المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المقدمة الحمد لله الذي خَلَقَ السمواتِ والأرضَ وجَعَلَ الظلماتِ والنُّورَ ثم - سنن سعيد بن منصور - بداية التفسير - ت الحميد - المقدمة

[سعيد بن منصور]

فهرس الكتاب

المقدمة

الحمد لله الذي خَلَقَ السمواتِ والأرضَ وجَعَلَ الظلماتِ والنُّورَ ثم الذين كفروا بربهم يَعْدِلُون.

والحمد لله الذي لا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمةٍ من نِعَمِهِ إلا بِنِعْمةٍ منه تُوجِبُ على مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ بِأَدَائِها نعمةً حَادِثَةً يَجِبُ عليه شُكْرُه بها.

ولا يَبْلُغُ الواصفون كُنْهَ عَظَمَتِه الذي هو كما وَصَفَ نَفْسَهُ، وفوق ما يَصِفُهُ به خَلْقُه.

أحمده حمداً كما يَنبغي لكرمِ وَجْهِهِ وعِزِّ جَلاله.

وأستعينه استعانةَ من لا حَوْل له ولا قُوَّة إلا به.

وأستَهْديه بِهُدَاهُ الذي لا يَضِلُّ من أَنْعَمَ به عليه.

واستغفره لما أَزْلَفْتُ وأَخَّرْتُ استغفار من يُقِرُّ بعبوديَّته، ويعلم أنه لا يَغْفِرُ ذنبه ولا يُنَجِّيه منه إلا هو.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، المُصْطَفى لوَحْيه، المنْتَخَبُ لرسالته، المفضَّلُ على جميع خلقه بِفَتْحِ رحمتهِ، وخَتْمِ نبوَّته، وأعمُّ ما أُرسل به مُرْسَل قَبْلَه، المرفوعُ ذكرُهُ مع ذكره في الأُولى، والشَّافع المشفَّع في الأُخرى، أفضلُ خَلْقِه نفساً، وأجمعهم لكلِّ خُلُق رَضِيَهُ في دين ودُنيا، وخيرهم نسباً وداراً.

صلَّى الله على نبينا كلَّما ذكره الذاكرون، وغَفَلَ عن ذكره الغافلون، وصلَّى عليه في الأولين والآخِرين، أفضلَ وأكثرَ وأزكَى ما صلَّى على أحد من خلقه، وجزاه الله عنّا أفضلَ ما جَزَى مُرْسلاً عَنْ مَنْ أُرْسِلَ إليه، فإنه أنقذَنا به من الهَلَكَةِ، وجعلنا في خير أمة أُخرجت

ص: 1

للناس، دَائِنينَ بدينه الذي ارْتَضَى واصْطَفَى به ملائكتَه ومَنْ أنْعَمَ عليه من خلقه، فلم تُمْسِ بنا نعمة ظَهَرَتْ ولا بَطَنَتْ نِلْنَا بها حظّاً في دينٍ ودُنْيَا، أو دُفِع بها عنّا مكروه فيهما وفي واحد منهما، إلا ومحمد صلى الله عليه وسلم سَبَبُها، القَائِدُ إلى خيرها، والهادي إلى رُشدها، فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلّى على إبراهيم وآل إبراهيم، إنه حميد مجيد

(1)

.

وكما أنه صلى الله عليه وسلم بلَّغ رسالة ربه أتمَّ بلاغ وأكْمَلَه إمتثالاً لأمر ربه له بذلك في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}

(2)

، فإنه صلى الله عليه وسلم حرص على استمرار هذا البلاغ في أمته، فقال:((بلِّغوا عني ولو آية، وحَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج، ومن كذب علي متعمِّداً فَلْيَتَبَّوأْ مقعده من النار))

(3)

.

ودعى صلى الله عليه وسلم لسامع السنة ومبلِّغها بالنَّضَارَةِ- وهي النِّعمةُ والبَهْجَةُ

(4)

-، فقال صلى الله عليه وسلم:((نَضَّر الله امرءاً سمع مِنَّا حديثاً، فحفظه حتى يبلِّغَه غيرَه، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فقه ليس بفقيه))، وفي لفظ:((نَضَّر الله امرءاً سمع منا شيئاً، فبلَّغه كما سمعه، فرُبَّ مبلَّغ أَوْعَى من سامع))

(5)

.

(1)

من مقدمة الإمام الشافعي لكتاب الرسالة (ص 7 - 17) بتصرُّف.

(2)

الآية (67) من سورة المائدة.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (6/ 496 رقم 3461) في أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.

والترمذي في جامعه (7/ 431 - 432 رقم 2806) في العلم، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، ثم قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح).

(4)

كما فسره الخطابي في معالم السنن (5/ 253)، وابن الأثير في جامع الأصول (8/ 18).

(5)

هو حديث متواتر صنَّف فيه الشيخ عبد المحسن العبّاد- أثابه الله- مصنّفاً بعنوان: (دراسة حديث، ((نضّر الله امرءاً سمع مقالتي)) رواية ودراية)، وجمع فيه طرق هذا الحديث، فبلغت أربعة وعشرين طريقاً عن أربعة وعشرين صحابياً، ولحديث بعض =

ص: 2

ومن هذا المنطلق حرص سلف الأمة على هذا الفضل العظيم، فتفرَّق الصحابة رضي الله عنهم في الأمصار يبلِّغون ما سمعوه، وينشرون العلم بين الناس، ((وكان الخلفاء يُمِدُّون البلاد الجديدة بالعلماء، وقد استوطن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم تلك الأمصار، يرشدون أهلها، ويعلِّمون أبناءها، وقد دخل الناس في دين الله أفواجاً، والْتَفُّوا حول أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ينهلون من الينابيع التي أخذت عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وتخرَّج في حلقاتهم التابعون الذين حملوا لواء العلم بعدهم، وحفظوا السنَّة الشريفة. وهكذا أصبحت في الأقاليم والأمصار الإسلامية مراكز علمية عظيمة، تُشِعُّ منها أنوار الإسلام وعلومه، إلى جانب مراكز الإشعاع الأولى التي أمدَّت هذه الأقطار بالأساتذة الأُوَل))

(1)

.

فمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم هي موطن الخلافة الأولى، وكان فيها من الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم، فنشروا علماً غزيراً. وفي مدرسة المدينة النبوية هذه تخرَّج خلق من

= الصحابة طرق عنه، وهو باللفظ الأول هنا من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عند أبي داود في سننه (4/ 68 - 69 رقم 3660) في العلم، باب فضل نشر العلم، والترمذي في جامعه (7/ 415 - 417 رقم 2794) في العلم، باب في الحث على تبليغ السماع، والنسائي في سننه الكبرى (3/ 431 رقم 5847) في العلم، باب الحث على إبلاغ العلم.

وأما اللفظ الثاني فهو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند الترمذي في الموضع السابق (7/ 417 رقم 2795)، وابن ماجه في سننه (1/ 85 رقم 232) في المقدمة، باب من بلّغ علماً.

قال الترمذي في الموضع الأول: (حديث زيد بن ثابت حديث حسن)، وقال في الموضع الثاني:(هذا حديث حسن صحيح).

(1)

السنة قبل التدوين لمحمد عجّاج الخطيب (ص 164).

ص: 3

أفاضل التابعين، منهم: سعيد بن المسيّب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وعبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة، وسليمان بن يسار، وهؤلاء هم الفقهاء السبعة

(1)

.

وفي مكة كان حَبْر الأمّة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي تخرَّج على يديه خلق من سادات التابعين، منهم: مجاهد بن جَبْر، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وطاوُس.

ولما بويع عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بالخلافة، رحل إلى الكوفة، فانتفع به خلق كثير هناك، وكانت الكوفة إحدى قواعد الفتح الإسلامي في عصر الخلفاء الراشدين، ونزلها جَمٌّ غفير من الصحابة. قال إبراهيم النخعي:((هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة، وسبعون من أهل بدر))

(2)

، وعلى رأس هؤلاء البدريين: ابن أُمِّ عَبْد: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وكان عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بعثه معلِّماً لأهل الكوفة، وكتب لهم كتاباً يقول فيه:((يا أهل الكوفة، أنتم رأس العرب وجمجمتها وسهمي الذي أرمي به، إن أتاني شيء من هاهنا وهاهنا، قد بعثت إليكم بعبد الله، وخِرْتُ لكم، وآثرتكم به على نفسي))

(3)

.

وكان لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه أثر كبير على أهل الكوفة، بحيث أصبحت مدرستها من أكبر مدارس الإسلام. قال إبراهيم التيمي:((كان فينا- يعني أهل الكوفة- ستون شيخاً من أصحاب عبد الله))

(4)

.

(1)

مقدمة ابن الصلاح (ص 325).

(2)

طبقات ابن سعد (6/ 9).

(3)

المرجع السابق (6/ 7).

(4)

السابق أيضاً (6/ 10).

ص: 4

وعلى رأس هؤلاء الذين تخرّجوا من مدرسة ابن مسعود رضي الله عنه: عَبِيدَةُ السَّلْماني وعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد ومسروق بن الأجْدَع والربيع بن خُثَيْم وشُريح القاضي وغيرهم خلق

(1)

.

وهكذا البصرة والشام ومصر وغيرها من بلاد الإسلام

(2)

.

وقد نشطت الحركة العلمية في عصر التابعين نشاطاً كان من آثاره بدء مرحلة التدوين الرَّسمي للسنة بأمر من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، بسبب خوفه من ذهاب العلم بذهاب العلماء. يقول عبد الله بن دينار رحمه الله: ((كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلى أهل المدينة: أن انظروا حديث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فاكتبوه، فإني خِفْتُ دُرُوسَ

(3)

العلم وذهاب أهله))

(4)

، وفي رواية:((كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فاكتبه، فإن خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولْتُفْشُوا العلم، ولْتَجْلِسُوا حتى يُعَلَّمَ من لا يَعْلَمُ، فإن العلم لا يهلِك حتى يكون سرّاً))

(5)

. ولم يكن أمرُه هذا مقصوراً على أهل المدينة فحسب، فقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ:((كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلى الآفاق: انظروا حديث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فاجمعوه))

(6)

.

(1)

السابق أيضاً (6/ 10).

(2)

انظر في ذلك وفيما سبق: السنة قبل التدوين لمحمد عجاج الخطيب (ص 164 - 175).

(3)

أي خاف عليه من أن تنمحي آثاره وتذهب. انظر لسان العرب (6/ 79).

(4)

أخرجه الدارمي في سننه (1/ 104 رقم 494)، والخطيب البغدادي في تقييد العلم (ص 106).

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه موصولاً إلى قوله: ((وذهاب العلماء))، وباقيه معلَّقاً. انظر صحيح البخاري (1/ 194) كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم.

(6)

نقلاً عن فتح الباري (1/ 194 - 195).

ص: 5

وموقف عمر بن عبد العزيز- رحمه الله هذا شبيه بموقف عثمان- رضي الله عنه في قصة جمعه للقرآن، فقد رحم الله الأمة بصنيع هذين الخليفتين.

وكان أول من قام بتدوين السنة بأمر من عمر بن عبد العزيز: محمد بن مسلم بن شهاب الزُّهْري. يقول عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي: (أول من دَوَّن العلم وكتبه ابن شهاب)

(1)

.

ويقول ابن شهاب الزُّهْري نفسه: (أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً)

(2)

. ويقول الحافظ ابن حجر: (وأول من دوَّن الحديث: ابن شهاب الزُّهْري على رأس المائة، بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد)

(3)

. ويقول السُّيوطي في منظومته

(4)

:

أَوَّلُ جامعِ الْحديثِ والأَثَرْ

ابنُ شهابٍ آمراً له عُمَرْ

ثم أَعْقَبَ التدوينَ مرحلةُ التَّصنيف كما سبق نقله عن ابن حجر، فأوَّل من صنَّف على الأبواب: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت 150 هـ) بمكة، والإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) أو محمد بن إسحاق بن يَسَار (ت 151 هـ) بالمدينة، والرَّبيع بن صَبيح (ت 160 هـ) أو سعيد بن أبي عَرُوبة (ت 156 هـ أو 157 هـ) أو حماد بن سلمة (ت 167 هـ) بالبصرة، وسفيان بن سعيد الثوري

(1)

جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/ 88).

(2)

المرجع السابق (1/ 91 - 92).

(3)

فتح الباري (1/ 208).

(4)

ألفية السيوطي (ص 10).

ص: 6

(ت 161 هـ) بالكوفة، وعبد الرحمن بن عمرو الأَوْزاعي (ت 157 هـ) بالشام، وهُشَيم بن بشير الواسطي (ت 183 هـ) بواسط، ومعمر بن راشد (ت 153 هـ) باليمن، وجرير بن عبد الحميد (ت 188 هـ) بالرَّيّ، وعبد الله بن المبارك المَرْوَزي (ت 181 هـ) بِمَرْو وخراسان

(1)

. قال الحافظان: العراقي وابن حجر: (وكان هؤلاء في عصر واحد، فلا ندري أيُّهم أسبق)

(2)

. وقد قيل: إن ابن جريج هو أول من صنف الكتب

(3)

، لكن ما ذكره العراقي وابن حجر أدقّ، ولذا يمكن أن يُقَيّد كلٌّ منهم بمصره، فيقال مثلاً: أول من صنف بالكوفة سفيان الثوري وهكذا. وكان معظم هذه المصنفات يضم أحاديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وما ورد عن الصحابة والتابعين، إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك على رأس المائتين، فصنَّف أسد بن موسى (ت 212 هـ) مسنداً، وصنَّف عبيد الله بن موسى العَبْسي (ت 213 هـ) مسنداً، وصنَّف مُسَدَّد البصري (ت 228 هـ) مسنداً، وصنَّف نُعيم بن حماد الخُزَاعي (ت 228 هـ) مسنداً، ثم اقتفى الأئمة آثارهم، فقلَّ إمام من الحفاظ إلا وصنَّف حديثه على المسانيد، كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم

(4)

.

وامتداداً لمرحلة التصنيف على الأبواب نجد عبد الرزاق بن هَمَّام الصنعاني (ت 211 هـ) صنَّف كتابه العظيم: (المصنَّف)، ومثله أبو بكر عبد الله بن محمد أبي شيبة (ت 235 هـ) صنف كتاب:

(1)

انظر المحدِّث الفاصل للرَّامَهُرْمُزِي (ص 611 - 618)، وتدريب الراوي (1/ 89).

(2)

الموضع السابق من تدريب الراوي.

(3)

تاريخ بغداد (10/ 400).

(4)

تدريب الراوي (1/ 89) نقلاً عن ابن حجر.

ص: 7

(المصنَّف)، وهذان الكتابان كما أنهما شبيهان في التسمية، فهما شبيهان أيضاً في المحتوى، فكلاهما مما صُنِّف على الأبواب (الموضوعات)، ويشملان الأحاديث المرفوعة لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، والموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم، ومقاطيع التابعين فمن بعدهم رحمهم الله، وبين هذين المصنَّفَيْن نجد مصنَّفاً آخر شبيهاً بهما من حيث طريقةُ التصنيف والمحتوى في الجملة، وهو كتاب:(السنن) لسعيد بن منصور (ت 227 هـ) وشَبَهُهُ بمصنَّف ابن أبي شيبة أكثر منه بمصنَّف عبد الرزاق

(1)

، وقد قال الرَّامَهُرْمزي:(وتفرَّد بالكوفة أبو بكر ابن أبي شيبة بتكثير الأبواب، وجودة الترتيب، وحسن التأليف)

(2)

.

ونجد كثيراً من المصنِّفين يروون كثيراً من الأحاديث والآثار من طريق هذه الكتب الثلاثة- مصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، وسنن سعيد بن منصور-، أو يعزونها إليها

(3)

، وهذا يعود لندرة محتواها، وعُلُوِّ أسانيدها، وغير ذلك من الاعتبارات.

وقد حُظِيَ مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة بالنشر

(4)

- على ما فيهما من السقط والتصحيف والغلط-.

وأما سنن سعيد بن منصور، فنشر منها الجزء الثالث فقط في

(1)

كما سيأتي في التعريف بكتاب السنن.

(2)

المحدِّث الفاصل (ص 614).

(3)

كما يتضح من مراجعة تخريج الأحاديث والآثار في القسم المحقق من السنن.

(4)

أما مصنف عبد الرزاق فقام بتحقيقه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، ونشره المجلس العلمي في أحد عشر مجلداً، لكن الحادي عشر منها وبعض العاشر هما كتاب الجامع لمعمر، من رواية عبد الرزاق عنه. وأما مصنف ابن أبي شيبة، فقد حققه الأستاذ عبد الخالق الأفغاني، واهتم بطباعته ونشره صاحب الدار السلفية بالهند: مختار الندوي، ونشر الكتاب في خمسة عشر مجلداً، إلا أنه سقط من هذه الطبعة القسم الأول من الجزء الرابع، فطبع في دار أخرى، وهي إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي بباكستان.

ص: 8

مجلدين تضمنا عدد (2978) من الأحاديث والآثار، في الفرائض والنكاح والجهاد، وما يلحق بالفرائض من الوصايا، وما يلحق بالنكاح من الطلاق والظهار ونحوهما.

وكانت هذه السنن حبيسة المكتبات نتيجة خطأ ورد على غلاف النسخة الخطيّة كما سيأتي بيانه في التعريف بالكتاب، إلى أن قام الدكتور محمد حميد الله بالعثور على هذه القطعة التي تشكل الجزء الثالث، ودفعها لمحمد ميان السملكي رحمه الله، الذي دفعها بدوره للشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، حيث قام بتحقيقها، ونشرت في هذين المجلدين المشار إليهما.

وفي المقدمة التي كتبها الدكتور محمد حميد الله للتعريف بالسنن لسعيد بن منصور وذكر حكاية اكتشافه لها قال: (ولا أعرف نسخة أخرى لسنن الإمام سعيد بن منصور هذه، فلم يذكرها بروكلمان ((مع سعة فهرس فهارسه للكتب العربية الذي نشره بالألمانية تحت الاسم المُضِلّ: تاريخ الآداب العربية)) ولا غيره فيما أعرف، فنحن إذن ننشر كتاباً ليس يعرف له إلا نسخة واحدة في العالم)

(1)

. اهـ.

ولم يشر الدكتور حميد الله إلى ما ذكره المباركفوري رحمه الله في مقدمة تحفة الأحوذي من وجود نسخة كاملة لسنن سعيد بن منصور، حيث قال:(ومنها: سنن سعيد بن منصور، وهو الحافظ سعيد بن منصور الخراساني المتوفى سنة 227 سبع وعشرين ومائتين، نسخة كاملة من هذا الكتاب موجودة في الخزانة الجرمنية، وهي مكتوبة بخط الإمام الشوكاني)

(2)

، فإما أنه لم يطلع على هذا الكلام، وإما أنه ممن يستبعد صحته.

(1)

مقدمة القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور (ص 16).

(2)

مقدمة تحفة الأحوذي (1/ 336).

ص: 9

وحينما كنت أدرس في السنة الرابعة من كلية أصول الدين، وكنت أتذاكر مع بعض الإخوة في أمور الكتب، ذكر أحدهم أنه رأى- أو ذُكر له- نسخة خطية لسنن سعيد بن منصور في إحدى المكتبات الخاصة في بلدة (الرَّيْن)

(1)

، فوقع كلامه في نفسي، وبعد مدة سألت شيخنا العلامة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجبرين

(2)

عمّا إذا كان يعرف مكتبة هناك- وذكرت له ما قاله الأخ المذكور-، فوعدني بالتحرِّي عن ذلك إذا ما قدِّر له الذهاب إلى بَلَدِهِ (القويعية). وقد وفَّى بوعده- جزاه الله عني وعن المسلمين خير الجزاء-، وفوجئت به يستدعيني، ويبشِّرني بعثوره على نسخة خَطِّيَّةٍ أصليّة من سنن سعيد بن منصور في مكتبة الشيخ محمد بن سعود الصُّبَيْحي إمام جامع بَلْدَة (الرَّيْن)

(3)

، لكنها نسخة غير كاملة. وأخبرني أنه طلب من صاحبها السماح لي بتصويرها، فأجاب، وزيادة على ذلك كتب الشيخ معي كتاباً إليه، وأرسل معي أحد أبناء عمومته ليدُلَّني، وهو الشيخ حمد بن عبد العزيز الجبرين، فذهب معي مشكوراً، وحملت آلة النسخ معي في السيارة، ولا أطيل في ذكر التفاصيل، فقد دفع الشيخ محمد بن سعود الصبيحي الكتاب إلي، فصوّرته، وأعدته إليه، وكنت إذْ ذاك مشغولاً بإعداد رسالتي لنيل درجة التخصص (الماجستير)، فلما انتهيت منها، تقدمت إلى قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بالرياض بطلب الموافقة على إكمال دراستي لنيل درجة (الدكتوراة) في موضوع:(الإمام سعيد بن منصور وكتابه السنن) دراسةً وتحقيقاً،

(1)

وهي بلدة إلى الجنوب من بلدة القويعية المعروفة على طريق الذاهب من الرياض إلى مكة.

(2)

والشيخ حفظه الله من أهل القويعية وإن كان يسكن الرياض.

(3)

وهو رجل فاضل أثنى عليه الشيخ عبد الله الجبرين، ومن عائلة معروفة بالعلم ومكتبته هذه متوارثة عن أسلافه.

ص: 10

على أن أبدأ من حيث انتهى المطبوع، وذلك ابتداء من كتاب (فضائل القرآن)، ويليه (كتاب التفسير)، بحيث أَنْتَهي إلى نهاية سورة المائدة من كتاب التفسير، فوافق القسم مشكوراً، وتُوِّج ذلك بموافقة مجلس الكلية. وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع لإعداد درجة (الدكتوراة) عدة أسباب، من أهمها ما يأتي:

(1)

مكانة المؤلف العلمية، ويتجلَّى ذلك في:

أ - كونه أحد الأئمة الحفاظ كما سيأتي في ترجمته.

ب - كونه أحد رجال الكتب الستة، ممن رضيه الجماعة وأخرجوه في كتبهم.

جـ - تتلمذ عدد من الأئمة عليه مثل مسلم وأبي داود، بل حتى الإمام أحمد، حدَّث عنه وهو حيّ.

وسيأتي التعريف به على وجه التفصيل.

(2)

قيمة الكتاب العلمية، وتتجلَّى في:

أ - كونه من الكتب القليلة التي تعنى بتخريج الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بالإضافة للأحاديث المرفوعة، ولا يخفى ما لتخريج الآثار من الأهمية، فإنها تعكس لنا ما كان عليه السلف من العمل في العقائد والأحكام وغير ذلك.

ب - ما يمتاز به الكتاب من علوّ الإسناد، مما حدى بالعلماء إلى التخريج من طريقه، ومنهم أصحاب الكتب الستة وغيرهم، وقد ساهم في ذلك ما منّ الله به على المؤلف من طول العمر، حتى إنه أدرك شيوخاً لم يدركهم بعض من اتفق معه في سنة الوفاة، أو قاربها.

جـ - كثرة العزو إليه عند الفقهاء والمحدثين والمفسرين وغيرهم.

ص: 11

د - تفرُّد المصنِّف ببعض الآثار التي لا توجد عند غيره- بحسب بحثي-.

هـ - ذكره لبعض الآثار التي يشاركه فيها بعض أصحاب المؤلفات المفقودة، كعبد بن حميد وابن المنذر في تفسيريهما.

و تفرُّده ببعض الطرق التي تقوِّي طرقاً أخرى، أو تفيد في كشف عِلَّةٍ لبعض الطرق، أو ترجيح بعض ما قد يُعَلُّ منها.

(3)

حاجة العلماء وطلبة العلم الماسّة لمزيد من مصادر السنة الأصلية التي تروي بالإسناد، وحاجتهم لهذا الكتاب بالأخص بسبب قيمته العلمية.

(4)

ما اشتهر لدى الأوساط العلمية من فقدان الكتاب، سوى ما طبع منه.

لهذه الأسباب أقدمت مستعيناً بالله على اختيار هذا الموضوع مع اعترافي بالتقصير والضعف، وفيما يلي شرح لخطة البحث: -

فقد قسمت الكتاب إلى مقدمة وثلاثة أقسام وخاتمة وملحق تعقبه الفهارس.

أ - المقدمة: وفيها بيان أهمية الموضوع، وسبب اختياره، وشرح خطة البحث فيه.

ب - القسم الأول: دراسة عن المؤلف سعيد بن منصور وكتابه السنن، وفيه مبحثان:

• المبحث الأول: التعريف بالمؤلف سعيد بن منصور، ويشمل: دراسة عن بيئته وعصره، واسمه ونسبه وكنيته، ومولده ونشأته، وطلبه للعلم، ورحلته فيه، وشيوخه وتأثيرهم فيه، وتلاميذه وتأثيره فيهم، وجهوده في خدمة الحديث وعلومه، ومؤلفاته فيه، وثناء العلماء عليه، وما تُكُلِّم به فيه والجواب عنه، وعقيدته، ومن اتفق معه في الاسم واسم الأب، وأولاده، ووفاته.

ص: 12

• المبحث الثاني: التعريف بكتاب السنن، ويشمل:

تسميته، وتوثيق نسبته للمؤلف مع ذكر سند الكتاب، وموضوعه، ومنهج المؤلف فيه ويتضمن:(ترتيب الكتاب، ومصادره، وطريقته في الرواية، وسياق الأسانيد والمتون، وتراجمه للأبواب، وأنواع المرويات عنده من أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة أو مقطوعة، ودرجة أحاديث الكتاب، ومقارنته بطريقة علماء عصره)، والزيادات عليه ومميزاته، وبعض المآخذ عليه، والتعريف بنسخ الكتاب.

جـ- القسم الثاني: طريقة العمل في الكتاب، وتشمل:

1 -

توثيق النص، وذلك بالرجوع إلى المصادر، ومحاولة بيان من نقل النص من العلماء عن سعيد مباشرة، أو بواسطة، وتخريج الأحاديث والآثار، مع ذكر الشواهد والمتابعات، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها.

2 -

تفسير غريب الحديث.

3 -

توضيح النص، بالتعليق على كل ما يحتاج إلى توضيح.

د- القسم الثالث: النص محققاً ومعلقاً عليه طبقاً لخطة العمل السابقة.

هـ- الخاتمة: وفيها تقويم العمل على ضوء الدراسة والتحقيق، وذكر أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال عملي بإيجاز.

و ملحق: في تقويم العمل المطبوع من الكتاب مع مقارنته بالمخطوط.

ز- الفهارس: وتشتمل على:

1 -

فهرس الآيات مرتبة حسب ترتيب المصحف.

2 -

فهرس الأحاديث والآثار مرتبة على حروف المعجم.

3 -

فهرس الأحاديث والآثار مرتبة على المسانيد.

4 -

فهرس الأحاديث والآثار مرتبة على الأبواب.

5 -

فهرس شيوخ المصنف.

ص: 13

6 -

فهرس رجال الأسانيد.

7 -

فهرس الأعلام الواردين في النص.

8 -

فهرس الرواة المترجمين في التعليق.

9 -

فهرس الأبيات الشعرية.

10 -

فهرس الأماكن والبلدان.

11 -

فهرس الأنساب.

12 -

فهرس غريب اللغة والحديث.

13 -

فهرس المراجع.

14 -

الفهرس العام.

وفي الختام أتوجه بالشكر لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي أتاحت لي الفرصة لإكمال دراستي، وأخص بذلك كلية أصول الدين ممثلة في عميدها ووكيليه وقسم السنة وعلومها، كما أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور عبد المنعم السيد نجم على تفضله بقبول الإشراف على هذه الرسالة وقراءتها وإبداء الملاحظات عليها، كما لا يسعني أن أغفل الشكر الجزيل لفضيلة الشيخ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجبرين على ما بذله من جهد في الحصول على هذا المخطوط، ولفضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم على توجيهاته لي في هذا البحث وغيره، والتي كان لها أطيب الأثر في نفسي، فأسأل الله تعالى أن يجزيهما عني أفضل الجزاء، كما أشكر الشيخ حمد بن عبد العزيز الجبرين على ما ساعدني به في سبيل الحصول على هذا المخطوط، والشيخ محمد بن سعود الصبيحي على تفضله بالسماح لي بتصوير المخطوط لهذا الكتاب، وأشكر كل من أسدى إلي معروفاً؛ من نصح، أو توجيه أو غير ذلك، وأسأل الله تعالى أن يجزيهم عني أفضل الجزاء، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حُمَيِّد

ص: 14

‌القسم الأول

دراسة عن المؤلف سعيد بن منصور

وكتابه ((السنن))

وفيه مبحثان: المبحث الأول: التعريف بالمؤلف.

المبحث الثاني: التعريف بكتاب السنن.

ص: 15

‌المبحث الأول

التعريف بالمؤلف

(1)

(1)

مصادر ترجمته هي: الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد (5/ 502)، ومعرفة الرجال لابن معين (رواية ابن محرز)(1/ 101 رقم 444)، والتاريخ الكبير للبخاري (3/ 516 رقم 1722)، والكنى لمسلم (ص 73)، والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (انظر فهرسه والمواضع المحال عليها هنا)، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي (انظر فهرسه والمواضع المحال عليها هنا)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/ 68 رقم 284)، والثقات لاين حبان (8/ 268 - 269)، وتاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زَبْر الرَّبَعي (2/ 499 و 501)، ورجال صحيح البخاري المسمى:(الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد) للكَلابَاذِي (1/ 295 - 296 رقم 407)، ورجال مسلم لابن مَنْجُوْيَهْ (1/ 249 رقم 536)، و:(تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً) لأبي نعيم الأصبهاني (ص 26)، والإرشاد للخليلي (1/ 231 رقم 60)، والمتفق والمفترق للخطيب البغدادي (ل 109 - 110)، والتعديل والجرح لأبي الوليد الباجي (3/ 1087 رقم 1276)، والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني (1/ 170)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (1/ 78، 168) و (3/ 200، 240)، والمعجم المشتمل (ص 129 رقم 375)، وتاريخ دمشق كلاهما لابن عساكر (7/ 354 - 357، مخطوط الظاهرية) ومختصره لابن منظور (10/ 12 - 13 رقم 8) وتهذيبه لابن بدران (6/ 177)، والتقييد لابن نقطة (2/ 17 - 18)، ومعجم البلدان لياقوت (1/ 420، 425)، و (2/ 367)، و (3/ 230)، والعلم المشهور لابن دحية الكلبي (ص 161 و 162)، وتهذيب الكمال للمزي (11/ 77 - 82 رقم 2361)، وسير أعلام النبلاء (10/ 586 - 590)، وتاريخ الإسلام (ص 184 - 186 / وفيات 221 - 230)، وتذكرة الحفاظ (2/ 416)، ودول الإسلام (1/ 137)، والعبر (1/ 399)، وميزان الاعتدال (2/ 159 رقم 3277)، والكاشف (1/ 373 رقم 1982)، وذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (ص 169 رقم 128) جميعها للذهبي، والوافي بالوفيات للصَّفَدي (15/ 263 رقم 370)، والبداية والنهاية لابن كثير (10/ 299)، وإكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 98 / ب - 99 / ب)، والعقد الثمين للفاسي (4/ 586 - 587) وتهذيب التهذيب (4/ 89 - 90 رقم 148)، وتقريب التهذيب (ص 241 رقم 2399) كلاهما لابن حجر، وطبقات الحفاظ للسيوطي (ص 179، رقم 403)، وبحر الدم =

ص: 17

1 -

بيئته وعصره: -

ولد سعيد بن منصور- كما سيأتي- قبل سنة سبع وثلاثين ومائة، أو بعدها بيسير، وتوفي في سنة سبع وعشرين ومائتين، فهو إذاً عاش في الفترة التي نشأت فيها الدولة العباسية إلى أن بلغت أوْجَ قوَّتها، وكان يقال:(لبني العباس فاتحة وواسطة وخاتمة. فالفاتحة السَّفَّاح، والواسطة المأمون، والخاتمة المُعْتَضِد)

(1)

.

فنشأة الدولة العباسية كانت في سنة اثنتين وثلاثين ومائة (132 هـ) على أنقاض الدولة الأموية، وكان هذا قريباً من ولادة سعيد بن منصور الذي عاش بداية حياته في خراسان مُنْطَلَقِ الدعوة العباسية ومحطّ قوَّتها بقيادة أبي مسلم الخراساني الذي أَبْلَى مع العباسيين بلاءً كان عاقبته القتل من قبل ثاني خلفاء بني العباس: أبي جعفر المنصور؛ بعد أن أحسّ بخطر أبي مسلم الخراساني على دولتهم.

عاش سعيد هذه الحياة الطويلة التي تزيد على تسعين عاماً، وعايش فيها أحداثاً كثيرة، سأتناول الحديث عنها بإيجاز، مقسَّماً على

= ليوسف بن عبد الهادي (ص 178 رقم 370)، وخلاصة تذهيب الكمال للخزرجي (ص 143)، وشذرات الذهب لابن العماد (2/ 62)، والرسالة المستطرفة للكتّاني (ص 34)، والفكر السامي للفاسي (2/ 73 رقم 268)، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة (4/ 232).

(1)

تاريخ الخلفاء (ص 490).

والمعتضد هو الخليفة العباسي أبو العباس أحمد بن الموفق بالله طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد. ولد في سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وتولّى الخلافة سنة تسع وسبعين ومائتين، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائتين، قال الذهبي في وصفه:(وكان ملكاً مهيباً شجاعاً كامل العقل ذا سياسة عظيمة، وفي دولته سكنت الفتن، وأسقط المَكْسَ، ونشر العدل، وقلل من الظلم، وكان يُسَمَّى السَّفّاح الثاني، أحيا رميم الخلافة التي ضعفت من مقتل المتوكل) اهـ بتصرف من سير أعلام النبلاء (13/ 463 - 479).

وأما السَّفَّاح والمأمون فسيأتي الحديث عنهما.

ص: 18

عناوين ثلاثة: الحالة السياسية، والحالة الفكرية، والحالة العلمية.

أ - الحالة السياسية:

كانت الحالة السياسية في بداية حياة المؤلف (سعيد بن منصور) تشهد فتناً وقلاقل بسبب قيام الدولة العباسية التي وجدت مناهضين لها، شأنها في ذلك شأن أي دولة تنهض من مرحلة الضعف، فتكون عرضة لأطماع الطامعين، فإذا قُدِّر لها أن تقوى شوكتُها، ويصلب عودُها استطاعت أن ترسِّخ دعائم سلطانها، وتبسط نفوذها، وتبطش بأعدائها، وهذا ما حصل للدولة العباسية. فإنها قامت في سنة (132 هـ) على يد أبي العباس السَّفَّاح عبد الله ويقال: المرتضى، ويقال: القاسم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أوّل الخلفاء العباسيين الذي أخذ يطارد فُلُولَ الأمويين، إلى أن استقرّ له الأمر بعد مقتل آخر خلفاء بني أمية: مروان بن محمد. ثم أخذ أبو العباس يبسط نفوذه على البلاد والأقاليم، إلا أن كثيراً من الأقاليم كانت تنشقّ عنه بعد أن تكون أعطته البيعة، مثل قنسرين، ودمشق، وحمص، والجزيرة، وقرقيسيا، والرَّقَّة، وغيرها كثير

(1)

.

كما أن هناك من قام بالخروج عليه، والتحم معه في قتال، مثل بسام بن إبراهيم، والخوارج، وشريك المهري ببخارى، وزياد بن صالح من وراء نهر بَلْخ

(2)

.

ولم تدم الحياة طويلاً بالسفاح، فإنه ما لبث أن توفي في سنة ست وثلاثين ومائة (136 هـ). ثم تولّى بعده أخوه أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد الذي استقبل تصدُّعاً في أجزاء دولته استطاع بدهائه رَأْبَه. فأول ذلك: حينما جاءه خبر وفاة أخيه أبي العباس، كان في الطريق

(1)

انظر تفاصيل ذلك في البداية والنهاية (10/ 52 - 57).

(2)

المرجع السابق.

ص: 19

عائداً من الحج، فتعجل حتى أتى العراق، فأُخذت له البيعة من أهل العراق وخراسان وسائر البلاد، سوى الشام، فإنه خرج بها عمُّه عبد الله بن علي مدَّعياً أن السَّفَّاح كان عهد إليه بالخلافة، فأرسل إليه أبو جعفر أبا مسلم الخراساني الذي استطاع أن يوقع به الهزيمة بعد حروب يطول ذكرها، كان من نتيجتها أن هرب عبد الله بن علي إلى أخيه سليمان بن علي في البصرة، فاختفى عنده، فعلم به المنصور، فأخذه، ويقال إنه سجنه في بيت بَنَى أساسه على الملح، ثم أطلق عليه الماء، فذاب الملح، وسقط البيت على عبد الله بن علي، فمات.

ثم أحس أبو جعفر بعد ذلك باستفحال أمر أبي مسلم واستخفافه به واحتقاره له، فأوجس منه خيفة، فسعى في إهلاكه، فما زال به يستدرجه ويَعِدُهُ ويُمَنِّيه، إلى أن أقدمه عليه، فلما تمكَّن منه، أخذ يعاتبه على ما بدر منه، وأبو مسلم يعتذر، وكان أبو جعفر أمر بعض حرسه وقال لهم: كونوا من وراء الرُّواق، فإذا صَفَّقت بيدي، فاخرجوا عليه فاقتلوه، فخرجوا عليه فقتلوه، فيقال: إن المنصور أنشد عند ذلك:

فَأَلْقَتْ عَصَاها واسْتَقَرَّ بها النَّوَى

كما قَرَّ عَيْناً بالإِيَابِ المسافِرُ

وشهد عصر المنصور بعد ذلك فتناً وقلاقل كثيرة، من أهمِّها:

خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وأخيه إبراهيم بن عبد الله في المدينة والبصرة، وبعد معارك ضارية استطاع المنصور إخماد هذه الفتنة بعد مقتل محمد وأخيه إبراهيم.

وبدأت الأمور تستقرّ للمنصور، فشرع في تطوير مملكته، فبنى مدينة بغداد

(1)

، وجعلها دار مملكته، وبنى مدناً أخرى، وهدأت الفتن والحروب، وتوجه للإصلاح الداخلي، ويعتبر أبو جعفر بحق الخليفة

(1)

انظر تفاصيل بنائها في البداية والنهاية (10/ 96 - 103).

ص: 20

الذي أرسى دعائم الدولة العباسية. وبعد هذه المدة التي عاشها في الحكم منذ سنة ست وثلاثين ومائة، أدركت أبا جعفر الوفاة في سنة ثمان وخمسين ومائة (158 هـ) بعد أن عهد بالخلافة لابنه محمد المهدي، ومن بعده لعيسى بن موسُى

(1)

، إلا أن المهدي لما تولّى الخلافة، أَلَحَّ على عيسى أن يخلع نفسه ويتنازل عن الخلافة للهادي، فامتنع، ثم أجاب بعد ترغيب وترهيب ووعد ووعيد من المهدي له يطول ذكره

(2)

.

وكان المهدي أتى للخلافة والأمور مستقرّة، فكان عصره بداية عصر ازدهار الدولة العباسية، لذلك نجده أول من عمل البريد من الحجاز إلى العراق

(3)

، وأمر بعمارة طريق مكة، فبنى بها القصور، وحَفَرَ الآبار، وعمل المصانع والبِرَكَ، حتى صارت طريق الحجاز من العراق من أرفق الطرقات وآمنها وأطيبها

(4)

. ونجده أول خليفة حمل له الثَّلْجُ إلى مكة

(5)

. وفي سنة سبع وستين ومائة أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام، وأدخل في ذلك دوراً كثيرة

(6)

.

وقد شهد عصره شيئاً من الاضطراب

(7)

، لكنه لا يداني ما

(1)

هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ابن أخ أبي جعفر، وكان فارس بني العباس، وسَيْفَهم المسلول، جعله السَّفّاح ولي العهد بعد المنصور، فتحيَّل عليه المنصور بكل ممكن حتى أخّره وقدّم عليه المهدي، فيقال: بذل له بعد الرغبة والرهبة عشرة آلاف ألف درهم. انظر سير أعلام النبلاء (7/ 434 - 435).

(2)

انظر البداية والنهاية (10/ 130، 131).

(3)

تاريخ الخلفاء (ص 437).

(4)

انظر البداية والنهاية (10/ 133)، وتاريخ الخلفاء (ص 436).

(5)

كما في البداية (10/ 132)، ويقول الذهبي:(لم يتهيّأ ذلك لملك قط) كما في تاريخ الخلفاء (ص 436).

(6)

تاريخ الخلفاء (ص 436).

(7)

انظر البداية والنهاية (10/ 133، 135، 145).

ص: 21

حصل في عصر والده.

كما أن عصره كان عصر فتوحات في بلاد الروم وجهة جُرْجَان

(1)

.

وكان رحمه الله سَمْحَ الخلق، محبّاً للسنة، معظِّماً لحُرُمات الله، حسن الاعتقاد، مبغضاً للزنادقة.

كان يصلي بالناس الصلوات الخمس في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يوماً، فقال أعرابي: لستُ على طُهْرٍ، وقد رغبت في الصلاة خلفك، فَأْمُرْ هولاء بانتظاري، فقال: انتظروه، ودخل المحراب، فوقف إلى أن قيل: قد جاء الرجل، فكبَّر، فعجب الناس من سماحة أخلاقه

(2)

. وأصدر أمره بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام، وقصّر المنابر، وصيّرها على مقدار منبر رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وكان إذا عرضت قضيّة، واستُدِلَّ لها بحديث، وَثَبَ عند ذكر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حتى يُلْصِقَ خَدَّهُ بالتراب ويقول: سمعت لما قال وأطعت

(4)

.

وهاجت ريح سوداء ذات مرّة حتى خافوا أن تكون القيامة قد قامت، فطلبه أحد حُجَّابه، فلم يجده في الإيوان، فإذا هو في بيت ساجد على التراب يقول: اللهم لا تُشْمت بنا أعداءنا من الأمم، ولا تفجع بنا نبيّنا، اللهم إن كنت أخذتَ العامة بذنبي، فهذه ناصيتي بيدك، فما أتمّ كلامه حتى انْجلتْ

(5)

.

(1)

انظر البداية والنهاية (10/ 146 - 150).

(2)

تاريخ الخلفاء (ص 442).

(3)

المرجع السابق (ص 436).

(4)

السابق أيضاً (ص 442).

(5)

سير أعلام النبلاء (7/ 402، 403).

ص: 22

ويقول الذهبي عنه: (كان غارقاً- كنحوه من الملوك- في بحر اللذات، واللهو والصيد، ولكنه خائف من الله، معادٍ لأولي الضلالة، حَنِقٌ عليهم)

(1)

.

وهذا الذي ذكره الذهبي من معاداة المهدي لأولي الضلالة وحَنَقِهِ عليهم، دليل على حسن اعتقاده الذي أشار إليه السيوطي بقوله:(كان المهدي جواداً ممدَّحاً، مليح الشكل، محبّباً إلى الرّعيّة، حسن الاعتقاد، تتبع الزنادقة، وأفنى منهم خلقاً كثيراً، وهو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرَّدّ على الزنادقة والملحدين)

(2)

.

ويصفه الذهبي بأنه كان قصّاباً في الزنادقة، باحثاً عنهم

(3)

.

والسبب في حرص المهدي على تتبع الزنادقة: أن الزندقة قد نشطت في ذلك العهد، مما اضطر المهدي في سنة ست وستين ومائة وفيما بعدها إلى أن يجدّ في تتبع الزنادقة وإبادتهم والبحث عنهم في الآفاق والقتل على التهمة

(4)

، بل أنشأ ديواناً خاصاً للبحث عن الزنادقة، والتفتيش عنهم، ومحاكمتهم، وعهد به إلى رجل أطلق عليه اسم:(صاحب الزنادقة)، كما أمر بوضع الكتب للرد عليهم ومناظرتهم، فإذا لم تُجْدِ هذه الوسائل كان يلجأ إلى العنف، فيسرف في قتل الملحدين

(5)

، وتابعه على هذه السياسة ابنه الهادي الذي جَدّ

(1)

سير أعلام النبلاء (7/ 402، 403).

(2)

تاريخ الخلفاء (ص 434).

(3)

سير أعلام النبلاء (7/ 401).

(4)

تاريخ الخلفاء (ص 437).

(5)

وصفه السيوطي كما سبق بأنه كان يقتل على التهمة، وإليك هذه القصة التي تحكي تعامله مع من اتهم بالزندقة:-

رفع له ذات مرة صالح بن عبد القدوس البصري في الزندقة، فأراد قتله، فقال: =

ص: 23

في القضاء عليهم

(1)

بعد وفاة أبيه في سنة تسع وستين ومائة (169 هـ)، حيث تولى الخلافة بعده، وعمل بوصية أبيه الذي أوصاه بقتل الزنادقة، واقتدى به في ذلك، وشرع في تَطَلُّبهم من الآفاق، وَجَدَّ في ذلك، فقتل منهم خلقاً كثيراً

(2)

.

وكان موسى الهادي لما تولى الخلافة عزم على خلع أخيه هارون الرشيد من ولاية العهد بعده، والعهد بها لابنه جعفر كما صنع أبوه بعيسى بن موسى، فانقاد هارون لذلك ولم يظهر منازعة، واستدعى الهادي جماعة من الأمراء، فأجابوه لذلك، وأَبَتْ أُمُّهما الخيزران، وكانت تميل إلى ابنها هارون أكثر من موسى، فأَلَحَّ الهادي على أخيه هارون في الخلع، واستشار يحيى بن خالد بن بَرْمَك، فقال له: ماذا ترى فيما أريد من خلع هارون وتولية ابني جعفر؟ فقال: إني أخشى أن تهون الأيمان على الناس، ولكن المصلحة تقتضي أن تجعل جعفراً وليَّ العهد من بعد هارون، وأيضاً فإني أخشى أن لا يجيب أكثر الناس إلى البيعة لجعفر، لأنه دون البلوغ، فيتفاقم الأمر ويختلف الناس، فعدل الهادي عن رأيه، ولم يلبث إلا يسيراً حتى توفي في سنة سبعين ومائة (170 هـ)

(3)

، وتولَّى الخلافة بعده أخوه هارون الرشيد،

= أتوب إلى الله، وأنشده لنفسه:

ما يبلغ الأعداء من جاهل

ما يبلغ الجاهل من نفسِهِ

والشيخ لا يترك أخلاقه

حتى يُوَارَى في ثرى رَمْسِهِ

فصرفه المهدي، فلما قرب من الخروج، ردَّه، فقال: ألم تقل: والشيخ لا يترك أخلاقه؟ قال: بلى قال: فكذلك أنت، لا تدع أخلاقك حتى تموت، ثم أمر بقتله.

انظر تاريخ الخلفاء (ص 438 - 439).

(1)

الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول (ص 132).

(2)

البداية والنهاية (10/ 157)، وتاريخ الخلفاء (ص 446).

(3)

البداية والنهاية (10/ 158).

ص: 24

وكان عمره إذ ذاك ثنتين وعشرين سنة، فبعث إلى يحيى بن خالد بن بَرْمَك، وولاه الوزارة، وتمكَّن عنده

(1)

.

وكان هارون من أَمْيَزِ الخلفاء، وأَجَلِّ ملوك الدنيا، ذا شجاعة ورأي، كثير الغزو والحج والصلاة والصدقة، مُحِبّاً للعلم وأهله، معظِّماً لحُرُمات الإسلام، مبغضاً للمِرَاء والجَدَل في الدين، والكلامِ في معارضة النصّ، وكان يبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيّما إذا وُعِظَ

(2)

.

دخل عليه مرَّة ابن السَّمَّاك الواعظ، فبالغ في إجلاله، فقال ابن السَّمَّاك: تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعظه فأبكاه

(3)

.

ووعظه الفضيل بن عياض مرَّة حتى شهق في بكائه

(4)

.

وقال عبد الرزاق: كنت مع الفضيل بمكة، فمرّ هارون، فقال فضيل: الناس يكرهون هذا، وما في الأرض أعزّ عليّ منه، لو مات لرأيت أموراً عظاماً

(5)

.

وقال عمّار الواسطي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما من نفس تموت أشد عليّ موتاً من أمير المؤمنين هارون، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره. قال: فكبُر ذلك علينا، فلما مات هارون، وظهرت الفتن، وكان من المأمون ما حمل الناس على خلق القرآن، قلنا: الشيخ كان أعلم بما تكلم

(6)

. ولما بلغه موت ابن المبارك، حزن عليه، وجلس للعزاء، فعزّاه الأكابر

(7)

.

(1)

البداية والنهاية (10/ 160).

(2، 3، 4، 5) سير أعلام النبلاء (9/ 287 - 289)، وتاريخ الخلفاء (ص 452 - 454).

(6)

سير أعلام النبلاء (9/ 289).

(7)

سير أعلام النبلاء (9/ 288)، وتاريخ الخلفاء (ص 454، 455).

ص: 25

وقال أبو معاوية الضَّرير: صبّ على يدي بعد الأكل شخص لا أعرفه، فقال الرشيد: تدري من يصبّ عليك؟ قلت: لا، قال: أنا، إجلالاً للعلم

(1)

.

وقال القاضي الفاضل: ما أعلم أن لملك رحلة قطّ في طلب العلم، إلا للرشيد؛ فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطّأ على مالك رحمه الله، وكان أصل الموطّأ بسماع الرشيد في خزانة المصريين، قال: ثم رحل لسماعه السلطان صلاح الدين بن أيوب إلى الإسكندريّة، فسمعه على ابن طاهر بن عوف، ولا أعلم لهما ثالثاً

(2)

.

وحدث أبو معاوية الضرير الرشيدَ يوماً عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أبي هريرة بحديث احتجاج آدم وموسى، فقال عمّ الرشيد: أين التقيا يا أبا معاوية؟ فغضب الرشيد من ذلك غضباً شديداً، وقال: أتعترض على الحديث؟ عليّ بالنّطع والسيف، زنديق يطعن في الحديث، فأحضر ذلك، فقام الناس إليه يشفعون فيه، وما زال أبو معاوية يُسَكِّنه ويقول: بَادِرَةٌ منه يا أمير المؤمنين، حتى سكن، ثم قال: هذه زندقة، فأمر بسجنه، وأقسم أن لا يخرج حتى يخبرني من ألقى إليه هذا، فأقسم عمّه بالأيمان المُغَلَّظَة ما قال هذا له أحد، وإنما كانت هذه الكلمة بَادِرَةٌ منه، وهو يستغفر الله ويتوب إليه منها، فأطلقه

(3)

.

ودخل بعضهم عليه وبين يديه رجل مضروب عنقه، والسياف يمسح سيفه في قفا الرجل المقتول، فقال الرشيد: قتلته لأنه قال: القرآن مخلوق، فقتلته على ذلك قربة إلى الله عز وجل

(4)

.

(1)

سير أعلام النبلاء (9/ 288)، وتاريخ الخلفاء (ص 454، 455).

(2)

تاريخ الخلفاء (ص 468 - 469).

(3)

سير أعلام النبلاء (9/ 288)، والبداية والنهاية (10/ 215)، وتاريخ الخلفاء (ص 454).

(4)

الموضع السابق من البداية والنهاية.

ص: 26

وبلغه عن بشر المِرِّيسي القول بخلق القرآن، فقال: بلغني أن بشر بن غياث المِرِّيسي يقول: القرآن مخلوق، فلله علي إن أظْفَرَني به لأقتلنّه. فكان متوارياً أيام الرشيد، فلما مات الرشيد ظهر، ودعا إلى الضلالة

(1)

.

وأَخَذَ مَرَّةً زنديقاً، فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك. قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كلُّها ما فيها حرف نَطَقَ به؟ قال: فأين أنت يا عدوَّ الله من أبي إسحاق الفَزَاري وعبد الله بن المبارك يَنْخُلانها، فيخرجانها حرفاً حرفاً

(2)

؟.

وكان عهد هارون الرشيد أطول عهود خلفاء بني العباس وأزهاها؛ فقد كثر فيه الغزو، واتَّسَعَت الفتوحات، ومن ذلك: أنه أرسل الفضل بن يحيى إلى خراسان، فأحسن السيرة فيها، وبنى الرُّبُطَ والمساجد، وغزا ما وراء النهر، واتخذ بها جنداً من العجم سَمَّاهم: العَبَّاسِيَّةَ، وفتح الفضل بلاداً كثيرة، منها كابل وما وراء النهر، وقَهَرَ مَلِكَ التُّرك وكان ممتنعاً، وأطلق أموالاً جزيلة، ثم قفل راجعاً إلى بغداد

(3)

.

وغزا الرشيد بنفسه بلاد الروم، فافتتح حصناً يقال له: الصَّفْصَاف

(4)

وغيره

(5)

، حتى إن الروم كانوا يدفعون إليه الأموال تعبيراً عن خضوعهم له مقابل صلح عقدوه بينهم وبينه في عهد

(1)

سير أعلام النبلاء (11/ 236 - 237)، وتاريخ الخلفاء (ص 453).

(2)

تاريخ الخلفاء (ص 466).

(3)

البداية والنهاية (10/ 172 - 173).

(4)

الصَّفْصَافُ- بالفتح والسكون- كُورَةٌ من ثغور المِصيِّصَة. معجم البلدان (3/ 413).

(5)

البداية والنهاية (10/ 177، 179).

ص: 27

ملكتهم (رَنَى) الملقَّبة: (أغسطة)، إلى أن قام الروم بعزل هذه الملكة، ونقض الصلح الذي كان بينهم وبين المسلمين، وملّكوا عليهم رجلاً يقال له (نقفور) وكان شجاعاً، وخلعوا (رنى)، وسملوا عينيها، وكتب (نقفور) إلى الرشيد كتاباً يذكر فيه ضعف الملكة التي كانت قبله ويقول:(حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثاله إليها، وذلك من ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد إليّ ما حملته إليك من الأموال، وافتد نفسك به، وإلا فالسيف بيننا وبينك). فلما قرأ هارون كتابه، أخذه الغضب الشديد، حتى لم يتمكن أحد أن ينظر إليه، ولا يستطيع مخاطبته، وأشفق عليه جلساؤه خوفاً منه، ثم استدعى بدواة وكتب على ظهر الكتاب:(بسم الله الرحمن الرحيم. من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام).

ثم شخص من فوره وسار حتى نزل بباب هَرَقْلَةَ

(1)

، ففتحها، واصطفى ابنة ملكها، وغنم من الأموال شيئاً كثيراً، وخرَّب وأحرق، فطلب منه (نقفور) الموادعة على خراج يؤديه إليه في كل سنة، فأجابه الرشيد إلى ذلك

(2)

. وبعد أن استمرّ في الخلافة مدة ثلاث وعشرين سنة أدركته الوفاة رحمه الله في سنة ثلاث وتسعين ومائة بعد أن عهد

(1)

قال ياقوت في معجم البلدان (5/ 398): (هِرَقْلَةُ: بالكسر ثم الفتح: مدينة ببلاد الروم، سُمِّيَتْ بهرقْلة بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السلام، وكان الرشيد غزاها بنفسه، ثم افتتحها عنوة بعد حصار وحرب شديد ورمي بالنار والنفط حتى غلب أهلها، فلذلك قال المكّي الشاعر:

هَوَتْ هِرَقْلَةُ لمّا أنْ رَأتْ عَجَباً

جَوَّ السَّماءِ تَرْتَمي بالنَّفْطِ والنّارِ

كأنّ نيرانَنا في جَنْبِ قَلْعَتِهم

مُصَبَّغات على أرْسَانِ قَصَّارِ) اهـ

(2)

البداية والنهاية (10/ 193 - 194، 199، 203).

ص: 28

بالخلافة لابنه محمد الأمين، ومن بعده لابنه عبد الله المأمون

(1)

. ولما عهد الرشيد لابنه محمد الأمين بولاية العهد من بعده وقدَّمه على عبد الله المأمون قال: (إني لأعرف في عبد الله حَزْمَ المنصور، ونُسُكَ المهدي، وعِزَّةَ الهادي، ولو أشاء أن أنسبه إلى الرابع- يعني نفسه- لنسبته، وقد قدَّمت محمداً عليه، وإني لأعلم أنه منقادٌ إلى هواه، مُبَذِّر لما حوته يده، يشاركه في رأيه الإماء والنساء، ولولا أمُّ جعفر

(2)

، ومَيْلُ بني هاشم إليه، لقدَّمتُ عبد الله عليه)

(3)

.

وكان الأمين رحمه الله سُنِّياً، لكنه مسرف على نفسه، سيء التدبير.

يقول الإمام أحمد: (إني لأرجو أن يرحم الله الأمين بإنكاره على إسماعيل بن عُلَيَّة؛ فإنه أُدْخِلَ عليه، فقال له: يا ابن الفاعلة، أنت الذي تقول: كلام الله مخلوق؟!)

(4)

.

(1)

المرجع السابق (10/ 222، 223) وتاريخ الخلفاء (ص 474، 490).

(2)

هي زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، وهي أم الأمين، وأما المأمون فأمه أم ولد اسمها: مراجل، وإنما قدم الرشيد ابنه الأمين لأن أمه نسيبة، ولذلك يقول المسعودي:(ما ولي الخلافة إلى وقتنا هذا هاشمي بن هاشمية سوى علي بن أبي طالب، وابنه الحسن، والأمين، فإن أمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، واسمها: أمة العزيز، وزبيدة لقب لها) اهـ. من تاريخ الخلفاء (ص 484)، وانظر (ص 489) منه أيضاً.

(3)

المرجع السابق (ص 490).

(4)

المرجع السابق أيضاً (ص 483). والقصة مطوَّلة في تاريخ بغداد (6/ 237 - 238)، وخلاصتها: أن إسماعيل بن علية حدّث بالحديث الآتي في تخريج الحديث رقم [484]، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:((تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان- أو غيايتان، أو فرقان من طير صوافّ- تحاجّان عن صاحبهما)). فقيل له: ألهما لسانان؟ قال: نعم، فكيف تكلما؟ فشنّعوا عليه وقالوا: إنه يقول القرآن مخلوق، وهو لم =

ص: 29

وأما إسرافه على نفسه وسوء تدبيره فأشار إليه أبوه هارون كما سبق، وتجد جملة من أخباره في ذلك في البداية والنهاية

(1)

وتاريخ الخلفاء

(2)

، وقد أعرضت عن ذكرها قصداً؛ لخروجها عن الغرض؛ ولأنها تحتاج إلى تمحيص.

ولما تولى الأمين الخلافة سعى في جعل البيعة من بعده لابنه موسى، فعزل أخاه القاسم عمّا كان الرشيد ولاّه، وأرسل إلى أخيه

= يقله، وإنما غلط، فأحضر للأمين محمد بن هارون، فشتمه وقال: يا ابن كذا وكذا، أَيْشٍ قلت؟ فقال: أنا تائب إلى الله، لم أعلم، أخطات.

وذكر الفضل بن زياد أنه سأل الإمام أحمد عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية، فقال: ما زال إسماعيل وضيعاً من الكلام الذي تكلم به إلى أن مات. قال الفضل: قلت: أليس قد رجع وتاب على روؤس الناس؟ فقال: بلى، ولكن ما زال مبغضاً لأهل الحديث بعد كلامه ذاك إلى أن مات، ولقد بلغني أنه أدخل على محمد بن هارون، فلما رآه زحف إليه، وجعل محمد يقول له: يا ابن

، يا ابن

، تتكلم في القرآن؟ قال: وجعل إسماعيل يقول له: جعله الله فداه، زلّة من عالم، جعله الله فداه، زلّة من عالم. قال الفضل: ثم قال لي أبو عبد الله: لعلّ الله أن يغفر له- أي للأمين- لإنكاره على إسماعيل، ثم قال بعدُ: هو ثبت- يعني إسماعيل-. اهـ وانظر التهذيب (1/ 278 - 279).

وهذا من إنصاف الإمام أحمد رحمه الله، فإسماعيل رحمه الله ثقة حافظ كما سيأتي في ترجمته في الحديث [59]، ولذا فإن الذهبي رحمه الله ذكر إسماعيل هذا في الميزان للدفاع عنه (1/ 216 - 220)، ولما ذكر كلام الإمام أحمد فيه قال:(قلت: إمامة إسماعيل وثيقة لا نزاع فيها، وقد بدت منه هفوة، وتاب، فكان ماذا؟ إني أخاف الله لا يكون ذكرنا له من الغيبة) اهـ.

وأما ما يتعلق بمسألة القرآن، فإن قوله فيه موافق لقول أهل السنة، قال الخطيب البغدادي في تاريخه (6/ 239): (وقد رُوي عن ابن علية في القرآن قول أهل الحق

) ثم ساق بإسناده عن عبد الصمد بن يزيد مردويه أنه قال: (سمعت إسماعيل ابن علية يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق).

(1)

ص 241 فما بعد من الجزء العاشر.

(2)

ص 474 - 488.

ص: 30

المأمون يطلب منه أن يقدِّم موسى على نفسه، فردّ المأمون ذلك وأباه، ووقعت الوحشة بينهما، فخلع الأمين أخاه المأمون من ولاية العهد، فلما تيقن المأمون ذلك، تسمَّى بإمام المؤمنين وكان في خراسان، فأرسل إليه الأمين جيشاً لقتاله، وأرسل المأمون جيشاً، فالتقيا، وتقاتلا، وكانت الغلبة لجيش المأمون، واستمرّ القتال بينهما في حروب يطول ذكرها، انتهت بقتل الأمين في أول سنة ثمان وتسعين ومائة، وتولِّي المأمون الخلافة بعده

(1)

.

وكان المأمون من أفضل رجال بني العباس حزماً وعزماً وحلماً وعلماً ورأياً ودهاء وهيبة وشجاعة وسؤدداً وسماحة، وله محاسن وسيرة طويلة، لولا ما أتاه من محنة الناس في القول بخلق القرآن، ومع ذلك كان معروفاً بالتشيع

(2)

، وقد حمله ذلك على خلع أخيه المؤتمن في سنة إحدى ومائتين، وجعل ولي العهد من بعده علياً الرِّضا بن موسى الكَاظِم بن جعفر الصادق، حمله على ذلك إفراطه في التشيع، حتى قيل: إنه همّ أن يخلع نفسه ويفوِّض الأمر إليه، وهو الذي لقَّبه الرِّضا، وضرب الدراهم باسمه، وزوَّجه ابنته، وكتب إلى الآفاق بذلك، وأمر بترك لبس السواد شعار بني العباس ولبس الخضرة بدلاً منه، فاشتدّ ذلك على بني العباس جداً، وخرجوا عليه، وبايعوا إبراهيم

(1)

انظر البداية والنهاية (10/ 222 - 227، 236 - 244)، وتاريخ الخلفاء (ص 474 - 489).

(2)

يقول عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (10/ 275): (وقد كان فيه تشيع واعتزال وجهل بالسنة الصحيحة

، وكان على مذهب الاعتزال لأنه اجتمع بجماعة منهم: بشر بن غياث المِرِّيسي، فخدعوه، وأخذ عنهم هذا المذهب الباطل، وكان يحب العلم، ولم يكن له بصيرة نافذة فيه، فدخل عليه بسبب ذلك الداخل، وراج عنده الباطل، ودعا إليه، وحمل الناس عليه قهراً، وذلك في آخر أيامه وانقضاء دولته). اهـ.

ص: 31

ابن المهدي، ولُقَّب:(المبارك)، فجهَّز المأمون لقتاله، وجرت أمور وحروب، وكان المأمون بخراسان، فسار نحو العراق، فلم يلبث علي الرِّضا أن مات في سنة ثلاث ومائتين، فكتب المأمون إلى أهل بغداد يعلمهم أنهم إنما نقموا عليه بيعته لعلي الرِّضا وقد مات، فردّوا جوابه أغلظ جواب، فسار إليهم، ثم بدأ الناس يتسللون من عهد إبراهيم بن المهدي، فعلم بذلك، فاختفى، ووصل المأمون إلى بغداد، فكلمه العباسيون في لبس السواد، فتوقف، ثم أجاب إلى ذلك

(1)

. وبلغ من تشيع المأمون: أنه في سنة إحدى عشرة ومائتين أمر بأن يُنَادَى: برئت الذِّمّة ممن ذكر معاوية بخير، وإن أفضل الخلق بعد رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب

(2)

. وفي سنة اثنتي عشرة ومائتين أظهر القول بخلق القرآن مضافاً إلى تفضيل علي على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم من غير سبّ لهما

(3)

، فاشمأزَّت النفوس منه، وكاد البلد

(1، 2) تاريخ الخلفاء (ص 489 - 491، 492).

(3)

يقول ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (10/ 266 - 267): (وفي ربيع الأول- يعني سنة ثنتي عشرة ومائتين- أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين، إحداهما أَطَمُّ من الأخرى، وهي: القول بخلق القرآن، والثانية: تفضيل علي بن أبي طالب على الناس بعد رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وقد أخطأ في كل منهما خطأ كبيراً فاحشاً، وأثم إثماً عظيماً)، ثم نقل (ص 276 - 277) عن ابن عساكر أنه روى من طريق النَّضْر بن شُمَيْل قال: دخلت على المأمون، فقال: كيف أصبحت يا نضر؟ قلت: بخير يا أمير المؤمنين، فقال: ما الإرجاء؟ فقلت: دين يوافق الملوك يصيبون به من دنياهم وينقصون به من دينهم. قال: صدقت. ثم قال: يا نضر، أتدري ما قلت صبيحة هذا اليوم؟ قلت: إني لمن علم الغيب لبعيد، فقال: قلت أبياتاً، وهي:

أصبح ديني الذي أدين به

ولست منه الغداة معتذرا

حبّ علي بعد النبي ولا

أشْتُم صِدِّيقاً ولا عُمرا

ثم ابن عفّان في الجنان مع الـ

أبرار ذاك القتيل مُصْطبرا

ألا ولا أشتم الزبير ولا

طلحة إن قال قائلٌ غَدَرَا

ص: 32

يفتتن، فكفّ عن ذلك حتى سنة ثمان عشرة ومائتين حيث امتحن الناس بالقول بخلق القرآن

(1)

، ولم يتمّ له ما أراد لوفاته في نفس العام، ثم تولى زمام الفتنة من بعده أخوه المعتصم كما سيأتي.

وما يدلّ على تميز المأمون بالحزم والدَّهاء والشجاعة وباقي الصفات المتقدم ذكرها: أن عصره شهد فتناً عظيمة وانصداعاً في رعيته، استطاع بدهائه وحزمه ورأيه أن يخمد الفتن ويسوس الناس، لولا خوضه فيما خاض فيه من أمور المعتقد

(2)

، حتى إن هناك من يتهمه فيما أظهره من التشيع وحب آل البيت الذي أدّى به إلى أخذ البيعة لعلي الرِّضا بولاية العهد من بعده وتزويجه ابنته، ويرى أنه غير صادق في ذلك، وأنه إنما فعله سياسة لاكتساب ولاء الخراسانيين

= وعائش الأُمّ لست أشْتُمها

من يفتريها فنحن منه بَرَا

ثم قال ابن كثير بعد ذلك: (وهذا المذهب ثاني مراتب الشيعة، وفيه تفضيل علي على الصحابة، وقد قال جماعة من السلف والدارقطني: من فضّل علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار- يعني في اجتهادهم ثلاثة أيام، ثم اتفقوا على عثمان، وتقديمه على علي بعد مقتل عمر-، وبعد ذلك ست عشرة مرتبة في التشيع على ما ذكره صاحب كتاب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم، وهو كتاب ينتهي به إلى أكفر الكفر) اهـ.

(1)

تاريخ الخلفاء (ص 492، 493).

(2)

ولما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (10/ 277) قصة النَّضْر ين شُميل- السابق ذكرها- مع المأمون التي تدل على تشيعه قال- أي ابن كثير-: (وقد أضاف المأمون إلى بدعته هذه التي أزرى بها على المهاجرين والأنصار البدعة الأخرى والطّامّة الكبرى، وهي القول بخلق القرآن، مع ما فيه من الانهماك على تعاطي المسكر وغير ذلك من الأفعال التي تعدد فيها المنكر، ولكن كان فيه شهامة عظيمة وقوّة جسيمة في القتال وحصار الأعداء ومصابرة الروم وحصرهم، وقتل رجالهم وسبي نسائهم، وكان يقول: لعمر بن عبد العزيز وعبد الملك حُجَّاب، وأنا بنفسي، وكان يتحرَّى العدل ويتولّى بنفسه الحكم بين الناس والفصل). اهـ.

ص: 33

الذين تشبعت نفوسهم بالعقائد الشيعية.

ويحتج أصحاب هذا الرأي بأن علياً الرِّضا لم يكن راغباً في ولاية العهد، وإنما قبلها تحت ضغط المأمون عليه وتهديده له بضرب عنقه إن لم يقبل، ومع ذلك كان موته بسبب أكله لعنب يقال إنه كان مسموماً دسّه له المأمون للتخلص منه بعد أن ظفر منه بما أراد

(1)

، فالله أعلم.

وشهد عصر المأمون فتوحات كثيرة وبخاصة في بلاد الروم، وكان يخرج للغزو بنفسه

(2)

. ولما توفي خلفه من بعده أخوه أبو إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد، الذي كان عَرِيّاً من العلم كما يقول السيوطي

(3)

، فإنه كان أُمِّياً لا يحسن الكتابة، وكان سبب ذلك: أنه كان يتردد معه إلى الكُتّاب غلام، فمات الغلام، فقال له أبوه الرشيد: ما فعل غلامك؟ قال: مات فاستراح من الكُتّاب، فقال الرشيد: وقد بلغ منك كراهة الكُتّاب إلى أن تجعل الموت راحة منه؟ والله يا بني لا تذهب بعد اليوم إلى الكُتّاب، فتركوه، فكان أُمِّيّاً، وقيل: بل كان يكتب كتابة ضعيفة

(4)

.

وكان المعتصم ذا شجاعة وقوة وهمّة، حتى إنه كان يجعل زَنْدَ الرجل بين إصبعيه فيكسره

(5)

.

وكتب إليه ملك الروم مرة كتاباً يتهدده فيه، فأمر بجوابه، فلما

(1)

انظر مروج الذهب للمسعودي (4/ 33)، ومقاتل الطالبين (ص 562 - 565)، والشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول (ص 299 - 300).

(2)

انظر البداية والنهاية (10/ 269، 270، 271، 277).

(3)

تاريخ الخلفاء (ص 531).

(4)

سير أعلام النبلاء (10/ 291)، والبداية والنهاية (10/ 295).

(5)

تاريخ الخلفاء (ص 531، 532).

ص: 34

عُرِض عليه رماه، وقال للكاتب: اكتب: أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار

(1)

.

وهو الذي استطاع القضاء على بَابِك الخُرَّمي الذي يقول عنه الذهبي: (كان أحد الأبطال، أخاف الإسلام وأهله، وهزم الجيوش عشرين سنة، وغلب على أَذِرْ بِيجَان وغيرها، وأراد أن يقيم الملّة المجوسية، وظهر في أيامه المازيار أيضاً بالمجوسية بطبرستان، وعظم البلاء، وكان المعتصم والمأمون قد انفقوا على حرب بابك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة)

(2)

. ولما استنفر المعتصم الجيوش لحرب بابك، ضعفت جبهته مع الروم، وحينما أحيط ببابك الخُرَّمي، كتب الخبيث إلى ملك الروم يقول له: إن ملك العرب قد جهّز إليّ جمهور جيشه، ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها، فإن كنت تريد الغنيمة، فانهض سريعاً إلى ما حولك من بلاده، فخذها، فإنك لا تجد أحداً يمانعك عنها، فركب ملك الروم بعسكره حتى وصل إلى مَلَطْيَة

(3)

، فقتلوا من أهلها خلقاً كثيراً، وأسروا نساءهم. فلما بلغ ذلك المعتصم انزعج جداً، وصرخ في قصره بالنفير، ثم نهض من فوره، وأمر بتعبئة الجيوش، وقال للأمراء: أي بلاد الروم أمنع؟ قالوا: عَمُّورِيَّة

(4)

، لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام، وهي أشرف

(1)

سير أعلام النبلاء (10/ 291)، والبداية والنهاية (10/ 296).

(2)

سير أعلام النبلاء (10/ 293 - 294).

(3)

مَلَطْيَةُ- بفتح أوّله وثانيه، وسكون الطاء، وتخفيف الياء-: بلدة من بلاد الروم مشهورة مذكورة تتاخم الشام، وهي للمسلمين. معجم البلدان (5/ 192 - 193).

(4)

عَمُّورية- بفتح أوّله وتشديد ثانيه-: بلد في بلاد الروم، سُمِّيَت بعمورية بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح، وهي التي افتتحها المعتصم في سنة ثلاث وعشرين ومائتين. المرجع السابق (4/ 158).

ص: 35

عندهم من القسطنطينية، فسار إليها حتى افتتحها بعد حروب وأمور يطول ذكرها

(1)

، وهذا الفتح هو الذي قال فيه أبو تَمَّام قصيدته المشهورة:

السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءًَ من الكُتُبِ

في حَدِّه الحَدُّ بين الجِدِّ واللعبِ

إلى آخرها

(2)

.

وبالجملة فللمعتصم محاسن ومناقب عديدة، إلا أنه شَانَها بفتنة الناس بالقول بخلق القرآن. يقول الذهبي رحمه الله:(كان المعتصم من أعظم الخلفاء وأهيبهم، لولا ما شَانَ سؤدده بامتحان العلماء بخلق القرآن)

(3)

.

ويقول السيوطي: (بويع له بالخلافة بعد المأمون في شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين، فسلك ما كان المأمون عليه وختم به عمره، من امتحان الناس بخلق القرآن، فكتب إلى البلاد بذلك؛ وأمر المعلّمين أن يعلِّموا الصبيان ذلك، وقاسى الناس منه مشقّة في ذلك، وقَتَلَ عليه خلقاً من العلماء، وضرب الإمام أحمد بن حنبل، وكان ضربه في سنة عشرين- يعني ومائتين

(4)

-). ثم ما لبث المعتصم أن توفي سنة سبع وعشرين ومائتين

(5)

، وهي السنة التي توفي فيها المصنِّف سعيد بن منصور.

ب - الحالة الفكريّة:

تقدم عرض موجز عن الحالة السياسية للفترة التي عاشها

(1)

انظرها في سير أعلام النبلاء (10/ 297 - 298)، والبداية والنهاية (10/ 285 - 288).

(2)

انظر الموضع السابق من السير.

(3)

تاريخ الخلفاء (ص 531).

(4)

تاريخ الخلفاء (ص 533).

(5)

سير أعلام النبلاء (10/ 306).

ص: 36

المصنِّف سعيد بن منصور ابتداء من بداية الدولة العباسية- تقريباً- وانتهاءً بنهاية ولاية المعتصم. ومن خلال ذلك العرض نلمح بروز العنصر الفارسي في ذلك العصر، وصَاحَبَهُ ظهور الشُّعُوبِيَّة

(1)

، وحركة الزندقة، والتَّشَيُّع، وفي آخر الأمر محنة خلق القرآن.

وجميع هذا موصول بنشأة الدولة العباسية التي ظهرت للوجود، وظهر لظهورها بعض المذاهب الفكرية الغريبة عن الحياة الإسلامية، مما تسبب في ظهور بعض الحركات الانفصالية، وانصداع المجتمع آنذاك، واتّساع الهُوَّة بين العلماء والفئة الحاكمة.

ولاشك في أن هناك عدّة أسباب أدّت إلى ظهور هذه المذاهب، من أهمها- في نظري- سببان:

أ - ترجمة الكتب الأعجمية واليونانيّة وغيرها إلى العربية.

ب - بروز العنصر الفارسي ونشاطه وارتباطه بالجهة الحاكمة.

أما ترجمة الكتب الأعجمية واليونانية وغيرها إلى العربية، فإنها أحدثت انفتاحاً آنذاك على ثقافات وعقائد تلك الأمم المترجمة كتبها، كالفارسية والهندية واليونانية، بالإضافة إلى انضمام بعض كُتَّابهم ومفكِّريهم إلى المجتمع الإسلامي، أمثال ابن المُقَفَّع، ومنهم من لبس لباس الإسلام وأبطن الكفر للطّعن في الإسلام من الداخل كما سيأتي في الكلام عن حركة الزنادقة، ومنهم من ليس كذلك، لكنه دخل في الإسلام متلوِّثاً بثقافته السابقة.

وكان لبعض خلفاء بني العباس أثر ذو فاعلية في نشاط حركة

(1)

الشُّعُوبِيَّةُ: فرقة تتعصّب على العرب وتحتقرها، ويربط ذلك بعضهم بتوجّه سياسي وأدبي. انظر: الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول (ص 20، 22 - 23).

ص: 37

الترجمة. فأبو جعفر المنصور أوّل خليفة قرَّب المنجِّمين وعمل بأحكام النجوم، وأوّل خليفة تُرجمت له الكتب السّريانية والأعجمية بالعربية، ككتاب كليلة ودمنة وإقليدس

(1)

.

وقال الذهبي: (كان المنصور يُصْغي إلى أقوال المنجِّمين وَيَنْفُقُون عليه، وهذا من هِنَاتِه مع فضيلته)

(2)

. وبلغت حركة ترجمة هذه الكتب ذِرْوَتَها في عصر المأمون الذي كان يُجِلُّ أهل الكلام ويتناظرون في مجلسه

(3)

، فإنه استخرج كتب الفلاسفة واليونان من جزيرة قبرص

(4)

. ولذلك يعتبر هو أول من أدخل المنطق والفلسفة وسائر علوم اليونان في ملّة الإسلام

(5)

.

ولما ذكره الذهبي

(6)

قال: (قرأ العلم والأدب والأخبار والعقليّات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم، وبالغ، وعمل الرَّصَدَ فوق جبل دمشق، ودعا إلى القول بخلق القرآن وبالغ، نسأل الله السلامة).

وأما العنصر الفارسي، فإنه الذي قامت على أكتافه دولة بني العباس في عصرها الأول، ولذا عظم في ذلك العصر نفوذ الفرس، مما شجّع أصحاب الديانات الفارسية على القيام بحركة زندقية واسعة، وأتاح الفرصة للشعوبية في أن تسفر عن وجهها. فالموالي كان لهم الدور الأكبر في نشر الدعوة العباسية، وساهموا بالنصيب الأوفر في

(1)

انظر تاريخ الخلفاء (ص 430).

(2)

سير أعلام النبلاء (7/ 88).

(3)

سير أعلام النبلاء (10/ 285).

(4)

المرجع السابق (10/ 278 - 279) وتاريخ الخلفاء (ص 521).

(5)

الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي (ص 134).

(6)

في سير أعلام النبلاء (10/ 273).

ص: 38

اعتلاء بني العباس عرش الخلافة، وهذا الذي جعلهم في ذلك العصر أصحاب الحَظْوَةِ والنُّفوذ والبأس، فقرَّبهم الخلفاء إليهم، وولَّوْهُم أعلى المناصب في الدولة، وكان لأبي جعفر المنصور قَدَمُ السَّبْقِ في ذلك؛ فهو أول من استعمل مواليه على الأعمال، وقَدَّمهم على العرب، وكثُر ذلك بعده حتى زالت رئاسة العرب وقيادتها، بحيث أصبح العنصر الفارسي أكثر العناصر امتيازاً وتَفَوُّقاً. وفي هذا الجوّ المتسامح استطاع الأعاجم أن يجهروا بعدائهم للعرب، وأن يفخروا عليهم، ويُحَقِّروا من شأنهم

(1)

.

ولما ذكر الذهبي مصير الأمر إلى بني العباس قال: (فرحنا بمصير الأمر إليهم، ولكن- والله- ساءنا ما جرى- لَمَّا جرى- من سيول الدماء، والسبي والنهب، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فالدولة الظالمة مع الأمن وحقن الدماء، ولا دولة عادلة تنتهك دونها المحارم، وأنَّى لها العدل؟ بل أتت دولة أعجميّة خراسانية جبّارة، ما أشبه الليلة بالبارحة!)

(2)

.

وهذا ما دفع بعض المؤرخين للقول بأن دولة بني العباس دولة خراسانية شرقية

(3)

، وفي هذا يقول المقريزي: (إن بني العباس أخذوا الخلافة بالغَلَبَةِ بأيدي عجم أهل خراسان، ونالوها بالقوة، حتى أزال عجم خراسان دولة بني أمية

، بل استحالت الخلافة كسرويَّة

(1)

مقتبس من كتاب (الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول)(ص 77، 85، 131)، مع بعض التصرف والزيادة من تاريخ الخلفاء (ص 430).

(2)

سير أعلام النبلاء (6/ 58).

(3)

الآثار الباقية للبيروني (213) نقلاً عن كتاب (الشعوبية وأثرها الاجتماعي

) ص 79.

ص: 39

قيصريَّة)

(1)

.

ومن أظهر الأدلّة على النزعة الأعجمية في الدولة العباسية: ما حصل للعرب وقتها من القتل الذي يقال إنه بإيعاز من آل العباس أنفسهم. فقد وقع في يد مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية جواب كتاب كتبه إبراهيم بن محمد إلى أبي مسلم الخراساني يأمره فيه بقتل كل من تكلم بالعربية في خراسان

(2)

. ولذلك يقول الذهبي: (كان أبو مسلم بلاء عظيماً على عرب خراسان، فإنه أبادهم بحدِّ السيف)

(3)

.

ويقول أيضاً: (وقد كان بعض الزنادقة والطُّغَام من التناسُخِيَّة اعتقدوا أن الباري سبحانه وتعالى حَلَّ في أبي مسلم الخراساني المقتول؛ عند ما رأوا من تجبُّره واستيلائه على الممالك وسفكه للدماء، فأخبار هذا الطاغية يطول شرحها)

(4)

.

وسئل عبد الله بن المبارك رحمه الله عن أبي مسلم: أهو خير أم الحجاج؟ فقال: لا أقول إن أبا مسلم كان خيراً من أحد، ولكن كان الحجاج شراً منه

(5)

. وقال علي بن عَثَّام: قال إبراهيم الصائغ: لما رأيت العرب وصنيعها، خِفْتُ ألا تكون لله فيهم حاجة، فلما سلّط الله عليهم أبا مسلم، رجوت أن تكون لله فيهم حاجة

(6)

.

(1)

النزاع والتخاصم للمقريزي (ص 66) نقلاً عن المرجع السابق.

(2)

سير أعلام النبلاء (6/ 58 - 59).

(3)

المرجع السابق (6/ 53).

(4)

السابق أيضاً (6/ 67).

(5)

تاريخ دمشق لابن عساكر (10/ 196 مخطوط الظاهرية)، والبداية والنهاية لابن كثير (10/ 71).

(6)

تاريخ دمشق (10/ 190 مخطوط الظاهرية)، وسير أعلام النبلاء (6/ 53).

ويعني إبراهيم الصائغ بكلامه هذا: أن العرب بَدَرَت منهم بعض الهفوات =

ص: 40

وكان إبراهيم بن ميمون الصائغ قائل هذه المقالة أحد ضحايا أبي مسلم، فإنه كان من أصحابه وجلسائه في زمن الدعوة لبني العباس، وكان أبو مسلم يَعِدُهُ إذا ظهر أن يقيم الحدود. فلما تمكّن أبو مسلم، ألَحَّ عليه إبراهيم بن ميمون في القيام بما وعده به حتى أَحْرَجَهُ، فأمر بضرب عنقه، وقال له: لم لا كنت تنكر على نصر بن سيّار وهو يعمل أواني الخمر من الذهب، فيبعثها إلى بني أميّة؟ فقال له: إن أولئك لم يقرِّبوني من أنفسهم، ويعدوني منها ما وعدتني أنت. وقد رأى بعضهم لإبراهيم بن ميمون هذا منازل عالية في الجنة؛ بصبره على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه كان آمراً ناهياً قائماً في ذلك، فقتله أبو مسلم

(1)

.

ويقول أبو نعيم الأصبهاني: (قتله أبو مسلم مظلوماً شهيداً سنة إحدى وثلاثين ومائة)

(2)

.

فظهر مما تقدم أن الشعوبية أعلنت عداءها للعرب في العصر العباسي الأول، وبرز العنصر الفارسي مستغلاً نصرته لدولة العباسية، هذا مع أن الدعوة العباسية ظهرت وانتشرت في خراسان، وكانت خراسان مركزاً للديانات والعقائد الفارسية

(3)

. والدولة العباسية، وإن كانت في أصلها دولة عربية، إلا أنها قامت على أكتاف قائد فارسي

= والمظالم التي جعلته يتخوّف عليهم من أن لا تكون لله فيهم حاجة، ولم يتصور أن العرب مع ما فيهم هم خير من غيرهم في الجملة، فلما رأى ولاية أبي مسلم وما صنع بالعرب من الظلم استدرك، فرجى أن تكون لله فيهم حاجة، فإن الظالم يسلط عليه من هو أظلم منه، ولذلك يقول علي بن عَثَّام بعد ذكره لهذا القول:(ما انتقم الله من قوم ((في الأصل: لقوم)) إلا بشرٍّ منهم).

(1)

البداية والنهاية (10/ 68).

(2)

تهذيب الكمال (2/ 224).

(3)

انظر كتاب: (الشعوبية وأثرها الاجتماعي

) (ص 68 - 70، 80).

ص: 41

الأصل، وهو أبو مسلم الخراساني

(1)

، وكان مُعْظَمُ جيشه من أهل خراسان

(2)

، وهذا الذي شجع أصحاب الديانات الفارسية على القيام بحركة زندقية واسعة

(3)

، لأنها وجدت حافزاً لها في هذه البيئة المناسبة لدعوتها، وليس أدَلَّ على هذا من أن الذين قاموا يطالبون بالثأر لأبي مسلم الخراساني لما قتله أبو جعفر المنصور هم من المجوس، يقول الذهبي:(ولما قتل- يعني أبا مسلم- خرج بخراسان سنباذ للطلب بثأر أبي مسلم، وكان سنباذ مجوسياً، فغلب على نيسابور والرَّيّ، وظفر بخزائن أبي مسلم، واستفحل أمره، فجهز المنصور لحربه جمهور بن مَرَّار العجلي في عشرة آلاف فارس، وكان المصَافّ بين الرَّيّ وهمذان، فانهزم سنباذ، وقتل من عسكره نحو من ستين ألفاً، وعامتهم كانوا من أهل الجبال، فسبيت ذراريهم، ثم قتل سنباذ بأرض طبرستان)

(4)

.

وتقدم قريباً ما ذكره الذهبي من أن بعض الزنادقة والطُّغَام من التناسخية اعتقدوا أن الباري سبحانه وتعالى حلّ في أبي مسلم الخراساني المقتول، ولذا نجد هناك من اتهم أبا مسلم في إسلامه.

يقول ابن كثير: (قد اتهمه بعضهم على الإسلام، ورموه بالزندقة، ولم أر فيما ذكروه عن أبي مسلم ما يدلّ على ذلك، بل على أنه كان ممن يخاف الله من ذنوبه، وقد ادّعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية، والله أعلم بأمره)

(5)

.

والزَّنْدَقَةُ: لفظة فارسية معَرَّبَة، والزنادقة: هم المبطنون للكفر،

(1، 2، 3) انظر كتاب (الشعوبية وأثرها الاجتماعي

) (ص 68 - 70، 80).

(4)

سير أعلام النبلاء (6/ 71).

(5)

البداية والنهاية (10/ 71).

ص: 42

المظهرون الإسلام، أو الذين لا يتديّنون بدين، يفعلون ذلك استخفافاً بالدين

(1)

.

قال الدكتور عمر فلاتة

(2)

: ((وقد اندس الزنادقة بين صفوف المسلمين عند ما أكرهوا على الدخول في دين الله، فأظهر جماعة منهم الإسلام، ولم تنشرح صدورهم له، وقد كان بعض هؤلاء الزنادقة ذوي مكانة في مجتمعاتهم قبل الفتح الإسلامي لبلدانهم، وبسقوط إمبراطورياتهم ومملكاتهم أضحوا نسياً منسياً، فدفع بهم الحقد الدفين في نفوسهم إلى الكيد للإسلام والمسلمين، وقد أجهدوا أنفسهم للوصول إلى أغراضهم. ولما كان باب القرآن قد أُوصِد أمامهم، منذ جُمِع الناس على مصحف واحد، لجأوا إلى باب السنة، منه يدخلون، وعلى السذج من المسلمين يلفقون، فأذكوا نار الفتنة، ووسعوا دائرة الخلاف بين المسلمين، وأدرجوا في الشريعة السمحاء من معتقداتهم الباطلة، يعززونها بوضع الحديث عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وقد تعددت طرقهم في كيفية بث سمومهم ونشر مفترياتهم، فمنهم من اتخذ التشيع له شعاراً ينشر منه مفترياته كما فعل ابن سبأ.

ومنهم من كان يدس الأباطيل والأكاذيب السخيفة عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قاصدين بذلك تشويه صورة الإسلام الناصعة، في عقائده وعباداته ومقاصده، فقد وضعوا أحاديث تتعلق بذات الله وصفاته تتناقض مع عقيدة الإسلام الصحيحة، وهي تَنُمُّ عما تنطوي عليه بواطنهم، بالإضافة إلى ما يقصدون من وراء ذلك من تنفير العامة عن الإسلام، وإظهاره بمظهر الدين المتناقض الذي يشتمل على كثير من الأمور

(1)

انظر لسان العرب (10/ 147)، وفتح المغيث للسخاوي (1/ 239)، والوضع في الحديث لعمر فلاتة (1/ 220).

(2)

في كتابه: الوضع في الحديث (1/ 220 - 223).

ص: 43

المتناقضة وغير المعقولة.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن هؤلاء الزنادقة كثيراً ما نراهم يُقِرُّون بالوضع، بل إن غالبهم كان يُقِرُّ بأنه وضع أحاديث كثيرة تركها تجول بأيدي العامة من الناس.

فهذا عبد الكريم بن أبي العوجاء، لما أراد محمد بن سليمان بن علي ضرب عنقه قال: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرّم فيها الحلال، وأحل فيها الحرام، ولقد فطرّتكم في صومكم، وصوّمتكم في يوم فطركم.

وهذا المهدي يقول: أقرّ عندي رجل من الزنادقة أنه وضع أربعمائة حديث فهي تجول في أيدي الناس.

ثم قال الدكتور عمر فلاتة: ويرى بعض الباحثين أن إقرار الزنادقة بوضع الحديث، وإصرارهم على ذلك، إنما هو من تحدِّيهم للمسلمين وإصرارهم على زندقتهم.

وقد بدا لي والله أعلم أن إقرار بعضهم، واعترافهم بالوضع في الحديث بصور هائلة، وأرقام خيالية، هو جزء من مخططهم الرهيب، فقد أبت زندقتهم إلا تنفير الناس من معتقداتهم، والطعن عليهم في دينهم، وقد بذلوا جهدهم في ذلك حال تمتعهم بحرياتهم، فلما أُخذوا وأيقنوا بالهلاك، عملوا على تنفيذ مخططاتهم، بالتشكيك فيما في أيدي الناس من الأحاديث والروايات، وليس معنى هذا أنهم لم يكذبوا مطلقاً، بل إنهم كذبوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث، وهم بذلك يُعَدُّون كذابين وضاعين، إلا أنه لا ينبغي أن يسلّم لهم وضع هذه الأعداد الهائلة، لا سيما وأن بعضهم حصرها في تحليل الحرام، أو تحريم الحلال. ولو تتبعنا الكتب التي عنيت بجمع الأحاديث الموضوعة، لم تبلغ هذا العدد، فضلاً عن أن تبلغ أحاديث الأحكام

ص: 44

هذا الرقم. فالزنادقة كما أفسدوا حال حياتهم، أرادوا أن يفسدوا أيضاً بعد أخذهم وتقتيلهم، فألقوا القول رغبة في تشكيك الناس في سنة رسولهم صلى الله عليه وسلم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وقد أحسن الخلفاء صنعاً حينما أخذوهم وقعدوا لهم كل مرصد، وأراحوا الأمة الإسلامية منهم؛ بإنزال أشد العقوبة بهم، وكَفَوا المسلمين شرّهم، فقد سنّ الوالي خالد بن عبد الله القسري سنة حسنة فيهم حينما ضحّى بالجعد بن درهم سنة 125 هـ ثم صار خلفاء بني العباس على سنته لما أحسوا بخطرهم على كيان الإسلام، فتعقبوهم قتلاً وتشريداً، وأشهر من أعمل في رقابهم التأديب: الخليفة المهدي الذي أنشأ ديواناً خاصاً للزنادقة يتتبع فيه أوكارهم ويقضي على رؤسائهم) اهـ بتصرف.

وهذا الذي أشار إليه الدكتور عمر فلاتة من أن المهدي أنشأ ديواناً خاصاً للزنادقة سبق الكلام عنه مع ذكر بعض من أوقع بهم العقوبة لاتهامهم بالزندقة

(1)

، وسار ابناه الهادي والرشيد على طريقته، وسبق ذكر قصة الزنديق الذي أمر هارن الرشيد بضرب عنقه، فقال الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك. قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كلُّها ما فيها حرف نطَقَ به؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفَزَاري وعبد الله بن المبارك يَنْخُلانها، فيخرجانها حرفاً حرفاً

(2)

؟.

وأما التشيع فمتعلق بنشأة الدولة العباسية التي نشأت في خراسان تحت ستار الانتصار لأهل البيت، وخراسان هي مركز

(1، 2) انظر (ص 23 - 24، 27) من هذه المقدمة.

ص: 45

التشيع

(1)

، وكانت الدعوة العباسية في بدايتها تسير مع التشيع جنباً إلى جنب، إلى أن جاء أبو جعفر المنصور، فنحَّى أولاد علي خوفاً على سلطان بني العباس، وهو أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس وولد علي، وكان قبل ذلك أمرهم واحداً

(2)

.

ولما رأى العلويون أنهم قد نُحُّوا، قاموا بعدة ثورات، منها ثورة محمد وأخيه إبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب على أبي جعفر المنصور، وتقدّمت الإشارة إليها

(3)

.

وهناك ثورات أخرى من أهمها: ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب على الهادي في سنة تسع وستين ومائة

(4)

.

وفي سنة سبعين ومائة خرج بعض أهل البيت على هارون الرشيد

(5)

.

وفي سنة ست وسبعين ومائة خرج على الرشيد أيضاً يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب

(6)

.

وفي سنة سبع ومائتين خرج على المأمون باليمن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب

(7)

.

وفي سنة تسع عشرة ومائتين خرج على المعتصم محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالطّالقان من خراسان

(8)

.

(1)

انظر كتاب (الشعوبية وأثرها الاجتماعي

) (ص 68).

(2)

تاريخ الخلفاء (ص 430).

(3)

انظر (ص 20) من هذه المقدمة.

(4، 5، 6، 7، 8) انظر أخبار هذه الثورات في البداية والنهاية لابن كثير (10/ 157، 161، 167، 259، 260، 282).

ص: 46

وقد أطلّ التشيع برأسه في عهد المأمون الذي كان يتشيع ويظهر التشيع، واسْتَوْزَرَ الفضل بن سهل، وهو أول وزير للمأمون، وسمّاه المأمون: ذا الرئاستين؛ لأنه تولى رئاسة السيف ورئاسة القلم- أي رئاسة الجيوش ورئاسة الديوان-، وهو أول وزير لُقِّب، وأول وزير اجتمعت له الوزارة واللقب والتأمير

(1)

.

وكان الفضل متشيعاً، وله أثر كبير في نقل الخلافة من آل العباس إلى آل علي

(2)

حينما بايع المأمون عليّاً الرضا بولاية العهد من بعده على ما سبق بيانه

(3)

.

وتقدم أن المأمون في سنة إحدى عشرة ومائتين أمر بأن يُنَادى: برئت الذِّمَّة ممن ذكر معاوية بخير، وإن أفضل الخلق بعد رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب، وقدَّمه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم

(4)

.

وكان المأمون أيضاً أول من أظهر القول بخلق القرآن، وكان قبل ذلك مُحَارَباً من خلفاء بني العباس، فهارون الرشيد توعَّد وقتل على هذه المسألة

(5)

.

وكذلك ابنه الأمين، وقصته مع إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة معروفة، وسبق ذكرها

(6)

.

فلما جاء المأمون أظهر القول بخلق القرآن في سنة اثنتي عشرة ومائتين، فكاد البلد يفتتن، فكفَّ عن ذلك حتى سنة ثمان عشرة ومائتين حيث امتحن الناس بالقول بخلق القرآن

(7)

، ودفعه إلى ذلك أمران:

(1)

انظر الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي (ص 85)، وكتاب: (الشعوبية وأثرها

) (ص 293 - 303).

(2)

الشعوبية وأثرها الاجتماعي

(ص 296).

(3، 4، 5، 6) انظر (ص 26 - 32) من هذه المقدمة.

(7)

انظر ما تقدم (ص 33).

ص: 47

1 -

تأثُّرُه بما أدخله في ملة الإسلام من المنطق والفلسفة وسائر علوم اليونان، التي يعتبر أول من أدخلها؛ حينما أحضرها من جزيرة قبرص

(1)

.

2 -

تأثُّرُه بالمعتزلة والجهمية الذين قرَّبهم وأدناهم ممن أخذوا بقول جهم بن صفوان، وجهم أخذه من الجعد بن درهم، والجعد أخذه من أبان بن سمعان، وأخذه أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذه طالوت من خاله لبيد، وهو الذي سحر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان يقول بخلق التوراة

(2)

.

يقول الذهبي رحمه الله: (كان الناس أمة واحدة، ودينهم قائماً في خلافة أبي بكر وعمر، فلما استُشهد قُفْلُ باب الفتنة عمر رضي الله عنه، وانكسر الباب، قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان حتى ذُبح صبراً. وتَفَرَّقَت الكلمة، وتَمَّت وقعة الجمل، ثم وقعة صِفِّين، فظهرت الخوارج، وكفَّرت سادةَ الصحابة، ثم ظهرت الروافض والنواصب.

وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة، والجهمية والمجسِّمة بخراسان في أثناء عصر التابعين، مع ظهور السنة وأهلها، إلى ما بعد المائتين. فظهر المأمون الخليفة- وكان ذكياً متكلِّماً، له نظر في المعقول-، فاستجلب كتب الأوائل، وعَرَّبَ حكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وخَبَّ

(3)

وَوَضَعَ

(4)

، ورفعت الجهمية

(1)

انظر ما تقدم (ص 38)، وكتاب الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي (ص 134)، وما سيأتي.

(2)

الوسائل للسيوطي (ص 131 - 132).

(3)

أي أسرع في عَدْوِهِ، (لسان العرب 1/ 341).

(4)

الوَضْعُ: ضرب من سير الإبل دون الشَّدَّ، وقيل: هو فوق الخَبَبَ. المرجع السابق (8/ 398).

ص: 48

والمعتزلة رؤوسها، بل والشيعة، فإنه كان كذلك. وآل به الحالُ إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن، وامتحن العلماء، فلم يُمْهَلْ، وهَلَكَ لعامه، وخَلَّى بعده شرّاً وبلاءً في الدين، فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله، لا يعرفون غير ذلك، حتى نبغ لهم القول بأن كلام الله مخلوق مجعول، وأنه إنما يضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله. فأنكر ذلك العلماء. ولم تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين، فلما ولي المأمون، كان منهم، وأظهر المقالة)

(1)

.

وقال أبو الفرج ابن الجوزي: (خالطه- أي المأمون- قوم من المعتزلة، فحسنَّوا له القول بخلق القرآن، وكان يتردد ويراقب بقايا الشيوخ، ثم قوي عزمه وامتحن الناس)

(2)

.

وكانت بداية المحنة لمّا قوي عزم المأمون في سنة ثمان عشرة ومائتين، وكان مقامه آنذاك بطرسوس، فأرسل إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم كتاباً طويلاً لامتحان العلماء يقول فيه: (وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حَشَوَةِ الرَّعيَّة، وسَفَلة العامّة ممن لا نظر له ولا رويَّة، ولا استضاء بنور العلم وبرهانه، أهل جهالة بالله وعمىً عنه، وضلالة عن حقيقة دينه

) إلى أن قال: (فاجمع من بحضرتك من القضاة، فأقرأ عليهم كتابنا، وامتحنهم فيما يقولون، واكشفهم عما يعتقدون في خلقه وإحداثه

) إلخ الكتاب

(3)

.

ثم كتب المأمون إلى نائبه كتاباً آخر يأمره فيه أن يُشخص إليه

(1)

سير أعلام النبلاء (11/ 236).

(2)

سير أعلام النبلاء (11/ 237).

(3)

انظره في سير أعلام النبلاء (10/ 287 - 288)، وتاريخ الخلفاء (ص 493 - 494).

ص: 49

سبعة من العلماء، وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأبو مسلم المستملي عبد الرحمن بن يونس، وإسماعيل بن داود، وأحمد الدَّوْرَقي، وإسماعيل بن أبي مسعود، فامتُحنوا، فأجابوا.

قال يحيى بن معين: (جَبُنّا خوفاً من السيف).

ثم كتب المأمون بعد ذلك كتاباً آخر يأمر فيه بإحضار من امتنع، وهم عدّة نفر، منهم: الإمام أحمد، ومحمد بن نوح، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد المعروف بـ: سجَّادة.

فأجابوا كلهم إلا هؤلاء الأربعة، فأمر بهم إسحاق فقُيِّدوا، ثم سألهم من الغد وهم في القيود، فأجاب سجّادة، ثم عاودهم ثالثاً، فأجاب القواريري، وصمَّم الإمام أحمد ومحمد بن نوح، فبعث بهما مقيَّدين إلى المأمون، فتوفي محمد بن نوح- رحمه الله في الطريق، ودعا الله الإمامُ أحمد أن لا يريه وجه المأمون، فتلقّاهم خبر موت المأمون في الطريق.

ثم تولى الخلافة بعده المعتصم، فسلك ما كان المأمون ختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن، فكتب إلى البلاد بذلك، وأمر المعلمين أن يعلموه الصبيان، وقاسى الناس منه مشقّة، وقَتَل عليه خلقاً من العلماء، وضُرب الإمام أحمد، وكان ضربه في سنة عشرين، وقيل: سنة تسع عشرة ومائتين، فصبر رحمه الله حتى أعيا المعتصم أمره، فكفّ عن ضربه، وفرّج الله عنه، واستمرّت هذه المحنة بقية ولاية المعتصم، ثم ابنه الواثق من بعده، حتى جاء المتوكِّل- رحمه الله من بعدهما، فرفع المحنة عن الناس، وأظهر السنَّة

(1)

.

(1)

انظر فيما سبق ومزيد تفصيل عن هذه المحنة الكتب الآتية: ذكر محنة الإمام أحمد =

ص: 50

قال الذهبي: (وامتحن- أي المعتصم- الناس بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الإمصار، وأخذ بذلك المؤذِّنين وفقهاء المكاتب، ودام ذلك حتى أزاله المتوكِّل بعد أربعة عشر عاماً)

(1)

.

ومن الواضح أن هذه المحنة إنما طالت من كان قريباً من محلّ إقامة الخليفة، وكان سعيد بن منصور آنذاك بمكة، ولم يُذكر أن أحداً من العلماء المقيمين بمكة امتُحن كما امتُحن هؤلاء المذكورون ومن كان معهم، إلا أن صدى الفتنة عمَّ أرجاء العالم الإسلامي، فساء ذلك علماء أهل السنة، فشرعوا في الردّ على أصحاب هذه المقالة، والتحذير من الخوض في علم الكلام ومجالسة أهل الأهواء، وأقوالهم في هذا كثيرة جداً

(2)

. وكان بعض هذه الردود والتحذيرات في مؤلفات مستقلة ككتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، وبعضهم يسميه:(الرد على الجهمية)

(3)

، ومعظم رواياته فيه عن أبيه، وبعض هذه الردود تأتي على صفة أبواب ضمن مؤلفات كما صنع سعيد بن منصور في سننه، فإنه عقد أبواباً تتعلق بأصول الاعتقاد؛ مثل الشفاعة، والقَدَر، والنهي عن مجالسة أهل الأهواء، والنهي عن الاستماع لأهل البدع، والنهي عن سب أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وسيأتي مزيد تفصيل لهذا في الكلام عن معتقده.

= لابن عمه حنبل بن إسحاق، وكتاب المحن لأبي العرب التميمي (ص 438 - 444)، وسير أعلام النبلاء (10/ 287 - 288، 292، 307)، (11/ 232 فما بعد)، والبداية والنهاية لابن كثير (10/ 330 - 340)، وتاريخ الخلفاء (ص 493 - 499).

(1)

سير أعلام النبلاء (10/ 291).

(2)

انظر على سبيل المثال كتاب الإبانة لابن بطّة (1/ 390 فما بعد).

(3)

وقد طبع الكتاب عدة طبعات، منها طبعة جيدة بتحقيق الشيخ الدكتور محمد بن سعيد القحطاني، نشرته دار ابن القيم بالدمام عام 1406 هـ، وقد ذكر في المقدمة (ص 57) أنه هناك من يسميه:(الرد على الجهمية).

ص: 51

جـ- الحالة العلمية:

إن هذه الفترة التي عاشها سعيد بن منصور هي الفترة الذهبية للحالة العلمية في تاريخ الأمة الإسلامية. فقد شهد هذا العصر كثيراً من الشخصيات العلمية البارزة التي كان لها أكبر الأثر على الأمة، ولا تزال آثارها باقية. وعلى رأس هؤلاء: الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. كما أن هناك كثيراً من فحول العلماء الذين لا يقلّون عن هؤلاء أهمّية؛ أمثال: ابن جريج والأوزاعي وشعبة وسفيان الثوري وحماد بن سلمة وحماد بن زيد والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبد الله بن وهب وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم كثير.

ويعتبر هذا العصر هو عصر التصنيف وتدوين السنة على الأبواب، وبدايته من سنة ثلاث وأربعين ومائة، وكانت السنّة قبل ذلك يتلقاها العلماء حفظاً، أو في صحف غير مرتّبة.

يقول الذهبي رحمه الله: (في سنة ثلاث وأربعين- يعني ومائة- شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير. فصنَّف ابن جريج بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة، وصنَّف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هشيم، والليث، وابن لهيعة، ثم ابن المبارك، وأبو يوسف، وابن وهب، وكثُر تدوين العلم وتبويبه ودوِّنت كتب العربية، واللغة، والتاريخ، وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يَرْوُونَ العلم من صحف صحيحة غير مرتَّبة)

(1)

.

(1)

تاريخ الخلفاء (ص 416 - 417).

ص: 52

وسبق أن بَيَّنْتُ

(1)

متى بدأ التدوين والتصنيف، وأن أوَّل من صنّف على الأبواب: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت 150 هـ) بمكة، والإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) أو محمد بن إسحاق بن يسار (ت 151 هـ) بالمدينة والربيع بن صَبيح (ت 160 هـ) أو سعيد بن أبي عروبة (ت 156 هـ أو 157 هـ)، أو حماد بن سلمة (ت 167 هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري (ت 161 هـ) بالكوفة، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت 157 هـ) بالشام، وهشيم بن بشير الواسطي (ت 183 هـ) بواسط، ومعمر بن راشد (ت 153 هـ) باليمن، وجرير بن عبد الحميد (ت 188 هـ) بالرَّيّ، وعبد الله بن المبارك المَرْوَزي (ت 181 هـ) بمَرْو وخراسان.

أما ابن جريج، فصنّف كتاب السنن، وكتاب الحج أو المناسك، وكتاب التفسير، وكتاب الجامع

(2)

.

وأما الإمام مالك، فصنّف كتاب الموطّأ

(3)

.

وأما محمد بن إسحاق، فصنّف كتاب المغازي

(4)

.

وأما سعيد بن أبي عروبة، فله مصنّفات كثيرة، منها: تفسير القرآن، والسنن، والمناسك، والنكاح، والطلاق

(5)

.

(1)

انظر ما تقدم (ص 5 / ق - 7 / ق).

(2)

انظر الفهرست للنديم (ص 282) والتهذيب (2/ 205)، (4/ 244)، ودراسات في الحديث النبوي للدكتور محمد مصطفى الأعظمي (ص 286 - 289). وذكر النديم أن كتاب السنن يحتوي على مثل ما تحتوي عليه كتب السنن، مثل: الطهارة والصيام والصلاة والزكاة وغير ذلك.

(3)

وهو كتاب مشهور طبع عدة طبعات، منها بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

(4)

وهو مشهور أيضاً، يوجد منه قطعة نشرها الدكتور سهيل زكار، كما أن ابن هشام هذب سيرة ابن إسحاق وطبع كتابه هذا عدة طبعات.

(5)

انظر الفهرست للنديم (ص 283)، وفتح الباري (9/ 464)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 254 - 256).

ص: 53

وأما سفيان الثوري، فله كتب عدَّة، منها: الجامع الكبير، والجامع الصغير، والفرائض، والتفسير

(1)

.

وأما الأوزاعي، فالّف كتباً عديدة، إلا أنها احترقت ولم يبق منها شيء سوى اقتباسات في بعض الكتب، فمن كتبه: كتاب السنن في الفقه، وكتاب المسائل في الفقه

(2)

.

وأما هشيم بن بشير، فهو ممن كثرت عنايته بالآثار، وجمعه للأخبار، وحفظ، وصنَّف كتباً عديدة، منها: السنن في الفقه، والتفسير، والقراءات، والصلاة

(3)

.

وأما معمر بن راشد، فصنّف كتاب المغازي، وكتاب التفسير، وكتاب الجامع

(4)

.

وأما عبد الله بن المبارك، فصنّف كتباً عديدة، منها: المسند وكتاب الزهد، وكتاب الجهاد، وكتاب السنن في الفقه، وكتاب التفسير، وكتاب التاريخ، وكتاب البر والصلة

(5)

.

(1)

الفهرست للنديم (ص 281)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 256 - 261).

(2)

أيضاً الفهرست للنديم (ص 284)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 278 - 279).

(3)

الفهرست للنديم (ص 284)، وذكر أخبار أصبهان (1/ 118)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 318).

(4)

الفهرست أيضاً (ص 106)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 312).

وقد طبع كتاب الجامع لمعمر في آخر مصنف عبد الرزاق بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.

(5)

الفهرست للنديم (ص 284).

وقد طبع كثير من هذه الكتب لابن المبارك، أما كتاب المسند فهناك قطعة منه قام بتحقيقها صبحي السامرائي، ونشرته دار المعارف بالرياض عام 1407 هـ، ثم قام بتحقيقه أيضاً الدكتور مصطفى عثمان وضمّ إليه كتاب البر والصلة، ونشرته دار الكتب العلمية ببيروت عام 1411 هـ. =

ص: 54

وكان هؤلاء الأئمة في عصر واحد تقريباً، فلا ندري أيهم كان أسبق، وإن قال بعضهم: إن ابن جريج أول من صنف، إلا أن الأَوْلى أن يُقَيَّد كل منهم بمصره، فيقال: أول من صنف بالكوفة سفيان الثوري، وهكذا

(1)

.

وبعض هؤلاء الذين هم أول من صنف من شيوخ سعيد بن منصور، مثل الإمام مالك وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وجرير بن عبد الحميد.

ولم يكن التصنيف في ذلك العصر مقصوراً على هؤلاء، بل هناك عدد كثير ممن صنَّف غيرهم، نذكر منهم:

1 -

إبراهيم بن طَهْمان (ت 163 هـ):

كتب الكثير، ودوّن كتبه التي أثنى عليها ابن المبارك بقوله:(إبراهيم بن طهمان صحيح الكتب)

(2)

.

ومن كتبه: التفسير، والسنن في الفقه، والعيدين، والمناقب

(3)

.

2 -

الحسين بن واقد المَرْوَزي (ت 159 هـ):

له كتاب التفسير، وكتاب الوجوه في القرآن

(4)

.

= وأما كتاب الزهد فقام بتحقيقه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، ونشره محمد عفيف الزعبي.

وأما كتاب الجهاد، فقام بتحقيقه الدكتور نزيه حمّاد، ونشرته دار المطبوعات الحديثة بجدّة.

(1)

كما تقدم ذكره عن الحافظين: العراقي وابن حجر (ص 7 / ق) من هذه المقدمة.

(2)

الجرح والتعديل (2/ 108).

(3)

الفهرست للنديم (ص 284)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 224).

وقد طبع جزء حديثي بعنوان: (مشيخة ابن طهمان) بتحقيق الدكتور محمد طاهر مالك الذي رجح في المقدمة (ص 6) أن هذا الكتاب هو كتاب السنن في الفقه لابن طهمان، وأن كلمة (سنن) تصحّفت إلى (مشيخة).

(4)

الفهرست للنديم (ص 284)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 242).

ص: 55

3 -

زائدة بن قدامة الثقفي (ت 160 هـ):

له كتب، منها: السنن، والقراءات، والتفسير، والزهد، والمناقب

(1)

.

4 -

سفيان بن عيينة (198 هـ):

له كتاب التفسير

(2)

.

5 -

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ذئب (ت 158 هـ):

له كتاب السنن، ويحتوي على الفقه، مثل: الصلاة، والطهارة، والصيام، والزكاة، والمناسك، وغير ذلك.

وله كتاب الموطأ، وقد يكون هو نفس السنن، وقد بقي هذا الموطأ لعدة قرون

(3)

.

وتقدم

(4)

أن معظم هذه المصنفات كان يضم أحاديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وما ورد عن الصحابة والتابعين، إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك على رأس المائتين، فصُنِّفَت المسانيد.

وقد كان لتلك الهجمة الشرسة من الزنادقة وأهل الكلام على العقيدة الإسلامية والسنة النبوية أثر إيجابي على الحركة العلمية آنذاك، حيث شعر العلماء بعظم المسئولية الملقاة على عاتقهم، فعنوا بنقد الأحاديث، والكشف عن أحوال الرواة، والرد على أهل الكلام والتحذير منهم.

(1)

الفهرست أيضاً (ص 282)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 250).

(2)

الفهرست (ص 282)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 261 - 262).

(3)

الفهرست (ص 281)، ودراسات في الحديث النبوي (ص 306).

(4)

في (ص 7 / ق).

ص: 56

فجواب هارون الرشيد لذلك الزنديق الذي ادّعى أنه وضع ألف حديث يدلّ على أن علماء الحديث قد تصدّوا لنقد الأحاديث التي وضعها الزنادقة وغيرهم، وبيّنوا الزائف من غيره. وشبيه به ما ذكره عبدة بن سليمان قال: قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة، {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}

(1)

.

وأما الكشف عن أحوال الرواة فَيَتَجَلَّى بالنظر إلى ذلك الكم الهائل المودع في كتب الرجال، من كلامهم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وتمييز الثقات من الضعفاء والمجاهيل، ومن كان ثقة ثم عرض له عارض يوجب ضعفه كالاختلاط، ومن هو ثقة ولا تقبل روايته إلا بشروط كالمدلِّسين، والعناية بتواريخ مواليد الرواة ووفياتهم وبلدانهم

، إلى غير ذلك مما يتوصل من خلاله إلى نقد الأسانيد.

وكان الكشف عن أحوال الرواة موجوداً منذ عهد النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لكن العلماء في هذا العصر تصدَّوا له بسبب ما تقدم ذكره من وجود الحاجة؛ للوقوف في وجه تلك التحديات المشار إليها.

يقول صالح جزرة: (أول من تكلم في الرجال شعبة بن الحجاج، ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم بعده أحمد بن حنبل ويحيى بن معين)

(2)

.

قال ابن الصلاح تعليقاً على هذا الكلام: (قلت: وهؤلاء يعني أنه أول من تصدَّى لذلك وعُني به، وإلا فالكلام فيه جرحاً وتعديلاً متقدم ثابت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وجُوِّز ذلك صوناً للشريعة ونفياً للخطأ والكذب عنها)

(3)

.

(1)

الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 18)، وفتح المغيث للسخاوي (1/ 241).

(2، 3) مقدمة ابن الصلاح (ص 440).

ص: 57

وأما الرد على أهل الكلام والتحذير منهم، فتقدم الكلام عنه

(1)

.

2 -

اسمه، ونسبه، وكنيته:

هو أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة البَزَّازُ

(2)

، الخُرَاساني

(3)

، النَّيْسَابوري

(4)

، الجُوزَجَاني

(5)

،. . . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

انظر (ص 51 / ق).

(2)

البَزَّازُ- بفتح الباء المنقوطة بواحدة، والزاي المشدَّدة، وفي آخرها الزاي-: نسبة إلى من يبيع البَزَّ، وهو الثياب، كما في الأنساب للسمعاني (2/ 199).

ولم أجد من نسب سعيد بن منصور إلى هذه النسبة سوى تلميذه مسلم في الكنى (ص 73)، وعنه نقله ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 355 مخطوط الظاهرية).

(3)

هذه النسبة إلى الإقليم الذي هو منه، وهو: خُرَاسَانُ، وهي بلاد واسعة، أوَّلُ حدودها مما يلي العراق:(أزَاذْوار) قَصَبَةُ جُوَيْن وبَيْهق، وآخر حدودها مما يلي الهند:(طَخَارِسْتَانُ) و: (غَزَنَةُ) و: (سِجِسْتَانُ) و: (كِرْمَانُ)، وليس ذلك منها، إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل خراسان على أُمَّهات من البلاد، منها: نيسابور، ومَرْو، وبَلْخ، وطالْقان، وجُوزجان. وقد فتحت أكثر هذه البلاد عُنْوَةً وصُلْحاً في سنة إحدى وثلاثين للهجرة في أيام عثمان رضي الله عنه، بإمارة عبد الله بن عامر بن كُرَيْزَ. اهـ من معجم البلدان (2/ 350 - 354).

(4)

هذه النسبة إلى مدينة (نَيْسَابُور) التي قد يكون سعيد بن منصور استوطنها مُدَّةً، وهي مدينة عظيمة من مدن خُراسان، ذات فضائل جسيمة، مَعْدِنُ الفُضَلاء، ومنبع العلماء، وكان المسلمون فتحوها في أيام عثمان رضي الله عنه كما في معجم البلدان (5/ 331)، قال ياقوت:(لم أَرَ فيما طَوَّفْتُ من البلاد مدينة كانت مثلها). ولم أجد من نسب سعيداً إلى نيسابور سوى أبي عبد الله الحاكم، فيما نقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 355) أنه قال:(سعيد بن منصور، أبو عثمان النَّيْسَابُوري، ويقال: الخُراساني، ويقال: الجُوزجاني، ويقال: البَلْخي، سكن مكة مجاوراً بها، فنسب إليها) اهـ.

(5)

هذه النسبة إلى (جُوزَجَان) لأنه وُلد بها كما نصّ عليه أحمد بن محمد بن الحسين- لعلَّهُ الماسِرْجِسي- حيث قال: (سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، الجوزجاني، وُلد بها) اهـ. من الموضع السابق من تاريخ دمشق.

و: (جُوْزَجَانُ): اسم كُورة واسعة من كور بَلْخ بخراسان، وهي بين مَرْو الرُّوذ =

ص: 58

البَلْخِي

(1)

، المَرْوَزِي

(2)

- ويقال: الطَّالْقَاني

(3)

-، المكِّي، المجاور

(4)

.

3 -

مولده ونشأته:-

تقدم معنا ما يدل على أن سعيد بن منصور تنقل بين مدن وبلدان خراسان، ما بين بلد ولد بها، وأخرى نشأ بها، وثالثة سكنها، وهكذا إلى أن استقر بمكة حتى الوفاة.

فولادته كانت بجُوزَجَان

(5)

قريباً من سنة سبع وثلاثين ومائة

= وبَلْخ، فتحت عنوة سنة ثلاث وثلاثين للهجرة. اهـ. من معجم البلدان (2/ 182).

(1)

هذه النسبة إلى مدينة (بَلْخ) لأنه نشأ بها كما نصّ عليه أحمد بن محمد بن الحسين حيث قال: (سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، الجوزجاني، ولد بها، ونشأ ببلخ، سكن مكة سنين مجاوراً) اهـ. من الموضع السابق من تاريخ دمشق.

و: (بَلْخٌ) مدينة مشهورة بخراسان، من أَجَلِّ مدن خراسان وأذكَرها وأكثرها خيراً وأوسعها غَلَّة، فتحها الأحنف بن قيس من قِبَلِ عبد الله بن عامر أيام عثمان رضي الله عنه. اهـ. من معجم البلدان (1/ 479 - 480).

(2)

هذه النسبة إلى مدينة (مَرْو الشَّاهِجَان) لأنه من أهلها كما نصّ عليه أبو سعيد بن يونس، ونقله عنه ابن عساكر في الموضع السابق من تاريخه أنه قال:(سعيد بن منصور، الخراساني من أهل مَرْو).

و: (مَرْو الشَّاهِجان) هذه هي مَرْو العظمى، أشهر مدن خراسان، والنسبة إليها:(مَرْوَزِيّ)، وبينها وبين نيسابور سبعون فرسخاً، ومنها إلى بلخ مائة واثنان وعشرون فرسخاً. اهـ. من معجم البلدان (5/ 112 - 116).

(3)

هذه النسبة إلى: (الطَّالْقَان)، وهي بلدة بخراسان، بين (مَرْو الرُّوذ) وبَلْخ، مما يلي الجبال، بينها وبين (مَرْو الرُّوذ) ثلاث مراحل. انظر الأنساب للسمعاني (9/ 8)، ومعجم البلدان (4/ 6 - 8).

ونسبة سعيد بن منصور إلى هذه البلدة في قول قيل كما في تهذيب الكمال المطبوع (11/ 77)، وسير أعلام النبلاء (10/ 586)، فإن صَحَّت النسبة، فقد يكون سكنها.

(4)

نسبة إلى مكة لأنه سكنها سنين مجاوراً إلى أن توفي بها كما سيأتي، وكما سبق نقله عن أبي عبد الله الحاكم وأحمد بن محمد بن الحسين.

(5)

كما سبق نقله عن أحمد بن محمد بن الحسين، وفي تاريخ دمشق (7/ 356) نقلاً عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب الأصمّ أنه قال:(بلغني أنه ولد بجوزجان، ونشأ بِبَلْخ).

ص: 59

إما قبلها أو بعدها بيسير؛ لأن وفاته كانت في سنة سبع وعشرين ومائتين، وتوفي وقد جاوز الثمانين أو التسعين. ولم أجد من حدد عمره حين توفي سوى الذهبي، واختلف قوله فيه، فمرة قال:((قلت: كان من أبناء ثمانين سنة أو أزيد))

(1)

ومرة ذكر أنه توفي في سنة سبع وعشرين ومائتين وهو في عشر التسعين

(2)

.

وانتقل إلى بَلْخ حيث نشأ بها

(3)

.

وليس هناك ما يسعفنا في معرفة سبب انتقال أسرته من جُوزجان إلى بَلْخ، ولا في معرفة حالة أسرته التي نشأ في كَنَفها.

وأما بَلْخ فكانت من أجلِّ مدن خراسان، وأَذْكَرِها، وأكثرها خيراً، وأوسعها غلَّةً، تُحمل غلَّتُها إلى جميع خُراسان وإلى خَوارِزِمْ كما قال ياقوت

(4)

.

وقال السمعاني: (خرج منها عالَم لا يُحصى من العلماء، والأئمة، والمحدِّثين، والصُّلَحَاء قديماً وحديثاً)

(5)

.

ومن أبرزهم ثلاثة ممن عاصرهم سعيد بن منصور:

أحدهم: أبو إسحاق إبراهيم بن أدْهَم بن منصور البَلْخي، الزاهد المشهور

(6)

.

(1)

سير أعلام النبلاء (10/ 587).

(2)

تذكرة الحفاظ (2/ 416).

(3)

كما سبق نقله عن أحمد بن محمد بن الحسين، وفي تاريخ دمشق (7/ 356) نقلاً عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب الأصمّ أنه قال:(بلغني أنه ولد بجوزجان، ونشأ بِبَلْخ).

(4)

معجم البلدان (1/ 479).

(5)

الأنساب للسمعاني (2/ 304).

(6)

قال عنه ابن معين: (عابد ثقة)، ووثقه ابن نمير والعجلي، وقال النسائي:(ثقة مأمون، أحد الزُّهَّاد)، وذكره ابن حبان في الثقات وقال:(أصله من بَلْخ، ثم انتقل بعد أن تاب وترك الإمارة إلى الشام طلباً للحلال، فأقام بها مرابطاً غازياً، يصبر على الجهد الجهيد والفقر الشديد والورع الدائم والسخاء الوافر، إلى أن مات في بلاد الروم سنة إحدى وستين ومائة). اهـ من الثقات لابن حبان (6/ 24)، والتهذيب (1/ 102 - 103).

ص: 60

والثاني: عصام بن يوسف بن ميمون البَلْخي، أبو عِصْمَةَ الزاهد

(1)

.

والثالث: مَكِّيُّ بن إبراهيم بن بشير الحَنْظَلي البَلْخي

(2)

.

4 -

طلبه للعلم ورحلته فيه:

إن هذا العصر الذي زَخَرَ بهؤلاء الأئمة السَّالِفِ ذكرهم، هو العصر الذي فيه عاش فيه سعيد بن منصور وتكونت فيه شخصيته العلمية، نتيجة نشاطه في طلب العلم، وعُلُوِّ هِمَّتِهِ، مع ما أنعم الله به عليه من يُسْرِ الحال وطول العمر.

ولم أجد فيما بين يدي من المراجع ما يُسْعِفُ في معرفة سِنِّه حال ابتداء الطلب، أو التاريخ الذي ابتدأ فيه بالطلب، ولذا فإن الضرورة تدعونا إلى التعرف على ذلك على وجه التقريب.

فولادته- كما تقدم- كانت قريباً من سنة ست وثلاثين ومائة، إما قبلها أو بعدها بيسير.

وهو يروي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي ذئب

(3)

والحارث بن نَبْهَان

(4)

، وهما أقدم شيوخه وفاة.

(1)

وهو صدوق كما قال الخليلي، وقال ابن سعد:(كان عندهم ضعيفاً في الحديث)، وقال ابن حبان: (كان صاحب حديث، ثبتاً في الرواية، ربما أخطأ

، ومات عصام سنة عشر ومائتين)، وقال ابن عدي:(روى عصام هذا عن الثوري وعن غيره أحاديث لا يتابع عليها). اهـ من الثقات لابن حبان (8/ 521)، والكامل لابن عدي (5/ 2008)، ولسان الميزان (4/ 168).

(2)

هو ثقة ثبت من شيوخ البخاري، وممن أخرج له الجماعة، وقد وثقه الإمام أحمد والعجلي ومسلمة، وقال ابن سعد:(كان ثقة ثبتاً في الحديث)، وقال الدارقطني:(ثقة مأمون)، وقال الخليلي:(ثقة متفق عليه)، وكانت ولادته سنة ست وعشرين ومائة، ووفاته سنة خمس عشرة ومائتين. اهـ من التهذيب (10/ 293 - 295 رقم 511)، والتقريب (ص 545 رقم 6877).

(3)

كما في تهذيب الكمال المطبوع (11/ 78).

(4)

كما في الحديث رقم (20) من هذه الرسالة.

ص: 61

فابن أبي ذئب توفي سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة

(1)

.

والحارث بن نبهان ذكره البخاري في فصل من مات بين الخمسين إلى الستين ومائة

(2)

.

وقد قال سعيد بن منصور نفسه: (رأيت مالكاً يطوف وخلفه سفيان الثوري يتعلم منه كما يتعلم الصبي من معلِّمه، كلما فعل مالك شيئاً يفعله سفيان، يقتدي به)

(3)

.

وسفيان الثوري توفي سنة إحدى وستين ومائة

(4)

.

فنستفيد مما سبق: أن طلب سعيد بن منصور للعلم كان قبل سنة تسع وخمسين ومائة، فقد يكون عمره عشرين سنة أو أقل أو أكثر بقليل، وأنه رحل قبل سنة إحدى وستين ومائة. والذي يغلب على الظن أن الذي يبلغ به الشوق في طلب العلم إلى أن يرحل، إنما هو من أمضى مدَّةً في الطلب، وحصَّل ما عند شيوخ بلده، فرغب في المزيد. فالظاهر أن طلبه للعلم كان في حال الصِّغَر.

وقد جاب سعيد البلاد شرقاً وغرباً، وضرب في الأرض؛ طلباً للشيوخ والظَّفَر بعلوّ الإسناد.

يحكي الذهبي أنه سمع بخراسان والحجاز والعراق ومصر والشام والجزيرة وغير ذلك

(5)

.

ويقول المِزِّي: (ولد بجُوزَجَان، ونشأ بِبَلْخ، وطاف البلاد، وسكن مكة ومات بها)

(6)

.

(1)

كما في التقريب (ص 493 رقم 6082).

(2)

انظر ترجمته في الحديث رقم (20).

(3)

ترتيب المدارك (1/ 78، 168).

(4)

كما سيأتي في ترجمته في الحديث رقم (30).

(5)

سير أعلام النبلاء (10/ 586).

(6)

تهذيب الكمال للمزي (11/ 77).

ص: 62

وفيما يلي ذكر للمدن التي سمع بها أو روى عن شيوخ

(1)

من أهلها، وبعضها حدَّث بها:

خُرَاسَان: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بها. وهي إقليم واسع ينسب إليه سعيد بن منصور لأنه وُلد ونشأ في بلاد منه

(2)

، فمن بدهيّات الأمور أن يكون أول سماعه فيه. وهذا الإقليم يتبعه بلاد عدّة. منها مَرْو الشَّاهِجَان والرَّيّ.

وقد سمع سعيد بن منصور من عبد الله بن المبارك وهو من مرو، وسمع من جرير بن عبد الحميد، وكان قاضي الرَّيّ.

كِرْمان: وهي آخر حدود خراسان مما يلي الهند، وليست تابعة لها

(3)

.

وقد سمع سعيد من حَسَّان بن إبراهيم الكِرْماني

العراق: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بالعراق.

وهي بلاد تشمل عدة مدن، منها: المدائن

(4)

، والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد.

فممن سمع منه سعيد بن منصور من أهل المدائن: سَلاَّم بن سُلَيم الطويل، وعبد ربه بن نافع.

ومن أهل الكوفة: أبو الأَحْوص سلاّم بن سُلَيْم الحنفي، وشريك بن عبد الله القاضي، وأبو معاوية الضَّرير محمد بن خازم، ومحمد بن فضيل، ويحيى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وحُدَيج بن معاوية، وغيرهم كثير.

ومن أهل البصرة خلق كثير أيضاً، منهم: إسماعيل بن إبراهيم بن

(1)

لم أذكر شيئاً عن هؤلاء الشيوخ هنا اكتفاءً بما سيأتي من ذكرهم مرتبين على حروف المعجم مع الإشارة إلى ما يدل على رواية سعيد بن منصور عنهم.

(2، 3) كما تقدم (ص 58 / ق).

(4)

انظر معجم البلدان (5/ 75)، والحديث الآتي رقم (94).

ص: 63

عُلَيَّة، وحماد بن زيد، وعبد الوارث بن سعيد، ومعتمر بن سليمان، ومهدي بن ميمون، وجعفر بن سليمان الضُّبَعي، ونوح بن قيس، وغيرهم.

ومن أهل واسط: هشيم بن بشير، وخالد بن عبد الله الطحّان، ويزيد بن هارون، وأبو عوانة وضّاح بن عبد الله، وخلف بن خليفة.

ومن أهل بغداد: إبراهيم بن سليمان المؤدِّب.

الجزيرة

(1)

: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بالجزيرة.

ومن أبرز شيوخه من أهل الجزيرة: عَتَّاب بن بشير الجَزَري.

الشام: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بالشام.

وهي بلاد واسعة تضم العديد من أمهات المدن، منها: دمشق وحِمْص وعَسْقَلان والرَّمْلَة

(2)

، وجميعها ممن سمع سعيد عن شيوخ من أهلها.

أما دمشق، فمن شيوخه بها: الوليد بن مسلم، ومروان بن معاوية، وصدقة بن خالد، وسويد بن عبد العزيز، وعمر بن عبد الواحد السلمي، ومدرك بن أبي سعد.

وأما حمص، فمن شيوخه بها: إسماعيل بن عيّاش وفرج بن فضالة.

ومن أهل عسقلان: حفص بن ميسرة ومصعب بن ماهان.

ومن الرَّمْلة: حجر بن الحارث الغسَّاني ومسكين بن ميمون.

مصر: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بها.

(1)

وهي تطلق على عدة بلدان، والمقصود بها هنا: جزيرة أقُورَ، وهي التي بين دجلة والفرات، مجاورة للشام، سميت الجزيرة لأنها بين دجلة والفرات. انظر معجم البلدان (2/ 134).

(2)

انظر معجم البلدان (3/ 69، 312)، (4/ 122).

ص: 64

وذكر أبو سعيد بن يونس أنه قدم مصر وكُتب عنه بها

(1)

.

ومما يدلّ على أنه حدَّث بمصر: ما رواه يعقوب بن سفيان

(2)

قال: وسمعت الحميدي يقول: كنت بمصر، وكان لسعيد بن منصور حلقة في مسجد مصر، ويجتمع إليه أهل خراسان وأهل العراق

إلخ الحكاية، وسيأتي ذكرها بتمامها.

فمن شيوخه من أهل مصر: الليث بن سعد، وعبد الله بن وهب، ويعقوب بن عبد الرحمن وغيرهم، وهذا الأخير من أهل الإسكندرية.

الحجاز: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بالحجاز.

وهو أقليم يضم العديد من المدن، من أهمها: مكة والمدينة حرسهما الله.

وقد سكن سعيد مكة وتوفي بها.

ومن شيوخه بها: سفيان بن عيينة- وكان راويته-، وفضيل بن عياض، وداود بن عبد الرحمن العطار، ومسلم بن خالد.

وأما المدينة فشيوخه فيها كثيرون، منهم: إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وعبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وفُلَيحْ بن سليمان، وغيرهم.

5 -

شيوخه وتاثيرهم فيه:

إن هذه الرِّحلة الواسعة في البلاد التي طافها سعيد بن منصور مكَّنته من السماع من عدد من الشيوخ على اختلافهم، فمنهم أئمة ثقات صالحون يُقتدى بهم، ومنهم أناس دونهم منزلة، ومنهم من هو مُضَعَّف، لكنه لا يبلغ درجة الترك عنده، بل هو ممن يكتب حديثه

(1)

تاريخ دمشق لابن عساكر (7/ 355 / مخطوط الظاهرية).

(2)

في المعرفة والتاريخ (2/ 179).

ص: 65

وإن كان لا يحتجّ به.

وتأثر الطالب بشيخه أمر لا يُنكر، حتى إنك لتجد بعضهم يقلِّد شيخه- ولو بغير قصد- في هيئته، ومشيته، وحركاته، وطريقته في الحديث، وبخاصة إذا اشتدّ إعجابه به، إما لعلمه، أو لصلاحه، أو ما إلى ذلك.

ومن أمثلة ذلك ما حكاه سعيد بن منصور- كما سبق- قال: (رأيت مالكاً يطوف وخلفه سفيان الثوري يتعلَّم منه كما يتعلم الصبي من معلِّمه، كلما فعل مالك شيئاً يفعله سفيان، يقتدي به).

هذا مع أن سفيان يعتبر من أقران مالك- رحمهما الله تعالى-.

وقد تتلمذ سعيد بن منصور على عدد من أئمة أهل السنة، كالإمام مالك، وابن المبارك، وابن عيينة، وغيرهم، ولذا أصبح هو من أئمة أهل السنة كما سيأتي في الكلام عن معتقده. وأما ما سوى ذلك، فلا يحضرني هنا أمر يمكن تعيينه مما يظهر أن سعيداً تأثر فيه بأحد من شيوخه، سوى مسألتين: الأولى: مجاورته بمكة، والثانية: موقفه من أهل الرأي.

أما مجاورته بمكة فقد يكون تأثَّر بشيخه الفضيل بن عياض في ذلك، فكلاهما خراساني جاور بمكَّة حتى توفي بها، وكان سعيد معجباً بصلاح شيخه الفضيل، فإنه إذا حدَّث عنه أحياناً يقول:(الشيخ الصالح فضيل بن عياض)

(1)

.

وأما موقفه من أهل الرأي فقد يكون تأثر بشيخه عبد الله بن المبارك في ذلك.

ومن أمثلة ذلك: شدَّة عبد الله بن المبارك على القاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، فإنه سأله رجل عن مسألة، فأفتاه فيها، فقال:

(1)

تاريخ دمشق لابن عساكر (14/ 260 / مخطوط الظاهرية).

ص: 66

قد سألت أبا يوسف فخالفك، فقال: إن كنت قد صلَّيت خلف أبي يوسف صلوات تحفظها فأعدها.

وقال ابن المبارك أيضاً: إني لأكره أن أجلس في مجلس يُذكر فيه يعقوب

(1)

.

وقيل له مرة: أي الرجلين أفقه: أبو يوسف أو محمد بن الحسن؟ فقال: لا تقل كان أيّهما.

ولما قيل له: قال أبو يوسف، قال: لا ولا كرامة، قل: يعقوب.

وواضح أن موقفه منه كان بسبب الرأي، فإنه مزَّق يوماً كتاباً فيه ذكر له، وذَكر أن بعضهم هوى جارية كان وطئها أبوه، فاستشار أبا يوسف، فقال له: لا تصدِّقها، وجعل ابن المبارك يقطِّع الكتاب

(2)

.

ونجد لسعيد بن منصور أيضاً موقفاً من أبي يوسف يدلّ على عدم رضاه عنه.

قال يعقوب بن سفيان

(3)

: سمعت سعيد بن منصور قال: قال

(1)

أخرجهما يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 789)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 440، 441).

(2)

أخرج هذه الآثار العقيلي في الضعفاء (4/ 440، 443).

وبكلّ حال فضرورة البحث ألجأتني إلى ذكر هذا الكلام عن أبي يوسف، وأعرضت عن أشياء لا داعي لذكرها، وأبو يوسف رحمه الله من أهل السنة في مسائل الاعتقاد وإن سلك مسلك أهل الرأي في الفقهيات، ويجلِّي ذلك كلام ابن حبان فيه، حينما ذكره في الثقات (7/ 645، 646) وقال: (كان شيخاً متقناً، لم يكن يسلك مسلك صاحبيه إلا في الفروع، وكان يباينهما في الإيمان والقرآن،

) إلى أن قال: (لسنا ممن يوهم الرعاع ما لا يستحلّه، ولا ممن يحيف بالقدح في إنسان وإن كان لنا مخالفاً، بل نعطي كل شيخ حظّه مما كان فيه، ونقول في كل إنسان ما كان يستحقه من العدالة والجرح. أدخلنا زُفَراً وأبا يوسف بين الثقات لما تبين عندنا من عدالتهما في الأخبار، وأدخلنا من لا يشبههما في الضعفاء بما صح عندنا مما لا يجوز الاحتجاج به) اهـ.

(3)

في المعرفة والتاريخ (2/ 790).

ص: 67

رجل لأبي يوسف: رجل صلى مع الإمام في مسجد عرفة، ثم وقف حتى دفع بدفع الإمام، قال: ما له؟ قال: لا بأس به. قال: فقال: سبحان الله! قد قال ابن عباس: من أفاض من عُرَنَةَ فلا حجّ له؛ مسجد عرفة في بطن عُرَنَةَ. فقال: أنتم أعلم بالأعلام، ونحن بالفقه. قال: إذا لم تعرف الأصل فكيف تكون فقيهاً؟.

فهاتان المسألتان- مجاورته بمكة، وموقفه من أهل الرأي- قد يكون سعيد بن منصور تأثر فيهما بشيخيه المذكورين، وقد يكون ذلك عن اجتهاد منه ورأياً رآه، وقد يكون موقفه من أبي يوسف بسبب تلك الرؤيا التي رآها، وهي ما رواه أبو يحيى بن أبي مَسَرَّة ومحمد بن عبد الرحمن الشامي عن سعيد بن منصور أنه قال: رأيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله، ألزم أبا يوسف أو هشيماً؟ قال: هشيماً

(1)

.

وفيما يلي ذكر لشيوخ المصنِّف سعيد بن منصور مرتبين على حروف المعجم

(2)

:

إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهري

(3)

.

إبراهيم بن سليمان بن رَزِين المؤدِّب، نزيل بغداد

(4)

.

إبراهيم بن قدامة بن إبراهيم الجُمحي

(5)

.

(1)

تهذيب التهذيب (11/ 63).

(2)

وهم صنفان، فصنف أخرج لهم سعيد في هذا القسم المحقق، فهؤلاء أشير في الحاشية إلى رقم الحديث المترجم لذلك الشيخ فيه، وفي آخر الكتاب فهرس فيه ذكر للمواضع التي روى فيها سعيد عن هؤلاء الشيوخ يستفاد منه في معرفة عدد مرويات كل شيخ، وموضع روايته في هذا القسم المحقق.

والصنف الآخر من لم يخرج لهم سعيد في هذا القسم شيئاً، فهؤلاء أُشير في الحاشية إلى المرجع الذي فيه ما يدل على أن المصنِّف روى عن ذلك الشيخ.

(3)

انظر المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (2/ 102 رقم 2217).

(4)

انظر الحديث رقم [53].

(5)

انظر المطبوع من سنن سعيد أيضاً (1/ 271 رقم 1128).

ص: 68

إبراهيم بن هراسة الشيباني الكوفي

(1)

.

أحمد بن عبد الله

(2)

.

إسماعيل بن إبراهيم بن مِقسَم الأسدي المعروف بابن عُلَيَّة، البصري

(3)

.

إسماعيل بن زكريا بن مُرَّةَ الخُلْقَاني، الكوفي

(4)

.

إسماعيل بن عَيّاش الحِمْصي

(5)

.

إسماعيل بن مسلم المكي

(6)

.

الجَرّاح بن مَلِيح الرُّؤَاسي، أبو وكيع الكوفي

(7)

.

جرير بن عبد الحميد الضَّبِّي، الكوفي، نزيل الرَّيّ

(8)

.

جعفر بن سليمان الضُّبَعي، البصري

(9)

.

الحارث بن عبيد أبو قُدَامة الإيَادي، البصري

(10)

.

الحارث بن نَبْهَان الجَرْمي، أبو محمد البصري

(11)

.

حِبَّان بن علي العَنَزي، أبو علي الكوفي

(12)

.

حجر بن حارث الغَسَّاني، الرَّمْلي

(13)

.

(1)

تهذيب الكمال للمزي (11/ 77 / المطبوع).

(2)

كذا جاء في تاريخ دمشق لابن عساكر (13/ 114 / الظاهرية) غير منسوب، ولم أستطع تمييزه.

(3)

انظر الحديث رقم [59].

(4)

انظر الحديث رقم [81].

(5)

انظر الحديث رقم [9].

(6)

انظر المطبوع من سنن سعيد (2/ 23 رقم 1867).

(7)

انظر الحديث رقم [103].

(8)

انظر الحديث رقم [10].

(9)

انظر الحديث رقم [27].

(10)

انظر الحديث رقم [166].

(11)

انظر الحديث رقم [20].

(12)

انظر الحديث رقم [820].

(13)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 78).

ص: 69

حُدَيْج بن معاوية بن حُدَيْج الكوفي

(1)

.

حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ القُطَعي البصري

(2)

.

حسان بن إبراهيم الكِرْماني

(3)

.

الحسن بن يزيد الأصَمّ

(4)

.

حفص بن غياث بن طَلْق بن معاوية النَّخَعي، أبو عمر الكوفي

(5)

.

حفص بن ميسرة الصنعاني، نزيل عسقلان

(6)

.

الحكم بن ظُهير الفَزَاري، أبو محمد الكوفي

(7)

.

حماد بن زيد بن دِرْهم الأزْدي، الجَهْضَمي، أبو إسماعيل البصري

(8)

.

حماد بن شعيب الحِمّاني الكوفي

(9)

.

حماد بن يحيى الأبَحّ، البصري

(10)

.

خالد بن عبد الله الطَّحَّان الواسطي

(11)

.

خلف بن خليفة بن صاعد، أبو أحمد الكوفي نزيل واسط

(12)

.

داود بن عبد الرحمن العطّار، المكّي

(13)

.

(1)

انظر الحديث رقم [1].

(2)

انظر الحديث رقم [46].

(3)

الموضع السابق من تهذيب الكمال أيضاً.

(4)

انظر الحديث رقم [186].

(5)

انظر المطبوع من سنن سعيد (1/ 269 رقم 1119).

(6)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(7)

انظر الحديث رقم [421].

(8)

انظر الحديث رقم [17].

(9)

انظر المطبوع من سنن سعيد بن منصور بتحقيق الأعظمي (1/ 52 رقم 177)، ولسان الميزان (2/ 348 رقم 1413).

(10)

انظر الحديث رقم [41].

(11)

انظر الحديث رقم [18].

(12)

انظر الحديث رقم [76].

(13)

انظر الحديث رقم [396].

ص: 70

ذَوَّاد بن عُلبة الحارثي، أبو المنذر الكوفي

(1)

.

سعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي، أبو عبد الله المدني، قاضي بغداد

(2)

.

سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي، أبو محمد المكّي

(3)

.

سويد بن عبد العزيز السُّلمي، الدمشقي

(4)

.

سَلاَّم بن سُليم أبو الأحوص الحنفي، الكوفي

(5)

.

سَلاَّم بن سُليم الطويل المدائني

(6)

.

شَريك بن عبد الله النّخعي، الكوفي

(7)

.

شملة بن هزال، أبو الحتروش البصري

(8)

.

شهاب بن خراش بن حوشب الشيباني، أبو الصلت الواسطي، نزيل الكوفة

(9)

.

صالح بن موسى بن إسحاق بن طلحة التَّيْمي الكوفي

(10)

.

صدقة بن خالد الدمشقي

(11)

.

(1)

تهذيب الكمال للمزي (11/ 78 / المطبوع).

(2)

انظر المطبوع من سنن سعيد بن منصور (1/ 73 رقم 272)، وتقريب التهذيب (ص 238 رقم 2350).

(3)

انظر الحديث رقم [15].

(4)

انظر الحديث رقم [174].

(5)

انظر الحديث رقم [52].

(6)

انظر الحديث رقم [178].

(7)

انظر الحديث رقم [4].

(8)

انظر المطبوع من سنن المصنِّف سعيد بن منصور بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي (2/ 198 رقم 2477)، والضعفاء للعقيلي (2/ 192 - 193)، ولسان الميزان (3/ 153 - 154 رقم 550).

وقد تصحَّف شملة هذا في موضع آخر من السنن (2/ 81 رقم 2127) إلى: (سلمة).

(9)

انظر الحديث رقم [206].

(10)

تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 476).

(11)

انظر الحديث رقم [423].

ص: 71

طُعمة بن عمرو الجعفري الكوفي

(1)

.

عباد بن عباد المُهَلَّبي، أبو معاوية البصري

(2)

.

عبد الحميد بن سليمان الخزاعي، أبو عمر المدني

(3)

.

عبد ربه بن نافع، أبو شهاب الحنّاط

(4)

.

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّناد

(5)

.

عبد الرحمن بن زياد الرَّصَاصي

(6)

.

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم

(7)

.

عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة

(8)

.

عبد السلام بن حرب بن مسلم النَّهْدي، أبو بكر الكوفي

(9)

.

عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ

(10)

.

عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّي

(11)

.

عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي

(12)

.

عبد الله بن جعفر بن نَجيح السَّعْدي، أبو جعفر المديني، ثم البصري

(13)

.

عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني، أبو صالح المصري،

(1)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 78).

(2)

انظر الحديث رقم [319].

(3)

تهذيب التهذيب (6/ 116).

(4)

انظر الحديث رقم [7].

(5)

انظر الحديث رقم [67].

(6)

انظر الحديث رقم [6].

(7)

انظر المطبوع من سنن سعيد (2/ 169 رقم 2410).

(8)

سؤالات أبي عبد الرحمن السلمي للدارقطني (ل 8 / أ).

(9)

المطبوع من سنن سعيد (2/ 15 رقم 1830).

(10)

انظر الحديث رقم [790].

(11)

انظر الحديث رقم [113].

(12)

انظر الحديث رقم [69].

(13)

انظر الحديث رقم [168].

ص: 72

كاتب الليث

(1)

.

عبد الله بن عبد العزيز الليثي، أبو عبد العزيز المدني

(2)

.

عبد الله بن المبارك المروزي

(3)

.

عبد الله بن محمد، أبو علقمة الفَرْوي، المدني

(4)

.

عبد الله بن الوليد بن عبد الله بن معقل المزني، الكوفي

(5)

.

عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد المصري

(6)

.

عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقريء

(7)

.

عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري، أبو عبيدة البصري

(8)

.

عبيد الله بن إياد بن لَقِيط السدوسي، أبو السَّلِيل الكوفي

(9)

.

عبيدة بن حميد بن صهيب التيمي الحَذَّاء، أبو عبد الرحمن الكوفي

(10)

.

عبيدة بن ميمون التيمي الرَّقَاشي

(11)

.

عتاب بن بشير الجَزَري

(12)

.

عثمان بن مطر الشيباني

(13)

.

عطاف بن خالد المخزومي

(14)

.

(1)

تهذيب الكمال المطبوع (15/ 103).

(2)

المرجع السابق (11/ 78).

(3)

انظر الحديث رقم [98].

(4)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(5)

أخبار مكة للفاكهي (2/ 261).

(6)

انظر الحديث رقم [310].

(7)

المطبوع من سنن سعيد (1/ 404 رقم 1737).

(8)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 78).

(9)

المرجع السابق.

(10)

المطبوع من سنن سعيد (1/ 229 رقم 943).

(11)

تهذيب التهذيب (7/ 88).

(12)

انظر الحديث رقم [204].

(13)

المطبوع من سنن سعيد (2/ 311 رقم 2803).

(14)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

ص: 73

عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ السُّلَمِيُّ

(1)

.

عمرو بن ثابت الحدَّاد

(2)

.

عمرو بن خالد بن فَرُّوخ بن سعيد، أبو الحسن الحَرَّاني، نزيل مصر

(3)

.

عون بن موسى الليثي

(4)

.

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي

(5)

.

فرج بن فضالة بن النعمان التَّنُوخي الشامي

(6)

.

فضيل بن عياض بن مسعود التميمي، أبو علي الزاهد المشهور

(7)

.

فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي، أبو يحيى المدني

(8)

.

الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي

(9)

.

مالك بن أنس الأصبحي الإمام

(10)

.

محمد بن أبان الجعفي

(11)

.

محمد بن بسيط البصري

(12)

.

محمد بن ثابت العبدي

(13)

.

محمد بن خازم، أبو معاوية الضرير

(14)

.

(1)

انظر الحديث رقم [281].

(2)

انظر الحديث رقم [200].

(3)

المطبوع من سنن سعيد (2/ 326 رقم 2839).

(4)

انظر الحديث رقم [484].

(5)

انظر الحديث رقم [249].

(6)

انظر الحديث رقم [19].

(7)

انظر الحديث رقم [85].

(8)

انظر الحديث رقم [816].

(9)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 78).

(10)

المرجع السابق.

(11)

المطبوع من سنن سعيد (2/ 215 رقم 2506).

(12)

المرجع السابق (2/ 52 رقم 1998).

(13)

انظر الحديث رقم [458].

(14)

انظر الحديث رقم [3].

ص: 74

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ذئب

(1)

.

محمد بن عمار بن حفص بن عمر بن سعد المؤذن

(2)

.

مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنُ غَزْوَانَ

(3)

.

محمد بن يحيى الذهلي

(4)

.

مدرك بن أبي سعد الفزاري

(5)

.

مروان بن معاوية الفزاري

(6)

.

مسكين بن ميمون

(7)

.

مسلم بن خالد الزَّنْجي

(8)

.

مسلم بن عطاء، أبو عَتَّاب القرشي

(9)

.

مصعب بن ماهان المروزي نزيل عسقلان

(10)

.

معتمر بن سليمان التيمي

(11)

.

المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي

(12)

.

مهدي بن ميمون الأزْدي المِعْوَلي، أبو يحيى البصري

(13)

.

(1)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 78).

(2)

تهذيب التهذيب (9/ 358).

(3)

انظر الحديث رقم [704].

(4)

سير أعلام النبلاء (12/ 275).

(5)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(6)

انظر الحديث رقم [128].

(7)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 462).

(8)

انظر الحديث رقم [213].

(9)

المطبوع من سنن سعيد (1/ 94 رقم 359).

(10)

انظر الحديث رقم [145].

(11)

انظر الحديث رقم [242].

(12)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 78).

(13)

انظر الحديث رقم [111].

ص: 75

نافع بن فضالة

(1)

.

نَجيح بن عبد الرحمن أبو معشر السِّنْدي، المدني

(2)

.

نوح بن قيس الأزْدي

(3)

.

هشيم بن بشير الواسطي

(4)

.

وائل بن داود التيمي

(5)

.

وَضَّاح بن عبد الله، أبو عَوَانة اليَشْكُري

(6)

.

الوليد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثور الهمداني

(7)

.

الوليد بن مسلم القرشي الدمشقي

(8)

.

وهب بن المبارك

(9)

.

يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زائدة

(10)

.

يزيد بن معاوية، أبو شيبة الكوفي

(11)

.

يزيد بن هارون بن زاذان السُّلَمي، مولاهم، أبو خالد الواسطي

(12)

.

(1)

كذا جاء في المطبوع من سنن سعيد (1/ 76 رقم 286)، ولم أجد له ترجمة، ولم أجد الحديث الذي جاء فيه في المخطوط الذي عندي.

(2)

انظر الحديث رقم [167].

(3)

انظر الحديث رقم [192].

(4)

انظر الحديث رقم [8].

(5)

انظر الحديث رقم [430].

(6)

انظر الحديث رقم [24].

(7)

انظر الحديث رقم [4].

(8)

انظر الحديث رقم [130].

(9)

كذا جاء في المطبوع من سنن سعيد (2/ 355 رقم 2916)، وهو في المخطوط الذي عندي كذلك (ل 100 / ب)، ولم أجد له ترجمة، وظني أن في الإسناد تصحيفاً.

(10)

انظر الحديث رقم [288].

(11)

تهذيب التهذيب (11/ 360).

(12)

انظر الحديث رقم [43].

ص: 76

يعقوب بن عبد الرحمن القاريء، الإسكندراني

(1)

.

يوسف بن عطية بن ثابت الصَّفَّار، أبو سهل البصري

(2)

.

يونس بن أبي يعفور العبدي

(3)

.

أبو الحريش القَصَّار

(4)

.

هذا ما استطعت أن أظفر به من شيوخ سعيد بن منصور، وعدَّتهم: مائة وعشرة أنفس، أخرج سعيد في هذا القسم المحقق لاثنين وستين منهم، والباقي زدته من باقي المصادر، ومنها المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وتهذيب الكمال للمِزّي، غير أن المزي لم يذكر من هؤلاء الشيوخ سوى سبعة وأربعين شيخاً، منهم ثلاثون شيخاً ممن أُخرج لهم في هذا القسم المحقق، فأصبح عدة من أُخرج لهم في هذا القسم ومن زادهم المِزِّي تسعة وسبعين شيخاً، والباقي وهم واحد وثلاثون شيخاً من باقي المصادر المشار إليها في الحواشي السابقة.

وقد اختلف عدد الأحاديث التي أخرجها سعيد عن كل شيخ من هؤلاء الشيوخ الذين أخرج لهم في هذا القسم، فمنهم من أكثر عنه، ومنهم من أقلّ عنه، وهذا- في نظري- يعود لأمرين:

1 -

تاخر وفاة الشيخ حتى تمكن سعيد من الإكثار عنه.

2 -

مكانة الشيخ، فحرصه على الرواية عن الأئمة الثقات كهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وخالد بن عبد الله الطحّان، وإسماعيل بن

(1)

انظر الحديث رقم [263].

(2)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 121).

(3)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 78).

(4)

المطبوع من سنن سعيد (2/ 165 رقم 2400)، وذكره السمعاني في الأنساب (10/ 433) هكذا:(أبو الجريش القصار) بالجيم.

ص: 77

إبراهيم بن عُلَيَّة، وعبد الله بن المبارك، وأبي معاوية محمد بن خازم، وغيرهم، ليس كحرصه على الرواية عن مثل الحارث بن نَبْهان، أو الحكم بن ظُهير، أو الوليد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثور وأمثالهم من الضعفاء الذين تلجئه الضرورة إلى الإخراج عنهم، إما لكونه لم يجد الحديث عند أحد غيره من مشايخه، أو لكونه لا يتحصَّل له الحديث بِعُلُوّ إلا من طريق شيخه الضعيف، ولو رواه عن شيخه الثقة لنزل فيه، والحديث معروف عند أهل العلم من غير طريق ذلك الضعيف.

وقد أكثر سعيد من الرواية عن بعض شيوخه إكثاراً بيِّناً، مما يَدُلُّ على شدة ملازمته لهم، وعلى رأس هؤلاء هُشيم بن بشير الواسطي، ثم سفيان بن عيينة.

أما هُشيم بن بشير، فإنه في هذا القسم المحقق روى عنه أكثر من ربع الكتاب؛ فإن عدد أحاديث هذا القسم: تسعة وستون وثمانمائة حديث، روى عن هُشيم منها: تسعة وثلاثين ومائتي حديث، فهو أكثر شيخ له عنه رواية، وهذا يعود- في ظني- إلى رؤيا رآها، وهي ما رواه أبو يحيى بن أبي مَسَرَّة ومحمد بن عبد الرحمن الشامي، عن سعيد بن منصور أنه قال: رأيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله، ألزم أبا يوسف أو هُشيماً؟ قال: هُشيماً

(1)

.

وقد كان سعيد بصيراً برواية هشيم، فمعظم روايته عنه نجد هشيماً يصرِّح فيها بالسماع، مما يدلّ على أنه حريص على اجتناب تدليسه ما أمكن، كما أن بعض علماء عصره كان كذلك.

يقول سعيد بن منصور: جاء عبد الرحمن بن مهدي إلى هشيم، فسأله عن أحاديث، وجعل يتحفظ ألا يدلِّس، ويسمع ويتحفظ ولا

(1)

انظر ما تقدم (ص 68 / ق).

ص: 78

يكتب، ثم تنحَّى وجعل يكتب ما سأله باختيار

(1)

، وكان فيما سأله: منصور بن زاذان عن الحسن، شيء في القوارير

(2)

.

قال: فكتب باختيار، فقلت له: يا أبا سعيد

(3)

، هذا لم تسمعه من منصور، وليس عليك

(4)

. قال: فقال لي المدائني الأحول

(5)

: فعل الله بك وفعل، ألا تركت الحُصَيَّةَ تتهوَّر

(6)

.

وأما سفيان بن عيينة، فإنه لازمه في مكة، وهو راويته كما قال أبو عبد الله الحاكم

(7)

، وأحد الحفاظ من أصحابه. يقول الدارقطني:

(1)

المعنى: أن عبد الرحمن بن مهدي لم يكتب ما سمعه من هشيم خشية أن ينشغل بالكتابة فيدلِّس عليه هشيم، فلا يتنبّه، فاكتفى بالسماع والحفظ لما يسمع، مع الحذر من تدليس هشيم، فلما فرغ، جلس في ناحية، وأخذ يكتب بعض ما سمعه من هشيم ويترك بعضه، وهذا هو الاختيار.

(2)

أي: حديثاً عن الحسن البصري في ذكر القوارير.

(3)

هي كنية عبد الرحمن بن مهدي.

(4)

كأن المعنى- والله أعلم-: أن هذا الخلل في الإسناد ليس منك، وإنما هو من تدليس هشيم، فإنه إذا قال هشيم: منصور بن زاذان، لم يصرح بالسماع منه، فإذا كتبه عبد الرحمن كذلك، فكأن الرواية من عبد الرحمن، عن منصور، وهو لم يسمعه منه، فعبد الرحمن برغم حذره من تدليس هشيم لم يتنبّه لهذا حتى نبهه عليه سعيد بن منصور الخبير بتدليس شيخه.

(5)

لم أهتد إليه. وقد ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري في حاشيته على الموضع الآتي من المعرفة والتاريخ أنه عامر بن عبد الواحد الأحول البصري، وعندي في هذا نظر، لأنه لم يُذكر أنه مدائني، بل هو بصري، وهو أعلى من هشيم طبقة.

انظر التقريب (ص 288، 574 رقم 3103، 7312).

(6)

المعرفة والتاريخ ليعقوب سفيان (2/ 666).

والحُصَيَّةُ: تصغير حصاة. وتَهَوَّر بمعنى تهدَّم وانصدع وسقط. وكل ما سقط من أعلى جُرُف، أو شفير رَكِيَّة في أسفلها فقد تَهَوَّر. والتهوُّر أيضاً: الوقوع في الشيء بقلّة مبالاة. انظر لسان العرب (5/ 268).

فظهر من هذا أن المدائني لام سعيداً على تنبيهه عبد الرحمن، ويقول له: لِمَ لَمْ تتركه على خطئه حتى يعاب به، وتسقط مكانته، وهذا من حسد الأقران بعضهم لبعض نسأل الله السلامة.

(7)

تاريخ دمشق لابن عساكر (7/ 355 / مخطوط الظاهرية).

ص: 79

(أصحاب ابن عيينة الحفاظ منهم: الحميدي، ومُسَدَّد، وسعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة)

(1)

.

ولم يكن سعيد أحفظ أصحاب ابن عيينة، بل كان الحميدي يفوقه باعترافه هو حيث يقول:(لا تسألوني عن حديث سفيان، فإن هذا الحميدي يجعلنا على طَبَق)

(2)

.

ويقول الحميدي

(3)

: كنت بمصر، وكان لسعيد بن منصور حلقة في مسجد مصر، ويجتمع إليه أهل خراسان وأهل العراق. فجلست إليهم، فذكروا شيخاً لسفيان، فقالوا: كم يكون حديثه؟ فقلت: كذا وكذا. قال: فَسَبَّحَ سعيد بن منصور، وأنكر ذلك، وأنكر ابن دسيم

(4)

، وكان إنكار ابن دسيم أشدَّ عليّ. فأقبلت على سعيد، فقلت: كم تحفظ عن سفيان عنه؟ فذكر نحو النصف مما قلت، وأقبلت على ابن دسيم، فقلت: كم تحفظ عن سفيان عنه؟ فذكر زيادة على ما قال سعيد نحو الثلاثين مما قلت أنا، فقلت لسعيد: تحفظ ما كتبت عن سفيان عنه؟ قال: نعم، فقلت: فَعُدَّ، قال: فَعَدَّ، ثم قلت لابن دسيم: عُدَّ ما كتبت عن سفيان عنه، فإذا سعيد يغرب على ابن دسيم بأحاديث، وابن دسيم يغرب على سعيد بأحاديث كثيرة، فإذا قد ذهب عليهما أحاديث يسيرة. قال: فذكرت ما ذهب عليهما. قال: فرأيت الحياء والخجل في وجهيهما.

(1)

انظر حاشية المطبوع من تهذيب الكمال (11/ 82).

(2)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 178 - 179)

(3)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 179)، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 356 / مخطوط الظاهرية)، ومنه صوبت بعض العبارات.

(4)

كذا في تاريخ دمشق (7/ 356)، وفي المعرفة والتاريخ (2/ 179):(ابن ديسم)، ولم أهتد لأحد من الرواة بهذا الاسم أو ذاك.

ص: 80

وقد بلغ عدد روايات سعيد عن شيخه سفيان بن عيينة في هذا القسم اثنين وستين ومائة حديث، فهو الذي يلي هشيم، ثم يتلوهما باقي الشيوخ على اختلاف عدد رواياتهم، مع الفرق الكبير بينهم وبين هذين الاثنين. فالذي يتلو سفيان- من حيث العدد- هو خالد بن عبد الله الطَّحَّان، وعدد رواياته هنا: تسعة وخمسون حديثاً، ثم أبو معاوية محمد بن خازم، وعدد رواياته هنا: ثلاثة وأربعون حديثاً، ثم أبو عوانة وضَّاح بن عبد الله، وعدد رواياته هنا: اثنان وثلاثون حديثاً، ثم أبو الأحْوَص سلاَّم بن سُلَيْم، وعدد رواياته هنا: تسعة وعشرون حديثاً، ثم جرير بن عبد الحميد، وعددرواياته هنا: سبعة وعشرون حديثاً، ثم إسماعيل بن إبراهيم بن عُلَيَّة، وعدد رواياته هنا: أربعة وعشرون حديثاً

، وهكذا بقية شيوخه. وفي هذا دلالة على أن الفرق بينهم فرق يسير، ليس كالفرق بينهم وبين هشيم وسفيان اللذَيْن أكثر عنهما إكثاراً ظاهراً، مما يدل على عظم مكانتهما عنده.

6 -

تلاميذه وتأثيره فيهم:

إن مكانة سعيد بن منصور العلمية جعلت أئمة الحديث يحرصون على التلقِّي عنه، فإمام أهل السنة أحمد بن حنبل- رحمه الله ممن أخذ عنه، وحدَّث عنه وهو حي

(1)

. وكان إذا سُئل: من بمكة؟ قال: سعيد بن منصور

(2)

.

وقد صنَّف أبو نعيم الأصبهاني كتاباً بعنوان: (تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً) ذكر في مقدمته منهجه فيه، والسبب الباعث له على تأليفه، فقال: (ذكر من وقع لنا من أصحاب

(1)

تاريخ دمشق لابن عساكر (7/ 355 / مخطوط الظاهرية).

(2)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 179)، والمرجع السابق (ص 356).

ص: 81

سعيد بن منصور عالياً، ذكرت لكل واحد منهم حديثاً واحداً؛ لأقف على عَدَدهم وأسمائهم. وحملني على ذلك قِدَمُ وفاة سعيد بن منصور، وموضعُه من التوثق والفضل. وهو سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، ثبت، صدوق، حدَّث عنه الكبار من الحُفّاظ والمتقنين؛ مثل: هارون الحَمَّال، وأحمد بن محمد بن حنبل، وأبو يحيى محمد بن عبد الرحيم صاعقة، وغيرهم)

(1)

.

وقد أخرج أصحاب الكتب الستة لسعيد بن منصور

(2)

، واحتجَّ به البخاري ومسلم في صحيحهما

(3)

، وهو من شيوخهما، ومن شيوخ أبي داود السجستاني، إلا أن مسلماً أكثر من الإخراج عنه في الصحيح

(4)

أكثر من البخاري، فعدد الأحاديث التي رواها مسلم عنه في الصحيح ستون حديثاً

(5)

، بخلاف البخاري الذي لم يخرج له سوى حديث واحد

(6)

. وهو أحد النَّفَر الأربعة الذين قيل إن مسلماً عَنَاهُم بقوله: (إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه)، وهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور

(7)

.

(1)

تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 25 - 26).

(2)

كما تدل عليه رموز تهذيب التهذيب (4/ 89 رقم 148)، وتقريب التهذيب (ص 241 رقم 2399).

(3)

قال أبو عبد الله الحاكم: (له مصنفات كثيرة، متفق على إخراجه في الصحيحين، فإن الإمامين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج، قد رويا عنه، واحتجّا به في الصحيحين) اهـ. من تاريخ دمشق أيضاً (7/ 355).

(4)

كما في الجمع بين الصحيحين (1/ 171).

(5)

كما نقله مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (ل 99 / أ) عن كتاب الزهرة.

(6)

كما في الموضع السابق من الجمع بين الصحيحين.

(7)

جاء في صحيح مسلم (1/ 304 رقم 63)، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة: =

ص: 82

وقد كان بين سعيد والحميدي ما يكون بين الأقران غالباً

(1)

، ومكانة الحميدي لا تُنكر، فالبخاري إذا وجد الحديث عنده لا يعدوه إلى غيره

(2)

، ومع ذلك نجد مسلماً يُعْنَى بتخريج حديث سعيد بن منصور في الصحيح، ولا يُعَرِّجُ على حديث الحميدي، فهو لم يرو له إلا في المقدمة

(3)

، فلست أدري هل تعمَّد هذا الصنيع لأجل شيخه سعيد كما تعمَّد ترك حديث محمد بن يحيى الذهلي لأجل البخاري

(4)

؟ أو أنه اكتفى بغيره عنه ولم يتركه لشيء؟ وأما البخاري، فإنه روى في الصحيح عن سعيد بن منصور بواسطة يحيى بن موسى البلخي

(5)

، ولم يرو عنه مباشرة، ولذا لم يذكره المِزِّي في تهذيب

= أن أبا بكر ابن أخت أبي النَّضْر سأل مسلماً عن حديث أبي هريرة: (وإذا قرأ- يعني الإمام- فانصتوا، فقال: هو عندي صحيح، فقال: لِمَ لَمْ تَضَعْه هاهنا؟ - يعني في الصحيح-، فقال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه.

واختلفوا في توجيه كلمة مسلم هذه. ومن جملة ما قيل في ذلك: ما حكاه السراج البلقيني في محاسن الاصطلاح (ص 91) حيث قال: (قيل: أراد مسلم بقوله: ما أجمعوا عليه أربعة: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور) اهـ. ولم يذكر البلقيني مرجعه في ذلك فالله أعلم.

(1)

سيأتي الكلام عن ذلك.

(2)

انظر التهذيب (5/ 215 - 216 رقم 272)، والتقريب (ص 303 رقم 3320).

(3)

كما تدل عليه الرموز في المرجعين السابقين.

(4)

انظر تفاصيل قصة مسلم والبخاري ومحمد بن يحيى الذهلي في سير أعلام النبلاء (12/ 453 فما بعد).

(5)

روى عنه في كتاب الأذان، باب سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلَّة مقامهن في المسجد (2/ 351 رقم الحديث 872)، فقال: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا فُليح، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغَلَس، فينصرفن نساءُ المؤمنين لا يُعرفن من الغَلَس، أو لايعرف بعضهن بعضاً.

ص: 83

الكمال

(1)

، ولا الذهبي في سير أعلام النبلاء

(2)

، ولا ابن حجر في تهذيب التهذيب

(3)

في شيوخ البخاري. وقد استوقفني هذا كثيراً وأدهشني! فهل فرّط البخاري في السماع من سعيد بن منصور، وهو الذي أفنى عمره في السماع من الشيوخ والرحلة إليهم؟ وما لبثت إلا يسيراً وإذا بدهشتي تزول بعد أن تيقَّنت أن سعيد بن منصور من شيوخ البخاري، وأن مارواه عنه في الصحيح بواسطة لم يتحصّل له منه مباشرة، وهذا يحصل كثيراً له ولغيره، وأن عدم ذكر المِزِّي والذهبي وابن حجر له في المواضع المشار إليها لا يعني استيفاءهم لشيوخ الراوي وتلاميذه، واستدللت على أن سعيداً من شيوخ البخاري بالآتي:

1 -

روايته عنه مباشرة في بعض كتبه، ومن ذلك: الأدب المفرد، والتاريخ الصغير.

قال في الأدب المفرد

(4)

: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حدثنا عبيد الله بن إياد، عن أبيه، قال: سمعت ليلى امرأة بشير تحدِّث عن بشير بن الخَصَاصَية، وكان اسمه زحم، فسمّاه النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بشيراً.

وقال في التاريخ الصغير

(5)

: حدثنا سعيد بن منصور، ثنا حجر بن الحارث الغَسَّاني الرَّمْلي، عن عبد الله بن عوف الكناني عامل عمر بن عبد العزيز على الرَّمْلَة، أنه شهد عبد الملك بن مروان قال لابن عقربة الجُهَني يوم قتل عمرو بن سعيد بن العاص: يا أبا اليمان، إني احتجت

(1)

(11/ 79).

(2)

(10/ 587).

(3)

(4/ 89 - 90).

(4)

الأدب المفرد مع شرحه فضل الله الصمد (2/ 294 رقم 830).

وهذا الحديث أخرجه أيضاً أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 635) عن شيخه سعيد بن منصور، به نحو سياق البخاري.

(5)

التاريخ الصغير (1/ 159).

ص: 84

اليوم إلى كلامك، قال: سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قام بخطبة لا يلتمس إلا رياء وسمعة، وقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة)).

2 -

قال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال

(1)

: (وفي كتاب الزهرة: روى عنه- أي عن سعيد بن منصور- البخاري، ثم روى عن يحيى بن موسى، عنه).

3 -

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري

(2)

في تعليقه على الحديث الذي أخرجه البخاري عن يحيى بن موسى، عن سعيد بن منصور

(3)

: (قوله: سعيد بن منصور، هو من شيوخ البخاري، وربما روى عنه بواسطة كما هنا).

وأما تأثير سعيد بن منصور على تلاميذه، فلا يحضرني شيء مما يمكن أن يشار إلى أنه مما تأثر به تلاميذه فيه.

وفيما يلي ذكر لتلاميذه مرتبين على حروف المعجم، مع الإشارة في الحاشية إلى المرجع الذي فيه ما يدل على أن هذا الراوي ممن روى عن سعيد.

إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكَلْبي، أبو ثَوْر الفقيه، صاحب الشافعي

(4)

.

إبراهيم بن أبي داود سليمان بن داود الأسدي، أبو إسحاق البُرُلُّسي

(5)

.

إبراهيم بن فهد بن حكيم البصري

(6)

.

(1)

إكمال تهذيب الكمال (ل 99 / أ).

(2)

فتح الباري (2/ 351).

(3)

تقدم ذكر الحديث (ص 83 / ق).

(4)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(5)

شرح معاني الآثار (1/ 344)، وانظر تراجم شيوخ الطحاوي في مقدمة الشرح (ص 12).

(6)

تاريخ دمشق لابن عساكر (10/ 156 / مخطوط الظاهرية)، وانظر لسان الميزان (1/ 91).

ص: 85

إبراهيم بن الهيثم البَلَدي

(1)

.

أحمد بن خُلَيْد الَحَلبي.

أحمد بن سهل بن أيوب الأهْوازي.

أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، أبو بكر بن البَرْقي.

أحمد بن عبد الله الكندي.

أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام

(2)

.

أحمد بن محمد بن الصلت البغدادي

(3)

.

أحمد بن محمد بن هانئ، أبو بكر الأثرم

(4)

.

أحمد بن منصور الرمادي

(5)

.

أحمد بن نَجْدَةَ بن العُريان الهَرَوي

(6)

.

إسماعيل بن عبد الله العَبْدي، سَمُّويَهْ الأصْبَهَانِي.

بشر بن موسى الأسدي.

بهلول بن إسحاق الأنْباري.

جعفر بن محمد بن الحجاج.

حرب بن إسماعيل الكِرْمَاني

(7)

.

حَسَّان بن مُخَلَّد البُشْتي

(8)

.

الحسن بن جرير بن عبد الرحمن الصُّوري

(9)

.

(1)

مستدرك الحاكم (1/ 85)، وانظر لسان الميزان (1/ 123).

(2)

الأسماء الخمسة المتقدمة من الموضع السابق من تهذيب الكمال. وقد روى الإمام أحمد عن سعيد بن منصور في عدة مواضع من المسند، منها:(3/ 500)، (4/ 212)، (5/ 333، 415).

(3)

تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 95).

(4)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(5)

الكنى والأسماء للدولابي (1/ 94).

(6)

هو أحد رواة كتاب السنن عن سعيد كما سيأتي.

(7)

الأسماء الستة المتقدمة من تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(8)

معجم البلدان (1/ 425).

(9)

تاريخ دمشق لابن عساكر (4/ 419 / مخطوط الظاهرية).

ص: 86

الحسن بن علي بن زياد السُّرِّي

(1)

.

الحسن بن علي بن محمد الهُذَلي، أبو علي الخَلاَّل، الحُلْوَاني، نزيل مكة

(2)

.

الحسن بن محمد بن الصَّبَّاح الزَّعْفَراني

(3)

.

الحسين بن إسحاق التُّسْتُري

(4)

.

الحسين بن محمد بن جمعة

(5)

.

حنبل بن إسحاق

(6)

.

خلف بن عمرو العُكْبُري

(7)

.

سعيد بن مَسْعَدَةَ العطّار

(8)

.

سلمة بن شبيب المِسْمعِي النيسابوري، نزيل مكة

(9)

.

سلمة بن محمد الخزاندي

(10)

.

سليمان بن الأشْعَث بن إسحاق أبو داود السِّجِسْتَاني صاحب السنن

(11)

.

صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري.

العباس بن عبد الله السِّنْدي.

العباس بن الفضل الأسْفَاطي.

(1)

مستدرك الحاكم (1/ 85).

(2)

تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً لأبي نعيم (ص 55، 56)، وانظر معه التقريب (ص 162 رقم 1262).

(3، 4) الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(5)

تاريخ دمشق (5/ 118)، (15/ 514).

(6)

المرجع السابق (6/ 637).

(7)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(8، 9) سير أعلام النبلاء (10/ 587).

(10)

القند في ذكر علماء سمرقند (ص 104)، وانظر اسم محمد بن أحمد الخزاندي الآتي.

(11)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

ص: 87

العباس بن محمد الدُّوري.

عبد الرحمن بن عمرو أبو زرعة الدمشقي

(1)

.

عبد الرحمن بن محمد بن سلاّم

(2)

.

عبد الله بن أحمد بن أبي مَسَرَّة

(3)

.

عبد الله بن الحسن بن أحمد أبو شعيب الحرَّاني

(4)

.

عبد الله بن أبي العاص

(5)

.

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارمي

(6)

.

عبد الله بن محمد البردي

(7)

،

عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرّازي.

عثمان بن خُرَّزاذ الأنْطاكي.

علي بن عبد العزيز البَغَوي

(8)

.

عمر بن شَبَّة بن عُبيدة بن زيد النُّميري

(9)

.

عمرو بن منصور النسائي

(10)

.

عمير بن مرداس

(11)

.

محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن البُوشَنْجي

(12)

.

(1)

انظر في هؤلاء الخمسة المتقدمين تهذيب الكمال (11/ 79).

(2)

تهذيب الكمال المخطوط (2/ 815).

(3)

انظر تاريخ واسط (ص 138) وأخبار مكة للفاكهي (1/ 333).

(4)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(5)

تاريخ دمشق لابن عساكر (13/ 690 / مخطوط الظاهرية).

(6)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(7)

جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/ 232).

(8)

الأسماء الثلاثة السابقة من تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(9)

تاريخ دمشق أيضاً (11/ 630).

(10)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(11)

سير أعلام النبلاء (10/ 587).

(12)

تهذيب التهذيب (9/ 8).

ص: 88

محمد بن إبراهيم، أبو الفضل الشاشي، المعروف بـ: ناقلة

(1)

.

محمد بن أحمد، أبو بكر الخَزَاندي

(2)

.

محمد بن إدريس بن عمر، أبو بكر ورَّاق الحميدي

(3)

.

محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم الرازي

(4)

.

محمد بن إسحاق الصاغاني

(5)

.

محمد بن أسلم الطُّوسي

(6)

.

محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح

(7)

.

محمد بن أيوب بن يحيى بن الضُّرَيس الرَّازي

(8)

.

محمد بن حَسَّان البُسْري الحَسَّاني، أبو عبيد الزاهد

(9)

.

محمد بن خليفة بن صدقة، أبو جعفر الدَّيْر عاقولي، يعرف بغُنْدر

(10)

.

محمد بن رزيق بن جامع أبو عبد الله المديني

(11)

.

محمد بن سعد بن منيع كاتب الواقدي، وصاحب الطبقات

(12)

.

محمد بن سعيد بن منصور

(13)

.

(1)

الإرشاد للخليلي (3/ 984).

(2)

معجم البلدان (2/ 367). وتقدم في الرواة عن سعيد أيضاً: سلمة بن محمد الخزاندي، فلست أدري، أهما اثنان، أم هناك تصحيف؟.

(3)

تاريخ واسط لبحشل (ص 135)، وانظر الثقات لابن حبان (9/ 137 - 138).

(4، 5) الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(6)

المنتظم لابن الجوزي (1/ 328).

(7)

انظر ما تقدم (ص 84 / ق).

(8)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(9)

معجم البلدان (1/ 420).

(10)

تهذيب التهذيب (9/ 150)، وانظر معه التقريب (ص 477 رقم 5862).

(11)

هو أحد رواة السنن عن سعيد كما في سدّ الأرب لأبي عبد الله الأمير (ص 120).

(12)

روى عن سعيد بن منصور في مواضع كثيرة من الطبقات، منها على سبيل المثال (3/ 288، 313، 318).

(13)

روى محمد عن أبيه بعض النصوص، انظر مثلاً سير أعلام النبلاء (12/ 280).

ص: 89

محمد بن سليمان الواسطي

(1)

.

محمد بن صالح

(2)

.

محمد بن العباس الكابلي

(3)

.

محمد بن عبد الرحمن الشامي

(4)

.

محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البَزَّاز، المعروف بـ: صاعقة

(5)

.

محمد بن عبد الله بن عمار، أبو جعفر الموصلي

(6)

.

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ المكِّي

(7)

.

محمد بن علي بن داود، أبو بكر البغدادي المعروف بابن أخت غزال

(8)

.

محمد بن علي بن مروان

(9)

.

محمد بن علي بن ميمون العَطَّار الرَّقِّي

(10)

.

محمد بن عمران بن علي بن عمران، أبو عبد الله الجرجاني، الزاهد، المعروف بالمقابري

(11)

.

محمد بن عمرو بن المُوَجِّه، أبو المُوَجِّه المروزي

(12)

.

(1)

تاريخ دمشق لابن عساكر (13/ 133 / مخطوط الظاهرية).

(2)

أخبار مكة للفاكهي (1/ 415).

(3)

تاريخ دمشق أيضاً (14/ 333).

(4)

الثقات لابن حبان (8/ 268)، وتهذيب التهذيب (11/ 63).

(5)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(6)

تاريخ الموصل (ص 166).

(7)

الموضع السابق من تهذيب الكمال، وهذا هو راوي السنن عن سعيد بن منصور.

(8)

مشكل الآثار للطحاوي (4/ 142).

(9)

جامع بيان العلم لابن عبد البر (1/ 233).

(10)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(11)

تاريخ جرجان (ص 391).

(12)

تاريخ دمشق لابن عساكر (19/ 390 / مخطوط الظاهرية)، وسير أعلام النبلاء (10/ 587).

ص: 90

محمد بن محمد بن أبي الورد (أو: ابن الورد)

(1)

.

محمد بن يحيى الذُّهْلي.

محمد بن يونس الكُدَيْمي.

مسعدة بن سعد العطّار المكِّي.

مسلم بن الحجاج القُشيري، النيسابوري صاحب الصحيح.

معاذ بن المثنى بن معاذ العنبري

(2)

.

هارون بن إسحاق الهمداني

(3)

.

هارون بن عبد الله الحَمّال.

يحيى بن محمد بن يحيى الذُّهْلي.

يحيى بن موسى بن عبد ربه الحدَّاني البَلْخي.

يحيى بن يونس الشيرازي.

يعقوب بن سفيان الفسوي

(4)

.

يوسف بن سعيد بن مسلم

(5)

.

يوسف بن يزيد أبو يزيد القراطيسي

(6)

.

أبو علي السَّكَاني غير مُسَمّىً ولا منسوب

(7)

.

7 -

جهوده في خدمة الحديث وعلومه، ومؤلفاته فيه:

إن هذه الرحلة الواسعة لتلك البلاد التي طافها سعيد بن منصور تعتبر مرحلة الجمع والتحصيل التي مكَّنته بعد ذلك من أن يقدم للأمة

(1)

الغنية للقاضي عياض (ص 144).

(2)

الأسماء الخمسة الماضية من تهذيب الكمال (11/ 79).

(3)

تاريخ دمشق أيضاً (13/ 142).

(4)

الأسماء الخمسة الماضية من تهذيب الكمال المطبوع (11/ 79).

(5)

التقييد لابن نقطة (2/ 17).

(6)

الموضع السابق من تهذيب الكمال.

(7)

الأنساب للسمعاني (7/ 154)، ومعجم البلدان (3/ 230).

ص: 91

الإسلامية هذه الثروة العلمية التي لن ينقطع عنه أجرها- بإذنه تعالى- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه

(1)

عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).

وها قد مضى على وفاة سعيد بن منصور ما يقرب من ألف ومائتي عام، والمسلمون ينتفعون بهذا العلم الذي حصّله وقدّمه.

وسأتناول الحديث عن جهوده في خدمة الحديث وعلومه من خلال:

أ- مجالس العلم التي كان يعقدها.

ب- كلامه في الرواة جرحاً وتعديلاً.

جـ- مؤلفاته.

أ- أما مجالس العلم، فإنه كان يعقدها ليبثّ بين الناس ما جمعه وحصّله من علم، فأقبل عليه طلبة العلم ينهلون من هذا المعين، بعد أن عرفوا ما لسعيد بن منصور من مكانة، من خلال شهرته، وحث العلماء لهم على السماع منه.

يقول الفضل بن زياد: (سمعت أبا عبد الله- يعني أحمد بن حنبل- وقيل له: من بمكة؟ قال: سعيد بن منصور)

(2)

.

وقال حرب الكرماني: (كتبت عنه- أي عن سعيد بن منصور- سنة مائتين وتسع عشرة، وأملى علينا نحواً من عشرة آلاف حديث من حفظه، ثم صنف بعد ذلك الكتب، وكان موسعاً عليه)

(3)

.

(1)

صحيح مسلم (3/ 1255 رقم 14)، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.

(2)

المعرفة والتاريخ (2/ 179)، وتاريخ دمشق (7/ 356 / مخطوط الظاهرية).

(3)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 81)، وسير أعلام النبلاء (10/ 587).

ص: 92

وسيأتي- بإذنه تعالى- أثناء الكلام عن اعتقاد سعيد بن منصور ذكر قصة أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بَزَّة مع الحميدي، وفيها يقول أحمد: فدخلنا على سعيد بن منصور وهو يحدِّث، فلما افترق الناس، دنا منه- أي الحميدي-، فقال لي: حدِّث أبا عثمان حديث الجريجي

إلخ القصة

(1)

.

ولم يكن عقد سعيد لمجالس الحديث بعد فراغه من الرحلة واستقراره بمكة، بل كان يأخذ ويعطي في آن واحد. ففي رحلته إلى مصر، كان يعقد المجالس في مسجد مصر. يقول الحميدي: (كنت بمصر، وكان لسعيد بن منصور حلقة في مسجد مصر، ويجتمع إليه أهل خراسان وأهل العراق

) إلخ القصة

(2)

.

ب- وأما الكلام في الرواة جرحاً وتعديلاً، فإن سعيد بن منصور قد انتدب نفسه لذلك في جملة علماء الحديث الذين قَبِل الناس قولهم في الجرح والتعديل، والذين قسمهم الذهبي- رحمه الله إلى ثلاثة أقسام، حيث قال: (إعلم- هداك الله- أن الذين قَبِل الناس قولهم في الجرح والتعديل على ثلاثة أقسام:

1 -

قسم تكلّموا في أكثر الرواة؛ كابن معين، وأبي حاتم الرازي.

2 -

وقسم تكلّموا في كثير من الرواة، كمالك، وشعبة.

3 -

وقسم تكلّموا في الرجل بعد الرجل؛ كابن عيينة، والشافعي.

والكلُّ أيضاً على ثلاثة أقسام:

1 -

قسم منهم مُتَعَنِّتٌ في الجرح، مُتَثَبِّتٌ في التعديل، يغمز الراوي بالغَلْطَتَيْن والثلاث، ويُلَيِّنُ بذلك حديثه.

(1)

انظرها بتمامها في كتاب الرحلة للخطيب البغدادي (ص 181 - 185 رقم 81).

(2)

تقدم ذكر القصة بتمامها (ص 80 / ق).

ص: 93

فهذا إذا وثَّقَ شخصاً، فَعُضَّ على قوله بِنَاجِذَيْكَ، وتمسَّكْ بتوثيقه. وإذا ضَعَّفَ رجلاً فانظر هل وافقه غيرُه على تضعيفه، فإن وافقه، ولم يوثِّق ذاك أحدٌ من الحُذَّاق، فهو ضعيف. وإن وثّقه أحد، فهذا الذي قالوا فيه لا يقبل تجريحه إلا مفسَّراً، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضِّح سبب ضعفه، وغيره قد وثَّقه. فمثل هذا يُتَوقَّفُ في تصحيح حديثه، وهو إلى الحسن أقرب. وابن معين، وأبو حاتم، والجوزجاني: مُتَعَنِّتون.

2 -

وقسم في مقابلة هؤلاء؛ كأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي: متساهلون.

3 -

وقسم كالبخاري، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، وابن عدي: معتدلون منصفون)

(1)

. اهـ.

وليس لسعيد بن منصور كثير كلام في الرواة نستطيع أن نصفه من خلاله بالتَّعَنُّت، أو التساهل، أو الاعتدال، بل هو من القسم الثالث الذين تكلَّموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي واعتمد أهل الحديث قوله في الجرح والتعديل.

قال الذهبي في مقدمة رسالته التي سماها: (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل)

(2)

: (فنشرع الآن بتسمية من كان إذا تكلَّم في الرجال قُبِل قولُه، ورُجع إلى نقده، ونسوق من يَسَّر الله تعالى منهم على الطبقات والأزمنة

)، ثم شرع في ذكرهم، وجعلهم ثنتين وعشرين طبقة، وذكر سعيد بن منصور في الطبقة الثالثة

(3)

.

(1)

ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي (ص 158 - 159).

(2)

المرجع السابق (ص 162).

(3)

السابق أيضاً (ص 167، 169).

ص: 94

وقال في مقدمة كتابه: (تذكرة الحفاظ)

(1)

: (هذه تذكرة بأسماء مُعَدِّلي حملة العلم النبوي، ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف

)، ثم شرع في ذكرهم، وجعلهم إحدى وعشرين طبقة، ثم قال

(2)

: (الطبقة الثامنة من الكِتَاب من أكابر الحفاظ، وعدَّتهم مائة وعشرون نفساً

)، ثم ذكر سعيد بن منصور فيهم

(3)

.

وقد سبق الذهبي إلى هذا الصنيع ابن عدي في كتاب (الكامل)، فإنه قال في مقدمته

(4)

: (ذكر من استجاز تكذيب من تبين كذبه، من الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، ومن بعدهم، إلى يومنا هذا، رجلاً رجلاً

)، ثم ابتدأ بمن تكلم في الرجال من الصحابة، ثم التابعين، ثم تابعي التابعين، ثم قال

(5)

: (طبقة بعد تابعي التابعين، منهم: وكيع بن الجراح

)، ثم ذكر سعيد بن منصور في هذه الطبقة

(6)

، وأورد من كلامه محاورته لابن معين في كاتب الليث، وسيأتي ذكرها.

وأسوق هنا بعض ما جاء عن سعيد بن منصور فيما عثرت عليه من كلامه في الرجال. فمن ذلك:

ما رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه، قال: (قلت لسعيد بن منصور: أكان مالك بن أنس يرى الكتاب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ العزيز

(7)

؟

(1)

تذكرة الحفاظ (1/ 1).

(2)

المرجع السابق (2/ 413).

(3)

السابق أيضاً (2/ 416).

(4)

الكامل لابن عدي (1/ 61).

(5)

المرجع السابق (1/ 117).

(6)

السابق أيضاً (1/ 126).

(7)

عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر الليثي، المدني ضعيف، مجمع على ضعفه =

ص: 95

قال: ما سألته، وكان ثقة)

(1)

.

وقال محمد بن يحيى السُّهْلي: (سألت عنه- أي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ العزيز الليثي- سعيد بن منصور، فقال: كان مالك يرضاه، وكان ثقة)

(2)

.

فهذان النَّصَّان تَضَمَّنَا توثيق سعيد لعبد الله بن عبد العزيز الليثي، لكن ظاهرهما التعارض فيما يتعلق بمعرفة رأي مالك فيه، فالظاهر أنه لما سئل في المرة الأولى لم يكن يعرف رأي مالك فيه، ثم عرفه بعد ذلك ممن سأل مالكاً، فأجاب بجوابه الثاني.

وقد يوصف سعيد من خلال هذا النصّ بالتساهل؛ لكون عبد الله بن عبد العزيز الليثي مجمعاً على ضعفه، لكن من الخطأ الحكم عليه بهذا؛ لأن نَصّاً واحداً لا يكفي في الحكم عليه بهذا، والله أعلم.

ومما جاء عنه من الكلام في الرجال: ما حكاه هو نفسه، قال: جاءني ابن معين بمصر، فقال لي: يا أبا عثمان، أحب أن تمسك عن كاتب الليث

(3)

. فقلت: لا أمسك عنه، وأنا أعلم الناس به، إنما كان كاتباً للضِّياع

(4)

.

فهذا النص يظهر منه أن سعيد بن منصور عرف حال أبي صالح،

= سوى ما ذكره سعيد.

انظر التهذيب (5/ 301 - 302)، والتقريب (ص 312 رقم 3444).

(1)

تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 441 رقم 1091).

(2)

تهذيب الكمال (15/ 240)، وتهذيب التهذيب (5/ 302).

(3)

هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجُهَني، أبو صالح المصري، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثَبْتٌ في كتابه، وكانت فيه غفلة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين وله خمس وثمانون سنة. اهـ. من تقريب التهذيب (ص 308 رقم 3388).

(4)

الكامل لابن عدي (1/ 126)، وتاريخ بغداد (9/ 480)، والتقييد لابن نقطة (2/ 17 - 18).

ص: 96

وأنه لم يكتب كل ذلك الحديث الذي يرويه عن الليث بن سعد، وإنما كان كاتباً لضياع الليث، ولذلك كتب بكاتب الليث.

ويُجَلِّي ذلك ما ذكره سعيد بن منصور أيضاً قال: قلت لأبي صالح كاتب الليث: سمعت من الليث؟ قال: لم أسمع من الليث إلا كتاب يحيى بن سعيد

(1)

.

وقد كان لهذه الحكاية محلٌّ عند علماء الجرح والتعديل فيما يتعلق بسماع أبي صالح من الليث بن سعد.

قال أبو عثمان سعيد بن عمرو البَرْذِعيّ: قلت لأبي زرعة: أبو صالح كاتب الليث؟ فضحك وقال: ذاك رجل حسن الحديث. قلت: أحمد يحمل عليه في كتاب ابن أبي ذئب، وحكاية سعيد بن منصور قد عرفتَها؟ قال: نعم، وشيء آخر؛ سمعت عبد العزيز بن عمران يقول: قرأ علينا كتاب عُقَيْل، فإذا في أوّله مكتوب: حدثني أبي، عن جدي، عن عقيل، فإذا هو كتاب عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد. قلت: فأي شيء حاله في يحيى بن أيوب، ومعاوية بن صالح، والمشيخة؟ قال: كان يكتب لليث، فالله أعلم

(2)

.

ومن كلامه في الرجال أيضاً، ما نقله القاضي عياض في ترتيب المدارك

(3)

، حيث قال:(قال سعيد بن منصور: إنا لنقول- أو إنه ليقال-: ما يطوف بهذا البيت أحد من خلق الله أفضل من القَعْنَبي)

(4)

.

(1)

أسئلة البرذعي لأبي زرعة الرازي (2/ 466)، وتاريخ بغداد (9/ 480)، وتهذيب الكمال المطبوع (15/ 103).

(2)

أسئلة البرذعي لأبي زرعة (2/ 492 - 494)، وتاريخ بغداد (9/ 480)، وتهذيب الكمال (15/ 103).

(3)

ترتيب المدارك (3/ 200).

(4)

هو عبد الله بن مسلم بن قَعْنَب، القَعْنَبي، الحارثي، ثقة عابد، كان ابن معين وابن =

ص: 97

ومن ذلك أيضاً قوله: (حدثنا الشيخ الصالح فضيل بن عياض)

(1)

.

وفي حكايته المتقدمة

(2)

مع عبد الرحمن بن مهدي ما يدل على وصفه هشيماً بالتدليس.

وكلامه أيضاً عن القاضي أبي يوسف بما يدل على عدم رضاه عنه، وسبق نقله

(3)

.

وذكره حكاية اقتداء سفيان الثوري بالإمام مالك بما يدل على ثنائه على الإمام مالك، وسبق نقلها أيضاً

(4)

.

ومن ذلك ما حكاه عن سفيان بن عيينة رحمه الله أنه قال: (عليكم بسماع المتقدم الذي سمعتم مني)

(5)

.

وهذا النصّ يفيد في تقديم رواية من سمع من سفيان قديماً على سماع المتأخِّر، إذا كان هناك اختلاف عليه.

وقد يحكي سعيد حكاية مفادها الجرح في الراوي، بسبب غفلته وسلامته، ودفعه كتبه إلى من لا يعرف، أو بسبب النوم في مجالس الحديث.

فمن ذلك قوله عن رِشْدين بن سعد

(6)

: (كنت أخذت منه

= المديني لا يُقَدِّمان عليه في الموطأ أحداً، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. اهـ من تقريب التهذيب (ص 323 رقم 3620).

ومراد سعيد بهذا: تفضيل القعنبي في وقته، لا على الإطلاق.

(1)

تاريخ دمشق لابن عساكر (14/ 260 / مخطوط الظاهرية).

(2)

ص 78 / ق- 79 / ق.

(3)

ص 67 / ق- 68 / ق.

(4)

ص 62 / ق.

(5)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 179).

(6)

هو رِشْدين- بكسر الراء وسكون المعجمة- ابن سعد بن مُفْلح المَهْرِي- بفتح الميم وسكون الهاء-، أبو الحجاج المصري، ضعيف، رجَّح أبو حاتم عليه ابن لهيعة، =

ص: 98

بعض كتبه لأكتبه وأسمع منه، ثم كَسَلْتُ عن ذلك، فكان يجيء إلى القَيْسَارِيَّة، فيقول لأصحابنا: إنسان منكم أخذ لنا كتاباً، وليس يَرُدُّه علينا (كذا)، وذكر عنه سعيد سلامةَ عَقْلٍ

(1)

.

ومن ذلك قوله: (كان عبد الله بن وهب

(2)

يسمع معنا عند المشايخ، فكان ينام في المجلس، ثم يأخذ الكتب من بعضنا، فيكتبها)

(3)

.

وقد يذكر سعيد حكاية فيها مدح للراوي؛ كقوله: (قدم وكيع

(4)

مكة- وكان سميناً-، فقال له الفضيل بن عياض: ما هذا السِّمَنُ وأنت راهب العراق؟ فقال له وكيع: هذا من فرحي بالإسلام، فَأَفْحَمَهُ)

(5)

.

ومن ذلك أيضاً ما رواه محمد بن سعيد بن منصور، قال: سمعت أبي يقول: قلت ليحيى بن معين: لِمَ لا تجمع حديث الزُّهْري؟ فقال: كفانا محمد بن يحيى

(6)

جَمْعَ حديث الزهري

(7)

.

= وقال ابن يونس: كان صالحاً في دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فخلّط في الحديث، مات سنة ثمان وثمانين ومائة، وله ثمان وسبعون سنة. اهـ من التقريب (ص 209 رقم 1942).

(1)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 186)، ووقع هناك:(سلامة وعقل) فصوّبتها، وقد تكون العبارة:((سلامة وغفلة)).

(2)

هو من شيوخ المصنِّف في هذا الكتاب، ثقة حافظ عابد كما سيأتي في الحديث [310].

(3)

ترتيب المدارك للقاضي عياض (3/ 240).

(4)

هو ابن الجراح، ثقة حافظ عابد كما سيأتي في الحديث [47].

(5)

سير أعلام النبلاء (9/ 156)، وتهذيب التهذيب (11/ 129).

(6)

هو محمد بن يحيى الذُّهْلي، من تلاميذ سعيد بن منصور، ويروي عنه سعيد أحياناً.

(7)

سير أعلام النبلاء (12/ 280)، وتهذيب التهذيب (9/ 514).

ص: 99

وقال محمد بن سعيد بن منصور: كان أبي يحدِّث عن محمد بن يحيى، فيقول: حدثني محمد بن يحيى الزُّهْري، يعني لشهرته بحديث الزُّهْري

(1)

.

وفي المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان عدة أحكام على بعض الرواة يتبادر إلى الذهن أنها صادرة من سعيد بن منصور، لكن الغالب على الظن أنها ليعقوب نفسه؛ يبين فيها أنه يروي عن ذلك الرجل المتكلم فيه بجرح أو تعديل من طريق شيخه سعيد بن منصور، ثم يحكم على الراوي، وهذا كقوله:(وحدثنا سعيد بن منصور، ثنا يوسف بن عطيّة، وهو ضعيف)

(2)

.

وكقوله: (حدثنا سعيد بن منصور، عن أبي معاوية، عن شيبة بن نعامة، وهو ضعيف)

(3)

.

وكقوله: (حدثنا سعيد، قال: ثنا سفيان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن علقمة، وهو مكّي ثقة كناني من أشرافهم)

(4)

.

وكقوله: (حدثنا سعيد، عن سفيان، عن سعيد بن سعيد، مكِّي لا بأس به)

(5)

.

ومما يقوِّي الظن أن الكلام ليعقوب بن سفيان: قوله مرة: (حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا مسكين بن ميمون مؤذِّن مسجد الرَّمْلَة، وهو لا بأس به، وقد سمعنا نحن من ابنه، وكان لا بأس

(1)

تهذيب التهذيب (9/ 515).

(2)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 121).

(3)

المرجع السابق (3/ 59)، وانظر شبيهاً به أيضاً في (3/ 141).

(4)

المعرفة والتاريخ (3/ 240).

(5)

المرجع السابق (3/ 53).

ص: 100

به

(1)

.

فقوله هنا: (وقد سمعنا نحن من ابنه، وكان لا بأس به) يظهر منه أن الكلام ليعقوب لا لسعيد، والله أعلم.

وشبيه بهذا ما سيأتي في الحديث رقم [40]؛ حيث يقول سعيد: نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ إِدْرِيسَ- وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ-، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: إِنَّ لَنَا إِمَامًا يَلْحَنُ، قَالَ: أخِّروه.

فهذا الثناء على إدريس يحتمل أن يكون من سعيد أو من شيخه جرير، ولم أجد ما يقوِّي أحد الاحتمالين، وسواء كان من هذا أو ذاك، فكلاهما ممن يعتمد قوله في الجرح والتعديل

(2)

.

وقد ينقل سعيد الكلام في الراوي عن إمام آخر، كقوله: (قلت لابن إدريس

(3)

: رأيتَ سالم بن أبي حفصة؟ قال: نعم، رأيته طويل اللحية، أحْمَقَها، وهو يقول: لبَّيْك لبَّيْك قاتل نَعْثل، لبَّيْك لبَّيْك مُهْلِكَ بني أمية)

(4)

.

ولم يقتصر جهد سعيد بن منصور على الكلام في الرواة جرحاً وتعديلاً، بل له إسهام في ذكر وفيات الرواة التي يستفاد منها في معرفة اتّصال السند من عدمه، وتصويب ما تصحّف من الأسماء، والاهتمام

(1)

السابق أيضاً (2/ 462).

(2)

أما سعيد بن منصور فتقدم الكلام عنه، وأما جرير، فقد ذكره الذهبي في رسالته:(ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل)(ص 164).

(3)

هو عبد الله بن إدريس، من أئمة الجرح والتعديل كما في المرجع السابق (ص 165).

(4)

تهذيب الكمال للمزِّي (10/ 136 / المطبوع).

ومقصود ابن إدريس بهذا: بيان تشيًّع ابن أبي حفصة.

وأما قوله: (نَعْثَل)، فقد أشار محقق ميزان الاعتدال في حاشية الميزان (2/ 110) إلى أن في هامش إحدى النسخ ما نصه:(أشار- والله أعلم- إلى عثمان؛ وذلك لأن الخوارج الذين ساروا إلى عثمان، كانوا يشبِّهونه بيهودي بالمدينة يقال له نعثل).

ص: 101

بمعرفة اسم من اشتهر بكنيته، والتعليق على بعض الأحاديث سنداً ومتناً.

أما كلامه عن تواريخ الوفيات فليس بكثير، فمنه ما ذكره البخاري في التاريخ الصغير

(1)

حيث قال: (قال سعيد بن منصور: مات فُلَيح بن سليمان سنة ثمان وستين) - يعني ومائة-.

وأما تصويب ما تصحَّف من الأسماء، فليس بكثير أيضاً، ومثاله: ما ذكره ابن حجر في ترجمة سعد بن عياض الثمالي من التهذيب قال: (وقال سعيد بن منصور: حدثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن سعيد بن عياض

، فذكر أثراً. قال سعيد بن منصور: كذا قال! وإنما هو: سعد- يعني بسكون العين-)

(2)

.

وأما معرفة اسم من اشتهر بكنيته، فليس بكثير أيضاً، ومثاله: ما جاء في تاريخ أبي زرعة الدمشقي: (وأبو عقيل السلمي

، قال أبو زرعة: فحدثنا سعيد بن منصور أنه سمع هشيماً يقول: هاشم بن بلال)

(3)

.

وأما تعليقه على بعض الأحاديث، فمنه ما يتعلق بالسند، ومنه ما يتعلق بالمتن.

أما السند، فمنه: تصويبه لأسماء بعض رجال الإسناد، وتقدم مثاله قبل قليل.

ومنه بيانه للمبهم في الإسناد، ومثاله: ما أخرجه من طريق شيخه عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابُحي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سمّاه، قال: نهى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات. قال الأوزاعي: يعني شرار المسائل.

(1)

التاريخ الصغير (2/ 176).

(2)

تهذيب التهذيب (3/ 479).

(3)

تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 483).

ص: 102

ثم بين سعيد بعد ذلك من هو الصحابي المبهم فقال: (قال سعيد: هذا عن معاوية، ولكنه لم يُسَمِّه)

(1)

.

ومنه بيانه لنسب بعض الرواة، ومثاله: ما أخرجه من طريق شيخه أبي وكيع الجراح بن مليح، عن الهزهاز بن ميزن، أن عدي بن فرس خيَّر امرأته ثلاثاً

، الحديث.

ثم عقّب عليه سعيد بقوله: (قال سعيد: فَرَسُ: جَدُّ وكيع)

(2)

.

ومنه تعقيبه على بعض الأحاديث بتفرُّد بعض الرواة به، مثل قوله:(ليس هذا الحديث عند أحد إلا عند أبي معاوية)

(3)

.

وأما تعليقه على المتن، فمنه ما يتعلق بتوجيه بعض القراءات، مثل ما رواه عن عُبيد بن عُمير أنه قرأ:{يهدي بهُ الله}

(4)

، ثم قال سعيد: لغة

(5)

.

ومنه ترجيح بعض الآراء الفقهية، ومثاله: ما رواه عن الحسن البصري: في الرجل يوصي للرجل بالوصية، فيموت الموصى له قبل الموصي، قال الحسن:(الوصية لولد الموصى له)، ثم عقّب سعيد على ذلك بقوله:(قال سعيد: لم يصنع شيئاً)، ثم روى بعده أثراً عن إبراهيم النخعي أنه قال في المسألة نفسها:(يرجع إلى ورثة الموصي)، ثم عقّب سعيد على ذلك بقوله:(قال سعيد: أصاب)

(6)

.

وقد يذكر كنيته أحياناً بدل اسمه؛ فإنه رجَّح مرَّة قول مجاهد على

(1)

المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1/ 282 رقم 1179).

(2)

المرجع السابق (1/ 386 رقم 1660).

(3)

السابق أيضاً (1/ 81 رقم 311).

(4)

الآية: (16) من سورة المائدة.

(5)

وهو الحديث الآتي برقم [724].

(6)

المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1/ 95 - 96 رقم 367، 368).

ص: 103

قول طاوس بقوله: (قال أبو عثمان: القول ما قال مجاهد)

(1)

.

وقد يكون في عبارته أحياناً شيء من القسوة، فإذا لم يعجبه القول عقَّب عليه بقوله:(بئس ما قال)

(2)

.

وهكذا في عدة أمثلة تدلّ بمجموعها على أن للمصنِّف سعيد بن منصور اختيارات فقهية

(3)

.

جـ- وأما مؤلفاته، فذكروا منها:

1 -

كتاب (السنن)، وبعضهم يسمِّيه:(مصنف سعيد بن منصور).

2 -

كتاب التفسير.

3 -

كتاب الزهد.

والواقع: أن كتاب التفسير، وكتاب الزهد من ضمن السنن كما سيأتي الحديث عنه مفصَّلاً في دراسة الكتاب- إن شاء الله-.

وقد قال أبو عبد الله الحاكم: (له مصنفات كثيرة)

(4)

، ولم أجد ذكراً لشيء من هذه المصنفات سوى السنن، وما هو جزء منها كالتفسير والزهد، فإما أن يكون هناك مصنفات أخرى لا نعلم عنها شيئاً، أو يكون الحاكم قصد بعض الكتب التي هي من ضمن السنن، والله أعلم.

8 -

ثناء العلماء عليه:

إن أقوال العلماء في الثناء على سعيد بن منصور، وروايتهم عنه، واحتجاجهم بحديثه، جميع هذا يُجَلِّي لنا مكانته العلمية، ومحلَّه عند

(1)

المرجع السابق (1/ 247 رقم 1019).

(2)

السابق أيضاً (1/ 276 رقم 1151).

(3)

انظر بعض هذه الأمثلة في المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1/ 251، 326، 349، 406 رقم 1037، 1380، 1489، 1749، 1750)، (2/ 8، 48، 61، 76 رقم 1797، 1980، 2041، 2106).

(4)

تاريخ دمشق لابن عساكر (7/ 355 / مخطوط الظاهرية).

ص: 104

علماء الحديث.

فقد احتج به الجماعة أصحاب الكتب الستة في كتبهم، وعلى رأسهم البخاري ومسلم

(1)

، وأخرج ابن خزيمة حديثه في صحيحه، وكذا أبو عوانة الاسفرائيني والدارمي. ولما أخرج الحاكم حديثه قال:(قد اتفقا جميعاً- يعني البخاري ومسلماً- على الاحتجاج بحديثه)

(2)

.

وروى عنه جمع من كبار أئمة الحديث؛ كالإمام أحمد، ومحمد بن يحيى الذُّهْلي، وابنه يحيى، والبخاري، ومسلم، وأبي داود السجستاني، والدارمي، وأبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي، وأبي زرعة الدمشقي، وابن سعد صاحب الطبقات، ويعقوب بن سفيان صاحب المعرفة والتاريخ، وأبي ثور الفقيه، وهارون بن عبد الله الحمَّال، ومحمد بن أسلم الطُّوسي، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وابن عمار الموصلي، وأبي بكر الأثرم، وحرب الكرماني، وابن الضُّريس، والحافظ سَمُّويَهْ، وبشر بن موسى الأسدي، وعباس الدُّوري، وغيرهم خلق

(3)

.

وكان الإمام أحمد- رحمه الله كثير الامتداح له.

يقول حرب الكرماني: (سمعت أحمد بن حنبل يحسن الثناء على سعيد بن منصور)

(4)

.

وقال سلمة بن شبيب: (وذكرت له- أي للإمام أحمد- سعيد بن منصور، فأحسن الثناء عليه، وفخَّم أمره)

(5)

.

وقال حنبل بن إسحاق: (قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل:

(1)

كما سبق بيانه (ص 82 / ق).

(2)

إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ).

(3)

انظر قائمة أسماء تلاميذه (ص 85 / ق - 91 / ق).

(4)

الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/ 68 رقم 284).

(5)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 178).

ص: 105

سعيد بن منصور؟ قال: من أهل الفضل والصدق)

(1)

.

وكان رحمه الله يحث طلبة الحديث على السماع منه.

قال الفضل بن زياد: (سمعت أبا عبد الله، وقيل له: من بمكة؟ قال: سعيد بن منصور)

(2)

.

ومن عظم مكانته عنده: أنه حدث عنه وهو حي.

قال عبد الله بن الإمام أحمد: (حدثنا أبي عنه وهو حي)

(3)

.

ولم يكن الثناء على سعيد بن منصور مقصوراً على الإمام أحمد، بل توالت عبارات علماء الحديث في الثناء عليه وتوثيقه.

فمحمد بن عبد الرحيم، المعروف بصاعقة كان إذا حدَّث عنه أثنى عليه وأطراه، وكان يقول:(حدثنا سعيد بن منصور، وكان ثبتاً)

(4)

.

وقال أبو زرعة الدمشقي: فحدثني أحمد بن صالح

(5)

وعبد الرحمن بن إبراهيم

(6)

، أنهما حضرا يحيى بن حسَّان

(7)

مقدِّماً لسعيد بن منصور، يرى له، ويثبت حفظه، وكان حافظاً

(8)

.

وقال حرب بن إسماعيل الكرماني: (كتبت عنه سنة مائتين

(1)

المتفق والمفترق للخطيب البغدادي (ل 110 / أ)، وتاريخ دمشق (7/ 356 / مخطوط الظاهرية).

(2)

المعرفة والتاريخ (2/ 179)، وتاريخ دمشق (7/ 356).

(3)

مسند الإمام أحمد (3/ 500)، وتاريخ دمشق أيضاً (7/ 355).

(4)

تسمية ما انتهى إلينا في الرواة عن سعيد بن منصور عالياً لأبي نعيم (ص 26)، وتهذيب الكمال (11/ 80)، وسير أعلام النبلاء (10/ 587).

(5)

أي المصري.

(6)

المعروف بـ: دُحَيْم.

(7)

أي ابن حَيَّان التِّنِّيسي.

(8)

تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 304 رقم 554)، وتاريخ دمشق (7/ 356 / مخطوط الظاهرية).

ص: 106

وتسع عشرة، وأملى علينا نحواً من عشرة آلاف حديث من حفظه، ثم صنَّف بعد ذلك الكتب، وكان موسعاً عليه)

(1)

.

وقد وثّقه يحيى بن معين

(2)

وعبد الله بن نُمير، وابنه محمد

(3)

، وأبو حاتم الرازي

(4)

، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش

(5)

، ومسلمة بن القاسم

(6)

، والخطيب البغدادي

(7)

.

وقال محمد بن سعد: (كان ثقة كثير الحديث)

(8)

.

وقال الخليلي: (سعيد بن منصور ثقة، متفق عليه)

(9)

.

وقال ابن قانع: (هو ثقة ثبت)

(10)

.

وقال أبو حاتم ابن حِبّان: (كان ممن جمع وصنَّف، وكان من

(1)

تهذيب الكمال أيضاً (11/ 81)، وسير أعلام النبلاء (10/ 587، 590).

(2)

معرفة الرجال ليحيى بن معين (رواية ابن محرز)(1/ 101 رقم 444).

(3)

كما في تاريخ دمشق (7/ 356)، وإكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ).

(4)

كما في الجرح والتعديل (4/ 68).

ونقل المزِّي في تهذيب الكمال (11/ 80 / المطبوع)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (10/ 587) عن أبي حاتم الرازي أنه قال:(هو ثقة، من المتقنين الأثبات، ممن جمع وصنَّف).

والذي أطلق هذه العبارة على سعيد بن منصور هو أبو حاتم ابن حِبّان- كما سيأتي-، لا الرازي، وليس من عادة أبي حاتم الرازي إطلاق مثل هذه العبارات، والله أعلم.

(5)

تاريخ دمشق (7/ 356)، وتهذيب الكمال (11/ 80).

(6)

إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ).

(7)

المتفق والمفترق للخطيب (ل 110 / أ).

(8)

انظر الطبقات الكبرى له (5/ 502)، وتاريخ دمشق (7/ 357 / مخطوط الظاهرية)، وتهذيب الكمال المطبوع (11/ 80).

(9)

الإرشاد للخليلي (1/ 231 رقم 60).

(10)

إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ)، وتهذيب التهذيب (4/ 90).

ص: 107

المتقنين الأثبات)

(1)

.

وقال الدارقطني: (أصحاب ابن عيينة الحُفَّاظُ منهم: الحميدي، ومُسَدَّدُ، وسعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة)

(2)

.

وقال أبو عبد الله الحاكم: (هو رواية سفيان بن عيينة، وأحد أئمة الحديث، وله مصنَّفات كثيرة، متفق على إخراجه في الصحيحين؛ فإن الإمامين محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج قد رويا عنه، واحتجّا به في الصحيحين)

(3)

.

ولما صنَّف أبو نعيم الأصبهاني كتابه: (تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً) ذكر السبب الحامل له على تصنيف هذا الكتاب، فقال:(وحملني على ذلك قِدَم وفاة سعيد بن منصور، وموضعه من التوثُّق والفضل. وهو سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، ثبت، صدوق، حدَّث عنه الكبار من الحفاظ والمتقنين)

(4)

.

وفي ترجمة محمد بن يحيى الذُّهْلي من تاريخ بغداد قال الخطيب البغدادي: (حدَّث عنه- أي عن الذُّهْلي- جماعة من الكُبَراء

)، ثم ذكر فيهم سعيد بن منصور

(5)

.

ولما ذكر ابن دِحْيَةَ الكَلْبي حديثاً في كتابه (العَلَم المشهور)، قال: (وأسنده الإمام المُجْمَعُ على عدالته، المتفق في الصحيحين على

(1)

الثقات لابن حبان (8/ 268 - 269)، والمرجع السابق.

(2)

انظر حاشية المطبوع من تهذيب الكمال (11/ 82).

(3)

تاريخ دمشق (7/ 355).

(4)

تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 26).

(5)

تاريخ بغداد (3/ 415).

ص: 108

إخراج حديثه وروايته: أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني)

(1)

.

وقال ابن القطّان الفاسي: (هو أحد الأثبات)

(2)

.

وقال الذهبي: (الحافظ، الإمام

، كان ثقة صادقاً، من أوعية العلم)

(3)

.

وقال أيضاً: (رَحَلَ وطَوَّفَ، وصار من الحفاظ المشهورين، والعلماء المتقنين)

(4)

.

وقال أيضاً: (من نظر سنن سعيد بن منصور، عرف حفظ الرجل وجلالته)

(5)

.

وقال أيضاً: (الحافظ الثقة، صاحب السنن)

(6)

.

وقال أيضاً: (الإمام الحجَّة)

(7)

.

9 -

ما تكلم به فيه والجواب عنه:

اتفقت كلمة أئمة الجرح والتعديل السابق ذكرهم على توثيق سعيد بن منصور والثناء عليه. ويعكِّر على ذلك بعض الأقوال التي قيلت فيه مما يمكن أن يُعَدَّ جرحاً، لكنها ليست بشيء إذا وُضعت في ميزان النقد الصحيح. فمن ذلك:

أ- أن سعيد بن منصور روى حديثاً عن شيخه إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا محمد بن إسحاق، أخبرني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن

(1)

العالم المشهور لابن دحية (ص 161).

(2)

إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ).

(3)

سير أعلام النبلاء (10/ 586 - 587).

(4)

تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 هـ - 230 هـ)(ص 184 - 185).

(5)

المرجع السابق (ص 186).

(6)

ميزان الاعتدال (2/ 159 رقم 3277).

(7)

تذكرة الحفاظ (2/ 416).

ص: 109

عبد الله اليَزَني، عن عبد الرحمن الصَّنَابُحي، قال: رأيت أبا بكر يمسح على الخمار.

روى هذا الحديث يعقوب بن سفيان الفسوي، عن شيخه سعيد بن منصور، ثم ذكر يعقوب أن سعيداً سمَّى الصنابحي: عبد الرحمن بن عثيلة، وأن غير سعيد يقول: ابن عسيلة، قال يعقوب:(وهو الصحيح) - يعني بالسين، ثم قال:(وكان سعيد بن منصور إذا رأى في كتابه خطأ لم يرجع عنه)

(1)

. اهـ.

ولأجل قول يعقوب هذا، ذكر الذهبي سعيد بن منصور في ميزان الاعتدال

(2)

، وامتدحه بقوله:(الحافظ الثقة)، ولم يلتفت إلى هذا القول فيه.

وأما الحافظ ابن حجر، فإنه رأى أن صنيع سعيد هذا لا يقتضي جرحه؛ لأنه لم يكن من باب المكابرة في التمسك بالخطأ، بل من شدة ثقته بضبطه؛ فإنه لما ذكر سعيد بن منصور في التقريب

(3)

، قال:(ثقة مصنِّف، وكان لا يرجع عما في كتابه لشدّة وثوقه به).

وعليه، فلا يقدح قول يعقوب هذا في شيخه طالما عُرف أنه كان واثقاً بكتابه؛ لشدَّة تحرِّيه أثناء سماع الحديث، وحفظه بعد ذلك لكتابه من أن يعبث به عابث. وسبق في بيان آرائه في الرجال أنه كان يَنْتَقِدُ شيخَه عبد الله بن وهب لأنه كان يسمع معهم عند المشايخ، وينام في المجلس، ثم يأخذ الكتب من بعضهم فيكتبها

(4)

.

(1)

المعرفة والتاريخ (2/ 222).

(2)

(2/ 159 رقم 3277).

(3)

(ص 241 رقم 2399).

(4)

تقدم ذكر الحكاية (ص 99 / ق).

ص: 110

ولم يحرص على الأخذ من رِشْدين بن سعد، لَمّا استبان له أنه يدفع كتابه لمن لم يعرف، وذكر عنه سلامةَ عَقْلٍ

(1)

.

ومع هذا الحرص والتحرِّي، قد يخطئ سعيد كغيره من الأئمة الذين لم يسلم منهم أحد من الخطأ، لكن أخطاءهم مغمورة في بحر صوابهم، والماء إذا بلغ القُلَّتين لم يحمل الخبث.

فهذا إمام الأئمة مالك بن أنس- رحمه الله أخطأ في اسم الصُّنَابُحي هذا، خَطَّأه البخاري

(2)

، فهل حَطَّ ذلك من قدره؟.

وهذا إمام الجرح والتعديل يحيى بن سعيد القطّان يقول عنه الإمام أحمد: (ما رأيت أقلّ خطأ من يحيى، ولقد أخطأ في أحاديث)، ثم قال:(ومن يَعْرَى من الخطأ والتصحيف؟)

(3)

.

وكم للبخاري من أخطاء في الرواة في تاريخه الكبير، دفعت ابن أبي حاتم إلى أن يؤلِّف مؤلَّفاً في بيان أخطاء البخاري

(4)

، فكان ماذا؟.

فسعيد بن منصور أخطأ كما أخطأ غيره، ولم يكثر منه الخطأ حتى يكون قادحاً، بل الأئمة معترفون بحفظه وجلالته، وتقدم قول حرب الكرماني:(أملى علينا نحواً من عشرة آلاف حديث من حفظه)

(1)

تقدم ذكر الحكاية أيضاً (ص 98 / ق - 99 / ق).

(2)

روى مالك حديثاً من طريق زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بن يسار، عن الصنابحي هذا، غير أنه سمّاه:(عبد الله الصنابحي). قال الترمذي: (سألت محمد بن إسماعيل- يعني البخاري- عنه، فقال: وَهِمَ فيه مالك، وهو أبو عبد الله، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة). اهـ من تهذيب التهذيب (6/ 90 - 91).

(3)

تهذيب التهذيب أيضاً (11/ 218).

(4)

واسم مؤلَّفه هذا: (كتاب بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه)، وهو مطبوع في آخر التاريخ الكبير، بعد كتاب الكنى، بتحقيق العلاّمة عبد الرحمن المعلِّمي رحمه الله.

ص: 111

ووصفه بالحفظ يحيى بن حسّان وأبو زرعة الدمشقي، وقال ابن حبّان:(من المتقنين الأثبات)، وسبق نقل قول الذهبي:(من نظر سنن سعيد بن منصور، عرف حفظ الرجل وجلالته).

فإن قيل: ليس الكلام في كونه أخطأ من عدمه، وإنما في كونه لا يرجع عما في كتابه من الخطأ.

فالجواب: أن سعيداً لم يَسْتَجِزْ- والله أعلم- العدول عما هو موجود في كتاب رأى أنه قد ضبطه وجوّده. ولو أن الراوي عدل عن الوجه الذي تَلَقَّى عليه ذلك الحديث إلى الوجه الذي يراه صواباً، لاضطربت وجوه الترجيح بين الروايات التي فيها اختلاف، وازداد الإشكال في اختلاف الأحاديث.

ب- ومن جملة ما تُكُلِّم به في سعيد بن منصور: ما ذكره سلمة بن شبيب، قال:(وقد كنت أسمع سليمان بن حرب- وهو بمكة- ينكر عليه الشيء بعد الشيء، وكذلك كان الحميدي، لم يكن الذي بينه وبين الحميدي حسناً، فكان الحميدي يُخَطِّئه في الشيء بعد الشيء من رواية ما يروي عن سفيان)

(1)

.

وهذا الكلام لم يلتفت إليه أحد، ولذا لم يذكره الذهبي في ميزان الاعتدال

(2)

، والسبب أن سليمان بن حرب وعبد الله بن الزبير الحميدي قرينان لسعيد بن منصور، وثلاثتهم من سكان مكة، وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة من أبرز شيوخ سعيد كما تقدم، ويعتبر سليمان بن حرب راوية لحماد بن زيد، والحميدي راوية لسفيان بن عيينة، فلا عجب أن يكون بينهما وبين سعيد ما يكون بين الأقران غالباً،

(1)

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/ 178).

(2)

انظر ميزان الاعتدال (2/ 159 رقم 3277).

ص: 112

وكلام الأقران بعضهم في بعض لا يلتفت إليه، بل يُطْوَى ولا يُرْوَى.

هذا مع أن ما بينهم لم يبلغ حدّ القدح والحطّ من أحدهم على الآخر، بل نلمس منهم اعتراف بعضهم بفضل الآخر، وهذه صفة أهل الإخلاص. فانظر إلى تواضع سعيد ولين جانبه ولُطْف عبارته حين يقول: (لا تسألوني عن حديث حماد بن زيد، فإن أبا أيوب

(1)

يجعلنا على طَبَق، ولا تسألوني عن حديث سفيان، فإن هذا الحميدي يجعلنا على طَبَق)

(2)

.

وفي نظري أن سلمة بن شبيب رحمه الله بالغ بقوله: (لم يكن الذي بينه وبين الحميدي حسناً)، إذ لو كان ذلك كذلك، لما كان الحميدي يحضر في مجالس الحديث التي كان يعقدها سعيد بن منصور

(3)

، ولم يكن إذا ظفر بشيء من غرائب العلم يحرص على إطلاع سعيد عليه

(4)

، فمؤدَّى عبارة سلمة هذه: أن بينهما ما يمنع من هذا كله، وقد عرفتَ ما فيه.

ومع هذا فلا ننفي أن يكون دخل في النفوس شيء من جرَّاء ما يجري بينهما حال مذاكرة الحديث ورجحان وجهة نظر أحدهما على الآخر

(5)

، إلا أن هذا لم يبلغ دينهما

(6)

، بل هما كباقي العلماء الذين إذا جدّ الجِدّ رأيت منهم العجب.

(1)

هي كنية سليمان بن حرب، وفي تكنية سعيد بن منصور له هكذا ما يدل على ما له من مكانة عنده، فتنبَّه!.

(2)

المعرفة والتاريخ (2/ 178).

(3، 5) انظر القصة المتقدمة (ص 80 / ق).

(4)

انظر القصة الآتية (ص 121 / ق - 122 / ق).

(6)

ومما يحسن إيراده هنا: ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (ص 353 رقم 248) بإسناد صحيح- كما قال محقق الكتاب- عن طارق بن شهاب رضي الله =

ص: 113

فهذا وكيع بن الجراح رحمه الله كان بينه وبين قرينه سفيان بن عيينة تباعد، وفي سنة أربع أو خمس وثمانين ومائة جاء وكيع إلى مكة، وحدَّث عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عن عبد الله البَهِيّ، أن أبا بكر الصديق جاء إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فأكبَّ عليه، فقبَّله، وقال: بأبي وأمي، ما أطيب حياتك وميتتك!.

ثم قال البَهِيُّ: وكان تُرك يوماً وليلة حتى رَبَا بطنه صلى الله عليه وسلم، وانْثَنَتْ خِنْصِرَاه.

فلما حدَّث وكيع بهذا، اجتمعت قريش، ورفع أمره إلى العثماني والي مكة، فأرسل إليه، وحبسه، وعزم على قتله وصَلْبه، وأمر بخشبة أن تنصب خارج الحرم. وبلغ وكيعاً ذلك وهو في الحبس، فقال للحارث بن الصديق: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل واحتجنا إليه- يعني سفيان بن عيينة-، فقال له الحارث: يا أبا سفيان، دع هذا عنك، فإن لم يُدْرِكْكَ قُتِلْتَ. فأرسل إلى سفيان، ففزع إليه، ودخل على العثماني، فكلَّمه فيه، والعثماني يَأْبَى، وكان من جملة ما قال سفيان: الله الله، هذا فقيه أهل العراق وابن فقيهه، وهذا حديث معروف.

قال سفيان: ولم أكن سمعته، إلا أني أردت تخليص وكيع. ومن جملة ما قال سفيان أيضاً للعثماني: إني لك ناصح، إن هذا رجل من أهل العلم، وله عشيرة، فإن أنت أقدمت عليه، أقل ما يكون: أن تقوم عليك عشيرته وولده بباب أمير المؤمنين، فيشخصك لمناظرتهم. فَعَمِلَ فيه كلام سفيان، وأمر بإطلاقه من الحبس، فأُخرج وكيع من الحبس، وركب حماراً، وحُمِلَ متاعه عليه، وسافر متوجهاً إلى المدينة.

= عنه قال: كان بين سعد- يعني ابن أبي وقاص- وخالد- يعني ابن الوليد- كلام، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد، فقال- أي سعد-: مَهْ! إن ما بيننا لم يبلغ دينَنَا.

ص: 114

قال سعيد بن منصور: كنا بالمدينة، فكتب أهل مكة إلى أهل المدينة بالذي كان من وكيع وابن عيينة والعثماني، وقالوا: إذا قدم عليكم، فلا تَتَّكلوا على الوالي، وارجموه بالحجارة حتى تقتلوه. فعزموا على ذلك، وبَلَغَنَا الذي هم عليه، فبعثنا بريداً إلى وكيع: أن لا يأتي إلى المدينة، ويمضي من طريق الرَّبَذَة

(1)

، وكان قد جاوز مفرق الطريقين، فلما أتاه البريد، رجع راجعاً إلى الرَّبَذَة، ومضى إلى الكوفة

(2)

.

فهذه القصة مَثَلٌ من عدّة أمثلة تحكي مواقف السلف في مثل هذه الأحوال والخطوب، وموقف سعيد بن منصور فيها موقف العالم الناصح المشفق.

وأما ما يتعلق بالحديث ورواية وكيع له، فيقول الذهبي في ذلك: (فهذه زَلَّة عالم، فما لوكيع ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الإسناد؟ كادت نفسه أن تذهب غلطاً

)، ثم أخذ في الاعتذار عنه وتوجيه الرواية وجهة صحيحة، ثم قال:(وهذا بحث معترض في الاعتذار عن إمام من أئمة المسلمين، وقد قام في الدفع عنه مثل إمام الحجاز سفيان بن عيينة)

(3)

.

10 -

عقيدته:

شهدت الفترة التي عاشها سعيد بن منصور ظهور عدة اتجاهات مباينة لمعتقد أهل السنة والجماعة

(4)

، فاستشعر أهل السنة خطر هذه

(1)

الرَّبَذَةُ: من قرى المدينة، على ثلاثة أيام منها، قريبة من ذات عرق، وبها قبر أبي ذر رضي الله عنه. معجم البلدان (3/ 24).

(2)

انظر القصة بكاملها في المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (1/ 175 - 176)، وسير أعلام النبلاء (9/ 159 - 165).

(3)

سير أعلام النبلاء (9/ 160، 162).

(4)

انظر المبحث المتقدم (ص 36 - 51) في الكلام على الحالة الفكرية في عصر المؤلِّف.

ص: 115

الاتجاهات، فوقفوا في وجهها بالردود العلمية المُدَعَّمَةِ بالكتاب والسنة، والتحذير من خطر البدعة والمبتدعين.

وقد كان لسعيد بن منصور رحمه الله إسهام في هذا الجانب يدلّ على أنه من أئمة أهل السنة، ولذا كان الإمام أحمد رحمه الله يثني عليه ويطريه، وهو لا يفعل ذلك إلا بأهل السنة المعلنين بها، وموقفه من الذين أجابوا في فتنة خلق القرآن مكرهين معروف

(1)

.

ويدلنا على معتقد سعيد بن منصور ما ذكره تلميذه حرب الكرماني في مسائله المشهورة

(2)

حيث قال: (هذه مذاهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسِّكين بها، المقتدى بهم فيها، من لدن أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا هذا. وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرها عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.- قال:- وهو مذهب أحمد

(3)

، وإسحاق بن إبراهيم

(4)

، وعبد الله بن مخلد

(5)

، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، وكان من قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونيَّة وتَمَسُّكٌ

(1)

فإنه هجرهم ولم ير الكتابة عنهم. انظر سير أعلام النبلاء (11/ 322).

(2)

وتسمَّى أيضاً: " السنَّة"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاستقامة (1/ 70):(وكذلك لفظ الحركة، أثبته طوائف من أهل السنة والحديث، وهو الذي ذكره حرب بن إسماعيل الكرماني في السنّة التي حكاها عن الشيوخ الذين أدركهم: كالحميدي، وأحمد بن حنبل، وسعيد بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم).

(3)

يعني ابن حنبل.

(4)

المعروف بابن راهُويَهْ.

(5)

لعله يقصد عبد الله بن مَخْلَد بن خالد التميمي النيسابوري، النحوي المترجم في التهذيب (6/ 24).

ص: 116

بالسنة، والإيمان يزيد وينقص

)، ثم أخذ في ذكر هذه العقيدة

(1)

.

ويزيد ذلك وضوحاً ما سأعرضه من بعض ما وقفت عليه من سننه في بعض مباحث العقيدة، فمن ذلك:

ـ عند قوله سبحانه: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أعلم ما لا تعلمون} ، أورد أثراً بإسناد صحيح عن مجاهد أنه قَالَ: عَلِمَ مِنْ إِبْلِيسَ الْمَعْصِيَةَ، وخلقه لها

(2)

. وهذا من معتقد أهل السنة في باب القدر.

ـ وعند قوله سبحانه: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التواب الرحيم} ، أورد أثراً من رواية أبي عون خصيف بن عبد الرحمن الجزري، عن مجاهد، وفيه: أن الله أمر إبراهيم الخليل عليه السلام أن يؤذِّن في الناس بالحج، وأن من أجاب إبراهيم من الخلق يومئذ فهو حاج، ثم قال مجاهد لخصيف: يَا أَبَا عَوْنٍ، القَدَريَّةُ لَا يصدِّقون بهذا

(3)

. وأوضحت في تعليقي على قول مجاهد هذا ما مراده به.

ـ وعند قوله سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فمن نفسك} ، أورد أثراً بإسناد صحيح عن أبي صالح ذَكْوان السَّمَّان- فِي قَوْلِهِ:{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سيئة فمن نفسك} -، قَالَ: بِذَنْبِكَ، وإِنَّا قدَّرناها عَلَيْكَ

(4)

.

وهذا أيضاً من معتقد أهل السنة في باب القدر.

(1)

ساقها ابن القيم في حادي الأرواح (ص 326 - 331)، ولولا طولها لسقتها بتمامها.

(2)

الحديث رقم [184] من هذه الرسالة.

(3)

الحديث رقم [220] من هذه الرسالة.

(4)

الحديث رقم [662] من هذه الرسالة.

ص: 117

وفي القسم المخطوط من السنن عقد سعيد بعض الأبواب التي هي من صلب مباحث العقيدة، فمن ذلك أنه:

ـ عَقَد باباً في ما جاء في لزوم الجماعة

(1)

.

ـ وعقَد باباً في الأئمة المضلِّين

(2)

.

ـ وعقَد باباً في ما جاء في خيار الأئمة

(3)

.

ـ وعقَد باباً في النهي عن سبِّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم واللعنة على من سبَّهم

(4)

.

ـ وعقَد باباً في فضل عثمان بن عفان

(5)

.

ـ وعقَد باباً في ما جاء في فضيلة الحسن والحسين ابني علي

(6)

.

ـ وعقَد باباً في المِرَاء

(7)

.

ـ وعقَد باباً في ما جاء بمن وُكِلَت الفتنة

(8)

.

ـ وعقَد باباً في كراهية الاختلاف

(9)

.

ـ وعقَد باباً في النهي عن مجالسة أهل الأهواء

(10)

.

ـ وعقَد باباً في النهي عن الاستماع إلى أهل البدع

(11)

.

(1)

سنن سعيد بن منصور (ل 198 / أ).

(2)

المرجع السابق (ل 198 / ب).

(3)

المرجع السابق أيضاً (ل 224 / ب - 225 / ب).

(4)

السابق أيضاً (ل 223 / أ - 223 / ب).

(5)

السابق أيضاً (ل 213 / أ).

(6)

السابق أيضاً (ل 229 / أ).

(7)

السابق أيضاً (ل 202 / أ).

(8)

السابق أيضاً (ل 202 / ب).

(9)

السابق أيضاً (ل 205 / ب).

(10)

السابق أيضاً (ل 218 / ب - 219 / أ).

(11)

السابق أيضاً (220 / ب).

ص: 118

ـ وعقَد باباً طويلاً في ما جاء في الشفاعة

(1)

.

ـ وعقَد باباً طويلاً في ما جاء في القَدَر

(2)

.

وهناك بعض النقول التي أتت في بعض الكتب مما يمكن أن يضاف لما سبق. فمن ذلك: ما رواه الخطيب البغدادي قال:

أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أنبأ أحمد بن محمد بن عبد الله القطان، ثنا عبد الكريم بن الهيثم، ثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بَزَّة، ثنا أبو العباس الوليد بن عبد العزيز بن عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْج، قال: حدثتني أمي، عن جدي عبد الملك، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عن أبي الدرداء قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من فَلْقِ فيه إلى أذني هذه- ورآني أمشي بين يدي أبي بكر وعمر- فقال: ((يا أبا الدرداء، أتمشي بين يدي من هو خير منك؟))

(3)

. فقلت: ومن هو يا رسول الله؟. فقال: ((أبو بكر وعمر، ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين خير من أبي بكر)).

قال

(4)

: فحدَّثت الحميدي

(5)

، فقال لي: اذهب بنا إليه حتى أسمعه منه، فقلت له: منزله بالثقبة، والثقبة على رأس ثلاثة أميال من مكة.

(1)

السابق أيضاً (216 / أ - 217 / أ).

(2)

السابق أيضاً (217 / أ - 218 / ب).

(3)

الحديث المرفوع ضعيف بهذا الإسناد؛ لأنه من رواية عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع من عطاء، انظر ترجمة ابن جريج في الحديث الآتي برقم [9] من هذه الرسالة.

(4)

أي أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بَزَّة كما يتضح من سياق القصة.

(5)

هو عبد الله بن الزبير الحميدي شريك سعيد بن منصور في الرواية عن سفيان بن عيينة. وهذه القصة تدل على حسن علاقته بسعيد بن منصور، وأنه لم يكن بينهما هجر ولا قطيعة كما قد يفهم من قول سلمة بن شبيب الذي سبق نقله (ص 114 - 115).

ص: 119

فلما كان ذات يوم دفنا رجلاً من قريش باكراً، ثم قال لي الحميدي: هل لك بنا في الرجل؟ قلت: نعم، فخرجنا نريده. فلما كنا بقصر داود بن عيسى لقينا ابن عم له فقال: يا أبا بكر أين تريد؟ قال: أردنا أبا العباس، فقال: يرحم الله أبا العباس، مات أمس.

فقال الحميدي: هذه حَسْرة. ثم قال: أنا أسمعه منك. فدخلنا على سعيد بن منصور وهو يحدِّث، فلما افترق الناس، دنا منه، فقال لي: حدث أبا عثمان حديث الجُرَيْجي، فحدثته.

فقال سعيد: قطع هذا كلَّ عِلَّة.

فقلت للحميدي: ما قطع كل علة؟.

فقال لي: إن أناساً زعموا أن علياً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنه لا يقاس به أحد من الناس، فلما أن قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما قال، علمنا أن علياً ليس بنبي ولا مرسل، فقطع كل علة

(1)

.

ومن ذلك أيضاً: ما رواه ابن عساكر في تاريخه من طريق سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: نا أبو معاوية، نا عمر بن ذر، قال: خرجت وافداً إلى عمر بن عبد العزيز بن في نفر من أهل الكوفة، وكان معنا صاحب لنا يتكلم في القَدَر، فسألنا عمر بن عبد العزيز عن حوائجنا، ثم ذكرنا له القَدَر، فقال: لو أراد الله أن لا يُعصى ما خلق إبليس، ثم قال: قد بيّن الله ذلك في كتابه: {فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم} ، فرجع صاحبنا ذلك عن القَدَر

(2)

.

11 -

من اتفق معه في الاسم واسم الأب:

أورد الخطيب البغدادي في كتابه: (المتفق والمفترق)

(3)

خمسة ممن

(1)

الرحلة للخطيب البغدادي (ص 181 - 185).

(2)

تاريخ دمشق لابن عساكر (13/ 205 / مخطوط الظاهرية).

(3)

(ل 109، 110).

ص: 120

يُسَمَّون سعيد بن منصور، أحدهم صاحب السنن.

وأذكر الأربعة الآخرين لتمييزهم عن المترجم له.

أما الأول، فهو: سعيد بن منصور بن محرز بن مالك بن أحمد الجُذَامي، الشامي، أرسل عن جدّ أبيه مالك بن أحمد، وحدَّث عنه الوليد بن مسلم الدمشقي، وهذا أعلى طبقة من صاحب السنن، لأن الوليد بن مسلم من شيوخ صاحب السنن.

وأما الثاني، فهو: سعيد بن منصور الرَّقِّي

(1)

، يروي عن عثمان بن عطاء الخراساني، روى عنه عمر بن شَبَّةَ، وهذا يقارب طبقة صاحب السنن؛ لأن عمر بن شبة روى عنهما كليهما.

وأما الثالث، فهو: سعيد بن منصور المشرقي الكوفي

(2)

، يروي عن زيد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن علي بن حسين، روى عنه إسماعيل وحصين ابنا عبد الرحمن الجعفي، وهذا أيضاً أعلى طبقة من صاحب السنن، لأنه يروي عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المقتول سنة اثنتين وعشرين ومائة

(3)

.

وأما الرابع، فهو: سعيد بن منصور بن حنش، أبو حنش السبائي، وهو أعلى من المصنف طبقة، لأن الخطيب ذكر أنه توفي سنة أربع وثمانين ومائة.

12 -

أولاده:-

لم أجد في ما وقفت عليه من المراجع ما يسعف في معرفة شيء

(1)

انظر أيضاً إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / ب).

(2)

انظر أيضاً ترجمة حصين بن عبد الرحمن الجعفي في المتفق والمفترق (ل 70).

(3)

كما في التقريب (ص 224 رقم 2149).

ص: 121

عن عائلة سعيد بن منصور، سوى أن له من الأولاد: أحمد

(1)

ومحمداً

(2)

، وهذان لم أجد من ترجم لهما، مع أن محمداً روى شيئاً عن والده كما سبق.

وهناك بعض الرواة الذين يشتبه في أنهم من سلالة سعيد بن منصور.

منهم: الشيخ الإمام المحدِّث الواعظ القدوة، شيخ الإسلام، الأستاذ أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور النيسابوري، الحِيري. ولد سنة ثلاث ومائتين، وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائتين

(3)

.

ولم أجد أدنى إشارة تدلّ على أن أبا عثمان هذا حفيد لسعيد بن منصور صاحب السنن، إلا أن كنيته وطبقته تُقَوِّي الاحتمال بأنه حفيده، وقد يكون من أحفاد من اتفق مع سعيد في الاسم والنسب ممن تقدم ذكرهم

(4)

، أو غيرهم، فالعلم عند الله.

ولسعيد بن إسماعيل هذا ابن يقال له: أحمد، نقل عنه الذهبي، فقال:(قال أبو الحسين أحمد بن أبي عثمان: توفي أبي لعشر بقين من ربيع الآخر، سنة ثمان وتسعين ومائتين، وصلى عليه الأمير أبو صالح)

(5)

.

وله أيضاً ابن يقال له محمد.

(1)

ذكر ذلك أحمد بن محمد بن الحسين- لعلّه الماسِرْجِسي-، ونقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 355 / مخطوط الظاهرية). وقال الكلاباذي في رجال صحيح البخاري (1/ 296):(وهو والد أحمد).

(2)

روى محمد عن أبيه أشياء يسيرة، انظر ما تقدم (ص 99، 100).

(3)

سير أعلام النبلاء (14/ 62 - 66).

(4)

في المبحث المتقدم بعنوان: من اتفق معه في الاسم واسم الأب.

(5)

سير أعلام النبلاء (14/ 66).

ص: 122

قال الذهبي: (الإمام الحافظ المجَوِّد القدوة الزاهد الأديب، أبو بكر، محمد بن الإمام الزاهد أبي عثمان سعيد بن إسماعيل، النيسابوري، الحِيْرِيّ. سمع عليّ بن الحسن الهلالي ومحمد بن عبد الوهاب الفرَّاء وتَمْتَاماً وإسماعيل القاضي وبكر بن سهل، وكان واسع الرِّحْلة عالماً. روى عنه: أبو علي الحافظ وولده أبو سعيد وأبو أحمد الحاكم. وكان من كبار الغزاة في سبيل الله، ويرابط بطرسوس. توفي في المحرم سنة خمس وعشرين وثلاثمائة)

(1)

.

ولمحمد هذا ابن يقال له: أحمد.

قال الخطيب البغدادي: (أحمد بن محمد بن سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور، أبو سعيد النيسابوري، المعروف بابن أبي عثمان، الغازي. وجَدُّه سعيد هو المُكَنَّى: أبو عثمان، وكان واعظ أهل نيسابور وشيخ الصُّوفية. فأما أبو سعيد، فكان من عباد الله الصالحين، وقدم بغداد حاجاً دفعات عدَّة، آخرها في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة،

بلغني أن ابن أبي عثمان خرج غازياً إلى طرسوس، فمات بها)

(2)

.

وقال الحاكم أبو عبد الله: (أحمد بن محمد بن سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور، الواعظ، الحافظ، أبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان رضي الله عنهم وكان قد جمع الحديث الكثير، وصنَّف في الأبواب والشيوخ، ثم أدركته الشهادة بطرسوس، .... صنَّف التفسير الكبير، وخرَّج على المسند الصحيح لمسلم بن الحجاج، وكان من محبّته للحديث يكتب بخطه ويسمع إلى أن استشهد رحمه

(1)

المرجع السابق (15/ 258).

(2)

تاريخ بغداد (5/ 23).

ص: 123

الله .... ، وتوفي بطرسوس للنصف من شعبان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة)

(1)

.

فهل يا تُرى هذه الذرية الطيبة من سلالة هذا الإمام سعيد بن منصور صاحب السنن؟.

13 -

وفاته وبيان الراجح في تاريخها:-

وهكذا بعد حياة حافلة بطلب العلم وتعليمه والتصنيف فيه، أدرك سعيداً الأمر الذي لابد منه، وهو الموت الذي كتبه الله على العباد. وقد اختلِفَ في تاريخ وفاته على أربعة أقوال: فمنهم من قال: توفي سنة ست وعشرين ومائتين، ومنهم من قال: سنة سبع وعشرين ومائتين، ومنهم من قال: سنة ثمان وعشرين ومائتين، ومنهم من قال: سنة تسع وعشرين ومائتين.

واختُلف أيضاً في الشهر الذي توفي فيه، فمنهم من قال: توفي في رجب، ومنهم من قال: في رمضان.

أ- أما الذي قال: إنه توفي سنة ست وعشرين ومائتين، فهو تلميذه أبو زرعة الدمشقي، حيث قال في تاريخه:(ومات سعيد بن منصور سنة ست وعشرين ومائتين)

(2)

.

ب- أما الذي قال: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين فهم كثير، منهم: محمد بن سعد، وأبو داود، ومحمد بن عبد الله الحضرمي مُطَيَّن، وحاتم بن الليث الجوهري، وعبد الله بن محمد البغوي، وأبو سعيد ابن يونس، وابن حبان، وكذا جاء عن البخاري في بعض الروايات.

(1)

تاريخ دمشق لابن عساكر (2/ 173 - 174 / مخطوط الظاهرية)، وانظر أيضاً سير أعلام النبلاء (16/ 29).

(2)

تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 304 رقم 554)، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 357).

ص: 124

أما ابن سعد فقال: (سعيد بن منصور، ويُكّنَّى أبا عثمان، توفي بمكة سنة سبع وعشرين ومائتين)

(1)

.

وأما أبو داود، فقال أحمد بن محمد بن الحسين:(وذكر أبو داود أنه مات سنة سبع وعشرين ومائتين)

(2)

.

وأما محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي مُطَيَّن فقال: (وفيها- يعني سنة سبع وعشرين ومائتين- مات سعيد بن منصور الخراساني)

(3)

.

وأما حاتم بن الليث الجوهري فقال: (مات سعيد بن منصور بمكة- ويكنى أبا عثمان- سنة سبع وعشرين ومائتين)

(4)

.

وأما عبد الله بن محمد البغوي فقال: (ومات سعيد بن منصور بمكة وبها مات، في شهر رجب سنة سبع وعشرين ومائتين)

(5)

.

وأما أبو سعيد ابن يونس الصَّدَفي فقال: (سعيد بن منصور الخراساني، من أهل مرو، قدم مصر، وكُتب عنه بها، وكان قد قطن بمكة وبها مات، في رمضان، سنة سبع وعشرين ومائتين)

(6)

.

وأما ابن حبان فقال في كتاب الثقات: (مات بمكة سنة سبع وعشرين ومائتين)

(7)

.

وأما البخاري، فسيأتي ذكر كلامه في حكاية القول الرابع.

(1)

الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 502)، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 357 / مخطوط الظاهرية).

(2)

تاريخ دمشق أيضاً (7/ 355).

(3)

تاريخ دمشق أيضاً (7/ 357).

(4)

تسمية ما انتهى إلينا في الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 26).

(5)

تاريخ وفاة الشيوخ الذين أدركهم البغوي (ص 47 رقم 9).

(6)

تاريخ دمشق لابن عساكر (7/ 355 / مخطوط الظاهرية).

(7)

الثقات لابن حبان (8/ 268 - 269).

ص: 125

جـ- وأما الذي قال: إنه توفي سنة ثمان وعشرين فلم أجده، ولكن حكاه المزِّي عن غير معيَّن.

قال المِزِّي في تهذيب الكمال: (وقال أبو زرعة الدمشقي: مات سنة ست وعشرين ومائتين. وقال غيره: مات سنة ثمان وعشرين ومائتين)

(1)

.

د- وأما الذي قال: إنه توفي سنة تسع وعشرين ومائتين، فهو موسى بن هارون الحمّال أحد تلامذة سعيد

(2)

.

وأما البخاري، فاختُلف عنه.

ففي التاريخ الكبير قال: (سعيد بن منصور، مات بمكة سنة تسع وعشرين ومائتين أو نحوها)

(3)

.

وفي التاريخ الأوسط قال: (مات سعيد بن منصور بمكة- أبو عثمان الخراساني، سكن مكة- يعني سنة سبع وعشرين ومائتين)

(4)

.

وهذا الاختلاف على البخاري يرجع- فيما يظهر- إلى تقارب رسم (سبع) و (تسع)، فتصحفت (تسع) إلى:(سبع) في الأوسط، والصواب عن البخاري ما جاء في التاريخ الكبير، وقد أطال مغلطاي في بيان خطأ من رواه (سبع) عن البخاري، وذلك في كتابه إكمال تهذيب الكمال

(5)

.

والراجح من هذه الأقوال قول من قال: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين لكثرتهم، وهذا الذي رجحه كل من جاء بعدهم،

(1)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 82).

(2)

كما في الموضع السابق من تهذيب الكمال، وسير أعلام النبلاء (10/ 590).

(3)

التاريخ الكبير (3/ 516).

(4)

التاريخ الأوسط المطبوع باسم التاريخ الصغير (2/ 358).

(5)

(ل 99 / أ).

ص: 126

فقد اختاره أبو نعيم

(1)

، وابن خير الإِشبيلي

(2)

، وابن نقطة

(3)

، وغيرهم.

ولما ذكر المزِّي هذه الأقوال، قال:(والصحيح الأول والله أعلم)

(4)

- يعني قول من قال: سنة سبع وعشرين ومائتين-.

وقال الذهبي: (قال ابن سعد، وأبو داود، وحاتم بن الليث، وجماعة: مات بمكة سنة سبع وعشرين. زاد ابن يونس، فقال: في رمضان. وقال أبو زرعة الدمشقي: سنة ست، والأول الصحيح. وصحَّف موسى بن هارون، فقال في سنة تسع وعشرين ومائتين)

(5)

.

وقال أيضاً: (وقال ابن سعد، وأبو داود، ومُطّيَّن، وحاتم بن الليث: مات سنة سبع وعشرين. قال ابن يونس: مات بمكة في رمضان سنة سبع. وقال بعضهم: سنة ست، وهو غَلَط. وقال بعضهم: سنة تسع، وهو غلط أيضاً)

(6)

.

وأما الشهر الذي توفي فيه، فاختلف فيه قول ابن يونس والبغوي كما سبق. فابن يونس يرى أنه توفي في شهر رمضان، والبغوي يرى أنه توفي في شهر رجب.

ويصعب الترجيح بين القولين بلا مُرَجِّح، والذي ذكره المزِّي والذهبي أنه توفي في شهر رمضان بناءً على قول ابن يونس، والذي يظهر أنهما لم يطلعا على قول البغوي، والله أعلم.

وهكذا بعد حياة دامت ما يقرب من تسعين عاماً قضاها سعيد

(1)

في تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 26).

(2)

في فهرسة ما رواه عن شيوخه (ص 135).

(3)

في التقييد (2/ 18).

(4)

تهذيب الكمال المطبوع (11/ 82).

(5)

سير أعلام النبلاء (10/ 590).

(6)

تاريخ الإسلام- وفيات 221 - 230 (ص 186).

ص: 127

ابن منصور في جمع ميراث النبوة- العلم-، وتبليغه، وَافَتْهُ مَنِيَّتُهُ والأمر الذي لا مَفَرّ منه.

نسأله تعالى أن يرفع درجته في عليين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، آمين.

* * *

ص: 128

‌المبحث الثاني

التعريف بكتاب السنن

1 -

تسميته: -

تكاد تجمع المصادر التي تذكر هذا الكتاب على تسميته بالسنن، والاستدلال على ذلك يطول، وقد جاء في آخر النسخة الخطية التي عثرتُ عليها ما نصه:(آخر كتاب السنن)، وسيأتي مزيد استدلال في المبحث الآتي

(1)

.

وسمّاه بعضهم: (المصنَّف)، أو:(مصنَّف سعيد بن منصور)، بمعنى مؤلَّف سعيد بن منصور.

2 -

توثيق نسبته للمؤلِّف: -

إن صِحَّةَ نسبة كتاب السنن لمؤلفه سعيد بن منصور أمر مقطوع به؛ لشهرة هذه السنن، والأدلة متوافرة على ذلك.

فهناك جَمٌّ غفير كلهم يعزو هذا الكتاب لسعيد بن منصور.

وهناك من ينقل بعض الأحاديث مَعْزُوَّةً لهذا الكتاب ومصنِّفه.

وهناك من يروي أحاديث من هذا الكتاب بسنده عن سعيد بواسطة أو بغير واسطة.

وهناك من يروي هذا الكتاب بسنده إلى مصنِّفه سعيد.

هذا بالإضافة لصحَّة سند الكتاب إلى مؤلفه.

وهذا إجمال، وفيما يلي تفصيله مع الأمثلة: -

أ- من ذكر الكتاب ونسبه إلى سعيد، أو نقل منه أحاديث وعزاها إليه:

1 -

ابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ): قال وهو يذكر مصنَّفات بَقِيّ

(1)

انظر المبحث الآتي بعنوان: توثيق نسبته للمؤلِّف.

ص: 129

ابن مَخْلَد: (ومنها: مصنَّفه في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم، الذي أرْبَى فيه على مصنَّف أبي بكر بن أبي شيبة، ومصنَّف عبد الرزاق، ومصنَّف سعيد بن منصور، وغيرها، وانتظم علماً عظيماً لم يقع في شيء من هذه)

(1)

.

2 -

البيهقي (ت 458 هـ): ذكر في كتاب القراءة خلف الإمام

(2)

حديثاً، ثم قال:((كذا قاله سعيد بن منصور في تفسيره)).

والتفسير من كتب السنن كما سيأتي.

3 -

الخطيب البغدادي (ت 463 هـ): ذَكَر في كتاب الجامع أحق الكتب بالتقديم، ثم قال:(ثم الكتب المصنَّفة في الأحكام الجامعة للمسانيد وغير المسانيد، مثل كتب ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، وهشيم بن بشير، وعبد الله بن وهب، والوليد بن مسلم، ووكيع بن الجرَّاح، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبد الرزاق بن همّام، وسعيد بن منصور، وغيرهم)

(3)

.

وقال في ترجمة سعيد بن منصور في المتفق والمفترق: (وله كتاب في السنن والأحكام كبير، وحديثه كثير مشهور)

(4)

.

وقد جمع محمد بن أحمد المالكي الأندلسي جزءاً

(5)

بعنوان: ((جزء فيه تسمية ما ورد به الشيخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي دمشق، من الكتب من روايته من الأجزاء المسموعة والكبار المصنفة، وما جرى مجراها، سوى الفوائد والأمالي والمنثور،

(1)

نفح الطيب (2/ 519)، (3/ 168 - 169)، وسير أعلام النبلاء (3/ 291).

(2)

(ص 111).

(3)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 186).

(4)

المتفق والمفترق (ل 110 / أ).

(5)

وهذا الجزء من محفوظات المكتبة الظاهرية، الرسالة السادسة من مجموع رقم (18)، وقد أورد هذا الجزء بكامله الدكتور محمود الطحان في كتابه ((الحافظ الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث)) (ص 282 - 301).

ص: 130

وتسمية بعض من صنفها))، وذكر فيه:((تفسير سعيد بن منصور))

(1)

، و ((كتاب الجهاد)) و ((كتاب النكاح))، و ((منتخب كتبه في الأحكام))

(2)

.

3 -

ابن خير الإشبيلي (ت 575 هـ): قال في فهرسه: (مصنَّف سعيد بن منصور البلخي، نزيل مكة، وتوفي بها سنة 227، حدثني به أبو بكر

)

(3)

، ثم أخذ في ذكر أسانيده إلى هذا الكتاب كما سيأتي.

4 -

ابن نُقْطَةَ محمد بن عبد الغني (ت 629 هـ): قال في ترجمة سعيد بن منصور: (وصنَّف كتاب السنن، وجمع فيها من أقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم ما لم يجمعه غيره

، وحدَّث عنه بكتاب السنن: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ووقع لنا حديثه عالياً)

(4)

.

قلت: وهو يروي نفس السنن بنفس إسناد هذه النسخة الخطية كما سيأتي.

وفي ترجمة كل راو من الرواة لكتاب السنن كان ابن نقطة يذكر روايته لها

(5)

.

5 -

ابن دِحْيَة الكَلْبي (ت 633 هـ): قال: (وهذا المصنَّف الذي صنَّفه سعيد بن منصور هو أربعة وعشرون جزءاً

)

(6)

.

6 -

شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ): قال في السير: (سعيد بن منصور بن شعبة، الحافظ، الإمام، شيخ الحرم

مؤلف كتاب السنن)

(7)

.

(1)

المرجع السابق (ص 283 رقم 24).

(2)

المرجع السابق أيضاً (ص 288 رقم 150، 151، 152).

(3)

فهرسة ما رواه عن شيوخه لابن خير الإشبيلي (ص 135).

(4)

التقييد (2/ 17).

(5)

انظر تراجم رجال سند الكتاب الآتية.

(6)

العَلَم المشهور (ص 162).

(7)

سير أعلام النبلاء (10/ 586).

ص: 131

وفي الميزان قال: (سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني، الحافظ الثقة، صاحب السنن)

(1)

.

وفي تاريخ الإسلام قال: (من نظر سنن سعيد بن منصور عرف حفظ الرجل وجلالته)

(2)

.

وفي ترجمة أبي طاهر أحمد بن الحسن الكَرَجي من السير قال: (سمع من أبي علي ابن شاذان كتاب السنن لسعيد بن منصور)

(3)

.

7 -

ابن كثير الدمشقي (ت 774 هـ): قال في البداية والنهاية: (وسعيد بن منصور صاحب السنن المشهورة التي لا يشاركه فيها إلا القليل)

(4)

.

8 -

ابن النَّحَاس (ت 814 هـ): قال في مقدمة كتابه مشارع الأشواق: (وألَّفْتُ هذا الكتاب من الأصول المشهورة، وانتقيته من هذه الدواوين المذكورة، وهي: كتاب الجهاد للإمام عبد الله بن المبارك، وهو أول مؤلَّف أُلِّف في هذا الشأن فيما أعلم. ومصنف الإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني. وكتاب السنن للإمام سعيد بن منصور الخراساني

)

(5)

إلخ.

9 -

تقي الدين الفاسي (ت 832 هـ): قال في ترجمة سعيد بن منصور: (أحد الأعلام، مؤلِّف السنن

، وروى عنه أيضاً محمد بن علي الصائغ المكي كتاب السنن له)

(6)

.

(1)

ميزان الاعتدال (2/ 159).

(2)

تاريخ الإسلام (ص 186 / وفيات سنة 221 - 230).

(3)

سير أعلام النبلاء (19/ 144).

(4)

البداية والنهاية (10/ 299).

(5)

مشارع الأشواق إلى مصارع العُشَّاق (1/ 72).

(6)

العقد الثمين (4/ 586 - 587).

ص: 132

وقال في ترجمة إبراهيم بن أحمد بن علي بن فراس: (كانت عنده سنن سعيد بن منصور، عن محمد بن علي الصائغ الصغير)

(1)

.

10 -

ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): ذكر سنن سعيد بن منصور في مواضع عديدة من فتح الباري

(2)

، وفي تهذيب التهذيب

(3)

، وتغليق التعليق

(4)

، وغيرها من كتبه.

وسيأتي ذكر سنده لكتاب السنن.

11 -

برهان الدين البقاعي (ت 885 هـ): قال في كتابه مصاعد النظر: (وروى النسائي في السنن

وسعيد بن منصور في سننه .... )

(5)

، ثم ذكر حديثاً.

12 -

جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ): قال في تدريب الراوي: (من مظان المعضل والمنقطع والمرسل: كتاب السنن لسعيد بن منصور، ومؤلفات ابن أبي الدنيا)

(6)

.

وأما عزوه للسنن في كتبه فكثير جداً، فمن ذلك مثلاً: قال في الدر المنثور: (وأخرج سعيد بن منصور في سننه)

(7)

، وكذا قال في تحذير الخواص من أكاذيب القُصَّاص

(8)

،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

المرجع السابق (3/ 200).

(2)

انظر هذه المواضع في كتاب: (معجم المصنفات الواردة في فتح الباري)(ص 216).

(3)

انظر مثلاً: (1/ 302، 512)، (2/ 114، 280)، (3/ 274، 286، 479)، (4/ 154).

(4)

انظر مثلاً: (3/ 44، 46، 48، 50، 51، 52، 53، 61، 72، 74، 77).

(5)

مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور (2/ 246).

(6)

تدريب الراوي (1/ 214).

(7)

قال ذلك في (1/ 14، 20، 40)، وانظر نماذج من هذا كثيرة جداً في تخريج أحاديث هذه الرسالة.

(8)

تحذير الخواص (ص 255).

ص: 133

وفي شرح الصدور

(1)

.

ب- من روى أحاديث من هذا الكتاب بسنده عن سعيد بواسطة أو بغير واسطة: وهم عدد كثير يصعب حصره، فمنهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي في كتاب الطبقات

(2)

، ومنهم الإمام أحمد في المسند

(3)

، ومنهم البخاري

(4)

، ومسلم

(5)

، وأبو داود

(6)

، ويعقوب بن سفيان

(7)

، وأبو زرعة الدمشقي

(8)

، وحرب بن إسماعيل الكرماني

(9)

.

فهؤلاء من تلاميذه يروون عنه بلا واسطة.

وأما من روى عنه بواسطة فهم كثيرون، ولذا سأقتصر على من روى أحاديث من هذا القسم المحقق من طريق المصنف، وسيكون العزو

(1)

انظر مثلاً: (ص 19، 21، 28، 41، 48، 55، 67، 83، 93، 107، 132، 134، 143، 144، 146، 148، 211، 263، 264، 307، 312، 314، 401).

(2)

روى عنه في مواضع كثيرة من كتاب الطبقات، منها مثلاً:(3/ 170، 288، 313، 318، 368، 370، 416).

(3)

روى عنه في مواضع من المسند، منها مثلاً:(3/ 500)، (4/ 212)، (5/ 333، 415).

(4)

روى عنه في الأدب المفرد (2/ 294 رقم 830 / فضل الله الصمد)، وفي التاريخ الصغير (1/ 159)، وروى عنه في الصحيح (2/ 351 رقم 872) في الأذان، باب سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلَّة مقامهن في المسجد، لكن بواسطة يحيى بن موسى، عنه.

(5)

روى عنه في مواضع من صحيحه، منها:(4/ 2097، 2148، 2149، 2268، 2283).

(6)

روى عنه في مواضع من سننه، منها مثلاً:(3/ 26، 28، 29، 39، 40، 73، 79، 95، 97، 99، 122، 124، 136، 152، 153، 461، 530، 637).

(7)

روى عنه في مواضع من كتابه المعرفة والتاريخ، منها مثلاً:(1/ 214، 222، 227، 346، 358، 440، 469، 493، 518، 533، 540، 556، 564، 676).

(8)

روى عنه في مواضع من تاريخه، منها مثلاً:(1/ 152، 153، 182، 245، 407، 476، 483، 615، 635، 651)، (2/ 677، 682).

(9)

نقل ابن القيم في زاد المعاد (5/ 828) عن مسائل حرب الكرماني رواية لحرب عن سعيد بن منصور.

ص: 134

لرقم الحديث في هذا القسم. فمنهم:

1-

ابن المنذر، روى في تفسيره الأحاديث الآتية من طريق سعيد: الحديث رقم [533، 535، 546، 547، 561، 564، 580، 593، 614، 716] .

2-

ابن أبي داود، روى في كتاب المصاحف من طريق سعيد الحديثين الآتيين: رقم [169، 710] .

3-

ابن أبي حاتم، روى في تفسيره حديثاً واحداً من طريق سعيد، وهو: رقم [220] .

4-

الخَطَّابي، روى في غريب الحديث الأحاديث الآتية من طريق سعيد: رقم [19، 40، 408، 428، 736، 745] .

5-

ابن مردويه، روى في تفسيره حديثاً واحداً من طريق سعيد، وهو: رقم [762] ، نقله عنه ابن كثير في تفسيره.

6-

أبو القاسم الطبراني، روى في معجمه الكبير والأوسط من طريق سعيد الأحاديث الآتية: رقم [45، 67، 166، 417، 426، 482، 519، 638، 659، 676، 686، 687، 740، 772، 773] .

7-

أبو الحسن الدارقطني، روى في سننه الحديث الآتي من طريق سعيد، وهو: رقم [686] .

8-

أبو عبد الله الحاكم، روى في مستدركه الحديثين الآتيين من طريق سعيد، وهما: رقم [681، 686] .

9-

ابن حزم، روى في المحلَّى الأحاديث الآتية من طريق سعيد: رقم [104، 109، 295، 832، 856، 857] .

10-

البيهقي، روى من طريق سعيد هذه الأحاديث في كتبه الآتية:

في الأسماء والصفات، رقم:[425، 427، 434، 442، 443]

ص: 135

وفي المدخل إلى السنن، رقم:[39] .

وفي شعب الإيمان، رقم:[1، 8، 9، 23، 27، 29، 34، 37، 40، 41، 42، 45، 50، 60، 68، 70، 75، 76، 77، 80، 81، 83، 84، 89، 90، 95، 97، 98، 99، 135، 138، 146، 149، 154، 164، 166، 178، 229، 368، 406، 483، 485، 560، 597، 659، 698] .

وفي السنن الكبرى، رقم:[48، 67، 104، 113، 115، 117، 119، 121، 124، 141، 142، 143، 145، 146، 247، 248، 250، 251، 253، 254، 258، 259، 260، 263، 279، 280، 281، 312، 328، 345، 370، 382، 387، 388، 389، 390، 391، 428، 455، 457، 463، 466، 506، 516، 534، 571، 572، 576، 585، 591، 600، 608، 612، 614، 615، 617، 618، 619، 621، 628، 629، 630، 632، 641، 657، 675، 685، 686، 702، 703، 716، 741، 742، 745، 748، 773، 782، 883، 788، 799، 803، 804، 805، 806، 816، 832، 835، 836، 851، 856، 857] .

11-

الخطيب البغدادي، روى في كتابيه الفقيه والمتفقه والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع الأحاديث الآتية:

في الفقيه رقم [601] ، وفي الجامع رقم [32، 42، 67] .

12-

الواحدي، روى في أسباب النزول حديثاً واحداً من طريق سعيد، وهو: رقم [289] .

13-

الهروي، روى في ذم الكلام الأحاديث الآتية من طريق سعيد: رقم [35، 36، 41، 166، 492، 656، 660، 721، 723، 805] .

14-

الثعلبي، روى في تفسيره حديثاً واحداً عن سعيد، وهو: رقم [431] .

جـ- وأما من يروي كتاب السنن بسنده إلى مصنِّفه سعيد بن منصور....

ص: 136

فهم كثير أيضاً، ولذا فإني سأقتصر على ذكر من صَرَّح بأنه يروي كتاب السنن بالإسناد الذي ذكره.

1 -

الثعلبي في تفسيره المسمَّى: الكشف والبيان. قال في مقدمته: (وهذا ثبت الكتب التي عليها مباني كتابنا هذا، جمعتها هاهنا لئلا نحتاج إلى تكرار الأسانيد

)

(1)

، ثم شرع في ذكر أسانيده إلى هذه الكتب، إلى أن قال:(تفسير سعيد بن منصور: أخبرنا عبد الله بن حامد، قال: نا أحمد بن عبد الله المزني، قال: نا أحمد بن نجدة بن العريان، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ)

(2)

.

وتفسير سعيد جزء من سننه كما سيأتي.

2 -

السَّمعاني. قال في ترجمة أبي القاسم الفضل بن يحيى بن صاعد بن سيار: (سمعت منه كتاب الزهد لأبي عثمان سعيد بن منصور البَلْخي نزيل مكة، يرويه عن جده أبي العلاء صاعد بن سيار القاضي، عن أبي سعيد بن أبي محمد الفامي، عن أبي الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الكرابيسي، عن أبي الفضل أحمد بن نجدة بن العُريان الهروي، عن سعيد بن منصور المكي).

وفي ترجمة أبي الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار قال: (ومن جملة ما سمعت منه: كتاب الترمذي

، وكتاب الزهد لسعيد بن منصور المكي، بروايته عن جده)

(3)

.

قلت: وجده هو أبو العلاء صاعد بن سيار المذكور في الإسناد المتقدم.

(1)

الكشف والبيان للثعلبي (1 / ل 3 / ب).

(2)

المرجع السابق (1/ ل 9).

(3)

التحبير في المعجم الكبير للسمعاني (2/ 21 - 22، 344 - 345)

ص: 137

وكتاب الزهد لسعيد بن منصور جزء من السنن كما سيأتي.

3-

ابن خير الإِشبيلي. قال في فهرسة ما رواه عن شيوخه: (مصنف سعيد بن منصور البلخي، نزيل مكة وتوفي بها سنة 227؛ حدثني به أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز رحمهما الله، قالا: نا به أبو علي حسين بن محمد الغساني، قَالَ: نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج، قال: نا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس، قال: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. ما خلا كتابي الجهاد فإن ابن مفرج رواهما عن أبي يحيى محمد بن عبد الرحمن المقري عن مسعدة بن سعد بن مسعدة عن سعيد بن منصور؛ وانتهى سماع ابن مفرج من ابن فراس في الجزء الثالث من المناسك إلى باب الرخصة للرعاء في ترك يوم ورمي يوم، وفي الجزء الرابع إلى باب المحصر بعمرة؛ وسمع ابن مفرج بقية الجزءين من أبي يحيى بن المقري عن مسعدة بن سعد عن سعيد بن منصور، قال أبو علي: وأخبرني أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد ابن عبد البر بكتاب الوضوء والصلاة والجنائز والزكاة وصلاة العيدين وصدقة الفطر والصيام والاعتكاف والمناسك والجهاد والفرائض والأشربة واللقطة والصيد والذبائح والضحايا والعقيقة، وبعض كتاب الحدود من باب إقامة الحد في المسجد إلى آخر الجزء، والأدب والجامع من مصنف سعيد بن منصور هذا، عن أبي محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أسد الجهني عن أبي إسحاق بن فراس عن محمد بن علي عن سعيد بن منصور؛ هذا ما وجدت لأبي محمد ابن أسد مسموعاً أبي إسحاق ابن فراس من جملة المصنف، وكان سماع أبي محمد بن أسد وسماع أبي عبد الله بن مفرج في هذه الكتب واحداً؛ وكذلك روى ابن أسد كتاب الجهاد عن أبي يحيى بن المقري عن مسعدة بن سعد عن سعيد..

ص: 138

ابن منصور، غير أن ابن أسد فاته من الجزء الثاني شيء فأخبرني أبو عمر النمري بالجزء كله عن أبي محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد المؤمن عن أبي يحيى بن المقري عن مسعدة بن سعد عن سعيد بن منصور؛ وكذلك حدثني أبو عمر بكتاب الفرائض عن أبي محمد ابن عبد المؤمن وأبي محمد بن أسد، جميعاً عن أبي إسحاق إبراهيم بن فراس عن محمد بن علي عن سعيد بن منصور؛ وهذا المصنف من رفيع الكتب وهو اثنان وعشرون جزءاً؛ قال أبو علي: وأخبرني به الشيخ الأجل أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي، عن أبي عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إبراهيم بن شاذان عن أبي مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دعلج عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ عن سعيد بن منصور؛ وحدثني به أيضاً الشيخ أبو الحكم عبد الرحمن بن عبد الملك بن غشليان الأنصاري رحمه الله، إجازة، قال: حدثني به أبو الفضل بن الحسن بن خيرون البغدادي المذكور، إجازة منه لي بالسند المتقدم؛ وحدثني به أيضاً الشيخ أبو محمد بن عتاب رحمه الله، إجازة عن أبوي عمر أحمد بن محمد بن الحذاء ويوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، إجازة منهما له أيضاً بالإسنادين المتقدمين)

(1)

.

وقال أيضاً:

(كتاب الزهد لسعيد بن منصور، حدثني به الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب رحمه الله، قال: نا به أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي، قالا: نا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي، قال: نا محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خميرويه، قال: نا أحمد بن نجدة، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،

(1)

فهرسة ما رواه عن شيوخه (ص 135 - 136)

ص: 139

رحمه الله)

(1)

.

4 -

ابن نقطة. صنَّف كتاب التقييد، لمعرفة رواة السنن والمسانيد التي نصّ عليها في مقدمة كتابه بقوله: (معرفة أكثر السنن والمسانيد التي يشتمل هذا الكتاب على معرفة رواتها: كتاب الموطأ- رواية أبي مصعب-، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وكتاب السنن لأبي داود، والسنن لسعيد بن منصور

)

(2)

، ثم ذكر باقي الكتب.

وفي ترجمة سعيد بن منصور قال: (حدَّث عنه بكتاب السنن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ ووقع لنا حديثه عالياً)

(3)

.

وفي ترجمة مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ قال: (حدَّث بالسنن عن سعيد بن منصور الخراساني، حدث بها عنه أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزي)

(4)

، ثم ذكر سنده إلى الصائغ فقال:(أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن الأخضر، قال: أنبأ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك الأنماطي في كتابه، أنبأ أبو طاهر الباقلاني، أنبأ أبو علي ابن شاذان، أنبأ دعلج بن أحمد السِّجْزي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ في ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ومائتين، وفيها مات)

(5)

.

وكان يشير في ترجمة كل راو من رواة الكتاب إلى أنه روى سنن سعيد بن منصور.

5 -

ابن دِحْيَةَ الكَلْبي. ذكر في كتابه العَلَم المشهور حديثاً من سنن سعيد بن منصور، ثم قال: (وهذا المصنَّف الذي صنَّفه سعيد بن منصور

(1)

المرجع السابق (ص 271).

(2)

التقييد (1/ 2 - 3).

(3)

المرجع السابق (2/ 17).

(4، 5) السابق أيضاً (1/ 81، 83)

ص: 140

هو أربعة وعشرون جزءاً على الفقه والاختلاف، أجازه لنا الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بمنزله بمدينة فاس سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة- وفيها مات-، أنبأنا الفقيه أبو عبد الله أحمد بن محمد الخَوْلاني سنة إحدى وخمسمائة، أنبأنا الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد، ثنا القاضي المصنِّف أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن مفرج، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ثنا الإمام أبو عثمان سعيد بن منصور سماعاً عليه بمكة شرَّفها الله، أيام مجاورته بها)

(1)

.

6 -

ابن حجر العسقلاني. قال في خاتمة كتابه تغليق التعليق: (الفصل الثاني: في سياق أسانيدي في الكتب الكبار التي خرّجت منها الأحاديث التي لم أسق أسانيدها في هذا الكتاب اكتفاءً بما هنا

)

(2)

، ثم أخذ في ذكرها إلى أن قال:(سنن سعيد بن منصور: أنبأنا بها أبو محمد عمر بن محمد بن أحمد البالسي- شِفَاهاً-، عن محمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، عن جدِّه، عن مسعود بن النَّادِر بن الصَّفَّار، قال: أنا عبد الوهاب بن الأنْماطي الحافظ، أنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خَيْرون، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بن شاذان، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ثنا سعيد بن منصور)

(3)

.

وفي كتابه: تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة، المسمَّى بالمعجم المفهرس قال: ((السنن لسعيد بن منصور. أنبأنا به عمر بن محمد بن أحمد بن سليمان البالسي، محمد بن أبي بكر بن أحمد

(1)

العلم المشهور (ص 162).

(2)

تغليق التعليق (5/ 442).

(3)

تغليق التعليق (5/ 454 - 455)

ص: 141

ابن عبد الدائم، عن جده، عن مسعود بن النادر الصفار، أنا أبو محمد عبد الوهاب بن المبارك الأنْماطي، أنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون، أنا أبو علي ابن شاذان، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ثنا سعيد بن منصور به)

(1)

.

ومن طريق ابن حجر يرويه الرُّوداني في صلة الخلف

(2)

، وسعيد بن سنبل كما في الأوائل السنبلية

(3)

. ومن طريق ابن سنبل يرويه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

(4)

.

7 -

أبو عبد الله محمد الأمير. قال في كتابه سدّ الأرب: (وأما سنن سعيد بن منصور، فمن طريق السِّلَفي، عن أبي الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق، عن أبي الغنائم محمد بن محمد البصري المقرئ ببيت المقدس، عن أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن، عن أبي محمد الحسن بن رشيق العسكري المعدّل بمصر، عن أبي عبد الله محمد بن رزيق

(5)

بن جامع المديني، عن سعيد بن منصور)

(6)

.

د- سند الكتاب إلى مؤلفه:

من أقوى دلائل توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلِّفه سعيد بن منصور: صحة سند الكتاب.

وهذا يتضح بعد سياق الإسناد الوارد على النسخة، والترجمة

(1)

المعجم المفهرس (ل 15 / ب).

(2)

(ص 262).

(3)

انظر الأوائل السنبلية (ص 15 - 16) وملحقها (ص 47).

(4)

انظر مقدمة سنن سعيد بن منصور للشيخ حبيب الرحمن الأعظمي (ص هـ - و)، فإنه ذكر سنده إلى سعيد بن منصور من طريق الأوائل السنبلية.

(5)

في الأصل: (رزين)، والتصويب من سير أعلام النبلاء (16/ 280).

(6)

سدّ الأرب لأبي عبد الله الأمير (ص 120 - 121)

ص: 142

لرجاله. جاء في بداية كتاب فضائل القرآن ما نصه:

أخبرنا الْحَافِظُ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ القَزَّاز، قَالَا: أنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَاقِلَانِيُّ الكَرَجي، قَالَ: نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: نا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ السِّجِسْتَاني قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ فِي سَنَةِ 291

(1)

، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ

(2)

.

وهذا إسناد صحيح.

فالراوي له عن مؤلِّفه سعيد بن منصور هو: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، أبو عبد الله المكِّي

(3)

.

حدَّث بالسنن عن سعيد بن منصور، حدَّث بها عنه أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزي

(4)

.

وحدَّث أيضاً عن أبي نعيم، والقَعْنَبي، ويحيى بن معين، ومحمد بن بشر التِّنِّيسي، وإبراهيم بن المنذر، وغيرهم.

وحدَّث عنه أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وجعفر بن محمد الفريابي، وموسى بن هارون الحمّال، وأبو محمد الفاكهي،

(1)

كذا جاء تاريخ السماع في النسخة رقماً.

(2)

انظر بداية الكتاب (ص 5) الآتية.

(3)

انظر ترجمته في الثقات لابن حبان (9/ 152)، وسؤالات حمزة السّهْمي للدارقطني (ص 73 رقم 5)، والأنساب للسمعاني (8/ 269 - 270)، والتقييد لابن نقطة (1/ 81 - 83 رقم 88)، وسير أعلام النبلاء (13/ 428 - 429)، وتذكرة الحفاظ (2/ 659)، والعبر (2/ 96)، والعقد الثمين للفاسي (2/ 154 - 155)، وشذرات الذهب (2/ 209).

(4)

التقييد لابن نقطة (1/ 81)

ص: 143

وأبو علي حامد بن محمد الرَّفَّاء الهَرَوي، وغيرهم.

ذكره ابن حبان في الثقات

(1)

.

وقال الدارقطني: (ثقة)

(2)

.

ولما ذكره الذهبي قال: (المحدِّث، الإمام، الثقة. سمع القَعْنبي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وعدَّةً، مع الصدق، والفهم، وسعة الرواية)

(3)

.

أرَّخ أبو يعلى الخليلي وفاته سنة سبع وثمانين ومائتين

(4)

، وهو وهم. والصواب ما ذكره الدارقطني حيث قال:(كتبت من كتاب الطحاوي بخط يده: توفي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ علي بن زيد الصائغ المكي في النصف الأول من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين ومائتين)

(5)

.

وهذا الذي رجّحه الذهبي

(6)

، وذكر أن وفاته بمكة، وكان في عشر المائة

(7)

. وكان سماع دعلج لسنن سعيد بن منصور منه قبل موته بنحو ثمانية أشهر

(8)

.

والراوي عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ هو: دَعْلَج بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَج بن عبد الرحمن، أبو محمد السِّجِسْتَاني، ويقال: السِّجْزي،

(1)

(9/ 152).

(2)

سؤالات حمزة السهمي للدارقطني (ص 73 رقم 5).

(3)

سير أعلام النبلاء (13/ 428).

(4)

كما في السير (13/ 429).

(5)

التقييد لابن نقطة (1/ 83).

(6)

في الموضع السابق من السير.

(7)

كما في العبر للذهبي (2/ 96).

(8)

يدلّ عليه أن دعلَج بن أحمد ذكر في سند السنن أن محمد بن علي الصائغ حدثهم سنة إحدى وتسعين ومائتين، وأوضحه إسناد ابن نقطة، وفيه يقول دعلج:(ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ في ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ومائتين، وفيها مات) - يعني في تلك السنة-. انظر التقييد لابن نقطة (1/ 83)

ص: 144

المعدَّل، البغدادي، التاجر، ذو الأموال العظيمة

(1)

.

ولد سنة تسع وخمسين ومائتين- أو قبلها بقليل-، وسمع بعد الثمانين ما لا يوصف كثرة، بالحرمين، والعراق، وخراسان، والنواحي؛ حال جولانه في التجارة.

ومن ذلك سماعه لسنن سعيد بن منصور بمكة من مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ سنة إحدى وتسعين ومائتين

(2)

.

وسمع من علي بن عبد العزيز البغوي، ومحمد بن غالب تَمْتَام، وبشر بن موسى، وعبد الله بن الإمام أحمد، والعباس بن الفضل الأسْفَاطي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وابن خزيمة وغيرهم.

حدَّث عنه الدارقطني، وابن جُمَيْع الغسَّاني، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو القاسم ابن بشران، وأبو علي بن شاذان، وأبو إسحاق الاسفراييني، وغيرهم.

قال أبو سعيد ابن يونس: (كان ثقة)

(3)

.

وقال حمزة السَّهمي: (سمعت أبا الحسن- يعني الدارقطني-

(1)

انظر ترجمته في سؤالات حمزة السهمي للدارقطني (ص 214 رقم 290)، وسؤالات أبي عبد الرحمن السُّلَمي للدارقطني (ل 5 / أ)، وتكملة تاريخ الطبري لمحمد بن عبد الملك الهمذاني (ص 394 - 395)، وتاريخ بغداد (8/ 387 - 392 رقم 4495)، والمنتظم (7/ 10 - 14)، وتاريخ دمشق (6/ 85 - 89 / مخطوط الظاهرية)، والتقييد لابن نقطة (1/ 322 - 323 رقم 325)، ووفيات الأعيان (2/ 271 - 272 رقم 228)، وسير أعلام النبلاء (16/ 30 - 35)، وتذكرة الحفاظ (3/ 881 - 882 رقم 850)، والعبر (2/ 297)، والوافي بالوفيات (14/ 17)، وطبقات الشافعية (3/ 291 - 293)، والبداية والنهاية (11/ 241 - 242)، وطبقات الحفاظ (ص 360 رقم 821)، وشذرات الذهب (3/ 8).

(2)

كما هو مثبت في إسناد الكتاب، وانظر التقييد لابن نقطة (1/ 322).

(3)

تاريخ دمشق (6/ 86 / مخطوط الظاهرية)

ص: 145

سئل عن دَعْلَج بن أحمد، فقال: كان ثقة مأموناً، وذكر له قصة في أمانته وفضله ونُبْله)

(1)

.

وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: (وسألته- يعني الدارقطني- عن دعلج بن أحمد، فقال: الثقة المأمون، ملازماً لأصوله وكتبه)

(2)

.

وقال الدارقطني أيضاً: (صنَّفْت لِدَعْلَج المسند الكبير، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، ولم أر في مشايخنا أثبت منه)

(3)

.

وقال أبو عبد الله الحاكم: (دعلَج بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دعلَج، الفقيه، أبو محمد السِّجْزي، شيخ أهل الحديث في عصره، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكة وبغداد وسِجِسْتَان. وكان أول رحلة له إلى نيسابور، ثم انصرف مرة أخرى بعد دخوله العراق إلى نيسابور، فسمع المصنَّفات من أبي بكر ابن خزيمة، وكان يفتي على مذهبه، سمعته يقول ذلك. ثم إنه سكن مكة، وجاور بها، ثم انتقل إلى بغداد)

(4)

.

وقال عمر بن جعفر البصري: (ما رأيت ببغداد ممن انتخبت عليهم أصحّ كتباً، ولا أحسن سماعاً من دعلج بن أحمد)

(5)

.

وقال الخطيب البغدادي: (كان من ذوي اليسار والأحوال، وأحد المشهورين بالبر والإفضال، وله صدقات جارية، ووقوف محبَّسة على أهل الحديث ببغداد ومكة وسجستان. وكان جاور بمكة زماناً، ثم سكن بغداد واستوطنها وحدّث بها

، وكان ثقة ثبتاً، قَبِلَ الحُكَّام

(1)

سؤالات حمزة السهمي للدارقطني (ص 214 رقم 290).

(2)

سؤالات السلمي للدارقطني (ل 5 / أ).

(3)

تاريخ بغداد (8/ 388).

(4)

تاريخ دمشق (6/ 86).

(5)

تاريخ بغداد (8/ 388)

ص: 146

شهادته، وأثبتوا عدالته)

(1)

.

وله رحمه الله حكايات كثيرة في الصدقة والبرّ والإفضال

(2)

.

ولما ذكره الذهبي في السير قال: (المحدِّث الحجَّة، الفقيه الإمام)

(3)

.

ولما ذكره في تذكرة الحفاظ قال: (الإمام الفقيه، محدِّث بغداد)

(4)

.

وكانت وفاته رحمه الله يوم الجمعة، لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة، سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.

والراوي عن دعلج هو: الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران، أبو علي البغدادي، البَزَّاز، الأصولي

(5)

.

ولد ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.

وبكَّر به والده، فأسمعه وله خمس سنين أو نحوها، وسمع

(1)

المرجع السابق (8/ 387 - 388).

(2)

انظرها في تاريخ بغداد (8/ 389 - 392)، وتاريخ دمشق (6/ 87 - 89 / مخطوط الظاهرية).

(3)

سير أعلام النبلاء (16/ 30).

(4)

تذكرة الحفاظ (3/ 881).

(5)

انظر ترجمته في تاريخ بغداد (7/ 279 - 280 رقم 3772)، وتبيين كذب المفتري (ص 245 - 246)، والمنتظم (8/ 86 - 87)، والتقييد لابن نقطة (1/ 273 - 274 رقم 273)، وسير أعلام النبلاء (17/ 415 - 418)، والعبر (3/ 157)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1075)، والبداية والنهاية (12/ 39)، والجواهر المضيَّة (2/ 38 - 39)، والنجوم الزاهرة (4/ 280)، والطبقات السنيّة (3/ 36 - 37 رقم 647)، وشذرات الذهب (3/ 228 - 229)

ص: 147

من دعلج بن أحمد، وجعفر الخُلْدي، وأحمد بن كامل القاضي، وأبي بكر الشافعي، وابن قانع، وأبو علي بن الصَّوَّاف، وغيرهم.

روى عنه البيهقي، والخطيب البغدادي، وأبو الفضل ابن خيرون، والمبارك بن عبد الجبار بن الطُّيُوري، وأبو إسحاق الشيرازي، وغيرهم.

قال الخطيب البغدادي: (كتبنا عنه، وكان صدوقاً، صحيح الكتاب، وكان يفهم الكلام على مذهب الأشعري، وكان مشتهراً بشرب النبيذ، إلى أن تركه بأَخَرَةٍ، وكتب عنه جماعة من شيوخنا

سمعت أبا الحسن بن رزقويه يقول: أبو علي ابن شاذان ثقة.

وسمعت الأزهري يقول: أبو علي ابن شاذان من أوثق من بَرَأَ الله في الحديث، وسماعي منه أحبّ إليّ من السماع إلى غيره- أو كما قال-.

حدثني محمد بن يحيى الكرماني قال: كنا يوماً بحضرة أبي علي ابن شاذان، فدخل علينا رجل شاب لا يعرفه منا أحد، فسَلَّم، ثم قال: أيُّكم أبو علي ابن شاذان؟ فأشرنا له أليه، فقال له: أيها الشيخ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: سَلْ عن أبي علي ابن شاذان، فإذا لقيته، فَأَقْرِئْهُ مني السلام، ثم انصرف الشاب، فبكى أبو علي، وقال: ما أعرف لي عملاً أستحقّ به هذا، اللهم إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث عليّ، وتكرير الصلاة عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كلما جاء ذكره. قال الكرماني: ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة، حتى مات)

(1)

.

وقال ابن الجوزي: (كان ثقة صدوقاً)

(2)

.

(1)

تاريخ بغداد (7/ 279 - 280).

(2)

المنتظم (8/ 86)

ص: 148

وقال ابن نقطة: (حدَّث بكتاب السنن لسعيد بن منصور عن دعلج بن أحمد السِّجْزي)

(1)

.

وقال الذهبي: (الإمام الفاضل الصدوق، مسند العراق)

(2)

.

وقال ابن كثير: (أحد مشايخ الحديث، سمع الكثير وكان ثقة صدوقاً)

(3)

.

وكانت وفاته في ليلة السبت مُسْتَهَلّ المحرم، من سنة ست وعشرين وأربعمائة، بعد صلاة العتمة، ودفن من الغد في مقبرة باب الدِّير.

والراوي عن ابن شاذان هو: أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن خُدَاداد أبو طاهر الكَرَجي،- بفتح الكاف والراء، آخرها جيم- الباقِلاَّني، البغدادي

(4)

.

ولد في سنة ست عشرة وأربعمائة.

وسمع من أبي علي ابن شَاذَان كتاب السنن لسعيد بن منصور، وسمع من أبي القاسم ابن بِشْران، وأبي بكر البَرْقاني وغيرهم كتباً مطوَّلة ينفرد بها.

وهو ابن خال الحافظ أبو الفضل ابن خيرون، ورفيقه في الطلب.

(1)

التقييد (1/ 273).

(2)

السير (17/ 415).

(3)

البداية والنهاية (12/ 39).

(4)

انظر ترجمته في المنتظم لابن الجوزي (9/ 98)، والأنساب للسمعاني (11/ 66 - 67)، والتقييد لابن نقطة (1/ 142 - 143)، وسير أعلام النبلاء (19/ 144 - 145)، والعبر (3/ 324)، وتذكرة الحفاظ (4/ 1227)، والوافي بالوفيات (6/ 306)، وشذرات الذهب (3/ 392)

ص: 149

روى عنه عبد الوهاب الأنْماطي، وأبو علي الصَّدَفي، وابن ناصر، وآخرون، وأجاز للحافظ السِّلْفي.

قال ابن الجوزي: (كان ثقة ضابطاً، وكان جميل الخصال، مقبلاً على ما يعنيه، زاهداً في الدنيا، حدث عنه عبد الوهاب الأنماطي وغيره من أشياخنا. قال شيخنا عبد الوهاب: كان يتشاغل يوم الجمعة بالتعبد، ويقول: لأصحاب الحديث من السبت إلى الخميس، ويوم الجمعة أنا بحكم نفسي؛ للتبكير إلى الصلاة وقراءة القرآن، وما قرئ عليه في الجامع حديث قط. قال

(1)

: ولما قَدِمَ نظام المُلْك إلى بغداد، أراد أن يسمع من شيوخها، فكتبوا له أسماء الشيوخ، وكتبوا في جماعتهم اسم أبي طاهر، وسألوه أن يحضر داره، فامتنع، فأَلَحُّوا، فلم يجب، قال

(2)

: أبو الفضل ابن خَيْرون قرابتي، وما أنفرد أنا بشيء عنه، ما سمعته قد سمعه، وهو [في الأصل: وأنا] في خزانة الخليفة، فما يمتنع عليكم، فأما أنا، فلا أحضر)

(3)

.

وقال السمعاني: (كان شيخاً عفيفاً زاهداً منقطعاً إلى الله، ثقة فهماً، لا يظهر إلا يوم الجمعة. سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان أبو طاهر الباقلاني أكثر معرفة من أبي الفضل ابن خَيْرون، وكان زاهداً، حَسَنَ الطريقة، ما حدَّث في الجامع، وكان يقول لنا: أنا بِحُكْمِكُم إلا يوم الجمعة، فإنه للتبكير والتلاوة. وكتبوا أسماء شيوخ بغداد لنظام المُلْك، وألَحُّوا على أبي طاهر، فما أجاب إلى المجيء إليه)

(4)

.

(1)

أي عبد الوهاب الأنماطي.

(2)

أي أبو طاهر الكَرَجي.

(3)

المنتظم (9/ 98).

(4)

سير أعلام النبلاء (19/ 144)

ص: 150

وقال ابن نقطة: (حدَّث عن أبي علي ابن شاذان بسنن سعيد بن منصور، سمعه منه، وحدَّث به عنه عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي

)، ثم نقل عن شجاع الذهلي أنه قال:(هو شيخ صالح، جميل الأمر، سمعنا منه شيئاً صالحاً من حديثه، وكان ثقة)

(1)

.

ولما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء قال: (الشيخ الإمام، المحدِّث الحجَّة)

(2)

.

وفي تذكرة الحفاظ وصفه بقوله: (المحدِّث المسنِد)

(3)

.

وقال في العبر: (تفرَّد بسنن سعيد بن منصور عن أبي علي ابن شاذان، وكان صالحاً زاهداً، منقبضاً عن الناس، ثقة حجَّة، حسن السيرة)

(4)

.

وقال الصَّفَدي: (سمع كتباً كباراً وانفرد بها، منها سعيد بن منصور، تفرَّد به عن ابن شاذان

، وعمل تأريخاً بدأ فيه من الهجرة، نقل منه ابن النجار كثيراً)

(5)

.

وكانت وفاة أبي طاهر ليلة الاثنين، الرابع من ربيع الآخر، سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ودفن بمقبرة باب حرب.

والراوي عن أبي طاهر الباقِلاني اثنان، أحدهما: عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ أحمد بن الحسن بن بُنْدار، أبو البركات، الأنْمَاطي، البغدادي، الحافظ

(6)

.

(1)

التقييد (1/ 142).

(2)

سير أعلام النبلاء أيضاً (19/ 144).

(3)

تذكرة الحفاظ (4/ 1227).

(4)

العبر في خبر من غبر (3/ 324).

(5)

الوافي بالوفيات (6/ 306).

(6)

انظر ترجمته في مشيخة ابن الجوزي (ص 85 - 86)، والمنتظم (10/ 108 - 109)، = ..

ص: 151

ولد في يوم الجمعة الثاني من رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة.

وسمع من أبي محمد الصَّرِيفيني، وأبي الحسين ابن النَّقُّور، وأبي القاسم ابن البُسْري، وأبي نصر الزينبي، وغيرهم.

حدَّث عنه أبو الفرج ابن الجوزي، والسِّلَفي، وابن ناصر، وابن عساكر، والسمعاني، وأبو موسى المديني، وغيرهم.

قال ابن الجوزي: (كان ذا دين وورع، وكان قد نصب نفسه للحديث طول النهار، وسمع الكثير من خلق كثير، وكتب بيده الكثير، وكان صحيح السماع، ثقة ثبتاً، وكنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان على طريقة السلف، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره. ودخلت عليه وقد بلي وذهب لحمه، فقال لي: إن الله لا يتهم في قضائه) .

وقال أيضاً: (وما عرفنا من مشايخنا أكثر سماعاً منه، ولا أكثر كتابة للحديث، ولا أصبر على الإقراء، ولا أحسن بشراً ولقاءً، ولا أسرع دمعة، ولا أكثر بكاء.

ولقد كنت أقرأ عليه الحديث في زمان الصِّبا، ولم أذُق بعدُ طعم العلم، فكان يبكي بكاء متصلاً وكان ذلك البكاء يعمل في قلبي، وأقول: ما يَبْكي هذا هكذا إلا لأمر عظيم. فاستفدت ببكائه ما لم استفد بروايته.

= وصفة الصفوة (2 / 498 - 499) ، ومناقب الإمام أحمد (ص 638) جميعها لابن الجوزي، وذيل تاريخ بغداد (1 / 380 - 384) ، والتقييد لابن نقطة (2 / 140 - 141) ، وسير أعلام النبلاء (20 / 134 - 137) ، وتذكرة الحفاظ (4 / 1282 - 1284)

ص: 152

وكان مجلسه منزَّهاً عن غيبة الناس، وكان رضي الله عنه على طريقة السلف، وكنا ننتظره يوم الجمعة ليأتي من داره بنهر القلائين إلى جامع المنصور، فلا يأتي على قنطرة باب البصرة، وإنما يمرُّ على القنطرة العتيقة، فسألته عن سبب هذا، فقال: كانت تلك دار ابن معروف القاضي، فلما قُبض عليه، بنيت قنطرة)

(1)

.

وقال أيضاً: (وكانت فيه خلة أخرى عجيبة: لا يغتاب أحداً، ولا يُغْتابُ عنده. وكان صبوراً على القراءة عليه، يقعد طول النهار لمن يطلب العلم. وكان سهلاً في إعارة الأجزاء لا يتوقف. ولم يكن يأخذ أجراً على العلم، ويعيب من يفعل ذلك، ويقول: عَلِّم مجاناً كما عُلِّمتَ مجاناً)

(2)

.

وقال ابن النجار: (سمع وقرأ وكتب الكثير، وحصّل العالي والنازل، ولم يزل يُسمع ويُفيد الناس إلى آخر عمره. وحدَّث بأكثر مروياته، وكتب عنه الكبار، ورووا عنه. وكان موصوفاً بالحفظ والمعرفة، وحسن الطريقة والديانة، والعفّة والنزاهة، والثقة والصدق والأمانة)

(3)

.

وقال ابن ناصر: (كان عبد الوهاب الأنماطي بقيَّة الشيوخ، سمع الكثير، وحدَّث، وكان يفهم، وكان صحيح السماع بعد، مضى مستوراً ولم يتزوج)

(4)

.

وقال أبو سعد ابن السمعاني: (عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي

(1)

صفة الصفوة (2/ 498 - 499).

(2)

ذيل طبقات الحنابلة (1/ 203).

(3)

ذيل تاريخ بغداد (1/ 380).

(4)

المرجع السابق (1/ 383 - 384)

ص: 153

حافظ متقن، كثير السماع، واسع الرواية، دائم البشر، سريع الدمعة عند الذكر، حسن المعاشرة، مليح المحاورة، جمع الفوائد، وخرَّج التخاريج، صاحب أصول حسنة، ما بقي من العالي والنازل جزء إلا قرأه، وحصَّل نسخته، إما بخطِّه، أو خطِّ غيره، ونسخ الكتب الكبار بخطه، مثل الطبقات، وتاريخ الخطيب، وكان متفرغاً، مستعدّاً للتحديث، إما أن يُقرأ عليه، أو ينسخ شيئاً، وكان لا يجوز الإجازة على الإجازة، وجمع فيه شيئاً، قرأت عليه الكثير)

(1)

.

وقال السِّلَفي: (كان عبد الوهاب رفيقاً حافظاً ثقة، لديه معرفة جيدة)

(2)

.

وقال أبو موسى المديني في معجمه: (هو حافظ عصره ببغداد)

(3)

.

وقال ابن نقطة: (حدَّث بكتاب السنن لسعيد بن منصور عن أبي طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَاقِلَانِيُّ)

(4)

.

ولما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء قال: (الشيخ الإمام، الحافظ المفيد، الثقة المسنِد، بقيَّة السلف)

(5)

.

وفي تذكرة الحفاظ قال: (الحافظ العالم، محدِّث بغداد

، وكتب الكتب، وسمع العالي والنازل حتى انزف على ابن الطيوري جميع ما عنده)

(6)

.

وكانت وفاة عبد الوهاب يوم الخميس الثاني والعشرين من

(1)

المرجع السابق أيضاً (1/ 383 - 384).

(2، 3) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 202).

(4)

التقييد لابن نقطة (2/ 140 - 141).

(5)

سير أعلام النبلاء (20/ 134).

(6)

تذكرة الحفاظ (4/ 1282).

ص: 154

المحرم سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، ودفن من الغد في مقابر الشونيزي.

والراوي الآخر عن أبي طاهر الباقِلاَّني هو: الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ محمد بن منصور، أبو غالب القَزَّاز.

ولم أجد راوياً بهذا الاسم، ولا يضرّ ذلك؛ لأنه متابع لعبد الوهاب الأنماطي، فالعمدة على رواية عبد الوهاب.

وقد يكون في اسم هذا الراوي تصحيف، فيكون إما: أبا غالب محمد بن عبد الواحد بن الحسن بن مَنَازِل الشيباني، القَزَّاز، المعروف بابن زُرَيق

(1)

.

قال ابن الجوزي: (كان ثقة، توفي ليلة الخميس خامس شوال) - يعني من سنة سبع وخمسمائة-.

وقال السمعاني: (محدِّث مشهور).

أو يكون ابنه: أبا منصور عبد الرحمن بن أبي غالب محمد بن عبد الواحد بن الحسن بن مَنَازِل الشيباني، القَزَّاز، البغدادي، راوي تاريخ بغداد للخطيب

(2)

.

قال ابن الجوزي: (كان من أولاد المحدِّثين، سمَّعه أبوه وعمُّه الكثير، وكان صحيح السماع

، وكان ساكناً قليل الكلام، خَيِّراً سليماً صبوراً على العزلة، حسن الأخلاق)

(3)

.

وقال السمعاني: (شيخ ثقة صالح)

(4)

.

(1)

المترجم في المنتظم (9/ 179 رقم 294)، والأنساب للسمعاني (10/ 407).

(2)

المترجم في المنتظم (10/ 90 رقم 119)، والأنساب (6/ 293)، (10/ 407)، وسير أعلام النبلاء (20/ 69 - 70).

(3)

المنتظم (10/ 90).

(4)

الأنساب (10/ 407).

ص: 155

وقال الذهبي: (الشيخ الجليل الثقة، أبو منصور عبد الرحمن بن المحدِّث أبي غالب

، كان شيخاً صالحاً متودِّداً، سليم القلب، حسن الأخلاق، صبوراً، مشتغلاً بما يعنيه)

(1)

.

وكانت وفاته في رابع عشر شوال، سنة خمس وثلاثين وخمسمائة.

ومع صحة إسناد الكتاب، فإنه يزداد توثيقاً بكثرة من رواه.

ومن خلال ما تقدم في ذكر من روى الكتاب بسنده عن مؤلِّفه سعيد بن منصور، يتضح أن الكتاب روي عنه من أربعة طرق:

طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، وطريق أبي الفضل أحمد بن نجدة بن العريان، وطريق مسعدة بن سعد بن مسعدة، وطريق أبي عبد الله محمد بن رزيق بن جامع المديني.

1 -

أما مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، فيرويه عنه اثنان هما:

دعلج بن أحمد السِّجْزي، إبراهيم بن أحمد بن فراس.

أ- أما دعلج، فالراوي عنه هو أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بن إبراهيم بن شاذان. ويرويه عن ابن شاذان اثنان هما:

أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الباقِلاّني الكَرَجي، وأبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون.

وأبو طاهر الكَرَجي هو الذي رويت من طريقه هذه النسخة الخطيَّة، رواها عنه: أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك الأنماطي، وأبو غَالِبٍ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ القَزَّاز، وعنهما يروي صاحب النسخة.

ومن طريق عبد الوهاب الأنماطي تُرْوَى النسخة التي اعتمدها

(1)

سير أعلام النبلاء (20/ 69).

ص: 156

الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في الجزء الذي أخرجه من السنن

(1)

، وهو نفس الطريق الذي يروي ابن نقطة به السنن كما تقدم.

فهذا بالنسبة لطريق أبي طاهر الكَرَجي، عن ابن شاذان.

وأما طريق أبي الفضل ابن خيرون عن ابن شاذان، فلها عن أبي الفضل ابن خيرون ثلاث طرق:

طريق أبي الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأنماطي، وطريق أبي علي حسين بن محمد الغَسَّاني، وطريق أبي الحكم عبد الرحمن بن عبد الملك بن غشليان الأنصاري.

أما طريق أبي الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأنماطي، فهي التي يروي السنن من طريقها الحافظ ابن حجر كما تقدم.

ومن طريق ابن حجر يرويها الرُّوداني في صلة الخلف، وسعيد بن سنبل في الأوائل السنبلية كما تقدم.

وأما طريق أبي علي الغسَّاني، فيروي السنن من طريقها ابن خير الإِشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه كما تقدم.

وكذا أيضاً طريق أبي الحكم الأنصاري، لكن بالإجازة.

وليست رواية السنن عن دعلج مقصورة على ابن شاذان، بل هناك من يروي أحاديث من السنن من غير طريقه.

فالبيهقي يروي كثيراً من طريق شيخه أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أنبأ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ثنا سعيد بن منصور

(2)

.

(1)

ويبتدئ هذا الجزء بكتاب الفرائض، وينتهي بنهاية كتاب الجهاد، وإسناده هو نفس إسناد النسخة الخطية التي عثرت عليها لهذا الجزء، ليس فيه ذكر لأبي غالب القَزَّاز.

(2)

انظر سنن البيهقي (5/ 87).

ص: 157

والخطيب البغدادي يروي من طريق شيخيه: ابن الفضل ومحمد بن الحسين القطان، كلاهما عن دعلج، عن الصائغ، عن سعيد بن منصور

(1)

.

ب- وأما إبراهيم بن أحمد بن فراس، فيروي السنن عنه ثلاثة، وهم: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن مفرج، وأبي محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد المؤمن، وأبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أسد الجهني.

أما ابن مفرج فهو الذي يروي السنن من طريقه ابن خير الإِشبيلي في فهرسه، وابن دحية الكلبي في العَلَم المشهور كما تقدم.

وأما ابن عبد المؤمن وابن أسد، فيروي السنن عنهما الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، ومن طريق ابن عبد البر يرويها ابن خير الإِشبيلي أيضاً.

وليست رواية السنن عن الصائغ مقصورة على دعلج وابن فراس، بل هناك من يروي السنن من غير طريقهما؛ كالخَطَّابي، فإنه كثيراً ما يروي أحاديث من السنن من طريق محمد بن المكّي، عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، عن سعيد بن منصور

(2)

.

فهذا بالنسبة لرواية الصائغ للسنن عن سعيد بن منصور.

2 -

وأما أبو الفضل أحمد بن نجدة بن العريان، فيروي السنن عنه اثنان هما: أحمد بن عبد الله المزني، وأبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه.

أ- أما المزني، فهو الذي روى السنن من طريقه الثعلبي في الكشف

(1)

انظر الفقيه والمتفقه (2/ 201)، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 194، 196).

(2)

انظر غريب الحديث للخطابي (1/ 79).

ص: 158

والبيان كما تقدم.

ب- وأما ابن خميرويه، فيروي السنن عنه اثنان هما:

أبو ذرّ عبد بن أحمد الهروي، وأبو سعيد بن أبي محمد الفامي.

ويروي السنن من طريق أبي ذر ابن خير الإِشبيلي في فهرسه كما سبق.

ويروي أبو طاهر السِّلَفي أحاديث من السنن لسعيد من طريق أبي ذر بهذا الإسناد في كتابه الوجيز في ذكر المُجَاز والمُجِيز

(1)

.

وأما أبو سعيد الفامي، فهو الذي يروي السنن من طريقه السمعاني في التحبير كما تقدم.

وليست رواية السنن عن أحمد بن نجدة مقصورة على المزني وابن خميرويه، فالبيهقي يروي كثيراً جداً أحاديث من السنن من طريق أبي منصور النَّضْروي، عن أحمد بن نجدة

(2)

.

والواحدي يروي أحاديث من السنن من طريق العباس بن الفضل بن زكريا، عن أحمد بن نجدة

(3)

.

3 -

وأما مَسْعَدَةُ بن سعد بن مسعدة، فيروي السنن من طريقه ابن خير الإِشبيلي في فهرسه كما تقدم.

4 -

وأما أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رزيق بن جامع المديني، فهو الذي يروي

(1)

انظر الوجيز (ص 126 - 127).

(2)

انظر سنن البيهقي (10/ 139).

(3)

انظر أسباب النزول للواحدي (ص 54).

ص: 159

السنن من طريقه أبو عبد الله محمد الأمير في كتابه سدّ الأرب كما تقدم.

وتتضح هذه الطرق بتمامها بالرسم الآتي لشجرة الأسانيد:

ص: 160

(شجرة إسناد الطريق الأولى لرواة السنن عن سعيد بن منصور)

- سعيد بن منصور -> مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ -> [أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس، دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ السِّجْزي]

ـ[أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس]ـ

1-

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن يحيى بن مفرج ->

• أبو عمر أحمد بن محمد -> أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولاني -> أبو الحسن علي بن الحسين -> ابن دحية الكلبي في العلم المشهور (ص 162)

• أبو علي حسين ابن الغساني ->

•• أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر

•• [أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر، أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز]-> ابن خير الإشبيلي في فهرسه (ص 135- 136)

2-

أبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد المؤمن -> أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر

3-

أبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أسد الجهني -> أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر

ـ[دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ السِّجْزي -> أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بن شاذان]ـ

1-

أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الباقلاني الكرجي -> [أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك الأنماطي، أبو غَالِبٍ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ القزاز]->

• عبد العزيز بن محمود بن الأخضر -> ابن نقطة في التقييد (1 / 83)

• سند المخطوطة التي اعتمدها الشيخ الأعظمي في الجزء الذي أخرجه من السنن (1/1)

• سند المخطوطة

2-

أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون ->

• أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك الأنماطي -> مسعود بن عبد الله بن النادر -> أحمد بن عبد الدائم (جدّه) -> محمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم -> أبو محمد عمر بن محمد البالسي -> الحافظ ابن حجر في المعجم (ل 14 / ب) وفي تغليق التعليق (5 / 454 - 455) .

• أبو علي حسين بن محمد الغساني -> [أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر، أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز]-> ابن خير الإشبيلي في فهرسه (ص 136)

• أبو الحكم عبد الرحمن الأنصاري (إجازة) -> ابن خير الإشبيلي في فهرسه (ص 136) إجازة

ص: 161

(شجرة إسناد الطريق الثانية لرواة السنن عن سعيد بن منصور) .

- سعيد بن منصور -> أبو الفضل أحمد بن نجدة بن العُريان الهروي ->

1-

أحمد بن عبد الله المزني -> عبد الله بن حامد -> الثعلبي في تفسيره المسمَّى: الكشف والبيان (1/ ل 9)

2-

أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه ->

• أبو سعيد بن أبي محمد الفامي -> أبو العلاء صاعد بن سيار القاضي (جدُّهما) ->

[أبو القاسم الفضل بن يحيى بن صاعد بن سيار، أبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار]-> السمعاني في التحبير (2/ 21-22، 343- 345) .

• أبو ذرّ عبد بن أحمد الهروي -> [أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري، أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي]-> أبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب -> ابن خير الإِشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه (ص 271) .

ص: 162

(شجرة إسناد الطريق الثالثة لرواة السنن عن سعيد بن منصور) .

• سعيد بن منصور ->

• مسعدة بن سعد بن مسعدة ->

• أبو يحيى محمد بن عبد الرحمن المقرئ ->

• [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن يحيى بن مفرج، (أبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد المؤمن ->

أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر) ]->

• أبو علي حسين بن محمد الغَسَّاني ->

[أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر، أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز]->

ابن خير الإشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه (ص 135 - 136)

ص: 163

(شجرة إسناد الطريق الرابعة لرواة السنن عن سعيد بن منصور) .

• سعيد بن منصور ->

• أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رزيق بن جامع المديني ->

• الحسن بن رشيق العسكري المعدّل ->

• أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن ->

• أبو الغنائم محمد بن محمد البصري المقرئ ->

• أبو الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق ->

• أبو طاهر السِّلَفي ->

• ومن طريق السلفي يرويه أبو عبد الله الأمير في كتابه سدّ الأرب (ص 120 - 121)

ص: 164

3 -

موضوع الكتاب: -

صنَّف سعيد بن منصور كتابه هذا ليشمل معظم أبواب الدين، مع الاهتمام بما يتعلق بالفقه والأحكام والاختلاف فيها، وإبراز هذا الاختلاف، وهذا الذي دعاه للاهتمام بأقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم. وإليك أقوال العلماء التي يتحدد من خلالها موضوع الكتاب:

يقول أبو محمد ابن حزم رحمه الله وهو يذكر مصنَّفات بَقِيّ بن مَخْلَد-: ((ومنها مصنَّفه في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم، الذي أربى فيه على مصنَّف أبي بكر بن أبي شيبة، ومصنَّف عبد الرزاق، ومصنَّف سعيد بن منصور، وغيرها، وانتظم علماً عظيماً لم يقع في شيء من هذه))

(1)

.

ويقول الخطيب البغدادي في ترجمة سعيد بن منصور: ((وله كتاب في السنن والأحكام كبير، وحديثه كثير مشهور))

(2)

.

ومن الكتب التي وَرَدَ بها الخطيب البغدادي دمشق مما له حق روايته: منتخب كتب سعيد بن منصور في الأحكام

(3)

.

(1)

نفح الطيب (2/ 519)، (2/ 168 - 169)، وسير أعلام النبلاء (3/ 291).

(2)

المتفق والمفترق (ل 110 / أ).

(3)

جزء فيه تسمية ما ورد به الخطيب البغدادي دمشق من الكتب من روايته، أورد هذا =

ص: 165

ولما ذكر الخطيب في كتابه الجامع أحق الكتب بالتقديم، قال: ((ثم الكتب المصنَّفة في الأحكام، الجامعة للمسانيد وغير المسانيد، مثل كتب ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة

، وسعيد بن منصور))

(1)

.

ويقول ابن نقطة في ترجمة سعيد: ((صنَّف كتاب السنن، وجمع فيها من أقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم ما لم يجمعه غيره))

(2)

.

ويقول ابن دحية الكلبي: ((هذا المصنَّف الذي صنَّفه سعيد بن منصور، هو أربعة وعشرون جزءاً على الفقه والاختلاف))

(3)

.

4 -

منهج المؤلِّف في كتاب السنن:-

سيكون الكلام على منهج المؤلِّف في كتاب السنن شاملاً للمباحث الآتية: ترتيب الكتاب، ومصادره، وطريقته في الرواية، وسياق الأسانيد والمتون، وتراجمه للأبواب، ودلالتها على فقهه واستنباطه، وأنواع المرويات عنده، ودرجة أحاديث الكتاب، ومقارنته بطريقة علماء عصره.

أ- ترتيب الكتاب:-

إن الحديث عن ترتيب سعيد بن منصور لكتابه السنن سيكون قاصراً بسبب فقد النصف الأول من الكتاب- وهو المهم؛ لأنه يشمل معظم الأحكام-. ولذا سيكون عمدتنا في الكلام عن ترتيب الكتاب ما نجده من أقوال لبعض العلماء، مضافاً لما لدينا من الموجود من كتاب السنن.

= الجزء الدكتور محمود الطحان في كتابه: ((الحافظ الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث)) (ص 282 - 301).

(1)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 186).

(2)

التقييد لابن نقطة (2/ 17).

(3)

العلم المشهور (ص 162).

ص: 166

والكتاب مقسَّم إلى أجزاء، إلا أنه اختلف في هذه التجزئة.

فابن خير الإشبيلي يقول: ((وهذا المصنَّف من رفيع الكتب، وهو اثنان وعشرون جزءاً))

(1)

.

وابن دحية الكلبي يقول: ((وهذا المصنَّف الذي صنَّفه سعيد بن منصور هو أربعة وعشرون جزءاً))

(2)

.

وهذا الاختلاف في التجزئة- في نظري- يحتمل ثلاثة أمور:

1 -

فإما أن تكون رواية ابن خير للسنن ناقصة، ورواية ابن دحية أتمّ منها، وقد أشار ابن خير قبل هذا إلى نقص بعض الروايات التي أكملها بروايات أخرى

(3)

، ولذا فهذا الاحتمال ضعيف.

2 -

أو تكون تجزئة نسخة ابن خير تختلف عن تجزئة نسخة ابن دحية.

3 -

أو يكون ابن خير قصد جميع السنن، ما عدا كتاب الزهد، فإنه اعتبره كتاباً مستقلاً، بينما أدخله ابن دحية ضمن السنن.

وهذا أقوى الاحتمالات عندي؛ بدليل أن ابن خير ذكر في موضع أنه يروي مصنَّف سعيد بأسانيد ذكرها، ثم ذكر في موضع آخر أنه يروي كتاب الزهد لسعيد بن منصور بإسناد آخر

(4)

.

وأول ما ابتدأ به المصنِّف سننه

(5)

: باب الأذان، وأول حديث فيه قوله: حدثنا هشيم بن بشير، قَالَ نا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرحمن، قال: أخبرنا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اهتمّ للصلاة

، ثم ذكر الحديث في رؤيا عبد الله بن زيد للأذان.

(1)

فهرسة ما رواه عن شيوخه لابن خير الإشبيلي (ص 136).

(2)

العلم المشهور لابن دحية الكلبي (ص 162).

(3، 4) انظر ما تقدم (ص 141 - 141).

(5)

كما في الأوائل السنبلية (ص 15)، والأربعين العجلونية (ص 352 / الفضل المبين).

ص: 167

ثم يتلو ذلك عدة كتب، منها كتاب الوضوء، والصلاة، والجنائز، والزكاة، وصلاة العيدين، وصدقة الفطر، والصيام، والاعتكاف، والمناسك، والجهاد، والفرائض، والأشربة، واللقطة، والصيد، والذبائح، والضحايا، والعقيقة، والحدود، والأدب، والجامع.

ذكر هذه الكتب بهذا الترتيب ابن خير الإشبيلي

(1)

. وفي ظني أن ترتيبه للكتب من كتاب الوضوء إلى كتاب المناسك يتفق مع ترتيب الكتاب، وأما ما بعد ذلك فلا؛ لأنه قدم كتاب الجهاد على كتاب الفرائض، والعكس هو الصحيح، فكتاب الفرائض يتقدم كتاب الجهاد، بل بينهما كتاب الوصايا، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق

(2)

، ومع ذلك فكتاب الجهاد وكتاب الفرائض متأخران عن كتاب الأشربة واللقطة وما بعدهما من الكتب التي ذكرها ابن خير

(3)

.

وكتاب المناسك يقع في الجزء الثالث والرابع.

ومن أبواب كتاب المناسك الواقعة في الجزء الثالث: باب الرخصة للرعاء في ترك يوم ورمي يوم.

ومن أبوابه الواقعة في الجزء الرابع: باب المحصر بعمرة.

ومن أبواب كتاب الحدود: باب إقامة الحد في المسجد

(4)

.

وجميع هذه الكتب المذكورة تقع في الجزء المفقود من السنن عدا كتاب الجهاد وكتاب الفرائض، فإنهما من ضمن المطبوع من السنن بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وهو يبدأ بكتاب

(1)

كما سبق نقله عنه (ص 140 - 141).

(2)

انظر المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (1/ 1، 84، 121، 256)، (2/ 124).

(3)

لأن كتاب الأشربة واللقطة وما بعدهما ضمن القسم الأول الذي لا يزال مفقوداً.

(4)

ذكر هذه الأبواب ابن خير أيضاً كما سبق نقله عنه (ص 140 - 141).

ص: 168

الفرائض، ثم الوصايا، ثم النكاح، ثم الطلاق، ثم الجهاد، وهو آخر المطبوع. ويليه هذا القسم المحقق الذي يبدأ بكتاب فضائل القرآن، ثم كتاب التفسير مرتباً حسب ترتيب السور والآيات أيضاً، عدا مواضع يسيرة من الآيات فقط نبّهت عليها في مواضعها

(1)

، وهكذا حتى نهاية كتاب التفسير، إلا أن الذي حققت منه ينتهي إلى نهاية سورة المائدة، والباقي لا يزال مخطوطاً.

ثم يلي كتاب التفسير كتاب الزهد، وهو آخر كتب السنن.

ويلاحظ أن اسم الكتاب قد لا يرد إلا في نهايته، وبدايته تكون ببعض أبوابه.

فسعيد بن منصور ابتدأ كتابه بقوله: ((باب الأذان))

(2)

، ولم يقل: كتاب الأذان، أو كتاب الصلاة، باب الأذان.

والمطبوع بتحقيق الأعظمي يبدأ بكتاب الفرائض، إلا أن تسميته بكتاب الفرائض لم ترد إلا في نهايته حيث قال:((آخر كتاب الفرائض))

(3)

، وأما بدايته فهي: ((

أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: باب الحث على تعليم الفرائض))

(4)

.

وكذا كتاب النكاح لم ترد تسميته إلا في آخره

(5)

، وأما أوله فهو: ((

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ علي بن زيد الصائغ، أن سعيد

(1)

انظر الصفحات الآتية من الرسالة رقم: 772، 1063، 1065، 1066، 1073، 1074 - 1075، 1076، 1084 - 1085، 1088، 1089، 1268، 1270، 1285، 1371، 1401، 1660.

(2)

انظر ما تقدم (ص 169).

(3)

المطبوع من سنن سعيد بن منصور بتحقيق الأعظمي (1/ 84).

(4)

المرجع السابق (1/ 1).

(5)

السابق أيضاً (1/ 255).

ص: 169

ابن منصور حدثهم قال: باب الترغيب في النكاح))

(1)

.

وكذا كتاب التفسير وكتاب الزهد.

أما التفسير، فجاءت تسميته في آخره هكذا:((آخر كتاب التفسير))

(2)

، وأما أوّله فجاء فيه:((باب تفسير فاتحة الكتاب))

(3)

، وقبله:((فضائل القرآن))

(4)

، ولم يقل: كتاب، أو: باب، فلست أدري، هل هو تابع للتفسير، أو كتاب مستقلّ؟.

وأما الزهد فجاء بعد كتاب التفسير ما نصّه: ((بسم الله الرحمن الرحيم. باب مداراة الرجل نفسه لما بعد الموت))

(5)

، وفي آخره ما نصه:((آخر كتاب السنن))

(6)

، ولم يُسَمِّه، إلا أن مباحثه تدل بوضوح على أنه كتاب الزهد، فأول باب فيه: باب مداراة الرجل نفسه لما بعد الموت، ثم: باب ترك ما يشغل عن الآخرة، ثم: باب التواضع والنهي عن الفرح بالدنيا

(7)

، ثم: باب محاسبة الرجل نفسه، ثم: باب ما يستحب من قلّة الطعام والرغبة

، وهكذا إلى أن ختم الكتاب بباب: ما جاء في زهرة الدنيا

(8)

.

وفي هذا دلالة قوية على أن التفسير والزهد من السنن، وليسا كتابين مستقلين.

ويؤيد هذا ما سيأتي نقله في تخريج الحديثين رقم [347، 492] عن الحافظين ابن كثير وابن حجر أنهما عزوا أحاديث من التفسير للسنن.

(1)

المرجع السابق أيضاً (1/ 121).

(2)

النسخة الخَطِّيَّة للسنن (ل 191 / أ).

(3)

انظر (ص 505) من هذه الرسالة.

(4)

انظر (ص 7) من هذه الرسالة.

(5)

النسخة الخطية للسنن أيضاً (ل 191 / أ).

(6)

المرجع السابق (ل 236 / أ).

(7)

في الأصل هكذا: ((باب التواضع والنهي عن ترك الفرح بالدنيا)).

(8)

المرجع السابق (ل 233 / أ).

ص: 170

وفي كنز العمال

(1)

عزا حديثاً من كتاب الزهد للسنن، وهو حديث بشر بن عقربة الجهني الآتي ذكره

(2)

.

وقد يُسَمي الكتاب في أوّله كما في كتاب الوصايا

(3)

، وكتاب الطلاق

(4)

، وكتاب الجهاد

(5)

.

وجرت عادة المصنف أن يقسم الكتاب إلى أبواب، عدا كتاب فضائل القرآن، فإنه سرد جميع مباحثه سرداً بلا تبويب.

ب- مصادر المؤلِّف في كتاب السنن:-

روى المصنِّف سعيد بن منصور في كتابه: ((السنن))، من طريق بعض المصنِّفين أحاديث نجدها في مصنَّفاتهم التي يمكن أن تعتبر من مصادره في كتابه هذا. فمن ذلك:

o تفسير مجاهد: وهو من رواية عبد الله بن أبي نجيح عنه، وسيأتي الكلام عن هذه الرواية في الحديث رقم [184].

وقد طبع هذا التفسير بتحقيق عبد الرحمن السورتي

(6)

.

وقد روى المصنِّف كثيراً من أحاديث هذا التفسير وبيّنت مواضعها في التخريج، منها: الحديث رقم [184، 211، 218، 243، 244، 282، 286، 291، 332، 336، 382، 462، 567، 707].

o تفسير سفيان الثوري: وهو من رواية أبي حذيفة النهدي عنه.

وقد طبع هذا التفسير

(7)

.

وقد روى المصنف بعض الأحاديث من هذا التفسير بينت مواضعها

(1)

(3/ 483 رقم 7532).

(2)

انظر (ص 219 / ق).

(3)

المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (1/ 84).

(4)

المرجع السابق (1/ 256).

(5)

السابق أيضاً (2/ 124).

(6، 7) انظر قائمة المراجع في آخر هذه الرسالة.

ص: 171

في التخريج، منها: الحديث رقم [456].

o تفسير مسلم بن خالد الزَّنْجي: جمعه أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، الرَّمْلي، الشافعي، الزاهد.

وقد طبع هذا التفسير مع تفاسير أخرى بتحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين

(1)

.

وقد روى المصنف الحديث الآتي برقم [510] من أحاديث هذا التفسير.

o الزهد لعبد الله بن المبارك: وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

(2)

.

وروى المصنف من طريقه الحديث الآتي برقم [230].

o الجهاد لعبد الله بن المبارك: وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الدكتور نزيه حماد

(3)

.

وروى المصنِّف من طريقه الحديث الآتي برقم [414].

o تفسير سفيان بن عيينة: وهو في عداد المفقود الآن، وقد قام أحمد بن صالح محايري بجمع روايات سفيان بن عيينة من كتب التفسير في كتاب سمّاه: تفسير سفيان بن عيينة

(4)

.

وسفيان بن عيينة من شيوخ المصنِّف الذين أكثر عنهم جداً كما سبق بيانه

(5)

، ونجده يروي في سننه أحاديث من طريقه عزاها بعض العلماء لتفسير سفيان بن عيينة، منها: الحديث رقم [179، 181، 184، 218، 227، 243، 244، 260، 285، 300، 336، 338، 339، 347، 348، 349، 350، 382، 466].

(1، 2، 3) وانظر قائمة المراجع في آخر هذه الرسالة.

(4)

وقد طبع الكتاب بالمكتب الإسلامي ببيروت عام 1403 هـ.

(5)

(ص 79 / ق - 81 / ق).

ص: 172

o مصنَّفات سعيد بن أبي عروبة: يروي المصنِّف أحاديث أحياناً من طريق سعيد بن أبي عروبة الذي هو من أوَّل من صنَّف بالبصرة، وله مصنفات كثيرة، منها: تفسير القرآن، والسنن، وغير ذلك

(1)

.

فمن هذه الأحاديث التي يرويها سعيد بن منصور من طريق سعيد بن أبي عروبة: الحديث رقم [810، 811، 813].

o مصنَّفات هُشيم بن بشير: تقدم أن هشيم بن بشير أكثر الشيوخ الذين أخرج عنهم المصنِّف سعيد بن منصور، وهو أول من صنّف بواسط، وله مصنفات كثيرة، منها: السنن في الفقه، والتفسير، وغير ذلك

(2)

.

ومن الواضح أن هذه الأحاديث الكثيرة التي يرويها سعيد بن منصور عن شيخه هشيم سيكون- على الأقل- جزء منها من مصنفات شيخه، وبخاصة إذا اتَّحَدَ الموضوع كالتفسير.

وتقدم

(3)

أن عدد الأحاديث التي رواها سعيد عن شيخه هشيم بلغ تسعة وثلاثين ومائتي حديث، ويمكن مراجعة المواضع التي أخرج عنه فيها بواسطة فهرس شيوخ المصنِّف آخر هذه الرسالة.

جـ- طريقة المصنِّف في الرواية وسياق الأسانيد والمتون:-

ليس لسعيد بن منصور طريقة تميّزه عن غيره من المصنفين في عصره، فهو يسوق الإسناد، ثم يتبعه بالمتن، عدا ما يفعله أحياناً بدافع الاختصار مما يأتي بيانه مع أشياء أخرى تتعلق بالإسناد أو المتن.

فهو يعنى بصيغ التحمل والأداء التي تظهر فائدتها في المواطن التي يخاف فيها من التدليس.

ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه البخاري في صحيحه

(4)

، عن شيخه

(1)

انظر ما تقدم (ص 53 / ق).

(2)

انظر ما تقدم (ص 54 / ق).

(3)

(ص 78 / ق).

(4)

في كتاب الأذان، باب إتمام التكبير في السجود (2/ 271 رقم 787).

ص: 173

عمرو بن عون، قال: حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عكرمة، قال: رأيت رجلاً عند المقام يكبِّر في كل خفض ورفع، وإذا قام، وإذا وضع، فأخبرت ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قال: أوَليس تلك صلاة رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا أُمَّ لك؟.

فهذا الحديث في سنده هشيم، وهو مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع من شيخه أبي بشر، لكن قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري

(1)

: ((قوله: عن أبي بشر، صرَّح سعيد بن منصور عن هشيم بأن أبا بشر حدَّثه)).

ونجده أحياناً يقرن روايات بعض شيوخه في سياق واحد، فيقول مثلاً نَا هُشَيْمٌ

(2)

، وَخَالِدٌ

(3)

، وَإِسْمَاعِيلُ

(4)

، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ

(5)

، قَالَ

(6)

: إِذَا دُعِيَ لِيَشْهَدَ، وَإِذَا دعي ليقيمها، فكلاهما

(7)

.

ويقول أيضاً: نا سُفْيَانُ

(8)

وَأَبُو مُعَاوِيَةَ

(9)

، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: أُتي عَبْدُ اللَّهِ

(10)

بِمُصْحَفٍ قَدْ زُيِّن، فَقَالَ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا زُيِّن به المصحف تلاوته بالحق

(11)

.

وقد لا يقرن شيوخه بل يفصل رواياتهم، مثل قوله:

(1)

(2/ 271).

(2)

أي ابن بشير.

(3)

أي ابن عبد الله الطحّان.

(4)

أي ابن إبراهيم بن عليَّة.

(5)

أي البصري.

(6)

يعني في قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذا ما دعوا} .

(7)

انظر الحديث الآتي برقم [463].

(8)

أي ابن عيينة.

(9)

هو محمد بن خازم.

(10)

أي ابن مسعود رضي الله عنه.

(11)

الحديث رقم [164].

ص: 174

نا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبيد المُكْتِب، عَنْ مُجَاهِدٍ- فِي قوله:{وتقطعت بهم الأسباب} - قَالَ: الأوْصال الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ في الدنيا

(1)

.

نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عُبيد المُكْتب، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الوصْل الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ في الدنيا

(2)

.

وليس السبب في قرنه بعض الروايات وفصله لبعضها الآخر اتحاد اللفظ واختلافه؛ لأننا نجده يفصل بعض الروايات مع اتّحاد اللفظ، مثل قوله:

نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الجَنَفُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِضْرَارُ فِيهَا مِنَ الكبائر

(3)

.

نا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجَنَفُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِضْرَارُ فِيهَا من الكبائر

(4)

.

نا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الجَنَف- أَوِ: الحَيْف- فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِضْرَارُ فِيهَا من الكبائر

(5)

.

بل إنك لتجده يصرِّح باتفاق اللفظ بقوله: ((مثله))، كالحديث الذي أخرجه من طريق شيخه هُشَيْمٌ، قَالَ: نا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اشتر المصاحف، ولا تبعها

(6)

.

ثم بعد ذلك قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عن ليث، عن مجاهد،

(1)

الحديث رقم [240].

(2)

الحديث رقم [241].

(3)

الحديث رقم [258].

(4)

الحديث رقم [259].

(5)

الحديث رقم [260].

(6)

الحديث رقم [119].

ص: 175

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مثله

(1)

.

وإذا قرن شيخين في رواية، وكان في لفظ أحدهما زيادة بَيَّنَ ذلك، كقوله: نَا أَبُو عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَنْ لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ الَّتِي فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ.

قَالَ أَبُو بِشْرٍ: فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ.

وَزَادَ هُشَيْمٌ: ويشتري شاة بثلاثة دراهم

(2)

.

وقد يذكر كلاماً في بعض رجال الإسناد أثناء الرواية، مثل قوله: نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ إِدْرِيسَ- وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ

(3)

: إِنَّ لَنَا إِمَامًا يَلْحَنُ، قَالَ: أخِّروه

(4)

.

وقد يسوق بعض الروايات التي يُجَلِّي بعضها علَّة الأخرى؛ كالرواية التي ساقها عن شيخه سفيان بن عيينة، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ وهم يقرأون القرآن، فقال:((اقرأوا فكلٌّ كِتَابُ اللَّهِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يقوِّمونه كَمَا يُقَامُ القِدْح، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يتأجَّلونه))

(5)

.

ثم أخرجه بعد ذلك من طريق شيخه خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَفِينَا الْأَعْجَمِيُّ والأعرابي، فقال: ((اقرأوا وَكُلٌّ حَسَنٌ، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يقوِّمونه كما يقوَّم القِدْح، يتعجّلونه

(1)

الحديث رقم [120].

(2)

الحديث رقم [321].

(3)

أي البصري.

(4)

الحديث رقم [40].

(5)

الحديث رقم [30].

ص: 176

ولا يتأجّلونه))

(1)

.

فرواية سفيان بن عيينة المرسلة أعلَّت رواية حميد الأعرج الموصولة، لأن سفيان أوثق، والصواب في الحديث أنه مرسل من هذا الوجه كما بيّنته في التخريج والحكم على الحديث.

وشبيه به: ما أخرجه من طريق شيخه هشيم بن بشير، قَالَ: نا خَالِدٌ

(2)

، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ

(3)

، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ ثَمَانٍ، وَأَنَّ تَمِيمًا الدَّاريّ كَانَ يختم في كل سبع

(4)

.

فهذا الحديث لم يسمعه أبو قلابة من أبي بن كعب، بل بينهما واسطة، وهو ابن المُهَلَّب كما في الرواية الأخرى التي ساقها المؤلف من طريق شيخه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّب، عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ ثَمَانٍ

(5)

.

والمصنِّف شديد التَّوَقِّي في الرواية، فإن شك في شيء أو كان في الرواية شك من غيره بيَّن، كقوله: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا أَبُو عِمْرَانَ الجُوني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، أَوْ عُمَر- شَكَّ سَعِيدٌ- قَالَ: هجَّرت إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوماً

، الحديث

(6)

.

فهو هنا بيَّن أن الشك منه بقوله: ((شك سعيد)).

(1)

الحديث رقم [31].

(2)

هو ابن مهران الحذَّاء.

(3)

هو عبد الله بن زيد الجَرْمي.

(4)

الحديث رقم [154].

(5)

الحديث رقم [155].

(6)

الحديث رقم [36]، والصواب أنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

ص: 177

وقد يكون الشك من غيره فيبيِّن، كقوله: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ غَيْرِهِ- شَكَّ دَاوُدُ-، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى الْأَمَةِ حَدًّا حَتَّى تزوَّج زوجاً حرّاً

(1)

.

ونجده أحياناً أخرى لا يبين ممن الشك، لكن يغلب على الظن أنه منه، كقوله:((عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَوْ غيره))

(2)

، وقوله:((أرَاهُ قَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ))

(3)

.

وقد يعقب على بعض الأحاديث تعقيباً يزيل الإشكال الوارد في سند الحديث، كبيان مبهم في الإسناد، أو بيان نسب بعض الرواة.

فمن أمثلة بيانه للمبهم في الإسناد: ما أخرجه من طريق شيخه عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابُحي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سمَّاه، قال: نهى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات.

قال الأوزاعي: يعني شرار المسائل.

ثم عقّب سعيد على الحديث ببيان ذلك الصحابي المبهم، فقال:((قال سعيد: هذا عن معاوية، ولكنه لم يسمِّه))

(4)

.

ومن أمثلة بيان نسب بعض الرواة: ما أخرجه من طريق شيخه أبي وكيع الجراح ين مليح، عن الهزهاز بن ميزان، أن عدي بن فرس خيَّر امرأته ثلاثاً

الحديث.

ثم عقب عليه سعيد بقوله: ((قال سعيد: فَرَسُ: جَدُّ وكيع))

(5)

.

(1)

الحديث رقم [613].

(2)

الحديث رقم [286].

(3)

الحديث رقم [558].

(4)

المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1/ 282 رقم 1179).

(5)

المرجع السابق (1/ 386 رقم 1660).

ص: 178

وقد يكون تعقيبه لبيان تفرُّد بعض الرواة بالحديث؛ مثل قوله: ((ليس هذا الحديث عند أحد إلا عند أبي معاوية))

(1)

.

وهذا كله فيما يتعلق بالإسناد.

وأما المتن فإنه يحرص على عدم تكراره ما أمكن.

فنجده أحياناً يورد الحديث بتمامه في موضع، ويختصره في موضع آخر فلا يوردُ منه إلا موضع الشاهد، كالحديثين رقم [426، 427]، فإنه أورد منهما ما يتعلق بفضل آية الكرسي فقط، بينهما أوردهما بتمامهما في تفسير سورة النحل كما بيّنته في تخريج الحديثين المشار إليهما.

ونجده كثيراً ما يحيل اللفظ على لفظ سابق قائلاً: ((مثله))

(2)

، أو:((مثل ذلك))

(3)

، أو:((قال ذلك))

(4)

، أو: ((مثل قول. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

المرجع السابق أيضاً (1/ 81 رقم 311).

(2)

ومثاله الحديث رقم [119] أخرجه من طريق شيخه هشيم، نا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ ولا تبعها.

ثم أخرجه برقم [120] فقال: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مِثْلَهُ.

وانظر أمثلة أخرى في المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (2/ 8، 48، 62)، والحديث الآتي برقم (513).

(3)

ومثاله الحديث رقم [332] أخرجه من طريق شيخيه أبي عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحجة [يعني قَوْلُهُ تَعَالَى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ]، ثم أخرجه بعده برقم [333]، فقال: نا هُشَيْمٌ، نَا يُونُسُ، عَنِ الحسن، مثل ذلك.

وانظر أمثلة أخرى في المطبوع من السنن (1/ 185، 251)، (2/ 8، 48، 76، 79)، والأحاديث الآتية برقم [118، 280، 372، 446، 632].

(4)

ومثاله ما أخرجه عن عطاء برقم [340] أَنَّهُ قَالَ: الرَّفَثُ: الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقُ: =

ص: 179

فلان))

(1)

، وهكذا.

ويظهر من طريقته الدِّقَّةُ في بيان فروق الألفاظ، فإنه أخرج حديثاً من طريق شيخه سفيان بن عيينة، نا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَأَيُّوبُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لَهُ، والقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هوامُّك؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: احْلِقْ رَأْسَكَ، وانسُكْ نَسِيكَةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ.

ثم قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ: قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: اذْبَحْ شَاةً، وَقَالَ أيوب: انسك نسيكة

(2)

.

وإذا كان أكثر لفظ الحديث مثل لفظ الحديث السابق، واختلف بعض لفظه، عطف المماثل على مثله، وبيَّن اللفظ المختلف؛ كالحديث الذي أخرجه من طريق شيخه حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبيدة السَّلْماني، قَالَ: أَتَى عَلِيًّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، وَمَعَهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ حَكَماً مِنْ أَهْلِهَا وحَكَماً من أهله،

= الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ: الْمِرَاءُ فِي الْحَجِّ حتى يغضبوا، ثم أخرجه بعده برقم [341] من طريق شيخه هُشَيْمٌ، أنا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ذلك.

وانظر المطبوع من السنن (2/ 80).

(1)

ومثاله ما جاء في المطبوع من السنن (2/ 7) في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها، فظن له عليها رجعة، فواقعها، فساق بسنده عن حماد بن أبي سليمان أنه قال: عليه مهر ونصف، ثم قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: أنا يُونُسُ وَمَنْصُورٌ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قال: صداق واحد.

نا هشيم، عن محمد بن سالم، عن الشعبي، مثل قول الحسن.

(2)

الحديث رقم [291].

ص: 180

ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تفرِّقا، فَرَّقْتما، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا، جَمَعْتُمَا. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكَلِمَاتِ الله لي وعليَّ، قال الزَّوْجُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: كَلَّا وَاللَّهِ، حَتَّى تقرَّ بِمِثْلِ مَا أقرَّت به

(1)

.

ثم أخرجه بعده من طريق آخر، فقال: نا هُشَيْمٌ، نا مَنْصُورٌ وَهِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، بِمِثْلِهِ. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ وسلَّمت، فَقَالَ الزَّوْجُ: أَمَّا الفُرْقَة فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَيْسَ ذَاكَ لَكَ، لستَ ببارِحٍ حَتَّى تَرْضَى بِمِثْلِ مَا رَضِيَتْ به

(2)

.

ومثله إذا زاد أحد الرواة لفظاً ليس عند الآخر؛ كقوله: نَا أَبُو عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ الَّتِي فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ.

قَالَ أَبُو بِشْرٍ: فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ.

وَزَادَ هُشَيْمٌ: ويشتري شاة بثلاثة دراهم

(3)

.

ومن منهج المصنِّف في الرواية: اهتمامه بالفقهيات حتى في التفسير، فتجده يعرض للمسائل المختلف فيها، فيسوق أقوالهم في هذه المسائل بإسناده إليهم، مثل مسألة بيع المصاحف وشرائها والإجارة على نسخها والأجرة على تعليم القرآن، فإنه أورد فيها أربعة وعشرين حديثاً وأثراً من رقم [102] حتى رقم [125] من هذه الرسالة.

ومثله الصلاة الوسطى والخلاف فيها، هل هي صلاة العصر أو

(1)

الحديث رقم [628].

(2)

الحديث رقم [629].

(3)

الحديث رقم [321].

ص: 181

الصبح؟ فأورد فيها من الأحاديث والآثار من رقم [392] حتى رقم [403] من هذه الرسالة.

وأمثال ذلك كثير.

ومن منهجه في الرواية أيضاً: إيراده الحديث الواحد بأسانيد متعددة، مثل حديث ابن مسعود حينما قال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((اقرأ علي))، قال: يا رسول اللَّهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ من غيري

)) الحديث.

أورد سعيد هذا الحديث من أربع طرق وهي الآتية برقم [51، 52، 53، 56].

وكذا حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه في فدية الأذى أورده من سبع طرق، وهي الآتية برقم [289، 290، 291، 292، 293، 296، 297].

ومن منهجه في الرواية أيضاً: تعقيبه على بعض الأحاديث أحياناً ببيان ما يحتاج إلى بيان، فإنه ذكر أن عبيد بن عمير قرأ:{يهدي بهُ الله}

(1)

بين أن هذه القراءة لغة

(2)

.

وقد يكون التعقيب لنقد رأي فقهي، أو ترجيح رأي آخر، كقوله:((بئس ما قال))

(3)

إذا أورد بعض الآراء، أو كقوله:((القول ما قال مجاهد))

(4)

.

د - تراجمه للأبواب:

ليس في هذا القسم المحقق أبواب يترجم لها بخلاصة ما فيها من

(1)

الآية (16) من سورة المائدة.

(2)

انظر الحديث الآتي برقم [724].

(3)

السابق أيضاً (1/ 276 رقم 1151).

(4)

المرجع السابق أيضاً (1/ 247 رقم 1019).

ص: 182

مباحث، وإنما بوب للسُّوَر التي تطرق لتفسيرها، كقوله:((باب تفسير فاتحة الكتاب))

(1)

، و:((باب تفسير سورة البقرة))

(2)

، وهكذا.

وكان بالإمكان الإتيان ببعض التراجم في هذا القسم في فضائل القرآن، فإنه اشتمل على الكثير من المباحث، كالحث على قراءة القرآن، والحث على تعاهده والتحذير من نسيانه، والحث على تعلمه وتعليمه، وما جاء في ختم القرآن والدعاء عند ختمه، وهكذا في مباحث عدة أهملها المصنِّف ولم يبوِّب لها في الكتاب بشيء، وإنما قال:((فضائل القرآن))

(3)

، وسرد الأحاديث والآثار سرداً بلا تبويب.

ولكن بالرجوع إلى المطبوع من السنن بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي والقسم الذي لا يزال مخطوطاً نجد أن المصنف يترجم للأبواب بخلاصة ما تضمنته من مباحث فقهية بترجمة مُطْلَقَة تدلّ على فقهه واستنباطه، ثم يورد تحتها من الأحاديث والآثار ما يندرج في تلك الترجمة ويقيِّد ما فيها من إطلاق؛ كقوله في كتاب الفرائض: باب الرجل إذا لم يكن له وارث يضع ماله حيث شاء

(4)

، ثم أورد في هذا الباب أربعة أحاديث موقوفة على ابن مسعود، يذكر فيها أن الرجل يضع ماله حيث شاء إذا لم يُعْلَمْ له عصبة، ثم أورد بعده أثرين عن عَبيدة السلماني، وأثرين عن مسروق بنفس المعنى.

وهكذا يصنع في كل باب؛ كقوله في كتاب النكاح: باب ما جاء في النهي عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

(5)

، وباب ما

(1)

انظر (ص 505) من هذه الرسالة.

(2)

انظر (ص 544) من هذه الرسالة.

(3)

انظر (ص 5 - 7) من هذه الرسالة.

(4)

المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (1/ 60).

(5)

المرجع السابق (1/ 165).

ص: 183

جاء في الرجل لا ينكح على عمّتها وخالتها

(1)

، وكقوله في كتاب الطلاق: باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أو أختان

(2)

، وكقوله في كتاب الجهاد: باب ما جاء في فضل الجهاد في سبيل الله

(3)

، وكقوله في كتاب الزهد: باب مداراة الرجل نفسه لما بعد الموت

(4)

، وباب التواضع وقلّة الشيء

(5)

.

وجميع هذه التراجم وأمثالها تدل على فقه سعيد واستنباطه، لكنه يورد الحديث في أجمع المواضع لمضمون الحديث، ولا يكرره إلا نادراً، كالحديث الآتي برقم [354]، وهو قول سعيد بن جبير الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ المعدودات أيام التشريق.

أورد سعيد هذا الأثر في تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أيام معدودات}

(6)

، ثم أعاده في تفسير سورة لحج، عند قوله تعالى:{ويذكروا اسم الله في أيام معلومات}

(7)

.

وعند تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حقاً على المتقين}

(8)

، أورد قول الحسن البصري رحمه الله: مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ ذِي قَرَابَتِهِ، فَلِلَّذِينَ أَوْصَى لَهُمُ ثُلُثُ الثُّلُثِ، ولقرابته ثلثا الثلث

(9)

.

(1)

السابق أيضاً (1/ 166).

(2)

المرجع السابق (2/ 22).

(3)

المرجع السابق (2/ 124).

(4)

المخطوط من السنن (ل 191 / أ).

(5)

المخطوط من السنن (ل 193 / ب).

(6)

الآية (203) من سورة البقرة.

(7)

الآية (28) من سورة الحج.

(8)

الآية (180) من سورة البقرة.

(9)

وهو الحديث الآتي برقم [254].

ص: 184

وهذا القول كان قد أخرجه في كتاب الوصايا، باب هل يوصي الرجل من ماله بأكثر من الثلث

(1)

.

لكن هذا التكرار عند سعيد ليس بكثير، وإذا كرره، ففي موضعين تقريباً، لا كما يصنع بعض من يُعْنَى بكثرة الاستنباط من الحديث، فيعيده في مواضع متعددة، تحت تراجم مختلفة، كالبخاري.

فحديث أبي هريرة- مثلاً- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لولا أن أشقّ على المؤمنين، ما قعدت عن سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة، ولا يجدون قوّة فيتبعوني، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي)).

هذا الحديث أخرجه سعيد في كتاب الجهاد، باب ما جاء في فضل الجهاد فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل

(2)

، وأخرجه البخاري في موضع مشابه؛ في كتاب الجهاد، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله

(3)

، ولكنه- أي البخاري- لم يقتصر على هذا الموضع، بل أخرجه أيضاً في الإيمان، باب الجهاد من الإيمان

(4)

، وفي الجهاد أيضاً، باب تمني الشهادة

(5)

، وباب الجعائل والحملان في سبيل الله

(6)

، وفي كتاب الخمس، باب قوله صلى الله عليه وسلم: أحلت لكم الغنائم

(7)

، وفي التمني، باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة

(8)

، وفي التوحيد، باب

(1)

المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1/ 93 رقم 355).

(2)

المرجع السابق (2/ 124 رقم 2300).

(3)

صحيح البخاري (6/ 6).

(4)

المرجع السابق (1/ 92).

(5)

المرجع السابق أيضاً (6/ 16).

(6)

المرجع السابق أيضاً (6/ 124).

(7)

المرجع السابق أيضاً (6/ 220).

(8)

المرجع السابق أيضاً (13/ 217).

ص: 185

باب قوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين}

(1)

، وباب قوله تعالى:{قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي}

(2)

.

وقد تكون الترجمة عند سعيد بلفظ الاستفهام، وهذا كثير؛ كقوله في كتاب الوصايا، باب هل يقضي الحي النذر عن الميت

(3)

؟ وفي كتاب النكاح قال: باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة، فتموت قبل أن يدخل بها أو يطلقها، هل يصلح له أن يتزوج أمها

(4)

؟ وفي كتاب الطلاق قال: باب الرجل يفجر بالمرأة، أله أن يتزوج بها، أو يتزوج أمها

(5)

؟.

وهكذا يصنع البخاري في بعض التراجم، وذلك حيث لا يتجه له الجزم بأحد الاحتمالين، وغرضه بيان هل يثبت ذلك الحكم أو لم يثبت، فيترجم على الحكم، ومراده ما يتفسر بعد؛ من إثباته أو نفيه، أو أنه محتمل لهما، وربما كان أحد المحتملين أظهر، وغرضه: أن يبقى للنظر مجالاً، وينبّه على أن هناك احتمالاً، أو تعارضاً يوجب التوقف، حيث يعتقد أن فيه إجمالاً، أو يكون المدرك مختلفاً في الاستدلال به، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر

(6)

.

ولا يظهر أن سعيد بن منصور يريد ذلك، فإنه قد يترجم بلفظ الاستفهام، ويرجح أحد القولين، كقوله: باب المتوفى عنها زوجها، أين تعتد؟ وذكر حديث فاطمة بنت قيس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد

(1)

المرجع السابق أيضاً (13/ 441).

(2)

المرجع السابق أيضاً (13/ 444).

(3)

المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (1/ 105).

(4)

المرجع السابق (1/ 227).

(5)

المرجع السابق (1/ 398).

(6)

في هدي الساري (ص 14).

ص: 186

في غير بيت زوجها، وإنكار عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لذلك بقوله: ما كنا نجيز في ديننا شهادة امرأة لا ندري لعلها نسيت أو شُبِّه لها، ثم أورد سعيد أثراً عن الشعبي أنه قال: امرأة من قريش ذات عقل ورأي، أتنسى قضاء قضي عليها؟ ثم عقب سعيد على ذلك بقوله:((قال سعيد: وقول عمر أحبّ إلينا من هذا)) (*).

وقد تكون الترجمة عنده طويلة؛ كقوله في كتاب الطلاق: باب الرجل له أربع نسوة، فنهى واحدة عن الخروج، فوجد امرأة من نسائه قد خرجت، فقال: فلانة أنت طالق، أَيَّتُهُنَّ تطلق منه؟

(1)

.

وقد تتكرر عنده بعض التراجم؛ كقوله في كتاب الزهد: باب الزهد

(2)

، ثم بعده بثلاثة أبواب قال: باب الحلم والتواضع والزهد

(3)

، ثم بعده بثلاثة أبواب قال: باب الزهد في الدنيا

(4)

، ثم بعده بباب واحد قال: باب الزهد والتواضع وما يكره من عجب الرجل بعمله

(5)

.

ومثله ما جاء في كتاب الزهد أيضاً: باب ما جاء في دعاء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(6)

، ثم بعده بخمسة أبواب قال: باب ما جاء في دعاء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أيضاً

(7)

، ثم بعده بخمسة أبواب أيضاً قال: باب ماجاء في

(*) المطبوع من سنن سعيد بن منصور بتحقيق الأعظمي (1/ 316، 321).

(1)

السابق أيضاً (1/ 282).

(2)

المخطوط من السنن (ل 203 / ب).

(3)

المرجع السابق (ل 205 / ب).

(4)

المرجع السابق (ل 206 / أ).

(5)

المرجع السابق (ل 207 / ب).

(6)

المرجع السابق (ل 221 / أ).

(7)

المرجع السابق (ل 221 / ب).

ص: 187

دعاء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وكان بإمكان المصنف أن يضمّ هذه الأبواب وأمثالها بعضها إلى بعض وينسِّق بينها.

كما أننا نجده أحياناً يبوِّب بباب جامع، ويورد فيه أحاديث بإمكانه أن يترجم لها، كقوله في كتاب الزهد: باب ما جاء في جامع

(2)

، وأورد فيه حديثه صلى الله عليه وسلم:((مَا كان من حزن في القلب أو في العين فإنما هو رحمة، وما كان باللسان أو باليد فإنما هو من الشيطان))، وحديثه صلى الله عليه وسلم:((إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم))، وقول الشعبي: ترِّبوا الكتاب، فإنه أعظم للبركة، وأنجح للحاجة، وقول الضحاك: رخّص رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للحامل والمرضع أن تفطرا وتقضيا

(3)

صياماً

، وعدة آثار في مواضيع متعددة، يمكن أن يلحق كل منها بموضوعه، فما كان بالأدب يلحق بكتاب الأدب، وما كان يتعلق بالصيام أُلحق بكتاب الصيام، وهكذا.

ومثله أيضاً الأبواب التي لم يترجم لها، كقوله في كتاب الزهد أيضاً: بَابٌ

(4)

، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عمير، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((الكَمْأَةُ من المنّ

)) الحديث، ثم أورد بعده أثراً وحديثاً في فضل أهل المغرب، وأثراً في زهد عمر.

وفي كتاب الزهد أيضاً قال: بَابٌ

(5)

، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ

(1)

المرجع السابق (ل 222 / ب).

(2)

المرجع السابق (ل 232 / أ).

(3)

في الأصل: ((يفطران ويقضيان)).

(4)

المخطوط من السنن (ل 227 / ب).

(5)

المرجع السابق (ل 228 / أ).

ص: 188

ابن عمير، عن الربيع بن عميلة، قال: سمعت من عبد الله كلمة ما سمعت يعني بعدَ آيةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، ولا حديثِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئاً أحبّ إليّ ولا أعجب إليّ منها؛ سمعته يقول:((بحسب امريء إذا رأى منكراً لم يُسَمعْ له، غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره)).

ثم أورد هذا الأثر من طريقين آخرين، وأثراً آخر بمعناه عن ابن مسعود أيضاً، وأثراً آخر عنه أيضاً في الفتن.

هـ - أنواع المرويات عنده:

سبق الحديث عن موضوع السنن لسعيد بن منصور

(1)

، وبيّنت هناك أنه من الكتب التي صُنِّفت لتضمّ الأحاديث المسندة وغير المسندة، وهو شبيه بمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة الذين يضمّان العديد من الأحاديث والآثار، ففيها المرفوع- سواء كان موصولاً أو مرسلاً-، وفيها الموقوف، وفيها المقطوع.

وهكذا سنن سعيد بن منصور.

فهذا القسم الذي قمت بتحقيقه يضم تسعة وستين وثمانمائة من الأحاديث والآثار، منها واحد وخمسون ومائة حديث مرفوع، وهي قسمان: موصولة ومرسلة. فالموصول منها: اثنان وثمانون حديثاً، والمرسل: تسعة وستون حديثاً.

وأما الموقوفة فعددها خمسة وعشرون وثلاثمائة حديث.

وأما المقطوعة فعددها ستة وثلاثون وأربعمائة حديث، أكثرها عن التابعين، وبعضها- وهو قليل- عن أتباع التابعين؛ كقوله: نا

(1)

(ص 167).

ص: 189

سُفْيَانُ- وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وإسماعيل ربنا تقبل منا} - قَالَ: سَأَلَا الْقَبُولَ، وَتَخَوَّفَا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يُتَقَبَّلُ منهما

(1)

.

وكقوله أيضاً: سَمِعْتُ فُضَيْلًا

(2)

يَقُولُ- فِي قَوْلِهِ: {فاذكروني أذكركم} - قَالَ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي، أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتِي

(3)

.

وفيما يلي ذكر لأرقام الأحاديث موزّعة على انواع المرويات عنده، علماً بأن الرقم قد يرد في نوعين- وهو قليل- لاشتماله عليهما.

أولاً: المرفوع:

o الموصول منه:

9، 14، 16، 18، 20، 21، 23، 26، 31، 32، 35، 36، 45، 51، 56، 58، 69، 72، 109، 128، 129، 131، 132، 156، 166، 167، 168، 169، 178، 187، 215، 222، 223، 224، 277، 289، 290، 291، 292، 293، 352، 368، 369، 392، 393، 408، 417، 424، 450، 451، 475، 476، 478، 492، 501، 503، 539، 540، 544، 552، 587، 594، 597، 663، 666، 677، 681، 686، 694، 695، 696، 697، 699، 706، 748، 762، 768، 816، 821، 822، 841، 857.

o المرسل منه:

5، 25، 30، 33، 46، 52، 53، 55، 57، 68، 75، 77، 78، 130، 160، 179، 193، 210، 230، 234، 239، 253، 275،

(1)

الحديث رقم [219].

(2)

يعني ابن عياض.

(3)

الحديث رقم [229].

ص: 190

283، 246، 347، 407، 428، 429، 474، 479، 480، 483، 500، 502، 506، 507، 515، 518، 524، 538، 543، 552، 554، 572، 584، 586، 623، 624، 648، 660، 661، 682، 685، 688، 692، 693، 695، 696، 697، 700، 701، 702، 713، 751، 771، 798، 808، 811.

ثانياً: الموقوف:

1، 2، 3، 4، 6، 7، 8، 13، 16، 17، 24، 27، 29، 34، 37، 39، 42، 43، 48، 49، 50، 54، 58، 59، 60، 62، 63، 67، 70، 71، 74، 80، 81، 89، 91، 94، 95، 97، 104، 108، 119، 120، 124، 126، 127، 133، 134، 136، 139، 140، 141، 142، 143، 146، 147، 148، 149، 150، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 161، 162، 163، 164، 165، 169، 170، 171، 172، 174، 175، 176، 177، 180، 181، 188، 189، 191، 195، 201، 203، 206، 207، 208، 215، 225، 226، 231، 232، 233، 245، 246، 248، 250، 251، 252، 258، 259، 260، 267، 269، 270، 273، 279، 281، 284، 285، 287، 289، 292، 293، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 310، 311، 312، 313، 314، 315، 316، 317، 318، 319، 328، 429، 331، 334، 338، 339، 341، 344، 345، 350، 351، 353، 355، 360، 365، 366، 367، 370، 375، 376، 383، 394، 398، 401، 402، 403، 416، 418، 419، 421، 423، 426، 427، 431، 432، 435، 437، 438، 440، 443، 444، 454، 455، 466، 467، 468، 473، 477، 481، 482، 485، 486، 487، 489، 493، 496، 508، 512، 513، 519، 520، 521، 522، 523، 526، 528، 531، 535، 541، 545، 547، 549، 558، 570، 571، 588، 589، 590، 591، 592، 593، 595، 600، 601، 605، 611، 613،

ص: 191

614، 615، 616، 620، 625، 628، 629، 638، 639، 640، 641، 644، 645، 646، 647، 649، 650، 651، 652، 657، 658، 659، 666، 667، 668، 669، 670، 671، 673، 675، 676، 677، 681، 683، 687، 708، 709، 710، 715، 716، 718، 726، 741، 742، 745، 749، 750، 752، 757، 758، 763، 765، 769، 772، 773، 774، 780، 781، 782، 783، 785، 786، 787، 788،789، 790، 791، 795، 799، 805، 806، 807، 809، 812، 814، 815، 817، 818، 819، 820، 823، 824، 825، 832، 833، 834، 835، 836، 837، 838، 839، 840، 842، 843، 844، 846، 847، 848، 849، 850، 860، 863، 864، 865، 868.

ثالثاً: المقطوع:

10، 11، 12، 15، 19، 22، 28، 38، 40، 41، 44، 47، 61، 64، 66، 73، 76، 78، 79، 82، 83، 84، 85، 86، 87، 88، 89، 90، 92، 93، 96، 98، 99، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 110، 111، 112، 113، 118، 121، 122، 123، 125، 135، 137، 138، 144، 145، 151، 152، 158، 163، 172، 173، 182، 183، 184، 185، 186، 190، 192، 194، 196، 197، 198، 199، 200، 202، 204، 205، 209، 211، 212، 213، 214، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 227، 228، 229، 234، 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 247، 249، 253، 254، 255، 256، 257، 261، 262، 263، 264، 265، 266، 268، 271، 272، 274، 275، 276، 278، 280، 282، 283، 287، 288، 294، 295، 303، 304، 305، 306، 307، 308، 309، 310، 320، 321، 322، 323، 324، 325، 326، 327، 330، 332، 333، 335، 336، 337، 340، 342، 343، 346، 347، 348، 349، 354، 356، 357، 358،

ص: 192

359، 361، 362، 363، 364، 371، 372، 373، 374، 377، 378، 379، 380، 381، 382، 384، 385، 386، 387، 388، 389، 390، 391، 400، 404، 405، 406، 409، 410، 411، 412، 413، 414، 415، 420، 422، 425، 528، 429، 430، 433، 434، 436، 439، 441، 442، 445، 446، 447، 448، 449، 452، 453، 456، 457، 458، 459، 460، 461، 462، 463، 464، 465، 469، 470، 471، 472، 479، 484، 485، 488، 490، 491، 494، 495، 497، 498، 499، 502، 504، 505، 509، 510، 511، 514، 516، 517، 524، 525، 527، 529، 530، 531، 532، 533، 534، 536، 537، 542، 546، 548، 550، 551، 553، 554، 555، 556، 557، 558، 559، 560، 561، 562، 563، 564، 565، 566، 567، 568، 569، 573، 574، 575، 576، 577، 578، 579، 580، 581، 582، 583، 584، 585، 596، 598، 599، 602، 603، 604، 606، 607، 608، 609، 610، 612، 617، 618، 619، 621، 622، 626، 630، 631، 632، 633، 634، 635، 636، 637، 640، 642، 643، 644، 653، 657، 658، 662، 664، 672، 674، 675، 678، 679، 680، 681، 684، 687، 689، 690، 691، 698، 703، 704، 705، 707، 711، 712، 713، 714، 717، 719، 720، 721، 722، 723، 724، 725، 727، 729، 730، 731، 732، 733، 734، 735، 736، 737، 738، 739، 740، 743، 744، 746، 747، 751، 753، 754، 755، 756، 759، 760، 761، 764، 766، 767، 770، 775، 776، 777، 778، 779، 784، 789، 792، 793، 794، 796، 797، 798، 800، 801، 802، 803، 804، 805، 806، 808، 810، 813، 826، 827، 828، 829، 830، 831، 839، 845، 851، 852، 853، 854، 855، 856، 858، 859، 861، 862، 866، 867، 869.

ص: 193

و - درجة أحاديث الكتاب:

جرت عادة أكثر المصنِّفين في العصر الذي عاش فيه سعيد بن منصور أن أحدهم إذا صنَّف أخرج في كتابه الصحيح والحسن والضعيف. وكانوا يتجنَّبون الموضوع، وكذا المنكر وما اشتدّ ضعفه في الغالب.

فالإمام أحمد كان يحتجّ بعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، إذا لم يكن في الباب غيره

(1)

.

ولما سئل عن عمرو بن شعيب قال: ربما احتجبنا بحديثه، وربما وجس في القلب منه

(2)

.

وقال مرَّةً لابنه: ((لو أردت أن أقتصر على ما صحّ عندي، لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث: أني لا أخالف ما يضعف، إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه))

(3)

.

وكان يقول: ((لا تكاد ترى أحداً ينظر في الرأي، إلا وفي قلبه دَغَل، والحديث الضعيف أحبّ إليّ من الرأي))

(4)

.

وكذا كان تلميذه أبو داود صاحب السنن، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها؛ مثل ابن لهيعة، وصالح مولى التَّوْأَمَة، وعبد اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، ودلهم بن صالح، وغيرهم

(5)

.

(1)

نقله الحافظ ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 436) عن ابن المنذر.

(2)

ذكره الأثرم عن الإمام أحمد كما في الميزان (3/ 265).

(3، 4) النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 437).

(5)

المرجع السابق (1/ 438).

ص: 194

بل قد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير، كإسحاق بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فروة وغيره من المتروكين

(1)

.

ويوجد في كتابه عدد من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلِّسين التي لم يصرِّحوا فيها بالسماع، وأسانيد فيها من أُبهمت أسماؤهم

(2)

.

وكذلك النسائي، كان من مذهبه: أنه يخرج عن كل من لم يتفق المحدِّثون على تركه

(3)

.

ولذا يقول السيوطي في ألفيَّته

(4)

:

يروي أبو داود أقوى ما وَجَدْ

ثم الضعيفَ حيثُ غَيْرَهُ فَقَدْ

والنَّسَائِي: من لم يكونوا اتفقوا

تركاً له. . . . . . . . . . .

وكتاب سعيد بن منصور شبيه بهذه الكتب وأمثالها في ذلك؛ فإنه تضمَّن جملة كبيرة من الأحاديث الصحاح والحسان، وفيه الضعيف الذي لم يشتدَّ ضعفه، وفيه عدد يسير من الأحاديث الشديدة الضعف التي قد تختلف وجهات النظر في الحكم عليها بشدة الضعف من عدمه.

وقد بلغ عدد الأحاديث والآثار في هذا القسم المحقق تسعة وستين وثمانمائة حديث، منها ستة أحاديث توقفت في الحكم عليها لبعض الإشكال فيها، وهي رقم:[32، 310، 405، 526، 679، 865]، وحديث آخر بعضه صحيح، وبعضه توقفت في الحكم

(1)

السابق أيضاً (1/ 439 - 440).

(2)

المرجع السابق أيضاً (1/ 440 فما بعد).

(3)

منهج ذوي النظر (ص 42).

(4)

(ص 17).

ص: 195

عليه لبعض الإشكال في سنده، وهو رقم:[452] ، وقد أدرجته في عداد الصحيح؛ لما صحّ منه، فأصبح عدد الأحاديث المحكوم عليها ثلاثة وستون وثمانمائة حديث، بعضها صحيح لذاته، وبعضها حسن لذاته وارتقى للصحيح، وبعضها حسن لذاته ولم يرتق، وبعضها ضعيف ارتقى للصحيح، وبعضها ضعيف ارتقى للحسن، وبعضها ضعيف ولم يرتق، وبعضها ضعيف جداً صحّ متنه من وجه آخر، وبعضها ضعيف جداً ولم يصح متنه، وهذا الجدول يوضح عدد الأحاديث والنسبة المئوية لكل قسم، علماً بأن هناك بعض الأحاديث تضمنَّت حكمين، فجاءت مكررة في موضعين، وعددها واحد وثلاثون حديثاً:-

* * *

ص: 196

جدول

_________

_________

_________

_________

_________

_________

البيان........................................................................ العدد................ النسبة المئوية

_________

_________

_________

_________

_________

_________

_________

• عدد الأحاديث الكُلِّي....................................................... 869

• عدد الأحاديث المحكوم عليها............................................... 863

• عدد الأحاديث المتوقف في الحكم عليها..................................... 6

• عدد الأحاديث التي تضمنت حكمين فجاءت مكررة في موضعين............ 31

• مجموع عدد الأحاديث المحكوم عليها بالمكرر.............................. 894

_________

_________

_________

_________

_________

_________

_________

• عدد الصحيح لذاته........................................................ 356............... 39 % تقريباً

• عدد الحسن لذاته.......................................................... 23................. 2. 5 %

• عدد الضعيف............................................................. 227................ 25 %

• عدد الضعيف جداً......................................................... 41................. 4. 5 %

_________

_________

_________

_________

_________

_________

_________

• عدد الحسن الذي ارتقى للصحيح (صحيح لغيره) .......................... 37.................. 4 %

• عدد الضعيف الذي ارتقى للصحيح (صحيح لغيره) ........................ 170................ 19 %

• عدد الضعيف الذي ارتقى للحسن (حسن لغيره) ............................ 36................. 4 %

• عدد الضعيف جداً وصحّ من وجه آخر...................................... 4.................. 0. 4 %

_________

_________

_________

_________

_________

_________

_________

• عدد الأحاديث الصحيحة (صحيح لذاته، وصحيح لغيره) ................... 563............... 63 % تقريباً

• عدد الأحاديث الحسنة (حسن لذاته، وحسن لغيره) .......................... 59................ 6. 6 % تقريباً

_________

_________

_________

_________

_________

_________

_________

• عدد الأحاديث المقبولة (صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن

لذاته، وحسن لغيره، وضعيف جداً صحّ من وجه آخر) ..................... 626................ 70 %

• عدد الأحاديث المردودة (ضعيف، وضعيف جداً) ......................... 268................. 30 %

_________

_________

_________

_________

_________

_________

_________

ص: 197

وفيما يلي ذكر لأرقام الأحاديث موزعة على التقسيم السابق:

أولاً: الصحيح لذاته:

3، 10، 15، 16، 17، 34، 36، 38، 44، 53، 61، 86، 91، 95، 99، 100، 104، 106، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 121، 122، 123، 125، 128، 129، 131، 132، 136، 137، 138، 140، 141، 144، 146، 151، 152، 156، 164، 172، 173، 177، 182، 184، 185، 186، 187، 188، 190، 192، 194، 198، 202، 203، 207، 209، 214، 215، 217، 218، 219، 222، 223، 227، 229، 231، 236، 237، 238، 240، 241، 242، 243، 244، 246، 247، 248، 249، 252، 253، 254، 257، 258، 259، 260، 265، 266، 274، 277، 278، 280، 282، 284، 285، 286، 287، 288، 289، 290، 291، 295، 298، 299، 300، 302، 303، 305، 306، 308، 313، 314، 315، 318، 319، 321، 322، 324، 325، 326، 333، 335، 336، 338، 340، 342، 348، 349، 350، 352، 356، 357، 364، 366، 367، 371، 372، 374، 375، 377، 378، 382، 386، 387، 388، 389، 393، 394، 395، 397، 399، 404، 408، 409، 410، 411، 416، 420، 422، 426، 429، 430، 434، 435، 437، 439، 447، 450، 451، 452، 453، 455، 457، 460، 462، 463، 464، 465، 469، 470، 471، 475، 476، 477، 484، 490، 491، 498، 499، 501، 503، 504، 508، 509، 512، 513، 516، 519، 521، 523، 525، 527، 530، 531، 532، 535، 536، 537، 539، 545، 551، 556، 557، 558، 561، 562، 563، 565، 566، 567، 569، 570، 571، 573، 574، 576، 577، 579، 580، 585، 588، 589، 593، 594، 599، 600، 602، 603، 604، 605،

ص: 198

606، 607، 608، 609، 613، 614، 615، 616، 617، 618، 619، 624، 626، 627، 628، 629، 630، 631، 634، 635، 640، 641، 643، 651، 652، 654، 655، 657، 662، 666، 674، 676، 677، 684، 686، 694، 698، 703، 706، 710، 712، 715، 717، 718، 719، 720، 721، 722، 723، 724، 725، 726، 727، 728، 735، 736، 737، 741، 743، 744، 747، 748، 752، 755، 760، 765، 766، 767، 770، 772، 773، 776، 778، 780، 784، 785، 786، 787، 789، 791، 794، 796، 797، 800، 801، 804، 806، 809، 813، 814، 824، 825، 828، 829، 830، 833، 837، 840، 845، 847، 851، 852، 853، 855، 856، 857، 858، 860، 862، 864، 866.

ثانياً: الحسن لذاته الذي ارتقى للصحيح:

6، 14، 21، 22، 27، 35، 89، 90، 118، 135، 143، 161، 176، 206، 276، 311، 383، 384، 392، 398، 403، 427، 443، 446، 456، 486، 511، 514، 549، 633، 681، 705، 761، 781، 790، 819، 859.

ثالثاً: الحسن لذاته:

67، 98، 106، 183، 199، 204، 228، 267، 272، 433، 472، 542، 610، 646، 647، 649، 667، 678، 690، 691، 704، 756، 846.

رابعاً: الضعيف الذي ارتقى للصحيح:

1، 2، 4، 7، 20، 24، 26، 28، 33، 42، 43، 48، 51، 52، 54، 56، 57، 58، 59، 62، 63، 74، 76، 82، 84، 88، 94، 96، 97، 119،

ص: 199

120، 124، 139، 142، 145، 147، 148، 153، 158، 159، 166، 167، 168، 174، 179، 189، 211، 213، 224، 225، 232، 245، 253، 268، 270، 275، 283، 292، 293، 294، 304، 312، 316، 317، 323، 329، 331، 337، 343، 344، 346، 347، 351، 353، 354، 355، 359، 361، 368، 369، 380، 385، 390، 391، 396، 401، 402، 414، 418، 423، 428، 429، 436، 444، 445، 448، 479، 480، 492، 500، 510، 544، 550، 552، 564، 572، 575، 584، 587، 590، 596، 597، 598، 601، 622، 638، 639، 644، 653، 656، 657، 658، 660، 661، 680، 682، 695، 696، 697، 699، 700، 701، 702، 709، 713، 730، 733، 734، 740، 749، 757، 758، 759، 768، 771، 774، 775، 777، 779، 788، 792، 793، 802، 803، 805، 806، 808، 810، 811، 812، 815، 816، 821، 822، 823، 831، 835، 836، 838، 841، 868.

خامساً: الضعيف الذي ارتقى للحسن:

30، 31، 39، 45، 47، 58، 60، 103، 108، 109، 165، 169، 170، 172، 180، 181، 261، 323، 345، 376، 459، 467، 468، 510، 522، 540، 552، 659، 672، 673، 707، 733، 734، 763، 817، 818.

سادساً: الضعيف:

5، 8، 9، 11، 12، 13، 19، 23، 29، 37، 40، 41، 46، 49، 50، 55، 64، 65، 66، 69، 70، 71، 73، 77، 78، 79، 80، 81، 83، 85، 87، 89، 92، 101، 102، 105، 107، 126، 130، 133، 134، 149، 150، 154، 155، 157، 160، 162، 163، 169، 171، 172، 175، 193، 195، 196، 197، 201، 205، 208، 212، 216، 220، 226،

ص: 200

233، 234، 235، 239، 250، 251، 255، 262، 263،264، 271، 279، 281، 296، 297، 301، 309، 320، 328، 330، 332، 334، 339، 341، 358، 360، 362، 363، 370، 373، 400، 406، 413، 418، 419، 424، 425، 431، 432، 438، 440، 441، 449، 454، 458، 461، 466، 472، 473، 478، 485، 488، 489، 493، 494، 495، 496، 497، 502، 505، 506، 507، 517، 518، 520، 529، 531، 533، 534، 536، 538، 541، 542، 543، 546، 547، 548، 553، 554، 555، 559، 560، 568، 572، 578، 580، 581، 583، 586، 591، 592، 595، 611، 612، 620، 621، 636، 637، 642، 645، 648، 649، 650، 656، 663، 664، 665، 668، 669، 670، 671، 675، 680، 683، 685، 687، 688، 689، 692، 693، 711، 714، 716، 729، 731، 738، 739، 745، 746، 750، 751، 753، 754، 759، 762، 764، 769، 775، 782، 783، 793، 795، 796، 798، 799، 803، 807، 820، 826، 827، 832، 834، 839، 842، 843، 848، 849، 850، 851، 854، 861، 863، 867، 869.

سابعاً: الضعيف جداً:

18، 25، 68، 72، 75، 93، 127، 169، 178، 191، 200، 210، 221، 230، 256، 269، 273، 307، 327، 365، 379، 381، 412، 415، 421، 442، 474، 481، 483، 515، 524، 528، 582، 621، 623، 632، 665، 708، 732، 742، 844.

ثامناً: الضعيف جداً الذي صح من وجه آخر:

407، 417، 482، 487.

وهذه الأحاديث التي حكمت عليها بشدة الضعف- على قلّتها-

ص: 201

ثلاثة أقسام:

1 -

فقسم محل اجتهاد، وهي الأحاديث التي تتعدد أسباب الضعف فيها، فهذه بعضهم لا يلحقها بالضعيف الذي اشتد ضعفه.

2 -

والقسم الثاني: الأحاديث المُعْضَلَةُ، وهي قليلة العدد؛ لا تتجاوز سبعة أحاديث في هذا القسم.

3 -

والقسم الثالث: الأحاديث التي في سندها رواة اشتدّ ضعفهم، وهم من قيل فيه:((متروك)) أو ((ضعيف جداً))، أو نحو ذلك. فهؤلاء قسمان:

أ- فقسم- وهم الأكثر- من شيوخه الذين لقيهم، وعرف أحوالهم، واطلع على أحاديثهم، فميّز جَيَّدَها من رديئها. ولا شك أن المرء أشد معرفة بحديث شيوخه، وبصحيح حديثهم من ضعيفه ممن تقدم عصرهم.

وبهذا اعتُذر عن البخاري فيما أخرجه في صحيحه من طريق بعض الرواة المُضَعَّفِين

(1)

.

ب- وقسم ضعَّفهم العلماء جداً، لكنهم تساهلوا فيما يروونه مما ليس بمرفوع؛ كجويبر بن سعيد. فكثير من الأحاديث التي حكمت عليها بشدّة الضعف من روايته للتفسير عن الضحاك بن مزاحم، وهذه الرواية تساهل فيها العلماء. قال يحيى بن سعيد القطان:((تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث))، ثم ذكر الضحاك وجويبراً ومحمد بن السائب، وقال:((هؤلاء لا يحمل حديثهم، ويكتب التفسير عنهم))، وقال أحمد بن سيار المروزي:((جويبر بن سعيد كان من أهل بلْخ، وهو صاحب الضحاك، وله رواية ومعرفة بأيام الناس، وحاله حسن في التفسير، وهو ليِّن في الرواية))، وقال الإمام أحمد لما سئل

(1)

كما في النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 288).

ص: 202

عنه: ((ما كان عن الضحاك فهو أيسر، وماكان يسند عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فهو منكر))

(1)

.

وقد يكون سعيد أخرج الحديث من طريق ذلك الراوي الذي اشتد ضعفه لكونه يرى أنه ضعيف فقط، فهو إمام ناقد، وله بعض الاجتهادات في أحوال الرجال؛ كتوثيقه عبد الله بن عبد العزيز الليثي وهو مُضَعَّف

(2)

.

وبهذه الإحصائية يتضح خطأ ما قاله السيوطي في تدريب الراوي

(3)

حين قال: ((من مظان المعضل والمنقطع والمرسل: كتاب السنن لسعيد بن منصور، ومؤلفات ابن أبي الدنيا)). وتابعه على قوله هذا: الكتّاني في الرسالة المستطرفة

(4)

.

ووجه تخطئة السيوطي في كلامه هذا: تخصيصه سنن سعيد بن منصور دون سواها بوجود هذه الأنواع (المعضل والمنقطع والمرسل) بما يفيد كثرتها فيها، وهذا ليس بصحيح؛ فهذا القسم المحقق عدد أحاديثه تسعة وستون وثمانمائة حديث، ولم أجد فيه من المعضل سوى سبعة أحاديث، وهي رقم [72، 75، 191، 230، 415، 483، 515]. وأكثر هذه الأنواع- التي ذكرها- وجوداً في السنن هو المرسل، وعدد الموجود منه في هذا القسم: تسعة وستون حديثاً

(5)

، وهذا إنما يشكل نسبة ثمانية في المائة فقط تقريباً (8%).

وليس وجود المرسل خاصاً بسنن سعيد بن منصور، لأن هناك

(1)

تهذيب التهذيب (2/ 123 - 124).

(2)

انظر (ص 95 - 96) من هذه المقدمة.

(3)

(1/ 214).

(4)

(ص 34).

(5)

كما تقدم (ص 191).

ص: 203

من يشاركه في إخراج كثير من هذه الأحاديث المرسلة، ولم يجعل السيوطي كتابه من مظنَّة المرسل؛ كابن أبي شيبة، فإنه شارك سعيداً في إخراج كثير من هذه الأحاديث المرسلة، كالحديث رقم [30، 33، 53، 55، 57] وغيرها.

هذا مع أن سعيد بن منصور لم يرد أن يجعل كتابه مقصوراً على الأحاديث المرفوعة المسندة، بل أدخل فيه المسند وغير المسند؛ كالموقوف والمرسل والمقطوع، وسبيل هذه واحد عند كل من صنف بناء على ذلك؛ لأنهم يحتجّون بالمرسل والموقوف؛ كالإمام مالك في الموطأ وغيره

(1)

.

ز- مقارنته بطريقة علماء عصره:

لما ابتدأت مرحلة التصنيف في عام ثلاثة وأربعين ومائة

(2)

، كان معظم المصنفات التي صُنِّفت تضمّ أحاديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وما ورد عن الصحابة والتابعين مرتبة على الأبواب، إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك في حدود عام مائتين

(3)

، فصُنِّفت المسانيد التي أفردت أحاديث كل صحابي على حِدَةٍ غير مرتبة؛ فقد تجد حديثاً في النكاح يتلوه حديث في الصلاة، وهكذا، إلى أن جاءت طبقة بعدهم رتَّبت هذه الأحاديث المرفوعة على الأبواب الفقهية لا يخالطها شيء من الآثار عن الصحابة والتابعين في الغالب، كما في صحيحي البخاري

(4)

ومسلم، وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه،

(1)

انظر النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 277 - 279).

(2)

انظر ما تقدم (ص 52 / ق).

(3)

انظر ما تقدم (ص 7 / ق).

(4)

ولا يعني هذا خلوّ صحيح البخاري من الموقوف والمقطوع، فهي موجودة فيه، لكنه أخرجها عن موضوع الكتاب، فساقها في تراجم الأبواب محذوفة الأسانيد عمداً، =

ص: 204

وجامع الترمذي.

ولا يعني هذا انقطاع التصنيف الذي يضم المرفوع والموقوف والمقطوع، بل استمرّ كما في مصنف عبد الرزاق (ت 211 هـ)، وسنن سعيد بن منصور (ت 227 هـ)، ومصنف ابن أبي شيبة (ت 235 هـ)، وسنن الدارمي (ت 255 هـ)، ومصنَّف بقيّ بن مخلد (ت 276 هـ)، فإنها جميعها من الكتب التي صنِّفت على الأبواب، وتضمّ أحاديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وفتاوى الصحابة والتابعين.

وشبه سنن سعيد- في الجملة- بمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ظاهر.

وتقدم ذكر قول ابن حزم

(1)

- وهو يذكر مصنفات بقي بن مخلد-: ((ومنها: مصنَّفه في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم، الذي أربى فيه على مصنف أبي بكر بن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، ومصنف سعيد بن منصور، وغيرها، وانتظم علماً عظيماً لم يقع في شيء من هذه)).

ويظهر هذا الشبه من خلال الكتب التي تضمنَّتها هذه المصنفات الثلاثة.

فكتاب الوضوء

(2)

، والصلاة، والجنائز، والمناسك، والجهاد، والفرائض، والأشربة، والعقيقة، والنكاح، والوصايا، وفضائل القرآن، جميعها من الكتب التي تضمنتها هذه المصنفات الثلاثة، إلا أن عبد الرزاق سمى كتاب الوضوء: كتاب الطهارة، وسماه ابن أبي شيبة:

= يصنع ذلك تنبيهاً واستشهاداً واستئناساً وتفسيراً لبعض الآيات.

انظر النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 278).

(1)

انظر (ص 131 - 132) من هذه المقدمة.

(2)

تقدم ذكر ما عثرت عليه من الكتب التي تضمنتها سنن سعيد بن منصور (ص 140).

ص: 205

كتاب الطهارات

(1)

، وسمى ابن أبي شيبة كتاب الصلاة: كتاب الصلوات، وكتاب المناسك: كتاب الحج.

وكذا كتاب الزكاة، وصلاة العيدين، والصيام، والاعتكاف، واللقطة، والطلاق، جميعها جاءت عند عبد الرزاق أيضاً بهذا الاسم، وأما ابن أبي شيبة فإنه ذكر الأبواب المتعلقة بها، إلا أنه لم يرد عنده اسم الكتاب.

وكتاب الأذان جاء عند ابن أبي شيبة هكذا، وأما عبد الرزاق فإنه أدخله ضمن كتاب الصلاة.

وأما الصيد والحدود والأدب والزهد، فلم ترد عند عبد الرزاق، وهي موجودة عند ابن أبي شيبة.

وأما كتاب صدقة الفطر، فجاء عند عبد الرزاق ضمن كتاب صلاة العيدين وعند ابن أبي شيبة ضمن أبواب الزكاة.

وأما كتاب التفسير، فإن سعيد بن منصور أدخله ضمن السنن، وأفرده كل من عبد الرزاق

(2)

وابن أبي شيبة بتصنيف مستقلّ.

وأما كتاب الجامع فلم يرد عند ابن أبي شيبة، وأما عبد الرزاق فجاء في آخر المطبوع من مصنفه

(3)

: كتاب الجامع، لكن مجرد الاطلاع عليه يدلّ على أنه الجامع لمعمر بن راشد، من رواية

(1)

هذا إذا كانت التسمية منهما، فإن محققي الكتابين وضعا التسمية بين قوسين، فقد يكون ذلك من إضافتهما.

(2)

أما تفسير عبد الرزاق فإنه طبع في ثلاثة أجزاء بتحقيق الدكتور مصطفى مسلم، ونشرته مكتبة الرشد بالرياض عام 1410 هـ.

وأما تفسير ابن أبي شيبة فلا نعلم عنه شيئاً، وقد وصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/ 122) بأنه كبير.

(3)

(10/ 379).

ص: 206

عبد الرزاق عنه.

وثَمَّةَ كتب جاءت عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة، ولم ترد فيما ذكر من كتب السنن، منها عند عبد الرزاق: كتاب الحيض، والجمعة، والمغازي، وأهل الكتاب، والبيوع، والشهادات، والمكاتب، والأيمان والنذور، والولاء، والمواهب، والصدقة، والمدبَّر، والعقول.

وعند ابن أبي شيبة: كتاب الجمعة، والأيمان والنذور، والديات، وأقضية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، والدعاء، والأمراء، والفضائل، والتاريخ، والجنة، وذكر النار، وذكر رحمة الله، والأوائل، والرد على أبي حنيفة، والمغازي، والفتن، والجمل.

هذا عدا الأبواب التي لم يعنون لها ابن أبي شيبة بكتاب، كالبيوع وما يتعلق بها؛ كالرهن، والسلم، والسلف، وغير ذلك كثير.

ولا يعني هذا الجزم بأن هذه الكتب ليست من محتويات السنن؛ لأن الذي ذكر ابن خير الإشبيلي إنما هو بعض كتب السنن، وعليه اعتمدت في معرفة بعض المفقود من كتب السنن كما سبق

(1)

.

هذا بالإضافة إلى أن بعض هذه الكتب التي عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة قد تكون ضمن كتب أخرى، فكتاب الحيض مثلاً عند عبد الرزاق، قد يكون سعيد أدخله في كتاب الوضوء، وكتاب الجمعة عندهما قد يكون سعيد أدخله ضمن كتاب الصلاة، وهكذا.

وأكثر الكتابين شبهاً بسنن سعيد- من حيث محتوى كل كتاب- هو مصنف ابن أبي شيبة؛ يدل على ذلك موافقته له في إخراج كثير من الأحاديث والآثار في الكتب التي يتفقان عليها، بل إنه يتابعه

(1)

انظر ما تقدم (ص 140).

ص: 207

متابعة تامة في كثير من الأحاديث والآثار، لكونهما يتفقان في كثير من الشيوخ.

وقد قمت بعمل مقارنة في كتاب اشترك هؤلاء الثلاثة- عبد الرزاق وسعيد وابن أبي شيبة- في إخراجه، وهو فضائل القرآن.

فقد بلغ عدد أحاديث هذا الكتاب عند سعيد بن منصور: سبعة وستين ومائة حديث

(1)

، أخرج عبد الرزاق منها: اثنين وأربعين حديثاً، بينما أخرج ابن أبي شيبة منها: اثنين وثمانين حديثاً، أي قريباً من ضعف ما أخرج عبد الرزاق، ونصف ما أخرج سعيد.

وفيما يلي ذكر أرقام الأحاديث التي أخرجها كل من عبد الرزاق وابن أبي شيبة مما أخرجه سعيد:-

1 -

ما أخرجه عبد الرزاق:

رقم [4، 7، 9، 14، 16، 17، 18، 21، 30، 47، 62، 77، 81، 83، 84، 89، 90، 97، 100، 101، 110، 113، 117، 118، 119، 120، 124، 131، 134، 135، 139، 142، 143، 146، 147، 149، 151، 155، 158، 161، 162، 164].

2 -

ما أخرجه ابن أبي شيبة:

رقم [1، 3، 4، 6، 7، 8، 10، 12، 14، 15، 16، 18، 21، 22، 24، 27، 28، 29، 30، 32، 33، 34، 35، 37، 39، 43، 44، 45، 47، 48، 51، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 62، 63، 71، 80، 81، 82، 83، 84، 85، 87، 89، 91، 92، 97، 104، 110، 111، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 128، 131، 134، 137،

(1)

بداية هذا الكتاب (ص 7)، ونهايته (ص 503) من هذا القسم المحقق.

ص: 208

140، 142، 143، 146، 147، 149، 151، 152، 155، 156، 157، 158، 164، 166] .

وبرغم اتفاق سعيد وابن أبي شيبة على إخراج هذه الكمية من الأحاديث والآثار في هذا الكتاب، فإن ابن أبي شيبة رتبها وغيرها على أبواب، بينما سردها سعيد بلا تبويب.

وفيما يلي ذكر لتراجم الأبواب التي ذكرها ابن أبي شيبة لهذه الأحاديث والآثار التي اتفق هو وسعيد على إخراجها، وفيه دلالة على أنه كان بإمكان سعيد أن يترجم بها، أو بما يشبهها من التراجم.

فمن تلك الأبواب التي ذكرها ابن أبي شيبة في كتاب فضائل القرآن:

باب ما جاء في إعراب القرآن، وباب ثواب من قرأ حروف القرآن، وباب في حسن الصوت بالقرآن، وباب في فضل من قرأ القرآن، وباب ما فسر بالشعر من القرآن، وباب في تعاهد القرآن، وباب في نسيان القرآن، وباب من كره أن يتأكَّل بالقرآن، وباب في التمسك بالقرآن، وباب التنطع بالقراءة، وباب في الماهر بالقرآن، وباب في الرجل إذا ختم ما يصنع، وباب من قال: يشفع القرآن لصاحبه يوم القيامة، وباب من قال لصاحب القرآن: اقرأ وارقه، وباب فيمن تعلم القرآن وعلّمه، وباب في الوصية بالقرآن وقراءته، وباب من قرأ مائة آية أو أكثر، وباب من كره أن يقول: قرأت القرآن كله، وباب من كره أن يفسر القرآن، وباب من كره أن يتناول القرآن عند الأمر بعرض من أمر الدنيا، وباب القرآن على كم حرف نزل، وباب في القراءة يسرع فيها، وباب من نهى عن التماري في القرآن، وباب في القرآن متى نزل، وباب في رفع القرآن والإسراء به، وباب من قال: عظِّموا القرآن، وباب في المصحف يُحَلَّى، وباب التعشير في

ص: 209

المصحف، وباب من قال: جرِّدوا القرآن، وباب من كره أن يقرأ بعض الآية ويترك بعضها، وباب في القرآن يختلف على الياء والتاء، وباب في درس القرآن وعرضه، وباب في قراءة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على غيره.

5 -

الزيادات عليه:-

جرت عادة بعض رواة كتب بعض الأئمة أن يقوم الراوي بزيادة أحاديث من مروياته في الكتاب الذي يرويه، كزيادات عبد الله بن الإمام أحمد على المسند والزهد وفضائل الصحابة لأبيه، وزيادات القطيعي الراوي عن عبد الله أيضاً، وزيادة بعض رواة سنن أبي داود، وغيرها.

وهكذا محمد بن علي الصائغ الراوي للسنن عن سعيد بن منصور، له بعض الزيادات اليسيرة، والذي عثرت عليه منها- على عَجَلٍ- حديثان في القسم الذي حققه الشيخ الأعظمي.

الحديث الأول جاء هكذا: حدثنا محمد، ثنا محمد بن معاوية، قال: نا ابن لهيعة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نوفل، عن عروة بن الزبير قال: قالت لنا أسماء بنت أبي بكر: يا بَنِيَّ وبَني بَنِيَّ، إن هذا النكاح رِقّ، فلينظر أحدكم عند من يُرِقّ كريمته

(1)

.

والحديث الثاني جاء هكذا: حدثني محمد، قال: حدثني أبو عمرو سهل بن زنجلة الرازي، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عن الأوزاعي، قال: سألت الزهري: أيّ أزواج رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التي استعاذت منه؟ فقال: حدثني عروة، عن عائشة، أن ابنة الجون الكلابية، لما دخلت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فذهب يدنو منها، فقالت: عائذاً بالله، فقال:((عذت بعظيم، ضُمِّي ثيابك، والحقي بأهلك))

(2)

.

(1)

المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1/ 149 رقم 591)، وهو في المخطوط الذي عندي كذلك (ل 21 / أ).

(2)

المطبوع من السنن أيضاً (1/ 206 رقم 832)، والمخطوط (ل 28 / ب).

ص: 210

6 -

مميزاته:

لقد حرص العلماء على الظفر بسنن سعيد بن منصور وروايتها، ولذا تعددت طرقها عن المصنِّف وتلاميذه فمن بعدهم

(1)

.

ويعود هذا الحرص والاهتمام بالكتاب إلى ما له من مميزات سأوجزها فيما يلي:

1 -

مكانة المؤلف العلمية، فهو أحد الأئمة الحفاظ المتقنين الذين أخرج لهم الجماعة أصحاب الكتب الستة، وممن تتلمذ عليه كبار الأئمة الحفاظ؛ كالإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم

(2)

.

ولذلك لما صنَّف أبو نعيم كتابه ((تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً))، ذكر السبب الباعث له على تصنيف كتابه هذا فقال

(3)

: ((وحملني على ذلك: قِدَمُ وفاة سعيد بن منصور، وموضعه من التوثُّق والفضل، وهو سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، ثبت صدوق، حدَّث عنه الكبار من الحفاظ والمتقنين)).

ويقول الذهبي: ((من نظر سنن سعيد بن منصور عرف حفظ الرجل وجلالته))

(4)

.

2 -

قيمة الكتاب العلمية، وتتجلَّى في:

أ- كونه من الكتب القليلة التي تعنى بتخريج الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بالإضافة للأحاديث المرفوعة. ولا يخفى ما

(1)

كما تقدم (ص 139 - 144).

(2)

(ص 85 / ق - 91 / ق).

(3)

(ص 25 - 26).

(4)

تاريخ الإسلام (ص 186 / وفيات 221 - 230).

ص: 211

لتخريج الآثار من الأهمية، فإنها تعكس لنا ما كان عليه السلف من العمل في العقائد والأحكام وغير ذلك.

ب- ما يمتاز به الكتاب من علو الإسناد؛ لما منّ الله به على المؤلف من طول العمر، حتى إنه أدرك شيوخاً لم يدركهم بعض من اتفق معه في سنة الوفاة أو قاربها. وقد بلغ من حرص العلماء على الظفر بعلو الإسناد: أن الكثير منهم كان يرحل المسافات الطويلة لأجل ذلك.

ومن أمثلة العلوّ في هذ السنن: الأحاديث الثلاثية من طريق بعض الصحابة، كأبي هريرة، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.

فالحديث الآتي برقم [167] رواه المصنف عن شيخه أبي مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سعيد المَقْبُرِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

والحديث رقم [223] رواه المصنف عن شيخه أبي الأحوص، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ومثله الحديث رقم [224] رواه من طريق شيخه حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إسحاق السبيعي، عن البراء، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

والحديث الآتي رقم [366] أخرجه المصنف عن شيخه أبي عَوَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عن جابر رضي الله عنه في سبب نزول قَوْلُهُ تَعَالَى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}

(1)

.

وانظر أيضاً الحديثين رقم [645، 809].

والحديث الآتي رقم [683] أخرجه المصنف عن شيخه سفيان بن عيينة، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَأَى ابن أم مكتوم

(1)

الآية (223) من سورة البقرة.

ص: 212

فِي بَعْضِ مَوَاطِنِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَهُ لواء المسلمين.

وانظر أيضاً الحديثين رقم [27، 718].

والحديث الآتي رقم [492] أخرجه المصنِّف عن شيخه حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى الْأَبَحُّ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

جـ- تفرُّد المصنِّف ببعض الآثار التي لا توجد عند غيره- حسب بحثي-، ولذلك يقول ابن نقطة في ترجمة سعيد بن منصور-:((وصنَّف كتاب السنن، وجمع فيها من أقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم ما لم يجمعه غيره))

(1)

.

ومن أمثلة ذلك: الحديث رقم [203] أخرجه المصنِّف بسند صحيح من طريق شيخه سفيان بن عيينة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَيْفَ نَقْرَأُ: {واتَّبِعُوا}

(2)

، أَوِ:{اتَّبَعُوا} ؟ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، اقْرَأْ قِرَاءَتَكَ الأولى.

فهذا الحديث برغم صحة سنده، وبرغم أنه يتعلق بقراءةٍ من القراءات التي لم ترد- حسب علمي- عن غيره، لم أجد من رواه أو ذكره.

وانظر أمثلة كثيرة فيما يظهر أن المصنف تفرَّد به في الأحاديث رقم: [49، 59، 75، 78، 96، 107، 163، 182، 196، 197، 202، 216، 217، 228، 271، 272، 310، 360، 423، 470، 471، 472، 477، 541، 548، 553، 569، 573، 583، 586، 627، 635، 671، 714، 752، 847].

(1)

التقييد (2/ 17).

(2)

الآية (102) من سورة البقرة.

ص: 213

د- إخراج المصنف بعض الآثار التي يشاركه فيها بعض أصحاب المصنفات المفقودة، كعبد بن حميد وابن المنذر في تفسيريهما.

ومن أمثلة ذلك الحديثان الآتيان برقم [529، 530].

هـ- تفرد المصنِّف ببعض الطرق التي تقوِّي طرقاً أخرى، أو تفيد في كشف علّة لبعض الطرق، أو ترجِّح بض الطرق حال وجود اختلاف في بعض الأحاديث.

ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه البخاري في صحيحه

(1)

عن شيخه عمرو بن عون، قال: حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عكرمة قال: رأيت رجلاً عند المقام يكبِّر في كل خفض ورفع، وإذا قام، وإذا وضع، فأخبرت ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قال: أَوَليس تلك صلاة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لا أُمَّ لك؟.

فهذا الحديث في سنده هشيم وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع من شيخه أبي بشر، لكن قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري

(2)

: ((قوله: عن أبي بشر، صرَّح سعيد بن منصور عن هشيم بأن أبا بشر حدَّثه)).

ومن ذلك أيضاً: ما أخرجه الإمام أحمد وغيره

(3)

عن زيد بن الحباب، عن إسماعيل بن مسلم، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ردد آية حتى أصبح.

فهذا الحديث من نظر إليه بهذا السياق حكم عليه بالصحة، أو بالحُسْن على الأقل، لثقة رجاله، عدا زيد بن الحباب فمختلف فيه

(4)

.

(1)

في كتاب الأذان، باب إتمام التكبير في السجود (2/ 271 رقم 787).

(2)

(2/ 271).

(3)

انظر تخريجه في الحديث الآتي رقم [160].

(4)

انظر ترجمته في الحديث [160] أيضاً.

ص: 214

لكن للحديث علَّة كشفتها رواية سعيد بن منصور للحديث؛ فإنه أخرجه برقم [160] من طريق شيخه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكل الناجي، مرسلاً.

وهذا أصوب؛ لأن عبد الله بن المبارك أوثق من زيد بن الحباب.

ومن ذلك أيضاً: ما أخرجه الإمام أحمد في المسند والترمذي وابن جرير وغيرهم

(1)

من طريق عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان ووكيع وأبي نعيم، جميعهم عن سفيان الثوري، عن أبيه سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضحى، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمْ: أَبِي وَخَلِيلُ رَبِّي))، ثُمَّ قَرَأَ:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهذا النبي}

(2)

.

والحديث بهذه الصفة يكون ضعيفاً للانقطاع بين أبي الضحى وابن مسعود، والواقع أنه صحيح؛ لأنه رواه عن سفيان الثوري كل من أبي أحمد الزبيري، ومحمد بن عبيد الطنافسي، والواقدي، وروح بن عبادة، فقالوا: عن سفيان، عن أبيه، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عن ابن مسعود.

فدلّ هذا على أن هناك اختلافاً على سفيان في وصله وقطعه، والاختلاف من سفيان نفسه كما أوضحه الشيخ أحمد شاكر

(3)

، والصواب وصله؛ فإن سفيان قد توبع على وصله.

فأخرجه سعيد بن منصور- كما سيأتي- برقم [501] عن شيخه أبي الأحوص سلاّم بن سليم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أبي الضُّحى،

(1)

انظر تخريجه في الحديث الآتي برقم [501].

(2)

الآية (68) من سورة آل عمران.

(3)

انظر تفصيل ذلك كله في الحديث رقم [501].

ص: 215

عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، به.

وهذا إسناد صحيح كما هو مبين في تخريج الحديث والحكم عليه.

و كبر الكتاب، وكثرة حديثه، وشهرته، وندرته، وأهمية موضوعه.

قال الخطيب البغدادي في ترجمة سعيد: ((وله كتاب في السنن والأحكام كبير، وحديثه كثير مشهور))

(1)

.

وقال ابن كثير: ((سعيد بن منصور صاحب السنن المشهورة التي لا يشاركه فيها إلاالقليل))

(2)

.

ويدل على هذه الأهمية للكتاب: حرص أصحاب الكتب على رواية حديثه، ومن أمثلة ذلك: الحديث الآتي برقم [681]، وهو حديث طويل أخرجه سعيد من طريق شيخه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، في سبب نزول قوله تعالى:{غير أولي الضرر}

(3)

.

فهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات، وأبو داود في سننه، والحاكم في المستدرك، ثلاثتهم من طريق المصنِّف سعيد بن منصور

(4)

به.

ومثله الحديث رقم [686]، وهو حديث طويل أيضاً أخرجه المصنِّف من طريق شيخه جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عن أبي عياش الزُّرَقي، في صفة صلاة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لصلاة الخوف بعسفان.

فهذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه، والطبراني في المعجم

(1)

المتفق والمفترق (ل 110 / أ).

(2)

البداية والنهاية (10/ 299).

(3)

الآية (95) من سورة النساء.

(4)

كما هو مبين في تخريج الحديث رقم [681].

ص: 216

الكبير، والدارقطني في سننه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في سننه، جميعهم من طريق المصنِّف، به

(1)

.

ومثله الحديث الذي أخرجه المصنِّف في كتاب الزهد

(2)

فقال: نا حجر بن الحارث الغساني- من أهل الرَّملة-، عن عبد الله بن عوف الطائي- وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على الرملة-، أنه شهد عبد الملك بن مروان قال لبشر بن عقربة الجهني يوم قتل عمرو بن سعيد: يا أبا اليمان، إني قد احتجت اليوم إلى كلامك، فَتَكَلَّمْ، فقال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:((من قام بخطبة لا يلتمس فيها إلا رياء وسمعة، وقفه الله عز وجل موقف رياء وسمعة)).

فهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات

(3)

، والإمام أحمد في المسند

(4)

، والبخاري في التاريخ الصغير

(5)

، والدولابي في الكنى

(6)

، والطبراني في المعجم الكبير

(7)

، وأبو نعيم في تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً

(8)

، وابن عساكر في تاريخه

(9)

، جميعهم من طريق سعيد بن منصور، به.

ز- ما يمتاز به الكتاب من جودة الأسانيد، وتقدم

(10)

ذكر إحصائية

(1)

كما هو مبين في تخريج الحديث رقم [686].

(2)

(ل 204 / أ).

(3)

الطبقات لابن سعد (7/ 429).

(4)

مسند الإمام أحمد (3/ 500).

(5)

التاريخ الصغير للبخاري (1/ 159).

(6)

الكنى والأسماء للدولابي (1/ 94).

(7)

المعجم الكبير للطبراني (2/ 29 رقم 1227).

(8)

تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً لأبي نعيم (ص 46).

(9)

تاريخ دمشق لابن عساكر (3/ 376).

(10)

(ص 199) من هذه المقدمة.

ص: 217

لعدد الأحاديث الصحيحة والحسنة، وبينت أن الأحاديث المقبولة بلغت نسبة سبعين في المائة (70%)، نسبة الصحيح منها (لذاته ولغيره) بلغت ثلاثة وستين في المائة تقريباً (63% تقريباً) منها أحاديث على شرط الشيخين أو أحدهما، ومنها أحاديث مروية بأصحّ الأسانيد.

فالحديث رقم [34] مثلاً على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

والحديث رقم [16] على شرطهما وأخرجاه.

والحديث رقم [215] على شرطهما وأخرجه البخاري.

والحديث رقم [187] على شرطهما وأخرجه مسلم.

وأما أصح الأسانيد، فمنها على سبيل المثال: الحديث رقم [131] مروي بأصح الأسانيد إلى عائشة رضي الله عنها: سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة عنها رضي الله عنها

(1)

.

والحديث رقم [809] مروي بأصح أسانيد المكيين: سفيان بن عيينة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جابر رضي الله عنه

(2)

.

والحديث رقم [840] مروي بأصح الأسانيد إلى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم، عنه رضي الله عنه

(3)

.

وهكذا في جملة كبيرة.

حـ- الاستفادة من تعقيبات سعيد بن منصور على الأحاديث، وهي تعقيبات لها قيمتها لكونها صادرة من إمام، وسبق ذكر نماذج منها

(4)

.

ط- قلة روايته للإسرائيليات في تفسيره.

(1، 2، 3) انظر كتاب النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 256 - 258).

(4)

انظر (ص 102 - 104) من هذه المقدمة.

ص: 218

7 -

بعض المآخذ عليه:

ومع ما تقدم من ذكر ما للكتاب من المميزات، فهناك بعض المآخذ عليه، ومنها:

أ- فيما يتعلق بالتبويب، يؤخذ عليه ما تقدم ذكره

(1)

من أنه يخلي بعض الكتب من سننه أحياناً من التبويب كما صنع في فضائل القرآن.

وتتكرر عنده أحياناً بعض تراجم الأبواب التي كان بإمكانه ضَمُّ بعضها إلى بعض.

ويخلي بعض الأبواب أحياناً من الترجمة.

ب- إخلاله أحياناً بترتيب بعض الأحاديث التي تتعلق بتفسير الآيات التي يتطرق لتفسيرها في كتاب التفسير، مما ألجأني إلى ترتيب تلك الأحاديث ترتيباً يتفق مع ترتيب الآيات

(2)

.

جـ- ومما يؤخذ على الكتاب أيضاً: ما يقع للمصنف من الأوهام في بعض الأحيان، والشكّ في أحيان أخرى.

فمن أمثلة وهمه: الحديث الآتي برقم [695]، فإنه رواه عن شيخه سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ الثقفي في تفسير قوله تعالى:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}

(2)

.

فهذا الحديث وهم فيه سعيد بن منصور كما قال الدارقطني

(3)

،

(1)

(ص 189 - 190) من هذه المقدمة.

(2)

وهي مواضع ليست كثيرة، فانظر ما سيأتي (ص 772، 1063، 1065، 1066، 1073، 1074، 1075، 1076، 1084 - 1085، 1088، 1089، 1268، 1270، 1285، 1371، 1401، 1660).

(2)

الآية (123) من سورة النساء.

(3)

انظر كلامه بتمامه في التعليق على الحديث رقم [695].

ص: 219

وصوابه: عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زهير بدل: ابن عمارة بن رويبة.

ومن أمثلة شكِّه: الحديث الآتي برقم [36]، فإن المصنِّف شكّ فيه في الصحابي، هل هو عبد الله بن عمر أو عبد الله بن عمرو، وصوابه: ابن عمرو كما مبين في تخريج الحديث.

ومثل هذا الوهم والشك لم يكثر من المصنِّف حتى يقدح فيه، بل هو مما يقع مثله له ولغيره من الحفاظ، وتقدم الكلام عن ذلك

(1)

.

د- عدم ذكره للآيات التي يتطرق لتفسيرها، وقد قمت باستدراك ذلك.

هـ- إخراجه بعض الأحاديث من طريق بعض الرواة الذين اشتدّ ضعفهم؛ كالحكم بن ظهير وعمرو بن ثابت الحدّاد وأضرابهما إلا أنه يمكن أن يجاب عن ذلك بما سبق أن بيّنته من أن بعض هؤلاء الرواة من شيوخ المصنِّف الذين عرفهم واطلع على أحاديثهم فميَّز جيِّدها من رديئها، وبعضهم محل نظر من حيث الحكم عليهم بشدة الضعف من عدمه.

6 -

التعريف بنسخ الكتاب:

يوجد للكتاب- حسب علمي- ثلاث نسخ:

النسخة الأولى: نسخة كاملة موجودة في الخزانة الألمانية، مكتوبة بخط الشوكاني رحمه الله، ذكر ذلك المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي

(2)

. وعمدة المباركفوري في ما ذكره: ما جاء في فهرسٍ كَتَبَهُ رجل هندي ذكر أنه زار هذه المكتبة، وانتخب من موجوداتها بعض العناوين، ومنها سنن سعيد بن منصور، وذكر أنها بخط الشوكاني،

(1)

(ص 113) من هذه المقدمة.

(2)

انظر ما تقدم (ص 9 / ق).

ص: 220

إلا أننا لا نعلم شيئاً عن هذه النسخة حتى الآن، وسمعت بعض المهتمّين بالمخطوطات يكذب ما جاء في هذا الفهرس، فالله أعلم.

النسخة الثانية: هي النسخة التي اعتمدها الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في ما نشره من هذه السنن، وهي نسخة مكتبة كوبريلي التي اكتشفها الدكتور محمد حميد الله. وذلك أنه كان يدرس بإستنابول عام 1380 هـ، وأثناء اشتغاله ببعض أموره العلمية في مكتبة محمد باشا كوبريلي، طلبت منه إدارة المكتبة مساعدتها في ترتيب بعض المخطوطات، ومنها المجلدات من رقم 438 إلى رقم 444 التي جاء في فهرس المكتبة المذكورة أنها نسخة أخرى لكتاب مشكاة المصابيح.

فلما تصفّح الدكتور حميد الله هذه المجلدات، وجد مكتوباً على ناصية المجلد رقم 438 ما نصه:((مصنف ابن أبي شيبة))، وعلى رقم 439 ما نصه:((المجلد الرابع. غلط. صح: المجلد الثالث))، وعلى المجلدات من 440 إلى 444 أيضاً:((مصنف ابن أبي شيبة))، وبعد أن بذل جهداً في المقابلة بين نسخ مصنف ابن أبي شيبة، تبين له أن رقم 439 ليس من مصنف ابن أبي شيبة، وإنما هو سنن سعيد بن منصور

(1)

، فأخذه ودفعه لمحمد ميان السملكي، الذي دفعها بدوره للشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. لكن هذه النسخة ناقصة، وتشكل فقط المجلد الثالث الذي يبدأ بكتاب الفرائض، وينتهي بنهاية كتاب الجهاد.

النسخة الثالثة: هي النسخة التي اعتمدت عليها في تحقيق هذا

(1)

انظر تفاصيل اكتشافه في مقدمة المطبوع من سنن سعيد بن منصور بتحقيق الأعظمي (1/ 2 - 7).

ص: 221

القسم، وقد عثرت عليها في مكتبة الشيخ محمد بن سعود الصبيحي كما أسلفت

(1)

.

وهي نسخة ناقصة تشكِّل- فيما يظهر- نصف السنن، وتقع في مجلد كبير عدد صفحاته سبعون وأربعمائة صفحة (235 ورقة)، يبدأ بكتاب الفرائض، وينتهي بنهاية السنن، فهو يضمّ القسم المطبوع الذي حققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي بأكمله وزيادة. وهذه الزيادة تبدأ بفضائل القرآن، ثم كتاب التفسير، ثم كتاب الزهد، وهو آخر السنن.

وهذه النسخة مكتوبة بخط رقعة جيد، ناسخها هو: مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري

(2)

سنة أربع وثمانين وسبعمائة للهجرة.

تضم الصفحة الواحدة من هذه النسخة خمسة وعشرين سطراً، وفي السطر الواحد ثلاث وعشرون كلمة تقريباً.

وقد تعرّضت الورقتان الأولى والأخيرة من هذه النسخة للتلف، إلا أن صاحب النسخة- الشيخ الصبيحي- أخبرني أنه استدرك ذلك، فنسخها قبل تلفها.

والورقة الأولى ضمن المطبوع، وأما الأخيرة، فقد طلبت من صاحب النسخة- مؤخراً- تصويرها لي مع ما فيها من تلف، فأجاب مشكوراً.

والناسخ لهذه النسخة من العلماء المشهورين- كما سيأتي في ترجمته-، ولذا فإن التصحيف في النسخة قليل جداً، لكن يبقى ما

(1)

انظر (ص 10 / ق) من هذه المقدمة.

(2)

ستأتي ترجمته.

ص: 222

لا يسلم منه عالم ولا غيره، وهو السقط، الذي لا يمكن التحرُّز منه إلا بالمقابلة، وهذا هو عيب هذه النسخة، فإنها مع كونها قليلة التصحيف، فإنها كثيرة السقط؛ لكونها لم تقابل- فيما يظهر-. وكم بذلت من الجهد في استدراك ما سقط، فوفِّقتُ بحمد الله في كثير منه كما سيأتي في طريقة العمل في الكتاب، وبقي منه مواضع قليلة لم أستطع تداركها، فعسى أن يتيسر ذلك.

ولا يعني هذا أنه ليس في النسخة استدراكات وتصويبات، بل هناك أشياء استدركت وصوِّبت في الهامش، إلا أن الذي لم يصوب كثير، فانظر مثلاً الأحاديث رقم [26، 36، 37، 40، 41، 45، 62، 73، 76، 121، 122، 124، 137، 138، 150، 157، 368، 376، 377، 405، 438، 465، 706] وغيرها.

وجاء في أول هذه النسخة ما نصه: ((بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. رب يسر، وأعن، وتمم، واختم لنا بخير يا كريم. أخبرنا الشيخ الْحَافِظُ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بن المبارك

))، وساق إسناد النسخة

(1)

.

وفي آخر كتاب الجهاد الذي هو آخر المطبوع بتحقيق الشيخ الأعظمي جاء في هذه النسخة

(2)

ما نصه: ((آخر كتاب الجهاد، يتلوه إن شاء الله تعالى فضائل القرآن)).

وهذه العبارة: ((يتلوه إن شاء الله تعالى فضائل القرآن)) لم ترد في النسخة التي اعتمدها الشيخ الأعظمي

(3)

.

(1)

وهو نفس الإسناد الذي على النسخة التي اعتمدها الشيخ الأعظمي فيما طبعه من السنن (1/ 1).

(2)

(ل 104 / أ).

(3)

انظر المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (2/ 377).

ص: 223

وفي آخر هذا المجلد ما نصه: ((آخر كتاب السنن. الحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه، ويكافيء مزيده، على كل حال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته، وأهل بيته، وعلى إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد. وافق الفراغ من تعليق هذه النسخة المباركة من أولها إلى آخرها 4

(1)

شهر الله الحرام، عام 784

(2)

، على يد فقير رحمة ربه وراجيها، وشفاعة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري، الصخاوي، غريب الديار، بقرية. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(3)

من المرج القبلي بدمشق، حامداً مصلياً مسلماً)).

وليس على هذه النسخة سماعات. ويظهر أنها والنسخة التي اعتمدها الشيخ الأعظمي فيما طبعه من السنن نسختا عن أصل واحد، بدليل أن سندهما واحد

(4)

، وتاريخ نسخهما متقارب

(5)

ومكانهما واحد

(6)

، ونجد كثيراً من الأخطاء التي ترد في إحداهما موجوداً في الأخرى كذلك

(7)

.

وفيما يلي ترجمة للناسخ لهذه النسخة، يتلوه نماذج من المخطوط:

(1، 2) كتابة الأربعة عند الناسخ تشبه العين هكذا: ((عـ)).

(3)

الناسخ يسكن قرية عقربا كما سيأتي في ترجمته، لكن المكتوب لا يشبه رسم هذه الكلمة، وقد تعسّر عليّ قراءة الكلمة موضع النقط.

(4)

انظر ما تقدم (ص 163).

(5)

فهذه النسخة كتبت سنة أربع وثمانين وسبعمائة كما تقدم، بينما كتبت الأخرى سنة خمس وعشرين وسبعمائة.

انظر المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (2/ 377).

(6)

فكلاهما نسخ في مرج دمشق كما تقدم وكما في الموضع السابق من المطبوع من السنن.

(7)

انظر ما سيأتي من مقارنة المخطوط بما طبع بتحقيق الأعظمي في آخر الرسالة.

ص: 224

ترجمة ناسخ المخطوطة

هو مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري، السخاوي، سعد الدين الشافعي، المصري، نزيل دمشق

(1)

.

ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة.

قال الحافظ ابن حجر: ((وطلب بعد كبره، فقرأ على صلاح الدين العلائي، وولي الدين المنفلوطي، وبهاء الدين بن عقيل، والأسنوي، وغيرهم.

ومهر في الفرائض والميقات، وكتب بخطِّه الكثير لنفسه ولغيره، ثم سكن دمشق، وانقطع بقرية عقربا، وكان الرؤساء يزورونه وهو لا يدخل البلد، مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه. وكان ديِّناً متقشِّفاً، سليم الباطن، حسن الملبس، يستحضر الكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم، دميم الشكل جداً رحمه الله. وله كتاب في الأذكار سمّاه: بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح. ومات بقرية عقربا شهيداً بالطاعون سنة تسع عشرة- يعني وثمانمائة-))

(2)

.

وذكره ابن فهد في من توفي بدمشق في سنة تسع عشرة وثمانمائة، فقال: ((والزاهد المحدِّث سعد الدين مساعد بن شاري

(3)

بن مسعود الهواري))

(4)

.

(1)

انظر ترجمته في إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر (7/ 248 - 249)، ولحظ الألحاظ لابن فهد (ص 267 - 268)، والضوء اللامع للسخاوي (10/ 155)، وشذرات الذهب لابن العماد (7/ 143).

(2)

إنباء الغمر (7/ 248 - 249).

(3)

كذا جاء في لحظ الألحاظ بالشين المعجمة، وفي باقي المصادر بالسين المهملة.

(4)

لحظ الألحاظ (ص 267 - 268).

ص: 225

وقال السخاوي: ((ذكره شيخنا- يعني ابن حجر- في أنبائه، وتبعه المقريزي في عقوده، وهو ممن أجاز لشيخنا الزَّمْزَمي في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة))

(1)

.

* * *

(1)

الضوء اللامع (10/ 155).

ص: 226

أول صفحة من المخطوط وهي بخط صاحب النسخة الشيخ محمد بن سعود الصبيحي

وهي أول المطبوع بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

ص: 227

آخر صفحة من القسم الذي طبع بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

ص: 228

بداية القسم المحقق

ص: 229

الورقة الأخيرة من المخطوطة وهي آخر السنن

ص: 230

‌القسم الثاني

طريقة العمل في الكتاب

ص: 231

طريقة العمل في الكتاب

1-

قمت بنسخ المخطوط ومقابلته.

2-

ضبطت النص وفق قواعد الإملاء الحديثة؛ لأن الناسخ أخلّ بهذه القواعد في بعض المواضع، فتجده يكتب ((إسحاق)) هكذا ((إسحق)) ، و ((معاوية)) هكذا ((معوية)) ، و ((أبو الضحى)) هكذا ((أبو الضحا)) ، و ((يخشى)) هكذا:((يخشا)) ، ولا يكتب الهمزة، وإذا كان أصلها ياء أرجعها إلى أصلها، فيكتب ((عجائبه)) هكذا:((عجايبه)) ، ويكتب العدد رقماً، فتجده يكتب ((ستة مساكين)) هكذا:((6 مساكين)) .

3-

صوبت ما أخطأ فيه الناسخ من الآيات، كالحديث الآتي برقم [283]، فإنه كتب قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تأتوا البيوت} هكذا: {ليس البر

} ، وفي الحديث رقم [292] كتب قوله تعالى:{فمن كان منكم مريضاً} هكذا: {ومن كان منكم مريضاً} .

4-

نظراً لكون النسخة وحيدة، ولم يقم ناسخها بمقابلتها بعد نسخها- كما سبق بيانه-، فقد تعدد فيها السقط، بالإضافة إلى ما لا تكاد تخلو منه نسخة خَطِّيَّة من تصحيف أو تحريف أو خطأ لغوي، فلا يخفى على بصير بهذا العلم أن المعاناة مع النسخة الوحيدة التي هذا شأنها تكون صعبة. ولقد بذلت قُصَارى جُهدي في محاولة توثيق النص وضبطه؛ وذلك بالتوسع في التخريج ما أمكنني، ومحاولة معرفة ما إذا كان المصنِّف قد أخرج الحديث في مكان آخر من السنن، أو ما إذا كان هناك من أخرج الحديث من طريقه، أو نقله عنه. وقد وُفِّقتُ في هذا كثيراً- بحمد الله-، مع أن هناك بعض المواضع- وهي قليلة- لا يزال الغموض يَكْتَنِفُها.

ص: 233

وميّزت ما قمت بتصويبه أو استدراكه؛ بجعله بين قوسين، مع الإشارة في الحاشية إلى ما هو موجود في الأصل الذي اعتمدته، والمرجع الذي صوّبت أو استدركت منه.

5-

وضعت خطّاً مائلاً هكذا (/) للدلالة على موضع ابتداء الصفحة في المخطوط، وأضع بحذائه في الهامش رقم اللوحة والوجه منها. فمثلاً:[ل 123 / ب] يعني الوجه الثاني (الأيسر) من اللوحة (الورقة) الثالثة والعشرين بعد المائة، وهكذا.

6-

قمت بترقيم الأحاديث ترقيماً متسلسلاً، من بداية القسم الذي قمت بتحقيقه، وهو يبتديء بفضائل القرآن، وينتهي بنهاية تفسير سورة المائدة، فبلغ عدد الأحاديث [869] حديثاً.

وقد اعتبرت الإسناد في الترقيم، مع غضّ الطرف عن المتن؛ لأن المتن الواحد قد يرد بأسانيد متعددة، فأعتبره بعدّة تلك الأسانيد.

7-

دراسة الإسناد: قمت بالترجمة لرجال الإسناد؛ فأضع رقماً فوق اسم الراوي الذي لم أترجم له سابقاً، ثم أترجم له في الهامش، فأذكر اسمه كاملاً، ونسبه، ولقبه، وكنيته، وبلده- بحسب ما أجده من ذلك-، ثم أذكر عدداً من أشهر شيوخه وتلاميذه، مع الحرص على أن يكون المذكور في الإسناد منهم، ثم أذكر خلاصة الحكم عليه، وأتبعه بالبيان؛ وذلك بذكر أهم أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه، ثم أذكر سنة وفاته وولادته إن وجدتا، أو إحداهما، وإلا ذكرت طبقته التي ذكرها الحافظ ابن حجر في التقريب، إن كان الراوي من المذكورين فيه. وإن كان روى له الجماعة أصحاب الكتب الستة بيَّنت؛ لأنه مما يزيد الراوي توثيقاً، وإلا أهملته. ثم أذكر المصادر التي استقيت منها ترجمة ذلك الراوي.

وإذا كان الراوي من المُخْتَلَفِ فيهم، واستطعتُ الترجيح والمناقشة

ص: 234

فعلتُ.

وفي معظم الأحيان أختار خلاصة الحكم على الراوي مما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في التقريب إن كان الراوي من رجال الكتب الستة ووجدت حكم الحافظ عليه مناسباً لأقوال النقاد فيه، وإلا اجتهدت في ذكر خلاصة الحكم عليه مع التعليل ما أمكن ومحاولة الاعتماد على غير ابن حجر- إن أمكن، وكان ذلك مناسباً-؛ كالحافظ الذهبي في الكاشف أو غيره.

وإن كان الراوي مدلِّساً أو مختلطاً بيَّنت حكم روايته من حيث القبول أو الردّ، وإن كان فيها تفصيل بيَّنته، مع الاعتماد على تقسيم الحافظ ابن حجر للمدلِّسين في كتابه ((طبقات المدلسين)) ، إلا أن يكون الراوي ممن يحتاج إلى تفصيل في روايته أكثر مما ذكره ابن حجر في الطبقات كالأعمش، فإني لا أعتمد حينذاك على حكمه عليه في الكتاب المذكور.

8-

قمت بالتعليق على ما يحتاج إلى تعليق- حسب اجتهادي-، وذلك بوضع رقم على موضعه في المتن، والتعليق في الحاشية. وقد أجعل التعليق تذييلاً بعد الانتهاء من تخريج الحديث والحكم عليه؛ معنوناً له بـ:((تنبيه)) ، أو:((فائدة)) .

9-

بعد ذلك أضع رقم الحديث- الذي في الأصل- في الحاشية، ثم أصدِّر الكلام عليه بالحكم عليه حسب قواعد أهل الاصطلاح، وحسب ما أدى إليه نظري، متجشِّماً الصعاب، فأسأله سبحانه إقالة العثرة ومغفرة الزلَّة.

والحكم الذي أذكره- باديء ذي بدء- إنما هو على إسناد المصنِّف، فإن كان صحيحاً اكتفيت بذلك، وإن كان دون الصحيح وله شواهد أو متابعات يرتقي بها، بيَّنت ذلك عقب حكمي على إسناد

ص: 235

المصنِّف، ثم أذكر الحكم أيضاً عقب الفراغ من ذكر المتابعات والشواهد- إن وجدت-.

10-

بعد ذلك أبدأ بتخريج الحديث، فأبدأ بمن عزا الحديث للمصنِّف كالسيوطي مثلاً في الدر المنثور، أو من نقله عنه كابن كثير في التفسير، ثم أذكر المتابعات التَّامَّة ثم القاصرة، فأبدأ بمن أخرج الحديث من طريق المصنِّف كالبيهقي، ثم من تابع المصنف على إخراجه عن شيخه، فشيخ شيخه، وهكذا ولو في الصحابي.

ولربما كان المصنف قد أخرج الحديث في موضع آخر من السنن، فأذكره قبل البدء بتخريج المتابعات.

وقد استفدت فائدة عظمى في تقويم النَّصّ من ذكر المصنِّف للحديث في موضع آخر من السنن، أو مِنْ نَقْلِ الحديث عنه، أو إخراجه من طريقه.

11-

في أثناء التخريج عنيت بالإسناد والمتن، ولم أكتف بمجرّد الإحالة على من أخرج أصل الحديث، بل أذكر من الرواة مَنْ بذكره تتضح المتابعة، ثم أنبِّه على المتن، فإن كان بمثل سياق المصنِّف قلت:((بمثله)) ، وإن كان قريباً منه قلت:((بنحوه)) ، وإن كان اللفظ مختلفاً والمعنى واحداً قلت:((بمعناه)) ، وإن كان فيه زيادة أو نقص بيَّنت ذلك، وقد أحتاج إلى ذكر اللفظ فأذكره.

12-

لقد أكثر المصنِّف من ذكر القراءات مسندة إلى أصحابها من الصحابة والتابعين- في الأغلب-. وهنا أقوم بالرجوع إلى ما أستطعته من كتب القراءات والتفاسير، وأخرِّج تلك القراءة منها، مع ما يتبع ذلك من توجيه للقراءة ونحوه.

13-

لقد سرد المصنِّف الأحاديث والآثار سرداً في تفسير كل سورة، ولم يذكر الآية التي يتعلق ذلك الحديث بتفسيرها، لذا قمت بوضع

ص: 236

الآيات من نفسي، بين معكوفتين هكذا:[] وجعلت تحتها الأحاديث التي تتعلق بتفسيرها كما صنع ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما من المفسرين.

14 -

قمت بوضع فواصل بين كل سورة وما قبلها، ومكتوب في الفاصل اسم السورة الآتي تفسيرها.

15 -

التزم المصنف ترتيب الأحاديث والآثار حسب ترتيب الآيات، وهذا في الأعمّ الأغلب، لكنه أخل بهذا الترتيب في بعض المواضع، فقمت بترتيبها حسب ترتيب الآيات- وإن كان فيه إخلال بترتيب المصنف-، مع الإشارة في هامش الأحاديث- التي يبتديء الترتيب من عندها وينتهي- إلى ما صنعته من تقديم وتأخير.

وهذا إنما حصل بالنسبة لترتيب الآيات.

أما الموضوعات التي تندرج تحت تفسير الآية، فإن المصنف لم يلتزم ترتيبها حسب مجيئها في الآية، فقد يقدِّم مبحثاً على آخر، فوجدت أني سأخل بترتيب أكثر الكتاب إذا ما حاولت ترتيبها ترتيباً يتناسب مع مباحث الآية، فلذلك أهملته، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

* * *

ص: 237