرُ عُشاري، وهو برقم (2879).

ص: 51

* ويُفسِّرُ الغريب أحيانًا:

كما في حديث أنس في قصَّة الأعرابي (53) الذي بال في المسجد، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهُ، لا تُزْرِمُوه"

قال النسائي بإثره: يعني لا تَقْطَعُوا عليه.

وكما في حديث ابن مسعود في الاستطابة بحَجَرين (42)، أنه صلى الله عليه وسلم أخذَ الحَجَرين وألقَى الرَّوْثَةَ وقال:"هذه رِكْس". قال النسائي بإثره: الرِّكْسُ: طعام الجن

(1)

.

*ويُعَيِّنُ المُهْمَل

(2)

:

كما في الحديث (14): أخبرنا قتيبةُ قال: حدثنا جعفر، هو ابن سليمان، عن أبي عمران الجوني

وفي الحديث (15): أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، هو ابن سعيد، عن عبيد الله

وقد يكون تعيينُ المُهمل آخِرَ الحديث، كما في الحديث (17): أخبرنا عليُّ بنُ حُجْر قال: أخبرنا إسماعيل، عن محمد بن عَمْرو

إلخ؛ وجاء في آخر الحديث: قال الشيخ: إسماعيل هو ابن جعفر بن أبي كثير القارئ. اهـ. فإن كان القائلُ ابنَ

(1)

وكما في حديث اللِّعان (3469) فسَّرَ قَضِيءَ العَيْنَيْنِ، بأنَّه طويل شعر العينَين، ليس بمفتوح العين ولا جاحظَهما، وفسَّرَ الشِّكال في الخيل في الحديث (3567)، وبشكل عام فإنَّ تفسير الإمام النسائي للغريب في الكتاب قليل، وقد شرحه السيوطي في "زَهْر الرُّبى"، والسندي في حاشية عليه.

(2)

تابعتُ السَّخاوي على هذا القول في "بُغية الرَّاغب المُتَمَنِّي" ص 65، لكن ليس ذلك على إطلاقه، فكثير من الرُّواة تركوا دون تعيين، وتعيينهم في "السنن الكبرى" أكثر منه في هذا الكتاب "المجتبى"، والأمثلة على ذلك كثيرة، وقد يكون التَّعيين من المصنف نفسه، وقد يكون من غيره إن لم يُصرَّح بذلك، ومن جهة أخرى قد يأتي المهمل دون تعيين؛ وبخاصة في موضع يكونُ التعيين فيه ضروريًا لئلا يلتبس بغيره، كما وقع في الحديثين المتتاليين (3694) و (3695) كلاهما من طريق يحيى، عن الأوزاعي، ويحيى في الأوّل منهما هو ابن أبي كثير، وقد عُين فيه، بينما هو في الثاني ابن حمزة، وأهمل فيه، فإهماله في الثاني يُوهم أنه نفسه السالف قبله.

ص: 52

السُّنِّي؛ فالمراد بالشَّيخ النَّسائيُّ، أمَّا إن كان القائل هو النَّسائي نفسه؛ فالمراد بالشَّيخ شيخه في الحديث علي بن حُجر، والله أعلم

(1)

.

* ويُسمِّي المُكنَّى أحيانًا:

كما في الحديث (343): وهو من طريق عاصم الأحول؛ قال: سمعت أبا حاجب - قال أبو عبد الرَّحمن (يعني النَّسائي): واسمُه سَوَادة بن عاصم - عن الحكم بن عمرو

إلخ.

والحديث (807): في إسناده أبو معمر؛ قال بإثر الحديث: أبو معمر اسمه عبد الله بن سَخْبَرة.

والحديث (2507): في إسناده أبو عمار الهَمْدَاني، قال النسائي بإثره: أبو عمار اسمه عَرِيب بن حميد.

وكما في الحديث (5569): في إسناده أبو المُتوكِّل النَّاجِي؛ قال النَّسائي: اسمه علي بن داود.

والحديث (5570): في إسناده أبو كثير، يروي عن أبي هريرة، قال النسائي بإثر الحديث الذي بعده: أبو كثير اسمه يزيدُ بنُ عبدِ الرَّحمن.

ويُهْمِلُه أحيانًا أخرى فلا يُسَمِّيه:

كما في الحديث (549): وهو من طريق ابن أبي مريم قال: أخبرنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم

إلخ، فأبو غسان هو محمَّد بن مُطَرِّف، ولم يعيِّنه.

(1)

ومثال على ما جاء تعيين الرَّاوي فيه من غير النسائي الحديث (1613): عن قتيبة بن سعيد قال: حدَّثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن حميد بن عبد الرَّحمن - هو ابن عوف - عن أبي هريرة، مرفوعًا: "أفضلُ الصِّيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم

" الحديث. قال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" (في حاشية التُّحفة 9/ 336): قولُه: ابن عوف، وهم من غير النسائي، وقد رواه غيرُ ابن السُّنِّي، فلم يقل فيه: ابن عوف، ونسبه مسلم في رواية: الحميري. اهـ. قلت: ولم يرد قوله: ابن عوف، في نسخة مكتبة القدس (ق) مع أنها من رواية ابن السُّنِّي، والله أعلم.

ص: 53

وكما في الحديث (1002): وهو من طريق شعبة قال: حدثني أبو عَوْن قال

إلخ، لم يعيِّن أبا عَوْن، وهو محمد بن عُبيد الله الثقفي، وعيَّنه في رواية أخرى (5684).

ومِثْلُ هذا كثير.

*ويُكَنِّي المُسمى أحيانًا:

وذلك عندما يكونُ الرَّاوي مشهورًا بكُنيته، كما في الحديث (2506)، وهو من طريق القاسم بن مُخَيْمِرة، عن عَمْرِو بن شُرَحْبِيل، عن قيس بن سَعْد

إلخ. فكنَّاه النَّسائي بعد حديث وقال: وعَمْرُو بنُ شُرَحْبِيل يُكَنَّى أَبا مَيْسَرَة.

ويذكرُ ما يزولُ به اللَّبْس:

فأخرج (647 - 648) من طرق عن سفيانَ الثَّوري، عن أبي جعفر، عن أبي سَلْمَان، عن أبي مَحْذُورَة، في التَّثويب في أذان الفجر، ثم نقل عن عبد الرحمن بن مهدي قوله: وليس بأبي جعفر الفَرَّاء. (لكن المزي صحح أنه الفرَّاء).

وأخرج (5743) من طريق عبد الله بن المُبارك، عن سُليمانَ التَّيْمِيّ، عن أبي عثمان، وليس بالنَّهْدِي

* ويُشِيرُ إلى المُتَّفِق والمُفْتَرِق:

فأخرج من طريق إبراهيم بن سَعْد (1316) عن عبدِ الله بن جعفر بن المِسْوَرِ المَخْرَمِيّ، عن إسماعيلَ بن محمَّد، عن عامر بن سَعْد، عن أبيه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره. ثم أخرجه من طريق أبي عامر العقدي عن عبد الله بن جعفر المَخرَميّ، به، ثم قال: عبد الله بن جعفر هذا ليس به بأس، وعبد الله بن جعفر بن نَجِيح والد عليّ بن المَدِيني متروك الحديث.

وأخرج (3099) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سهل بن سعد، عن مروان بن الحَكَم، عن زيد بن ثابت، في نزول قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . قال النَّسائي بإثره: عبدُ الرَّحمن بن إسحاق هذا ليس به بأس،

ص: 54

وعبدُ الرَّحمن بن إسحاقَ يروي عنه عليُّ بنُ مُسْهِر وأبو معاوية وعبد الواحد بن زياد، عن النعمان بن سَعْد، ليس بثقة.

وأخرج (2243) من طريق يونس، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة

إلخ، قال النَّسائي بإثره: أبو مَعْشَر هذا اسمه زياد بنُ كُليب، وهو ثقة، وهو صاحب إبراهيم، روى عنه منصور ومُغيرة وشعبة، وأبو مَعْشَر المدني اسمُه نَجِيح، وهو ضعيف

وكما في الحديث (3728) وهو من طريق مسلم بن إبراهيم، عن إسماعيل بن مسلم، عن محمد بن واسع

إلخ. قال النسائي بإثره: إسماعيل بن مسلم ثلاثة: هذا أحدهم، لا بأس به، وإسماعيل بن مسلم شيخ، يروي عن أبي الطفيل، لا بأس به، وإسماعيل بن مسلم يروي عن الزُّهريّ والحَسَن، متروك الحديث.

* ويذكرُ الإخوة:

كما في الحديث (4225)، وهو من طريق عُبيد الله بن المجيد أبي علي الحنفي.

قال النسائي بإثره: أبو علي الحنفي هم أربعة إخوة، أحدهم أبو بكر

(1)

، وشريك، وآخر.

وفي الحديث: (1299): أخبرنا عُبيد بن وكيع بن الجَرَّاح أخو سفيان بن وكيع

وفي الحديث (1940): أخبرنا قتيبة قال: حدَّثنا عَبْثَر، عن بُرْد أخي يزيد بن أبي زياد

(1)

أثبت الكلام من نسخة القدس (ق)، وجاء بعد قوله:"أبو بكر" في النسختين (ر) و (م) وهامشي (ك) و (يه) زيادة: وبِشْر، وهو خطأ، والظاهر أنه اشتبه على بعض النُّسَّاخ لفظ "شر" من كلمة "شريك" الآتية بعده، فزاد "بشر"، والإخوة الأربعة هم: أبو عليّ عُبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وأبو بكر عبد الكبير، وعُمير، وشريك. ذكرهم مسلم في "صحيحه"(2911)، والمِزِّيّ في "تهذيبه" في ترجمتي أبي علي وأبي بكر ابني عبد المجيد.

ص: 55

وفي الحديث (2124): أخبرنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، وهو بصريٌّ ثقة، أخو أبي العالية

إلخ. وأبو العالية هذا كما في حاشية "تهذيب الكمال" 1/ 406 عن المزِّيّ: هو إسماعيل بن الهيثم بن عثمان العبدي، وهو أخوه لأمه

(1)

.

وفي الحديث (3497): أخبرني أبو علي محمد بن يحيى المَرْوَزِيُّ قال: أخبرني شاذَانُ بنُ عثمانَ أخو عَبْدَان

إلخ، فشاذان: هو عبد العزيز بن عثمانَ بن جَبَلَة المَرْوَزِيّ، وأخوه عَبْدَانُ: هو عبد الله، وشَاذَانُ وعَبْدانُ لَقَبان.

وفي الحديث (5052): أخبرنا محمود بنُ غَيْلَانَ قال: حدثنا سفيان أخو قبيصة، فسفيان: هو ابن عُقْبَةَ السُّوَائي، وأخوه هو قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَة.

* ويُبَيِّنُ المُنقطع:

كما في الحديث (438)، أخرجه من طريق مَخْرَمَةَ بن بُكَيْر، عن أبيه، عن سليمان بن يَسَار

إلخ. قال بإثره: مَخرَمَةُ لم يسمع من أبيه شيئًا.

وأخرج (1404) من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، في خُطبة الحاجة، قال النسائي بإثره: أبو عُبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا، ولا عبدُ الرَّحمن بنُ عبدِ الله بن مسعود، ولا عبد الجبار بن وائل بن حجر.

وأخرجَ (1798) من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن عَنْبَسَةَ بن أبي سفيان، عن أمِّ حَبِيبةَ مرفوعًا: "مَنْ صَلَّى في يومٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ ركعةً

" الحديث. قال النسائي: عطاء لم يسمعه من عَنْبَسَة.

وقال أيضًا في الحديث (1825): مكحولٌ لم يسمع من عَنْبَسَةَ شيئًا.

وأخرجَ (5536) من طريق سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة مرفوعًا:"اللَّهمَّ إني أعُوذُ بك من عِلْمٍ لا يَنْفَعُ ..... " قال النسائي: سعيد لم يسمعه من أبي هريرة، بل سمعه

(1)

ذكر له الخطيب البغدادي في "الكفاية" ص 245 حديث أبي زيد مرفوعًا: "نِعْمَ الإدامُ الخَلّ"، حدَّثَه أبو العالية سنة خمسين ومئتين، ثم أخرجه بعده من طريقه أيضًا؛ وقال أبو العالية بإثره: قد رجعت عنه.

ص: 56

من أخيه، عن أبي هريرة. اهـ. ثم أخرجه من طريقه.

وأخرجَ (3461) من طريق أيُّوبَ السَّخْتِياني، عن الحَسَن البصري، عن أبي هريرةَ مرفوعًا:"المُنْتَزِعاتُ والمُخْتَلِعاتُ هُنَّ المُنافقات". قال الحسن: لم أسمعه من غير أبي هريرة. قال النسائي: الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئًا.

قال شمس الدين السخاوي: وحينئذٍ فمَقالةُ الحَسن فيها تدليس، وكأنه أراد: لم أسمعه من غير حديث أبي هريرة، وإن استدلَّ شيخُنا بهذا الحديث على سماعه منه، إذ لولا تأويله بما قلنا ما أردفه النسائي بجَزْمِهِ بعدم سَماعِه منه لشيء مع صحة السَّنَد

(1)

.

ونَبَّه على روايةٍ وقعت له ظاهرُها الانقطاع:

فأخرج من طريق هَمَّام بن يحيى (3880) قال: سأل عطاء سليمان بن موسى قال: حَدَّثَ جابرٌ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كانَتْ له أرضُ فَلْيَزْرَعُها أو ليُزْرِعُها أخاه ..... " فالسَّائلُ في رواية النسائي هذه عطاء، والمسؤول سليمان بن موسى، لكنَّ الرواية الصحيحة عكس ذلك، كما في رواية مسلم (1536):(92)، وهي من طريق هَمَّام قال: سأل سليمان بن موسى عطاء قال: أَحَدَّثَكَ جابر .... الحديث. وقد انقلبت الرواية عند النسائي، ولذلك قال قبل هذه الرِّواية: وفي رواية هَمَّامِ بن يحيى كالدليل على أنَّ عطاءً لم يسمع من جابر حديثه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانت له أرض فلْيَزْرَعُها

".

فقال النسائي: في رواية هَمَّام بن يحيى كالدليل

، ولم يقل: دليل، لأنَّ سماع عطاء لهذا الحديث من جابر ثابتٌ عنده وعند غيره، وقد أوردَ النَّسائي الرواية كما

(1)

كلام السَّخاوي في "بُغية الرّاغب" ص 71 - 72، وشيخه المذكور هو الحافظ ابن حجر العسقلانيّ، واستدلاله المشار إليه هو في "تهذيبه" في ترجمة الحسَن البصري، غير أنَّ الحافظ رحمه الله وَهِمَ في هذا الاستدلال؛ لأنه نقل قولَ الحَسَن بلفظ: لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث. اهـ. ثم إنَّ قول الحسن جاء في النسخة المحموديَّة (م) بلفظ: لم نسمعه من غير أبي هريرة، وهو يتوافق مع المعنى الذي ذهب إليه السَّخاوي في تأويل قول الحَسَن، والله أعلم، وينظر التعليق على الحديث في موضعه من الكتاب.

ص: 57

وقعت له. غير أنَّ بعضَهم صحَّحَ سياق العبارة على تأخير الفاعل، أي: سأل عطاءً سليمانُ بنُ موسى، لكن لو كانت رواية النسائي كذلك لما نَبَّه عليها، والله أعلم.

* وربَّما نَبَّه على انقطاع إسناد يكونُ راويه معروفًا بالرِّواية عن شيخه فيه لئلا يُتَوَهَّمَ اتصاله عنه:

كما في الحديث (447)، أخرجه من طريق هشام بن عُروة، عن أبيه، عن بُسْرَةَ بنتِ صفوان، في الوضوء من مَسِّ الذَّكَر؛ قال النسائي بإثره: هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث.

وكما في الحديث (3215)، وهو من طريق الأوزاعي، عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعًا:"يا أبا هريرة، جَفَّ القلم بما أنتَ لاقٍ ..... " قال النَّسائيُّ بإثره: الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من الزُّهْري، وهذا حديث صحيح، قد رواه يونس عن الزهري.

وربَّما نَبَّه أبو بكر بن السُّنِّي (راوي المُجتبى عن النَّسائي) على ذلك، كما في الحديث (1541)، وهو من طريق الزُّهْري، عن عبد الله بن عُمر، في صلاة الخوف، قال ابن السُّنِّي بإثره: الزُّهْرِيُّ سمعَ من ابن عُمر حديثين، ولم يسمع هذا منه.

* ويُبَيِّنُ المُرْسَل:

كما في الحديث (306)، وهو من طريق طلحةَ بن مُصَرِّف، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس، في قصَّة العُرَنِيين، قال النَّسائي بإثره: لا نعلم أحدًا قال: عن يحيى عن أنس، في هذا الحديث غير طلحة، والصواب عندي؛ والله تعالى أعلم: يحيى، عن سعيد بن المسيب، مرسل.

والحديث (939)، رواه من طريق شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، في الأمر بقراءة القرآن على سبعة أحرف، قال النسائي بإثره: هذا الحديثُ خُولف فيه الحَكَم؛ خالفَه منصور بنُ المُعتمر، رواه عن مجاهد، عن عُبيد بن عمير، مرسلًا.

والحديث (1945)، وهو من طريق الزُّهريّ، عن سالم عن أبيه، أنه رأى النَّبيَّ

ص: 58

صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون بين يَدَيِ الجنازة. قال النسائي بإثره: هذا خطأ، والصواب مرسل

(1)

.

* ويُرَجِّحُ المُرسَلَ على المتصل أحيانًا لمرجِّحات له:

كما في الحديثين (306) و (1945) السالف ذكرهما.

وكما في الحديث (170)، وهو من طريق سفيان الثوري، عن أبي رَوْق، عن إبراهيمَ التَّيْمِي، عن عائشة، في ترك الوضوء من القُبْلَة، قال النسائي بإثره: ليس في هذا الباب حديثٌ أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلًا.

وكما في الحديث (3229)، وهو من طريق هارون بن رئاب وعبد الكريم بن أبي المُخارق، عن عبد الله بن عُبيد بن عُمير في قصة المرأة التي لا تَرُدُّ يَدَ لامِس، رفَعَهُ عبد الكريم إلى ابن عبّاس، وهارون لم يرفعه، قال النسائي بإثره: هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارونُ بنُ رِئاب أثبتُ منه، وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم.

ثم أعاده في الخُلع (3465) من طريق هارونَ بن رِئاب، مرفوعًا، وقال: هذا خطأ، والصواب مُرسَل.

وكما في حديث الظِّهار (3458) أخرجه من طريق الفَضْل بن موسى، عن مَعْمَر، عن الحَكَم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، ثم أخرجه بعده (3459) من طريق عبد الرَّزَّاق، عن مَعْمَر، عن الحَكَم، عن عكرمة، مرسلًا، ثم أخرجه (3460) من طريق المُعْتَمِر بن سليمان، عن الحَكَم، عن عكرمة، مرسلًا أيضًا، وقال بإثر ذلك: المُرسل أولى بالصواب من المسند.

* ويُسَمِّي المُنقطع مرسلًا أحيانًا:

كما في الحديث (1665)، وهو من طريق العلاء بن المُسَيّبِ، عَن عَمْرِو بن مُرَّة، طلحةَ بن يزيد الأنصاري، عن حذيفة، في صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في

(1)

والأمثلة على ذلك كثيرة، ينظر أيضًا مثلًا الأحاديث:(2104) و (2127) و (2480) و (2752) و (3229).

ص: 59

رمضان

قال النسائي بإثره: هذا الحديث عندي مرسل، وطلحة بن يزيد لا أعلمه سمع من حذيفة شيئًا، وغيرُ العَلاء بن المسيب قال في هذا الحديث: عن طلحة، عن رجل، عن حذيفة.

* ويُشير إلى ما رُوي غريبًا وغير محفوظ من الحديث:

كقوله في حديث أبي هريرة (66) مرفوعًا: "إذا وَلَغَ الكلبُ في إناء أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ"؛ قال: لا أعلم أحدًا تابع عليَّ بنَ مُسْهِرٍ على قوله: "فَلْيُرِقْهُ".

وكقوله في حديث يَعْلى بن أميَّة (2668): "ثم أَحْدِثْ إحرامًا"؛ قال: ما أعلمُ أحدًا قالَه غير نوح بن حَبيب، ولا أحسبه محفوظًا.

وأخرجَ (2768) من طريق مَعْمَر، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُروة، عن عائشة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة:"حُجِّي، واشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حيثُ تَحْبِسُنِي". ثم قال: لا أعلم أحدًا أسند هذا الحديث عن الزُّهري غيرَ مَعْمَر.

وأخرجَ (1281) من طريق أيمن بن نابل، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه في التَّشَهّد، وجاء في أوَّله زيادة قوله:"بسم الله وبالله"، وجاء فيه أيضًا بعد الشَّهادتين زيادة قوله:"وأسألُ الله الجنَّةَ، وأعوذُ به من النَّار". قال النَّسائي بإثره: لا نعلم أحدًا تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديثُ خطأ، وبالله التوفيق.

وأخرج (3208) من طريق عبد الرَّحمن بن محمد المُحاربي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا:"مَنِ استطاع منكم البَاءَةَ فليتزوج ..... " قال النسائي: الأسودُ في هذا الحديث ليس بمحفوظ.

وأخرجَ (5073) من طريق عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عُمر، مرفوعًا:"غَيِّرُوا الشَّيْبَ، ولا تَشَبَّهوا باليهود". ثم أخرجه من طريق محمد بن كُنَاسَة، عن هشام بن عروة، عن عثمان بن عُروة، عن أبيه، عن الزبير، مرفوعًا، مثلَه، ثم قال النَّسائي: كلاهما غير محفوظ.

وأخرج (5134) من طريق زياد بن سَعْد، عن ابن شهاب، عن بُشر بن سعيد، عن زينب الثّقفيَّة، مرفوعًا:"إذا شَهِدَتْ إحداكُنَّ الصَّلاةَ، فلا تَمَسَّ طِيبًا". قال النسائي:

ص: 60

وهذا غير محفوظ من حديث الزهري.

وأخرج قبله (5129) من طريق وُهَيْب بن خالد، عن محمدِ بن عَجْلان، عن يعقوب بن عبدِ الله بن الأَشَجّ، عن بُشر بن سعيد، عن زينب امرأةِ عبد الله، مثله، ثم أخرجه (5130) من طريق جَرِير، عن ابن عَجْلان، عن بُكَيْرِ بن عبدِ الله بن الأَشَجّ، عن بُسْرِ بن سعيد، به. ثم قال النسائي: حديث يحيى وجَرِير أولى بالصَّواب من حديث وُهَيْبِ بن خالد. انتهى. ويحيى المذكور هو القطَّان، ولم يُخْرِجْهُ النسائي من طريقه في هذا الموضع، إنَّما أخرجه في باب الطِّيب (5260)، جَمَعَه فيه مع رواية جَرِير.

وأخرجَ (5143) من طريق عَمْرِو بن الحارث، عن ابن شهاب الزهري، عن عُروة، عائشة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عليها مَسَكَتَيْ ذَهَب، فقال لها: "ألا أُخْبِرُكِ بما هو أحسنُ من هذا؟

" الحديث. قال النَّسائي: هذا غير محفوظ، والله أعلم.

* ويذكر الموقوف أحيانًا:

كما في حديث أنس (741) أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي على حمار وهو راكبٌ إلى خَيبر، والقِبلةُ خلفَه. قال النسائي: الصواب موقوف.

وكما في حديث أبي الدرداء (923) في القراءة في كل صلاة، وفيه: ما أُرَى الإمام إذا أمَّ القومَ إلّا قد كَفَاهُم. قال النَّسائي: هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطأ، إنما هو قول أبي الدرداء، ولم يقرأ هذا مع الكتاب.

لكنه قد يتركُ الموقوف دون أن يُنَبِّهَ عليه، كما في الرِّواية (4019) وهي من طريق محمد بن عيسى الطباع، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي أُمامةَ بن سَهْلٍ وعبدِ الله بن عامر بن ربيعة، قالا: كنَّا مع عثمان وهو محصور

الحديث، وفيه عن عثمان مرفوعًا: "لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث

". قال الدارقطني

(1)

: وغيره (يعني غير محمد بن عيسى) يرويه عن حماد، عن يحيى، عن أبي أُمامةَ بن سَهْلِ وحده، عن عثمان. وحديث عبد الله بن عامر بن ربيعة هو حديث

(1)

في "العلل" 1/ 291.

ص: 61

آخَرُ موقوفٌ على عثمان، وَهِمَ محمَّد بن عيسى في الجمع بينه وبين أبي أمامة في هذا الحديث.

* ويذكر الاختلاف على الرواة غالبًا:

فإذا ذكر الاختلاف على راوٍ في حديث؛ في متنِهِ أو في إسنادِهِ، فَإِنَّه يُورِدُ بإثرِهِ الرِّواياتِ (أو الرِّوايةَ) المختلفة في الغالب، وهو ما اعْتَنَى به النسائي رحمه الله في هذا الكتاب وفي "السنن الكبرى" وتميّز به، والأمثلة على ذلك كثيرة.

لكنه قد يُشير إلى الرواية المختلفة، ويذكرُها في موضع آخَرَ من الكتاب، كما في الحديث (31)، أخرجه من طريق وكيع، عن الأعمش، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، في اللَّذَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قَبْرَيْهما

قال النسائي: خالفه منصور؛ رواه عن مجاهد، عن ابن عباس، ولم يذكر طاوسًا. اهـ. ولم يُخرج النسائي رواية منصور التي أشار إليها في هذا الموضع، وإنَّما أخرجها في كتاب الجنائز، باب وضع الجريدة على القبر، (2068).

وقد يُشِيرُ إِلى الرِّواية المُختلفة دون أن يذكرها في الكتاب، كما في الحديث (5522)، أخرجه من طريق حُسين المُعَلِّم، عن عبد الله بن بُرَيْدَة، عن بُشَيْرِ بن كَعْب، عن شدَّادِ بن أَوْس، مرفوعًا: "إِنَّ سَيِّدَ الاستغفار أن يقول: اللَّهُمَّ أَنتَ رَبِّي لا إلهَ إلا أنتَ

". الحديث. وقال بإثره: خالفه الوليد بن ثعلبة. اهـ. ولم يذكر رواية الوليد في هذا الكتاب، وذكرها في "السنن الكبرى" بعيدًا عن الموضع الذي أورد فيه روايةَ حُسين المُعَلِّم ينظر التعليق عليه في موضعه من الكتاب.

* وليس كلُّ اختلاف يذكره على راوٍ يكونُ عِلَّةً للحديث:

فقد تكون الرّواياتُ المختلفة التي يذكرُها صحيحةً، كما في الحديث السالف ذكره (31) في اللَّذَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قبريهما، رواه الأعمش، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، وخالفه منصور؛ فرواه عن مجاهد، عن ابن عباس، ولم يذكر طاوسًا، وهي مخالفةٌ لا تضرّ، فالرِّوايتان في "صحيح" البخاري، والطريقانِ محفوظان كما

ص: 62

ذكر ابن حبّان (3129). يعني أنَّ مجاهدًا سمعَ هذا الخبر من ابن عباس، وسمعه أيضًا من طاوس، عن ابن عباس.

وذكر حديث عَمْرِو بن دينار، عن ابن عُمر، عن رافع بن خَدِيجٍ، في النهي عن المُخابرة (3917)، وذكر الاختلاف على عَمْرِو بن دينار فيه:

فأخرجه من طريق سفيانَ الثَّوري، عن عَمْرِو بن دينار، عن ابن عُمر، به.

ثم أورد متابعة ابن جُرَيْج وحمَّادِ بن زيد (من رواية يحيى بن حَبِيبٍ بن عَرَبيّ، عنه) لسفيان، فروياه عن عَمْرِو بن دينار، عن ابن عمر، به.

ثم أخرجه من طريق حمَّادِ بن زيد أيضًا (من رواية عارمٍ، عنه)، عن عَمْرِو بن دينار، عن جابر، وقال: تابعه محمد بن مسلم الطائفي، ثم أخرجه من طريقه، عن عَمْرِو، عن جابر.

ثم قال: جمعَ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ الحديثَيْنِ، فقال: عن ابن عُمَرَ وجابر. اهـ. ثم أخرجه من طريقه، عن عَمْرِو بن دينار، عن ابن عُمَرَ وجابر. فأشار بذلك إلى أنَّ هذا الاختلاف على عَمْرِو بن دينار لا يضرُّ، وأنه ليس بعلَّة

(1)

.

* ويُرجِّحُ بالأثبتيَّة عند اختلاف الرواة:

فأخرج من طريق قاسم بن يزيد ومحمدِ بن عُبيد (فرَّقهما 1750 - 1751) عن سفيانَ الثَّوري، عن زُبَيْد، عن سعيد بن عبد الرَّحمن بن أَبْزَى، عن أبيه عبدِ الرَّحمن بن أَبْزَى، في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر وقراءته فيها. ثم أخرجه (1752) من طريق أبي نعيم، عن سفيان عن زُبَيْد، عن ذَرّ، عن سعيدِ بن عبدِ الرَّحمن بن أَبْزَى، عن أبيه، فزادَ في الإسناد ذَرًّا بين زُبَيْدٍ وسعيد، وقال النسائي بإثره: أبو نعيم أثبتُ

(1)

ذكر السخاوي في "بغية الرَّاغب" ص 83 هذا الاختلاف على عَمْرِو بن دينار، لكن وقعَ في الكتاب خطأ، لعله بسبب سَقط فيه، فجاء فيه أنَّ رواية حمَّادِ بن زيد من طريق يحيى بن حبيب، عنه، هي من حديث جابر، وهو خطأ، وإنَّما رواية يحيى عن حماد من حديث ابن عُمر، وأمَّا رواية عارم عن حماد فمن حديث جابر، والله أعلم.

ص: 63

عندنا من محمَّد بن عُبيد ومن قاسم بن يزيد. وأثبتُ أصحاب سفيان عندنا، والله أعلم: يحيى بن سعيد القطان، ثم عبد الله بن المُبارك، ثم وكيع بن الجراح، ثم عبدُ الرَّحمن بنُ مَهْدِي، ثم أبو نعيم، ثم الأسود في هذا الحديث.

وأخرجَ (2479) من طريق خالد بن الحارث، عن حُسين بن ذَكْوَانَ المُعَلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، في قصَّة امرأةٍ وبنت لها؛ في يدها مَسَكَتانِ غليظتانِ من ذَهَب، ثم أخرجه (2480) من طريق المُعتمر بن سليمان، عن حسين، عن عمرو بن شعيب، مرسلًا. قال النسائي: خالد أثبتُ من المُعتمر

(1)

.

وأخرجَ (2506) من طريق الحَكَم بن عُتَيْبَة، عن القاسم بن مُخَيْمِرَة، عَن عَمْرِو بن شُرَحْبِيل، عن قيس بن سَعْدِ بن عُبادة، في صوم عاشوراء وتأدية زكاة الفطر، ثم أخرجه (2507) من طريق سَلَمَةَ بن كُهَيْل، عن القاسم بن مُخَيْمِرَة، عن أبي عمار الهَمْدَاني، عن قيس بن سعد. قال النَّسائي: سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ خالَفَ الحَكَمَ في إسناده، والحَكَمُ أثبتُ من سَلَمَةَ بن كُهَيْل.

* وربَّما رجَّحَ رواية المرجُوح:

كما في الحديث (2479) من طريق خالد بن الحارث المذكور في الفقرة السالفة قبل هذه، ونقلتُ في التعليق عليه زيادة كلام للنسائي في "السنن الكبرى" لم يرد في "المجتبى".

وأخرجَ (3213) من طريق أشعثَ بن عبدِ الملك، عن الحَسَن، عن سَعْدِ بن هشام، عن عائشة، في النهي عن التَّبَتُّل، ثم أخرجه (3214) من طريق قتادة، عن الحَسَن، عن سَمُرَةَ بن جُنْدُب. قال النسائي: قتادة أثبتُ وأحفظ من أَشْعَث، وحديث أَشْعَثَ أَشْبَهُ بالصَّواب.

(1)

كذا قال النَّسائي في هذا الكتاب "المُجتبى"، وظاهره ترجيح رواية خالد بن الحارث الموصولة على رواية المُعتمر بن سليمان المُرسلة، لكنَّه ذكر هذا القول في "السنن الكبرى"(3271)، وزاد بعد ذلك قوله: وحديثُ المُعتمر أولى بالصواب. اهـ. وظاهره ترجيح الرواية المُرسلة على الموصولة، والله أعلم.

ص: 64

* ويُشير إلى ما جاء فيه نوعٌ من التدليس:

فأخرجَ (4971) من طريق سفيانَ الثَّوري، عن أبي الزبير، عن جابر، مرفوعًا:"ليس على خائنٍ ولا مُنتهِبٍ ولا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ". وقال بإثره: لم يسمعه سفيان من أبي الزبير.

ثم أخرجه من طريق سفيان أيضًا، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، فزادَ في الإسناد ابن جريج، وقال: ولم يسمعه أيضًا ابن جُريج من أبي الزبير.

ثم أخرجه من طريق حجَّاج بن محمد المِصِّيصي؛ قال: قال ابن جُريج: قال أبو الزبير: عن جابر. ثم أعاده من طريق حجّاج، وفيه: قال أبو الزبير: قال جابر

ثم قال النسائي: وقد رَوَى هذا الحديث عن ابن جريج عيسى بنُ يُونُس، والفَضْلُ بن موسى، وابنُ وَهْب، ومحمد بن ربيعة، ومَخْلَدُ بنُ يزيد، وسلمة بن سعيد - بصري ثقة؛ قال ابن أبي صفوان: وكان خير أهل زمانه - فلم يقل أحدٌ منهم: حدثني أبو الزبير، ولا أحسبه سمعه من أبي الزبير، والله تعالى أعلم.

وزاد في "السنن الكبرى"(7421) روايةً أخرى تُوهِمُ سماع ابن جريج من أبي الزبير، فأخرجه من طريق عبد الله بن المُبارك، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، عن جابر

ثم قال النسائي بإثره: ما عَمِلَ شيئًا، ابن جُريج لم يسمعه من أبي الزبير عندنا

(1)

.

* ويُنَبِّه على ما وقع فيه من خطأ أو تصحيف:

فأخرج (93) من طريق عبدِ الله بن المبارك، عن شعبة، عن مالك بن عُرْفطَة، عن عَبْدِ خَيْر، عن علي رضي الله عنه في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هذا خطأ، والصواب: خالد بن عَلْقَمَة، ليس مالكَ بنَ عُرْفُطَة.

وأخرجَ (192) من طريق أشعث بن عبد الملك، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، في وجوب الغُسل، ثم قال: هذا خطأ، والصواب: أشعث، عن الحسن، عن أبي هريرة

(2)

.

(1)

وينظر "التلخيص الحبير" 4/ 122 - 124.

(2)

يعني - والله أعلم - أنَّ المحفوظ: أشعث، عن الحسن، عن أبي هريرة، لأنَّ هذه =

ص: 65

وأخرجَ (1505) من طريق سفيان بن عيينة بإسناده إلى عبد الله بن زيد الذي أُرِيَ النِّداء؛ أخرجه في صلاة الاستسقاء، وقال بإثره: هذا غلط من ابن عيينة، وعبد الله بن زيد الذي أُرِيَ النّداءَ هو عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهذا عبد الله بن زيد بن عاصم.

وأخرجَ (2096) من طريق حماد بن زيد، عن مَعْمَرٍ والنُّعْمَانِ بن راشد، عن الزُّهْري، عن عُروة، عن عائشة قالت: ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعنة تذكر، وكان إذا كان قريبَ عَهْدٍ بجبريلَ يُدارِسُهُ؛ كان أجود بالخير من الرِّيح المُرْسَلَة. اهـ. وقال بإثره: هذا خطأ

وأدخلَ هذا (يعني حماد) حديثًا في حديث

(1)

.

وأخرجَ (4015) من طريق يزيد، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذَّنب أعظم؟

الحديث. ثم قال: هذا خطأ

إنّما هو واصل. اهـ. (يعني بدل: عاصم).

وأخرجَ (4075) من طريق عَمْرِو بن مُرَّة، عن أبي نضرة، عن أبي بَرْزَةَ قال: غَضِبَ أبو بكر على رجل

الحديث، قال النسائي بإثره: هذا خطأ، والصواب أبو نَصْر، واسمه حميد بن هلال

وأخرجَ (5515) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن سُليمان بن يسار، عن أبي هريرة مرفوعًا: "اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من فِتْنَةِ القبر

". قال النسائي: هذا خطأ، والصواب: سُليمان بن سنان.

وأخرجَ (2425) من طريق سفيان بن عيينة، عن بيان بن بِشر، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوْتَكِيَّة، عن أبي ذرّ، في صيام ثلاثَ عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. قال النسائي بإثره: هذا خطأ، ليس من حديث بيان، ولعل سفيان قال: حدثنا

= الرِّواية مُعَلَّة أيضًا، فالحسن لم يسمعه من أبي هريرة، وسيرد ذكر هذا المثال في الفقرة التالية.

(1)

سلف ذكر هذا الحديث في ترجمة الإمام النسائي ص 23 في الكلام على روايته عن البخاري.

ص: 66

اثنان، فسقطت الألف. اهـ. ثم أورد بعدَه الدَّليل على ذلك، فأخرجه من طريق سفيان أيضًا قال: حدثنا رجلانِ؛ محمد وحكيم، عن موسى بن طلحة، بالإسناد قبله.

ثم أخرج الحديثَ (2427) وهو نفس الحديث قبله، لكن بأطول منه؛ أخرجه من طريق الحكم، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوْتَكِيَّة قال: قال أبي: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث.

قال النسائي: الصواب: عن أبي ذرّ، ويُشْبِهُ أن يكون وقع من الكتاب: ذَرّ، فقيل: أبي

(1)

.

ويُشير إلى عِلَّة حديث بذكر بعض طرقه المعلُولة:

فأخرج من طريق عيسى بن يونس (192)، عن أشعثَ بن عبدِ الملك، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، مرفوعًا:"إذا قَعَدَ بين شُعَبِها الأربع، ثم اجتهد، فقد وَجَبَ الغُسل". ثم قال: هذا خطأ، والصواب: أشعث، عن الحسن، عن أبي هريرة. اهـ. لكنَّ الحَسَن لم يسمعه من أبي هريرة، كما ذكر في "السنن الكبرى"(196). يعني أنَّ رواية الأشعث عن كلِّ من ابن سيرين والحَسَن، عن أبي هريرة، معلُولة، وأنَّ الصوابَ الرِّوايةُ التي ذكرَها قبله (191)، وهي من طريق خالد، عن شعبة، عن قتادة، عن الحَسَن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، وذكر متابعته بعد ذلك، فقال: قد روى الحديث عن شعبةَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْل وغيره كما رواه خالد.

(1)

ذكرَ السَّخاويُّ في "بُغية الرّاغب المُتمنِّي" ص 83 المثالين الأخيرين، ثم قال بعده: ومنه قوله: سمعتُ عبدَ الصَّمد البخاري يقول: حفصُ بْنُ عُمر الذي يَروي عن ابن مهدي لا أعرفه، إلا أن يكون سقطت الواو من أبيه، وهو حينئذ الرَّبَالي، المشهور بالرِّواية عن البصريِّين، وهو ثقة. انتهى كلامه. وفي نسبة هذا الكلام للنسائي وهم، وإنما هذا القولُ للقاضي أبي نضر أحمدَ بن الحُسين الدِّينَوَري الكَسَّار، راوي "المُجتبى" عن أبي بكر بن السُّنِّي، وعبد الصمد البخاري المذكور: هو ابن محمد بن عبدِ الله بن زكريا بن حَيّويه، وينظر كلام أبي نصر الكسار بتمامه عند الحديثين (4997) و (5039).

ص: 67

وفي ذكر هذا القَدْر من الأنواع في هذا الكتاب والأمثلة عليها كفاية

وقد نَسَجْتُها على منوال ما جاء في "بُغية الرَّاغب المُتَمَنِّي" لشمس الدِّينِ السَّخاوِي رحمه الله؛ اخترتُ منه أمثلة، وزِدْتُ عليه أخرى، وثَمَّةَ أنواع أخرى ذكرَها السَّخاوي سهلة التناول لمن أرادها.

قال السَّخاويُّ: لو أمْعَنَّا النَّظرَ في كتابه لظهر لنا ما لَعَلَّه يَخْفَى عن كثيرين

(1)

.

ثم قال السَّخاوي: وقد انفرد عن باقي الكتب السِّتَّة بعَقْد كتاب للتطبيق

(2)

، ذكر فيه حديثَ النَّهْيِ عن وضع اليدين بينَ الرُّكْبَتَيْن، وكذا الإمساك بالرُّكب في الركوع، ونحو ذلك، وإن كانت الأحاديثُ مذكورةً فيها.

وكتاب للشروط مما يَنْتَفِعُ به القُضاة والمُوَثِّقون، فكتب في الأحباس منه قليلًا، ثم الجملة قُبيل عِشْرَة النِّساء، ومنه صورةُ ما يُكتبُ في شركة عِنانِ بين ثلاثة، وشركة مُفاوضة بين أربعة عند مَنْ يُجِيزُها، وتفرقةِ الشُّركاء عن شريكهم، والزَّوجَيْن، وغيرِ ذلك

(3)

.

ثم قال السخاويّ: وبالجملة؛ فكتابُ النَّسائي أقلُّ الكتب الستة بعد الصَّحيحَين حديثًا ضعيفًا، ولكنْ إنَّما أَخَّرُوه عن أبي داود والترمذي فيما يظهر لتأخره عنهما وفاةً. بل هو آخِرُ أصحابِ الكُتب السِّتّة وفاةً، وأسَنُّهُم، لم يُعَمَّرْ منهم أحد كتعميره.

(1)

نعم؛ لو أنَّنا أردنا أن نكتب كلَّ ما وقفنا عليه أثناء عملنا في هذا الكتاب من أمثلة على الأنواع السالف ذكرها وغيرها ممَّا لم يُذكر؛ لبلغ ذلك الكثير، وبإمكان القارئ أن يقف على أمثلة أخرى في حواشي الكتاب، فرَحِمَ الله الإمام أبا عبد الرَّحمن النّسائي، ورَحِمَ سائر الأئمة، ورفع مقامهم ودرجاتهم، وجزاهم عن الأمة خير الجزاء.

(2)

كذا قال السَّخاوي رحمه الله، وفيه نظر، فلم تتَّفق النسخ الخطيَّة على قوله: كتاب التطبيق، حتى نجزم بنسبة ذلك للنسائي، فقد سُمِّيَ في بعضها - وهي نُسخ جيِّدة - باب التطبيق، ثم إنه لم يرد أيضًا بهذا اللفظ (يعني بلفظ "كتاب التطبيق") في "السنن الكبرى" للنسائي رحمه الله، بل جاء فيه بلفظ: التطبيق، دون كلمة كتاب، والله أعلم.

(3)

تنظر صورة الشركات التي أشار إليها السَّخاوي رحمه الله بعد الحديث (3936).

ص: 68

‌ملاحظات حول هذا الكتاب

بادئ ذي بدء، نحمد الله تعالى حمدًا لا منتهى له إلا رضاه أنْ أكرَمَنا بخدمة هذا الكتاب المُجتبى أحد الأصول السِّتَّة التي عليها مدار الأحكام الشرعية.

وقد كان لنا من خلال رحلتنا مع هذا الكتاب بعضُ وَقَفات وملاحظات، سأذكرُ منها بعضها، ويوجد في الحواشي غيرها لمُريد المزيد:

‌أولا: في تراجم الكتاب:

أخرج حديث أبي هريرة (1107) قال: لو كنتُ بين يَدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَبْصَرْتُ إبطيه، قال أبو مجلز: كأنَّه قال ذلك لأنَّه في صلاة. أوردَه النَّسائي في باب صفة السجود، لكنَّ الحديث في "سنن أبي داود" (746) وفيه زيادة: قال موسى (هو ابن مروان شيخُ أبي داود): يعني إذا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وجاء الحديث فيه في باب مَنْ ذَكَرَ أنه يرفعُ يَدَيْهِ إذا قامَ من اثنتين، وهو أشبه بسياق الحديث.

وأخرج من حديث عائشة رضي الله عنها (3012) قالت: كانت قريش تَقِفُ بالمزدلفة ويُسَمَّوْنَ الحُمْس، وسائر العرب تَقِفُ بعَرَفَةَ، فأمَرَ الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقف بعَرَفَةَ ثم يندفع منها

أورده في ترجمة رفع اليدين في الدُّعاء بعَرَفَة، وترجم له في "السنن الكبرى" (3997) بـ: فرض الوقوف بعرفة، وهو الجادة فيها.

‌ثانيًا: ذِكْرُه عِلَّةَ الحديث في "السنن الكبرى" دون ذِكْرِها في "المجتبى":

فأخرج (2216) من طريق حَجَّاج بن محمَّد المصيصِيّ عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي صالح الزَّيَّات، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا: "كلُّ عَمَلِ ابن آدم له إلا الصيام؛ هو لي وأنا أجزي به

" الحديث. ثم أخرجه (2217) من طريق عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، به، إلا أنَّ ابنَ المبارك وهم فيه فقال: عطاء الزَّيَّات، بدل: أبي صالح الزَّيَّات.

وقال النَّسائي بإثره في "السُّنن الكبرى"(3538): ابن المُبارك أعلى وأجَلُّ عندَنا من حَجَّاج، وحديثُ حَجّاج أولى بالصَّواب عندنا، ولا نعلم في عصر ابن المُبارك

ص: 69

رجلًا أجَلَّ من ابن المُباركِ ولا أعلى منه، ولا أجْمَعَ لكلِّ خَصْلَةٍ محمودةٍ منه، ولكن لا بدَّ من الغَلَط؛ قال عبدُ الرَّحمن بنُ مَهْدِي: الذي يُبَرِّئُ نفسَه من الغلط مجنون، ومَنْ لا يغلط؟! والصَّواب: ذكوان الزَّيَّات (هو أبو صالح الزَّيَّات) لا عطاءُ الزَّيَّات. انتهى كلامه. ولم يذكر النَّسائي هذا الكلام في "المجتبى".

وأخرج (2271) من طريق أبي قِلَابَةَ الجَرْمي، أن أبا أميَّةَ الضَمْرِي حَدَّثَهم، أنَّه قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر

الحديث؛ في وضع الصيام ونصفِ الصَّلاة عن المسافر. قال النسائي في "السنن الكبرى"(2592): هذا خطأ، قوله:"أنَّ أبا أميَّة حدثهم" خطأ، هذا القولُ نفسه. اهـ. ولم يذكر هذا الكلام في "المجتبى".

وأخرجَ (2481) من طريق أبي النَّضْر هاشم بن القاسم، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عُمر، مرفوعًا: "إِنَّ الذي لا يُؤَدِّي زكاةَ مالِهِ يُخَيَّلُ إليه ماله يومَ القيامةِ شُجاعًا أقْرَعَ

" الحديث.

ثم أخرجه من طريق حَسَن بن موسى الأشْيَب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بنحوه.

وقال في "السُّنن الكبرى"(2273): عبد العزيز بن أبي سَلَمة أثبتُ عندنا من عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، ورواية عبد الرَّحمن أشبهُ عندنا بالصَّواب - والله أعلم - وإن كان عبدُ الرَّحمن ليس بذاك القوي في الحديث. انتهى كلامه. ولم يذكر النسائي هذا الكلام في "المُجتبى"

(1)

.

(1)

نقل الحافظ ابن كثير في تفسيره (آل عمران: 180) عن النَّسائي خلاف مراده، فنقل عنه أنَّ رواية عبد العزيز بن أبي سلمة أثبتُ من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، ولم ينقل عن النسائي قوله بعده: ورواية عبد الرحمن أشبه عندنا بالصواب، وكذلك نقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 3/ 269 عن النَّسائي ترجيحه لحديث ابن عُمر على حديث أبي هريرة، وهو بخلاف قول النسائي، وينظر التعليق على الحديث في موضعه.

ص: 70

ويقع عكس ذلك أحيانًا، فيذكرُ العلَّة في "المُجتبى" ولا يذكرها في "السُّنن الكبرى":

فأخرج من طريق يونُسَ بن يزيد (2095) عن ابن شهاب الزهري، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، أنَّ عبد الله بن عبّاس كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وكان أجْوَدَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاه جبريلُ

الحديث. ثم أخرج بعده (2096) من طريق حماد بن زيد، عن مَعْمَرٍ والنُّعمان بن راشد، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: ما لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ لَعْنةٍ تُذكر، كان إذا كان قريب عَهْدِ بجبريل عليه السلام يُدارسه؛ كان أجود بالخير من الرِّيح المُرْسَلَة. اهـ. قال النَّسائي: هذا خطأ، والصَّوابُ حديث يونُسَ بن يزيد، وأدخل هذا حديثًا في حديث. اهـ. ولم يرد هذا الكلام في "السنن الكبرى" له (2417)

(1)

.

‌ثالثًا: اختلاف (أو نقص) في كلام النَّسائي على الحديث بين "المجتبى" و "السنن الكبرى":

فأخرجَ (2479) من طريق خالد بن الحارث، عن حُسينِ بن ذَكْوانَ المُعَلِّم، عن عَمْرِو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه، أنَّ امرأةً من أهل اليمن أتَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبِنْتٌ لها، في يَدِ ابنتِها مَسَكَتانِ غليظتانِ من ذَهَب

ثم أخرجه (2480) من طريق المُعتمر بن سليمان، عن حُسين المُعَلِّم، عن عَمْرِو بن شعيب، مرسلًا. وقال بإثره: خالد أثبتُ من المُعتمر.

وظاهرُ هذا القول ترجيح رواية خالد بن الحارث الموصولة على رواية المُعتمر المُرسلة، لكنَّه زادَ في "السنن الكبرى" (3271) بعد ذلك قوله: وحديثُ المُعتمر أولى بالصَّواب، ونقله عنه المِزِّيّ في "تحفة الأشراف"(8683)، وظاهره ترجيح الرِّواية المُرسلة، والله أعلم

(2)

(1)

سلف ذكر هذا الحديث في ترجمة النسائي في الكلام على روايته عن البخاري ص 23.

(2)

سلف ذكر هذا المثال في فقرة الترجيح بالأثبتية ص 64.

ص: 71

‌رابعًا: بعض أخطاء وقعت في "المُجتبى" وجاء الكلامُ على الصواب في "السُّنن الكبرى":

كما في الحديث (667): جاء في إسناده: يحيى بن عليّ بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع الزُّرَقي.

وإنَّما هو: يحيى بن عليّ بن يحيى بن خلاد بن رافع الزُّرَقي، دون ذكر "رفاعة" بين "خلاد" و "رافع"، وجاء على الصواب في "السنن الكبرى"(1643).

وكما في الحديث (674) جاء في إسناده: علي بن خالد الزرقيّ، وهو خطأ، صوابه: الدُّؤلي، كما في "السنن الكبرى"(1653).

وكما في الحديث (3081) جاء في إسناده: خُصيف، عن مجاهد وعامر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس

وهو خطأ، صوابه كما في "السنن الكبرى" (4073): خُصيف، عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير، عن ابن عباس

هذا في الإسناد، وأما في المتن:

فأخرج من حديث ابن عباس مرفوعًا: "إذا لم يجد إزارًا؛ فَلْيَلْبَس السَّرَاوِيلَ، وإذا لم يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعُهُما أَسْفَلَ من الكَعْبَيْن" فقوله: "وَلْيَقْطَعُهُما أسْفَلَ من الكَعْبَيْن" ليس من حديث ابن عبّاس، إنَّما هو من حديث ابن عمر، وقد جاءت رواية ابن عبّاس على الصواب في "الكبرى"(3645)، يعني دون هذا القول.

وأخرج من حديث أمِّ عطيَّة (3534) مرفوعًا: "لا تُحِدُّ امرأةٌ على مَيِّتٍ فوقَ ثلاث إلا على زوج، فإنها تُحِدُّ عليه أربعة أشهرٍ وعَشْرًا، ولا تَلْبَسُ ثوبًا مصبوغًا ولا ثَوْبَ عَصْب، ولا تَكْتَحِلُ

" الحديث. فقوله: "ولا ثوبَ عَصْب" خطأ، صوابه كما في "السنن الكبرى" (5698): "إلا ثوبَ عَصْب"

(1)

.

(1)

أو أن الصواب: "لا ثوبَ عَصْب"، يعني بحذف الواو، والله أعلم.

ص: 72

‌خامسًا: ما وقع فيه خطأ في "المجتبى" و "السنن الكبرى":

فأخرجَ (778) من طريق أبي العالية البَرَّاء قال: أَخَّرَ زيادٌ الصلاةَ، فأتاني ابن صامت، فألقيتُ له كُرْسِيًّا فجلس عليه، فذكرتُ له صُنع زياد

الحديث، وكذا هو في "السنن الكبرى" للنسائي (856)، فقوله: زياد، خطأ، وإنَّما هو: ابن زياد، كما في "صحيح" مسلم (648):(242)، و "مسند" أحمد (21423)، وعندهما: أَخَّرَ ابن زياد الصَّلاةَ

إلخ.

وأخرجَ (1136) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنَّ عليَّ بن يحيى بن خلاد بن مالك بن رافع بن مالك، حدَّثه عن أبيه، عن عمه رفاعةَ بن رافع

إلخ. فقوله: علي بن يحيى بن خلاد بن مالك بن رافع بن مالك؛ كذا وقع في النسخ الخطيَّة وفي "السنن الكبرى" أيضًا (726)، والذي في كتب الرجال: علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك، يعني دون ذكر "مالك" بين "خلاد" و "رافع"، والظاهر أنَّ زيادتَه وَهُم، وينظر الحديث (1314).

وأخرج من طريق موسى بن سَلَمة الهُذَليّ عن ابن عبّاس (2633) قال: أَمَرَتِ امرأة سنان بن سَلَمة الجُهَنيّ أنْ يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَمَّها ماتَتْ ولم تَحُجّ، أفيُجزئ عن أمها أن تحجّ عنها؟

وكذا هو في "السنن الكبرى" للنسائي (3599). فقوله: امرأة سنان بن سَلَمة، خطأ، والصواب: امرأة سنان بن عبد الله. فقد أخرجه ابن خُزيمة (3094)، وفيه أنَّ موسى بن سلمة سأل ابن عباس عن ذلك، فأجابه ابن عباس أنَّ امرأة سنان بن عبد الله الجهني أمَرَتْ أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأخرج من حديث سهل بن سَعْد (3339) أنَّ امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله جئتُ لأهَبَ نفسي لك

وفيه أنه قال لرجل من أصحابه: "هل عندك من شيء؟ " فقال: لا والله، ما وجدتُ شيئًا

الحديث، وكذلك هو في "السنن الكبرى" للنسائي (5479). وفيه سقط، فالحديث في "صحيح" البخاري

ص: 73

(5030) عن شيخ النسائي قتيبة بن سعيد بإسناده، وفيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل:"هل عندك من شيء"، فقال:[لا والله يا رسول الله، قال: "اذْهَبْ إِلى أهلك فانْظُرْ هل تَجِدُ شيئًا"، فذهب ثم رَجَعَ، فقال:] لا والله يا رسول الله، ما وجدتُ شيئًا

الحديث. فسقط منه ما وضعته بين حاصرتين.

وأخرج من طريق شعبة (3551) عن أبي بكر بن أبي الجَهْم قال: دخلتُ أنا وأبو سَلَمَةَ على فاطمة بنت قيس

الحديث. وقع في النسخ الخطية: عن أبي بكر بن حفص، ووقع في "السنن الكبرى" (5714): عن أبي بكر بن جَهم، وكلاهما خطأ، والصواب: أبو بكر بن أبي الجَهم؛ كما هو في "تحفة الأشراف"(18037)، وهو أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجَهم، ينظر "تهذيب الكمال" 33/ 99.

‌سادسًا: اختلاف لفظ بعض الحديث عن لفظه في المصادر:

فأخرج من حديث عائشة رضي الله عنها (834) قالت: لما ثَقُلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أَصَلَّى النَّاس؟ "، قلنا: نعم، وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: "دَعُوا لي ماءً في المِخْضَب

" الحديث. فقوله: "دَعُوا لي ماء

" لم يرد إلا في "المجتبى"، وجاء لفظه في "السُّنن الكبرى" للمصنِّف (910) ومصادر الحديث: "ضَعُوا لي ماءَ

".

وأخرج من حديث قَبِيصَةَ بن مُخارق (2580) مرفوعًا: "إِنَّ الصَّدقة لا تَحِلُّ إِلَّا لأحد ثلاثة، رجلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ له المسألة حتى يُصِيبَ قِوَامًا من عَيش - أو سِدَادًا من عيش - ورجل أصابَتْهُ جائحة فاجْتَاحَتْ، ماله، فحلَّتْ له المسألة حتى يُصِيبَها ثم يُمْسِك

" الحديث. فالظاهرُ أنه حصلَ قلبٌ بين هذين الصنفين، فالذي تَحِلُّ له المسألةُ حتى يُصيبها ثم يُمسك هو الذي تَحَمَّلَ حَمَالة، وأمَّا الرَّجلُ الذي تَحِلُّ له المسألةُ حتى يُصيبَ قِوَامًا من عَيش فهو الذي أصابته جائحة واجتاحَتْ ماله.

وقد أورد المصنِّفُ الصِّنف الأول وحده في الحديث قبله، وفيه:"إنَّ المسألة لا تَحِلُّ إلا لثلاثة، رجلٍ تَحَمَّلَ حَمَالةً بين قوم، فسأل فيها حتى يُؤدِّيَها ثم يُمسك"، ولعله

ص: 74

أوردَه للإشارة إلى هذا الاختلاف والله أعلم، وينظر "صحيح" مسلم (1044).

وأخرج من حديث عمر رضي الله عنه (2616) أنه حَمَلَ على فرس في سبيل الله، فرآها تُباع، فأراد شراءها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تَعْرِضُ في صدقتك". كذا وقع لفظه عند النَّسائي في هذا الكتاب "المُجتبى" وفي "السنن الكبرى"(2409)، وهو من رواية مَعْمَر، عن الزُّهْرِيّ، عن سالم بن عبدِ الله بن عُمر، عن أبيه، عن عُمر. ولم يرد هذا الحرف:"لا تَعْرِضْ في صدقتك" في مصادر الحديث، لا من رواية مَعْمَر، ولا من رواية غيره، واللفظ الذي في المصادر:"لا تَعُد في صدقتك"، ومن هذه المصادر:"سنن" الترمذي (668)، وقد أخرجه عن هارون بن إسحاق (شيخ النسائي فيه) عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعْمَر به. وكذا هو في "مصنف" عبد الرَّزَّاق (16572)، والحديث من طريقه.

ثم أخرجه النسائي بعده من وجه آخر عن الزُّهريّ، باللفظ المحفوظ:"لا تَعُد في صدقتك".

وأخرج من حديث أنس رضي الله عنه (3602) قال: لما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قال أبو طلحة: إنَّ ربَّنا لَيَسألنا من أموالنا، فأُشْهِدُكَ يا رسول الله أني قد جعلتُ أرضي لله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْها فِي قَرَابَتِكَ، في حسان بن ثابت وأُبي بن كَعْب. اهـ. وكذا هو في "السنن الكبرى" للمصنف (6396)، وسياقه يوهمُ أنَّ قوله: في حسان بن ثابت وأُبي بن كعب، من المرفوع، وليس كذلك،. وإنَّما المرفوع منه قوله:"اِجْعَلْها في قَرَابَتِكَ"، وقد جاء في مكرره في "السنن الكبرى" (11001) بلفظ:"اجْعَلْها في قَرَابَتِكَ"، فجعلها في حسان بن ثابت وأُبيِّ بن كَعْب

وهو الصَّواب فيه، كما هو بنحوه في المصادر، ففي "مسند" أحمد (14036):"اِجْعَلْها في قَرَابَتِك"، فَقَسَمَها بين حسان بن ثابت وأُبي بن كَعْب

اهـ. والله أعلم.

ص: 75

‌طبعات الكتاب

طبع الكتاب طبعاتٍ عديدة، منها طبعات هندية حجرية قديمة، ومنها طبعات مصريّة، وأهمُّ الطبعات وأكثرها تداولًا هي طبعة المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة عام (1348) هـ الموافق لـ (1930) م، وطبع في حاشيتها شرح جلال الدين السيوطي للسُّنن الذي سمَّاه "زَهْر الرُّبَى على المُجتبى" وحاشية للإمام السِّندي عليه، وهي الطبعة التي اختارها واعتمدها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، فاعتنى بها، وقامَ بفهرستها ورَقْم أحاديثها، ورَقَمَ أيضًا كتبها وأبوابها بما يتوافق مع "المعجم المُفَهْرَس لألفاظ الحديث النَّبوي الشريف"، وصحَّحَ بعض ما وقع فيها من أخطاء، وطبعتها دار البشائر الإسلامية ببيروت عام (1406) هـ الموافق لـ (1986) م، ونشرها مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب، وأُعِيدَ طبعها مرارًا.

وقد طبع الكتاب أيضًا عدة طبعات؛ غالبها مأخوذ عن الطبعة المصرية

إلى أن نشرَتْ دار التأصيل عام (2012) م طبعة محققة مقابلة على أصول خطيَّة جيِّدة، واعتُنِي فيها بضبط النّصّ، وذِكْرِ فروق النسخ الخطيَّة مفصلة في حواشيه، وتخريج أحاديثه من المصادر، لكن لم يُحكم على أسانيده، ولم تُعيَّن الرُّواة فيها؛ وبخاصة المُهمل منها، وقد اكتفوا لمعرفة درجة الحديث بإحالته على الصحيحين إن كان فيهما أو في أحدهما، وإن لم يكن الحديث في الصحيحين؛ فقد اعْتَنَوْا بنقل أقوال الأئمة فيه من علل وغير ذلك، وهي طبعة جيِّدة بمجملها.

ثم أصدرت مؤسسة الرسالة (ناشرون) طبعة للكتاب في مجلد واحد عام (2014) م، وقد اعتُني فيها بضبط النّصّ، وعُلِّقَ عليها، مع عزو الحديث (على حسب مصادره) إلى الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسنن كلّ من أبي داود والترمذي وابن ماجه؛ طبعات مؤسسة الرسالة، مع ذكر درجة الحديث مستفادًا منها، وقد اعتمد في تحقيقها على النسخة الهندية الآتي وصفها، وهي طبعة جيدة بمجملها.

ص: 76

‌ الباعث على تحقيق الكتاب ومنهج العمل فيه

يأتي تحقيق هذا الكتاب "المُجْتَبَى" ضمن الموسوعة الحديثية التي تُصدرها مؤسسة الرِّسالة، ويتمُّ بذلك تحقيق السُّنن الأربعة بعد إتمام تحقيق "مسند" الإمام أحمد ابن حنبل، وقد قام مكتب التحقيق للمؤسسة في عمَّان بتحقيق "سنن" أبي داود، و "سنن" الترمذي، و "سنن" ابن ماجه، وكان ذلك بمشاركة الشيخ شُعيب الأرنؤوط رحمه الله وبإشرافه، ثم يأتي تحقيق هذا الكتاب بعد أن توفاه الله تعالى، وكنا نتمنى لو كان ذلك في حياته، ولكن قدَّر الله وما شاء فعل، ورَحِمَ الله الشيخ، وأسكنه فسيح جنَّاته، وجزاه عن الأمة الإسلامية خير الجزاء.

ونحن إذ نقوم بهذا العمل في مكتب التحقيق للمؤسسة في دمشق، فإنَّما نقوم به وفق المنهج الذي وضعه الشيخُ شُعيب، وعلى قواعد مدرسته التي تخرج بها المحقِّقون الأفاضل أمثال الأستاذ محمد نعيم عرقسوسي والأستاذ إبراهيم الزيبق والأستاذ عادل مرشد.

ولئن فاتتنا الفائدة في تحقيق هذا الكتاب من الشيخ شعيب الأرنؤوط رحمه الله، إنَّ لنا العزاء بصاحبَيْه الفاضلين الأستاذ محمد نعيم عرقسوسي والأستاذ إبراهيم الزيبق حيث كنا نعودُ إليهما فيما يُشكل علينا أثناء تحقيقه.

‌وقد تم تحقيق هذا الكتاب وفق المنهج الآتي:

1 -

قابلنا النُّسخ الخطيَّة للكتاب بالمطبوع منه، حيث قابلنا به أربعَ نُسخ خطيَّة بتمامها، وهي نسخة دار الكتب المصريَّة (ك)، والنسخة المحمودية (م)، ونسخة مكتبة أحمد تيمور باشا (ر)، والنسخة الهندية (هـ)، وهي نُسخٌ جيِّدةٌ كاملة.

ونسخة خامسة اقتصرنا على مقابلة قسم منها، وهي نسخة مكتبة القدس (ق)، ولم تُتابع المقابلة فيها، لكنَّنا كنا نرجع إليها عندما يعترضُنا مُشكلٌ ما؛ سواءٌ في المتن أو الإسناد، وأفدنا منها بتصحيحات ليست في غيرها، وكذلك الأمر بالنسبة لنسخة مكتبة بلديَّة الإسكندريَّة (يه) التي وصلتنا آخرًا، فقد قابلناها بالجزء الأول من

ص: 77

الكتاب، ثم توقفنا عن ذلك؛ لأنَّنا لم نجد فيها الجديد، وإِنَّما هو مجرَّدُ إثبات فروق نُسخ مماثلة غالبًا لما وقع في النسخ الأخرى، وبخاصة النسخة (ك)

(1)

.

2 -

كيفية إثبات فروق النسخ الخطية:

عند اختلاف النسخ الخطيَّة في خطأ أوصواب، فإنَّنا نُثبت الصَّوابَ من أي نسخة كانت، ولو كان ذلك الصواب نسخةً في هامشها

(2)

.

(1)

سيأتي وصف هذه النسخ الخطية لاحقًا.

(2)

والأمثلة على ذلك كثيرة:

- كما في حديث عائشة رضي الله عنها (570) قالت: أوْهَمَ عُمر، إِنَّما نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم [أنْ يُتَحَرَّى طلوع الشَّمس أو غُروبها. (570 م): أخبرنا عَمْرُو بنُ علي قال: حدَّثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا هشامٌ قال: أخبرني أبي قال: أخبرني ابن عُمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال: "لا تَتَحَرَّوْا بصلاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ ولا غُرُوبَها، فإنها تَطْلُعُ بين قَرْنَيْ شيطان". فما وقع بين حاصرتين استدرك من هامش نسخة دار الكتب المصرية (ك)، وسقط من سائر النسخ الخطيَّة، وهو ثابت في "السنن الكبرى"(1559) و (1563) والمصادر.

- وكما في حديث أنس رضي الله عنه (802) قال: دخل علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقال:"قُومُوا فَلِأُصلِّي بكم" .... ، وترجم النسائي للحديث بقوله: إذا كانوا رجلين وامرأتين (يعني موقف الإمام في هذه الحالة).

فقد وقع في النسخ الخطيَّة عدا (ق): وما هو إلا أنا وأمَّي واليتيم وأمُّ حَرَام خالتي

إلخ، بزيادة قوله: واليتيم .. وهو خطأ، وجاء السياق على الصواب في النسخة (ق)، وهو موافق لما في "السنن الكبرى" للمصنف (879) والمصادر.

- وكما في الحديث (974): أخبرني يحيى بن دُرُست قال: حدثنا أبو إسماعيل القناد قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير

الخ. هذا السياق أثبتناه من النسخة (ق)، وهو كذلك في في "السنن الكبرى"(1048)، ووقع في النسخ الأخرى والمطبوع زيادة "خالد" بين أبي إسماعيل القناد ويحيى بن أبي كثير، وزاده عبد الصمد محقق "تحفة الأشراف"(12108)، وهو خطأ. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "النُّكت الظِّراف" "بهامش التَّحفة" أنَّ هذه الزّيادة وقعت في رواية ابن السُّنِّي. اهـ. قلت (القائل رضوان): النسخة (ق) من رواية ابن السُّنِّي أيضًا، وليس فيها ذكر "خالد" في الإسناد، والله أعلم.

- وكما في الحديث (2519) أخرجه عن عَمْرِو بن زرارة، عن القاسم بن مالك، عن الجعيد

إلخ. وقال بإثره: وحدثنيه زياد بن أيوب. اهـ. وجاء بعده الحديث (2520): أخبرنا أحمد بن سليمان =

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال: حدثنا أبو نُعيم

إلخ. وهو السياق الصحيح، وأثبتناه من النسخة (ك)، ووقع في النسخ الأخرى: وحدثنيه زياد بن أيوب وأحمد بن سليمان قالا: حدثنا أبو نعيم

وهو خطأ. ويوضِّحه الحديث في "السنن الكبرى"(2310) حيث قال بإثره: وحدثنيه زياد بن أيوب، عن القاسم. اهـ. يعني بهذا الحديث.

- وكما في الحديث (2946)، جاء في إسناده: الزُّبير بن عَرَبيّ، وهو الصواب، وتحرَّف في النسخ الخطيَّة إلى: بن عدي، وأثبتنا الصواب من نسخة وقعت فوق الكلمة في النسخة (م).

- وكما في الحديث (3020)، جاء في إسناده: عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس، عن الفضل بن عبّاس

، فقوله: عن ابن عباس، سقط من النسختين (ر) و (م)، وهو ثابت في غيرها، وهو كذلك في "السنن الكبرى" للنسائي (4042).

- وكما في الحديث (3021) وفيه: أخبرنا عمرو بن منصور .... وقع في النسختين (ك) و (هـ): محمد بن منصور، وهو خطأ، وأثبتنا الصواب من النسخ الأخرى، وهو كذلك في "السنن الكبرى"(4044).

- وكما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (3032) قال: أنا ممَّن قَدَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ المُزدلفة في ضَعَفَةِ أهله. تُرجم له في النسخة (م) وهامشي النسختين (ك) و (هـ): تقديم النساء والصبيان إلى منى من مزدلفة. وهو ما أثبتناه، وتُرجم له في النسختين (ك) و (هـ): تقديم النساء والصبيان إلى منازلهم بمزدلفة. وهو خطأ.

- وكما في الحديث (3560) عن عمرو بن منصور، عن سهل بن محمد أبي سعيد - ثَبْتٌ - عن يحيى بن زكريا

إلخ، فقوله: ثَبت، أثبتناه من النسخة (م)، وتحرّف في النسخ الأخرى إلى: نُبِّئْتُ، والظاهر أنَّ هذا التحريف وقع في نسخة المزِّي رحمه الله، فقد جاء في "تحفة الأشراف" (10493) أيضًا: نُبِّئتُ، وسَرَى هذا الوهم إلى "تهذيب الكمال"، فجاء في ترجمة سهل بن محمد أبي سعيد أنَّ روايته عند النسائي عن رجل عن يحيى بن زكريا، وإنَّما يروي سَهْل بن محمد أبو سعيد عن يحيى بن زكريا مباشرة دون واسطة، والحديثُ في "سنن أبي داود"(2283).

- وكما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (3600) قال: أصابَ عُمر أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فيها، فقال: إني أصبتُ أرضًا بخيبر

الحديث، فقوله: بخيبر (الثانية) أثبتناه من النسخة (م)، وهو كذلك في "السنن الكبرى"(6394) للمصنِّف، وتحرَّف في النُّسخ الأخرى إلى:"كثيرًا"، والرَّسمان متشابهان، والله أعلم.=

ص: 79

وكذلك أثبتنا من النسخ الخطيَّة ما جاء مُصَرَّحًا به في بعض المصادر أنه لفظ أحد الرواة

(1)

.

أمَّا إذا اتفقت النسخ الخطيَّة على لفظ وخالفت فيه المصادر؛ فإن كان رواية "السنن الكبرى" على الصواب فإننا نثبته منها

(2)

.

= - وكما في الحديث (3604)، وهو من طريق سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عُمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: جاء عُمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ مالًا

الحديث.

وقع في النسخ الخطيَّة: (ك) و (هـ) و (يه): عن ابن عمر، عن عمر

بزيادة قوله: عن عمر. وهو خطأ، وجاء على الصواب في النسخ:(ر) و (م) و (ق).

- وكما في الحديث (5707)، وهو من طريق أبي خَيْثَمَة، حدثنا عبد الصّمد، حدثنا أبي، عن محمد بن جُحادة

إلخ، أثبتنا قوله: حدثنا أبي، من النسخة (ق)، وهو كذلك في "السنن الكبرى"(5197)، وسقط من سائر النسخ الخطية

(1)

كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه (1174) في التشهد، روايته فيه:"وأشهد أن محمدًا رسول الله"، أثبتناه من النسخة (م) وهامشي النسختين (ر) و (ك)، وهو لفظ حديث ابن عباس، وكذلك هو في "السنن الكبرى"(764)، ووقع في النسخ الأخرى:"وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".

- وكما في الحديث (2463)، وهو عن هارون بن عبد الله، عن رَوْح، عن زكريا بن إسحاق، عن عَمْرِو بن أبي سفيان، عن مسلم بن شعبة

إلخ. فقوله: مسلم بن شعبة، مثبت من النسختين (ق) و (ك)، وهو الصواب في رواية رَوْح هذه، ووقع في النسخ الأخرى: مسلم بن ثَفِنَة، وهو خطأ، فإنَّ وكيعًا هو الذي كان يُسَمِّيه ثَفِنَة، وجاءت روايته قَبْلَ رواية رَوْح المذكورة، فأثبتنا من النسخ الخطية ما يتوافق وصاحب الرِّواية.

- وكما في الحديث (2581) وهو من طريق هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حوله

الحديث، وفيه: ورُئينا أنَّه يُنَزَّلُ عليه

إلخ؛ أثبتنا لفظ: "ورئينا" من النسختين (ر) و (ك) وهي رواية هلال بن أبي ميمونة كما ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 11/ 246، ووقع في النسخ الأخرى: ورأينا.

(2)

كما في الحديث (14)، وهو من طريق جعفر بن سليمان، عن أبي عِمْرَانَ الجَوْني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار

الحديث. أثبتنا لفظه من "السنن الكبرى" للمصنف (15)، وهو الصواب في رواية جعفر بن سليمان هذه، ووقع في النسخ =

ص: 80

أما إن كانت رواية "السنن الكبرى" خطأً أيضًا فإننا نُثبت النصَّ كما هو

(1)

، وبخاصة إذا كان الخطأ قديمًا، وذكره المِزِّيُّ في "التَّحفة"، أو نقله عن أبي القاسم بن عساكر

(2)

.

3 -

لم نذكر فروق النسخ الخطيَّة في صيغ تحمل الرُّواة، فلم نذكر ما وقع فيها من فرق بين "أنا" اختصار "أخبرنا" وبين "نا" و "ثنا" اختصار "حدَّثنا"، فكثيرٌ من الأئمة على عدم الفرق بينهما، ولا سيما إمام الأئمة البخاري رحمه الله، لكن إن اجتمعت النسخ الخطيَّة على صيغة معيَّنة فإنَّنا نُثبتها عندئذ، وكذلك أثبتنا ما وقع فيها من فرق بين العنعنة الإخبار أو التحديث، لكنها قليلة جدًّا.

وكذلك لم تُثبت فروقَ النسخ في كلمة "باب" التي تأتي أوائل التراجم، والتزمنا فيها ما وقع في النسخة المحمودية (م) وقد وردت فيها غالبًا.

4 -

تابعنا ترقيمَ الأحاديث الذي وضعه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، وما وقع لنا من أحاديثَ زائدة على الكتاب فقد أضفنا إلى رقمه الحرف (م) علامةً على

= الخطية بلفظ: وَقَتَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظفار

إلخ، يعني بصيغة المبني للمعلوم، وهو خطأ.

- وكما في الحديث (4002)، وهو من طريق سعيد بن جبير قال: أمرني عبد الرحمن بنُ أبْزَى أن أسأل ابن عبّاس

الحديث. وقع في النسخ الخطيَّة: أمرني عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو خطأ، وقد جاء على الصواب في مكرَّره (4863)، و "السنن الكبرى"(3451).

(1)

سلف ذكر أمثلة على وجود خطأ في النسخ الخطيَّة وفي "السنن الكبرى" في فقرة "خامسًا" من الملاحظات ص 73.

(2)

كما في الحديث (5116) عن أبي عُبيدة بن أبي السَّفَر، عن عبد الصمد بن عبد الوارث

إلخ. فقوله عن أبي عُبيدة بن أبي السَّفَر، كذا وقع في النسخ الخطيّة و "السنن الكبرى"(9347)، و "تحفة الأشراف"(17592)، وفيه نظر، وقد نقلَ المِزِّيّ في "التَّحفة" عن أبي القاسم بن عساكر قوله: كذا في كتابي، وأظنُّه أبا عبيدة عبد الوارث بن عبد الصمد

إلخ. ينظر التعليق عليه.

ص: 81

تكرار الرَّقْم لا على تكرار الحديث، وكذلك تابعنا تجزئة طبعته، وكانت الأجزاء: الأول والثاني والخامس والسادس، من تحقيق محمد رضوان عرقسوسي، والأجزاء: الثالث والرابع والسابع والثامن، من تحقيق محمد أنس الخن، وساعد في تحقيقه: محمد معتز كريم الدِّين وعمَّار ريحاوي وكامل الخراط.

5 -

قمنا بضبط المُتون، وترقيمها وتفصيلها، وتخريج ما جاء فيها من آيات خلال المتن.

6 -

اقتصرنا على تخريج الأحاديث من "مسند" الإمام أحمد و "الصحيحين" و "سنن" أبي داود و "سنن" الترمذي و "سنن" ابن ماجه و "صحيح" ابن حبان؛ ما لم تَدْعُ حاجة إلى تفصيل فيه؛ من ذكر عِلَّةٍ أو غير ذلك، فإنَّنا عندئذ نستكمل البحث فيه من مصادر أخرى، وزدنا في مصادر التخريج أيضًا "موطَأ" الإمام مالك و "مصنف" عبد الرَّزَّاق إن كان أحدهما من رجال الإسناد.

7 -

علقنا على الأحاديث بما يُناسبها، والأصل في ذلك الحُكْمُ على إسناد الحديث وتعيين رجاله، أو أنَّنا نحكم على المتن، ونتكلم على رجال الإسناد، إن كان ثمَّة كلامٌ فيه أو في رجاله، وننقل ما وقفنا عليه من أقوال الأئمة فيه، ونحيل الكلام أحيانًا على "مسند" الإمام أحمد (طبعة الرسالة) إن كان الحديث ثمة.

8 -

نقلنا غالب شرح الغريب من حاشية السِّندي على الكتاب، واكتفينا منه بما هو ضروري، ونقلنا أيضًا من المصادر وكتب الشروح ما احتجنا إليه من ذكر عِلَّةٍ، أو شرح غريب لم يذكره السندي، وغير ذلك.

وبعد:

فإِنَّنا نتقدَّمُ إلى أهل الحديث والمشتغلين به وطَلَبة العلم بهذا العمل المتواضع الذي بذلنا فيه الوُسع، ولا ندَّعي أنَّنا وفينا الكتاب حقَّه، حسبنا أنَّنا لم نألُ جهدًا في

ص: 82

خدمته والقيام بواجبه، فما كان فيه من صواب فهو من فضل الله تعالى وكَرَمِهِ ومَنِّه، وما كان فيه من غير ذلك؛ فبسبب تقصيرنا وقِلَّةِ بضاعتنا، ورَحِمَ الله امرءاً أهْدَى إلينا عيوبنا.

وفي الختام؛ فإنَّنا نتقدم بالشُّكر الجزيل إلى الأستاذ الفاضل رضوان دعبول صاحب المؤسَّسَة الذي قدَّم لهذا الكتاب ما لزم لإنجازه على غرار ما قدَّم لإنجاز غيره، فجزاه الله خيرًا.

اللَّهُمَّ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أنتَ السَّميعُ العليم، وتُبْ علينا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحيم، واغْفِرْ لنا ذُنوبَنَا أجمعين.

اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ حَمْدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه، ولكَ الحَمْدُ كما ينبغي لِجَلالِ وَجْهِكَ ولِعَظيمِ سُلْطانِك، سُبحانكَ لا نُحْصِي ثَناءً عليك، أنتَ كما أثْنَيْتَ على نَفْسِك.

ص: 83

‌الكلام على النُّسخ الخطيَّة

قبل البدء بوصف النُّسخ الخطيَّة المعتمدة في تحقيق هذا الكتاب "المُجتبى"؛ أتوقَّف قليلًا للكلام على نسخة خطيَّة له نُشرت مؤخَّرًا؛ هي من مقتنيات مكتبة بلديَّة الإسكندريَّة، وذكرَ ناشرُها أنها من رواية أبي الحسن ابن حيويه عن الإمام النَّسائيّ؛ مستدلًّا على ذلك بدلائلَ لا تصحُّ، وإنما هي من رواية أبي بكر ابن السُّنِّيّ عن الإمام النَّسائيّ.

وهذه النُّسخة مشابهة لنسخة دار الكتب المصريَّة التي اعتمدناها في تحقيق هذا الكتاب، وهي من رواية أبي بكر ابن السُّنِّيّ، وسيأتي الكلام عليها في وصف النُّسخ الخطيَّة.

وهاتان النُّسختان مرويَّتان عن المحدِّث عبد الله بن سالم البصريّ؛ بالإسناد نفسه إلى أبي بكر ابن السُّنِّيّ عن الإمام النَّسائيّ، كما هو ظاهر على ورقتَيْ غلافَيْهما، ونُقل في حواشيهما من خطِّه تعليقاتٌ كثيرة؛ هي نفسُها في النُّسختَيْن

(1)

، وتختتم التعليقات أحيانًا بعبارة:"بخطّ شيخنا". يعني الشيخ المحدِّث عبد الله بن سالم البصريّ، رحمه الله.

وسأُبيِّن باختصار أنَّ نسخة مكتبة بلديَّة الإسكندريَّة هذه من رواية أبي بكر ابن السُّنّيّ عن النَّسائي، وليست من رواية أبي الحسن ابن حَيّويه.

‌أولًا: ذكر بعض التَّشابه بين نسختَيْ مكتبة بلديَّة الإسكندريَّة ودار الكتب المصريَّة:

يظهر لكلِّ من يطالعُ النُّسختَيْن أنهما ترجعان إلى أصول متماثلة، والأمثلُة على ذلك كثيرة:

فمن ذلك مثلًا ما جاء في الحديث (2275): أخبرنا محمد بن حاتم قال: حدَّثنا حبّان قال: حدَّثنا عبد الله، عن ابن عُيينة، عن أيوب

إلخ. جاء في هامشَيْ

(1)

بعضُ الحواشي في نسخة مكتبة الإسكندرية أو قِطَعٌ منها غيرُ ظاهر بسبب رطوبة أصابت النُّسخة، وبخاصة الواقعة في القسم السفليّ من صفحاتها.

ص: 84

النُّسختَيْن ما صورتُه: "كان في الأصل وغيره: عن ابن عُلَيَّة، صوابُه: ابن عُيينة، كما في الأطراف". اهـ. وتغيير لفظ: عُلَيَّة، إلى: عُيينة، ظاهر في النُّسختَيْن.

ووقعَ كذلك سقطٌ في الحديث (3101) هو نفسُه في النُّسختَيْن، وسيرد ذكرُه.

ووقعَ كذلك خطأ في الحديث (3814) هو نفسُه في النُّسختَيْن؛ جاء فيه: سعيد بن أيوب، وضُبِّبَ عليه فيهما، وصوابُه: سعيد بن أبي أيوب، وسيرد ذكرُه أيضًا.

إلى غير ذلك من الأمثلة

‌ثانيًا: الإيهام الذي وقع في نسبة نسخة مكتبة الإسكندرية لـ "المُجتبى" إلى أبي الحسن ابن حَيّويه:

جاء في بداية هذه النُّسخة كلامٌ مقطوعُ السِّياق، يُوهم أنَّها من رواية الإمام أبي طاهر السِّلَفِيّ بإسناده إلى أبي الحسن ابن حَيّويه، عن النَّسائيّ، مع أنَّ إسنادَها إلى أبي بكر ابن السُّنِّيّ جاء صريحًا على ورقة الغلاف.

فقد جاء فيها ما صورتُه:

"بسم الله الرّحمن الرَّحيم، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم، أخبرنا الإمام أبو عبد الرَّحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر النَّسائيّ بمصر. قال الحافظ أبو طاهر السِّلَفيّ المذكور: وأجازَه لي الحافظ المبارك ين عبد الجبَّار بن أحمد الصَّيرفيّ بغداد ومرشد بنُ يحيى المدنيّ بمصر بكماله، كما أجازَه لهما عليّ ابن منبر الخلَّال، عن محمد بن عبد الله بن زكريَّا بن حَيّويه النَّيسابوريّ، وهذه الرِّواية أتمُّ الرِّوايات، عن المؤلِّف الإمام أبي عبد الرَّحمن أحمدَ بنِ شعيبٍ النَّسائيّ قال: أخبرنا قُتيبة بن سعيد

". فذكره.

فقولُه: "قال الحافظ أبو طاهر السِّلَفِيّ المذكور: وأجازَه لي الحافظ المبارك

" إلى آخر ما تحته خطّ، كلام مقطوع، وسياقُه يقتضي أن يسبقه كلامٌ فيه ذِكرُ أبي طاهر السِّلَفِيّ وذِكرُ إسنادِه بالكتاب؛ ليصحَّ عطفُ قولِه عليه: وأجازَه لي الحافظ المبارك

ص: 85

إلخ. فأقحمَ الناسخُ في الكلام إجازةَ أبي طاهر السِّلَفِيّ بالكتاب إلى أبي الحسن ابن حَيّويه، واقتصرَ عليها في بداية النُّسخة، فأوهمَ أنَّها من روايته.

‌ثالثًا: ما استدلَّ به ناشرُ نسخة مكتبة الإسكندريَّة على أنها من رواية ابن حَيّويه ليس بدليل:

1 -

ذكرَ ناشر نسخة مكتبة الإسكندريَّة أنَّ الإمام السِّنديّ قرأ هذه النُّسخة، وأشارَ إلى خلافٍ وقعَ بينها وبين رواية ابن السُّنّيّ.

والواقع أن الإمام السِّنديّ رحمه الله لم يذكر خلافًا، وإنما وقفَ على خطأ في الحديث (3101)، فنبَّه عليه وقال:"هاهنا نُسخ مخالفة لما هنا فتنبَّه". اهـ. وهذا الخطأ هو عبارة عن سَقْطٍ وقعَ فيها.

ووقعَ هذا السَّقْطُ أيضًا في نسخة دار الكتب المصريَّة التي تماثلُها كثيرًا كما سلف ذكرُه، والتي هي من رواية ابن السُّنِّيّ، وقد استُدرك هذا السَّقْطُ في النُّسخ المطبوعة، فهذا من أخطاء النُّسَّاخ، وليس اختلافًا بين الرِّوايات، وينظر السِّياق التامّ للكلام في موضعه من الكتاب.

2 -

وفي الحديث: (5453): حدَّثنا أبو حاتم السِّجستاني قال: حدَّثنا عبد الله بن رجاء قال: حدَّثني سعيد بن سَلَمة قال: حدَّثني عَمرو بن أبي عمرو مولى المطَّلب، عن عبد الله بن المطَّلب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا قال: "اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَن

". الحديث.

فذكر الحافظان المِزِّيّ وابنُ حَجَر في تهذيبَيْهما أنَّ هذه الرِّواية وقعت هكذا في رواية ابن حَيّويه (يعني بذكر عبد الله بن المطَّلب في الإسناد) وأنَّ في رواية ابن السُّنِّيّ: عَمرو، عن أنس، وهو أشبه بالصواب.

فقال ناشر نسخة مكتبة الإسكندريَّة: لم يُنتبه لهذا الوهم في نُسَخ رواية ابن السُّنِّيّ المطبوعة كافَّة بما فيها طبعتا شيخ شيوخنا العلَّامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة والشيخ الألباني رحمهما الله

إلى آخر كلامه.

ص: 86

وأقول: لم يُذكر "عبد الله بن المطَّلب" في أصل نسخة مكتبة الإسكندريَّة، وقد استُدرك في هامشها، وكذلك لم يُذكر في نسخة دار الكتب المصريَّة ونسخة المكتبة المحموديَّة (سيأتي ذكرها في وصف النُّسخ)، واستُدرك في هامشَيهما أيضًا، وكلتا النُّسختَيْن من رواية أبي بكر ابن السُّنِّيّ، ولا بدَّ من استدراكه في إسناد الحديث - وإن كان المحفوظ إسقاطه منه - لأنَّ الحديث من رواية سعيد بن سَلَمة، بن وهو ابنُ أبي الحُسام، وهو الذي زادَ عبدَ الله بنَ المطَّلب في إسناده، وقد رواه غيرُ سعيد فقال: عَمرو بن أبي عمرو عن أنس، لم يذكر بينهما أحدًا، وقد أخرجَه الإمام النَّسائيّ من طريق سعيد هذا ليُبَيِّنَ علَّته، فقال بإثر الحديث: سعيد بن سَلَمة شيخٌ ضعيف، وإنما أخرجناه للزِّيادة في الحديث.

‌رابعًا: وهمُ الناشر في تعيين الحافظ عبد الغنيّ بأنه ابنُ سعيد المصريّ صاحب ابن حَيّويه:

ذكرَ الناشر أنَّ النُّسخة مقابلةٌ على نسخة الحافظ عبد الغنيّ بن سعيد المصريّ (وهو الأزديّ) صاحب ابن حَيّويه، ووهمَ في ذلك، وإنما هو الحافظ عبد الغنيّ بن عبد الواحد المقدسيّ، صاحب كتاب "الكمال في أسماء الرِّجال" الذي هذَّبه الحافظ المزّيّ.

وقد جاء في هوامش نسخة مكتبة الإسكندريَّة بخطّ ابن الطَّيِّب الفاسيّ بعض الفروق في الألفاظ بينها وبين نسخة الحافظ عبد الغنيّ المقدسيّ لـ "المُجتبى"، وجاء فيها أيضًا زيادات من نسخة الحافظ المقدسيّ عليها، ومن الممكن التأكُّد أن هذه الفروق والزِّيادات جاءت في نسخة الحافظ المقدسيّ بمقارنتها بنسخة المكتبة المحموديَّة، فهي منقولة عن أصل منقول عن نسخة الحافظ المقدسيّ، رحمه الله، كما سيأتي في وصفها.

فمن ذلك مثلًا حديث ابن مسعود رضي الله عنه (943) مرفوعًا: "بئسما لأحدهم أن يقول نسيتُ آيةَ كَيت وكَيت

"؛ جاء في الهامش بخطّ ابن الطَّيِّب الفاسيّ تعليق على لفظ "بئسما" نصُّه: "هو الصَّواب الذي في أصل الحافظ عبد الغني بخطّه، وفي بعض الأصول بدله: ليس". اهـ. ولفظ "بئسما" هو لفظ رواية النُّسخة المحموديَّة التي تعودُ إلى نسخة الحافظ عبد الغنيّ المقدسيّ.

ص: 87

وجاء في هوامشها أيضًا زيادات؛ كتب ابنُ الطَّيِّب الفاسيّ بإثرها أنها في أصل الحافظ عبد الغنيّ بخطِّه. وقد جاءت هذه الزِّيادات نفسُها في النُّسخة المحموديَّة، وأوردناها في هذ الكتاب ينظر مثلًا الحديثان (667) و (682 م)، وينظر التعليق على الحديث (654).

‌خامسًا: ذكر بعض الدَّلائل التي تُبَيِّنُ بجَلَاء أَنَّ نسخة مكتبة الإسكندريَّة من رواية أبي بكر ابن السُّنِّيّ، وليست من رواية أبي الحَسن ابن حَيّويه:

1 -

جاء في إسناد الحديث (2315):

حدَّثنا عبد الله بن سَوَادة القُشيريّ، عن أبيه، عن أنس بن مالك رجلٍ منهم

الحديث، في وضع الصَّوم وشطر الصَّلاة عن المسافر.

فذكرَ المِزِّيّ في "تحفة الأشراف"(1732) أنَّ في رواية ابن السُّنِّيّ: عن عبد الله ابن سَوَادة القُشيريّ، عن أبي أميَّة، به، وأنَّ في رواية غيره: عن عبد الله بن سَوَادة القُشيريّ، عن أبيه، عن أنس بن مالك رجل منهم. اهـ

وفي كلام المِزِّيّ هذا نظر، فالنُّسخ الخطيَّة التي هي من رواية ابن السُّنّيّ جاء فيها:"عن أبيه"، وقد عُلِّق على هذا الكلام في هامشي نسخة مكتبة الإسكندريَّة ونسخة دار الكتب المصريَّة من كلام الشيخ المحدِّث عبد الله بن سالم البصريّ: أنَّ روايةَ ابن السُّنِّيّ مثلُ غيرها من الرِّوايات: "عن أبيه"، ثم قال الشيخ المحدِّث عبد الله: "فما أدري هل هذا سبقُ قلم حتى انعكست العبارة، أو النُّسخة التي نقلَ منها الحافظ المِزِّيّ كذلك؟ وإِلَّا فالنُّسخ التي بأيدي الناس المعزوَّة

(1)

إلى ابن السُّنِّيّ كما في هذا الأصل، والله أعلم". انتهى كلامه.

فانظر إلى قوله: "فالنُّسخ التي بأيدي الناس المعزوَّة إلى ابن السُّنِّيّ كما في هذا الأصل" هو نصٌّ صريح على أنَّ نسخة مكتبة الإسكندريَّة هذه من رواية ابن السُّنِّيّ.

(1)

هذا لفظ نسخة دار الكتب المصريَّة، وفي نسخة مكتبة الإسكندريَّة بدله:"المعروفة".

ص: 88

2 -

وفي الحديث (4150): عن عيسى بن حمَّاد، عن اللَّيث، عن يحيى بن سعيد، عن عُبادة بن الوليد بن عُبادة بن الصَّامت، عن أبيه، أنَّ عُبادة بن الصَّامت قال: بايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

الحديث. استُدرك قولُه: "عن أبيه" في هامشَي نسخة مكتبة الإسكندريَّة ونسخة دار الكتب المصريَّة، وجاء في هامشَيْهما من خطّ الشيخ المحدِّث عبد الله بن سالم البصريّ ما صورتُه:"قال في الأطراف: وليس في رواية ابن السُّنِّيّ في هذا الحديث - أي حديث عيسى بن حمَّاد - عن أبيه، وهو في رواية أبي الحَسن ابن حَيّويه".

كذلك الأمر في الحديث (3814): عن يوسف بن سعيد، عن حجَّاج، عن ابن جُريج، عن سعيد بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب .... إلخ. جاء في هامش النُّسخة:"صوابُه: سعيد بن أبي أيوب كما هو عند ابن حَيّويه بخطّ شيخنا على نسخته".

والسؤال الذي يُطرحُ هنا: هل يُنَبَّهُ على لفظ رواية ابن حَيّويه في هامش نسخة في من رواية ابن حَيّويه كما زُعم؟!.

3 -

جاء بإثر الحديث (5039) قوله: "قال القاضي

". إلخ. والقاضي هو أبو نصر أحمد بن الحُسين الكسَّار راوي "المُجتبى" عن أبي بكر ابن السُّنِّيّ، عن الإمام النَّسائيّ.

4 -

وأخيرًا؛ فقد جاء ذِكْرُ ابن السُّنِّيّ صريحًا في الأحاديث: (134) و (1541) و (5225) و (5540) كما جاء في النُّسخ الأخرى التي هي من روايته

(1)

.

وهذه الأدلة كافية للجزم بأنَّ نسخة مكتبة بلديَّة الإسكندريَّة هذه من رواية ابن السُّنِّيّ.

(1)

ويضاف إلى ما ذُكر أنَّ أحاديث هذه النسخة رُقمت على أرقام أحاديث طبعة الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة، وهي من رواية ابن السُّنِّي، وتطابقُ أرقامهما والتوافُق في ترتيب أحاديثهما وأبوابهما دليل على أنهما من الرِّواية نفسها.

ص: 89

‌وصف النُّسخ الخطيَّة المعتمدة في تحقيق هذا الكتاب

توافرَ لنا عدد من النُّسخ الخطيَّة، واخترنا منها أربعَ نُسخ كاملة جيدة كافية لتحقيق الكتاب، وهي نسخة دار الكتب المصريَّة (ك)، ونسخة المكتبة المحموديَّة (م)، ونسخة أخرى من دار الكتب المصرية (تعود إلى مكتبة أحمد تيمور باشا)(ر)، ونسخة هنديَّة (هـ)، إضافة إلى نسخة مكتبة القدس (ق) التي اقتصرنا على مقابلة قسم منها، وكذلك الأمر بالنسبة لنسخة مكتبة بلديَّة الإسكندريَّة (يه) التي صدرت مؤخَّرًا، وسلف الكلام عليها؛ اقتصرنا فيها على مقابلة الجزء الأول من الكتاب؛ لأنها مشابهة لنسخة دار الكتب المصرية، لكنَّنا رجعنا إلى هاتين النُّسختين (ق) و (يه) عند وقوع إشكال.

‌أولًا: نسخة دار الكتب المصريَّة، ورمزنا لها بالحرف (ك):

وهي نسخة نفيسة كاملة تبتدئ بأوَّل الكتاب، باب تأويل قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ

} وتنتهي بكتاب الأشربة، وهي برقم (244) حديث، مؤلفة من (422) لوحة في كل لوحة صفحتان.

وهي مكتوبة بخطّ نَسْخ جيِّد، ومضبوط بالشكل أحيانًا؛ ولا سيّما المُشْكِل من الألفاظ وأسماء الرُّواة.

وهي مقابلة بنُسخ أخرى، كما يظهر من الفروق التي في هوامشها، وجاء فيها أيضًا شرحُ غريبٍ وتراجمُ أحيانًا وتعليقاتٌ نفيسة منقولة من خطّ الشيخ المحدِّث عبد الله بن سالم البصريّ؛ هي بمثابة تحقيق للكتاب، ممَّا يُكسِبُها أهميَّة كبيرة، وتصلح أن تكون هذه النُّسخة وحدها أصلًا للتحقيق.

وصاحب هذه النُّسخة هو الشيخ أبو الفضل محمد تاج الدِّين بن عبد المحسن القلعيّ، وإسنادُه فيها إلى الإمام النَّسائيّ مسلسل بالأئمَّة الأعلام، فقد ذكر

(1)

أنه أخذ كتاب السُّنن هذا المسمَّى بـ "المُجتبى" للإمام أبي عبد الرَّحمن النَّسائيّ عن عدَّة مشايخَ جلَّة، وقال: فمن أجلِّهم - وهو مَنْ سمعتُ منه الصحيحَيْنِ والسُّننَ الأربعة

(1)

كما جاء في صفحة إسناد النُّسخة.

ص: 90

من أوَّلها إلى آخرها - شيخُ الإسلام ببلد الله الحرام مولانا الشيخ عبدُ الله بنُ سالم البصريّ، وهو عن جمال الإسلام ملكِ العلماء الأعلام، بقيَّةِ المُسْنِدين، ناشرِ ألوية سُنَّة سيِّد المرسلين مولانا شمس الدِّين وشهاب الدِّين أبو (كذا) عبد الله محمد بن علاء الدِّين البابليّ القاهريّ الشافعيّ، وذلك بالمسجد الحرام - أدامَ الله شرفَه لأهل الإسلام - سنة سبعين وألف من الهجرة؛ عامَ مجاورته بمكة، وذلك بقراءة شيخنا وأستاذنا وبركتنا شيخ الإسلام، قدوة المعتبرين الفخام، ذي التحرير والتحقيق والتنقيح والتدقيق مولانا الشيخ عيسى بن محمد بن محمد بن أحمد الجعفريّ المغربيّ المكّيّ المالكيّ؛ قراءةً جميعًا عليه وأخذه شيخنا البابليّ عن الشِّهاب أحمد بن خليل السُّبكيّ وأبي النَّجا سالم بن محمد، عن النَّجم محمد أحمد، عن شيخ بن الإسلام زكريَّا، سماعًا لبعضه وإجازةً لسائره، بقراءته لجميعه على الزَّين رضوان بن محمد، عن البرهان إبراهيم بن أحمد التَّنوخيّ مشافهة بسماعه على أبي العباس أحمد ابن أبي طالب الحجَّار، بإجازته من أبي طالب عبد اللَّطيف بن محمد بن علي القُبَّيْطيّ، بسماعه لجميعه على أبي زُرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسيّ، عن أبي محمد عبد الرَّحمن بن حَمْد الدُّونيّ سماعًا قال: أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحُسين الكَسَّار قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق ابن السُّنِّيّ الدِّينَوَريّ الحافظ قال: أخبرنا مؤلِّفُه الحافظ أبو عبد الرَّحمن أحمد بن شعيب بن عليّ النَّسائيّ رحمه الله

فذكره. ثم ذكر أوَّلَ حديث رُباعيّ في هذا الكتاب، وهو الآتي برقم (6).

وجاء أيضًا في الورقة الأولى وقف باسم أحمد عبد السلام المغربيّ.

وجاء في هامش الورقة أيضًا أن عبد المنعم - وهو ابنُ صاحب الكتاب أبي الفضل محمد تاج الدِّين - قرأ الكتاب على أبيه سنة (1133)، وجاء في الهامش أيضًا أنَّ أبا الفضل سمع الكتاب أيضًا بالمسجد الحرام سنة (1137) بعد ختم سنن الإمام أبي داود.

وجاء في آخر النُّسخة ما صورتُه: آخر كتاب الأشربة، وهو آخرُ الكتاب الذي نسخت منه، والحمد لله أوَّلًا وآخرًا، وكان الفراغ من كتابة هذه النُّسخة المباركة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعة المبارك ثاني يوم من ذي الحِجَّة بمكة - شرَّفها الله

ص: 91

تعالى - تجاه الكعبة الغَرَّاء، على يد أفقر العباد وأحوجهم إلى سيِّده العظيم الكريم الجَوَاد أحمد بن محمد النجاحيّ المصريّ، كان الله له حيث كان، ولمن طالعَ ودعا له بخير وإحسان، ولمالكها، ولمن وجدَ عيبًا وستره، يتغمَّدُه الله برحمته والرِّضوان ويُسكنُه فسيح الجنان، إنه كريم منَّان، وهو حسبُنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم، ورضيَ الله تعالى عن أصحاب رسول الله أجمعين، وحشرَنا في زمرتهم ووالدينا ووالد (كذا) والدينا، ومشايخنا ومشايخ مشايخنا، وسائر المسلمين أجمعين، يا ربَّ العالمين، والحمد لله وحدَه، وصلَّى الله على من لا نبيَّ بعده، تحريرًا سنة (1124).

وجاء في أسفل الورقة أيضًا ما صورتُه: بلغ مقابلة على أصله أصل شيخنا والحمد لله، ثم بلغ قراءة عليَّ في مجالسَ ثمانيةَ عشرَ، آخرُها رابعُ رجب الفرد أحد شهور سنة (1133) ثلاث وثلاثين ومئة وألف، أحسنَ الله ختامها، وذلك بقراءة ابني عبد المنعم، وحضور إخوانه - وهم: عبد المحسن وعلي وخير الدين، أنشأ الله الجميعَ إنشاءً صالحًا - وحضورِ جماعة من الفضلاء، نفعَ الله الجميع وإيَّانا بذلك، وقد أجزتُ بذلك وبجميع مرويَّاتي لهم ولأبنائهم ولأخيهم محمد، وفَّقنا الله وإيَّاهم للعمل بذلك كلِّه. قاله بفمه ونمَّقه بقلمه الفقيرُ محمد تاج الدِّين بن عبد المحسن القلعيّ، لطفَ الله به والمسلمين، وذلك بداري الشهيرة بقاعة الشفا. ثم بلغ قراءة بالمسجد الحرام في مجالسَ غايتُها آخر جمادى الأولى من شهور سنة (1137)، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم. الفقير إليه تعالى محمد تاج الدِّين بن عبد المحسن الشهير بالقلعيّ.

‌ثانيًا: النُّسخة المحموديَّة، ورمزنا لها بالحرف (م):

هي من مقتنيات المكتبة المحموديَّة والتي انتقلت إلى مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنوَّرة.

وهي نسخة جيِّدة مكتوبة بخطّ واضح قريب من خطّ النَّسْخ، وجاء في هامشها شرح الجلال السّيوطيّ الذي سَمَّاه "زَهْر الرُّبَى على المُجتبى".

وهي مقابلة بنُسخ أخرى كما يظهر من الفروق التي في هوامشها وفوق كلماتها.

ص: 92

وهي منسوخة سنة (1171) هـ عن أصل مكتوب سنة (821) هـ، وهذا الأصل مكتوب عن نسخة الحافظ عبد الغنيّ بن عبد الواحد المقدسيّ، رحمه الله، وكان قد فَرغ الحافظ من نسخها سنة (576) هـ.

وقد قُرئت هذه النُّسخة على الإمام العلَّامة محمد بن إسماعيل الأمير الصَّنعانيّ صاحب "توضيح الأفكار" و "سُبُل السَّلام" وغيرهما.

وهي نسخة كاملة متقنة، أفدنا منها تصحيحاتٍ كثيرة، وتبتدئ بأوَّل الكتاب، باب تأويل قول الله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ

}، وتنتهي بآخر كتاب الاستعاذة بحديث أمِّ سَلَمة رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لو كان إذا خرجَ من بيته قال:"بسم الله، ربِّ أعوذُ بك من أن أزِلَّ أو أضِلَّ، أو أظلم أو أُظلم، أو أَجهل أو يُجهل عليّ".

وقد اختلفت في ترتيب كتبها عن غيرها، فانتهت بكتاب الاستعاذة كما سلف ذكره، بينما انتهت نسخة دار الكتب المصريَّة الموصوفة قبلها بكتاب الأشربة، وجاء قبله فيها كتاب الاستعاذة.

وكذلك جاء في النُّسخة المحموديَّة هذه كتاب الصيام بعد كتاب الزكاة، وكتاب صلاة الخوف بعد كتاب قيام اللَّيل، وكتاب البيوع بعد كتاب الزِّينة، وكتاب الأشربة بعد كتاب البيوع، وكتاب البيعة بعد كتاب الأشربة، وكتاب عشرة النِّساء بعد كتاب النِّكاح

وهذا على سبيل المثال لا الحضر.

واختلف فيها أيضًا ترتيب بعض الأبواب والأحاديث عن غيرها في بعض المواضع

(1)

.

ووقع فيها زيادة أحاديث على غيرها، منها ما هو مكرَّر

(2)

.

(1)

ينظر مثلًا الحديث (633) في كتاب الأذان.

(2)

ينظر التعليق على الحديث (654) فقد ذكرنا فيه أربعة أحاديث من النُّسختين المحموديَّة والتّيموريَّة، وترجم لها بباب العذر في التخلُّف (يعني التخلف عن صلاة الجماعة)، وكان من الأولى إثبات هذه الأحاديث في متن الكتاب، لكن فاتنا ذلك، وأثبتنا ما جاء بعدها من أحاديث =

ص: 93

وليس في الأوراق المتوافرة من النُّسخة ذكرُ إسناد لها، لكنها من رواية أبي بكر ابن السُّنِّي عن الإمام النَّسائيّ كما جاء مصرَّحًا به في الحديثين (134) و (1541)، وهي متوافقة كثيرًا مع نسخة مكتبة أحمد تيمور باشا الآتي ذكرها، ولا سيَّما في ترتيبها وزيادة الأحاديث التي فيها، ونسخة مكتبة أحمد تيمور باشا من رواية ابن السُّنِّيّ كما سيأتي في وصفها.

وجاء في آخرها ما صورتُه: آخر الكتاب من المُجتبى للنَّسائيّ، والحمدُ لله وحدَه، وصلاتُه وسلامُه على سيِّدنا محمد وعلى آله وسائر النبيِّين، وآل كلٍّ وسائر الصالحين.

قال في الأمّ ما لفظُه: قال الشيخ الحافظ عبد الغنيّ المقدسيّ رحمه الله: فرغتُ منه في ذي الحِجَّة سنة ستّ وسبعين وخمس مئة بأصبهان.

وقد وقع الفراغُ من تحريره بعون الله تعالى وحُسن توفيقه في الخامس والعشرين من ذي القَعْدة الحرام لسنة إحدى وعشرين وثمان مئة.

وكان الفراغُ من تحصيل هذا الكتاب نهارَ الأحد لعله (كذا) ثالث شهر ذي القَعْدة الحرام أحد شهور سنة أحد وسبعين ومئة وألف من الهجرة النبويَّة، على صاحبها أفضل الصلوات والتَّسليم.

بعناية الوالد العلَّامة، القدوة الفهَّامة، عزِّ الإسلام والدِّين محمد بن إسماعيلَ الأمير، حفظه الله وحماه، وبلَّغه من خير الدَّارين ما يهواه، ووفَّقنا وإيَّاه، وختمَ بالحُسنى، وصلى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وسلَّم من يومنا هذا إلى يوم الدِّين، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم.

وجاء في هامشها بلاغ بخطّ عبد الله ابن الأمير الصَّنعاني صورتُه: بلغ إملاءً مع بعض الطَّلبة تاسعَ رمضان سنة (1214). كتبه عبد الله بن محمد الأمير.

وجاء في هامشها أيضًا بخط آخَرَ صورتُه: بلغ مقابلةً ولله الحمد بحسب الإمكان في مجالسَ عديدة، آخرُها ضحوة الخميس أوَّل يوم من شوَّال سنة (1213). كتبه

= زائدة في متن الكتاب، وينظر أيضًا الحديث (648 م)، والحديث (682 م)، وهو مكرَّر الحديث (582) بسنده ومتنه، وينظر أيضًا تتمَّة الحديث (667) من النُّسختين المذكورتين.

ص: 94

الفقير إلى الله أحمد بن عبد العزيز بن حَمْد، رحمه الله ووالدَيه، وجعلَه من العلماء العاملين.

‌ثالثًا: نسخة أخرى من دار الكتب المصريَّة - وتعود إلى مكتبة أحمد تيمور باشا، ورمزنا لها بالحرف (ر):

وهي برقم (122) مؤلفة من (358) لوحة في كل لوحة صفحتان، وهي مكتوبة بخط نَسْخ، وجاء في هوامشها وفوق كلماتها أحيانًا فروق نُسخ أخرى ممَّا يدلُّ على أنها مقابلة، غير أن رطوبة أصابتها جعلت من الصعوبة قراءة هوامشها.

وهي نسخة كاملة، تبتدئ كغيرها بأوَّل الكتاب، باب تأويل قول الله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ

} وتنتهي بآخر كتاب الاستعاذة، بحديث أمِّ سلمة السالف ذكره في وصف النُّسخة المحموديَّة قبلها.

وقد توافقت هذه النُّسخة كثيرًا مع النُّسخة المحموديَّة في ألفاظها والأحاديث التي زادت فيها على غيرها، وسلف ذكر بعض هذه الزِّيادات في وصف النُّسخة المحموديَّة.

وجاء على ورقة غلافها بعض تملُّكات، منها تملُّك لعليّ بن إبراهيم بن عليّ بن إبراهيم.

وكُتب في الورقة الأولى ما صورتُه: "بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (زاد في الهامش قوله: وهو حسبي وكفى) يقول الفقير إلى رحمة الله تعالى

بن راشد السكوني غفر الله له ولوالديه وللمسلمين: أخبرني الشيخ الفقيه الإمام العالم الورع الزاهد الشريف أبو الحسن علي بن محمد

بن أبي حديد الحسيني أحسن الله توفيقه بجميع سنن النَّسَائِي إجازة عن الشيخ الإمام المحدِّث برهان الدِّين أبي الفتوح نصر بن علي بن أبي الفَرَج الحُصْري الهَمْداني، بعضُه قراءةً وبعضُه إجازةً، عن الشيخ أبي زُرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسيّ، عن عبد الرَّحمن بن حَمْد الدُّونيّ، عن أبي نصر الكسَّار، عن أبي بكر [ابن] السُّنِّيّ الحافظ قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الرَّحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر النَّسائيّ

".

ص: 95

وجاء في أسفل الورقة الأخيرة منها بعد حديث أمِّ سلمة (في آخر كتاب الاستعاذة) ما صورتُه: آخر الكتاب

تمَّ الكتاب بمَنِّ الله العزيز الوهَّاب، وكان الفراغ منه وقت الظهر من يوم الاثنين لعله (كذا) سابع شهر شعبان المكرَّم سنة ستِّ مئة.

وجاء قبل ذلك كلام غير واضح لعَلَّ فيه اسمَ الناسخ.

‌رابعًا: النُّسخة الهنديَّة، ورمزنا لها بالحرف (هـ):

وهي مصوَّرة عن طبعة حجريَّة هنديَّة، وقد اعتمدناها مع الأصول السالف ذكرُها لأنها بمثابة نسخة خطيَّة للكتاب، فهي مأخوذة عن نسخة خطيَّة جيِّدة، وقُوبلت بالنُّسخ القديمة المعتمدة، وجاء في هوامشها فروق النُّسخ التي قُوبلت بها، واعتنى بها علماء الهند، وروايتُها من طريق أبي عليّ حسن بن أحمد الحدَّاد

(1)

، عن أبي نصر أحمد بن الحُسين الكسَّار، بينما روايات النُّسخ الأخرى من طريق أبي محمد عبد الرَّحمن بن حَمْد الدُّونيّ، عن أبي نصر الكسَّار، عن أبي بكر ابن السُّنِّي، عن الإمام النَّسائيّ.

وهي نسخة كاملة، عدد صفحاتها (837) صفحة، وابتدأت كغيرها بباب تأويل قوله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ

}، وانتهت بكتاب الأشربة بقول جرير: كان ابن شبرمة لا يشرب إلا الماء واللَّبن.

وجاء في هامشها شرح السّيوطيّ الذي سمَّاه "زَهْر الرُّبى على المُجتبى".

وهي كثيرة الشَّبَه في ترتيبها وروايتها بنسخة دار الكتب المصريَّة، وطبعة المكتبة التجارية الكبرى التي صوَّرها واعتنى بها الشيخ عبد الفتّاح أبو غدّة رحمه الله، وقد أفدنا منها بتصحيحات وتعليقات.

وتمتاز هذه الطبعة بأنَّ محدِّثي بلاد الهند وأئمَّتها الأعلام قرؤوها وأغْنَوْها بالتعليقات وشرح الغريب.

(1)

هو المُقرئ المحدِّث، شيخ أصبهان، له ترجمة في "سير أعلام النبلاء" 19/ 303.

ص: 96

وقد ذكر المهتمُّ بطباعتها عبد الرَّحمن بن الحاجّ محمد أنه اعتمد فيها على نسخة الحافظ محمد بن إسحاق الدّهلوي، والنُّسخة اليمنيَّة التي قرأ فيها القاضي الشَّوكانيّ، ونسخة محدِّث الهند ميرزا حسن عليّ اللَّكنوي، وغيرها من النُّسخ النفيسة، وقال: جعلتُ الأولى أمَّ الأمَّهات والباقية معروضةً عليها في المحو والإثبات

اهـ. ثم ذكرَ مَن صحَّحَها من المحدِّثين والحقَّاظ، فذكرَ أنه نظر فيها بعد ذلك المحدِّث أحمد عليّ السَّهارنفوري، والمحدِّث عبد القيُّوم ابن الشيخ عبد الحيّ الدّهلوي، والحافظ محمد بن الغفَّار اللَّكنوي وغيرُهم، ثم نظرَ فيها وصحَّح المحدِّثُ العلَّامة أبو الحسنات عبد الحيّ اللَّكنوي.

وجاء في أوَّلها إسناد النُّسخة من صاحبها محمد بن إسحاق الدّهلوي

إلى الفخر ابن البخاريّ، عن الشيخ أبي المكارم أحمد بن محمد اللَّبَّان، عن الشيخ أبي عليّ حسن بن أحمد الحدَّاد، عن القاضي أبي نصر أحمد بن الحُسين الكسَّار، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الدِّينَوَريّ المعروف بابن السُّنِّيّ قال: أخبرنا الحافظ أبو عبد الرَّحمن النَّسائيّ

وجاء في آخرها ما نصُّه: آخر كتاب الأشربة، وهو آخر كتاب المُجتبى من النَّسائيّ، والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد خاتمَ النبيِّين، وعلى آله الطيِّبين الطَّاهرين، ورضيَ الله عن كلِّ الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

ثم جاء فيها بخطّ عريض صورتُه: بحمد الله وحُسن توفيقه قد وقع الفراغُ من طبع هذه النُّسخة الشريفة المباركة المشهورة بسنن النَّسائيّ في المطبعة النظاميَّة الواقعة في الكانفور، سنة (1299) هـ.

‌خامسًا: نسخة مكتبة القدس، ورمزنا لها بالحرف (ق).

وهي نسخة قديمة، من رواية أبي بكر ابن السُّنِّي أيضًا عن الإمام النَّسائي عدد لوحاتها 253 لوحة، وفي كل لوحة صفحتان.

وهي مكتوبة في غالبها بخط نَسْخ واضح.

ص: 97

واختلف خطّ الناسخ في بعض المواضع منها، ولم يُذكر فيها اسم أيّ ناسخ.

وهي مكتوبة سنة (521) هـ حسب ما جاء على ورقة غلافها وآخر ورقة فيها، ووقع فيها سقط في بعض المواضع، وبعض صفحاتها غير واضحة.

وابتدأت النُّسخة كغيرها بأوَّل الكتاب، باب تأويل قول الله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ

}، واختتمت بكتاب الاستعاذة كبعض النُّسخ.

وقد اختلف فيها ترتيب بعض كتبها عن غيرها، فجاء فيها مثلًا كتاب البيوع بعد كتاب الفُرع والعتيرة، وجاء فيها كتاب المحاربة بعد كتاب الإيمان وشرائعه، وجاء فيها كتاب الزِّينة بعد كتاب القَسَامة

وغير ذلك.

وقد كنَّا بدأنا بمقابلة الكتاب، بها فقابلنا قسمًا منها، لكننا توقَّفنا عن مقابلتها بعد ذلك، واكتفَينا بالرجوع إليها عند وقوع إشكال، وقد أفدنا منها بتصحيح بعض الأخطاء، كما في الأحاديث (802) و (974) و (5707)، أثبتنا الصواب من هذه النُّسخة، وذكرتُ ذلك في الكلام على منهج التحقيق في فقرة "كيفيَّة إثبات النُّسخ الخطيَّة" ص 75 - 77.

وجاء في الورقة الأخيرة بعد حديث أمِّ سلمة (آخر كتاب الاستعاذة) ما نصُّه: آخر كتاب السُّنن

وقع الفراغ من انتساخه في المنتصف من شعبان سنة إحدى وعشرين وخمس مئة. اهـ.

والحمد لله ربِّ العالمين.

محمد رضوان عرقسوسي

دمشق 29/ 1/ 1439 الموافق لـ 9/ 10/ 2017

ص: 98

‌نماذج من النسخ الخطية

ص: 99

صورة صفحة إسناد نسخة دار الكتب المصرية (ك)

ص: 101

صورة الصفحة الأولى من نسخة دار الكتب المصرية (ك)

ص: 102

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة دار الكتب المصرية (ك)

ص: 103

صورة صفحة غلاف النسخة المحمودية (م)

ص: 104

صورة الصفحة الأولى من النسخة المحمودية (م)

ص: 105

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المحمودية (م)

ص: 106

صورة صفحة الغلاف لنسخة دار الكتب المصرية (مكتبة تيمور)(ر)

ص: 107

صورة الصفحة الأولى من نسخة دار الكتب المصرية (مكتبة تيمور)(ر)

ص: 108

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة دار الكتب المصرية (مكتبة تيمور)(ر)

ص: 109

صورة صفحة التعريف بالنسخة الهندية (هـ)

ص: 110

صورة صفحة إسناد النسخة الهندية (هـ)

ص: 111

صورة الصفحة الأولى من النسخة الهندية (هـ)

ص: 112

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة الهندية (هـ)

ص: 113

صورة صفحة غلاف نسخة مكتبة القدس (ق)

ص: 114

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة مكتبة القدس (ق)

ص: 115

صورة صفحة إسناد نسخة مكتبة الإسكندرية (يه)

ص: 116

صورة الصفحة الأولى من نسخة مكتبة الإسكندرية (يه)

ص: 117

صورة الصفحة الأولى من نسخة مكتبة الأحقاف

لمقارنة إسنادها بما جاء في بداية نسخة مكتبة الإسكندرية

ص: 118